رواية وجلا الليل هي رواية رومانسية والرواية من تأليف زكية محمد في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية وجلا الليل لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية وجلا الليل هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية وجلا الليل تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة
رواية وجلا الليل من الفصل الاول للاخير بقلم زكية محمد
يتمدد على الفراش يلتقط أنفاسه الأخيرة، حيث اشتد عليه الإعياء على غير العادة، فهو مريـ.ـض قلب وعلى الرغم من إجرائه لإحدى العمليات، إلا أنها لم تجدي نفعًا .
خيم الحزن على الجميع أو لنقل بعضًا منهم، خشية أن يفقدوا ذلك العامود الذي يرتكزون عليه، فهو روح المنزل وسعادته والرباط الذي يحافظ عليهم جميعًا.
جلست إلى جواره، وأخذت تتطلع يمينًا ويسارًا، وعنـ.ـد.ما لم تجد أحد هتفت بهمس إلى جوار أذنه :- فرصتك چات لحد عنديك يا سالم .
زفر بعدم ارتياح قائلًا :- وه يا زبيدة وهنعمل إكدة كيف، والعيال فوق راسه ؟
هزت رأسها بنفاذ صبر وقالت بحزم :- بقولك إيه فتّح عنيك معاي، أخوك چاي في الطريق وأنت لازمًا تتصرف قبل ما يطب، وإلا ساعتها مهتقدرش تعمل أيوتها حاچة .
هز رأسه بموافقة، وأردف بمكر الشياطين :- عنديكِ حق، خلاص الليلة هتم كل حاچة قبل ما عامر يعاود .
بالداخل يجلسون الأحفاد حول جدهم، منهم من يبكي بصمت، ومنهم من يتألم من الداخل، فلا يوجد ما بوسعهم فعله لإنقاذه، خرجت شهقة مسموعة منها لم تستطع إخمادها، وعنـ.ـد.ما علمت بمرضه لم تتوقف عن البكاء، حاوطتها شقيقتها الكبرى بحنان وهي تحاول السيطرة عليها، ولكنها لم تفلح .
دلف "سالم" ونظر للبقية بهدوء، جلس بجوار والده وهتف بحزن متقن :- ربنا يشفيك يا أبوي وترچع لينا من تاني .
بعد وقت كان الفتية يجلسون في أماكن متفرقة، أما هو كان برفقة صديقيه اللذان أتيا لمؤازرته، انخرط معهم في الحديث لعله ينسى بعضًا من سِقمه .
بعد أن خرجت تسللت للخارج كعادتها، وذهبت إلى حيث يتواجد هو، اختفت خلف الشجرة كي يراها ويصب جام غضبه عليها، ذمت شفتيها بحنق منه ومن صياحه المتكرر عليها، اشرأبت بعنقها قليلًا لتظر جزء صغير من رأسها وعينيها، حتى تتمكن من مراقبته .
شرع في اللعب مع رفيقيه بعد أن نسي أمر جده، ولم لا وهو صغير الذي لم يتعدى الخامسة عشرة من عمره، أخذوا يركضون وهم يلعبون الكرة، صرخت على حين غرة عنـ.ـد.ما اصطدمت الكرة برأسها بقوة، بعد أن ركلها أحدهم بغير قصد وهو يراقب انفجارها في البكاء بقلق، تقدم هو نحوها كالقذيفة وجذبها من يدها الصغيرة قائلًا بحدة أفزعتها :- إيه اللي چابك إهنة ؟ أمشي على الدار طوالي .
وضعت يدها على رأسها بوجع، حينما ارتدت رأسها للخلف واصطدمت بالشجرة، صرخت بفزع عنـ.ـد.ما رأت يدها ملطخة بالدماء فهتفت بطفولية وذعر :- دم، دم، هموت .
مسك يدها برفق قائلًا بقلق وهو يتفحص رأسها :- بس بطلي بُكا مفيش حاچة دة چرح صغير .
إلا أنها لم تتوقف عن البكاء، فصرخ بوجهها بغضب، فهو الآن موضع إتهام بإصابتها بهذا الشكل من قبل زوجة عمه التي دومًا ما تتهمه بالتقصير في رعايتها، فهي ليست أول مرة تعود برفقته بإصابة كهذه :- قولتلك بزيداكِ نواح، مرايدش اسمع نفسك، سامعة ؟
هزت رأسها بنعم، ووضعت يدها الرقيقة فوق ثغرها كي لا يخرج صوتها، فلا تتعرض لسخطه ثانية، بينما فحص هو تلك الندبة والتي نزفت على إثرها، ولكن بشكل لا يدعو للخوف، تألمت من ضغطه عليها فما كان منها سوى أن تضغط على عنقه دون أن تلاحظ أظافرها الطويلة، والتي خدشته في الحال مما أدى إلى أن ينفضها بعيدًا عنه وأردف بوجع مكبوت :- أنتِ هبلة !
أجابته ببراءة وهي تهز رأسها بلا :- لاه، أنا شمث .
كز على أسنانه بعنف، والتقط يدها وأخذ يسير بسرعة، ركضت هي خلفه لتتماشى مع خطواته، بينما وقف هو على بعد من المنزل، يحاول أن يجد له حيلة لتخلصه من هذا المأزق، نظر لها بضيق وهو يود أن يفصل رأسها عن جسدها، تجلب له المصائب مرارًا وتكرارًا دون جهد يذكر، حدجها بنظرات دبت الرعـ.ـب بداخلها، وأخذ يقترب منها كما يتربص الصياد بفريسته، أما هي تراجعت للخلف بخوف ووضعت يديها على وجهها لتحتمي من صفعته، فهي ظنته سيضـ.ـر.بها كما يفعل والديها، وأردفت بهلع :- خلاث، خلاث مش هبكي تاني .
تنهد بضجر ولوهلة لعن نفسه أنه أوصلها لتلك الحالة، فأمسك يديها برفق وأردف بنبرة حنونة، لا تتماشى مع قسوة ملامحه :- متخافيش مش هضـ.ـر.بك، بس لازمًا تسمعيني زين، أتفقنا ؟
أومأت بنعم فتابع هو بصرامة وتهديد حاول أن يكون هادئً فيه على قدر المستطاع :- أوعاكِ تقولي لحد على اللي حُصُل دلوك، وخصوصي أمك فهماني ؟
هزت رأسها بموافقة قائلة ببعض الذعر :- ماشي مش هقولها حاچة، بث هي هتوچعني لما تعملي شعري .
زفر بحنق وأردف بهدوء :- أنا هبقى أكدوا يا ستي، بس مقولتيش إيه اللي خلاكِ تمشي وراي، مش مية مرة أقولك رچلك ما تخطيش برة عتبة الباب ؟
عقدت ذراعيها ببعضهما وهي تنظر للأسفل بعبوس، وأردفت بخفوت :- محدش بيلعب معاي في الدار، چدي بث اللي كان بيلعب وياي، بث هو عيان وعيشة كبيرة، وراضي العفش بيزعقلي، و.....
قاطعها بتأفف من ثرثرتها :- بس خلاص أفصلي ، تعالي أغسلك يدك وشعرك دة من الدم، وزي ما اتفقنا ولو سمعتي كلامي هچيبلك حاچة حلوة .
لمعت مقلتاها ببريق الفرح قائلة بلهفة :- هتچبلي بوظة كتير ؟ بقلم زكية محمد
رفع حاجبه بــــاستنكار، وسرعان ما أردف بهدوء مغاير :- ماشي يلا .
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
ليلًا خرج بحذر وهو يسير كاللص نحو غرفتهم، وما إن ارتقى درجات السلم طواها في ثانية، ليصل لغرفته بأقصى سرعة لديه، أغلق الباب بإحكام ثم بدأ يلتقط أنفاسه بصعوبة، أتاه صوت زوجته الذي خرج بقلق بالغ :- ها يا سالم طمني عملت إيه ؟
ابتسم بانتصار وهو يرفع ما بيده صوب عينيها وقال بفرحة عارمة :- خلاص كل حاچة تمت كيف ما إحنا رايدين .
تهللت أساريرها قائلة بجشع ودلال :- إكدة تبقى چوزي وحبيبي صُح، اللي خايف على مستقبل عياله ورايدلهم الخير، يلا بسرعة حُطها في الخزنة قبل ما حد يوعالك .
أومأ بنعم ونفذ ما أملته عليه، ليخرجا بعد ذلك سويًا وحاولا على قدر المستطاع أن يظهرا على طبيعتهما، حتى لا يثيرا الشكوك حولهما.
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
في الصباح التالي وصل الابن الغائب، بعد عودته من إحدى البلدان الخليجية والتي يعمل بها لسنوات.
بعد أن لاقى استقبالًا حافلًا به من قبل أفراد أسرته، ولج للغرفة القابع بها والده، التقط يده وقبلها بشوق وحزن في آن واحد، سقطت عبراته رغمًا عنه وهتف بصوت أجش :- قوم يا أبوي ما أتعودتش على إكدة منك، قوم .
ولكن لا حياة لمن تنادي، فهو في عالم آخر حتى أنه لم يشعر بوجوده، نكس رأسه للأسفل بقلة حيلة وتابع بخفوت :- يارب، اللهم لا اعتراض على قضائك .
بآخر اليوم صعدت الروح لخالقها، وامتلئ المنزل بالصيحات والبكاء، أتين النسوة لتقديم واجب العزاء، بينما نُصِب صوان في المكان المخصص للرجال .
تجلس الصغيرة في أحضان زوجة عمها بعد أن دلفت في موجة صراخ وبكاء عنيف، فالبرغم من صغر سنها إلا أنها تفطن ماهية الموت، عنـ.ـد.ما حدثها عنه الراحل في وقت سابق، نظرت لها قائلة بحزن وكلمـ.ـا.ت شقت قلب الأخرى :- مين هيقعد مع چدي هو لحاله دلوك، خليني أروح عنديه .
شـ.ـددت من إحكام ذراعيها حولها، وقبلت رأسها بلهفة وقالت :- بعد الشر عنيكِ يا بتي، هو مش لحاله چدتك وياه بتونسه .
أطبقت شفتيها بشفقة عليها وعلى تفكيرها المتمركز حول جدها، ولها كل الحق فمن لا يحزن عليه ؟
بعد مرور أسبوع قرر "عامر" البقاء وعدم السفر ومساعدة شقيقه في الأراضي الزراعية التي تركها لهم والدهم، وكان هذا القرار بمثابة النيران التي ستشتعل في صدر الآخر، فرح أولاده كثيرًا بهذا النبأ لمكوثه إلى جوارهم، لتمر الأيام تليها الشهور، منهم من يزرع حقدًا وكرهًا بالقلوب، ومنهم من يزرع بذور الخير، والتي سيحصدونها عما قريب سواء بالنفع أو الضر . بقلم زكية محمد
///////////////////////////////////////////////////////////////
في ردهة المنزل الكبير يجلس على الطاولة يترأسها، وعلى يمينه زوجته وابنتيه وولده، وعلى يساره عائلة شقيقه الأكبر المكونة من ثلاثة فتية، يتناول فطوره بوجه عابس وعقله يفكر في الأراضي الزراعية خاصتهم، ماذا سيفعل بعد أن تـ.ـو.في والدهم وترك لهم تلك الحصة الوفيرة من الفدادين، استحوذ عليه الشيطان المتمثل في زوجته والتي تحثه مرارًا وتكرارًا على أن لا يدع تلك الأطيان تذهب من أيديهم فهم أولى بها وخاصة هو الذي كان يعمل مع والده بكد في تلك الأراضي، في ظل غياب الابن الأكبر في دول الخليج التي كان يعمل بها، وها هو عاد بمبلغ كبير يؤمن بها مستقبل ابنائه، أما هو بقي هنا إلى جوار والده لذا هو الأحق بها، ابتسم بخبث وهو يتذكر كيف جعل والده يوقع على نقل ملكية الأراضي تلك له في فترة مرضه، حيث سولت له نفسه بالسوء، وها قد حصل على كل أملاك أبيه وكل شيء بالقانون فلم يغفل عنه شيء .
عودة بالخلف قبل وفاة والده بيوم واحد، حيث دلف للغرفة خلسة وهو يراقب الطريق جيدًا، وبيده أوراق وعلبة بها حبر، وقف قبالة أبيه الذي كان غارقًا في النوم، ومسك أصبعه بحذر وقام بدمغه على الحبر ليضعه بعدها على الأوراق، والتي تنص على نقل كل الأراضي الزراعية من حوزة والده إليه، فقد قام بتحضير الأوراق بشكل قانوني، لينهيها بشكل قانوني أيضًا ولكن به بعضًا من الخسة إن لم يكن كله.
محا أي آثار بيده ومن ثم غادر الغرفة بهدوء كما أتى أول مرة، ليفر هاربًا للأعلى وابتسامة شيطانية تحلق على ثغره بعدما أنهى خطته .
عاد من شروده على صوت شقيقه "عامر" الذي هتف بهدوء :- بقولك يا أخوي هنزرعوا الأرض إيه؟ قمح ولا قصب؟
رفعت تلك الأفعى حاجبها بعدم رضا على حديثه، لتحول نظرها ناحية زوجها الذي هتف بهروب :- هنزرعها قمحيات بإذن الله.
ابتسم بخفوت قائلًا بحنين :- الله يرحمه بوي كان بردك لو عايش كان هيقول إكدة.
أردف بضيق خفي :- أومال إيه دة أنا قاعد معاه بقالي زمن خابر مخه زين وكيف بيشتغل، الله يرحمه.
هز رأسه بموافقة قائلًا بصفو نية :- طيب هنبتدي ميتى ؟
ضيق عينيه قائلًا بغضب مكبوت :- لاه أنت متشغلش بالك هتولى كل حاچة بنفسي.
أردف بنفي قاطع :- وه كيف يا أخوي أهملك لحالك؟ مش دي أرضنا يبقى نزرعوها سوا.
صمت والغيظ يتآكله وهو غير قادر على الإفصاح بأن الأرض سارت له على الأقل الآن حتى يتم تسوية الأمور، فما كان منه سوى أن يذعن لطلبه، إذ هتف بغل حاول مداراته قدر المستطاع :- وماله يا عامر نروح بعد الفطور ونشوف نعمل إيه؟
ليطالعه بحنق داخلي وأخذ يتمتم بداخله بخبث :- وماله أفرحلك يومين قبل ما توقع على چدور رقبتك يا واد أبوي . بقلم زكية محمد.
استمر في العمل معه بكد وجد لم يبخلهم على شقيقه في سبيل أن يخرج المحصول بأكثر إنتاج، ومن أجل أن لا يفقدوا سمعتهم في السوق، والتي وعد والده بأن تكون عالية كما حافظ عليها هو في حياته، فإنه سيفعل المثل وسيسير على خطاه .
كان الآخر يراقبه بخبث، فليتركه لأضغاث أحلامه ويفوز هو بكل شيء، أخذ يفكر في كيف ستكون ردة فعله عنـ.ـد.ما يعلم ؟
أسودت عيناه فجأة بظلام قاتم، ولهيب حقد زرعه المفقود بدون قصد بينهما، حينما كان يتحدث عنه كثيرًا ويمدحه ويثني عليه، وبالمقابل لم يفعل معه سوى أنه رجل تابع لكلمة امرأته، وهذا ما زاد غله تجاهه فليثبت له بأنه الأفضل، وسيرى ماذا سيفعل في القريب العاجل ؟
**********************************
وبعد مرور ثلاثة أعوام قضاها مع شقيقه، وهو يزرع ويحصد ويتعب ولا يعرف أنه يزرع في أرض موبوءة لا خير فيها، حتى أتى ذلك اليوم الذي قسم العائلة وفرق بينها، إذ فكر " عامر" بإحدى المشاريع وأراد تطبيقها على أرض الواقع، فذهب لشقيقه ليستشيره في هذا الأمر، وجده جالسًا بمفرده فوجدها فرصة وعليه اغتنامها، ابتسم له بود وهتف بهدوء :- زين إنك قاعد، كنت رايد أتحدت وياك في موضوع إكدة.
رفع عينيه وصوبها نحوه بشك قائلًا :- خير يا واد أبوي أتحدت .
أردف بهدوء وهو يحاول أن يشرح له ذلك المشروع الذي سيستفادوا منه :- بقول يعني الفدانين اللي حدانا في الأرض القبلية ملهومش عازة وواقعين علينا بخسارة، لو نبيعهم يعني ونستفاد بالقرشينات ونعمل بيها مشروع .
رفع حاجبه بــــاستهجان قائلًا :- كيف يعني ملهاش عازة ؟ هو في أرض ملهاش عازة !
هز رأسه بتوضيح وأردف بمحايلة :- مش القصد، بس يعني كيف ما أنت خابر بتاخد سماد كتير ومچهود وإنتاچها قليل وبعيدة على الدوار .
غمغم بضيق وردد بصرامة :- شوف يا عامر أرض أبوي مهيتباعش منها شبر، وإن كان على الفدانين دول متحملش همهم سيبها للي خابر بأمورها .
تعجب من لهجته تلك، ولكنه نفض تلك الأفكار بعيدًا عن مرمى عقله، لتمر الأيام وهو يلاحظ أن شقيقه يقصيه عن أي شيء يخص الأرض، وعدم إخبـ.ـاره عن أي شيء يخصها، وعنـ.ـد.ما بلغ الأمر الآفاق، ونضح الإناء بما فيه سأله بدهشة :- سالم هي إيه الحكاية ؟
ضيق عينيه بعدم فهم مصطنع قائلًا :- حكاية إيه ؟
زفر بضيق وأردف بغضب مكبوت :- يعني أنت ما خبرش ؟ كني مليش لازمة لا خابر الأمور ماشية على وين ولا چاية منين .
أردف بعدم اكتراث :- وتخبر ليه وهي ما تخصكش من أساسه .
أردف بانفعال :- متخصنيش كيف ؟ مش أرضنا دي ؟
ضحك بصوت عال جلجل في المكان وتابع بمكر :- قصدك تقول أرضي، أرضي أنا يا عامر .
جعد جبينه بذهول قائلًا :- أرضك كيف يعني ؟
قطب حاجبيه بحنق وأردف بإهمال دون أن ينظر للآخر :- اللي سمعته، دي أرض أبوي كتبهالي، يعني أنت ملكش شبر فيها أنا سايبك چميلة مني تبرطع فيها وتاكل من خيري أنت وعيالك .
كاد أن يعصف به الجنون، وتصيبه ذبحة صدرية من هول ما سمع ليردد بعدم تصديق :- أبوي كتبهالك ؟ أنت كـ.ـد.اب أبوي ميعملهاش واصل .
ضحك بتشفي وتابع بخبث :- لا عملها وكله بالقانون، لو ممصدقش أچبلك الورقات تثبت .
جلس بإهمال وهو يستوعب كم الكارثة التي حلت عليه، بينما أردف الآخر بقسوة دون احترام ومراعاة لفرق السن بينهما :- يعني دلوك أنت ملكش حاچة غير الدار اللي برضوا هيتقسم بيناتنا .
رفع شفته بتهكم قائلًا :- وچاي على نفسك ليه هي چات على البيت يعني !
تنهد بكمد مكتوم وردد بكذب :- مليش صالح روح قول لأبوك مش أنا.
مط شفتيه بلوم قائلًا :- الله يرحمه يا سالم، ولما هو كتبهالك مقولتش ليه ؟ هحسدك يعني ولا هكرهلك الخير !
أردف بمبالاة :- احسبها كيف ما أنت رايد، الأرض دي بتاعتي أنا اللي شقيت عليها السنين دي كلاتها، مش هتاچي أنت وتنهب الچمل بما حمل .
طالعه بوجع فلم يكن يتوقع أبدًا أن يكون بهذا الحقد الذي يشع منه كالشمس الحارقة، التي تسلط أشعتها الساخنة فتضر من يتعرض لها، وهكذا هو فقد أصابه حقده بالحزن والوجع الذي كاد أن يقـ.ـتـ.ـلع فؤاده، نظر في عينيه مباشرة وتحدث بنبرة يشوبها الفجع :- والله ما زعلان على الأرض قد ما زعلان عليك ومنك، زعلان عشان خليت الشيطان يدخل بيناتنا ويوصل بينا للحالة دي .
زمجر بسخط قائلًا بامتعاض :- أيوة أقعد رُط بحديتك دة، بس أنا مش كيف أبوي هسلمك ودني تسحر فيها وأنا أمشي وراك .
صاعقة رعدية نزلت عليه من السماء، وهو يطالعه بذهول ويتسائل ، هل هذا هو أخيه بالفعل أم شخص آخر ؟ بينما تابع الآخر بغل :- قعدت تدحلب لحد ما طويته تحت چناحك، ملهوش سيرة غيرك، عامر راح، عامر چه، عامر سوى كأنك سحرتلوا واحنا ما نخبرش .
هز رأسه بصدمة وعقله يرفض تصديق ما يحدث أمامه، ليتابع الآخر بجنون وهو يخرج مكنونات صدره من غل نحو أخيه، والذي نجح الشيطان بجدارة في زرعه، حتى بات استأصاله مستحيلًا :- روحت وچبتلك قِرشينات تأمن بيها مستقبل عيالك، مستكتر عليا أأمن مستقبل عيالي !
أردف بصياح ووجع :- لو قولتلي رايد القرشينات كنت رميتها تحت رچلك بس متوقفش قصادي وأنت كارهني إكدة، ملعون أبو القرش لأبو الأرض اللي يخلي أخ يكره أخوه عشانها .
صمت يبتلع تلك الغصة التي تشكلت بحلقه، وهو يكاد يهوى أرضًا فما عاد بمقدوره التحمل أكثر من ذلك، حدجه بنظرات تحمل الشفقة والعتاب معًا وأردف بأسف :- ماشي يا سالم وأنا هريحك مني ومن عيالي، وههملك الدار كمان هي چات عليه .
ثم سار نحوه وتوقف قبالته قائلًا بتحد :- بس راچع تاني، أوعاك تفكر إنك إكدة فوزت، لاه يا واد أبوي .
أردف بــــاستخفاف وسـ.ـخرية :- أنت مفكر بقرشيناتك دي هتناطحني ؟ بكرة أنت اللي تشوف لما عيالي يبقوا أحسن من عيالك ويدوسوا عليهم .
صرخ بغضب وهدر بعنف :- أنا لحد دلوك بقول أخوي الصغير ومواعيش للي بيعمله، بس عيالي مش مداس يا سالم، وحق كل كلمة قولتها لأنـ.ـد.مك عليها، وهتخبر زين مين اللي هيضحك في الآخر .
طالعه بنظرة استهزاء ليقابلها الآخر بتحدٍ وإصرار، سيريه من سيفوز ومن له الغلبة.
بعد دقائق معدودة يقف قبالة زوجته التي ابتسمت بنصر، تبخ له السم الذي سرى بعروقه :- أيوة زين إكدة، لما نشوف أمينة هتعمل ايه، أم الوِلِدة .
قوس شفتيه بغيظ وأردف بغل :- أيوة أم الوِلِدة، مش أم البِنتة .
رفعت حاجبها بضيق قائلة بحدة :- قصدك إيه يا سالم ؟
غمغم بسخط :- مقصديش حاچة .
ربتت على كتفه بلهفة قائلة بخبث :- ودلوك خلينا نتفرج إيه اللي هيُحصُل ؟ دة أنا هفش غليلي من بت عبد العليم المتفرعنة دي .
بينما على الجانب الآخر هتفت بهلع :- كيف دة يا عامر ؟ وهنهمل مطرحنا ونروح وين ؟
هتف بلطف وشبح ابتسامة :- متخافيش ربنا مش هينسانا، إحنا هنندلى إسكندرية .
ضـ.ـر.بت على صدرها بيدها بفزع قائلة :- إسكندرية ! واحنا نعرف مين إهناك ؟ لاه خلينا إهنة وسط ناسنا .
أردف بهدوء :- أنا ليا زميل إهناك كان وياي لما كنا في الإمارات، وحداه عمارة فاضية هناخدلنا شقة ونقعدوا فيها لحد ما ربنا يسهل، يلا أچهزي وچهزي العيال خلينا نمشي . بقلم #زكية_محمد
***********************************
يجلس على ضفاف الترعة مع أصدقائه يتشاورون بشأن الكليات اللاتي سيلتحقون بها، بعدما أنهوا امتحاناتهم وظهرت النتيجة الخاصة بهم، لمحها من بعيد مقدمة نحوه بمنظرها المشعث، نهض من مكانه مسرعًا نحوها، أما هي هتفت ببكاء وهي تشير لثوبها الملطخ بالطين وشعرها الغير مرتب :- يحيى البت زينب ضـ.ـر.بتني .
غرز أصابعه في خصلات شعره بغيظ قائلًا بغضب مكتوم :- وينها دي تعالي وريهاني .
مسكت كفه وأخذت تركض، بينما أردف بصرامة :- براحة لتتكفي على بوزك يا سوكة العبـ.ـيـ.ـطة .
جعدت أنفها بطفولية قائلة :- أنا مش سوكة أنا شمس .
ضحك بخفوت قائلًا بقلة حيلة، فلماذا تلجأ له عوضًا عن البقية ؟ :- طيب قدامي تعالي وريهاني دي .
أردفت بحماس وقد توقفت عن البكاء :- امشي بسرعة لأحسن تمشي عشان تضـ.ـر.بها .
رفع حاجبه بــــاستنكار قائلًا بتهكم :- وأنتِ مضـ.ـر.بتيهاش ليه يا فالحة ؟
رفعت كفها بوجهه قائلة بتذمر :- دول كتير قوي، خمسة .
أردف بصدمة وذهول مبالغ فيه :- وه خمسة ! عنديكِ حق دة أنا حتى خايف أها .
قال ذلك وهو يراقب ملامحها الرقيقة، بينما قوست شفتيها بأسف قائلة :- خلاص متروحش، هيضـ.ـر.بوك وهتتعور .
كاد يضحك بصوته كله على طفولتها البريئة تلك، ثم سار معها ليقتص لها من غريمـ.ـا.تها .
بعد يومين استقلوا السيارة بعد أن حزموا أمتعتهم، تحت نظرات شقيقه الماكرة وزوجته الحاقدة.
حدث ما لم يتوقعوه وجعلهم كالتماثيل، عنـ.ـد.ما أخذت تلك الصغيرة تركض خلفهم وهي تصرخ من أعماقها، حتى كادت أن تتقطع أحبالها الصوتية، تنادي بــــاسمه بأن لا يرحل، مسكها أبيها بعنف وهو يأمرها بأن تتوقف، ولكن لا حياة لمن تنادي، فما كان أمامه سوى أنه صفعها بكل قوته، صفعة فقدت الوعي على إثرها .
_____________________________________
↚
نهضت منتفضة في مكانها إثر صياح والدتها العالي بأن تستيقظ، اعتدلت وردت عليها تحية الصباح، لتردها الأخرى ببرود وأمرتها بأن تنزل لتتناول وجبة الإفطار معهم، أومأت بنعم لها وأنها ستلحق بها، تنفست الصعداء عنـ.ـد.ما تذكرت أين وضعت أشيائها، فخافت أن تكون قد غفت دون أن تخفيها، والتي إن عثر عليها أحدهم سيبرحها ضـ.ـر.بًا، أخفتها سريعًا بين ملابسها، لتخرج بعد دقائق ونزلت لتنضم لهم.
★★★★★★★★★★★★★
في مكان آخر فتح عينيه بتأفف إثر دعس الصغيرة بيديها لوجهه، هتفت بضجر :- يا أبا أثحى يلا، بلا كثل .
اعتدل وجلس في موضعه قائلًا بغضب مصطنع :- أعمل فيكِ إيه دلوك ؟
كورت وجهه بين كفيها الصغيرين وأردفت برجاء :- يلا قوم بقى، أنت ناثي إن النهاردة أچازة، وهتفثحني كتير !
ضيق عينيه قائلًا بسخط :- اه منك يا بتاعة مصلحتك أنتِ، ماشي أديني قايم أها .
أخذت تقفز على السرير بفرح بالغ قائلة بصخب :- يعيش يحيى يعيش .
هز رأسه بنفاذ صبر منها، ثم تركها ليدلف للمرحاض ويغتسل، بعد دقائق على مائدة الطعام، كان الصمت هو سيد الموقف قبل أن يقطعه "عامر" وهو يفجر قراره الذي اتخذه بوجوههم، وبصرامة دون رجعة :- إحنا خلاص هنندلى البلد تاني، هنصفي كل حاچة إهنة وهنعاود .
طالعه البقية بصدمة من حديثه الذي كان بمثابة الإعصار، الذي داهمهم بقوة، بينما هتف " يحيى" بإحتدام مكبوت :- كيف دة يا أبوي، نعاود ليه ولمين ؟ أنت نسيت إياك ؟
نظر لابنه العنيد والتي شكلت القسوة خطوطًا بعينيه وتابع بهدوء :- اللي سمعته يا يحيى هنعاود ودة آخر كلام .
تحدث ابنه الثاني في الترتيب بإعتراض، وهو يحاول أن يجعل والده يعزف عن هذا القرار :- ليه بس يا أبا خلينا إهنة، إحنا ملناش قعاد إهناك، وكمان أشغالي إهنة، مقدرش أهمل المطرح .
تحدث بنبرة صارمة، وهو يطالعه بتهكم :- هنرچع يا خالد ودة آخر كلام .
زمجر بغضب مكبوت، وهو يغمغم بسخط بكلمـ.ـا.ت غير مفهومة، والتي لا شك أنها تعبر عن رفضه القاطع في العودة إلى هناك، بينما حدج الوالد ابنه الثالث قائلًا بسخرية :- وأنت يا مؤمن مسمعتش كلمة ليك يعني !
هتف بهدوء مغاير وهو يلوك الطعام بفمه بغيظ :- اللي تشوفه يا أبا، شوف الصُح وأعمله .
رفع حاجبه بدهشة قائلًا :- وه ! وافقت بسرعة إكدة ؟
أردف بهروب :- عادي يا أبوي كل المطارح واحد مهتفرقش .
هز رأسه بعدم اقتناع، بينما ضغط الأخير على كفه بشـ.ـدة، يود أن يهرب من هنا بعد أن تم خداعه من قبلها، تلك التي غرزت في صدره إحدى شظايا الحب الزائف فأدمته، يا لها من ماكرة لعبت دورها جيدًا واتقنته، حتى صدقها هو ووقع في مصيدتها ليكتشف أنها تخدعه لتثير غضب الآخر، وتثير غيرته فيتحرك ويأخذ خطوة وفقًا لما ترسمه في أحلامها، وعنـ.ـد.ما نجحت أخبرته بكل جحود بأن كل ذلك كان مجرد لعبة، ورحلت ببساطة تاركة إياه يتجرع كأس قسوتها الحنظل، كان مجرد لعبة بين يديها، كم يود أن يقـ.ـتـ.ـل نفسه لسذاجته تلك، لذا لابد من الفرار لتطييب تلك الندبات، التي تنتشر في أرجاء قلبه حتى يعود لسابق عهده، وليس عند هذا الحد فقط، بل سيعود أقوى وسيقـ.ـتـ.ـل قلبه ويدفنه إن تطلب الأمر.
تحدثت أمينة برفق وتعقل :- العيال عنديها حق يا حچ، أدينا مرتاحين البال لكن لما نعاود الله أعلم هيحصل إيه .
أردف بصرامة وعدم رجعة فيما يقوله :- هي كلمة قولتها وهتتسمع، هتفرق إيه أسيوط من قنا كلاتها واحد .
( ملحوظة :- قعدوا في إسكندرية سنتين، ورجعوا واستقروا في أسيوط )
هزت رأسها بخوف مبهم قائلة :- ربنا يستر اللي تشوفه يا عامر اعمله .
تابع بتوضيح وعيناه تشع بتحد وإرادة لما هو مقدم عليه، وليفي بوعده الذي قطعه مسبقًا :- أنتوا ناسيين مصالحنا وأرضنا اللي في النچع، خلاص چات الساعة اللي مستنيها من زمان .
أردفت بحنين وهي تعود بذاكرتها للخلف :- إن چيت للحق الناس إهناك أتوحشتهم قوي، وكمان البت شمس زمانها كبرت وبقت عروسة .
توقفت عن ثرثرتها عنـ.ـد.ما لاحظت الاحتداد المرسوم على وجوههم، وأنها تأخذ مسارًا خاطئًا لذلك آثرت الصمت، وهي تعبث في الطعام بحرج، ومن ثم فتحت معهم موضوع آخر . بقلم زكية محمد
★★★★★★★★★★★★★★★
جلست بعد أن أعدت الطعام، وأخذت تلوكه بشرود وحزن مخطوط بعينيها، فقد انطفئت شعلة الشغف نحو الحياة منذ زمن، وما تلاقيه على يد والدتها وما تشاهده من أمور لا تعجبها، كل ذلك كان كافيًا لقـ.ـتـ.ـل كل الفرح والبهجة، فدروبها مظلمة ذات أسوار عالية محفوفة بالآلام، غير قابلة للسير بها وإن فعلت ستنزف قدماها وجعًا، وهي اكتفت فما عاد يوجد بها جزءًا إلا وذاق مرارة الوجع، تحسد شقيقتها التي تزوجت وهـ.ـر.بت من ذلك البؤس المخيم على المنزل، الذي تفوح منه رائحة الكره، بعد أن تبخرت منه رائحة الحب والسعادة، كل شيء يتم بزيف وبناء على المصلحة أولًا، المال هو كل ما يهم وكأنه هو من سيمنحهم الحنان والدفء الأسري الذي يفتقدوه، كل يعمل على شاكلته لا يهتم بأحد سوى بنفسه، اعتصرت جفنيها بشـ.ـدة وهي تسمع لحديث والدتها الذي ما يزيدها سوى وجعًا :- زميلتك زينة اتخطبت يا شمس .
عضت على شفتيها بشـ.ـدة وهتفت ببرود :- ربنا يسهلها حالها يا أما .
مصمصت شفتيها بعدم رضا قائلة :- إمممم عقبال عدلك .
ابتسمت بخفوت وهي تشيح بأنظارها بعيدًا عنها، وتابعت طعامها تأكل بغيظ شـ.ـديد، فهي تفهم ما ترمي إليه بنظراتها الساخرة، نهضت وأردفت بإختناق :- أنا رايحة المزرعة .
قالت ذلك ثم انصرفت بسرعة وهي تلهث من فرط المجهود، فهي تعاني من زيادة الوزن بشكل مفاجئ منذ سنوات، ولا تعلم سببها كما أنها رفضت الذهاب لإحدى الأطبة لإيجاد حل في إنقاص وزنها، وهذا ما يثير حنق أمها التي ترغب في تزويجها، ولكن بشكلها وملابسها الواسعة التي ترتديها لتخفي جسدها، يحول دون ذلك وكم هي ممتنة لذلك، لسبب تخفيه في قرارة نفسها ولم تفصح عنه، وصلت للمزرعة الخاصة بوالدها والتي توجد بالمنزل، بعد التطورات التي حدثت به، لتباشر عملها بعد أن تخرجت من كلية الطب البيطري منذ ثلاثة أشهر، فهنا تنسى كل همومها عنـ.ـد.ما تعمل.
بعد رحيلها أردفت " زبيدة" بخفوت :- خوي رچب رايدك تفوت عليه في الدار .
هز رأسه بخفوت قائلًا :- ماشي، هفوت عليه بعد ساعتين إكدة، على ما أخلص اللي وراي .
أردفت بغل وهي تخرج حروفها من بين أسنانها من شـ.ـدة ضغطها عليها :- وكيفها أرض أخوك، وصلت لوين دلوك ؟
أردف بغضب مكبوت وشعور القلق يجتاحه خشية أن يعود وينفذ كلمـ.ـا.ته التي قالها له مسبقًا، والتي حُفِرت بذهنه ولم ينساها إلى وقته هذا :- أديها قاعدة هتروح وين يعني .
تابعت بكره :- أقصد يعني وصلت لوين، عمال يشتري فيها عمال على بطال . بقلم زكية محمد
أردف بمبالاة :- ما يشتري واحنا مالنا !
قبضت على يدها بغل قائلة :- وأنت هتهمله يعلى عليك، وينفذ اللي قالهولك زمان ؟
جز على أسنانه بعنف، فهي بحديثها ذاك تعريه أمام نفسه وتابع بغلظة :- وإحنا اللي حدانا قليل !
ضيقت عدستيها بسخط قائلة :- مش قليل، بس يا خوفي ياچي اليوم اللي هيقعد فيه إهنة، ساعتها محدش هيقدر يوقف في طريقه واصل .
زجر بعنف وهو يضـ.ـر.ب الطاولة بيديه بقوة، حتى تناثر بعض الطعام عليها مرددًا بغضب :- مين دة اللي ميقدرش يوقف في طريقه، دة أنا سالم اللي النچع كلاته بيعملي حساب .
ابتسمت بخبث لتحقيقها نواياها في إثارة حفيظته، ولتتأكد من أنه لن يميل نحو أخيه، واطمئنت أن ما زرعته طوال تلك السنوات، حصدته على أكمل وجه فأكملت بعبث :- معلوم طبعًا، دة أنت سيد الرچالة .
نهض وترك المكان بكمد جام، لتتعالى ضحكاتها بصخب وانتصار لتتذكر غريمتها، فتتحول عيناها إلى كتلتي نار من عقر جهنم تنذر بالشر، وأن القادم لا يبشر بالخير بتاتًا .
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في مكان آخر حيث هو، يجلس بعنجهية اكتسبها من والدته، والتي لا ترفض له أي طلب، ولم لا ؟ وهو الابن الوحيد لديها، تدلله وإن طلب أثمن الأشياء تكون تحت قدميه، يمسك بهاتفه يعبث به كحال الكثير من الشباب، الذي لا توجد عليه رقابة فيفعل ما يحلو له، دون أن يخاف الله أو يراعوا عُرف المجتمع ومبادئه التي يُقام عليها.
تحدث أحدهم وهو يحدق بالهاتف بشراهة ذئب يود الانقضاض على فريسته :- يا أبوي شوفوا البت اللي كيف لهطة القشطة دي .
بينما تحدث أحدهم وهو يراقب حساب إحدى فتيات القرية :- البت ملك منزلة صورتها على الفيس، أباي لو الواحد يطولها، بس دي واعرة قوي ومش هينة مع حد .
نظر له "راضي" بسخرية وتعالي قائلًا :- وه ! دة عليك مش علي أنا .
طالعه بتحدٍ وردد بجدية :- يعني أنت رايد تقول انك تقدر توقعها ؟
هز رأسه بثقة قائلًا بخبث :- وأوقع أبوها كمان، أنت مستقل بيا ولا إيه ؟
أردف بمكر :- تراهن ؟
هز رأسه بتفكير ثم أردف بثقة :- أيوة موافق، وماله يا عادل .
أردف بنصر وهو يوجه حديثه للآخر :- خليك شاهد يا عبيد أها على الرهان دة .
ردد بعجرفة :- ألف جنيه منك لعشرة مني .
ردد بفرح وهو يتخيل حصوله على تلك الأموال بطمع :- وأنا موافق يا راضي يبقى استبينا .
ضيق عينيه بتساؤل قائلًا :- في وقت قد إيه رايد ؟
أجابه بخبث وقد قرر مدة قصيرة ممكنة؛ فيفشل الآخر ويفوز هو بالرهان :- شهرين .
مط شفتيه بعدم اكتراث وردد بــــاستخفاف :- وماله ما يضرش، قبل الشهرين هتلاقيها كيف العروسة اللعبة في يدي .
ضحكوا بمرح عليه وعلى ثقته، فهي محصنة في مثل تلك الأمور، فكيف سيوقع بها ؟ لا يعلمون أنهم يخططون لما هو غير متوقع من الأساس.
صدح هاتفه بالرنين وما إن رأى المتصل، أردف على عجالة وهو يسير للخارج :- طيب هنبقى نكمل حديتنا وقت تاني يا رچالة، وراي مشوار مهم .
قال ذلك ثم تبخر أمام أعينهم، ولم ينسى قبل أن يذهب أن يضغط على إرسال طلب الصداقة، ليبدأ خطته وهي وقوع العصفور في مصيدة الصياد .
على الجانب الآخر، كانت بالمدرسة جوار صديقاتها وهي تتصفح الهاتف، لتفاجئ بإشعار منه فهتفت بصراخ وصدمة جلية :- إلحقوا يا عيال !
انتبهن لها فهتفت إحداهن :- وه ! إتچنيتِ إياك ! في إيه سرعتينا ؟
هنـ.ـد.مت ملابسها بغرور قائلة :- مش هتصدقوا مين بعتلي طلب صداقة دلوك .
هتفت الأخرى بتهكم وهي ترفع حاجبها بحنق :- هيكون مين يعني، ظافر العابدين ؟
جعدت أنفها بضيق على مزاحها غير المحبب، وتابعت بكمد مكبوت :- لاه، راضي واد سالم الدهشوري .
شهقات عالية صدرت منهن، والذهول خيم عليهن مما تفوهت به، راقبت هي وجوههن بابتسامة ماكرة، لتردف إحداهن بصدمة :- بتقولي مين ؟
رددت وهي تتكئ على حروفها :- بقول راضي واد سالم، إيه ما خبرنهوش ؟
رددت بتهدج وهي لا تزال على حالتها :- لاه خابرينه زين، بس كيف دة يعني ؟ دة عمره ما عملها !
أردفت بتكبر :- وأها عِملها، هو أنا أي حد ولا إيه، دة أنا ست البنتة .
ضحكن عليها لتردف واحدة منهن :- ست البنتة اه، لكن الروس ما تتسواش واصل يا ملك .
أطلقت عيناها سهام حارقة نحوها ورددت بغصة مريرة بحلقها، ولكنها أظهرت القوة :- قصدك إيه بحديتك دة ؟ الغِنى غِنى النفوس، عمره ما كان بالفلوس .
تدخلت الأخرى لتهدئة الوضع حتى لا تتأزم الأمور :- خلاص يا ملك، أماني ما تقصدش حاچة، هنخسر بعضينا عشان سبب تافه زي دة !
أردفت بعزيمة وعصبية شـ.ـديدة :- ماشي يا أماني، أنا هوريكِ هعمل إيه زين قوي .
قالت ذلك ثم انصرفت مسرعة، بينما وبخت الأخيرة الثانية بعتاب :- ينفع اللي قولتيه دة ؟
لوحت بيدها في الهواء بعدم اكتراث قائلة بتبرير :- وأنا قولت إيه يعني ؟ مش دي الحقيقة !
قوست شفتيها بضيق وتابعت ببعض الحدة :- بردو مكانش يصُح دة واصل منك .
أردفت بغيرة خفية :- يا أختي ما تتفلق، خليها تريحنا بدل ما هي شايفة روحها إكدة علينا .
ثم أضافت بسخرية قبل أن تغادر :- روحيلها يا أختي خليها تنفعك . بقلم زكية محمد
تركتها بسرعة لتردف " بسمة" بخفوت قبل أن تلحق بالأولى :- ربنا يهديكِ يا أماني .©
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^
احتدت ملامحه وسيطر الغضب عليه قائلًا :- كيف يا خلف ؟ دة شقى عمرنا يروح إكدة في شربة ميا !
تقلصت ملامحه بسخط وردد بضيق :- وكان هنعمل ايه عاد، نستنى ونتحبس وناخد بقية عمرنا چواة السچن ؟ أعقل إكدة زرعة راحت تاچي غيرها .
تمتم بحنق :- كان لازمًا يعني يحرقوها !
زفر مرددًا بغيظ :- أيوة طبعًا، الحكومة چات، ولا عاوزنا نهملها وناخد فيها مؤبد ؟
ضغط على عصاه باحتداد جامح، وأردف بسخط :- خلاص يا خلف أنت هتقعد تقطمني !
أردف بهدوء في محاولة منه لتلطيف الأجواء :- روق يا عم سالم، تاچي إيه في بحر الفلوس اللي حداك .
اتسعت عيناه باحتدام جلي ونهره بحدة :- وه ! هتنق على اللي عندي ! وأنا أقول الحكومة طبت ليه .
ضحك بصخب وردد بمرح :- يا عم ما شاء الله، هحسد چوز إختي وأبو عيالها !
غمغم بضيق وعروقه تكاد تنفجر من شـ.ـدة غضبه :- قول لروحك عاد، دة أنا هخليها تبخر البيت وتقص عروسة وتقعد تخزق عنيك دي مية مرة بالدبوس .
قهقه بصوته كله، فهو يخشى الحسد وأن تزول النعمة التي بيده، فتابع بروية :- خلاص يا عم خليها تعمل كيف ما رايدة، بس روق .
جلس وهو يحاول تنظيم أنفاسه المضطربة إثر انفعاله الزائد، ليردف بهدوء زائف :- تممت الحسابات بتاعة الأرض ؟
هز رأسه بموافقة قائلًا :- كله تمام .
صمت قليلًا ليأتي الطرف الآخر إتصالًا هاتفيًا، فرد عليه مع تباين في تعبيرات وجهه، التي أثارت فضول "سالم" لمعرفة من المتحدث، وعم يتكلمون ؟ سلط انتباهه على حروفه التي تخرج من فيه وهو ينتظر إنهاء المكالمة على أحر من الجمر، ليعرف ما يدور حاليًا ؟
ما إن انتهى أردف بلهفة :- مالك يا خلف وشك قلب إكدة ليه ؟ أوعى يكون في نصيبة تاني .
تنهد بعمق وهو في حيرة من أمره، أيخبره بذلك الأمر أم يتركه هكذا ؟ فاق من شروده على ندائه المتكرر، وإصراره على معرفة الأمر، فردد بحذر وترقب :- أصل يعني ...في واحد معرفة أتصل بيا دلوك، وبيقول ....بيقول أن ...
قاطعه بصياح وهدر بعنف :- قال إيه متبوظش اعصابي أكتر ما هي بايظة .
سحب شهيقًا طويلًا وردد بسرعة :- أخوك ناوي يهمل أسيوط ويعاود .
سكون خيم عليها فور نطقه بهذه الكلمـ.ـا.ت، ونزل عليه الخبر كالصاعقة التي أصابته بشلل بأطرافه، وكادت أن تودي بقلبه إلى الهاوية، أردف بصعوبة وهو يشعر بأن الأحرف ثقيلة على لسانه :- بتقول إيه يا خلف ؟ عامر هيعاود ؟
هز رأسه بتأكيد قائلًا :- أيوة راچع اللي كلمني قاعد حداه إهناك عنديه، وموكدلي على الحديت وكلاتها يومين تلاتة وتلاقيه طابب فوق راسك .
جلس بإهمال وهو يضع يده على رأسه، يشعر بدوار شـ.ـديد يعصف به دون هوادة، فكابوسه سيتمثل أمامه في خلال بضعة أيام، بعد أن ظن أنه تخلص منه إلا أنه عائد وبقوة، ودق أجراس الخطر بعقله ينذره بأن الآتي لن يكون سهلًا أبدًا .
انتفض فجأة في مكانه، وغيم الشيطان على أفكاره، لتتبدل لمعة عينيه إلى الحقد والنار مشتعلة بداخلهما، بهما وعيد وشر إن أقترب منه أو فعل أي شيء يمسه بالضر .
★★★★★★★★★★★★★★★
في صبيحة اليوم التالي، يتناول طعامه بهدوء تام على غير عادته، مما أثار تعجب الآخرين من صمته، مالت ابنته الصغرى على أذن شقيقتها قائلة بدهشة وهمس :- هو أبوي ماله ساكت إكدة ليه مش بعادته يعني !
هزت كتفيها بعدم معرفة وهتفت بهمس مماثل :- مخبراش، أها قدامك أسأليه .
هتف "راضي" بهدوء :- أبوي كنت رايد خمسة آلاف چنيه إكدة رايدهم في مُصلحة .
تدخلت "زبيدة" قائلة بلهفة :- من عيوني يا ولدي دلوك تكون في يدك .
قبل يدها بخبث قائلًا :- ربنا يخليكِ ليا يا أما .
نظرت لزوجها والذي يبدو أنه حاضر بجسده فقط، وإنما عقله في مكان آخر بعيد كل البعد عنهم، هتفت بصوت عال لينتبه لها :- مالك يا أخوي إيه اللي شاغلك إكدة، ومخليك في دنيا تاني ؟
هز رأسه بنفي قائلًا باضطراب :- لاه مفيش، في مشكلة في الأرض إكدة .
أومأت بعدم اقتناع، بينما نظر لهم جميعًا، وقرر اخبـ.ـارهم بالأمر كي لا تصيبهم الصدمة عنـ.ـد.ما يجدوهم فوق رؤوسهم :- كنت رايد أقولكم موضوع إكدة . بقلم زكية محمد
حدجوه بانتباه حاد، بينما تابع هو بصقيع :- أخوي عامر هيعاود هو ووِلده إهنة تاني .
علت دقات قلبها بصخب، وبصقت الطعام من ثغرها في وجه أخيها الذي نهض من مكانه صارخًا فيها بغلظة وإزدراء مما فعلته، لم تنتبه لحديثه وإنما كل ما يرن بعقلها جملة والدها، والتي بمثابة ترياق البعث الذي أعاد لروحها الحياة من جديد، أبعد كل هذه السنوات ستلتقي به ؟ سنوات لم تنجح في أن تواري ذكرياته تحت الثرى، ولم تنجح في أن تنسيها هيئته التي كان عليها آخر مرة وكأنه ماثلًا أمامها الآن، لم تنسى قلب الطفلة الذي تعلق به منذ صغرها، تشعر بالحنين لتلك الأيام وبداخلها حماس لمعايشتها مرة أخرى . ©
تطلعت لها " نورا " بخبث، وهتفت بتهكم :- معلش يا راضي أصلها مصدومة من الخبر الشين دة .
قالت ذلك وهي تركلها بقدمها من تحت الطاولة، لتنتشلها من غيبوبتها السعيدة تلك، لتردف بذعر :- حقك علي يا راضي مقصدش .
غمغم بسخط ودون مراعاة لشعورها :- خفي وكل هبابة عشان تاخدي بالك المرة اللي چاية .
اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبت شبح ابتسامة مرتجفة على ثغرها ورددت بوجع :- المرة اللي چاية يا واد أبوي .
أنهت كلمـ.ـا.تها ثم صعدت للأعلى، حيث غرفتها والتي سرعان ما نست إهانة شقيقها لها، وتذكرت فقط ما هتف به والدها، دون أن تستمع لباقي الأخبـ.ـار التي تخصهم، والتي بالطبع ستنقلها لها أختها.
حفل غنائي صاخب يُقام بين أضلعها مذ أن علمت بعودتهم، وأخيرًا أشرقت شمسها التي غابت منذ أن رحل عنها، باتت أيامها ظلام حالك لا يوجد حتى قمرًا لينير عتمة قلبها، أما الآن فقد سطعت شمسها لتضيء دروبها من جديد، ستعود البهجة لتزين حياتها بعد هذا السعير الذي كانت تعيش فيه، ليبقى النجم الساطع في سمائها البائسة .
اتسعت عيناها بعدم تصديق وكأنها في حلم، يا لها من سعادة غامرة ملئت سائر خلاياها، ما عادت تشعر بالألم فبرجوعه كل شيء تم محوه لتتبقى ذكرياتهم فقط، ابتسامة شقت ثغرها لم تزورها طويلًا، ودت لو تصرخ بصوتها كله ليس حزنًا وإنما فرحًا فستتحقق أمنيتها أخيرًا .
توقفت فجأة عنـ.ـد.ما طالعت هيئتها في المرآة، لتكون الصفعة التي أعادتها للواقع، سرعان ما ذمت شفتيها بحزن وكادت أن تتساقط دمـ.ـو.عها، إلا أنها شجعت نفسها بأنه لن يكون فكره سطحيًا إلى هذا الحد، جلست وهي تهز رأسها بنعم إنه ليس كذلك بالطبع.
قاطع تفكيرها دلوف شقيقتها، والتي نظرت لها بغموض فهي تعلم كل شيء بشأنها، هتفت بمكر :- طبعًا الفرحة مش سيعاكِ لما عرفتي أنهم راچعين .
هـ.ـر.بت من أنظارها العابثة المصوبة نحوها، وهتفت بنبرة مهزوزة :- وه ! عادي يعني، قومي يلا نروح نساعد الچماعة تحت .
ضحكت بصخب قائلة :- اهربي إكدة، عنيكِ فضحاكِ .
زاغت أنظارها وقد اصطبغت وجنتيها الممتلئتين بحمرة قانية، ونهضت تفر من حديثها قائلة :- أنا نازلة وسيباكِ، بلا حديت ملهوش عازة .
وما إن خطت باب غرفتها، رددت بتشفي وخبث :- مستنية قوي أشوف بت واد عمي اللي بيقولوا عليها دي، بيقولوا كيف القمر طالعة لأمها .
ظلت كالتمثال في محلها، وكانت كلمـ.ـا.ت الأخرى بمثابة السكين الحادة التي طعنتها بكل قوتها في قلبها فصار ينزف بغزارة، شعرت بدوار عاصف يجتاحها دون رحمة أو رأفة بحالها، باتت قدماها كالهلام فسقطت أرضًا، ترثي ذلك الحلم الذي كانت تغرق فيه منذ لحظات، فيبدو أن لياليها المظلمة لن تغادرها أبدًا، وكأنها تحالفت ضدها لتتوعد لها بالمزيد من الأسى .
_____________________________________
↚
لم تشعر بعبراتها التي فاضت من مجرى مقلتيها، وانسابت على وجنتيها بغزارة، تطالع ما حولها بتشوش، وكم ودت لو أن يقوم أحد بــــاستأصال مضغتها ويرميها بعيدًا، لعلها تُشفى مما هي فيه، وضعت يدها على موضع قلبها النابض بعنف، يا للسخرية لا تطرق طبول فرحك بل أقم مأتم بداخل جدرانك، فما تتمناه صعب الحدوث، بعيد المنال والفوز به .
ولوهلة أُضيء بصيصًا من الأمل، وكأن تلبسها الجنون لتنظر لشقيقتها قائلة بلهفة :- بت خالد ولا مؤمن ؟
ضحكت بصخب على غبائها، ولنقل رفضها لتقبل الواقع، واقتربت منها قائلة بتأكيد :- لاه، بت يحيى دول لسة عُزاب .
وكان ذلك الضـ.ـر.بة القاضية لها، والذي حطم المتبقي منها، يا ليتها ما سمعت ما شق صدرها لنصفين، شعرت بألم حاد يسكن حنايا روحها، فيا ليته ينهي عليها لترتاح .
أردفت " نورا" بكره :- فوقي يا شمس دول عدوينا، وشوفي بقى لما أمي ولا أبوي يعرفوا هيعملوا إيه .
لعنت ذاتها لانهيارها بهذا الشكل أمام أختها، لطالما فضلت أن تسقط حصونها بمفردها، دون أن يراها أحد، ولكن هذه المرة عرّت نفسها لها، والتي فهمت كل شيء، لا تعلم بأن تلك الخبيثة تعلم بمكنونات صدرها منذ زمن، عنـ.ـد.ما اكتشفت سرها دون أن تعلم .
نهضت بصعوبة بالغة تحاول سبر أغوارها، وترمم ذلك الجبل الذي تفتت لتوه، عليها أن تظل قوية لا تضعف أبدًا، حتى وإن اضطرت أن تدهس قلبها بقدمها في طريقها للعبور للنيل بكرامتها أولًا، لاحت شبح ابتسامة طفيفة على فيها، ورددت بتلعثم :- أنا مزعلناش على حد، أنا بس زعلانة عشان هيكتموا على نفسي .
ابتسمت بتهكم وهي تفطن بأنها تكذب، ولكن قررت أن تسايرها فأردفت بمكر :- معلوم، أومال ما أنا خبراكِ زين أنتِ هتقوليلي !
أردفت بهروب وهي تستجمع كلمـ.ـا.ت غير مترابطة ببعضها، فكل ما يهمها هو الهروب والانفراد بالنفس، لترى ماذا ستفعل في الصاعقة التي أصابتها، وكيف ستتعامل معها :- أنا هروح أغير خلقاتي وأنزل المزرعة .
قالت ذلك ثم اختفت في لمح البصر، بينما رددت بهمس الأخيرة بضحك خافت :- مش كنتِ نازلة تساعدي الچماعة ! والله عليكِ أمور مش على حد .
أنهت كلمـ.ـا.تها وخرجت لتتابع سير الأمور، وترى ماذا ستفعل والدتها حيال ذلك الأمر .
★★★★★★★★★★★★★
في وقت الراحة، جلست في مكان بعيد عن الأعين، تتحدث مع "راضي" عبر إحدى تطبيقات التواصل الاجتماعي، تبتسم بغرور لكلمـ.ـا.ته التي تثني على جمالها، وهي لا تعلم أنها كالفأر في المصيدة، وقريبًا سيقتنص الصياد الفرصة وسيفتك بها .
أتت صديقتها التي جلست إلى جوارها قائلة بعدم رضا وهي تربع يديها :- وأخرتها إيه يا ملك ؟
نظرت لها بانتباه قائلة بعدم فهم :- مفهماش تقصدي إيه بحديتك دة !
تابعت بسخط وهي تلوي ثغرها بحنق زائد من تهورها :- قصدي اللي بتتحدتي وياه ليل نهار دة، هملتي مذاكرتك عشانه، هي دي الأمانة ؟ دة چزات أخوكِ وأبوكِ اللي چابولك محمول عشان يساعدك في مذاكرتك تقومي تعملي إكدة ؟
تجمعت شرارات التحدي بعينيها وأردفت بغضب :- أنا مبعملش حاچة غلط دة هو اللي مدلوق، وأنا مش ساهلة بردو .
ربتت على كتفها بهدوء قائلة بغموض :- ما هو دة اللي خايفة منيه، النهاردة واعرة بكرة الله أعلم هيكون إيه ! يا ملك دة واد طايش بيتسلى .
أردفت بتحدٍ :- وأنا كمان بتسلى، شايفاني عشقانته إياك !
ضـ.ـر.بت على صدرها بقوة قائلة بصدمة :- بتتسلي ! هي وصلت لإكدة يا بت نعيم ؟ لاه دة أنتِ يتخاف عليكِ .
ضحكت بغرور قائلة بثقة :- لاه، متخافيش أنا خابرة زين بعمل إيه، أنا هچيبه راكع لحد عندي، وساعتها هوري الست أماني كيف تتريق علي تاني .
أردفت بخوف ومهاودة :- يا ملك يا خيتي مش إكدة، مش عشان تغيظي أماني تدخلي حالك في متاهة .
رددت بعند وقد لغت عقلها، وكل ما يتمثل أمامها هو غريمتها وما قالته :- ولا متاهة ولا حاچة، أنتِ بس قلقانة على الفاضي . ©بقلم زكية محمد
مطت شفتيها بضيق وتابعت بــــاستسلام :- براحتك يا ملك بس متنسيش إني حذرتك .
ضحكت بسماجة قائلة وهي تحاول أن تلهيها :- تعالي بس وأقعدي چاري إهنة، رايداكِ في موضوع إكدة .
&&&&&&&&&&&&&&&
ليلًا في صحن الدار يجلس هو وزوجته، وقبالتهم ابنهم وابنتهم الصغرى، يتسامرون سويًا حتى قاطعهم صوت وقع أقدام مقبلة نحوهم، رفعوا أنظارهم نحوها لتصيبهم زلزلة عصفت بهم بدون رحمة، وقفوا يطالعونهم بعدم تصديق وكأنهم طيف وسيختفي بعد قليل، أو أنها مجرد تخيلات، ولكنهم لم يتبخروا كما ظنوا ليدركوا بأنهم حقيقة .
ظل " عامر" يحدق فيه بنظرات طويلة حملت العتاب والقسوة، الاشتياق والوعيد فبالأخير هو أخيه، وإن أرغم قلبه على القسوة يظل ذلك الرابط الدموي قائمًا، لا شيء يمكن التأثير عليه، ولكنه سرعان ما هو رأسه بنفي هو هنا لإثبات وعده، والذي قطعه منذ زمن وأتى اليوم الذي سيثبت له حديثه، كم مر العمر سريعًا وكأن ما مر تم البـ.ـارحة .
تقدم نحوه بخطوات واثقة وقال بثبات :- إزيك يا ولد أبوي، كيفك يا سالم ؟
ظل جـ.ـا.مدًا للحظات، بالكاد يصدق أنه ماثل أمامه بالفعل، شعر بضياع الحروف وأنه لا يفقه شيء عن الكلام، فما عاد بمقدوره أن يتحدث، فتابع الآخر بسخرية وهو يرى تـ.ـو.تره بداخل عينيه :- إيه يا واد أبوي مفكر إني مهرچعش ؟ لاه دة بيت أبوي وبيت عيالي يعني لينا فيه كيفك بالظبط .
ثم حول بصره نحو البقية، ليلاحظ ابن أخيه الذي أصبح شابًا يافعًا، غير الذي تركه منذ أربعة عشر عامًا، وتلك الصغيرة التي كانت تركض في الفناء كَبُرت هي الأخرى، كم هي قاسية القلوب التي تحرمنا من عيش اللحظات بأمان وحب، لاحظ غياب الاثنتين ولكنه لم يكترث فكل ما يهمه الآن كيفية التصرف وفقًا لهذا الموقف، أردف بسخرية :- وه وعلمت عيالك قلة الأصل مش يقولوا إزيك يا عمي !
خرج عن طور صمته وقد قرر أن يرد له الصاع صاعين، فهتف بغضب :- كيف ما عملت مع وِلدك يا عامر .
رفع شفته بــــاستخفاف وردد بهدوء :- لاه أنا علمتهم الأصول، بس أديهم الفرصة أنت .
ثم نظر لأبنائه قائلًا بصرامة :- هِم يا وِلد منك ليه سلموا على عمكم .
لم يتزحزح منهم أحد، وكل ما كانوا يفعلوه هو إطـ.ـلا.ق نظرات صوبه، لو كانت رصاصًا لقـ.ـتـ.ـلت، ولو كانت نارًا لحولته لكومة رماد، تقدم الابن الأصغر الذي جز على أسنانه بعنف، فالود فوده يقسمه لنصفين، ولكنه لن يفعل ما يصغر والده، مد يده ليصافحه هاتفًا من تحت ضروسه :- أهلًا يا عمي كيفك ؟ ©بقلم زكية محمد
قال ذلك ثم سحب يده سريعًا، كما لو كانت عدوى ستصيبه، ليردها له بغيظ مكبوت :- يا مرحب بيك يا مؤمن، مش مؤمن بردك ؟
هز رأسه بموافقة وذهب ليقف إلى جوار والدته، بينما طالع "عامر" ابنيه وهو يحذرهما بعينيه بأن ينفذا ما قاله لتوه، زفر " خالد" بضجر وقد قرر الامتثال لوالده، فتقدم نحوه وألقى عليه التحية، ومن ثم وقف بعيدًا ينتظر ذلك الفهد الحبيس، والذي على وشك أن يفتك بفريسته .
لم يرفع مقلتيه عنه منذ أن وطئت قدماه المكان، ينظر له بحقد فهو لم ينسى ما فعله بهم، ولن ينسى وسيريه نتيجة خطأه الفادح ذاك، وأنه سينـ.ـد.م أشـ.ـد النـ.ـد.م على فعلته، أصطكت أسنانه ببعضها بقوة محدثة صوتًا، وأذنيه يخرج منهما نيران لو طالته لأردته قتيلًا .
سار تجاهه وهو على نفس الحالة، ليقف قابلته ويمد له كفه ببرود، ليصافحه الآخر وهو يزدرد ريقه بتـ.ـو.تر،
فضغط على كفه بقوة وكأنه يرسل له رسالة تحذيرية، بأن القادم لا يبشر بالخير .
جلس "عامر" على الأريكة براحة، وأردف ببرود :- لو مش هنتعب الشغالين حداكم خليهم ينضفوا الدور بتاعي وبتاع عيالي يا سالم، أصلنا چايين من سفر كيف ما أنت خابر .
ثم نظر لبقية أفراد عائلته مرددًا بثقة :- تعالوا أقعدوا لحد ما أوضكم تچهز، واقفين ليه ؟ تعالي يا چنا يا بتي أقعدي إهنة چاري .
امتثلت الصغيرة لطلبه، فمشت بخطوات بطيئة نحوه، وما إن وصلت عنده حملها ليجلسها على قدميه، ثم أخذ يلهو معها دون أن يكترث بالأوجه التي تكاد أن تنفجر .
بعد سويعات كان الطابق الخاص بهم على أتم استعداد لاستقبالهم، حيث قام العاملون بأخذ أمتعتهم ورصها بغرفهم، وبعد أن انتهوا نهض "عامر" قائلًا بخبث، وهو يراقب تعابير وجوههم بتشفي :- طيب تصبحوا على خير يا چماعة .
صعدوا للأعلى تاركينهم يغلوا كالمرجل، هتفت " زبيدة" بحقد :- كيف يا سالم تهملهم إكدة ؟ يعني دول هيعيشوا وسطينا ؟ لاه اعمل أي حاچة بس متخلهمش إهنة في الدار ويانا، دول تلات شباب وأنت حداك بتين .©بقلم زكية محمد .
نفض جلبابه بغيظ قائلًا :- همليني لحالي دلوك خليني أشوف النصيبة اللي حطت علينا دي .
ضغطت على فكها باحتداد ورددت بغل :- ماشي يا سالم لما نشوف أخرتها إيه .
"""""""""""""""""""""""
بعد أن انتهت من عملها، دلفت للداخل بإرهاق جلي، لاحظت الوجوم على وجه والده عنـ.ـد.ما مرت عليه أثناء دلوفها، وها هي تجد والدتها تفعل المثل، تقدمت نحوها قائلة بهدوء :- في إيه يا أما ؟
نظرت لها بإهتياج قائلة بحدة :- إخفي من وشي منقصاش هم هي، خليني في غلبي اللي أنا فيه .
تراجعت للخلف بفزع عنـ.ـد.ما صاحت بوجهها هكذا، وعلى وجهها إمارات الدهشة، توجهت للأعلى وقد قررت أن تسأل شقيقتها، توجهت للغرفة الخاصة بها وطرقت الباب، فسمحت لها الأخرى بالولوج، لتدخل هي قائلة بتعجب :- مت عـ.ـر.فيش إيه اللي حُصُل تحت ؟ كلاتهم قالبين وشهم !
تركت مبرد الأظافر من يدها، وهتفت بمكر :- وه أنتِ متخبريش إن عمك عاود ومعاه عياله .
شحب وجهها وارتجفت يديها بشكل ملحوظ، ورددت بتلعثم :- عمي عاود ! ميتا دة ؟
أجابتها بحالمية وهي تتذكرهم بمخيلتها :- من يچي تلات ساعات إكدة، بس إيه يا بت مقولكيش ولا النچوم .
أردفت بتهدج وتردد :- طيب و ... ومرت يحيى كيفها يعني ؟
أحنت رأسها للأسفل بأسف قائلة :- للأسف ميتة من زمان ياچي مقارب على التلات سنين إكدة .
شهقت بصدمة ورددت :- وه مـ.ـا.تت ! لا حول ولا قوة إلا بالله .
تطلعت لها بحاجب مرفوع قائلة :- وه زعلانة ! دة أنتِ المفروض تفرحي .
اتسعت عيناها بذهول قائلة :- إيه اللي بتقوليه دة ؟ أفرح في واحدة ميتة بدل ما أترحم عليها ! وبعدين أنا مالي ومالها ؟
مطت شفتيها بسخرية وقالت بخبث :- أيوة صُح مالك ومالها .
أخذ صدرها يعلو ويهبط بعنف، ومن ثم هتفت بهروب :- أنا رايحة أنعس .
تركتها وذهبت مسرعة تختفي بغرفتها، وما إن دلفت حررت حجابها وجلست على الفراش، وهي في حالة تيه كاملة تشعر بالضياع والتخبط، لا تعلم أتفرح أم تبكي ؟ أتفرح بعودة ذلك الفتى الذي تركها منذ أن كانت صغيرة ؟ أم تحزن لزواجه من أخرى حتى وإن كانت متـ.ـو.فية ؟
لمعت الدمـ.ـو.ع بعينيها، ترثي تلك الأيام التي كانت ترسم فيها حلم ليس من حقها، كم هي غـ.ـبـ.ـية بعقلها منذ أن كانت طفلة، يجب أن تستيقظ من ذلك الحلم الوردي، وترى الواقع حتى وإن كان مؤلم بالنسبة لها، وأن تنسى تمامًا الترهات التي نسجتها بعقلها، ثم راحت تفكر كيف ستلتقي به بعد كل هذه السنوات؟ وكيف يبدو ؟ هل تغير أم ظل كما هو ؟ أخذت تفكر وتفكر إلى أن أخذها قطار النوم، لتذهب في سبات عميق .©بقلم زكية محمد
♠♠♠♠♠♠♠♠♠
صباحًا خرجت من غرفتها وقد نوت على السير قدمًا، وأن لا تستسلم لجروحها، بل ستدهسها إن تطلب الأمر، ستسير للأمام وتنحي مشاعرها جانبًا، نزلت بهدوء وهي في حالة تأهب، لا تعلم كيف ستستقبل عمها وزوجته ؟ فهي تخشى من والدها ووالدتها، سحبت شهيقًا طويلًا وقد قررت التصرف على سجيتها .
ما إن وطئت قدماها الصحن الكبير، وجدتهم يجلسون في انتظار وجبة الإفطار، وقفت جـ.ـا.مدة وهي تتطلع إليهم بحنين، رفعت زوجة عمها عينيها نحوها، وابتسمت إبتسامة مشرقة قائلة بحب وهي تفتح ذراعيها لها :- شمس ! كيفك يا بتي ؟ أتوحشتك قوي .
ما كان أمامها سوى أنها لبت النداء، فركضت نحوها وأحتضنتها بشوق جارف قائلة بخفوت :- أتوحشتك قوي يا مرت عمي .
ربتت على ظهرها قائلة بدمـ.ـو.ع فرح :- وأنا كمان يا بتي، ولا زمان يا شمس، كبرتي و ....
قاطعتها قائلة بمرح :- وتخنت موعياش إياك !
ضحكت بخفوت وقد فطنت أنها حزينة لهيئتها تلك فأردفت بحب :- بس لساتك كيف القمر يا بتي .
ابتسمت لها بود، فهي تطيب جروحها عكس تلك التي تذكرها بعيبها، فتزيد من الفجوة بينهما، تابعت أمينة بمزاح :- روحي سلمي على عمك ولا نستيه .
هزت رأسها بحرج قائلة :- لاه منستهوش، كيفك يا عمي ؟
قالتها وهي تقبل يده باحترام فربت على رأسها بحنو قائلًا :- زين يا بتي، كيفك أنتِ ؟ يا زين ما ربيت يا سالم، مع أني أشك أنها تربيتك .
نظر له بغيظ شـ.ـديد من تلميحه، بينما تابع الآخر بهدوء :- أقعدي يا بتي والله زمان، سبتك عيلة صغيرة .
جلست في المنتصف بينهما، بينما رددت أمينة بحنان :- دول ولاد عمك مؤمن وخالد أكيد عارفاهم طبعًا .
هزت رأسها كعلامة للترحيب بهم، فرسموا لها ابتسامة بسيطة ممتنة، لتتابع الأخرى وهي تشير للصغيرة :- أما دي چنا بت يحي، تعالي سلمي على عمتك يا چنا .
تقدمت الصغيرة نحوها ومدت كفها قائلة :- أزيك يا عمتي ؟
بادلتها التحية بقلب يطرق بشـ.ـدة، وهي ترسم ابتسامة ضعيفة قائلة :- أهلًا يا حبيبتي كيفك أنتِ ؟
ابتسمت لها قائلة :- زينة يا عمتي . ثم وجهت سؤالها لجدتها، وكأن الأخرى بانتظاره :- وين بوي ؟
أجابتها بحنو :- راح شغله .
عبست ملامحها بضيق قائلة بتذمر :- مشي من غير ما يصحيني !
ربتت على شعرها قائلة بضحك :- معلش كان مستعچل، بس هيچيبلك وياه حاچة حلوة قوي .
اتسعت عيناها بفرح وهزت رأسها بلا بأس.
على الجانب الآخر غلت الدماء في عروقها، وهي ترى انسجام ابنتها معهم، ضاربة بقراراتهم التي اتخذوها مسبقًا عرض الحائط، ودت لو تبرحها ضـ.ـر.بًا على فعلتها تلك، فهي دومًا ما تتعبها لا تسمع لحديثها مثل أشقائها .
نظرت بصدفة لوالدها لتجده يطالعها بشر، فأخفضت عينيها على الفور وهي تردد بداخلها ماذا ستفعل للخروج من هذا المأزق ؟
هـ.ـر.بت من نظراتهم بانخراطها في الحديث مع زوجة عمها، والتي كانت تواقة لتعرف ما الذي حدث طيلة تلك السنوات التي غابوها بعيدًا عن بعضهم البعض .
استأذنت منهم للذهاب إلى الأعلى لإحضار متعلقاتها والذهاب إلى عملها، وما إن وطئت غرفتها وجدت قبضة قوية على ذراعها، وصوت هدر بعنف :- بقى بتكسري حديتنا يا هانم لأچل أمينة ؟
هتفت بضجر وضيق :- وه يا أما دي مرت عمي، وعمي وعياله يعني من لحمي ودمي، كيف رايداني محدتهمش وإحنا تحت سقف واحد .
جزت على أسنانها بعنف قائلة بتهديد وانفعال :- هي كلمة وهتسمعي الحديت رچلك فوق رقبتك .
نظرت لها بتحد قائلة :- وأنا مهاحربش حد معمليش حاچة عفشة .
صفعتها بقوة قائلة بغل :- فوقي يا بت ولا أمينة عملتلك عمل ؟ بقلم زكية محمد
وضعت يدها على وجنتها، تكبت الدمـ.ـو.ع بقهر، ثم أخذت ملتزمـ.ـا.تها وغادرت الغرفة كمن يطاردها شبح، بينما أردفت الأخيرة بغيظ :- بت فقرية وهتچيب أچلي قريب .
★★★★★*********★★★★★★*******
بعد العصر عاد من أسيوط، بعد أن تم إجراءات نقله لجامعة جنوب الوادي، بدى الأرق على وجهه وتجهم وجهه عنـ.ـد.ما لمح عمه، فمر عليه وألقى عليه التحية باقتضاب، مما أثار سخط الآخر، دلف للداخل ونظر حوله فوجد والدته التي استقبلته بوجه بشوش، سألها عن ابنته قائلًا :- وينها چنا ؟
هتفت ببساطة وهي تجلس قبالته :- مع شمس في المزرعة .
انتفض في مجلسه قائلًا بفزع وجنون :- ويا مين يا أما ؟ سايباها لعيال سالم ؟ وينها المزرعة دي، وينها ؟
رددت بهدوء وهي في دهشة من أمرها من حالته تلك :- متقلقش يا ولدي، دي هي شبطت فيها والبنية خدتها معاها .
صاح بغضب عارم أحدث جلبة في المنزل :- لو حصلها حاچة مش هبيت عمي ولا عياله إلا في الچبانة .
قال ذلك ثم هرول للخارج بسرعة البرق، وشغله الشاغل هو رؤيته لابنته سالمة نصب عينيه، فهو يخشى أن يصيبها مكروه من أبناء عمه الذين بالتأكيد ورثوا الحقد من والديهم، لذا أقسم إن لحق بها مكروه سيدفنها حية .
وصل للمزرعة في لحظات، بعد أن دله أحد العاملين على مكانها، كان في أتم استعداد للانفجار بوجهها كالقنبلة، ولكنه وقف متسمرًا في محله، عنـ.ـد.ما سمع ضحكات طفلته الرنانة التي ملئت الأرجاء .
كانت تمتطي مهرة صغيرة، والأخرى بالقرب منها خشية أن تقع فتلحق بها، هتفت "شمس" بحنو :- يلا يا چنا بزيادة إكدة عشان نعاود، هيقلقوا عليكِ .
هزت رأسها بنفي قائلة برجاء :- لاه خلينا كمان هبابة يا شمس .
هزت رأسها بــــاستسلام قائلة :- ماشي هبابة وهنزلك طوالي .
دلف للداخل لتصيبه الصدمة حينما وجد ابنته تعتلي ظهر المهرة الصغيرة، والأخرى تقف تراقبها وهي تبتسم لها، ولكنه اندفع نحو " جنا" فجأة، فاصطدم بالأخرى التي تراجعت للخلف وهي تحاول أن تتزن كي لا تسقط، فتعثرت في إحدى الأخشاب التي غُرزت بحذائها ومن ثم قدمها، كتمت أهة كادت أن تخرج من ثغرها وهي تنظر لذلك الأحمق، لتصيبها صاعقة كهربائية حينما علمت من هو، وكيف لا تعرفه وقلبها الذي يضخ طرقاته بعنف منذ لحظات، وكأنه بانتظار رؤيته .
احتضن الصغيرة وأخذ يتفحصها بلهفة قائلًا :- فيكِ حاچة، أنتِ زينة ؟
هزت رأسها بتأكيد قائلة بخفوت :- أنا زينة يا أبا، عمتي شمس ركبتني الفرسة الصغيرة حلوة قوي يا أبوي .
التف بجسده نحوها، ليتطلع لها لأول مرة بعد تلك الأعوام الطويلة، لقد تغيرت لم تعد تلك الطفلة البلهاء والتي كان يدعوها ب " سوكة العبـ.ـيـ.ـطة"، خرجت كلمـ.ـا.ته الصارمة وهو يوبخها على استهتارها ذاك :- أنتِ كيف تركبي عيلة صغيرة الفرسة، أفرضِ وقعت واتكسرت ؟
قبضت على يدها بألم، وتحلت بالصبر قدر المستطاع، رسمت ابتسامة ساخرة خطت وجهها، فهو لن يتغير أبدًا ذلك الأبله، نظرت له بتحدٍ قائلة :- والله أنا كنت مرعيالها زين، متخافش عليها مهقـ.ـتـ.ـلهاش يعني .
هدر بانفعال :- ولا تقدري تهوبي نحيتها، لا أنتِ ولا اللي يتشـ.ـددلك . ©بقلم زكية محمد
هزت رأسها بعنف، وكأنها تعنف ذاتها، أهذا الذي تنتظره طيلة تلك المدة ؟ لقد تغير كثيرًا وللأسوأ، يا للحسرة !
أصطكت أسنانها بعنف قائلة بحدة :- بقولك إيه يا أخينا أنت بتك أها چارك صاغ سليم، ملهاش عازة النفخة الكـ.ـد.ابة دي .
رفع حاجبه بــــاستنكار قائلًا :- أنتِ هبلة !
هزت رأسها بنفي قائلة بدون وعي :- لاه، أنا شمس .
توقفت فجأة وهي تشعر بقطار الزمان عاد للخلف، وخصيصًا عند ذلك الموقف، ابتسمت بحنين لتلك الذكرى، وبداخلها يثور متفاعلًا بكل خلية مع الحدث .
لاحت طيف ابتسامة على ثغره، فيبدو أنها كبرت تاركة عقلها عند تلك المرحلة، استعاد ثباته قائلًا بــــاستفزاز :- وعبـ.ـيـ.ـطة كمان، اه صُح مش اسمك سوكة العبـ.ـيـ.ـطة ؟
اتسعت عيناها بغل من إهانته تلك، فرفعت إصبعها بوجهه قائلة بتهديد :- بطل حديتك العفش دة، وإلا ....
طالعها بتحد قائلًا :- وإلا إيه ؟ هتعملي إيه يعني ؟
وصلت لأعلى مراتب الكمد، وقد نست ألم قدمها الذي تسبب فيه كعادته، ثم بحركة بلهاء منها توجهت نحو حقيبتها وأخرجت حقنة خاصة بتطعيم الحـ.ـيو.انات وقالت بوعيد :- هدخل الحقنة دي في چتتك المنحسة دي وأخلص منك .
رفع شفته بــــاستخفاف وردد بتهكم :- روحي العبي بعيد يا سوكة، أنتِ مخبرانيش زين .
صرخت بحدة وهي على وشك البكاء، فقد سئمت السخرية وخاصة الموجهة لها منه بالتحديد :- أمشي من إهنة يا لطخ .
عض على شفتيه بغيظ مكبوت من هذه البلهاء، التي تهذي بما يجعله في قمة احتداده وهو لا يريد ذلك، فلو خرجت قسوته لعصفت بها في الحال، أنزل الصغيرة أرضًا، ثم توجه نحوها بخطوات دبت الوجل بداخلها، راقبها بابتسامة متشفية وهو يود أن يضحك رغمًا عنه، فهي تبدو كالأوزة في مشيتها .
رجعت للخلف وهي تفكر في حياة للفرار منه،
داست على قدمها المصاب لتطلق صرخة خافتة، فأردف بسخرية :- مالك چبتي ورا ليه دلوك ؟
أردفت بألم جلى على قسمـ.ـا.ت وجهها :- بَعِّد يا يحيي، رچلي وچعاني ورايدة أمشي .
هز رأسه بعدم تصديق، وهو يظن أنها خدعة منها :- وچعاكِ موچعاكيش أتقي شري أحسنلك، ولسانك دة تربطيه بدل ما أقطعه وأعلقهولك على باب البهايم دي اللي فرحانة بيها .
قوست شفتيها بأنين، ولم تهتم بما قاله بل اتجهت للخارج وهي تعرج فالألم اشتد عليها، ولم تستطع التحمل أكثر من ذلك، تعجب هو فقد كانت تقف سالمة منذ لحظات، ولكنه سرعان ما تذكر دفعه لها، فيبدو أنها تأذت بسببه، زفر بضيق من نفسه على تسرعه، فيبدو أن لقاءاتهم سيئة الحظ وللغاية، نادى بــــاسمها لعلها تتوقف، ولكنها لم تعيره انتباه بل أكملت سيرها، وهي تسبه بأفظع الشتائم وهي تود لو تعود وتلكمه بوجهه، ذلك القاسي متبلد المشاعر، هي تهفو له شوقًا بينما قابل ذلك بكل برود .
اغتاظ منها وأسرع من خطواته، فوقف قبالتها قائلًا بغلظة :- مش بنادي عليكِ ولا خرستي !
لم ترد عليه مما أشعل فتيل الغضب بداخله، فقام بجذبها من ذراعها بقوة، فأخذت تتململ في محاولة منها للتحرر من قبضته، فأختل توازنهما، فسقطا أرضًا لتطلق هي صرخة مدوية .
في تلك الأثناء كان في طريقه للمزرعة، فمنذ أن علم أنه متوجه لأخذ ابنته، أسرع ليتفقد ابنته هو الآخر فمكوثهم معًا لا يجوز، لتصيبه الصدمة حينما رأى ذلك الوضع، فخرجت كلمـ.ـا.ته قائلًا بصياح :- بتعمل إيه يا ابن ال ****** .
______________________________________
↚
أثناء سقوطها تشبثت به كمحاولة لعدم الوقوع، اختل توازنه ليجثو فوقها، في نفس اللحظة التي أتى بها والدها، والذي فارت دمائه ما إن رأى هذه الوضعية، ليصـ.ـر.خ بجنون :- بتعمل إيه يا ابن ال **** ؟
أغلق عينيه بعنف، وهو يطـ.ـلق سبابه على حظه العثر الذي وضعه في مثل هذا الموقف، نهض مسرعًا ووقف قائلًا بثبات :- مبعملش حاچة ! هكون بعمل إيه عاد ؟
نهضت هي بحرج وصعوبة، وكل ما يهمها أن ترى مدى إصابتها تلك، بينما تقدم أباها منها ومسكها من ذراعها بخشونة وزمجر باعتراض :- إيه اللي أنا شوفته دة ؟
أصبحت كالفأر المذعور والذي وقع في المصيدة ينتظر حتفه، خرجت حروفها المشتتة كحالها تعبر عما هي فيه :- والله يا أبوي مفيش حاچة من اللي في بالك دي، أنا وقعت .
رفع حاجبه بــــاستهجان مرددًا بسخط وتهكم :- وهو إيه اللي وقعه ؟ ولا الهوا رماه !
تحدث هو أخيرًا بثقة وجمود :- رچلها متعورة بقولها وقفي مسمعتش الحديت، اتكعبلت في الحچر وروحت ألحقها بس وقعت وياها .
غمغم بانفعال :- عيل صغير هتضحكوا عليه إياك ! واد أنت أنا مستعد أدفنك مطرحك ومحدش هيعرفلك طريق چرة، أرچع من اللي أنت ناويه .
ردد بمكر وهو يضع يديه في جيوب بنطاله :- وأنت خابر باللي ناويه ؟ رايد تصدق صدق مرايدش دي حاچة ترچعلك، چنا يلا عشان نعاود .
اكفهر وجهه وتحول إلى شعلة نار تتصاعد أدخنتها منه، وأردف بفحيح ووعيد :- بنتتي خط أحمر، لو قربت لواحدة منهم هتشوف يا واد عامر .
مال ثغره بابتسامة ساخرة وردد بــــاستخفاف :- وأنا مالي ومالهم، أوعى تعمل لروحك حچم أكبر، لا أنت ولا عيالك يهموني .
زجر بغيظ واحتدام :- احترم حالك، أنت بتحدت عمك .
رفع حاجبه بــــاستنكار قائلًا بازدراء :- لما تكون عم صُح، ساعتها هحترمك يا ....يا عمي، بينا يا چنا .
قال ذلك ثم انصرف مسرعًا برفقة ابنته، بينما وجه الآخر حدقتيه لتلك التي كادت أن تفقد وعيها إثر خوفها منه، وتابع بصرامة :- اسمعي أما أقولك لو لقيتك في مطرح وياه هقـ.ـتـ.ـلك، سمعاني ؟
هزت رأسها بسرعة توافقه الرأي، فدفعها وتوجه للداخل ليتفقد الماشية والخيول. جلست هي أرضًا وقد استغلت عدم وجود أحد، خلعت حذائها بحذر فشهقت بذعر وهي تطالع ذلك الجرح، وتساءلت كيف تحملته ؟ ابتسمت بمرار يضاهي أبدًا الجرح الذي يكمن بقلبها، والذي إن حشـ.ـدوا جميع الأطبة لن يقدروا على مداواته، تحدثت بنبرة مرحة كي تخفف عن نفسها فرفقًا بها :- قعدتي تقولي يحيى، أها يحيى اللي فرحنالي بيه يا خيتي، چاه خابط في نافوخه، مفيش مرة أسلم منيه أديني اتعورت .
فتحت حقيبتها وقامت بإسعاف قدمها، ونهضت تسير ببطء في طريقها للمنزل، لاحت ابتسامة بلهاء تراقصت على ثغرها، تتذكر قربه منها بهذا الحد المهلك، لتقوم فجأة بضـ.ـر.ب رأسها بقوة قائلة بتوبيخ وخذي :- إيه اللي بتفكري فيه دة ؟ بقيتِ قليلة الحيا .© بقلم زكية محمد
★★★★*****★★★★****★★★★****
في المنزل جلست الصغيرة على قدمي جدتها، وأخذت تقص عليها كل شيء، فاتسعت عيناها بفزع خوفًا عليها من أن يطولها غضبه، وربما يصل به الأمر إلى أن يضـ.ـر.بها، زفرت بـ.ـارتياح عنـ.ـد.ما وجدتها تدلف، ليصيبها القلق مرة أخرى فور رؤيتها تسير بشكل غير مستقيم، لتفطن أن قدمها قد تأذت كما أخبرتها الصغيرة، نهضت تمسك بساعدها قائلة بشفقة وغيظ من الآخر :- كيفها رچلك يا بتي ؟
قطبت جبينها بتعجب، فأسرعت الأخرى توضح لها :- چنا حكتلي .
رددت بخفوت :- حاچة بسيطة يا مرت عمي متحمليش هم .
أخذت بيدها إلى إحدى المقاعد وجلست مرددة بحنو :- طيب تعالِ إرتاحي إهنة .
ثم همست بغيظ مكبوت :- يچازيك يا يحيى ودي عملة تعملها في البنية !
نزلت "زبيدة" من الأعلى وهي تطالع غريمتها بغل، لتقابلها الأخرى بعدم اكتراث، صاحت بصوتها العالي موجه لابنتها، التي تطلعت لها بعتاب على ما ارتكبته في الصباح، إلا أن الأخرى قابلتها بجمود وهتفت بكمد مكبوت :- أنا قولتلك ايه يا بت ؟ مبتسمعيش حديتي ليه ؟
قوست حاجبيها بألم وأسى قائلة بوجع :- أنا أتعورت يا أما ومرت عمي بتطمن علي .
صاحت باحتدام عارم مصحوب بقسوة ألمتها :- إتعورتي ما إتعورتيش تسمعي حديتي وبس .
أردفت بسِقَم مصحوب ببعض الحدة :- يا أما بقولك أتعورت افهمي بقى .
اتسع فاها بذهول قائلة :- بتزعقيلي يا بت ! هي دي آخرتها !
انهمرت الدمـ.ـو.ع وفاضت متخذة وجنتيها مجريان، فقد ضغطت نفسها بما فيه الكفاية لتدعي الثبات، فاض الإناء بما فيه ولم تعد تتحمل فأردفت بصوت مختنق :- حقك علي يا أما، بس كنت رايدة أشوف لهفتك وخوفك علي، تقوليلي مالك يا نضري إيه اللي صابك .
صمتت قليلًا لتكمل بعدها بسخرية يشوبها القهر :- بس نسيت إني مش راضي .
قالت ذلك ثم صعدت للأعلى بخطوات وئيدة، بينما طالعت "أمينة" الأخرى بعتاب قائلة :- يا عيب الشوم لو تربايتك إنك تفرقي بيناتهم، كلاتهم عيالك بدل ما تواسيها بتكسريها !
حملقت فيها بأعين تشع كرهًا ورددت بعنجهية :- ملكيش صالح أنا أدرى بتربية عيالي، ولا هتعملي أبو العريف إكمنك أم الوِلِدة !
نتأت عيناها بصدمة من تفكيرها ذاك، وأردفت بعدم تصديق :- لساتك فيه الموال دة ؟ ما أتغيرتيش ! أرضي بنصيبك يا زبيدة عشان ربنا يكرمك .
أردفت بحقد خلفته السنوات فلم يضمحل :- اه طبعًا ما أنتِ مش هامك حاچة، مش أم الولاد !
صاحت بحدة :- ومالهم البنتة ؟ دة أنا دعيت ربنا يرزقني ببنية واحدة حتى، لكن مارادش أقوم أعترض! دة أنا من لهفتي ليهم اعتبرت بتك بتي ويشهد ربنا . ©بقلم زكية محمد
غمغمت بسخط وهي تلوح بيدها بعدم إهتمام :- أها عندك أها اشبعي بيها، شيلتني الهم بدري بدري .
جعدت أنفها بغرابة لتردف بتساؤل :- ليه مالها شمس ؟ دي زينة البنتة !
هزت رأسها بسخرية قائلة بوجوم :- اه صُح زينة البنتة، البنتة اللي من دورها معاهم عيال راحوا المدارس، وهي قاعدالي إكدة قال هتتعلم ومخبراش إيه، وأدي اللي خدناه من العلام .
زفرت بحنق وأردفت بهدوء :- وايه يعني ! بكرة ياچيلها نصيبها وتفرحي بيها .
مطت شفتيها بعدم استحسان قائلة :- إممم مبينلهاش إكدة، وأيمنات المسلمين ما ياچيلها أي واحد إن شاء الله يكون أعور لأچوزهاله .
قالت ذلك ثم انصرفت مسرعة، بينما ضـ.ـر.بت الأخيرة كف بآخر بقلة حيلة، وهي تشعر بالحزن نحو تلك المسكينة، ورددت بخفوت وتمني :- ربنا يعينك يا بتي، هو اللي فيكِ من شوية !
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
بعد مرور ثلاثة أشهر، تسير بغنج في حديقة المنزل الخلفية، تنفذ خطة والدتها والتي أتفقت عليها مسبقًا، ابتسمت بمكر وهي تلمحه مقدمًا نحوها، عدلت من هيئتها ورسمت ابتسامة عريضة على صفحة وجهها البيضاء، بادلها إياها بعبث وأقترب منها قائلًا :- يا مساء الورد على أحلى بت في الصعيد كلاته .
ابتسمت بخجل مصطنع وهتفت بخفوت :- وه يا خالد بطل حديتك دة بتخچلني .
أردف بحب وهو لا يصدق نفسه أن بعد كل ذلك العبث الذي كان يفعله، يقع في الحب وحب من ؟ ابنة عمه الذي بينهما عداء وعدم إتفاق :- ما أنا بحب أخچلك .
ضـ.ـر.بته بخفة على ذراعه قائلة بتوبيخ :- وه ! بزيداك عاد .
قهقه بصخب، بينما وضعت هي يدها على ثغره قائلة بتحذير :- وطي حِسَك لحد يسمع وتبقى نصيبة .
قبل يدها بمكر لتسحبها وهي تشهق بعنف قائلة :- خالد ! لو مبطلتش عمايلك دي مهقابلكش تاني واصل .
سحبها من يدها لإحدى الزوايا قائلًا بخبث :- تعالي بس أتوحشتك قوي، ورايد أسلم عليكِ بضمير .
أبعدته بحذر قائلة بضجر :- خالد وبعدهالك عاد !
ضحك بخفوت وهو يرفع يديه بــــاستسلام، بينما رددت هي بخبث :- خالد ميتا هتتقدملي ؟ ولا هنفضل إكدة في الضلمة !
تصلب جسده فجأة، وابتعد عنها فقدومه على أمر مثل هذا صعب، فالوضع متأزم بين الطرفين، وإن تحدث مع والده بهذا الشأن فالبتأكيد سيرفض، انتشلته هي من أفكاره عنـ.ـد.ما تابعت بمكر أفعى للإيقاع به في شباكها كما طلبت منها أمها :- وه أنت مرايدنيش ! خلاص أروح للي يستاهلني ورايدني .
جذبها من معصمها بقوة صائحًا بحدة :- مين دة يا بت اللي رايدك ؟ انطقي .
أجابته بحزن متقن :- أخوك يحيى سمعته بيتحدت ويا أبوك، وأنت لو ما أستعچلتش هوافق عليه .
اعترته الصدمة مما سمعه منها، يحيى الذي عزف عن الزواج منذ وفاة زوجته يريد الزواج منها ! وكيف يحدِّث والده في مثل هذا الموضوع ؟ أليس من المفترض أن ذلك ممنوع ؟
أردفت برجاء ودلال أنثوي، كان لسحره الخاص تأثير عليه :- بس متقولش لحد وحياتي عنديك، دول مكتمين على الموضوع وعمي قال إنه هيفاتح أبوي بس هبابة إكدة .©بقلم زكية محمد
صدمة أخرى أصابته، وهو يحلل موافقة والده وعدم اعتراضه، جذب خصلات شعره بغيظ، أمن بين كل الفتيات يختار من اصطفاها قلبه ؟ أخذ يهز رأسه بدون هوادة، وبدأ صدره يعلو ويهبط بعنف، ومن ثم صعد للأعلى وهولا يزال تحت تأثير الصدمة .
تعجبت من حالته تلك، ولكنها أردفت بانتصار :- هانت خلاص واللي أنتِ ريداه يا أما هيحصل .
""”"""""""""""""""""""""""""""""""""""""
بالداخل كانت تقف في شباك المطبخ المطل علي الطريق الرئيسي تنتظر قدومه كالعادة، لا تعلم كيف حدث هذا، ولكنها باتت غارقة في بحور حبه في تلك الأشهر البسيطة، تنهدت بحسرة فهو حتى لا يعرف هيئتها، فكيف ستصل له عوضًا عن مكانتها التي تحول دون ذلك .
وكزتها والدتها قائلة :- بت يا وچد بكفياكي قعاد في الشباك وتعالى شوفي شغلك .
هتفت بضجر وضيق :- حاضر يا أما استني هبابة.
أردفت بتعب :- يا بت مقدراش أناهت معاكي إسمعي الحديت .
تقدمت واقفة أمام الحوض، وأخذت تجلي الأطباق التي بحاجة للغسيل قائلة بضيق :- حاضر يا أما أديني چيت أها .
هتفت عطيات بهدوء وهي تقطع الخضروات :- اسمعي يا بتي إحنا إهنة عشان لقمة عيشنا مش عشان أي حاچة تاني، سامعة ؟
توقفت عما تفعله قائلة بتعجب :- قصدك إيه يا أما؟
نظرت لها بتمعن قائلة :- قصدي إنك تفوقي هبابة من اللي انتي فيه ومتقطعيش عيشنا بيدنا .
أردفت بدهشة :- يا أما إتحدتي زين مفهماش حاچة واصل .
أردفت بحدة :- قصدي قعادك في الشباك كل يوم تنضري واد عامر لنصاص الليالي يا وچد إيه فكراني موخداش بالي إياك !
زاغت أنظارها في المكان وهي غير قادرة على النظر لوالدتها بعد إفشاء أمرها، بينما نهضت والدتها ووقفت قبالتها ومسكت كتفيها قائلة بحنان :- بصي يا بتي أنا خابرة إنك هتحبيه بس يا بتي لا إحنا من توبهم ولا هما من توبنا خلينا چار الحيط أحسن ناكل عيش.
هتفت بأسي ودمـ.ـو.ع مكتومة :- حاضر يا أما حاضر هقعد چار الحيط بس والله يا أما غصب عني حبيته و أصلاً هو ما يعرفنيش غصب عني يا أما .
أردفت بهدوء:- خابرة يا بتي بس إحنا ما رايدينش مشاكل إحنا في غني عنيها الحمد لله إننا لاقيين لقمة وبيت يسترنا معوزينش دة يضيع في غمضة عين .
هزت رأسها بموافقة، وتوجهت لتكمل عملها وعبراتها تتساقط بغزارة رغماً عنها على ذلك العشق الذي تكنه له وهو لا يدري به من الأساس، حبست شهقاتها حتى لا تصل لوالدتها ولكنها لم تستطع .
تنهدت والدتها في حزن شـ.ـديد على ابنتها وكم تتمنى لها الخير والسعادة ولكنها تخشى من أن يعلم الجميع بذلك ، فبالتأكيد سيقومون بطردهم وسيعودون للذل مجدداً بعد أن نسوه، هزت رأسها بنعم هذا هو القرار السليم فهي إن تعرضت للذل لن تعرضه لابنتها الوحيدة بل ستعمل بجد حتى توفر لها حياة هانئة.
مسحت عبراتها وهي تنظر لها بأسي وعقلها يعود للخلف لسنوات كانت الجحيم بالنسبة لها حتى كرمها الله بتلك الوظيفة عندهم، تنهدت بحزن دفين ودعت الله بداخلها أن يبرد قلب ابنتها مما هي فيه وان يرشـ.ـدها إلى الصواب.
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°^^^^^^^^^^^^^^^^^
تجلس بزاوية في حجرتها، دمـ.ـو.عها تنزل بغزارة نـ.ـد.مًا وحزنًا على ما اقترفته يداها، فقدت شهيتها وحماسها منذ أن علمت الوجه الآخر له، حذرتها صديقتها مرارًا وتكرارًا بأن لا تخط خطوة في ذلك الطريق، ولكنها لم تستمع لها بل سارت به، وها هي تجني ما زرعت، فقد علمت بأنه اتخذها مجرد رهان لعين تحدى به رفقائه، وفاز به بجدارة عنـ.ـد.ما وقعت هي تحت تأثير كلمـ.ـا.ته المعسولة، واهتمامه المبالغ بها والذي لم يفعله أحد قط معها، حتى صدقته لتسقط من سفح جبل أحلامها على أرض الواقع بقوة، لا يهمها ذلك بقدر ما فعله ذلك الخسيس معها مؤخرًا، فبات يعترض طريقها أمام المارة، والذين بالطبع سينسج خيالهم أحجيات مختلفة، نهرته في كل مرة ولكنه مصر على موقفه، وما قاله لها اليوم بالتحديد جعل الخوف يتسلل إلى جميع خلاياها، حيث عودة بالوقت إلى صباح اليوم، شهقت بذعر عنـ.ـد.ما وجدت من يجذبها إلى خلف إحدى الأشجار الكبيرة، وكمم ثغرها بشـ.ـدة بحيث يوأد أي محاولة منها للصراخ، اتسعت عيناها بوجل ما إن رأته، بينما مشط كل إنش بها بعينيه الماكرة وهتف بخبث :- وه ما تهمدي أومال خليني أتحدت وياكِ، هشيل يدي بس لو طلعلك صوت هقول إنك معاي برضاكِ .
هزت رأسها بموافقة، فأزاح يده وهو مازال يكبلها بيديه مرددًا بمكر :- بتتمنعي ليه دلوك ما كنا حبايب !
أردفت بمقت وهي تنظر له باحتقار :- رايد إيه يا راضي ؟
أردف بهمس خطر :- رايدك أنتِ يا حلوة، هكون رايد إيه يعني !
برزت مقلتاها بشـ.ـدة، وقامت بدفعه بكل ما أوتيت من قوة، ورددت بكره وتهديد :- لو مبعدتش عن طريقي هفضحك في البلد كلاتها .
ضحك بجلجلة حتى خافت أن يراهم أحد، ليردف هو بتهكم ووعيد :- دة أنتِ اللي هتتفضحي لو مسمعتيش حديتي، أنتِ هتاچيني بكرة عند الساقية القبلية، ولو مچتيش يبقى چنيتي على روحك .
قال ذلك ثم تركها وهو يطـ.ـلق صافرات عابثة، دبت الهلع بقلب الأخرى تتنفس بسرعة، وكأن الهواء أخذوه من محيطها، إن نفذ ما قاله ستكون حينها تحت الثرى لا محال، تابعت السير بخطوات متعثرة حتى وصلت، لتستقبلها صديقتها التي ما إن رأتها، أخذتها بعيدًا عن مرمى الفتيات، وسألتها بقلق يعصف بذهنها :- فيكِ إيه ؟ متلچة إكدة ليه ؟
زاغت أنظارها بالمكان، ثم راحت تقص عليها ما حدث، لتردف بحدة وغضب :- تستاهلي، ياما قولتلك بلاها الطريق العفش دة مسمعتيش كلامي، شوفي كيف هتتصرفي في النصيبة دي يا فالحة .
جلست في إحدى الأركان، وانفجرت بالبكاء فهي تستحق كل كلمة قالتها، لولا تحديها مع الأخرى ورأسها الصلد، ما كانت عانت كل ذلك .
شعرت بالشفقة نحوها فكانت فظة معها، ربتت على ظهرها بلطف قائلة بلين :- خلاص بطلي عاد، هو البُكا هيحل الموضوع ؟ روقي إكدة لحد ما نشوف صرفة .
أردفت ببكاء وتهدج بصوتها :- أبوي لو شم خبر هو وأخوي هيدفننوني بالحيا، يا مرك يا ملك هتعملي إيه دلوك في الوقعة المربربة دي ؟
صرخت بحدة فجأة :- والله لو حصلت أقـ.ـتـ.ـله لأقـ.ـتـ.ـله .
نهرتها بغيظ مكبوت قائلة :- تقـ.ـتـ.ـليه ! طيب اكتمي دلوك وخلينا نفكر بالعقل، تعالي اغسلي وشك وقومي نحضر الحصص وربك يعدلها .
بعد إنتهاء اليوم الدراسي، أخبرتها بأن لا تذهب مهما كلفها الأمر، فإن ذهبت ستخسر الكثير فسلامتها أولًا قبل أي شيء، وأنها ستظل معها وستسير لمنزلها برفقتها حتى تتأكد أنه لن يتعرض لها .
عودة للوقت الحالي، تنهدت بعمق وقد حسمت أمرها أنها ستأخذ جميع احتياطاتها، لن تتركه ينال منها أبدًا ومهما حدث، نعم هذا ما ستفعله إذ نهضت تدس السكين التي بحوذتها والتي أخذتها خلسة من المطبخ الخاص بهم، ووضعتها بحيقبتها وهي تمسح عبراتها بعنف، ولمعة شر طغت على عينيها بأنها ستتصدى له وإن كان هذا آخر ما ستفعله بحياتها...
**********************************
↚
على طاولة الطعام، ينغمس الجميع في تناول وجبة إفطاره، ومشاعر جمة تحلق فوق رءوسهم، ورائحة الغل النتنة التي تغطي على المكان .
كانت تلتهم الطعام كعادتها دون أن تلاحظ تلك الأنظار المصوبة نحوها، ساد الصمت قبل أن تقطعه تلك التي هتفت بتوبيخ دون أن تراعي لشعور ابنتها وأنها احرجتها وسط ذلك الجمع :- بزيداكي وكل هتروحي لوين تاني؟
تحول وجهها إلى اللون القرمزي حرجًا وتمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها من فرط الخجل، نهضت تتخبط بدون هوادة وخرج صوتها المتألم :- عن أذنكم أنا ماشية يا أبوي.
هز رأسه بدون اكتراث، لتسرع هي راكضة بأقصى استطاعتها وعنـ.ـد.ما توارت عن الأعين، جلست بإهمال على العشب تتنفس بسرعة، ترثي حالها ككل مرة، ما ذنبها ؟ أكل هذا لأنها بدينة ! سئمت تلقي الإهانة سواء بالداخل أو بالخارج، فأصبحت ترتدي ملابس فضفاضة للغاية حتى لا تظهر سمنتها ولكنها لم تسلم من أذيتهم طوال تلك المدة.
علت شهقاتها وملئت المكان، انتفضت في مكانها عنـ.ـد.ما لامست كف صغيرة ذراعها علمت لمن صاحبتها، رفعت وجهها نحوها فجلست الصغيرة قبالتها ومدت يديها وأزالت عبراتها قائلة بحنو :- متبكيش تاني يا شمس.
ثم مدت لها بالطعام قائلة بخفوت وهي تهمس لها بجوار أذنها وكأنه سر عظيم :- متقوليش لحد أنا علطول هچبلك الوكل إهنة من غير ما حد يدرى.
ابتسمت لها بحب ومسدت على خصلاتها الناعمة، وربتت على يديها التي تحمل الطعام قائلة :- لاه أنا شبعت يا چنا كُلي أنتِ.
ذمت شفتيها قائلة بعبس طفولي محبب :- لاه أنتِ مكلتيش حاچة أنا شوفتك زين.
نهضت من مكانها تجنبًا للجدال مع تلك الصغيرة التي تنتبه لكل شيء وقالت بتهرب :- هروح المزرعة، يلا أدخلي أنتِ عند چدتك قبل ما أبوكِ يوعالك وتبقى مشكلة . بقلم زكية محمد
قالت ذلك وانصرفت بقلب مفطور، لا تعلم من أين تبدأ مداواته؟ من جانب التنمر الذي تتعرض له من الصغير قبل الكبير، ولا على حديث والدتها الذي يسم بدنها، ولا على ذلك الحبيب الذي كلما ظنت أن طريقهم تقلصت مسافته تجد بلدان بينهما؟
تنهدت بأسى وهي تعنف ذاتها ككل مرة قائلة بتوبيخ :- وه يا شمس ميتا هتفوقي؟ بلاها هم ووچع بزيدانا اللي إحنا فيه.
أنهت كلمـ.ـا.تها ورسمت شبح ابتسامة على فيها، وتابعت سيرها نحو المزرعة .
يتناول طعامه بهدوء ظاهريًا، وبداخله يخوض قتالًا عنيفًا كي لا يصـ.ـر.خ بحبها أمام الجميع الآن، تطلع لشقيقه بامتعاض لم اختارها هي من بين كل الفتيات؟ لم يريد أن يحرمه من سعادة يتوق لعيشها معها ؟، هوى قلبه بين قدميه عنـ.ـد.ما سمع صوت ضحكتها الخافت، تجهم وجهه وهو يتذكر طلب أخيه من والده، لا سيتصرف بسرعة لن يدعها تذهب كالسراب من أمامه، سيحاول فعل المزيد للفوز بها، لا لن يتركها له فهي ملكية خاصة به وانتهى الأمر .
تنظر له بكبرياء أنثى قـ.ـا.تل، وهي تبتسم بخبث لعلومها مدى سيطرتها وهيمنتها على سلطة قلبه، وهذا ما أشبع غرورها الأنثوي، وجعلها تتكبر أكثر على تكبرها الذي لا سطح لديه ليقلل من جماحه، ولم لا وهي الجميلة مقارنة بشقيقتها في الهيئة فهي تهتم بذاتها بكثرة مستغلة الأسلحة المتواجدة لديها، نظرت لوالدتها بنظرات ماكرة وترسل لها بمقلتيها رسالة تنص على أن كل شيء يصير كما هو مخطط له، لتبادلها الأخرى ابتسامة خفيفة، وهي تهز رأسها بأن هذه هي ابنتي .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
سارت بخطوات شبيهة للسلحفاة، تشعر بأنها شاه مقدم على النصب، تباطئت أنفاسها حتى كادت أن تنعدم، تجر قدميها بصعوبة نحو موتها المحتم، قبضت على السكين التي بالحقيبة، وكأنها جندي يحرسها وسيقوم بالدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة، أخذت تلتف يمينًا ويسارًا في ذعر، وهي تشعر بكم هائل من الأعين تحوم حولها، لوهلة فكرت في العودة وليفعل ما يفعل، ولكنها عنـ.ـد.ما تذكرت شقيقها شعرت بدوار شـ.ـديد، لعلومها بالنتائج المترتبة على ذلك إن شم خبر، وصلت للمكان المطلوب، الذي يخلو من أي صوت عدا نبضات قلبها التي في سباق مع الزمن، هزت رأسها بتصميم قائلة بتوبيخ :- أنا إيه اللي أنا بعمله دة ؟ لازمًا أعاود دلوك .
وما إن استدارت لتغادر، صرخت بفزع حينما أطبق بكفه الغليظ على ذراعها الرقيق، وهتف بخبث :- على وين يا حلوة ؟ ما لسة بدري !
تململت حتى نجحت في فك يده التي كانت بمثابة جمر، وهتفت بغضب منها ومنه :- رايد إيه يا راضي ؟
شملها بنظراته الوقحة من أعلاها لأسفلها قائلًا بعبث :- يعني واحدة چاية لواحد حتة مقطوعة زي دي في عز القيالة هيكون رايد منها إيه !
كادت أن تفقد وعيها إثر استيعابها لكلمـ.ـا.ته، وأردفت بهمس تترجاه أن يتركها :- حـ.ـر.ام عليك يا راضي، أنت معاك خوات بنتة ترضى حد يعمل فيهم إكدة ؟
رفع شفته العليا بابتسامة تهكمية قائلًا :- والله لو خواتي زيك كنت دفنتهم مطرحهم .
اتسعت عيناها بهلع قائلة :- هملني أمشي يا راضي وأنا والله ما هقول لحد واصل .
قهقه بصخب وما كان صدى ضحكه إلا نيران أحرقتها، تراجعت للخلف بذعر وقد حسمت أمرها في الهروب، إلا أنها وقعت في عرين الأسد، علمت بأنها النهاية لا محال وسيقـ.ـتـ.ـل روحها، ولكن قبل أن ينفذ ما يجول بمخيلته، ظهر شقيقها من العدم والذي كان مفاجأة لهما، على الرغم من الوهل الذي تعانيه، إلا أنها اطمأنت لوجوده إلى جوارها .
توجه نحوهما وسحب شقيقته بعيدًا، وطالع الآخر بكمد عاصف وجلجل بصوته كله :- بتتعدى على عرضي يا راضي ؟ طيب وديني ما أنا ههملك النهاردة .
قبل أن يسدد له اللكمة هتف " راضي" بسخرية :- طيب ما تتفرعنش قوي إكدة وتعمل فيها سبع الرجـ.ـا.لة، مش تشوف إختك اللي ختماكم على قفاكم وبتتحدت وياي في التلفون ؟
جن جنونه وقد تلبسته الشياطين توسوس له بالسوء، فتابع بغضب حارق :- بتقول إيه يا عرة الرچالة أنت ؟
أثارت كلمـ.ـا.ته حفيظته، فردد بمكر :- لو مش مصدق خد أها أتوكد بنفسك يا طايع .
قال ذلك ثم أعطاه الهاتف، وعنـ.ـد.ما سمع ورأي لم يستطع تصديقه، اتلك التي زرع بها ثقته العمياء، يجني منها النكران والخيانة لعدهم !
تطلع لها بأعين تتسائل، فتهز رأسها بنـ.ـد.م ليعلم أن ذلك حقيقى وليس حيلة ابتدعها هو، احتل السعير مقلتيه التي أظلمت كليل داج، وعلى حين غرة صفعها بشـ.ـدة حتى ترنحت وسقطت أرضًا، والغريب أنها لم تبك فهي تستحقه، ويا ليته صفعها منذ البداية لعادت لرشـ.ـدها وما أقدمت على ذلك الجرم في حقه وحق عائلتها .
التف هو لذلك الواقف والذي يتابعهم ببسمة انتصار، ولكنها مُحيت عنـ.ـد.ما تلقى كدمة شـ.ـديدة منه، وصرخ بوجهه مرددًا باحتداد :- هاقـ.ـتـ.ـلك يا راضي محدش هيحوشك عني النهاردة .
دلفا الإثنان في شجار دامي، متساوي الأطراف متعادل الكفتين، هذا يسدد وذاك يرد له الضـ.ـر.بة ضـ.ـر.بتين، وبعد وقت قضياه في معركتهم هذه، دفعه بعيدًا عنه ليخرج سلاح يحمله في جيبه، وصوبه نحوه مرددًا بتهديد :- لو ما خدتش إختك وغورت من إهنة هقـ.ـتـ.ـلك .
أردف بخشونة وقد صعدت دمائه إلى فوهة غضبه لتصب حممه على عروقه فتزيد من لهب النار المشتعل به :- دة أنا اللي هشرب من دمك وملكش دية حداي . بقلم زكية محمد
وفي محاولة منه للحصول على السلاح الذي بحوذته، وما بين شـ.ـد وجذب حدث ما لا يحمد عقباه، إذ اخترقت الرصاصة أحدهم اتبعها صرخة مدوية منها، شقت سكون الأراضي الزراعية التي يتواجدون بها .
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
يمتطي جواده والذي تعلق به كثيرًا منذ أن أتى لهنا، يستمتع بتلك الخضرة التي تحيط بالمنزل، بعد أن أخذ إجازة من عمله المرهق في عيادته الخاصة والمستشفى العام .
من خلف النافذة تراقبه بعد أن لمحته يمشي، وهي تقف كالتمثال تعلم ما تفعله خاطئًا ولكنها تتبع قلبها الذي سيقودها للموت حتمًا، انتفضت في محلها عنـ.ـد.ما هتفت إحداهن بجوار أذنها :- بتعملي إيه إهنة يا وچد ؟
تراجعت للخلف وهي تبصق في مقدمة ثوبها، قائلة بهلع وهي تمسد على قلبها الهزيل :- وه يا خالتي ضرعتيني، مبعملش حاچة هكون بعمل إيه يعني !
مصمصت شفتيها بسخط قائلة :- طيب يا عين خالتك روح شوفي شغلك بدل وقفتك دي اللي ملهاش لازمة .
جعدت أنفها قائلة من بين أسنانها :- حاضر يا خالة .
تحدثت بضجر وهي تمد لها سلة بلاستيكية :- روحي هاتي شوية خُضرة من برة عشان نعملوا السلطة .
انفجرت الألعاب النارية بعينيها فرحًا وهي تكاد تقفز صائحة بسعادة، فهذه فرصتها ليراها وتراه عن قرب، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ دلفت والدتها في الوقت المناسب تهتف بصرامة وهي تتطلع لها بتحذير :- لاه يا سكينة هاتي أنا اللي هچيب الخُضرة .
قالت ذلك ثم تناولت منها السلة، وتوجهت للخارج والغضب يخيم عليها، وسرعان ما تلقاها الحزن على صغيرتها الهشة، التي تشبه غصن الشجرة الغير مستكين، فإن عصفت به الريح تحطمه، وهذه هي التي لم تتعلم من تجارب الحياة بعد، تخشى على فؤادها حين يصيبه الخزلان، يا ليت بإمكانها نزعه من داخل مضغتها وتمحيه من ذاكرتها، لارتاحت ونامت قريرة العين، فيكفي ما عانته هي فلا تريد المثل لها، بل تريد لها كل ما هو خير .
جلست بضيق شـ.ـديد وهي على وشك البكاء، فوالدتها اقتنصت منها فرصة كادت أن تغتنمها، ذمت شفتيها بعبوس وهي ترى طرقهم منقطعة وصعب أن تتلاقى عند أي منعطف، تنهدت بوجع وهي تقوس ثغرها بابتسامة ساخرة، ورددت في قرارة نفسها بأن تدع الأمور تسير كما ترغب .
بالخارج تسير بدلال وتقدمت نحوه ما إن رأته، ليتوقف بصعوبة كي لا يدعسها بالخيل تحته، هتف بتوبيخ وحدة :- وه إتچنيتي إياك ! مش تبعدي من الطريق هبابة ولا موعياليش ؟
هتفت بنبرة خافتة وخجولة :- لاه وعيتلك عشان إكدة چيت ناحيتك .
غمز لها بطرف عينه قائلًا بمكر :- أتوحشتك إياك !
فرشت مقلتيها الأرض حرجًا وابتسمت بخفوت، بينما تابع هو بصبابة وتنهيدة عشق :- يا أبوي ! لاه مهقدرش أنا على إكدة خفي علي يا بت عمي .
ضحكت بنعومة أذابت جدران قلبه، لتردف بعدها بعتاب :- بس أنت كأنك ما لاقيتها وحطيت يدك في المية البـ.ـاردة وممتحركش .
ضيق عينيه قائلًا بعدم فهم :- قصدك إيه يا نورا ؟
رفعت حاجبها بانفعال ورددت :- قصدي طلب أخوك ولا أنت لحقت تنسى !
بالفعل نسى لتأتي هي بمثابة الصفعة التي تذكره بهذا الموضوع، والذي لم يجرؤ أن يتحدث فيه معهما حتى الآن، لا يمتلك الشجاعة الكافية في أن يخبر أخيه بأن يتخلى عن طلبه، لأنه هو أحق بها وليس هو، يشعر بأنه مقيد غير قادر على الحركة، فهو في المنتصف أيخسر شقيقه أم يخسرها هي ؟
تحاشى النظر بمقلتيها كي لا يجلدانه بسوط العتاب، وردد بتـ.ـو.تر :- لاه منسيتش يا نورا، بس استني علي هبابة إكدة يكون ساويت الأمور .
أردفت بغيظ منه :- اه ويكون يحيى نفذ اللي رايده مش إكدة ؟ بقلم زكية محمد
صاح بعنف فيها فقد وصل لزروة عصبيته :- وبعدهالك عاد ! أنا ماشي .
قال ذلك ثم انطلق مسرعًا للخارج، بينما قبضت على كفها بغضب قائلة :- وبعدهالك عاد، لا أنت متحرك ولا واخد خطوة، شكل منابنا هيطلع على فشوش .
بالداخل نشب حريق تصاعدت أدخنته، وفاحت رائحته النفاذة، ليس بالمطبخ وإنما في صدرها عنـ.ـد.ما رأتهم يتبادلان الحديث، والإبتسامة لا تفارق ثغريهما، ودت لو تذهب وتنهره بأن لا يتحدث معها ولا مع أي أنثى، وأن تقوم بجر تلك الواقفة معه وتبرحها ضـ.ـر.بًا، ولكن بأي حق ؟ وهنا تكمن الإجابة التي علمتها تمام العلم واحتفظت بها لنفسها .
عادت أدراجها تجر أذيال خيبتها، والتي لم تتوقع أبدًا أن تأخذ ذلك المسار وتسلكه .
*********************************
دلفت بتعب وإرهاق بعد العمل الشاق الذي بذلته في المزرعة، في سبيل أن تطمئن على الحـ.ـيو.انات وتطعيمها، جلست على الأريكة تلتقط أنفاسها وقد غلب عليها النعاس .
أتت والدتها وعلى وجهها ابتسامة مشرقة على غير العادة، تساءلت عن سببها وقد نبتت القلق بداخلها، جلست إلى جوارها وما هي إلا لحظات حتى تبعها والدها الذي جلس بتجهم، وهو يتذكر ما حدث قبيل ذلك بقليل، حيث دلف وعلى وجهه إمارات التعجب من طلب أحد معارفه، بأنه يريد الزواج من ابنته، لم يرد عليه وكأنه سمعه بشكل خاطئ، ولوهلة خُيل له أنه يطلبها لابنه، ولكنه سمعه في هذه المرة أنه يريدها لنفسه، لم يعطيه ردًا في الحال وتركه متخبط ، وعنـ.ـد.ما وفد للمنزل وأخبر زوجته، أطلقت الزغاريد فرحًا بهذه المناسبة فأخيرًا ستتزوج، ولن تظل ليعايرها النسوة بها، وعنـ.ـد.ما هم بالاعتراض أخرسته بحدتها المعتادة، بأنه لا يعرف مصلحة ابنته وأنه رجل له صيته بالبلدة، فما كان أمامه سوى أن يلتزم الصمت .
تنحنحت بحرج من تطلعهما الشـ.ـديد بها، وهتفت بتـ.ـو.تر ودهشة :- في حاچة ولا إيه !
هتفت "زبيدة" برحابة صدر وحنو لم تستشعره منها مؤخرًا :- كل خير يا بتي إن شاء الله .
هزت رأسها بفضول قائلة :- خير يارب.
أردفت بفرح :- في عريس چايلك .
وقع عليها الخبر كمن قاموا بقذف مرجل مملوء بماء مغلي وألقوه بوجهها، فاحترقت جميع خلايا جسدها على إثره، ماذا تقول ؟ لا تصدق، لا بالتأكيد سمعت بشكل خاطئ، إذ رددت بوجل :- قولتي ايه يا أما ؟
كررت جملتها عليها، لتعي أنها لم تتخيل وإنما هو واقع لا مفر منه، وأين المفر ؟ فقد أُغلقت جميع الأبواب بوجهها !
أردفت بخفوت وهي تخشى الإجابة :- مين ؟
تابعت وهي تلفظ بــــاسمه بفخر :- الحاچ سليمان أكبرتها تاچر فيكِ يا بلد .
بهتت ملامحها وتحولت إلى الاصفرار كالليمونة، لا تصدق أن كل هذا الفرح الذي يشع منها من أجل ذلك الذي بعمر والدها ! رددت باعتراض :- بس يا أما دة كبير دة قد أبوي .
جعدت أنفها بضيق قائلة :- وفيها إيه يعني الراچل ما يتعيبش وفرصتنا وچات لحد عندينا نقولها لاه !
نهضت قائلة برفض قاطع :- لاه يا أما أنا مموفقاش على حد، استحالة أتچوزه .
أردفت بسخرية طاعنة إياها بخنجر ألمها بمنتصف صدرها :- هو إحنا لاقين، دة كويس أنه رضي بيكِ، دة ولا واد في النچع چه وأتقدملك يبقى تحمدي ربنا، يلا أجهزي الأسبوع الچاي قراية فاتحتك.
نظرت لها مشـ.ـدوهة وكأنها برأسين، ما هذا الذي تهذي به ؟ مستحيل أن تقبل به، ليس لأجل ذاك الحبيب الأبله والذي رفضت من أجله زملائها بالجامعة والمعيد والدكتور الذين لم تخبر بهم أي أحد، ليأتي ذاك ويسـ.ـر.ق كل ما بنته في لحظة لا لن تستسلم ولو بموتها، توجهت نحو والدها قائلة بدمـ.ـو.ع حبيسة :- أبوي أنت راضي على المهزلة دي ؟ رايد تچوزني لواحد قدك ويمكن أكبر منك ؟
ما هم أن يرد عليها، أسرعت هي متدخلة بصرامة :- أنتِ هتتچوزيه غصب عنك ورچلك فوق رقبتك، أبوكِ أدى الراچل كلمة ولا رايدة تصغريه قدام الخلق .
تطلعت له تستشف إجابته، وحينما وجدته صامتًا وضعت كلتا يديها على ثغرها بعدم تصديق، وهي تتراجع للخلف، ومن ثم صعدت لغرفتها تفكر في حل لتلك المصيبة .
ألقت بنفسها على الفراش وانفجرت في موجة بكاء عنيف، بصوتها كله تخرج ما كبتته طيلة تلك المدة، سمعت طرق الباب فهتفت بصراخ :- مريداش حد هملوني لحالي . بقلم زكية محمد
دلفت هي تصطنع ابتسامة بسيطة، وقلبها ينزف ألمًا عليها فقد سمعت ما دار بالأسفل، وكم هي تشفق عليها وهي تشعر بقلة حيلتها تجاهها، فبأي حق ستتدخل ؟ هتفت بهدوء وتماسك وهي تشاهد انهيارها الذي تنشطر له الأفئدة :- طيب ولا أنا حتى ريداني ؟
تطلعت نحوها لتنهض من مكانها قائلة برجاء :- ألحقيني يا مرت عمي، ألحقيني أحب على يدك، مريداش أتچوزه هموت روحي لو چوزهولي، أيوة هموت روحي وأرتاح وأريحهم .
لم تستطيع أن تصمد، فجلست بجوارها وأحتضنتها بحب، وأخذت تمسد على ظهرها بحنو قائلة بدمـ.ـو.ع :- بس خلاص بزيداكِ يا بتي متحرقيش قلبي عليكِ .
رددت بتوسل كان بمثابة سيف غمدته في صدرها :- خليهم يرفضوه ومش هاكل تاني واصل عشان ما أتخنش، بس خليهم يقولوا لاه، أحب على يدك قولي لعمي يقول لأبوي لاه .
تساقطت عبراتها بتعاطف، وهي تشعر بتهشم قلبها لحديثها ذاك، وتابعت بحنان وهي تشـ.ـدد من احتضانها :- حاضر يا بنيتي هقوله بس هدي حالك، هتموتي روحك يا بتي بزيداكِ .
إلا أنها لم تتوقف فتركتها تفرغ ما يجول بخاطرها، لعلها ترتاح بعد ذلك وبعد وقت هدأت وتيرة بكائها، وغفت بين ذراعيها لتمددها برفق على الوسادة، ومسحت عبراتها بعاطفة أم جياشة، وحررت وشاحها لتتنفس براحة، تنهدت بعمق وهي تفكر مليًا في حل لهذه المشكلة، ولتخلص تلك العصفورة من براثنهم .
______________________________________
↚
استمرت تصرخ وهي تحتضن أخيها الغارق في دمائه، حتى كادت أن تنقطع احبالها الصوتية، تهزه بجنون وعدم تصديق تنادي بــــاسمه كي يفتح عينيه ويطمئنها أنه على ما يرام :- طايع قوم الله يرضى عنيك، فَتِح عنيك يا أخوي واعمل اللي أنت رايده فيني بس قوم يا أخوي ....
تسمر في محله وهو يحملق في جثة من قام بإزهاق روحه للتو، لينتبه أخيرًا لفعلته ليفر بسرعة هاربًا، تاركًا إياه غارقًا في بحر دمائه دون ذرة نـ.ـد.م أو شفقة نحوه، لم ينقطع عويلها وهي لا تزال على حالتها، لتهتدي بالأخير لطريقة لإنقاذ أخيها من الموت الذي ينتظره إن لم يكن أخذه إلى دروبه .
تركته وأسرعت تعدو حتى وصلت للشارع الرئيسي، وأخذت تستغيث بالمارة حتى أتى معها بعضهم، والذين حملوا جثته فورًا وبخلدهم ألف سؤال، ولكن هذا ليس مهمًا الآن، فمهمة إنقاذه تفوق أي شيء آخر .
بعد مرور ساعات قليلة، داهمت الشرطة المنزل ليفزع من بداخله، وقف هو مصعوقًا واهتز فكه برهبة، وازدادت نسبة الأدرينالين بدمائه وقد ظن أنهم أتوا للقبض عليه، هتف عامر الذي دلف المنزل لتوه بغرابة واحترام :- خير يا حضرة الظابط ؟ چايين لمين إهنة ؟
هتف الضابط بعملية وهو يأمر عناصر الشرطة التي قدمت معه :- عندنا أمر بالقبض على المدعو راضي سالم الدهشوري .
ضـ.ـر.بت على صدرها بقوة قائلة بصراخ :- ولدي ! ليه يا حضرة الظابط عمل إيه ؟
نهرها سالم بحدة قائلًا :- اكتمي يا مرة، ثم وجه حديثه للماثل أمامه بقلق :- بتهمة إيه چاي تاخده ؟
زفر بحنق مرددًا بعملية :- متهم في قـ.ـتـ.ـل طايع منصور . بقلم زكية محمد
لم تستطع أن تظل صامدة، إذ أطلقت صرخة أحدثت دويًا هائلًا بالمكان، فتقدمت منها " أمينة" بتعاطف ومسكت بذراعها، بينما أردفت هي بلوع وخوف أم :- لاه أحب على يدك ولدي ما عملش حاچة عفشة .
لم يسمع لها وأشار للرجال بالبحث عنه، ليتجمعوا بعد دقائق وأخبروه بأنه ليس موجود، فوجه عدستيه نحوهما قائلًا :- ياريت تقول لوِلدك يسلم نفسه لأننا مش هنهمله .
تدخل عامر ليقول بهدوء :- إيه ملابسات الحادث يا حضرة الظابط؟ مفهمينش أيوتها حاچة واصل .
ردد بتوضيح :- چالنا إخطار بالحادثة دي والواد بين الحيا والموت في المستشفي بس السبب مبهم لحد دلوقتي، علشان كدة هنستنى يفوق أو أخته اللي كانت معاه تتكلم، بعد أذنكم .
ظل " سالم " مبهوتًا بمحله وردد بعدم تصديق :- كيف دة وميتا حُصُل ؟
انخرطت في نشيج مرير، منذ أن وقع الخبر على مسامعها، وهي بالكاد تصدقه ولم تختلف حالة البقية عنها، أردف"عامر" بروية :- متقلقش تعال نشوف الموضوع إيه ونفهم من المركز بدل قعادنا إكدة .
سار معه بدون وعي، وشغله الشاغل هو أن يخبروه بأن ما سمعه مجرد ترهات أو مزاح ثقيل .
بعد وقت تم القبض عليه، وسط اعتراضه على ذلك الجرم الذي التصق به، وأنها تكذب وتدعي ذلك لأنها طلبت منه أن يتزوجها بعد أن قام أحدهم بإغوائها، وعنـ.ـد.ما رفض قامت بلصق التهمة به، ولكن الشرطة أخذت سلاحه لتتطابقه بالرصاصة التي انطلقت منه، لمعرفة مدى صدق حديثه .
ذاع الخبر في كافة أنحاء القرية، والتي إستقبل قاطنيها النبأ بتعبيرات متغايرة، فمنهم من استنكر الحادث، ومنهم من أضاف بعض البهارات الحارة على الحدث لتزيده إثارة وتشويقًا، تناقلت النسوة الحديث والذي شاع كما تنتشر النيران في كومة القش، فلم تتوقف ألسنتهم عن الكلام ولو للحظة .
..….............……………………………………
ليلًا دلف المحقق المسؤول عن القضية، بعد أن أكد له الطبيب استقرار حالة المجني عليه، وأنه في أتم الاستعداد لأخذ أقواله .
بالخارج تجلس ترتجف بشـ.ـدة، على الرغم من حرارة الجو، إلا أنها تشعر أنها في ليال شتاء قارس، لفحتها بردوته فسرى الصقيع بعظامها، فجعلها متراخية غير قادرة على الحركة، حبست أنفاسها حينما علمت أنه استعاد وعيه، والموت الآن يحوم حولها يتربص لها بشـ.ـدة .
كان يجلس إلى جوارها والدها، الذي اشرق وجهه فور سماعه أن ابنه استعاد عافيته، فهو خرج من الدنيا بهما بعد وفاة زوجته الحبيبة، فنشأهم تنشأة سليمة وأنفق على تعليمهم كل ما لديه، فهو لا يريد أن يصيروا مثله، بل يود لهم المكانة المرموقة حتى لا يتعرضوا للسخرية، كما يتعرض لها في عمله في أراضي سالم الزراعية، ولا يعلم أن من وضع ثقته بها طعنته بظهره نكرانًا للجميل .
خرج المحقق بعد دقائق وغادر، ليدلف بعدها والده للإطمئنان عليه، فينشرح صدره ويذهب همه، ما إن رآه سالمًا نصب عينيه.
ابتسم بتكلف لوالده، ومن داخله يود لو ينهض ويقوم بخـ.ـنـ.ـقها والتخلص منها، تلك التي غرست رأسه في الوحل دون أن تنظر خلفها، وضعوا ثقتهم بها ولكن ماذا حدث ؟ ضـ.ـر.بتهم في الصميم، يخشى أن يعلم والده ولكنه إن لم يعرف من خلاله، فسيعلم من فم القرية، تنهد بصعوبة لألم صدره، وهتف بكمد مكبوت :- وينها ملك يا أبوي ؟
أجابه بحسن نية وحزن اعتلى ملامحه :- برة يا ولدي مقدراش تنصب طولها، مقطعة روحها من البُكا من خوفها عليك، هروح أندهها تاچي تطمن .
قال ذلك ثم خرج مسرعًا، لتظهر شبح ابتسامة ساخرة على ثغره، ليتجهم وجهه فجأة وهو يتوعد لهما .
دلفت معه وهي تنكس رأسها بخزي من نفسها، عيناها تأبى أن تترك الأرضية، فبأي وجه ستقابله وهي السبب فيما حدث له ؟
أردف والدها بحنو وهو يحاوطها من ذراعيها :- متخافيش يا بتي أهو زين قدامك أها، قربي منيه واطمني عليه .
تمنت لو أنها ترتدي زيًا يمكنها من الاختفاء فلا تراه، أو يقوم بقـ.ـتـ.ـلها فورًا كي لا تشعر بمزيد من الذعر الذي استوطن مدن قلبها، واستعمرها غير موافق على الجلاء . بقلم زكية محمد
هتفت بصوت شبه مسموع، وهي لم تجرؤ على أن ترفع مقلتيها لتقابل خاصته، فحينئذ سيحدث قتال من نوع آخر ستكون الغلبة له فيه، فهي بحالة يرثى لها :- ألف سلامة عليك يا أخوي إن شاء الله اللي يكرهك .
رفع حاجبه بــــاستهجان قائلًا بــــاستخفاف :- الله يسلمك يا ملك يا خيتي يا اللي رافعة راسنا ومشرفانا .
شهقت بفزع ودقات قلبها تعدو في سباق حواجز، أما عن وجهها تحول إلى صفار الليمونة، بينما ردد والدها بفخر :- أومال إيه دي هتبقى الدكتورة ملك اللي هتتحاكى بيها البلد كلاتها .
ردد من بين أسنانه بسخط ووعيد :- لما نشوف يا أبوي، محدش خابر هيچرا إيه بكرة .
ردد بود وابتسامة مطمئنة لرؤيته لأولاده غانمين :- طيب أنا هروح أچبلها حاچة تاكلها من الصبح على لحم بطنها .
ما إن ترك الوالد الغرفة، صرخت بوجع حينما قبض بذراعه على شعرها بعنف رغم إصابته، وهمس بفحيح خطير :- بتستغفلينا يا ملك ؟ بتستغلي ثقتنا فيكِ غلط !
هزت رأسها بألم تنفي قائلة بهلع :- لاه والله يا أخوي ما عِملت حاچة عفشة واصل تحط راسك في الأرض لا أنت ولا أبوي .
شـ.ـد بقبضته بقوة أكثر عن أختها السابقة وهدر بحدة وهو يشعر بالاعياء :- وأنتِ فاكرة إن إكدة هصدقك ؟ بعد اللي عملتيه واللي شوفته ! اقري على روحك الفاتحة من دلوك أنتِ والخسيس الوا.طـ.ـي .
أردفت بدمـ.ـو.ع :- معملتش حاچة اه غلطت عاقبني كيف ما أنت رايد بس والله ما عملت حاچة تضرك .
دفعها بشـ.ـدة ترنحت على إثرها، وكادت أن تسقط لولا أنها استندت بجسدها الهزيل على الحائط، وهي تشعر بدوار شـ.ـديد يداهمها.
دلف والدهم فمسحت عبراتها بسرعة، ولكنه رآها ليردف بمرح :- وه على المخبولة دي يا ولاد ! ما قولنا زين أها .
تمتمت بخفوت كاذب كي لا تثير ريبته :- ممصدقاش حالي يا أبوي أنه زين الحمد لله .
أخذ بيدها وردد بحنان وصرامة لا تقبل النقاش :- طيب يلا تعالي عشان تاكلي .
لم ترفض طلبه، فشرعت بتناول بعض اللقيمـ.ـا.ت التي شعرت وكأنها علقم بثغرها، ولكنها بلعتها رغمًا عنها وهي تحبس دمـ.ـو.عها حتى لا تنفجر أمامه، فيكفي ما هو فيه حتى على الأقل الآن .
.................................................................
بعد أسبوع تم فيه حبس راضي خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيقات، بينما كاد سالم وزوجته أن يتمكن منهما الجنون، أخذا يفكران بحيلة تخرج ابنهم الوحيد من السجن، فكرت هي بفكرة خبيثة اهتدت لها واخبرتها لزوجها الذي رحب بها بسرعة، فسلامة ابنه أهم من أي شيء آخر .
على الجانب الآخر دلف للمنزل وهو يشعر بالعري مما التقطته أذنيه، يا ليته ما بقي حيًا ليرى تلك اللحظة والتي يشعر فيها بالعجز، غير قادر على تبرأتها وغير قادر على أن يقص ألسنة القوم، نظر لوالده الذي يجلس على الأريكة المهترئة بقهر، فهو يمنعه من أن ينظف الغبـ.ـار الذي تم نثره بواسطتها على سمعتهم بالبلدة، هتف بحدة وقد تمكن الاحتدام منه :- عاچبك إكدة يا أبوي ! هملني أقـ.ـتـ.ـلها واغسل عاري أنت ما دريش باللي برة واللي بيقولوه ؟
رفع مقلتيه اللتان تمكن الحزن منهما، وملامحه التي تغيرت وكأنه كَبُر مائة عام فوق عمره، فقد أثقلت كاهله وقصفته بقوة، خرج صوته المعبأ بالأنين :- هتقـ.ـتـ.ـلها وهتستفاد إيه بقـ.ـتـ.ـلها ؟ هتدخل السچن وبدل ما يبقى واحد تبقوا اتنين، بزيداك يا طايع عاد .
صرخ بغضب كفيل بأن يزلزل جدران المنزل البسيط :- ميهمش يا أبوي، بس أعرف كيف أرفع راسي وسط الخلق، بتك عرتنا يا أبوي وسيرتها على كل لسان .
ضغط شفتيه بقلة حيلة، فهو محق ولكن ليس القـ.ـتـ.ـل حلًا ردد بروية :- أعقل يا ولدي إحنا نطلع بيها على الحكيمة وتطمنا عليها وساعتها نحط بلغة في حنك اللي هيتحدت ويچيب سيرتها بالعفش .
ضحك بسخرية وغلب وتابع بتهكم :- أيوة عشان الفـ.ـضـ.ـيحة تبقى اتنين .
قاطعه بصرامة قائلًا :- وه يا طايع بزيداك رط بحديتك الماسخ دة، أنا متوكد أنها زينة وهتشوف، أنا هدخل لها أشوفها .
نهض من مكانه وتوجه ناحية الغرفة التي تختفي فيها منهم بداخلها، طرق الباب قبل أن يدلف ولكنها لم تجب، فولج يبحث عنها بعينيه، ليتفاجئ بأنها ليست بالغرفة، خرج يبحث عنها في أركان المنزل بجنون، وهو يصيح بــــاسمها لعلها تجيبه، أردف بفزع :- خيتك مش في الدار يا طايع .
……………………………………………….
تسير بضعف في طريقها للعودة، بعد أن ذهبت لشراء طعام المواشي والتي تشرف عليه بنفسها، خشيت أن تسقط أرضًا لعدم تناولها الكثير من الوجبات فقد امتنعت عن الطعام إلا القليل منه، شهقت بصدمة عنـ.ـد.ما وجدت جسدًا ضخمًا يعيق طريقها، تراجعت للخلف لخطوات وهي تنوي أن تلقنه درسًا، ولكنها تسمرت مكانها ما إن رأته يبتسم لها بسماجة، يطالعها بنظرات أصابت معدتها بتقلصات شـ.ـديدة، وكادت أن تتقيأ على إثرها، رسمت معالم النفور على صفحة وجهها، الذي تحول إلى اللون النبيذي بفعل غضبها المكتوم والحرارة المرتفعة، بينما هتف وهو يبرم شاربه بتفاخر :- كيفك يا عروسة ؟
جعدت أنفها بضيق ولم ترد عليه، وما كادت أن تخط بقدمها للأمام جذبها بكفه الغليظ قائلًا بخشونة :- مفيش حُرمة أكلمها وتهملني وتمشي، وخصوصًا اللي بتبقى من حريمي .
أخذت تعافر لتحرير كفها الرقيق من سجن يده الكبيرة قائلة بحدة :- هملني يا راچل أنت، أطخيت في نافوخك إياك ؟
اتسعت عيناه ببريق ينم عن الشر وردد بوعيد :- ولسانك طويل ! لاه دة أنا هقصهولك من العشية .
نجحت في فك أسر يدها، لتردف بتوبيخ :- بالذمة مش مكسوف من حالك، وأنت رايد تتچوز واحدة من دور عيالك، يا راچل عيب على شنبك .
أصابته صاعقة كهربائية، فهو منذ أن نشأ وترعرع إلى يومه هذا، لم يجرؤ أحد أن يتطاول عليه، ومن يفعل ذلك يلاقي عقابًا عسيرًا، لتأتي هي وتتطاول عليه بهذا الشكل ! ردد بخبث وهو يهز رأسه :- وماله أتدلعي كيف ما أنتِ رايدة، بكرة تبقي تحت طوعي واعمل فيكِ اللي أنا رايده .
ضمت حاجبيها بخوف من وقع كلمـ.ـا.ته عليها، ولكنها أظهرت القوة وأردفت بسخرية :- دة لما تشوف حلمة ودنك يبقى ساعتها أتچوزك، ويلا بعد من وشي .
إلى هنا وكفى فقد أثارت حفيظته، وجعلت الدماء تغلي بداخله فسحبها مجددًا من يدها عنوة، وهو يشـ.ـدد ضغطه عليها حتى كاد أن يحطمها وتابع بغيظ :- وبعدهالك يا بت شكلك مناوياش تچيبيها البر ! بقلم زكية محمد
أردفت بوجع :- هملني يا راچل أنت الخلق تقول عليا إيه ؟
ولكنه لم يسمع لها، فنظرت حولها لعلها تجد من يغيثها، فصرخت بصوتها كله حينما رأت سيارة معشوقها السري مقدمة نحوهم :- يحيى ..
ردد بشك وهو يضغط على كفها أكثر :- مين يحيى دة كمان ؟ هو أنتِ مفكرة إني هخاف منيه ؟ لا هو ولا عشرة زيه .
توقفت سيارته فجأة حينما سمعها تصرخ بــــاسمه، فنزل مسرعًا يرى ما بها، فجز على أسنانه بعنف عنـ.ـد.ما رأى ذلك المشهد الذي أثار حميته، فتوجه ناحيتهما وفك وثاق يده من كفها قائلًا بجمود :- يدك يا عم راشـ.ـد، إيه هقولك أنا على الأصول بردو !
كز على أسنانه باحتداد مكتوم وردد بسخط :- ملكش صالح حديتي مش وياك، ويا أبوها أنت يدوب ولد عمها .
ابتسم ابتسامة صفراء، وتابع بنفس البرود :- والله أنت ملكش كلمة عليها طالما مش في بيتك .
ثم نظر للأخرى وهدر بصرامة :- قدامي على العربية .
هزت رأسها بموافقة وبلحظة كانت بداخلها، تلتقط أنفاسها براحة فأمانها إلى جوارها، فلم الخوف إذًا ؟
تبعها هو تاركًا الآخر يغلي في مكانه، دار محرك السيارة، وخرج صوته الجـ.ـا.مد :- واقفة وياه ليه ؟
رفعت شفتها العليا بتهكم، وكأنها بانتظار سؤاله السمج مثله، ورددت بغيظ :- مكنتش واقفة ويا حد، هو اللي وقف في طريقي .
ردد بسخرية دون أن يعي أنه يخط بقدميه على جروحها التي ذادت لهيبًا فأحرقها :- وه مقادرش يستنى العريس !
صرخت بحدة في وجهه :- متقولش عريس دي تاني أنا مهتچوزهوش واصل .
تابع بتهكم وهو يرفع حاجبه بــــاستخفاف :- أومال هتچوزي مين ؟ دة أمه داعية عليه ..
احتقن وجهها وتجمعت عبراتها سريعًا، وأردفت بوجع :- ملكش صالح أديك قولت أمه مش أمك أنت .
رفع حاجبه بــــاستنكار من حدة لسانها، فهو كان يقصد ذلك من البداية وليس ما فهمته هي، ولكنه آثر الصمت فلتفهم مثلما شاءت، ود لو يقص لسانها ذاك الذي يلفظ بما يثير غضبه، بينما نظرت هي تجاه نافذة السيارة وهي تحارب دمعاتها، تمنعها من السقوط على الأقل ليس الآن، وأمامه هو بالتحديد .
التزم الطرفان الصمت، وبعد وقت وصلا للمنزل، فاصطف سيارته لتترجل منها بغضب جلي، وقامت بإغلاق الباب بعنف حتى كادت أن تقـ.ـتـ.ـلعه في يدها، ثم توجهت للداخل تحت أنظاره الحانقة، فهتف بمكر وبصوت عال ليصل إليها :- براحة الباب مش قدك يا سوكة .
توقفت قدميها على الفور، وهي تشعر بالدوار قد تمكن منها هذه المرة، ولكنها أقسمت أن ترد له الصاع صاعين، انحنت لتلتقط حجرًا ومن ثم قامت بقذفه على زجاج السيارة، فتهشم الزجاج في الحال، نظرت له باحتداد قائلة بأنفاس متسارعة :- أبقى شوف كيف هتمشي بيها يا دكتور الشوم والندامة .
طوى الأرض تحت قدميه، ليكون في مواجهتها مانعًا إياها من الفرار ليردد بوعيد :- أنتِ قد عملتك دي ؟
نظرت له بتشوش قائلة بتـ.ـو.تر وتبرير :- أنت اللي غلط فيا الأول، خليني أمشي مقدراش أوقف .
أردف بسخرية :- لكن قادرة تدشـ.ـدشي العربية، وقادرة ترمي طوب من حنكك اللي عاوز كسره دة !
تمسكت بالجدار قائلة بوهن قبل أن تغلق عينيها :- يحيى نادي مرت عمي .
أنهت حديثها وسقطت فاقدة وعيها تحت قدميه، بينما نتأت مقلتيه بذهول من سقوطها المفاجئ ذاك .
………………….............………………...
ليلًا في وقت متأخر، بعد أن عالجت يدها التي انسكب عليها الماء الساخن أثناء عملها بالمطبخ، لم يزورها النوم وكيف وهي لم تلمح طيفه منذ أن نهرتها والدتها على وقوفها في شباك المطبخ تراقب دلوفه للداخل .
تنهدت بشوق رغمًا عنها، فما على القلب سلطان إنها تحبه و عشقه تغلغل في أوردتها دون سابق إنذار، نظرت لوالدتها الغافية بجوارها فنهضت بخفة ترضخ لما يمليه عليها قلبها وألغت تمامًا عقلها، وتغاضت عن توابع ما تفعله.
خرجت للخارج و توجهت لحديقة المنزل ومن ثم إلى الإسطبل الخاص بالخيول، وقفت أمام حصان أسود عربي أصيل ومدت يدها نحوه بحذر حتى وضعتها عليه قائلة بخفوت :- وه صاحبك هملك النهاردة لحالك !
ثم أخذت تمسد على شعره الكثيف الناعم قائلة بهيام :- خابِر أنا بحسدك قوي عشان أنت چاره علطول إنما أنا مليش حق حتى أشوفه، ما يخبرش إني عشقاه وحتى لو عرف أكيد هيفوتني عشان هو البيه وأنا....... مصمصت شفتيها بتهكم :- كيف ما أنت شايف . بقلم زكية محمد
كان عائدًا مبكرًا لمنزله على غير عادته وهو يترنح بفعل الخمر الذي شربه برفقة أحد زملائه، عنـ.ـد.ما أخذوه عنوة وأخبروه بأنهم سيذهبون ل"المولد" السنوي، الذي يقام في البلدة، وليرفه عن نفسه ذهب معهم، وتفاجئ هناك أنهم يقدمون له ذلك المشروب، وعنـ.ـد.ما أبدى اعتراضه، سخروا منه وقللوا من شأنه وأنه ليس برجل كافيًا ليقدم على فعلة مثل هذه، وكانت هذه النتيجة عائد وهو في حالة مزرية،
كان على وشك أن يدلف للمنزل، ولكنه سمع صوت صهيل الحصان الخاص به، فتوجه لهناك ليتفقده وما إن دلف للإسطبل وجد تلك الفتاة تمسد على فرسه بحنان فاقترب منها قائلًا بحدة :- بتعملي إيه إهنة !
شهقت بصوت عالٍ وهي تنظر له بصدمة وحب خوف ولهفة ومشاعر أخرى متضاربة تزاحمت عليها، شحب وجهها ما إن اقتربت خطواته منها أما قلبها كاد أن يقفز من بين ضلوعها .
لم يتبين ملامحها بفعل حالة السُّكر التي فيها فهيئ له عقله إنها ابنة عمه فابتسم بعذوبة قائلًا :- أنتِ چيتي إهنة ! أنا رايد أقولك حاچة مهمة قوي .....
أخذ يهذي بكلمـ.ـا.ته تلك وهو مازال يتقدم ناحيتها حتى احتجزها في إحدى الزوايا مما زادها رعـ.ـبًا من القادم .
مال ناحية وجهها فلفحت أنفاسه الدافئة صفحة وجهها البيضاء فزادته لهبًا من فرط الخجل، وما أن اقترب منها على ذلك النحو واستنشقت رائحة كريهة مختلطة بأنفاسه منبعثة منه هتفت بخوف وهي تحاول أن تتملص من بين يديه :- خالد بَعِّد ..
هتف بحرارة وهو يمرر أصابعه على وجهها :- لاه مهبعدش أنتِ حلوة قوي ..... وأنا بحبك قوي.......
...........................................
↚
طالع جسدها الساكن بصدمة، ليزيد من طفح الكيل والدها الذي ظهر من العدم، والذي هدر بعنف وهو يقترب منهم، وقد صور له عقله أنه من فعل بها ذلك :- شكلك مناويش تچيبها البر يا واد عامر، أطخك بعيارين وأخلص منك ولا إيه العبـ.ـارة ؟
زفر بحنق وهو يتمتم بداخله بأفظع السباب، يا لحظه الذي يشبه الليل في سواده، فدائمًا ما يوقعه في مواقف موضع شبهات، ومع من مع نفس الأشخاص، ردد بغيظ وهو يقبض على كفه حتى لا تنفجر عروقه :- وأنا اعملك إيه يعني ؟ كنت داخل ولأچل حظي الشوم وقعت في نفس اللحظة اللي داخل فيها، أها بتك قدامك مش كل ما هتوعالي هتتبلى علي بالعفش !
اصطكت أسنانه ببعضها بقوة، وتابع بخشونة :- هِم شوف حالك رايح وين، ولا هتقعد تبحلق إكدة كتير ؟
مسح بيده على وجهه، يحاول أن يتمسك بآخر حبال الصبر قبل أن تذوب، وردد بغيظ مبطن بالسخرية :- أها سايبهالك مخدرة، قال يعني هشوف الأملة .
قال ذلك ثم دلف كالإعصار، وما إن رأت والدته وجهه المحتقن بالدماء من كثرة غليانها بداخله، هتفت بقلق :- مالك يا ولدي ؟ داخل بزعابيبك إكدة !
أردف باحتدام مكتوم :- روحي نادي مرت عمي وروحوا شوفوا شمس برة واقعة من طولها .
ضـ.ـر.بت على صدرها بفزع ولم تسمع له، بل ركضت للخارج لرؤية تلك المسكينة، والتي ولا بد أنها فقدت وعيها إثر امتناعها عن الطعام، هزت رأسها بسِقَم عليها .
بالأعلى ما إن خطت قدميه بداخل معقله، رمى الاوراق التي بيده بكمد، وضـ.ـر.ب المقعد بقدمه فتطاير من أمامه، وجلس يلتقط أنفاسه التي تذهب وتجيء، ردد بضجر وضيق :- خير تعمل شر تلقى، بدل ما الراچل يشكرني إني چبتهاله لحد الدار عمال يخربط بحديته السم دة .
صمت قليلًا ليردف بعصبية مفرطة :- وسوكة ميحلاش ليها الوقعان غير لما أبوها ياچي وتكون وياي ! هبلة صُح .
لاحت فجأة بوادر ابتسامة، لتأخذ مجرى آخر وتتحول إلى ضحكات عالية، وهو يتذكر كيف رشقت سيارته بالحجارة، تلك البلهاء التي لا تفكر فيما هي مقدمة عليه .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تطلعت له بصدمة وأعين متسعة مما تفوه به، ولوهلة ظنت بأنها تحلم وستفتح عينيها لترى ذلك الواقع المرير، وكم كانت كلمـ.ـا.ته بمثابة قطرات المطر في صحراء جرداء أتت في وقتها لتزهر بصيص من الأمل في بستانها الذي ذبُلت زهوره ومـ.ـا.تت أشجاره .
هتفت بعدم تصديق وقد تمكنت عواطفها منها، ولم لا وهي عاشقة له إلى حد النخاع :- بت...بتقول إيه؟ عيد اللي قولته دة تاني إكدة، أنا ممصدقاش حالي.
أردف بلوعة وهو يومأ بتأكيد :- بقولك بحبك ورايدك تبقي مرتي العمر كلاته.
شعرت بأن قلبها سيتوقف من فرط السعادة، وتغلغلت عبـ.ـاراته أوردتها لتزيد من حبها المكنون له، وعقلها الصغير يخيل لها أن تلك الكلمـ.ـا.ت موجهة لها وإنما هي لا تمت لها بصلة .
أردف يبث لها شوقه المكبوت وهو لا يعي بما يفعله أو يقوله :- بحبك ......بحبك يا نورا..... متوافقيش تتچوزي أخوي أنا اللي رايد أتچوزك قولي لاه ومتخافيش .
تجمدت كالتمثال حينما سمعت اسم أخرى غيرها وكأنها سقطت من السماء السابعة أرضًا بقوة هشمتها، بعد أن كانت تحلق في العنان منذ دقائق، أيقصد أخرى بكلمـ.ـا.ته منذ البداية ؟ وهي كالبلهاء ظنت بأن كلمـ.ـا.ته المعسولة تلك لها وحدها ! نزلت دمـ.ـو.عها بصمت وهي تشعر بثقل أنفاسها و سيف حاد يمزق قلبها إلي قطع صغيرة.
فاقت على لمساته التي ازدادت جرأة بعد أن سحب حجابها عنها عنوة فأخذت تدفعه بعيدًا قائلة بخوف ووجع :- أنا مش هي مش نورا، هملني يا خالد هملني الله يرضى عنيك .
كان كالأصم ورغبته فقط من تقوده فحاولت التحدث فأسرع يخرسها حينما بلع كلمـ.ـا.تها داخل جوفه فما كان أمامها سوى أن تغرس أظافرها بوجهه و رقبته لعله ينتبه لما يفعل . بقلم زكية محمد
كان مقيد حركتها بالكامل ومستمر فيما يفعله غافلان عن تلك الأعين المصدومة التي تراقب ما يحدث عن كثب بذهول .
دفعته بكل قوتها حينما دقت أجراس الخطر، وأن القادم لا يبشر بالخير، وبالفعل نجحت في ذلك فأختل توازنه وتراجع للخلف، فانتهزت هي ذلك ثم ركضت بكل سرعتها من هذا المكان .
ولجت للداخل بحذر وحمدت الله أنه لا يوجد أحد متيقظ، فركضت مسرعة للمرحاض وجلست تحت المياه المتدفقة عليها بعد أن فتحت الصنبور، وهي تبكي بحرقة و تمسح بعنف مكان لمساته التي ما زادتها إلا تقززًا و احتراقًا .
أما هو هتف بضعف وهو يستند على الجدار :- استني روحتي وين متهملنيش.
وضع الوشاح الذي بيده على أنفه، وأخذ يستنشق عبيرها الأخاذ، ثم عاد إلى أدراجه ووصل لغرفته و ألقى بنفسه على الفراش، وهو لا يزال محكمًا بيده على ذلك الوشاح بامتلاك شـ.ـديد، وسرعان ما ذهب في نوم عميق و رائحتها تتغلغل في صدره، تزرع بوادر من عشق يطفئ لهيب حقد .
★★★★★★★★★★★★★
قبيل ذلك بسويعات يسير دون هوادة، يبحث عنها وهو يشعر بأن جبال الهموم تجثو فوق صدره، لم يترك ثغرة إلا وبحث عنها فيها، لا يصدق الدوامة التي يدور فيها والتي قذفته شقيقته فيها، كسرت ظهره الذي كان يقف كالتمثال الشامخ، ولم تكتفي بذلك بل هـ.ـر.بت لتثبت قول الزور والبهتان بحقها، ماذا يفعل وكيف سيتصرف ؟ لكن إلى هنا وكفى سيعثر عليها وبعدها سيمحو ذلك الغبـ.ـار الذي نثرته على جدار شرف عائلتهم، نعم هذا هو الحل الوحيد ليعيد بناء ظهره، فهو لا يستحق أبدًا أن يتلقى منها ذلك، فهو كان إلى جوارها خطوة بخطوة، لم يشأ أن يبدد أحلامها التي نسجتها، تحدى الظروف والعرف السائد لتكون بالأخير هذه هي النتيجة، وأن هذا هو رد الجميل .
★★★★★★★★★★★★★★★★★
استيقظ بكسل واعتدل واضعًا ظهره على الوسادة خلفه، هز رأسه بقوة بسبب الدوار الذي يشعر به، وهو يتطلع حوله وكأنه يتواجد لأول مرة بالغرفة، شعر بملمس ناعم بيده فرفع كفه فوجد وشاحًا يلفه حول يده فنظر له بدهشة قائلًا بتعجب جلي :- إيه دة كمان!
ثم فجأة بدأ عقله يسترجع بعض الصور عما حدث بالأمس، وبعض الومضات تمر أمامه كشريط سينمائي، فقفز في مكانه قائلًا بهلع :- أنا عملت إيه؟ عملت إيه؟ ومين اللي كانت وياي ! يا رب ما تكون هي يا رب ما تكون هي...
أخذ يسير ذهابًا و إيابًا كالزوبعة التي ثارت في منتصف البحر، وهو يعتصر ذهنه كي ينتشل صورة تلك الفتاة من بين تلك الومضات ولكنه فشل في ذلك، دق قلبه بعنف وهو يتصور أن من كانت معه هي" نورا"، وردد بوجل ما الذي فعله بها ؟ لم تسعفه ذاكرته بشيء، وكأنه فقد الذاكرة في تحديد هويتها.
وقف بصدمة يطالع هيئته في المرآة، فاقترب بحذر وهو يمرر أصابعه على تلك الخدوش التي أصابت وجهه فهتف بصدمة:- يا وقعة مربربة مين البِسة اللي خربشتك دي يا خالد ! هتقولهم إيه ولو طلعت هي صُح ؟ هتقولهم إيه يا وقعة مطينة .
أخذ يهذي بتلك الكلمـ.ـا.ت وهو يتمنى أن لا تكون هي حقًا، وإلا ستقوم حرب أشعل فتيلها، لتطول الجميع .
★★★★★★★★★★★
في اليوم التالي ولج راكضًا لمنزل "سالم"، والذي أخبره بالهاتف أنه يعرف مكان شقيقته، وأن يأتي على الفور لمقابلته إن كان الأمر يهمه، اصطدم بشخص ورفع بصره لتتسع عينيه بذهول، وهو يرى ذلك القابع أمامه .
بادله الآخر نظرات الذهول، وخرجت حروفه تعبر عن ذلك :- وه طايع ! كيفك يا راچل، وكيف أحوالك ؟
اغـ.ـتـ.ـsـ.ـب شبح ابتسامة، وهتف بخفوت وتعجب في الوقت نفسه :- يا مرحب يا مؤمن، كيفك أنت ؟
ردد بود فهو صديقه في الدراسة، كانا سويًا في نفس الكلية، إلا أن"طايع" أكمل دراسته في مجاله ليصبح معيدًا بالجامعة :- زين طمني عنك أنت، ولا زمان يا طايع ! بس يعني لا مؤاخذة أنت چايلي ولا چاي لحد تاني ؟
أردف بدهشة :- أنا كنت چاي لعم "سالم"، بس شوفتك إهنة غريبة !
ضحك بخفوت قائلًا بمرح :- ما غريب إلا الشيطان يا راچل، سالم يبقى عمي .
رفع حاجبه بــــاستنكار وضيق طغى على صدره، فآخر ما تمناه أن يكون له أية صلة به، تابع بهدوء مغاير :- طيب أنا هروح أقابله، وأبقى أشوفك بعدين .
قال ذلك ثم تركه، وتوجه لمقابلته ليعرف مكان شقيقته، بينما ضيق الآخر عينيه بغرابة، منظره يدل على أن هناك ثمة أمر يحدث في الخباء، استدار ليغادر على نية اللقاء به ومعرفة ما يحدث .
جلس كالذي يتقلب على جمر، يحرق كل إنش يلامسه، ما إن ابصره مقدمًا نحوه، نهض بسرعة وتأهبت جميع حواسه، بانتظار ما سيخبره له بشأنها، هتف الآخر بصوت أجش وهو يأمره بالجلوس، فرضخ له وبداخله يود لو ينهض ويقـ.ـتـ.ـلع رأسه من مكانها، ذلك الأب الذي أتى بذلك المستهتر على الدنيا، ليزيدها عناء ومشقة، تابع "سالم" بازدراء :- أقعد يا طايع رايد أتحدت وياك ضروري .
أسرع يهتف بغضب ولهفة :- مش قبل ما تقولي وينها خيتي ؟
أردف بــــاستخفاف وتحدٍ :- إختك في الحفظ والصون متخافش، هتعمل اللي هقولك عليه هديهالك معملتش يبقى استنى فضيحتها اللي هتبقى بچلاچل دة إذا مكانتش إتفضحت من الأساس .
بهتت ملامحه وتحول وجهه إلى صفار الليمون وردد بصدمة :- بتقول إيه ؟ خيتي عندك ؟
هز رأسه بموافقة قائلًا بسأم :- أيوة هي غنيوة ! ها مقولتش رأيك يعني ؟
زمجر باحتدام عارم مصحوب بصوت زلزل جدران المنزل :- أنت بتهددني يا راچل أنت ؟ ما عاش ولا كان .
صاح بصوته الجهوري :- اسمع يا واد أنت، أنت هتروح المحكمة الچلسة اللي چاية وتغير أقوالك وإلا ساعتها هخلي الكلاب السعرانة تنهش چتت إختك، أطلع برة الدار وبعد بكرة هيكون الچواب في يدك ..
هدر بغضب لو تجسد لباده في الحال :- إختي هترچع يا سالم برضاك غصب عنك هترچع .
ابتسم بتشفي وتابع بخبث :- والله أنت وشطارتك عاد . بقلم زكية محمد
تقدم نحوه ليطرحه أرضًا، فقد بلغ غيظه منتهاه، ولكن رجاله منعوه حينما حاوطوه وقاموا بزجه للخارج، ليتفاجئ مؤمن بذلك المنظر، فيصـ.ـر.خ فيهم بأمر :- همله يا بغل منك ليه، ماسكينه إكدة ليه ؟
لم يذعنا له، بينما هتف طايع بقهر مصحوب بالموجدة :- بعد من خلقتي أنت التاني، لا طايقك ولا طايق عمك، وإختي هعرف أچيبها منيه زين .
تصنم في محله وهو لا يعي لما يتحدث عنه، ولكن بالتأكيد عمه متورط معه، إذ عزم على معرفة الأمر والتنقيب عنه، لطالما كان لا يهمه شأن الآخرين ولو بشق ثمرة، إلا أن ما حدث أمامه أثار رغبة الإطلاع لديه .
نزل خالد من الأعلى شاحب الوجه، عنـ.ـد.ما سمع صياح عمه فظن أن ما اعتقده صار حقيقة، ولكنه زفر براحة عنـ.ـد.ما علم أنه لشئ آخر وهذا يعني أن تلك الفتاة لم تكن هي إذن من تكون!
اقترب منهم وجلس بحذر بعد أن ألقى عليهم تحية الصباح، وسرعان ما انتفض في مجلسه حينما هتفت أمينة بفزع :- إيه اللي في وشك دة؟
هتف بغيظ من نفسه ومن تلك المجهولة :- مفيش يا أما دي بِسة خربشتني .
ضيق الجميع أعينهم بانتباه وهم يشعرون بأنه يخفي أمرًا ما فهتف يحيى بدهشة :- و البسة هتعمل فيك إكدة بردك ؟
أردف بتـ.ـو.تر :- وه يا يحيى ما أنا مكنتش واخد بالي وماشي في الضلمة نطت مرة واحدة على وشي وخربشتني كيف ما أنت واعي .
هز رأسه بعدم اقتناع قائلًا :- ماشي يا خالد يلا افطر عشان نمشي نشوف مصالحنا .
هز رأسه بهدوء وهو يراقب بطرف عينيه "نورا"، لعله يستشف بعضًا من الحقيقة، ولكنه وجدها عادية فلو ارتكب جرمًا بحقها، ما كانت طالعته بهذا الشكل، وما شكل الهدوء خطوطه على قسمـ.ـا.ت وجهها، نشب صراع وفضول قـ.ـا.تل بداخله لرؤية صاحبة الوشاح الذي بالأعلى .
★★★★★★★★★★★
انتشرت الواقعة بسرعة بين العاملين في المنزل، كما انتشرت أيضًا بالخارج تلك الفادحة التي حدثت بالأمس، ولم لا فنقل مثل تلك الأخبـ.ـار محبب لدى أهل البلدة، حيث يتخذونه أُحجية يتسامرون بها ليلًا ونهارًا، فالجميع يهم بنقل الأخبـ.ـار ويا حبذا لو كان هو المصدر الأول لنقله فكم يزيده فخرًا وكأنه صنع إنجاز عظيم.
بدأت النسوة بالتحدث عليها وعلى ما تفعله ابنتها من خلفها وكيف تذهب خفية لفعل تلك الأمور المشينة ومع من ؟ مع من يعملون لديهم .
كانت تمر بالصدفة وسمعت همهمـ.ـا.ت النسوة، فاتسعت عينيها صدمة وشعرت بدوار شـ.ـديد أصابها، لا تعلم كيف قادتها ساقيها للداخل فتوجهت للغرفة المخصصة لهن والتي كانت وجد بها معللة بأنها متعبة .
كانت تجلس على الأريكة وتضع رأسها بين ساقيها و دمـ.ـو.عها تنزل بغزارة لما حدث وكان سيحدث .
شعرت بالجرم العظيم فظلت طيلة الليل تصلي و تستغفر ربها، مسحت دمـ.ـو.عها بسرعة حينما دلفت والدتها الغرفة كالإعصار و ملامحها لا تبشر بالخير .
نهضت من مكانها وهتفت بتـ.ـو.تر :- في إيه يا أما ؟
وقفت أمامها تطالعها بانكسار وغضب فهتفت بصرامة :- اقلعي الطرحة لابساها ليه في الحر دة؟
قبضت على حجابها قائلة بتلعثم :- أااا....لاه يعني أنا زينة إكدة.
صرخت بعنف :- بقولك اقلعي الطرحة . صرخت بكلمـ.ـا.تها تلك وهي تسحب الوشاح عنها فشهقت بصدمة وهي ترى تلك البقع الحمراء على طول جيدها .
أخذت تهز رأسها بعنف وعدم تصديق فقد كذبت أذنيها فأتت لتبحث عن الحقيقة عند ابنتها ويا ليتها ما فعلت .
هتفت بوجه شاحب وبكاء :- والله يا أما ما كان برِضاي هو....هو .....ااااااه.....
قاطعتها بصفعة قوية، احتضنتها الأرض برحابة صدر، ثم هتفت بضياع :- ليه إكدة يا بتي ليه؟عملتلك إيه أنا دي آخرتها يا وچد تحطي راسي في الطين تفضحيني يا بتي ليه ؟
نهضت قائلة ببكاء :- والله يا أما هو مش أنا.. أنا مظلومة والله.
هتفت ببكاء و صراخ :- سلمتيله نفسك يا وچد هوَّري الناس وشي كيف دلوك وأنا عايشة بتباهى بيكي بقول بتي ...بتي اللي مفيش في أخلاقها اتنين كسرتيني يا وچد كسرتيني ...
هتفت بنفي :- لاه يا أما والله ما حصل أنا زي ما أنا متصدقهمش صدقي بِتك .
هزت رأسها بأسى قائلة :- يا ريت أقدر بس خلاص بتي قـ.ـتـ.ـلتني و عرتني وحطت راسي في الطين هقول إيه ليهم دة چزات المعروف فتحولنا بابهم نقوم نعمل إكدة !
ولم تشعر إلا وهي تسقط عليها بالضـ.ـر.ب المبرح وهي تردد كلمـ.ـا.تها الأخيرة بينما هتفت وجد بصراخ وتوسل :- والله يا أما ما حصل حاچة استني هقولك ....يا أما بزيداكي الله يخليكي .
إلا إنها كانت كالصماء مستمرة فيما تفعله وبعد أن انتهت هتفت بقسوة :- أنا مش أمك بتي مـ.ـا.تت ومليش بنتة انتي عار وبس وتستاهلي الموت .
قالت ذلك ثم توجهت للخزينة وأخذت تجمع ملابسها بعشوائية وهتفت بحدة :- قومي فِزي لمي خلقاتك خلينا نمشي كفيانا چِرَس .
أذعنت لطلبها ونهضت بألم وهي تشعر بأن عظامها تهشمت أخذت تتوسل والدتها لكي تعطيها فرصة ولكنها أبت و التزمت الصمت .
بالخارج وصلت الأخبـ.ـار ل"عامر" فنهض من مكانه بفزع قائلًا :- بتقول إيه يا واكل ناسك ؟
هتف الرجل بحذر :- والله يا حچ عامر دة مش حديتي أنا لما شفت الناس بتتحدت بالعفش في حق ولدك چيت أقولك طوالي .
هتف بهدوء مغاير :- طيب روح انت يا محمدين .
انصرف الرجل وجلس هو بإهمال يهتف بضياع :- وأنا هلاقيها منين ولا منين ؟ استغفر الله العظيم يا رب .
بعد دقائق دلف خالد بوجه شاحب فور علومه بالأمر ووقف قبالة أبيه بخذي ينظر أرضاً صامتًا .
نهض الآخر وتوجه ناحيته حتى وصل أمامه وهتف بإنفعال :- هي حصلت تتعدى على حُرمة البيت دة عملت إيه انطق ؟ صوح الحديت اللي سمعته ولا لاه؟
هز رأسه بموافقة قائلًا بخفوت :- صُح يا أبوي بس أنا مكنتش واعي ومفاكرش عملت إيه ولا حتى فاكرها هي.......
قاطعه بصفعة قوية ولأول مرة قائلًا بغضب :- وهتفتكر إيه وانت شارب المدعوك دة ! يلا شوف أهي چات على راسك شيل بقى .
أردف بإنفعال :- تلاقيها قاصدة، إيه اللي هويديها لمُطرح الخيل بتاعي أنا مرحتلهاش فرشتها لقيتها قدامي .
أردف بغضب :- وكمان بتقاوح يا كـ.ـلـ.ـب اسمع أما أقولك أنا صبرت عليك كتير بس خلاص چبت آخري معاك والحديت دة لازمن يتحطله حد عشان تخْرَّس بيه الناس اللي مورهاش غير الرط انت هتچوز البت وتستر عليها .
أردف بصدمة وغضب مكتوم :- أتچوز مين ؟أنا هديها قرشين و.....
صمت حينما باغته جده بصفعة أخرى مرددًا بحدة :- هو شرف الناس بيتباع إياك يا دكتور ! أنا هچمع كل الخدم اللي إهنة دلوك وقولهم إنها مرتك وإنك مرضيتش تقولنا عشان خوفت لا منوافقش عليها لحد ما تكتب عليها وتعملها فرح .
صرخ بغضب وعدم تصديق للفرمان الذي أبرمه والده لتوه والذي لا نقاش فيه :- يا أبوي.......
قاطعه بصرامة :- ولا كلمة انت هتنفذ اللي هقوله وبس .
وبالفعل بعد دقائق كان العاملون مجتمعين بالمنزل، ووقف عامر قبالتهم وإلى جواره خالد وهتف بغضب :- طبعًا أنتوا ما صدقتوا تلقوا سيرة چديدة تتسلوا بيها، إيه عرض الناس لعبة عشان تنقلوه من واحد للتاني نسيتوا رسولنا لما قال " من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة" لاه انتوا عاملينها لبانة كل شوية في خشم التاني طيب اعرفوا الحقيقة الأول وبعدين اتحدتوا كيف ما انتوا رايدين.
اللي شاف اللي حُصل في الإسطبل عشية وراح نقله ومخافش ربنا رايد أقوله إن دة عادي يحصل بين أي تنين متچوزين ولا ليكم رأي تاني !
نظروا له بصدمة عن أي زواج يتحدث! بينما وكز خالد ليتحدث بدوره فجز على أسنانه بغيظ مكبوت قائلاً :- أيوة صُح الحديت اللي قاله أبوي دي مرتي وأنا ما قولتش لحد عشان خوفت يرفضوا فأتچوزتها على سنة الله ورسوله بس من وراهم بس إتفاچئت لما لقيتهم مش معارضين عشان إكدة هعلن چوازي منيها آخر الشهر، وأي كـ.ـلـ.ـب هيچيب سيرتي ولا سيرتها تاني هقطعله لسانه وملهوش عيش حدانا تاني .
أومأ الجميع له بخفوت ثم انصرفوا فجلس إلى جوار جده وهتف بغيظ :- ها عملت اللي انت رايده زين إكدة؟ ودلوك وينها الهانم اللي ورطتني الورطة المهببة دي ؟
هتف بإنفعال:- خالد متنساش إنك اللي غلطان هنادي عليها دلوك هي وأمها وأتفق معاهم .
ثم أضاف بعتاب :- إكدة يا خالد الوليِّة قاعدة إهنة في حمايتنا ويَّا بتها تقوم تعمل إكدة؟
أردف بحرج :- والله ما كنت في وعيي كنت ....
بتر كلمـ.ـا.ته فبما سيجيبه تخيلها ابنه عمه لذلك ود قربها حتى وإن لم يكن محقاً فيما فعله .
بعد وقت دلفن بخطى بطيئة ثقيلة عليهن من تلك المواجهة.
تقدمت الأم منه وأردفت بصوت محشرج :- أنا خابرة يا حچ بتي غلطت وخونا اليد اللي اتمدتلنا أنا هاخدها وهنهمل الدار والنچع كلاته يا حچ ومش هتشوف وشنا تاني .
نظر لها بتعجب قائلاً :- وه حديت إيه دة، بلاش تحملي حالك فوق طاقتها وهي مغلطتش لحالها ولدي كمان غلطان وعشان إكدة بقولك متخافيش مقامكم محفوظ .
هتفت بنحيب :- راسنا اتحطت في الطين يا حچ والناس ما بترحمش وكلامهم يوچع وكيف السم بس اعمل إيه لبتي الغلط راكبها من ساسها لراسها .
أردف بمقاطعة وكمد فما كان ينقصه هم آخر :- بزيداكي حديت لا هيقدم ولا هيأخر برَّاحة على بتك وبزيادة اللي هي فيه .
ثم وجه حديثه لوجد، التي تقدمت نحوهم بخطوات شبيهة للسلحفاة، قائلًا بغيظ:- تعالي إهنة !
↚
ما إن سمع بوقع خطواتها، رفع بصره بفضول يقـ.ـتـ.ـله منذ البـ.ـارحة، يدفعه لمعرفة من تلك التي وضعته في هذا المأزق، وحشرته في زاوية لا فرار منها، ضغط على فكه حتى أحدث صوتًا، وقعت عيناه الملبدة بغيوم الغضب العاصف، والذي إذا سقطت أمطاره ستودي بحياتها، لم يهتم بهيئتها بقدر شعوره بالرغبة العارمة في شق رأسها، لعن الظروف التي وضعته في الموقف برمته، ولكنه المخطئ الأول وكل منا يجني ما زرعه .
تحدث "عامر" بنبرة هادئة حينما رأى الذعر يتشكل على قسمـ.ـا.ت وجهها :- قَربي يا بتي تعالي أقعدي چاري إهنة .
سارت نحوه بخطوات شعرت وكأنها تسير أميال، جلست على مقربة منه بــــاستحياء، وتطلعت له بعينيها البنية الواسعة المنتفخة من أثر البكاء .
هتف بحنان وهو يوجه حديثه لوالدتها بعتاب، ما إن رأي آثار الضـ.ـر.ب بينة على قسمـ.ـا.ت وجهها :- بردك إكدة تضـ.ـر.بيها يا عطيات !
أردفت بحنق وهي ترميها بوابل من قذائف الكمد :- ولو طولت أقـ.ـتـ.ـلها واخلص من العار اللي لبستهولي مش هتأخر يا حچ .
زفر بضيق قائلًا :- طيب شوفي يا عطيات أنا مرضاش بالفـ.ـضـ.ـيحة ليكم واصل عشان إكدة خالد هيتچوز بتك آخر الشهر .
طالعته بصدمة قائلة بذهول :- كيف دة يا حچ ؟! أنا مفهماشي حاچة واصل .
استرسل بهدوء :- اللي سمعتيه، بس في حاچة لازمًا ت عـ.ـر.فيها لحد ما معاد الفرح ياچي إن شاء الله.
ثم قص عليها ذلك الاتفاق الذي حدث منذ لحظات فأومأت بموافقة وهتفت براحة :- ربنا يخليك يا حچ ويچعلك في كل خطوة سلام يسترك دنيا وآخرة كيف ما سترتنا.
أردف بود :- يلا خُشي وخدي بتك وبلاش تقسي عليها اعتبريها وَزْة شيطان وراحت لحالها .
ثم نظر لوجد قائلًا بعتاب :- وأنتِ يا وچد يارب تكوني اتعلمتي من غلطك واستفدتي .
هتفت بنبرة انكسار :- والله يا حچ أنا م......
قاطعها قائلًا :- خلاص يا بتي إحنا مش هنفتح في القديم خلينا في دلوك قومي مع أمك وچهازك بكل حاچة أنا هچبهولك متحملوش هَم .
هتفت بضعف :- ربنا يخليك يا حچ .
أخذتها والدتها وانصرفت للداخل بينما هتف خالد بحنق :- ها يا أبوي خلاص كل حاچة إكدة تمام ؟
أردف بغيظ :- أيوة يا خالد لإني خابر زين إن البت ما عملتش إكدة برضاها ووشك أكبر دليل .
مسد الخدوش التي بوجهه بحرج ثم نهض قائلًا بغضب مكتوم :- طيب أنا ماشي رايح العيادة .
انصرف بسرعة الرياح العاتية، لا يعرف بأي وجه سيواجهها، تلك التي قطع الوعود معها بأن تكون ملكه، لتأتي أخرى دون أن يحسب لها حساب، وتحتل مكانها لطالما أخبرها مرارًا بأن لن تأخذ محلها أخرى، بينما هتف الجد بتمني :- يا رب تكون توبتك على يدها يا خالد وتحترم حالك بدل الصرمحة اللي أنت فيها دي .
★★★★★★★★★★★★★★★
بعد أربعة أيام يجلس كالطائر الذبيح، يحلق وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يا ليته يعلم بمكانها لذهب وانتشلها وإن كانت في منتصف المحيط، أتى والده الذي لم تختلف حالته عنه، حيث أنهكه الحزن على ابنته، جلس إلى جواره وردد بوهن :- قوم يا طايع أعمل اللي هو رايده، خلينا نطمن على خيتك اللي مخبرينش عنها حاچة دي .
رفع عينيه واللتين كان الجحيم متمثلًا بداخلهما، وهدر بعنف :- أطاطي لسالم وولده يا أبوي ! هي دي أخرتها ؟ بقلم زكية محمد
ردد بقهر وخوف ينهش جدران صدره على ابنته :- يا ولدي مفيش حل تاني غيره، ولا أنت مخايفش عليها.
نهض وقد نفرت عروقه، وكادت أن تنفجر محدثة جلبة عنيفة، أردف بغيظ :- وهو مين اللي چابلنا الحديت دة كله مش هي ؟
تحدث بنبرة لينة ليستعطفه :- معلش يا ولدي، لما تاچي أعمل فيها ما بدالك بس تبقى إهنة چارنا، بدل ما هي بعيدة ومخابرينش عنها أيوتها حاچة .
زفر بضيق في بالأخير هي شقيقته، وإن ظن والده أنه لا يخشى عليها، فهو مخطئ فنيران الوجل تحرقه، ولكنه في منتصفها حائر بين أن يختار أخته، أم يختار هيبته التي ستُدعس على يد " سالم" وابنه، حينما يفعل ما طلبه منه، خرج صوت ملتاع بداخله يخبره عن أي شيء يفكر فشقيقته في المقام الأول، نظر لأبيه وتابع بحسم :- خلاص يا أبوي هعمل اللي رايدينه أهم حاچة أرچع خيتي .
لاحت ابتسامة خفيفة لم تزوره منذ أن رحلت عن المنزل، وردد بود :- هو دة ولدي، ربنا يكملك بعقلك أنتوا ملكوش غير بعضكم في الأول والآخر .
هز رأسه بموافقة يؤكد حديثه، وما يفعلانه أكبر دليل على أنه هو المذنب، توجه للمحكمة برفقة والده فاليوم النطق بالحكم، وسيغير أقواله وهو مستعد لتوابع ذلك .
///////////////////////////////////////////////////////////
ليلًا كان المنزل يكتظ بالجموع التي أتت للمبـ.ـاركة لابنه، بعدما خرج من السجن ليدلف الآخر يُعاقب بضعة أشهر، على شهادة الزور_ التي هي بالحقيقة شهادة حق _ والتي ما قالها إلا لينقذ شقيقته، كانت الغبطة تغرق " زبيدة" برجوع ابنها سالمًا لها، فكانت تقدم المشروبات والمأكولات بسخاء للحاضرين، والذين ما أتوا إلا ليشبعوا بطونهم .
يقف يهز قدميه بعصبية مفرطة بالخارج، بعد أن فهم كل ما يحدث فأفعال عمه الدنيئة وكذلك نجله، زجت بصديقه للسجن، ما يستحق أبدًا ذلك فهو على تمام المعرفة به، وكل ذلك بسبب خطأ شقيقته الفادح الذي تكبد بكل ذلك العناء، سحب شهيقًا طويلًا ليأتيه صوت من خلفه مرددًا بمزاح :- وه مالك يا مؤمن إكدة ؟ كأنك أنبوبة بوتچاز وهتهب في وش الواحد .
لوى شـ.ـدقه بتبرم، وهتف بكمد مكتوم :- مفيش حاچة يا خالد، متضايق بس عشان زميلي اللي أتسچن ظلم دة،الود ودي أروح أحش رقبته ورقبتها والله ما يستاهل واصل يبات يوم في الحچز .
أردف بشفقة وتعاطف :- يلا محدش بيهرب من نصيبه .
قالها بسخرية مبطنة وهو يقصد ذاته، قبل أن يرميها لزميله، بينما ردد الآخر باختناق :- أنا طالع برة الدار على ما الهيصة دي تفض، بلا خـ.ـنـ.ـقة !
تركه وانصرف بغيظ، بينما تطلع الأخير نحوه بحذر، يخشى أن يلقاها ولو بمحض الصدفة، ليس لديه شجاعة للمواجهة الآن، بعد أن وضعه والده في موقف يحسد عليه، استدار ليختفي هربًا منها إلا أن سفنه لم ترسى عند مرفأه الذي يرغب به، بل عصفت به الريح وجعلته يتخذ مسارًا آخر، حينما وجدها ماثلة أمامه تطالعه بنظرات حانقة ملتهبة بنيران الغضب، ازدرد ريقه بصعوبة وكأنه طفل صغير في انتظار عقاب أبيه، ابتسمت بسخرية، ووضعت يدها في خصرها قائلة بــــاستخفاف :- يا أهلًا بعريسنا !
مسح بكفه الغليظ على وجهه بنفاذ صبر، أكان ينقصه حديثها اللاذع ذاك ؟ هتف بنبرة جاهد أن تكون هادئة :- يا نورا أنتِ مفهماش حاچة .
رددت بتهكم واضح :- تصدق صُح ! طيب ما تفهمني أنت الحقيقة، الحمد لله ربنا كشفك ليا قبل الفاس ما توقع في الراس .
أنهت كلمـ.ـا.تها وهمت بالذهاب إلا أنه أعاق حركتها، حينما جذبها من ذراعها قائلًا بغيظ :- نورا أعقلي إكدة واسمعيني، مكنتش واعي للي چرا .
سحبت ذراعها منه، ورددت بغضب :- مليش صالح كل واحد بيشيل شيلته، هملني لحالي .
أردف بألم يعذب نطفته التي تقبع في أضلعه :- أهملك ! بعد كل دة وبتقوليلي هملني ؟
ربعت يديها قائلة بخيلاء :- أيوة تهملني، هو أنت مفكر إني هربط حالي بواحد هيتچوز كمان أيام ! لاه دة أنا نورا يا واد عمي اللي زي الفريك مبحبش شريك . بقلم زكية محمد
أردف بلهفة :- هطلقها بس بعد ما الحديت يسكت والناس تبطل رط .
رفعت حاجبها بــــاستنكار وتابعت بخبث :- لاه مينفعش الحديت دة وياي، يا تهملك منيها البت دي، يا تنسى إن حداك بت عم اسمها نورا .
أنهت كلمـ.ـا.تها وهي ترمقه باحتداد، فلقد باء مخطط والدتها بالفشل في الإيقاع بين الإخوة، استدارت ورحلت والغضب كالطير يحوم فوق رأسها، بينما زفر بموجدة ونشب حريق هائل بصدره، حتى كاد يصاب بالاختناق فخرج هو الآخر ينفث عن كمده .
في ركن بعيد عن تلك الضجة، اجتمع بابنه على انفراد، نظر حوله بأعين ذئب حذر، مشط المكان بعينيه قبل أن يهتف بصرامة وجدية :- بص يا راضي تهملك واصل من الحريم وشغلها ما بيچيش من وراهم غير الغم، لازمًا تفوقلي إكدة وتصحصحلي.
هتف بانتباه شـ.ـديد :- خير يا أبوي .
أردف بحذر وخفوت :- الأيام اللي چاية عينك تكون وسط راسك، الزرعة خلاص قربت تتحصد عشان تتباع، رايدين ناخد حذرنا وخصوصًا عمك وعياله اللي طبوا علينا كيف القضا المستعچل .
أومأ بفهم وردد بثقة :- متخافش يا أبوي هنخلوا بالنا زين، متقلقش .
أردف بهدوء :- تمام انت ولدي اللي محدييش غيره، أنت اللي هتبقى خليفتي رايدك تشرب الصنعة زين .
ابتسم له بطمأنينة قائلًا :- ربنا يديك طولة العمر يا أبوي، متخافش دة الصنعة ساهلة ورايدة دماغ متفتحة وبس .
نهض وردد بهدوء :- طيب يلا بينا نعاود وسط الناس عشان مياخدوش بالهم .
بالداخل وبالتحديد بالمطبخ، حيث تجلس بإحدى زواياه، تتطلع أمامها بشرود وكأنها نسجت عالماً آخر لها، تهرب فيه من هذا الواقع، تساءلت بداخلها لم لا تشعر بالبهجة، وهي ستقترن به ؟ لم ما عاد لها شغف في رؤيته ؟ خيم الخوف منه على جدران فؤادها، يا للعجب أبعد أن كانت تقف بالساعات دون كلل تنتظر رؤيته، أصبحت الآن تتحاشى كل شيء يذكرها فقط به، لمعت الدمـ.ـو.ع بعينيها على ذلك الجرم العظيم الذي أُلصق بها، وما هو إلا بهتان كبير، هي بريئة منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب .
تقدمت منها والدتها التي هتفت بسخرية :- موقفاش تطلعي على الچدع زي عادتك يعني ! زهقتي ولا خلاص مبقاش حلو دلوك ؟
جذبتها من موجة التيه التي كانت تغرق في منتصفها، ورفعت مقلتيها المتورمة الدامية نحوها، وهتفت بصوت وهن يكاد يكون مسموع مختلط بوجع :- بزيداكِ يا أما حديتك بيقـ.ـتـ.ـلني الله يرضى عنك .
مصمصت شفتيها بسخط قائلة :- طيب زين أنه بيقـ.ـتـ.ـلك يعني لساتك بتحسي، طيب ما تحسي بالمصيبة اللي غرقتينا فيها دي يا شيخة، روحي يا وچد قلبي غضبان عليكِ ليوم الدين .
مسكت يدها وجلست أرضًا ورددت برجاء ملح :- لاه يا أما أحب على يدك متقوليش إكدة، أنا مليش غيرك والله، من وقت ما وعيت ع الدنيا وأنا مخبرش غيرك، خلينا نمشي مريداش أتچوزه .
جذبتها من شعرها الذي يغطيه وشاحها بعنف قائلة بغضب :- رايدة تفضحينا بعد ما الراچل هيستر عليكِ، مش دة اللي كنتِ بتقعدي لنصاص الليالي في الشباك عشان توعيله ؟ دلوك بقى كُخة !
أردفت بدمـ.ـو.ع غزيرة تتساقط على وجنتيها فغمرتهما بالمياه بعد أن فاضت :- والله يا أما ما حصل بيناتنا حاچة دول كـ.ـد.ابين .
اتسعت عيناها بذهول قائلة وهي تشير على دليل ما يثبت صدق حديثهم :- ودة جه من وين ؟ لما هما كـ.ـد.ابين ! يا خسارة يا وچد يا خسارة، منك لله كسرتيني وحطيتي راسي في الطين وسط الخلق، مخبراش اتحدت وياهم لما بيبصولي إكدة، قـ.ـتـ.ـلتيني بالحيا يا وچد .
هزت رأسها بنفي قائلة بتأكيد :- والله يا أما كيف ما بقولك، طيب لو ممصدقاش نروح للحكيمة وساعتها هت عـ.ـر.في إني ما بكدبش واصل، أحب على يدك يا أما بلاها المعاملة الشينة دي، رايدة تاخديني في دراعاتك طمنيني يا أما أنا خايفة .
دفعتها بقوة قائلة وهي تحارب شعورها الداخلي، الذي يود ضمها بقوة يحميها من العالم بأسره، ولكنها تظاهرت بالجمود فما فعلته ليس بهين ورددت بقسوة :- تستاهلي اللي بيشيل قِربة مخرومة بتخر على راسه .
تركتها وغادرت وهي في أمس الحاجة لها، احتضنت نفسها تحاول بث الطمأنينة بداخلها، بعد أن هرب الأمان من دروبها بعد فعلته ومن نظراته في ذاك اليوم، والتي لو كانت رصاصًا لقـ.ـتـ.ـلتها في الحال حينئذ، أخذت تفكر دون هوادة بما ستفعله، فهي ضائعة في طريق دلفته دون أن تحسب له .
وفي مكان آخر حيث هي، تقبع بين ذراعي والدها تبكي بحرقة، وبعد ماذا فما عاد النـ.ـد.م ينفع بعد ذلة قدم صاحبه، عضت على أناملها بنـ.ـد.م ودت لو يعود الزمان، يقلص فترته فما كانت ستفعل ذلك، فها هو أخيها يدفع ثمن أخطائها، ربت والدها على رأسها بحنو، فهي مازالت صغيرة وعدم وجود أم أو شقيقة تنصحها، ربما أثر ذلك عليها فلكل حصان كبوة، هتف بهدوء :- بكفياكِ يا ملك بُكا عاد، بزيدانا هم أخوكِ دلوك .
هتفت بصوت متحشرج :- لاه يا أبوي، خوي في الحچز بسببي يا ريتني موت ولا حصل اللي حصل .
نهرها بعنف مرددًا بوجل :- وه ! وأنا أروح وين من بعدكم لما رايدة تهمليني، غلطي يا ملك غلط واعر .
ابتعدت قليلًا لتكون في مواجهته، وشرحت له كل شيء والسبب الذي قادها لفعل ذلك، وما إن انتهت أردف بلوم :- وهو عشان تغظيها تعملي عملتك دي ! لاه يا ملك بردو مش هيشفعلك غلطك، تقدري تنسي الناس طيب بلاها دي، تقدري ترچعي ثقتي وثقة أخوكِ فيكِ تاني ؟
طالعته بصدمة جلية على محياها، الذي ذبلت ملامحه :- كيف يا أبوي ؟
نظر أمامه وردد بجمود :- يعني تنسي إنك تطلعي تاني من الدار غير على بيت عدلك غير إكدة ميلزمناش .
هوى قلبها تحت قدميها، وشعرت بتيار ماء جارف جذبها معه نحو الهلاك، أحلامها أضحت غبـ.ـار لا قيمة لها ؟ لا لا لن يحدث ذلك أبدًا، يا الله ما الذي اقترفته لتنل هذا ؟ أيتها الغـ.ـبـ.ـية ألا تعلمين ؟
سحبت كف والدها وأخذت تقبله مرارًا وتكرارًا قائلة بهلع :- لاه يا أبوي أعمل أيوتها حاچة، بس إلا العلام يا أبا أحب على يدك متقـ.ـتـ.ـلنيش بالحيا، والله ما هعمل إكدة تاني واصل خلاص اتعلمت يا أبوي .
هز رأسه بأسى وتابع بنفس الجمود :- معادش ينفع دلوك اعتذارك يا ملك، كأنك بتقولي يا كوباية يا اللي اتكسرتي عودي من تاني .
انخرطت في نشيج حار، وهو يراقبها ما بين قلب لين وعقل عاص يعنفه، ويخبره بأن ما تفعله هو الصواب .
**********************************
بعد يومين ذهب فيه بهدوء برفقة والده وأشقائه اللذان شهدا على عقد زواجه، ووالدتها ووالدته حتى لا يثيروا الجدل، ويكونوا صادقين في حديثهم الذي ابتدعوه ليصمتوا ألسنتهم، بعد أن انتهوا عاد كل منهم إلى وجهته.
ليلًا ظل يذهب ويجيء بداخل غرفته، يود تحطيم ما بداخلها لعله يطفئ ألسنة اللهب التي اشتعلت بخلاياه، ابتسم بسخرية أبعد كل ذلك يتزوج بهذه الطريقة، من فتاة لا يعرف عنها أي شيء، حتى أنه لا يتذكر ملامحها في المرة التي رآها بها، شعر بأنه على شفا جرف هار من الجنون، وسيسقط في أعماقه يغرق به، نزل مسرعًا للأسفل في طريقه للإسطبل، ولكنه توقف حينما سمع صوتًا يأتي من المطبخ، فتوجه ناحية الصوت وما إن دلف وجد جسدًا صغيرًا لا يتبين ملامحه، من الظلام الذي يغطي المكان إلا من بعض ضوء القمر الذي تسلل من النافذة، وألقى بأشعته الهادئة على الظلام .
شعرت بالعطش الشـ.ـديد بعد ساعات قضتها في النحيب، فتحت البراد وتناولت زجاجة مياه وارتشفت منها حتى ارتوت، وما إن استدارت لترحل وجدت جسدًا يقف على مقربة منها، أطلقت صرخة مدوية كان نصيبها أن توأد عنـ.ـد.ما كمم فيها بيده، وألصقها بالجدار هامسًا بغل وغضب مكبوت :- اكتمي بدل ما أقـ.ـتـ.ـلك وأتاويكي في الچبل .
اتسعت مقلتاها بذعر، حينما استنشقت رائحته التي تعرفت عليها فورًا، ارتجف سائر بدنها وأخذ صدرها يصعد ويهبط بعنف، تطالعه برعـ.ـب وذكريات تلك الليلة تجوب بعقلها، خشية أن يكرر ما فعله مسبقًا .
شعر برجفتها تحت يديه، واستطاع رؤية الوجل المشكل بحدقتيها على ضوء القمر، بينما هتف هو بسخرية :- وه بتترچفي ليه ؟ مش دة اللي أنتِ رايداه ؟
هزت رأسها بنفي وهي تعلن قلبها الذي فكر فيه يومًا، ليتابع هو بقسوة وهو يضغط على ذراعها الغض :- مين اللي سلطك علي يا بت أنتِ ؟ ها انطقي .
أحدثت همهمة غير واضحة، فأبعد يده فقالت بخفوت وتلعثم :- محدش زقني عليك، نصيبي الأغبر اللي وداني عند الخيل في الساعة دي .
رفع حاجبه بــــاستنكار قائلًا بازدراء :- بقولك إيه شغل التلات ورقات دة ميخيلش علي، لو مقولتيش مين اللي وزك علي هوريكِ أيام أسود من شعرك .
ألجمتها الصدمة وهي تطالعه بعدم تصديق، صحيح المظاهر خداعة، أذلك هو الذي هامت به عشقًا ؟ أهو نفسه من يقبع أمامها ؟ شعرت بنصل حاد يمزق ضلوعها بحدة دون شفقة، نزلت دمـ.ـو.عها ترثي الحلم الضائع الذي نسجته في مخيلتها، لتستيقظ على واقع مرير وموجع .
شهقت بألم حينما غرس أظافره بذراعها مجددًا وأردف بفحيح :- انطقي وقولي مين اللي زقك ؟
أردفت بمرار :- محدش زقني محدش، رايد تصدق صدق مرايدش براحتك .
صمتت لتتابع بكذب، فيكفي كرامتها المهدورة لتضيف المزيد من الوجع عليها :- أنا روحت أشوف في أكل عند الخيل ولا خلص، وفجأة أنت ظهرت قبالي، و ....... بقلم زكية محمد
صمتت وعضت على شفتيها بحزن، فماذا ستخبره وهو لا يتذكر ما فعله بها، والذي بسببه جعل والدتها تقاطعها، وهذا ما يؤرقها فأي شيء يهون عداها هي .
هزها بقوة قائلًا بغيظ دون أن يلحظ ما يرميه من خناجر من كلام، فتتوجه تصيب هدفها بسهولة ويسر :- أوعاكِ تفكري إنك إكدة بقيتي مرتي بحق وحقيقي، كلاتها شهرين بالكتير وأطلقك وأتچوز اللي حرمتيني منها بعملتك دي .
سحبت نفسها من تحت قبضته بصعوبة، ورددت بقهر :- أعمل اللي أنت رايده، أنا اللي بكرهك ومريداش العيشة وياك بعد اللي عملته فيني، كنت فكراك بني آدم طلعت ديب سعران تنهش وبس .
رفع يده وكاد أن يهوى على وجنتها بقوة، ولكنه توقفت في الهواء ضاغطًا عليها بقوة، بينما انكمشت بخوف في انتظار صفعته، إلا إنها لم تجد شيء ففتحت عينيها لتجده على تلك الحالة، تراجعت للخلف بحذر، ليغادر هو المكان بسرعة قبل أن يفتك بها تلك الحمقاء التي جعلته يغلي كالمرجل، أسرعت هي إلى الغرفة الخاصة بهم، لا تصدق أنها نجت من براثنه، وتمددت إلى جوار والدتها الغافية، واحتضنتها بخوف تستمد منها بعض الأمان الذي فقدته .
********************************
بعد مرور أسبوع في مجلس الرجال، حيث اكتظ المكان بالحشـ.ـد الذين سيشهدون على عقد قران ابنة "سالم".
كان يجلس والدها إلى جوار المأذون الشرعي، وعلى الجانب الآخر "راشـ.ـد" الذي يبتسم بنصر لتحقيقه مبتغاه .
ما إن هم المأذون بالحديث، دلف هو بهيبته المعتادة، وردد عليهم التحية ليقف قبالتهم وهو يهتف بخبث :- ينفع يا شيخنا تچوز واحدة متچوزة بردو ؟ .........
____________________________________
↚
نصبت مأتم بغرفتها، تنعي فيه كل ما هو جميل؛ إذ أنها ستدلف بعد لحظات إلى جحيم الشياطين، مـ.ـا.تت روحها والآن تقف خاوية تتلقى التعازي من الموجودين، حاولن كثيرًا أن يعدلوا من هيئتها التي لوثتها الدمـ.ـو.ع الغزيرة، إلا أن ذلك لم يجدِ، أصروا على اعدامها فقدمت نفسها قربانًا لذلك الحب الضائع، والذي علمت أنه مستحيل مهما فعلت .
دلفت " أمينة" التي شق الحزن مجرى قسمـ.ـا.تها، توجهت ناحيتها بخطوات معبئة بالخزي؛ لعدم تقديم يد العون لها والتي طلبتها مرارًا وتكرارًا منها، حاولت التماسك قدر المستطاع حتى لا تزيد الطين بلل، جلست ورسمت ابتسامة باهتة وهتفت بفرح مصطنع، فبداخلها مائدة مستديرة يتشح ضيوفها الأسود لتلقي العزاء تضامنًا معها :- بسم الله ما شاء الله عروستنا كيف القمر .
تساقطت دمـ.ـو.عها سريعًا، تهطل كما في ليلة شتاء عاصف، ملبد بالغيوم السوداء فأحدثت ضجيجًا وانهمرت الماء بغزارة، خرج صوتها المتحشرج :- عزيني في روحي يا مرت عمي، خلاص مُت اللي بتحدتك دي واحدة ميتة بياخدوا عزاها .
ربتت على ظهرها بلطف قائلة بمآقي فاضت دمـ.ـو.عها، فاتخذت وجنتيها مجرى لتصب فيه عبراتها، رددت بحنو :- بعد الشر عنك يا بتي، إن شاء الله اللي يكرهك، حاولت يا بتي حاولت بس مقدرتش .
ألقت بذاتها بين ذراعيها، تعايش سكرات الموت كالذبيح الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، بينما احتضنتها الأخرى بعاطفة امومية جياشة، وهي تتذكر ما بذلته لمساعدتها، والذي ذهب أدراج الرياح ولم تفلح في أن تحرز أي تقدم ولو ببنت شفة، عادت بذاكرتها للخلف تحديدًا منذ يومين، إذ دلفت غرفته والأمل يغمرها من رأسها لأخمص قدميها، تمني النفس بأنه سيوافق وسيفعل ما تمليه عليه، جلست إلى جواره وبعد أن دلفت معه في نقاش عادي، شعر هو بأنها تحيك لأمر ما، وتريد البوح به ولكنها مترددة، فهتف بفضول :- خير يا أما، في حاچة ؟
ابتسمت بتـ.ـو.تر تشجع ذاتها على أن توشي بما يجثو فوق صدرها فترتاح من تأنيب الضمير الذي يحوم حولها منذ أن علمت بالموضوع، فرددت بتلعثم :- رايدة أقولك حاچة إكدة، بس بالله عليك يا ولدي ما تكسفني .
اعتدل في جلسته وأردف بدهشة :- أنتِ تأمري يا أما وأنا أنفذ، اتفضلي قولي .
أردفت بتلجلج في حروفها :- كتب كتاب بت عمك بعد يومين .
قطب جبينه بتعجب قائلًا بمبالاة :- أيوة يعني وبعدين ؟ بقلم زكية محمد
جزت على أسنانها بعنف قائلة بغيظ من بروده الصقيعي :- رايداك تمنع الچوازة دي بأي شكل، البت مموتة روحها من البُكا، صعبانة علي يا يحيى محدش چارها، هي مرايدهوش بس أمها غاصبة عليها، ساعدها يا ولدي طالما في يدك إنك تساعدها .
لوى شـ.ـدقه بسخرية وردد بــــاستخفاف :- ريداني أعمل إيه يعني ؟ أروح أهربها ولا أروح اقول لأبوها متچوزهاش ؟
نفخت بنفاذ صبر وقالت بحذر :- ريداك تتچوزها يا يحيى .
انتفض في موضعه كمن لدغته حية، وطالعها بصدمة سرعان ما اكفهر وجهه، وبرزت عروقه وأردف بغضب ملجم بالهدوء للماثلة أمامه :- أعمل إيه ؟ أتچوزها ؟ أنتِ واعية لحديتك دة ريداني أحط يدي في يد اللي قهر أبوي السنين دي كلاتها ؟
تابعت بــــاستمالة لتنل عطفه :- ملناش صالح بيه، إحنا كل اللي يهمنا البنية لا أكتر ولا أقل .
ردد بحدة طفيفة :- حديت إيه دة يا أما ؟ الله يرضى عليكِ بزيداكِ وفري تعبك لأني مهعملش حاچة زي دي واصل، اللي بينا عداوة وتقوليلي أتچوز بته !
هزت رأسها بإصرار فستفعل كل ما بوسعها لإنقاذ تلك البريئة من عرينهم :- هَمِلّك واصل من العداوة دي، ربنا ما يكتبها عليكم بس فكر زين يا ولدي في حد متشعـ.ـبـ.ـط في قشاية رايد أي حاچة تنچيه، متبخلش عليه واصل يا ولدي .
زفر بحنق وجلس يهز قدميه بعصبية، بينما ربتت هي على كتفه وأردفت بحزن وقد تغلب عليها اليأس :- هسيبك لضميرك يا ولدي واللي يقولك عليه اعمله، بس وحياة أغلى ما عندك ما تكسف طلبي .
قالت ذلك ثم انصرفت تجر أذيال الخيبة، تاركة إياه يتخبط من درب لآخر يفكر في حديثها، عودة للوقت الحالي وهي تأكدت تمامًا أنه رفض طلبها، فهمست برجاء :- عدلها من عندك يارب .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بالأسفل ألقى خبره الذي كان بمثابة الرياح العاتية، التي أجتثت ألسنتهم فأخرستهم، بينما ظل هو يتابع وجهه الذي أربد بشكل ملحوظ، وتحول إلى قذيفة نار مشتعلة تحرق من يقترب منه، تقدم منه بثبات ووقف قبالته قائلًا بخبث وهو يرى وجهه الذي شحب :- إيه يا عمي هو عشان خلاف بيناتنا هتچوز مرتي لراچل تاني، وزة شيطان يا عمي ودلوك رايد نكتب الكتاب من تاني عشان أبقى رديتها قدام الكل .
تعالت الهمهمـ.ـا.ت بالمجلس، وهم يستمعون لتلك التصريحات التي نزلت عليهم كالصاعقة، مال "سالم" نحو "يحيى" وهمس باحتدام :- بتخربط بتقول إيه يا واكل ناسك ؟ أنت واعي للي عملته دة ؟
ابتسم ببرود وهتف بنفس الهمس :- مشيها إكدة بدل ما أقول كاتبين عـ.ـر.في، وأنت خابرني أعملها وسط الخلق دي . بقلم زكية محمد
اتسعت عيناه ببريق ينم عن الاحتداد القائظ، لقد وضعه بركن لا مفر منه ولا هرب، كيف له أن يفعل شيئًا كهذا ؟ كيف واتته الجرأة من الأساس ؟ قبض على يده بعنف فبماذا سيتحدث أمام ذلك الرهط من الناس ؟
زمجر راشـ.ـد باعتراض شـ.ـديد وهتف بجلجلة :- إيه الحديت الماسخ دة ؟ هو دة اللي اتفقنا عليه يا سالم ؟
اذدرد ريقه بتـ.ـو.تر عاجز لسانه عن النطق، ليتدخل "يحيى" الذي أردف بمكر :- معلش يا عم راشـ.ـد أصل عمي كان رايد يربيني شوية عشان ما أكررش اللي عملته، منچلكش في حاچة عفشة .
تطلع ناحيته وردد بغضب عاصف :- يعني إيه لعب العيال دة يا سالم؟ بتصغرني عشان رايد تربي جوز بتك ؟ ومقولتش ليه أنها متچوزة قبل سابق ؟ مش دي الأصول واصل يا سالم، بينا يا رچالة .
انصرف بصحبة الجمع الذين وفدوا معه، بينما جلس يحيى إلي جوار المأذون وردد بعبث :- يلا يا شيخنا اكتب الكتاب خلينا نفرح، تعال يا عمي يا نسيبي أقعد وحط يدك في يدي .
فارت دمائه وبرزت عروقه، وكاد أن ينفجر كالقنبلة التي لو دوت لأطاحت بهم جميعًا، نظر للجمع حوله فوجدهم يطالعوه بترقب، فما كان أمامه سوى أن يرضخ لطلبه، حيث جلس على الجانب الآخر ومن ثم بدأت الإجراءات لتتعالى بعدها المبـ.ـاركات، تزامنًا مع إطـ.ـلا.ق النار بالهواء وأصوات المزمار الصعيدي تصدح في الأرجاء، أردف سالم بغيظ :- مش هعديهالك يا يحيى .
ابتسم بسماجة قائلًا بتهكم :- وه يا عمي دي چزاتي يعني ! يا راچل أفرح دة فرح بتك النهاردة .
عض على شفتيه بغيظ، فقد تمكن منه هذه المرة وردد بغل :- بتصغرني وسط الخلق يا واد عامر هي دي عملة تعملها ؟
حك مؤخرة رأسه وردد بفحيح :- بردلك الچميل يا عمي، ولا أنت نسيت عملت إيه في أبوي !
هدر بانفعال :- عملت إيه ؟ دة حقي ولا أنت هتحاسبني على شرع ربنا روح قول لچدك ليه ما أديتش ورث لأبوي .
كشر عن أنيابه وردد بحدة :- قصدك تقول حق أبوي اللي أنت لهفته .
تدخل "عامر" عنـ.ـد.ما ارتفع ضجيجهم، وسحب ابنه بعيدًا وهتف بهدوء :- مبـ.ـارك لبتك يا أخوي ربنا يكتبها چوازة العمر إن شاء الله، وحدوا ربنا إحنا في فرح لا هو وقت عراك ولا وقت عتاب، يلا هنشمت الناس فينا ولا إيه ؟
التزما الصمت وكل منهم يود الفتك بالآخر، نفضا جلابيبهم ومن ثم استدار سالم ليترك المكان، يحاول أن يرسم بسمة سعيدة حتى لا يشك به أحد، بينما أردف عامر بتوبيخ :- إيه اللي أنت عملته دة يا يحيى ؟
أردف بغيظ :- وه يا أبوي دة بدل ما تقولي عفارم عليك إني خليته في وسط خلقاته بين الخلق ؟
أجابه بضجر :- شوف يا ولدي، اللي بيني وبين عمك ملهوش صالح بيكم انتوا عيال عم وهو عمكم يعني واچب عليكم أنكم تحترموه غير إكدة لاه .
صمت قليلًا ثم ربت على كتفه بفخر واعتزاز مرددًا :- بس عفارم عليك يا واد، نچدت البنية من راشـ.ـد الراچل قليل الأصل دة .
أردف من بين أسنانه بسخط :- نعمل إيه للحچة أمينة ؟ قعدت تزن تزن على راسي .
تابع بخبث :- وضميرك مـ.ـا.ت إياك ؟
ردد بسرعة :- لاه بس أنا عملت إكدة كيف ما طلبت أمي مني .
هز رأسه بعدم اقتناع وأردف بروية :- ماشي نمشيها الحچة أمينة، يلا تعال نوقف مع الرچالة .
بعد وقت دلف هو للداخل ليصحب عروسه إلى منصة الزفاف الخاصة بهم، ظلت جـ.ـا.مدة كالتمثال لا حركة فيها عدا ذاك الشهيق والزفير الذي يلج ويخرج، هزت رأسها بعنف لعلها تستيقظ من ذلك الحلم الوردي الذي تعيش فيه، وان من يقبع بجوارها هو فقط راشـ.ـد، الذي سينهي على حياتها وسيحولها إلى كابوس أسود تعاني لياليه الموجعة، أخذت تحدق النظر فيه بقوة ربما أُصيبت عيناها بالعمى، وهي تحرك وجهها بإيماءات غريبة دلالة على تشوشها، ورغبتها في معرفة الحقيقة، ليطالعها هو بحرج من الموجودين والمراقبين لهم، فخرج صوته الصارم يهمس بسخرية :- أقفلي خشمك دة واتعدلي الله يخرب بيتك، أختشي من الناس طيب .
جعدت أنفها بغرابة وعقلها يردد أن ذلك الصوت هو الخاص بمعذبها، قطبت جبينها بخوف وهي تشعر أنها على حافة السقوط في بحر الجنون والهذيان، أصبحت تتخيله في كل شخص ولم تكتفي عند هذا الحد، ليتردد صوته في أذنيها، هتفت بخفوت ووجل وهي تنعي نفسها :- يا مرك يا شمس، إتچنيتي ؟ لاه لازمًا اكشف على حالي لأحسن التهيؤات دي تخبلني أكتر ما أنا مخبولة .
نتأت مقلتاه بذهول حينما سمع همسها ليردد بحدة طفيفة :- فوقي يا واكلة ناسك بدل ما أرزعك كف يطيرك .
انكمشت أكثر في نفسها بوجل، ونظرت له قائلة بهلع :- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، انصرف انصرف .
كاد أن يصل ثغره للأرض، وهو يتابعها بصدمة من تصرفاتها الرعناء، ليتابع بغضب مكبوت :- شوفتي عفريت أياك ؟ والله شكلك رايدالك علقة زينة تعدل راسك .
ارتعشت فرائسها ورددت بهمس :- فوقي يا شمس فوقي مش هو مش هو .
مسح بكفه الكبير على وجهه الذي احتقن بغضب، وهو يود لو يفلقها نصفين تلك البلهاء، التي تتصرف بجنون عاصف من يراها يقسم بأنها خرقاء، وبحاجة لمشفى الأمراض العقلية للتأكد من صحة عقلها الأبله، والذي بالتأكيد سيكون في نطاق العته بسخاء .
اقتربت أمينة تعانقهم بحب، ودمـ.ـو.ع فرح أنه لم يخيب ظنها، وبادلت الأخرى العناق والتي هتفت بذهول وعدم تصديق :- الحقي يا مرت عمي، راشـ.ـد چايلي في صورة ولدك يحيى، بايني خرفت بدري !
ضحكت بخفة قائلة بمرح :- لاه يا بتي دة مش راشـ.ـد دة ولدي يحيى بحق وحقيقي .
توسعت عيناها على اخرهما، وهي تطالعها بنظرات تتساءل فيها عن مدى صدق حديثها، لتهز الأخيرة رأسها بتأكيد قائلة :- أيوة يا بتي صُح دة يحيى، مفيش راشـ.ـد دلوك في يحيى وبس .
أردفت بصدمة وصوت عال :- وه وه يا أبوي، أنتِ قصدك تقولي إن يحيى هو اللي إتچوزني ؟
ضحكت بصخب عليها، لتتسع مقلتيها بذهول عنـ.ـد.ما وجدتها تطلق الزغاريد بصخب، لتزيد من صدمتهما عنـ.ـد.ما احتضنت يحيى بقوة وهي تردد بسعادة :- أنت يعني اللي أتچوزتني مش راشـ.ـد ؟ أنا مرتك يا يحيى ؟
ابعدها عنه برفق وهو يكاد يتغلب عليه الهذيان، من تصرفاتها الغريبة على غير العادة، وأردف بتهديد خافت وهو يميل على أذن والدته :- أما عقليها بدل ما أقسمها نصين، دي عمايل دي !
كبحت ضحكها بصعوبة على الموقف برمته، مسكتها من يدها قائلة بهدوء :- هدي حالك مش إكدة، الناس تقول إيه عدي الساعة دي على خير وكيف ما بدك تعمليه اعمليه .
اغرورقت عيناها بالدمـ.ـو.ع ورددت بعدم تصديق :- قولي والله دة مش راشـ.ـد ؟ يعني دة صُح مش بحلم ؟
أردفت بابتسامة عريضة :- أيوة يا بتي صُح، أنتِ طيبة وتستاهلي الخير .
رفرف قلبها في ضلوعها، ومن ثم جاب جميع الأركان يغني فرحًا، لا يصدق بما نال وحظى به، يا لها من سعادة غامرة اجتاحت سائر بدنها، تنير دروبًا مظلمة ظنت أن لن يأتي عليها ضوء، ها قد أتت فرصتها ولن تضيعها مهما كلف الأمر، لن تدعه دون أن يسقط في محيط العشق كما فعلت، لن تسبح فيه بمفردها بعد الآن فقد كلت وتعبت، آن الأوان أن يشاركها ويمد لها يد العون، قوست جبينها بضيق حينما تذكرت كونها ممتلئة الجسد، ولكنها عزمت على أن تتغير من أجله هو، نعم ستفعل المستحيل ما دامت روحها تسكن الى جواره، فهذه بداية السلم وستصعد إلى أن ترتقي درجاته بأكملها .
انتهت المراسم لتزف إليه، وبينما كانا في طريقهم للأعلى حيث الشقة الخاص به، إذ بنى عامر لأولاده في تلك الفترة ثلاث شقق واسعة مستقلة، شعرت بتخدر في أطرافها وكأن كل ما نوت عليه تبخر في عشية وضحاها، تود الفرار ويحدث ما يحدث، تعالت دقات قلبها الصاخبة والتي تقيم حفلًا صاخب من نوع آخر، تشعر بأنه سيتوقف من كثرة ضخه النازف والمرهق لها، اذدردت ريقها بتـ.ـو.تر وسحبت نفسًا عميقًا تملئ رئتها بالهواء الذي سُحِب منها على عين غرة، كانت والدتها وزوجة عمها تسيران خلفهما حتى يتواروا بالداخل، مدت يدها نحو والدتها وتمسكت بكفها، لعلها تبثها بعضًا من الهدوء، إلا أن ذلك لم يفلح فمالت عليها تهمس :- أما أنا رايدة أچي وياكِ، مريداش أروح وياه .
حدجتها بصرامة وهتفت بهمس مماثل :- بتخربطي بتقولي إيه يا واكلة ناسك ؟ رايدة الفضايح والچِرس لأبوكي ؟ فوتي وخلي ليلتك تعدي .
لم تفهمها كالعادة فمطت شفتيها بحنق، وتابعت سيرها إلى حيث لا تدري ما مصيرها معه، ودت لو تصرح لزوجة عمها بمكنونات صدرها ولكنها خشت أن تخبره بدورها ويعلم حينها، فبأي وجه ستنظر له بعد أن يعرف ؟ بقلم زكية محمد
وصلت معه أخيرًا لوجهتهم الأخيرة، ودلفا سويًا بعد أن غادر من أتى بصحبتهم، وما إن غلق الباب انتفضت بشـ.ـدة، لاحظ هو ذلك ولكنه لم يعقب وما إن رأته مقدمًا نحوها، هتفت بذعر :- خليك مُطرحك متقربش، سامع ؟
لا تزال تمطره بوابل من المفاجآت، وكأنها تصر على أن تدفعه لهاوية الجنون، ابتسم بخبث ما إن رأى الوجل يشكل خطوطًا بعينيها التي يتحرك بؤبؤيهما بسرعة عاتية، دلالة على الخوف والتـ.ـو.تر، ابتسم بتهكم أليست تلك من كانت تحتضنه أمام الجميع ؟ ماذا حدث لها الآن ؟ لم تحولت لعصفور وهن لا يقدر على الحركة ؟
أخذ يتقدم نحوها بخطوات مدروسة، لتتراجع هي بحرص فركضت فجأة لآخر الغرفة قائلة بصوت مهزوز جاهدت أن تظهر فيه قوتها الواهية :- أنت، أنت بتقرب ليه يا چدع أنت؟ هصرخ وألم عليك الخلق كلاتهم .
إلى هنا ولم يستطع إذ انفجر في نوبة ضحك هستيرية، احتقن وجهه وتحول للأحمر الدامي، بينما أخذت هي تراقبه بتعجب وحيطة، ما إن انتهى خرج صوته الساخر :- هو أنتِ حد قالك إنك هطلة قبل سابق ؟ علي النعمة هطلة وأبصم بالعشرة كمان، الزمن كبرك بس مكبرش عقلك واصل .
جعدت أنفها بضيق جلي، وأردفت بسخط :- ملكش صالح وبعد من وشي خليني أمشي .
رفع حاجبه بــــاستنكار قائلًا :- تمشي ! تمشي تروحي وين يا نبيهة عصرك ؟
تابعت بتلجلج في الإجابة، مصحوب بالخجل الشـ.ـديد من فكرة وجودها معه بمفردها، فلم تتخيل أبدًا أن يحدث هذا وبهذه السرعة المطلقة :- هروح لأمي، أتوحشتها ..
أردف بعبث وقد فهم ما ترمي له :- أتوحشتيها وهي لسة فيتاكِ ! اه يا خوافة مهتعقليش واصل، أهدي يا بت الناس إكدة خلي ليلتك تعدي .
أردفت بتذمر :- ومالها ليليتي اللي كلاتكم رايدينها تعدي دي ! دي مبقتش عيشة دي .
جز على أسنانه بعنف قائلًا :- وطي حِسَك دة ميعلاش تاني، فاهمة ؟
هزت رأسها بموافقة وتابعت :- طيب طيب بس هملني أروح، مريداش أقعد إهنة .
وما إن توجهت صوب الباب، صرخت بعنف ما إن وجدته يطوق خصرها بأذرعه الشامخة القوية، بينما تابع هو بمكر :- وه يا عروسة رايحة وين في ساعة زي دي ؟
أخذ صدرها يتصاعد ويهبط بعنف مفرط، عنـ.ـد.ما وجدت نفسها في حضرة حصاره المتين، وبوتقته الخاصة التي تتواجد بها لأول مرة، خرجت كلمـ.ـا.تها المتهدجة والضعيفة كحالها، فقد تحولت لخرقة بالية مر عليها الزمن، فقدت سطوتها وقوتها التي أخذت تتظاهر بها منذ قليل :- يحيى، أنت، أنت....
ردد بخبث وهو يتابع انصهارها خجلًا كالفلز الذي يتعرض لدرجة الغليان :- أنا إيه ؟ بقى رايدة تمشي إكدة وتخلي سمعتي هباب .
رفعت مقلتيها تجاه خاصته وأردفت بخفوت وغباء :- وايه اللي دخل سمعتك في إني أمشي ؟
أشار بإصبعه على رأسها بغضب مكبوت وردد بوجه مكفهر :- دماغك دي فيها إيه؟ أنتِ متوكدة إنك دكتورة، ولا أتعديتي من البهايم اللي بتعالچيها ؟
ضيقت عينيها بغل من سخريته المتكررة بشأن عملها، فدفعته بقوة قائلة بحدة :- ملكش صالح بيا ومتتريقش تاني على البهايم عشان هما أحسن منك .
وكانت حروفها الأخيرة بمثابة مسمار أخير دقته في نعشها، عنـ.ـد.ما وجدته تحول لتنين مجنح يبخ ألسنة النيران من ثغره، فلفحت صفحة وجهها النضرة والتي تحولت للهيب مشتعل، لتهم بالفرار من براثنه، إلا أنه قبض على ذراعها باحكام قائلًا ببسمة شيطانية :- أنتِ اللي چبتيه لنفسك ....
*********************************
↚
صرخت بفزع ووثبت بعيدًا عن مرماه، رفعت إصبعها المرتعش في وجهه قائلة بتهديد واهي :- لو ضـ.ـر.بتني هقول لعمي عامر، سامعني ؟
إلا أن الكمد أعمى بصره، ورغبة واحدة مصوبة أمامه وهي الفتك بها، والتخلص من عقلها الأبله ومن ترهاتها الغير متناهية، بلعت ريقها بصعوبة وقد تداركت أنها في فخ الأسد الآن، ولا مفر لها من الهرب مهما فعلت، ما إن اقترب منها وضعت كلتا يديها على وجهها بذعر خشية أن يصفعها، بينما طالعها هو بذهول قائلًا
:- هو أنتِ ليه محسساني إني عفش إكدة ؟ مرة شتيمة ومرة مفكراني هضـ.ـر.بك، بصي يا بت الناس عشان نحط النقط على الحروف، الچوازة دي مهياش إلا مصلحة .
بصرته بغرابة من حديثه ليردف هو بتوضيح :- أنتِ مكنتيش رايدة تتچوزي راشـ.ـد، فدة كان شهامة مني مع إن أبوكي يستاهل الحرق، بس يلا أهو كله بثوابه .
برقت مقلتاها بلهيب الاحتداد، ورددت بغضب دفاعًا عن والدها، وللثأر لنفسها من خضم قسوته وكلامه الذي خيم الحزن على كل خلية بداخلها :- متغلطش في أبوي تاني، وإن كان على الچوازة متشكرين چميلك نردهولك في أقرب وقت، وشكرًا يا واد عمي قوي على حديتك دة . بقلم زكية محمد
لتردف بقسوة لاذعة قصدتها؛ حتى لا تتساقط دمـ.ـو.عها الآن أمامه وينكشف عشقها المكنون في ثنايا وجدانها، فهذا آخر ما ترنو إليه، لن تظهر له ضعفها ستعامله بالمثل وخاصة بعد عبـ.ـاراته السامة التي أذاقها لها منذ لحظات، والتي لولا أنها اسعفت ذاتها بكلمـ.ـا.ت محمسة لسقطت صريعة في الحال :- أوعاك تفكر إني مبسوطة، لاه الواحدة بتبقى مبسوطة لما تكون ويا اللي بتتمناه، إنما أنا .......
صمتت تبتلع الغصة التي تشكلت بحلقها، وهي تحارب ذلك النشيج حتى لا تنخرط فيه، وتابعت بوجع خفي، فهي أرادت أن تخبره بأنها كانت ستصير أسعد من وجِد على الأرض، لو أنه غير معاملته الفظة تلك معها، وأنه بثها كلمـ.ـا.ت تطمئن قلبها الهش الغارق في بحر حبه، ولكنه ماذا فعل ؟ سوى أنه تلفظ بوابل من الحجارة رشقها بها، فأصابتها بمفترق جسدها فنزفت على إثرها، خرجت كلمـ.ـا.تها التي تشهد على كذبها ولكن ماذا تفعل، فوضعت كرامتها نصب عينيها أولًا :- إنما أنا مريداش الچوازة دي، أنا أتفاچئت بيك لما قالولي أنه أنت، مكنتش رايدة مساعدة وخصوصًا منك عشان ..عشان، أنت.. أنت..
قاطعها مردفا بغلظة :- لو نطقتي حرف تشتمي بيه هقطعلك لسانك اللي فرحنالي بيه دة، وبعدين إيه اللي مريداش مريداش، حد قالك إني هموت عليكِ لا سمح الله ؟ والله العظيم يا چدع !
جلدتها حروفه بقساوة دون أن ترأف لحالها، وباءت أحلامها في أن تتلاشى، شعرت بأنها سقطت من السماء أرضًا بعد أن كانت تحلق بسعادة غامرة بين السحب البيضاء، لتفوق على واقع علقم ينافي تمامًا ما تخيلته بلبها الحالم، أغضبتها كلمـ.ـا.ته فأردفت بحدة :- هي مرتك مـ.ـا.تت من شوية ! دي ليها الچنة .
لم تصر على جعله شخصًا آخر غير الذي يقف أمامها، والذي بالتأكيد سيبتلعها في موجة غضبه العاصفة، إذ قبض على ذراعها يضغط عليه بقوة كادت أن تهشمه، وهو يطالعها بجحيم متمثل في عينيه، بينما ارتعشت فرائصها ولعنت ذاتها أنها تسرعت وتفوهت بكلمـ.ـا.تها التي أوصلته لهذا الحد، لم تستطع تحمل ضغطه الحاد على ذراعها فتمثل ذلك في دمـ.ـو.عها التي سرعان ما ظهرت، لتهطل على وجنتيها فتزيدهما لهيب على سخونتهما، خرج صوته الأجش يأمرها :- سيرتها متچيش على لسانك تاني .
رفع صوته عاليًا يردد بصخب :- إخفي من خِلقتي الساعة دي .
وبالفعل لم تنتظر أكثر إذ ركضت كالرياح ودلفت لإحدى الغرف، وهي لا تصدق أنها نجت من نيرانه الحارقة والتي طالتها بعضًا منها، فماذا إن شملتها ؟ جلست على الفراش وهنا خارت قوتها الواهية التي تظاهرت بها امامه، بكت بصوت مكتوم كي لا يصل لمسامعه، تنعي جرح قلبها النازف والذي لم يقـ.ـتـ.ـله سواه، يا ليتها ما عاشت تلك اللحظات وظلت فقط تحتفظ بذكرياتها البريئة، والتي بعيدة كل البعد عن ذلك الوحش الذي يقبع بالخارج، توقفت عن البكاء فجأة وتطلعت أمامها بعينيها الدامية، والتي تنم عن إصرار غريب وتحد له ورددت بوعيد :- ماشي يا يحيى هتشوف، ان ما نـ.ـد.متك مبقاش شمس .
بينما بالخارج ظل مكانه، وهو يحمد الله أنها انصرفت من أمامه، فلو ظلت لحظة أخرى لصب جام احتدامه عليها، وطرحها قتيلة في الحال فقد وصلت إلى أقصى الدرجات التي جعلته يفور كالمرجل، بكل غباء منها تهرتل بكلام أحمق كحالها، وهو صبره نفذ ووصل لطريق مسدود معها، ركل الطاولة الصغيرة التي تتوسط الصالة، فتناثر كل ما عليها محدثًا جلبة أجفلت هي على إثرها، جلس بإهمال بعدها وعم الصمت المكان إلا من أنفاسه المتسارعة .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
روح خاوية من الحياة، وكيف تهنئ بها ووالدتها تقاطعها منذ ذلك الحادث الشؤم، لو تعلم أن هذا ما كان سيحدث لما خطت خطوة من مكانها، ولكن هذا قدرها ولا مفر منه، لم تعد كما السابق لم تنتظره بوله كعادتها، وكيف تفعل وقد رأته على حقيقته التي باتت تخاف منها، فابتعدت عن كل شيء يمكنها من رؤيته، سفحها بسكين حاد ولم يعيرها أدنى أهمية، تبًا لعشق يجعل معتنقيه بلا جدوى، اقتربت من والدتها على استحياء ونطقت بتثاقل وشفاه مرتجفة :- أما !
تنهدت بعمق ولم ترد عليها، على الرغم من أنها تود زرعها وسط اضلعها، ولكنها مستمرة على مسيرتها تضعها في دائرة العقاب، والتي لا تعلم إلى متى ستنتهي ؟
اقتربت منها وأردفت بوجع :- لحد ميتا يا أما ؟ بموت والله وأنتِ مدرياش بيني، سامحيني يا أما الله يخليكي محداييش غيرك .
خرج صوتها المحمل بنبرة سخرية لاذعة :- والبيه اللي ضحك عليكِ راح وين، لما محداكيش غيري ؟
التقطت يدها وقبلتها بحب، وتمسكت بها قائلة بدمـ.ـو.ع :- صدقيني يا أما مكرتهش قده، يلا بينا نهمل الدار ونروح أيوتها مطرح غير اهنة، أنا بقيت أخاف منيه يا أما والخوف بيتغلب على أي حاچة تاني .
رفعت مقلتيها ترمقها بنظرات، لو كانت رصاصًا لقـ.ـتـ.ـلتها في الحال، وتابعت بخفوت وهي تتابع نظرات الأخريات لهن :- رايدة تمشي وتخلي الغلط يلاحقنا، بعد ما ربنا نفخ في صورنا وبعتلنا الراچل الزين دة ؟
سحبتها على حين غرة، وانصرفت بها من الباب الخلفي، لتصلا لحديقة المنزل الخلفية، وهنا دفعتها بحدة قائلة بغضب وقد فاض الكيل منها :- اسمعي يا بت، مش بعد كل اللي عملته تاچي تهديه في لحظة، أنتِ هتكملي رچلك فوق رقبتك، محدش ضـ.ـر.بك على يدك وقالك تعملي إكدة يا بت بطني، أقعدي ساكتة الله يرضى عنك، سيبيني في الهم اللي شيلتهولي .
جثت أرضًا تحت أقدام والدتها قائلة بدمـ.ـو.ع تشق وجهتها :- أحب على يدك يا أما، أرحميني معدتش قادرة أتحمل، كأنك غرستي سكين في صدري لا أنتِ راحماني وشيلاها ولا أنتِ قـ.ـا.تلاني بيها وتريحيني وارتاح.
قبضت على شعرها بعنف ورددت بغيظ :- خليكي إكدة يمكن تحسي شوية باللي حساه، اللي عملتيه واعر قوي يا وچد وأنتِ مدرياش .
أردفت بضعف وقد بلغ حزنها قمم الجبال :- خلاص يا أما اقـ.ـتـ.ـليني عشان ترتاحي مني، والله تعبت وفاض بيا .
تابعت بقسوة :- لاه القـ.ـتـ.ـل خسارة فيكِ، أنتِ لازمًا تعيشي بذنبك عشان تتعلمي وت عـ.ـر.في إن الله حق، همليني دلوك أنا على أخرى منك .
تمسكت بها برجاء قائلة ببكاء حار :- يا أما متصدقهومش، الناس بتاچي على اللي ملهوش ضهر وتضـ.ـر.ب وتچلد كيف ما بدها، خابرة لو لينا حيطة نتدارى فيها محدش كان نطق بكلمة شينة في حقي، أنا مبقولش إكدة عشان أقول إني مغلطش، لاه يا أما غلطت لما طاوعت قلبي اللي رايد الحرق وروحت إهناك عشان أوعاله، بس مكنتش اعرف أنها هتاچي على راسي، والله يا أما ما عملت حاچة تزعلك مني واصل .
شملتها بنظرات مستنكرة، وهزت رأسها بأسى قائلة بجمود :- بتي حطت راسي في الطين ودي اللي مش هنسهالك واصل، واصل يا وجد .
دفعتها وانصرفت وتركتها تدلف في موجة بل بكاء مرير، لم يلومها الجميع على خطأ لم تقترفه من الأساس ؟ لم ينقلون الأحاديث الباطلة على ألسنتهم التي تمطر بوابل من الكلمـ.ـا.ت التي في غير محلها، وكل ذلك من أجل سكب المزيد من البنزين على النار، ليزيد من الموضوع إثارة وكأنه عرض سينمائي يستمتعون بمشاهدته، أخذت تضـ.ـر.ب بيدها بقوة على الأرض، مع علو صوت بكائها الذي يذيب الحجر، ومن الحجارة ما يتفجر منها الأنهار، على عكس البشر الذين يمتلكون قلوبًا صلدة، بكت كما لم تبك من قبل، وشعور الوحدة يطغي عليها فهي غصن هش، لا يقدر على الحركة بمفرده، دون أن يجد دعامة تسنده، ولكن للأسف هذه الدعامة تخلت عنها .
كان في طريقه للعودة من عمله، وأثناء سيره سمع صوت شهقات عالية تجوب الأركان، فتوجه ناحية الصوت ليصدم حينما وجدها هي متكورة في ركن، يهتز بدنها دلالة على بكائها، اقترب منها بهدوء حتى إنها لم تشعر به، مال قبالتها وهتف بتساؤل :- بتبكي ليه ؟ بقلم زكية محمد
انتفضت مكانها إثر صوته المفاجئ، ورفعت مآقيها الدامية صوبه والتي اهتزت أضلعه لها، أما هي فعلت ما جعل لسانه يشل عن النطق، والصدمة تظهر على محياه، إذ هاجمته بضرواة غير مسبوقة منها، تضـ.ـر.به بكل قوتها في صدره وهي تردد بعدائية :- أنت السبب، أنا بكرهك، بكرهك ياخالد، أنت السبب .
أحكم قبضتيه على رسغيها، وشل حركتها تمامًا قائلًا بذهول :- بتعملي إيه يا واكلة ناسك أنتِ ؟ أتچنيتي إياك ؟
أخذت تناضل من أجل فك قيدها المحكوم في أغلاله، قائلة بصراخ :- بعد عني وهملني، أنت السبب ربنا ياخدك ويعذبك كيف ما بتعذب و ......
لم يكن أمامه طريقه ليخرسها بها، سوى أنه سحب أنفاسها بطريقته الخاصة، ليجد نفسه ينساق خلف ذلك الشعور الذي تملكه، شعر بزلزال أطاح به من الداخل، فاتسعت عيناه بعدم تصديق لما يحدث له، بينما اجتاحها هي الرعـ.ـب وهي تشعر بتلك المعاناة التي عاشتها تلك الليلة تتكرر نصب عينيها، طرق قلبها معلنًا حدوث حرب يشن هو بغاراته عليه، بينما لا تملك أي نوع من الأسلحة لتواجهه، ابتعد عنها أخيرًا عنـ.ـد.ما تذوق ملوحة دمـ.ـو.عها، ليردد بخبث :- ملقيتش طريقة غير دي اسكتك بيها، وشكلها إكدة عملت مفعول .
زحفت الحمرة لوجنتيها سريعًا خجلًا وغضبًا، لتدفعه بشـ.ـدة قائلة :- يا قليل الحيا !
نتأت عيناه بتهديد :- ها هنعقل ولا نكرر الدوا تاني ؟
تراجعت للخلف بحذر، وهي تهز رأسها برفض فردد هو بانتصار وهو يمسكها من وجنتها يقرصها بخفة :- إكدة تعچبيني يا وچد .
جزبت يده بتذمر قائلة :- متقربش مني تاني أنت سامع ؟
ردد بعبث ووقاحة وهو يحدجها بنظرات ودت لو تبتلعها الأرض على إثرها :- أومال هنعمل ايه هنلعب إياك ؟
نهضت لتختفي من أمامه ومن وقاحته، لتشعر بدوار عنيف يعصف بها، ولكنها تمالكت لتهرب منه وحتى لا يفكر أنها لقمة سائغة، يمكن الحصول عليها بيسر وسهولة، ترنحت في مشيها ليلاحظ هو ذلك، وكادت أن تقع لولا يديه التي شكلت حاجزًا بينها وبين الأرض، لتردف بوهن قبل أن توصد عيناها مستسلمة للظلام الحالك الذي يطوقها من كل جانب :- هملني لحالي .
حملها بخفة وهو يتابع سكونها المفاجئ، تردد كثيرًا في خطواته ولكنه لم يأبه لأحد، فهي بالأخير زوجته أمام الجميع، صعد للأعلى وسط نظرات زبيدة المتبرمة و"نورا" التي تغدقه بنظرات حارقة، لو تجسدت لحولتهم إلى رماد .
هتفت الأم بكره وهي تراقب اختفائه :- عاچبك إكدة ؟ أهو فلت من تحت يدنا يا فالحة، واللي كنا رايدين نعمله راح .
جزت على أسنانها بغل ورددت بغيظ :- واعملك إيه عاد ؟ هو أنا كنت بنچم وخابرة باللي هيحصل ! لعبتها زين بت عطيات .
أردفت من بين أسنانها التي كادت أن تتهشم من ضغطها عليها :- بقى بت عطيات اللي ميسووش تلاتة تعريفة توقع الوقعة دي !
أردفت بحقد ورثته عنها :- بس أنا مش هسيبها تتهنى وبكرة تشوفي .
مصمصت شفتيها بعدم رضا قائلة :- وطالع بيها فوق قدام الخلق من غير خشا ولا درا ! صُح اللي أختشوا مـ.ـا.توا .
بالأعلى مددها برفق على الفراش، وبدأ في فحص مؤشراتها، جلس محازاتها يسمح لنفسه باكتشافها، لتمشط عينيه قسمـ.ـا.ت وجهها الشاحب، والذي على الرغم من ذلك لم يفقد بريقه، قام بتحرير وشاحها ليعطيها حرية التنفس وبدون وعي قربه من أنفه واستنشقه، ليجد نفس تلك الرائحة التي اخترقت صدره حينذاك، ولم تبرح محلها تغلف أضلعه وكأنها تنذره بأن القادم ليس بهين، وأن ليس فقط رائحتها هي من ستسكن جنباتك بل هي ستسير في أوردتك كما الدماء، غرز أصابعه في خصلاتها السوداء كالليل، ومن ثم أخذت يده مسارًا آخر، حينما مشت برفق على ملامحها شعر بعاصفة هوجاء تقتحم ثناياه، وهنا رنت أجراس الخطر وأنها تمثل تهديدًا تمارس سحرها عليه، وها هو يستجيب كالثمل الذي غرق في بحر الخمور المسكرة، فألقت تعويذتها عليه لتسيطر عليه، ويبدو أنها نجحت وبجدارة في ذلك، نهض مبتعدًا عنها، وهو يتذكر الأخرى التي تعاتبه نظراتها كلما رأته، حالة تيه يتواجد بها لا يعلم له مرسى لينجيه من بحر الظلمـ.ـا.ت، فاق من شروده على صوت انينها الخافت، جلست نصف جلسة وهي تضع يدها على رأسها تطلع حولها بغرابة، لاحظت أنها تلامس شعرها، لينتابها القلق فتنتفض بفزع وصرخت بصوتها كله، حينما وجدته ماثلًا أمامها يحدق فيها بنظرات لم تستشف معناها، حاوطت نفسها بذراعيها وهي تتفقد ملابسها، فهتفت بهلع :- أنا، أنا بعمل إيه اهنة؟ أنت عملت فيا إيه ؟
رفع حاجبه بــــاستنكار قائلًا بسخرية :- هكون عملت إيه يعني ؟ الحق عليا إني كشفت عليكِ !
ازدادت عدستيها اتساعا لتنهض وهي تضع حجابها على رأسها بإحكام وأخذت تردد بوجل :- يا مصيبتي السودة، يا فضيحتك يا وچد هيقولوا عليا إيه بعد ما يعرفوا إني في فرشتك ؟ منك لله يا بعيد حسبي الله ونعم الوكيل .
كبلها مجددًا لتقع تحت أسر ذراعيه، ليردد بصرامة وغضب :- بطلي هبل، ما اللي يشوف يشوف واللي يقعد يقعد هو ....
قاطعته وهي تهاجمه بظفورها الحادة قائلة بصراخ :- ما أنت مش خسران حاچة، بعد ما حطيت سمعتي في الطين، مخبراش كيف كنت مغشوشة فيك ! هملني وبعد خليني أمشي كفاية چِرس .
هزها بعنف صائحًا باحتداد :- أوعاكِ تنسي نفسك وأنتِ بتتحدتي وياي، فاهمة ؟
أردفت بوجع خفي وهي تلعن ذاك الغـ.ـبـ.ـي الذي يستوطن أضلعها، أنه فكر يومًا واحدًا به فها هو يذكرها بمركزها الاجتماعي، والذي لا يجب أن تغفل عنه :- منسياش نفسي يا دكتور، عارفة قيمتي زين .
دفعت يده بكبرياء ومن ثم توجهت لتغادر، لتشعر بالدوار يصيبها مرة أخرى، فاستندت على الجدار وعنـ.ـد.ما همت بأن تخطو خارج الغرفة، منعها قائلًا بحدة :- متبقاش راسك ناشفة، أنتِ ضعفانة ومحتاچة راحة ودوا .
مطت شفتيها بتهكم قائلة :- ملكش صالح إن شاء الله أولع دة ميخصكش .
جز على أسنانه بكمد مكتوم، وهو يود لو يضـ.ـر.ب رأسها الصلب في الجدار، لعلها تعود لرشـ.ـدها ولكنه تابع بجمود، وهو يرى تمردها الشـ.ـديد والذي لا يروقه ويجعله في مزاج سيء :- فعلًا ميخصنيش، بس ضميري الطبي ميسحمش أنزلي وهبعتلك الدوا وانتظمي عليه .
رددت بسرعة قبل أن تتحامل على نفسها، وتفر من أمامه كي تتقي شر بطشه :- خليهولك أشبع بيه، مريداش منك حاچة .
اشتعل فتيل الاحتدام، والذي سرعان ما سرت شظاياه لتنتشر بجميع خلايا جسده، من أفعال تلك الحمقاء التي تقف له بالند ولا تخافه، ضـ.ـر.ب الجدار بقوة بيده مرددًا بذهول وغضب في آن واحد :- وبعدين في البت دي ؟
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بعد مرور شهر كانت في طريقها للعودة من المزرعة كعادتها، اتبعت فيه اسلوب التجاهل حيث إتخذت من غرفة ابنته معقلًا لها تنام إلى جوارها، تاركة إياه فعنـ.ـد.ما يمس الأمر الكبرياء فلعنة على الحب وعلى معتنقي مذهبه، تشعر بانتصار كبير حققته حينما ترى كمده الواضح، غيظه منها عنـ.ـد.ما تعانده أمام الجميع، وعنـ.ـد.ما تتحدث برسمية شـ.ـديدة معه، على الرغم من أن ذلك يرهق فؤادها الذي يطالبها بالمزيد من القرب، إلا أنها نصبت حصارًا تحجم حركته من كافة الزوايا، لن تظهر له أية مشاعر تخصه حتى يغير طباعه القاسية ويقع في حبها كما فعلت، ابتسمت بسخرية من حالها على جملتها الأخيرة، كيف يحبها فبالتأكيد يحب زوجته الراحلة، والذي ثار كالبركان فجأة عنـ.ـد.ما ذكرتها في حديثها، كادت أن تستسلم لموجة بكاء حارق داهمتها، وهي تشعر أنها تجدف في مركب بيد واحدة ولا تدري لها مرسى، تكاد تغرق بمفردها في أبحر عشقه اللامتناهية، يا ليت الذكريات تمحى لمحته في الحال، ويا ليت القلب يصيبه زهايمر فينساه في الحال، ولكن كيف وهو يلاحقها أينما ذهبت ؟
وصلت لشقتهم الخاصة ودلفت لتنعم بحمام دافئ، يريحها من عناء اليوم، خرجت بعد دقائق وقامت بتمشيط شعرها، أجفلت فجأة من دلوفه المفاجئ، لتنهض قائلة بحدة تخفي تحتها رداء الخجل :- أنت كيف تدخل إكدة؟
حك أنفه بنفاذ صبر ولم يعبأ بحديثها، وتوجه ناحيتها قائلًا بغيظ :- هتفضلي إكدة لحد ميتا ؟ أوعاكِ تفكري إنك بتعملي دة بمزاچك، لاه أنا سايبك بكيفي بقول بكرة تعقل بكرة تعقل، لكن الواضح إن مفيش عقل .
وضعت يدها في خصرها بتحدٍ قائلة :- مش دة حديتك ليا قبل سابق، مستغرب ليه دلوك ورافض، أما عچايب !
أردف بحدة :- أوقفي عدل وبلاها قصعة الرقاصين دي .
انتبهت لعينيه اللتين تحدقان بها، لتردف بخجل وهي تداري ما يمكن مداراته :- بتبص على إيه يا قليل الحيا، أطلع برة .
رفع حاجبه بــــاستهجان، ولم يعطيها فرصة إذ حاصرها بذراعيه الأبية، واقترب منها إلى حد مهلك، وفعل ما جعلها تقف متجمدة كالتمثال الحجري المنحوت في جبل صلد ........
********************************
↚
ظل يرتشف من خمرها المسكر والذي أطاح به، ظن أنه يعاقبها بفعلته ليجد ذاته أسير تلك اللحظة، يشعر وكأنها مغناطيس تجذبه نحوها دون أي جهد منها، ابتعد عنها بعد أن شعر بانقطاع أنفاسها، وهو لا يزال يغمض عينيه مستمتعًا بذلك المذاق الذي علق بشفتيه .
شعرت هي وكأنها تمارس هواية الغطس فغاصت لأميال إلى الأعماق وصعدت فجأة لتسترد نفسها الذي كاد أن يوأد بالقاع، لم تتحرك بمقدار إنش واحد، بل ظلت متجمدة كالتمثال الحجري المنحوت في جبل صلد، عيناها متسعة على اخرهما وثغرها منفرج بذهول وعدم تصديق لما حدث منذ لحظات .
شعر بالقلق عليها من حالتها تلك، فقام بهزها برفق لعلها تعود للواقع الذي فصلت عنه، انتفضت بعنف وهنا عادت إلى رشـ.ـدها لتفاجئه بردة فعل غريبة، إذ تخطته وخرجت إلى الصالة، جلست أمام التلفاز بأعين زائغة وقلبها يخفق كبندول الساعة، بداخلها زوبعة مشاعر متضاربة كقطبي المغناطيس المتشابهين يتنافران حين الالتقاء، وها هي تشعر بالمثل غضب وفرح، سعادة وحزن، بمنتصف كل شيء لا تعلم عند أي نقطة تمكث، وضعت يدها على وجهها الذي يشع سخونة وكأنه تعرض لشعاع الشمس للتو، فتوهج من شـ.ـدة الحرارة التي سقطت عليه .
خرج هو خلفها ليرى أين هي بعد ردة فعلها، والتي أبهرته بشكل كامل، ليجدها تجلس أمام شاشة التلفاز بشرود وتخبط . أما هي ما إن رأته وثبت على الفور تنظر يمينًا ويسارًا تبحث عن مكان تختفي فيه، فليس لديها قدرة كافية لمجابهته الآن، فكم تود لو ترتدي قناع يخفيها عن عينيه فلا يراها، أو تكون غير مرئية في تلك اللحظة بالذات، ما إن همت لتركض جذبها من ذراعها ليهتف بنبرة هادئة :- فيكِ إيه أهدي .
عانقت عيناها الأرض تأبى تركها، بينما تعبث بأصابعها كطفل صغير، افتعل مشكلة وتم قبضه بالجرم المشهود، كما تحولت وجنتيها إلى بتلات ورود حمراء تسر الناظرين، رفع وجهها صوبه ليردد بلين ومشاغبة، فهي ليست كتلك التي تتحداه وتنظر في عينيه مباشرة دون خوف، بل يشاهد شخصية مغايرة تمامًا لما رآه طيلة تلك المدة التي مكثها معها تحت سقف واحد :- وه راح وين لسانك ؟ يكون كلته البِسة ؟ وريني إكدة أشوف .
وما كاد أن يقترب منها مجددًا، ضـ.ـر.بته على يده قائلة بفزع :- هتعمل إيه يا قليل الرباية ؟
ضحك بملئ فيه على لسانها السليط ذاك، هدأت نوباته ليردف بعبث :- طيب زين كنت فاكر إن البِس كله وبلعه .
جزت على أسنانها بغيظ مرددة :- بِس يستاهل قطع الرقبة قليل الحيا .
ابتسم بتلاعب فهي فهمت مرمى رسالته الخفية، لذلك قرر إكمال اللعبة إذ ردد بمكر :- قصدك تقولي إن البِسة لسانها طويل وعاوز القطع، وكلمة كمان في حقه هيكرر اللي عمله من شوية .
نتأت مقلتاها بصدمة قائلة :- تقصد إيه بحديتك دة ؟
مط شفتيه وتابع بمراوغة :- وأنتِ مالك ومال البِسة هي قريبتك لا سمح الله !
هزت رأسها بنفي وقد قررت أن تلتزم الصمت كي لا يطبق تهديده، فرددت بلجلجة وهروب منه فهي بالكاد تتحكم في أعصابها والتي انهارت في محيطه :- طيب، هروح أحضرلك الوكل .
كاد أن يصل حاجباه لسقف الغرفة، وهو يطالعها ببلاهة فخرجت كلمـ.ـا.ته تعبر عن حالته التي تعتريه :- هتحضريلي الوكل ! وه ايه الرضا دة كله ! ولا شكلك حطالي حاچة في الوكل عشان تخلصي مني .
قطبت جبينها بضيق قائلة :- ليه شايفني قتالة قُتلة ولا إيه ؟ بقلم زكية محمد
قرص وجنتها الممتلئة بمزاح قائلًا :- لاه شايفك سبع الليل فردالي چنحاتك، ولا راچل صُح .
عبست قسمـ.ـا.تها وهي تظن أنه يسخر منها، فرددت بخفوت :- ربنا يسامحك .
قالت ذلك ثم انصرفت للداخل، ليتابعها بنظرات متعجبة ليعي كلمـ.ـا.ته التي تفوه بها، ليضـ.ـر.ب رأسه بتوبيخ فالبتأكيد فهمته بشكل خاطئ، ليسرع من خطواته خلفها .
لم تستطع أن تحبس دمـ.ـو.عها، فحبيبها يهينها كما يفعل البقية حينما يسخرون منها، خرجت منها شهقات خافتة وبدأ جسدها بالارتجاف، تحاول كل المحاولات أن لا يصل صوت بكائها له بالخارج .
دلف بخفة لتحل عليه صاعقة، حينما وجدها مولية له ظهرها، وجسدها ينتفض دلالة على البكاء، هز رأسه بقلة حيلة وتوجه ناحيتها، وحمحم بخفوت لتنتبه له، وبالفعل قامت بتجفيف دمـ.ـو.عها سريعًا، ولكنها لا تعلم إنه رآها بالفعل، خرج صوتها المتحشرج قائلة بجمود :- ثواني والوكل يسخن .
قالتها وهي لا تزال تعطيه ظهرها، حتى لا يرى انتفاخ عينيها اللتين سكبتا الدمـ.ـو.ع على سطح وجنتيها، أدارها إليه بحذر ليغلق مقلتيه، يلعن ذاته لوصولها لهذه الدرجة بسببه، قطب جبينه بضيق جلي فور رؤيته لوجهها، أشاحت بصرها بعيدًا عنه وحاولت أن تستدير، إلا إنه جذبها نحوه ليعتصرها بين ذراعيه مرددًا بأسف :- مكنتش قاصد أبكيكِ، كنت بتمسخر معاكِ، مفكرتش واصل إن حديتي هيزعلك .
أردفت ببكاء ووجع مغلف بالأسى :- أنت علطول بتزعلني، إيه اللي چد يعني ؟
ربت على شعرها الناعم قائلًا بنـ.ـد.م :- حقك علي متاخديش على خاطرك مني، أنتِ اللي نكدية مخابرش ليه !
ها هو عاد مجددًا لوقاحته في الحديث، بعد أن ظنت أنه غير منه لمراضاتها، دفعته بغيظ قائلة بحدة :- أنا مش نكدية أنت اللي لطخ .
جذبها من أسفل رأسها، وهزها بغيظ قائلًا :- وبعدين في لسانك دة ها اعملك إيه دلوك ؟ إيه رأيك أقطعهولك ؟
قال ذلك وهو يرسم ملامح الجدية، وبسمة خبيثة تنم عن نوايا شريرة، لتردد هي بسرعة :- لاه لاه أنا، أنا هبطل أقول حديت عفش ليك تاني، بس هملني .
هز رأسه بنفي، واتجه ليلتقط سكين من على الطاولة، ليرفعها في الهواء قائلًا بمكر :- لاه أنا هقطعهولك واصل عشان أضمن أنه مهيحدفش طوب تاني .
اهتزت مقلتيها برعـ.ـب، وهي تتخيل بأنه يقوم بمسك لسانها، وبعدها يقطع لسانها ويمسكه بيده ويلقيه في سلة المهملات، صرخت بفزع قائلة برجاء :- لاه يا يحيى الله يخليك، مش هقول تاني مش هقول والله .
ضغط على شفتيه حتى لا تخرج صوت ضحكاته الرجولية، وجاهد في رسم معالم الجدية على وجهه، وأردف بنبرة لا تحمل إلا الوعيد :- لاه هقصهولك، كام مرة وأنا أحذرك ؟
ركضت الدمـ.ـو.ع تتسابق لتعلن ظهورها في مقلتيها، وتابعت بهمس :- يحيى وحياة بتك، طيب ورحمة مرتك اللي بتحبها ما تقطعلي لساني .
تغيرت تعابير وجهه في الحال، وفجأة تركها وردد ببرود وكأنه شخص آخر يغاير ذاك الذي كان منذ لحظات :- أنا برة على ما تچهزي الوكل .
قال ذلك ثم انصرف مسرعًا، وقد تجهمت ملامحه لتعلن عن الغضب يحتل تضاريسه، بينما ظلت تنظر في أثره وكأنها برأسين، تحاول استيعاب تغيره المفاجئ ذاك فهتفت بخفوت وغباء :- هو مش هيقطعلي لساني كيف ما بيقول !
رفعت كتفيها بعدم معرفة، ومن ثم تابعت إعداد الطعام .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
تجلس برفقة والدتها التي عفت عنها أخيرًا، فعندئذ فقط أشرقت شمس دنياها من جديد، ورجعت البسمة تزين مقلتيها اللتان ذبلا منذ تلك الأحداث، وعلى الرغم من ذلك إلا أن هناك جرح لم يشفى بعد، والذي يرجع لصاحبه القاسي وما فعله، وكيف يعاملها منذ ذلك الحين، عادت بذاكرتها للخلف حيث موعد زفافها الذي كان منذ خمسة عشرة يومًا، وبالتحديد بعد أن انتهى الزفاف وصعدا لشقتهم الخاصة، ما إن دلفا للداخل وهو بذهنه ألف سؤال وها قد حانت فرصته لمعرفة ما يدور بخلده، وأن يضع النقاط على الحروف، ويقف على أرض صلبة .
جلس على الأريكة بالصالة ثم نظر لها بغيظ قائلًا بصوت أمر :- تعالي إقعدي إهنة .
تقدمت بهدوء وجلست في المقعد المقابل له والذي أشار لها بأن تجلس عليه .
تنهد بعمق قائلًا بصوت أجش :- بصي يا بت انتي عاوزك تقرِّي وتعترفي دلوك بكل حاچة مين اللي زقك علي ؟
نظرت له بعدم فهم فأردف بضجر :- مهكررش حديتي تاني كنتي بتعملي إيه في الأسطبل في الساعة إياها؟
نظرت له بتـ.ـو.تر حائرة بما تخبره أتخبره بأن قلبها اللعين هو من أرسلها إلى هناك وهي تسبه بداخلها و تلعن غباءها الذي كاد أن يودي بها.
انتفضت في مكانها حينما هتف بحدة :- هقعد أحدت حالي كتير قري واعترفي .
هزت رأسها بنفي قائلة بتلعثم :- أاا....مم....محدش بعتني أنا.... أنا روحت إهناك أتفرچ على الخيل .
طالعها بغيظ قائلاً :- لا والله ! والمفروض أصدقك أنا وانتي ايه يوديكي إهناك نسيتي نفسك بتتمخطري في بيت أسيادك ولا كأنه بيت أبوكي .
هتفت بوجع ودفاع :- بقولك إيه ما تتحدتش على أبوي الله يرحمه بالعفش وكلنا ولاد تسعة يا ريت تبطل الفشخرة الكـ.ـد.ابة دي.....
لم تكمل حديثها إذ قبض على ذراعها بقوة قائلًا بغضب :- وه ولا بت الخدامة هتديني مواعظ فوقي لحالك يا بت أنتِ وأوعي تعملي لحالك قيمة فلو بيتهيألك إني قربت منك حبًا فيكِ تبقي غلطانة و محتاچة تراچعي حساباتك .
رددت بسهم حاد مغروس بصدرها، وهي تحاول أن تتملص منه :- لاه خابرة إنك عملت إكدة عشان شوفتها هي مش أنا.
اتسعت عيناه ذهولًا قائلًا بصدمة :- قصدك إيه يا بت ؟ هو.....هو . . أنا قولت إيه ساعتها؟
ابتسمت بمرار وهي تتذكر كلمـ.ـا.ته التي طعنتها بقوة قائلة :- قولت إنك بتحبني وإني حلوة قوي وطبعاً الحديت دة مكانش ليا كان ليها هي اللي انت تقصدها.
ثم أردفت بكذب :- هي مين دي صوح اللي بتحبها قوي إكدة؟
تـ.ـو.تر قليلًا وسرعان ما هتف بحدة :- وانتي مالك هو انتي هتحققي معاي ولا إيه ! غوري من وشي....
نظرت له بقهر ثم استدارت و دلفت للداخل وهي تجر أذيال الخيبة معها فقد ظنت ذلك الملاك الذي تعلقت به رغماً عنها ولم تدري أن خلف ذلك الملاك يقبع شيطان.
شعرت بخنجر مسموم يقطع أضلعها شيئًا فشيء فكيف ستتحمل رؤية غريمتها هنا معها بنفس المنزل وكيف ستتعامل معه هو شخصيًا ؟ فهي صُدمت عنـ.ـد.ما علمت حقيقته من رائحة فمه الكريهة التي كانت تفوح منه وهي تسعى بكل جهدها أن تكون قريبة من ربها رغم اعترافها بأنه أكبر معصية، كم ودت لو تركض وتلقي بنفسها بين ذراعي والدتها وتفرغ لها تلك الهموم من على صدرها ولكن كيف وهي تعاملها منذ أن علمت بتلك الواقعة بجفاء شـ.ـديد ألم قلبها بشـ.ـدة .
أخذت شهيقًا عميقًا وزفرته بقوة ثم فتحت باب الغرفة المخصصة لهما وهي تبتسم بتهكم فكم رسمت العديد من التخيلات السعيدة معه ولم تتخيل أبداً ذلك السيناريو.
نفضَّت رأسها بأسى فلتترك كل شئ يسير كما هو ولترى ما تخفيه لها الأيام.
بالخارج جلس بتـ.ـو.تر وهو يهتف بخفوت :- يا ترى قولت إيه تاني ومقالتهوش؟ ربنا يستر على الأيام الچاية هتحمل كيف قعادها قصادي وأنا چواي نار قايدة دلوك .
ثم أردف بغضب :- كله من بت الفرطوس اللي چوة دي هي اللي حرمتني منها وعملت كيف السد إنما طلعته على چتتها مبقاش أنا.
قال ذلك ثم أخرج سيجارة و أشعلها وشرع في تناولها بشراهة وغضب وهو يغلي كالمرجل .
بعد وقت نهض بخطوات مسرعة نحو الغرفة ودلف للداخل كالإعصار وهو يبحث عنها بعينيه حتى استقر بنظره عليها ممدة على الفراش استعداداً للنوم .
توجه ناحيتها بغيظ ثم جذبها من ذراعها بعنف قائلاً :- انتي هتعملي إيه؟!
قطبت جبينها بتعجب قائلة بهدوء :- هنْعَس .
طالعها بخبث قائلًا :- لاه لسة بدري على النعس يا حلوة .
لم يمهلها فرصة لاستيعاب كلمـ.ـا.ته إذ جذبها نحوه لتغرق معه في طوفان عشقه الذي لا تعلم متى النجاة لها منه.
بعد وقت ابتعد عنها قائلًا بصدمة وهو يشير للفراش :- وإيه دة يا هانم !
أردفت بدمـ.ـو.ع :- كان بديِّ أقولكم وقتها إنك ملمستنيش في الليلة إياها بس محدش إداني فرصة أو صدقني حتى .
هتف بغضب :- يعني انتي قاصدة تعملي كل دة وتوقعيني في شباكك لأچل ما تبقي مرتي !
أردفت بدمـ.ـو.ع :- بزيداك حـ.ـر.ام عليك انت ما بتزهقش واصل من الحديت العفش دة .
إعتصر ذراعها قائلاً بفحيح :- لاه ماهبطلش ولا هنسى إنك بعدتي بيني وبينها .
أردفت بوجع :- طيب اعمل حساب إني بقيت مرتك دلوك حتى .
طالعها بغضب قائلًا :- متحلميش كتير قريب قوي هطلقك بس أخد حقي منك الأول واشفي غليلي على اللي عملتيه فيا .
نهض من جوارها بسرعة بينما دفنت وجهها في الوسادة تبكي بحسرة على حالها.
في اليوم التالي أتت والدتها، والتي ما إن رأت دليل برائتها، أطلقت الزغاريد فرحًا، وكانت هذه البداية التي أعادت المياه الراكدة لمجاريها، تجرى في تناغم لتسقي القلوب فتزيدها خضرة ونضرة .
عادت من شرودها على كف والدتها، التي هزتها برفق لتنتبه لها، فما كان أمامها سوى أن تغتصب ابتسامة بسيطة، تطمئنها بها أن الأمور على ما يرام حتى وإن كانت مزيفة، فيكفي أن ترى ابتسامتها مجددًا بعد الذي فعلته .
★★★★★★★★★★★★
يجلس بمفرده بعد أن انصرف شقيق زوجته، دلفت هي بوجه متجهم وهتفت بعدم استحسان لما يحدث :- وآخرة دة إيه يا سالم ؟
قطب حاجبيه بعدم فهم وهتف بدوره بتعجب :- اخرة إيه دي كمان يا زبيدة ؟
عضت على شفتيها بحنق قائلة بشـ.ـدق ملتوي :- آخرة أخوك وعياله اللي چوا واتزرعوا وسطينا .
نظر لها بانتباه وردد مسرعًا :- ريداني أمشيه من بيته إياك !
جعدت أنفها بضيق جلي وتابعت بتبرم :- مكانش كنت كتبت البيت ويا الأرض، كان زمانه ميخبرش يحط رجله في الدار .
تنهد بعمق قائلًا بعدم مبالاة :- دة بيته يا زبيدة، يعني يقعد كيف ما بده، وبعدين ما هو ولده أتچوز بتك مرضياش ليه عنيهم ؟
تنفست بشكل سريع وهي تشعر بألسنة اللهب تتصاعد من جنباتها، ورددت بغيظ :- أنا عمري ما هرضى على عيال أمينة، ومش هيهدالي بال غير لما يهچوا من الدار . بقلم زكية محمد
ضـ.ـر.ب بعصاه الأرض بحزم وتابع بصرامة :- زبيدة بزيداكِ حديت ملهوش عازة، وإياكِ دماغك توزك بحاچة إكدة ولا إكدة، طالما هو مرايدش الشر يبقى هو في حاله وأنا في حالي .
ضغطت بكفها على حافة الكرسي المبطن الذي تعتليه وأردفت بكره :- بس أنا معچبنيش شوفة أمينة في وشي واصل ولا خلايفها .
نهض من موضعه قائلًا بتحفظ :- معاچبكيش المطرح خليكِ في أوضتك يا زبيدة، أنا طالع أشوف مصالحي بلاها من رط الحريم الماسخ دة .
غادر المنزل وتركها تفور حتى كانت على وشك أن تنفجر من كثرة غليانها، تطلعت أمامها بغل قائلة :- أنا وأنتِ والزمن طويل يا ....يا أم الولاد .
على الجانب الآخر كانت تقف تفكر بأمر ما، لتشفي غليلها منها فهي مستمرة على استمالته نحوها، وهي ترسم قناع البراءة بزيف ولكن بكل براعة، تعاتبه وتدلل عليه وتمارس سحرها الأنثوي عليه، وهو تارة يميل وتارة يعزف، ولكن رؤيتها لها هكذا لا يسرها، فهي تود تحويل حياتها لمرار ولا تعلم أنها كذلك بالفعل، فليس كل ما هو ظاهر للعيان يُصدّق، فأحيانًا نخفي أوجاعنا تحت رداء ابتسامة مزيفة، لنتجنب الكثير من الأسئلة التي لا نود التطرق إليها .
نظرت أمامها وجدته مقبلًا نحوها، ولحسن حظها وسوء حظها كانت تمر هي أيضًا في طريقها للأعلى، فأسرعت الأخرى تصرخ بخبث وهي تجلس أرضًا، تضع يدها على كاحلها وتتظاهر بالألم، ابتسمت بخبث حينما رأته يركض نحوها وهي ترى اللهفة بعينيه تسبقه، لتحول نظرها للجانب الآخر وترى الأخرى التي تقف جـ.ـا.مدة تتابع ما يحدث، بروح مليئة جدرانها بالندوب، دمـ.ـو.عها تتراقص في مقلتيها لطالما رأت نظراته تلك، التي لم تجربها أبدًا ويبدو إنها لن تفعل، وضعت يدها على ثغرها، تحبس تلك الشهقة التي كادت أن تتحرر من محبسها، وهي تراه يحملها والأخرى تشرأب بعنقها نحوها، تطالعها بنظرات ماكرة مغمورة بالتشفي، وكأنها ترسل لها رسالة تنص على، أنه ملكها مهما فعلت قلبًا وقالبًا .
لم تستطع الصمود إذ توارت خلف الجدار، تضع يدها على قلبها تهدأ من روعه، فهو على حافة الموت يعاني سكراته الموجعة، جثت أرضًا تشاطر قلبها ومقلتيها الحزن، بمفردها فلمن ستذهب وتفرغ ذلك الثقل الذي يقف كجبل شامخ فوق صدرها، والدتها التي ادعت أمامها بالسعادة المفرطة بالصباح، ولا من ؟ فهي لا تعرف غيرها، كلما تذكرت المشهد وعيناه اللتان كانتا تفيضا قلقًا ولهفة، تشعر بنار هوجاء تضرمها من جميع الانحاء، لم تبكِ ؟ تساءلت بداخلها ؟ أليس ذلك من عاهدك فؤادكِ الخائن بأنه يمقته وما عاد له مكان بداخله ؟ لم تحترقين لرؤيتهم هكذا ؟
والإجابة واضحة فحينما يطغي القلب على العقل، يقيده بأصفاد ويمنعه من التفكير، ويملي عليه كل ما يرغب به، فإذا تعلق الأمر بالحب، فالعقل في رحلة بدون عودة .
★★★★★★★★★★★★★★★
في صبيحة يوم جديد، تسير بخطوات تحاكي خطوات الرجال، متنكرة في الزي الخاص بهم، إذ ارتدت جلباب وعمامة كما حال رجال القرية، وضعت يدها على جيبها تتأكد من وجود ما احضرته، عيناها تنم عن شر ستخاطر بحياتها، فلا يهم الآن سوى أن تسترد حقها منه، توارت خلف الأشجار لتلمحه يسير في الأراضي الخاصة بهم، ولحسن حظها أن المكان فارغ عدا هو وإياه، أخرجت السكين التي بحوذتها، والتي نوت أن تنحر رقبته بها، بعد الذي حدث لأخيها بسببه وايضًا بسببها، وما يعانيه والدها من فقد له ومن أسى عليها، لن تترك هذا يذهب سدى دون أن تقتص لأجلهما، لا مجال للعودة بعدما وصلت لهنا، فلتكمل خطتها على أكمل وجه، وترحل دون أن يراه أحد، فقدت جميع ذرات تعقلها ولم يتبقى لها سوى الجنون، الذي يحتل قاعدة لبها يوسوس لها بالانتقام، نعم الانتقام وهذا ما ستفعله، أخذت تقترب بحذر منه وقد ساعدها أنه يوليها ظهره ويتحدث بالهاتف، اقتربت لحد لا يسمح لها بالتراجع، أخذت يدها وضع الاستعداد لتنقض عليه، لتتفاجئ بمن يكمم فيها ويقبض على معصمها، متوجهًا بها لداخل ذلك المحصول، ولأبعد نقطة كي لا يراهم الآخر .........
★★★★★★★★★★★★★★★★★★
↚
سقط قلبها أرضًا عنـ.ـد.ما قام أحدهم بتكميم ثغرها، وجرها للخلف حتى لا يصدر لها صوت، تحركت معه لتتماشى مع خطواته السريعة، وشغلها الشاغل هو معرفة هوية الفاعل والذي لن تمرر له الأمر مرور الكرام، دفعها خلف إحدى الأشجار وهتف بغيظ وصرامة شـ.ـديدة عنـ.ـد.ما ابتعد عن مرمى المستهدف بالقـ.ـتـ.ـل :- اكتمي واصل مرايدش حِسك يطلع، سامعة ؟
برزت مقلتاها بصدمة حتى كادت أن تخرج من حدقتيها، من أين له بمعرفة كونها فتاة وليس رجل كما هي تظهر للبقية ؟ هزت رأسها بموافقة، فأزاح يده وهو يكاد يقـ.ـتـ.ـلها بسهام عينيه المشتعلة بلهيب حارق على استعداد أن يبتلع الأخضر واليابس، ولوهلة شعرت ببعض الرهبة منه، فهي لا تعلم من يكون فهتفت بضيق، وبنبرتها الأنثوية لطالما يعلم هويتها :- بعد عني يا چدع أنت، ملكش صالح بيا .
ود لو يلتقط الفأس الموضوع جانبًا، ومن ثم يضـ.ـر.بها بكل قوته على رأسها الأبله ويتخلص من تهورها الغير متناهي والذي يتسبب لها بالضرر، وليس أي ضرر بل هو نوع فتاك يصيب في الصميم مباشرة، تحدث بنبرة حادة خافتة شبيهة بفحيح ثعبان خطير، يردد بوعيد أهوج :- أقسم بالله لو ما بطلتِ تلتي بحديتك اللي ملهوش عازة دة لأچز راسك بالسكين اللي فرحانة بيها دي.
شعرت بصدق حديثه، وأنه على أتم الاستعداد على أن ينفذ قسمه، فعينيه ترسل لها شرارات التحدي الغاضبة، والتي ينبعث منها خليط من الكمد والغيظ، كل ذلك جعلها تلتزم الصمت وأن تتبع ما يمليه عليها،
أخذها من يدها بعيدًا إلى حيث لم يراهم أحد، حتى لا يتحدث أحد عن تلك المعتوهة التي تقحم نفسها في مشاكل، وكأنها تناديها بسخاء أن تلتصق بها، نظر يمينًا ويسارًا عله يجد أحد، فهي لا ينقصها أحاديث أخرى سوف تُقال بحقها، نفض يده عنها وكأنها وباء يخشى أن تصيبه، وفجأة اقترب منها يهتف باحتدام عارم، ونيران أشعلتها هي بداخله فلا يهمها شقيقيها ولا والدها لتأتي وترتكب ذلك الجرم ؟ :- رايد أعرف مخك دة مخ بني آدمين زينا يعني، ولا مخ بهايم ما بتفهمش ؟ يا شيخة دي البهايم بتفهم عنك .
أردفت بغل من ذاك الذي يوبخها، وهي تلعن ظهوره المفاجئ الذي حال دون إتمام ما أتت لأجله :- وأنت مالك ومالي أما عچايب !
ثارت دمائه بعروقه محدثة جلبة عنيفة وارتطام عنيف بجدرانه، حتى كادت أن تنفجر عروقه، بات اللون الأحمر يخيم في عينيه دلالة غضبه، زمجر بقسوة :- أما صُح إنك قليلة رباية !
قال جملته وهوى بكفه الغليظ على وجنتها الناعمة، محدثة صوتًا رنانًا بالمكان، تسيد الصمت بعدها على الموقف، نظر هو لكفه العالق بالهواء بذهول من فعلته، بأي حق يضـ.ـر.بها ويحاسبها ؟ ولكن لسانها من أحدث تلك الجلبة، وتصرفاتها التي تجعل من يمكث أمامها إما يصاب بالجنون أو ينفجر من شـ.ـدة غضبه؛ انتهى به المطاف إلى أن يصفعها لعلها تعود لرشـ.ـدها .
أخذت تطالعه بصدمة مما فعل، ذلك الدخيل الذي سحبها عنوة والآن يضـ.ـر.بها، تسربت الدمـ.ـو.ع لعينيها ألمًا لشـ.ـدة الصفعة، ولسانها كمن قاموا ببتره وألقوه بعيدًا، ظلت تحدق فيه بصمت وهي تشعر بقواها ذهبت في مهب الريح .
أبعد كل ذرة تأنيب ضمير عن طريقه، واستمر في توبيخها، يرشقها بكلمـ.ـا.ته القاسية :- وتستاهلي مية قلم كمان، مكافكيش اللي عملتيه في أخوكِ چاية تكملي إيه تاني، أنتِ واحدة مفكيش عقل واصل وظلمك اللي مخليكِ تخطي برات البيت .
تحرك لسانها الذي شعرت بأنه يزن أطنان، وتحدثت بحروف ضائعة مشتتة كحالها، يشوبها الصدمة والذهول من معرفته لتفاصيل حياتها، بينما هي لا تفقه عنه أي شيء :- أنت.. أنت مين يا چدع أنت ؟ وبأي حق واقف تحاسبني ؟
زجر بعنف كاد أن يقلع جزور الأشجار التي بالجوار :- بحق أخوكِ اللي وصاني عليكِ وعلى أبوكِ، لحد ما ربنا يفك زنقته يبقى ملكيش حق تسأليني بعمل إيه وبهبب إيه .
رددت بذهول :- وأنت تعرف أخوي كيف ؟ أنت مين عاد ؟ بقلم زكية محمد
لاحت شبه ابتسامة ساخرة وتابع بغلظة :- يهمك في ايه ؟ ولا أنتِ رايدانا نتصاحب على التلفون ؟
اتسعت عيناها بهلع وأسرعت تنفي ذلك الجرم الذي يلصقه لها :- أنت بتخربط بتقول إيه ؟ مالي ومالك يا أخينا أنت ؟ كيف تتهمني بحاچة شينة زي دي ؟
أجابها بكلمـ.ـا.ت كانت بمثابة سوط يجلدها :- بتبلى عليكِ إياك ؟ أومال إيه اللي چايبك إهنة عنديه تاني، حنيتي ؟
إلى هنا وكفى، إذ قامت بدفعه من صدره بقوة، فتقهقر للخلف بصدمة من فعلتها، بينما رددت هي بصوت متحشرج :- بطل حديتك الماسخ دة، أنت مين أصلًا عشان تقعد تكلمني إكدة ؟ بعد من طريقي أحسنلك .
بلحظة كان ذراعها خلفها، حينما أداره بحركة سريعة وردد بقنوط :- والله لولا إنك بت ما كنت خليت فيكِ حتة سليمة، كيف تتچرأي وتعملي إكدة ؟ والله لو تحت حكمي لأعيد ربايتك من أول وچديد .
صرخت فيه بعنف رغم الألم الذي يعتريها :- أنا متربية أحسن منك، على الأقل مبعقدش أفعص في بنات الناس .
أبتعد عنها على الفور، عنـ.ـد.ما سقطت كلمـ.ـا.تها الأخيرة عليه، والتي كانت كدلو متجمد في ليلة شتاء قارس، أشار لنفسه بعدم تصديق واستنكار لما تفوه به لسانها الذي بحاجة للبتر على حق :- أنا ؟ ! أنا بعمل إيه ؟ عيدي اللي قولتيه تاني .
أردفت بشجاعة واهية وهي تدلك معصمها الذي كاد أن يسحقه تحت قبضته الفولاذية :- أومال تسمي باللي بتعمله دة إيه ؟ كل هبابة عمال تمسكني كأنك استحليتها .
ردد بازدراء يقصده :- وأنا همسك فيكِ ليه ؟ من چمالك ولا من چمالك، مش أنتِ واصل اللي أبوصلها .
كانت كلمـ.ـا.ته بمثابة طوفان نوح أصابها وغمرها فجأة، من ذاك الذي يسخر منها والجميع يثني على حُسنها ؟ لوت شـ.ـدقيها بامتعاض وضيق، ورددت بدفاع :- لا حوش أنا اللي بتلزق فيك، ما تروح بوشك اللي شبه الكورمبة الضاربة دة .
لو النظرات تسفح لكانت رأسها إلى جوار جسدها الآن، فرمقها بنظرات وكأنها سيوف حادة في حرب دامية، وجد أن النقاش مع سليطة اللسان تلك لن يجدي نفعًا، فردد بصوت بـ.ـارد آمر، مغاير تمامًا للمعركة التي تدور بين أوردته :- قدامي على البيت قبل ما حد يوعالك وتبقى چريمة تاني، وكلمة زيادة مش هيحصل طيب .
دبت قدميها في الأرض بحنق، وسارت أمامه وبداخلها ألف سؤال ولكنها آثرت الصمت، ذلك الوقح الذي لا يعرف لسانه سوى الحديث الجاف والمهين لها، ابتسمت بمكر فما فعلته وقالته ليس بهين أيضًا، ولكن تبقى لها السؤال كيف علم بنواياها ؟
بعد دقائق وصلا للمنزل فأردف بصرامة وسـ.ـخرية منها:- خُشي چوة والمرة الچاية لما تحبي تقـ.ـتـ.ـلي حد أبقي نقيلك سلاح نضيف بدل السكين اللي متدبحش فروچة دي، وخليكي خابرة زين إني عارف كل خطواتك .
جعدت أنفها بضيق ثم طالعته بــــاستخفاف ومن ثم ولجت للداخل بخفة حتى وصلت لغرفتها، وهنا أطلقت صرخة تنفث بها عن غضبها من ذلك المعتوه الذي ظهر بطريقها .
************************
أتتها حيلة خبيثة فقامت بتنفيذها، إذ استغلت عدم وجوده بالمنزل وتعب والدته، لتذهب لها لتجدها في المطبخ مع والدتها، تقدمت منهن بعنجهية وقالت بازدراء ونظرات متعالية وهي توجه حديثها لها بالأخص :- أنتِ يا بت يا اللي اسمك وچد .
انتبهت لها وطالعتها بتعجب ممزوج ببعض الغيرة الشـ.ـديدة، فهي تود لو تفصل رأسها عن جسدها وتتخلص منها، لتتابع الأخرى بأمر :- مرت عمي بتقولك تنضفي البيت كله وتوضبيه لحالك وإلا هتقول لخالد يشوف شغله وياكِ، وبعد ما تخلصي تعملي الوكل برده لحالك، هي رايدة تشوف قد إيه مرت ولدها شاطرة، ووريها شطارتك يا ...يا شاطرة .
قالت ذلك ثم انصرفت ببطء تراقب تعابير وجهها المصدومة بانتصار، بينما هتفت عطيات بعد رحيلها :- وه كل دة هتعمليه لحالك ! متخافيش هساعدك .
هزت رأسها بنفي قائلة :- لاه يا أما أنا اللي هعمل كل حاچة متشليش هم مرايدينش مشاكل وياهم .
وقعت هي فريسة سهلة في مصيدتها، عنـ.ـد.ما قامت بتصديقها فهي لم تتوقع أبدًا أن تفعل ذلك بدافع الحقد القائم بينهن .
بعد وقت طويل جلست بإرهاق شـ.ـديد على إحدى المقاعد الموجودة بالمطبخ، بعد أن انتهت من تنظيف المنزل بأكمله، وها هي الآن تعد طعام الغداء كما أخبرتها والدة زوجها على لسان تلك الخبيثة، والتي أمرت العاملات بأخذ راحة اليوم فقامت هي بجميع أعمالهن حتي أنها لم تسمح لها بتغيير ملابسها التي ابتلت بفعل المياه، لا تعلم أن كل ذلك من تخطيط الأخرى ومن ضمن ألاعيبها
أنت بخفوت وهتفت بتذمر وهي تدلك قدميها :- اه ياني يا عضمي اللي اتفشفش مفيش فيا حتة سليمة طيب ما هي شمس مش مرت ولدها مبتخليهاش تعمل إكدة ليه؟!
صمتت قليلًا وهتفت بأسى :- اه عشان أنا بت الخدامة وهي بت الحسب والنسب .
أخذت تمسد على قدميها بخفة سرعان ما انتفضت على أثر صوت نورا الغاضب قائلة بحقد :- ما تشهلي هتاخدي النهار كله تعملي في الوكل إياك !
جزت على أسنانها بغيظ كتمته ببراعة وهتفت بهدوء :- لاه ثواني ويكون الوكل چاهز، وبعدين أنتِ ملكيش صالح .
رفعت حاجبها بــــاستنكار وصدمة قائلة وهي تشير إلى ذاتها بتكبر :- مين دة اللي ملهاش صالح يا بت عطيات لا فوقي إكدة لا تكوني نسيتي نفسك يا بت الخدامة .
لمع الدمع بعينيها فهتفت بحزن :- وفيها إيه مش بتشتغل شغلانة حلال إيه اللي هيعيبها ؟
تقدمت منها و جذبتها من شعرها بقوة أطلقت صرخة ألم على أثرها وهي تتلوى ألمًا في محاولة منها لفك قبضتها من على شعرها الذي كادت أن تقـ.ـتـ.ـلعه من جذوره فأردفت نورا بغضب :- انتي هتوقفي في وشي وتعارضيني كمان !
هتفت بوجع وهي تدفعها للتخلص منها :- سيبي شعري هيتقلع في يدك .
شـ.ـددت على شعرها أكثر بيدها قائلة بغل :- خليه يتقلع..
وما بين شـ.ـد وجذب من الطرفين، دفعتها وجد لتخلص شعرها من بطش يدها فتراجعت للخلف واصطدمت بالطاولة، في نفس اللحظة التي دلف بها خالد للمطبخ ما إن سمع صوتهن العالي، وفوجئ بما رأى فلمعت عيني الأخرى بمكر وسرعان ما اقتربت منه قائلة بدمـ.ـو.ع مصطنعة :- شوفت يا واد عمي مرتك بتعمل فيا إيه؟ أهة هي على الحال دة علطول بس أنا مكنتش رايدة أقولك انت في إيه ولا في إيه..
تحولت عيناه إلي لهيب النار وهو يطالعها بنظرات ودت لو تنشق الأرض و تبلعها، ما إن همت لتتحدث عاجلها بصفعة اسقطتها أرضًا في الحال من قوتها ثم جذبها من شعرها قائلًا بغضب :- بتمدي يدك على أهل بيتي طب أنا هعلمك الرباية طالما ناقصة رباية ..
وما إن هم ليضـ.ـر.بها مجددًا وقفت شمس، التي ركضت للداخل ما أن سمعت صوت صراخها وهتفت بروية :- بزيداك يا خالد حـ.ـر.ام عليك إيه اللي انت بتعمله دة !
تشبثت بها كما يتشبث الغريق بحبل النجاة بينما هتف هو بحدة :- بعدي انتي يا شمس وإطلعي منها دي مرتي وأنا بربيها من أول وچديد .
أردفت بهدوء لامتصاص غضبه :- طيب بزيداها إكدة انت مش واعيلها ! إخذي الشيطان وهدي حالك مش إكدة .
زفر بضيق ثم هتف بجمود :- ماشي بس وعِّيها يكون في علمها لو رفعت عينها في حد تاني وقلت أدبها هيكون ليا حساب تاني وياها .
قال ذلك ثم نظر لها بغيظ، فبادلته بنظرة انكسار لن ينساها أبدًا قبل أن تغلق عينيها مستسلمة لذلك الظلام الذي يسحبها للقاع وكم هي مرحبة به لتتخلص من كل تلك الآلام والمعاناة التي تعيشها إلى جواره .
هتفت شمس بذعر :- يا مُري دي قطعت النفس .
مطت نورا شفتيها بتكهم وهتفت بغل وخفوت :- والله عفارم عليكي يا بت عطيات عرفتي تنفدي بجلدك المرة دي بس هتروحي مني وين !
قالت ذلك ثم انصرفت وهي تُمني نفسها بأن لا تستيقظ أبداً.
أسرع خالد يحملها وما إن حملها شعر بتلك السخونة المنبعثة من جسدها فهتف بقلق :- وه دي محمومة .
أردفت شمس بذعر :- طيب طلعها فوق على ما ابعت حد يشيع الدكتور بسرعة .
أردف بحدة غير مبررة :- دكتور إيه هو أنا مش كفاية !
هزت رأسها بحرج، وذهبت لتخبر أحد العاملين بينما توجه هو بها للأعلى وهو يتابع سكونها بين ذراعيه بقلق لا يعرف متى نشأ تجاهها .
أسرع بخطواته حتى وصل لشقتهم ودلف بها للداخل، ثم إلى المرحاض ووضعها تحت المياه البـ.ـاردة، خرج بعد وقت وهو يلفها بمنشفة كبيرة ووضعها على الفراش برفق غير معهود منه، وأسرع للخزينة يخرج لها بعضًا من الملابس الجافة وتوجه لها مجددًا وقام بتغيير ملابسها ثم دثرها جيداً بالغطاء وهو يتفحص درجة حرارتها التي هدأت قليلاً بالفعل، قام بجلب حقيبته الطبية وشرع في الكشف عليها .
نهض من جوارها بعد وقت عنـ.ـد.ما سمع طرقات على الباب فهتف بصوت أجش :- ادخلي .
هتفت بقلق وعيناها تتابع تلك الغافية ولا تدري بمن حولها :- خير مالها ؟
أردف بعملية :- أبدًا عندها دور برد مش أكتر وأديتها حقنة تنزل السخونية، وفي شوية أدوية هبقى ابعت حد يچيبها خليكِ چارها لحد ما أعاود .
هزت رأسها بخفوت ودلفت للداخل، بينما نزل هو وطلب من أحد العاملين بجلب الدواء المطلوب على عجالة، وبعدها صعد للأعلى مجددًا وطرق الباب فأذنت له بالدخول فألقى بنظره عليها قائلًا :- كيفها دلوك؟
أردفت بهدوء وهي تتحسس جبهتها :- لا زينة هبابة دلوك ومع العلاچ هتروق قوام بإذن الله طيب أنا همشي وحمدا لله على سلامتها .
هتف بهدوء وهو ينظر أرضًا :- الله يسلمك .
انصرفت للأسفل بينما جلس هو إلى جوارها، وتنهد بعمق وهو يفكر بتمعن بين ما كان يشعر به إتجاه ابنة عمه قبل أن تصبح تلك زوجته، وبين بعدما أصبحت زوجته لم يحزن أو يُقهر كما توقع أن يفعل ولكنه استسلم للواقع فلم يعد يفكر فيها كما السابق فقل شغفه بها لتحتله أخرى ببراعة حينما تسلقت تلك الأسوار العالية لقلبه و غرست بوادر عشقها فيه وتركته ينبت .
نظر لها وهو يزفر بضيق من آثار أصابعه التي طُبعت على وجنتها، فعاتب ذاته بشـ.ـدة على ذلك ولكن برر لنفسه أن أي أحد سيتعرض لنفس الموقف كان سيفعل المثل لقد تطاولت على ابنة عمه، وهذا يقل منه عنـ.ـد.ما يتحدثون بأن زوجته ينقصها الأدب لفعلتها تلك، وهذا ما لن يقبل به أبداً .
سمع همهمـ.ـا.ت تصدر منها فاقترب بأُذنه منها لعله يلتقط ما تهذي به حيث أصابته صاعقة حينما سمعها تهذي بفعل الحرارة التي أصابتها :- أنا مش كـ.ـد.ابة هي اللي كدبت يا خالد وشـ.ـدتلي شعري .....متحبهاش .....هي مش بتحبك ... أنا بحبك أكتر منيها ......متحبهاش ....حبني أنا.....خالد متهملنيش خليك چاري ...
وما يطلبه القلب تغلب على العقل إذ أذعن ملبيًا همسها على الفور، حينما خلع حذائه وألقاه بإهمال ثم تمدد إلى جوارها وجذبها لتستقر رأسها على صدره تحت نبضات قلبه التي تخفق بجنون كلما اقترب منها . بقلم زكية محمد
★★★★★★★★★★★★★
كانت جنا الصغيرة برفقة شمس، تضحك بصخب وهي تشاركها العمل في رعاية الحـ.ـيو.انات، وكعادتها صعدت على ظهر مهرة صغيرة، والأخرى تتابع عملها وتتابعها في الوقت ذاته، ضـ.ـر.بت الصغيرة بقدميها بدون قصد لتتحرك المهرة بعشوائية، أخذت تصرخ جنا بذعر وأغلقت عيناها في انتظار مصيرها، انتبهت لها شمس على الفور، والتي هوى قلبها تحت قدميها بهلع، أسرعت على الفور تنقذها، وبالفعل حملتها قبل أن تسقط، ولكنها سقطت بها أرضًا وكان الألم من نصيب شمس التي أتخذت من نفسها مرتبة لينة تحمي بها جسد الصغيرة، لتعي نفسها على ألم آخر، عنـ.ـد.ما شعرت وكأن روحها تسحب منها وهي تشعر بشيء ينغرز في جانبها، تحاملت على نفسها ونهضت تطمئن تلك التي ترتعش بخوف بين ذراعيها قائلة بوهن وصوت جاهدت أن يكون طبيعي :- چنا حبيبتي أنتِ زينة ؟
هزت رأسها بموافقة قائلة بخوف :- الفرسة كانت هتوقعني .
مسدت على شعرها بحنو قائلة :- متخافيش أنتِ زينة دلوك، يلا قومي نعاود قبل ما أبوكِ يعاود ويزعق زي عادته .
نهضت بضعف وهي تتحسس جنبها، لتشهق بصدمة وهي ترى كفها ملطخ بالدماء، أخفت يدها سريعًا عن مرماها، ونظرت أرضًا لتجد إحدى القطع الحديدية المدببة، والتي سقطت عليها فسببت لها ذلك الجرح، سارت معها بخطوات بطيئة وهي تأن بصمت، حتى لا تزيد من روع الصغيرة، وصلت بها أخيرًا للمنزل فطلبت منها أن تذهب لجدتها، فصعدت هي للأعلى بصعوبة بالغة تستند على الجدار، وهي تدعو الله بأن لا يشعر بها أحد، زفرت براحة رغم وجعها عنـ.ـد.ما وصلت للشقة ودلفت للداخل، ولكن هذا لم يدم طويلًا إذ انتفضت على إثر صوته الحاد الذي هتف بغيظ :- أنتِ ما بتسمعيش الحديت ليه ؟ مية مرة وأنا أقولك ما تاخديش البت وياكِ إهناك، إفرضي چرالها حاچة هعمل إيه دلوك ؟
ابتسمت بوهن وهتفت بتهكم :- متخافش بتك زينة تحت قاعدة مع چدتها .
قالت ذلك ثم انصرفت من أمامه تهرب لترى جرحها، وهي تحمد الله أنها ترتدي ثياب داكنة لا تظر أثر الدماء، أما هو اغتاظ من لهجتها فوثب على الفور، وجذبها من ذراعها قائلًا بحنق :- لما أكون بحدتك متدنيش ضهرك تاني، سامعة ؟
تغيرت قسمـ.ـا.ت وجهها لتظهر عليها علامـ.ـا.ت تدل على أنها تتوجع من شيء، رفع حاجبه بدهشة قائلًا :- مالك ؟
رددت بخفوت قبل أن تفقد وعيها :- مفيش مفيش .
★★*******★★*********★★*******
على الجانب الآخر كانت تقف تتوارى بعيدًا عن الأعين، تتحدث إلى أحدهم وإمارات الغضب مرسومة على وجهها، ليصل الأمر إلى شجار عنيف، انتهى بالتهديد لتغادر بعدها وهي تطوي الأرض من تحتها بغضب عاصف، السعير يحلق من حولها يكاد يأكل كل ما يقابله .
على مقربة منها رأتها وهي تتحدث مع شخص لم تظهر ملامحه، فقوست حاجبيها بتعجب من وقوف والدتها مع غريب لا تعلم هويته، انتظرتها حتى أقدمت عليها فخرج صوتها يوقفها :- أما استني .
بثانية أطفئت ما كان مشتعلًا بداخلها، وابتسمت باتساع لابنتها وهتفت بدورها :- وچد إيه اللي موقفك إهنة ؟ بقلم زكية محمد
مطت شفتيها بتساؤل قائلة :- كنت بدور عليكِ، بس مين دة اللي كنتِ واقفة معاه ؟
أربد وجهها وشعرت بالأرض تهتز تحت قدميها، ارتعدت فرائسها لوهلة، ولكنها تحلت بالثبات قائلة بهدوء :- محدش دة عم إبراهيم، كنت بوديله وكل أديكِ شايفة بيتعب قد إيه، بينا ندخل چوة .
هزت رأسها بعدم اقتناع، وخاصة بعدما رأته وعلمت أنها لا تريد أن تفصح عن الأمر، فسارت معها والأسئلة تتقافز بعقلها حول ما تخفيه عنها .
******************************
↚
حاوط خصرها الممتلئ قبل أن يحتضن جسدها الأرض، لتصيبه الدهشة حينما شعر بسائل لزج يعانق يده، رفع كفه لتصيبه صاعقة رعدية اهتزت أضلعه على إثرها، حملها بسرعة ودلف بها ممددًا إياها على الفراش، ثم كشف بحذر عن موضع ذلك الجرح ليضيق ما بين حاجبيه عنـ.ـد.ما وجد ذلك الجرح، والذي لم يكن غائرًا وهذا ما جعل وتيرة أنفاسه تهدأ قليلًا، فكر في أن يستدعي شقيقه، ولكن فكرة أن يراها جعلته يرمى بها عرض الحائط، سيداويه بنفسه هذا ما قرره بداخله .
غاب لبضع دقائق عنده بعد أن جلب بعض الحاجيات الطبية، والتي بحاجة لها بعد أن شرح له ما عليه فعله، جلس بجوارها وشرع في مهمته، والتي أتمها بدقة وعناية وهو يتابع تغير تعابير وجهها ما بين الضيق والألم، زفر بتعب وهو يتساءل كيف تمت إصابتها على ذلك النحو ؟
رفرفت مقلتيها وفتحت أبوابها الموصدة بإعياء واضح، نهضت بحذر وبدأت تتضح لها الصورة جيدًا، وضعت يدها على جانبها تتحسسه برفق، وقد داهمها سؤال واحد وهو من فعل ذلك ؟
لم تكن بحاجة لإجابة إذ يقبع الرد في صوته حينما وصلها وهو يحملل رذاذ الغضب والغيظ :- مقولتيش ليه إنك متعورة ؟ ولا هو عِند وخلاص !
أخذت نفسًا عميقًا تملئ رئتها بالهواء، فتشعر بالألم على الفور فعادت تتنفس ببطء، وهتفت بخفوت :- مش مستاهلة چرح صغير .
رفع حاجبه بــــاستهجان وردد بسخرية :- چرح صغير ! طيب يا أم چرح صغير أتعورتي كيف ؟
زاغت مقلتيها متخذة جولة سريعة تستكشف نواحي الغرفة، ورددت بنصف الحقيقة وتـ.ـو.تر :- وقعت وأنا ماشية فخبطت في الأرض وكان في حتة حديدة چات في چنبي .
طالعها بذهول قائلًا :- كل دة وبتقولي چرح صغير ! الحمد لله أنها چات على قد إكدة إبقي خدي بالك المرة الچاية .
هزت رأسها ببساطة وأردفت :- إن شاء الله، بس مين اللي عمل إكدة ؟
قالتها وهي تشير نحو جرحها المغطى برباط طبي، ليردف هو بتوضيح :- أنا چبت اللي أحتاچه من خالد وقالي أعمل إيه وعملت اللازم .
قفز اللون الأحمر يحتل الصدارة على سطح وجنتيها، اللتان توهجتا بجمرتين مشتعلتين من رؤيته لها، عبس وجهها فجأة وهي تتذكر امتلاء زوايا بطنها، فبالتأكيد سينفر منها فهي ليست جميلة القد، ليسحره خصرها المنحوت كما تقرأ وتشاهد، زفرت بحزن على حالها لتقوس حاجبيها بأسى، وهي على وشك البكاء لا تعلم ما هو مصيرها معه، ولا تعلم إلى أي مرسى سيرسو عشقها الذي تكنه له ؟
اه من حبه الذي بمثابة معصية، تود الغفران والعزوف عنها، إلا أنها مستمرة على فعلتها، فكيف تطلب التوبة وهي على أعتاب الخطيئة ؟
راقب هو انفعالاتها الجمة والتي تتوالى خلف بعضها، مانعة إياه من أن يحظى بأدنى ثوان ليحلل أي منها، كم هي غريبة الأنثى وصعبة القراءة، من يظن أن التعامل معهن سهلًا، فليواري رأيه تحت الثرى، فهي أصعب من المعادلة الرياضية، وأصعب من أن تعبر المانش بذراع واحد كما فعلها عبد اللطيف أبو هيف، هز رأسه بقلة حيلة وأردف بحيرة :- مالك ؟ زعلتي وفرحتي وخچلتي وبكيتِ في واحد !
اتسعت عيناها بذعر من كلمته الأخيرة، كيف لها أن تبكِ أمامه ؟ مررت أصابعها على وجهها لتتحقق من صدق حديثه، لتجد أناملها غرقت في عبراتها التي سقطت ولم تشعر بها، جففتها سريعًا وتابعت بتوضيح زائف لا أساس له من الصحة، وكم ودت لو تفيض بأبحر حبها فيغرق معها بدلًا من أن تجدف بمفردها :- مفيش حاچة دة بس الچرح واچعني هبابة . بقلم زكية محمد
نهض من مكانه بقلق ظاهر وردد :- بيوچعك كيف ؟ طيب وريني لا يكون عملت حاچة غلط ولا حاچة .
تراجعت للخلف بسرعة حتى ارتطم ظهرها بحافة السرير قائلة بسرعة :- لاه بقيت زينة دلوك .
أردف بغيظ مكبوت :- بقولك إيه يا بت سالم چلع كتير مرايدش .
قال ذلك ثم كبلها بسهولة، وأخذ يتفحص الجرح مجددًا وسط انصهارها كمعدن الحديد عنـ.ـد.ما يتعرض لمستوى معين من الحرارة، كانت أصابعه بمثابة جمر يكوي جلدها أينما لامس موضع الألم يتفقده، وضعت يدها المرتعشة على كفه الكبير قائلة بتلعثم :- بزيادة أنا، أنا زينة .
ابتسم بمكر ثعلب يغمره الدهاء، فهو فهيم جدًا لخجلها الظاهر للعيان، فأردف بمزاح :- زينة ولا شمس أرسيلك على بر .
نهضت مسرعة ولم تأبه لألمها بقدر رغبتها في الابتعاد عن حدوده، حتى لا تتعرض لشن الغارات الجوية التي تقذف مدن قلبها دون رحمة، بينما زمجر هو باعتراض قائلًا :- أقعدي رايحة وين چرحك لسة ما طابش .
تعرقت كفوف يدها من فرط التـ.ـو.تر ورددت بتيه :- هروح ..هروح الحمام أغير خلقاتي .
أردف بموافقة وعدم اكتراث لما يتفوه به :- طيب تعالي أما أساعدك عشان العوارة ( الجرح) ما تلحقهوش الميا .
وكأنه صفعها بقوة بل لو فعل ذلك لكان أهون بكثير مما يهرتل، كادت أن تخرج مقلتاها من موضعها، وتجلطت الدماء بعروقها، صرخت بهلع قائلة :- تساعد مين ؟ أنا هساعد حالي .
ضحك بخبث وردد بصرامة مصطنعة :- قدامي ومرايدش أسمع ولا كلمة .
أردفت بتلجلج عنـ.ـد.ما رأت الإصرار بعينيه :- طيب، طيب هنادي مرت عمي تساعدني .
مط شفتيه بلوم قائلًا بنفاذ صبر :- يا مثبت العقل والدين يارب، دة أنا لو بحايل چنا مش هتعمل إكدة .
هزت رأسها بعنف شـ.ـديد قائلة :- لاه لاه أنت قليل الحيا .
جحظت مقلتيه بصدمة قائلًا :- عيدي اللي قولتيه دة تاني إكدة .
أخذت تتراجع للخلف وقد سرت بداخلها رعشة قوية، عنـ.ـد.ما وجدت تقاطيع وجهه تحولت لشيء آخر شبيه بالبركان حينما يثور، فيصهر ويقضي على ما بوجهه، تقدم نحوها بخطوات دبت الهلع بأضلعها، فما كان منها سوى أن تتراجع حتى أطلقت صرخة حينما شعرت بأنها ستسقط لتعرقلها في المقعد، أوصدت مقلتيها بعنف تنتظر ارتطامها العنيف بالأرض، إلا أنها لم تسقط بسبب قبضتيه اللتان طوقت خصرها، فتحت عينيها وهي تطالعه بقلب يضخ بشـ.ـدة حتى كاد أن ينفجر، وهو يصـ.ـر.خ بالرحمة والتمهل فما عاد بمقدوره أن يتحمل، تاهت في دروب مقلتيه القريبة منها والتي تعمقت بداخلها، ضاعت في طرقها لتأسرها كما فعل عشقه مع قلبها، ماذا تريد أيها المعشوق أكثر من ذلك ؟ فبات هواك مهيمن على قلاع فؤادي، وعيناك التي تشبه المغناطيس تجذبني للقاع، رافضة أن تطلق سراحي، فمهلًا علي لقد أوشكت قواي على أن تنهار .
إن كان هو مغناطيس يجذبها، فهي دوامة تسحبه دون هوادة، ماذا حدث له أسينبض من جديد ؟ أم أنه ينبض منذ زمن بعيد، ولكنه لا يدري بهذه الحقيقة ؟
لم تشعر بعدها بشيء إذ سارت معه كالمنومة مغناطيسيًا، لتمر بعد الدقائق وهي تخرج بملابس نظيفة، أخذ بيدها لتجلس على الفراش ليجلب فرشاة الشعر، ويجلس خلفها ويبدأ في تمشيط خصلات شعرها، فهو يعلم أنها ستتألم إن مدت ذراعها للأعلى فستشـ.ـدد معه الجلد وسيتعبها الجرح، مازالت خصلاتها كما هي في السابق، إلا أنها ازدادت طولًا، ابتسم بحنين لتأخذه الذكرى حينما كان يفعل ذلك عند إصابتها برأسها، تعجب هو لصمتها الطويل فهتف بهدوء :- شمس ! ساكتة ليه ؟
هتفت بشرود :- هو أنت إيه رأيك في التُخان ؟
قطب جبينه بتعجب قائلًا :- من حيث إيه يعني ؟
ضغطت على شفتيها بحرج وكيف تخبره هل يكن لها بعض الحب بشكل مباشر ؟ أردفت بتـ.ـو.تر :- يعني أنت أنت .... ولا بلاش خلاص مفيش حاچة متشغلش بالك .
فهم ما ترمي إليه فأردف بتلاعب :- التُخان دول كدة شبه الكورة اللي بتتفطفط على الأرض .
توسعت عيناها على اخرهما، وتصلب جسدها فها هو أخبرها برأيه، شعرت بغصة مريرة بحلقها ورغبة قوية في البكاء، فنهضت لتغيب ترثي حالها بمفردها كما تفعل، ولكن يده حالت دون ذلك، فبلحظة وجدت نفسها تقبع على قدميه فتوهجت وجنتيها بحرج، بينما أردف هو بمكر :- بس حلوين قوي قوي .
قال ذلك ثم أقترب ينهل من رحيقها، الذي بات يدمنه من أول رشفة له، وطالب بالمزيد طمعًا لينال أكبر حصة من ذلك الرحيق، ليغرق معها وتصبح زوجته بالفعل .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
تسير بالطرقة أثناء عودتها من عند والدتها، والتي كانت تساعدها بأعمال المنزل، لاحظت والدة زوجها تجلس بإرهاق ويبدو عليها التعب، تقدمت نحوها على عجل قائلة بحذر خشية أن ترفض وجودها وتقوم بإهانتها هي الأخرى :-
مالك يا عمة أنتِ زينة ؟
لم ترد عليها في بادئ الأمر، مما جعل فؤادها يخفق لما هو قادم، لتصيبها الدهشة عنـ.ـد.ما سمعتها تقول بخفوت :- مفيش حاچة يا بتي مصدعة شوية .
أردفت مسرعة :- هروح أعملك كوباية شاي تعدل راسك .
- وأعملي واحدة تانية معاكِ .
كان ذلك صوت نورا التي هتفت بتلك الجملة، وهي تجلس بجوار زوجة عمها وهي تنظر لها بسخط، كورت الأخرى يديها وكم تود لو تلكمها بها لكمة تطيح بها إياها من الوجود، لم يعرف قلبها الكره إلا معها تمقتها بكثرة وتغار أيضًا بأضعاف، لم ترد أن تحدث جلبة ومشاكل فيكفي ما هي فيه، إذ هزت رأسها بموافقة وأردفت بغيظ مكبوت :- حاضر
توجهت للمطبخ ثم عادت بعد دقائق وهي تحمل كوبان من الشاي، ويرافقهم آخر من الماء وضعتهم على الطاولة الصغيرة أمامها وما إن همت لتغادر هتفت نورا بصرامة :- أنا قولتلك أمشي أذنتلك بإكدة ! خليكي واقفة لحد ما أخلص عشان تاخديهم چوة .
كتمت غيظها بصعوبة وقد فاض بها الكيل من تصرفاتها المهينة في حقها، بينما نظرت أمينة لها بــــاستنكار ولطريقة حديثها تلك التي تثير الغضب،
سكبت تلك الماكرة بعض الشاي على الأرضية فشهقت بتصنع قائلة :- وه الشاي اتدلق روحي هاتي حاچة نضفي بيها قبل ما توسـ.ـخ باقي المكان .
تدخلت أمينة قائلة بلطف وحسن نية :- وه تنضف كيف يا نورا ؟ خلي حد تاني ينضف بدالها .
أردفت بازدراء :- ليه هي چديدة عليها ؟ ما هي شغلانتها ولا أنا قولت حاچة غير إكدة .
رددت بضيق :- دي مرت خالد يا نورا وفي مقام بتي .
طالعت زوجة عمها بكمد مكتوم، كيف لها أن تجعلها تجلس معهم وتتساوى بهم ؟ تدافع عنها بكل سخاء منها، أخذت تغلي كإناء أشعل عليه صاحبه وتركه لساعات، خرج صوتها لينهي ذلك الجدال القائم :- مفيش مشكلة هنضفه عادي .
توجهت للداخل وعادت بعد لحظات، ومعها أدوات التنظيف ثم جلست أرضًا وأخذت تنظف الأرضية بهدوء، بينما كانت نورا تتابعها بتشفي وهي تنظر لها بتعالي، ولم تستطع كبح جماح حقدها إذ فجأة نهضت وضغطت بحذائها على يد تلك المسكينة، التي صرخت بألم وهي تحاول نزع كف يدها من تحت قدمها فهتفت بدمـ.ـو.ع :- يدي يا نورا حـ.ـر.ام عليكي
لم تتحرك قيد أنملة وإنما هتفت بغل :- عشان بس ت عـ.ـر.في انتي إهنة مش أكتر من خدامة وأوعاكي تنسي نفسك وتفكري حالك هانم وست بيت، اللعبة دي مسَّخت قوي وقريب قوي هيطـ.ـلقك ويتچوز اللي تليق بيه وبمقامه .
نهضت أمينة بفزع وجذبت نورا قائلة بحدة :- وه أنتِ بتهببي إيه هتكسريلها يدها .
رددت بكره :- خليها تغور واصل خلينا نخلص منها، دي ضحكت على ولدك ولافت عليه كيف الحية .
أردفت بحدة :- ملكيش صالح بيها يا نورا هما أحرار ويا بعضهم .
أخذت تتطلع لها باحتدام عارم، ثم غادرت المكان بسرعة، بينما ضمت كفها برفق وهي تشعر بأنه تهشم، وانفجرت باكية بمرار وهي توبخ نفسها بأنها تستحق كل ذلك، فلو سمعت كلام والدتها منذ البداية لما لاقت ذلك المرار الذي تتجرعه يوميًا سواء على أيديهم أو يديه .
علي الجانب الآخر كان يقف خلف الجدار وقلبه يعتصر ألمًا لما شاهده منذ قليل، فها قد رأى بعينيه كل شئ فهي تعاني الويلات على يدها وليس العكس،
ضـ.ـر.ب رأسه بيده بغضب وهو يتذكر كم مرة كان يقوم بضـ.ـر.بها لأجل إرضاءها، ظنا منه أنها على حق ولكن ما رآه اليوم يعكس كل شئ إنها تتعرض للإهانة وتستقبل ذلك بالصمت و ذرف الدمـ.ـو.ع فقط دون أن تشكو بينما الأخرى تستخدم ذلك لصالحها وأنها هي المظلومة وبجدارة .
لم يعرف كيف يتصرف في الموقف ذاته فهو أبى أن يخرج في لحظة الموقف، فراقب والدته التي تقدمت منها وأخذت تتفحص يدها، لتخبرها بأنها على ما يرام وتفر للأعلى، وقف جـ.ـا.مدا وهو يصارع ذاته التي كانت على وشك الدلوف و إنقاذ تلك المسكينة التي لا تستحق ذلك، فواحدة أخرى كانت على الأقل دفعتها بكل قوتها لتتخلص من الألم، وإنما تحملته دون أن تتطاول عليها لا باللفظ ولا باليد
فاق من شروده على اختفاءها عن بصره، فدلف يتحدث مع والدته ولم يخبرها عما رآه، وبعد ذلك نهض يصعد لها وهو يشعر بتضخم قلبه في موضعه، دلف للداخل فوجدها بوجهه فأسرع يقول :- انتي زينة ؟ يدك وچعاكي أشيعلك الدكتورة .
هزت رأسها بنفي قائلة بخفوت :- أنا زينة مش رايدة حاچة .
هم بأن يمسك يدها قائلاً :- طيب هاتي يدك وريهاني أشوفها . إلا أنها ضمتها لصدرها قائلة بخفوت :- لاه قولتلك زينة .
دلفت لغرفتهما ببطئ وهي تتساءل من أين له بمعرفة ما جرى ليدها، ثم حاولت نزع ثيابها لتغتسل ولكنها لم تستطع فحاولت باليد الأخرى .
ولج للغرفة فوجدها تصارع بيدها السليمة في نزع ثيابها وسط همهمـ.ـا.تها الساخطة وانفعالها الزائد .
اقترب منها بهدوء قائلاً :- خليني أساعدك .
انتفضت بفزع أثر ولوجه المفاجئ الذي لم تنتبه له فلم ترد عليه وإنما توجهت للمرحاض لتكمل ما تفعله فكان الأسرع حينما قيدها بذراعيه قائلاً بحنو :- خليني أساعدك متبقاش راسك ناشفة .
هتفت بحدة ووجع :- هملني لحالي ملكش صالح بيا .
أردف بحنان و عبث :- وه كيف ماليش صالح مش مرتي إياك!
نظرت له بقهر وهتفت بألم :- طلقني يا خالد مش انت قولت هطلقني يلا طلقني مستني إيه؟!
شعر بنغزة قوية عنـ.ـد.ما تفوهت بتلك الكلمـ.ـا.ت وكم هو نادم لتفوهه بها في وقت سابق .
لم يجد سوى أن يحتويها عنـ.ـد.ما دفن وجهها في صدره و حاوطها بذراعيه قائلاً بهدوء وحنان :- لاه مش هطلقك يا وچد ومش هتهمليني واصل .
انفجرت باكية وهي تقول :- حـ.ـر.ام عليك هملني لحالي أنا تعبت وفاض بيا .
أردف بنـ.ـد.م وهو يمسد على خصلات شعرها :- حقك علي يا وچد متزعليش أنا خابر زين كيف هچيبلك حقك .
رفعت رأسها صوبه أردفت بصدمة :- انت...انت وعيت للي حصل ؟
هز رأسه قائلاً بضيق :- أيوة وعيت للي حصل وأنا محقوقلك أمسحيها فيا أنا المرة دي .
أردفت بمرار :- بس انت مصدقتنيش كنت بتصدقها هي وتلطش فيا أنا من غير ما توعى على الحقيقة أمي كان عنديها حق لما قالتلي أنكم مش من توبنا يا ريتني اسمعت كلامها مكانش چرالي اللي چرالي .
أردف بروية :- وه حديت إيه دة اللي بتقوليه دة عاد !
أردفت بوجع :- قبل ما يكون دة كلام أمك وإهانتها ليا كان كلامك انت اللي سميت بيه بدني .
أردف بتـ.ـو.تر :- دة قبل ما أعرفك زين اعذريني كنت فاكرك مزقوقة علي وإن في حد قالك تعملي إكدة وكمان .......
صمت قليلاً ثم أردف بحرج و خذي :- وقتها كنت رايد بت عمي فمكنتش واعي لحاچة تاني .
ابتعدت عنه ونظرت له بعينيها الرمادية التي تحول لونها إلى الأحمر وهتفت بعتاب :- يعني انت بطلت تحبها ! أهي چارك أهة هتعوز إيه أكتر من إكدة ؟
زفر بضيق وهتف بهدوء :- وچد هي خلاص طلعت من حساباتي دلوَّك دي بت عمي مش أكتر ولا أقل .
نظرت له و أردفت بأمل :- يعني انت مهتحبهاش دلوك؟
هتف بتأكيد :- أيوة مبحبهاش هي كيف أختي وبس أصل سمعت بنصيحة واحدة قالتلي" حبني أنا متحبهاش هي " .
أردفت بغيرة واضحة وحدة :- واحدة تاني ! مين دي يا خالد هو أنا مش هخلص إياك اخلص من واحدة تطلعلي التانية ! دة إيه الغُلب دة يا ربي .
ضحك بخفة قائلًا :- يا هبلة بطلي چنان وإهدي هبابة .
دفعته بغضب وهمت بالمغادرة إلا أنه احتجزها بين ذراعيه والجدار من خلفها وأردف بعبث :- طيب مش ت عـ.ـر.في مين الواحدة دي ؟
هزت رأسها برفض قائلة بتذمر :- لاه معاوزاش اعرف حاچة بعد وهملني لحالي .
اقترب منها وهمس إلى جوار أذنها مما أسرى قشعريرة بداخلها فور قربه المهلك لها :- الواحدة دي اسمها وچد .
اتسعت عيناها بصدمة وهي تطالعه وكأنه تسأله بنظراتها هل هو جاد فيما يقول أم يعبث معها .
أومأ برأسه وقد قرأ ما يوجد بعينيها قائلاً بصدق :- أيوة أنا بتكلم صوح انتي من أول يوم چيتي فيه إهنة وفي حاچة چواتي إتشـ.ـدتلك كنت بعاند نفسي وبنكر كل إحساس بحسه چارك ومعاكي كنت بقسى عليكي عشان ما أظهرش شوقي ولهفتي ليكي كان غروري مانعني عن حچات كتير بصيتلك من زاوية غلط ولما وعيتلك صوح نـ.ـد.مت على كل حاچة قولتهالك وعملتها أنا محقوقلك قوي يا وچد حقك علي . بقلم زكية محمد
هتفت بتيه :- وه وه الحديت دة كله ليا أنا!
ابتسم بحنو قائلاً :- أيوة ليكي انتي يا مخبولة هو في حد إهنة غيرنا !
هزت رأسها بنفي وهي تبتسم بخفوت وكأنها تعيش في حلم و ستصحو على ذلك الواقع المرير وهتفت :- أنا مش مصدقة حالي .
أردف بخبث:- تعالي وأنا أخليكي تصدقي .
وما هم أن يقترب أوقفته بيدها، وقد اعتقدت أنها مجرد حيلة للإيقاع بها كي ينال مبتغاه منها، ومن ثم يعرض عنها ويعاملها كما السابق، لا هي ليست لعبة بيده ليستغلها إلى هذا الحد، أردفت بحدة :- لاه بعد عني اللي في دماغك دة مش هيتم، أنا مش واحدة چايبها من الشارع ترضي مزاچك وبعدين ترميها .
نتأت عيناه بذهول من تفكيرها الاخرق، أهذا ما تظنه في قربه منها ؟ لا تعلم إنه يشعر بأنه تم محاسبته ودلف جنان عدن، نعم هذا ما يشعره جوارها وهي تأتي بكل بلاهة وترمي له بتلك الكلمـ.ـا.ت !
جذبها بقوة قائلًا بغيظ وهو يضغط بإصبعه على رأسها :- شيلي الهلاوس دي من دماغك، أنا عمري ما فكرت فيكِ بالطريقة دي .
لوت شـ.ـدقيها بامتعاض قائلة بتهكم :- أنت هتقولي يا فلاتي يا أبو عين زايغة يا بتاع البنتة !
رمته بكلمـ.ـا.تها التي بمثابة رصاص اخترق صدره، لم مصرة على أن توصله لحافة الكمد ؟
شعرت بفداحة ما نطقته، فور رؤيته لتحول عينيه التي تحمل شرارات من الغضب، أي مصيبة تلك التي زجت نفسها بها طواعية ؟
ردد بهدوء ما قبل العاصفة :- أيوة وايه تاني يا حرمي المصون ؟
اصطكت أسنانها بتـ.ـو.تر وأردفت بتلعثم وبلاهة :- لاه، لاه مش أنت ... أنت دكتور مال وهدومك إكدة .
ابتسم بمكر وانتصار قائلًا بخبث :- أيوة إكدة چيبي ورا، وبما إني بتاع بنات فأنا هوريكِ زين بتاع البنتة دة هيعمل إيه .
ما إن فهمت الحديث المبطن الذي مرره، حاولت الهرب إلا أنه حاصرها بذراعيه قائلًا :- هتروحي مني وين ؟ أنتِ خلاص بقيتي تحت يدي .
أردفت بحزن يجثو فوق صدرها كجبال الهيمالايا :- بس أنت مبتحبنيش يا خالد، أنت بتحبها هي نورا .
رمقها بصدمة لتكمل حديثها الذي أحدث شق بضلعه الأيمن :- في الليلة إياها كنت مفكرني هي وأنا كيف الهبلة صدقت حديتك أتاري كان لواحدة تاني .
طالعها كالمذنب وبخزي من افعاله، ابتعدت هي برفق قائلة بحذر :- خالد أنا رايدة وقت أبعد فيه، رايدة ألملم چرحي منك اللي لسة لحد دلوك ما طابش، صدقني مهما قولت دلوك مهصدقش ولا كلمة منك، مش يمكن تكون شارب المدعوك دة تاني !
اعتصر عينيه بعنف وردد بحدة :- أنا مبتنيلش بشرب، هي مرة وكانت غلطة ومهتتكررش واصل، وإن كان على الوقت خدي الوقت اللي أنتِ ريداه، مش خالد اللي يفرض روحه على واحدة .
قال ذلك ثم انصرف وأعاصير الاحتداد تلاحقه من حديثها، والذي كان بمثابة دلو قام بغسل عينيه لتتضح له مجريات الأمور، والتي كان أعمى البصر فيها، هي محقة تريد أن تشعر بأن قربه منها نابع عن الحب الذي لم يقدمه لها يومًا، لذا قرر أن يمنحها ذلك الحب الذي تتوق له، وأن يطـ.ـلق لقلبه العنان في إظهار ذلك العشق الذي بدأ ينمو في حدائق فؤاده المنيعة، والتي بالفعل لم تنجح أنثى في اختراق جدرانها، عدا هي دلفت وزرعت نبتة حبها لتكبر يومًا بعد يوم، لتمد جزورها بعدها وتصبح متينة صعب بترها .
★★★★★★★★★★★★★
في منتصف الليل في سفح الجبل، حيث تعمل أيادي خبيثة على العبث وتضليل عقول شباب فتغيبهم، وتسحب طاقتهم وتلقي بهم في دائرة الخطر .
أثناء عملية التبادل اقتحمت الشرطة المكان، وتبادل الطرفان إطـ.ـلا.ق النار، فأمست السماء المظلمة تنير بالأعيرة النارية ، كر وفر، أجساد تسقط ألقت حتفها، وأخرى تصارع الموت، وقد كان ما كان ........
*************
↚
ركض بعيدًا برفقة ولده وشقيق زوجته، وهو يصـ.ـر.خ بهما بأن يتركا المكان على الفور ويلوذا بالفرار، فالشرطة تحاصر المكان ومن الصعب الخروج بالبضاعة سالمين، أو دون أن يتم القبض عليهم .
توقف فجأة ليتابعه الآخران بدهشة، وما هي إلا ثوان وسقط نصب عينيهم، ركضا صارخين بــــاسمه بينما لا حياة لمن تنادي، حملاه سويًا وسارا به بأقصى سرعة لديهم، ليختفوا بإحدى ممرات الجبل، والتي يحفظونها عن ظهر قلب، ليبتلعهم سواد الليل تاركين خلفهم معركة دامية، لا يعلمون لمن الغلبة فيها ؟
استمر القتال والذي أسفر عن سقوط ضحايا من قبل رجال سالم و أيضًا من أفراد الشرطة، وإصابات لدى الطرفين، تم التحفظ على شحنة المخدرات، والقبض على بعضهم بينما فر الآخرون في ثنايا الجبل، كما تم إرسال بعض سيارات الإسعاف لنقل القـ.ـتـ.ـلى والجرحى.
في نفس الوقت أتصل بأحدهم، وأمره بأن يرسل سيارة في الحال، وبالفعل أتت واصطحبتهم وهم في أقصى درجات القلق خوفًا على ذلك الذي أوصد جفنيه ودلف في صراع مع الموت، لا يعلم أحد لمن الغلبة ستكون في هذا النزال .
صرخ في السائق بغضب وتـ.ـو.تر :- سَرَّع العربية يا واكل ناسك دمه هيتصفى .
هتف راضي بخوف وهو يتابع جثة خاله الهامدة :- وهنعمل إيه دلوك يا أبوي ؟
ردد بتيه :- مخابرش عاد يا راضي هملني أفكر وأشوف هنعمل ايه لازمًا نلحقه .
بعد وقت في مكان منعزل لا يعلم عنه أحد، كان الطبيب بانتظاره والذي اتصل به مسبقًا، وما إن ترجلوا من السيارة، توجهوا به للداخل بأقصى سرعة، ليشرع الطبيب في أداء عمله بينما ظلا الاثنين يراقبا الوضع بصمت وترقب .
**********************************
صباحًا استيقظ بعد ليلة حالمة قضاها في نعيمها، حاوط خصرها بخفة وهو يتفحص موضع جرها، انتفض بفزع على صوت شهقاتها، وكأنها انتشلته من سحر اللحظة ليسقط على الأرض بقوة، جلس نصف جلسة وسألها بهلع :- في إيه ؟ الچرح واچعك ؟
هزت رأسها بنفي ليعيد الكرة بقليل من الحرج :- طيب أنتِ زينة ؟ يعني أنا ما أتغابيتش عليكِ ؟
هزت رأسها بنفي مجددًا، فشـ.ـدد بقبضته على شعره وهو يكاد يجن، فأردف بحدة مبالغة :- أومال فيه إيه عاملة المناحة دي على الصبح ليه ؟
ارتجفت إثر صوته العالي، وازداد بكائها وهي تضم نفسها بقوة، بينما ظل هو يطالعها بذهول وبداخله يسأل أي ذنب اقترف لتبكي بهذا الشكل ؟
قبيل ذلك بقليل استيقظت قبله، وجدت نفسها تحت حصار ذراعيه التي أبت تركها، شردت فيما حدث بينهما ولوهلة شعرت بالخزي لأنها لم تعترض، لم ترد ذلك قبل أن تتأكد بحبه لها ولكنها استسلمت لطوفان عشقه الذي داهمها، فأي قوى تمكنها من مجابهته ؟
تذكرت كم المرات التي تسأله فيها عن زوجته الراحلة، فما وجدت منه سوى الغلظة وأن لا تتحدث بشأنها مرة أخرى، ألهذا الحد يحبها ولم ينساها ؟ إذًا لم أقترب منها إلى ذلك النحو ؟
أخذت الأفكار تعصف بها، تقـ.ـتـ.ـلع جزور التماسك لديها، حتى قضت عليها جميعًا، فلم تستطع أن تكبت ما يعتريها أكثر من ذلك، فدلفت في نشيج حار تشعر بأنها تغرق، ولا ترى لها أي بر تهتدي إليه .
جن جنونه وقد تلبسته الشياطين، فجذبها من ذراعها بعنف وردد بنبرة خشنة حاول أن يكبد ألسنة غضبه قدر الإمكان :- يا بت الناس متخلنيش أطلع برات شعوري على الصبح، قولي فيه إيه مالك ؟
تقلصت ملامح وجهها بألم، خفف قبضته على الفور الملتفة حول ذراعها، بينما نظرت له بمقلتيها التي أخفت معالمها الخطوط الحمراء التي ملأت أركانها، وهتفت بصوت متحشرج وشهقات متتابعة، تريد أن يعطيها جواب لترتاح ويرتاح معها من يقطن خلف أضلعها، ذاك الذي أوشك على أن يتدمر نهائيًا :- هو أنت، أنت لساتك بتحبها ؟
ضيق عينيه بعدم فهم وردد :- هي مين دي ؟
أردفت بحذر وهي تأخذ وضع الحماية، خشية أن يتهور في الإجابة فهو حذرها مرارًا بأن لا تذكرها، ولكن أبت هي ذلك :- مرتك الله يرحمها .
صمت رهيب اجتاح بقاع الغرفة، أخذت هي تطالع هدوئه بريبة وتحفظ، بدون وعي منه لم يلاحظ قبضته التي كادت أن تهشم ذراعها، فهي أيقظت بركانه الخامد والذي حاول جاهدًا بأن لا يثور، ولكنها أحدثت دويًا جعله يثور، صرخت بخوف قائلة برجاء :- يدي حـ.ـر.ام عليك يا يحيى .
دفعها بقوة ومن ثم نهض للمرحاض، فتح المياه لتنهمر عليه لعلها تساعد في إخماد الحرائق التي اشتعلت بداخله، وهو يضغط على قبضته بشـ.ـدة، وهو يعود بذاكرته للخلف حيث الذكريات داهمته دون رحمة . بقلم زكية محمد
بالخارج انفجرت في نوبة بكاء مكتوم، وها هي تحصل على نفس الإجابة كلما أتت بسيرتها، يتحول إلى شخص آخر مستعد على أن يحرق العالم أجمع، بالطبع يحبها ومن هي لتأتي وتتحدث عنها ؟
شعرت بسكين تمزق بقايا فؤادها الهش، ورياح عتية هبت لتقـ.ـتـ.ـلع جزور الأمل لديها، يا ليت بــــاستطاعتها أن تأخذ ذكرياته المعلقة على كل ركن بداخلها، يا ليت بمقدورها أن تجتث حبه من قلبها، ولكن هيهات فهي ضائعة في دروبه مصر على تعذيبها، أي جرم أرتكبته لتنال هذا العقاب ؟
بعد وقت خرج وأبدل ملابسه ولم يعيرها أدنى اهتمام، وانطلق بعدها كالقذيفة خارج الشقة، حتى لا يطولها بطشه وحينها فقط ستتمنى أن لم تلدها أمها، رأته والدته التي ابتسمت له بحب، سرعان ما تلاشت وهي تراه عابس الوجه، تكاد تقسم أنها رأت ألسنة نارية تلمع بعينيه، وقفت قبالته قائلة بقلق :- يحيى في إيه يا ولدي ؟
حبس أنفاسه لبرهة من الزمن، يحاول أن يسيطر على نفسه حتى لا يلقي بوابل من الكلمـ.ـا.ت تصيبها فهي بالأخير والدته :- مفيش يا أما بالإذن .
قبضت على يده قبل أن يرحل وتساءلت بشك :- لاه يا ولدي، مش قبل ما تقولي في إيه ؟
أردف بغيظ، لو طال التي بالأعلى لقـ.ـتـ.ـلها على الفور، وبسخط :- مفيش يا أما همليني أروح لأبوي النهاردة أچازة وقولت أساعده في الغيط .
لم تعجبها إجابته والتي بدت بكل وضوح أنها ليست ما تنتظره، أردفت بإصرار :- شمس زينة ؟
كان اسمها في تلك اللحظة، سيخ حديدي متوهج وقاموا بكيه به في صدره، فردد بسخرية وغلظة :- أها قاعدة فوق اللي بتچري ورا النكد برچليها، همليني يا أما الله يرضى عنك .
بالفعل امتثلت لطلبه، وهي تتابعه بأعين حائرة، ولكن يبدو أن الأمر يتعلق بمن في الأعلى، لذا ارتقت درجات السلم علها تجد عندها إجابة تثلج صدرها .
في تلك الأثناء كانت قد نهضت واغتسلت وابدلت ملابسها، إلا أنها لم تستطع أن تبدل ملامح الأسى التي احتلت معالم وجهها، سمعت طرقات الباب فذهبت لتفتحه، وما إن فتحته ووجدتها أمامها، احتضنتها بقوة وكأنها كانت بانتظارها لتنهار مجددًا بشكل هستيري أربك الأخرى، وجعلها تتيقن أن جوابها يمكن فيمن تقبع بين ذراعيها، ربتت على ظهرها بحنو والقلق يعصف بها، سارت بها للداخل وجلستا سويًا على الأريكة وهتفت بتروي :- طيب تعالي أقعدي وقوليلي مالك ؟ يحيى نازل شايل طاچن سته ووشه يقول إنه رايح يقـ.ـتـ.ـل .
عند ذكر اسمه ازداد نحيبها، لتحتضنها قائلة بــــاستمالة:- وه عمل إيه العفش دة مخلي الشمس تبكِ ؟ قوليلي يا بتي متخلعيش قلبي عليكم .
هتفت بصعوبة وصوت يكاد يكون مسموع بنبرة تحمل الكمد :- ولدك شين قوي يا مرت عمي .
أردفت بنبرة مرحة تخفف بها حدة الموقف :- وه ! قوليلي عمل إيه المشندل دة وأنا لما ياچي ليا حساب تاني وياه .
رددت بوجع غطى على جميع أنحاء مدنها، فصارت شوارعها تفوح برائحة الألم المستعر بخلاياها :- هو مش، مش بيحبني بيحب مرته اللي مـ.ـا.تت بس .
تجمدت أطرافها عقب انتهاء حديثها، ونظرت لها بانتباه شـ.ـديد وتابعت بصدمة جلية :- مين قالك إكدة ؟ هو ؟
أردفت بحنق :- لاه مقلهاش بلسانه بس كل ما أسأله عنيها يهرب ويزعقلي .
أردفت بــــاستنكار :- هو أنتِ بتچيبيلوا سيرتها ؟
رددت بضيق :- وفيها إيه يعني حتى أنتِ يا مرت عمي !
عضت على شفتيها بغيظ وأردفت من بين أسنانها :- هو في واحدة عاقلة تعمل إكدة بردو، ليه حق يعمل إكدة .
ذمت شفتيها بحنق قائلة :- اه مش أنتِ أمه ما لازمًا تقولي إكدة .
ضـ.ـر.بتها على رأسها برفق ورددت بتوبيخ :- يا بت أقفلي خشمك اللي بيرمي طوب دة، وفتحي مخك اللي شكله مش فيكِ .
كانت على وشك البكاء من سخريتها المتكررة :- بتتمسخري علي يا مرت عمي ؟
هزت رأسها بنفي قائلة بتعقل :- يا بتي اسمعيني زين، مفيش واحدة تروح تسأل چوزها عن مرته الأولانية إكدة أنتِ بتنكدي على روحك .
رددت بإصرار :- طيب ليه كل ما أچيب سيرتها يبقى واحد تاني ؟ أنا بتحدت وياه عادي يعني مقصدتش حاچة عفشة .
صمتت تبتلع ريقها بتـ.ـو.تر، عاجزة عن الرد، وكيف تعطيها جوابًا عواقبه وخيمة ولا تنذر بالخير، رددت بكذب :- هو بس مرايدش حد يچيب سيرتها، دي مهما كان واحدة ميتة ميچوزش عليها غير الرحمة .
أردفت بحزن :- خلاص يا مرت عمي مريداش أعرف حاچة .
قالت ذلك ثم استدارت بوجهها للجانب الآخر، وعبراتها فقط من تتحدث لم لم يفهمها أحد ؟ هي فقط تريد أن تعلم هل تشغل حيزًا بقلبه أم هو بأكمله لغيرها ؟ فيبدو أنها ستظل سجينة عشقه حُكِم عليها فيه بمدى الحياة، يا ليت يحررها من ذاك الأسر لعلها تنال بعد الراحة والتي تبحث عنها لسنوات .
شعرت بالشفقة نحوها، فهي مكبلة لا يمكن أن تفصح عن ما دُفِن لسنوات، لن تنبش وتخرجه لطالما هو لم يرد ذلك، ولكن تعصف بها الحيرة فكم تود لو تخبرها عن كل شيء وتريح فكرها الذي يعمل كالآلة دون توقف، ولكنها مكتوفة الأيدي تقف تشاهد فقط، ربتت على ذراعها برفق قائلة :- قومي يا شمس مش متعودة منك على إكدة وين ضحتك اللي بتشرق وبتخلي الكون ينور .
استدارت وهي على نفس الوضع لتردد بتهكم :- دة نور الشمس يا مرت عمي هنكدبوا على بعضينا ولا إيه ؟
هزت رأسها بنفاذ صبر منها، فهي تريد أن تخرجها من قوقعتها تلك، وهي مصرة على المكوث وسط تلك الكآبة التي لم تعرفها يومًا عنها، نهضت الأخرى بعزيمة قائلة :- بس أنتِ عندك حق، مهقعدش أولول إكدة، من باعك بيعه ودوس عليه من غير ذرة نـ.ـد.م، بالإذن يا مرت عمي هغير خلقاتي وأروح المزرعة أحسن من قعدة المطلقين دي .
تركتها واختفت بالداخل، لتنظر الأخرى في أثرها بصدمة من تحولها المفاجئ، ولكنها ابتسمت بفخر فها هي أثارت حفيظتها، وجعلتها تنتهج طريقًا آخر، عزمت على الحديث معه فالأمر يتعلق بالسابقة لذا يجب من وضع النقاط في أماكنها الصحيحة .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
تسير بشرود في الطرقة، غير منتبهة فتصب جام تنبيهها على قرارها الذي اتخذته، تساءلت هل سيضحي بغريمتها لنيل سماحها، أم لن تفرق معه من الأساس ؟
لم تفرح حينما صرح لها بمكنونات صدره، بل أخبرها عقلها أنه يتلاعب بها للوصول لمبتغاه، وأن كلمـ.ـا.ته ليست نابعة من آبـ.ـار قلبه، يا ليتها عرافة تقرأ أفكاره لما كانت وصلت معه لهذه النقطة، والتي لم ترغب أبدًا في الوصول عندها .
وفي خضم أفكارها أصدرت شهقة مسموعة، وكادت أن تطلق صرخة مدوية، إلا أنه أسرع في وأدها حينما كمم ثغرها قائلًا بخفوت :- دة أنا يا مخبلة، هتفضحينا اكتمي .
أخذت تصدر همهمـ.ـا.ت غير مفهومة، وهي تحاول أن تفك حصارها الذي فرضه عليها، ثبتها جيدًا وهو يقول :- يا بت أهدي هو أنا هاكلك !
حدجته بعينيها اللتان اصطبغتا بلون الغضب القاتم، ليردد هو بــــاستخفاف :- والمفروض أخاف أنا يعني إكدة ؟
أشارت له بمقلتيها نحو كفه بأن يتركها، وبالفعل نفذ طلبها فهتفت بهجوم :- بعد يا خالد، إيه لعب العيال دة !
لم يتركها وإنما أقترب منها، قائلًا بخبث :- وه رايد أصبح على مرتي اللي منفضاني .
قوست شفتيها بحنق قائلة بتهكم :- يا راچل ! من ميتا دة ؟ بقلم زكية محمد
ابتسم لها بحب تراه مسطرًا في عدستيه لأول مرة، وأردف بحنو :- من دلوك لحد ما ربنا يفتكرني .
وضعت يدها على شفتيه قائلة بلهفة وعتاب :- بعد الشر عنك، متقولش تاني إكدة .
قبل أصابعها التي قابلته، لتسحبها فورًا بخجل، بينما ردد هو بعبث :- وه ! خايفة علي ؟
تلعثمت في الإجابة وأردفت بكذب :- لاه ما خيفاش، بس مريداش أترمل بدري بدري .
رفع حاجبه بــــاستنكار قائلًا :- بتفولي علي يا هبلة ؟
تحدثت بانفعال :- مانيش هبلة يا خالد .
ضحك بملئ فيه وردد بخبث :- خابرك زين، وبعدين دي مقابلة تقابلي بيها چوزك اللي غايب عنك عشية بحالها ؟
أدعت المبالاة ففي الحقيقة كانت تتقلب على جمر، والقلق يداهم كل شبر بأضلعها، تريد أن تطمئن عليه ولكن سطا كبريائها هذه المرة على عشقها له، رددت بضجر :- وأنا مالي هو أنا قولتلك تبات برة ؟ أما عچايب .
لوى شـ.ـدقه بسخرية قائلًا :- لاه أمي، يا بت ميبقاش قلبك أسود إكدة .
هزت رأسها بضيق قائلة بضيق :- بعد يا خالد أنا لساتني زعلانة منك .
رسم الصدمة المصطنعة على محياه، وردد بهلع :- لساتك زعلانة مني ؟ دة يبقى عيب في حقي ولازمًا أصالحك دلوك طوالي .
ضيقت عينيها بشك قائلة :- أنت هتعمل إيه ؟
أردف بوله:- هعمل إكدة . قالها ثم سحب أنفاسها لتستقر برئتيه، ظل هكذا لا يشعر بما مر من وقت، بينما أصابها الذعر خشية أن يراهم أحد بتلك الوضعية المخزية لكلاهما، إلا أنه كان مغيب في حضرتها، ابتعد عنها عنـ.ـد.ما سمع صوتًا ساخر يقول وهو يطالعهما بغل :- إيه قلة الحيا دي !
انتفضت في محلها وهي تشعر كما لو أنها قطعة ثلج، تعرضت للحرارة فجأة فذابت خجلًا، لم تستطع الرد والتصقت بظهره تختفي عن الأنظار، ابتسم هو لحركتها وضغط على يدها يطمئنها، استدار نحو الصوت ليردد بجمود :- في إيه يا نورا ؟
وضعت يدها في خصرها قائلة بتهكم :- ملاقيش حتة إلا غير دي اللي رايح واللي چاي يوعالك يا واد عمي، ولا خلاص لحست مخك فمبقتش فارقة معاك ؟ بقلم زكية محمد
ابتسم بسماجة وردد ببرود :- والله أنا أقعد في الحتة اللي تعچبني وأعمل اللي رايده طالما لا هو عيب ولا حـ.ـر.ام .
صمت ليكمل بوقاحة :- وبعدين لو مريداش تشوفي حاچة زي إكدة دوري وشك وامشي .
ضغطت على يدها بعنف، وهي تراه تحول جزريًا مقارنة بذاك الذي كان يركض نحوها بلهفة، ألهذا الحد محتها من مخيلته لتستحوذ عليه هي بكل جدارة، تحدثت بعدم تصديق :- أنت بتحدتني إكدة يا خالد !
هز رأسه بتأكيد قائلًا بضجر :- أيوة ورايد أقولك لو هوبتي ناحية مرتي وعملتيلها حاچة هتلاقيني في وشك، بالإذن يا بت عمي .
قال ذلك ثم سحب يد الأخرى برفق، وسارا مبتعدين عنها لتطالعهم بكره قائلة :- ولا وطلعتي واعرة يا بت عطيات . بس وحياة مقاصيصي دي هتشوفي .
على الجانب الآخر ابتسمت بسعادة، وأشرقت شمس وجهها بعد أن اذابت غيومه الملبدة، وهي تنظر له بفرحة مفرطة، راقبها هو من طرف عينيه ببسمة راضية، وهو يراقب تحولها المبهج الذي يتوق لرؤيته، مال برأسه هامسًا جوار أذنها بمكر :- بتطلعيلي إكدة ليه ؟ أنا راچل متچوز يكون في علمك .
انطلقت ضحكاتها الرنانة، والتي غزت قلبه بضراوة فسكنت أضلعه في الحال، أردف ببريق لامع يخصها وحدها، وهو يجرب ذاك الشعور الذي ينتابه لأول مرة، والذي لم يشعره مع أي أنثى غيرها، عرف الكثير منهن ولكنها الاستثناء الوحيد لكل شيء، حاوط ذراعيها وأكمل سيره، لتهتف هي باعتراض :- خالد حد يوعالنا .
ردد بمشاغبة :- ما اللي يوعى يوعى، هو إحنا بنسرق !
عضت على شفتيها بخجل، وهمست بحروف اسمه التي فعلت به الافاعيل، ليردد بعلو صوته بحرارة :- أباي على خالد واللي بيچرا لخالد .
صمتت بــــاستسلام فهي لن تسلم منه، واطلقت لقلبها العنان ليتجرع بعض البهجة التي هجرته منذ وقت طويل، وعلى مقربة منهم كانت هناك عيون تتابعهما بحب، داعية المولى بأن تدوم السعادة عليهما طويلًا .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
تشعر بالضجر الشـ.ـديد، لكونها حبيسة المنزل ليل نهار، ضـ.ـر.بت على رأسها بقوة، هذا ما جنته من خلف عبثها الذي لم تعلم توابعه جيدًا، تركت الكتاب الذي بيدها ولا تعلم مصيرها، أحقًا سيمنعها شقيقها ووالدها من تأدية الامتحانات، أم أنه مجرد تهديد لاخافتها، دمعت عينيها بنـ.ـد.م فكل شيء يمكن تعويضه إلا ما تحلم للوصول إليه، والذي حولته لكابوس بنفسها، ودت لو تصرخ بصوتها كله وتجلس تحت قدمي والدها ترجوه بأن تكمل دراستها، ولكنها غير قادرة على رفع مقلتيها فيه، فبأي وجه ستفعل ؟
نظرت من الشرفة بشرود، وسمحت لعبراتها بالسقوط، رفعت انظارها نحو السماء، تتضرع إلى الله بأن يحقق لها حلمها، وأنها تعلمت الدرس ولن تكرره مرة أخرى، أخذت تتطلع في أرجاء البلدة، لتصب جام تركيزها على ذلك الوقح كما أطلقت عليه، يسير في الشارع الذي تقطن به، ضيقت عينيها بغيظ فها هو أتى ليراقبها كما اخبرها، جزت على أسنانها بغل وكم ودت لو تنتقم منه على ما فعله معها، تراجعت للخلف برهبة حينما رأته يشير لها بالدلوف على الفور، فتطلعت له بتحدً سافر، ليحدجها بنظرات غاضبة سرت بداخلها رعشة، جعلتها ترضخ لأمره دون ارادتها، وكأنه ألقى بسحره عليها، لا تمتلك مجالًا للاعتراض .
**********************************
تعالت الطرقات بصخب على البوابة الرئيسية، ليفتحها أحد العاملين، ليرتجف بدنه ما إن رأى عناصر الشرطة بوجهه، تحدث أحدهم بأنه يريد تفتيش المنزل، والتحقيق بشأن مكان وجود كلًا من سالم ونجله، دلفا للداخل بعد أن أفسح له الطريق، ومن ثم لداخل المنزل تحت نظرات الجميع المصوبة عليهم، منها متعجبة والأخرى على وشك أن تخر أرضًا .
أشار لعناصر الشرطة بالتفتيش، وبعد أن انتهوا أخبروه بأنهم لم يجدوا شيء، لينظر لهم قائلًا بصوت صارم :- إحنا عندنا أمر بإحضار كلًا من المدعو سالم الدهشوري، ونجله المدعو راضي سالم الدهشوري .
↚
اقتحمت الشرطة المكان، وقامت بتفتيش المنزل، وبعد أن انتهت واطلقت خبرها كالقذيفة في وجوه الحاضرين، صار كل منهم كالتمثال الجـ.ـا.مد يحاول جاهدًا استيعاب حجم الفادحة التي ألحقت بهم .
بينما كانا الاثنان يرتجفان بداخلهما، ولكنهما أدعوا الثبات قدر المستطاع، ليخرج صوته والذي صارع في أن يظهر طبيعيًا :- خير يا حضرة الظابط، بأي وچه حق رايد تقبض علي أنا وولدي ؟
تحدث الضابط بعملية :- سيادتك متهم بتهريب شحنة مخدرات أنت وابنك، وفي القسم هتعرف كل حاجة .
تحدث راضي بانفعال زائف :- مخدرات إيه دي كمان ؟ البلاغ دة كيدي يا باشا .
لوى ثغره بتبرم وردد بضجر :- والله دة اللي هتثبته التحقيقات اتفضلوا معانا بالذوق بدل ما نستخدم القوة .
امتثلا لطلبه وسارا معه، اتبعه شقيقه والذي هتف بهدوء :- متخافش يا سالم أنا هچيب محامي وأطلع وراك طوالي على المركز .
أومأ له برفق حتى غابا عن أعينهم، لتجلس زبيدة ترثي حالها على زوجها وولدها، بينما ظلت أمينة تنقل بصرها بينها وبين ابنتها بشفقة .
أتت تلهث هي ما إن اخبروها بالمزرعة بما حدث، دلفت والدمع يسبقها إلى حيث يتواجدون، هتفت بلوعة وهي تقف تلتقط أنفاسها بصعوبة أمام والدتها :- أما وينه أبوي ؟
هتفت بصراخ :- أبوكِ خدوه المركز يا شمس هو وأخوكِ .
ارتعشت شفتيها بهلع قائلة :- ليه خدوه ؟
تدخل عامر الذي أردف بحنو :- متقلقيش يا بتي أديني رايحله أهة ويا واد عمك وهنشوف الحكاية .
قال ذلك ثم انصرف برفقة مؤمن، بينما جلست هي على الكرسي لا حول لها ولا قوة، فما كان أمام أمينة سوى أن تبقى إلى جوارها، حتى تمضي هذه المحنة بسلام . بقلم زكية محمد
بقسم الشرطة توالت التحقيقات، ودلف عامر بصحبة المحامي لرؤية الأوضاع، وما إن وجهوا له اصابع الاتهام انتفض محله وهتف باعتراض :- كيف تتهموني بالتهمة الشينة دي ؟ أنا وولدي كُنا في حلقة ذكر عشية، وتقدر تتأكد بنفسك، چبل إيه اللي روحناه دة كمان أما عچايب .
ردد المحقق بصرامة :- والله إحنا بنشوف شغلنا ولو فعلًا ثبت وجودك في المكان اللي بتقول عليه ساعتها يحلها الف حلال .
ظلوا إلى منتصف النهار، يتابعون التحقيقات والشهود الذين أتوا للإدلاء بشهادتهم، والتي أثبتت وجوده في وقت وقوع الحادث في المكان المنشود، أُقفل المحضر وتم الإفراج عنهم لعدم وجود أدلة لإدانتهم، ليعودوا للمنزل، وتتعالى الزغاريد والصيحات لهذا الخبر السعيد، لينظر هو لابنه بخبث وهو يرسل له رسالة خفية، بأن والده ليس سهلًا ليتم الإيقاع به، ليردها الآخر بنفس المكر وهما يتذكران ما حدث مسبقًا .
عودة لوقت سابق حيث قبل الذهاب لذلك الجبل، خطط الاثنان في الظهور في إحدى حلقات الذكر كغيرهما من محبين السماع للأناشيد الدينية، وقاموا بإظهار نفسيهما كي يتم المخطط كما يريدون، وأثناء الاصغاء والانسجام التام مع المنشـ.ـد، انسحبا تاركين المكان بخبث ومن ثم ذهبا سريعًا مع شريكهما رجب، وأثناء عملية التبادل حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث اقتحمت قوات الشرطة الموقع وحدث ما حدث، ليفروا هاربين بعد إصابة الثالث، والذي تم معالجته على إحدى الرجال المتخصصين في تلك الأشياء، فالإتيان بالطبيب سيعرضهم لمشاكل في غنى عنها، عادا مسرعين وجلسوا مجددًا بالمجلس، يتعرقان بوجل ظاهر لولا انشغال البقية للاحظوا ذلك بيسر، لتنتهي الأمسية ويعودا للمنزل، والطمأنينة قد شقت طريقها نحو قلوبهم، لتحل عليهم الصدمة عنـ.ـد.ما وجدوا الشرطة تستدعيهم، مرت الأمور بسلام الآن ولكن يتبقى ذاك الجاسوس المتخفي وسط صفوفه، يجب أن يعلم بهويته والايقاع به قبل أن يسقط هو تحت رحمته، وحينها سيقول يا ليت .
رسما القناع جيدًا وها هم يظهرون بثوب المظلومين، وينالون تعاطف الآخرين، فتعسًا لقلوب ملئتها المعصية حتى فاضت .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بعد وقت لاحظت تجهم وجه ابنها، فهزت رأسها بقلة حيلة وحزن عليه، ولكن ما ذنب تلك المسكينة أن يلحقها بطشه ؟
استغلت انشغال الجميع فاقتربت منه، لم يشعر بها إذ كان يجول في واديه الخاص، حيث هبت ريح الماضي السحيق، والذي تمنى لو محاه من ذاكرته للأبد، ولكنه باقي وكأنه يصر على تعذيبه كل هذا الوقت، انتبه ليد توضع على كتفه، فرفع بصره نحوها لتقرأ الأخرى شعور القهر بعينيه، فما يزيدها إلا سقمًا ربتت على كتفه بحنو وخرج صوتها الدافئ قائلة :- يحيى يا ولدي ريداك في كلمتين، تعال نطلع برة عشان نعرف نتحدت زين .
نهض من موضعه وسار خلفها وهو عليم بما ستقوله، خرجا لحديقة المنزل الخلفية وجلسا على إحدى الأرائك الموضوعة، تنهد هو بصوت مسموع لتصل تلك التنهيدة لقلب والدته، التي تشعر به وبألمه وكأنه أرسل إليها ذلك الوجع لتشاطره إياه بدلًا من أن يحمله على عاتقه بمفرده .
تحدثت بنبرة يشوبها الأسى :- لحد ميتا يا يحيى ؟
تطلع لها بغرابة لتكمل هي بابتسامة باهتة :- يكون مفكر مخبراش باللي چواك، ولا مفكر إني محساش بيك، أنت ولدي يا يحيى يعني الوچع قبل ما يصيبك يصيبني .
مرر كف يده على وجهه بإرهاق قائلًا بصوت أجش :- مفيش يا أما شوية مشاكل في الشغل إكدة .
ضيقت عينيها بتهكم قائلة :- الشغل بردو ! روح كدب على الناس كلاتها بس على امك لاه يا ولدي .
سحب شهيقًا عميقًا وزفره بضيق وردد بجمود :- رايدة إيه يا أما، بلاها اللف والدوران دة .
أجابته بجدية وتعقل :- رايداك تطلع على حالك، وتشوف البنية اللي أنت مزعلها دي .
طالعها بــــاستنكار وأشار إلى نفسه مرددًا بدهشة :- دة أنا اللي مزعلها ؟ ولا هي اللي غاوية نكد .
رددت بروية :- من حقها يا يحيى تعرف عشان تطمن، كيف تنام چارك وهي خابرة إنك مشغول بواحدة تانية ؟ بقلم زكية محمد
جعد أنفه بنفاذ صبر قائلًا :- تانية إيه وأولى إيه ؟ متخربطيش بالحديت يا أما .
أردفت مسرعة توضح له :- خابرة زين بس هي مخبراش، وكل اللي في بالها إنك بتحب مرتك الأولانية، قولها وريحها يا ولدي .
صاح بانفعال دون شعور منه :- أقولها إيه يا أما ؟
أجابته بنفس الانفعال :- تقولها أنها لساتها عايشة وممـ.ـا.تتش ..
جز على أسنانه بعنف حتى كاد أن يهشم فكه، ليردف بكره لتلك الأيام :- بزيداكِ يا أما .
هزت رأسها بنفي قائلة بإصرار :- لاه أنت اللي لازمًا تفوق يا ولد عامر، شمس ضفرها برقبتها مش كلاتهم واحد، صوابعك مش زي بعضها .
أخذ صدره يعلو ويهبط بقوة، وهو يشعر باندلاع ثورة رجت كافة مدينته، فباتت خرابًا لا أمل فيه، بينما تابعت هي بحزم :- وايه يعني هملتك وسابتك، ربنا عوضك باللي أحسن منيها نعملها إيه في طمعها عاد، مرضيتش بعشيتنا في الأول لكن دلوك ربنا كرمنا من وسع خليها تشرب .
ضغط بكلتا يديه على حافة الأريكة، فهي لا تعلم بمحاولاتها المستميتة في العودة إليه، بعد أن أصبح ذو مكان ومنصب غير ذاك الذي كان يشق طريقه بكد في البداية، أغرتها النقود لتعود تتودد إليه، بعد ماذا ؟ أتأتين الآن تبكين على الأطلال وقد كان كل شيء ملك يديها !
أردفت بسخط ونقمة عليها :- بت المقشفة اللي عملنا ويا أبوها چميل، قامت عضت اليد اللي أتمدتلها .
ابتسم بخفوت على حديث والدته، فهي في أعز الكرب تتفوه بكلمـ.ـا.ت في غير محلها، أردف بهدوء :- خلاص يا أما إكدة أنتِ بتديلها حسنات .
أومأت بتفهم وتابعت بأمل :- هاه هتقولها، طيب هملني أنا أقولها لو مرايدش أنت والله البت قطعت قلبي يا نضري الصبحية .
على ذكرها غط الغيظ قسمـ.ـا.ته منها، تلك التي لن يكف عقلها عن الترهات التي تحدثها، فبدلًا من أن يستيقظ على الهدوء، تفاجئه بردة فعل لم يتصورها من قبل، ولكنه لا يعرف عما يدور بخاطرها، فلو علم ما تختزنه من بحور العشق له، لقفز فيه يغرق طواعية وأبدًا .
انتشلته من أفكاره قائلة بتكرار :- ها يا ولدي مقولتش أقولها أنا ولا تقولها أنت ؟
أردف بهدوء :- سيبيها ليا يا أما أنا هتصرف .
ربتت على ذراعه بفخر قائلة :- ربنا يكملك بعقلك يا ولدي هو دة الحديت الصُح، يلا بينا نعاود قبل ما حد ياخد باله .
وافقها الرأي فدلفا سويًا، لتذهب الصغيرة لوالدها الذي حملها ووضعها على قدميه بحب، وراح يمزح معها ولم يخفى عنه تلك النظرات التي كالسهام تخترقه، من تلك التي تجلس بركن بعيد والغيظ يأكل جدرانها من الداخل، تتابعه يلعب مع الصغيرة وكأنه لم يقترف أي جرم بحقها، يا له من مغرور ذو قلب صلد، هزت رأسها بعزيمة على ما نوت عليه .
وبعد خلود الجميع إلى مضاجعهم، أخذت طريقًا آخر الأمر الذي جعله يستشيط غضبًا إذ هتف بغضب مكبوت :- رايحة وين ؟
حدجته بشرارات كالجمر، والتحدي يتربع على عرش مقلتيها قائلة بمبالاة :- رايحة بيت أبوي، فيها حاچة دي ؟
جذبها من ذراعها بخشونة مزمجرًا باعتراض :- اه يا هانم خدتي أذني أنتِ ولا بتمشي بشورتك .
ربعت يديها وأردفت بحنق :- ما من هنا وغادي كل واحد يروح لحاله يا واد عمي .
أومأ برأسه بهدوء خطير، قبل أن يميل على أذنها يهمس بخطورة وتهديد :- طيب قدامي من سكات ونبقى نشوف حكاية كل واحد يروح لحاله دي .
تشبثت بالكرسي وكأنه سينهض يحميها، ورددت برفض قاطع :- لاه أنا مش هروح وياك مُطرح، هملني يا يحيى .
ردد ببرود :- يبقى أنتِ اللي چبتيه لنفسك .
قال ذلك ثم حملها عنوة، لتطلق صرخة سرعان ما وضعت يدها على ثغرها، خشية أن يسمعها قاطني المنزل، وأردفت بهمس تترجاه بأن يتركها، وعيناها تجوب أركان المنزل بخوف :- هملني يا يحيى الله يرضى عنك، حد يوعالنا نزلني .
أردف بابتسامة شيطانية :- نمشي من سكات ولا أنادي على أبوكِ يشوفنا إكدة ؟
هزت رأسها بعنف قائلة بلهفة :- لاه نمشي، نمشي بس بلاش أبوي يوعالي إكدة يا يحيى .
أردف بانتصار :- يبقى ما اسمعش حِسك لحد ما نطلع .
حنت رأسها للأسفل، وهي تذم شفتيها في ضيق وخجل، بينما تابعها هو بمكر وتسلية، وصلا لداخل الشقة فأنزلها برفق، لتعود هي لطبيعتها قائلة بزمجرة :- عملت اللي أنت رايده ؟ مبسوط دلوك يعني ؟
جلس على الكرسي واضعًا قدم فوق أختها وردد بجمود :- أيوة مبسوط، ومبسوط قوي كمان .
طالعته باحتدام عارم، فهي تغلي كالبركان وهو جـ.ـا.مد كالجليد، ودت لو تلكمه بوجهه أو تصفعه عله يفوق، تركته وذهبت لإحدى الغرف وأوصدت الباب بالمفتاح، ليلحقها هو فقد قرأ أفكارها قبل أن تقدم على ذلك، لتصرخ هي بقهر وتضـ.ـر.به بكلتا قبضتيها على صدره وهي تردد ببكاء :- هملني يا يحيى، هملني بقولك ..
لم يرضخ لطلبها وإنما تركها تفرغ شحنة غضبها، حاوطها بذراعيه لتستسلم له وتدلف في نوبة بكاء حارق، ظلت هكذا لبعض الوقت حتى شعرت بجفاف حلقها، وأن دمـ.ـو.عها قد نفدت فما عاد لها مجرى لتشق منه الماء، ابتعدت عنه بإحراج من منظرها المزري، بينما سحبها هو إلى المرحاض، وغسل وجهها برفق فلاحظ لعقها للمياه على شفتيها، فجفف وجهها وأخذ بيدها إلى الخارج ليحضر لها كوب مياه، فأخذته هي تشربه بنهم حتى أرتوت، جلس قبالتها وهتف بهدوء :- أحسن دلوك ؟
هزت رأسها بنفي وهي لازالت على نفس العبوس، فابتسم بخفة قائلًا بعبث :- وه بعد المناحة دي ! طيب إيه اللي يرضيكِ دلوك ؟
أردفت بحزن وحذر :- چاوبني على سؤالي الأول .
أردف بخبث فهو يعلم جيدًا ما ترمي إليه :- سؤال إيه دة ؟
نظرت له بعينيها الحمراوين كالدماء بكمد، لتتعالى ضحكاته قائلًا بمزاح :- بصي الناحية التانية خوفت من عنيكي اللي كيف العفريت دي .
أردفت بحنق وهي تهم بالرحيل :- طيب أنا ههملهالك واصل عشان ترتاح .
سحبها لتجلس مكانها مردفًا بغيظ :- أباي على مخك المسلبط دة، أقعدي خلينا نقول الكلمتين ونخلص .
تابعته بترقب شـ.ـديد، بينما ظل هو صامتًا للحظات، يستجمع كلمـ.ـا.ته التي سيفجرها بوجهها، أردف بصوت مختنق :- كل اللي أقدر أقولهولك إن هي متعنليش ليا أيوتها حاچة .
سألته بوجل ورفرفة عصافير على سور قلبها، تعلن قاطني المدينة برفع بيارق الحب بكافة أرجائها :- يعني أنت مبتحبهاش ؟ خابرة إنها مرحومة بس ...، بس أنا ......
صمتت وعجزت عن الحديث، أتخبره أنها تشعر بغيرة شـ.ـديدة تكوي جوانب فؤادها، ما إن تتذكر أنه أقترب من أخرى غيرها، تشعر بإعصار تسونامي يدمر أعصابها ويحولها لشخصية أخرى تود الفتك بكل أنثى إن رفعت انظارها نحوه .
رفع وجهها صوبه فوجدها كتاب مفتوح، قرأ سطور العشق الذي تكنه له بعمق، فطن لما أرادت أن تخبره إياه فكتمته في طيات قلبها الملتاع، أردف بنبرة هادئة مهلكة لها، جعلها تتخبط في طرقات عشقه :- السنين اللي فاتت دي كنت حاسس بحاچة نقصاني، كبرت وچواتي الإحساس بيكبر يوم بعد يوم، مكنتش خابر أنه أنتِ .
تطلعت له بصدمة ليجفف دمـ.ـو.عها بأنامله بحنان، ليؤكد على حديثه :- خابرة لما مشينا من اهنة زمان وأبوكِ ضـ.ـر.بك، وقتها كنت ماشي مغصوب مكنتش رايد أهملك وفي نفس الوقت مقادرش أقعد چار واحد طردنا وضحك على أبوي وخد حقه .
جعدت أنفها بضيق قائلة :- متقولش على أبوي إكدة .
أردف بــــاستمالة :- بقولك إيه هملك من أبوي وأبوكِ دلوك، متنكديش علينا النهاردة وخلينا في المهم .
تساءلت في فضول :- وايه هو المهم دة ؟
ردد بعبث وهو يقترب منها حد الهلاك، ليجرفها معه نحو تيار العشق الذي تلاقى أخيرًا عند نقطة واحدة :- تعالي وأنا أقولك إيه المهم .
أردفت باعتراض :- لاه استنى أنت لسة مريحتنيش لحد دلوك .
زفر بحنق مرددًا :- في إيه تاني يا بت الناس ؟
تابعت بفضول :- طالما مبتحبهاش أتچوزتها ليه ؟
ضغط على رأسه بيديه، فتلك العنيدة لا ترضى بالقليل، تريد معرفة كل شيء وبــــاستفاضة، رفع وجهه ناحيتها ثم راح يخبرها بمكنونات صدره علها ترتاح، ويحيا معها في راحة .
*********************************
تسير بغنجها المعتاد ولحسن حظها وسوء حظ الأخرى، سمعت همهمـ.ـا.ت خافتة فاقتربت تسترق السمع، وما هي إلا لحظات حتى نتأت مقلتاها بذهول، وكاد أن يصل فيها للأرض من هول ما سمعت، لم تبرح محلها إلا عنـ.ـد.ما شعرت بحركتهن، لتغادر وعلى وجهها إمارات الصدمة، سرعان ما لمعت عيناها ببريق شيطان خبيث، يرتب لوضع الأمور نصب عينيه ليوجهها في صالحه الخاص، ابتسمت بانتشاء فها هي وجدت الثغرة التي ستنتقم منها، وستقضي على كل أمل بينهما، وستقطع جميع حبال الوصال التي نسجوها في طريقهم، نعم لن تتركها تظفر به وخاصة بعد الذي علمته بشأنها .
على الجانب الآخر جلست تبكي بحرقة، فما عانته طيلة تلك السنوات ليس بهين، ذاقت المرار أنواع ناضلت في حرب لم يخسر فيها أحد سواها هي وفلذة كبدها، حاولت جاهدة أن لا يمسها هي وابنتها أي مكروه، قبلت بتنازلات مهينة كي لا يمسهم السوء، هددها بالصمت فما كان أمامها سواه، خطأ اقترفته وهي بريئة منه، دفعت ثمنه غاليًا من عمرها، لا تعلم إلى أين سترسو سفينة آلامها، التي تبحر بها ولم تتوقف بعد . بقلم زكية محمد
تساقطت دمـ.ـو.عها قهرًا على تلك الفراشة، التي نالت حريتها وترفرف بسعادة على أبواب الفرح، ابتسم لها القدر أخيرًا بعد رحلة عذاب طويلة، شعرت بوخذة عميقة في جانبها الأيمن، تشعر بأن هناك ثمة أمر سيحدث وله أضرار، استعاذت بالله من الشيطان الرجيم، وأملت بأن يكون القادم أفضل .
في عشية اليوم التالي، كان الجميع يجلس بصحن الدار، بمشاعر متناقضة تغلف الأجواء .
تجلس الصغيرة على قدمي "شمس"، والأخرى منسجمة معها بينما يراقبهم هو بابتسامة عريضة.
كانت على وشك الانصهار، وعيناها تفترش الأرض بحرج شـ.ـديد لكلمـ.ـا.ته العابثة، راقبتهم هي بأعين تشع حقدًا، فراحت هي تهتف بحقد :- مقولتيش يا وچد من عيلة مين أنتِ في البلد ؟
سقط قلبها بين قدميها هلعًا، ولكنها ارتدت ثوب الثبات وهتفت بحسن نية :- من عيلة بسيطة على قد حالهم في نچع رفاعة، واسمهم غلاب .
تعالت ضحكاتها بصخب وأردفت بحاجب مرفوع :- ويا ترى الحدوتة البايخة دي قولتوها لكام واحد وصدقها ؟
تدخل خالد قائلًا بسخط :- نورا إلزمي حدك وبطلي حديتك اللي ملهوش عازة دة .
صوبت أنظارها تجاهه قائلة بسخرية :- مش تستنى نعرف نسب حرمك المصون اللي يعر !
نهض من مكانه وكان على وشك ضـ.ـر.بها وهو يصـ.ـر.خ فيها :- إخرسي يا بت ال....
جذبه يحيى مسرعًا قبل افتعال أية مشكلة، بينما هتف راضي باحتدام :- بتشتم خيتي عشان دي ؟ وكمان معاملش اعتبـ.ـار لعمك ؟
تدخلت في الحوار قائلة بسخرية :- همله يا راضي معذور برضو، أصله أتقرطس يا عيني وهو ما يخبرش .
زمجر بغضب عاصف :- يمين بالله لو ما حطيتي في خشمك بلغة لأقوم أعيد ربايتك من چديد .
هتف سالم هذه المرة باحتدام :- والله عال عمال تقل من بتي وما عملش حساب للكبـ.ـار، ما تقول حاچة يا عامر .
هتف بجمود وهو ينظر لابنه بصرامة :- أعتذر لعمك ياولد .
أمام إصرار والده أذعن لطلبه، ليردد بعدها عامر :- ودلوك يا سالم چه دورك تعلم بتك كيف تتحدت زين وتبطل خربيط بالكلام .
تحدثت هي بتأكيد هذه المرة :- لاه يا عمي أنا مبخرطش بالحديت، اللي أنتوا واخدينها لولدكم ......
صمتت تراقب شحوب وجه وجد التي لا تفقه شيء مما تتحدث عنه، لتردد بدوى صوت إنفجار أحدثته في المكان :- تبقى بت حـ.ـر.ام .
↚
رمت قذيفتها وظلت تشاهد وقع أثرها على الموجودين، الذين نالتهم بعض الشظايا والتي أصابت أماكن متفرقة بداخلهم، حالة ذهول طغت عليهم، وتلك التي شعرت بمن يسحب قلبها من بين أضلعها، ويلقيه بعيدًا فتفارق الحياة، وجهها يحاكي شحوب الموتى، والآخر تجمد كمن وضعوه في القطب الشمالي، تباينت تعابير الوجوه ما بين صدمة وتشفي فور وقع الخبر على آذانهم .
شعرت بأن الدنيا أصبحت أضيق من خرم الإبرة، كما حست بأنفاسها تُسلب منها وكأنهم طردوها وحرموها منه، دارت بها الأرض فلم ترى سوى البقعة السوداء التي جذبتها نحوها، فاستسلمت للغرق فيها .
فاقوا على صوت ارتطام عنيف بالأرض، فنظروا ناحية الصوت ليجدوا جسدها المتكوم والذي تلاشت الحياة منه .
شعر بروحه تُسحب منه وهو يراها هكذا، حملها بقلب يضخ بشـ.ـدة حتى كاد أن ينفجر من خوفه عليها، وهتف بعبـ.ـارة صارمة وهو ينظر ناحية عمه :- اللي قالته بتك دة مش هعديه بالساهل واصل .
قال ذلك ثم توجه للأعلى ليطمئن عليها، بينما رددت هي بغيظ وهي ترى جزعه الظاهر للعيان :- مالكم ممصدقينش إياك ! اللي بقوله صدق ولو رايدين تتوكدوا أكتر هاتوا أمها وهي تقولكم .
هتف سالم بحزم :- شوف بتك بتقول إيه يا سالم ! دة حديت تطير فيه رقاب .
صرخت بانفعال :- أنا مش كـ.ـد.ابة يا عمي يا عطيات، أنتِ يا اللي اسمك عطيات .
أتت من الداخل بسرعة وهتفت بطاعة :- أيوة يانورا يا بتي .
مطت شفتيها بضيق قائلة بازدراء :- بتك ؟ أنا ميشرفنيش أكون بتك، بزيداكِ وچد .
ازدردت ريقها بتـ.ـو.تر وأردفت بتلعثم :- خير ؟ ندهتيلي .
أشارت للجميع قائلة بابتسامة متشفية :- قوليلهم يلا إن بتك بت حـ.ـر.ام .
لو وضعوها في نار حارقة، خيرًا لها مما تطلبه منها، أصابتها صدمة عارمة من معرفتها لما دفنته طوال تلك السنوات، واليوم الذي قررت أن تفصح عما يجثو فوق صدرها، أتت أخرى لتشاركها السر وليس أي سر، يا ليتها احتفظت به في تلك الغرفة المظلمة بفؤادها، ولم تخرجه أبدًا ليرى النور، يبدو أنه حان الوقت لتكشف الأوراق، وينال كل واحد جزائه .
هتفت زبيدة بسخط وتشفي :- وأدي آخرة اللي يتچوز من غير ما يسأل عن الأصل، ما تتحدتي وقولي كيف دة حصل ؟ صُح يا ما تحت السواهي دواهي . بقلم زكية محمد
بدأت دمـ.ـو.عها تتساقط كالمطر في ليلة شتاء عاصف، وجسدها غمرته البرودة على الرغم من شهر أغسطس، عجز لسانها عن النطق، وأي حديث يستطيع أن يعبر عما بداخلها، انتبهت لصوتها الذي تابع بكره :- من دلوك تلمي خلقاتك أنتِ وبتك وتهملوا الدار، بدل ما انتوا موسـ.ـخينها بعمايلكم دي .
- مرت عمي !
كان ذلك صوت خالد والذي نزل من الاعلى، وحينما سمعها تلفظ بتلك الكلمـ.ـا.ت، فارت دمائه ولم يستطع الصمود، وقف في مواجهتها قائلًا ببرود :- أظن حاچة زي دي ملكيش صالح بيها .
جزت على أسنانها بغيظ، ورددت بغضب :- كيف دة يعني ؟ وسمعة العيلة يا دكتور ؟
وجه أنظاره لعطيات قائلًا بلهفة :- قولي يا خالة أنها كـ.ـد.ابة مستنية إيه ؟ مش چديدة عليهم بيحبوا الخراب كيف عنيهم .
إلا أنه لم يتلقى منها سوى الصمت، ليعي هنا أن كلامها قد يكون صحيحًا، جحظت مقلتيه بعدم تصديق وأردف برجاء :- اتكلمي ساكتة ليه ؟ حديتها صدق ؟
بكت بصوت مسموع وهي تسمع لرجائه والذي سيعود حاملًا الخذلان معه، ليزمجر بكمد :- ردي علي وقوليلي، ريحيني يا خالة .
رفعت عينيها نحوه وهمست بحروف متقطعة :- صدق يا ولدي حديتها صدق .
كانت اجابتها القشة التي قسمت ظهر البعير، يا ليتها ما نطقت بها وظل متشبثًا بذلك الأمل الضعيف، بدلًا من رميه من أعلى سفح جبل والسقوط متناثرًا إلى قطع صغيرة .
تدخل عامر والذي لا تقل صدمته عن الجميع، وهتف بتعقل :- كيف دة يا عطيات ؟ أنتِ واعية للي بتقوليه دة ؟
أردفت بمرار وحزن يخيم على قسمـ.ـا.ت وجهها :- أيوة يا حچ عامر واعية زين للي بقوله .
أردف بعدم تصديق :- وكيف ما تقوليش حاچة زي دي قبل سابق ؟ أنتِ كيف تسكتي على الچريمة دي ؟
أنهارت باكية وهي تردد :- والله غصب عني يا حچ، غصب عني .
هدر بانفعال :- غصب عنك كيف ؟ كيف تخدعينا إكدة دي چِرس وفضايح وميتسكتش عليها واصل، أتكلمي قولي مين اللي زاقك علينا ؟
ابتسمت بتهكم وأردفت بوهن :- محدش زقني، كل اللي كنت ريداه حيطة تداريني أنا وبتي بدل المرار اللي شوفناه .
أردف بصرامة :- مين أبو البت ؟ غلطتي مع مين ؟
صرخت بدورها بانفعال :- مغلطتش ويا حد أنا ضحية بس في نظركم خاطية .
ردد بغيظ :- اتحدتي قري واعترفي خلينا نشوف حل للمصيبة دي .
هتفت بوجع نابع من أعماقها :- أقول إيه يا حچ عامر دة حديت فاتت عليه عشرين سنة كتمته ودفنته چواتي و بزوره كل سنة أقعد أبكي مع حالي وأنا بفتكر المرار اللي عشته .
مسح على وجهه بنفاذ صبر قائلًا :- لاه أنتِ لازمًا تقولي مين أبو البت عشان ألحق أتصرف .
نظرت لملامح وجوههم الباهتة والمصدومة من ذلك الخبر و أردفت بوجع وهي تبحر داخل أعماقها حتى وصلت لتلك المقبرة التي تدفن فيها ذكرياتها المؤلمة :- زمان يوم ما كنت لسة شباب كنت عايشة مع أبوي العمدة سويلم وأخوي ناچح بعد ما أمي ربنا أفتكرها .كان الكل يعملي حساب وأنا كنت متدللة وميعچبنيش العچب و مبرضاش بأيوتها حد بس أبوي كان يقولي براحتك يا بتي أهم حاچة سعادتك لحد ما في يوم كنت في السوق في المركز بشتريلي شوية حچات إكدة لأچل حظي المهبب قابلني إهناك صدفة ومن وقتها قعد يتربصلي في الراحة والچاية لحد ما خـ.ـنـ.ـقني فراح هو طلب يدي من أبوي بس أنا موافقتش .....
صمتت قليلاً ثم أردفت بنـ.ـد.م :- ويا ريتني وافقت حلف ليچيب منخيري الأرض و فعلاً عمل إكدة في مرة كنت طالعة أشتري حچات ليا خطفني وخدرني ودبحني وأنا لحالي ممعيش حد ينچدني منيه بعدها علطول أبوي عرف وكان فاكرني عملت إكدة بمزاچي .
أبوي وأخوي عدموني العافية وحبسوني في أوضة ضلمة و حلفوا عليا ما هيخلوا النهار يطلع عليا تاني غير وهما دافنيني في الجَبَّانة .
الست اللي ربتني الله يكرمها هي اللي هـ.ـر.بتني في الليل لحد ما طلعت من النچع و أدتني فلوس ودهب من اللي كانوا حيلتي أسلّك بيهم حالي لحد ما أشوفلي مُطرح يتاويني .
عشت أيام ما يعلم بيها إلا ربنا وأنا خايفة لا حد منيهم يعْتَر فيا ويقـ.ـتـ.ـلني ما هما عنديهم حق بعد ما بقيت عار عليهم .
سكنت في دار بسيطة صاحبها كان مسافر وقعدت فيها بعديها بشهر عرفت إني حِبلى اتخربط ماخبرتش اعمل ايه ولا أروح لمين قعدت حابسة روحي بين الأربع حيطان في بلد غريبة ما خبراش فيها حد .
عدت الأيام وبطني كبرت أي حد كان بيسألني كنت بقولهم أبوه مـ.ـا.ت والناس صدقوا وخالت عليهم .
بعد فترة الزاد خلص ويا المال اللي حيلتي ومعرفتش هتصرف كيف ؟ لحد ما في يوم واحدة چابتلي شغلانة إني أشتغل خدامة في البيوت وعدت السنين وولدت و ربيت بتي وأنا بتنقل من بيت لبيت عشان لُقمة العيش لحد ما اعترت على المطرح دة إهنة في دارك ودة چميل مش هنساهولكم طول عمري .
كانت الصدمة حليفتهم وهم يستمعون إلى تلك الأحداث التي من الصعب تصديقها، بينما ردد خالد بتساؤل :- طيب واسم مين اللي متسچلة بيه وچد في البطاقة !
أردفت بهدوء :- دة اسم الشيخ نچاتي الله يرحمه كنت بخدمه لما كنت لسة حِبلى ولما عرف بحكايتي حلفته ما يقول لحد و يستر علي فراح كتبها على اسمه من أول ما ولدت ومـ.ـا.ت بعديها بسنة واحدة .
- يعني إيه؟ نچاتي مش أبوي أنا... أنا بت حـ.ـر.ام ....بت حـ.ـر.ام يا أما كيف ما بيقولوا ؟..
كان هذا صوتها القادم من خلفهم، حينما نزلت بعد أن استردت وعيها، وهي تحدق فيها بذهول وصدمة لما سمعته، ركضت ناحيتها والدتها واحتضنتها قائلة ببكاء :- غصب عني يا بتي متوچعنيش أكتر الله يرضى عنك .
رفعت عيناها المنتفخة قائلة بوجع :- أومال مين أبوي يا أما ؟
أوصدت مقلتيها بعنف لعلها توقف سيل الدمـ.ـو.ع المنهمر الذي يفيض من مقلتيها ورددت بكره لذلك الشخص الذي لم تمقت أحد سواه في حياتها :- أبوكِ يبقى راشـ.ـد الكاشف عمدة نچع رفاعة اللي كنت عايشة فيه، قبل ما تتنقل العمودية ليهم واللي كانت في يد أبوي .
جحظت أعينهم بصدمة فهم على علم بهذا الشخص، كما تجمعهم بعض المصالح المشتركة، يا له من حقير يدعي التقوى وهو بالأساس لا يعرفها، تحدث عامر بانتباه :- طيب إيه اللي يوكدلنا حديتك .
أردفت بصدق :- والله ما بكدب يعني هتبلى على واحد من الباب للطاق، أنا مش مهم بس بته اللي لازمًا حقها يرچع .
تحدث بلوم :- يعني لو معرفناش بالصدفة كنتِ هتكفي على الخبر مچور إكدة ؟
أسرعت تبرر بتوضيح :- يا حچ أنا وحدانية أنا وبتي محدناش حد نتحامى فيه، عشان إكدة سكت .
أردف عامر بروية :- طيب ليه كاتمة وساكتة دة كله ؟ هو دة حديت يتسكت عليه ؟
رددت بألم ينبع من أعماق روحها المهترئة :- ومين هيصدقني يا حچ ؟ دة غير الفـ.ـضـ.ـيحة اللي ركبتها لناسي .
صمتت لتذرف الدمـ.ـو.ع بوجع قائلة :- أروح أقول إيه هو يعني هيعترف بيها بسهولة إكدة دة مش بعيد كان قـ.ـتـ.ـلني أنا وهي سامحني يا حچ إني كدبت عليك في حچات كتير لما چيت إهنة بس أنا كنت بعمل إكدة عشان أقدر أحمي نفسي وبتي زين .
أردف بجمود :- بس لازمًا اللي عمل إكدة يعرف يا عطيات البت لازمن تتسچل بــــاسم أبوها الحقيقي .
صرخت بفزع وهمت بأن تقبل يده بتوسل إلا أن الآخر أسرع في سحبها وهتفت ببكاء :- أحب على يدك ما تفضحنيش يا حچ انت إكدة بتفتح بيبان اتقفلت من زمان .
هتف بهدوء :- متخافيش أنا راچل يعرف ربنا واللي بيحصل دة ظلم وأنا مرضهوش ليكم واصل هچبلك حقك ومتخافيش من أيوتها حاچة قومي لبتك طبطبي عليها وخديها في حـ.ـضـ.ـنك هي بحاچتك دلوك وانت يا خالد هِمْ بينا ورانا مشوار مينفعش يتسكت عليه أكتر من إكدة .
أومأ له بطاعة وهو لا يزال تحت تأثير الصدمة :- حاضر يا أبوي .
غادر المكان واحدًا تلو الآخر، وهم يشعرون وكأنهم كانوا يشاهدون عرض مسرحي ليس إلا، يا له من يوم شاق وأحداث لم تخطر على البال .
طالعت عطيات وجد بأسى وحزن وهي ترى إنهيار ابنتها فاحتضنتها بقوة وانفجرتا في موجة بكاء مرير وكل واحدة تستمد العون من الأخرى وظلت نعمـ.ـا.ت تبث لها كلمـ.ـا.ت الأسف والنـ.ـد.م في أذن ابنتها بخفوت على خطأ لم يكن لها أي ذنب فيه.
★★★★★★★★★★★★★
صعدوا لشقتهم الخاصة ووضعت الصغيرة بغرفتها بعد أن غفت، لتخرج وتجلس قبالته وهي تزفر بعدم راحة، ومن يصدق شيء كهذا !
طلب منها أن تعد له كوب من القهوة فنهضت لتعدها له، ليصدح فجأة هاتفها بصوت يعلن عن قدوم رسالة على تطبيق الواتس اب، دفعه الفضول لرؤية الرسالة وخاصة أن هاتفها لم تجري له كلمة مرور، قرأ الرسالة من الخارج لتدفعه الغيرة حينما رأى الراسل، فتح التطبيق وضغط على المحادثات الخاصة بينهم، لتفور الدماء فورًا وتتصاعد الحرائق بداخله، زجر بــــاسمها بخشونة لتأتي على الفور قائلة :- أيوة يا يحيى رايد حاچة مع القهوة ؟
لم يرد عليها وإنما قبض على ذراعها بقسوة، ويده الأخرى الهاتف الذي سلطه أمام وجهها قائلًا بفحيح دب الذعر بداخلها :- ممكن أفهم دة ايه ؟
شعرت بمن بتر لسانها فعجزت عن الحديث، فراحت تلتقط حروفها تلفظها بجهاد منقطع النظير وتلعثم شـ.ـديد :- أ...ببب...مممم ....أاااا ...
رجها بعنف وقد طفح الكيل :- بقولك إيه دة ؟ مش وقت تهتهة .
أردفت بخوف :- والله أنت فاهم غلط، أنا مليش صالح دة هو ...هو والله العظيم .
ضغط على شفتيه بغيظ حتى كاد أن يدميها وردد بحدة :- وبتردي عليه ليه ؟ قرطاس أنا !
أردفت بألم من قبضته وبتبرير :- لاه وقتها مكناش لسة أتچوزنا وبعدين قالي أنه مش هيفاتحني في الموضوع دة تاني طالما أتچوزت .
لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيه وأردف بــــاستخفاف :- لا محترم والله، ولما هو إكدة باعتلك الكلام دة ليه ؟ بقلم زكية محمد
حاولت أن تفلت يدها من أصفاده القاسية، وأردفت بخفوت :- مخبراش أنا ذات نفسي أتفاچأت .
هز رأسه بسخرية وردد بصرامة :- رقم الدكتور الزفت دة همسحه دلوك وخليني أشم خبر إنك بتكلميه .
رددت بوجع ودفاع :- أنا مبلكمش حد يا يحيى، وأديك شايف زين إني مبردش عليه .
ردد بغيظ :- يبقى سيبهولي أنا أتصرف وياه .
قوست شفتيها وهي على وشك البكاء قائلة :- طيب سيب دراعي هيتخلع في يدك .
انتبه لفعلته فسحب يده فورًا، لتفر من أمامه هاربة كمن تلاحقها الأشباح، بينما شـ.ـدد على شعره بضيق من نفسه، فهو بمجرد أن رأى ذلك السمج يتودد لها في الرسائل، شعر بمياه المحيط تلطمه بقوة، وكم ود لو يكون ماثلًا أمامه، لأبرحه ضـ.ـر.بًا لم يذقه بحياته، نيران أشتعلت في غابات صدره، أضرمتها غيرته عليها فهي تخصه هو وليس أحد آخر، دلف خلفها ليرمم بعضًا مما كسره .
تقف تتابع القهوة وهي تدلك ذراعها، وكلما سقطت عبرة مسحتها بعنف، شهقت بفزع حينما وجدت ذراعين يكبلانها فعلمت صاحبها ومن غيره يجرؤ على فعل ذلك، قبل أعلى رأسها قائلًا بنـ.ـد.م :- مقصدش أوچعك بس واد الفرطوس دة فور دمي .
أردفت بضيق :- أوعى يا يحيى القهوة هتفور كفاية اللي باظت .
أدارها نحوه قائلًا بمرح :- لاه لازمًا أصالحك الأول وبضمير كمان .
هزت رأسها بنفي قائلة بحزن :- لاه أنت ما واثقش فيا يا يحيى، كيف رايد تصالحني وأنت مش واثق فيني ؟
أردف بهدوء :- أولًا أنا واثق فيكِ والا مكنتش خليتك على زمتي من بدري، بس أنا مكنتش واعي لما شوفت النطع دة وكلامه الماسخ، خلاص ميبقاش قلبك أسود .
أشارت لنفسها قائلة بدهشة :- أنا قلبي اسود يا يحيى ؟
تناول كفها وقبله ببطء مهلك لأعصابها، وردد بحب :- أنتِ أحن قلب في الدنيا كلاتها .
زمت شفتيها بحنق قائلة :- كُل بعقلي حلاوة كُل، وأنا المفروض أصدقك يعني !
ردد بمزاح :- ما أنتِ اللي طرية وكيف فص الفينو .
ضيقت عينيها بغيظ من تشبيهه لها، بينما تابع هو بضحك :- زعلانة ليه هو في حد يطول يبقى كيف فص الفينو، أبيض ومربرب إكدة ويشفط كل اللي قدامه، قصدي اللبن اللي في الكوباية .
مطت شفتيها بــــاستنكار وأردفت بغضب مكبوت :- فص الفينو بردو ! أوعى يا يحيى انت بدل ما تكحلها عميتها .
قالت ذلك ثم انصرفت للخارج، بينما داعب أنفه بحرج مرددًا :- عندك حق، طيب أصالحها كيف دلوك ؟ أچيبلها شوقلاطة ؟ لاه لأحسن تفور وأنا ما ناقصش، أچبلها معزة ؟ فكرة برضو ..
نفخ بضيق واتبعها ليجدها تأكل السندوتشات بغل، فجلس إلى جوارها واختطف الطبق من أمامها، لتطلق صيحة معترضة، وتردد بحنق وهي تمضغ الطعام :- هات السندوتشات يا يحيى دي بتاعتي .
طالع الطبق بدهشة قائلًا :- ميتا عملتيه دة ؟
حاولت الوصول للطبق قائلة بضجر :- ملكش صالح .
جز على أسنانه بكمد، وردد بهدوء مغاير يغلبه المرح :- فينو بياكل فينو يا ناس .
دمعت عيناها وهي تظنه يسخر من هيئتها، ليردد بصدمة :- شمس أنتِ بتبكي ؟
صرخت بانفعال :- عشان أنت بتتمسخر علي كل شوية .
اتسعت عيناه بذهول، فهو لم يقصد بتاتًا أن يصلها ذاك الفهم الخاطئ، فأردف بلهفة :- يا شمس في فرق بين إني أتمسخر عليكِ وبين إني بهزر معاكِ، عمري ما أعملها وبعدين أنتِ عچباني إكدة .
تطلعت له بلهفة تستشعر صدق كلمـ.ـا.ته، بينما احتضنها بحنو وهو يرى اهتزاز ثقتها بنفسها، بسبب سمنتها تلك والتي تعرضت لكثير من التنمر بسببها، أردف بحب :- أوعاكِ تخلي حد يهز ثقتك، متسمعيش لحد أديني بقولك أها أنا راضي فرأي الناس ميسواش نكلة، سامعة ؟
هزت رأسها بسعادة غامرة، وهي تشعر بأنها فراشة تحلق في سماء العشق، تتراقص على أنغام السعادة، فهو الوحيد القادر على جعل البسمة تشق طريقها نحوها، وهو الوحيد الذي تشعر بأمان العالم إلى جواره .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بعد مرور أسبوع كانت تسير بغبطة وسرور مرسوم على ملامحها الجميلة، والتي تحررت من سجن الحزن أخيرًا، توقفت قدماها حينما سمعت همهمـ.ـا.ت خافتة قادمة من غرف الضيوف المبنية تحسبًا لأي طارئ، فمشت نحو الصوت بحذر وحيطة، وجدت الباب مغلقًا ولكن ليس على آخره، اقتربت حتى وقفت قبالة الفتحة، لتتسع مقلتاها بصدمة وكادت أن تطلق شهقة عالية، إلا أنها وضعت يدها على ثغرها فقـ.ـتـ.ـلتها، رمشت بعينيها للعديد من المرات لعلها في حلم أو بالأحرى كابوس، وما زادها هلعًا همساتهم وحديثهم الذي جعلها على حافة السقوط، تراجعت للخلف وهي تهز رأسها بعنف، وليس عند هذا الحد فقط بل شعرت بروحها تسحب منها، وقلبها على شفا جرف من التوقف، حينما لمحته يدلف مقدمًا نحوها، لم تفكر كثيرًا إذ ركضت نحوه، وفعلت ما جعله يقف كالتمثال الحجري، يجاهد في استيعاب ما فعلته وتفعله ........
*****************************
↚
نتأت عيناه بذهول مما تفعله تلك البلهاء، دون أي حياء ولا حساب أن يراهما أحد على هذا النحو، أين خجلها الذي يعاني منه ؟ تسرب وذهب مع الرياح التي أقـ.ـتـ.ـلعت جزوره، لتنبت بذور أخرى مغايرة تمامًا عنوانها الوقاحة، لم يستطع أن يتحدث وكيف يفعل وقد أوصدته، يكاد يجن من تحولها الجزري ذاك، فما كان أمامه سوى أن يبادلها جنونها بجنون أكبر، سحبها لركن يواريهم عن الأعين، وهو مستمر في ارتشاف رحيقها المسكر، لا يعلم كيف وصلا للأعلى ليتابعوا وصلة جنونهم، ظلا يبحران في أبحر عشقهم الخاصة، وكانت هي متشبثة به خشية الفقدان، وخوفًا من أن يتركها تجدف بمفردها وتعود لما كانت عليه، وحيدة هشة تصارع أمواج حبه التي تلطمها بعنف، فتقذفها من هنا وهناك دون هوادة .
تمددت تتعلق به كالغريق، الأمر الذي زاد من ريبة الآخر، وبات متأكدًا بأن هناك ما تخفيه، وأنها تتصرف معه منذ مقابلتها له بالأسفل على غير طبيعتها، وضع يده على كتفها لتنتفض في موضعها، مما جعله يقسم بأن هناك أمرًا تخفيه، تساءل بهدوء :- شاردة في إيه ؟
هزت رأسها بضعف قائلة :- ولا حاچة أنا معاك أها .
مط شفتيه بعدم اقتناع، وردد بريبة :- مخبية إيه يا شمس ومريدانيش أعرفه ؟
توقف قلبها لحظة ليعاود الخفقان بعنف غير معهود، زاغت انظارها في الارجاء، خشية أن تتعلق عيناها بخاصته وحينها سيفتضح الأمر، استدارت مولية له ظهرها قائلة بهروب :- هكون مخبية إيه يعني يا يحيى ؟ أنت بس متهيألك .
رفع حاجبه بــــاستنكار قائلًا بتهديد مبطن :- تمام، بس الأفضل أعرف منك أنتِ، عشان لو عرفت من برة مش هعديهالك واصل .
على الرغم من تهديده إلا أنها آثرت الصمت، تظاهرت بالنوم لتركض من أسئلته وتستعيد رباطة جأشها من جديد، وبداخلها يود لو يخبره ولكن كيف والخوف احتل جنباتها، لا تعلم ماذا تفعل فلتلتزم بالسكوت على الأقل الآن، حتى ترى كيف ستواجه هذا المأزق .
على الجانب الآخر ظل متابعها بأعينه الحادة كالصقر، وهو يتساءل بفضول شـ.ـديد عما تخفيه عنه، ود لو يتسلل بخفة لصرح افكارها، ويعتلي ذلك السور فحينئذ سيكون بمقدوره معرفة ما يبغيه .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
دلف للداخل في المكان المخصص لمبيت العاملين لديهم، والغضب يتلبسه كالشياطين بعد أن رفضت مقابلته، فجز على أسنانه بغيظ فتوجه للغرفة التي تمكث بها وفتح الباب بعنف فوجدها تجلس متكورة كالجنين على الفراش ودمـ.ـو.عها تتسابق على وجنتيها . بقلم زكية محمد
جلس إلى جوارها وهتف بهدوء مغاير للثورة التي بداخله :- مش بعتلّك أنا مبتسمعيش الحديت ليه ؟
لم ترد عليه فجذبها من ذراعها بشـ.ـدة قائلاً بغيظ :- مبحدتش روحي أنا ردي علي ..
نظرت له بأعينها الرمادية الدامية من أثر البكاء وهتفت بصوت متحشرج :- نعم يا خالد في إيه ؟
هتف بغيظ مكبوت :- قومي امشي معاي نرّوح شقتنا أنا سايبك من عشية إهنة .
أردفت بوجع :- مبقاش ينفع يا خالد مبقاش ينفع .
أردف بتهكم وهو يطالعها بدهشة :- ومينفعش ليه إن شاء الله ؟! بقلم زكية محمد
أردفت و عينيها تذرف الدمـ.ـو.ع بكثرة كالفيضان :- عشان طريقنا معادش واحد أنا كنت خابرة زين إن الفرح مش من نصيبي وميعرفنيش طلقني يا خالد هتبقى على واحدة بت........
لم تكمل كلمـ.ـا.تها عنـ.ـد.ما بلعها خالد في جوفه يضمها إليه بقوة وكأنه يعاقبها على ما تتفوه به من ترهات تجعله يغلي غضبًا، كيف تود تركه بعد أن جعلته يدمنها ؟ كيف له أن يحيا دون أن يرتشف جرعته والتي إن امتنع عنها سيحدث ما لا يحمد عقباه .
ابتعد عنها بعد لحظات هاتفاً بغضب حارق :- لآخر مرة يا وچد لو لقيتك بتخربطي بالحديت دة تاني هعاقبك واعر قوي .
أردفت ببكاء و هي تحتضنه بقوة :- قلبي وچعني قوي يا خالد عايشة في كدبة بقالي سنين وصحيت على حقيقة مُرّة و عفشة قوي، يا ريتها سابتني على عماي .
ربت على ظهرها بحنان قائلاً بحب :- سلامة قلبك من كل شر يا مُهچة قلب خالد أنا عاوزك تبقي قوية كيف الصخر كله هيعدي وهيبقى زين بإذن الله خليكي واثقة في ربنا وبعدين فينا .
أردفت ببكاء يقطع نياط القلوب :- ليه يعمل إكدة مخافش عقاب ربنا أنا مرايدهوش واصل في حياتي مستحيل يكون أب مفيش أب يعمل اللي عمله دة .
أردف بأسى على حالها :- متفكريش في أي حاچة عفشة افتكري بس إني چارك أهة مش كفاية ولا إيه؟
أردفت بصدق وهي تتشبث به بشـ.ـدة :- انت اللي مصبرني على المُر دة يا خالد انت النقطة البيضة في حياتي السودة .
نهرها بخفة قائلاً :- وه حديت إيه الماسخ دة، استعيذي بالله من الشيطان الرچيم و هِمِي بينا نعاود بيتنا و نصلوا سوا يلا ربنا يهديكِ.
قال ذلك ثم ساعدها على النهوض فسارت معه وهي تحمد الله على وجود ذلك الرجل إلى جوارها، والذي لم تتصور أبدًا كيف كانت ستكمل حياتها بدونه، وهو أصبح ترياقها إن انقطع عنها دُفنت أنفاسها تحت الثرى .
★★★★★★★★★★★★★★★★
وصلا الاثنين إلى منزل العمدة راشـ.ـد الكاشف، وجلسوا على الأريكة بانتظاره، نزل هو من الأعلى وبداخله ألف سؤال عن سبب مجيئهم لهنا، ربما هناك مصلحة ستجمعهم ببعضهم، هز رأسه بخفوت فالآن سيعلم ولا داعي للتفكير، دلف للغرفة المتواجدين بها وهتف بود:- يا أهلاً وسهلاً مرحب بيكم نورتوا الدار .
هتف عامر بهدوء مصطنع وود لو يسقط بعصاه عليه و يبرحه ضـ.ـر.بًا :- الدار منورة بأهلها يا عمدة .
هتف بتساؤل وهو يوجه أنظاره لخالد:- كيفك يا خالد وكيف أخواتك ؟
طالعه بغيظ مكبوت وهو يصارع بين رغبة أبيه حينما أخبره أن يظل ثابتا ريثما ينتهي معه، وبين رغبته هو بالفتك به وأخيرًا تغلبت رغبة أبيه على خاصته إذ هتف بغيظ مكبوت :- بخير يا عمدة كلاتنا بخير .
ساد الصمت للحظات قبل أن يقطعه عامر الذي
تنحنح وأردف بهدوء :- چايلك في مشكلة يا عمدة و مستنيك تحكم بالعدل .
هز رأسه بسرعة قائلًا :- وماله يا حچ عامر قول اللي عنديك وأنا مش هتأخر .
تنهد بضيق وأردف بغيظ مكبوت :- رايدين حُكمك في واحد اتعدى على بنية وهملها لحالها من غير ذرة مروءة .
شحب وجهه وقد ظن أنه يتحدث عن الفتاة التي قام مسعد ابنه معها بتلك الفعلة المشينة، ووصلت الأنباء لهما فهتف بحذر :- بت مين دي يا حچ عامر ؟
أردف بحقد وهو يراقب تعابير وجهه :- بت العمدة سويلم الله يرحمه عمدة نچع رفاعة السابق يا عمدتنا إيه قولك عاد دلوك ؟
اتسعت عيناه بصدمة وهو يطالعه بذهول، وكأن الزمن يمر أمامه كشريط سينمائي، متى عَلِم ومن أخبره من الأساس !
هتف مجدداً بنبرة متشفية حينما طال صمته :- ها يا عمدة مردتيش يعني مستنين حُكمك يا .....يا عمدة يا عادل يا اللي بتمشي بحكم ربنا .
حاول أن يجمع شتات أمره فهتف بتلعثم :- أااا.....بت العمدة سويلم مين دي ؟ أنا ماخبرش بتتحدت على مين .
أردف بثبات :- لاه خابر زين يا راشـ.ـد والحديت خرم ودنك وخابر كل كلمة واعي لروحك كيف بتترعش ومش قاعد على بعضك كيف !
ثم هتف بانفعال :- سكت ليه ما تنطق إيه خابر محدش هيعرف بعملتك ...عملتك اللي حرمت البنية من ناسها عملت عملتك وهملتها هي واللي في بطنها . بقلم زكية محمد
جحظت عيناه بصدمة فأكمل فأردف الآخر بنفس النبرة :- أيوة بتك اللي كبرت من غير أب ومتعرفش مين هو أصلاً بت غلبانة إتكتب عليها تبقى بت حـ.ـر.ام من عملتك لكن لاه يا حسان انت هتاچي من سُكات تكتب على عطيات وتكتب البت بــــاسمك وإلا هتصرف تصرف مش هيبقى في مصلحتك واصل يا عمدة .
خرج عن طور صمته أخيرًا وهتف بغضب :- بت مين يا راچل انت ! انت چاي تهددني في بيتي والله عال قوي .
أردف بتهكم :- أما أنك خسيس صُح طيب إيه قولك هدّيك مهلة لبكرة تاچيني الدار عندي عشان ننفذ اللي قولت عليه ولو مچيتش هبلّغ عنك للحكومة والبت تحليل بسيط هيثبت إنها بتك و هتتچرچر وسط المحاكم والأقسام وقول على العمودية يلا السلام . هسيبك دلوك تقلبها في راسك بالإذن يا ...يا راشـ.ـد ..هِم يا وِلد .
وقف خالد الذي اجتاحت الأعاصير أرضه، وعلى حين غرة قام بجذبه من تلابيب ملابسه، وهتف باحتدام عارم :- الله في سماه لو ما چيت لأكون مطربق الدنيا فوق راسك .
أردف عامر لينهي ذاك الشجار فهو يعلم ابنه جيدًا :- خالد ! إحنا قولنا إيه ؟
تركه مرغمًا وهو يحدجه بنظرات لو كانت رصاصًا لقـ.ـتـ.ـلته في الحال، ومن ثم انصرف بصحبة والده بهدوء بينما جلس هو بإهمال واضعًا يديه على رأسه وهو لا يزال تحت تأثير الصدمة، عيناه جاحظة شارد في الفراغ، يحاول عقله بــــاستمـ.ـا.تة أن يستوعب هول ما سمع .
★★★★★★★★★★★★★
في اليوم التالي تجلس بحذر وكم ودت لو تلوذ بالفرار، فهي تمقته فكيف ستكتب اسمها إلى جوار اسمه حتى وإن كان هذا سيدوم لفترة قصيرة ؟ ولكنها لتنظر إلى الجانب المشرق لابنتها جوهرتها الثمينة ستُكتب بــــاسم والدها الحقيقي حتى لا تتعرض للنبذ أو أي شئ من هذا القبيل وهذا لن ترضى به أبدًا .
لاحظ عامر تـ.ـو.ترها فهتف بهدوء :- أهدي يا عطيات ملهوش داعي الخوف دة كلاته .
نظرت له بتـ.ـو.تر قائلة :- ما بلاها يا حچ أنا مطيقاش أشوف خلقته .
أردف بــــاستنكار :- وه بلاها كيف يعني ؟ انتي عاوزة تهمّلي حقك من اللي ظلمك السنين دي كلاتها وحرم بتك من إن يكون ليها أب زي بقية الخلق ! اسمعيني زين يا بتي حقك لو انتي هتتنازلي عنه اتمسكي بيه عشان بتك اللي ملهاش ذنب .
هزت رأسها بخفوت وأخذت تهز ساقيها بإنفعال شـ.ـديد ، بعد وقت دلف إلى الداخل وبصحبته المأذون والغضب و الغيظ حليفانه بينما ابتسم عامر بتشفي لأنه أتى كما توقع، فهو لن يضحي بمنصبه هتف بترحيب :- يا مرحب يا شيخنا يا مرحب يا عمدة إقعدوا نورتوا .
جلس بحنق وهو ينظر لها نظرات لو تجسدت لقـ.ـتـ.ـلتها، أما هي لم ترفع أنظارها التي تعلقت بالأرض وسرعان ما تجمعت الدمـ.ـو.ع في مقلتيها وشعرت برغبة عارمة بأن تصرخ بأعلى صوتها تخرج فيها كل الجروح التي بداخلها والتي السبب فيها هو، لقد حرمها من كل شيء من أن تعيش في كنف أبيها وتحت ظل أخيها، بل جعلها تتجرع الويلات والمشقة طوال تلك الأعوام التي مرت عليها، فلتتحمل تلك اللحظات الثقيلة على قلبها لترتاح بعدها .
بعد وقت تمت الإجراءات وتم كتب الكتاب وبعد أن رحل المأذون هتف عامر بغيظ شـ.ـديد :- بس توثق القسيمة هطلقها منك طوالي ودلوك هِم بينا نسچل البت بــــاسمك .
زمجر بغضب ثم غادر معه فمصالحه كل ما تهمه و سيفعل أي شئ كي لا تتأذى مصالحه ولا مركزه .
خرجت وجد بعد مغادرته و توجهت ووقفت قبالة والدتها وهتفت بدمـ.ـو.ع :- أما..
رفعت بصرها نحوها و بسطت لها ذراعيها فأسرعت لتلقي بنفسها لتحتضنها بقوة و انخرطتا سويًا في موجة بكاء عنيف فأردفت وجد بشهقات متقطعة :- خلاص يا أما أتچوزتي الراچل دة اللي مهانش عليه يقول هاتوا بتي أشوفها فكيف هقول عليه أبوي ! أنا مريداش غيرك بس يا أما انتي دنيتي كلاتها .
ربتت على ظهرها بحنان قائلة بدمـ.ـو.ع :- بس يا بتي بس بطلي نواح اللي عمله الحچ عامر وخالد هو الصُح عشان منطاطيش قصاد الخلق .
أردفت بمرار :- و ذنبك إيه تعيشي عمرك من غير ناسك و ذنبي إيه يبقى هو أبوي ؟ يا ريتني مُت ولا عشت اليوم دة .
أردفت بلهفة :- بعد الشر عنك يا بتي متقوليش إكدة.
أردفت بوجع :- ماخبراش أرفع راسي في حد لا خالد ولا حتى أمه، ولا مرت عمه وبته حديتهم ما بيرحمش من وقت ما سمعوا باللي حصل دي بيقولوا لخالد يطـ.ـلقني عشان بت حـ.ـر.ام يا أما ..
أغلقت عينيها بألم لما تعانيه ابنتها، وودت لو بإمكانها أن تنزع كل ما يـ.ـؤ.لمها وتلقيه بعيدًا عنها تلك الزهرة المتفتحة التي ذبُلت من كثرة الأحزان فأخذت تربت على ظهرها تاركة إياها تفرغ ما بداخلها .
بعد أن وثق وجد بــــاسمه وتأكد من أنها ابنته بعدما أجروا الفحوصات الطبية ذهب كلاً منهم في طريق فما إن صعد راشـ.ـد لسيارته هتف بغل :- بعد السنين دي كلاتها نتلاقى تاني ؟ لاه وكمان معاها بت هي ناقصة هم .
★★★★★★★★★★★★★★★
بعد شهرين خرج طايع من السجن بعد أن قضى فترة الحبس، دلف للمنزل بعد غياب أشهر، شعر بالدفء سرى لأوصاله مجددًا، ورائحة المنزل المحببة لديه ملئت رئتيه، دلف للداخل فوجد أبيه يتطلع بشرود وما إن رآه، محت رؤيته خطوط الحزن التي خيمت طويلًا على وجهه، نهض يركض نحوه ليحتضنه بقوة وشوق، هتف والده بدمـ.ـو.ع :- مقولتش ليه إنك طالع ؟
هتف بابتسامة حنونة :- محبيتش اتعبك يا حچ، كيف صحتك دلوك ؟
أردف بامتنان :- زين يا ولدي لما شوفتك أنت عامل إيه ؟
تنهد بعمق قائلًا :- الحمد لله على كل حال يا أبوي .
رفع بصره يجوب به أركان المنزل، لتقع مقلتاه عليها لتقف حائرة في المنتصف، تقف تطالعه باشتياق وخزي ودمـ.ـو.ع شقت مجراها، تلتصق بالباب غير قادرة على الحركة، طأطأت رأسها بحزن فيبدو أنها لن تنال الغفران، استدارت تجر أذيال الخيبة عنـ.ـد.ما طال الصمت، لتقف متسمرة في مكانها عنـ.ـد.ما تفوه :- وه مهتسلميش علي، ولا تقوليلي حمدًا لله على السلامة ؟
قالها وهو يفتح ذراعيه لها، لتنطلق كالرياح وتستقر بين ذراعيه، انفجرت باكية وهي تقول بنـ.ـد.م كاسح :- سامحني يا أخوي، حقك علي .
ضـ.ـر.بها على رأسها بخفة قائلًا بمرح :- يا بت بطلي نكد من ميتا وأنتِ نكدية إكدة ؟ كل واحد بياخد نصيبه .
أردفت بخزي من فعلتها :- أنا السبب في اللي أنت فيه دة، أحب على يدك سامحني وخلي أبوي يرضى عني مقدراش استحمل خصامكم أكتر من إكدة، الموت أرحملي .
نهرها بعنف على ذكرها للموت، الذي اقتطف والدتهم في ريعان شبابها :- بس اكتمي والحاچ مزعلانش منك دة زعلان عليكِ يا هبلة .
أردفت بلهفة :- والله ما هعمل إكدة تاني، ولو شوفتوني مرة بعمل إكدة اقـ.ـتـ.ـلوني طوالي .
تحدث والدها بنبرة عتاب :- زين إنك عرفتي غلطك، إحنا عمرنا ما قصرنا معاكِ في حاچة عشان تروحي تعملي إكدة .
التقطت كفه مقبلة إياه قائلة برجاء :- اخر مرة يا أبوي، أنا خلاص أتعلمت ولو ع التلفون مريداهوش واصل بس خلوني أدخل الامتحانات الله يرضى عنيكم .
أخذت تتابع وقع كلمـ.ـا.تها عليهم، لترى الوجوم مخطوط على قسمـ.ـا.تهم، لتقوس شفتيها بأسى فلتدفع غرامة ما فعلته، تماسكت قدر المستطاع وأردفت بخفوت :- هروح احضر الوكل زمانك هفتان . بقلم زكية محمد
مسك كف يدها قبل أن ترحل، وأردف بهدوء :- أطلعيلي يا ملك .
رفعت مقلتيها صوبه، لتتجمع عبراتها سريعًا قائلة :- أيوة يا طايع ..
مسد على شعرها برفق قائلًا :- روحي حضري الوكل، وبعديها تدخلي أوضتك تاكلي الكتب وكل، مش هقبل إلا بمچموع الطب .
لمعت عيناها ببريق السعادة، وأردفت بعدم تصديق :- يعني أنا هروح الامتحانات ؟
ضحك بخفة وردد بمزاح :- أيوة ويلا قبل ما اغير رأيي .
أسرعت تركض للداخل قائلة بفرح :- حاضر هوا ...
اصطدمت بالجدار لتطلق صرخة متألمة، لتتعالى ضحكات الآخران وسط تذمرها، أردف بهدوء بعد أن انصرفت للداخل :- خير ما عملت يا ولدي، دي كانت مطفية كيف الوردة الدبلانة، مخبرتش ازعل عليك ولا عليها .
أردف بحنو :- متيلش هم يا ابوي، ملك اتعلمت من غلطها، أخبـ.ـارها كانت بتاچيني أول بأول، وزة شيطان وراحت لحالها .
ردد بدعاء :- ربنا يبـ.ـاركلي فيكم واعيش وأشوفكم مبسوطين .
قبل أعلى رأسه وأردف بتضرع :- ربنا يديك طولة العمر يا حچ، طيب أنا هدخل أتسبح على ما الوكل يچهز .
دلف لغرفته وهو يفكر بحرص، يحسب خطواته القادمة، فيبدو أنه لن يمرر الأمر مرور الكرام.
★★★★★★★★★★★★★★★★★
تغيرت كليًا منذ ذلك اليوم، باتت شاردة طوال الوقت، حتى عملها أهملته ولم يعد لها شغف لتكمله، فهي حبيسة الخوف، ينهش أعماقها حتى كاد أن يقضي عليها، جدرانه عالية كلما حاولت التسلق وعبورها، تقع على وجهها بعنف، الهم يجثو كجبل كلمنجارو فوق صدرها، لا هي قادرة على زحزحته ولا هي قادرة على التنفس، تصارع أمواج البحر العاتية، والتي جرفتها للمنتصف تطلب النجاة ولكن ما من منقذ ينتشلها، وما زاد الطين بلة تذكرها لتهديده، وجزعها الأكبر منه فماذا سيحدث إن علم ؟ هل سيلقيها بعيدًا وسيتخلى عنها، أم سيحافظ على ذاك الوثاق الذي تعاهدا عليه ؟
انتفضت في مكانها حينما دلف ووجهه لا يبشر بالخير، السعير متمثل بعينيه، ازدردت ريقها بصعوبة بالغة وهي تشعر بالجفاف قد أصاب حلقها، راقبته بأعين زائغة متـ.ـو.ترة، تشاهد اقترابه منها كالفهد الذي يتربص بفريسته، نهضت من مكانها تتأهب استعدادا لأي فعل سيصدر منه .
جز على أسنانه باحتداد، وعينيه تكاد تقـ.ـتـ.ـلها بسهامه التي يرميها بها، وقف قبالتها يراقب زعرها الواضح، رفع حاجبه بــــاستهجان وفجأة قبض على ذراعها بقوة كادت تفضله من محله وهتف بفحيح :- مقولتيش ليه ؟
★*********★*********★**********★
↚
حدقت فيه بذهول والأسئلة تتضارب بعقلها، هل علم بكل شيء، هل سينهي ما بينهما بسهولة ؟
غيمت السحب على سماء قلبها، وبدأ البرق والرعد يعصفان بها، أمطرت مطرًا غزيرًا كفيضان غمر كل خلاياها، ينذرها بالغرق إن ظل الوضع على حاله .
ردد بغيظ عنـ.ـد.ما طال صمتها :- ساكتة ليه ما تنطقي ولا البسة كلت لسانك ؟
هزت رأسها بنفي، وقد شحب وجهها فبما ستنطق ؟
هزها بعنف صائحًا بحدة :- مقولتيش ليه إنك أتعورتي بسبب بتي في اليوم إياه ؟
فرغت فاهها بصدمة، عن ماذا يتحدث ؟ شعرت بمن قام بسحبها من قاع المحيط لتسترد أنفاسها براحة، بعد لحظات قضتها على صفيح ساخن، ظنت فيه أنه علم بما تخفيه، كادت أن تبتسم براحة ولكنها لم تبين ذلك حتى لا تثير شكوكه، فهتفت بخفوت :- عادي يعني مش مستاهلة .
أردف بحنق :- كيف يعني ؟ أنتِ بتاخديها من وراي ومبتقوليش ؟ بقلم زكية محمد
جعدت أنفها بضيق قائلة بدفاع وحزن أنه لم يهتم بأمرها :- متخافش بتك زينة ومچرلهاش حاچة .
ردد باحتداد مكتوم وهو يود لو يشق رأسها على تفكيرها الغـ.ـبـ.ـي ذاك :- وأنتِ اللي ممكن كان يچرالك حاچة ؟ هتاخدي بالك من نفسك ولا من غيرك، من رأيي متروحيش المزرعة دي تاني .
اتسعت عيناها بهلع قائلة بلهفة :- لاه يا يحيى أحب على يدك، خلاص مش هاخد بتك تاني بس أنا بحب شغلي ومريداش أهمله واصل .
زفر باختناق فهو يخشى أن يصيبها مكروه، لكن أمام رجائها المتواصل أذعن لطلبها ليشرق وجهها بسعادة، جلس على الأريكة وفعلت هي المثل، أخذت تعبث في أطراف ثوبها عاجزة عن الحديث، بينما لاحظ هو ذلك فردد بانتباه :- مالك رايدة تقولي إيه ومقدراش ؟
تجمدت الدماء بعروقها، لم هي واضحة بهذا الشكل أمامه ؟ أم أنها لا تجيد إخفاء تعابير وجهها ؟ نظرت له راسمة شبح ابتسامة وهتفت :- يعني كنت رايدة أتحدت وياك في موضوع إكدة، بس ما تتضايقش .
ضيق عينيه قائلًا بتساؤل :- خير إن شاء الله، أديني سامعك .
أردفت بحذر :- هو يعني مرتك الاولانية ......
قاطعها مردفا بغلظة وغيظ :- يا دي مرتي الأولانية اللي هتاكل عقلك دي، متقلبيهاش نكد الله يرضى عنك .
أردفت مسرعة :- لاه أنا بس كنت رايدة أقولك، هي مفكرتش تشوف بتها ولا حاچة ولا حتى طلبت تبقى معاها ؟
قبض على كفه بقوة وردد من بين أسنانه :- لاه مريداش تشوفها، هي أتخلت عنها وهي حرة بس دي بتي ولا يمكن أهملها ليها .
هزت رأسها بتفهم وهي تتساءل كيف لأم أن تترك ابنتها هكذا ؟ رددت بحزن عليها :- وهي ما بتسألش عنيها ؟ يعني مبتقولش رايدة أشوف أمي ؟
طالعها بــــاستنكار من أسئلتها تلك، ولوهلة فهمها بشكل خاطئ ليردف :- لاه مبتسألش، وبعدين ليه الأسئلة دي يعني، لا تكوني مريدهاش تقعد إهنة !
أردفت بلهفة :- لاه والله أبدًا، أنا بحبها قوي دي سكراية . ثم تابعت بعتاب وهي تمط شفتيها بأسى :- عيب عليك يا يحيى لما كل هبابة تظن فيا العفش، للدرچة دي أنا عفشة !
نـ.ـد.م على تسرعه في الحديث وظنه الخاطئ بها، ولكن عنـ.ـد.ما تلامس الخطوط حدود ابنته يصبح انسانًا آخر، ردد بخزي :- ما أقصدش بس حديتك واسئلتك خلت عقلي يشت، شمس يا ريت متچبيش سيرتها تاني، تمام ؟
أردفت بموافقة :- ماشي بس آخر سؤال .
مسح بكفه على وجهه بغضب قائلًا :- يا صبر أيوب، ماشي قولي يا شمس خلينا نخلص .
تابعت بفضول شـ.ـديد :- يعني لو چات هي في يوم، وقالت رايدة بتي هتوافق ؟
لاحت ابتسامة ساخرة على طرف شفتيه، وردد بتهكم :- لاه من الناحية دي اطمني، هي ميهمهاش بتها واصل .
التزمت الصمت الذي طغى بحضوره، لتشرد في هواجسها وما رأته وهي تحلل وتتساءل، حتى صرخت دماغها تتوسل إليها بأن تتوقف عن التفكير، ولكنها ماذا تفعل في تلك المصيبة التي لا تعلم عواقبها، خشت أن تسأله ثانية، فيصب جام غضبه عليها، فضلت السكوت وإن كان لا يجدي نفعا، وهي لا تعلم بأن بذلك ترتكب فادحة كبيرة .
دست نفسها بين ذراعيه، لعل لا تكون لها أحقية في اتخاذ ذلك المأوى مجددًا تختفي فيه عن العالم ومشاكله، حاوطها بذراعيه اللتين شكلتا سورين توارت هي خلفهما، وكل ما يشغله تغيرها ذاك حتى أنها لم تعد تشاكسه كما السابق، تطلع أمامه بشرود فالأيام قادمة، وستظهر له ما أخفته .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بعد شهر خرجت من المدرسة، بعد أداء آخر اختبـ.ـار لها، سحبت نفسًا عميقًا وكأنها حُرمت من تنفس الهواء، وكمن قام بإطـ.ـلا.ق سراحها من سجن زجت نفسها بداخله طواعية منها، كثفت جهودها لتحقق حلمها وحلم شقيقها وأبيها، قطعت على نفسها عهدًا بأن تكون لهما مثالًا يتشرفوا به، لاحت ابتسامة عريضة زينت ثغرها الوردي، تود لو تصيح وتهلل فرحًا لانهائها الامتحانات، وأخيرًا ستنال حريتها التي سلبتها ليالي السهر المرهقة لها، والتي شهدت على جديتها في استذكار دروسها.
أسرعت من خطواتها لتصل للمنزل، أثناء سيرها توقفت فجأة بعد أن كادت أن تصطدم بذلك الجدار الذي شُيِّد أمامها بلحظة، رفعت أنظارها لتوبخ ذلك السمج، إلا أنها وقفت كالصنم عنـ.ـد.ما علمت هويته، ذلك المتغطرس الذي يتحكم في كل صغيرة وكبيرة تخصها، رفعت حاجبها بــــاستنكار ومن ثم قررت تجاهله، فتنحت جانبًا لتكمل سيرها، إلا أنه كرر فعلته مرة أخرى، تخطته ثانية فأعاد الكرة، طفح كيلها منه فوقفت تضع يدها في خصرها قائلة بانزعاج :- يا نعم ! بقلم زكية محمد
حدجها بغيظ وهتف بصرامة :- نزلي يدك وأوقفي عدل، أنتِ مش في بيتكم .
انتبهت لتصرفها العفوي واعتدلت قائلة :- ممكن توسع الطريق خليني أمشي .
أردف بجمود ولم يمتثل لطلبها :- عملتي إيه في الامتحانات ؟
لوت شـ.ـدقيها بتهكم قائلة بحدة :- ملكش صالح بيا عاد، وامشي من وشي بدل ما أصرخ وألم عليك الخلق .
ضغط على فكه بعنف وأردف بغضب مكتوم :- حِسك ميعلاش علي، ولما أسألك سؤال تچاوبي عليه .
رفعت شفتها العليا بــــاستهجان ورددت بغيظ :- بأمارة إيه إن شاء الله ؟ يكونش ظابط وأنا موخداش بالي !
اقترب منها رافعًا يده بتهديد، فهو لم ينوي صفعها وإنما كلمـ.ـا.تها جعلته يغلي كالمرجل، تراجعت للخلف بخوف تضع يديها على وجهها كي لا تنال صفعته منها وأردفت بصوت أوشك على البكاء، وهي تتذكر صفعته السابقة لها والتي ألمتها بشـ.ـدة :- والله لو ضـ.ـر.بتني تاني لأقول أخوي طايع .
ضم كفه بغضب من نفسه، فهو في لحظة هوجاء صفعها، وتظنه أنه سيكررها ردد بجمود وجدية لا تقبل النقاش، وهو يفسح لها الطريق :- على البيت زي الألف ما ألمحكيش تبصي چنبك .
جعدت حاجبيها بضيق، ولم ترد عليه تجنبًا لسخطه، وبداخلها ساحة قتال لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص والقنابل من أوامره الخرقاء تلك التي يمليها عليها، وما زاد شن الغارات بأرضها هو استسلامها لأوامره، وكأنه ساحر يلقي بتعويذته عليها، فتصير كالبلهاء تنفذ ما يأمره، أسرعت من خطواتها لتصل للمنزل في أسرع وقت، فقد اختلس بعضًا من وقتها المسموح ولا تعرف بم ستجيبهم إن سألوها عن سبب التأخير، أخذت تصب عليه جام حنقها، تمطره بوابل من الكلمـ.ـا.ت اللاذعة والتي لو سمعها، ستكون بالتأكيد في عداد الموتى .
**********************************
ذات يوم استدعى عامر وجد ووالدتها، لمقابلة أحدهم وبعد وقت دلف خالد بصحبتهم.
دلفت عطيات برفقة وجد وما إن سقط بصرها عليه تجمدت كالجليد، واتسعت عينيها بصدمة وسرعان ما أغرورقت بالدمـ.ـو.ع، وهي تطالع أخيها الذي لم تراه لأكثر من عشرين عام بحنين جارف فرغم ما فعلوه بها إلا أنهم عائلتها بالأخير .
لم تقل حالته شيء عن خاصتها، وهو يقف ينظر لها بنـ.ـد.م شـ.ـديد ويشعر وكأنه تركها البـ.ـارحة كما هي تلك الصغيرة المدللة التي ذاقت العذاب ألوان دون أن تجد لها سند أو يد عون تمد لها .
تقدم نحوها بخطوات بطيئة كالسلحفاة حتى توقف أمامها هتف بدمـ.ـو.ع :- عطيات ...
هتفت بدمـ.ـو.ع متساقطة :- ناچح ..
احتضنها بقوة قائلاً بحنان، ونـ.ـد.م غمره من رأسه لأخمص قدميه :- خيتي عطيات ..
بادلته العناق قائلة ببكاء حار :- ناچح أخوي إتوحشتك قوي يا أخوي كيفك وكيف أبوي وكيف عيالك ؟
أردف بدمـ.ـو.ع متحجرة :- كلاتنا زين يا خيتي كيفك انتي وكيف الدنيا معاكي وعملت ايه فيكِ ؟
أردفت ببكاء :- عملت فيا الكتير يا أخوي اتعذبت و شوفت المر لحالي .
أردف بحنان :- حقك علي ..حقك علي يا ست أخوكي أنا محقوقلك والله ما سيبت مُطرح وأنا بدور عليكي لحد ما الحچ عامر دلني على مُطرحك، كلاتنا نـ.ـد.مانين والله ما قادر أطلع في وشك، مش مستعر منك لا سمح الله، بس مستعر من حالي عشان مكنتش راچل صُح يوقف چنب خيِّته .
ابتعدت عنه لتكون في مواجهته قائلة بشوق وتسرع :- متقولش إكدة أنت سيد الرچالة كلاتها، أبوي كيفه زين ؟
تبدلت ملامحه و خيم الحزن عليها و أردف :- أبوكي تعيشي انتي يا عطيات مـ.ـا.ت من خمس سنين .
وضعت يدها على ثغرها وأخذت تهز رأسها بنفي قائلة :- أبوي مـ.ـا.ت ...مـ.ـا.ت وهو غضبان علي أنا مش هسامح نفسي واصل ..واصل يا ناچح ..
أردف بروية :- لاه يا خيتي أبوكي نـ.ـد.م كيف ما أنا نـ.ـد.مت وكان رايد يشوفك قوي بس ربنا ما أرادش سامحينا يا خيتي وهو طالب منك السماح قبل ما يموت لأچل ما يرتاح في تربته .
أردفت ببكاء :- مسمحاه يا ناچح والله مسمحاه بس هو كان راضي عني ؟
هز رأسه بموافقة قائلاً :- اطمني يا بت أبوي اطمني مسامحك من زمان هو من بعد ما مشيتي وما خبرش يوصلك .
ثم نظر لتلك الفتاة التي جوار شقيقته والتي تشبهها في الملامح فهتف بابتسامة :- دي بتك يا عطيات!
هزت رأسها بنعم و أردفت بخفوت :- أيوة بتي وچد يا أخوي تعالي سلمي على خالك يا وچد .
أومأت لها ثم تقدمت ناحيته ومدت يدها بتردد قائلة :- أزيك يا خال ؟
صافحها و قبّل أعلى رأسها مطولًا ثم نظر لها قائلًا بحنان :- الحمد لله يا سيد خالك ما شاء الله يا نعمـ.ـا.ت معاكي بت قمرة خلاص دي محچوزة لولدي من دلوك ..
جحظت عينيها بصدمة، وهي تراقب خالد الذي كان يشتعل في مكانه والدخان يتصاعد من أذنيه بينما ضحكت والدتها بخفة قائلة :- لاه يا واد أبوي مينفعش .
قطب جبينه بدهشة قائلًا :- وه ليه في حاچة لا سمح الله !
هتف خالد من تحت أسنانه بغيظ مكبوت :- لاه يا خال مفيش حاچة بس مينفعش تخطب لولدك واحدة متچوزة .
أردف بدهشة :- وه متچوزة ! يلا معلش كنت فاكرها عازبة و متچوزة مين على إكدة ؟
ابتسم بسماجة قائلاً :- متچوزاني أنا يا خال هو أبوي ما قالكش !
ابتسم بحنو قائلاً :- لاه هو بس قالي تعال شوف أختك وأنا چيت چري على ملا وشي .
هتف عامر بود :- طيب أقعدوا هتفضلوا واقفين إياك !
رضخوا لطلبه وأخذ ناجح يتحدث مع شقيقته، يعوضان ما سرقته السنوات التي جمعت شملهما أخيرًا، بينما أمسك خالد بذراع زوجته و استأذن على عجالة وتركهم ثم دلف بها مسرعاً لإحدى الغرف الفارغة ودفعها برفق فهتفت بتذمر :- براحة يا خالد وچعتني .
أردف بغيظ مكبوت :- دا أنا هقـ.ـتـ.ـلك وأشرب من دمك .
بلعت لعابها بتـ.ـو.تر قائلة :- أاا....ليه هو أنا عملت ايه يا خالد ؟!
هدر بغيرة عمياء :- انتي كيف تخليه يحب على راسك وكمان رايد يچوزك لولده والله عال قوي .
أردفت بحذر :- دة خالي وفي مقام أبوي و......
قاطعها قائلاً بحدة :- راچل دة ولا مش راچل ؟
هزت رأسها بخفوت قائلة :- أيوة راچل بس دة كبير و خالي ....
صرخ بحدة :- ما يكون أبوي أنا متخليهوش يقربلك سامعة الحديت ولا لاه ؟
هزت رأسها بسرعة تجنبا لغضبه الذي تعلمه جيداً بينما احتضنها بقوة و تملك قائلاً :- انتي مرتي أنا و بتاعتي أنا وحبيبتي وبس محدش يحقله يبص حتى عليكِ .
أغمضت عينيها وهي تبتسم بسعادة غامرة على غيرته العمياء تلك فهي تعشقه بكل عيوبه قبل مميزاته، وكلمـ.ـا.ته التي جعلتها تشعر بأنها ملكة متوجة على عرش قلبه، خرج صوتها الحذر قائلة :- طيب تعال نطلع نقعد عنديهم لأحسن يكونوا رايدين حاچة .
هز رأسه بإصرار قائلًا :- لاه مش هتطلعي غير لما يمشي دا رايد يچوزك لولده والله لولا أنه راچل كبير لكنت عدمته العافية .
ضحكت بخفة قائلة بــــاستمالة :- طيب أديك قولتها راچل كبير خلينا نروح عشان ميقولش علي إني مش حابة وچوده معانا.
قوس شفتيه بضيق و أردف بمضض :- طيب يلا قدامي و تقعدي چاري و مـ.ـا.تحركيش واصل غير لما أقولك .
هزت رأسها بتفهم قائلة :- علم وينقذ يا ليدو يا حبيب قلبي انت .
أردف بخبث :- بلاش حديتك دة لأحسن نعاود على دارنا بدل ما نروح نشوف خالك .
هزت رأسها بفزع قائلة :- لاه خلاص هبطل ...
أردف بغيظ وغيرة :- طيب قدامي لما نشوف أخرتها إيه ...
بعد وقت من الحديث الودي بينهم نهض ناجح قائلاً :- إحنا ماشين يا حچ نستأذن بقى .
جعّد أنفه بتعجب قائلًا :- انتوا مين وتمشي وين لسة بدري !
أردف بابتسامة عريضة :- لاه يا حچ عامر إتأخرت ولازمًا أمشي أنا و خيتي يلا يا عطيات دار أبوكي ما أتوحشكيش إياك !
أردفت بوجع :- إتوحشتكم كلاتكم مش الدار بس يا أخوي .
ابتسم لها بحنان قائلاً :- طيب يلا بينا نعاود، ووعد مني لأردلك اعتبـ.ـارك .
تدخلت وجد قائلة بفزع :- تمشوا تروحوا وين يا خالي لاه أنا مش هسيب أمي واصل خليها إهنة چاري.
أردف بحنان :- يا سيد خالك دة مش بيتها خليها تروح بيت أبوها وترتاح ولا أنتِ مش رايدة ليها الراحة !
هزت رأسها بنفي قائلة :- لاه مش إكدة بس مش متعودة إنها تكون في مُطرح وأنا في مُطرح تاني .
أردف بــــاستمالة :- المكان مش بعيد وقت ما تحبي تشوفيها خلي خالد يچيبك ولا أقولك أنا اللي هچبهالك لحد عندك .
وبعد العديد من المحاولات رصخت أخيرًا، وغادرت عطيات مع شقيقها إلى موطنها الأصلي الذي لم تزوره لسنوات عدة.
في شقتهما كانت تجلس على المقعد و دمـ.ـو.عها لم تتوقف منذ أن غادرت والدتها برفقة خالها، جلس مقابلتها قائلاً بحنان :- و بعدهالك عاد بزيداكي بُكا لما تريدي تشوفيها هاخدك عندها طوالي .
هتفت بلهفة :- صُح طيب يلا وديني عندها ...
ضيق عينيه بغيظ قائلًا ببعض الحدة :- وچد اتمسي وقولي يا مسى متخلنيش أتعصب و أخلي يدي هي اللي تتحدت رايدة تروحيلها دلوك وهي مروحة ملهاش ساعتين زمن !
أردفت بضيق :- مش متعودة تهملني إكدة دايما بتكون چاري متعودتش أقعد في حتة هي مش فيها .
ربت على خصلات شعرها بحب قائلاً :- معلش هتتعودي على إكدة . ثم أضاف بعتاب :- وبعدين مش أنا حبيبك و أمك و أبوكي و أخوكي كيف رايدة تهمليني وتمشي يهون عليكي بردك !
هزت رأسها بنفي و أردفت بحب :- أنا بحبكم اتنيناتكم انتوا بس اللي طلعت بيكم من الدنيا ربنا يبـ.ـاركلكم في عمركم ليا .
أردف بحب :- ويخليكِ ليا يا مهچة قلبي من چوة يلا بطلي بكُا عشان خاطر خالد حبيبك .
مسحت عبـ.ـاراتها بهدوء بينما جذبها نحوه لتستقر بين ذراعيه يبث لها عشقه بطريقته الخاصة .
★★★★★★★★★★★★★★★★
بالمزرعة تعمل ولكن عقلها في وادي آخر، كيف لشقيقها أن تكون له علاقة بها ؟ هل هما متفقان أم ماذا ؟ باتت الظنون تتلاعب بها، تلقي بها في مكان آخر مختلف يحفه الصراع الذي سيودي بعقلها، لا هي واجهته ولا هي أخبرت الآخر، ربما دفعتها غيرتها العمياء وخاصة أنها تتمتع بقدر عال من الجمال، والأهم من ذلك رشاقة جسدها وهذا الذي ينقصها وتعاني منه، تخشى مساومته بابنتها وعندها ستعود له، لأنه من المستحيل أن يفرط في ابنته، كادت أن تصرخ من تلك الحرب الضارية التي نشبت برأسها، قررت العودة وأخذ قسط من الراحة، فإن ظلت على حالتها تلك ستصاب بالجنون .
وصلت للمنزل ودلفت للداخل، وجدت زوجة عمها فسألتها عن چنا فهتفت بدهشة :- هي مقعداش اهنة من الصبح، فكرتها وياكِ .
سقط قلبها بين قدميها، وهتفت بصوت متذبذب :- أنتِ متوكدة يا مرت عمي، أنا مخدتهاش واصل سيبتها إهنة .
أردفت بقلق :- وه ! هتكون راحت وين يعني ؟
أسرعت الأخرى تصعد للأعلى قائلة :- هروح أشوفها فوق .
قالت ذلك ثم طوت درجات السلم، لتقتحم الشقة ولم تترك مكانًا إلا وبحثت فيه، أزداد هلعها حينما لم تجدها، نزلت مسرعة وأخذت تبحث عنها بمساعدة زوجة عمها، وانتهى المطاف بعدم وجودها، جلست بإهمال قائلة بدمـ.ـو.ع :- يا مري، هتكون راحت وين يا مرت عمي ؟ يحيى زمانه چاي وهيطربق الدنيا فوق راسي، دة مش بعيد يقول إني أنا اللي ضيعتها ..
أردفت بخوف ومساندة :- متقوليش إكدة يا بتي، إن شاء الله هنلاقيها بصي أنا هتصل بعامر هو اللي هيعرف يتصرف زين، تلاقيها راحت اهنة ولا اهنة .
تساقطت عبراتها بغزارة خوفًا على الصغيرة، وألف سيناريو بمخيلتها يزيدها رعـ.ـبًا .
على الجانب الآخر جلست الصغيرة بتذمر قائلة :- أما أنتِ چايبانا إهنة ليه ؟
مسدت على شعرها قائلة بخبث :- مش قولتلك يا بتي مرت أبوكِ السو دي رايدة تقـ.ـتـ.ـلك ؟ أنا خدتك بعيد عشان ما تموتكيش .
ذمت شفتيها بضيق قائلة باعتراض :- بس شمس زينة وطيبة مش تعمل إكدة واصل .
جزت على أسنانها بعنف، ولكنها تمالكت نفسها لتردف بغيظ مكبوت :- لاه ما هي بتضحك عليكِ، دة حتى هي اللي خلت أبوكِ يرميني السنين دي كلاتها
ثم أضافت بدمـ.ـو.ع مصطنعة :- كنت بقوله رايدة أشوف بتي، بس هو منعك مني عشانها هي، هي بتكرهني وبتكرهك، دي هترميكِ في الشارع لما تحبل، وهتهملك لكلاب السكك تنهش لحمك.
شحب وجه الصغيرة، وهي تتخيل بطفولية بأن تلك الكلاب هي الكلاب العادية والتي تقوم بعضها بعض الناس، لتصرخ برعـ.ـب بعد أن بثت بداخلها رهاب شـ.ـديد، لتحتضنها بحنان مزيف ورددت :- متخافيش يا بتي أنا إهنة چارك مش هخليها تاچي چنبك واصل .
أردفت بخوف فهي تعاني من فوبيا الكلاب الضالة :- لاه يا أما متخليهمش يرموني للكـ.ـلـ.ـب أنا بخاف منيه .
رددت بابتسامة خبيثة :- متخافيش أنتِ هتقعدي اهنة چاري، ومش هنروح عنديهم واصل الناس العفشة دي .
نظرت لها قائلة بتساؤل :- يعني شمس عفشة وخدت أبوي منك ؟
رددت بسعادة لسير مخططها كما أرادت :- أيوة خدته منينا، بس إحنا هنرچعه تاني .
رددت بانتباه للعبة :- صُح يا أما ؟
جففت دمـ.ـو.عها قائلة :- أيوة يا قلب أمك، ودلوك إحنا لازمًا نرچع أبوكِ من الولية التخينة دي اللي مخبراش عچباه في إيه، هنرچعه ويقعد ويانا .
هزت رأسها بموافقة قائلة :- أيوة أنا رايدة أبوي ويانا .
أردفت بانتصار :- يبقى تعملي اللي هقولك عليه عشان نرچع أبوكِ لينا تاني ..
أومأت لها ببراءة، لتتركها تلهو مع لعبها، بينما ابتعدت عنها وقامت بالاتصال برقم تحفظه عن ظهر قلب، وما إن أتاها الصوت هتفت بكذب خادع :- لما أنت مش حمل مسؤولية، هملي البت أخد بالي منها زين .
هتف بتعجب من حديثها :- أنتِ تقصدي إيه ؟ أنا مش فاضيلك .
ابتسمت بسخرية قائلة :- أقصد بتي اللي مرتك بعتتها ليا ورمتهالي، وقالتلي أنها مش حمل تربي عيال واحدة تاني .....
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
↚
عقله قاب قوسين أو أدنى من الهذيان، كيف لها أن تفعل ذلك ؟ أتته صورتها وهي تحدثه عنها في السابق، وقد ربط الأمور ببعضها، ليهيئ له أنها بالفعل أقدمت على التخلص منها .
أردف بصدمة :- بتخربطي تقولي إيه أنتِ ؟ بتي في الدار ويا أمي .
ضحكت بسخرية قائلة :- بتك قدامي أها، ولو مش مصدقني هخليك تسمع حسها .
قالت ذلك ثم تقدمت منها لتهمس لها بكلمـ.ـا.ت لترددها الصغيرة له :- أيوة يا أبوي شمس رايدة ترميني في الشارع، بس أنا قاعدة ويا أمي لحد ما تاچي أنت .
بهتت ملامحه وعجز عن الرد، ليأتيه صوت الأخرى الماكر :- أتوكدت دلوك ؟ على العموم بتي هتقعد معاي، أنا مأمنش عليها معاها واصل، دي البت خايفة منيها سلام يا يحيى .
أغلقت بوجهه الهاتف بعد أن بخت سمها في أذنيه، ويبدو أنها نجحت في ذلك، إذ تحولت عيناه إلى كتلتي جمر تحرق من يتطلع نحوهما، أدار المحرك بعد أن أوقف السيارة ليقود بأقصى سرعة ممكنة، والنيران تتصاعد بأوردته لو طالت مدينة لحولتها إلى ركام .
بالمنزل بعد أن قامت بالاتصال به، أخبرها بأنه سيعود على الفور ويرى الأمر، كلف بعضًا من الرجال للبحث عنها، بينما كانت هي تراقب الوضع بأعين ضائعة مزعورة، ملئت الخطوط الحمراء مقلتيها فصبغتهم بالدماء، وزوجة عمها تجلس بجانبها تحاول مواساتها وهي في أمس الحاجة لمن يعاونها .
دلف كالاعصار محدثًا جلبة ودويًا عاليًا بالمكان، ازدرد الجميع لعابه بتـ.ـو.تر جلي، بينما سلط أنظاره عليها، والتي جعلتها تشعر بأنها تتلقى رصاصًا حيًا فأدمى فؤادها العليل، هتف عامر بحذر حينما وجده لا يزال على حالته منذ أن أتى :- خير يا ولدي في حاچة ؟
رفع حاجبه بــــاستنكار قائلًا بتلاعب :- لاه مفيش، انتوا اللي في حاچة ؟
هزت والدته رأسها بنفي قائلة بكذب :- لاه يا ولدي مفيش .
تطلع نحو الصامتة بسخرية، وعنـ.ـد.ما رأى هيئتها جز على أسنانه بقوة، تجيد التمثيل جيدًا حتى لا يظهر عليها شيء يدعو للريبة، وقف قبالتها قائلًا بثبات :- وين چنا ؟ بقلم زكية محمد
قالها لها وهو يحدجها بغل، وقفت هي باضطراب وهي تفرك يديها بقوة، هتفت بصوت مرتعش :- أاا...چنا ...چنا ...أاا
قبض على ذراعها بقوة مرددًا بغضب :- أنا أقولك بتي وين ؟ بتي ودرتيها كيف ما رسمتي زين .
هزت رأسها بنفي قائلة بدمـ.ـو.ع :- والله أنا چيت من المزرعة ملقتهاش، أنا مخدتهاش معاي خوفت تزعق، بس يا ريتني خدتها مكانش دة حصل .
اصطكت أسنانه بعنف وردد باحتدام، دون أن يعبأ بمشاعرها البتة :- كان لازمًا أحط في اعتبـ.ـاري إنك بت سالم من الأول، يعني ما هتچبهوش من برة، الغدر بيچري في دمكم .
هتف عامر بروية :- وهي ليها ذنب في إيه يا ولدي، إن شاء الله هتلاقيها أنا بعت الرچالة يدوروا عليها في النچع .
ابتسم بتهكم وردد بسخط :- متتعبش نفسك يا أبوي بتي أنا خابر زين هي وين .
تنفسوا الصعداء بما فيهم هي، بينما رددت أمينة بفرح :- صُح يا ولدي لقيتها ؟ وينها طيب ؟
أجابها بغيظ :- متخافيش هي في المطرح اللي الظاهر كانت لازم تقعد فيه من الأول .
جعدت أمينة جبينها بــــاستفهام قائلة :- تقصد إيه يا ولدي ؟
أردف بانفعال :- ويا أمها يا أما، مش مسيبها وياكِ أمانة، مراعتيش ليها ليه ؟
رددت بتبرير :- والله يا ولدي ما غبت عنيها، هي خمس دقايق دخلت فيهم المطبخ طلعت ملقتهاش قولت يبقى راحت ويا شمس زي عادتها .
تجهم وجهه وتابع بغلظة وهو يوجه حديثه لها :- اتاريكِ عمالة تسألي أسئلة وتلفي وتدوري، بس ربنا كشف ضويتك (حقيقتك)، قولتلك كله إلا بتي عشانها مستعد أطربق الدنيا .
أردفت بنفي وهي تدافع عن نفسها بــــاستمـ.ـا.تة :- أنا مودتهاش مطرح يا يحيى أنا سبتها إهنة وروحت المزرعة، بس هو دة اللي حصل .
ضيق عينيه بتساؤل :- ولما أنتِ ملكيش صالح هتكدب ليه ؟ دي عيلة صغيرة .
ضمت شفتيها بأسى فيبدو أنه لن يصدقها، كفكفت عبراتها بيدها المحررة من أسره، ورددت بمبالاة :- صُح عندك حق عيلة صغيرة ومبتكدبش، يبقى أنا اللي بكدب يا يحيى .
صرخ بوجهها بقسوة :- متعمليش روحك بريئة، صُح يا ما تحت السواهي دواهي .
كاد أن ينفجر ذاك الذي يستوطن أضلعها وينتهي، يا ليتها ما عاشت تلك اللحظة لا تصدق من عشقته بكل جوارحها، وعلى أتم استعداد أن تنهي حياتها إن طلب ذلك، يقف أمامها ويرميها بسهام الاتهام والتي أصابتها بمقـ.ـتـ.ـل، رنت أجراس عقلها لتنبهها على ذلك الواقع، والذي يجب أن تتقبله برحابة صدر، تطلعت له بنظرات تحمل في طياتها شعور القهر، وما أصعبه شعور بأن تُظلم من من ظننت أنه لن يقبل بإصابة إصبعك بخدش، تماسكت قدر المستطاع وأردفت بجمود، وها قد أعلنت بوادر حربها، ولنرى لمن الغلبة ؟ :- خليك فاكر حديتك دة زين يا يحيى، وطالما حاطط إني بت سالم ومخبرش إيه، فأيوة أنا بت سالم وهفضل بته، اللي أنت ما طيقهوش مخبراش ليه ! بس دة أبوي ومش هسمحلك ولا هسمح لأي حد يغلط فيه .
قالت ذلك ثم سحبت ذراعها بعنف، ليتركه الآخر وهو يطالعها بــــاستخفاف، لتصعد للأعلى وما إن وصلت لوجهتها، دلفت للداخل وأخذت تلملم أغراضها بكل سرعتها، وكلما فرت دمعة منها مسحتها بقوة، وكأنها تعاقبها بأن لا تسقط المزيد، وبعد أن انتهت توجهت صوب شقة أبيها .
بالأسفل بعد أن وضح لهم الأمر، أردف عامر بحيرة وشك :- بس دي أميرة يا يحيى يعني متستبعدهاش تكون هي اللي عملت إكدة .
ردد بغيظ :- كيف يعني ؟ طيب بلاها وچنا العيلة الصغيرة هتكدب دي بتي وأنا خابرها زين .
تدخلت أمينة قائلة بعتاب :- مكانش يصح يا ولدي اللي قولتهولها قدامنا دة، أنا خابرة شمس زين .
ضغط على شفتيه بغيظ قائلًا :- أنا رايح أچيب بتي دة المهم .
قال ذلك ثم خرج يسابق الريح، فابنته شغله الشاغل ولا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، أردفت والدته بعد ذهابه بأسف :- ربنا يهديك يا يحيى، منها لله اللي كانت السبب .
زفر عامر باختناق وردد :- بزيادة يا أمينة، ربنا يعدي الأمور على خير ويبعد عنهم الشيطان، روحي شوفيها على ما يعاود، خلينا نحل الأمور بهداوة .
أومأت له بموافقة، بينما ظل هو في مكانه بانتظار عودته .
************************************
بعد ساعة كان في منزلها، يحتضن ابنته بحب والتي غفت على صدره، يتطلع للتي تجلس أمامه بغل، بينما تابعت هي بمكر وهي تكمل ذلك المسلسل الذي نسجه عقلها :- زي ما قولتلك چالي تلفون منيها، وقالتلي تاچي تاخدي بتك اللي قاعدة على قلبي دي .
أردف بدهشة :- وهي چابت رقمك من وين ؟
لوهلة اهتز فكها باضطراب، ولكنها حافظت على ثباتها قائلة :- من الست الوالدة يعني هتكون چابته من وين، وبس أنا خدت بتي بدل ما يحصل فيها حاچة عفشة .
ابتسم بتهكم قائلًا :- توك ما أفتكرتي أنها بتك ؟ مش مطمنلك واصل، واللي هتبين الحقيقة دي بس تصحى .
رددت بثقة فقد حشت ذهنها بأبشع الصور عن غريمتها، ليزداد خوف الصغيرة منها، واخبرتها بأنها ستخبر والدها بما قالته لها هي :- ماشي خلينا نستنى مش هنخسر حاچة .
تابع بفحيح وغضب :- ولو طلع ملعوب منك، يبقى حفرتي قبرك بيدك . بقلم زكية محمد
لا تنكر أنها ارتعدت بداخلها، ولكنها أمنت نفسها بأن تقول الصغيرة كما لقنتها، نهض هو حاملًا ابنته، وغادر المكان بسرعة والذي شعر بأنفاسه تُسحب منه، ليس عشقًا وإنما نفورًا وكراهية .
وصل للمنزل بصحبتها فوجد والده ووالدته، وهذا بالإضافة إلى عمه وزوجته واللذان يطالعانه بحنق شـ.ـديد، ألقى عليهم التحية واتجه ليضع الصغيرة بإحدى الغرف القريبة، ومن ثم خرج لمقابلتهم ليصـ.ـر.خ عمه باحتدام :- عملت إيه للبت مخليها راچعة زعلانة ؟
رفع حاجبيه بدهشة، ولكنه قرر قلب الدفة لصالحه حينما تفوه :- والله أنا مقولتش لحد أمشي، هي مشت لحالها قبل ما تاچي تحاسبني حاسب بتك اللي الغلط ماسكها من ساسها لراسها .
تدخلت زبيدة ولكن ليس دفاعًا عن ابنتها، بل توبيخًا فهي ترى أن الزوج يحق له أن يأمر وينهي كما يشاء وما على الزوجة سوى الطاعة، كما أنها تخاف أن تزيد الخلافات وتحصل ابنتها على لقب مطلقة، وهذا لن ترضى به أبدًا ولم تمر على زيجتها عامًا كاملًا :- قولتلك يا سالم، بس أنت متبعها وعمال تچلع فيها، أهي طلعت هي الغلطانة في الآخر .
حدجها بغيظ وهتف بصرامة :- اسكتِ يا زبيدة وخليني أتحدت .
التف له ليتابع بضيق :- غلطت في إيه يعني ؟
أردف بتشفي :- رمت بتي يا عمي، ها عرفت غلطت في إيه ؟
اتسعت عيناه بذهول، عقله غير قادر على تخيل تلك الرزينة بفعل شيء كهذا، لا بد وهناك لبس في الأمر، بينما ردد يحيى بانفعال :- أنا عند بتي أحرق الكل، واللي يعمل إكدة يبقى ميلزمنيش خليها چارك .
أردف بانفعال مدافعًا عن ابنته :- بتي لا يمكن تعمل إكدة، أنا خابرها زين دي بالذات متعملش إكدة .
أردف بــــاستفزاز :- ليه مشربتهاش الصنعة إياك، وخليتها زيك تاكل حقوق الناس وتلهفها !
تحولت عيناه لجمر أحمر ملتهب، وصاح بانفعال :- أخرس يا وِلد .
ضحك بــــاستخفاف قائلًا :- إيه حديتي وچعك ؟ طيب زين عندك ضمير لساته حي ما مـ.ـا.تش كيف صاحبه .
رفع يده ليصفعه إلا أنها ظلت متشبسة في الهواء، بفعل قبضة الآخر الذي يصوب نحوه ذخائر الكمد العارم، بينما أسرع عامر بهلع يفصل بينهما قائلًا بتوبيخ لابنه وبصوت عال :- يحيى مية مرة وأنا بقولك ملكش صالح باللي بيني وبين عمك، اللي عملته غلط في حقه وأنا مهرضاش بدة واصل، كان فيني أضـ.ـر.بك بس مريدش أصغرك قدامهم .
صاح بانفعال وهو يتوجه للخارج تاركًا لهم المكان برمته :- كان يوم مش فايت لما فكرنا نعاود إهنة، شورة هباب .
أردف عامر بصدمة من عزوف ابنه عن مسار تريثه وردد بصدمة :- الواد خلاص عياره فلت ومحدش مالي عينه .
تدخلت أمينة قائلة بلطف :- معلش يا عامر خوفه على بته خلاه يخربط في الحديت، شوية لما يهدى هيرچع يعتذر زي عادته .
ردد بإصرار :- روحي صحي چنا رايدها ضروري، لازمًا الموضوع دة يخلص بدل الغم اللي عايشين فيه من الصبح دة .
وافقته الرأي فدلفت للغرفة التي تقبع بداخلها، وقامت بايقاظها بهدوء لتتعلق بذراعيها فور رؤيتها سعيدة بعودتها مع أبيها مجددًا، ولكن ولصدمة الأخرى هتفت بخوف :- هو شمس إهنة أنا مريداش أشوفها واصل دي عفشة .
خفق قلبها بعنف كبندول الساعة، وقد داهمت الأفكار السيئة مخيلتها، من أن يكون حديث ابنها صادق وأنها بالفعل أقدمت على ذلك الجرم، هتفت بحنو :- ليه عفشة ؟ شمس زينة وبتاخدك معاها في أي مطرح بتروحه وبترعاكِ .
هزت رأسها بعنف قائلة بصوت أشبه للبكاء :- لاه هتخلي الكـ.ـلـ.ـب يعضني، ومش هتخلي أبوي يحبني تاني ويكرهني .
اتسعت مقلتاه على آخرهما، ما الذي تتفوه به ؟ جمدتها الصدمة لتخرج بها بصعوبة بعد أن أخبرتها أنها ليست بالجوار، ركضت نحو جدها والذي حملها ووضعها فوق ساقيه، قبلها بحنان وهتف بتلاعب :- قوليلي يا چنا مين خدك من البيت وروحتي وين ؟
أردفت بآلية وكأنها تسمع ما حفظته :- شمس ودتني مكان بعيد وأمي چات خدتني .
أومأ بتفهم وتابع أسئلته :- طيب شمس مطلعتش النهاردة واصل ميتا دة حصل ؟
أجابته وهي على نفس الأداء :- الصبح بدري قوي .
سألها بمكر :- خابرة البت زينب اللي بتروح وياكِ الكتاب حصلها إيه ؟
هزت رأسها بنفي، ليردف هو بكذب :- وقعت في الترعة وكانت هتغرق بس لحقوها على آخر لحظة، ولما چه الليل ونعست حلمت بصحبتها وقالتلها شايفة لما كدبتي ربنا عملك إيه ؟ الكـ.ـد.اب ربنا ما بيحبهوش واصل، ربنا بيحب اللي بيقول الصدق .
توسعت عيونها بانتباه، وقد توقفت عند هذا لبرهة لتعي أنها بالفعل تفعل المثل، تكذب لمجرد أن والدتها أخبرتها بذلك، بعدما زرعت بداخلها مخاوف، أردفت بشفاه مرتعشة :- يعني يا چدي اللي بيكـ.ـدب هيوقع في الترعة ؟
هز رأسه بموافقة قائلًا :- وممكن الكـ.ـلـ.ـب يعضه كمان، وربنا ميرضاش واصل عليه .
زاغت انظارها في المكان وهمست بخوف :- بس أنا مش رايدة ربنا يزعل مني .
أردف بخبث :- ليه أنتِ بتكدبي إياك ؟
نظرت أرضًا بخزي قائلة بخفوت :- أيوة، أمي هي اللي أخدتني من قدام البيت، وراحت بيا بعيد .
سألها بفضول :- طيب ليه قولتي إن شمس هي اللي عملت إكدة ؟
أردفت بخوف وبراءة :- عشان هي هترميني في الشارع، وأبوي مش هيحبني هيحب عيالها بس .
غمرته الصدمة فأردف بهدوء كي لا يخيفها :- مين قالك الحديت دة ؟
أجابته وهي تقوس جبينها ببعض الهلع :- أمي قالتلي، صُح هي هتعمل إكدة يا چدي ؟
هز رأسه بنفي مرددًا بحنو وهو يمسح على شعرها الناعم :- لا يا حبيبة چدك، شمس طيبة وبتحبك دي أمك بتهزر معاكِ بس وحبت تخوفك حبتين، يلا روحي عند شمس زعلانة .
ترددت الصغيرة فمازال حديث والدتها يقبع بداخلها، تنهد بغضب مكتوم وأردف :- طيب خلاص روحي الأوضة دي ألعبي لحد ما أبوكِ ياچي .
وافقته الرأي وما إن اختفت عن ناظريهم هتفت أمينة بحقد :- يا مين يلايمني على رقبتها وأنا أخـ.ـنـ.ـقها وأخلص منيها، خرابة البيوت دي شوف يا حچ ملت راس البت كيف بالحديت العفش دة ؟ حسبي الله ونعم الوكيل فيها . بقلم زكية محمد
تدخلت زبيدة قائلة بفضول وغضب :- أمها مين دي كمان ؟ مش قولتوا مـ.ـا.تت ولا انتوا بتضحكوا علينا ؟
زفر عامر بضيق، فلا مفر من معرفة الحقيقة، إذ شرع في أخبـ.ـارهم بكل شيء، ومدى كره ابنه لها لدرجة أنه اعتبرها في عداد الموتى، لم يشأ أن يتحدث عنها لذا طوى صفحتها، ورماها في أقرب صندوق مهملات، لكن يشاء القدر أن تعود مجددًا .
اعترضا الاثنين على إخفاء الأمر عليهم، ولكن عامر استطاع تدبر الموقف والتخفيف من حدته، تحدثت زبيدة بغضب :- قولولي وينها دي وأنا اتاويها ولا حد يعرفلها طريق چُرة بت الفرطوس دي .
أردف عامر بضيق من الموقف، ومما فعلته بالفتاة فهو لم يشأ أن يتحدث أمام الصغيرة، كي لا يشوه صورة والدتها أمام عينيها، ولكن ما فعلته غير قابل للتفاوض :- هدوا حالكم يا چماعة، يحيى هيعرف يتصرف زين متشلوش هم .
أخذت تغلي باحتداد، فهي لا تريد لابنها الراحة، كلما استقرت شؤونه تعكر صفوه في لحظة، تلك الحرباء المتلونة، والتي صدموا فيها بكثرة حينما علموا معدنها الاصلي، وما هو إلا عبـ.ـارة عن صدأ لا قيمة له .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
ليلًا كان الجميع في حالة استنفار بعدما علموا بتلك الواقعة، عدا هي حبست نفسها في غرفتها، رافضة رؤية أي أحد فما عاد بمقدورها التحمل، هدوء مرعـ.ـب احتل جدران المنزل، قاطعه صوت أقدام آتية نحوهم، والتي عرفوا صاحبها فور رؤيته، كان الأرق باديًا على محياه، وشعور الخزي مما فعله أمام عمه وأبيه، رد عليهم التحية بجمود وتوجه ناحية ابنته، احتضنها بحنو وهو يحمد الله على عدم فقدانها، فهي جوهرته الثمينة التي لا تقدر بثمن، نظرت له بنـ.ـد.م وخزي ودمـ.ـو.ع لمعت بمقلتيها، لاحظها هو ليهتف بقلق بالغ :- وه بتبكِ ليه يا چنا ؟ في حاچة وچعاكِ نروح للدكتور ؟
هتف خالد بمرح :- وه دي تبقى عيبة في حقي يا واد أبوي، وأنا روحت وين عاد ؟
أردف يحيى بخوف على الصغيرة :- مش وقت هزارك يا خالد، مالك يا چنا قوليلي يا حبيبتي حد عملك حاچة ؟ بقلم زكية محمد
هزت رأسها بنفي، تزرف مزيدًا من الدمـ.ـو.ع، كاد أن يجن وهو يتابع حالتها بهلع، بينما هتف عامر :- متخافش يا يحيى بتك زينة بس هي رايدة تقولك حاچة إكدة، يستحسن تاخدها على چنب وتسمعلها .
اعترته الدهشة ولكنه استجاب لطلب أبيه، نهض يحمل ابنته ليرى ما الشيء الذي تود اخبـ.ـاره إياه، ولا تريد أن يعرفه الجميع أو ربما تشعر بالخزي لكذبها ولا تريد أن يقولوا عنها كاذبة .
خرج برفقتها إلى الحديقة الخلفية، وجلس بها يحثها على الحديث، وبعد محاولات منه أخبرته بكل شيء، ليشعر بتخدر في جميع أوصاله، ذهول صدمة فاقت التوقعات، لا يصدق ما أخبرته إياه وود لو تخبره بأنها تمزح معه، ولكن بكائها ونبرتها النادمة عن كذبها وخوفها عقاب الله، والذي يخبرهم إياه الشيخ بالكتاب الذي تتردد عليه، أي نـ.ـد.م يضاهي ما يشعر به أخذ يسترجع كل حرف تفوه به لسانه، وما كان سوى سوط غليظ جلدها دون رحمة .
أوصد جفنيه بعنف وأخذ يشـ.ـدد قبضته على شعره، والنـ.ـد.م حليفه يطارده في أزقة وشوارع قلبه القاسي، ليعي فداحة جريمته الشنعاء التي ارتكبها في حقها، أي كلمـ.ـا.ت تغفر وأي أفعال تمحي ما سمعته أذناها ؟
سحب شهيقًا طويلًا وزفره بضيق من نفسه، مسح عبرات جنا واخبرها ببعض الكلمـ.ـا.ت التي هدأت إثر سماعها إياها، حملها ودلف للداخل ليسأل والدته بخزي :- وين شمس ؟
في تلك الأثناء طالعته بنظرات متشفية فرحة، لأول مرة تفعلها ولكنه أخطأ هذه المرة وليس أي خطأ، هتفت بسخرية مقصودة من سؤاله عنها وكأنه لم يفعل شيء :- شمس في بيت أبوها، هو أنت مفكر بعد اللي عملته وقولته هتقعدلك فيها ؟
**********************************
↚
شعر بتوقف الزمان من حوله، وجملة والدته ترن في أذنيه تجلده دون رحمة، أقالت غادرت وتركته ؟ وما كنت تنتظر بعد الذي اقترفته بحقها ؟
ابتلع تلك الغصة التي تشكلت في حلقه، واكتسح الحزن وجهه، أومأ لها بموافقة فهي على تمام الحق، أردف بصوت خافت :- عندك حق يا أما، طيب بالإذن .
قالها ثم ارتقى درجات السلم بتعب، وكمن قاموا بسلب قوته منه عنوة، صعد للأعلى ودلف للشقة الخاصة بهم، ليلاحظ تشبث الصغيرة به بقوة قائلة بخوف :- لاه يا أبوي مريداش أقعد إهنة .
سألها بتعجب من حالتها بحنو :- ليه دة بيتنا، مريداش تقعدي وياي ؟
هزت رأسها نافية توضح له :- أنا رايدة أقعد وياك، بس شمس لاه هترميني للكـ.ـلـ.ـب .
بدأ صدره يعلو ويهبط بعنف، كم ود اختناقها تلك التي زرعت هذه الأفكار المشينة بداخلها، وعلى الرغم من أن ابنته أخبرته بأنها تكذب، ولكن خوفها أثر عليها فربت على ظهرها بحنان وهتف بتعقل :- أنتِ متوكدة إنها هترميكِ للكـ.ـلـ.ـب ؟ في مرة مدت يدها عليكِ ؟ ولا في مرة طلبتي حاچة ومعملتهاش ؟
هزت رأسها بلا، فتابع بعتاب :- يبقى ليه هترميكِ للكـ.ـلـ.ـب ؟ متخافيش هي مش هتعمل إكدة واصل، هي مقعداش إهنة أصلًا .
سألته بطفولية :- راحت بيتها الأول ؟
أومأ بنعم مرددًا :- أيوة راحت ومش راچعة تاني عشان زعلانة مني ومنك .
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- ليه أنت زعلتها ؟
ردد بأسف :- قولتلها كلام عفش كتير .
أردفت بتفكير طفولي :- چبلها عروسة وهي هتصالحك .
رسم ابتسامة باهتة على تفكيرها، فلو كان هذا ما سيجعلها تعفو عنه، لأشترى لها مصنع عرائس بأكمله، تنهد بعمق قائلًا :- لاه هي كبيرة متنفعش معاها، العروسة دي ليكِ أنتِ .
أخذت تفكر قليلًا فأردفت بفرح وكأنها عثرت على كنز :- هي بتحب الوكل قوي، هاتلها وكل كتير .
شر البلية ما يضحك، لم يستطع أن يكبح نفسه من الضحك، إذ صدحت ضحكاته في الارجاء، شاركته الصغيرة ظنا منها أنها وجدت الحل، بينما أخذ هو يسترجع بذاكرته رؤيته لها وهي تأكل بنهم، وكأنها ماثلة أمامه يستمتع بتذمرها، توقف فجأة ليشعر ببرودة هزت أوصاله، أنها ليست هنا ومعه، لقد أضاعها بغباء منه وتسرع غير معهود، تنهد بوجع شـ.ـديد اعتصر فؤاده، يعلم جيدًا أنها لن تقابله ولن ترضى عنه، لذا لم يذهب لها على الأقل الآن .
بعد وقت غفت الصغيرة فوضعها في الفراش وأودع قبلة حنونة على رأسها ثم خرج من الغرفة، مر الوقت وهو على حاله من هنا لهناك، جفاه النعاس كما فعلت هي، نظر في الساعة وجدها منتصف الليل، نزل برفق وخرج يمشي يستنشق الهواء في حديقة المنزل .
استيقظت من نومها وأمعائها تصدر صوتًا دلالة على الجوع، فهي لم تتناول شيئًا منذ الظهيرة، بعثرت خصلات شعرها قائلة بضيق وهي توبخ نفسها :- استفدتي إيه دلوك من الزعل خليه ينفعك، أنا چعانة قوي بس مريداش أكل قدامهم .
نهضت من مكانها وارتدت حجابها بإهمال، ثم خرجت تتسحب على أطراف أصابعها، حتى خرجت ووصلت للمطبخ بالأسفل، وجدت الجميع نيام كما أن المنزل تغمره السكينة، فتحت البراد لتبدأ تعد الطعام بهدوء، حتى لا تحدث ضجة يستيقظ أحد على إثرها .
بعد ساعة جلست تأكل بنهم تسد جوعها، تحاول قدر المستطاع أن تنسى أو تتظاهر بذلك، تحاول انتشال ذاتها من ذلك البئر الذي تغرق فيه، لن تستسلم ستريه من هي جيدًا، وأنها لن تظل تبكي على الأطلال، تنتظر عودته لا لن تفعل، ستظهر له إنها بدونه تستطيع المضي قدمًا، وستجعله ينـ.ـد.م على كل كلمة قالها في حقها، لن تمرر له فعلته كما السابق، لقد تعدى جميع الخطوط الحمراء .
عاد هو ودلف للداخل وكاد أن يضع قدمه على أول درجة ليرتقي السلم، ولكنه توقف عنـ.ـد.ما سمع صوت قادمًا من ناحية المطبخ، تعجب فالجميع يغفو بسلام إذًا من بالداخل ؟ سار ناحية الصوت بخفة، مال برأسه بحذر لتتسع عيناه بذهول مختلط بالفرح، لقد ظن أنها بالفراش تنتحب بمرار، ولكن رؤيتها على هذا النحو كان آخر توقعاته، ابتسم بحب فها هي شمسه تعود من جديد لثوبها القديم، لمعت مقلتاه فجأة بلهيب لو تمثل لحرقها، وهو يرى شعرها الظاهر بوضوح للعيان، وهي غير عابئة لدلوف أي أحد بهذا الوقت لهنا، ولج ليقف قبالتها ولدهشته لم تكلف نفسها مقدار ذرة بأن ترى على الأقل من الذي يمتثل قبالتها. بقلم زكية محمد
شعرت بوجوده منذ البداية، وكيف يغفل القلب عن الأكسجين خاصته والذي يمده بالحياة ؟ لكنها ظلت ثابتة وتابعت ما تفعله وهي تدعي عدم الانتباه، مقررة التجاهل وإعلان حربها عليه، وأقسمت أن تهزمه شر هزيمة ستقهر حصونه، وستعتلي عرش قلاعه وتتربع عليها .
كان في وضع يحسد عليه، لوهلة شعر بمن عقد لسانه فعجز عن الكلام، حمحم بهدوء ولكن لا حياة لمن تنادي، وكأنه غير مرئي جز على أسنانه بعنف وجلس قبالتها، وظل يحدجها بنظرات لو كانت نيران لحولتها لكوم رماد، تـ.ـو.ترت قليلًا ورسمت ملامح العبس، فقد طعنها وترك جرحها ينزف دون أن يبالي به أو بها، هتف بصعوبة وهو يحاول تجميع الحروف ليشكل بها جمل :- أنتِ كيف قاعدة إكدة ؟
تركت الطعام الذي بيدها وهتفت بغرابة وحنق :- قاعدة كيف ؟ ما أنا قاعدة زي الناس، ولا أنت مستني أولول !
أنهت جملتها بنبرة ساخرة، لينظر لها بأعين جاحظة وتابع حديثه بغيظ :- كيف سايبة شعرك ؟ مخيفاش حد من إخواتي يوعالك ؟
أردفت بتبرير :- محدش صاحي كله نعسان .
دب على المنضدة بعنف قائلًا :- وأفرضي حد فيهم صحي ونزل يعمل أيوتها حاچة ؟ داري شعرك دة يلا .
أجابته ببرود :- باكل، لما أخلص .
استشاط غضبًا من افعالها، وكاد أن تصيبه ذبحة صدرية ليردف بحدة :- اسلوبك دة تبطليه أحسنلك .
رفعت حاجبها بــــاستنكار قائلة بتهكم :- وإن ما بطلتش هتعمل ايه يعني ؟ هتضـ.ـر.بني ؟
صمتت قليلًا لتكمل بنبرة مشوبة بالوجع :- مبقتش فارقة مش هيكون أكتر من اللي قولته .
شعر بنصل حاد قامت بغرزه بكل قوتها بصدره، كلمـ.ـا.تها صفعته بعنف منقطع النظير، جف حلقه كمن تاه في صحراء وتركوه بدون رشفة ماء، لم تعد قادرة على الصمود أكثر من ذلك، فنهضت بجمود وسارت إلى حيث غرفتها، لتنهار هنا وسط جدرانها التي شهدت شتى معاناتها، بينما ظل واقفًا يطالع طيفها بكل نـ.ـد.م، لن تغفر بسهولة صعد خلفها يجر أذيال خيبته، والتي لم يكن المسبب الرئيسي فيها سواه، يعض على أنامله نـ.ـد.مًا، ويتمنى أن يعود الزمان للخلف، ما كان تفوه بتلك السموم التي سرت بجسدها، ولكن هل ينفع النـ.ـد.م على اللبن المسكوب ؟ لن يعيده لما كان عليه .
**********************************
بعد أسبوع على تلك الأحداث، استمر الوضع على ما هو عليه، استمرار مكوث شمس بمنزل والدها، تجاهلته تمامًا وباتت تصد أي محاولة له فتعود بإخفاق زريع، تتهرب منه وتتظاهر بالثبات وبمجرد أن تختفي عن الأعين، تغرق في محيط أحزانها، وما جعل فوهة جراحها تتسع، خوف الصغيرة منها عنـ.ـد.ما قابلتها في إحدى المرات، وحاولت الاقتراب منها والتحدث معها كما تفعل، إلا أنها فاجئتها بردة فعل غير طبيعية إذ انكمشت بخوف وركضت كمن رأت وحشًا، لتصيبها صاعقة حينما علمت من والدتها كل شيء، وأن ذلك كان ملعوبًا من الأخرى لتعكر صفو حياتها، والتي بدأت في الاذدهار لتبدأ في الانهيار .
يجلس شاردًا حتى أنه لم يشعر بجلوس الآخر إلى جواره، والذي هتف بتعجب :- وه اللي واخد عقلك !
انتبه له واستدار قائلًا :- عامر أنت إهنة من ميتا ؟
أجابه بهدوء :- يدوبك لسة مقبمر ( قاعد) چارك، مقولتش بتفكر في ايه ؟
أردف بنفي :- لاه مفيش سرحت شوية .
صمت حل على الاثنين، قطعه عامر حينما قال :- كيفك يا وِلد أبوي ؟ من زمان مقعدناش القعدة دي .
ارتبك وردد بتـ.ـو.تر :- أها كله مشغول والدنيا تلاهي .
طالعه بعتاب قائلًا :- الزمان سرقنا يا واد أبوي، وبدل ما نبقى چار بعضينا نونسوا حالنا بعدنا وزادت المسافات .
جعد أنفه بضيق وردد :- وه هتقعد تنخر في القديم وتقلب علينا المواچع، إحنا خلصنا منها السيرة دي .
أردف بهدوء :- أنا مهتكلمش على اللي فات، أنا رايد أفتح وياك صفحة چديدة، أنا عمري ما عديتك مع إني كنت أقدر بس احنا دم واحد، أنا مسامحك يا واد أبوي في حقي بكرة بورة ضيقة .
نهض من مكانه قائلًا :- حق إيه دة كمان ؟ دة حقي أنا .
تعجب من مكابرته ولكنه هتف بمهاودة :- ماشي يا واد أبوي على كيفك، بس بزيدانا خصام خدنا إيه من تحت راسه .
أردف بإنكار :- أنا ممخاصمش حد، وأدينا قاعدين تحت سقف واحد من وقت ما چيت شوفت حاچة عفشة صدرت مني ؟
هز رأسه بنفي مرددًا :- لاه يا سالم، ربنا ما يچيب حاچة عفشة، ويستر في اللي چاي ويعديها سلامـ.ـا.ت .
أردف بضيق :- إن شاء الله .
ربت على قدمه بود وأردف بصدق :- أنا أخوك الكبير وفي مقام أبوك، أيوتها حاچة رايدها اطلبها وأنا مش هتأخر .
أومأ له بموافقة، ليسترسلا الحديث في مواضيع شتى، لتراقبهم أعين مليئة بالحقد، وتتساءل بم يملي عليه فيغيره ويجعله يحيد عن الطريق التي رسمتها له، أي مصيبة حلت عليها ؟ لم تكن في الحسبان
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★:
في منزل شقيق عطيات، أتت وجد لزيارة أمها والبقاء معها لأيام معدودة، كانت بمثابة عقود على ذلك العاشق، والذي لم يستطع أن تغيب عن ناظريه أكثر من ذلك، توجه نحو وجهتها ليروي عينيه برؤيتها وقلبه المتعطش لقربها، وصل ليترجل من سيارته ثم دلف للداخل، أشرق وجهه بابتسامة عريضة، أخيرًا سيراها بعد غياب أسبوع، مر عليه أعوام .
- في قربكِ تمر الأيام كاللحظات، وفي بعدكِ تمر كالسنوات .
أسرع من خطواته كالمـ.ـجـ.ـنو.ن ليقف على مشهد فجر البركان الخامد بداخله، وجعل دمائه تغلي بتفاعل مع الحمم . بقلم زكية محمد
كانت تجلس برفقة والدتها وابنة وابن خالها، أخذوا يضحكون بشـ.ـدة على مرحه المعتاد منذ أن اتوا، لتتوقف هي فجأة وتبتسم لذلك الواقف بحب، إلا أنها أنكمشت بخوف حينما رأت منظره الذي لا يبشر بالخير، كادت أن يصيبها لهبه فتحترق، وعلمت سر تحوله والذي لن يمرره مرور الكرام، ودت لو تنشق الأرض وتبتلعها على الفور، ضغطت على كف والدتها تستمد منها العون، لتتطلع لها فتجد وجهها قد شحب لونه، وعيناها متسمرة على نقطة ما وجهت أنظارها إلى ما تتطلع، لتهب واقفة ترحب به ببشاشة قائلة :- يا مرحب يا ولدي تعال واقف ليه، الدار دارك .
ابتسم بخفوت واقدم نحوهم مرددًا السلام، وهو مازال يصوب مقلتيه نحوها، لتشعر بتراخي جسدها وتنظر للأرض قائلة بهمس :- يا وقعتك المربربة يا وچد، عديها سلامـ.ـا.ت يا رب .
هتف وليد ابن خالها بترحاب :- يا مرحب بيك يا خالد الدار نورت .
صافحه ليضغط على يده بعنف قائلًا بغيظ :- منورة بأهلها .
شعر وليد بقوة قبضته ولكنه تحمل، وتعجب في نفسه من ذلك التصرف، أردفت عطيات بود :- أقعد يا ولدي، روحي نادي على أبوكِ يا بسنت .
أومأت بموافقة وانصرفت، بينما قبض على ذراع وجد قائلًا بابتسامة مزيفة :- معلش يا خالة معاود طوالي وراي مشوار مهم .
كانت ترتعش بين يديه، تخشى أن يصب عليها غضبه،
فمسكت يد والدتها تستغيث بها، فأردف بغضب مكبوت :- أمشي قدامي أحسنلك .
هزت رأسها بنفي قائلة بذعر :- لاه أنت بتخوف .
جعد أنفه بــــاستنكار قائلًا :- نعم ؟ بخوف ! ليه شيفاني عفريت إياك ؟ قدامي طيب بدل ما أوريكِ العفريت على حق .
تمسكت بوالدتها أكثر وهي على وشك البكاء، بينما صاح هو بانفعال :- لما أقولك كلمة تسمعيها .
تدخل وليد قائلًا بحنق مما يفعله :- في إيه يا چدع أنت بالهداوة إكدة .
زمجر بوجهه بغضب :- ملكش صالح أنت، خليك في حالك .
جعد أنفه بــــاستنكار وردد :- أنت طايح في الكل إكدة ليه يا چدع أنت .
دفعه بقوة كاد أن يسقط على إثرها، ليردد خالد باحتدام جامح :- دة لو عاچبك .
وقف قبالته وقد وصل غضبه لذروته، وأردف باحتدام :- لاه باينلك أتچنيت ع الآخر .
لم يستطيع أن يسيطر على أعصابه، إذ لكمه بقوة صرخت وجد على إثرها، وهي ترى شخصًا آخر غير ذاك الذي تعرفه، سرعان ما التحم الاثنان ودلفا في شجار عنيف، أتى من في المنزل على صوتهم، هتف
ناجح بصرامة وصوت عال :- وقف يا وِلد منك ليه ؟ مش مالي عينكم إياك ؟ بطلوا واحترموا الكبير اللي قدامكم .
ابتعد الطرفان عن بعضهما وهما يحدجان بغل في كل منهما الآخر، تابع ناجح حديثه بضيق :- عيال صغيرة أنتوا ! إيه اللي بتعملوه دة ؟
تحدث ابنه باعتراض :- يا أبوي أنت موعتلهوش وهو عمال طايح في الكل و..
قاطعه قائلًا :- نفهم الأول مش نتحدت بأدينا، قولي يا ولدي عملك إيه وليد ؟
حدجه بكره مرددًا بكمد :- عمال يضحك ويتمسخر ويا مرتي، وأنا قولتلك يا حچ ناچح متخليش أيوتها راچل يلمح طيفها .
تطلع له وليد بصدمة قائلًا :- أنت أتچنيت ؟ بتمسخر كيف يعني أنا كنت ويا عمتي وخيتي وهي مكناش لحالنا .
أردف بغيرة وحمية :- وتضحك وياها ليه من أصله ؟ بس الحق علي أنا مهملها إهنة، البيت دة مهتعتبيهوش تاني .
نظرت له بذهول كيف له أن يبعدها عن والدتها ؟ بينما تحدث ناجح بروية قائلًا بمرح :- تعال أقعد إهنة چاري بس وخلينا نتكلم بالعقل .
أمتثل لطلبه وجلس على مقربة منه، فتابع الآخر حديثه :- وليد يعرف الأصول يا ولدي زين، هو علطول إكدة طالما في الدوار بيقلبوا فقاني تحتاني، كله ما بيبطلش ضحك على اللي بيقوله ولا اللي بيعمله، هو ما غلطش ولا هي غلطت خابر إنك غيران عليها بس بحبحها هبابة، الغيرة لما بتزيد عن حدها بتتقلب ضدها، ربنا يصلح حالكم ويهنيكم بس بلاش تمنعها من أمها ترضاها على نفسك ؟ حكم عقلك الأول يا ولدي .
صمت وهو ما زال على حالته، الغضب يعصف به هنا وهناك، يكاد ينفجر ولا يشعر به أحد عداها هي، والتي تراقبه وقلبها يكاد يتوقف عن الخفق من شـ.ـدة هلعها، استطاع ناجح أن يمتص غضبه، وانخرطا في مواضيع شتى لينقضي النهار دون أن يشعر، وحانت اللحظة التي ستغادر فيها معه، والتي شعرت بأنها تقدم على موتها بأيديها، صعدت معه السيارة والتزمت الصمت وكذلك هو، دعت الله أن يمر الأمر بسلام، فهي ليست مطمئنة بسكونه والذي ليس إلا إنذار ما قبل العاصفة.
وصلا للمنزل ومن ثم لشقتهما وما إن أوصد الباب، التف ناحيتها وأخذ يتقدم منها بخطوات أتلفت أعصابها، تراجعت للخلف بذعر بدورها وهي تراقب تقدمه منها وتردد الشهادة بداخلها ظنا منها أنه سيقـ.ـتـ.ـلها لا محال.
صرخت بهلع ما إن وقف قبالتها ووضعت كلتا يديها أمام وجهها في وضع الحماية وهي تُردف بخوف وصوت أشبه للهمس :- أحب على يدك يا خالد ما تضـ.ـر.بنيش، والله ما عملت حاچة تزعلك واصل .
شعر بمن قام بطعنه في قلبه بسكين حادة حينما رأى هيئتها تلك أتخاف منه و تخشاه ! بعد أن كانت تحتمي فيه من تقلبات الحياة و مصاعبها !
مسك يديها برفق والتي كانت ترتجف بشـ.ـدة و ضمها بين كفيه بحب قائلاً بحنان :- وچد انتي خايفة مني ! خايفة من خالد يا وچد !
لم تتفوه بأي كلمة وإنما ظلت عيناها تراقبه بوجل ولما هو مقدم لفعله بينما نظر في عينيها مباشرة و أردف بألم :- خابرة انتي حسستيني بإيه دلوك ؟
صمت قليلاً ثم أردف بوجع :- حسستيني إني ما استاهلكيش لما تكوني خايفة مني إكدة يبقى ما استاهلكيش لما تبقي خايفة كل هبابة و تچري على أمك بدل ما تچري لحـ.ـضـ.ـني و تدّسي فيه ولما ما تلاقيش معايا الأمان يبقى ما استاهلكيش .
زفر بضيق قائلاً بعتاب و لوم :- إكدة يا وچد بتخافي من خالد حبيبك اللي مستعد يبيع كل حاچة لأچل ما يشتريكي ! بقلم زكية محمد
قطبت جبينها ببلاهة و صدمة فهتفت بغباء :- يعني انت مش هتضـ.ـر.بني ؟!
عض على شفتيه بغيظ وضـ.ـر.ب على الحائط بقبضته كي لا يفرغ شحنة غضبه فيها ثم أردف بحدة :- يعني بعد الحديت دة كله چاية تقولي الكلمتين دول ! طيب أنا هبعتك لأمك تقعدي چارها، وأتچوز واحدة فيها عقل مش مُخ خروف ..
وما إن هم ليستدير و يترك الغرفة ركضت لذراعيه لتختبئ فيها و أردفت ببكاء :- خالد متهملنيش أنا اللي ما استاهلكش أنا واحدة چات في الحـ.ـر.ام و ....
قاطعها بحزم قائلًا :- أنا قولتلك إيه قبل سابق مش قولتلك لو لقيتك بتتحدتي بالحديت دة تاني هعاقبك ....ثم أضاف بخبث :- ها فاكرة العقاب ؟
أخفت وجهها في صدره و ضـ.ـر.بته بقبضتها بخفة على ظهره تنهره قائلة :- يا قليل الحيا ..
ضحك بصوته العالي قائلاً :- أنا چوزك يا هبلة .
أردفت بحب :- و الهبلة بتموت فيك ومش متخيلة حياتها واصل من غيرك ربنا يخليك ليا يا خالد أنا بحبك قوي .
شـ.ـدد بذراعيه حول و ابتسم بعذوبة قائلاً بهيام وهو يقبل أعلى رأسها :- وأنا أتخطيت الحب والعشق من زمان يا وچد أنا بقيت مهووس بيكي و رايدك چاري وبس .
ابتعدت عنه و أردفت بحذر وخوف :- طيب أنت يعني هتوديني أشوف أمي تاني؟
تذكر ذلك السمج فكاد أن يرفض ولكنه عاد ليحكم عقله فردد بغيرة :- هوديكِ بس رچلي على رچلك .
ابتسمت له بحب قائلة :- انت أماني يا خالد انت وطني اللي بتحامى فيه .
قهقه عاليًا وهو يقول بخبث :- طيب مفيش حاچة إكدة ولا إكدة لخالد ؟
شهقت بخجل و أردفت بحدة خفيفة :- خالد بس
أردف بعبث :- هو انتي خليتي فيها خالد ما خالد خلاص غرق في بحورك يا بت راشـ.ـد واللي كان كان .
ضحكت بخفة وهي تطالعه بنظرات عاشقة تخصه وحده لطالما هو الأمان و الحصن المنيع لها .
↚
تقف في المزرعة بوهن شـ.ـديد، وقد داهمها دوار مفاجئ عصف برأسها، لملمت أشيائها وغادرت المكان بعد أن أوصت العامل بأن يتولى زمام الأمور فهي بحاجة للاسترخاء، بعد وقت من خطواتها البطيئة وصلت للمنزل وهي بالكاد ترى أمامها، ألقت التحية على والدتها والتي سألتها :-
مالك چاية وشك كيف الليمونة ؟
أجابتها بإعياء :- مفيش تعبانة هبابة هروح أريحلي شوية .
مصمصت شفتيها بعدم رضا قائلة :- منوياش تعاودي دار چوزك ؟ خليكِ خايبة إكدة لحد ما تاخده منك .
أوصدت مقلتيها بضعف قائلة باختصار :- أما مش وقته الحديت دة .
قالت ذلك ثم توجهت لغرفتها مسرعًا قبل أن يأتي وتحتك به، أبدلت ملابسها بعد أن اغتسلت ثم تمددت على الفراش تتطلع للسقف بشرود، ويدها تسير برفق على بطنها وكأنها تطمئن من يسكن بأحشائها، والذي علمت به مؤخرًا، كما أنها لم تفصح عن الخبر لأي أحد، بعد أن اتخذت غرفتها محرابًا تتوارى به عن الأعين، أغلقت جفنيها بتعب ولم تشعر بشيء بعدها فقد سافرت إلى رحلة نوم عميقة .
بعد ساعات عاد من عمله، وبعد أن تناول بعض اللقيمـ.ـا.ت توجه ناحية أمه وسألها عنها :- أما شمس وينها ؟ غايبة النهاردة .
نظرت له بشفقة على حاله الذي تبدل، قوست شفتيها بأسى عليهما وعلى ما وصلا إليه، هو أخطأ وهي أبية وما بين ذا وذاك، لم ترس سفينتهم عند بر واحد يجمعهما، هتفت بتنهيدة عميقة :- أبدًا يا ولدي نعسانة، چات من المزرعة ودخلت نعست طوالي .
أردف بقلق :- ليه مالها هي تعبانة ؟ أوديها للدكتورة ؟
أردفت بحنو :- لاه يا ولدي متخافش هي زينة .
تابع بلهفة :- طيب هي كلت ؟ دي ليها مدة مبتاكلش ودي غريبة .
مطت شفتيها بعدم معرفة قائلة :- والله يا ولدي علمي علمك، بس تلاقيها من زعلها .
زفر بضيق مرددًا :- ما هي لو تلين راسها اللي كيف الحچر دي .
ضيقت عينيها بغيظ قائلة :- وهو مين كان السبب في اللي هي فيه عاد ؟
ضغط على رأسه عله يطرد ذلك الصداع الذي تلبسه منذ تلك الواقعة :- بزيداكِ يا أما، أنا اللي فيا مكفيني .
مسكت يده بخوف قائلة :- مالك يا ولدي فيك إيه؟ هز رأسه نافيًا وهو يقول :- مفيش يا أما مصدع بس، هروح أشوفلي بـــرشـــامة ولا حاچة تمشي الصداع الفقري دة .
قالها ثم صعد للأعلى بينما أدمعت مقلتيها برجاء قائلة :- ربنا يهدي سركم .
ثم تحولت لشخصية أخرى شرسة وهي تردد بغل :- منك لله يا أميرة أشوف فيكِ يوم .
قالتها ثم أخذت الصغيرة واستئذنت لتدلف لغرفة شمس، والتي كانت لا تزال غافية الأمر الذي أثار ريبة الأخرى، كما ازداد قلقها عليها جلست على طرف الفراش ومعها الصغيرةالتي هتفت بخفوت :- چدة هي زعلانة مني ومش بتكلمني، بس أنا مش بقيت أخاف منيها .
هتفت بخفوت :- لاه هي هتصالحك متخافيش، تعالي دلوك نصحيها ونشوفها نعسانة ليه لحد دلوك !
هزتها برفق وهي تنادي بــــاسمها، لتستيقظ الأخرى منتفضة بفزع لتردف أمينة :- اسم الله عليكِ يا بتي، قومي هتقعدي نعسانة لحد دلوك دي الساعة عدت خمسة .
اتسعت مقلتاها بذهول قائلة :- وه خمسة ! أنا نعست كل دة .
نهضت من مكانها على عجالة ورددت :- طيب هروح أتوضى وأصلي اللي فاتني، استنيتي يا مرت عمي .
مر بعض الوقت انتهت فيه من قضاء فروضها، لتجلس معهن لتلاحظ وجود جنا، فرفعت حاجبها بدهشة وأردفت بتهكم :- إيه دة چنا إهنة ! مخيفاش أرميكِ للكـ.ـلـ.ـب ؟ إكدة برضو يا چنا هي دي اخرتها ؟
قوست الصغيرة شفتيها بحزن وهي على وشك البكاء، لتحتضنها شمس قائلة بحنو :- بس خلاص أوعاكِ تبكي إكدة هزعل منك .
بكت بصوت مسموع قائلة :- متزعليش مني يا شمس .
قبلت أعلى رأسها بحنو قائلة :- مش زعلانة منك يا چنا خلاص .
فرحت الصغيرة بذلك كثيرًا فتشبثت بها أكثر، بينما أردفت أمينة بامتنان :- يسلم قلبك وعقلك يا بتي .
أردفت بابتسامة خافتة :- دي لساتها عيلة يا مرت عمي متوعاش. لتردد بحزن :- الدور والباقي على اللي كان واعي لكل كلمة قالها .
أسبلت أهدابها بأسى وهي ترى مدى تدهور الوضع بينهما، وتساءلت متى ينتهي ذاك الخصام وتعود المياه لتركض في مجاريها، أردفت بحذر في محاولة منها لتلطيف الأجواء :- كله بيغلط يا شمس، هو اه اللي قاله ميصحش بس أنتِ خبراه طول عمره بيتسرع .
أردفت بضيق :- مليش صالح بيه .
فضلت الصمت حتى لا تتفاقم الأوضاع، وتركته لهما داعية الله أن يصلح شأنهما، قفزت الصغيرة على بطن شمس بمرح، لتصرخ الأخرى بهلع قائلة :- حاسبي يا چنا ولدي .
قالتها بخوف فطري على جنينها وعفوية منها، لتردف أمينة بذهول وفرحة عارمة :- وه أنتِ حِبْلى ! يا ألف نهار أبيض . بقلم زكية محمد
عضت على شفتيها بتبرم من تسرعها، لتفوق على سؤالها مجددًا حينما قالت بلهفة :- مردتيش علي يا بتي ؟
لم ترد أن تكسر فرحتها التي لمعت بعينيها، لتردد بخفوت :- أيوة يا مرت عمي ياچي شهرين إكدة .
أطلقت الزغاريد بفرح، لتردف شمس بحنق :- وه يا مرت عمي بزيداكِ عاد .
رددت بسعادة :- فرحانة قوي ربنا يتمملك على خير يارب، بقولك إيه زعل مريدينش عاد عشان اللي في بطنك .
تمتمت بهدوء :- متخافيش يا مرت عمي أنا هعرف كيف أخد بالي زين .
أومأت لها بتفهم وفضلت الحديث معها في مواضيع شتى، حتى تجذب بؤرة أفكارها من الفكرة التي تصوب عليها جام تركيزها، بعد وقت انصرفت برفقة جنا، والتي هرولت نحو ابيها بلهفة تزف إليه هذا الخبر السعيد قائلة بصخب :- شمس صالحتني يا أبوي .
ضغط على فكه بعنف قائلًا بغيظ منها أنها عفت عنها وهو في حيز المغضوب عليهم :- وأنتِ المفروض دلوك بتعملي إيه يعني، بتغايظيني ؟
هزت رأسها نافية ببراءة ورددت ببهجة :- في نونو چوة شمس .
انتفض كالملسوع يطالعها بصدمة، جعد حاجبيه بعدم تصديق وأردف :- أنتِ قولتي إيه يا چنا ؟
أردفت مكررة وهي تصيح بضحكات طفولية :- شمس چواتها نونو صغنن .
أحتلت البهجة والسرور عينيه قائلًا وهو يوجه حديثه لوالدته :- صُح حديت چنا دة يا أما ؟
هزت رأسها بــــاسمة تؤكد حديثها قائلة بدمـ.ـو.ع تنم عن الاغتباط :- أيوة يا ولدي ألف مبروك .
وجد نفسه يبتسم ببلاهة، وهو في قمة سروره بهذا الخبر، ود لو يركض إليها يحتفل معها بذلك الخبر على أنغام العشق الدافئة، ولكنه تذكر ما يحول دون ذلك، قوس ثغره بأسى لتشعر به أمه قائلة وهي تربت برفق على ذراعه :- أديها وقتها متغصبش عليها وربنا يهدي سركم .
تركوه على حالته مذبذب الانفعالات، تارة يضحك وتارة يعبس، قضى ذلك معظم وقته حتى غلبه النعاس .
**********************************
في الصباح الباكر يمتطي جواده ويسير في الأرض الزراعية خاصتهم وأمامه تجلس هي بفرح شـ.ـديد وحماس، في محاولة منه على أن يصلح ما ارتكبه في السابق في منزل خالها هتف بحب وهو يحاوط خصرها بذراعه يطوقها بحماية :- ها يا مهچة قلبي إيه رأيك في المفاجأة دي ؟
هتفت بابتسامة عريضة ووجه مشرق :- حلوة قوي يا خالد . بقلم زكية محمد
صمتت لتكمل بعتاب :- خابر أول مرة چيت فيه الإسطبل كنت بشكي حالي للفرس بتاعك وبقوله كيف كنت بحبك بس انت حتى متعرفنيش ..
أردف بمرح :- وه يا خالد يا عفش ملكش حق واصل تعمل إكدة حقك علي يا وچد اللي عملته فيكي مش ساهل بردو .
أردفت بهدوء :- صدقني يا خالد أنا نسيت كل حاچة عفشة ومش رايدة أفتكر حاچة أنا رايداك انت تقعد چاري وبس و متفارقنيش واصل ..
حاوط خصرها بذراعه قائلًا بلوعة :- وخالد ما رايدش غيرك يا نن وضي عيونه انتي بقيتي حياتي ودنيتي وعلمتيني كتير، بشكر الظروف اللي خلتك من نصيبي .
أردفت بحب :- أنت كنت حلم بعيد ربنا حققهولي خالد رايدة أصرخ بصوتي العالي وأقول بحبك أنا بقيت مچنونة بيك ...
ضحك بخفوت مرددًا :- لاه مصدقك بس بلاش تزعقي دي الله يرضى عنك إحنا وسط الغيط وهنبقى لبانة في خشم الناس اللي في النچع لو ما عاودناش دلوك وشافونا إكدة ..
ضحكت برقة قائلة :- عندك حق دول هيزفونا في البلد كلها يلا بينا نرچع أحسن.
أومأ بموافقة قائلًا :- على قولك ثم أكمل بأعين مشتعلة بالغيرة :- وكمان الرچالة هتطلع على الغيط دلوك وأنا مش رايدهم يشفوكي واصل انتي حقي أنا وبس ...
رجعت برأسها للخلف لتستقر على صدره و غلقت عينيها تستمتع بتلك المشاعر التي تعيشها إلى جواره هو فقط الذي سرق قلبها و لبها و بات عشقه مرسخ بداخلها وصعب استئصاله ..
وصل بها إلى المنزل ومن ثم دلف للداخل حتى وصلا للإسطبل فنزل هو من على ظهر الجواد ثم حملها برفق و وضعها على الأرض، فشعرت فجأة بالدوار فهتفت قبل أن تغلق عينيها :- غيتني يا خالد ...
سقط فؤاده من أعلى سفح جبل، جذبها لتستقر على ذراعيه عوضًا عن الأرض، حملها بلقب مذعور ودلف بها للداخل، ومن ثم للأعلى أعقبته والدته التي صعدت خلفه بخوف، أخبرها بأن لا تقلق. سيقوم بالكشف عليها ليرى ما بها .
بعد دقائق معدودة خرج وهو على وجهه ابتسامة عريضة، لتسأله والدته بخوف :- مالها مرتك يا ولدي ؟
هتف بابتهاج :- متقلقيش يا أما كلاتها تمن شهور وتستلمي حفيدك التالت بإذن الله .
ازداد فرحها وهي تستقبل الاخبـ.ـار السعيدة منذ البـ.ـارحة، احتضنته مبـ.ـاركة إياه ثم دلفت عند وجد لتهنئها الأخرى، والتي كانت في قمة سعادتها لعلومها بأنها تحمل درة ثمينة في أحشائها من معشوق روحها .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
كانت بداخل المطبخ تعد الطعام، وما إن سمعت صوت الباب ركضت للخارج لتستقبل أخيها بوجه بشوش، والذي تنتظر منه مشتريات أخبرته بأن يحضرها، وها هي تركض بفضول لرؤية ما أتى به لها، خرجت كالقذيفة تستقبله ومقلتاها ترتكز على ما في يده دون أن تعي أي شيء آخر، صائحة بفرح طفلة تحصل على لبس العيد الجديد :- أخوي حبيبي اللي چابلي اللي قولتله عليه .
جز على أسنانه بعنف، وهدر بانفعال :- ملك .
انتفضت بخوف قائلة :- وه يا طايع بتزعق ليه ؟ ما أديني قدامك أها .
ردد بغضب مكبوت وصرامة :- على چوة .
طالعته بغرابة شـ.ـديدة، لتشهق بصوت مسموع وبأعين واسعة عنـ.ـد.ما وقعت على الذي يقف خلف أخيها، وسرعان ما ركضت للداخل تتخبط في الجدران كالمعتوهة، وما إن دلفت لغرفتها رمت جسدها على الفراش بإهمال، تضع يدها على قلبها الذي يقيم حفلًا غنائيًا صاخب، ويدها الأخرى على خصلات شعرها الناعمة، أخذت توبخ نفسها قائلة :- يا مرك يا ملك، كيف تطلعي إكدة ؟ دة طايع هيعلقني بس مكنتش خابرة أن معاه البـ.ـارد دة .
جلست فجأة لتردف من بين أسنانها بحقد عليه :- اللطخ اللي مبتاچيش من وراه غير المصايب، چاه وچع في بطنه .
بالخارج يقف يطالع الأرض، بعد أن رآها بتلك الهيئة المهلكة التي كادت أن تفقده صوابه، أشاح بصره على الفور فهو لا يحق له ذلك، كما أنها شقيقة صديقه تنحنح بحرج، ليردف طايع بخشونة :- تعال أقعد يا مؤمن، ثواني بس وچايلك .
هز رأسه بتفهم وجلس على الأريكة، يجاهد لطرد صورتها التي طُبعت بمخيلته، والتي يخشى أن تسرق لبه ويقع صريع الهوى مجددًا، هز رأسه بعنف لا لن يكرر الأمر مرة أخرى، هي ابنة حواء مثلها مثل غيرها، تمتم بالاستغفار ثم همس بغيظ :- الله يحرقك يا شيخة .
بالداخل وقفت بذعر وتـ.ـو.تر خشية أن يصيح بوجهها، بينما راقبها هو بتسلية، تقدم منها بخطوات سريعة يرسم على وجهه الصرامة والجدية، وما إن وقف قبالتها، ارتعشت بشـ.ـدة واذدردت ريقها بصعوبة تنتظر عقابه، هتف بجدية وهو يكبح ضحكه عليها :- إيه اللي أنتِ هببتيه دة ؟ كيف تطلعي بشعرك ولبس البيت قدام صحابي ؟
تلعثمت في الحديث قائلة :- والله يا طايع مكنتش أعرف أن معاك حد، كنت مفكراك لحالك عشان إكدة طلعت علطول .
عض على شفتيه بغيظ قائلًا بوعيد :- حِسك عينك ألاقيكِ طالعة إكدة مرة تاني، ساعتها هتشوفي هعمل إيه .
رددت بسرعة :- حاضر والله هاخد بالي بعد إكدة .
ثم هتفت برجاء :- چبتلي الحچات اللي قولتلك عليها ؟ بقلم زكية محمد
مد بيده بما يحمله لتقفز بين ذراعيه صارخة بسعادة :- ربنا يخليك ليا يا أخوي .
قرصها من ذراعها قائلًا باحتداد مكتوم :- قولت حِسك ميعلاش إحنا مش لحالنا يا هبلة .
هزت رأسها وهي تبتسم بغيظ :- نسيت معلش يا طايع .
بعثر خصلات شعرها وردد بضحك على منظرها :- طيب يلا روحي چهزيلنا لقمة ناكلها .
أردفت بضيق من حركته، وودت لو تصرخ بوجهه كما تفعل، ولكنها كبتت انفعالاتها بسبب السمج الذي بالخارج، لتردد بهدوء مغاير مقارنة بالمرجل الذي يغلي بداخلها :- ماشي علطول أهة .
انصرف هو لتردف بغل وهي تضغط على كف يدها حتى كادت أن تدميه :- خدامة أبوه أنا، ماشي والله وچات فرصتي لحد عندي ولازمًا أخد بتار القلم، مش أنا اللي أسيب حقي واصل .
قالت ذلك ثم انصرفت للمطبخ، وابتسامة ماكرة تزين ثغرها.
بعد أن أعدت لهم الطاولة، نادت بــــاسم شقيقها من خلف الجدران، ثم اختفت للداخل ليأتوا برفقة والدهم وتناولوا وجبة الغداء، وبعد أن انتهوا توجهوا لغرفة الجلوس ثانية، وطلب طايع من شقيقته بأن تعد عصير المانجو وأن تزيد من السكر في كوب مؤمن الذي يحب الأشياء التي بسكر زيادة، لترقص بداخلها فالقدر يساعدها في كل خطوة، أومأت له ببراءة وذهبت لإحضار العصير .
بعد دقائق كان الكوب بين أصابعه، يرتشف منه بتلذذ وبعد أن انتهى شعر بتقلص شـ.ـديد في بطنه يصحبه ألم كاد أن يفتك به، ضغط على يده بقوة وهو يشعر بالحرج الشـ.ـديد، لاحظه طايع ليهتف بحذر :- مؤمن مالك في حاچة ؟
لم يستطيع أن يتحمل ليهتف بسرعة مصحوبة بالحرج :- وين الحمام يا طايع ؟
نهض معه يريه الطريق ليدلف الآخر بسرعة للحمام، وما إن انتهى خرج ليخطو خطوتين ليعاود الدلوف مرة أخرى، بينما على الجانب الآخر كانت تقف خلف الجدار وهي تهلل وتصيح بصوت غير مسموع انتصارا لما حققته .
بعد وقت غادر المنزل على عجالة، ليرفع وجهه للأعلى حيث شرفتها دون وعي منه، ليجدها واقفة وكأنها تنتظره، ليجد بعينيها بريق لامع بالانتصار والتشفي، ثم حدجته بــــاستخفاف قبل أن تغلق النافذة، ليهمس بخطورة :- وقعتك مش فايتة يا ملك .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بعد شهرين وقفت قبالته في محاولة منها لفهم ما يجري وما رأته في السابق قائلة :- راضي فهمني إيه حكاية الست اللي أنت بتقابلها دي .
جحظت مقلتيه بصدمة قائلًا :- بتخربطي بتقولي إيه يا واكلة ناسك ؟
رددت بإصرار :- متهربش يا راضي، من قلة الحريم مش لاقي غير دي .
جذب ذراعها بعنف وردد بغضب :- أنتِ بتقولي إيه ؟ وكيف تدخلي في حاچة متخصكيش .
نزعت يدها منه قائلة :- لاه يخصني لما تخرب بيتي يبقى تخصني، دة أنا أختك يا راضي كيف تخرب بيتي وترضهالي ؟
جعد جبينه بدهشة قائلًا :- أنتِ أتچنيتي إياك ؟ أخرب بيت مين ونيـ.ـلـ.ـة إيه كمان ؟
صرخت بوجع :- عشان الست اللي أنت تعرفها تبقى طليقة يحيى .
سقط الخبر عليه كالصاعقة، وصمت كالجماد وردد بعدها :- طليقة يحيى !
أجابته بتهكم :- أيوة طليقته، يعني أنت متعرفش ؟ تلاقيك متفق معاها علي ما أنت طول عمرك ميهمكش حد غير روحك .
صرخ بدوره بانفعال :- طليقته مين ؟ ومتعليش حِسك علي سامعة ؟
رددت بسخرية :- هو أنت هتعمل علي راچل، ولا هتسيب الحمار وتتشطر على البردعة .
رفع يده لتسقط على وجنتها بقوة، ولكن قبل أن تتلقى الصفعة كانت يده معلقة في الهواء ...........
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
↚
قبل أن يصفعها تعلقت يده بالهواء بفعل قبضة الآخر القوية، والذي طالعه باحتدام جامح وهتف بفحيح :- يدك لو رفعتها عليها تاني مش هيحصل طيب .
ابتسم راضي بــــاستخفاف من حديثه وهتف بدوره :- وأنت مالك دي خيتي قلت أدبها ولازمًا يتحش رقبتها .
رفع حاجبه بــــاستهجان وردد بتهديد :- أنا قولتها كلمة ومش هكررها، ودلوك قولي كيف تعرف طليقتي كيف ما شمس قالت .
ضيق حاجبيه بتعجب أكبر ليردف بحدة :- طليقتك مين يا چدع أنت؟ هتعوم على عومها ولا إيه !
لم يرد عليه وإنما التف ليطالعها قائلًا بصرامة وغيظ :- متوكدة إنها هي اللي شوفتيها معاه ؟
ظلت صامتة ليكرر بانفعال :- ردي علي وقولي يا اه يا لاه .
هزت رأسها بموافقة قائلة بخفوت :- أيوة هي اللي شوفتها وياه .
لوى شـ.ـدقه بسخرية وردد بــــاستخفاف :- مش چديدة عليك يا واد عمي، وبصراحة الطيور على اشكالها تقع، بس مكنتش خابر إنك دغف وأهبل إكدة لما تخدعك ومتقولكش هي مين .
ثارت دمائه بعروقه التي كادت أن تنفجر وردد بغضب :- أوعى لكلامك يا يحيى، هتصدق كلامها دي شكلها تخيلات خبطت راسها .
إلى هنا وكفى تحدثت بدورها بغضب :- لاه دي مش تهيؤات دي الحقيقية يا راضي، الحقيقة أنها ضحكت عليك واستغفلتك ووخداك كبري عشان مصالحها .
اكفهر وجهه وقد أيقظت الوحش الذي يقبع بداخله، فهم للانقضاض عليها ولكن هيهات، وقف له يحيى بالمرصاد وهو يمسكه من تلابيب ملابسه قائلًا :- إيه وچعك حديتها ما هو اللي على راسه بطحة، بقى راچل زيك يبقى لعبة في يد واحدة !
ضـ.ـر.به على حين غرة بقوة، ليسدد له الآخر الضـ.ـر.بة أضعاف مضاعفة، ليتحول الأمر إلى شجار وهي بالمنتصف مذعورة عليهما، أخذت تتوسل إليهما لينهيا ذاك العراك ولكنها لم تفلح، بينما كانا يسبان بعضهما البعض، ويلفظان ما بداخلهما والذي دفنته السنوات تحت الثرى، تحت نظراتها المصدومة والدماء التي فرت من عروقها، وها قد سنحت لها الفرصة لتعرف السبب الذي سألت عنه كثيرًا، فأتى لها مقدمًا على طبق من فضة دون أدنى جهد، لقد علمت سبب العداوة القائمة بينهم، كل الحقد الدفين والكراهية التي تشع منهم، لا تصدق ما سمعته وتسمعه فالكلمـ.ـا.ت جمر يحرقها، أوالدها اقدم على فعل ذلك حقًا ؟
يا ليتها أُصيبت بالصم ولم تسمع هذه الحقيقة المرة، تراجعت للخلف حتى اصطدمت بالشجرة، لتنهار ساقيها فما عاد بمقدورها الحركة، غلفت الدمـ.ـو.ع عينيها وظلت تجري على وجنتيها بسخاء، والصورة المثالية التي رسمتها لوالدها بدأت في أن تبهت معالمها .
أتى خالد ومؤمن لفض النزاع القائم بين الاثنين، وأيضًا لحق بهم البقية والذين صدموا من المشهد، نجحا في أن يفصلا بينهما لتركض الصغيرة تهتف بــــاسم أبيها بخوف، في حين وقفن الأمهات وقلوبهن تكاد تتوقف من كثرة الجزع .
وقفت هي بصعوبة تستند على الشجرة، وتقدمت نحو أبيها لتقف أمامه والنظرات تغني عن ألف سؤال، هتفت بصوت متحشرج وأحرف متقطعة :- صُح يا أبوي ؟ أنت خدت ورثهم ؟
تـ.ـو.ترت قسمـ.ـا.ت وجهه إلا أنه هتف بغضب وهو يرمق أخيه بكمد :- حديت إيه دة يا بت ؟ واقفة بتحاسبيني ! أمشي أدخلي چوة .
هزت رأسها بعنف وقد طفح بها الكيل لتردد بإصرار :- لاه مش قبل ما تچاوب علي يا أبوي وتقولي، أنت خدت ورثهم ؟ عشان إكدة هملوا الدار ؟ رد علي الله يخليك، قول لاه وريحني .
صرخ بصوته كله :- زبيدة خدي بتك وأخفوا من وشي الساعة دي .
أقدمت هي بسرعة ومسكتها من ذراعها لتسحبها للداخل، إلا أن قدميها لم تتزحزح من مكانها تطالعه بتحدٍ، وأنها لن تبرح الأرض إلا عنـ.ـد.ما تتلقى إجابة منه، لتهمس لها أمها :- أمشي قدامي واكسري الشر ملكيش صالح بحديت الكبـ.ـار دة، همي يلا .
عاودت الكرة تنفي المغادرة، ورددت بعناد :- لاه مش همشي مش قبل ما يرد علي .
تمتمت من بين أسنانها بغيظ :- يا بت اسمعي الكلام ومتفوريش دمي .
ظلت على موقفها ولم تحيد الطريق، إذ أردفت بجنون :- قولتلك لاه بعدي يا أما .
ثم التفت نحو أبيها لتردد برجاء :- چاوبني يا أبوي قولي صُح حديته ؟ ولو أنه الچواب باين من عنوانه، عملت إكدة ليه ؟ مخفتش ربنا واصل ؟ دة مال يتيم حـ.ـر.ام عليك ..
صفعها بقوة ولثاني مرة في حياته، فقد أخرجته عن طور ثباته، ردد بغضب :- لما أقول كلمة يبقى تسمعيها وتقولي حاضر ونعم، الظاهر إني اتساهلت معاكِ كتير لحد ما سوقتي فيها .
وضعت يدها على وجنتها وهي في حالة ذهول مما فعل والدها، والآخرون يتابعون الموقف عن كثب، تقدمت أمينة وأخذتها في أحضانها مشفقة عليها، بينما صرخ سالم في وجه أخيه :- ليه مصر إن ليك حق عندي ؟ ورث أبوي كتبهولي، فيها إيه يزعل دي يا خلق ؟ بقلم زكية محمد
تدخل يحيى قائلًا :- فيها إنك واحد ضلالي زور أمضة أبوه عشان يكوش على الورث لحاله .
ضحك بصوته كله وردد بسخرية :- يا سلام ع التربية الزينة يا واد أخوي ! ما تاچي تضـ.ـر.بني قلمين أحسن .
ردد بحنق :- أنا لو مش متربي كنت خـ.ـنـ.ـقتك .
- يحيى !
كان هذا صوت والده الصارم والذي هدر بانفعال :- قولتلك مية مرة ما تدخلش في حديت ملكش صالح بيه، حقي وأنا مسامح فيه، ناقصك حاچة يا واد ؟
صمت ليردف بقوة :- يمين بالله يا يحيى لو الموضوع دة اتكرر تاني هتاخد بعضك وتشوفلك مطرح بعيد عن إهنة، وتنسى إن ليك أب اسمه عامر .
شهقت والدته بذعر فور صدورها هذا الفرمان القاسي والصارم، بينما هتف يحيى بدفاع :- وايه قولك يا أبوي في واحد متفق مع طليقتي وساعدها أنها تدخل إهنة وتعرف كل حاچة ؟ تلاقيه هو اللي ساعدها لما خدت البت .
ردد راضي بهجوم كاسح :- مكنتش خابر أنها المقندلة طليقتك .
أردف بتشفي :- يبقى اعترف أن اتضحك عليك .
أردف باحتدام :- سد حنكك ما عاش ولا كان اللي يضحك علي، وحقي هعرف أجيبه زين من بت الفرطوس دي .
ردد عامر بغيظ شـ.ـديد من ابنه الكبير :- أخفى من قدامي يا يحيى، أخفى .
وبالفعل ترك لهم المكان بابنته وصعدا للأعلى، ليبدأ الجميع بالانسحاب واحدًا تلو الآخر، ليقف عامر بالأخير امام شقيقه قائلًا بتبرير :- أنا عمري ما زرعت في عيالي الكره ليكم ولا مليت راسهم بحاچة عفشة، بس وقتها يحيى كان كبير وواعي وداري بكل حاچة، محقوقلك يا أخوي .
ردد بضيق :- محصلش حاچة يا عامر، بس يا ريت الموضوع دة ميتكررش تاني .
وعلى مقربة منهم وهي تراقبهم خلسة، رددت بخفوت وغل :- وماله إكدة ساكت ؟ لاه الموضوع فيه إنة شكله سلم ودانه لأخوه، أنا لازمًا أشوف الموضوع دة بنفسي .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بالأعلى كان بحاجة للعديد من عربات المطافئ لتخمد نيرانه المشتعلة، وهذه المرة من نفسه ها هو دليل آخر على براءتها وأنها لم تقدم على ذلك الجرم الذي رشقها به، ود صفع نفسه يا له من غـ.ـبـ.ـي أخرق، لها كل الحق فيما تفعله وما عليه سوى أن يتحمل، راقبته الصغيرة بترقب وهي تشاهد تحوله لوحش كاسر، إلا أنها وبالرغم من ذلك سارت نحوه وجذبته من جلبابه قائلة ببراءة :- متزعلش يا أبوي راضي عفش .
وكأن لمستها بلسم جعل حدة عاصفته تهدأ شيئًا فشيء، جلس قبالتها واحتضنها بحنو، تذكرها بغتة وهي بين ذراعي والدته بعد أن تلقت صفعة موجعة من أبيها، نهض عازمًا على شيء وسينفذه بغض النظر عن توابعه، ترك الصغيرة وأخبرها بأن تنتظره ريثما يأتي، لتوافقه الصغيرة التي جلست تشاهد أفلام الرسوم المتحركة على شاشة التلفاز .
نزل مسرعًا للأسفل يمشط المكان بحثًا عنها، وها قد وجد ضالته بجوار والدته ببطنها الممتلئة، وقف قبالتها وهتف بهدوء :- شمس قومي معاي ثواني .
تطلعت نحوه بمقلتيها المنتفخة، وهتفت بتعب :- رايد إيه يا يحيى ؟
تدخلت أمينة قائلة بلطف :- قومي ويا چوزك يا بتي شوفيه رايد إيه .
هزت رأسها بنفي قائلة :- مريداش أروح وياه في حتة، اللي رايد يقوله يقوله إهنة .
اصطكت أسنانه بعنف وهمس بجوار أذنها بتهديد :- لو مقومتيش معايا دلوك هيكون فيها تصرف تاني .
نظرت له بــــاستخفاف قائلة :- هتعمل ايه يعني ؟
حك مؤخرة رأسه بمكر وردد :- لاه مهعملش حاچة أنا بنفذ طوالي .
لم تفهم مرمى حديثه وصرخت فجأة حينما وجدت نفسها محمولة على ذراعيه، بينما لم يأبه لأحد البتة وأردف بخبث وهو يطالع والدته بتلاعب :- بعد اذنك يا أما .
ضحكت بخفوت على ابنها المـ.ـجـ.ـنو.ن، وهتفت بتضرع :- أذنك معاك يا ولدي، ربنا يهدي سركم .
كادت أن تذوب من فرط خجلها، وهي تحاول أن تنزل أرضًا قائلة بخجل وحدة :- نزلني يا يحيى أنت بتعمل إيه ؟ نزلني يا بـ.ـارد .
رفع حاجبه بــــاستهجان ليرمقها بمكر قائلًا :- كلمة تانية وهعمل حاچة انيل من إني شايلك ومهعملش حساب لأي حد، واهدي عشان اللي چواكِ .
صمتت على الفور وهي ترى جديته في الحديث، بينما لاحت ابتسامة خفيفة على طرف شفتيه، وهو يراقب تذمرها وخجلها الذي حُرم منه طيلة تلك الأشهر، وصل بها للشقة لينزلها برفق بالغ، بينما ابتعدت هي عن مرماه بسرعة، وما إن همت لتتحدث وجدت الصغيرة تهلل بسعادة لرؤيتها قائلة :- شمس أنتِ هتعيشي معانا إهنة تاني مش هتروحي بيت راضي العفش .
تحدث والدها برفق قائلًا وهو يحدج شمس بتحدٍ سافر :- أيوة هتعيش معانا يلا روحي أنزلي اقعدي ويا ستك أمينة . بقلم زكية محمد
هزت رأسها بنفي قائلة :- لاه أنا هقعد مع شمس .
ضغط على فكه بعنف وأردف بغيظ :- ما أنا هقولها حاچة سر وبعدين أقعدي وياها، يلا يا چنا عشان أچبلك حاچة حلوة .
أومأت له بفرح ومن ثم نزلت مسرعة، بينما أردفت شمس بحنق :- اه يا چنا الكـ.ـلـ.ـب بعتيني .
أردف هو بهدوء :- تعالي نقعد نتحدت .
ذمت شفتيها بضيق قائلة :- لاه مفيش حديت بينا أنا نازلة .
وقبل أن تعبر الباب وقف هو كالحصن المنيع يمنعها من العبور، ومن ثم أغلق الباب جيدًا وأردف بغضب مكتوم وهو يجذبها من ذراعها بخفة :- طالما الذوق مش نافع معاكِ يبقى نچرب الغصب، أقعدي واسمعي وبلاش لعب العيال دة .
نظرت له بقهر وهي تشير إلى نفسها ورددت بوجع :- لعب عيال ! بعد كل اللي قولته في حقي، واتهامك ليا رايدني أفوت دة كله بالساهل وچاي تقولي لعب عيال !
أخذ بيدها برفق قائلًا بخوف على حالتها :- شمس أهدي واسمعيني ممكن ؟
صاحت بجنون :- مش هسمع أنا واحدة مستهترة ودمي فيه الغدر رايد منها إيه ؟ هملني لحالي يا يحيى .
أردف بنفي وهو يحكم بقبضته على يدها :- لاه مش ههملك، بزيداكِ بعاد مشبعتيش ؟ أزعلي وأنتِ إهنة چاري بس متبعديش .
نظرت له بألم قائلة :- ليه أهمك في إيه ؟ أنت عمرك ما أخترتني يا يحيى لما بتتحط في مواقف بتحط مصلحة أهلك وبتك اول حاچة، بس أنا عادي تدوس عليها ما هي بت سالم بردو، أنت دبحتني بحديتك في كل مرة بتوريني مطرحي وين بالظبط، شكرًا لشهامتك وچدعنتك يا واد عمي، لحد إهنة وكفاية مهبقاش حمل عليك، وعشان كمان مفكركش بسالم كل شوية .
تعالت شهقاتها بالمكان وهي ترثي ذلك الحب الذي تكنه له، بينما طالعها هو بقلب مفطور ألهذا الحد جرح قلبها وأدماه ؟
على حين غرة احتضنها بقوة كادت أن تكسر ضلوعها، وأخذ يردد بعبـ.ـارات الاسف جميعها، ثم تابع بلوعة :- أوعاكِ تقولي إنك مش مهمة عندي، مش هعديهالك يا شمس واصل أنتِ أهم من روحي، والمدعوكة الله يچحمها عرفت تلعبها صُح وقدرت تزرع الشك چواتي وتخليني أتهمك .
تابع سكونها بين ذراعيه ليردف بحب :- أنا مبعرفش أذوق في الحديت، بس أنا بحبك يا شمس خليكِ متوكدة من دة، چايلك نـ.ـد.مان على بابك طمعان في رضاكِ عني متهملنيش تاني .
تصلبت فجأة وهي تسمع اعترافه، والذي انتظرته طويلًا تتلهف لسماعه، نظرت له بحيرة قائلة بعدم تصديق وبلاهة :- وكتاب الله المچيد ؟ أحلف
ضحك بصوته كله وردد :- وكتاب الله المچيد، ولو أنه ما ينفعش نحلف غير بالله، عشان إكدة هقولك والله بحبك وبعشقك يا بت عمي .
تراقصت دقات قلبها على ألحان الغرام، وأدمعت عينيها بفرح لا تصدق ذلك الصخرة الجـ.ـا.مدة تشع كل هذه الرومانسية، أردف بمكر وهو يقترب بوجهه منها :- ها راضية عني، صافي يا لبن ؟
هزت رأسها بدلال قائلة :- مش قوي هبابة صغيرة قد إكدة .
أردف براحة :- صغيرة صغيرة وماله نتحمل، أهم حاچة تكوني وياي .
ردد بعبث :- طيب وين عربون الصلح ؟
لم تفهم مقصده إلا حينما اقترب ينهل من عسلها الصافي، والذي حُرم عليه منذ لحظة ذهابها، ابتعد عنها بعد أن شعر بانقطاع أنفاسها، وهمس بوله :- أتوحشتك قوي .
أخفت وجهها بصدره تهرب منه وإليه، وهي تكاد تصاب بالجنون من كثرة اعترافاته التي يمطرها على مسامعها، أردف هو بمزاح كي يرفع عنها الحرج وهو يمسد على بطنها المنتفخة :- إكدة تبعدي ولدي عني ؟ عاملة إيه وياه ؟
أردفت بحنو وهي تحتضن بطنها :- زين ولدي حبيبي ما تعبنيش .
ردد بمرح :- لو تعبك قوليلي وأنا اعلقهولك في السقف .
مطت شفتيها بــــاستنكار قائلة :- أنت بتاخدني على قد عقلي ولا إيه ؟ أنت بتضحك علي يا يحيى عشان أرچعلك ؟
جعد جبينه بذهول من تحولها المفاجئ، وردد بصدمة :- شمس حُصل إيه ما كنتِ زينة دلوك ؟
رددت بضيق :- ليه شايفني أتچنيت إياك ؟
نتأت عيناه بدهشة وأردف بمهاودة :- لاه مين بس اللي يقدر يقول إكدة ؟
انفجرت في البكاء وهي تضـ.ـر.به على ظهره بوهن :- أنت عفش بعد عني مش هكلمك واصل .
حك مؤخرة رأسه يحاول فهم الطلاسم التي يراها أمامه، وفك الشفرة ليعرف لم تحولت بهذا الشكل، كاد أن يصل ثغره للأرض حينما سمعها تهمس :- لاه متهملنيش خليك چاري .
ضم شفتيه كي لا يصل لها صوت ضحكاته الرجولية، على تلك البلهاء والتي ستودي به للهذيان مثلها، استقبل تقلب مزاجها من بين الحين والآخر، لتنتهي الليلة بين ذراعيه يبثها حبه بطريقته الخاصة .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
دلفت للمبنى بخطوات بطيئة وبيدها حافظة طعام، بها بعض الشطائر لتقدمها له فبالتأكيد هو الآن جائع بعد ساعات قضاها في عمله المجهد، سألت إحدى الممرضات عنه لتخبرها بمكانه، لتسرع من خطواتها وهي تتلهف لرؤيته، فتحت الباب فجأة لتجده يتابع عمله مع زملائه الأطباء .
رفعوا أنظارهم ليروا من قام بفتح الباب على هذا النحو، ليتفاجئوا بجميلة تقف في أبهى حلتها على الرغم من حملها والذي لم يزيدها إلا جمالًا .
استولى الغضب مقلتيه، فباتت تلمع بالجمر الحارق، وهو يرى نظرات زملائه لها ليجز على فكه حتى كاد أن يهشمه، ويرمقها بنظرات لو كانت رصاصًا لقـ.ـتـ.ـلتها ..
↚
٭٭٭٭٭٭٭٭٭******★★★★★٭٭٭٭٭٭٭******
↚
فجر في وجوههم الخبر، والذي أحدث دويًا عاليًا بنفوسهم، أطلقت زبيدة صرخة ملتاعة وهي تردد بــــاسم ولدها، بينما شعر سالم بمن يقبض روحه، لم يقل هلع البقية عليهم إذ هتف عامر بلهفة وخوف على ابن شقيقه :- وينو قاعد يا نچاتي ؟
أخبره بــــاسم المشفى ليهرع الجميع نحوها، وقلوبهم قاب قوسين أو أدنى من التوقف، وإن تصير ضمن عدادي الموتى .
بعد وقت كانوا يهرولون في طرقة المشفى، وعنـ.ـد.ما وصلوا للغرفة القابع بها فلذة كبدهم، بدأ العويل من قبل والدته التي تهذي بكلمـ.ـا.ت غير مفهومة، بينما يحاول سالم الدلوف بالقوة ولكن عامر وأبنائه منعوه، ريثما يخرج الطبيب من الغرفة ويطمئنهم عليه، مر الوقت كالقرون عليهم وقلوبهم تتقلب على صفيح ساخن، حالتهم مزرية أقرب للموتى .
خرج الطبيب أخيرًا ليضع كل منهم يده على قلبه، إما أن يحييها وإما أن يدميها، هرولوا نحوه يسألون بلهفة عن حالته، أخذ يتنفس بعمق بفعل الجهد الذي بذله بالداخل فترجموا ذلك بشكل خاطئ، إلا أنه كان بمثابة حبل النجاة الذي انتشلهم من البئر، إذ هتف بعملية :- اطمنوا يا چماعة إحنا طلعنا الرصاصتين اللي چواته، والحمد لله مصابتش مكان حيوي، هيقعد تحت الملاحظة لحد بكرة، وبعدين هنسمح بالزيارة لكن دلوك لاه حفاظًا على سلامة المريـ.ـض .
سأله سالم برجاء :- بتتحدت صُح ولدي زين يا دكتور ؟
ابتسم له بخفوت قائلًا بتفهم لحالته :- أيوة صُح ولدك زين بإذن الله هيروق قوام كمان بس تسمعوا التعليمـ.ـا.ت وتنفذوها .
أردف بسرعة :- من يدك دي ليدك دي يا دكتور كل اللي تؤمر بيه مُچاب .
هز رأسه لهم وتركهم ليتتفس بعمق، ويحبس في رئتيه الهواء الذي سُلب منه مذ أن علم بتلك الفاجعة التي حلت عليهم، أخذ يردد الحمد لله كثيرًا، وكانت هذه صفعة ليعيد حساباته فولده كاد أن يصبح من عدادي الموتى، لولا عناية الله التي نجته .
صوب أنظاره لوالدته والتي طمست الدمـ.ـو.ع وجهها، وردد بوعيد :- لو الواد مقامش منها يا زبيدة يمين بالله ما هيكفيني فيها موتك، ولسة حسابك چاي على اللي عملتيه .
لم ترد عليه وإنما ازدادت في البكاء، فبسبب طمعها وحقدها دفع ابنها الثمن غاليًا، يا ليتها ما أقدمت على تلك الفعلة وما سمعت كلام أخيها، ولكن لا ينفع النـ.ـد.م بعد ذلة القدم . بقلم زكية محمد
يمسك بها حتى لا تهوى أرضًا، وعينيها ضائعة خائفة على فقد شقيقها، ضم كفها بكفه الكبير يبثها بعض الأمان الذي فُقد منها، وهتف بحنو :- هيبقى زين إن شاء الله، أدعيله أنتِ بس .
تمتمت برجاء وهي تتضرع إلى ربها بأن ينجيه، وهي تتمسك بيده بقوة وكأنها طفلة ضائعة ووجدت أبيها.
بعد يومين بعدما استرد وعيه، دلفت العائلة للاطمئنان عليه مع مراعاة عدم اجهاده في الحديث إلى أن يتعافى تمامًا، يعدوا بشـ.ـدة لتعافيه بشكل مستمر، حتى مرت الأيام وتعافى بشكل نهائي، ليقف قبالة والده بمفردهما ليصـ.ـر.خ في وجهه بعنف :- أنا قولتلك إيه يا واد ؟ بتكسر كلامي !
وضع نظره بالأرض ولم يجرؤ على الحديث، بينما تابع الآخر بغضب :- قولتلك ملكش صالح بيه خالك دة تاني ولا لاه ؟ قولتلك طريق عفشة من وقت اللي حصل في الچبل، بس أنت لازمًا تسمع كلمة أمك يا واد أمك .
جعد جبينه بضيق من نعته بهذا اللقب، بينما أومأ له بتأكيد قائلًا :- أيوة واد أمك مزعلاك الكلمة قوي ! استرچل يا واد وخليك راچل مخلي حُرمة ممشياك .
هتف باعتراض :- يا أبوي دي أمي هكسر حديتها .
أجابه بغيظ :- لاه كسر حديتي أنا ما أنا مش مهم بقى، اسمع يا واد حالك دة لو ما اتعدلش أنا هعدلك وهعيد تربيتك من چديد .
صمت لبرهة ليردد بضعف ونـ.ـد.م :- خابر لما قالولي إنك اتصبت حسيت بالدنيا كيف خرم الإبرة، وإن دة عقاب صغير عشان افوق من اللي بعمله، متخليش أنت كمان يا ولدي السكينة تسرقك والدنيا تلهيك .
سكت يسمع لكلمـ.ـا.ت أبيه والتي هو محق فيها، ما رآه فقد كان قاب قوسين من الموت، جعله يعيد حساباته من جديد في كل صغيرة وكبيرة، وضع كلمـ.ـا.ت والده نصب عينيه عازمًا على تنفيذها .
وبعد وقت حانت المواجهة الضارية، إذ هتف لها بتهديد :- بصي يا بت الناس هتقعدي بالحُسنى إهنة كان بيها هتقعدي تملي ودان العيال بحديتك السم دة بيت أخوكِ أولى بيكِ .
نظرت له بصدمة قائلة بعدم تصديق :- أنت بتقولي أنا الحديت دة ؟
صاح بغضب :- أيوة لو في مرة سمعتك بس عملتي حاچة يا زبيدة هتبقي طالق مني وأديني قولتها كلمة ومش هتنيها .
رددت بذهول :- بعد العمر دة كله يا سالم دي آخرتها ؟
أجابها بفتور :- أيوة دي آخرتها وأنتِ اللي بتكتبيها بنفسك، فاعقلي إكدة يا بت الناس وخليكِ في حالك .
أردفت بانفعال :- الحق علي رايدة يبقالك مال وچاه .
جز على أسنانه باحتداد مرددًا :- مش بالطريقة دي يا زبيدة، اطلعي كان هيحصل إيه لولدك اتعظِ يا شيخة .
وبعد الكثير من المناوشات بينهما، تركها تعيد حساباتها إما أن ترضخ وتظل تعيش تحت كنفه، وإما ترفض وحينها ستنهي حياتها معه .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
مرت الأيام عليهم بسلام، وقد ذهب طايع لطلب يد نورا التي كانت تطير فرحًا بهذا الخبر، حتى أن الجميع كان في حالة دهشة من تحولها هذا، وهم يرون لمعة الحب بعينيها اللتين تفيضا بمخزون وافر، وافق سالم على طلبه واتفقا على أن يكون الزواج بعد أربعة أشهر من الآن، ليتوافق مع زواج مؤمن وملك، أما طايع الذي يتابع الأمر بمكر شـ.ـديد، وهو يرى مدى تقدمه نحو إحرازه للهدف المنشود، تلك الخطة التي لم يوشي بها لأية أحد حتى لا يمنعوه من تنفيذها، وها هي الظروف تخدمه بسخاء للوصول لهدفه .
ذات مرة اجتمع سالم بشقيقه، ووضع قبالته حقيبة صغيرة وهو يجلس إلى جواره، ينظر للأسفل بخزي ونـ.ـد.م، بينما تساءل عامر بدهشة وهو يشير للحقيبة :- فيها إيه دي يا واد أبوي ؟
أجابه بخفوت :- افتحها وأنت تعرف يا عامر .
أذعن لطلبه وقام بفتحها، ليفاجأ بمبلغ كبير من المال مرصوص بداخلها، ضيق عينيه بتساؤل وردد :- أيوة يعني هعمل بيهم إيه دول، ومالي بيهم ؟
أردف بصعوبة وهو يحاول ترتيب كلمـ.ـا.ته :- دة حقك يا عامر في ورث أبوك، محقوقلك يا أخوي كانت السكينة سرقاني وما دريش باللي بعمله، بس ربنا نور بصيرتي الحمد لله قبل ما اقابل وجه كريم .
ابتسم له بحب فها هو شقيقه الذي يعلمه على حق قد عاد، أردف بحنو وهو يحركها لتستقر أمام الآخر :- وأنا قولتلك مسامح فيهم، مالي ومالك واحد يا سالم خليهم لما اعوزهم هطلبهم منك .
ضغط على شفتيه بنـ.ـد.م وهو يشعر بمدى حقارته إذ أردف :- كل مرة بتثبتلي إنك أحسن مني يا أخوي .
ربت على كفه قائلًا باعتراض :- لاه محدش احسن من التاني، مش عيب نتعلم من غلطنا واصل، قوم يا راچل لمهم قوم خلينا نروح نشوف أمور العيال دي .
أومأ له بموافقة وراحة كبيرة تغمره، وها هي الحياة تبتسم له من جديد .
بعد ثلاثة أشهر تصرخ بعلو صوتها في المشفى، ولسانها يطـ.ـلق وابل من السباب، تسبه بأفظع الكلمـ.ـا.ت وها قد عادت من جديد لتسترد بعضًا من سلاطة لسانها، وما زاد غضبه تلك الكلمـ.ـا.ت المخجلة التي رددتها، بأنه السبب فيما هي فيه الآن .
بعد وقت خرجت الممرضة بوجه بشوش، وهي تحمل الرضيع لخضوعه لبعض الفحوصات للاطمئنان عليه، فركض يحيى يحمله منها وهو يردد البسملة، وهتف بقلق :- خير طمنيني على مرتي .
ابتسمت له بود قائلة :- الحمد لله كويسة بس هناخد الولد نعمله فحوصات زيادة نطمن عليه .
صوب أنظاره نحو الرضيع الذي يقبع بين يديه، ومال على أذنه يردد له الشهادة والغبطة تغمره، أتى والده ووالدته والجميع يلتفون نحوه يقدمون له التهنئة، ما إن وجد صغيرته جلس قبالتها بالصغير قائلًا بحب :- تعالي شوفي أخوكِ يا چنا .
تطلعت نحوه بانبهار قائلة بفرح :- دة أخوي ؟ حلو قوي يا أبوي هو اسمه إيه ؟
نظر لها بحنو قائلًا :- إيه رأيك تسميه أنتِ .
تهلل وجهها بسرور، ثم أومأت بنعم وراحت تفكر في اسم تطلقه على شقيقها، لتردد فجأة وبراءة :- هسميه كريم زي اسم كريم اللي بيروح وياي الكتاب .
ضيق عينيه بغيظ قائلًا :- كريم اللي بيروح وياكِ الكتاب ! ماشي نسميه كريم ونشوف حكايته ايه دي بعدين .
لملمت خصلاتها قائلة :- دة حلو قوي يا أبوي وبيحفظني السورة لما معرفش أقول .
رفع حاجبه بــــاستنكار، فيبدو أنه فاته الكثير وعليه بالتدخل، ليردد بغضب مكبوت :- ماشي يا ست چنا، نبقى نتحدت لحالنا بعدين .
بعد وقت دلف الجميع للاطمئنان عليها، ليغطي الليل المكان بجناحيه وها هو يجلس إلى جوار زوجته ليطمئن عليها بدوره، قبل رأسها بعمق وهو يزفر براحة، فسلامتها كانت أهم شيء بالنسبة له، فدوي صراخها كان يجلده دون شفقة، ابتسمت له قائلة بوهن وهي تشير لصغيرها :- شوفت الواد يا يحيى ؟
هز رأسه بموافقة قائلًا :- أيوة يا أم كريم حمدًا لله على سلامتك .
ضحكت بضعف قائلة :- وه هتسميه كريم ؟
أردف بضحك :- دة مش أنا المفعوصة چنا قالتلي عليه . بقلم زكية محمد
أردفت بدون وعي :- أيوة على اسم كريم اللي وياها في الكتاب .
رفع حاجبه بــــاستهجان وردد بتهكم :- وه حتى أنتِ خابرة بالموضوع دة وأنا آخر من يعلم .
تطلعت له وهي تسب نفسها بداخلها قائلة :- دة زميلها بيحفظها القرآن .
ضيق عينيه قائلًا بريبة :- ويطلع قد إيه الواد دة ها، وتعرفه من ميتا ؟ على آخر الزمن حتة شبر تاخدني على قفاي .
أردفت مسرعة :- لاه متقولش إكدة، أنا خابرة كل حاچة أمانة عليك ما تزعقلها البت لساتها صغيرة، ومتفهمش لما تكبر هبابة أنا اللي هوعيها متخافش دي بتي الأولانية وأول فرحتي .
طالعها بتأثر وقام بتقبيل يدها مرددًا بحب :- الحمد لله إنك في حياتي يا شمس، يا أم چنا وكريم ولو إني مغصوب على الاسم بس يلا .
ضحكت بخفة قائلة :- اطمن كل حاچة تحت يدي .
أردف بمشاغبة :- اه يا واد يا خطر أنت .
جعدت أنفها بضيق قائلة :- أنا واد ؟ أمشي يا يحيى سديت نفسي .
تعالت ضحكاته عليها ليميل فجأة نحوها، ويرتشف بعضًا من رحيقه المسكر ليردد بعدها بخبث :- مين دة اللي واد دة أنتِ بطل .
أردفت بصدمة وخجل :- إيه اللي أنت عملته دة يا قليل الحيا، أفرض حد چه ؟
ردد بمبالاة وهو يضجع على المقعد ويضع قدم فوق أختها :- وايه يعني اللي ليه حاچة عندي ياچي ياخدها .
هزت رأسها بيأس منه ومن أفعاله التي ستزفها لحافة الجنون عما قريب، بينما ظل هو يتأملها بحب هي وطفلها القابع بين أحضانها، وهو يحمد الله على ذلك الدفء العائلي الذي منحه إياه .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
بعد شهر آخر من الآن حان موعد الزفاف المنتظر، كل منهم في ملكوته وعلى حدة، منهم من ينتظر آخر لحظات الانتقام على أحر من الجمر، ومنهم من ينتظر ذاك الزفاف بفارغ الصبر حتى تسكن روحه إلى جوار من الفت، ومنهم من يتملكه الخوف من تلك الزيجة من الأساس، وأخيرًا من يجد أنها فرصة ليعيد تربية تلك المغرورة من جديد .
أسدل الليل ستائره وعم الظلام القرية، وفي منزل العروسين تُدق الطبول وتصدح الأغاني في الارجاء تناغمًا مع زغاريد النسوة العالية، بدأ الأهالي في التوافد لتقديم المبـ.ـاركة، حيث اكتظ المنزل بأكمله فرحين بتلك المناسبة.
تسير بجانبه ببطنها التي على وشك الانفجار في أية لحظة، هتف خالد بتحذير :- بقولك إيه النهاردة فرح أخوي، أوعاكِ تقولي هولد زي كل مرة ويطلع على فشوش . بقلم زكية محمد
قوست شفتيها بضيق قائلة بتذمر :- لاه متخافش مش هولد ربنا يستر المرة دي .
حاوطها بذراعيه قائلًا بغيرة خفية :- طيب يلا تقعدي چاري لحد ما يخلص الفرح، مفهوم ؟
ابتسمت له بغيظ مكبوت ورددت :- حاضر يا خلودة أي أوامر تاني .
أردف بحنق :- خلودة ليه شيفاني عيل ؟ لمي الدور يا وچد .
أردفت بغضب قليل :- أنت من وقت ما حبلت مبقيتش طايقلي كلمة، شايفلك شوفة تاني إياك ؟
نتأت عيناه بذهول وأردف :- مين اللي مش طايق للتاني كلمة، دة أنتِ شوية وهتنفخي نار في وشي.
لوت شـ.ـدقيها بامتعاض قائلة :- إكدة يا خالد ! طيب أنا هروح أقعد ويا أمي وهروح معاها وشوف مين يقعدلك فيها .
وما إن همت لتغادر جذبها من ذراعها برفق وهمس بجانب أذنها :- أنتِ رايحة وين هو أنا قولت إيه من هبابة ؟ ولا حديتي ما بيتسمعش !
رددت بضيق :- ما أنت اللي بتضايقني وبتقول حديت عفش، فين كلامك هخليكِ أسعد واحدة .
رفع حاجبه بــــاستهجان وردد :- هو أنا رابطك في العمود لا سمح الله ولا مانع عنك الزاد ؟ يا بت الناس هشرك خلقاتي منك .
أردفت بحزن :- أنت بطلت تقولي بحبك يا وچد، أنت بطلت تحبني مش إكدة ؟
قبض على كفه بقوة يحاول أن يتماسك قدر المستطاع، حتى لا يهشم رأسها الصلد ذاك، ردد باحتدام مكبوت :- ومين اللي قايل فيكِ شعر من هبابة، خالتك ولا أمك ؟ قدامي بدل ما ارتكب چناية .
سارت معه بتذمر وجلست إلى جواره وهي تحاول أن تلهي نفسها، حيث شعرت بانقباض فجأة أسفل بطنها، لم تشأ أن تقلقه وتكون مثل المرات الماضية، وأنه مجرد ألم عابر سيمر بعد لحظات، دلف العريسان برفقة العروسين اللتان كانتا في أبهى طلة لهما، وجلسوا في أماكنهم المخصصة، يتلقون التهنئة من العائلة والاقارب .
بعد أن سلمت عليهم وبـ.ـاركت لهم، قبضت على يده بقوة فالألم لم يبرحها البتة، بل يزيد شيئًا فشيء بدون رحمة، أردف هو بقلق وهو يتفحصها :- مالك هتعمليها ولا إيه المرة دي صُح ؟
ابتسمت بوهن وهي تكتم آهاتها بصعوبة، وكل ما أمامها الآن أن تخرج من المكان، حتى لا تفسد فرحتهما وبالفعل نجحت في ذلك، وما إن توارت عن أعينهم أردفت بضعف :- إلحقني يا خالد بولد .
أنهت جملتها لتطلق صرخة مدوية، غطت عليها اصوات الموسيقى الصاخبة، بينما أردف خالد بجزع :- أعمل إيه ؟ أعمل إيه ؟ هروح أشيع لأمي .
مسكت يده بوهن قائلة بتقطع :- بلاش يا خالد خليهم يفرحوا وديني أنت المستشفى دلوك .
وبالفعل حملها مسرعًا ليضعها بالسيارة، ومن ثم نحو المشفى على الفور ليركض بها في طرقة المشفى، وهو يصيح بأعلى صوته بأن يغيثوا زوجته، وسرعان ما لبوا النداء وها هي الآن تتوارى خلف باب العمليات تتعالى صرخاتها، التي تقطعه إربًا وهو يدعو الله بأن ينجيها، بعد وقت قضاه يتقلب على جمر فيكويه من كافة الجوانب، خرجت الممرضة بطفل صغير وأعطته له، وأخبرته بأن زوجته بخير وأنها ستسيقظ من اغمائها بسبب جهد وتعب الولادة .
وها هي تحتضن صغيرها وتوزع قبلات شغوفة على كامل وجهه، والآخر يراقبهم بحب ليردف بمكر :- يا بختك يا عم أحمد يا ريتني مُطرحك .
خجلت هي من تلميحه لتردف بتعب :- حلو قوي اسم أحمد يا أبو أحمد .
قبل رأسها بحب قائلًا :- ربنا يبـ.ـاركلي فيكِ أنتِ وأحمد .
ضـ.ـر.ب رأسه بتذكر وردد بصدمة :- يا خبر أنا مقولتش لحد وقافل التلفون، زمانهم قلقانين ربنا يسامحك يا أبو حميد فرحتي بيك نستني حالي .
قال ذلك ثم اتصل بوالده، ليكتشف إنتهاء مراسم الزفاف واصطحب كل عريس عروسه لمنزله الخاص، أتوا على الفور وامطروه بوابل من عبـ.ـارات العتاب، ليشرح لهم الأمر فتقبلوا الاعتذار بصدر رحب، التفوا حولها لرؤية الصغير وتقديم المبـ.ـاركات لها .
***★******★*******★*******★******
في شقته أغلق الباب بعنف وهو يحدجها بنظرات ماكرة تحمل في طياتها وعيد بالانتقام، بينما كادت هي أن تذوب خجلًا من تواجدها بمفردها معه لأول مرة، تقدم نحوها ليتوقف قبالتها قائلًا بنبرة جليدية تحمل السخرية في جنباتها :- واقفة إكدة ليه ؟ البيت بقى بيتك .
شهقت بصوت مسموع فور حمله إياها، توهجت وجنتيها فصارت كالجمر، لم تجرؤ على أن ترفع مقلتيها في خاصته، بينما لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيه، لم تلحظها هي بسبب المطارق التي تضخ بعنف في صدرها، محدثة جلبة صاخبة تكاد تقسم أنه يسمعها، دلف للغرفة ووضعها بإهمال على الفراش، ومن ثم خلع عمامته وألقاها بإهمال، وهو يحاول أن يحارب الشياطين التي تتلاعب بمخيلته، ما سمعه عنها وعن الأمور التي افتعلتها تزداد النيران التي اضرمتها بداخله، وما جعله يقدم على إنهاء انتقامه وأنه لن ينـ.ـد.م، تلك الحقائق كفيلة بأن تجعله يحرقها دون أن يرمش له جفن، تلك الماكرة التي لا تعرف سوى الحقد والتخطيط الشيطاني .
أردف بتهكم :- هتقعدي إكدة كتير ؟
تعالت دقات قلبها حتى كادت أن تتوقف، أصابها الشلل فما عاد بمقدورها التحرك، جلس قبالتها ورفع وجهها نحوه لتنظر أرضًا، بينما ردد هو بخبث ولم يرى سوى وجه مخادع يقبع أمامه :- مبسوطة يا نورا ؟
ابتسمت بحياء وهي تفرك يديها بقوة، ليتابع بمكر :- مش أكتر مني .
أقترب منها إلى حد أتلف أعصابها، فلم تشعر بشيء بعدها وكأنها كالمخدرة من قربه، ولم لا وقلبها دق له بصدق وأحبه هذه المرة دون وجود لأية خطط تحيكها والدتها، بل إنها عارضتها لتحصل عليه وتفوز به وها هي الآن تتنعم بين دفء ذراعيه، لم يلقي عليها عبـ.ـارات الغزل التي كانت تتوق لسماعها لطالما حلمت بذلك كثيرًا، ولكنه عاملها برفق كعاشق هائم بمعشوقته، لتنسدل الليلة عليهم بهناء استعدادًا لصباح ملبد بالغيوم .
أما عند هذان المشاكسان، ما إن دلفا لشقتهم الخاصة زفرت هي بضيق ودلفت للداخل دون أن تعيره أدنى اهتمام وشرعت في تبديل ملابسها، بينما رفع حاجبه بوعيد ومن ثم لحق بها لتصرخ فجأة قائلة بحدة :- مش تخبط يا چدع أنت أومال الباب عملوه ليه، زواقة !
ضيق عينيه بغضب وتقدم نحوها، بخطوات دبت الخوف بقلبها ولكنها أدعت الشجاعة، حتى أشرف عليها بقامته الممشوقة وهتف بفحيح :- سمعيني قولتي إيه تاني ؟
تراجعت للخلف حتى اصطدمت بالجدار، ولعنت نفسها على تبخر شجاعتها أمامه، ليحل الذعر مكانها فهي على وشك البكاء ولكنها تدعي القوة، رددت بتلعثم وبلاهة :- بقول البيت بيتك هو أنت داخل عن حد غريب .
مال على أذنها وهمس بمكر :- طيب زين إنك خابرة إني مداخلش عند حد غريب .
نظرت لعينيه الحالكة قائلة بخوف :- مؤمن أنت أنت هتضـ.ـر.بني ؟
اتسع ثغره بذهول من سؤالها الأخرق كحالها، وردد بعدم تصديق :- أنتِ بتقولي إيه ؟
دمعت عيناها قائلة :- أنا خابرة أنت اتچوزتني ليه، عشان تاخد بتارك على اللي عملته فيك آخر مرة، بس أنت تستاهل أنت اللي بدأت لما ضـ.ـر.بتني بالقلم .
ابتسم بسخرية وردد :- ها وايه تاني يا نچيبة عصرك ؟
أدمعت مقلتيها بحزن قائلة :- أنت أتچوزتني ليه أنا كنت رايدة أكمل علامي وأبقى دكتورة، بس أنت مسكتني من يدي اللي بتوچعني وهددتني عشان أوافق، أنت هديت حلمي اللي عشت كتير عشان أحققه .
طالعها بصدمة من منظورها لفكرة الزواج منها، أردف بحنق :- ومين قالك إني أتچوزتك عشان أخد بتاري منك، ومين قالك إني مش هخليكِ تكملي علامك ؟
راقبته بأعين حمراء وسألته بريبة :- يعني أنت هتخليني أكمل علامي يا مؤمن ؟
أومأ بموافقة قائلًا :- متخافيش أنا مش عفش لدرچة إني أهد حلمك، ولا عفش للدرچة اللي أنتِ متخيلاها.
أغلق عينيه بعنف وذكريات تجربة مريرة تُعاد أمامه ثانية، ولكن هذه المرة الضـ.ـر.بة أشـ.ـد قسوة، لا يعلم متى وأين أصبح غارقًا في بحور هواها، اقتنص أقرب فرصة للفوز بها، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفنه، أنها ترفض الزواج منه وهذا واضح في حديثها، شعر بمن سقط على وجهه من مكان عالي فتهشم إلى فتات، نظر لها بعمق وأردف بهدوء :- لو حاسة إن الچوازة دي مغصوبة عليها يبقى نفضها يا بت الناس، نستنوا بس شهور إكدة عشان حديت الناس واللي أنتِ رايداه هعملهولك .
قال ذلك ثم استدار ليغادر، ليتوقف عند عتبة الباب عنـ.ـد.ما سمع شهقاتها، ليتراجع وينظر لها بــــاستغراب لتصـــدمــه حينما ألقت بذاتها بين ذراعيه، ارتعدت أوصاله لفعلتها ومازال الذهول يسيطر عليه، رددت ببكاء :- أنا مش بكرهك أنت غيرهم واصل، بس ..بس
تابع بتشجيع وهو يحثها على الحديث :- بس إيه أنا سامعك أها .
أردفت بخفوت :- أنت متچوزني عشان تاخد بتارك مني وأنت بتكرهني وعلطول تقعد تذلني بغلطتي اللي عملتها . بقلم زكية محمد
لا يعلم أيصفعها على غبائها، ولا يضمها يبثها حبه بطريقته الخاصة، أهكذا تظنه ؟ تلك البلهاء لو أراد الانتقام لفعلها دون أن يقدم على الزواج منها من الأساس، تنهد براحة ورفع وجهها صوبه قائلًا بحنو :- يعني أنتِ مش مغصوبة ؟
هزت رأسها بنفي قائلة بغرور مصطنع :- لاه أنا محدش يقدر يغصبني على حاچة واصل .
أردف بضحك عابث :- يعني موافقة تكملي معاي ؟
هزت رأسها مجددًا قائلة بخجل :- وه أنت هتخجلني كتير يا مؤمن .
ابتسم لها بحب ومن ثم أخذ بيدها وجلسا، ليوضح لها أنه لن يمنعها من مواصلة حلمها بل سيكون داعمًا لها، وسيوفر لها كل شيء يسهل عقباتها، احتضنته بقوة وهي تصرخ بفرح، ضحك على تلك الطفلة التي وقع في شباكها لتنسج خيوطها حوله بإحكام من الصعب أن يتحرر بسهولة، لأول مرة يرى بريق السعادة يلمع بعينيها، وعاهد نفسه بأن يفعل كل شيء ليرى تلك البهجة التي تشع من مقلتيها، أقترب منها حد الخطر ليقتنص أولى رشفات عسلها المصفى، ليغرق معها في بحور العشق الخاصة بهم .
***********************************
↚
بوقت متأخر من الليل لم يذق فيه طعم النعاس ولا الراحة، يجلس في الشرفة يدخن بشراهة، ومعركة طاحنة تدور بداخله بين عقله الموافق على خطة الانتقام، وبين ضميره الذي ينهره في كل مرة، وكان كلما استيقظ اخمده ولكن هذه المرة غير سابقتها، الأنا الأعلى يقيم محكمة وهو المتهم الأول فيها، يكاد يجن فتارة يشجع نفسه وتارة يعنفها، أراد فقط أن يسد الصفعة ولكن لم يعلم أنها ستؤلمه هو وليست هي، وبعد وقت طويل قضاه في خضم تلك المعارك، التقط هاتفه واتصل بأحدهم ليجيب الآخر على الفور قائلًا بقلق :- طايع بتتصل ليه في وقت زي إكدة ؟
زفر بضيق شـ.ـديد وهو يشعر بجبال الألب تجثو فوق صدره، مانعة إياه من التنفس، هتف بجمود :- حاسس إني هطق، بس لازمًا أنفذ اللي نويت عليه
ردد الطرف الآخر بحذر وتحذير :- لو نفذت اللي قولت عليه يا صاحبي هتنـ.ـد.م هي ملهاش ذنب باللي عمله أخوها، أديها فرصة .
أردف بشرود وهو يحاول الانتصار على ذلك الذي يعاقبه في أعماقه، وكأنه يخبره بعناد بأنه سيفعل ما يريد فلا وجود لسلطتك علي :- ناوي الصبح زي ما قولتلك إني أسافر وأطلقها ترچع لبيت أبوها ويكون شفيت غليلي منها ومن أخوها على اللي عمله في خيتي.
ردد بفزع :- وه هو أنت هتعمل اللي في راسك ؟ وأنا اللي قولت صاحبي عاقل لاه يا طايع هتنـ.ـد.م واعر قوي، تنكر إنك مبتحبهاش ؟
تـ.ـو.تر قليلًا ولكنه أجاب بقوة واهية :- أيوة مبحبهاش يا محمد ولا عمري هحبها .
وعلى مقربة من الشرفة، تضع يديها على ثغرها برعـ.ـب، وهي تسمع لاعترافاته المتتالية، بعد أن استيقظت صدفة وسمعت صوته يأتي من الشرفة، والتي شقت قلبها لنصفين لا تصدق أن تلك الكلمـ.ـا.ت منه هو بالأخص، شعرت بدوار شـ.ـديد فكادت أن تقع لولا أنها سارت للأمام تحاول الوصول للجدار لتستند عليه ودمـ.ـو.عها تسابق بعضها في النزول، تحاول أن تستوعب ما سمعته أهو متزوج منها فقط لأجل ذلك ؟
بعد أن وقفت كالجدار الصلد بوجه والدتها، تحدتها وتحدت الجميع كي يوافقوا عليه، تكون الطعنة الغادرة على يده، أكل ذلك كان كذبًا عبـ.ـارات الحب التي أمطرها إياها من قبل، كانت مجرد ترهات غير مبنية على أساس من الصحة، شعرت بدوامة كبيرة تجتاحها وقلبها قاب قوسين من الموت، لتسقط أرضًا في الحال متمنية أن لا تستيقظ أبدًا .
عنـ.ـد.ما ابتعدت أردف طايع :- بزيادة اللي أنا فيه يا محمد، هتزودها أنت كمان ..
صرخ بصوته كله :- يا بني آدم أخذي الشيطان وفوق، اللي أنت رايد تهببه دة ميصحش واصل اعقل الله يرضى عنك .
قبل أن يجيب عليه سمع صوت ارتطام عنيف، فأغلق معه المكالمة وتوجه للداخل، لتصيبه صعقة عنـ.ـد.ما وجدها متكومة لا حول لها ولا قوة، وسؤال واحد يدور بذهنه ألا وهو، هل سمعت حديثه ؟
حملها بسرعة ووضعها برفق على الفراش، ثم شرع في إفاقتها لتفتح جفنيها بضعف بعد عدة محاولات، وما إن وجدته أمامها صدمته برد فعلها الغير متوقع، إذ انفجرت في بكاء مرير ومسكت يده تهم لتقبلها بتوسل، إلا أنه منعها من فعل ذلك، لتهتف هي بانهيار وتشتت :- أحب على يدك يا طايع متعملش إكدة، أضـ.ـر.بني موتني بس متعملش إكدة أبوي هيروح فيها الله يخليك، والله هعمل اللي أنت رايده بس احب على يدك ما تعمل إكدة .
قالتها برجاء شـ.ـديد وانكسار جلي، تحت نظراته التي يملؤها الذهول وقد علم أنها سمعت بمخططه، فاق على صوتها الوهن :- أنت رايد تسافر سافر بس خليني إهنة وبعد مدة طلقني كيف ما أنت رايد بس دلوك لاه وحياة أغلى حاچة عندك ما تنفذ حديتك .
أوصد جفنيه بغضب أما كان يكفيه ضميره الذي يقـ.ـا.تله بضراوة، لتأتي هي و تكمل عليه خرج صوته بعد صمت دام للحظات قبل أن ينطق بجمود :- اكتمي وسدي خشمك دلوك مناقصش دوشة .
وضعت يدها على ثغرها تكتم صوت شهقاتها والتي تخرج رغمًا عنها، والتي ما كانت سوى حجارة ترجمه بقوة، أما هي نهضت من جواره وهي تشعر بنفور شـ.ـديد ناحيته، فبعد أن جعلها تحلق بسعادة في سماء حبها الوردي، قص لها جناحيها فوقعت على صخرة فهشمتها، تكورت حول نفسها ولم تتوقف مقلتيها عن ذرف الدمـ.ـو.ع، يا لها من غـ.ـبـ.ـية عاشت في وهم كاذب، كلما رنت كلمـ.ـا.ته التي فلقت فؤادها، تحرق روحها شيئًا فشيء محدثة دمارًا شاملًا في جميع أركانها، كم هي غـ.ـبـ.ـية صدقت حديثه الزائف وانجرفت نحو مشاعرها، تستحق كل ذلك فما فعلته ليس بهين، وكأنه تكفير عما ارتكبته فلتتحمل نتيجة خطأها بمفردها .
في اليوم التالي ظل قلبها يدق بعنف، ولم تعرف لمكان الراحة عنوان وهي تخشى أن ينفذ خطته، وها قد حانت اللحظة عنـ.ـد.ما أتوا عائلتها، أخذت تتضرع لخالقها بأن تمر الأمور بسلام، وأن يعود عما ينويه والذي ستكون عواقبه وخيمة، اضطرت إلى أن ترسم ابتسامة باهتة تخفي بها جرحها، وبالفعل نجحت في ذلك وكم شعرت بالارتياح عنـ.ـد.ما لم يقل شيء، انقضت الأمسية بود حتى رحلوا، لتقف قبالته قائلة بروح خاوية على عروشها :- بتشكرك قوي إنك ما قولتش حاچة، أوعدك مش هخليك تحس بوچودي طول ما أنا قاعدة إهنة، لحد ….لحد ما تطلقني كيف ما قولت .
قالت ذلك ثم انصرفت للغرفة المجاورة، لا تعلم أي قوة حلت عليها لتكون بذلك الثبات، وما إن وطئت قدميها الغرفة خلعت رداء الشجاعة وظهر ضعفها، فقد تحاملت على نفسها كثيرًا وقد نفذت طاقتها، جلست خلف الباب تضم ساقيها وأدمعت عيناها، وقلبها ينصب مأتم يتلقى العزاء فيه، والغريب أنه هو الميت .
نظر في إثرها بهدوء مريب، عكس الذي يشعر به بداخله، لم هو من يتألم الآن ويتعذب لرؤيتها هكذا ؟ أليس من المفترض أن يكون سعيدًا لأنه ينتقم، لم شُل لسانه وعجز عن الحديث لقد فشل مخططه، وبـ.ـارادة منه لم يفرض أحد عليه أي تهديد، لم ولم ولم ؟ كاد أن ينفجر رأسه وتوقف قبالة الغرفة التي تتواري خلف جدرانها، ليسمع صوت بكاء مكتوم وشهقات خافتة، لتكون مزيدًا من النيران تكوي جوانبه، كاد أن يدلف ولكنه أبى مطالب عاطفته وسار خلف مطالب عقله، والتي فازت في تلك الجولة .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
مضى شهران وقد تحولت فيهما إلى وردة ذابلة، تم بترها من جزورها لتنال الموت، ازداد البعد وفجوة الجفاء وكيف تميل وقد قضى عليها بكلمـ.ـا.ته التي تعالج فيها إلى الآن دون أن تجد لها اي دواء يجدي، فأي دواء في العالم يمكنه محو الندبات التي استوطنت مدن قلبها ؟
تعاملت معه ببرود وكبرياء فكفى ما تلقته منه، تقوم بكل شيء في المنزل وعنـ.ـد.ما يأتي تختفي في محرابها، وأحيانًا تكون تتحدث مع أبيه الذي تقوم برعايته أيضًا والذي وجدته ونعم الوالد، فكان يخفف قليلًا من ثقل الأيام الطوال التي تمر عليها، تتظاهر بالسعادة أمامه ولكنه يعلم أن هناك أمرًا بينهما، لم يشأ التدخل بينهما فترك الأمور إلى أن تتضح .
وفي إحدى المرات قامت ملك بزيارة منزل أبيها، والتي ملئته بضحكاتها الرنانة ومرحها المعتاد، لم يخفى عليها نفور نورا من شقيقها والتي اضطرت لتجلس معهم في مواصلة لسلسلة من التمثيل المتقن، إلى أن يأذن الله ويبت في أمرها، انتابتها الريبة إنها ليست تلك التي سمعت عن قوتها ودهائها، فهي ترى شخصية هادئة رزينة عكس تلك التي تتناقلها الألسن .
انتهزت ملك الفرصة لتفرد بنورا، وها هي أمامها تسألها بحذر :- مالك يا نورا ؟ في حاچة بيناتكم كفى الله الشر ؟ بقلم زكية محمد
رسمت ابتسامة مرتجفة وقد اهتز كيانها بقوة إثر سؤالها ونفت قائلة :- مفيش حاچة يا ملك هيكون في إيه يعني ؟
ضيقت عينيها بشك قائلة :- متوكدة ؟ أنا مقصديش أتدخل بيناتكم، بس أنتِ مش طبيعية مهما حاولتي، هو طايع عملك حاچة ؟
هزت رأسها بنفي كاذب قائلة بمرار :- هو في حد كيف طايع بردو !
أردفت بتأكيد :- قوليلي عملك إيه حكم دة أخوي وأنا خبراه زين .
لم تستطيع كبح دمـ.ـو.عها أكثر من ذلك، فالكبت الذي تعاني منه طيلة الشهرين حان وقته ليخرج، إذ انفجرت باكية بحرقة، فقد فاض بها الكيل وبلغت القلوب الحناجر، بينما ظلت الأخرى تطالعها بذهول، وتساءلت ماذا فعل ليوصلها لتلك الحالة ؟
اقتربت منها وأخذت تواسيها ببعض الكلمـ.ـا.ت، لتهدأ بشكل تدريجي لتقول ملك بمزاح :- وه يا طايع وقعتك مش فايتة، بقى مزعلها كل الزعل دة ! قوليلي عملك إيه بس ؟
تحدثت بشهقات متقطعة، وهي تخبرها عن الويلات التي تعانيها منذ لحظة زواجها إلى الآن، أرادت الحديث مع أي أحد وكانت هي فرصة أمامها لتخبرها بما يثقل كاهلها، وما إن انتهت نظرت لها الأخرى بصدمة جلية، ثم ضـ.ـر.بت على صدرها بفزع قائلة :- وه ! يا مري كاتمة دة كلاته چواتك وساكتة ؟ دة أنتِ ليكِ الچنة وأنا أقول البنية دبلانة إكدة ليه .
أردفت بوجع :- بعد كام شهر تانيين هنطلقوا ويروح كل واحد لحال سبيله .
ذمت شفتيها بضيق منه، وأردفت بروية ودهاء :- معنى حديتك دة إنك عاشقاه يا نورا، وإلا مكانتش حالتك بقت إكدة .
كفكفت عبراتها بألم قائلة :- وهيفرق إيه يا ملك، أخوكِ دبحني يمكن الدبح يكون أهون من إكدة، كنت غـ.ـبـ.ـية وحمارة قوي إني صدقته .
شعرت بها فقد مرت بتلك التجربة، ولكن الفرق أنها لم تحبه البتة بل كان مجرد تحدٍ أمام صديقاتها، ولم تتألم لأجله وإنما من أبيها وشقيقها، أما تلك غارقة في عشقه حد النخاع، لم تتوقع منه ذلك لطالما كان المثل الذي يضـ.ـر.ب به في العقل والرزانة، ولكن الآن ماذا فعل تخلى عن ذلك، أشفقت عليها كثيرًا فرددت بوعيد لشقيقها :- أنا هعرف زين أچبلك حقك منيه، بس أنتِ الاول قوليلي لساتك بتحبيه ؟
رددت بتيه :- مخبراش بس اللي خبراه أنه وچعني قوي، أنا عمري ما أتوچعت من حد قد ما أتوچعت منيه هو، كان آخر واحد أقول إنه يعمل إكدة بس هو أول واحد چرحني، حاربت ناسي عشانه أمي اللي كانت روحها في بقت بتحدتني من تحت ضرسها، استحملت كتير لأچل خاطره بس هو كسر خاطري واعر قوي .
ربتت على ظهرها بحنو قائلة بخبث :- يبقى تطرطقي ودانك معاي زين وتسمعي اللي هقولهولك وتنفذيه بالحرف، ووعد مني هيبان واحد تاني غير اللي قالك الحديت الشين دة، أخوي وخبراه زين مسألتيش روحك إيه اللي خلاه يسكت وما يرميش اليمين عليكِ وقتها ؟
هزت رأسها بنفي لتكمل الأخرى بمكر ودهاء :- اللي عمله ما يدلش غير ع حاچة واحدة بس أنه هو كمان عشقانك بس بيكابر .
جعدت أنفها بضيق قائلة :- بقولك سمعته بودني أنه ما هيحبنيش وهو بس عمل إكدة عشان يرد اللي عمله أخوي راضي .
رددت بنفاذ صبر :- يا بتي مش هتخسري حاچة متبقيش خايبة إكدة أومال، وطالبة منك بعد إكدة توريه النچوم في عز الضهر هبقى أقولك أنا بعدين، ودلوك خلينا في المهم .
قالت ذلك ثم مالت على أذنها، لتهمس لها بخطتها الماكرة، والتي تفاجئت الأخرى ورفضت فعلها خوفًا منه، إلا أن ملك حفذتها وأقنعتها بضرورة فعل ذلك، لأن بفعل هذا فقط سيتبين ما إن كان يقول هذا الكلام من خلف أسوار قلبه أم لا، ولكنها متأكدة تمام التأكيد أنه يحبها، فنظراته الخفية لها أثناء فترة جلوسهم سويًا فضحته، تركتها بعد وقت وأخبرتها بضرورة أن تسرع من تنفيذ الخطة .
وبالفعل بعد ثلاثة أيام انتظرته بالصالة ريثما يعود من عمله، وما إن شعرت بوجوده ارتبكت وارتجف سائر بدنها، ولوهلة قررت التراجع عما تنويه، إلا أنها شجعت ذاتها فبهذه الطريقة ستحسم أمرها معه .
داهمته الدهشة حينما وجدها ماثلة أمامه، فهي تختفي لحظة ولوجه للمنزل، أما الآن فهي الآن تقبع أمامه حمحم بهدوء ورد عليها السلام، وشيء آخر يناديه بداخل أعماقه بأن يركض نحوها، ويأسرها بين ذراعيه ولا يتركها إلا عنـ.ـد.ما تعفو عنه، نفض رأسه يطرد الفكرة هي اختارت البعد ليكن الاختيار كذلك، ما إن هم ليخطو للداخل هتفت بنبرة جـ.ـا.مدة، وبداخلها موسيقى صاخبة إثر ارتعاش كل خلية بجسدها :- رايدة أتحدت وياك في موضوع إكدة .
طالعها بانتباه شـ.ـديد وهتف بهدوء :- خير ؟
جزت على أسنانها بغيظ من بروده، وتأهبت استعدادًا لما هي مقدمة عليه، وأردفت بتلعثم :- أنا… أنا كنت رايدة أعرف ميتا هتطلقني يعني عشان ….عشان …
قطب جبينه بتعجب قائلًا بشك :- عشان إيه ؟
أسبلت أهدابها بخوف قائلة بسرعة :- عشان …عشان في عريس متقدملي من ناحية أمي وهي فهمته ظروفي وهو موافق ومستنيني .
أظلمت عيناه وتحولت فجأة إلى جمرتين مشتعلتين، غلت الدماء بأوردته حتى كادت أن تنفجر عروقه، أخذ صدره يعلو ويهبط بعنف شـ.ـديد، وكلمـ.ـا.تها بنزين تصبه على النيران المندلعة بداخله فتزيد اللهب، سار نحوها بخطوات دبت الجزع بمقلتيها، وأخذت تسب ملك وخطتها والتي يبدو أنها فقط من ستدفع ثمنها، صرخت بفزع حينما جذبها من ذراعها بقوة ألمتها، وردد بهمس خطير :- بتقولي إيه ؟ عيدي اللي قولتيه تاني .
ارتعدت أوصالها وأردفت بصوت مرتجف :- بقولك ميتا هتطلقني ؟ مش دة اللي أنت رايده أديني أها بريحك مني .
ضغط بعنف على ذراعها لتتلوى بوجع، بينما صاح هو بانفعال :- لا رايدك تعيدي اللي قولتيه بعد إكدة، بقى رايدة تطلقي ؟ ومين سبع البرمبة الچردل اللي مستنيكِ دة ؟ نچوم السما أقربلك من إني أهملك وتبقي على ذمة راچل تاني، أنتِ كلاتك على بعضك تخصيني سواء عاچبك أو لاه، سامعة ؟
أردفت بدمـ.ـو.ع وهي تضـ.ـر.به بقبضتها بصدره :- بأي حق أنت ناسي كيف سميت بدني، ولا البعيد أعمى ما بيشوفش ؟
ضغط على فكه بكمد قائلًا :- كلمة تاني ولسانك دة مش هتلاقيه، أعدلي نفسك بدل ما أعدلك يا نورا، أنا سايبك المدة اللي فاتت بمزاچي مش عشان أنتِ رايدة إكدة . بقلم زكية محمد
سقطت دمـ.ـو.عها واحدة تلو الأخرى قائلة بوجع :- حـ.ـر.ام عليك يا طايع بزيداك إكدة والله تعبت ومعدتش متحملة تاني، هملني يا واد الناس بالمعروف أنا خابرة أنها غلطتي إني وثقت فيك وحبيتك مكنتش خابرة إنك بتضحك علي، وأنا ذنبي إيه ؟ معملتش حاچة ليك تخليك تعمل فيا إكدة، أرحمني أحب على يدك تعبت والله تعبت .
قالتها ثم انفجرت باكية فما أصعب أن تشعر بقرب من تعشق، وكأنه نار تحرقك تود الابتعاد كي لا تطولك ألسنتها، أخذت تناضل لتفر منه إلا أنه جذبها إليه أكثر وأحكم بقبضتيه حولها، خارت قواها فتوقفت عن الحركة، بينما يعض أنامله نـ.ـد.مًا على ما أوصلها إليه، تبًا لذلك الغرور والكبرياء الذي تملكه منذ أن غادرت مضجعه، رفض فكرة التودد إليها فهي من اختارت وهو لن يتذلل لها، هذا ما فكر فيه ولم يعي بفداحة ما ترتب عليه الأمر، عليه بأن يقر أن ذلك الشهرين بعد أن دلف إلى جناتها وتذوق نعيمها، مروا عليه كالقرن يأوي إلى فراشه ويتقلب على صفيح ساخن، لم يعرف للراحة طريق وكيف يجدها وقد حلت عليه لعنة الشقاء في بعدها ؟
أخذ يربت على ظهرها بحنو، وكلما تذكر كلمـ.ـا.تها تقوم عاصفة هوجاء تكاد تقـ.ـتـ.ـلع عظامه، سيريها جيدًا كيف تتفوه بتلك الكلمـ.ـا.ت الحمقاء، قام بقرصها بقوة من جانبها لتصرخ بألم، وما إن رفعت وجهها نحوه لتوبخه على فعلته أخرسها حينما بلع حروفها بطريقته الخاصة، وبعد لحظات ابتعد عنها ليردد بمكر ووعيد :- دي حاچة بسيطة من اللي هتشوفيها عشان تحرمي تچيبي سيرة راچل تاني على لسانك .
تكاد تجن وهي ترى الغيرة واضحة في كلمـ.ـا.ته وأفعاله، فالمحب غيور ولكنه ليس كذلك، يا لها من حيرة سقطت بداخلها تؤرجحها من هنا وهناك، قرأ ذلك بعينيها إذ رددت بألم انتقل له وخجل لم تستطع السيطرة عليه :- أنت بتعمل إكدة ليه ؟ مش أنت هتطلقني ؟
صك على أسنانه بغيظ وردد :- لو سمعتك بتقولي الكلمة دي تاني، هعلقك في المروحة اللي فوقك دي .
أردفت بحنق :- يا سلام يعني أنا اللي بچيبه من عندي !
زفر بضيق مرددًا :- وبعدهالك عاد !
دفعته بحدة قائلة :- لا بعدين ولا قبلين أنا هروح ألم خلقاتي وأروح دار أبوي، هي إكدة إكدة خربانة .
قالت ذلك ثم توجهت للداخل، بينما ظل هو يتابعها بضيق على إصرارها ذاك، بالداخل كادت أن تطير فرحًا وهي ترى ذلك التغير وستكمل الخطة، كي تحصل على اعترافه كاملًا، مسكت الهاتف واتصلت بها وما إن فتحت المكالمة هتفت هي بسعادة :- ملك أنا عملت اللي قولتيلي عليه، طلع عندك حق .
تعالت ضحكات الأخرى قائلة بغرور مصطنع :- مش قولتلك أنا كلامي ميطلعش غلط واصل، ودلوك نفذي الباقي خلينا نشوف هنعمل ايه .
أومأت لها بموافقة ومن ثم انهت الاتصال، لتبدأ في إعداد حقيبتها وبعد وقت انتهت، وفتحت الباب وهي ترسم على وجهها معالم الأسى، وما إن رآها هو قال بصدمة :- أنتِ رايحة وين بالشنطة دي ؟
قوست شفتيها بحزن قائلة :- راچعة بيت أبوي لحد ما تبعتلي ورقتي .
ردد بجمود :- طيب بالسلامة .
جحظت مقلتاها بذهول من رده، بينما كاد هو أن ينفجر ضاحكًا على شكلها، ولكنه تماسك قدر الإمكان فقد سمعها تهاتف شقيقته، كما علم بتلك الخطة التي وضعتها الماكرة، أما هي كادت أن تخر أرضًا فها هو يتخلى عنها مجددًا، التفت وركضت نحو الباب تفتحه، وقبل أن تخطو وجدت من يكبلها بذراعيه، أخذت تقاومه بضراوة قائلة بصراخ :- بعد عني يا طايع بعد أنا عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي .
أردف بسماجة :- يطلعوا كام على إكدة ؟
رددت بصراخ أكبر :- ملكش صالح ويلا بعد خليني أمشي، مريداش أشوف وشك دة يا بـ.ـارد .
دلف بها للداخل رغمًا عنها، ليردف بروية :- يا بت أهدي بضحك معاكِ هو أنا يعني أقدر اخليكِ تهمليني، يا هبلة أنا سمعتك وأنتِ بتتحدتي ويا الزفتة ملك، بقى بتتفقوا علي .
توقفت عن الحركة ورددت بخفوت :- تقصد إيه ؟
حاوط وجهها بكفيه قائلًا باعتراف :- قصدي إني مقدرش أهملك تبعدي عني لحظة، لو زعلانة أزعلي وأنتِ إهنة چاري قصاد عيني بس متبعديش .
جعدت أنفها بغرابة من حديثه، بينما تابع هو :- الشهرين اللي عدوا يا نورا خلوني أعيد حسباتي، قد إيه كنت غـ.ـبـ.ـي إني عملت إكدة، بس وقتها مكنتش واعي لحاچة غير أني أرد لراضي اللي عمله في أختي .
أردفت بعتاب :- عشان إكدة كنت هتطلقني تاني يوم وتبقى فضيحتي بچلاچل .
ردد بدفاع :- وتفتكري معملتش إكدة ليه ها ؟ صدقيني مهنتيش علي واصل أعمل فيكِ حاچة زي دي، أديني فرصة يا نورا أصلح غلطتي اللي غلطتها في حقك .
أردفت بحزن :- بس أنت وچعتني قوي يا طايع .
التقط كف يدها وقبله بحنو قائلًا بحب وأسف :- معلش حقك علي يا غالية، بزيدانا بعاد زهقت والنوم فر من عيني عشان أنتِ مش چاري يا نورا، مش لحالك اللي بتتوچعي أنا كمان بتوچع من غيابك رغم إنك قاعدة وياي تحت سقف واحد، في كل مرة بتمشي كأنك نضرتي عفريت كنت بحس بسكين بتقطعني، بزيادة جڤا الله يخليكِ .
دام صمتها فخاف منه، أقترب يقلص المسافات بينهما حتى اختفت، لتذوب شوقًا بين ذراعيه وما كان أمامه سوى أن يتذوق فاكهتها التي حُرمت عليه منذ مدة، ووعد نفسه أنه سيصلح ما كسره ولن يدعها إلا والفرحة مرسومة على وجهها .
*********************************
مرت الأيام بسعادة على الجميع، مع بعض العقبات التي علمتهم كيف يقفون كالبنيان المرصوص .
بعد عشر سنوات في منزل عامر وسالم وعلى الطاولة الكبيرة كان الجميع يجلسون على المائدة في جو أسري افتقدوه لسنوات، كان عامر ينظر لهم بفرحة عارمة و دمـ.ـو.ع عالقة بعينيه وهو يشعر براحة وطمأنينة تسري بداخله لقد تحقق حلمه الذي ظل يحلم به لسنوات طويلة وها هم أمامه يجلسون بحب وود ولا مكان للكره أو العداء، لقد انتهي ذلك الكابوس الذي أرق مضجعه .
تمتم بخفوت :- الحمد لله .
هتفت ملك بحدة :- هاتي ورك الفرخة اللي قدامك دة يا وچد . بقلم زكية محمد
أومأت لها بطاعة وأعطتها ما طلبت بينما هتف مؤمن بغيظ :- و باتخدي اللي قدامها ليه ما أهة قدامك ؟
انفجرت فيه قائلة بتذمر :- أيوة انت ما بقتش تطيقلي كلمة إلحقي ولدك يا عمتي مش رايدني أتغذى عشان اللي في بطني يرضيكي خديلي حقي منيه .
ضحكت بخفوت :- خليها تاكل براحتها يا مؤمن .
قبلتها في وجنتها قائلة :- تسلمي يا عمتي .
مال على أذنها بمكر ثعلب قائلًا :- ماشي وريني كيف هتتحامي فيها لما نكون لحالنا .
ازدردت ريقها بتـ.ـو.تر، وتظاهرت بعدم سماعها لكلمـ.ـا.ته، بينما أخذ يطالعها بضحك مكبوت على منظرها .
وعلى الجانب الآخر كانت تحاول أن تأكل ولكن هيهات فبكاء صغيرها يحول بين ذلك، نهضت به للخارج وهي تهدهده كي يكف عن البكاء، أردفت أمينة بغيظ :- قوم شيل الواد منيها هبابة يا خالد، خليها تاكلها لقمة ياكش بس يكون عاچبك العيل في قفا أخوه أرحم نفسك .
حك مؤخرة رأسه بحرج، ونهض قائلًا :- وه يا أما يعني حد يقول لنعمة ربنا لاه .
صاحت بغضب :- ونعم بالله، بس مش إكدة طيب أقطع دراعي إنها حِبْلى .
عض على شفتيه بغيظ من حديثها وردد بسخط :- وه يا أما مستلماني ليه النهاردة ؟ هو حد مسلطك علي النهاردة .
قال ذلك ثم توجه للخارج بينما تعالت ضحكاتهم على مناوشتهما، هتف عامر بعتاب :- خفي ع الواد يا أم يحيى .
برمت شفتيها بحنق ورددت :- الحق عليا يعني دي البنية صعبانة علي والله دول أربعة يا حچ .
ردد بابتسامة :- ما شاء الله ربنا يبـ.ـارك فيهم يا حچة ونعيش ونربي وياهم .
تمتمت بدعاء :- يارب .
بالخارج وقفت بتذمر وهي تحاول أن تجعله يهدأ، فهو بالذات يعد اصعبهم في التربية، هتفت برجاء :- بس الله يخليك معادش فيا حيل والله .
قبل أعلى رأسها بحب ومن ثم حمل الصغير قائلًا :- هاتيه أنا هشيله وأنتِ روحي كُلي .
أردفت بتعب واضح وهي تقاوم النعاس :- أنا مش چعانة يا خالد أنا چعانة نعس وبس .
طالعها بشفقة عليها وردد بحنو :- طيب روحي أنعسيلك هبابة ومتخافيش على الباشا دة، أنا هراعيله وكمان أمي وياي .
وكأنها في ماء وأحد قام بانتشالها، إذ توجهت إلى الداخل لتستقل قطار النوم، الذي حرمه منها صغيرها.
بعد انتهاء الطعام توجهت برفقة صغارها، والذين يبدوان أنهما تعاركا سويًا، هتفت بغضب مكتوم :- ها مين اللي غلطان فيكم المرة دي ؟
تحدثا في نفس الوقت وهما يشيران لبعضهما :- هي/ هو اللي ضـ.ـر.بني/ ضـ.ـر.بتني .
جزت على أسنانها بعنف قائلة :- عاوزة أعرف إيه اللي حصل ؟
تحدثت جنا بل بضيق فهي على الرغم أنها تكبره بأعوام إلا أنهما دومًا يتشاجران، ولا يتفقان على شيء ودائمًا ما يفتنوا على بعضهما، كي ينال كلا منهم عقابه وسط تشفي الطرف الآخر :- كريم ضـ.ـر.بني يا أما وكمان قطع الكراسة بتاعتي .
ضيقت عينيها وهي تتطلع إليه ليردف هو بسرعة يدافع عن نفسه :- هي اللي كسرتلي اللعبة بتاعتي الأول، وكمان بشوفها بتقابل اللي اسمه كريم دة وهي معاودة من المدرسة .
فور أن صرح بهذا النبأ تأهبت للانقضاض عليه، لولا شمس التي هتفت بصرامة لكليهما :- كريم أعتذر لأختك مية مرة وأنا بقولك دي أكبر منك وواچب تحترمها .
قطب حاجبيه بضيق، ومن ثم اضطر للانصياع لطلب والدته ومن ثم غادر بسرعة للخارج، أما هي قبلت وجنة والدتها قائلة بحب :- أنا بحبك قوي يا أما دايما بتچبيلي حقي، هروح اذاكر بقى .
وقبل أن ترحل جذبتها من تلابيب ملابسها قائلة بوعيد :- تعالي إهنة يا هانم وقوليلي إيه حكاية سي كريم دة كمان ؟ تعالي يا أختي قدامي .
قالتها وهي تتوجه بها إلى إحدى الغرف، لتتابع أخبـ.ـار ابنتها في تلك المرحلة الحرجة حتى تمر بسلام، بينما كانت هناك أعين تتابعهم وهي ممتنة للغاية لما تفعله زوجته تجاه ابنته، التي تشعره يوميًا أنها ابنتها التي ولدتها، وبعد انتهاء الجلسة كانت تسير في الطرقة لترى ابنها الآخر، إلا أنها وجدت من يجذبها والذي علمته على الفور، هتف بحب وهو يحاوطها بذراعيه :- ها أخبـ.ـار الچلسة إيه ؟
رددت بحب وهي تتشرب من ملامحه :- كله زين وتحت السيطرة متخافش، بس قريب هتحچزني في مستشفى المچانين بسبب عيالك .
ضحك بخفة وردد :- ألف بعد الشر عنك يا مهچة يحيى، وأنا أعمل إيه من غيرك عاد ؟ دة أنتِ إدماني يا بت عمي .
أردفت بخجل :- وه لساتك هتقولي حديت حلو ؟
أقترب بمكر قائلًا قبل أن ينهل من عسلها المصفى :- ومش هبطل واصل طول ما النفس بيطلع ويدخل .
ابتعدت عنه بإحراج قائلة بهروب :- هروح أشوف ييسف تلاقيه قاعد ويا بت راضي .
ركضت بسرعة لتتعالى ضحكاته عليها، وهو يدعو الله أن يديم تلك النعمة التي منحها إياه .
بعد وقت أتت نورا وزوجها مع طفليها وطفلتها الرضيعة التي تحملها، لتكتمل صورة العائلة في ود بينهما، بعد أن نزغ الشيطان من صدورهم، فسبحان مقلب القلوب .
النهاية
لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك 👇