رواية مطلقة تحت التهديد كاملة جميع الفصول

رواية مطلقة تحت التهديد هي رواية رومانسية والرواية من تأليف حبيبة في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية مطلقة تحت التهديد لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية مطلقة تحت التهديد هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية مطلقة تحت التهديد تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة

رواية مطلقة تحت التهديد كاملة جميع الفصول

رواية مطلقة تحت التهديد من الفصل الاول للاخير بقلم حبيبة

تستمر الصراعات و المشاحنات بين الأزواج كل يوم و ليلة ليتبقي الأطفال هم الثمن المدفوع لتلك الهراءات بينهم،فيفقد الطفل الأمان والشعور بالإستقرار وينتج عنه جيل فاقد للهوية نتاج لزواج فاشل إما يحكمه المصالح أو الحب الأعمي أوسوء الإختيار أو أنه أولاً وأخيراً ابتلاء من الله سبحانه وتعالي……
في منزل من منازل العائلات المتوسطة في مدينة الإسكندرية والذي تتعدد طوابقه ليحمل كل طابق به أسرة كل منها لها حياتها المليئة بالأحداث المتكررة يومياً وعلي إحدي شواطئ تلك المدينة المعشوقة إجتمع بعض أطراف هذه العائلة ليهونوا علي أنفسهم حرارة الجو ويستمتعوا بنسمـ.ـا.ت العليل المنعشة…
سارة وهي ممايلة بجسدها نحو بنت عمتها …
_إيه يا رهف اثبتي بقا روشتيني…
رهف بنظرات زائغة يمنة ويسرة…
_حاضر ما أنا قاعدة أهو،عايزة إيه؟
أراحت ذقنها بين يديها مستندة علي مرفقها…
_عايزاكي تقومي تتمشي معانا شوية مش هسيبك قاعدة لوحدك كدة…
إلتفتت رهف بالنظر عمن حولها وقالت بتهكم…
_فعلاً؟!كل البشر دي وهبقي لوحدي…
سارة بضحكة خفيفة…
_بطلي غتاتة بقا وقومي…
أجابتها بعدم تركيز…
_معلش ياسارة انتي عارفة أني ماينفعش أتحرك من هنا دلوقتي…
والدة سارة"الحاجة نادية"…
_ مـ.ـا.تقومي يا حبييتي معاهم وأنا هاخد بالي…
ابتسمت رهف…
_معلش يا طنط ،مش هينفع…
استسلمت سارة لرفضها واعتدلت متجهة نحو أخوها عمر و خطيبته إيمان و ابن خالها مروان الذي طال غيابه عن زيارة عمته وأسرتها الصغيرة بعد وفاة والده منذ عدة سنوات…
اقتربت سارة من الآخرين للتمشي علي الشاطئ بينما تعلق نظر مروان برهف الجالسة بعيداً نسبياً…
عمر وهو يسحب مروان من ذراعه…
_ما نيلا بقا…
مروان وهو مازال نظره معلق بها…
_هي قريبتك مش هتيجي تتمشي معانا؟
زفرت سارة وهي تقول:لا مش راضية…
وانطلق الشباب بينما جلست رهف علي أعصابها منتظرة ما تنتظره علي أحر من الجمر…
وبدأ الحوار بين أمهات العائلة…
نادية وهي تربت علي يد سامية…
_والله ليكي وحشة يا أم مروان…
ابتسمت سامية بحزن…
_والله وانتوا كمان يا أم عمر و القاعدة عالبحر دي كانت وحشاني أوي…
_ياما اتحايلنا عليكوا تيجوا تقضوا الصيف معانا…
ردت سامية بعين دامعة…
_ما انتي عارفة يا أم عمر من ساعة ما الحاج سليم اتـ.ـو.في وأنا زاهدة الدنيا و مش عايزة أتحرك من البيت…
تنهدت نادية بعمق…
_الله يرحمه يارب،بس انتي لازم تفكي عن نفسك شوية و تخرجي حتي عشان خاطر مروان…
_اه والله ده الواد مانع نفسه من أي سفرية مع صحابه عشان خاطري ،مش عايز يسبني لوحدي وكمان بعد ما سافرت سماح مع جوزها.…
ابتسمت نادية بحنان…
_ربنا يخليهولك ويرجعهالك بالسلامة…
رفعت يدها لأعلي قائلة…
_آمين يارب…
ومر الوقت طويل علي رهف حتي جاء الشباب بمرحهم و ألقوا السلام وجلسوا…
قالت سارة بلهفة…
_ايه يارهف لسة ماجوش؟
أومأت رهف رأسها بالرفض…
رفعت سارة حاجبها بتحدي…
_شفتي كان زمانك جيتي معانا ده احنا ضحكنا ضحك…
وضحك الشباب معاً…
ما ان اعتدلت رهف فجأة و هرولت علي الرمال لتستقبل طفلة ذات الثلاث سنوات من عمرها بين أحضانها فجلست رهف علي ركبتيها وسط الرمال وظلت تقبل وجه الصغيرة بكل ما به في اشتياق…
رهف بعيون تملأها الدمـ.ـو.ع…
_حشـ.ـتـ.ـيني و  أوي يا موكا…
احتضنتها الصغيرة وقالت…
_وانتي كمان يا ماما…
حتي سمعت صوته يأتيها من أعلي…
_في ايه يارهف؟ده كلها كام ساعة بس أمال لو باتت معايا هتعملي ايه؟
اعتدلت رهف و قالت بكلمـ.ـا.ت مرتجفة…
_لا طبعاً ملك مـ.ـا.تنفعش تبات بعيد عن حـ.ـضـ.ـني…
قال بتحدي…
_انتي اللي عملتي كدة،ممكن أوي تبات في حـ.ـضـ.ـني أنا وانتي…
احمر وجهها من التـ.ـو.تر وقالت بحنق…
_ابراهيم،أظن الموضوع ده اتقفل من زمان و انت كل شوية تفتحه…
_براحتك يا رهف أنا كل همي مصلحة بنتنا!!
نظرت له رهف في وجوم وكأن هي من لا تريد مصلحة ابنتهم و كأنه هو ليس من دمر هذه الزيجة بأفعاله…
ثم مسكت بيد الصغيرة وقالت وهي تستدير…
_طيب بعد اذنك…
وما ان التفتت حتي أوقفها ممسكاً بذراعها…
_علي فكرة أنا لسة مخلصتش كلامي…
سحبت رهف ذراعها من بين يديه بقوة…
_نعم يا ابراهيم،عايز ايه؟
_عايزك تفكري في مصلحة بنتك و لو بتحبيها صحيح ومش عايزاها تبعد عنك…
زفرت رهف…
_ياربي هو انت مابتزهقش من الكلام ،بتهيألي كده أحسن عالأقل بنتك مـ.ـا.تكرهكش،ممكن أمشي بقا؟
ابتسم بخبث وهو يقول…
_طبعاً ممكن وأكيد هنتقابل تاني وانحني لصغيرته ليقبلها وهو ينظرلرهف وكأنه موجه قبلته لها فأدارت وجهها بعيداً عنه، حتي مضي و عادت رهف إلي باقي العائلة الذين تهافتوا علي الصغيرة فهي محبوبة الجميع،بينما ظل مروان عالقاً نظره برهف وبلمعة الحزن بعينيها فهي فتاة في الخامسة والعشرون ذات البشرة الخمرية و الملامح الجميلة الهادئة ومتوسطة القامة وحجابها يزيدها بساطة وأناقة و حياتها المليئة بالمشاحنات تركت في أعينها بصمة حزن لا يمكن أن يمحيها الزمن بسهولة فها هو الزمن يحفر ذكرياته بملامحنا و لا يعطينا فرصة للنسيان…
انتهت جلستهم واتجه الجميع في طريق واحد إلي منزل العائلة حيث الطابق الأرضي و ما به من محال إحداهما محل لبيع وصيانة المحمول والذي يمتلكه شريف ابن خال رهف والآخر محل ملابس والذي تمتلكه عبير أخته،فألقوا عليهم السلام وصعد كلِ إلي طابقه ،كانت رهف أول من وصل فهي في الطابق الأول العلوي حيث كان والدها يجلس علي جهاز الحاسوب الخاص به فمنذ وفاة زوجته و هو يجلس هكذا…
دلفت رهف إلي الشقة وهي تلقي السلام علي والدها فرد عليها السلام وتهافتت الصغيرة وهي تجري نحو جدها…
_جدو ازيك يا جدو؟
احتضنها جدها وهو لا يزال علي كرسيه قائلاً…
_أهلاًموكا،عملتي ايه عند بابا؟
_حو جابلي سيبسي وحاجة حوة…
قال عبد المنعم والد رهف بنفاذ صبر وهو يتنهد…
_طيب ربنا يهدي أمك…
سمعته رهف فتزمرت وقالت:وبعدين يا بابا مالوش لازمة الكلام ده…
_يا بنتي البنت لازم تتربي وسط أبوها و أمها…
وجهت رهف حديثها لملك:خشي يا حبيبتي العبي جوة في الأوضة…دخلت الصغيرة وأكملت رهف حديثها مع والدها…
_والله يابابا ما ينفع كدة مش كل شوية تقطمني بالكلام وانت عارف كويس اني مش هرجعله…
ارتفعت نبرة والدها وتشابهت بالصراخ…
_يابنتي الواحدة بتتنازل عن كل حاجة عشان خاطر عيالها وانتي كل همك مصلحتك وبس…
سقطت دمـ.ـو.عها وهي تقول…
_أنا يا بابا،وانت فاكر اني كدة مبسوطة لما بنتي تشوف أبوها مرة ولا مرتين في الأسبوع يبقي ايه مصلحتي في كدة ولا لما أرجعله و تعيش وسط أب و أم كل يوم بينهم خناق وضـ.ـر.ب و كرامة في الأرض وفي الآخر تقوللي مصلحتي…
_خلاص انتي حرة اللي عايزة تعمليه اعمليه…
_ماانت كل مرة تقولي كدة وترجع تتكلم تاني…
_غصب عني بتصعب عليا البنت،خلاص خلاص قومي غيري هدومك دي…
سحبت نفسها ودخلت غرفتها فتفاجئت بملك قد انغمست في سباتها علي الأرض،حملتها علي الفراش و اتجهت نحو الشرفة،جلست علي مقعدها المفضل لها فيها ولم تستطع أن تتمالك نفسها حتي تعالت أصوات أنينها وشهقاتها،لم تدري أن هناك من هو فوقها في شرفة الطابق الذي يعلوها استمع لكل ما دار بينها وبين والدها ليس عن عمد ولكن كان صوتهم يعلو بلا دراية و تمني لو حدثها من بين الشرفات و هون عليها ولكنه تلجم و ظل يراقبها في صمت وهو يتذكر مشهدها مع تلك الرجل علي الشاطئ و حوارها مع والدها فاستدرك من كل هذا انها "مطلقة"…
ظل يفكر ملياً ماذا يفعل لتهدئتها و هل يتركها تنفطر من البكاء حتي طرأ علي فكره"سارة"فقد أحس انهم مقربين لبعضهن البعض فاستدعاها إليه…
أشار مروان إلي أسفل وهو يقول…
_قريبتك عمالة تعيط في البلكونة مـ.ـا.تنزلي تشوفي مالها…
زفرت سارة…
_رهف؟استغفر الله العظيم،ياتري حصل إيه؟
وتوجهت سريعاً إليها حتي فتحت لها الباب بوجه مغسول بدمـ.ـو.عها…
_إيه يا رهف مالك يا حبيبتي؟
رهف بنبرة ضعيفة…
_ادخلي يا سارة…
وتوجهتا إلي الشرفة…
_في ايه بقا طمنيني…
بدأت رهف بالبكاء…
_بابا يا سارة كل شوية يقطمني بالكلام وأنا تعبت والله ومبقتش قادرة أستحمل…
_علي موضوع ابراهيم بردو…
_أيوة…
_طيب معلش روحي اغسلي وشك كدة وروقي وتعالي نطلع فوق شوية…
_لا ماينفعش،موكا نايمة…
_طيب ماهي فرصة نرغي مع بعض شوية ،يلا بقا مش كفاية مـ.ـا.تمشتيش معانا عالبحر وبعدين عمر راح يوصل إيمان و طنط و ماما و بابا قاعدين مع بعض ومفيش غيري أنا و مروان فوق…
_طيب ما احنا قاعدين هنا أهو…
_لا ما هو حضرتك أنا اللي بخدم عليهم فوق فماينفعش أسيبهم،يلا قومي بقا ده أنا عاملة المهلبية بالشيكولاته اللي بتحبيها…
ابتسمت رهف و صعدت معها فهي لا تستطيع مقاومة الشيكولاتة،دلفت سارة إلي المطبخ وألقت رهف السلام علي الجميع ودخلت الشرفة حيث تبعها مروان وألقي عليها السلام…
ابتسم وهو يقدم نفسه…
_أنا مروان ابن عم سارة…
بادلته رهف بإبتسامة…
_اه طبعاً عارفاك،أهلا بيك…
_أهلاً بيكي…
وعم الصمت قليلاً ثم قال:أمال فين البنوتة الصغيرة،هي أختك؟
ابتسمت رهف ببساطة و رقة:موكا بنتي…
ابتسم مروان…
_ماشاء الله ربنا يخليهالك شكلكوا اخوات…
قاطعتهم سارة وهي تهتف:و عندك اتنين مهلبية هنا وصلحوا…
ضحك الجميع وقال مروان:ايه يا بنتي شغالة في قهوة ولا ايه؟
_أيوة عمتك و جوز عمتك مشغلني هنا بس بعقد دايم طول العمر…
قالت رهف وهي تمسك بطبقها…
_تسلم ايدك يا سارة…
_هو انتي لسة دقتيها…
_والله من غير ما أدوق،أنا عارفاها…
انسحب مروان من بينهم وتركهم للحديث سوياً حتي مرالوقت و دلفت رهف إلي طابقها و خلد الجميع إلي النوم
وفي الصباح فتحت رهف عيناها أثناء سباتها في طريقها للإستيقاظ فتحسست الفراش بجانبها لتطمئن علي ملك لم تجدها ،اعتدلت سريعاً وهي تنادي عليها،لم تستمع لإجابة،خرجت من غرفتها تبحث عنها بين الغرف لتجد والدها علي جهازه كالعادة في الصباح الباكر،سألته عنها بلهفة فأجابها…
_نزلت مع شريف يجبلها بسكوت…
تعصبت رهف كثيرا ًوهي تقول…
_قلتلها مليون مرة مـ.ـا.تنزلش مع حد…
_يابنتي هو حد غريب،ده ابن خالك وواخد ياسمين بنته معاه كمان…
_معلش يا بابا هي لازم تسمع كلامي،بس لما تيجي يا ملك…
وبعد قليل سمعت أصوات الصغيرتان يصعدن الدرج فخرجت رهف و صرخت بوجه ملك…
_انتي مابتسمعيش الكلام ليه قلتلك مليون مرة مـ.ـا.تخرجيش برة البيت…
بكت الصغيرة و أجابها شريف…
_في أيه يا رهف بالراحة عليها،دي كانت معايا…
_معلش يا شريف أنا آسفة بس هي لازم تسمع كلامي…
_خلاص معلش حصل خير،بصراحة أنا اللي قلتلها تيجي معانا…
رمقتها والدتها بنظرة غاضبة ثم انحنت للصغيرة الأخري ياسمين بإبتسامة لتقبلها…
_معلش يا ياسمينة خضيتك…
في حضور منال والدة ياسمين من الطابق العلوي والتي قالت بعجرفة…
_هو في ايه عالصبح كل يوم والتاني زعيق عالسلم،راعوا إن فيه ناس معاكوا في العمارة…
قال شريف ملوحاً.بيده لمنال…
_في إيه يا منال انتي صاحية تخانقي دبان وشك؟!
قالت منال بغضب…
_أنا؟ماشي يا شريف…
وسحبت ابنتها من بين يدي رهف و صعدت وهي تدب بأرجلها علي الدرج من عصبيتها و جـ.ـسمها الممتلئ…
أوقفتها رهف وهي تبتلع ريقها و تتنحنح…
_معلش يامنال أنا بس اتعصبت علي ملك شوية…
توقفت منال لترمق رهف بنظرة دون حديث ثم إستكملت صراعها مع الدرج وهي تتأفف…
أشار شريف علي رأسه لرهف بمعني "كبري دماغك"…
_معلش يا شريف أنا آسفة والله أنا سببتلكوا مشاكل…
_مشاكل إيه ما انتي عارفة منال هي والمشاكل صحاب من زمان،ماجتش عليكي يعني،يلا أنا نازل أفتح المحل…
_ماشي،ربنا معاك…
دخلت رهف بملك وقالت لها بعتاب…
_ايه اللي قومك من جنبي؟
ردت ملك باكية…
_سمعت ياسمينة وأونكل سريف نازلين فتحت الباب عسان أسوفهم…
ابتسمت رهف:تسوفيهم؟ماشي بس اوعي تمشي تاني من غير ما تقوليلي سامعة…
مسحت دمـ.ـو.عها بظهر كفها الصغير وهي تقول:حاضر…
حـ.ـضـ.ـنت رهف ابنتها وتركتها مع والدها كالعادة تاركة له وصاياها حول الصغيرة لتذهب هي إلي عملها…ترجلت الدرج حتي وصلت للأسفل ودلفت بنصف جسدها داخل محل عبير…
_صباح الورد يا بيرو،عايزة حاجة؟
_صباح الفل،تعالي…
_متأخرة،عايزة إيه؟
_ادخلي بس…دخلت رهف فأخرجت عبير فستان صغير من رفها الزجاجي الذي أمامها…
_شوفي ده كدة علي قد موكا…
_مش وقته لما أرجع هشوفه،هترفد النهاردة…
_وإيه اللي أخرك كدة…
_قمت ملقتش موكا جنبي طلع شريف واخدها يجبلهم حاجة حلوة و منال سمعتني كلمتين في جنابي كالعادة عالسلم…
_معلش سيبك منها…
_ماشي يلا باي هعدي عليكي لما أرجع،سلاموز…
أرسلت لها قبلة في الهواء وقالت:سلاموز…
انطلقت رهف إلي عملها والتي تعمل به ليس حباً فيه ولكنه في مجال تخصصها وقد أضطرت لإحتياجها الشـ.ـديد له فهي خريجة كلية الحقوق و تعمل كمساعدة لمحامي بالإستئناف العالي…
أستاذ مراد وهو ينظر لساعة يده:إيه يارهف اتأخرتي ليه كدة؟
_آسفة والله يا فنـ.ـد.م،ثواني و هحضر لحضرتك الملف…
_حضريه و حضري نفسك انتي كمان عشان هتحضري معايا الجلسة…
تبلمت رهف ثم نطقت:أنا؟؟
_أيوة يا أستاذة انتي لسة هتسرحي يلا مفيش وقت…
أومأت برأسها:حاضرحاضر…
لملمت أوراق القضية واتجهوا إلي المحكمة حيث افتتحت الجلسة وبدأ الأطراف بسرد أقوالهم و هناك سبحت رهف بخيالها في بحور ذكرياتها وحينها تذكرت…
{يا بابا عشان خاطري بلاش مش عايزاه…بلاش ليه يعني الرجل مفيهوش حاجة تعيبه،ولا انتي عايزة تفضلي قاعدة جنبي كده… يا بابا ماشي هتجوز بس بلاش ده مش مرتحاله وكبير عليا وكمان أنا لسة صغيرة مابفكرش في الجواز دلوقتي…لا مش صغيرة في قدك معاهم عيال و الرجل سنه مناسب و مش عايز كلام زيادة،خلاص أنا اتفقت معاه وهو جاي بكرة…}
وأثناء شرودها تعالت الأصوات داخل أسوار القاعة منها الزغاريد ومنها الصريخ فقد كانت جلسة لتنفيذ قانون الرؤية وقد ذكرتها هذة الجلسة بيوم ما كادت أن تمر به رهف ولكن تم الاتفاق ودياً بينها و بين إبراهيم ،فهو قانون مؤلم لأحد الطرفين أحدهما يستمتع برؤية صغيره ليلاً و نهاراً والآخر يحق له رؤيته مرة أو اثنتان فقط لوقت طويل حتي يبلغ الصغير سن الرشـ.ـد فيختار هو بين والديه أي فيهم يستكمل معه بقية حياته وهذا نتاج حتمي لأي زيجة فاشلة……
يتبع...
انتهت الجلسةولاحظ مراد شرود رهف أثناءها فسألها بهدوء…
_إيه يا أستاذة؟انتي جاية معايا الجلسة عشان تسرحي؟
زاغت نظراتها:أنا؟لا كنت مركزة…
حدق مراد عينيه:امم طيب فكريني كده بالحكم كان إيه؟
زمت رهف شفتيها في خجل…
_احم هو أنا تقريباً سرحت في لحظة النطق بالحكم بس…
ابتسم مراد:ماشي يا أستاذة ابقي ركزي في الجلسات بعد كدة…
احمر وجهها وهي تقول:حاضر يافنـ.ـد.م…
عادت أدراجها إلي المنزل حيث لمحت سيارة مصفوفة أسفل البناية اقتضب لها جبينها،دخلت إلي محل عبير وسألتها:هو إبراهيم فوق؟
حدقت عينيها:مخدتش بالي والله…
قالت في عجالة:طيب أنا طالعة…
_مش هتشوفي الفستان؟
_ابقي عدّي عليا وانتي طالعة…
وصعدت رهف علي أول الدرج وهي شارده في سبب مجيئه ،اصطدمت بمروان فقال سريعاً:أنا آسف…
_لا أنا اللي آسفة كنت سرحانة…
_ولا يهمك،ازيك؟
_تمام الحمدلله…
_وازي موكا؟مش بتنادوها موكا بردو؟
ابتسمت رهف ابتسامة خفيفة:أيوة هي كويسة الحمدلله…
_طيب سلميلي عليها،مش عايزة حاجة أجبهالك من تحت؟
_الله يسلمك،لا ربنا يخليك…
وصعدت حتي دلفت إلي الشقة فوجدت إبراهيم و والدها يتحدثان سوياً بإهتمام و ملك تلهو مع ياسمين في غرفتها…ألقت عليهم السلام فاستأذن والدها وتركهما معاً…
_خير ياإبراهيم في إيه؟
_جاي أشوف ملك،بلاش؟
_طيب ماهي كانت معاك إمبـ.ـارح،وابتسمت بسخرية:وبعدين أنا شايفاك قاعد مع بابا مش معاها…
_مانا كنت معاها وبعدين سبتها وبتكلم مع باباكي شوية،فيها حاجة دي؟
_لا أبداً…ثم عقدت ذراعيها حول صدرها وقالت…
_ وياتري ايه الموضوع المهم اللي بينك و بين بابا وحاستكوا مشغولين مع بعض بالكلام فيه أوي؟
_مش ناوية ترجعي بيتك؟
ضحكت رهف بتهكم…
_بيتي؟أنا ماليش بيوت غير هنا وبعدين انت مابتزهقش من الحوار ده؟
أطرق برأسه نحو مكان وجود والدها وقال:بس باباكي موافق…
زفرت بقوة:انا ماليش دعوة بحد،ومش هرجع يا إبراهيم ريح نفسك بقا و وفر مشاويرك…
_بقا كدة؟ طيب خللي في علمك بقا يا مدام انك مش هتتجوزي تاني لأنك لو فكرتي بس تتجوزي بنتك مش هتبات في حـ.ـضـ.ـنك ولا حتي هتشوفيها تاني…
تعصبت رهف:انت جاي تهددني يا إبراهيم،فعلاً عمرك ما هتتغير…
تركته ودخلت غرفتها علي الفور وأوصدت الباب خلفها،زفر إبراهيم و ألقي السلام علي والدهاوخرج في عجالة وهو ينفخ في سيجارته حتي إصطدم بمروان الذي أنهي طلبه سريعاً فوقعت سيجارة إبراهيم أرضاً إثر إصطدامهم…اعتذر منه مروان فقال إبراهيم بعجرفة:مش تاخد بالك…
رحل إبراهيم وظل مروان واقفاً لثوانِ يحدث نفسه"بقا ده يتجوز النسمة دي،سبحان الله"
أما في الأعلي فدخل عليها والدها ليستكمل ما بدأه إبراهيم…
_في إيه يا رهف؟انتي مالكيش كبير يعني؟جوزك جالك لحد عندك و عايز يرجعك ،فيها إيه لما ترجعيله؟
_لا إله إلا الله،أولاً يا بابا ده مابقاش جوزي خلاص وثانياً لو هموت مش هرجعله يا بابا ونفسي تريحوا نفسكوا…
قال والدها بجفاء…
_بس أنا مبقتش قادر علي مصاريفكوا!
عقدت رهف حاجبيها بحزن:مصاريف إيه يا بابا؟ما أنا بشتغل وبصرف عليا أنا و بنتي…
قال بحسم…
_من الآخركدة ،في واحدة جاية هنا الشهر الجاي و هنتجوز و ماينفعش تبقي موجودة هنا…
انصدمت رهف من تغير مجري الحوار…
_واحدة؟؟واحدة مين دي يا بابا؟
_واحدة هتجوزها و هتعيش معايا هنا…
_ازاي يا بابا؟خلاص نسيت ماما الله يرحمها…
_يا بنتي مانستهاش بس أنا محتاج واحدة تعيش معايا بقية عمري…
وكان الحوار ثقيلاً علي قلبها حتي أخرج الدمـ.ـو.ع من مقلتيها وهي تقول…
_مين دي يابابا؟
_واحدة جاية من المغرب!!
_ايه؟المغرب؟ حـ.ـر.ام عليك يا بابا وانت تعرف عنها إيه دي عشان تدخلها بيتك؟ تعرف أصلها وفصلها و دينها و أهلها؟
_عارف عنها كل حاجة،كنا بنتكلم عالنت بقالنا شهر…
_أنا مصدومة بجد مش قادرة أصدق،بقا أنت المفروض اللي تحذرني من النت ومن التعارف عالنت وانت رايح تتعرف علي واحدة من النت، طب انت واثق فيها أزاي انها متكدبش عليك يعني…
_أيوة واثق فيها جداً و خلاص هي جاية ومش عايز كتر كلام و ياريت ترجعي لجوزك بقا عشان ماينفعش خلاص تفضلي هنا لما هي تيجي!
جمعت حروفها وقالت:انت بتطردني يا بابا عشانها،بتطردني أنا وبنتي من بيت أمي…
قال بقسوة:ده مابقاش بيت أمك،ده بيتي أنا وانتي هنا ضيفة فيه…
انتهي حديثهم و لم تجف دمـ.ـو.عها من علي وجنتيها فهي مصدومة لفعلة والدها فكيف لحب العمر أن يُمحي في لحظة ويحل محله كائن آخر!!

ظلت رهف علي فراشها تبكي بحرقة لما قاله والدها وما سوف يفعله وفجأة مسحت دمـ.ـو.عها وأسرعت إلي الأعلي حيث توجد سارة،طرقت رهف علي باب شقة خالها ليفتح عمر لها الباب…
_رهف،تعالي…
_ازيك ياعمر؟سارة جوة؟
_اه جوة ادخليلها.…ولاحظ دمـ.ـو.عها التي تحاول إخفاءها فقال:انتي كويسة؟
قالت وهي تخفي وجهها…
_اه الحمدلله…
وعنـ.ـد.ما دلفت إلي سارة ارتمت في أحضانها و أفرغت ما تبقي في عينيها من دمـ.ـو.ع…
_في إيه يا رهف،مالك؟
ابتعدت رهف عن حـ.ـضـ.ـنها قليلاً وقالت: بابا هيتجوز وعايزني أسيب البيت!
عقدت سارة حاجبيها وابتلعت ريقها وقالت بهدوء من أثر الصدمة: إيه؟
_اللي سمعتيه،لأ و كمان جاية من المغرب…
_أنا مش مستوعبة…
_قوليلي أعمل إيه،لازم خالو يعرف و يكلمه ويمنعه كمان…
_هو ممكن يكلمه إنما يمنعه دي صعبة يا رهف،باباكي مش صغير عشان حد يمنعه…
شردت رهف و دمـ.ـو.عها تغرق وجنتيها فهي تشعر أنها وحيدة رغم من حولها،لا تعلم ماذا يجدر بها أن تفعل،وفاة والدتها أثناء صغرها كسرها و جعلها هشة ضعيفة لا تجيد حسن التصرف في أي موقف صعب تمر به،فوجود الأم يقوي و يصنع جداراً صلباً لأبنائها يستندوا عليه أينما و وقتما شاءوا و برحيلها تتحطم تلك الجدار ليصبح لا شئ نستند عليه…
_رهف ..رهف انتي معايا؟
فاقت من شرودها علي صوت سارة…
_ها،اه معاكي ياسارة،طيب أنا هنزل بقا…
أمسكت بذراعها:لسة بدري،مستعجلة علي إيه؟
_أصلي سايبة موكا تحت و كمان عبير هتعدي عليا…
_ماشي يا حبيبتي بس روقي كدا وان شاء الله كل حاجة هتتحل…
خرجت رهف من غرفة سارة فوجدت خالها و باقي الأسرة يلتفوا حول مائدة الطعام فألقت عليهم السلام ورد الجميع عليها ثم أتبع خالها:ازيك يا رهف؟
_الحمدلله ياخالو…
وقالت نادية:تعالي اتعشي يا حبيبتي…
_ربنا يخليكي يا طنط مش قادرة…بعد اذنكوا…
سعد "خالها":مالك يا رهف ؟في حاجة مزعلاكي؟
نظرت رهف إلي سارة بعيون زائغة:لا أبداً يا خالو…
سعد بلهجة حانية:في إيه يا بنتي شكلك معيط ومش طبيعي؟
رهف:طيب يا خالو اتعشي وأنا هبقي أطلعلك تاني…
_لا تعالي،هم سعد بالنهوض من علي المائدة وذهب بإتجاه غرفة الصالون فأرسلت رهف نظرة لسارة فهمت منها أن تتبعهما…
دخلوا الغرفة وبدأ خال رهف بسؤالها عن سبب حزنها الواضح تماماً علي ملامحها، ترددت رهف و لكن شجعتها سارة التي بدأت هي بالحديث عن صفقة زواج والد رهف،تفاجأ "سعد" من الخبر وانصدم كثيراً فهذا بيت أخته رحمها الله فكيف يجرؤ علي إتيان بأخري تحل محلها و الأدهي أنه يريد من رهف الرحيل فطمأنها خالها وأرشـ.ـدها للهدوء وأنه سيتدخل حتماً…
اطمئنت رهف قليلاً عنـ.ـد.ما تحدثت إلي خالها واستئذنتهم بالرحيل،هبطت الدرج و دلفت إلي شقة والدها،ثواني قليلة و طرقت عبير الباب عليها وجلسا معاً في الشرفة وتبادلا الحديث وسردت لها رهف عما يحزنها،كان رد فعل عبير مختلف تماماً عن غيرها فكانت تتهكم و تسخر من تصرف والدها و بدأت بإقناع رهف أن تلك هم الرجال لا أمان لهم فهي تحمل عقدة من الجنس الآخر لمرورها بتجربة خطبة فاشلة جعلتها تكره مجرد ذكر إسم رجل…
في صباح اليوم التالي استيقظت رهف واستعدت للذهاب إلي دوامها ولكنها تفاجئت بسارة التي استيقظت مبكراً
علي غير عادتها فهي كسولة قليلاً عاشقة للنوم ولكنها بنت رقيقة و جميلة…
رهف:ايه ده تتحسدي؟صاحية بدري ليه؟
قالت سارة وهي يبدو عليها النشاط و الحماس:علشان ألحقك قبل ما تمشي…
_ليه عايزة ايه،مش طالبة تأخير ياسارة؟
ضحكت سارة:لا دي طالبة أجازة وانتي الصادقة مش تأخير!
تعجبت رهف:أجازة؟ ليه؟
أشارت رهف بسبابتها علي رأسها وقالت:طقت في دماغنا بالليل اننا نعمل رحلة…
رهف وهي مصطنعة ضحكة مسرحية: سبحان الله!!
ضحكت سارة وقالت برجاء…
_اه والله ومـ.ـا.تبقيش رخمة،كلنا موافقين…
_يا بنتي الله يهديكي ،سبيني أمشي اتأخرت…
_والله هيزعلوا منك كلهم وأنا أولهم طبعاً…
_هما مين دول؟ورحلة فين يعني؟
حركت يديها في الهواء بحركة صبيانية:هنروح القاهرة بقا أهرامـ.ـا.ت و الحسين و خان الخليلي وكدة وكلنا طالعين ده اتصلوا بسواق أتوبيس وحجزوا أصلاً…
_اممم طب والشغل هقول لأستاذ مراد إيه؟
_قوليله عايزة أجازة أشم نفسي شوية…
_ههههه والله؟ هقوله كده هيقولي طيب شميه بقا علي طول،بجد هقوله ايه؟
فكرت سارة قليلاً…
_بقولك ايه عادي قوليله هتفسح شوية…
قالت رهف وهي تزم شفتيها…
_ربنا يستر لو اترفدت انتي اللي هتدوريلي علي شغل…
ضحكت سارةوقالت:اوك موافقة يلا اتصلي…
أجرت رهف إتصالها بمراد الذي أجابها سريعاً…
_إيه يا رهف في حاجة ولا إيه؟
ضمت رهف حاجبيها وهي تقول: لا يا فنـ.ـد.م أنا بس كنت عايزة أطلب من حضرتك طلب بس لو ماينفعش عادي قولي لا…
قال مراد مرحباً: اتفضلي اطلبي…
تنحنحت رهف و قالت: ممكن يعني لو مفيش مانع آخد أجازة النهاردة…
فكر مراد قليلاً وهو يتمتم ثم قال:في حاجة ضروري يعني؟
قالت رهف بتردد:بصراحة يعني العيلة عملة رحلة صغيرة كدة وعايزني معاهم،ثم أردفت :بس لو هعطل الشغل خلاص يا فنـ.ـد.م…
وكزتها سارة في ذراعها…فرمقتها رهف بنظرة محذرة…
رد مراد بعد تفكير…
_وطبعاً هترجعي متأخر النهاردة و هتبقي صاحية بكرة تعبانة…
ردت رهف بسرعة:لا لا هاجي بكرة في ميعادي ان شاء الله…
قال مراد بصدر رحب:لا يا ستي خلاص عندك أجازة النهاردة و بكرة بس متاخديش علي كدة…
وضعت رهف يدها علي فمها أثر الفرحة وقالت:بجد شكراً جداً يا أستاذ مراد…
قفزت سارة في الهواء لسماعها شكر رهف له وهي تقول:يس يس…
انتهت المكالمة وأتبعت سارة:انجزي بقا حضري نفسك وصحي موكا عشان كلها ساعة ونتحرك…
حدقت رهف عينيها وقالت…
_نعم انتي بتهرجي مش هلحق أحضر نفسي…
قالت سارة بمرح…
_يا بنتي مـ.ـا.تشغليش بالك ماما و طنط متحملين مسؤلية السندويشتات كلها…
***********
وفي مكتب المحاماة،استدعي مراد مساعده الآخر طارق ليحضر نفسه للذهاب معه الجلسة بدلاً من رهف والذي قال بفضول…
_خير يا أستاذ مراد هي أستاذة رهف مش جاية ليه؟
قال مراد بحدة…
_وحضرتك دخلك إيه يا أستاذ ،اتفضل حضر الملف…
شعر طارق بحرج شـ.ـديد فأومأ برأسه وهو ينصرف…
يتبع…
انطلق شباب وبنات العائلة إلي المدينة التي لا تنام وبدأت الرحلة بأهرامـ.ـا.ت الجيزة وكان الشغف والفرحة يسيطران علي الشباب و بمجرد ما رأت سارة الجمال تمشي ببطء علي رمالها، أطلقت صرخة خفيفة وقالت موجهة حديثها لعمر…
_عمر عاوزة أركب جمل فوراً حالاً…
نظرلها عمر نظرة حادة ممتزجة بحنان و قال…
_ممكن توطي صوتك وبطلي هبل…
لوت شفتها بحركة طفولية وهي تقول…
_كدة ياعمرأنا هبلة،ماشي بس عايزة أسوق الجمل بردو…
قال عمر بحبور:طيب يلا يا جماعة اللي عايز يسوق الجمل يقف طابور ورا سارة كدة…ضحك الجميع و وقفت كل من عبير و إيمان و منال خلف سارة بمرح…
وجهت سارة حديثها لرهف قائلة:يلا يا رهف…
التفتت رهف يميناً ويساراً ثم أشارت علي نفسها وقالت بمزح:انتي بتكلميني أنا؟
قالت سارة بتهكم:أمال بكلم الجيران،يلا…
قالت رهف بضحكة ساخرة:هههه لا خالص معرفكيش،أنا بترعـ.ـب منه…
قالت سارة بضحك:ماشي يا غلسة…
و اعتلت سارة وإيمان جمل واحد فقالت رهف:الله شكلكوا يجنن استنوا هصوركوا…
وأخرجت هاتفها محاولة فتحه و فجأة قالت بعصبية:بجد أنا زهقت من الموبايل ده بقا بيهنج بطريقة تنرفز،ثم نظرت لشريف و قالت بعفوية:ينفع يعني يبقي ابن خالي بيصلح موبايلات و موبايلي بايظ كدة…
ضحك شريف وقال:لا طبعاً ده حتي عيبه في حقي…
تعصبت منال وقالت بعجرفة:والله احنا مش حاطين بعبع علي باب المحل و مهوش بعيد عنك يعني،ده شريف أشطر واحد بيصلح في اسكندرية كلها…
ابتسمت رهف ابتسامة باهتة وهي تقول:اه طبعاً،خلاص لما نرجع ان شاء الله يبقي يصلحه…
وانطلق سائقي الجمال في جولة حول المكان وتعلقت ملك بذراع شريف فأخذها هي وصغيرته ياسمين علي ظهر جمل صغير وانطلقوا معاً،مما ثار غضب منال مرة أخري التي قالت لشريف أثناء جولتهم…
_هي الست هانم هتفضل رميالنا بنتها كدة و عايشة حياتها هي…
رمقها شريف قائلاً:ارحمي نفسك و خفي شوية بقا،البنت هي اللي شبطت فينا عشان ياسمين وبعدين ما انتي راكبة الجمل لوحدك اهو عايزة ايه تاني…
لوت شفتيها وهي تقول بتأفف:ولا حاجة…
وبعد رحيل الجميع اكتشفت رهف بأنها تبقت مع مروان بمفردهم فانتابها الخجل حتي أنقذها هاتفها ليعلن عن اتصال فأجابت مسرعة…
_السلام عليكم…
_وعليكم السلام،ازيك يا أستاذة…
_الحمدلله يا أستاذ مراد…
_بتصل أطمئن عليكي… و تنحنح: وصلتوا بالسلامة…
_اه الحمدلله،متشكرة جداً يافنـ.ـد.م…
_لا علي ايه،يلا استمتعي…
_ان شاء الله…
وانتهي حديثها الهاتفي و عادت رهف إلي خجلها مرة أخري،عم الصمت بينهم لدقائق حتي قال مروان أخيراً:تحبي تتمشي…
قالت رهف من بين خجلها:اوك…
وقاما الإثنان للتجول وبدأ مروان يلملم أفكاره ليختلق حديث بينهم يكسربه هذا الصمت الذي بدأ يتحول إلي ملل فقال…
_بقالي كتير مجتش عند عمي،تقريباً من ساعة من بابا اتـ.ـو.في من أربع سنين…
قالت رهف بأسف:الله يرحمه…
وأتبع مروان:بس للأسف الأجازة بتاعتي قربت تخلص،أصلي بشتغل محاسب في بنك وبالعافية خدت أجازة أسبوع،أصل المدير مقفلها علينا أوي…
قاطعته رهف وقالت:معلش ربنا يقويك…
حك مروان رأسه بطرف إصبعه وهي يقول:صدعتك صح؟
قالت رهف مبتسمة وهي تنظر للهرم الذي كان أمامهم بمسافة قصيرة:لا أبداً مفيش حاجة…
لاحظ مروان تركيزها في النظر للهرم فقال مستفهماً:تحبي تطلعي الهرم؟
التفتت اليه فجأه بجـ.ـسمها دفعة واحدة و نظرة تعجب مما جعل مروان ينفزع قائلاً:في ايه؟
ارتسمت ابتسامة علي شفتيها رغماً عنها وقالت:لا مفيش حاجة بس انت عرفت منين اني نفسي أطلع الهرم…
تنهد مروان وقال بإبتسامة:يعني لقيتك مركزة أوي فتوقعت كدة، طيب يلا نتسلقه…
تلاشت الإبتسامة من علي شفتيها وقالت: لا هو أنا نفسي جداً طول عمري أطلعه بس بخاف بخاف أوي…
ابتسم مروان وهو يقول بثقة:أقولك علي حاجة واخدها مبدأ في حياتي…
أومأت رهف برأسها وهي متمعنة التركيز معه…
قال مروان:لو نفسك في حاجة وخايفة منها اتوكلي علي الله واعمليها،ممكن تنـ.ـد.مي بعدها بس أحسن لك بكتير لو نـ.ـد.متي علي انك معملتهاش…فاهمة حاجة؟
رهف وهي مركزة:تقريباً…وضحك الاثنان معاً…
_طيب قررتي ايه؟
قالت بتردد كبير:هحاول بس…وصمتت قليلاً…
قاطعها:بس ايه؟
_لو جرالي حاجة،خليهم ياخدوا بالهم من موكا…
ضحك مروان و هو يقول:لا هي مش صعبة للدرجة دي،يلا بينا…
وبدأوا بصعود أول درجات الهرم حتي سبقها مروان بعدة طبقات، واجهت رهف صعوبة في الصعود و لكنها ثابرت و تحدت خوفها بكلمـ.ـا.ت تشجيع منه حتي صعدت إلي نفس درجة مروان وكانت في قمة سعادتها و كأنها اجتازت اختبـ.ـار صعب و نجحت فيه بإمتياز،جلست علي أحد درجاته وهي تشعر بلفحات الهواء تداعب وجهها و حجابها،تناست همومها ،شعرت بسعادة لم تشعر بها منذ زمن وكأنها تمتلك المكان بأسره وهي تنظر له من أعلي نقطة حتي قاطعها رنين هاتفها لتجد سارة تتصل بيها فأجابتها بسعادة بالغة…
_أيوة يا سرورة…
قالت سارة:ايه يا رهف انتي فين؟
قالت رهف بمرح:تخيلي!
لوحت رهف بيدها الأخري في الهواء بحركة مسرحية وقالت:انا فوق الهرم…
ضحكت سارة و قالت متعجبة:بتهزري؟طب اثبتي زي ما انتي احنا جايينلك فوراً…
وقدم إليهم سارة وعمر وإيمان وعبير وصعدوا جميعاً درجات الهرم حتي وصلوا إليهم وقاموا بالتقاط بعض الصور والفرحة تتخلل قلوبهم جميعاً وضحكاتهم تملأ المكان……
*********
وفي الإسكندرية علي آذان العصر…
في إحدي الشقق الفخمة ،سيدة في العقد الخامس من عمرها من يراها لأول وهلة يميزها بالدهاء،يبدو علي ملامحها الصرامة ،كانت تجلس علي أريكة كبيرة تقلب في التلفاز بطريقة عشوائية ثم هتفت بنبرة عالية…
_وردة..يا وردة…
أسرعت من المطبخ وهي تهرول:أيوة يا هانم…
قالت"فدوي"بحدة:الغدا جهز؟
ردت وردة بإرتجاف :أيوة بس برصه عالسفرة…
_طيب اخلصي واطلعي صحي إبراهيم بيه…
ردت وردة بأدب:حاضر ياهانم…
استيقظ إبراهيم من سباته علي هتاف وردة…
_ابراهيم بيه يا ابراهيم بيه…
صاح فيها وهو يقول: ايه يا ست انتي قلت مليون مرة مـ.ـا.تصحنيش ومـ.ـا.تدخليش عليا وانا نايم…
قالت وردة بذعر:أنا آسفة والله يا ابرهيم بيه بس الست هانم قالتلي أصحيك علشان الغدا…
قال بعجرفة:خلاص خلاص انتي هترغي،أنا نازل…
والتفت الأسرة الصغيرة حول المائدة يترأسها إبراهيم وعلي يمينه والدته وعلي يساره سلوي أخته وشرعوا بتناول الطعام…
قالت فدوي:إيه يا ابراهيم مفيش أخبـ.ـار؟
قال إبراهيم وهو منهمك في قراءة بعض الرسائل الإلكترونية علي اللاب توب الخاص به:عن إيه يا ماما؟
قالت بحدة:عن رهف و ملك ولا انت خلاص ضعفت و مابقتش قادر تفرض رأيك عليها…
نظرت سلوي إلي والدتها وهي ممتعضة دون حديث بينما أشع وجه إبراهيم ناراً وهو يضغط علي أضراسه قائلاً:اصبري يا ماما ،أنا كل يوم بزن علي ودانها…
ضحكت ضحكة ساخرة وهي تقول:هههه تزن علي ودانها،انت لو عايز تعمل حاجة كنت عملت من بدري…
قال إبراهيم بغضب:عاوزاني أعمل ايه يعني أخطفهم مثلاً…
قالت ببرود:والله مصلحة بنتك تخليك تعمل أي حاجة عشان خاطرها…
قالت سلوي بنفاذ صبر:حـ.ـر.ام عليكوا بقا انتوا بتعملوا كدة ليه؟
رمقتها فدوي بنظرة محذرة وقالت:انتي يا بت مـ.ـا.تدخليش في الكلام ده فاهمة ولا لأ…
_ليه يعني يا ماما أنا مابقتش صغيرة…
خبط إبراهيم بقبضته علي المنضدة بقوة محذراً سلوي:سلوي اتكلمي مع ماما بأدب أكتر من كدة…
زفرت سلوي وهي تعتدل لتنسحب من بينهم قائلة:حاضر يا أبيه،عن اذنكم…
*************
توالت الإتصالات علي الشباب والبنات من أمهاتهم للإطمئنان عليهم و لم يعلن هاتف رهف عن اتصال واحد منذ صباح اليوم من والدها مما يبث في نفسيتها بعض الألم والحزن علي فراق والدتها، كانت قد تطورت الرحلة إلي مدينة الملاهي الكبري حيث اللعب والمرح حتي انتهت رحلتهم و استقلوا جميعاً الأتوبيس في رحلة العودة إلي أن وصلوا بسلام إلي منزلهم بعد أن قاموا بتوصيل إيمان إلي منزلها ودلف كل منهم إلي شقته لإستقبال السرير بصدر رحب وجسد منهك…
*************
استلقت رهف علي فراشها و شردت قليلاً حينها زحفت ابتسامة علي إحدي ثغريها بمجرد تذكرها لموقف ما في مدينة الملاهي…
(_رهف،رهف فوقي…
شعرت بتشويش في رؤيتها و ألم برأسها حتي بدأت بفتح عينيها رويداً لتجد وجهه أمام وجهها يحاول إفاقتها وسألها…
_انتي كويسة؟
أومأت رهف برأسها وهي لا تعلم ما حدث حتي تهافتت عليها البنات، وقالت سارة بخفة ظل:لما انتي مش أد الصاروخ بتركبيه ليه؟
ابتسمت رهف وهي تنظر لمروان وقالت :انت السبب مشيت عالمبدأ بتاعك وركبته وأنا أصلاً بخاف من الألعاب كلها…
ضحك مروان وقال:بس بزمتك ماستمتعتيش؟
ابتسمت رهف وقالت بسخرية:انت شايف ايه؟)
حتي أفاقتها ملك من شاردتها وهي تقول: ماما ماما؟
انتبهت رهف إلي ابنتها وهي مبتسمة…
_ها،نعم يا موكا…
قالت ببراءة:ليه أونكل سريف مس يبقي بابايا؟
تلاشت ابتسامة رهف وحل مكانها دمعة في مقلتيها وقالت:ياحبيبتي بابا إبراهيم بيحبك أوي أكتر من أونكل شريف…
لوت الصغيرة شفتيها و هزت رأسها نفياً:لا بابا وحس…
اقترب حاجبي رهف من بعضهم البعض وقالت:لا يا موكا بابا كدة يزعل ده بيحبك زي ماأنا بحبك بالظبط…
قالت ملك:لا ده بيضـ.ـر.بك جـ.ـا.مد…
احتضنتها رهف بعمق حتي بللت كتف الصغيرة بدمـ.ـو.عها الغزيرة ثم بعدتها عن حـ.ـضـ.ـنها ومسحت دمـ.ـو.عها وقالت:يلا بقا عشان تنامي ،انتي مـ.ـا.تعبتيش من اللعب وحملتها وسطحتها علي الفراش بجانبها…
قالت ملك:هنام عسان ألعب مع ياسمين إمبالح…
ضحكت رهف وقالت:انتي التوقيت عندك بايظ خالص ،قصدك بكرة يلا تصبحي علي خير…
وقرأت لها الفاتحة حتي انغمست في سبات عميق كالملائكة…
ظلت رهف علي فراشها تترواض أفكارها و تؤرقها بما مضي من ذكريات عمرها التي آلمتها كثيراً وهي مازات زهرة في ربيع عمرها حتي راحت في سباتها هي الأخري…
وفي الصباح استيقظت سارة و بعد أن تناولت فطورها مع الأسرة ،قالت لها والدتها…
_سارة انزلي لرهف قوليلها يعملوا حسابهم هيتغدوا معانا النهاردة،هي تعبانة من الرحلة زيكوا ومش هتقدر تعمل حاجة…
قبلت سارة رأس والدتها وقالت: والله انتي أحلي ماما في الدنيا…
نظرت لها والدة مروان بإعجاب وقالت:ربنا يخليهالك يا نادية وتفرحي بيها…
ردت نادية برجاء:آمين يارب…
**********
_مش مهم ياسارة أنا هقوم أعمل أكل دلوقتي…
_يا بنتي انتي غاوية تتعبيني معاكي وبعدين عشان بابا يكلم أونكل عبد المنعم في الموضوع بتاعه النهاردة ،فرصة يبقوا مع بعض…
فكرت رهف قليلاً وقالت:خلاص ماشي…
جاء وقت الغذاء والتفت العائلة حول مائدة الطعام وبعد إنتهاءهم انفرد سعد مع عبد المنعم في غرفة الصالون لتناول الشاي وبدأوا يتبادلوا أطراف الحوار…
قال سعد بذكاء:مش عايز تقولي حاجة يا عبد المنعم؟
رد عبد المنعم مستفهماً:حاجة إيه؟
قال سعد وهو مبتسماً:عايز تتجوز يا عبد المنعم بعد العمر ده كله؟
رد عبد المنعم مقتضباً جبينه:لحقت الأخبـ.ـار وصلتك ثم أردف:أنا مابعملش حاجة عيب ولا حـ.ـر.ام…
قال سعد نافياً:حاشا لله، ده شرع ربنا بس الأصول ان ده بيت عيلة و اخوات ناهد الله يرحمها هما اللي معاك في البيت يعني المفروض تتحرج مننا حتي يا أخي…
رد عبد المنعم مستنكراً:ده انت قلت حاشا لله يا سعد يعني أنا مبعملش حاجة حـ.ـر.ام عشان اتحرج منكو وناهد الله يرحمها عمري ماهنساها ولا حد ممكن ياخد مكانها بس دي مجرد واحدة ونس معايا و تشيلني وقت مرضي…
ابتسم سعد قائلاً:يعني مصمم؟ طيب دي حاجة مقدرش أمنعك فيها دي حرية شخصية انما انك تطلب من رهف انها تسيب البيت، دي حاجة مايتسكتش عليها أبداً…
_وانت شايف ان ينفع رهف وبنتها يكونوا معانا في البيت…
رد سعد بحنق: جرا ايه يا عبد المنعم ،انت فين مخك أمال البنت تمشي تروح فين يا رجل دي ملهاش غيرك دلوقتي خليك حنين عليها وبعدين هي في أوضتها و مالهاش دعوة بحاجة…
قال عبد المنعم بنفاذ صبر: خلاص يا سعد تعد براحتها أنا كان همي مصلحتها كنت عايزها ترجع لجوزها ولا تتجوز اي حد عشان متفضلش كدة يعني…
نظر سعد إليه نظرة دهاء و سخرية وهو مبتسماً:همك مصلحتها بردو؟!
**********
دلفت والدته إليه في غرفة مكتبه الخاص في الشقة لتجده منغمس في أوراق و ملفات لا حصر لها علي المكتب ،جلست علي الكرسي المقابل له وقالت بتطفل…
_هتفضل سايب بنتك كدة عايشة بعيد عنك؟
رد وهو مازال ينظر في أوراقه…
_لا طبعاً…
_ومستني إيه؟لما رهف تتجوز وبنتك تعيش مع رجل غريب عنها…
نظر إليها مقتضباً:خلاص يا ماما اطلعي ارتاحي انتي في أوضتك وانا مش ناسي الموضوع بس بخططله في دماغي…
قالت بمكر:يعني ناوي علي حاجة؟
ابتسم بمكر أكثر وقال:طبعاً…
يتبع……
خرج كلاً من سعد و عبد المنعم من غرفة الصالون بعد انتهاء حديثهم وكانت سارة و رهف تنتظرانهما في الشرفة و تفكران في ماذا ياتري دار بينهم وإلي أين توصلوا من حلول…وعنـ.ـد.ما رأت رهف والدها و خالها يدلفان من الغرفة اعتدلت و عينيها تسألان خالها بنظرات زائغة طمأنها سعد بنظرته أيضاً مع حركة رأسه حتي استئذن عبد المنعم بالنزول إلي شقته فهو لا يطيق الابتعاد عن حاسوبه لوقت طويل وعنـ.ـد.ما دلف إلي شقته تسارعت رهف ومعها سارة لسؤال سعد عما دار بينهم فأجابها…
_خلاص يارهف انتي هتفضلي تحت محدش هيقدر يمشيكي من البيت…
سألته وهي تعرف الإجابة ولكن قد يتغير في الأمر شيئاً فقالت…
_طيب وهيتجوز بردو؟
فأجابها بأسف:دي حياته ومانقدرش نتدخل فيها،أنا حاولت بس ماضغطش عليه لأنه مش صغير…
شكرته رهف حتي تركهما وخرج…هبطت رهف وسارة إلي محل شريف لتقوم بصيانة هاتفها…
شريف:هو مشكلته إيه؟
رهف:بيهنج كتير وبطئ أوي لما آجي أفتح اي أبليكشن…
_لا سهلة،عايز يتفرمت بس…
_يعني هياخد وقت؟
_لا علي طول…
_طيب هنروح لعبير وهعدي عليك كمان شوية…
وبمجرد خروج سارة ورهف من المحل وجدوا عمر ووالدته ووالدة مروان يستقلا سيارة مروان للذهاب إلي منزل إيمان خطيبة عمر…
قالت سارة بمزح:الله يسهلوا يا عريس…
رد عمر بحبور:عقبالك يا سوسة…
ضحك الجميع وقالت رهف:ربنا يتمللك علي خير يا عمر…
أجابها:ربنا يخليكي يا رهف،عقبالك…
ابتسمت ببساطة وهي تقول :ربنا يخليك…
قالت رهف لسارة:انتي مش هتروحي معاهم؟
ردت سارة بتردد:لأ،هسيبك لوحدك يعني؟
عقدت رهف حاجبيها بإبتسامة وقالت:والله ده انتي أخت العريس يلا روحي وأنا هطلع عشان ملك…
احتضنتها سارة وقالت:والله وانتي كمان أختنا…
وانطلق الجميع بفرحة إلي منزل العروس ليتموا فرحتهم ويتفقوا علي ميعاد الزواج حتي وصلوا وترجلوا جميعاً من السيارة عدا مروان الذي كان يقود لتوصيلهم وخجل أن يصعد معهم فعاد أدراجه إلي منزل عمه…
كانت رهف في شرفتها تجلس علي كرسيها ترتشف من مشروبها المفضل وهو "الكابتشينو" و تقلب في هاتفها بعد أن أصلحه شريف، صعد مروان إلي أعلي ودلف إلي الغرفة ومنها إلي الشرفة لا يدري لماذا يهوي مشاهدتها من خلال الشرفات ولا يدري لماذا يدق قلبه بمجرد قربه منها،ظل واقفاً في شرفته يراقبها في صمت وهي ترتشف مشروبها و تعبث بهاتفها حتي أعلن الهاتف عن اتصال جديد فأجابت هي في فتور…
_السلام عليكم…
_وعليكم السلام،ازيك يا رهف؟
_الحمدلله…
_عاملة إيه انتي و ملك؟
_كويسين الحمدلله،خير يا إبراهيم؟
قال بلهجة حانية مصطنعة:عايز أقابلك ضروري…
قالت بفتور:ليه خير؟
_مش هينفع في التليفون،لازم أقابلك؟
_طيب ماشي تعالي عند بابا…
تنحنح وقال:لا ماينفعش،نتقابل في نادي ولا كافيه برة أحسن عشان الموضوع ماينفعش حد يعرفه…
صمتت قليلاً وقالت:علي فكرة انت قلقتني ،فيه ايه يعني؟
_لما تيجي بكرة هت عـ.ـر.في،خلاص هقابلك عندالكافيه اللي علي البحر من برة،اوك…
تنهدت بنفاذ صبر وقالت:ماشي يا إبراهيم بعد الشغل بكرة بس اعمل حسابك مش هتأخر…
_ان شاء الله يا أم موكا،مع السلامة…
انتهت المكالمة وازدادت حيرة رهف من نبرته في الحديث فهي نبرة جديدة عليه تماماً فدائماً تكون قاسية رغم مابها من كلمـ.ـا.ت غزل وحنين ولكنها لاتشعر بصدقها ربما لأنها هي نفسها لم تشعر به و لم يدق قلبها له ولو دقة واحدة…
دلفت رهف إلي غرفتها وسطحت علي فراشها بجانب ابنتها لتستقبل غد جديد ولكن بعد تفكير و عودة إلي شريط الماضي فهي عادة لمن يملكون قلب مهموم لم يسلم من الجروح…
**********
وهناك في منزل العروس تعالت الزغاريد والفرحة لتحديدهم موعد الزفاف بعد شهر فقط وكان العروسان في قمة
بهجتهم ولم تخلو إيمان من نظرات عمر لها الهائمة والمغازلة ولم تخلو وجنتي العروس من الإحمرار…حتي انتهي يومهم وعاد الجميع أدراجهم إلي المنزل…
استيقظت رهف وقبلت ملك المنغمسة في سباتها،استعدت للذهاب إلي دوامها بعد يومين من الأجازة بكامل نشاطها،هبطت الدرج واستقلت إحدي سيارات الأجرة حتي وصلت إلي المكتب ودلفت لتجد زميلها طارق يجلس علي مكتبه فألقت السلام وجلست هي الأخري علي مكتبها…
ثوانِ قليلة واعتدل طارق ودنا بخطواته إلي مكتبها لينحني نحوها قليلاً ويقول بسخافة…
_منورة مكتبك يا أستاذة…
فزعت رهف من اقترابه لها بهذه الطريقة ولكنها لم تظهر علي ملامحها و تظاهرت بعكس ما تشعر حتي قالت في ثبات وهي تنظر إلي حاسوبها محاوله فتحه…
_متشكرة…
لم يتراجع عن وضعه واستمر في سخافته وهو يقول:واخدة أجازة يومين،لعل المانع خير؟
لم تعره انتباهاً رغم أنها ترتجف بداخلها من دنوه منها وسلاطة لسانه ولكن ردت وهي لاتزل تنظر لحاسوبها بإقتضاب:لاأبداً،دي أجازة عادية،ممكن حضرتك تروح علي مكتبك…
ما ان قدم مراد إلي المكتب وأصابته الصدمة من تلك المشهد فألقي السلام في حنق واعتدل طارق علي الفور في إرتباك بينما رهف وجهها لم يتحمل وأتي بألوان الطيف جميعها في آن واحد…أسرع مراد بخطواته إلي مكتبه وأشار لهم بأن يتبعوه…
دلف إلي مكتبه وجلس علي كرسيه وبعدها دلف إليه طارق ثم رهف حيث قال مراد بعصبية بالغة…
_لازم تعرفوا ياأساتذة ان ده مكتب محترم وانه مش نادي ولا مكان تتسامروا فيه…
انصدمت رهف من اتهامه لها و شعرت بدوار خفيف يكاد يسقطها أرضاً ،حاولت منع دمـ.ـو.عها ولكن هيهات فقد فارقت دمعتها جفنيها لتنهمر علي وجنتيها وتسقط هي أرضاً بدلاً من صاحبتها أما الآخر فقد وضع كرات دماؤه في الثلج منذ زمن ولم ينهز له شعره واحدة ،فقط قال ببرود :آسف يا أستاذ مراد…
نظر له مراد نطرة حارقة ثم أذن إليهم بالخروج،خرج طارق علي الفور وتبعته رهف فأوقفها مراد ثم قال بنبرة هادئة معتذراً منها…
_مفيش داع لدمـ.ـو.عك دي،أنا عارف ان هو اللي متطفل و غلطان فكنت موجه الكلام ليه هو مش ليكي عشان مايكررش تصرفه مرة تانية…ثم أطرق في حديثه قائلاً:حمدلله علي سلامتك ونورتي مكتبك…
ابتسمت رهف لتستقر دمـ.ـو.عها بين شفتيها فمسحتها بمنديلها وقالت:الله يسلمك يا فنـ.ـد.م،بعد اذنك…
_اتفضلي بس حضري نفسك للجلسة كمان ساعة وياريت تركزي ومـ.ـا.تسرحيش المرة دي…
قالت بصوت خافت:ان شاء الله،بعد اذنك…
_اتفضلي…
خرجت رهف وهي تمسح دمـ.ـو.عها تحت مراقبة تلك الآخر الذي قال ببرود وهو جالس علي مكتبه: ولا يهمك منه يا أستاذه…لم تصدر أي ردة فعل لكلمـ.ـا.ته و آثرت الصمت والتركيز في عملها حتي موعد الجلسة…
افتتحت الجلسة وبدأت رهف بإخراج مذكرتها وتدوين كل ما يدور في الجلسة من إدعاءات وإثباتات وتهم وكانت هذه المرة في غاية التركيز حتي انتهاء الجلسة مما أثني عليها مراد قائلاً…
_ما شاء الله المرة دي مركزة كويس أوي و مدونة كل حاجة كمان…
ابتسمت رهف في صمت …وأتبع مراد بمرح:كويس بعد كدة أبعتك انتي لوحدك تترافعي و تمسكي القضايا من أولها…
انصدمت رهف وقالت:مين أنا؟ لا طبعاً أنا هفضل مساعدة حضرتك وبس انما المرافعة والقضايا دي عايزة حد واثق من نفسه كده و شخصيته قويه وأنا مانفعش خالص…
ضحك مراد علي عفويتها وقال:طيب يلا عشان أوصلك…
تلعثمت رهف وهي تقول:لا أنا ورايا مشوار قبل ما أروح ،اتفضل حضرتك…
_طيب هوصلك…
اندفعت قائلة:لا لا متشكرة يا فنـ.ـد.م والله…
شعر مراد بأمر ما لا توده معرفته فلم يلح عليها وودعها ورحل ،توجهت إلي مكان موعدها علي الكافيه مع إبراهيم حتي وصلت وظلت تنتظره قرابة الخمس دقائق لم يأتِ،حاولت الإتصال به دون جدوي فهاتفه كان مغلقاً،انتظرته دقائق قليلة أخري ولم يأتِ أيضاً فعزمت علي الرحيل،اعتدلت و خطت خطوات قليلة لتجد من يوقفها…
_مدام رهف؟
التفتت لتجد ثلاثة من الرجال خلفها فاضطربت قائلة بتلعثم:أيوة مين حضرتك؟
قال الرجل بصوت أجش :اتفضلي معانا أستاذ إبراهيم مقدرش ييجي و باعتنا ناخد حضرتك !
قالت له بثبات مصطنع:لا حضرتك شكراً ،أنا هبقي أروحله وقت تاني…
لتتفاجئ به يسحبها من ذراعها بقوة ويدفعها نحو السيارة المصفوفة،حاولت الصراخ و الإستغاثة ولكن بعد تشوش رؤيتها وفوات الأوان!!
***********
كان مروان يقود سيارته وبجانبه عمرحيث ذهبوا لإنجاز بعض مهام زفاف عمر وشراء بضعة أشياء تنقصه في شقة الزوجية… مرت ساعات علي ميعاد قدومها من عملها مما أصابهم القلق هناك في منزل العائلة حاول عبد المنعم الإتصال بها دون إجابة منها،حاولت سارة وحاول الجميع لكن دون جدوي،قرروا الإنتظار لبعض الوقت بعد أن أجروا اتصالاً بمراد الذي أخبرهم بأنها انتهت من عملها منذ وقت طويل وبعدها ذهبت مشوارلا يعلم إلي أين…حتي وصلا مروان و عمر اللذان تفاجئا بتجمع العائلة في شقة عبد المنعم ينتابهم التـ.ـو.تر و القلق ما ان قال مروان…
_اتصلتوا ببابا ملك طيب؟
رد عبد المنعم:لا وهو ماله بتأخيرها يابني؟
تلعثم مروان قائلاً:طيب ما تجرب حضرتك؟
استجاب له عبد المنعم وأجري اتصاله بإبراهيم ولكن هاتفه كان خارج الخدمة…
قال عبد المنعم :مقفول…
قالت سارة: طيب ما تتصل عند مامته في البيت يا أونكل يمكن تلاقيه هناك…
كل هذا الحوار ومروان يدرك جيداً أنها معه ولكنه تلجم لا يدري لماذا ربما خوفاً من أذيتها…
************
فاقت من ساعات لتجد نفسها مسطحة علي فراش في غرفة غريبة فارغة ،حجابها بجانبها لا يغطي شعرها،لينتابها الذعر وبدأت بالصراخ…
دلف إليها ليهدئها،نظرت إليه و هي تصرخ…
_انت عملت كدة ليه؟جايبني هنا ليه؟عايز مني إيه؟
اقترب منها بخطوات بطيئة ونظرات رغبة وهو يملس علي شعراتها ويقول…
_مارضيتيش ترجعيلي بالذوق قلت أجرب معاكي العافية!
_ابتعدت عنه وهي تغطي شعرها بالحجاب وقالت من بين دمـ.ـو.عها و صرخاتها:وانت فاكر اني كدة هرجعلك يعني؟
وكأنها تبتعد عنه لتجذبه نحوها فكلما بعدت خطوة دنا هو منها خطوات وأخذ بشـ.ـد حجابها وهو يقول ببرود:انتي عايزة بنتي تتربي مع رجل غريب عنها؟
نظرت له بدهشة وهي تتملص من نظراته وقالت:رجل مين ده؟
قال لها بنظرات ثاقبة:أي رجل ما انتي مسيرك هتتجوزي ،أكيد الجمال ده مش هيفضل مركون طول العمر؟ولا ايه؟
ابتعدت عنه وهي تقول:أنا مش هتجوز يا إبراهيم عشان خاطر بنتي والله ماهتجوز ،أبوس إيدك سبني أمشي بقا عشان مايحصلش مشاكل…
انتبه قائلاً:انتي قايلة لحد اننا هنتقابل…
ردت بتلقائلية بل وبغباء وقالت:لأ، بس أنا كدة اتأخرت أوي و زمانهم قلقوا عليا والدنيا مقلوبة…
ابتعد عنها قليلاً وقال بحسم:مش هتمشي قبل مانتفق، بنتي لازم تعيش معايا!
قالت من بين دمـ.ـو.عها:حـ.ـر.ام عليك يا إبراهيم أنا مامتها…
قال مسرعاً وهو يلتفت إليها: وأنا أبوها…
قالت بحنان :طيب هو أنا حرماك منها ده أنا رفضت نروح محكمة الأسرة عشان هيظلموك في الحكم وهيقولوا تشوفها مرة ولا اتنين في الشهر لكن انا رفضت و بقولك تيجي تشوفها في أي وقت…
مسك ذراعها بقوة وهو يقول:بس أنا عايزها تعيش معايا من دلوقتي وتتمتع بفلوس أبوها بدل الفقر اللي انتي معيشاها فيه ده…
قالت رهف وقد وصلت دمـ.ـو.عها مداها:مـ.ـا.تستعجلش يا إبراهيم هي بكرة لما تكبر وتفهم هتختارك انت عشان تعرف تعيش،سيبهالي بقا أشبع منها الكام سنة دول…
_خلاص يبقي ترجعيلي وتعيش وسطينا…
_مش هقدر والله ما هقدر…
حتي قاطعهم رنين هاتفه الذي يخرج من شريحته الخاصة التي لا يعلم أرقامها إلا من يريدهم أن يعلموها فقط…
أجاب علي الفور…
_أيوة؟
قالت فدوي بنبرة حادة:رهف معاك؟
_أيوة ليه؟
انفعلت فدوي من تصرفه وقالت: انت اتجننت في مخك ،انت خاطفها يعني ولا إيه؟
ارتفعت نبرته وهو يقول:أيوة حصل إيه يعني؟
صرخت فدوي وقالت بصوت تكاد رهف تسمع صراخها بجانبه: أبوها اتصل بيا دلوقتي وبيسأل عليك قلتله انك خارج ،قالي رهف مجتش من ساعة ماخرجت مالشغل…سيبها تمشي حالاً ونبه عليها مـ.ـا.تجبش سيرة لحد انشالله تضـ.ـر.بها فاهمني؟
قال إبراهيم ببرود:تمام تمام يلا سلام…
قالت رهف علي الفور:في إيه؟
_البسي طرحتك عشان تمشي… ثم اخترق ذراعها بأصابعه الغليظة وقال:بس حسك عينك حد يعرف اللي حصل هتصحي مش هتلاقي بنتك في حـ.ـضـ.ـنك فاهمة؟
تأوهت من قبضته وقالت: طيب و هقولهم كنت فين؟
_اخترعلهم أي حاجة وأنا حذرتك يا رهف و موضوعنا بردو لسة مخلصش ومش هسيبك…
ثم سحبها من ذراعها و دلفوا من هذه الشقة التي لم ترها من قبل والتي توجد في إحدي المزارع حتي أوصلها لأقرب مكان من منزلها حتي لا يراه أحد ولا يخلو طريقهما من تحذيراته و تهديداته لها…
حتي وصلت رهف بوجه مضطرب وهي تفكر في سبب مقنع تشبع به تساؤلات الجميع ،وما أن رأوها حتي تهافتوا عليها لتبدأ الإستجوابات فقالت بكلمـ.ـا.ت متذبذبة و دمـ.ـو.ع تغمر وجنتيها:كنت ف………
يتبع…
وصلت رهف بوجه مضطرب وهي تفكر في سبب مقنع تشبع به تساؤلات الجميع ،وما أن رأوها حتي تهافتوا عليها لتبدأ الإستجوابات فقالت بكلمـ.ـا.ت متذبذبة و دمـ.ـو.ع تغمر وجنتيها:كنت ف…فالمستشفي!!
تعالت شهقات النساء والبنات من حولها وقالت الحاجة نادية في لهفة:ليه يا حبيبتي حصل إيه؟
كانت رهف تتحدث ببطء و تلملم حروفها وهي ثقيلة علي لسانها لأنها تكذب فهي ليست معتادة علي الكذب ولكن كان دافعها أقوي من وجهة نظرها وما من دوافع لأي كذب ،تهاب من فقدان ابنتها أغلي ما تملك وما تبقي لها في هذا العالم،استغفرت ربها بداخلها وهي تقول…
_أصلي وأنا راجعة من الشغل أغمي عليا في الشارع وماحستش بنفسي غير وأنا في المستشفي…
قالت سارة وهي بجانبها تربت علي يدها:يا حبيبتي يا رهف،طيب ومـ.ـا.تصلتيش بينا ليه ،احنا كنا هنموت من القلق عليكي؟
وبين كل سؤال والآخر مأزق تحاول الخروج منه ولا تستطيع إلا بكذبة فقالت :معلش ياسارة حقكوا عليا ،أصل أنا كنت دايخة أوي ومعلقنلي محاليل وأول ما فقت جيت علي طول…
قالت عبير وهي علي جانبها الآخر تحتضنها من الخلف بذراعها:ياحبيبتي كل ده وانتي لوحدك؟
شردت رهف وهي تقول لنفسها"وأكتر من كده ياعبير"
كان مروان يستمع لإجاباتها وهو يعلم أن هناك أمر ما حدث فقد شعر بحروفها الكاذبة وزيغ عينيها ودمـ.ـو.عها المختفية بين جفنيها ولكن يدور برأسه ألف سؤال "ما بها ولماذا تكذب"…
وأخيراً نطق عبد المنعم بعد صمت تام منه وقال: ألف سلامة يا رهف…
ولكنها كانت شاردة لم تستمع إليه،فهزتها سارة بيدها وقالت:رهف…
انتبهت من شرودها وهي مضطربة وقالت فجأة:ملك؟
قالت سارة بحنان:ملك نايمة يا حبيبتي ،قعدت تعيط كتير أوي لما اتأخرتي لحد ما نامت لوحدها…
قالت رهف وهي تعتدل في إتجاهها لغرفتها :يا حبيبتي…
واستئذنت من الجميع بأنها ستدلف داخل الغرفة لرؤيتها…
فأذنوا جميعاً لها بعد أن وجه كل منهم حمد الله علي سلامتها…
وأخيراً فُكت عقدة لسان منال وقالت وهي تتلوي بشفتيها هامسة لرهف بتهكم:حمدلله علي سلامتك يا رهف،إلا فين مكان الكالونة ولا المحاليل مش شايفة في ايديكي أي لزق جروح ولا حاجة يعني؟
نظرت لها رهف في وجوم وقد وقعت في كذبة جديدة ولكن سرعان ما لملمت حروفها وقالت بتلعثم:شلت اللزقة وأنا جاية في الطريق أصلها خـ.ـنـ.ـقتني…
"فبعض البشر وجودهم في حياتنا مثل الكالونة (بيوجـ.ـع)"
عاد الجميع أدراجهم،كلٌ إلي شقته و تبقت فقط سارة و عبير مع رهف ودخلن معاً لغرفتها،قبلت صغيرتها وهي نائمة وما شعرت بنفسها حتي وجدت نفسها تبكي بحرقة وهي تقبل ملك فأقبلت عليها الفناتان لينتشلوها من عليها وقالت عبير في تساؤل…
_رهف مالك انتي مش طبيعية أبداً،انتي فيكي حاجة؟
وأتبعت سارة قائلة:أيوة فعلاً يا رهف شكلك مخبية حاجة وحاجة كبيرة كمان…
مسحت رهف دمـ.ـو.عها ونظرت لهم وقالت:بس مـ.ـا.تقولوش لحد…
نظرت سارة وعبير إلي بعضهن ثم التفتوا إليها مرة أخري وقالت عبير بجدية:ممكن تنطقي عشان قلبي هيقف…
قالت رهف:إبراهيم كان خاطفني!
عقدت سارة حاجبيها والأخري رفعت شفتاها بإستغراب وقالت:نعم؟ ازاي أصلاً؟
قالت سارة:في حد يخـ.ـطـ.ـف طليقته؟قصدك كنتوا مع بعض يعني؟اتقابلتوا؟
هتفت رهف بحنق:لا كان خاطفني و مالهاش معني تاني غير كدة…
***********
وصل إبراهيم إلي منزله حيث دلف إلي الداخل ليجد فدوي تنتظره علي الأريكة وبمجرد رؤيته انتفضت من مكانها و خطت نحوه بخطوات مسرعة وقالت…
_رهف روحت؟
أومأ برأسه وهو يمشي نحو الأريكة حتي ارتمي بجسده كله عليها وهو يضغط علي رأسه بأصابعه متأوهاً…
مشت خلفه وهي تسأله:نبهت عليها مـ.ـا.تجبش سيرة لحد؟
رد إبراهيم بحنق :أيوة…
هتفت بوجهه قائلة:وانت ازاي تعمل حاجة زي كدة؟انت خلاص يعني مخك وقف؟وبعدين مابتاخدش رأيي ليه،كنت قلتلك ان اللي هتعمله ده اسمه هبل و شغل عيال…
اعتدل وهتف بنفاذ صبر:اللي يشوفك دلوقتي مايقلش انك مامنعتيش لما قلتلك أخطفهم،ماانتي قلتي اعمل اي حاجة عشان مصلحة بنتك ،وبعدين أنا كان قصدي أرعـ.ـبها عشان تنفذ اللي أنا عايزه مش قصدي خطف يعني…
اعتدلت في مواجهته وصرخت في وجهه: كنت فاكراك أعقل من كدة…
لوح بيده و هو يقول بحنق:خلاص يا ماما قفلي عالموضوع ده…
_أقفل ايه مش لما تقولي حصل إيه بينكوا و وصلت لإيه معاها…
قال إبراهيم وهو يمسك بهاتفه ويعبث به:ولا حاجة كانت هتضعف لولا اللي حصل…
قالت فدوي بضحكة ساخرة :هه يا خيبتك…
رفع نظره إليها وعينيه يملأهما الغضب فحاول كتمان غضبه وقال:أنا طالع أنام…
*********
قالت عبير وهي متعصبة:يا نهاره اسوح!ده لازم يتفضح عشان مايعملش كدة تاني…
أسرعت رهف وقالت:لا يا عبير أبوس ايدك اوعي تجيبي سيرة لحد بالله عليكي…
قالت سارة بدهشة:ازاي يعني يا رهف ،تبقي عبـ.ـيـ.ـطة لو ماقلتيش عاللي عمله،ده انتي دارسة قانون يعني،ده يتسجن فيها دي…
نظرت رهف إلي البنات عاقدة حاجبيها وقالت:ولما بنتي تكبر وتعرف ان أمها سجنت أبوها عشان كان خاطفها،تفتكروا هتحس بإيه؟
لم ينطقوا بكلمة فهي محقة فيما تقوله،نظرت رهف إلي ملك وبكاؤها يزداد وهي تقول:أنا مش عارفة أعمل إيه أرجعله عشان خاطرها بس ياريتني هبقي عارفة إنها هتكون مبسوطة بيننا،أنا مش مهم والله يضـ.ـر.بني يشتمني مش مهم بس ده هيوجـ.ـعها هي وهيسببلها عقدة وهتكرهه إنما واحنا بعيد ممكن بخيالي أرسملها صورة كويسة عنه واهي مش هتشوفه كتير وساعة مـ.ـا.تشوفه هيعاملها حلو لكن لو معاه علي طول معاملته ليها هتسوء،وسالت دمـ.ـو.عها بغزارة حتي آلمتها رأسها من كثرة البكاء ،هدأتها كلا من سارة و عبير قليلاً وتركوها لتصلي وتستغفر ربها علي ما آثمته في تلك الليلة المؤلمة من أكاذيب،ظلت تصلي وتبكي لخالقها وتدعو يارب"اللهم فارج الهم كاشف الغم .مجيب دعوة المضطرين .رحمن الدينا والاخرة ورحيمهما ان ترحمني فارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة سواك" وتلك كان دعاؤها القريب إلي قلبها فكل منا له دعاؤه القريب إلي قلبه …حتي رن هاتفها لتري إسم إبراهيم علي شاشته وينتابها التـ.ـو.تر من مجرد رؤية اسمه ،لم تُرِد الرد عليه ولكنه ظل يتصل أكثر من مرة،فكرت قليلاً وخافت أن يأذي ملك فأجابت عليه…
_أيوة…
هتف بها قائلاً:مابترديش ليه كل ده؟
قالت بحنق:كنت بنام…
هددها قائلاً:علي الله تكوني جبتي سيرة لحد؟
ردت بتلعثم:لا طبعاً،هو لو كنت قلت لحد كانوا دخلوا ناموا كدة واليوم خلص بسهولة…
رد بهدوء نسبياً:اممم ماشي،هبقي أحدد يوم نتقابل فيه عشان نتفق…
قالت رهف برجاء:أبوس ايدك يا ابراهيم فكر في اللي قلتهولك…
قال بجدية وكلمـ.ـا.ت متقطعة :أنا..مش..هسيب..بنتي،فاهمة؟
قالت وهي تبكي:طيب يا إبراهيم هنبقي نتكلم بعدين ،بجد أنا تعبانة و محتاجة أنام…
_ماشي يارهف براحتك عالآخر،سلام…
وفي صباح اليوم التالي استيقظت رهف كالعادة للذهاب إلي عملها ارتدت ثيابها وقبلت صغيرتها و خرجت لوالدها تركت له وصاياها علي ملك ثم هبطت علي الدرج حتي وصلت لأسفل العمارة وخرجت لتجد مروان يستقل داخل سيارته في هذا الصباح الباكر،فتح سيارته و ترجل منها وخطا نحوها فوقفت،قال لها مبتسماً…
_صباح الخير…
قالت رهف وهي مبتسمة ولكن يبدو علي ملامحها التساؤل:صباح النور…
قال مروان بتلعثم و حرج شـ.ـديد:أنا آسف كنت مستنيكي مخصوص بصراحة…
عقدت رهف حاجبيها قائلة:مستنيني أنا؟ خير يا مروان؟
قال مسرعاً:مـ.ـا.تقلقيش بس ماينفعش أتكلم واحنا واقفين كدة،بس مش عارف بردة هينفع نتكلم فين وامتي؟
ردت رهف بإحراج:مش عارفة يا مروان وكمان أنا عندي شغل دلوقتي…
تنحنح مروان وقال متردداً:طيب ممكن يعني نتقابل بعد شغلك،لو ماعندكيش مانع طبعاً…
ارتبكت رهف وأخذت تفكر ثم قالت:مش عارفة والله،طيب ماشي بس ياريت مش نتأخر علشان مايقلقوش عليا زي إمبـ.ـارح…
ابتسم مروان وقال بحبور:لا مـ.ـا.تقلقيش أكيد مش هأخرك زي إمبـ.ـارح،ممكن تديني عنوان الشغل عشان آجي أخدك…
زاغت نظراتها وقالت:أأأ،لا ممكن نتقابل علي طول بدل ما تيجي تاخدني عشان الوقت…
لم يصر علي رأيه وقال لها:طيب براحتك تحبي فين،علي البحر؟
تمتمت رهف:تاني!
قال مروان متعجباً:نعم!
قالت رهف:ها لا مفيش خلاص اوك ان شاء الله علي الساعة 3 …
_تمام…
استئذنت منه وخطت خطوتين ثم عادت إليه مرة أخري وقالت بفضول:طيب يعني الموضوع عن إيه؟
ضحك مروان وقال:يلا عشان متتأخريش عالشغل وهت عـ.ـر.في لما نتقابل…
أومأت برأسها مبتسمة و ذهبت لعملها…
دلفت رهف إلي المكتب وألقت السلام علي طارق الجالس علي مكتبه وجلست علي الفور علي مكتبها الخاص فقال بإبتسامة صفراء: وعليكم السلام يا أستاذة…ازي الأمورة الصغيرة؟
ردت رهف بجدية وهي تفتح حاسوبها:كويسة الحمدلله…
قال طارق بنفس الإبتسامة علي وجهه:طيب لو عزتي أي حاجة… أي حاجة والله ياريت تكلميني…
رفعت رهف نظرها إليه وقالت بوجه متحجر:وياريت حضرتك تسلملي علي المدام والأولاد…
تلاشت ابتسامته الصفراء ونظر في حاسوبه دون كلام…
ثواني قليلة وخرج مراد من مكتبه ليستدعي رهف…
قال مراد:أستاذة رهف،تعالي من فضلك…
قالت رهف:حاضر يا فنـ.ـد.م…
دلف إلي مكتبه ودلفت خلفه رهف بعد أن جمعت ملف قضية الغد، قالت رهف:اتفضل يا أستاذ مراد ده ملف قضية…
قاطعها مراد وقال بلا مقدمـ.ـا.ت:كنتي فين امبـ.ـارح؟!
ابتلعت رهف ريقها وقالت بتلعثم:امبـ.ـارح امتي؟
رد مراد:من بعد الشغل لحد بالليل!
قالت متعجبة:هو حضرتك عرفت منين؟
قال مراد:والدك اتصل بيا متأخر وسألني عليكي وقال مجتش لحد دلوقتي…
تبلمت رهف وتعثر لسانها وقالت بصوت يكاد يسمع:كنت في المستشفي…
عقد مراد حاجبيه و ظهر عليه القلق:ايه؟مستشفي ليه وبدأت تتحدث بكلمـ.ـا.ت مضطربة وهي تقص عليه أكذوبتها،فقال بحروف ناعمة:لا ألف سلامة عليكي،طيب وجيتي النهاردة ليه،كنتي خدتي أجازة؟
قالت رهف:لا ما أن بقيت كويسة الحمدلله…
رد مراد:لازم تاخدي بالك من صحتك علي الأقل عشان خاطر ملك…
أومأت برأسها مبتسمة وقالت:ان شاء الله ،بعد اذن حضرتك…
أذن لها بالخروج وشرد مراد في عالم آخر…!!
***********
خرجت من غرفتها تستعد للذهاب إلي جامعتها ثم دلفت لأخيها بمكتبه لم تجده ،خرجت منه لتجد وردة فسألتها:أمال أبيه إبراهيم فين؟
ردت وردة:ده لسة نايم يا أبله سلوي…
قالت سلوي بمزح:يابنتي أبله سلوي إيه ده احنا في سن بعض،قلتلك تناديني سلوي عادي…
قالت وردة :ماهي الست فدوي هانم سمعتني مرة بناديكي سلوي بس بهدلتني و زعقـ.ـتـ.ـلي…
رتبت سلوي علي كتفها وقالت بحنان:معلش خلاص خليها بيني وبينك بس عشان محدش يضايقك…
قالت وردة بفرحة:ماشي يا سلوي ربنا ينجحك يارب وتاخدي اللاسانس…
ضحكت سلوي وقالت:يارب ياوردة،أنا هروح أصحي أبيه بقا،باي…
ودلفت إلي غرفته لتجد إبراهيم مستيقظ علي فراشه فقالت بنشاط:صباح الفل يا أبيه…
قال لها بفتور:صباح الخير، يبقي أكيد عايزة فلوس طالما مشرفاني لحد هنا…
قالت بمرح:كلك مفهوميه يا أبيه،بس في حاجة كمان…
_خير…
قالت برجاء:عاوزة أشوف موكا وحـ.ـشـ.ـتني أوي وانت وعدتني المرة اللي فاتت انك هتاخدني وماخدتنيش معاك…
_حاضر هاخدك معايا المرة الجاية…
فرحت سلوي وقبلت أخوها وقالت:يا حبيبي يا أبيه…
ابتسم قائلاً:افتحي الدولاب وخدي الفلوس اللي انتي عايزاها من جيب الجاكيت الرمادي ويلا بطلي رغي عشان متتأخريش علي جامعتك…
*************
أنهت رهف عملها و أوقفها مراد وهي في طريق خروجها من المكتب قائلاً…
_أستاذة رهف؟لوعايزة تاخدي أجازة في أي وقت مـ.ـا.تتردديش انك تقوليلي…
ابتسمت رهف قائلة:شكراً يا فنـ.ـد.م بجد، بس والله أنا بقيت تمام الحمدلله…
ابتسم وقال:يارب دايماً…ثم تنحنح وقال :تحبي أوصلك؟
قالت بهروب:لا متشكرة خالص،بعد اذن حضرتك…
خرجت من المكتب في عجالة واستقلت سيارة أجري و ذهبت من نفس الطريق في إتجاه البحر فتذكرت ما حدث بالأمس ثم نفضت هذه الذكري من رأسها وأخذت تفكر"ياتري مروان عايزني في ايه؟" ثم زحفت ابتسامة علي شفتيها رغماً عنها لا تعلم ما سر هذه الإبتسامة بمجرد تذكره،حتي وصلت فوجدته يجلس علي إحدي الطاولات بإنتظارها وبمجرد رؤيتها من بعيد اعتدل علي الفور ليستقبلها خطت نحو طاولته فرحب بها وجلسا في مقابل بعضهما البعض…
قال مروان مبتسماً :تشربي إيه؟
قالت رهف بخجل: ولا حاجة…
قال مروان :لا ازاي؟
ردت رهف:خلاص كابتشينو…
استدعي مروان النادل وطلب اثنان من المشروب ثم بدأ الصمت التام…
تشجعت رهف وقالت من بين خجلها :إيه بقا الموضوع اللي كنت عايزني فيه؟
رد مروان في إرتباك قائلاً: بصراحة كنت عايز…
يتبع…
تشجعت رهف وقالت من بين خجلها :إيه بقا الموضوع اللي كنت عايزني فيه؟
رد مروان في إرتباك قائلاً: بصراحة كنت عايز أعرف حصلك ايه امبـ.ـارح…
عقدت رهف حاجبيها وقالت بإرتباك:ما أنا قلتلكوا كلكوا حصلي إيه…
قال مروان بنظرات كاشفة:بس ده اللي قلتيه انما اللي حصلك حاجة تانية…
تبلمت رهف ولم تفهم هل هو يعرف بالفعل ماذا حدث أم أنه مجرد تخمين،فقالت بثقة مصطنعة:أنا مش فاهمة تقصد إيه؟
تنهد مروان طويلاً وقال:أولاً أنا آسف اني اتدخلت في حياتك وبسألك بالشكل ده بس أنا بعمل كدة عشان،،وصمت قليلاً ثم قال:عشان حاسس إني في حاجة بتشـ.ـدني ليكي من أول يوم شفتك فيه عالبحر…
صبغت وجنتي رهف باللون الأحمر ثم أطرق مروان في حديثه وقال:وثانياً بقا اللي خلاني أتكلم اني كنت عارف انتي راحة فين وقابلتي مين…
انصدمت رهف ولم تنطق بكلمة فقال مروان:أنا آسف،غصب عني كنت واقف في البلكونة وسمعتك وانتي بتتكلمي في التليفون وعرفت انك راحة تقابلي بابا ملك…
ابتلعت رهف ريقها وقال مروان:بس مش فاهم حصلك ايه وبجد عايز أطمن عليكي…
زاغت نظراتها وهي تقول:مروان،مـ.ـا.تشغلش بالك بالموضوع ده…
قال مروان بنبرة ناعمة:بس أنا خلاص انشغلت،وعايز أطمن…
صمتت رهف وكلما حاولت النطق و الإعتراف له بما حدث،تيبس لسانها وتعثرت في الكلام فتضطر إلي الصمت مرة أخري حتي قال مروان بهدوء:رهف أنا أجازتي خلصت و راجع طنطا بكرة،لو حكتيلي هعرف اني ممكن أسأل عليكي تاني،لكن لو مش عايزاني أضايقك ولا تشوفي وشي مرة تانية تقدري تحتفظي باللي جواكي لنفسك مقدرش أغصبك علي حاجة…
اغرورقت عينيها بالدمـ.ـو.ع وقالت:بس انت كدة بتصعبها عليا…
قال مروان بلهفة:ازاي؟
قالت رهف وقد سقطت عبراتها:يعني أنا عايزة أحكيلك بس مش هقدر…
قال مروان مستفهماً:طيب ليه؟
مسكت رهف بحقيبتها فجأة وقالت وهي تعتدل في عجالة:أنا آسفة يا مروان أنا اتأخرت ولازم أمشي…
أوقفها بكلمته وقال:يعني أفهم من كدة انك مش عايزة تشوفيني تاني…
خفق قلبها بشـ.ـدة وقالت وهي مصبوغة الوجنتين:مقصدش بس معلش أنا مش هقدر أتكلم وكمان لازم أمشي،بعد اذنك…
استدارت و رحلت دون انتظاره أو حتي انتظار كلمة منها…
تبقي مروان شارداً لم ينجح في معرفة شئ ولا يعلم هل فتحت له باباً جديداً أم ظل الباب مفارقاً بينهما أو أغلقته تماماً في وجهه!!!
توجهت لتستقل سيارة أجرة حتي جاء من أوقفها و أربكها،مسك ذراعها بعنوة يكاد يمزق عظامها فالتفتت إليه لتجده إبراهيم،ارتبكت و ظهر عليها التـ.ـو.تر وقالت :إيه في إيه؟
قال إبراهيم بسخرية:شكلكوا اتخانقتوا… ثم قال وهو يستديرها بذراعه ويتجهوا ناحية طاولة مروان:تعالي تعالي إما أصالحكوا علي بعض…
سحبت ذراعها بقوة وهي تقول:انت بتعمل ايه؟
رد إبراهيم بتهكم:شايفك زعلانة منه يا أم موكا ومشيتي أهو وسبتيه لوحده لالا مايصحش كدة،تعالي تعالي!
تعصبت رهف وقالت:إبراهيم الناس بتتفرج علينا وبعدين إيه اللي بتقوله ده مفيش حاجة بيننا أصلا…
ابتسم إبراهيم بمكر قائلا بلهجة تهديد:انتي فاكراني هتضايق لو ارتبطي بحد ،تؤ تؤ أبسلوتلي،ده هيكون كارت لصالحي عشان أخد ملك وانتي بقا تعيشي حياتك…
خافت رهف وزادها الإرتباك وقالت :لا يا إبراهيم انت فاهم غلط والله مافي حاجة…
كل ذلك ولم يلاحظ مروان فكان شارداً في الإتجاه الآخر…
تركها إبراهيم ترحل بعدما نفذ مخططه في إذلالها و ترهيبها فكانت تلك فرصته و سنحت له في وقت سريع…
عادت رهف إلي منزلها ودلفت إلي عبير في محلها فوجدت معها سارة…
رهف بوجه متخشب:السلام عليكم…
ردت البنات:وعليكم السلام
ورحمة الله وبركاته…
قالت سارة وهي تمزح:يا ساتر إيه يا رهف مالك مصدرة الوش الخشب ليه؟
لم تجب رهف عليها فقالت عبير:إيه يا حاجة،الوون…
ردت رهف:إيه عايزين إيه؟
قالت سارة:عايزين سلامتك،مالك؟
قالت رهف في حزن:مفيش مخـ.ـنـ.ـوقة شوية…
قالت سارة:احنا النهاردة هنضيعلك خـ.ـنـ.ـقتك دي،اعملي حسابك هنروح نشوف فساتين عشان فرح عمر معدش فيه وقت…
قالت رهف بوجوم:النهاردة؟
ردت سارة بحيوية:أيوة وفوفي كدة ركزي معانا،احنا عايزين نلبس كلنا فساتين نفس اللون،ايه رأيكوا في الأحمر؟
ردت عبير بجدية:أحمر إيه اللون المايع ده؟
قالت سارة بطفولية:مايع إيه ده تحفة،صح يا روفا؟
كانت رهف شاردة فيما حدث ولم تستمع إليهم فقاطعت سارة شرودها وقالت:ايه يا رهف بقا انتي مش معانا ليه الموضوع مهم جداً…
انتبهت رهف وقالت:معلش يا سارة والله مركزتش بتقولي إيه؟
قالت سارة:ايه رأيك نلبس كلنا فساتين حمرا؟
رفعت رهف حاجبها وقالت: حمرا؟لأ مش هلبس أحمر أنا…
قالت سارة:طيب هنلبس إيه غير الأحمر؟
ردت رهف:أسود…
قالت عبير:هههههه يا ساتر…
قالت سارة :والله بتستهبلي،اسود ايه؟
قالت رهف وهي تمشي في إتجاه الباب:خلاص اي حاجة أنا هطلع انام شوية ونبقي نشوف بالليل…
ردت البنات:اوك…سلاموز
*********
في منزله المتواضع،كان يجلس علي أريكة مقابلة للتليفزيون ينظر لشاشته شاردا لايري ما بها ،حتي دخلت عليه فتاة في مقتبل عمرها ،رأته فتسحبت من خلفه و غممت عيناه بيدها وقالت بطفولية:أنا مين؟
رد مراد بثقة:هيكون مين غيرك بيسأل عني…
التفت حول الأريكة وجلست بجانبه وقالت:وحـ.ـشـ.ـتني يا مراد،ازيك؟
قال بتنهيدة:الحمدلله أديني عايش يا فرحة…
قالت فرحة بنبرة حزينة:مش ناوي تفرحنا بيك بقا…
رد عليها بلمعة في عينيه وبصوت مكسور وقال:أفرحكوا،مين انتوا هو عاد فيه حد في العيلة بعد اللي حصل…
قالت فرحة وقد سقطت دمـ.ـو.عها:علي رأيك ماهو بعد الحادثة مابقاش لينا حد وأتبعت قائلة:بس ماجاوبتنيش بردو؟
قال مع إبتسامة:هي موجودة بس مش عارف أفاتحها ،محرج جداً…
ابتسمت فرحة ابتسامة واسعة وقالت :هي مين احكيلي بس وسيب الموضوع ده عليا أنا…
**********
بعد ساعات استيقظت رهف من سباتها القصير وتركت ملك مع ياسمين ،خرجت لسارة وعبير ليذهبوا مشوارهم،وفي الأسفل وجدوا مروان و عمر في انتظارهم للإنطـ.ـلا.ق بسيارة مروان الذي بعث نظراته الخاصة والمتخطفة لرهف فأربكها ،استقلوا جميعاً السيارة، كان الشباب ينتظروا في الخارج لإنتهاء البنات من حوارهم حتي انتهوا أخيراً واستقروا علي الفساتين و خرجوا لإستقبال الشباب فقرر عمر يستضيفهم ليحتسوا بعض العصير في أي مكان فجلسوا جميعاً في إحدي الكافيهات ولا تخلو جلستهم من النظرات اللائمة من مروان والهاربة من رهف حتي انتهي يومهم و عادوا أدراجهم إلي المنزل،اعتزلت رهف في ركنها الخاص بالشرفة تتذكر ما حدث لها في يومها وبالأخص مع مروان،كانت بالأمس وقبل الأمس تبتسم تلقائياً بمجرد تذكره أما الليلة حدث العكس فقد بكت لتذكره رغم ما قاله من كلمـ.ـا.ت تبدو جميلة و تبدو كبداية أمل وحب جديد و طريق سعادة لم تمر به من قبل و إحساس بخفق القلب لم تشعر به طيلة حياتها إلا أن توقيته خاطئ و ظروفه خاطئة… "فقد نرسم في خيالنا أحلام ولكن حين يلونها الواقع تتضح لنا الصورة باهتة…"وهكذا كانت أحلام رهف "باهتة"!!
*******
في اليوم التالي في مكتبها،كانت تقوم بتحضير ملف جديد لقضية جديدة بمجرد وصولها المكتب ،إتجهوا جميعاً نحو المحكمة وبعد ساعات قليلة خرجوا فقال مراد وهو يتنحنح و يظهر عليه التـ.ـو.تر…
_انتي هتروحي؟
قالت رهف:بعد اذنك؟
فقال مراد وهو ينظر لأوراق بيده متظاهراً بالجدية:معلش فيه قضية مهمة جداً الأسبوع الجاي كنت عايزك تيجي المكتب تاخديها معاكي البيت تراجعيها مرة واتنين عشان فيها ثغرات كتير ولازم مراجعة…
شعرت رهف بالإحراج من طلبه بأن ترفضه علي الرغم أنها ممكن أن تؤجل إلي اليوم التالي ولكن قالت:اوك…
قال مراد وهو يتجه نحو سيارته:طيب اتفضلي…
وقفت مكانها ولم تتحرك،التفت مراد فعقد حاجبيه وقال وهو يفتح باب سيارته:اتفضلي…
قالت رهف وهي في قمة خجلها:لا اتفضل حضرتك وأنا هاخد تاكسي…
قال مراد بحدة:وتفتكري ده ينفع؟انتي بتحرجيني كدة؟
شعرت رهف بمأزق وقعت فيه فخطت نحو السيارة بخطوات واهنة واستقلتها ببطء،ظلت معلقة نظرها بحقيبتها وهي تعبث بها تارة وتطبق أصابعها تارة وهو يلاحظ هذا الإرتباك والخجل في صمت،حتي وصلوا وترجلوا من السيارة،صعدوا الدرج حتي المكتب ،قال طارق :في واحدة مستنية حضرتك جوة…
قال مراد:طيب اتفضل روح انت…
دلف مراد إلي مكتبه وأمرها تتبعه حتي وجد فرحة تجلس علي الكرسي في إنتظاره وبمجرد رؤيتهم ابتسمت بوجه جميل وقامت فقبلت مراد مما جعل رهف تنظر إلي الأسفل فهذه أول مرة تتقابلا الفتاتان ،قال مراد:أعرفكوا ببعض…وأشار إلي فرحة وقال :فرحة أختي…
ابتسمت رهف وقالت:أهلاً بيكي…
وأشار إلي رهف ،قاطعته فرحة وقالت بتلقائية:وانتي أكيد رهف؟
أومأت رهف رأسها بإبتسامة فقبلتها فرحة وهي سعيدة وابتسامتها واسعة لا تدري رهف ما سر هذه السعادة التي تبدو علي ملامح فرحة…
قالت رهف:طيب استأذن أنا…
قالت فرحة:لا استني أنا جاية معاكي عشان معطلش مراد، خرجت معها و جلست رهف علي مكتبها منتظرة الملف و منتظرة الرحيل أيضاً حتي قالت فرحة:مراد أخويا كلمني عنك كتير أوي…
احمرت وجنتي رهف ولم تستطع الرد فابتسمت فقط…
قالت فرحة:بصراحة انتي أحلي كتير من وصفه وليه حق بصراحة!
عقدت رهف حاجبيها وقالت في خجل:حق في ايه؟
قالت فرحة:بصراحة يا رهف بس بيني وبينك بالله عليكي اوعي تقولي لمراد اني قلتلك حاجة…
أومأت رهف بالرفض وقالت:مـ.ـا.تخافيش…
قالت فرحة:مراد عايز يرتبط بيكي!
بلعت رهف ريقها و وجهها يشع بالإحمرار و تلعثمت بنظرات زائغة يمنة ويسرة ولا تدري ماذا تقول…
قالت فرحة:والله مراد طيب أوي وأنا وهو مالناش غير بعض بعد اللي حصل لبابا و ماما و أخويا التاني و مرات مراد…
عقدت رهف حاجبيها مستفهمة…
فقالت فرحة بحزن دميم:كانوا رايحين كلهم يخطبوا لأخويا في القاهرة وعملوا حادثة وللأسف اتوفوا كلهم ،مراد كان مشغول اليوم ده في قضية مهمة و أنا كنت تعبانة و مقدرتش أروح يعني أنا ومراد انكتبلنا عمر جديد…
دمعت عيني رهف وقالت بحزن:لا حول ولا قوة إلا بالله،البقاء لله،أنا أول مرة أعرف الموضوع ده…
قالت فرحة:الكلام ده من حوالي سبع سنين تقريباً ماكنتيش اشتغلتي في المكتب و مراد مابيحبش يجيب سيرة الموضوع ده،أنا وقتها كنت مخطوبة وأجلت جوازي كتير لحد ما اتجوزت من سنتين ونفسي أوي أفرح بمراد وأطمن عليه بدل الوحدة اللي هو فيها ،وطول الفترة دي عمري مافتحت معاه الموضوع ويوافق إلا المرة دي فأنا بطلب منك تفكري والموضوع يبقي بيني بينك…
صمتت رهف قليلاً ثم قالت :الحقيقة أنا…
قاطعها خروج مراد من مكتبه بالملف وقام بإعطاؤه لرهف ثم قال موجهاً كلامه لفرحة:سيبيها تمشي بقا اتأخرت كده…
فقالت فرحة: آسفة يا رهف اني اخرتك…
قالت رهف:لا أبداً أنا كنت مستنية الملف… قالت فرحة مبتسمة:ماشي هنتقابل تاني ان شاء الله،صح؟
بادلتها الإبتسامة وقالت:اه ان شاء الله…
واستئذنت بالرحيل،فقالت فرحة علي الفور في غيظ :ده انت طلعت في وقت غريب جداً ،كانت لسة هتتكلم وتقول رأيها…
زم مراد شفتيه في ضيق وقال :يعني معرفتيش حاجة؟
*********
كانت سلوي في طريقها من الجامعة وأثناء عودتها وجدت إبراهيم يصف سيارته أسفل المنزل فسألته:هتشوف موكا إمتي بقا يا أبيه إبراهيم…
رد مازحاً:طب قولي ازيك يا أبيه،عامل ايه يا أبيه…
ردت بطفولية:معلش بقا بس بجد وحـ.ـشـ.ـتني وانت منفضلي خالص…
قال بتهكم:منفضلك ايه المرتبة ولا السجاد؟
ضحكت وقالت:لا بجد بقا؟
قال بجدية:خلاص هتصل برهف أشوفها فاضية ولا وراها حاجة النهاردة…
قالت سلوي بفرحة:يارب،يارب…
***********
عادت رهف لتجد مروان ووالدته في الشارع أسفل المنزل ومعهم بقية العائلة يودعوهم ،انتبه مروان إليها قادمة فخفق قلبه وابتسم متجهاً إليها تاركاً الجميع و لا يبالي بأحد…
قال بلهفة :اتأخرتي أوي،كنت خايف أمشي من غير ما أشوفك ،قصدي أسلم عليكي…
اضطربت رهف و احمرت وجنتيها وهي تقول:توصلوا بالسلامة…
_الله يسلمك،ان شاء الله نتقابل في فرح عمر…
قالت في خجل:ان شاء الله، وعادوا كليهما للجميع فسلمت رهف علي والدته و ودع الجميع بعضهم البعض حتي استقلوا سيارتهم و ظلت النظرات بينهم مسـ.ـر.وقة مودعة حتي استدار بسيارته وبدأت تختفي السيارة عن أنظارهم رويداً رويداً…
شعرت رهف بغصة في قلبها فلم تطل الوقوف واستئذنتهم سريعاً ،صعدت إلي الأعلي ،سلمت علي والدها ودخلت غرفتها وارتمت علي الفراش تبكي بشـ.ـدة لا تعلم لماذا ولكنها تشعر بحزن يدمي قلبها حتي دخلت عليها صغيرتها فاعتدلت واحتضنتها بقوة وكأنها تحتضن أمها أو أختها أو ربما صديقتها فأحياناً نحتضن أطفالنا لأننا نحن من نحتاج حقاً لهذا الحـ.ـضـ.ـن وليس هم لنفرغ فيه همومنا ……
يتبع…
عنـ.ـد.ما ينبض القلب وتتسابق دقاته ثم يأتي العقل بحكمته فيوقف هذه الدقات ويتحكم من نبضاته بل ويمنعها ويضع مكانها غصة تنبش به فيكون ذلك الإحساس الأصعب علي الإطـ.ـلا.ق…
رحل مروان و تبقت رهف بغصة قلبها حتي ولو لم يرحل فهي محكوم عليها من عقلها بغلق هذا الجزء اليساري الضعيف إلي الأبد ومنعه عن النبض،ظلت تبكي وهي تحتضن صغيرتها وتزداد شهقاتها وتنهمر دمـ.ـو.عها،حتي سألتها ملك…
_تعيطي ليه ياماما؟
قالت رهف بصوت متقطع من أثر البكاء:مفيش يا حبيبتي،ومسحت دمـ.ـو.عها بكفيها وقالت بإبتسامة:خلاص عـ.ـيا.ط بح أهو…
حتي قاطعهما هاتف رهف لتجد إبراهيم فأجابت وهي تقول بداخلها"استر يارب"
_السلام عليكم…
أجابها إبراهيم:وعليكم السلام،ازيك؟
_الحمدلله…
_انتي وراكي حاجة دلوقتي؟
قالت رهف:ليه؟
_سلوي نفسها تشوف ملك،لو مش وراكي حاجة هجبها وآجي وبالمرة نتكلم شوية في موضوعنا…
تنهدت رهف ثم قالت بحنق:تعالوا يا إبراهيم بس أنا بجد مش قادرة أتكلم في حاجة…
رد إبراهيم بعجرفة:ليه هو الكلام بيوجـ.ـع ولا بيتعب،خلاص هنجيلك دلوقتي…
زفرت رهف وهي تقول:ماشي…
******
قال مراد بآذان صاغية:احكيلي بقا بالتفصيل ايه اللي حصل؟
ردت فرحة بمزح:يانهار أبيض،دي تالت مرة هحكي يا مراد؟ما أنا قلتلك…
رد مراد:ماهو انتي قعدتي معاها كتير أوي وحكتيلي كلمتين بس أنا عايز تفاصيل…
قالت فرحة بضحك:ده انت شكلك وقعت يا مراد؟
رد مراد محاولاً كتمان خجله وقال:بطلي يا بت لعب عيال،طيب قوليلي انتي ايه رأيك فيها؟
قالت فرحة بنفاذ صبر:وربنا قلتلك برده،جميلة ورقيقة وهادية و باين عليها طيبة،ها في حاجة تاني؟
قال مراد وهو يخبطها بوسادة صغيرة:طيب قومي بقا روحي لجوزك،امشي…
ضحكت فرحة وقالت:هههههه بقا كدة أخرتها تطردني،طيب يا مراد أنا ماشية وابقي دور عليا بقا لمـ.ـا.تحتجني ها…
***********
قفزت سلوي من فرحتها واستعدت للذهاب إلي ملك،ذهبت لوالدتها وقالت لها…
_مش هتيجي معانا يا ماما تشوفي موكا…
ردت فدوي بكبرياء:أنا اللي أروح لحد عندها وأشوفها ولا هي اللي تجبهالي لحد عندي…
جلست سلوي بجانبها وقالت بهدوء:يا ماما أي حاجة المهم انك تشوفيها وخلاص…
قالت فدوي:لا مش أي حاجة،أنا جدتها و أخوكي يجبهالي لحد عندي هنا…
لوت سلوي شفتيها واعتدلت وهي تقول:ماشي ياماما اللي يريحك،بعد اذنك؟
خرجت سلوي وقالت لإبراهيم وهو يرتدي ثيابه:واحنا ماشيين عايزة أشتري شوية حاجات كدة لموكا…
قال إبراهيم بذكاء:يعني؟
ضحكت سلوي وقالت:ههههه يعني عايزة فلوس يا أبيه…
قال إبراهيم:ماشي بس تنجزي…
*********
وصلا كلاً من مروان ووالدته إلي منزلهم في طنطا،كان مروان مزاجه سيئ ولم يتحدث كثيراً فسألته ساميه…
_مالك يا مروان؟
أجابها وهو يرمي بجسده علي فراشه:مالي يا ماما؟
قالت بحنان:طول الطريق وانت ساكت وعمال تنفخ كأنك مخـ.ـنـ.ـوق من حاجة؟
قال نافياً:لا أبداً عادي…
قالت سامية:طيب ياحبيبي قوم غير هدومك علي ما أعملك حاجة تاكلها عشان تظبط نفسك كدة وتنام بدري عشان شغلك…
رد مروان بضيق:لا يا ماما كلي انتي أنا مش جايلي نفس،هغير وأنام علي طول…
قالت بحنان:ماشي يا ابني اللي يريحك…
**********
أحضرت رهف فستان صغير جميل لصغيرتها وألبستها وسرحت شعراتها القصيرة الناعمة علي شكل "قطتين"،قبلتها وقالت:بابا وعمتو جايين دلوقتي عشان يشوفوكي،حبيبة ماما بتسمع الكلام وشطورة صح؟
أومأت الصغيرة برأسها وقالت:عمتو جبلي لعبة؟
قالت رهف مبتسمة:معرفش يا موكا،بس لو مجابتش عيب نسألها صح؟
قالت ملك:اه صح…
سمعت رهف صوت سيارة إبراهيم بالأسفل ،دقائق قليلة ودق جرس الباب هرولت ملك نحو الباب وخلفها رهف،فتحت رهف لتجد إبراهيم في المقدمة وسلوي خلفه فإبتسم إبراهيم لرهف،انحني ورفع صغيرته وقبلها، أقبلت سلوي نحو رهف فاحتضنتا بعضهن و قالت سلوي:ازيك يارهف حشـ.ـتـ.ـيني و ؟
قالت رهف مبتسمة:الحمدلله يا سلوي وانتي كمان والله…
ثم انتشلت سلوي الصغيرة من بين ذراعي إبراهيم،احتضنتها وقالت:روح قلب عمتو يا ناس حشـ.ـتـ.ـيني و  موت…
قالت ملك:وتي كمان يا سوي…
ضحكوا جميعاً علي حروفها الضائعة وقالت سلوي…
_سوي يا خلاشو أحلي واحدة بتقول اسمي…
قالت رهف:اتفضلوا…فجلسوا جميعاً وخرج لهم عبد المنعم،رحب بهم بينما رهف دلفت إلي المطبخ ودخلت سلوي مع ملك إلي الغرفة وجلست معها علي الأرض لتريها ما أحضرته لها من لعب و حلوي…
قدمت رهف العصير لإبراهيم و والدها والذين بدا عليهم الإرتباك فمن الواضح أنهم يتحدثون عن ذات الموضوع ، دلفت إلي سلوي و ملك في الغرفة…
قالت رهف:كل دي لعب وحلويات يا سلوي،كتير أوي…
قالت سلوي بحب:طبعاً دول لأحلي موكا في الدنيا…
ترددت رهف وهي تقول:طنط فدوي عاملة ايه؟
أجابتها سلوي وهي تلعب مع ملك:الحمدلله بتسلم عليكوا…
ردت رهف بضعف:الله يسلمها…
رفعت سلوي نظرها إلي رهف وقالت:مالك يا رهف،انتي كويسة؟
دمعت عيني رهف ولكنها ابتسمت قالت :الحمدلله…
اعتدلت سلوي وجلست بجانبها،رتبت علي يدها وقالت:رهف انتي عارفة انا بحبك قد ايه وكنتي زي أختي ومازلتي والله، لو في حاجة مضايقاكي قوليلي لو عايزة؟
ابتلعت ريقها وقالت:أكيد يا سلوي بس صدقيني أنا بس مخـ.ـنـ.ـوقة شوية و مفيش سبب معين بس أكترهم ان ابراهيم عايز ملك تعيش معاه يا اما نرجع لبعض وتعيش معانا احنا الإتنين والحلين بالنسبة لي أصعب من بعض…
قالت سلوي بأسف:اه عارفة هو الموضوع ده بيبطلوا كلام فيه في البيت،بس والله بفضل أقولهم حـ.ـر.ام عليكوا سيبوها في حالها،بس انتي عارفة هما معتبرني لسة صغيرة ومايصحش أتكلم في الحوارات دي…
بدا علي رهف الحزن والشرود وهي تقول:مش عارفة أعمل ايه…
حتي أقبل عليهم إبراهيم وقال بحدة:رهف عايز أتكلم معاكي شوية…
نظرت رهف لسلوي ثم رفعت نظرها إليه وقالت:اتفضل…
قال وهو يتجه ناحية الشرفة:تعالي…
استئذنت رهف من سلوي ودلفت إليه فقال بخبث:كنتي بتشتكيلها مني؟
قالت رهف بتلعثم:لا أبداً…
أشعل سيجارته وهو يقول:قررتي إيه؟
ردت رهف بإرتباك:ما أنا قلتلك يا إبراهيم،مش قادرة أتكلم في الموضوع ده دلوقتي…
وفجأة انتشل ذراعها بين قبضته وهو يقول:بقولك إيه أنا صبرت عليكي كتير لكن والله خلاص أنا جبت أخري في الموضوع ده وشكلي هتصرف بطريقتي بقا…
عقدت حاجبيها في قلق وقالت:هتعمل إيه يعني،وجمعت شجاعتها وحروفها وقالت :لوسمحت يا إبراهيم مـ.ـا.تخلينيش ألجأ للقانون وانت عارف كويس أوي إنه هيحكم في صفي أنا لأنها لسة صغيرة وحضانتها معايا…
ابتسم بمكر وقال في جدية وهو مازال يمسك بذراعها:ما انتي عارفة ان مفيش حاجة بتستعصي عليا،والقانون بتاعك ده مش هينفعك يا قلبي…
أقبلت سلوي عليهم وهي تنادي علي رهف حتي رأت هذا المشهد فتبلمت وهي مقتضبة الجبين،حتي هتف أخوها بوجهها قائلاً:فيه إيه؟
ارتبكت سلوي وقالت بتلعثم وهي ممسكة بهاتف رهف:أصل تليفون رهف كان بيرن…
انتشله منها وأعطاه لرهف فرن الهاتف مرة أخري،نظرت لشاشته وهي ترتجف،قال إبراهيم بحدة:مـ.ـا.تردي…
قالت بصوت متقطع:لا مش عايزة أرد مش هعرف أتكلم وأنا كدة…
قال إبراهيم:هو مين اللي بيتصل؟
ردت بتلقائية:معرفش رقم غريب…
سحب منها الهاتف وهو يقول:طب هاتي ،وفتح الخط وقال:ألو…ألوو
سمع صوت الصافرة تعلن عن غلق الخط فضحك بمكر وقال:الله وكمان أرقام غريبة ومعاكسات…ثم صوب نظره لسلوي وقال:انتي لسة واقفة روحي اقعدي مع ملك…
أومأت برأسها في ذعر و خرجت علي الفور،واستكمل إبراهيم تهديده وابتزازه لها…
*****
وهناك في طنطا،نظر مروان لهاتفه وهو يقول لنفسه"ايه ده مين ده؟هو أنا سرقت رقم غلط ولا إيه؟"…
********
قال إبراهيم بعصبية :بصي بقا هو أسبوع واحد أسمع بعدها قرارك يا ترجعيلي يا بنتك هتعيش معايا وانتي اللي تبقي تيجي تشوفيها وقت ما تحبي،ماشي؟سلام…
وخرج لسلوي وقال لها:يلا قومي هنمشي…
نهضت سلوي علي الفور وقالت بخفوت:طيب نستني شوية صغيرين…
رمقها بنظرة وقال:بقول يلا وسبقها نحو الباب…
ودعت سلوي ملك بحـ.ـضـ.ـن عميق وقبلات متتابعة و ودعت رهف بحـ.ـضـ.ـن يواسيها ونظرات تهدئها وخرجت لأخوها مسرعة…
أغلقت رهف خلفهم الباب و خرج والدها من غرفته قائلاً:مشيوا؟
قالت بهدوء:اه…
سألها عبدالمنعم:وقررتوا إيه؟
نظرت إليه في وجوم ثم قالت:والله ماعرف يا بابا،بعد اذنك هدخل أنام…
دلفت إلي غرفتها لتجد ملك منغمسة في اللعب وهي في قمة سعادتها بالألعاب فيالها من أجمل أيام لا نبالي فيها سوي بلعبة أو بقطعة حلوي،لا نفهم مايدور حولنا من مشاكل ولا نهتم،فقط ننام لنستيقط للهو واللعب حتي ننام ثانيةً،جلست رهف بجانبها تنظر لها وهي تزرف دمعاً لا تتخيل حياتها بدونها ،مشكلتها مع إبراهيم جعلتها لا تفكر بكلام أخت مراد أو حتي برحيل مروان،تفكر فقط في حل لما هي فيه،ظلت علي فراشها بالساعات حتي رنت تواشيح الفجر في آذانها وما أعذبها وهي تقول "اذا شئت في الدارين تسعد فكثر في الصلاة علي محمد"
خرجت من غرفتها إلي الشرفة تستنشق عبير الفجر والندي يملأ الأركان،سالت دمـ.ـو.عها وهي تنظر للسماء وتدعو الله بما يفطر قلبها حتي سقطت عبراتها علي سور الشرفة واختلطت بالندي فما أطهرهم وما أنقاهم من قطرات…دلفت ،توضأت وصلت فرضها،دعت ربها في سجدتها وخلدت للنوم لبضعة ساعات حتي يحين وقت عملها،استيقظت علي رنين هاتفها نظرت للشاشة بنصف عين لتري من المتصل واذا به نفس الرقم الغريب فأجابت…
_السلام عليكم…
أجابها مروان بلهفة:وعليكم السلام،ازيك يا رهف؟
عقدت حاجبيها واعتدلت علي فراشها وقالت في دهشة:الحمدلله،مين؟
قال:أنا مروان…
شعرت بشئ يغزو قلبها حتي تسارعت نبضاته وقالت بإرتباك:مروان؟ازيك؟
قال بحنان:الحمدلله،كنت بلبس ورايح الشغل وعارف ان انتي كمان راحة شغلك فقلت أصبح عليكي،آسف اني اتصلت بدري كدة…
قالت وهي تحاول لملمة حروفها:لا عادي بس انت جبت رقمي منين؟
قال مروان:بصراحة سرقته من عمر…
ابتسمت رغماً عنها وقالت:بس السرقة حـ.ـر.ام…
قال بهدوء:ربنا يسامحني بس ملحقتش أخده منك لما سبتيني ومشيتي…
انتابها الخجل وآثرت الصمت ثم قالت لتهرب منه:انتوا وصلتوا بالسلامة؟
رد بتهكم قائلاً:لا لسة في الطريق أهو…
أصدرت صوت ضحكة خفيفة عبر الهاتف رغماً عنها فقال مروان:ياااه أهو أنا نفسي كنت أبقي واقف قدامك دلوقتي وأشوف الضحكة دي…
تسلل الخجل إليها مرة أخري فصمتت،قال مروان:علي فكرة رنيت عليكي إمبـ.ـارح أول ما وصلنا بس رد عليا رجل ومش صوت باباكي خالص…
تلعثمت وهي تقول:لا مش بابا،ده بابا ملك كان جاي يشوفها…
قال مروان:اااه،أنا آسف لو كنت سببتلكوا مشاكل ولا حاجة؟
صمتت قليلاً وقالت:لا أبداً…
قال مروان:طيب يلا عشان معطلكيش عن الشغل،وأنا كمان المدير هيعلقني…
ابتسمت وقالت:ماشي ربنا معاك…
قال:لا إله إلا الله…
أكملت:محمد رسول الله…
انتهت المكالمة وهي لاتزال علي فراشها حتي زحفت تلك الإبتسامة مرة أخري علي ثغريها فارتمت بجسدها للخلف علي فراشها ثم تسلقت مشكلتها مع إبراهيم إلي عقلها فتلاشت تلك الإبتسامة سريعاً واعتدلت للذهاب إلي عملها،ويستمر الصراع دائماً بين مشاعر القلب الرقيقة و تحديات العقل المزعجة!!
******
وعلي مائدة الإفطار إلتفت الثلاث حولها ليترأسها إبراهيم…
قالت فدوي:عملتوا إيه عند ملك إمبـ.ـارح؟
ردت سلوي بحبور:عسل يا ماما كنت هاكلها والله بقا دمها زي السكر…
قالت بتهكم:اممم و مامتها دمها كان إيه؟
رد إبراهيم بخبث:دمها كان محروق!
قالت فدوي بضحك:ههههههه ازاي يعني يا إبراهيم؟
حدق عينيه وهما يطلا بالشر وقال:يعني خلاص كلها أسبوع و ترجعلي راكعة…
ردت سلوي بإمتعاض وقالت:أستغفر الله العظيم،الركوع لربنا وحده،ارحموها بقا…
رمقها إبراهيم وكاد أن يصفعها…
وقالت فدوي في غلاظة :وربنا ان ماسكتي يا سلوي لأحرمك من الجامعة، وانتي عارفة اني أعملها، ثم أطرقت قائلة:ربنا اللي بيرحم يختي!
اعتدلت سلوي في تذمر و تركتهم كالعادة وذهبت لجامعتها وهي تتأفف…
********
وفي مكتب المحاماة،دلفت لتجد طارق علي مكتبه،ألقت السلام كالعادة ثم جلست علي مكتبها…
شعر مراد بحركة خارج مكتبه فاستدرك أنها وصلت ،كان يجلس علي نار ،يريد معرفة رأيها ولكن كيف يعلم وهو يُفرض أنه لا يعلم شيئاً عما دار بينها وبين فرحة أخته،ظل يفكر حتي استدعاها فربما يشعر من معاملتها أو نظراتها بشئ ما…
دلفت إلي مكتبه وألقت التحية…
رد علي تحيتها ثم قال:راجعتي الملف اللي خدتيه امبـ.ـارح…
زمت شفتيها وقالت في خجل:أنا آسفة جداً يا فنـ.ـد.م بصراحة لأ…
رد مراد متظاهراً بالجدية قائلاً:طيب ليه؟
بدا عليها الإرتباك وهي تبحث عن سبب تقوله حتي قالت:أصل كان عندنا ضيوف إمبـ.ـارح ومشيوا متأخر فملحقتش أراجعه بس أوعد حضرتك اني أخلصه النهاردة…
قال مراد بصدر رحب محمل بتنهيدة طويلة:ماشي يا رهف ،براحتك…
استئذنته وخرجت، جلس علي كرسيه ولم يصل له أي فكرة من الحوار الذي دار بينهم وظل متـ.ـو.تراً حتي أجري اتصاله بفرحة……
يتبع…
أجري مراد اتصاله بفرحة فأجابت عليه في خمول…
_صباح الفل يا مودي…
قال مراد بمزح:مودك مين بس،انتي لسة نايمة؟
ردت فرحة وهي تتثائب:أيوة طبعاً أنا إيه اللي هيصحيني بدري كده…
قال مراد:طيب يا فروحتي فوقي كده وصحصحيلي…
قالت فرحة بضحك:فروحتي،يبقي أكيد عايز حاجة،عايز إيه يا مراد؟
رد مراد بسرعة:عايزك تجيلي المكتب دلوقتي…
قالت فرحة:ياسلام ياأخويا بمزاجك تعوزني ومزاجك تطردني،لا أنا مش لاعبة…
قال مراد برجاء:يلا بقا يا فرحة أنا كنت بهزر معاكي والله ،أنا نفسي أعرف كانت هتقولك إيه،عايز أعرف رأيها…
ردت فرحة بجدية:لا يا مراد إديها فرصة تفكر،ده أنا لسة قايلالها إمبـ.ـارح…
_يابنتي ماهي كانت هترد عليكي في ساعتها لولا اني طلعت عليكم…
فكرت فرحة قليلاً ثم قالت:مش عارفة طيب أصبر لبكرة طيب…
قال بإصرار:لا النهاردة…
تنهدت فرحة وقالت:حاضر يا مراد حاضر هقوم أستعد…
قال مراد :أحلي أخت في الدنيا…
ردت بضحك:ماشي كل بعقلي حلاوة…
علي الفور اتصلت فرحة بزوجها علي هاتفه لتخبره بذهابها إلي مكتب أخيها،نهضت واستعدت للذهاب…
كانت رهف منغمسة في قراءة الملف الهام تبع القضية بينما طارق الجالس علي مكتبه كان يصوب نظره إليها من الحين للآخر وهي غير منتبهة،حتي أقبلت فرحة إلي المكتب و ما أن دلفت وألقت السلام،قاطعها تصرف غريب من طارق فقالت فرحة فجأة وفي ذهول…
_ايه ده يا أستاذ انت؟!حضرتك بتعمل ايه بالظبط؟!
إنتفض طارق من مكانه وهو يمسك بهاتفه وظل يقول بتلعثم:أنا ،أنا أبداً مابعملش حاجة!
اعتدلت رهف وهي مندهشة ممايحدث ولا تفهم في الأمر شيئاً حتي قالت:خير يا مدام فرحة؟
هتفت فرحة بغضب:الأستاذ ده ماسك موبايله ومسلطه عليكي وانتي قاعدة مش مركزة،معرفش بيعمل ايه!
تبلمت رهف وقد شعرت بدوار مفاجئ وتقول:إيه؟يعني إيه؟
خرج مراد من مكتبه علي صوت ضجيجهم بالخارج ليجد ثلاثتهم واقفين والجو مضطرب فقال…
_إيه في إيه؟
قالت فرحة علي الفور وهي لاتزال في حالة غضبها:تعالي يا مراد شوف الأستاذ اللي انت مشغله عندك بيعمل إيه…
قال مراد بإنفعال:بيعمل إيه؟
قالت:إمسك موبايله كده وقلب في الصور أو الفيديو…
انتشل مراد هاتف طارق ولم يبحث كثيراً فوجد صور لرهف علي شاشة الهاتف أمامه وهي منهمكة في عملها،انفعل مراد وكاد أن يضـ.ـر.ب طارق ولكنه تماسك وظل يوبخه ويصـ.ـر.خ بوجهه،كاد طارق أن يبكي من التوسل والأسف ولكن حماس مراد كان زائداً عن حده فقام بطرده من المكتب علي الفور،أما رهف فصدمتها أخرستها وفقط دمـ.ـو.عها تتحدث حتي هدئتها فرحة قائلة وهي تربت علي كتفها…
_خلاص يا رهف،الحمدلله حصل خير وجيت في الوقت المناسب…
وكان مراد في قمة انفعاله وظل يهتف:الجبان،الندل…
وأخيراً نطقت رهف من بين دمـ.ـو.عها المتقطعة بالشهقات:أنا مش عارفة إيه اللي يخليه يعمل كدة…
قالت فرحة:هيكون إيه غير انه انسان مريـ.ـض وماعندوش دين،بس خلاص مراد خدلك حقك منه وطرده أهو…
نظرت لها رهف وقد وقفت دمـ.ـو.عها قليلاً وقالت:هتصدقوا لو قلتلكوا اني متضايقة أوي عشان اتطرد…
نظر مراد وفرحة لبعضهم نظرات ذهول وقال مراد بدهشة:ليه انتي المفروض تكوني مبسوطة؟
قالت رهف:هتبسط عشان رزقه انقطع بسببي طيب مـ.ـر.اته وعياله ذنبهم إيه بس؟
قالت فرحة بغيظ:لا بسببه هو مش بسببك وده جزاؤه،يشرب بقا…
نظرت رهف لمراد وقالت له بتوسل:طيب أرجوك يا أستاذ مراد رجعه وعاقبه بخصم أو أي حاجة تانية وبلاش فصل نهائي وهو أكيد نـ.ـد.مان وعمره ما هيفكر يعمل حاجة زي كدة تاني…
قالت فرحة بمزح:دي مش طلعت طيبة بس دي طيبة أوي يا مراد،هار اسوح…
ابتسم مراد لرهف وهو يقول:حاضر يا رهف بس مش هكلمه النهارده عشان أربيه شوية،بكرة ان شاء الله أبقي أرجعه ويتأسفلك الأول،وده عشان خاطرك انتي بس ان كان عليا مش هطيق أبص في وشه تاني…
ابتسمت رهف والدمـ.ـو.ع علي وجنتيها قائلة:متشكرة يا أستاذ مراد…
واعتدلت وهي تقول:أنا آسفة الشغل اتعطل بسببي…
اعتدلت فرحة وقالت بمرح:لا تعطيل إيه،ده بعد اذن مراد هتنزلي معايا أشربك ليمون في أي كافيه…
قال مراد بترحيب:اه طبعاً طبعاً اتفضلوا…
قالت رهف:لا معلش أصلي كنت براجع الملف وعندي شغل كتير…
رد مراد مسرعاً:عادي يا رهف اعتبريها استراحة قصيرة،فضحك جميعهم و هبطت رهف مع فرحة واتجهوا إلي أقرب كافيه…
جلسوا وبدأت فرحة بجذب أطراف الحوار فقالت:بقيتي كويسة دلوقتي؟
قالت رهف:اه الحمدلله…
قالت فرحة مبتسمة:باين عليكي طيبة أوي يا رهف…
ابتسمت رهف وقالت:يعني مش أوي…
قالت فرحة بجدية:لا طبعاً أوي،اللي يسامح حد كان عايز يأذيه أويستغله يبقي انسان طيب جداً…
تنهدت رهف وقالت بهدوء:ربنا يسامحه بقا ويهديه…
قالت فرحة:يارب،ثم تنحنحت وقالت:طيب إيه الأخبـ.ـار؟
عقدت رهف حاجبيها في تساؤل…
فقالت فرحة:فكرتي في اللي قلتلك عليه امبـ.ـارح؟
نظرت رهف للأسفل في خجل من صعوبة الرد ثم رفعت نظرها إليها ثانيةً وقالت:والله يا فرحة مكدبش عليكي ،أنا عندي مشكلة كبيرة أوي مخلياني مش عارفة أفكر غير فيها…
قالت فرحة:طيب أنا مش هسألك إيه هي مشكلتك لأن دي حاجة شخصية ،بس حتي أعرف رأيك في مراد والمبدأ نفسه…
قالت رهف بجدية:أستاذ مراد إنسان خلوق جداً ماشاء الله ونادر أنه يتكرر تاني،بس…
وصمتت رهف،أتبعت فرحة :بس إيه كملي؟
قالت رهف بأسف:بس أنا منفعوش،ولا أنفع لأي حد تاني،أنا حياتي متلخبطة أوي وبالذات الفترة دي…
قالت فرحة:طيب أقوله يصبر شوية الفترة دي؟
عقدت رهف حاجبيها وقالت:هو عرف انك قلتيلي؟
ارتبكت فرحة وقالت بضحكة غـ.ـبـ.ـية:اه شفتي،مقدرتش أصبر ورحت قلتله علي طول…
ضحكت رهف علي عفوية فرحة…
ثم قالت فرحة :بصي أنا هقوله هي محتاجة وقت تفكر عشان مقطعش الأمل خالص وان شاء الله مشكلتك تتحل و تاخدي قرار يفرحنا…
قالت رهف بحزن :بس أنا مش عايزة أظلمه معايا،عايزاه يفكر في حد غيري مش يضطر يستني ردي ،صدقيني أنا مشكلتي صعبة أوي…
قالت فرحة بجدية:بصي يا رهف مراد بعد اللي حصله ماشفتوش متجاوب معايا في الموضوع ده خالص غير دلوقتي ومعاكي فأعتقد انه مش هيفكر في أي حد دلوقتي فسبيها علي الله…
قالت رهف في وجوم:ونعم بالله…
*********
بعد عودته من دوامه إلي المنزل،استقبلته والدته وحضرت له الغذاء وشرعوا في تناوله سوياً ،فبدأ مروان بتبادل أطراف الحوار مع والدته قائلاً…
_بقولك إيه يا ست الكل؟
-نعم يا حبيبي…
قال مروان مبتسماً:مانفسكيش كدة تفرحي بيا…
نظرت له سامية بذهول وقالت:أنا مش مصدقة يا مروان،بجد عايز تتجوز؟
قال مروان:هو مش جواز مرة واحدة،بس هي خطوة يعني…
ضحكت ساميةبفرح وقالت:ياحبيبي ده يوم المني،بس قولي انت حاطط عينك علي حد ولا عايزني أدورلك…
ضحك مروان قائلاً:تدوري إيه ياماما،لا طبعاً،أنا بصراحة معجب بواحدة وحاسس من ناحيتها بحاجة بتشـ.ـدني…
ابتسمت سامية وقالت:معاك في الشغل؟
قال مروان:لا،بس انتي شفتيها قريب…
قالت سامية بفضول:مين يا مروان؟
تنحنح مروان وقال:فاكرة رهف؟
اقتضب جبين سامية وملامحها تحولت للنقيض وقالت:رهف مين؟بنت عمة عمر وسارة؟
قال مروان وهو يحاول تلطيف الأجواء:أيون ماشاء الله عالذاكرة يا ست الكل…
اعتدلت سامية وقالت بحدة:وانت بقا عايز تتجوزلي واحدة متطلقة وعندها بنت؟!
رد مروان بخفوت:إيه المشكلة يعني يا ماما؟
قالت سامية وهي تهتف بوجهه:لا مشكلة يا مروان،ليه ان شاء الله تتجوز واحدة مطلقة ؟ده انت لسة بتقول يا جواز تقوم تاخد بواقي الرجـ.ـا.لة؟!
عقد مروان حاجبيه وقال:إيه يا ماما الكلام اللي بتقوليه ده؟بواقي رجـ.ـا.لة إيه؟ماانتي شفتي رهف بنت جميلة ورقيقة ازاي ومحترمة كمان…
قالت سامية بجدية:كل ده علي عيني وعلي راسي،وأنا ماعبتش فيها،ياابني هي تستاهل كل خير بس بعيد عننا،تاخد واحد مطلق زيها انما انت لا ويبقي آخر يوم في عمري لو عملت كدة يا مروان وتنسي ان ليك أم من أصله!!
**********
مرت الأيام والتي لا تخلو من التفكير والعقل المرهق لدي الجميع،كانت رهف منشغلة بمشكلتها وتحاول إيجاد حل مناسب لها ولإبنتها ولا تخلو من ضغوط إبراهيم عليها وهناك مروان يحاول إقناع والدته برهف ولكن هيهات وكان بدأ يتعلق برهف أكثر ويعلقها به من خلال اتصالاته بها ،ولكنها كانت تقطع أي أمل له بحديثها فهي لا تريد إعطاؤه أمل بلا أمل! ،وتقربت فرحة من رهف كثيراً حتي أنهم كانتا تتقابلا يومياً في المكتب علي أمل موافقتها علي مراد،كلُ يبحث عن الأمل وكأنه الكنز المفقود…!!
************
اقترب اليوم الموعود لعبد المنعم والذي ستأتي فيه عروسه إلي منزلها الجديد في بلدة غريبة عنها،كان عبد المنعم في غاية التـ.ـو.تر يحاول تزيين منزله من دهانات جديدة وديكورات وتجديدات ،كانت أعصابه تالفة لا يطيق شهيقه وزفيره،
كانت رهف لاتتحمل مـ.ـا.تراه فكانت تقضي معظم يومها مع سارة وعبير حتي تدلف إلي غرفتها مع إبنتها في آخر الليل وتحاول عدم التفكير بحال والدها إلي أن جاء هذا اليوم وجاءت العروس،كان عبدالمنعم يبدو عليه الشباب من فرط سعادته التي لاحظها كل من حوله حتي تم كتب الكتاب وبدأت حياته الجديدة مع زوجته الجديدة والتي كانت تحاول التقرب من رهف بكل ما لديها من محاولات…
*******
ذات يوم دلفت سامية إلي مروان في غرفته لتجده مسطحاً علي فراشه شارداً،جلست بجانبه علي طرف الفراش ورتبت علي يده قائلة…
_شيلها من دماغك يا حبيبي،انت لسة صغير مش حمل مشاكل ودي واحدة معاها بنت ومطلقة ومشاكلها كتير وانت مش هتستحمل تعيش مع واحدة وبنتها…
رد مروان قائلاً: وانتي مين قالك ان بنتها هتعيش معانا!!
ردت سامية بعدم فهم:أمال هتعيش فين؟
قال مروان بثقة عمياء:أكيد يعني هتسيبها لباباها!!
قالت سامية بتهكم:وانت بقا بتنجم ولا متأكد؟
قال بتردد:لا أنا بقول أكيد كدة يعني هتودي البنت لباباها أو هتسبها لباباها هي…
ابتسمت سامية بتعجب وقالت:يبقي انت متعرفهاش كويس،انت ماشفتهاش لما كنا عالبحر كانت هتموت علي بنتها ازاي،دي أم يا ابني متستغناش عن بنتها أبداً ..وأتبعت قائلة :مالها سارة بنت بنوت و مؤدبة وألف مين يتمناها…
نظر لها مروان في وجوم وقال:بس أنا اتشـ.ـديت لرهف مش لسارة…
قالت سامية بثقة:بص ياابني بحكم خبرتي في الدنيا بقولك ان رهف صعبت عليك مش أكتر،والرجل دايماً بيتشـ.ـد للست الضعيفة المكسورة عشان يحس هو بقوته وبسيطرته عليها، فكر يا مروان هتلاقي سارة قريبتك مناسبة ليك أكتر والبت شاطرة و حلوة…
نظرمروان لوالدته ثم أشاح بنظره في الإتجاه الآخر وشرد بعيداً…
**********
أجري ابراهيم اتصاله برهف بناءاً علي موعدهم فسألها …
_ها قرارك ايه؟
ردت رهف في خفوت:يعني لسة عند رأيك؟
زفر إبراهيم قائلاً بصريخ:اخلصي بقا اديتك فرصة اسبوع؟
قالت رهف وقد زرفت دمـ.ـو.عاً:أنا مش هقدر أستغني عن ملك يوم واحد…
قال بعجرفة:يعني؟؟
قالت بخفوت ودمـ.ـو.ع وقد وصل بها التفكير إلي هذا ووصلت بها الحياة مع والدها وزوجته إلي…
_خلاص يا إبراهيم أنا هرجعلك!!
وكأن روحها خرجت من ضلوعها حين قالتها وكأنها شربت للتو سم قـ.ـا.تل قـ.ـتـ.ـل فيها كل معاني الحياة،أما ابراهيم قد انتابته حالة من الغرور وهو يتصور أنه أشبع كبريائه و ابتذاذاته الحقيرة لها…
قالت رهف وهي لاتزال تبكي بحرقة:بس مش دلوقتي…
قال إبراهيم:أمال امتي؟
_بعد فرح عمر خلاص فاضل أقل من أسبوع…
قال إبراهيم بخبث:تمام أهو تكوني حضرتي نفسك يا عروسة،مش عروسة بردو؟
صمتت ثم قالت بعدم رضا:ان شاء الله…
انتهت المكالمة، سقط هاتفها أرضاً وسقطت معه مغشياً عليها حتي رأتها صغيرتها ،ظلت تنادي عليها بصوت هادئ لم تدرك ما حدث ولم تصور لها براءتها ما قد فعلته رهف وما تشعر به الآن،ظلت تنادي وتوقظها ولكن دون إجابة منها ،خرجت الصغيرة من الغرفة ظلت تطرق علي باب غرفة عبدالمنعم ،خرج مهللاً…
_إيه فيه إيه؟
قالت ملك ببراءة:ماما نامت علي أرض…
دلف إليها وزوجته ليجدوها مغشية عليها أرضاً حتي أفاقوها،فاقت وهي تبكي،ولم تقل لهما شيئاً،احتضنتها زوجة والدها ولكن لم يجدي الحـ.ـضـ.ـن شيئاً فأين أنتي يا أمي؟؟
ظلت علي حالها حتي هدأت قليلاً وذهب الباقي لغرفته ،تدثرت في فراشها حتي نامت صغيرتها وتبقت هي بدمـ.ـو.عها وآلامها لم تتخيل أنها ستعيد تلك الليالي الصعاب مرة أخري حتي تعالت أصوات الزغاريد فجأة من الأعلي،توقعت كما توقع الجميع أنها بمناسبة اقتراب زفاف عمر ولكن سمعت رهف طرق شـ.ـديد علي الباب ،ذهبت لتفتح وهي تجفف دمعتها لتجد سارة في قمة فرحتها وبمجرد ما فتحت رهف الباب احتضنتها سارة بفرحة وظلت تدور بها وتقول…
_بـ.ـاركيلي يا رهف بـ.ـاركيلي…
يتبع…
آه…!! ما أوجعها حين تقال في دواخلنا ولا يحسها أقرب من حولنا،،فما أغباهم!!
فتحت رهف الباب لتجد سارة وهي في قمة سعادتها،احتضنتها وهي تدور بها وتقول…
_بـ.ـاركيلي يا رهف بـ.ـاركيلي…
قالت رهف وقد نسيب مابها من حزن…
_مبروك يا سارة بس في إيه فرحيني معاكي؟
قالت سارة بفرحة عارمة:جالي عريس…
صرخت رهف من فرحتها واحتضنت سارة بقوة وهي تقول:بجد،ألف مبروووك…
قالت سارة:الله يبـ.ـارك فيكي مقدرتش أصبر أول ما اتصلوا بينا نزلت علي طول عشان أفرحك…
ردت رهف بفرحة أنستها همها:بجد فرحتيني أوي…
قالت سارة وهي تضحك:عارفة يا رهف مروان كان بالنسبة لي زي عمر بالظبط والله وماكنش في قلبي حاجة من ناحيته خالص،بس بعد ما طنط اتصلت دلوقتي وطلبت ايدي لمروان حسيت اني بحبه أوي معرفش ليه…
تجمدت ملامح رهف بمجرد سماع اسم مروان ولكن سرعان ما فاقت من صدمتها ،ابتلعت ريقها بصعوبة وابتسمت قليلاً وهي تقول:ربنا يسعدك ياسارة…
_آمين يارب ياروفا أنا وانتي…
تركتها سارة وصعدت ومن فرحتها لم تشعر بدمعة رهف الممسوحة للتو تاركة أثراً بجفنيها وتحت عينيها ولكن ربما بعض من السعادة يعمينا عن رؤية حزن الآخرين ودمعتهم المحبوسة،ظلت رهف متجمدة مكانها اختلطت مشاعرها،هل هي قبيحة كل هذا القبح من الداخل لتنصدم بهذا الخبر أم هي فقط صدمة المفاجأة! هل هي قررت العودة لزوجها ولكنها تريد مروان أيضاً!! ولكن مروان لايعلم قرارها بالرجوع إلي إبراهيم،هل هو خائن لها أم كان يتلاعب بمشاعرها!! ظلت الأسئلة تتصارع داخل فكرها حتي اتجهت ناحية غرفتها كالتائهه،تدثرت في فراشها مرة أخري وهي لا تشعر بأطراف جسدها،ظلت هكذا حتي تسللت أشعة الشمس إلي غرفتها لتغزو عينيها الحزينتين و توجعها،لم تستطع الذهاب إلي عملها ولم تستطع البقاء في هذا المنزل الكئيب فهي تراه كئيباً منذ زمن،لم تشعر فيه أبداً بالحنان منذ وفاة والدتها وهي صغيرة وازداد كئباً منذ زواج والدها،ولكنها آثرت البقاء في غرفتها وظلت علي فراشها،حتي رن هاتفها وكان المتصل مراد فأجابت بصوت يكاد يسمع…
_السلام عليكم…
_وعليكم السلام،ازيك يا رهف؟
_الحمدلله يا أستاذ مراد…
_إيه مجيتيش ليه؟انتي كويسة؟
قالت ويبدو علي صوتها الشجن…
_أنا آسفة أصلي تعبانة شوية…
اضطرب مراد قائلاً :خير مالك؟
_لا عادي بس مانمتش خالص فحاسة اني مصدعة ومش هقدر أشتغل،أنا آسفة…
_لا طبعاً متتأسفيش ،ألف سلامة عليكي أنا بس قلقت عليكي فقلت أطمن…
_ربنا يخليك يا أستاذ مراد…
_طيب لو عايزة أي حاجة اطلبيها ولو عايزة أجازة قولي…
صمتت قليلاً ثم قالت:بصراحة أنا محتاجة أجازة كام يوم لو ممكن…
_اه طبعاً ممكن…
_وبعد اذن حضرتك ممكن رقم فرحة…
أعطاها مراد رقم فرحة وهو يتمني لو يعلم فيما تريدها ،جلست رهف علي فراشها قليلاً مستندة علي ظهرها وهي شاردة لساعات تغفو دقيقة وتستيقظ ساعة حتي أجرت اتصالها بفرحة …
_ألو؟
_السلام عليكم،ازيك يا فرحة؟
ردت فرحة بإستغراب:الحمدلله ،مين؟
_أنا رهف…
تفاجئت فرحة وفرحت كثيراً بإتصالها وقالت:رهف حبيبتي ازيك،ايه المفاجأة الحلوة دي؟
قالت رهف:الحمدلله يافرحة ربنا يخليكي،أصلي مارحتش المكتب النهاردة وخدت رقمك من أستاذ مراد علشان عايزاكي ضروري…
_خير يا رهف،قولي يا حبيبتي،ولا إيه رأيك تيجي عندي أنا قاعدة لوحدي والله…
تلعثمت رهف وقالت:معلش أصل معايا ملك ،ممكن نتقابل برة؟
قالت فرحة بترحيب:بجد؟ طيب هاتيها بقا وتعاليلي عشان خاطري عايزة أشوفها وأتعرف عليها…
استسلمت رهف وقالت:خلاص حاضر بس اوصفيلي العنوان…
************************
وفي منزل مروان،لم يذهب هو الآخر إلي عمله فكان يشعر بالذنب تجاه رهف ولكنه فقط مجرد شعور بالذنب!
دلفت إليه والدته فوجدته شارداً في الشاشة المضيئة أمامه…
قالت له:مارحتش الشغل ليه يا مروان؟
رد بفتور قائلاً:ماليش نفس…
قالت بفرحة:هو في عريس يبقي مكشر كدة؟
اتجه بنظره لها وقال بحنق:أنا مش عارف يا ماما استعجلتي واتصلتي بيهم ليه ما كنتي تصبري لما نروحلهم في فرح عمر وكنا نتكلم ساعتها…
قالت مبتسمة:يا حبيبي خير البر عاجله،وأنا بصراحة ما صدقت لقيتك موافق وقلتلي اللي تشوفيه يا ماما…
_ماشي بس بردو كنت عايز وقت شوية…
ضحكت قائلة:لأ كده أحسن في حموتها،أنا هقوم بقا أحضر الأكل…وقبلته من جبهته واتجهت إلي المطبخ بينما هو إتجه بنظره إلي شاشة اللاب توب مرة أخري…
***********************
وفي مكتبه لم يصبر مراد فأجري اتصاله بفرحة التي أخبرته عن قدوم رهف وابنتها إليها مما جعله يرتبك ويتمني الذهاب إليهم…
ذهبت رهف إلي العنوان الذي أعطته لها فرحة بسهولة ومعها ملك حيث رنت جرس الباب وفتحت لها فرحة بترحاب شـ.ـديد وهي تحتضنها ثم انحتت للصغيرة وظلت تقبلها وتحتضنها فكانت ملك لها سحر خاص تأسر به القلوب…
دلفت رهف و ملك وجلسوا وجلست فرحة التي لاحظت شحوب وجه رهف فقالت…
_مالك يا رهف،وشك مصفر وعنيكي دبلانة ليه كدة؟
زاغ نظرها يميناً ويساراً وقالت:أصلي مانمتش خالص امبـ.ـارح…
قالت فرحة:طيب هعمل حاجة نشربها عشان نرغي براحتنا،ها تشربي إيه؟
_مـ.ـا.تتعبيش نفسك…
_تعب إيه قولي بس؟
_أي حاجة؟
_طيب هعمل نسكافيه،بتحبيه؟
_اه اوك…
وأحضرت فرحة النسكافيه و معه قطع من البسكويت وبعض الحلوي و ألهت ملك ببعض العرائس حتي بدأ الحوار بينهم…
فرحة:ها مالك بقا ياقمر؟شكلك مش مظبوط وكمان طلبتي تقابليني؟
ارتبكت رهف وقد اغرورقت عينيها بالدمـ.ـو.ع وهي تقول:كنت عايزة أقولك اني خلاص هرجع لبابا ملك،وسقطت دمـ.ـو.عها…
عقدت فرحة حاجبيها وهي تقول: أنا مش عارفة أقولك إيه يعني المفروض أقولك مبروك عشان ملك هتتربي وسطكوا وفي نفس الوقت زعلانة عشان مراد ،ماصدقت فكر في الموضوع تاني وكمان انتي بتعيطي يا رهف،انتي مش مبسوطة طيب هترجعيله ليه؟
بكت رهف بشـ.ـدة وقالت:غصب عني والله يا فرحة،أنا تعبت من كتر التفكير وتعبت من تهديده ليا انه ياخد ملك…
قالت بإستنكار:إيه ياخد ملك منك ازاي دي حضانتها معاكي ،أنا اللي هقولك ده انتي محامية و بتشتغلي عند محامي كبير ،ايه يا رهف؟
قالت رهف:مانا عارفة وقلتلوا كدة بس هو مبيهموش قانون ،ده ممكن يخـ.ـطـ.ـفها ويسافر برة أنا عارفة إبراهيم…
قالت فرحة بأسف:لا حول ولا قوة إلا بالله،طيب ممكن أسألك سؤال شخصي شوية؟
_اه طبعاً،اتفضلي…
_هو إيه سبب انفصالكوا أصلاً…
شردت رهف قليلاً وكأنها ضغطت علي جرح قد شفي منذ زمن ونزف للتو فازدادت عبراتها وهي تقول…
_مفيش حب،مفيش كرامة،فيه ضـ.ـر.ب علي أهون الأسباب وقصاد أي حد،مفيش تفاهم ،من الآخر مفيش أي حاجة حلوة…
قالت فرحة مسرعة:تبقي مـ.ـجـ.ـنو.نة لو رجعتيلوا تاني وتعيشي بنتك في الجو ده وتسببلها عقدة…
_طيب واتحرم منها،ده أنا كنت أموت…ثم صمتت وقالت وهي تمسح وجهها:بصي يا فرحة أنا خلاص بلغته قراري وجيالك عشان تقولي لأستاذ مراد علي قراري ومش عايزاكي تزعلي مني ونفضل صحاب علي طول…
قالت فرحة بنرة حنونة:ده أكيد ربنا يعلم أنا حبيتك قد ايه،بس يا رهف ده قرار مصيري ولازم تفكري فيه مليون مرة قبل ما تنفذيه ،ثم فكرت قليلاً وقالت :انتي لازم ت عـ.ـر.في مراد باعتبـ.ـاره المحامي بتاعك لازم…
ارتبكت رهف قائلة:لا أرجوكي اوعي تقوليله حاجة ،انا مش عايزة مشاكل…
_مشاكل ايه يا رهف،ماهي المشاكل كدة كدة موجودة ومراد فاهم كويس هو بيعمل ايه…
قالت رهف:لا برده،بالله عليكي مش ت عـ.ـر.فيه حاجة…
وأثناء حديثهم رن جرس الباب،قالت فرحة بإستغراب:إيه ده مين؟معقول يكون محمد؟
وذهبت لتفتح الباب،اذ به مراد الذي لم يتحمل وأخذته قدميه إليها،تفاجئت فرحة بأخيها فقالت مرتبكة:ايه ده ايه المفاجأة دي يا مراد؟
سمعت رهف من الداخل اسم مراد،انتفضت من مكانها و ارتبكت كثيراً،دلفت فرحة لتستأذن رهف بدخول مراد فأذنت لها واعتدلت هي بنية الرحيل…
دلف مراد بإبتسامته الرقيقة حاملاً معه شنط كثيرة قائلاً:ازيك يا رهف؟بصراحة عرفت من فرحة انك جاية وجايبة ملك مقدرتش أستحمل و جيت جري عشان أشوفها أنا صريح…
ابتسمت رهف لصراحته وضحكت فرحة بينما ملك كانت جالسة علي الأرض رافعة ذقنها إلي أقصي حد لديها لتصل بنظرها إليه وهي مبتسمة،أسرع مراد وانحني إليها رافعاً إياها بين ذراعيه وظل يكبر لجمالها ويقول:ماشاء الله تبـ.ـارك الله أحسن الخالقين،بصي بقا شايفة الشنط دي؟
أومأت الصغيرة برأسها فقال مراد:دي كلها علشانك انتي،اوعي تدي لماما حاجة ماشي؟
أومأت ملك برأسها مرة أخري وهي سعيدة جداً،نظرت لهما رهف وهي مبتسمة ،ابتسامة تحمل كثير من المشاعر،حتي أنزلها مراد مرة ثانية فقالت رهف:تعبت حضرتك يا أستاذ مراد والله،دي حاجات كتيرة أوي…
قال مبتسماً:دي لملك مش ليكي…
ابتسمت وقالت له:ماشي شكراً ثم أطرقت في حديثها وقالت:طيب هستأذن أنا؟
قالت فرحة بلهفة:لأ استني ده انتوا جيتوا في وقتكوا…
عقدت رهف حاجبيها في تساؤل فقالت فرحة:بس اقعدي بس…
جلست رهف وأتبعها مراد وفرحة التي قالت موجهة حديثها لمراد:بقولك إيه يا مراد ،واحدة صاحبتي عندها مشكلة وعايزة أعرف رأيك فيها بحكم انك محامي بقا وكدة…
ابتلعت رهف ريقها و وجهها تقلب جميع الألوان وقد فهمت نية فرحة ورمقتها بنظرة،لا تبالي فرحة بنظرة رهف وأكملت…
_هي معاها بنت صغيرة و طليقها بيهددها انه ياخدها منها تعيش معاه حتي لو رفعت قضية عليه مابيهموش قواضي ولا قوانين ومن الآخر ممكن يخـ.ـطـ.ـفها منها،تعمل ايه بقا؟
قال مراد بثقة:تعمله قضية عدم تعرض لان لو البنت صغيرة يبقي حضانتها مع مامتها وده حكم محكمة مش هزار…
نظرت فرحة لرهف وهزت رأسها بمعني"مش قلتلك"…
نظرت لها رهف بعتاب ثم اعتدلت علي الفور وقالت :أهو أستاذ مراد جاوبك ،استأذن أنا بقا؟
قالت فرحة بتهكم:هقولها علي الله تفهم يا مراد أصلها عايزة ترجعله وهو مايستاهلهاش خالص بصراحة…
شعر مراد بتلميحات من كلام فرحة و ملامح رهف المتقلبة فقال بذكاء…
_وصاحبتك دي اسمها رهف؟!
ارتبكت الإثنتان وقالت فرحة:لا لا مش اسمها رهف…
وزاغت نظرات رهف فمسكت بيد ملك وقالت:بعد اذنكوا…
أوقفها مراد وهو يتجه بخطواته نحوها قائلاً:أمدلك أجازتك كام يوم،ثم أتبع بلهجة ناعمة وقال:بس ياريت مـ.ـا.تطوليش!
قالت رهف بتلعثم:يعني ممكن تلات أيام كمان بعد اذن حضرتك؟
أمسك مراد ذقنه بأصابع يده وكأنه يفكر ثم قال:طيب يومين كويس،كده الملفات هتتعطل وانتي عارفة طارق أنا رجعته بس معتبره سكرتير كدة مش هاخده معايا محاكم…
قالت رهف:خلاص ان شاء الله…
_طيب هوصلك…
ردت مسرعة:لأ متشكرة،هاخد تاكسي،السلام عليكم…احتضنتها فرحة بقوة وقالت:هكلمك بالليل…
ابتسمت رهف وقالت:ان شاء الله…
**********
وصلت رهف إلي منزلها حيث دلفت لعبير في محلها،سلمت عليها وخرجت سريعاً ولمحت ملك شريف في محله فهرولت إليه ،اضطرت رهف لتدلف إليها داخل المحل ،ألقت السلام علي شريف فسألها…
_أخبـ.ـار الموبايل إيه؟
قالت رهف:لا تمام تسلم إيدك…
في حضور منال التي دلفت إلي المحل ووجدت رهف فقالت:ازيك يارهف؟ايه ده مرحتيش الشغل ولا إيه؟
قالت رهف:لا والله مقدرتش،بعد اذنكوا بقا هطلع؟
قالت منال بتهكم ملحوظ:ليه يا حبيبتي اذا حضرت الشياطين ذهبت الملائكة،ماانتي كنتي واقفة قبل ما آجي؟
قالت رهف بنفاذ صبر:لا عادي أنا كنت داخلة أخد ملك وطالعة يا منال،عايزة حاجة؟
قالت منال بنفس اللهجة:سلامتك يا حبيبتي…
خرجت رهف وقد وترتها منال أكثر مما هي عليه،وقال شريف لمنال: أموت وأعرف انتي بتكلميها كدة ليه،اشمعني هي اللي بتكلميها كدة؟
ردت بعجرفة:عشان دي واحدة مطلقة ومسهوكة كدة في نفسها وبصراحة يتخاف منها!
قال شريف بحدة:حـ.ـر.ام عليكي بقا،وإياكي أسمعك بتقولي عليها كدة تاني،فاهمة؟
ردت منال بعصبية:وانت بقا بتزعقلي عشانها،آه يبقي أنا كلامي صح…
_كلام إيه يا مهفوفة انتي،اقصري الشر بقا واغزي الشيطان؟
تزمرت منال وخرجت من المحل وهي تقول:ماشي يا شريف والله ماأنا قعدالك في البيت هه…
*************
وعند فرحة كانت التساؤلات لا تنتهي من مراد فقالت فرحة بحزن بعد أسئلة كثيرة…
_بص يا مراد من الآخر ريح نفسك يا حبيبي واعتبر الموضوع انتهي…
قال مراد ويبدو عليه الأسي:ليه يا فرحة،هي قالتلك إيه؟
قالت فرحة بأسف:قالتلي انها هترجع لطليقها وغصب عنها مضطرة عشان بنتها وبتعتذرلك…
كان مراد صدمته كبيرة فكان يعيش علي أمل موافقتها فقد تعلق بها كثيراً ،ظل شارداً ثم قال فجأة:ترجعله غصب عنها ازاي يعني،انتي لما سألتيني عن صاحبتك كنت تقصديها هي صح؟
ارتبكت فرحة وقالت:ها،لأ،أه…أه بقا هه
_وازاي هي تعمل حاجة زي كدة،أنا لازم أكلمها حالاً…
يتبع……
صعدت رهف إلي طابقها فوجدت والدها وزوجته يجلسان سوياً كعاشقين في مقتبل عمرهم،ألقت عليهم التحية ودلفت سريعاً إلي غرفتها ومعها ملك،تسلل إليها الملل،تمنت حلول الليل فالليل نشوي المهمومين ويحلو لهم سهره،ظلت في غرفتها تقلب في صورها القديمة وهي مازالت طفلة مع والدتها وينبعث من وجهها الإشراق والأمل،اشتاقت لنفسها القديمة التي لاتُكسر ولا تحزن،تمنت لو أنها ظلت طفلة إلي الأبد ولكن هيهات فالطفولة أصبحت مجرد صورة علي ورقة أو ذكري في القلب…
دق هاتفها لتجد إسم مراد،اندهشت فهي للتو قادمة من عندهم ،شعرت بالقلق وردت مسرعة…
_السلام عليكم،خير يا أستاذ مراد؟
_وعليكم السلام،اهدي مالك مخضوضة كدة…
_لا أصل أنا لسة كنت معاكوا يعني فاتخضيت…
_لا مـ.ـا.تقلقيش،أنا بس كنت عاوزك ضروري!
_عاوزني ضروري؟وبتقوللي ماأقلقش؟في حاجة حصلت؟فرحة كويسة؟
_فرحة كويسة مفيش حاجة بس أنا لازم أتكلم معاكي ضروري،ينفع تيجي تاني دلوقتي؟
تلجلجت رهف وقالت:لا ماينفعش هقولهم راحة فين،أنا لما نزلت رحت لفرحة قلتلهم راحة لواحدة صاحبتي،لكن دلوقتي هقول إيه؟
_اممم،طيب بصي يارهف،عشان مفيش داعي للمقدمـ.ـا.ت الطويلة،انتي بلغتي والد ملك انك هترجعيله فعلاً ولا لسة؟
تبلمت رهف و تاهت الحروف من علي لسانها وظلت تلعثم:أنا،ايه،أأه…
قال مراد بجدية:رهف ركزي معايا ومش وقته لغبطه،قلتيله فعلاً ولا لأ؟
قالت بسرعة:قلتله والله…
_اه،طيب والمفروض امتي ترجعي،قلتيله إمتي يعني؟
قالت رهف:قلتله بعد فرح عمر!
قال مراد ببلاهة:عمر مين؟ اللي هو امتي يا رهف فرح عمر ده،ركزي معايا؟
قالت:اه اسفة،عمر ده ابن خالي والفرح كمان يومين…
قال مراد بحنق:الله عيكي،طيب بصي بقا انتي أجازتك مرفوضة تماماً،ومن بكرة الصبح تبقي موجودة في المكتب،ضروري؟
قالت رهف:طيب ليه ممكن أفهم فيه إيه طيب؟
قال مراد بجدية:رهف،فرحة قالتلي كل حاجة،وانتي كدة بتضيعي نفسك وبنتك،والله والله لو كنتي رجعاله برضاكي ومش مغصوبة ماكنت قلت الكلام ده لأنه حـ.ـر.ام عليا أصلاً وأظن انتي فاهمة،انما ده اسمه ابتذاذ واستغلال…
كانت كلمـ.ـا.ته قد وقعت عليها كالسهم أصاب شعورها وحرك دمـ.ـو.عها فسالت من مقلتيها…
قالت رهف من بين دمـ.ـو.عها التي تحاول إخفاؤها من نبراتها:أنا آسفة يا أستاذ مراد الموضوع ده بالنسبة لي منتهي تماماً ومفيش مجال أصلاً للكلام فيه…
قال مراد بلهجة هادئة:يارهف انتي لازم تساعدي نفسك وبنتك كمان،عشان مـ.ـا.تنـ.ـد.ميش بعد كدة،واحنا هنعمل محاولة واحدة زي ما بيبتذك هتبتذيه،صدقيني مش هتنـ.ـد.مي لو جربتي انما لو ماحاولتيش هتنـ.ـد.مي بعد كدة بجد…
وذكرها كلامه بتلك الكلمـ.ـا.ت التي قالها لها مروان أثناء الرحلة في الأهرامـ.ـا.ت فشردت إلي تلك اليوم مبتسمة ابتسامة ساخرة ،فاقت من شرودها علي صوته في الهاتف…
_رهف،رهف سامعاني؟
انتبهت وقالت :ها،أيوة مع حضرتك…
_خلاص هستناكي بكرة في المكتب ،اوك؟ مفيش أجازات…
قالت رهف مستسلمة:ان شاء الله…
*********
وفي منزل إبراهيم…
هتفت فدوي بصوت عالي:وردة،بت يا وردة…
ركضت وردة مسرعة إليها:أيوة يا هانم؟
_هو أنا لازم كل يوم أقول الغدا جهز ولا لأ؟
قالت بخوف:حاضر والله يا هانم برص الطباق عالسفرة أهو خلاص…
نطرت لها من أعلي رأسها إلي أخمص قدميها دون حديث فركضت وردة إلي المطبخ…
قالت سلوي:بالراحة عليها يا ماما شوية، شغل البيت كله عليها…
قالت فدوي بتهكم:وهي وكلتك محامي ليها؟
صمتت سلوي وكأن والدتها أخرستها،في حضور إبراهيم من عمله،دلف إليهم وألقي التحية فردوا عليه،جلس علي الأريكة أمامهم…
قالت فدوي بضحكة:حمدلله علي سلامتك يا عريس؟
ابتسم إبراهيم قائلاً:الله يسلمك يا أم العريس…
وسلوي تنظر إليهم وهي عاقدة حاجبيها ولا تفهم شيئاً حتي قالت:عريس إيه انت هتتجوز يا أبيه؟
ردت فدوي بغرور:هيرجع مـ.ـر.اته…
تفاجئت سلوي وفرحت كثيراً فهي تحب رهف وتعتبرها أخت لها ولا تعلم مدي صعوبة الأمر علي رهف أنها عائدة رغماً عنها،هللت سلوي وقفزت من مكانها وخطت ناحية إبراهيم لتقبله و تبـ.ـارك له،أما هو فكأنه سلطان زمانه يجلس مبتسماً وقد أشبع غروره و غرور والدته…
قالت فدوي بحدة موجهة كلامها لإبراهيم :اوعي تغيرلها حاجة في الأوضة فوق علشان لما الهانم ترجع مـ.ـا.تتفردش علينا أوي،خليها زي ماهي كدة وأنا هخلي وردة ترصلها هلاهيلها اللي كانت سايباها في الدولاب…
قال إبراهيم بإقتناع و رضا:ماشي يا ست الكل يا مسيطرة منك نستفيد…
ضحكت فدوي علي كلامه بينما سلوي لا تطيق ما يقولوه ويفعلوه فتركتهم كالعادة ودلفت إلي غرفتها…
**********
أقبل الليل وكانت رهف لاتزل في غرفتها حتي أتت إليها سارة وعبير…
سارة:ايه يا روفا يلا البسي…
عقدت رهف حاجبيها وقالت:ليه؟
قالت عبير:عايزانا معاها عشان رايحين لشقة عمر يا ستي بيفرشوا هناك…
قالت رهف:لأ معلش روحوا انتوا،أنا مش هقدر…
قالت سارة بمرح:والله انتي رخمة،يلا بقا عشان نفرح و نهيص شوية…
قالت رهف:والله يا سارة ماقادرة خالص منمتش من امبـ.ـارح كويس وهنام للصبح عشان الشغل…
ردت عبير وهي ورافعة حاجبها:الموضوع مش نوم يا رهف،انتي فيكي حاجة…
أخفضت رهف بصرها للأسفل قائلة:لا عادي هو إرهاق بس…
اعتدلت سارة واتجهت ناحيتها لتجلس بجانبها وقالت وهي تعانقها:مش هنسيبك إلا لما تقولي في إيه ومالك؟
قالت رهف وهي مترددة:مش عايزة أنكد عليكوا…
ضحكت عبير قائلة:ده العادي يا روفا،قولي بقا؟
قالت رهف بحزن:أنا هرجع لإبراهيم…
شهقت سارة واضعة يدها علي فمها وقالت عبير في صدمة:انتي بتتكلمي بجد؟
نظرت لها رهف و قالت بجدية:تفتكري الموضوع ده في هزار!
قالت سارة وهي منزعجة:ازاي يا رهف هترجعي للقرف برجلك تاني؟
ردت رهف بصوت مختنق:غصب عني ياسارة…
وحل الصمت بينهم لدقائق طويلة ،كل منهم تبحث عن كلمة لتقولها ولكن يخونها تعبيرها فتأثر الصمت حتي كسرت رهف حاجز الصمت هذا قائلة:يلا يا بنات روحوا انتوا عشان مش تتأخروا ونبقي تتكلم بعدين…
وبالفعل نهضت سارة وعبير في وجوم وخرجوا من غرفتها متجهين نحو الباب…
كانت ملك تلهو مع ياسمين في الطابق الأعلي ورهف في غرفتها ،تدثرت في فراشها لتستعد للنوم حتي دق هاتفها،نظرت إلي شاشته لتجد اسم مروان،خفق قلبها بشـ.ـدة لم تكن تتوقع، فقد قطع اتصاله بها منذ أيام،لم تجب عليه ولن تجب،أغلقت هاتفها وعادت للنوم مرة أخري ولكن هل يسمح لها عقلها بسهولة،ظل يؤرق رأسها التفكير وظلت الدمـ.ـو.ع تسبح في مقلتيها حتي راحت في سباتها لا تعلم كيف ولكنه أشبه بالإغماء…
*******
لم تشعر بحالها إلا وقت آذان الفجر ،استيقظت ،توضأت ،ارتدت اسدالها وشرعت في الصلاة،سجدت ويالها من سجدة تكون فيها وحدك مع الله،بكت وهي تتضرع إليه،تستغفر،تدعو الله بما يفطر قلبها وما يرهق عقلها حتي انتهت ،أمسكت بمصحفها الصغير وقرأت بعض من آياته لتنزل السكينة علي قلبها حتي غفت دون أن تشعر،فاقت علي ميعاد العمل،قبلت صغيرتها النائمة لا تعلم كيف ومتي جاءت إليها ،ارتدت ثيابها حتي ذهبت…
وفي المكتب كان مراد يجلس تارة ويعتدل تارة أخري وقد أصابه التـ.ـو.تر والقلق حتي قدمت،ألقت السلام علي طارق دون النظر إليه،وما ان جلست علي مكتبها حتي شعر بها مراد فخرج إليها سريعاً قائلاً…
_أستاذة رهف تعالي بعد اذنك…
دلفت خلفه إلي المكتب فقال لها…
_اتفضلي اقعدي،ازيك دلوقتي؟
قالت رهف وهي تجلس:الحمدلله…
جلس مراد علي كرسي مكتبه وقال بجدية:أنا دلوقتي المحامي بتاعك،تحبي نبدأ منين؟
ردت رهف وتزوغ عيناها في أرجاء المكتب كله:بص يا أستاذ مراد،صدقني الموضوع منتهي ومفيش أي لزوم نتكلم فيه،لأني معنديش أي استعداد اني أدخل معاه في محاكم وقواضي…
قال مراد:يا رهف افهمي،احنا هنبدأ ودي وهنكلمه الأول من غير ما نذكر سيرة قواضي،انتي لازم تاخدي خطوة أخيرة…
_المشكلة اني عارفة نتيجتها ،آخدها ليه،وكمان عارفة نتيجة فشلها هتبقي أسوأ من الأول فليه أحط نفسي في مشاكل مش قدها…
وظل الحديث بينهم لساعات ما بين شـ.ـد وجذب ويحاول مراد إقناعها ولكنها رافضة تماماً حتي استئذن طارق منهم بالدخول وقال…
_في واحد عايز مدام رهف برة…
قال مراد:مين؟
رد طارق:مقالش يا أستاذ مراد…
اعتدلت رهف واستئذنته حتي خرجت من مكتبه لتجد إبراهيم،عقدت حاجبيها وقالت:إيه اللي جابك هنا…
رد إبراهيم مبتسماً ابتسامة باهتة وقال:مش الأول تقوليلي اتفضل، منور المكتب،أي حاجة من دي؟
قالت بحنق:أصل ده مكتب شغل يعني ماينفعش تبقي هنا…
قال إبراهيم:طيب المهم أنا جاي آخدك عشان عايز أشتري شوية حاجات…
عقدت حاجبيها قائلة:حاجات إيه وبعدين وأنا مالي أصلاً…
قال بإبتسامة خبيثة:لا ازاي مالك طبعاً ،ماهي الحاجات دي ليكي انتي…
ردت رهف وقد أصبح حلقها ممتلئ لم يعد يطيق أحد وأصبحت روحها داخل أنفها: ومين قالك يا إبراهيم اني عايزة حاجة؟
قال بنفس نبرته وابتسامته السخيفة:دي حاجات ليكي بس عشاني أنا،افهمي بقا يا فوفو،انتي عروسة ولازمك حاجات جديدة…
فهمت رهف ما يقصده وارتفع ضغطها وهي تقول في حنق شـ.ـديد:إبراهيم علي فكرة أنا هنا في شغل وانت معطلني ومش وقته كلام خالص في الحوارات دي…
كان مراد في مكتبه قد زاده الفضول فخرج منه بحجة طلب ما،خرج ووجه كلامه لطارق:انزل صورلي الورقة دي…وكان يختلس النظرات إليهم حتي دخل مكتبه مرة أخري…
فقالت رهف:روح دلوقتي يا إبراهيم ونتكلم بعدين…
قال وهو يمسح علي شعره بيده:ماشي،بس
هعدي عليكي بالليل عشان نجيب طلباتنا…
زفرت رهف قائلة:ان شاء الله…
رحل إبراهيم وظلت رهف واقفة وهي شاردة فخرج مراد قائلاً:مين ده يا رهف؟
انتفضت رهف واستدارت لإتجاهه ،قالت بتلعثم:ده إبراهيم بابا ملك…
عقد مراد حاجبيه قائلاً:نعم؟ وجايلك ليه هنا؟
ارتبكت رهف وزاغت نظراتها وهي تبحث عن إجابة حتي قالت:جاي عشان عايزنا نروح نشتري شوية طلبات يعني عشان لما أرجع يعني وكدة…
تنهد مراد بحنق وقال:طيب مش هنكمل كلامنا…
قالت رهف بصرامة:أستاذ مراد ،أرجوك تنسي الموضوع ده،إبراهيم خلاص عمل حسابه علي رجوعي ولو فكرت أفتح الموضوع ده تاني معرفش ممكن يعمل ايه…
صاح مراد فيها بغضب:أنا مش فاهم انتي خايفة منه كده ليه،ضعفك ده هو اللي هيضيعك ويضيع بنتك وحقك…
انصدمت رهف من صراخه بوجهها فهذه المرة الأولي التي يحدث فيها ذلك،انتبه مراد لنفسه فقال معتذراً:أنا آسف جداً بس انفعلت شوية،ثم أطرق قائلاً: يعني قرارك إيه يا رهف؟
قالت بحسم: حضرتك عارف قراري،بعد اذن حضرتك…
وخرجت من مكتبه،جلست علي مكتبها وهي تطبق علي شفتيها لتحبس دمعة أوشكت علي الخروج من مقلتيها،شعرت بأن دمعتها ستفارق جفنيها بالفعل فوضعت كفيها علي وجهها محاولة الهدوء وإخفاء عبراتها…
انتهي وقت دوامها فخرجت مسرعة ويلاحقها مراد الذي شعر بغباؤه حين صرخ بوجهها،أراد الإعتذار مرة أخري ولكنها استقلت سيارة أجرة بسرعة ولم يستطع هو ملاحقتها…
دلفت رهف إلي المنزل لتستكمل مسيرة الإحباط و الحزن حيث وجدت ملك وهي منفطرة من البكاء،فاحتضنتها علي الفور وهي تقول:في إيه مالك يا حبيبتي؟
حتي خرج عبدالمنعم ومعه زوجته والذي قال بغضب:بقولك إيه يا رهف،موضوع ان ملك تفضل هنا وانتي في الشغل ده تنسيه خالص…
قالت رهف:ازاي يعني يا بابا ،ايه اللي حصل؟
قالت "جميلة"زوجة والدها:مابطلت عـ.ـيا.ط وما راضية تسمع الكلام…
نظرت لها رهف ممتعضة وقالت:علي فكرة أنا سألت بابا مش بسألك انتي…
رد عبد المنعم بحدة:دي مراتي يعني أنا وهي واحد…
انصدمت رهف من رده فقالت:طيب يابابا يعني ما هي ملك كانت بتقعد معاك علي طول،اشمعني دلوقتي؟
رد بجفاء:كبرت يا بنتي ومابقتش أستحمل زن وطلبات…
دمعت عيناها وقالت :ماشي يا بابا خلاص هترتاح مننا قريب…
قالت جميلة بخبث:لا هو مايقصد…
قالت رهف بإنكسار:عادي بقا،بعد اذنكوا…
سحبت ملك في يدها ودلفت إلي غرفتها لتتراكم همومها فوق بعضها و تنهار هي بالبكاء…
دلفت جميلة إليها بعد قليل لتعطي لها الغذاء وقالت:أنا ما أقصد أزعلك…
قالت رهف وهي تبكي:معلش أنا بقيت عصبية شوية…
قالت جميلة: مـ.ـا.تبكيش،كلي وسطحي شوي…
قالت رهف: ماشي…
خرجت جميلة وبدأت رهف بإطعام ملك وهي لم تتذوق طعم الزاد منذ يومان…
سمعت رهف صوت سيارة تُصف أسفل العمارة،ارتجف قلبها وخرجت للشرفة لتتأكد ، لتجد ظنها في محله،كادت أن تصرخ فهي مرهقة إلي أقصي حد ولم تعد تتحمل أي مضاعفات أو ضغوطات…
انتظرته لم يصعد حتي سمعت رنين هاتفها فوجدته يتصل،
أجابت:السلام عليكم…
رد عليها:وعليكم السلام،يلا انزلي…
_يا إبراهيم والله ما قادرة…
_بقولك إيه،انزلي عشان مفيش وقت،أنا واقف مستنيكي ومش هطلع…
_بس أنا ماينفعش أسيب موكا هنا…
_ليه؟
_كده،محدش هيستحملها…
_خلاص هاتيها معاكي…
استسلمت رهف وخرجت معه لتبدأ تلميحاته السخيفة عن رجوعهم وبدأ في شراء ما يعجبه لها من ملابس نوم وظلت رهف فقط تتـ.ـو.تر وتضغط علي أعصابها حتي انتهي اليوم أخيراً وترك إبراهيم ما ابتاعوه معها حتي لا تراه والدته وتسمعه ما لايطيق…
وجاء يوم زفاف عمر والذي انتظره العروسان والمقربون بفارغ الصبر ولكن بالنسبة لرهف كان من أصعب الأيام التي مرت عليها فحمل الكثير من المفاجآت و الأحداث……
يتبع…
في قاعة كبيرة علي إحدي شواطئ الإسكندرية الجميلة، تتميز بمساحتها الهائلة و إضاءاتها القوية التي تبعث البهجة في النفوس…وصل ملك وملكة الليلة بإطلالتهم التي تقشعر لها الأبدان وكانت رهف وسارة و عبير هن وصيفات الفرح بفساتينهن الذهبية وحجابهن الأحمر فلم تُحرم سارة من اللون الأحمر وأصرت علي ارتداؤه حتي ولو بالحجاب فقط،جلس الجميع علي الطاولات كانت سارة لا تفارق العروس،جلست رهف و عبير و ملك علي طاولة وانضم إليهم شريف ومنال وياسمين إبنتهم…
قال شريف بمرح :إيه المزز الجـ.ـا.مدة دي؟
ضحكت عبير وقالت:إيه رأيك فينا عملنا الفريق الذهبي احنا التلاتة…
قالت منال بغيرة واضحة:طيب يعني ماقلتوليش ليه ولا مش عايزني ألبس زيكوا…
ردت عبير:لا والله يا منال بس أنا عارفة انك مابتحبيش الحاجات دي يعني…
كانت رهف في عالمها الخاص،لا تشاركهم الحوار حتي اعتدل شريف ،قالت له ياسمين:بابا وديني المرجيحة!
رد شريف بضجر :مرجيحة إيه يا ياسمينة دلوقتي؟ اتفرجي عالعروسة مع موكا…
بكت ياسمين فقالت منال:مـ.ـا.تاخدها يا شريف شوية كدة مرجحها…
قال شريف بنفاذ صبر:أمرجحها؟!حاضر ثم وجه حديثه لملك قائلاً بمزح :وانتي قاعدة بصالي ومؤدبة ها مستنياني أقولك تعالي،تعالي يا موكا اتفضلي…
ركضت ملك نحوه فضحكت عبير بينما منال لوت شفتيها في سخرية…
هتف شريف علي رهف فلم تجبه فرفع صوته:رهـــف…
انتبهت إليه وقالت:نعم يا شريف؟
قال شريف: موكا معايا…
أومأت له برأسها،رحل شريف وتبعته منال ،جلست عبير مع رهف ولاحظت شرودها فقالت لها:فكي بقا يا روفا شوية ده احنا في فرح،تعالي نروح نقف مع سارة…
قالت رهف:معلش يا عبير روحي انتي وأنا شوية وهحصلك…
_يعني هسيبك لوحدك؟
_يا بنتي هحصلك بس شوية كدة…
_ماشي…
ظلت رهف بمفردها علي الطاولة تفكر في رجوعها لمنزل إبراهيم فها هو فرح عمر وها هو الميعاد المحدد بينهم…
قطع شرودها صوت والدها يأتيها من خلفها وهو يحادث بعض الأشخاص حتي قدم إليها،ربت علي كتفها قائلاً…
_قومي يارهف سلمي علي أونكل فوزي…
اعتدلت رهف مبتسمة وقالت:أهلاً بحضرتك…
قال فوزي مبتسماً:بسم الله ماشاء الله،ايه الجمال ده؟
ابتسمت رهف وقال عبدالمنعم بفخر: الوحيدة بقا خدت الجمال كله،ثم قال مشيراً إلي الشاب الآخر بجانب فوزي:وده بقا دكتور فارس إبنه…
إبتسم فارس لرهف وقال:أهلاً بيكي… بادلته بإبتسامة بسيطة وجلسوا جميعاً علي طاولتها وبدأ عبدالمنعم بالحديث عن صديقه فوزي وعن فارس إبنه،شعرت رهف بحاستها أنه فخ جديد من والدها لإيقاعها في شِبَاك الزواج مرة أخري…
فهو لا يهمه تتزوج من أو من،كل ما يهمه إزالة المسئولية من فوق كتفيه وحسب…
قال عبد المنعم:تخيلي الصدف يا رهف نتقابل أنا وعمك فوزي بعد خمستاشر سنة هنا ويطلعوا قرايب العروسة…
ابتسمت رهف لوالدها بدهشة،حتي استمر حديثهم لدقائق دون كلمة واحدة من رهف ،فقط تعلق علي حديثهم بوجهها وتعبيراته،حتي اعتدل عبد المنعم فجأة قائلاً لفوزي:تعالي أعرفك علي عروستي أنا بقا…
ذهبا وتبقت رهف وفارس بمفردهم،زمت شفتيها في خجل وأشاحت بوجهها إلي الجانب الآخر،حتي بدأ هو بالحديث…
_ازي حضرتك يا مدام رهف؟
استدارت له بوجهها وقالت بوجه متجمد:
الحمدلله…
_عقبالك ان شاء الله…
بلعت ريقها ولم ترد فقال:أنا كنت متجوز بس دلوقتي لأ،سبحان الله الجواز برده كأنه اختبـ.ـار ممكن ننجح أو نفشل فيه بس بتبقي نسبة وتناسب مش عشان فشلت مرة يبقي هفشل كل المرات ولا إيه؟
أجابت بفتور قائلة:اه طبعاً…ثم اعتدلت فجأة وقالت:معلش أنا آسفة بس قريبتي بتشاورلي ولازم أروحلها…
شعر بالإحراج وقال:اه طبعاً اتفضلي…
هـ.ـر.بت منه متجهه خارج القاعة لتنصدم بمروان!!
زاغت نظراتها وأسرعت خطواتها حتي خطي خلفها مسرعاً وهو ينادي عليها ،لم تجب، لحق بها فأمسك بذراعها
وأوقفها،حررت مرفقها علي الفور ووقفت مضطرة رامقة إياه بنظرة وقالت:في إيه يا مروان؟
قال مروان في خجل من فعلته:أنا آسف بس ممكن تسمعيني…
قالت بحسم:ماينفعش بعد اذنك…
أوقفها مرة أخري حيث وقف معترضاً طريقها هذه المرة قائلاً:رهف والله غصب عني،أنا…
قاطعته قائلة بحدة:مروان مفيش حاجة،انت ماوعدتنيش بحاجة ولا أنا وعدتك بحاجة،أهم حاجة دلوقتي هي سارة خد بالك منها كويس أوي وحافظ عليها…
قال مروان:بس انتي ليه هترجعي لجوزك ؟؟أنا عرفت من سارة،رهف مـ.ـا.تعاقبيش نفسك عشاني،من فضلك يا رهف…
قاطعته مرة أخري وهي عاقدة حاجبيها قائلة بنفي:من فضلك انت يا مروان،موضوع رجوعي ده من قبل ما أعرف عنك حاجة ومالهوش أي علاقة بيك،بعد اذنك بقا عشان ماينفعش حد يشوفنا كدة…حتي لمحت إبراهيم قادم نحوها،رحلت تاركة مروان واتجهت بقدميها إلي إبراهيم وكأنها تتنقل حول أقدارها كالمركب التائه في بحاره لتري قدرها سيرسيها علي أي شط منهم…!
هتف إبراهيم في وجهها بغضب قائلاً:ايه يا مدام يا محترمة عمالة تتنططي من رجل لرجل، في إيه؟
حدقت عينيها الدامعتين مصدومة من كلمـ.ـا.ته ثم قالت بإستنكار:إيه اللي بتقوله ده، ده مروان قريب سارة وخطيبها كمان…
_وخطيبها يوقفك كده ازاي ويمسك دراعك ؟
قالت بكذبة جديدة وهي تتلعثم:أصله كان مزعلها و عاوزني أصالحها عليه…
قال إبراهيم بخبث:فعلاً؟ طيب والباشا اللي كنتي قاعدة معاه عالترابيزة لما كنت هاجي أكسرها فوق راسك انتي وهو…
تنهدت بقوة قائلة:ده ابن صاحب بابا وهو اللي جابه عندي في الترابيزة وقمت سيبته ومشيت أعمل ايه أكتر من كده…
قال بخبث:ماشي ماشي حسابنا في البيت لما نروح النهاردة،ثم أطرق قائلاً: مش كفايه كدة ويلا بقا؟
قالت مضطربة:النهاردة إيه؟مين قال اني هروح النهاردة؟
انتشل ذراعها بقوة وهو يقول:نعم ياهانم؟ مااحنا متفقين انك هترجعي بعد فرح زفت…
بحثت ببصرها حولها وقالت:يا إبراهيم الناس هتاخد بالها، أنا أقصد يعني ان بكرة مش النهاردة…
_لأ النهاردة أنا خلاص عملت حسابي و متفق مع المأذون يجيلي عالبيت كمان…
قالت بخفوت وهي تشعر بقلبها يكاد يخترق ضلوعها:بس أنا لسة محضرتش حاجتي ومش عاملة حسابي علي النهاردة…
قال ببرود:عادي يبقي نروح سوا دلوقتي ،تحضري حاجتك ونمشي…
_ازاي يعني مفيش حد في البيت خالص…
_وايه المشكلة،أنا جوزك…
خفضت نظرها وهي تقول:لا لسة…
زفر إبراهيم قائلاً:اللهم طولك ياروح،ماشي هستني معاكي لحد ما عمي يروح ونرجع نلم حاجتك ونمشي…
أومأت رأسها بإستسلام…
تعالت الموسيقي الهادئة حوليهما من خلال السماعات المنتشرة في القاعة لتبشر برقصة رومانسية بين العروسين فقال إبراهيم بنعومة…
_مـ.ـا.تيجي نرقص؟
قالت رهف بصوت خافت:ماينفعش…ثم أطرقت قائلة:علي فكرة أنا لسة ماقلتش لبابا اننا هنرجع لبعض…
عقد حاجبيه وقال:ليه بقا؟
_عادي،كنت هقوله النهاردة…
_طيب تعالي نقوله دلوقتي وسحبها من يدها متجهاً داخل القاعة…
دلفا إلي القاعة،واتجها نحو عبدالمنعم الجالس مع زوجته جميلة وصديقه فوزي وفارس الذي انضم إليهم بعدما تركته رهف،ألقي إبراهيم التحية وقال لعبد المنعم رافعاً نبرته:مش تبـ.ـاركلنا ياعمي؟
تفاجأ عبدالمنعم وانتبه علي الفور قائلاً: خير؟فرحوني…
قال إبراهيم وهو يطبق بيده علي يد رهف:رجعنا لبعض…
صاح عبدالمنعم مهللاً:مبروك الحمدلله ربنا يهديكم لبعض…
"فمن يريدها يحملها علي الفور أياً كان هو"
سمع فارس ووالده مبـ.ـاركة عبدالمنعم فبُهت وجههم،وقالت جميلة بفرحة:مبروك ربي يهنيكم…
ورهف فقط مبتسمة بلا روح…!
جلسوا بجوارهم فقالت رهف لإبراهيم…
_مسألتش عن موكا خالص يعني؟
قال إبراهيم بلامبالاة:اه صحيح هي فين؟
نظرت له بعتاب وقالت:والله؟هي مع شريف بيمرجحها هي وياسمينة…
قال وهو ينظر حوله:طيب كويس…
كان الفرح يضج بالموسيقي والسعادة تغمر قلوب الجميع ولكن ليست السعادة بالأماكن أو بالمناسبات السعيدة إنما هي داخل الفؤاد،فكانت رهف لاتشعر بها رغم ما حولها…
انتهي الزفاف وعاد الجميع أدراجهم إلي منازلهم،وعادت رهف إلي منزل والدها التي ستودعه هي أيضاً تلك الليلة،جلس إبراهيم مع عبد المنعم في الخارج وظلت رهف تلملم مالها في غرفتها وهي تزرف دمعاً وتلملم أغراض ملك جميعاً حتي طرق إبراهيم الباب عليها ،دلف إليها،اقترب منها وقال بنظرات راغبة:مـ.ـا.تغيريش فستانك عشان لسة هنحتفل هناك…
لم يري عبراتها المنهمرة أو ربما لم يبالي فيها فرغبته بها عمت عينه عن أي شئ آخر، أنهت ما بدأته وخرجت بخطوات واهنة تتمني لو يقف الزمان،حتي فوجئت بعبير التي قدمت لوداعها ،احتضنتا بعضهن والدمـ.ـو.ع تفيض من الأعين ،قالت عبير من خلف دمـ.ـو.عها:خدي بالك من نفسك…
أومأت رهف برأسها فقط…
قالت عبير:انتي عارفة سارة في الزفة بيوصلوا عمر،دي لو عرفت انك مشيتي هتزعل أوي،بس أكيد هنجيلك قريب ان شاء الله…
قالت رهف بصوت متقطع:سلميلي عليها،وخدوا بالكوا من بعض…
واحتضنتا بعضهن مرة أخري حتي اعتدل أبراهيم قائلاً:جاهزة يا رهف؟
أومأت برأسها وسلمت علي والدها وزوجته ببرود منهم،واحتضنوا ملك وذهبت إلي حيث لا تريد…!!
استقلت سيارته وملك بالخلف قد غلبها النوم،انطلق إبراهيم وقام بإتصالاته إلي أصدقاؤه وإلي المأذون فهو عقد جديد بعد عام من الإنفصال أما هي فكانت تنظر في الإتجاه الآخرمن خلف نافذة السيارة ومن تجاوز سرعته،كانت حبات الرمال تتطاير من حولها وكأنها تثور عليهم رافضة ذهابها ولكن قضاء الله أقوي من أي شئ…
وصلوا إلي المنزل الذي قليلاً ماعاشت فيه وليس بالقليل بالنسبة لها،ترجلت من السيارة ودقات قلبها تكاد تمزق ضلوعها وكأنها تحذرها من تلك الخطوات…كلما خطت خطوة زادت نبضاتها،حتي فتح إبراهيم الباب حاملاً
صغيرته بين ذراعيه ،استقبلته وردة وحملت منه ملك وقالت بترحاب شـ.ـديد:حمدلله علي سلامتك يا رهف هانم،البيت نور والله،وموكا كانت وحشاني…
قاطعها صوت فدوي من الداخل وهي تهتف:بت يا وردة،خلاص هتفضلي ترغي كتير…
ارتبكت وردة فهدأتها رهف بإبتسامتها الحنونة المعروفة عنها دائماً ،دلفت رهف لتستقبلها سلوي بفرحة عارمة وأخذت تحتضنها وتقبلها،بادلتها رهف ولكن بصمت وشجن حتي دلفت إلي فدوي الجالسة علي كرسي الصالون ولم تحرك ساكناً،خطت نحوها رهف وانحنت لتقبلها وقالت:ازيك يا طنط؟
ردت بفتور:أهلاً…
قالت سلوي ملطفة الأجواء بمرح:بس إيه يا رهف القمر ده؟الفستان تحفة عليكي…
ابتسمت رهف وقالت:عقبال فرحك يا سلوي…
نهضت ملك من حـ.ـضـ.ـن وردة وهي مفزوعة لإختلاف الوجوه من حولها حتي تركت حـ.ـضـ.ـنها وركضت بعيداً نحو رهف…
قالت فدوي بسخرية:اه ماهي لا بتشوفنا ولا واخدة علينا،تعالي يا حبيبتي أنا نانا…
رتبت رهف علي ظهر ملك وقالت لها بخفوت:روحي سلمي علي نانا يا موكا ،دي بتحبك أوي…
قالت فدوي بخبث:بتوشوشيها بتقوللها إيه؟
قالت رهف ببراءة:بقولها دي نانا بتحبك أوي…
قال إبراهيم موجهاً حديثه لملك:روحي يا ملك سلمي علي نانا…
ذهبت إليها ملك ببطء فقبلتها فدوي…
جلس الجميع حتي قدم المأذون والشهود وتم عقد جديد، كادت رهف أن تخونها عبراتها وتفضحها أمام الجميع، لكنها تماسكت وكتمت بأسها بداخلها…
رحل متمموا العقد وقال إبراهيم لرهف…
_ يلا عشان تطلعي أوضتك…
تـ.ـو.ترت رهف وقالت:ما احنا قاعدين معاهم شوية…
قال إبراهيم:عشان تغيري فستانك وابقي انزلي تاني…
استسلمت رهف له،نظرت إلي ملك ،كانت تلهو باللعب التي أحضرتها لها سلوي وجلست تلعب معها…صعدت معه،دلفت إلي غرفتها وكأنها تعيد شريط في ذهنها،مر عليها كلمح البصر مجرد ما دلفت إلي الغرفة،شردت وهي تنظر إلي كل ركن فيها،لم يتغير بها شئ،الغرفةكما هي ولكن هي لم تعد كما كانت،لم تعد رهف الفتاة المرحة التي كانت تنبعث منها طاقة إيجابية لمن حولها،شردت في أيام كانت فيها عروس جميل حتي أقبحها زمانها و عجزتها أيامها…
انتفضت علي لمسته لها وهو يتلمس رقبتها من خلفها حتي اعتدل في مواجهتها قائلاً: في إيه مالك بتترعشي كدة ليه؟
هزت رأسها بالنفي وكل ما بها يرتجف للمسته وكأنها المرة الأولي،ظلت تزوغ بنظراتها يمنة ويسرة حتي مسك ذقنها بأصابعه وأدار وجهها في مقابلة وجهه قائلاً: علي فكرة نسيت أقولك انك كنتي زي القمر والفستان هياكل منك حته…
نظرت للأسفل في خجل مهموم،خلع حجابها بصعوبه ورفع ذقنها مرة أخري ،قرب وجهه من وجهها ليقبلها وهو يملس علي شعرها،لم تري أمامها سوي الظلام حتي إرتطمت علي الأرض…
حاول إبراهيم إفاقتها دون استجابة،حملها وسطحها علي الفراش،حاول مرة أخري لكنها لم تستجيب…
هبط إلي الأسفل في حالة من التـ.ـو.تر و الغضب معاً ،سألته فدوي بخبث:نزلت ليه دلوقتي؟
قال بغضب:أغمي عليها ومش راضية تفوق،هكلم الدكتور…
وأجري اتصاله بالطبيب الخاص بالعائلة،أما فدوي فلوت شفتيها في تهكم قائلة:حركات وسهوكة بنات…
نظرت لها سلوي ممتعضة و تركت ملك مع وردة وصعدت إليها،دلفت إلي غرفتها وظلت تملس علي شعرها المتناثر حولها علي الوسادة مشفقة عليها،حتي أتي الطبيب ،كشف عليها وأفاقها،سألها…
_انتي ماكلتيش بقالك أد ايه؟
ردت بخفوت:مش فاكرة…
أومأ الطبيب برأسه قائلاً :عندها أنيميا حادة طبعاً،لازم تشرب سوايل كتير وتاكل كويس دلوقتي…
رمقها إبراهيم بنظرة غضب ثم خرج مع الطبيب،ثواني قليلة وعاد مرة أخري إلي غرفتها وهو ثائر،كانت رهف قد اعتدلت قليلاً ،اقترب منها بسرعة ممسكاً ذراعها بعنف قائلاً…
_انتي قاصدة تعملي كدة يعني،قاصدة تخليني مقربش منك ها،لا تبقي بتحلمي، انتي دلوقتي مراتي ومن حقي،فاهمة ولا لأ؟
شعرت سلوي بالإحراج فركضت مسرعة نحو الباب و هبطت وهي ترتجف من أخيها فما بال رهف التي بين يديه الآن،شعرت بإرتجاج في كامل جسدها من مسكته و الدمـ.ـو.ع لم تجف بل وتتضاعف علي وجهها الذي تدفق به الدم دفعة واحدة،دفعها علي الفراش واتجه ناحية الباب ،أغلقه وفعل بها ما أحله الله له…
كانت سلوي بالأسفل تحاول تحريك مشاعر والدتها…
_يا ماما أبوس إيدك بالله عليكي اطلعي هديه…
ولكنها قالت ببرود وجفاء:لأ سيبيه يربيها شوية، ومتتدخليش انتي ميت مرة أقولك…
تركتها سلوي ودلفت إلي وردة،أخذت ملك ودلفت إلي غرفتها تفكر بحال رهف،ظلت تلهو مع ملك حتي تلهيها عن والدتها حتي راحت في سبات عميق…
يتبع…
مهلاً أوجاعي،لقد شاب قلبي و ضفائري مازالت سوداء…!!
فعل ما فعل وهي كالقطة في عرينه،بلا رحمة بلا مودة،
فعل حلاله بحرمانية،قـ.ـتـ.ـل فيها الصبا،الضحكة والأمل،قـ.ـتـ.ـل فيها كل معني برئ يجملها…
أما هو فكان الرجل،القوي مفتول العضلات ولكن من وجهة نظره البلهاء…
هبط إلي أسفل ليريح أعصابه بحمام دافئ،وبعدها فنجان الشاي المهدئ في مكتبه الخاص دون إزعاج فياله من أناني أهوج…
أما رهف فكانت لا تزل علي فراشها تختنق أنفاسها،تطبق علي شفتيها وهي تضع كفها عليهم خوفاً من إطـ.ـلا.ق صرخة ألم تنهش قلبها،تزرف الدمـ.ـو.ع من مقلتيها كشلال ثائر من أعلي القمم يغرق كفها وشفتاها من تحته،بدأت حياتها الجديدة معه بجرح يدمي قلبها…
اعتدلت من علي فراشها لا تدري إلي أين ولكنها تريد الدفء،تبحث عن حـ.ـضـ.ـن يضمها ولكن أين و من؟ملك أين أنتي؟أين أنتي يا ابنتي؟يا حبيبتي؟أين أنتي يا أمي؟!
لم تعد قدميها تتحملها،شعرت بأن رأسها تدور والغرفة ستطبق عليها،شعرت بغمامة حزن علي جفنيها،ارتطمت أرضاً مغشي عليها ثانيةً،ولا من يشعر…
ظلت علي وضعها حتي عاد إليها ليكمل راحته وينام علي فراشه،دلف إلي الغرفة ليجدها أرضاً،غارقة في دماءها…!!
_____________________________
عادت سارة من منزل العروسين في سيارة مروان،صعدا علي الدرج و قالت له…
_معلش هعدي علي رهف أسلم عليها،ممكن تطلع انت…
قال لها مروان:لأ عادي هستناكي ونطلع مع بعض…
ابتسمت سارة وطرقت عليهم الباب ليفتح عبدالمنعم،قالت سارة وهي مبتسمة…
_ازيك يا أونكل،فين رهف؟
_دي روحت مع جوزها…
انصدمت سارة وقالت:إيه؟ بس هي مقالتليش انها هتروح النهاردة…
_جوزها أصر انهم يروحوا النهاردة فطلعنا من الفرح وجينا لمت هدومها وحاجتها ومشيوا…
قالت سارة بحزن:ماشي ياعمو،آسفة اني قلقتك…
_لا مفيش حاجة،اتفضلوا؟
رد مروان مبتسماً:شكراً ربنا يخليك،اتفضل حضرتك اقفل…
_طيب بعد اذنكوا…
استدارت سارة لمروان في حزن وقالت:يلا نطلع بقا…
قال مروان مستفهماً:طيب إيه مالك؟
ردت سارة وتكاد تبكي:رهف روحت مع جوزها…
قال بخبث: عادي مانا سمعت بس زعلانة أوي كدة ليه يعني؟
انفعلت سارة وهتفت:عشان بتكرهه يا مروان…
هدأها قائلاً:طيب اهدي هي لو كانت بتكرهه مكانتش رجعتله…
نظرت له في وجوم وصعدت وهو يتبعها…
____________________________
وهناك صعق إبراهيم من هول منظرها ووجهها الذي لم تتبين ملامحه من أثر الدماء عليه،ظل يفيقها دون جدوي،صرخ علي من في المنزل حتي هرولت سلوي و وردة إليه وتحركت فدوي أخيراً من علي كرسيها وصعدت ولكن بوهن قدر خطواتها،دلفت سلوي و وردة إلي الغرفة لتتعالي صرخاتهم لرؤيتها،ظلت وردة تمسح علي وجهها ليكتشفوا جرحاً فوق حاجبها،طلب الطبيب مرة أخري وهو يتلعثم معه بالكلام حتي أسرع إليهم الطبيب فهو من أقرب الجيران إليهم،دلف إليها ليراها فهتف فيهم قائلاً…
_ازاي سيبتوها تقوم من السرير؟هي أكلت حاجة؟
نظر الجميع للأسفل شاعرين بالخجل لموت قلوبهم،لم يدرك الطبيب ما فعله بها هذا الدنئ الماثل أمامه ليشبع رغباته ونزواته فقط غير مبالي بضعفها و وهنها…
زم الطبيب شفتيه وقال بأسف:أنا نبهت عليكوا،كان ممكن تقع علي راسها لا قدر الله،الحمدلله ربنا ستر والجرح طلع سطحي، أرجوكم يا جماعة المدام لازم تتغذي كويس ودلوقتي حالاً…
طهر الطبيب جرحها الذي ترك أثراً في وجهها ولكن من يطهر جرح قلبها الذي سينزف لبقية حياتها ولن يختفي أثره من وجدانها نهائياً…
رحل الطبيب وقالت سلوي علي الفور موجهة حديثها لوردة:بسرعة يا وردة هاتي عصير و اعملي فرخة وشوربة خضار لوسمحتي…
قالت وردة بأدب:حاضر يا هانم…
قالت فدوي وهي تجلس علي الأريكة بجانب الفراش:ألف سلامة،وانتي بقا سايبة نفسك من غير أكل كل ده لية؟انتي مش عارفة انك جاية؟ولا انتي قصداها عشان تجبلنا مصيبة؟
صمتت رهف وشفتاها ترتجف مختنقة بالدمـ.ـو.ع…
قالت سلوي واكزة ذراع والدتها:خلاص يا ماما وربنا ما وقته الكلام ده…
رمقتها فدوي بنظره فهمت مغزاها فرَقعت سلوي علي فمها بكفها وهي تزفر…
كان إبراهيم يوصل الطبيب إلي الباب شاكراً إياه ولم يخلو من إرشاداته حول رهف…
صعد مرة أخري ودلف إليهم داخل الغرفة،
وجه حديثه لها بغضب قائلاً:عجبك كدة؟جبتلنا الكلام من حتة دكتور لاراح ولا جه…
تنهدت فدوي وهي تعتدل قائلة:هه هقوم أنام أحسن…
قال إبراهيم بتذمر:وأنا نازل أتخمد تحت في المكتب…
وما ان خرجوا قالت رهف لسلوي وقد انفجرت بدمـ.ـو.عها التي حبستها أمامهم:
هاتيلي ملك ياسلوي عشان خاطري…
ردت سلوي بحنان:ياحبيبتي هي نايمة تحت حـ.ـر.ام أشيلها وأجيبها هتصحي،اهدي بس يا رهف مالك؟
قالت لها متوسلة:بالله عليكي ياسلوي هاتيهالي،معلش هتعبك عشان خاطري…
_حاضر بس اهدي،هنادي علي وردة تجبها ،أنا مش هسيبك النهاردة لوحدك…
هتفت علي وردة وأبلغتها بطلبها ثم دلفت إلي رهف مرة أخري…
صعدت وردة بكوب العصيرفقالت رهف:فين ملك؟
ردت وردة بأدب:حاضر يا رهف هانم،
هجبهالك بس كنت بجبلك العصير الأول…
قالت رهف ومازات تبكي بحرقة:مش عايزة حاجة،هاتيلي ملك يا وردة…
قالت وردة مشفقة عليها:حاضر حاضر…
وركضت لتحضر الصغيرة النائمة في عالمها الصغير،صعدت بها ودلفت إليها…
فتحت رهف ذراعيها وهي نائمة في فراشها فوضعت ملك بين ذراعيها،أخذتها بين أحضانها لتنهار بالبكاء وتزداد شهقاتها…
رتبت سلوي علي كتفها قائلة:كفاية يارهف عشان خاطري هتصحيها وتفزعيها ،سيبيها بقي هي جمبك أهي…
تركتها رهف بعد فترة ،أحضرت وردة الطعام وبدأت سلوي تطعمها رغماً عنها حتي أذن الفجر،قالت رهف لسلوي:
سلوي،ممكن لوسمحتي تساعديني أقوم، أنا هاخد شاور وهصلي بس تاخدي بالك مني وان شاء الله مش هيحصلي حاجة…
قالت سلوي بخوف:مابلاش يا رهف ،أحسن يغمي عليكي تاني وانتي في الحمام،خليكي لبكرة تكوني ارتحتي شوية.
أصرت رهف علي رأيها فهي تحتاج للوقوف بين يدي الله في هذا الوقت هو أحن عليها من جنس البشر،انتهت وخرجت مرتدية إسدالها وشرعت في الصلاة وفي سجدتها،كانت سلوي تسمع شهقاتها وبكاؤها وهي جالسة بعيداً عنها…
أنهت صلاتها وتدثرت في فراشها بجانب ملك وأصرت سلوي أن تغفو بجانبها فناموا الثلاثة بجانب بعضهن وما أطهر قلوبهم وما أطيبها…
استيقظت رهف علي صوت رنين هاتفها يأتيها من بعيد،أخذت تبحث عنه في الغرفة لتجده مازال في حقيبتها من الأمس،أخرجته لتجد مراد هو المتصل،اضطربت لا تعلم لماذا ولكنها أجابت وهي ترتجف…
_السلام عليكم…
أجابها متلهفاً: وعليكم السلام،ازيك يا رهف؟
أجابت رهف وصوتها مختنق بالدمـ.ـو.ع تود أن تقول ياليتني سمعت كلامك…
_الحمدلله.…
قال مراد وقد شعر بنبرة غريبة من الشجن في صوتها:انتي مجيتيش الشغل ليه،الوقت اتأخر ولا مش هتيجي؟
أجابت:معلش ياأستاذ مراد،مش هاجي أصل أنا…
وصمتت فقاطعها قائلاً:مالك؟صوتك مش طبيعي خالص؟
أجابت بصوت يكاد يسمع:مفيش بس تعبانة شوية؟
قال بلهفة:مالك يارهف،حاسة بإيه؟
قالت:أصلي تعبت امبـ.ـارح وأغمي عليا واتخبطت في وشي واتعورت بس الحمدلله جت سليمة…
أصيب مراد بخضة كبيرة قائلاً:إيه؟ طيب أنا هجيلك أنا وفرحة…
قالت مسرعة:لأ ماينفعش…ثم بطء حديثها قائلة:أنا مش في البيت أصلاً…
شعر مراد بأنه أوشك أن يدرك مابها وأين هي فأراد التأكد من شكوكه وقال بخفوت: أمال فين؟
أجابته بحزن :أنا أصلي رجعت امبـ.ـارح…
خر مراد علي كرسيه جالساً وقد تدفق الدم من عروقه إلي وجهه فأشع بالحرارة فجأة ،مسح عليه بكفه قائلاً بعد صمت وجيز: يعني انتي هناك دلوقتي؟
ردت عليه وقد قفزت الدمعة من عينيها:أه هناك…
قال مراد حانقاً: طيب انتي بتعيطي ليه؟
زادت دمـ.ـو.عها وقالت:مفيش حاجة،وحاولت تغير مجري الحوار قائلة:معلش ياأستاذ مراد بتهيألي مش هقدر آجي اليومين دول فهاخد أجازة…
قال في وجوم:مفهوم حاضر…ثم قال بلهفة:طيب هقول لفرحة تجيلك تطمن عليكي؟
_مفيش داعي تقلقها…
_لا طبعاً،هي لما تعرف هتيجي من غير ما أقول بس أكيد هتكلمك تعرف منك العنوان…
_ان شاء الله…
ثم أطرق في حديثه قائلاً:رهف؟لوسمحتي خدي بالك من نفسك؟
قالت بضعف:ان شاء الله…
وانتهت مكالمتهم،جلست رهف علي الأريكة ،ظلت تبكي وهي كاتمة أنفاسها خوفاً من أن تفيق أحدهم…
ظلت مستيقظة حتي سمعت صوت فدوي من أسفل تهتف علي وردة بصوت عالي:الفطار يا وردة…
استيقظت سلوي هي الأخري لتجد رهف جالسة شاردة بدمـ.ـو.عها علي وجنتيها ،خطت نحوها وجلست بجانبها،رتبت علي يدها بحنان قائلة:صباح الخير يا رهف…
ابتسمت لها رهف وقالت:صباح النور…
قالت سلوي :طمنيني حاسة بإيه دلوقتي؟
أومأت رهف برأسها قائلة:الحمدلله…
قالت سلوي:طيب لو هتقدري تمشي تعالي ننزل عشان نفطر كلنا مع بعض…
نظرت لها رهف وتكاد تقول :سيبيني لوحدي أرجوكي ولكنها تتلاشي المشكلات فأومأت برأسها،تركت ملك نائمة،قبلتها وهبطا الإثنتان لتجدا فدوي جالسة علي إحدي الأرائك تشاهد التلفاز،قدما نحوها وقالت رهف في خفوت:صباح الخير…
نظرت لها فدوي بطرف عينيها قائلة بفتور:صباح النور…
قالت سلوي بمرح:صباح الخير يا مامتي…
ردت عليها بحب :صباح الفل يا روح مامتك…
جلست رهف وهي تشعر بالغربة في هذا المنزل،فهي لم تحبه من قبل ولن تحبه،تحسه بلا روح،فالأماكن مكانتها في القلوب ليست بأثاثها الفاخر ولكن بمن يسكن فيها…
ظلت مكانها وكلُ في عالمه الخاص،فدوي مع التلفاز ،سلوي مع هاتفها ورهف مع نفسها حتي استيقظ إبراهيم وخرج من غرفة مكتبه ليجدهم ،وجه التحية لهم عامة ولم يلتفت بنظره لها،حتي ذهب ليتحمم…
انتهي والتفوا جميعاً حول المائدة ليتناولوا فطورهم وهنا بدأ إبراهيم بالحوار موجهاً حديثه لرهف…
_ها،عاملة إيه؟
قالت رهف وهي تقلب في طبقها: الحمدلله…
قال بحدة:قدامك الأكل كتير أهو،عشان متجبلناش الكلام من حد…
قالت فدوي بتهكم:اه ولا لما حد ييجي يزورها من عيلتها ويلاقيها واقعة ومخبوطة في راسها يقولوا ايه؟
قالت رهف بأدب:ولا حاجة هعرفهم اني أغمي عليا إرهاق يعني…
قالت فدوي بحدة:انتي بتردي عليا؟! اتفرج يا إبراهيم لسة بنقول ياهادي…
عقدت رهف حاجبيها مستغربة ماقالته دون حديث وقال إبراهيم بغضب: إتكلمي بأسلوب أحسن من كدة شوية…
ابتلعت ريقها وخفضت نظرها في طبقها ،وكانت سلوي كالعادة لايروق لها الحديث ولكنها خشيت التدخل فآثرت الصمت،حتي هبطت وردة من الطابق الأعلي متجهة نحو رهف ومدت يدها إليها بالهاتف قائلة :التليفون عمال يرن يا رهف هانم…
أخذت رهف الهاتف وقالت لها مبتسمة:ماشي شكراً يا وردة…
فتحت الهاتف لتجد المتصل فرحة،اعتدلت وهي تقول:بعد اذنكوا هتكلم في التليفون…
سألها إبراهيم:مين؟
_دي أخت أستاذ مراد اللي أنا بشتغل معاه.
_ودي عايزة منك إيه؟
_معرفش بس ممكن بتطمن عليا عادي،
وكمان أنا مرحتش الشغل النهاردة وأستاذ مراد كلمني مكانش يعرف إني رجعت هنا فقلتله هاخد أجازة،فأكيد هي عرفت وبتتصل تسأل عليا…
قال إبراهيم :امم ماشي،ادخلي اتكلمي في أوضة المكتب…
ذهبت رهف وجاء دور فدوي التي لن تهدأ ،ضغطت علي يد إبراهيم قائلة:هو انت هتسبها تشتغل تاني؟
رد قائلاً بعدم اهتمام:عادي براحتها مش فارقة…
قالت فدوي بخبث:براحتها ده إيه،انت دلوقتي جوزها وكلمتك هي اللي تمشي هتسيبها راحة جاية كدة ،مالوش لازمة الشغل، قعدها منه…
نظر لها بإهتمام وأومأ برأسه قائلاً: اممم عندك حق فعلاً…
قالت سلوي ممتعضة: يا ماما فيها إيه يعني مـ.ـا.تسيبيها تشتغل…
هتفت فدوي بغضب:اخرسي انتي خالص…
_________________
وفي غرفة المكتب،مسحت دمعتها وهي تقول:عادي يا فرحة مفيش حاجة…
قالت فرحة بقلق:مفيش ازاي يا رهف انتي صوتك مخـ.ـنـ.ـوق جداً وبتعيطي،ده أنا اتفاجئت لما مراد قالي ومن ساعتها وأنا مخـ.ـنـ.ـوقة ،طب انتي مقلتيش ليه؟
_والله يا فرحة أنا مكنتش عاملة حسابي خالص،أنا كنت فاكرة النهاردة أو حتي أي يوم تاني لآخر الأسبوع ،ثم التفتت خلفها لتطمئن هل من أحد يسمعها ،عادت وقالت بخفوت:هو اللي جالي في الفرح وأصر علي اني أروح معاه…
_طيب المهم،هو أنا ينفع أجيلك؟
_اه طبعاً تنوري…
_طيب اوصفيلي العنوان…
انتهت المكالمة بعد أن وصفت لها عنوان المنزل ،التفتت لتجده أمامها فانتفضت وأطلقت صرخة خفيفة…
قال إبراهيم ببرود:ايه شفتي عفريت؟
قالت ونبضات قلبها تعلو:لا بس اتخضيت…
_واضح انكوا واخدين علي بعض أوي؟
_مين؟
قال بحركة مسرحية بيده في تهكم :أخت الأستاذ مراد…
قالت مرتبكة:لا عادي هي بس كانت بتيجي المكتب كتير واتعرفنا علي بعض وهتيجي تزورني هنا يعني بعد اذنك؟
قال بترحاب مبالغ فيه:اه طبعاً طبعاً تنور…
ثم أتبع قائلاً:وانتي بقا ناوية ترجعلي شغلك ده امتي؟
_يعني كمان كام يوم…
_اه مع نفسك كده بتاخدي قرارات،انتي ناسية انك بقيتي في عصمة رجل دلوقتي يعني؟
_لا مش قصدي بس يعني عادي ما أنا كنت بشتغل قبل ماآجي ،ايه المشكلة؟
_لا بقا في مشكلة بالنسبة لي وموضوع الشغل ده تنسيه خالص مبقتيش محتاجاه…
انصدمت وقالت:ليه يا إبراهيم؟وفيها إيه؟
اقترب بخطواته منها ووضع كفه علي وجهها يتلمسه قائلاً بهدوء:ششش مش عايز كلام كتير في الموضوع ده…
ارتجفت من لمسته وفقدت النطق وأخفضت بصرها،مد بيده الأخري وأمسك بذقنها ليرفع وجهها في مقابلة وجهه وقبلها وهي متجمدة،حتي دخلت عليهم فدوي فجأة……
يتبع…
دلفت فدوي إلي المكتب لتجد مشهد القبلة بين إبراهيم ورهف فهتفت قائلة…
_ايه اللي بيحصل ده؟
انتفض إبراهيم وابتعد عن رهف علي الفور قائلاً:ايه ياحاجة خضتيني في إيه؟
قالت بغضب:حاجة؟هو ايه اللي في ايه؟عيب اللي بيحصل ده؟
كانت رهف منكسة رأسها أرضاً وهي مشتعلة الوجنتين ولا تنطق بكلمة…
رد ابراهيم بمزح:دي مراتي يا ست الكل؟
قالت بحدة:مراتك فوق في أوضتكوا مش هنا،افرض كانت سلوي ولا وردة هي اللي دخلت عليكوا كان هيبقي ايه منظركوا دلوقتي؟
أشاح بيده وهو يتجه ناحية باب المكتب قائلا:ماشي خلاص حصل خير،أنا طالع ألبس بقا،هتأخر عالشغل…
وصعد درجتين علي الدرج المؤدي إلي الطابق العلوي ثم وقف وهتف علي رهف التي كانت تقف ذائبة من الخجل،سمعت صوته يناديها فهـ.ـر.بت سريعاً إليه قائلة لفدوي:بعد اذنك يا ماما؟
لوت فدوي شفتيها وهي تتمتم في تهكم
:اتفضلي يا مسهوكة…
ركضت رهف إليه هروباً منها ومن غلاظتها في الحديث فمسك بيدها وصعدا إلي الغرفة…
دلفا معاً لتجد ملك تتقلب يميناً ويساراً وهي تفرك عينيها الصغيرتين بكفها الرقيق تحاول الاستيقاظ،خطت نحوها مسرعة مفلتة يدها من قبضته وهي تقول:موكا حبيبتي حشـ.ـتـ.ـيني و  أوي…
جلست علي طرف الفراش واحتضنتها ،حتي قال إبراهيم في غيظ:يا سلام ما هي كانت بايتة في حـ.ـضـ.ـنك من امبـ.ـارح ؟
عقدت حاجبيها قائلة:هي أصلاً بتوحشني وهي نايمة…
رد بتهكم قائلاً:طيب خليها توحشك،اهي ضيعت عليا الكلمة اللي كنت عايز أقولهالك.
لم تلتفت إليه ولم تعطه انتباهاً وظلت تداعب صغيرتها،حتي ارتدي ثيابه،ألقي سلامه وخرج سريعاً،ظلت في غرفتها بعد أن أطعمت الصغيرة ولاتجد شيئاً تُلهَي به،تنام تارة،تقلب في هاتفتها تارة،تقف في شرفة الغرفة المطلة علي الشارع الرئيسي وما به من ضجيج السيارات والمارة من حولها،حتي دلفت إليها وردة قائلة…
_في ضيفة تحت يا هانم عايزة تقابل حضرتك…
قالت رهف:أكيد دي فرحة،قدميلها حاجة تشربها يا وردة لحد ما ألبس وأنزل…
إرتدت رهف عباءة فضفاضة من اللون الأزرق،أسدلت شعرها الأملس فوق ظهرها ،أخذت ملك في يدها وهبطت حتي دلفت إلي غرفة الصالون لتجدها جالسة،اعتدلت فرحة فور رؤيتها وتبادلا الأحضان حيث لمحت فرحة جرحها الذي فوق حاجبها فقالت وهي تنظر إليه في قلق…
_ايه ده يارهف؟مال وشك؟
ابتسمت رهف ودمـ.ـو.عها متحجرة داخل مقلتيها قائلة:الحمدلله حصل خير…
جلسا معاً وقالت فرحة:أول ما مراد قالي مـ.ـا.ت عـ.ـر.فيش حسيت بإيه،ولا مراد...
صمتت في حزن لوهلة ثم قالت:ماعلينا المهم انتي طمنيني عليكي يا رهف شكلك عمالة تعيطي من امبـ.ـارح..وايه اللي خلاكي تتعوري كدة؟
قالت رهف بحزن شـ.ـديد وعيون تملأها الدمـ.ـو.ع:أغمي عليا امبـ.ـارح فاتخبطت في طرف السرير..المهم يا فرحة دلوقتي إبراهيم مش عايزني أرجع الشغل تاني وأنا لو قعدت طول اليوم هنا ممكن يجرالي حاجة..
_طيب ليه يعني؟
_اهو تحكمـ.ـا.ت..
_طيب حاولي تفهميه بالراحة كدة انك هتتخـ.ـنـ.ـقي من قعدة البيت..
تمتمت بحزن قائلة:ان شاء الله..
وإستمرت جلستهم لأقل من الساعة تتحدثان سويا حتي رحلت فرحة وكانت فدوي تجلس منتظرة خروج رهف فقالت بغلاظة..
_ايه هتطلعي فوق بردو؟
قالت رهف بخجل:لو عايزاني اقعد معاكي ماشي؟
أجابتها وهي تنظر إلي شاشة التلفاز:براحتك..
فجلست رهف رغماً عنها بجانبها تشاهدان التلفاز سوياً..
______________
وعلي الجانب الاخر،كان مراد في مكتبه قد شعر بحالة من الحزن فهي الآن في بيت رجل آخر والد ابنتها أما هو فلم يعد له وجود في حياتها،حتي قدمت إليه فرحة التي قد أصابها الهم هي الأخري لحال أخيها فقد شعرت أن باب الأمل قد فتح له من جديد ولكن بعد زواج رهف فقد توصد هذا الباب نهائياً..
دلفت إلي مكتبه فاعتدل سريعا فور رؤيتها ولم ينطق
بكلمة فقط عينيه تسأل بتلهف فردت عليه فرحة بهدوء قائلة:يا مراد أنا عايزاك تنسي الموضوع ده بقا،رهف خلاص يا حبيبي اتجوزت أبو بنتها يعني خلاص مبقاش ينفع وانت مادام فكرت في موضوع الجواز فيه ألف واحدة تتمناك..
نزلت كلمـ.ـا.ت أخته كالصاعقة عليه فدائماً ما تؤلم الحقائق رغم صدقها،لم يرد عليها ،كان شارداً في كلامها حتي قاطعت شروده قائلة:وكمان في حاجة احتمال كبير أوي رهف ماعدتش تشتغل في المكتب،جوزها رافض،هي هتحاول تكلمه تاني بس انت لازم تبقي عامل حسابك انها ممكن أوي مـ.ـا.تجيش تاني..
قال مراد بغضب:ويمنعها ليه يعني هو ايه مابيرحمش،وبعدين أعمل حسابي علي إيه،رهف كانت شايلة شغلي كله..
_معلش بقا خللي طارق مكانها..
_طارق؟ده أنا مبطقش أبص في وشه من يوم اللي حصل،أنا رجعته عشان خاطرها هي وخلاص طالما هي ماعدتش هتيجي يبقي هو كمان يمشي..
قالت فرحة رافضة:لا يا مراد حـ.ـر.ام عليك
،طيب الأول طردته عشان اللي عمله،انما دلوقتي هتطرده ليه بقا..
قال بحسم:عشان مش طايقه..
_________________
وبعد مرور سويعات قليلة من الوقت علي رهف في جلستها المملة مع فدوي والتي لا تخلو من التهكمـ.ـا.ت والعجرفة،دق هاتف رهف فاستئذنت من فدوي ودلفت إلي غرفة المكتب لتجيب..
_ازيك يا سارة؟
أجابت بلهفة:رهف حبيبتي،أنا بجد زعلانة منك،كدة تمشي من غير مـ.ـا.تقوليلي..
_معلش يا سارة غصب عني والله ،المهم طمنيني عاملة إيه؟والعرايس عاملين إيه؟
_كلنا كويسين الحمدلله،بقولك إيه أنا هجيلك أنا وعبير دلوقتي عشان تيجي معانا لعمر
،اتصرفي بقا تتشقلبي تتنططي لإبراهيم كدة المهم انك هتيجي معانا..
ضحكت رهف قليلاً وقالت:يخرب عقلك ضحكتيني وأنا مش جايلي نفس،انتي الوحيدة اللي بتطلعيني من اللي أنا فيه..
ضحكت سارة قائلة:أنا جيالك أنا وعبير وهنضحكك للصبح،يلا باي..
_ماشي يا حبيبتي تنوروني..
لم يعلن هاتف رهف حتي هذه اللحظة عن اتصال واحد من والدها فقط حتي ليطمئن عليها أو علي ابنتها مما يشعرها ذلك بالأسي والحزن..
مر وقت قليل حتي أتت سارة وعبير إلي رهف وجلسن معاً تتبادلن أطراف الحوار ومن الطبيعي أيضا رؤيتهم لجرحها الظاهر أكثر من رؤيتهم لجرحها الباطن الذي هو داخل قلبها..
قالت عبير بقلق:اوعي يكون إبراهيم ضـ.ـر.بك؟
ابتسمت رهف ابتسامة باهتة وقالت:لا أنا اللي أغمي عليا بس من قلة الأكل..
قالت سارة وهي تربت علي يد رهف:
ياحبيبتي يارهف لازم تاخدي بالك من صحتك ..
قالت رهف بأسي:ان شاء الله..
حتي دلف إليهم إبراهيم العائد من عمله ،ألقي عليهم التحية و صعد إلي غرفته فقالت سارة مسرعة:يلا اجري وراه  عـ.ـر.فيه انك هتيجي معانا..
صعدت رهف إليه ودلفت إلي الغرفة،كان مازال يبدل ملابسه فانسحبت إلي الخلف بــــاستحياء،هتف عليها قائلاً:تعالي تعالي انتي لسة بتتكسفي..
قالت بخجل وهي تنظر للأسفل:لا أبداً ،أنا بس عايزة أستئذنك أروح مع سارة وعبير عشان نبـ.ـارك لعمر..
_وهتيجي امتي؟
_يعني هعد شوية كدة مش هتأخر..
فرك ذقنه بسبابته قائلاً:ولو انك انتي كمان عروسة يعني والناس هي اللي المفروض تجيلك،بس ماشي روحي ومتتأخريش..
قالت رهف بإبتسامة بسيطة:شكراً..
أبدلت ملابسها ،تركت ملك مع وردة ورحلت معهم إلي منزل عمر الجديد،دلفوا جميعاً لتجد رهف معظم الأقارب هناك..
سلمت علي الموجودين،جلست البنات في ركن بمفردهن ليعلن الباب عن وصول ضيف جديد وكان مروان ووالدته،اتجهت سارة ناحيتهم بإبتسامة بينما اختلقت رهف موضوعاً مع عبير لتتحاشا النظر إليه ولكن بين حين والآخر كان مروان يختلس نظراته إليها مما سبب لها بعض التـ.ـو.تر..
بعد قليل،اعتدلت مسرعة وقالت لعبير الجالسة بجوارها:يادوب كدة بقا ياعبير همشي أنا..
_ايه يا بنتي انتي لحقتي؟
لاحظت سارة نية رهف بالرحيل فاستئذنت من مروان الجالس بجوارها،ذهبت نحوها وقالت:ايه يا رهف انتي وقفتي ليه؟
_يادوب كدة عشان موكا سايباها لوحدها وكمان إبراهيم قالي متتأخريش..
_أيون هو انتي لحقتي أصلا انتي مكملتيش ساعة..
_معلش يادوب كدة..
قالت سارة بتذمر:خلاص براحتك،بس استني هخلي مروان يوصلك..
ازداد تـ.ـو.تر رهف وقالت علي الفور:لالا مش لازم خالص،أنا هاخد تاكسي عادي يعني يا سارة..
قالت سارة بحسم:انتي عبـ.ـيـ.ـطة ولا ايه،أنا هاجي معاكي واهي فرصة نرجع لوحدنا مع بعض يمكن ينطق ولا حاجة..
ضحكت عبير قائلة:هو لسة مانطقش؟
قالت سارة بمزح :لا يختي لسة..
تركتهم سارة واتجهت إلي مروان الذي رحب كثيرا بالفكرة،وكانت رهف تتجنب النظر إليه تماماً حتي استقلوا جميعا السيارة،جلست رهف في المقعد الخلفي مشاحة وجهها نحو النافذة وكانت سارة جالسة في المقعد الأمامي بجانب مروان الذي ظل طوال الطريق يختلس نظراته إلي رهف عبر مرآة السيارة..
سألتها سارة:هترجعي شغلك امتي يا روفا؟
انتبهت إليها قائلة:مش عارفة والله يا سارة بس ممكن جداً مارحش تاني..
قالت سارة بصدمة:معقولة؟ده انتي شغلك ده كنتي حطاه في كفة لوحده؟
قالت رهف بأسف:مش بمزاجي والله ياسارة..
وعم الصمت قليلاً حتي قال مروان:ألف سلامة يامدام رهف..
ردت بتـ.ـو.تر دون النظر إليه:الله يسلمك..
وصلوا إلي منزل رهف وترجلوا جميعا من السيارة لتحتضن سارة بنت عمتها بقوة وتقول:ان شاء الله في نص الأسبوع كدة هنعمل خطوبة صغيرة في البيت هقولك قبلها بردو..
ابتسمت رهف قائلة:ان شاءالله ياحبيبتي
،ربنا يكملك علي خير..
قال مروان:سلميلي علي موكا..
أجابت بخفوت:الله يسلمك..
رحلا سارة ومروان ودلفت رهف إلي المنزل حيث كان باب المكتب مفتوحاً فوجدت إبراهيم ومعه من لم تتوقع رؤيته تماماً،مما أخذتها قدميها إليهم وهي في حالة من الذهول عن وجود هذا الشخص..
كان إبراهيم يتحدث إليه،حتي دلفت إليهم فشحب وجه الآخر فور رؤيتها ،كانت تبدو علي ملامحها التعجب من وجوده فكيف يعرف إبراهيم وماذا أتي به إلي هنا..
قالت مقتضبة جبينها:أستاذ طارق؟!خير في حاجة؟!
قال علي الفور في اضطراب:لا أبداً.. واستئذن من إبراهيم سريعاً حتي رحل في لمح البصر..
تابعته رهف بنظرها ثم نظرت لإبراهيم قائلة بتعجب:إيه اللي جابوا هنا ده؟
لم تلاحظ رهف عيون إبراهيم التي تشع بالحمرة أو وجهه الغاضب الذي ينم عن كارثة سوداء،لم يصل لها منه أي إجابة علي سؤالها سوي صفعة مدوية علي وجهها بكفه الغليظ،أشاحت صفعته وجهها إلي الجانب الآخر،كانت في حالة من الصدمة الشـ.ـديدة،التفتت مسرعة وهي تنزف دما ًمن فمها وقالت:في إيه؟
أمسك بحجابها عنوة كاد أن يخـ.ـنـ.ـق أنفاسها به قائلاً:كنتي ماشية علي حل شعرك مستغفلاني؟!بس علي مين؟عليا أنا؟ده أنا أدفنك حية وانتي واقفة مكانك؟وياتري بقا كنتي ماشية معاه من امتي؟من ساعة مااتجوزنا؟ولا بعد ما طلقتك؟!
قالت وهي تكاد تختنق:أنا مش فاهمة حاجة؟إيه اللي بتقوله ده؟
صاح بها قائلاً:مراد بيه يا مدام يا محترمة،لا محترمة إيه بقا؟
كان صوته قد جمع كل من في المنزل حوله حتي ملك التي كانت تبكي لرؤية والدتها وهي تهان وتضـ.ـر.ب من والدها..
قالت رهف وهي تزرف الدمـ.ـو.ع:حـ.ـر.ام عليك يا إبراهيم،والله العظيم مفيش أي حاجة من اللي بتقول عليها دي..
صاح بمن حوله وأمرهم بالرحيل حتي رحلوا جميعا وهم يرتعدون خوفا حتي أوصد الباب خلفهم،عدا فدوي التي وقفت مكانها لتستمتع بضـ.ـر.ب رهف وإهانتها..
استدار إليها مرة أخري،كان حجابها قد سقط أرضاًفجمع خصلات شعرها بين يديه قائلا: احكيلي بقا بالتفصيل كان بينك وبين اللي اسمه مراد ده ايه؟
_والله مافي حاجة،فهمني بس الجبان ده قالك إيه؟
_قاللي اللي كنت مش شايفه،قاللي انك كنتي علي علاقة بالبيه المدير
بتاعك،وان الإجتماعات بينكم كانت كتيرة أوي..
قالت رهف وهي تنهار من بين يديه:كـ.ـد.اب والله العظيم كـ.ـد.اب،مكانش في بيننا حاجة واجتماعاتنا دي كان دايما باب المكتب بيكون مفتوح،هو اللي إنسان مريـ.ـض وكان عايز يأذيني في يوم من الأيام وللأسف سامحته وكان أستاذ مراد طرده و اترجيته عشان يرجعه،ده جزاتي يعمل كدة ويتبلي عليا حسبي الله ونعم الوكيل فيه..
هتف إبراهيم بتهكم:طبعا مش راحة تشتغليلي في مكتب في رجلين ماهو لازم يحصل كدة،لازم...
_والله ماحصل حاجة أستاذ مراد رجل محترم جدا ًوانت لو واثق فيا كنت ماسمحتش لحـ.ـيو.ان زي ده انه يقول عليا كده...
_لو بقا..
دفعها نحو الباب بقوة آمرا ًإياها بالصعود إلي غرفتها ومنعها من الخروج منها،فتحت الباب لتجد فدوي بنظراتها الشامتة الحارقة من شعر رأسها إلي أخمص قدميها،لم تتحمل رهف نظراتها فركضت مسرعة نحو غرفتها لتجد ملك مازالت تبكي بحرقة وتهدهد عليها وردة محاولة تهدئتها،قالت رهف وهي تمسح دمـ.ـو.عها:انزلي يا وردة هاتيلها عصير لو سمحتي..
قالت بأدب معهود:حاضر يا هانم..
خرجت وردة واحتضنت رهف ابنتها بقوة وهي تهدئها حتي قالت ملك:بابا وحس بيضلبك أآه..
بكت رهف بحرقة وهي تحتضن ابنتها وتعجز عن الكلام..
___________
وعلي الهاتف هتفت فرحة في مراد قائلة:بردو يا مراد عملت اللي في دماغك وطردته،طب كنت أصبر لما نشوف رهف هترجع ولا لأ..
قال بحنق:خلاص يافرحة،أنا ماصدقت أصلا أمشيه،يشوف رزقه في مكان تاني غير عندي..
_طيب طمني عليك؟
_الحمدلله هكون عامل ايه أديني قاعد بين أربع حيطان..
_مراد في واحدة قريبة محمد كويسة و..
قاطعها قائلاً:فرحة مش وقته،يلا أنا هريح شوية..
زفرت فرحة قائلة:ماشي يا مراد اللي يريحك..
______________
بينما دلفت فدوي إلي مكتبه،جلست أمامه وهي تقول:دي عايزة قطم رقبتها،جدع انك عملت كدة..
قال إبراهيم بحنق:ماما أبوس إيدك سيبيني دلوقتي..
شهقت وهي تقول:انت هتتشطر عليا أنا ،ماشي يا إبراهيم..
استدارت لترحل فأشاح بيده وهو يزفر....
___________
أما رهف فكانت في غرفتها لم تستوعب ماحدث،وكيف يكون جزاء الإحسان ظلماً وبهتان ،صدمت فيمن يدّعون أنهم بشر وهم أدني من ذلك،صدمت من عالم بغيض يكره بعضه البعض،صدمت من كائن حي تحت مسمي إنسان..!!
يتبع…
كانت رهف في غرفتها تحتضن جسدها بذراعيها يلتفا حول قدميها،وهي تبكي بشـ.ـدة من قسوة البشر عليها وظلمهم،ظل تفكيرها يراوضها حتي طرأ علي فكرها "مراد"،كانت تود محادثته لتفهم لماذا فعل طارق ذلك ولكنها استشعرت الخوف من إبراهيم أن يعلم اتصالها به فأجرت اتصالاً آخر…
_ألو،أيوة يا رهف يا حبيبتي ازيك؟
ردت رهف باكية:مش كويسة خالص يا فرحة
،شفتي الندل الجبان عمل ايه؟
قالت فرحة بصدمة:جوزك؟ماله عمل ايه؟
_لا مش إبراهيم،قصدي علي طارق اللي بيشتغل عند أستاذ مراد…
اندهشت فرحة وقالت:طارق؟عمل ايه؟
أجابتها وسط شهقات بكاؤها:كنت برة من شوية،رجعت لقيته مع ابراهيم وبيتكلم معاه ،تخيلي قاله ايه؟
ردت بقلق:اتكلمي بسرعة يارهف قلقتيني؟
_الحـ.ـيو.ان قاله اني كنت علي علاقة بأستاذ مراد،قال كلام وحش أوي يا فرحة…
شعرت فرحة بالصدمة فقالت:يا نهاره اسوح،
وبعدين جوزك عمل ايه؟
زادت شهقاتها ودمـ.ـو.عها وهي تقول:بهدلني وضـ.ـر.بني،بعد كل ده أطلع خاينة شفتي؟أنا نـ.ـد.مانة اني رجعتله يا فرحة بجد هموت مش طايقاه خلاص،ده غير اللي عمله فيا أول يوم جيت فيه بس أنا ماقلتش لحد خالص
،معرفش حس اني بعدت عن الناس كلها ومابقتش بثق في حد..
قالت فرحة بحنانها المعهود:ياحبيبتي اهدي بس بالله عليكي،ان شاء الله كل حاجة هتتحل،قلتلك يارهف الحل مش انك ترجعيله بس هقول ايه نصيبك وقدرك،بس الحـ.ـيو.ان ده اللي اسمه طارق لازم يتربي ازاي يقول كده وكمان بعد اللي عملتيه معاه،ده ندل صحيح،بس أنا عارفة ايه اللي خلاه يقول كده؟
مسحت دمـ.ـو.عها وأمعنت التركيز وهي تقول:هو في سبب يخليه يعمل كده؟
قالت فرحة بدون مقدمـ.ـا.ت:عشان مراد مشاه امبـ.ـارح…
صدمت رهف وقالت:ايه؟طب ليه؟
_بصراحة يارهف مراد اتعصب أوي لما عرف انك ممكن مترجعيش الشغل تاني،فقال هيمشيه لأنه كان مستحمله عشانك بس…
_لاحول ولا قوة إلا بالله،يقوم يأذيني ويسوء سمعتي قدام جوزي،حسبي الله ونعم الوكيل…
_ربنا هينتقم منه عشان ربنا نهانا عن قذف المحصنات…طب يارهف وجوزك عامل معاكي ايه دلوقتي؟
_بعد اللي عمله قالي اطلعي اوضتك ومفيش خروج منها،يعني حابسني في البيت أو في السجن بمعني أصح…
_وبعدين يارهف هتسكتي،لازم تظهري حقك وتوضحيله براءتك كمان…
قالت وهي تبكي:معرفش هعمل ايه،بس هحاول أكلمه علي الله يرضي يكلمني أصلاً…
_ان شاء الله يا حبيبتي،وطمنيني عليكي وابقي قوليلي عملتي إيه…
_حاضر يافرحة،ان شاء الله…
_____________
لم تصبر فرحة كعادتها،مسكت هاتفها وأجرت اتصالاً بمراد الذي أجاب بخمول…
_ألو…
_أيوة يامراد انت كنت نايم؟
_أيوة يافرحة،في حاجة ولا إيه؟
تلجلجت في حديثها ثم قالت بتلعثم:لا خلاص بقا لما تصحي ابقي كلمني.
قال مراد بضجر:يابنتي اخلصي في ايه مالك؟
_لأ أنا كويسة بس في حاجة حصلت ولازم تعرفها الصراحة…
_حاجة إيه؟
_طارق اللي كان شغال عندك في المكتب…
قال مراد بحسم:مش هرجعه يا فرحة وخلاص بقا بطلي تجيبي سيرته،انسي…
قالت بتردد:لأ مقصدش بس أصل هو…
قاطعها قائلاً:ايه ماله؟
_أصله بصراحة بقا طلع ندل وجبان وراح لجوز رهف في بيتهم وقاله ان…
صمتت فرحة فاعتدل مراد مسرعاً من علي فراشه وهتف بها عبر الهاتف قائلاً:راحلهم البيت؟؟! وقال ايه اتكلمي يا فرحة؟
_قال انكوا كنتوا علي علاقة ببعض انت ورهف، وجوزها بهدلها وضـ.ـر.بها وحابسها دلوقتي في أوضتها وهي منهارة ياعيني…
وكأن الأرض تحرقه كالرمال الملتهبة من حرارة الشمس،ظل يقفز في مكانه وهو يلعن في طارق ويسبه،عصفت به أفكاره لايدري ماذا يفعل وكيف يتصرف،ارتدي ملابسه وخرج من منزله،استقل سيارته وأخذ يجول بها في شوارع الإسكندرية تتضارب أفكاره وهو يفكر ما يجدر به أن يفعل،أخذته سيارته إلي المكتب،دلف إليه وأخذ يبحث في ملفات الحاسوب الخاص بطارق حتي عثر علي مايريد،سيرته الذاتية…
حينها حفظ العنوان المدون بها وهبط سريعاً ليستقل سيارته مرة أخري ويتجه ناحية منزل طارق،حتي وصل،ترجل من السيارة بخطوات سريعة،دلف إلي المنزل ليقف علي باب شقته،ظل يدق جرس الباب ويصفع عليه بشـ.ـدة حتي فتح له بنفسه،وما ثانية إلا ولقي لكمة عنيفة كادت أن تحطم أسنانه
،دفعه بعدها إلي داخل شقته وانهال عليه ممسكاً رقبته وصاح به قائلاً:انت تعمل كدة،ترفص ولي نعمتك يا حـ.ـيو.ان…
نطق طارق بصعوبة من تحت يدي مراد وقال بخبث:مش طردتني عشان خاطر الهانم،ورمتني في الشارع بعد ماخدمتك العمر كله،تستاهلوا أكتر من كدة…
زادت لكمـ.ـا.ت مراد وهو يقول بغضب مبالغ: ده ايه البجاحة دي،انت ايه يا بني آدم،خاف علي مراتك وبناتك يتقال عليهم زي مابتقول علي بنات الناس،ده جزاتها عشان سامحتك عاللي كنت ناوي تعمله فيها..
تحت صراخ زوجة طارق وبناته،فاق مراد من انفعاله واعتدل ممسكاً به وساحباً إياه إلي الخارج وهو يقول:هتيجي معايا دلوقتي وقدامك طريق من اتنين يا بيت مدام رهف تعترف لجوزها علي كل حاجة،يا اما القسم أعمل فيك محضر ومش هتترحم من تحت إيدي يا طارق الكـ.ـلـ.ـب…
ظلت زوجته تتوسل لمراد أن يتركه،حتي تسلل الرعـ.ـب إلي قلب طارق وقال بلسان مرتعد:وحد الله يا أستاذ مراد،أنا غلطان ومستعد لأي حاجة،بس بلاش أقسام أبوس ايدك أنا عندي بنات عايز أربيهم…
_دلوقتي عرفت ان عندك بنات،قدامي…
سحبه إلي سيارته،ذهبوا إلي عنوان رهف بعد أن أجري مراد اتصاله بفرحة للتأكد من العنوان الذي وصفه طارق له خوفاً ألا يضلله…
وصلوا وترجلوا من السيارة،حتي وقفوا علي باب المنزل،وطرقوا علي الباب لتفتح وردة…
قال مراد بحدة:قولي لأستاذ إبراهيم في ناس عايزينك ضروري…
ركضت وردة مسرعة إلي مكتب إبراهيم لتخبره حتي
خرج إليهم مقتضباً جبينه لهيئة طارق الذي كان أفضل حالاً منذ قليل والآن أصبح وجهه كلاعب ملاكمة مهزوم…
قال إبراهيم بصوت أجش ونظرات ثاقبة لمراد:خير يا أستاذ؟مش سعادة البيه المدير بردو؟
قالها بتهكم أثار غضب مراد فرد بحدة قائلاً: أنا مش جاي أتكلم،هسيب الندل ده يعترفلك بكل حاجة…
فرك إبراهيم ذقنه بيده وقال بنظرات واعدة:ماشي اتفضلوا في المكتب…
دلفوا جميعاً إلي مكتبه حتي قال إبراهيم بغضب موجهاً حديثه إلي طارق:خير، عايز تقول ايه تاني؟
___________
وفي غرفتها،حدقت عينيها مستفهمة لما تقوله وردة…
_ايه رجع تاني؟
_أيوة يا هانم بس باينه مضروب علقة موت ومعاه واحد تاني كده بس ايه باشا وماسكه من قفاه بس الشرار هيطق من عينه…
شردت رهف قليلاً وهي تحاول تجميع ما قالته وردة حتي فاقت من شرودها واعتدلت في عجالة قائلة…
_خدي بالك من ملك…
_راحة فين يارهف هانم؟
_هنزل أشوف بيحصل ايه؟
_طب البسي طرحتك…
خبطت بيدها علي جبهتها وقالت:شاطرة يا وردة اتلخبطت خالص…
ارتدت اسدالها وهبطت علي الدرج في عجالة حتي وصلت لنهايته بالأسفل فبطأت خطواتها تماماً وهي تستمع لحديثهم المدوي وقد لمحت مراد من علي بعد فخفق قلبها بشـ.ـدة،حتي تجمدت مكانها وهي تسمع اعتراف طارق ببراءتها لتنهال دمـ.ـو.عها من مقلتيها بفرحة مكسورة…
لمحها مراد من داخل المكتب كاد أن يركض نحوها ويحتضنها،ولكنه تحكم بعواطفه وقال موجهاً حديثه لإبراهيم…
_أظن الحقيقة كدة بانت يا أستاذ إبراهيم؟
كان إبراهيم يهز برأسه ويزم شفتيه حتي أكمل خريطة وجه طارق بلكمة جديدة وهو يقول بغضب:لو شفت وش أمك صدفة بس كدة في الشارع،هكلك بسناني،امشي…
ركض طارق إلي خارج المكتب وقدماه تتعرقل في بعضها البعض حتي رحل…
تأسف إبراهيم إلي مراد،وشكره لتوضيح الأمر حتي استئذن مراد بالرحيل وخرج من المكتب لتتقابل عينيه بعينيها التي قالت له في صمت
"مـ.ـا.تسبنيش"…
نظر إليها بشوق يملأ حواسه ورحل سريعاً فما النظرة إلا لحظة،لكنها تحوي حديث ساعات…!
كانت تقف خلف الدرج تستشيط غيظاً من براءة رهف ولكنها وجدت في نظرة مراد لرهف ما يروقها فاحتفظت به لحين اشعار آخر…!
___________________________________________
ظلت مكانها حتي خرج من مكتبه ليجدها واقفة ودمـ.ـو.عها تسيل علي وجهها الذي مازال عليه آثار صفعته القوية،اقترب منها ومسك بوجهها ليمسح دمـ.ـو.عها ويقول…
_طلع ابن كـ.ـد.ابة…
نظرت رهف للأسفل في صمت،حتي ظهرت فدوي من خلف الدرج لتقول بصوت مزعج انتفض له جسدهم…
_هو لسة في ناس كدة بتحب تأذي الناس؟
خطت نحوهم ورتبت بقوة علي ظهر رهف قائلة بخبث:الحمدلله يا حبيبتي ان ربنا أظهر براءتك،ده انتي زي الفل…
ابتسمت لها رهف وقالت:ربنا يخليكي ياطنط
،بعد اذنكوا…
انسحبت من بينهم وصعدت إلي غرفتها حيث تابعها إبراهيم ليسمع فدوي تقول له :اتقل يا حبيبي مش كدة،بالراحة أحسن تقع…!
وقف إبراهيم علي الدرج واستدار ناحيتها ليقذف لها قبلة في الهواء،ثم ركض سريعاً إلي رهف…
____________________________________________
انطلق بسيارته مرة أخري ولا تغيب عن باله نظرة عينيها الحزينة المغرورقة بالدمـ.ـو.ع، شعر بأنها تناديه،تتوسله وتستنجد به،ظل يضـ.ـر.ب مقود سيارته بيده بعنف حتي آلمته،
قال لها وكأنه يحدث شخصاً أمامه"تستاهلي تتوجعي وتستاهلي القطع عشان تسلمي علي البني آدم ده"،ما أن وصل منزله حتي ألقي بجسده علي الفراش منهكاً من التفكير،حتي أنه لم يشعر كيف أتاه النعاس…
_______________
كانت سلوي في جامعتها طوال اليوم ومن بعدها ذهبت إلي إحدي صديقاتها من الجامعة فلم تشهد ما حدث طوال اليوم
،وحينما أتت أخبرتها وردة كالعادة بكل ماحدث لرهف من عجائب وغرائب…
كانت تود الصعود إليها في غرفتها ولكن علمت ان رهف ليست بمفردها في الغرفة وكان معها إبراهيم
فامتنعت عن ذلك إلي وقت آخر…
______________________________________________
مرت الأيام ثقيلة علي الجميع ،حتي جاء يوم خطبة سارة ومروان،لم تعد رهف تتأثر بعلاقتهم و أصبحت بالنسبة إليها أمر عادي، قد يكون حبها القوي لسارة أنساها كل ما حدث،أو قد يكون لم يحدث شيئاً من الأساس…
في بداية ذاك اليوم كانت فدوي وسلوي في طريقهم إلي زيارة أحد أقاربهم في بلدة أخري بعيدة عن الإسكندرية مما أخذت وردة عطلة يومية…
استئذنت رهف من إبراهيم للذهاب إلي خطبة سارة فقال بصدر رحب…
_براحتك يا حبيبتي…
قالت له في تـ.ـو.تر:بس كنت عايزة حاجة كمان،بصراحة عايزة أبات هناك عند بابا يوم يعني عشان أقعد مع البنات شوية بعد الفرح،وفرصة يعني ماحدش هنا…
قال بإبتسامة غير معهودة: ماشي ياحبيبتي
،خدي راحتك…
ابتسمت قائلة:متشكرة أوي يا إبراهيم…
ذهبت من بداية اليوم لتكن مع سارة في تحضيرات الخطبة حيث دلفت أولاً إلي منزل والدها الذي قال…
_ازيك يا بنتي،عاملة ايه؟
قالت رهف بحزن:الحمدلله يا بابا،يعني فكرت تتصل بيا من ساعة مامشيت ولا تسأل عني؟
قال بهروب:معلش يا بنتي والله مشاغل،وبعدين قلت أسيبك مع جوزك تتهنوا كام يوم من غير ازعاج…
شردت قائلة:اتهنيت فعلاً!
قالت جميلة:اتوحشتك كتير حبيبتي كيفك؟
ردت رهف بإبتسامة باهتة:الحمدلله…
ثم أطرقت في حديثها قائلة:خلاص مادام وحشتك هبات معاكوا النهاردة بقا،وبالمرة أقعد مع سارة وعبير شوية…
التفتت جميلة إلي عبد المنعم الذي شحب وجهه،فقالت رهف عاقدة حاجبيها:أيه مالكم؟
قال عبد المنعم في تـ.ـو.تر:أصل طنطك جميلة كانت عايزة تغير شوية في الشقة ،فبعنا أوضتك وجبنا مكانها سفرة!
تبلمت رهف ثم قالت:طنطي؟ ليه يا بابا علي أساس اني خلاص مابقتش هاجي هنا وأبات معاكوا…
قالت جميلة بخبث:لاحبيبتي مانقصدش بس تغيير حلو…
أومأت رهف برأسها قائلة بأسي :اه صح التغيير حلو،ماشي
بعد اذنكم…
صعدت رهف مع ملك وهي تشعر انها أصبحت ثقيلة علي والدها،
لم يعد لها شئ في ذلك البيت…
أقيم الحفل في حدود العائلة،كانت سارة بفستانها الوردي وفي كامل فرحتها ومروان الذي كان يختلس دائماً النظرات إلي رهف التي لم تعد تتأثر بشئ…
انتهي الحفل لتعود رهف أدراجها إلي منزلها بعد أن أصبح منزل والدها لا يسعها هي وابنتها،دلفت المنزل بهدوء حيث كانت تحمل ملك النائمة،لم يكن هناك أحد،صعدت الدرج وفتحت غرفتها لتجد ما لم تتوقع رؤيته،مشهداً يشيب له الرأس،شعرت بأن نبضات قلبها توقفت فجأة،جسدها أصيب بالشلل المؤقت،رجة قوية أعلي رأسها جعلتها تصرخ صرخة مدوية…!!!
يتبع…
"الخيانة"..هي 'كلمة' مجرد كلمة واحدة ،لكن ما أقساها "موجعة"تحطم من تعرض لها،قد تكون مشاعر الحب غير متبادلة بين الطرفين ولكنها تظل مؤلمة تفتك بالقلب مهما كانت عاطفة الآخر يكفي أنها "خيانة"…
"مشهد الخيانة"…يالله…يدمي القلب،يصلب الشرايين،يميت بالبطئ ،يسبب ألماً نفسياً يتفاقم مع الأيام وتـُفقد الثقة بين الطرفين ،اللهم لا تكتبها علي أحد من خلقك…
دلفت إلي غرفتها لا تعلم ما ينتظرها،احترقت و تجمدت في لحظة واحدة لما رأته،شعرت بجميع حواسها كأنها تتوقف تدريجياً،حتي دمـ.ـو.عها لم تسل وأصبحت عيناها خاوية علي عروشها…
ولكنه انتفض هو ومن معه علي تلك الفراش علي صراخها الذي فزع ابنتها لتصرخ مع والدتها وكأنها رأت ما رأته، انتفض ابراهيم ليحاول كتم أنفاسها،لكنها بعدت وصرخت بوجهه…
_عملت كدة ليه حـ.ـر.ام عليك؟لما انت قذر كدة اتجوزتني ليه ؟عيشتني في القرف تاني ليه؟
صرخ هو الآخر بوجهها كي تصمت،ولكنها بركان من الحمم كان خامداً وانفجر لتوه…
صرخ قائلاً :اخرسي وطي صوتك هتفضحينا…
_مش هسكت وهفضحك أنا خلاص ماعدش هيهمني حاجة ،انت فوقتني بقرفك ده، انت أقذر انسان شفته في حياتي…
ما ان قالت هذه الجملة حتي صفعها علي وجهها البرئ وما يستحق الصفعة إلا هو،سقطت ملك من بين يديها وهي تصرخ وتبكي…
هتف بوجهها قائلاً: انتي فاكرة نفسك بني آدمة،انتي واحدة بـ.ـاردة و نكدية،انتي مـ.ـا.تتحسبيش من صنف الستات أصلاً…
انهارت عبراتها بفيض كما انهار لسانها وهي تصرخ فيه قائلة: ولما أنا كدة بترجعني تاني ليه، اتجوزتني تاني ليه؟ عشان بنتك؟ أهي بنتك أهي بتعيط بسببك انت،كنت بقولها دايماً باباكي حلو عشانها هي لكن لأ خلاص هي شافت بعينها كل حاجة مابقتش هكدب عليها تاني…
دفعها هي الأخري لتتساوي مع ابنتها علي الأرض هاتفاً: غوروا انتوا الإتنين في ستين داهية مش عايز أشوفكم تاني،انتي طـــالق…!
انتابها كثير من المشاعر في تلك اللحظة فرحة،حزن،خوف،صدمة،ظلم وقالت من بين شهقاتها المتتالية:دي تالت طالقة ليا،يعني خلاص كدة،مـ.ـا.تجيش تقولي بنتي تعيش معايا،بنتك هتفضل معايا لحد ماأموت…
أشاح بيده وصاح قائلاً: بقولك غوري انتي وهي مابتفهميش أنا لاعايزك ولا عايزها ،اشبعوا ببعض…!
اعتدلت وحملت ملك وهي لم تقوي علي حمل قدميها،خرجت من بيته وكأنها هـ.ـر.بت من بين أسوار سجنها،ولكن كالضائعة لا تجد مأوي…ظلت تجول وتجول كالتائهة هي و طفلتها،أتذهب إلي والد جاف المشاعر تلخصت حياته في تلك الأنثي حتي أنه استغني عن أقرب من له، أم تذهب إلي منزل من منازل أحد أقاربها وهي تشعر بثقلها وثقل مسئوليتها،إلي أين ؟وإلي من؟
______________________________________________
أخذتها قدميها إليها دون شعور أو تفكير ً،تفاجئت فرحة بمن تقف علي باب شقتها هازية ضعيفة يمحو ملامحها الصفع والبكاء والمطر الأسود المتساقط من عينيها،تَلطخ وجهها بحمرة شفاها وسواد كحلها،ما إن فتحت فرحة بابها،صرخت من هيئتها حتي ارتمت رهف بين أحضانها ولا تنطق بغير…
_أنا آسفة،أنا آسفة…
كانت فرحة لاتفهم شيئاً،ظلت تهتف في قلق :في إيه يا رهف؟آسفة علي إيه؟
أسندت جسدها النحيل إلي أقرب مقعد وابنتها تتشبس بأطراف ملابس والدتها وكأنها خائفة من تلك العالم اللاإنساني، جلست رهف وهي تقول ببكاء:آسفة مالقتش غيرك أروحله، بيخوني يا فرحة،بيخوني بعد كل ده،بيخوني علي سريري…
شحب وجه فرحة من الصدمة لم تستطع قول شئ فماذا تقول وبماذا تهون من تلك الفاجعة،هناك مصائب لا تهونها حروف الأبجدية كلها،قد يكون الصمت في تلك اللحظات هو المهون الوحيد…
ظلت رهف هي من تتكلم،هي المطعونة في تلك اللحظة،قالت بحرقة: عارفة يا فرحة ،رغم اني بكرهه وعمري ماحبيته في يوم من الأيام أو حسيت بحاجة حلوة معاه،لكن إحساس صعب أوي مايتوصفش،ياريتني ماكنت روحت ولا شفت بعيني…
نطقت فرحة بثقة وهي تربت علي يديها :بالعكس ده ربنا كبير أوي،عمل كدة عشان تشوفي خيانته بعينك ويتكسر قدامك وممكن يبعد عنك انتي وبنتك من نفسه
،مايعارضكيش تاني…
نظرت لها رهف وقالت بإبتسامة باهتة :طلقني يا فرحة خلاص…
صرخت فرحة قائلة:بجد؟شفتي بقا مش قلتلك ربنا كبير…
شردت رهف في مأزقها الجديد،حتي أفاقتها فرحة قائلة: مـ.ـا.تقوليليش انك زعلانة انك اتطلقتي؟
أومأت رأسها بالرفض وقالت في إنكسار:بفكر هروح فين،مابقاش ليا حد…
عقدت فرحة حاجبيها قائلة:ليه يا رهف وباباكي يا حبيبتي ربنا يخليهولك…
ابتسمت بتهكم وقالت:ربنا يخليه لمـ.ـر.اته، مابقاش ليا مكان هناك غير الأرض…
عقدت حاجبيها بعدم فهم فقالت رهف:بابا باع الأوضة اللي كنت بنام فيها أنا وملك، جاب مكانها سفرة، ثم ابتسمت بسخرية قائلة:عشان طنطي بتحب التغيير…
زمت فرحة شفتيها في صمت…
اعتدلت رهف فجأة وقالت:فرحة أنا آسفة بجد اني جتلك فجأة كدة وخضيتك بس والله رجلي خدتني علي هنا،أنا همشي بقا…
_استني بس مش تقوليلي رايحة فين؟
_هكلمك وأقولك أكيد…
_ياسلام وأنا بقا هسيبك تمشي كدة،لا طبعاً اقعدي معايا هنا في أوضة النونو اللي لسة مجاش…
ابتسمت رهف…
_ربنا يرزقك ان شاء الله،بس معلش والله ماهينفع،أنا هشوف وأكلمك والله أطمنك…
حاولت فرحة بمحايلات عديدة ولكن باءت بالفشل فرحلت رهف،لا تدري إلي أين،ظل يعصف فكرها حتي وقفت أسفل منزلها وأجرت اتصالها بسارة…
_إيه يا روفا؟روحتي؟
_سارة قابلي ملك عالسلم وخليها معاكي
،هروح مشوار كده وأجي أخدها تاني…
لاحظت نبرتها المكسورة فقالت:مالك يا رهف؟انتي كويسة؟
_مـ.ـا.تقلقيش،الحمدلله…
_طيب راحة فين،استني آجي معاكي؟
_هو مروان مشي؟
_لا جمبي بس عادي يعني…
_لأ طبعاً يا عروسة بطلي هبل،خلاص خلي ملك مع عبير لحد ما آجي…
_ماشي ياحبيبتي…
سمع مروان مادار بينهما فسألها…
_في حاجة؟
_معرفش بس رهف صوتها مش طبيعي…
واستئذنته لتأخذ ملك من علي الدرج،ظل مروان يفكر فيما قد حدث لها حتي أتت سارة إليه مرة أخري،سألها ثانيةً:هي راحت فين يعني؟
نظرت له سارة بضيق قائلة:مقالتليش يا مروان…
غير مروان مجري الحوار كي لا تشك سارة في أسئلته فقال بمزح:بس ايه القمر ده؟
ابتسمت سارة في خجل…
_______________________________________________
وكالعادة أجرت فرحة اتصالها بمراد لتبلغه بماحدث،قفز في مكانه لتختلط مشاعره من الفرحة والحزن والقلق علي رهف،هتف بفرحة لأنها تركتها تذهب إلي حيث لا تدري وكان من المهم أن تخبره بوجودها معها قبل رحيلها بأي طريقة ما…
هبط الدرج واستقل سيارته ليبحث عنها ولكن أين ،ظل يجول بالسيارة عشوائياً دون هدف محدد،أجري اتصاله بها ولكن كان هاتفها مغلقاً…
لم يشعر بنفسه إلي وهو أسفل منزل والدها بسيارته فقد حفظ العنوان مؤخراً عن ظهر قلب،ترجل وخطا خطواته ببطء نحو الدرج وهو يحدث نفسه ماذا سأقول،لماذا أتيت ولكنه الآن أمام بابها قد تكون بالداخل ،من لها غير والدها تلجأ إليه في محنتها،طرق الباب بخفوت،حتي فتحت له جميلة مستفهمة…
_السلام عليكم،منزل الأستاذة رهف؟
_أيوة،لكن هي في منزلها…
_لأ حضرتك هي سابت بيتها من شوية،طيب أستاذ عبد المنعم موجود؟
_إيه تفضل…
دلف وجلس وقد انتابه القلق عليها فياتُري إلي أين ذهبت…
حتي قدم إليه عبدالمنعم عاقداً حاجبيه مستفهماً فهو لم يره من قبل،قال مراد مقدماً نفسه:أنا مراد مدير الأستاذة رهف في المكتب…
رحب به عبد المنعم،حتي تبادلوا أطراف الحوار وعلم عبد المنعم منه أن إبراهيم طلق رهف للتو ،صعق من الخبر و زاد همه فهي الآن ستعود له حتماً وتعيد الأيام نفسها…
استمر لقاءهم لقرابة الساعة حتي تفاجأوا برهف تدلف من باب الشقة…
انتفض مراد في قلق وقال رغماً عنه:رهف كنتي فين؟
بلعت ريقها وهي تتعجب من وجوده هنا حتي قالت:كنت في مشوار كدة…
قال عبد المنعم بعتاب قاسي: ماجيتيش تقوليلي ليه ان ابراهيم طلقك…
عقدت حاجبيها وهي تنظر لمراد،فقال: فرحة كلمتني وقالتلي…
أومأت برأسها ونظرت لوالدها قائلة:مارضتش أشغل بالك يا بابا…
قال مراد :أمال فين ملك؟
_فوق عند عبير…
قال عبدالمنعم:يعني جيتي وجبتي ملك وماعدتيش عليا؟!
_لأ يا بابا،انا اتصلت بسارة من تحت تنزل تاخدها ماطلعتش…ثم أطرقت قائلة: بعد اذنكوا هطلع أجيب ملك عشان أمشي…
قال مراد متلهفاً:هتروحي فين؟
أجابته بضعف:أجرت شقة صغيرة كدة…
اقتضب جبين مراد ولم يتحدث بينما قال عبد المنعم: ليه يا بنتي ماهي الشقة أهي؟
قالت رهف بتهكم:هنام فين يابابا عالسفرة،أعتقد كدة أحسن ،بعد اذنكوا هجيب ملك…
أحضرت صغيرتها وهبطت مرة أخري لتبحث عن أي أغراض لها ولإبنتها قد تبقت لها في هذا المنزل فهي لم تسنح لها الفرصة كي تجمع أغراضهم من منزل إبراهيم ،ألقت عليهم السلام لترحل،ولم يتمادي عبدالمنعم أو جميلة في الحاحهم عليها بالبقاء،انتظرها مراد وقال بحسم:هوصلك…
صمتت ولم تعارضه،استقلا السيارة معاً ،جلست بالمقعد المجاور له وظلت تعبث بحقيبة يدها،ظل مراد يبحث عن طرف الحوار ليبدأ بالحديث فقال أخيراً: بصراحة فكرة انك تعيشي لوحدك دي فكرة مش صح خالص…
ردت بخفوت قائلة:ماقداميش حل تاني غير كده…
زفر مراد وهو يضـ.ـر.ب علي مقود سيارته:طيب ماينفعش تعدي عند أي حد من قرايبك؟
أومأت رأسها بالرفض،صمت قليلاً ثم قال بحنان:رهف طمنيني.عليكي انتي كويسة؟
قالت بصوت مختنق:الحمدلله…
طلب منها وصف عنوان الشقة الجديدة التي استأجرتها،ثم صف سيارته بجانب إحدي المحال واستئذن منها،ترجل من السيارة ودلف إلي المحل واشتري بعض من المعلبات والأطعمة والمياة والخبز والحلوي،فتح باب السيارة الخلفي ووضع الأكياس إلي جانب ملك…
استقل سيارته مرة أخري حتي وصل إلي العنوان،ترجلوا جميعاً من السيارة وحمل ملك والأكياس إلي الأعلي بإصرار منه،حتي وصلا إلي باب الشقة،أعطاها ملك والأكياس ،فعقدت حاجبيها وهي تنظر لهم،قال :دول شوية حاجات لملك عشان الفطار…
قالت بخجل:لأ يا أستاذ مراد،متشكرة…
قال بحسم:بقولك إيه،مـ.ـا.تقنعنيش انك هتنزلي الصبح تشتري أكل،دي حاجات في التلاجة لملك كمان مش ليكي…
_بس دي حاجات كتيرة أوي…
قال بمرح:انتي ناسية انك ماقبضتيش آخر شهر ليكي ولا إيه أكيد هخصمهم من مرتبك طبعاً…
ابتسمت قليلاً فقال بإبتسامة:علي فكرة المكتب فاضي من ساعة ما مشيتي
،وماجبتش حد بدالك،وبصراحة ماليش نفس للشغل والقضايا متعطلة بسببك…
قالت بخجل:أنا آسفة والله يا أستاذ مراد ،بس لو قلتلك هرجع دلوقتي أبقي بكدب عليك لأني مش هركز خالص،وكمان لازم أودي ملك حضانة الأول…
ابتسم قائلاً:براحتك خالص،يولع المكتب ياستي ولايهمك…
ابتسمت رغماً عنها فقال بمرح:أيوة كده،يلا بقا عشان ترتاحي وحاولي مـ.ـا.تفكريش في أي حاجة دلوقتي ونامي علي طول…
تسللت الدمـ.ـو.ع إلي مقلتيها ولكن منعتها من الظهور وقالت:ان شاء الله…
ودعها مراد ودلفت إلي شقتها الجديدة،ارتمت بجسدها المرهق علي الأريكة،وما أن جلست حتي دق هاتفها فأجابت…
_أيوة يا بابا؟ايه ابراهيم عندك؟؟ليه عايز مني ايه تاني؟
صمتت قليلاً حتي ظهر علي ملامحها الصدمة وانهارت وهي تقول:ايه؟انت بتقول ايه؟!
يتبع…
بعد رحيل مراد ،دلفت رهف إلي بيتها الجديد وكانت غاية في الإرهاق النفسي والجسدي،ما أن ارتمت بجسدها علي الأريكة حتي دق هاتفها فأجابت…
_أيوة يابابا؟
قال عبدالمنعم في لهفة : رهف،تعالي يا بنتي بسرعة ابراهيم هنا و عايزك؟
قالت منفعلة: ايه ابراهيم عندك،عايز مني ايه تاني؟
قال عبد المنعم بدون مقدمـ.ـا.ت: أمه وأخته عملوا حادثة وهما راجعين يا بنتي،وأخته تعيشي انتي!!
انهارت رهف بالبكاء والصريخ وهي تقول:ايه؟بتقول ايه يابابا؟سلـوي،سلوي مـ.ـا.تت؟
قال عبدالمنعم :الحقي ابراهيم يارهف الرجل منهار،جه ياخدك بيقولي مافكرتش غير فيها عايز حد يسندني،الحقيه عالمستشفي أحسن يجراله حاجة…
أغلقت الخط وهي ترتعد،تبكي،تصرخ
وانهارت وهي تتذكر ملامحها،مواقفها معها،ظلت تدور حول نفسها تبحث عن أي شئ،كانت لاتزل بفستانها الذي حضرت به خطبة سارة،أبدلته وهي تتجشأ من شـ.ـدة البكاء والآهات بملابس قاتمة تقرب للسواد فهذا ما وجدته عند والدها،خرجت سريعاً ومعها ملك،ذهبت بها إلي والدها،تركتها معه وأخذت عنوان المشفي واتجهت اليه،وهي في حالة من الصدمة والبكاء…
دلفت الي المشفي لتسأل عن تلك الحادث المروع،حتي وصلت لحجرة العناية الفائقة التي تمكث فيها فدوي فاقدة للوعي،لتجد إبراهيم يجلس أرضاً أمامها،هذا الرجل العتي،انكسر لتوه،طُعن بسكين بـ.ـارد ليجزل من قلبه قساوة الزمن،وجدته يبكي ،يصـ.ـر.خ ،يتألم وينوح علي فقيدته،كانت لهم الشمس التي تملأ البيت دفئاً بحنانها المعهود،والآن أين هي؟جسدها مازال معه يمكن أن يراه الآن،فقط الآن ،ولكن أين الضحكة؟أين الروح؟!
خطت نحوه بخطوات واهنة وهي ترأف بحاله رغم ما فعله،ولكن ما أفجع الفقد،ما أفجع الموت والفراق…جلست علي ركبتيها أمامه ودمـ.ـو.عها تفيض علي وجهها،قالت بخفوت…
_ابراهيم؟
رفع رأسه ببطء،تبدل وجهه ذو الملامح المنحوته القاسية إلي ملامح طفل باكي،ما أن تقابلت الأعين،تعالت صرخاته وشهقاته وهو يقول:سلوي مـ.ـا.تت يارهف،أطيب مافينا مـ.ـا.تت يارهف…
سالت دمـ.ـو.عها وهي تقول:البقاء لله ياابراهيم،شـ.ـد حيلك عشان طنط مش تشوفك كدة…
قال بأسي:ماما كمان بين الحياة والموت
،أكيد ربنا بيعاقبني بيهم عشانك،بس ليه ؟ليه هم؟ كنت عاقبتني أنا يارب…
_حـ.ـر.ام عليك تقول الكلام ده يا ابراهيم،وحد الله…
رفع نظره إليها وقال بضعف:سامحيني يارهف،أنا أذيتك كتير،عايزك تسامحيني…
نظرت رهف للأسفل وهي تبكي بحرقة،لم تستطع الرد فقد غلظ قلبها تجاهه،تجاه مافعله،لا يمكنها مسامحته،فعلي ماذا أو ماذا تسامحه،ما فعله جعل منها امرأة قاسية لا يمكنها العفو بسهولة،كادت أن تقول له "أنا لست ملاكاً"ولكنها امتنعت عن البوح بما تشعربه فآثرت الصمت حتي سمعت رنين هاتفها،اعتدلت وخطت بعيداً نسبياً عنه لتجيب…
_السلام عليكم…
_وعليكم السلام ،ازيك دلوقتي يارهف؟
أجابت باكية:مش كويسة خالص يافرحة،
سلوي أخت ابراهيم اتوفت…
أصيبت فرحة بالصدمة علي الرغم أنها لاتعلم سلوي عن قرب،فقالت بحزن:إنا لله وإنا اليه راجعون،البقاء لله ياحبيبتي…
قالت رهف وهي تبكي:دي كانت أطيب واحدة فيهم،ومامته كمان في العناية المركزة…
_ليه حصلهم إيه؟
_كانوا مسافرين وعملوا حادثة وهما راجعين…
قالت بصدمة:لاحول ولاقوة الا بالله،طيب اهدي يارهف وقوليلي انتي فين كدة،مراد قالي انك أجرتي شقة جديدة ووصلك عندها…
_اه بس أنا دلوقتي في المستشفي مع ابراهيم…
_طيب قوليلي اسم المستشفي عشان نجيلك…
_مفيش داعي يافرحة،بلاش تتعبوا نفسكوا…
_لأ طبعاً تعب ايه،لازم نكون معاكي،قولي بقا…
وبالفعل أملت رهف عليها اسم المشفي، أجرت فرحة اتصالها بمراد سريعاً والذي أبدي قلقه علي رهف،ولم يتردد لحظة في الذهاب إليها…
كانت رهف تقف بإحدي جوانب المشفي متكئة بجسدها علي أحدي جدرانه،تبكي وينعصر قلبها من شـ.ـدةالحزن وكان ابراهيم يجلس أرضاً في حالة لا يرثي لها،حتي وصل مراد وفرحة إلي القسم الموجودين به ودلفا إليه ليجدوا رهف وابراهيم علي حالهم هذا
،اتجهوا ناحيتها فاعتدلت فور رؤيتهم،
احتضنتها فرحة بعمق لتبكي رهف بقوة وهي في أحضانها،ثم بعدت رهف عن حـ.ـضـ.ـنها لتلقي السلام علي مراد الذي بدا عليه القلق الشـ.ـديد حيث قال وعيناه تحوطها بحب:شـ.ـدي حيلك كدة يارهف؟
قالت بخفوت وصوت يتخلله البكاء:الحمدلله يا أستاذ مراد…
سألتها فرحة:هما دفنوها ولا لسة؟
أومأت رهف رأسها بالرفض قائلة:لسة موجودة تحت،وزادت شهقاتها وهي تقول: كل شوية أقول هنزل أشوفها،ألاقي رجلي وقفت كأني جالي شلل مفاجئ،مش مستوعبة اللي حصل…
رتبت فرحة علي كتفها بقوة قائلة:بعد الشر عليكي ياحبيبتي انتي مؤمنة مـ.ـا.تقوليش كده…
قال مراد محاولاً تغيير مجري الحوار:أمال ملك فين؟
قالت رهف :سيباها مع بابا…
اعتدل ابراهيم علي خروج الطبيب من غرفة الإفاقة التي تمكث فيها فدوي وهو يقول: مين فيكوا ابراهيم؟
انتبهوا جميعاً إلي الطبيب و هرول ابراهيم اليه وهو يقول:أنا يادكتور…
قال الطبيب:والدتك فاقت وعايزاك بس
حاول مـ.ـا.تجهدهاش في الكلام…
دلف إليها إبراهيم فسألته فدوي عن حال سلوي في قلق،أجابها بنظرات زائغة:سلوي كويسة يا ماما الحمدلله بس هي في أوضة تانية،ولم يظل معها كثيراً حتي خرج وهو يهتف علي رهف…
خطت إليه فقال:ماما عايزاكي…
ابتلعت ريقها وهي تخطو بوهن إلي داخل الغرفة ويتبعها إبراهيم حتي وقفت إلي جانب جسدها الممدد علي فراش العناية
،قالت رهف بصوت خافت:حمدلله علي سلامتك يا طنط…
أجابتها فدوي بصوت ضعيف يكاد يُسمع وهي تعلم أنها بين يدي الله:سامحيني يابنتي!
تلك كانت المرة الأولي والوحيدة التي دعتها بكلمة "بنتي"فدائماً ما تشعر رهف بقسوتها و غلاظتها معها رغم أنها كانت تتمني أن تعوضها عن والدتها التي فقدتها منذ الصغر ولكن هيهات فمن يحل محل الأم نبع العطاء والحنان الإلهي…
أتبعت فدوي قائلة:أنا كنت وحشة معاكي دايماً،كان لازم أعاملك زي سلوي ومافرقش بينكوا،انتوا الاتنين بناتي،أنا شفت الموت بعنيا و خلاص يابنتي أخدت عظة ودرس من الدنيا أنها ولا حاجة وكلنا ممكن نروح لربنا في ثانية…
انحنت رهف إليها وجلست بجانب الفراش ،بكت وهي تربت علي كفها النحيل وتقول
:خلاص يا طنط عشان خاطري مـ.ـا.تتعبيش نفسك بالكلام…
قالت بضعف:لا سبيني أقول اللي نفسي فيه،ان شاء الله لما أخرج من هنا ونروح،انتي وسلوي هتبقوا اخوات مش هفرق بينكم…
نظرت رهف لإبراهيم وهي عاقدة حاجبيها ودمـ.ـو.عها علي وجنتيها وعينيها تسأله،أومأ لها برأسه وهو مغمض العينين فصمتت وهي تربت علي يد فدوي وقالت لها بحنان:اهدي دلوقتي يا طنط وبلاش تتعبي نفسك ولما تقوملنا بالسلامة ان شاءالله نبقي نتكلم…
خرجت رهف من الغرفة وتبعها إبراهيم
،استدارت رهف في مقابلته وقالت:هي طنط ماعرفتش عن سلوي؟
قال بأسي:لا هي فاقت هنا ولسة ماعرفتش حاجة…ثم أطرق قائلاً:ولا عرفت عننا حاجة، رهف احنا لازم نرجع لبعض ونبقي جمب ماما،أكيد هتبقي محتجالنا ،أنا ماليش غيرك…
نظرت له بعين دامعة وهي تقول:ابراهيم احنا خلاص اتحرمنا علي بعض،وده مش كلامي ولا كلام حد،ده كلام ربنا هو اللي بعدنا عن بعض…
قال بإنكسار غير معهود عليه:إحنا نسأل ونشوف ممكن نعمل إيه ونرجع لبعض تاني،أكيد فيه حل،أنا بحبك والله ومش هضايقك تاني،وأديكي شفتي ماما اتغيرت ازاي وسلوي خلاص راحت يعني مش هنقدر نستغني عنك وعن ملك…
قالت رهف بثقة ممزوجة بالدمـ.ـو.ع :أنا آسفة يا ابراهيم، مفيش حاجة ممكن ترجعني ليك تاني،خلاص كل اللي بيننا انتهي، وانت السبب مش أنا،أنا عملت اللي عليا ورجعت لكن انت اللي ضيعت آخر فرصة لينا،وبعدين ملك بنتك من حقك تشوفها كل يوم لو عايز وتاخدها لطنط كمان عشان تشوفها،عمري ما أقدر أمنعها عنكم،بعد اذنك يا ابراهيم…
قالت كلمـ.ـا.تها وتركته يخبط بقبضة يده علي الحائط في حالة من النـ.ـد.م علي فعلته…
اتجهت ناحية فرحة ومراد الذي كان يتابعها بنظره ويستشيط غضباً من وقفتها وحديثها مع ابراهيم…
ظلوا معاً جميعاً يتبادلوا العبرات وقراءة القرآن،حتي توسطت الشمس كبد السماء وجاء موعد إجراءات الدفن وكل ذلك دون علم فدوي التي لاتزل تمكث علي فراش المرض…
انتهت رحلة الدفن وانتقلت روحها إلي الرفيق الأعلي وسكن جسدها مسكن أهل الديار السابقون،ما أصعبها من لحظات تتساقط فيها الدمـ.ـو.ع بطريقة هيستيرية،وينعصر القلب بغصة تكاد تمزق شرايينه،ما أصعب الموت وما أصدقه يميت أقرب المقربين معه وان عاشوا فبلا روح وبلا حياة،مجرد بشر عايشين…
ذهب كلِ إلي منزله بجسد منهك عدا رهف التي أصرت البقاء إلي جانب فدوي حتي قدمت وردة وتبادلتا الأدوار فرحلت رهف إلي والدها ،أخذت ابنتها وغادرت علي الفور الي شقتها الجديدة،أدت فريضة العصر ثم ارتمت علي الفراش لتنغمس في سبات عميق…
مرت الأيام علي نفس الوتيرة من الملل والرتابة ،تشبه بعضها البعض و أصيبت فدوي بالشلل النصفي إثر معرفتها بوفاة فقيدتها…
عادت رهف إلي عملها بمكتب مراد بعد أن قدمت لملك في الروضة بالقرب من مكتبها وبدأت حياتها تأخذ مسارها الطبيعي ولكنها لا تخلو من إلحاح إبراهيم بالعودة إليه تحت أي ظرف والرفض القاطع من رهف فهذا حد الله بينهم ولكن من يفهم؟!…
كانت الأيام جميعها لا تخلو من الإتصالات الهاتفية بين رهف وفرحة،كان مراد يتعامل مع رهف وكأنه مسئول عنها وعن ملك ،حتي استيقطت ذات يوم للذهاب إلي مكتبها،ما ان دلفت لتجد………
يتبع…
في صباح يوم جديد،استيقظت رهف وأيقظت ملك للإستعداد للروتين اليومي،أبدلت ملابسها واتجهت نحو روضة ملك،تركتها وذهبت إلي المكتب كالمعتاد،ولكن بمجرد أنها دلفت انكسر الروتين اليومي بما رأته،باقات كثيرة من أجمل الورود وأذكاها رائحة تملأ جميع أركان المكتب،كثير من البالونات الملونة والمعبئة بغاز الهيليوم مما يجعلها تتطاير أعلي سقف المكتب وتعطي بهجة للمكان
،وأخيراً لافتة كبيرة علي الحائط المقابل لمكتبها مكتوب عليه عبـ.ـارة
"تتجوزيني؟؟"…
تبلمت رهف مكانها وانتابها الخجل الشـ.ـديد
،وأخذ قلبها بدوره يخفق سريعاً،حتي خرج مراد من مكتبه وهو مبتسماًً،خطي نحوها ووقف في مواجهتها وقال :موافقة؟
كانت رهف لاتزل متأثرة بالمفاجأة،انتبهت اليه وهي عاقدة حاجبيها في تساؤل فكرر كلمته مرة أخري وقالها متقطعة:م واف ق ة؟
ابتلعت ريقها في خجل وقد صُبغت وجنتيها باللون الأحمر،وظلت تزوغ بنظراتها يمنة ويسرة حتي قالت أخيراً: والله ياأستاذ مراد مش عارفة أقولك ايه،بس…!
صمتت قليلاً فقال وهو يومئ برأسه
متسائلاً: بس ايه؟
قالت في خجل وارتباك شـ.ـديد:أنا خايفة!
عقد حاجبيه قائلاً:من ايه؟مني؟
أومأت رأسها بالرفض قائلة:لأ طبعاً،يمكن حضرتك الحاجة الوحيدة اللي هتبقي مطمناني لكن أنا خايفة من المبدأ نفسه،
خايفة آخد خطوة تانية أنـ.ـد.م عليها في يوم من الأيام،في الفترة الأخيرة حاسة اني بقيت بعتمد علي نفسي وكل حياتي بقت بنتي وبس،معرفش اذا كنت فعلاً محتاجة الخطوة دي ولا لأ…
قال مراد بركوز :رهف انتي صغيرة وحياتك كلها ماينفعش تقف علي ملك وبس ،ملك بكرة تكبر وتتجوز وانتي هتفضلي قاعدة لوحدك،لازم يكون في حد يونسك ويسندك…
_يمكن تكون عندك حق،بس حتي لو أنا فكرت في الموضوع ده،حاسة انه مش هيكون دلوقتي…
_أمال امتي؟
_معرفش بس محتاجة وقت…
_خدي وقتك،احنا مع بعض وأنا مش مستعجل، ثم زم شفتيه ورفع حاجبه في حيرة ناظراً للأعلي قائلاً: المشكلة دلوقتي مين اللي هينزل البلالين دي من فوق؟!
ضحكت رهف رغماً عنها من مزاحه،فقال مراد بعينين لامعتين:نفسي أشوفك بتضحكي كدة دايماً…
خفضت بصرها في خجل وهي مبتسمة فقال مراد بمرح:،في حاجة موجودة حواليكي مخدتيش بالك منها علي فكرة؟
التفتت رهف حوليها وعقدت حاجبيها في تساؤل،فقال مراد وهو يتجه نحو أحد الباقات علي المكاتب من حولهم:السبت ده في حاجة بتحبيها أوي…
خطت رهف نحوه لتجد الباقة محملة بمعشوقتها الشيكولاته ،فرحت كثيراً وابتسمت قائلة:لأ كدة ممكن أغير رأيي…
قال مراد ممازحاً: وأنا موافق…
ابتسمت برقة،ثم قال مراد بجدية مصطنعة:يلا بقا هزرنا كتير واتكسفنا كتير،نشوف شغلنا شوية بقا…
قالت رهف بنفس الجدية:أيون،حضرتك اللي سايب مكتبك يا أستاذ،اتفضل علي مكتبك حضرتك…
حك رأسه بطرف اصبعه قائلاً بمزح:اه صحيح ايه الاحراج ده؟!
ضحكت رهف ودلف مراد إلي مكتبه،جلست رهف علي مكتبها وهي تنظر لما حولها من جو مبهج و جميل فزحفت ابتسامة علي ثغريها رغماً عنها،ولكن تلاشت تلك الإبتسامة وهي تتذكر إحدي المرات التي جاءها ابراهيم في الأيام الماضية لطلب الرجوع اليها مرة أخري قائلاً"أنا مش متخيلك ممكن تبقي لحد غيري،لازم يكون فيه حل"
تنفست شهيقاً عميقاً وهي مغمضة العينين وتهز رأسها وكأنها تنفض تلك الشاردة من ذاكرتها وبدأت تغوص في عملها،أما هو فدلف إلي مكتبه في حالة من الضيق،كان يتظاهر أمامها بالمرح ولكنه كان يتمني لو وافقت وبدأ حياته معها ولكن مازال أمله يتنفس من جديد بعدما انقطعت عنه الحياة…
____________
وفي منزل ابراهيم،كان المنزل كئيباً يفقد روحه وشمسه،كانت فدوي طوال الوقت تجلس علي كرسيها المتحرك في غرفة سلوي، قليلاً ما تتركها،تمسك بمصحفها وتقرأ فيه ودمـ.ـو.عها تسيل بغزارة علي فقدان قطعة من قلبها وعين من عينيها،تبكي وتتضرع لله أن يسامحها،تتمني لو يعود بها الزمن من جديد وتري ابنتها وتستمع إليها ولا تصدها في الحوار كما كانت دوماً تفعل معها،
سبحان من أبدلها من أم قاسية غليظة القلب
،الي أم حنون،أم بمعني الكلمة،سبحانه له في خلقه شئون…
دلف اليها ابراهيم،انحني علي رأسها وقبلها فرتبت هي علي كفه بحنان،قال ابراهيم: وبعدين يا ماما،هتفضلي قاعدة في الأوضة كدة،تعالي أنزلك تغيري جو ،أخرجك في الشارع شوية…
قالت بوهن:معلش يا ابني،أنا مرتاحة هنا،
حاسة بروحها حواليا…ثم أطرقت في حديثها قائلة بحزن:مفيش أمل رهف ترجع؟
أجابها بحزن متبادل:والله يا ماما أنا عايز بس هنعمل ايه…
هدهدت علي كتفه وقالت:مـ.ـا.تزعلش نفسك يا حبيبي،المهم انها مش حارمانا من ملك،
ووقت ما بنعوز نشوفها بتجبهلنا علي طول، رهف بنت حلال واحنا ظلمناها كتير…
_فعلاً،معرفتش قيمتها غير لما ضاعت مني خالص ومش قادر أرجعها…
هدهدت فدوي علي كتفه لتنفض عنه جزءاً من همومه…
_______________________
خرج مراد من مكتبه واتجه إلي فرحة علي الفور يسرد لها ماحدث وأتبع قائلاً:والله ماعارف أعمل ايه،اصبر شوية ولا كدة خلاص…
قالت فرحة بمزح:سيب الموضوع ده للعبدلله
،أنا هظبطهولك…
قال مراد وهو يتمتم :ربنا يستر…
سمعته فرحة فقالت:بتقول حاجة؟
أجابها بمزح:لا ياحبيبتي سلامتك…
ضحكت فرحة وقالت:طيب اعمل حسابك بقا علي هدايا كتير اليومين دول لزوم الشغل…
_اممم،مش بقول ربنا يستر…
قالت بجدية:بقولك ايه مـ.ـا.تتعبنيش أحسن النونو يطلع نرفوز أنا مش ناقصة…
تفاجأ مراد وقال بفرحة:بجد انتي حامل؟
أومأت برأسها مبتسمة بخجل وقالت:أيون بقا…
قبلها مراد من جبهتها بعيون دامعة قائلاً :ألف مبروك ياحبيبتي،أخيراً هبقي خالو…

__________________________________
كانت رهف في منزلها تحضر وجبة الغذاء لها ولإبنتها حتي دق هاتفها…
_أيوة ياعروسة؟
_عروسة ايه بقا وانتي منفضالي خالص…
_معلش والله يا سرورة ما انتي عارفة المكتب والحضانة بتاعة موكا واخدين وقتي وبرجع أعمل أي حاجة في البيت وهكذا…
_آه اتحججي بقا،ماشي ياستي ،بس أكيد كل ده مش هيأخرك عن فرحي بقا؟
صرخت رهف صرخة خفيفة من الفرحة وقالت:بجد يا سرورة خلاص حددتوا معاد الفرح…
_اه بس لسه شوية،شهر كده ان شاء الله
،ادعيلي بقا يا روفا أحسن مروان مطلع عيني ومابيتكلمش معايا كلمتين علي بعض…
قالت رهف بمزح:ربنا يهديهولك وبعدين بكرة يتكلم مـ.ـا.تستعجليش…
ضحكت سارة وقالت:يارب…
انتهت مكالمة سارة ودق هاتف رهف مرة أخري فأجابت…
_ازيك يا فروحتي؟
_الحمدلله يا ررفا،ازيك انتي؟
_الحمدلله تمام،بعمل الغدا تعالي اتغدي معانا؟
_لأ أنا سبقتك،بألف هنا انتي،بس بكرة بقا نتغدي سوا…
_بجد،ياريت،خلاص هستناكي…
_لأ طبعاً انتي ماصدقتي،أمال أودي جوزي فين،أنا أقصد انتي اللي هتيجي تتغدي معايا…
_لأ معلش يا فرحة مش هينفع…
_ليه بقا يعني أزعل منك؟
_لأ متزعليش بس هتحرج والله،بلاش عشان خاطري مش هقدر…
_لأ لازم تيجي عشان عملالك مفاجأة،
وبعدين هتتحرجي من مين ،محمد أصلاً بينزل الشغل تاني يعني مفيش حد…
_اممم خلاص اوك هجيلك بعد المكتب،تمام؟
_تمام جداً،هستناكي يلا باي…
_باي…
____________________________________
وفي اليوم التالي كانت رهف في المكتب منغمسة في قراءة إحدي الملفات أمامها حتي تفاجئت بمن يضع وردة وواحدة من الشيكولاته أمامها علي الملف،انتفضت ورفعت رأسها لتجد مراد مبتسماً وهو يقول:كل سنة وانتي طيبة…
عقدت حاجبيها في استغراب وقالت
:وحضرتك طيب،بس بمناسبة ايه؟
قال مبتسماً:النهاردة آخر أيام عدتك،اعتبريه عيد الحرية يا ستي…
ابتسمت رهف وقد احمرت وجنتيها خجلاً في صمت،فقال مراد:يلا بينا؟
عقدت حاحبيها مرة أخري،فقال مازحاً:ايه يا رهف حالة الاستغراب اللي انتي فيها دي،كل ما أقولك حاجة تستغربي كدة…
ضحكت رهف مرة أخري وقالت :ماهو حضرتك اللي عمال تفاجئني بحاجات غريبة…
_ماشي عليا أنا المرة دي،أنا أقصد يلا عشان الأكل مايبردش…
وتوالت عقدة حاجبيها فقال ضاحكاً:شفتي بقا هتستغربي تاني أهو…
رفعت حاجبيها مع إبتسامة وقالت:حضرتك بردو اللي بتقول حاجات عجيبة والله…
_ولا عجيبة ولا حاجة،انتي مش معزومة عالغدا عند فرحة؟
_اه…
_طيب ما أنا كمان معزوم،وبقولك يلا عشان نعدي ناخد موكا ونروح لفرحة…
زمت رهف شفتيها في خجل وأومأت برأسها،خرجا معاً وأحضرا ملك من روضتها ثم اتجها بالسيارة ناحية منزل فرحة التي فتحت الباب في ترحاب شـ.ـديد…
دلف الجميع،واستئذنتهم فرحة بالدخول إلي المطبخ لتحضير الأطباق،تبعتها رهف ووكزتها في ذراعها قائلة:تصدقي انتي عليكي حركات عايزة تضـ.ـر.بي عليها…
ضحكت فرحة بشـ.ـدة قائلة:ليه يا حبي؟
قالت رهف في غيظ:ماقلتليش يعني ان أستاذ مراد هييجي يتغدي معانا،أينعم هو أخوكي بس بردو  عـ.ـر.فيني يعني…
قالت فرحة بمزح:يا شيخة ارحمي الرجل بقا طلعتي عينه،والله شكلكوا تحفة وانتوا داخلين من الباب مع بعض…
ابتسمت رهف في خجل شـ.ـديد وقالت: خايفة أوي يا فرحة من الخطوة دي،أنا بكلمك زي صاحبتي مش انك أخته والله،بس بجد مرعوبة…
_من ايه بس؟
_خايفة أتسرع وأرجع أنـ.ـد.م،أنا كدة حاسة بإن نفسيتي اتغيرت تماماً وبقت أحسن الحمدلله وملك كمان،خايفة أخسر كل ده تاني…
_يا بنتي الكلام ده تقوليه لو حد متعرفهوش
،انما مراد انتي عارفاه وحافظاه كويس وأنا أضمنهولك برقبتي كمان…
أخذت رهف شهيقاً عميقاً وهي تفكر ،فقالت فرحة بإلحاح:هاه قولتي ايه بقا ،والله تعبتيني وتعبتيه معاكي،نفسنا نفرح بقا…
ابتسمت رهف في صمت فقالت فرحة:
السكوت علامة الرضا صح؟
وسعت ابتسامتها وقالت محاولة الهروب :تؤ خلصي بقا هاتي الأطباق…
أصدرت فرحة زغرودة خفيفة وقبلت رهف قبلة قوية واحتضنتها بعمق وهي تقول:مبروووك يا مرات أخويا
،أيوة بقا…
قالت رهف محاولة إخفاء خجلها:هي دي المفاجأة اللي قولتيلي عليها؟
_لأه،المفاجأة ان في نونو جاي في السكة عشان موكا تلعب بيه…
صرخت البنات بفرحة واحتضنتا بعضهن البعض حتي دلف إليهم مراد فقال:طيب مـ.ـا.تفرحوني معاكوا…
انتفضت رهف وأخذت الأطباق علي الفور وخرجت في صمت ووجنتيها يشعا بالإحمرار…
غمزت فرحة مراد فأشار إليها بيده فيما يعني:ايه في ايه؟
همست له:مبروك وافقت…
قفز من فرحته وقبل أخته من جبهتها وخرج سريعاً ليجد رهف تحضر مائدة الطعام فأمسك معها الأطباق وأخذ بمساعدتها مع نظراته العاشقة وهي تذوب خجلاً في نفسها…
شرعوا في الطعام وتبادلوا أطراف الحديث في مواضيع متعددة حتي انتهوا ،كانت فرحة تقوم بتحضير الشاي،وملك كانت تلهو ببعض الألعاب ورهف ومراد في شرفة المنزل حتي قال مراد: منورة يا رهف…
ابتسمت قائلة:ده نور حضرتك…
_حضرتك ايه بس احنا مش في المكتب يارهف…
ابتسمت في صمت وخجل،قال مراد في جدية:علي فكرة عندنا قضية مهمة جداً بكرة…
_ربنا معانا ان شاء الله…
نظر في عينيها بعمق وقال مبتسماً:طول ما انتي معايا كل حاجة في الدنيا هتمشي…
هـ.ـر.بت بنظراتها من عينيه حتي أنقذتها فرحة وهي تدلف إليهم قائلة:الشاي وصل…
بعد قليل،اعتدلت رهف لتستعد الرحيل فقالت فرحة:انتي بتهرجي يا رهف،لسة بدري واقعدي في موضوع مهم هنتكلم فيه…
نظرت لها رهف في تساؤل فضغطت فرحة علي كتفي رهف لتجلسها عنوة قائلة:
اقعدي بس كدة وهقولك…
جلست رهف فقالت فرحة:يارهف أخويا الأستاذ مراد عايز يتقدم لباباكي امبـ.ـارح قبل النهاردة ومستني رأيك قلتي ايه؟
ارتبكت رهف وتسلل الدم إلي وجنتيها وهي تتلعثم بالكلام ولم تقل جملة واحدة مفيدة…
هـ.ـر.بت من الشرفة إلي داخل الشقة وتظاهرت أنها تهنـ.ـد.م ملابس ملك فدلف إليها مراد وقال بمرح:ملك،ايه رأيك نروح أنا وانتي وماما عند جدو بكرة؟
أجابت ملك ببراءة:ليه ؟
قال مراد وهو ينظر لرهف:عشان أقول لجدو أنا عايز ملك تعيش معايا علي طول عشان أنا بحبها أوي…
قالت الصغيرة:وهنسيب ماما وحدها…
أجابها بمكر:ماهي ماما مش راضية يا موكا اعمل ايه؟
ورهف تذوب في نفسها خجلاً،قالت ملك :ماما تعالي معانا…
ابتسمت رهف وهي تعتدل فقال مراد بنبرة هادئة:ها يا رهف هتيجي معانا ولا لأ؟
رفعت نظرها إليه مسرعة ثم خفضت رأسها مرة أخري وأومأت برأسها،ابتسم مراد ابتسامة لم تطأ شفتيه من قبل وقال :بجد يارهف؟
قالت في خجل:أنا بجد اتأخرت ولازم أمشي…
دلفت إليهم فرحة عنـ.ـد.ما رأت رهف تمسك بحقيبتها،وقالت:ايه فيه جديد بقا أنا تعبت؟
أومأ لها مراد برأسه جعلها بلاشعور تصدر صرخة عالية وهي تقفز…
ركضت نحوها رهف في خضة وهي تقول:بس حـ.ـر.ام عليكي البيبي يابنتي…
احتضنتها فرحة بحب وقالت:يارب عقبال النونو بتاعكوا بقا…
ابتعدت رهف عن حـ.ـضـ.ـنها ورمقتها بنظرة…
ودع الجميع بعضهم…
قام مراد بتوصيلها بسيارته حيث قال لها:ان شاء الله هكلم بابا أول ما أروح وآخد منه معاد بكرة، هتبقي موجودة؟
قالت في خجل وهي تلهو بحقيبتها ولم توجه نظرها إليه:معرفش بس أكيد بابا هيكلمني…
_ماشي…
وبالفعل تحدث مراد إلي والدها وحدد معه موعداً الغد المقبل،أجري والد رهف اتصاله بها وأخبرها بأن تأتي إليه هي الأخري…
وجاء الغد واستقبل عبدالمنعم مراد بحبور وتناولوا أطراف الحوار حتي خرجت إليهم رهف بإطلالة رقيقة بفستانها البني وحجابها الذهبي،اعتدل مراد فور رؤيتها وعيناه تلمع مع ابتسامة عشق تذيبها خجلاً،حتي اتفقوا علي موعد كتب الكتاب وكان بعد خمسة أيام فقط…
بدأت رهف تحضيراتها وشراء ما يلزمها و بدأ مراد بترتيب منزله وإضافة بعض اللمسات إليه بمساعدة فرحة حتي أصبح المنزل يليق بإستقبال العروسين،حتي جاء اليوم الموعود وامتلأ منزل عبدالمنعم بالأقارب والأحباب والفرحة تغمر قلوب البعض والغيرة تنهش قلوب الآخرين…
كانت رهف في غرفتها ومعها سارة وعبير وفرحة ومنال وايمان يساعدونها في وضع لمساتها الأخيرة بفرحة،حتي خرجت بخطوات صغيرة وقلبها يكاد يقفز من موضعه،وهي بفستانها الأبيض البسيط وطرحتها البيضاء المرصعة بأرق الفصوص البراقة،صفق الجميع فور ظهورها واعتدل مراد بنظراته الجريئة العاشقة،حتي تم كتب الكتاب،قبل جبهتها وقلبها يختلج خجلاً،بدأ المنزل ينفض من المدعويين حتي قال عبدالمنعم بمزح:يلا ياعريس خد عروستك وعلي بيتكوا…
قالت فرحة:ايه رأيكوا ملك تبات معايا النهاردة؟
قال مراد بجدية:لألأ،ملك مش هتبات بعيد عن مامتها،صح يا موكا؟
قالت ملك ببراءة:لأ أنا حاوزة طنط فلحة…
ضحك الجميع وقالت فرحة: والله عمري ماسمعت اسمي بالجمال ده، ووجهت حديثها لرهف قائلة:ها يا رهف،آخدها؟
أومأت رهف برأسها حتي رحل الجميع وذهب العروسان إلي منزلهم ،دلف مراد وتوقفت رهف مكانها في خجل فقال لها بمزح:اتفضلي يا عروسة،هتفضلي واقفة علي الباب كتير…
دلفت هي الأخري ليقترب منها مراد قائلاً: البيت ده الحياة فيه كانت وقفت من زمان ،بس أول ماخطيتي فيه دلوقتي،رجعتله روحه ودبت فيه الحياة من تاني…
ابتسمت رهف في خجل وهي تتظر للأسفل،أمسك جبهتها برقه ورفع وجهها لتتقابل الأعين فقال: بحبك يا رهف…
زاغت نظراتها وهي تبتلع ريقها وتقول:أستاذ مراد؟
رفع حاجبيه قائلاً بمزح:أبوس ايدك نفسي أسمع اسمي منك من غير أستاذ،ها يلا خدي نفس عميق وقولي مراد مراد…
ابتسمت رهف وقالت في خجل:مراد…!
فرك جبهته بإصبعه ومسح علي شعره وهو يقول:لأ لأ مشيها أستاذ مراد ،كده هنهار منك…
وفجأة حملها وظل يدور بها في الصالة وهي تصرخ وتضحك ليقعا معا ً علي الأرض حتي أدركت شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح……
كان إبراهيم قد علم بطريقته زواج رهف مما جعله يدخل في صراع مع الإكتئاب وكاد شيطانه يخرج منه ليخـ.ـطـ.ـف ملك بعيداً عنها ويحرق قلب رهف عليها ولكن منعته فدوي من هذا التصرف ونهرته وهددته أنها ستختفي من حياته نهائياً لو فعل فعلته هذه،فتنحي عنها وظل وحيداً كئيباً…
جاء ميعاد حفل زواج سارة،وكان في قاعة كبيرة،استقبل الجموع العروسين بفرحة حتي دارت إحدي الموسيقي الرومانسية ،بدأ العروسان بالرقص معاً وسحب مراد رهف من يدها ليرقصا معاً،كان مروان يختلس نظراته إلي رهف التي كانت في قمة سعادتها مع مراد ولا تري غيره،أيقن أن هذه هي النهاية،تزوج بغيرها وتزوجت بغيره،رأي الفرحة بعينيها، أفاقته ساره بكلمتها:سرحان في ايه يا مروان،حتي في فرحنا واحنا بنرقص مع بعض مش معايا،نظر إلي عينيها بصدق ليجد جمالاً لم يراه من قبل فقال لها "بحبك يا سارة"،حملها فجأة وأخذ يدور بها لتطير سارة من فرحتها وتدمع عينيها لتطلق صافرات وزغاريد مدوية في أرجاء القاعة…
النــهـايــة…
تــمــت بــحـمـد الله

لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك 👇

تعليقات