رواية وادي النسيان هي رواية رومانسية تقع احداثها بين خالد وجورية والرواية من تأليف شاهندة في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية وادي النسيان لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية وادي النسيان هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية وادي النسيان تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة
رواية وادي النسيان من الفصل الاول للاخير بقلم شاهندة
من أنتى أيتها الجميلة الرقيقة الخجولة الشقية؟
تبلبلين عقلى وتشغلين قلبى وأحلامى الوردية
لم أعد أنا كما كنت، جبـ.ـارا قويا
ولم أعد وحيدا، حزينا، أو قلبا شقيا
أنتظر الليل فقط كي تأتينى وتأتى معك بسعادتى الأبدية.
كانت تجرى في هذا الوادى العشبي الجميل، تنطلق ضحكاتها الصاخبة التي تطرب قلبه وتزيد من دقاته ليبتسم رغما عنه وهو يحاول اللحاق بها، لتلتفت بجانب وجهها يكاد يراها لأول مرة منذ أن بدأت تطارده وتشغل عقله وقلبه وأفكاره، ولكنها عادت تنظر إلى الأمام، تزيد من غموضها وتنطلق ضحكاتها المشاغبة، يتمايل شعرها البني اللون و المتهادى على أكتافها مع الهواء، ليخـ.ـطـ.ـف سحره لبه، يتوه في ذلك الشعر الحريري المسترسل، يتمنى فقط لو إستطاع أن يلمسه ويمرر أصابعه في خصلاته، يتمنى فقط لو كفت عن الهرب منه ونظرت إليه ليرى ملامحها التي يثق بأنها رائعة تماما كضحكاتها، فقط لو رآها وأثلج قلبه المشتاق لرؤيتها، فقط لو إستطاع اللحاق بها، ولكنه دوما ورغم ركضه بأقصى سرعته وأنفاسه اللاهثة، ورغم كل شئ يبذله، تستطيع هي بكل سهولة ان تسبقه دائما، فلم يستطع ولو لمرة واحدة اللحاق بها أو إيقافها، كاد أن ييأس، لتتوقف فجأة وتبدأ بالإستدارة ليتجمد مكانه وتتسارع دقات قلبه وهو ينتظر الكشف عن ملامحها...
فجأة تلاشى كل شئ ليفتح عينيه على يد رقيقة تهز كتفه، نظر إلى صاحبتها التي مالت عليه تنادى بإسمه هامسة، لثوان أحس بالضيق منها فقد كان قاب قوسين أو أدنى من الكشف عن تلك الغامضة الرائعة التي تغزو أحلامه دوما وتقلق منامه وأفكاره، ولكن إيقاظها له أضاع كل شئ، لتنفرج أساريره قليلا وهو يلاحظ قلق تلك الجميلة عليه، والذي ظهر على ملامحها الرقيقة الشفافة، وهو إن كان قاسى القلب، صلد بـ.ـارد مع الجميع، فأمامها هي بالذات لا يستطيع أن يفعل شيئا سوى أن يكون هذا الأخ الحنون الذي لطالما كانه لها وسيكون دائما، فهي ليلته الجميلة الرقيقة التي تـ.ـو.في والدها وهي مازالت بعد صغيرة، ثم تـ.ـو.فيت والدتها بعدها ليكون لها ولأختهم لين الأب والأم والأخ، ربما يميل قليلا لليلته، لأنه يشعر بضعفها ورقتها وطبيعتها الحساسة الهشة، بينما لين تملك شخصية قوية لا تحتاج إليه البتة، ولكنه ورغم قربه من لين بالماضى مع إستقلاليتها تلك، إلا أنها في الوقت الحاضر، ومنذ طـ.ـلا.قها لم تعد أبدا كما كانت، إنغلقت على نفسها وأقامت بينهما الحواجز والسدود، و التي أقسم على إزالتها، فقط يحتاج لبعض الصبر والوقت واللذان في الوقت الحالى لا يملك أيا منهما، ولكنه يضعها تحت ناظريه حتى يجد الوقت المناسب لإخراجها من تلك الحالة الغريبة التي إعترتها وتقوقعها حول نفسها، لتنغمس في العمل نهارا والحفلات ليلا، تماما كزوجته شاهيناز، لقد أصبحت تقريبا نسخة طبق الأصل منها،.
أفاق من أفكاره على صوت ليلة القلق وهي تهمس بإسمه قائلة:
خالد.
نظر إليها لتستطرد قائلة في قلق:
إيه بس اللي منيمك في أوضة المكتب؟إنت إتشاكلت مع شاهيناز تانى؟
هز رأسه نفيا قائلا:
لأ، متخانقناش، أنا بس كنت براجع شوية أوراق والظاهر نمت من غير ما أحس.
إبتسمت قائلة:
ربنا يعينك ياحبيبى، طب قوم يلا كمل نوم في أوضتك، وإرتاح حبة.
فرك بأصابعه ذلك الجسر بين عينيه ثم نهض وهو يتمطى بكسل قائلا:.
انا فعلا هعمل كدة، تصبحى على خير.
إبتسمت قائلة:
تلاقي الخير.
توجه إلى الباب ولكنه لم يلبث أن توقف وهو يلتفت إلى ليلة ينظر إليها وهي تجلس مكانه وتفتح كتابا بيدها، ليقول بإبتسامة:
رومانسى برده؟
رفعت بيدها الكتاب وهي تبتسم قائلة:
إنت عارفنى، مقدرش يومى يمر من غير ما أقرا رواية رومانسية.
قال بمزاح ساخر:
يا بـ.ـنتي فكك من الهبل ده، كلام الروايات ده مش حقيقى، واللي بيكتبوه ناس فاضية عندهم إحباط عاطفى.
قالت في غـ.ـيظ:.
ملكش دعوة بالروايات، واللي بيكتبوا الروايات.
لتشير إلى نفسها قائلة:
واللي بيقروا الروايات، خليك إنت في عالم البيزنس بتاعك، وخلينا إحنا جوة العالم بتاعنا، ماشي.
إبتسم قائلا:
ماشي يا ستي، سلام يا دكتورة.
إبتسمت ليلة قائلة:
سلام ياسيدى.
ليغادر خالد بهدء تتبعه ليلة بعينيها، قبل أن تعود لروايتها، تجرى عيناها على سطورها، تعيش بين جنباتها سعادة لا تعيشها سوى في تلك الروايات، عالمها الخيالي الرائع.
تقدmت جورية بإتجاه مكتب فراس بخطوات رقيقة لتضع على مكتبه فلاشة حمراء وهي تزفر قائلة براحة:
وأخيرا خلصت الرواية، يادوب تلحق تطبعها عشان تنزل بيها المعرض السنة دى.
إبتسم فراس وهو يتناول الفلاشة ويضمها بأصابعه ناظرا إلى جورية وهو يقول:
كنت عارف إنك أدها على فكرة.
جلست على المقعد المواجه لمكتبه وهي تتنهد قائلة:.
والله النهاية تعبتنى أوى يافراس، كتبتها ومسحتها ييجى عشر مرات كدة، بس الحمد لله، خلصتها وراضية أوى بالخاتمة دى.
تفحص ملامحها الشاحبة ليدرك أنها لم تأكل ولم تشرب ولم تنام بل إنغمست كلية في كتابة الخاتمة حتى أنهتها بتلك الصورة التي أرضت خيالها، هكذا هي منذ أن تعرف إليها وأقنعها بالنشر لديه في دار المبدعون للنشر والتوزيع، لديها موهبة رائعة وكاتبة مجتهدة، تبغى الكمال حتى في كتاباتها، لقد رأي منذ اللحظة الأولى موهبتها تلك التي تحتاج فقط إلى من يرعاها ويوجهها توجيها صحيحا، وبالفعل إستطاع هو القيام بذلك، لينشر لها أول رواية بعنوان(أحببتك وإنتهى الأمر)، لتحصد نجاحا كبيرا، لتليها روايتها الرائعة والتي أحبها هو بشكل خاص بعنوان(أنفاس حياة)والتي حققت بدورها نجاحا منقطع النظير، وحصلت على أعلى نسبة مبيعات في تاريخ الدار، حقا إنها فتاة رائعة تلك الجورية، فرغم رقة ملامحها، إلا أنها تحمل شخصية هي مزيج رائع من الرومانسية والرقة والعقل والقوة، ولولا أنه يعلم منذ البداية بماضيها والذي لا يدع له أي مجال للدلوف إلى قلبها لكان أحبها على الفور ولكنه أعدها بمثابة أخته منذ أن أخبرته بقصتها، وعاملها على هذا الأساس.
أفاق من أفكاره على حمحمة رقيقة من جورية وهي تقول:
إحم، فراس، سرحان في إيه؟
إبتسم قائلا:
مفيش ياجورى، قوليلى بقى لسة مصممة يكون بطل غلافك بنفس الملامح؟
ظهرت لمحة من الحـ.ـز.ن مرت عبر عينيها وإلتقطها فراس، ليلوم نفسه بشـ.ـدة على سؤالها، ولكنها مالبثت أن قالت بهدوء يخالف ذلك الألــم القابع في عمق عينيها:
أنا سلمت الغلاف للمطبعة وهم هيعدلوه، والرواية عندك أهي، مكنش فاضل غير الخاتمة، إقراها وإبقى قوللى رأيك؟
أومأ برأسه لتنهض قائلة:
أنا هقوم أمشى بقى عشان ألحق أكلم جدى عزيز، لإنه وحشنى جدا، بقالى يومين مكلمتوش بسبب الرواية دى وأكيد زعلان منى.
قال فراس:
هتروحيله؟
لعن فراس لسانه الزالف والذي يتسبب بإيلامها دون قصد منه فقد ظهر الحـ.ـز.ن على وجهها على الفور فور نطقه لسؤاله، ليظهر في صوتها الذي تهدج ألــما وهي تقول:
إنت عارف إنى مبروحش هناك من ساعة...
وصمتت ولكنه أدرك ما عجزت عن النطق به، ليحاول أن يغير ذلك الموضوع الشائك، وهو يقول:
طيب أول ما ييجى عـ.ـر.فينى، عشان حابب أشوفه وأسلم عليه لإنه وحشنى أنا كمان.
إبتسمت إبتسامة باهتة لم تصل إلى عينيها وهي تقول:
اكيد هقولك، سلام.
لتلتفت مغادرة ولكنه إستوقفها قائلا:
مقلتليش، في الخاتمة، مين كان المعجب الغامض بحنان؟
شعت عيونها فجأة بالحياة، فالقصص والروايات هما الشيئان الوحيدان اللذان يشعلان روحها بعد ان ظنت بأنها أصبحت روح باهتة لا حياة فيها، لتبتسم قائلة:
مفاجأة.
ليبتسم بدوره وتغادر هي بهدوء، ليفتح قبضة يده وينظر إلى الفلاشة بعيون مبتسمة، ثم يضعها على الفور باللاب توب خاصته، ليفتح الملف والمكتوب عليه الخاتمة، تجرى عيناه على سطورها، لتتسع مع مرورها على الكلمـ.ـا.ت إنبهارا، وإعجابا.
إستيقظ نبيل على صوت تحطم شـ.ـديد، ليندفع بإتجاه حجرة مؤيد حيث يأتى منها الصوت، ليدلف إلى الحجرة ويرى مؤيد يقف في منتصف الحجرة لاهثا بقوة بينما تحطم كل شئ بالداخل، المرايا والأثاث، لم يعد هناك شيئا سليما بالمرة، ليقترب من صديقه الذي أطرق بوجهه أرضا قائلا بقلق:
مالك يامؤيد؟حصل إيه؟وإيه اللي خلى الأوضة بالشكل ده؟
رفع مؤيد وجهه إلى نبيل لينتاب نبيل الجزع وهو يرى تلك الدmـ.ـو.ع التي غشيت عيون صديقه، والتي لم يراها في عين صديقه حين مـ.ـا.ت والد مؤيد في حادث سيارة أليم، ولم يراها حتى في يوم طـ.ـلا.قه من زوجته السابقة والتي يدرك نبيل أنها كانت حب مؤيد الأول والأخير، عشقه الوحيد، فما السبب الجلل والذي كان ورائها اليوم؟ليقول نبيل وهو يمسك كتفي صديقه بيديه:
فيه إيه ياصاحبى مالك؟طمنى عليك.
إبتعد مؤيد عن محيط ذراعي صديقه وهو يستدير مانحا إياه ظهره قائلا بصوت مختنق:
أنا تعبان يانبيل، تعبان.
ليتنهد مستطردا:
يوم ما طلبت منى الطـ.ـلا.ق كانت صدmتى كبيرة.
أدرك نبيل أن السبب في ألــم صديقه هي زوجته السابقة وعشقه لها، ربما هناك جديد بخصوصها، أفاق من أفكاره على صوت مؤيد وهو يقول:.
مقدرتش أتناقش معاها او أقنعها، وخصوصا إنها قالتلى إن نفسها تخلف وإنى مش قادر أسعدها بطفل يملى عليها حياتها ورغم إن لا أنا ولا هي فينا عيب يمنعنا من الإنجاب، وإن التأخير مش ذنبنا، دى حكمة ربنا وقدرنا، بس كرامتى كراجـ.ـل خليتنى أرفض اعيش مع واحدة غـ.ـصـ.ـب عنها حتى ولو كانت روحى فيها، طلقتها وأنا قلبى بينزف، بيمـ.ـو.ت بالبطئ، ماهو حبها كان النفس اللي بعيش بيه، ساعتها بجد قلبى مـ.ـا.ت، وإفتكرت إنى كرهتها، وعشان كدة سافرت على هنا، كنت بهرب من ذكرياتى معاها اللي كنت بشوفها في شقتنا وفى كل مكان بروحه، كنت بهرب من شبح عشقها الساكن جوايا، واللي حتى في أنفاسي كنت بلاقيه.
كان نبيل صامتا تماما، تاركا لصديقه الفرصة ليعبر عن مكنون قلبه ربما للمرة الأولى، فلم يتحدث مؤيد عن إنفصاله من زوجته قبل ذلك ابدا، فلربما أراحه ذلك من عـ.ـذ.اب يدركه في كل حرف من حروف كلمـ.ـا.ت مؤيد والتي تنطق بحـ.ـز.نه ومرارته، أفاق مجددا من أفكاره على صوت مؤيد وهو يقول:.
تلات سنين بحالهم وأنا هنا في غربتى بعيد عنها، فكرت نفسى قدرت أنساها وأنسى عشقها اللي كان بيجرى في دmى، بطلت أحب القهوة لإنها بتحبها، بطلت أسمع فرانك سيناترا لإنها بتحبه، كل حاجة ميزتها في نظرى بعدت عنها عشان متفكرنيش بيها، بطلت حتى أفتح النت و صفحتى الشخصية عشان مدورش عليها وعلى أخبـ.ـارها، بس غـ.ـصـ.ـب عنى لقيتنى بفتح النت النهاردة وبدور عليها، تعرف لقيت إيه؟
إستدار ليواجه عينا صديقه القلقتين بعينيه المتألــمتين وهو يقول بسـ ـخـــريــة مريرة:
لقيت خبر عنها في الجريدة الوطنية، صورة ليها مع محمود عزمى، المليونير المعروف صاحب أكبر قرية سياحية في مصر، وعنوان تحتها عريض عن قرب سماع خبر سعيد هيفرح كل المقربين من العيلتين، عارف ده معناه إيه؟
أدرك نبيل بالطبع معنى تلك الكلمـ.ـا.ت ولكنه آثر الصمت ومؤيد يقول بمرارة:.
معناه إن الهانم خلاص هتتجوز واحد غيرى، حبت تحقق حلمها بالطفل اللي أنا كمان إتمنيته، بس إتمنيته معاها هي وبس، الهانم خلاص نسيتنى ومبقتش أفرق معاها خلاص، كملت حياتها من بعدى، بس أنا اللي مقدرتش أكمل، وقفت في مكانى عاجز عن إنى أخرج من محراب حبها اللي سـ.ـجـ.ـنت قلبى وحياتى جواه، هي عايشة ومبسوطة وأنا بتقطع كل يوم من سكينة جـ.ـر.حها ونـ.ـز.يف قلبى في بعدها، واللي كانت هي السبب فيه.
ليغمض عينيه لثوان شعر فيهم نبيل أن مؤيد يحاول أن يحتوى ألــمه النابض بعروقه، ليفتح مؤيد عينيه فجأة ليتأكد نبيل من ظنه، يرى قسوة إحتلت عينا صديقه وهو يقول:.
بس وحياة ليالى مدقتش فيها النوم عشان حرمتنى حـ.ـضـ.ـنها، وحياة أيام كنت بتعـ.ـذ.ب فيها كل أما اغمض عينى وأشوف صورتها أو أسمع إسمها، وحياة دقات قلبى اللي كانت بتزحف من الألــم وبتبهت في كل ثانية مرت وهي مش جنبى، لأدفعها التمن غالى، وأخليها تعرف إن مش مؤيد الحسينى اللي تلعب بيه وبمشاعره وتعتبره لعبة في إيديها ممكن تلعب بيها شوية وتكـ.ـسرها وبعدين تدور على لعبة غيرها، لأ، مبقاش أنا إن ما خليتها تركع على رجليها أدامى، تتمنى منى السماح وساعتها بس همسح صورتها من قلبى وإسمها من عقلى وحبها من تكوينى، ساعتها بس هنساها، للأبد.
قال نبيل بقلق:
هتعمل إيه يامؤيد؟
قال مؤيد في صرامة:
هرجع مصر، بكرة الصبح.
كان خالد يلاعب طفلته الصغيرة، يبتسم بحنان على طفوليتها وضحكاتها البريئة العفوية، ليتذكر صاحبة الضحكات التي تماثلها عفوية وسحرا، تلك التي سلبته راحة البال وأصبحت تشغل عقله، يتساءل عن سبب غزوها لأحلامه التي تقض مضجعه ولكنها في الوقت نفسه تمنحه شعورا رائعا بالحياة، أفاق من أفكاره على يد تلك الصغيرة التي قرصته بخفة في وجنته ليقول بحنان:
بتقرصى بابى ليه ياريمو؟
قالت ريم بشقاوة محببة:.
عشان تبطل تسرح وأنا جنبك يا بابى، حتى لو كنت بتفكر في مامى، مش مسموح طول ما إنت معايا، مفهوم؟
إتسعت إبتسامته وهو يقول:
حبيبتى الصغيرة كبرت وبقت بتغير على بابى.
قالت ريم ببراءة:
عشان بحبك لازم أغير عليك، عادل قاللى كدة.
إتسعت عينا خالد بدهشة قائلا:
عادل ده مين ياريم؟
قالت ريم:.
زميلى في المدرسة يابابى، بيحبنى وأنا بحبه، بس هو كان زعلان منى عشان انا مبغيرش عليه من ساندى، وقاللى عشان أكون بحبه لازم اكون بغير عليه.
قال خالد بحنق:
حب إيه وغيرة إيه في سنكم ده، انتى قلتى الكلام ده لمامى ياريم؟
قالت ريم ببراءة:
قلتلها يابابى،
قال خالد:
وقالتلك إيه؟
قالت ريم:
ضحكت هي وطنط ماهى.
قال خالد بحنق هامس:
ضحكت! دى أم بتربى دى؟، حاجة تعلى الضغط.
ليقول بتروى موجها حديثه إلى ريم:.
بصى ياريم، إنتى عندك ٧ سنين، يعنى لسة صغيرة أوى على موضوع الحب ده، عادل زميلك وبس، وإنتى كمان زميلته وبس، لما تبقى أد مامى، هتحبى وتنحبى، ومن هنا ورايح متقعديش مع عادل ده ولا تكلميه أصلا، اقولك، أنا بكرة هنقلك من المدرسة دى خالص.
قالت ريم بحـ.ـز.ن:
ليه بس يابابى؟، سيبنى في مدرستى دى، انا بحبها وبحب المدرسين اللي فيها.
قال خالد بحزم:
معلش ياقلبى، عشان أنا بحب ريمو وخايف عليها، لازم أعمل كدة، إتفقنا؟
اومأت برأسها وهي تطرقه بحـ.ـز.ن، ليقبلها في رأسها قائلا:
تصبحى على خير ياحبيبتى.
همست ريم قائلة:
تلاقي الخير يابابى.
قال خالد:
فين بوسة بابى.
قبلته ريم في وجنته قبل أن تتجه إلى السرير تتضجع عليه ليدثرها خالد برفق ويقبلها في جبهتها ثم يغادر الحجرة مغلقا الباب خلفه، ليتجه إلى حجرته حيث توجد زوجته المستهترة، والتي يدرك أنها في أعماقها تحب طفلتها ولكنها فقط لا تجد الوقت مابين عملها وحفلاتها لرعايتها، لتتركها هكذا، وحيدة، وتقريبا، بلا أم.
↚
لا تسخروا منى وتقولون فتاة خيالها واسع
تريد بطلا كأبطال رواياتها، رومانسي رائع
الكون خال منهم، وليس هناك حقا نجم ساطع
كلا، بل يوجد في هذا الكون نجمي اللامع
فقط سأنتظره أو أبحث عنه، لن أيأس ولن أتراجع.
دلف خالد إلى حجرته ليجد شاهيناز جالسة أمام المرآه تضع بعض الكريمـ.ـا.ت على يديها وقدmيها، إتجه إلى سريره بصمت وخلع عنه تيشيرته ثم إضجع عليه بهدوء، يضع يديه تحت رأسه ناظرا إلى سقف الحجرة لثوان ثم مغمضا عينيه، شعر بها تقترب من السرير، يسمع حفيف ثوبها، لتتمدد بجواره، ثم تمرر أظافرها الطويلة على طول صدره العارى، جز على أسنانه بقوة، فهو اليوم لا رغبة له مطلقا في أن يقترب منها أو حتى يلمسها، ليتساءل في نفسه...
منذ متى كانت لديه تلك الرغبة الجامحة بها؟رغبة العاشق بمعشوقته؟ربما أبدا لم تكن لديه تجاهها، أفاق من شروده على صوتها الهامس بإسمه في إغراء قائلة:
خالد.
فتح عيناه يطالعها، فإقتربت منه تود تقبيله ليشيح بوجهه عنها ثم ينهض فجأة، لتعتدل عاقدة حاجبيها وهي تقول:
مالك ياخالد؟
نظر إليها في حيرة لايدرى بما يجيبها، أيخبرها أنه فقد الرغبة بها منذ زمن طويل؟، ربما منذ أن أدرك أنه تزوجها دون إرادة منه حقا، وأنه كان غرا ساذجا عنـ.ـد.ما ظن أنه ربما أحبها بعد الزواج، وأنه لا بأس بزواج المصلحة هذا، أم يخبرها أن فتاة أحلامه قد شغلت عقله وقلبه ولم تدع فيهما مكانا آخر لغيرها؟، ستظنه حتما مـ.ـجـ.ـنو.ن،.
أم يخبرها أنه ينفر منها لإنه يستشيط منها غـــضــــبا بسبب إهتمامها بعملها وحفلاتها وصديقاتها، وإهمالها إبـ.ـنتها؟لا يدرى حقا ماذا يقول لها، ليفضل أن يخبرها بشعوره الأخير، يهاجم ذاتها الأنانية المستهترة والتي لاتكترث بأحد، ليعقد حاجبيه وهو يقول بحدة:.
لما ريم جتلك وقالتلك على موضوع عادل، ليه محكيتليش؟ وإزاي تضحكى إنتى وماهينار على حاجة زي دى؟، مش المفروض كنتى إتكلمتى معاها وفهمتيها بالراحة إن ده غلط وإنها لسة صغيرة على الكلام ده؟
نهضت شاهيناز وهي تقول بعصبية:
فيه إيه بس ياخالد؟الموضوع ميستاهلش كل الكلام ده، دول أطفال، يعنى كل ده لعب عيال على فكرة.
نظر إليها قائلا ببرود:.
إنتى شايفة الموضوع ميستاهلش، بس أنا شايفه يستاهل، بـ.ـنتك لازم تاخدى بالك منها، هي صحيح عندها ٧ سنين بس اللي هتتربى عليه دلوقتى هو اللي هتكبر عليه، ومفاهيمها دلوقتى بتتكون، يعنى لازم تعرف إيه الصح وإيه الغلط، مفهوم؟
نظرت إليه بحنق، ليردد بصرامة:
مفهوم ياشاهيناز؟
قالت شاهيناز في ضجر:
مفهوم.
تأملها للحظة قبل أن يأخذ تيشيرته ويلتفت مغادرا الحجرة لتستوقفه قائلة:
رايح فين؟
توقف وهو ينظر إليها بجانب وجهه قائلا:.
نازل الجنينة أشم شوية هوا.
ثم أكمل سيره مغادرا الحجرة بهدوء، لتجلس شاهيناز على السرير، زافرة أنفاسها بغـ.ـيظ، قائلة:
الوضع كدة مبقاش مريحنى ياخالد، ولازم أشوف حل قبل ما تضيع منى وتضيع معاك فلوس عيلة نصار، وده مش ممكن يحصل، أبدا.
، بعد مرور عدة أياااام.
كانت ليلة تجلس مع صديقتها لبنى في كافيتريا الجامعة، ينتظران موعد المحاضرة القادmة، حين زفرت ليلة بقوة قائلة:
على فكرة يا لبنى، الرواية اللي قلتيلى عليها معجبتنيش خالص، بصراحة مقتنعتش بشخصية أبطالها، إزاي بس ظابط في المخابرات ويطلع بالشخصية الضعيفة الهشة دى؟
إبتسمت لبنى قائلة:.
كنت عارفة إن ده هيكون رأيك، على فكرة أنا كمان لما قريتها إنبـ.ـارح حسيت نفس الإحساس، وإتصلت بسوسن وبهدلتها، وقلتلها ياتقوللى على رواية كويسة، ياتقطع علاقتها بية نهائى.
ضحكت ليلة برقة قائلة:
بالذمة مش عيب علينا، نبقى إتنين محترمين في آخر سنة في كلية طب ويبقى ده حالنا؟، مجانين روايات.
شاركتها لبنى ضحكاتها وهي تقول:
لأ ومش بس كدة، سايبين أبطال الواقع وغرقانين في حب أبطال الروايات، أهو ده الجنان الرسمى.
إبتسمت ليلة قائلة:
نعمل إيه بس إذا كان أبطال الروايات أحلى كتير من الحقيقة، زي ما بنحلم يكون فارس أحلامنا بالظبط، وسيم، رزين، رومانسى، وبيعشق البطلة من أول نظرة.
قالت لبنى بلهجة ذات مغزى:
ما انتى عندك بطل في الحقيقة كدة، دكتور وليد، وسيم وغنى وبيعشقك من أول مرة شافك فيها.
ظهر الإستنكار على وجه ليلة وهي تقول:.
وليدإيه بس، إنتى بتقارنى وليد بأبطال الروايات؟ لأ طبعا، مفيش مقارنة، وليد بتاع بنات وخفيف كمان، أنا بطل أحلامى غير.
هزت لبنى شفتيها يمنة ويسارا قائلة:
خلينا كدة بـ.ـنتأمر على خلق الله لما هنعنس.
إبتسمت ليلة ولم تعلق، لتقول لبنى:.
المهم، مقلتلكيش بقى، سوسن وكتعويض منها لينا على اللي حصل، قالتلى على إسم كاتبة أقل حاجة تتقال عنها إنها رائعة، وده كلام سوسن طبعا، اللي قريتلها رواياتها كلها (أحببتك وإنتهى الأمر)و(أنفاس حياة)وكانت بتقرالها (أقدار الحب)روايتها الجديدة واللي لسة نازلة السوق إنبـ.ـارح في المعرض.
مطت ليلة شفتيها الجميلتين قائلة:
هي أسماء القصص تشـ.ـد الصراحة، بس مبقاش عندى ثقة في إختيارات سوسن نهائي يا لبنى.
هزت لبنى كتفيها قائلة:
ولا أنا، بس هقولك حاجة ودى بقى انا واثقة منها، سوسن مش ممكن تدفع فلوس في ٣ روايات لكاتبة إلا لو كانت بجد تجنن.
نظرت إليها ليلة قائلة في حماس:
طب وإحنا مستنيين إيه؟قومى بينا؟
عقدت لبنى حاجبيها قائلة:
على فين؟
قالت ليلة:
على المكتبة طبعا نجيب الروايات.
قالت لبنى:
طب والمحاضرة؟
قالت ليلة بلهفة:
إعتبرى إن الدكتور إعتذر، قومى بقى.
لتبتعد بإتجاه سيارتها بخطوات سريعة، لتنهض لبنى تتبعها وهي تقول بإبتسامة:
صاحبتى ومـ.ـجـ.ـنو.نة، زيي بالظبط، هنعمل إيه بس؟
لتتجه بخطوات سريعة إلى حيث سيارة صديقتها، وبداخلها شغف مثلها تماما لرؤية تلك الروايات التي تحكى عنهم صديقتها سوسن، تتمنى أن تكون تلك الروايات حقا، رائعة.
دلفت سها إلى حجرة مكتب لين قائلة بعصبية:
إنتى تشوفيلك حل في مرات أخوكى دى يالين، ياهقدm إستقالتى وحالا.
نهضت لين من على كرسيها وهي تقول:
طب إهدى بس وأقعدى وفهمينى بالراحة، إيه اللي حصل؟
جلست سها وهي تزفر قائلة:.
الهانم يا ستي مفكرانى مديرة مكتبها هي، مش مديرة مكتبك إنتى، وكل شوية تبعتلى أخلصلها شغل، مع إن معاها مروة ومروة شاطرة جدا في شغلها زي ماإنتى عارفة، بس كبرت دmاغى، وكل مـ.ـا.تبعتلى شغل كنت بخلصه.
لتأخذ نفسا عميقا قبل أن تستطرد:.
بعتتلى شغل إنبـ.ـارح وطبعا بسبب ضغط الشغل بتاعنا مقدرتش أخلصه، لقيتها بتكلمنى دلوقتى في التليفون وبتزعق، أنا مسكت أعصابى بالعافـ.ـية، أولا لإنها مرات أخوكى فعملتلك حساب، ثانيا لإنى مش هنزل في حوار لمستوى مش حباه، بس أنا مش شغالة عندها وهي ملهاش حق تكلمنى بالشكل ده أبدا.
جلست لين أمامها وربتت على يدها قائلة:.
معاكى حق وحقك علية أنا، أنا هكلمها ومش هخليها تبعتلك شغل تانى ولا تضايقك، روقى بقى لإنى مش حابة أشوفك بالشكل ده.
تنهدت سها قائلة:
أنا آسفة لو إتعصبت يالين، بس الست دى مستفزة أوى، مغــــرورة كدة وفاكرة الكل شغال عندها، أنا مش عارفة أخوكى بس مستحملها إزاي ولو إنه كتير بيشبهها.
تراجعت لين في مكانها لتستند على ظهر مقعدها قائلة:.
ده اللي بيحاول خالد يظهره للى حواليه، بس خالد من جواه طيب أوى، مش بالبرود ولا القسوة اللي بيتعامل بيها مع الكل، حنيته وطيبته بتظهر بس مع الناس اللي بيحبهم.
قالت سها:
زيك كدة يالين، بتحاولى تظهرى للكل قوية وبـ.ـاردة و self independent woman، مع إنك من جوة أرق من النسمة وأضعف من هالة القوة اللي رسمتيها حواليكى دى.
زفرت لين قائلة:.
يمكن انا كنت كدة زمان، بس دلوقتى بحس إن من جوايا فراغ بـ.ـارد، وقسوة اتغلغلت لقلبى وسكنت فيه، قسوة كان سببها حاجات كتير مريت بيها علمتنى مآمنش لمخلوق ولا أظهر ضعفى أدامه لإنه ساعتها هيبقى سهل عليه أوى يجـ.ـر.حنى، وأنا قلبى مبقاش حمل جـ.ـر.ح جديد.
أدركت سها أن لين تتحدث عن زوجها السابق، فقد ترك بداخلها جـ.ـر.ح جعلها تتحول بنسبة ١٨٠ درجة، تشعر بأن صديقتها ممزقة المشاعر بين عشقه الذي ينبض به قلبها وكرهه لما فعله بها، ولكنها قررت أن تستمر في حياتها رافضة أن تخضع لمشاعرها، بل نحتها كلية من حياتها وإنغمست في العمل نهار والحفلات ليلا، حتى لاتدع لنفسنا فرصة للتفكير بماضيها الأليم.
أفاقت من أفكارها على صوت لين وهي تقول بهدوء:.
مش هتيجى معايا حفلة عيد ميلاد نور النهاردة؟
قالت سها:
انتى عارفة إنى مليش في الحفلات دى يالين، روحى انتى وإبقى سلميلى عليها.
قالت لين برجاء:
طيب وإن قلتلك عشان خاطرى، أنا ببقى لوحدى ومحتاجاكى معايا ياسووو.
نظرت إليها سها وأمام نظرات الرجاء في عينيها لم تجد أمامها حل سوى قبول الدعوة، لتقول بهدوء:
هاجى بس مش هلبس فساتين سواريه، أنا هلبس لبسى العادى، موافقة؟
اومأت لين برأسها في سعادة وهي تقول:.
طبعا موافقة، انتى في أي حاجة بتجننى ياسو.
إبتسمت سها وهي تنظر إلى صديقتها لين والسعادة البادية على وجهها، لتطمئن إلى قرارها بالذهاب معها إلى الحفل رغم نفورها من تلك الحفلات، فيبدو أن صديقتها تشعر بالوحدة وتحتاج إلى من يؤازرها ويؤنس وحدتها، وهي خير كفيل بذلك.
كانت ليلة تتنقل بين أروقة المكتبة، تقرأ عناوين الروايات الرومانسية، وهي تنتظر صديقتها لبنى التي تشترى تلك الروايات اللاتى سمعا عنها، حتى إستقرت عيناها على قصة بعنوان (قلب بلا مرسى)، أعجبها العنوان والغلاف فمدت يدها كي تأخذها، ولكن يدها توقفت في الهواء وهي تستمع إلى صوت صديقتها القلق وهي تنادى بإسمها، إلتفتت إليها تنظر إلى ملامحها المتـ.ـو.ترة وهي تمسك بالروايات في يدها، لتعقد ليلة حاجبيها قائلة في حيرة:.
مالك يا لبنى، فيه إيه؟
رفعت لبنى تلك الروايات التي تمسكها أمام ليلة ليظهر غلافهم جميعا، وتتسع عينا ليلة في صدmة.
، ظلت هكذا لمدة دقيقتين جـ.ـا.مدة السكنات، عاجزة عن إبداء أي رد فعل، قبل أن تقترب من صديقتها تأخذ منها تلك الروايات تتأمل غلافهم في ذهول تام، فعلى غلاف كل منهم قبعت صورة لأخيها كبطل للقصة، مرة كفارس روماني ومرة كضابط في الجيش، أما هذا الأخير فصورة طبق الأصل منه في بذلة سوداء أنيقة، تكاد تقسم أن لديه شبيهتها، ويرتدى عليها ربطة عنق رمادية كتلك التي في الصورة تماما، لترفع عينيها إلى عيني صديقتها القلقتين، تقول في دهشة:.
ده أخويا مش كدة؟
أومأت لبنى برأسها دون أن تنطق بكلمة، لتقف ليلة بجوارها تنظر إلى الأغلفة مستطردة بدهشة:
وإيه اللي خلاه موجود على غلاف كل الروايات دى؟
هزت لبنى رأسها في حيرة قائلة:
مش عارفة، جايز الدار شافت إن أخوكى وجه سينمائى فحطت صوره على رواياتها، وبصراحة أخوكى وسيم أوى ومنور الأغلفة.
لتبتسم مستطردة في مزاح:
أخوكى أصلا بينور في الضلمة ياليلة.
وكزتها ليلة قائلة في حنق:
وده وقت هزار يالبنى؟
لتنظر إلى الروايات قائلة في حيرة:
إزاي بس دار النشر دى عملت كدة من غير مـ.ـا.تستأذنه، إنتى عارفة لو أخويا شاف الأغلفة دى هيعمل إيه؟
قالت لبنى:
عارفة طبعا، هيطربقها على دmاغهم.
لتستطرد في حيرة قائلة:
طيب وهتعملى إيه دلوقتى؟هتقوليله؟
زفرت ليلة قائلة:
مش عارفة بس لازم أقوله، الموضوع مش سهل على فكرة، ده يأثر على شغله طبعا، ولازم يعرف.
قالت لبنى:
ربنا يستر بقى.
تنهدت ليلة وهي تنظر إلى غلاف الرواية والتي يطالعها فيه رسم لأخيها ببذلته السوداء الرائعة، تحمل عيناه نفس نظرته الصارمة، لتقرأ ماكتب تحتها(أقدار الحب، للكاتبة جورية، دار المبدعون للنشر والتوزيع)، لتغمض عينيها قبل أن تفتحهما وقد ظهر فيهما الحزم، لقد إتخذت قرارها، ستخبر أخاها بالأمر، وليكن ما يكون.
قال خالد بعصبية:
قلتلك مليون مرة ياشاهى، قبل ما تاخدى أي قرار لازم ترجعيلى، لكن انتى مبتسمعيش إلا كلام نفسك وبس، مش كدة؟، وآدى النتيجة، هنضطر نلغى العرض بتاعنا ونتحمل شرط الجزاء كمان.
قالت شاهيناز بحدة:
كنت هعمل إيه يعنى ياخالد؟، دبسونى وخلونى أمضى، عارفة إنى مراجعتش العقود كويس بس مكنتش أتوقع يعملوا كدة خالص، هم إتعاملوا بشكل شيك أوى، يخلى أي حد ينخدع فيهم.
قال خالد بصرامة:.
مفيش حاجة في شغلنا إسمها مكنتش أتوقع، فيه إن إمضتك متكونش على ورقة مش مدروسة كويس من المحاميين بتوعنا، إنتى جرالك إيه بس؟اللي أعرفه إنك أذكى من كدة.
قالت شاهيناز في ضجر:
أووف ياخالد، خلاص بقى، مكنش ديل ووقع منى، المرة الجاية هاخد بالى.
قال خالد بحنق:
مفيش مرة تانية خلاص، أنا هسحب توقيعك من على العقود.
إتسعت عينا شاهيناز وهي تقول بصدmة:
إنت بتقول إيه؟، مستحيل تعمل كدة.
قال خالد بصرامة:.
أنا مبقلش حاجة مقدرش اعملها، شوفينى وأنا بنفذ كلامى ياشاهى، أنا مش مستعد كل يوم والتانى أخرجك من مشكلة وأخسر فلوس، ده قرار نهائي، مفهوم؟
كادت شاهيناز أن تتحدث حين قاطعها صوت طرقات على الباب، ثم دلوف ليلة أخت خالد، والذي ما إن رآها حتى إنفرجت أساريره المتجهمة وهو يقول:
إدخلى ياليلة، واقفة عندك ليه؟
نقلت ليلة نظراتها بين شاهيناز الحانقة ملامحها، وبين أخاها خالد لتدرك بوجود خطب ما بينهما، لتقول بقلق:.
هو أنا جيت في وقت مش مناسب؟
قال لها خالد:
لأ طبعا، بتقولى إيه، إنتى تيجى في أي وقت.
إقتربت ليلة من المكتب قائلة:
إزيك ياشاهى؟
جلست شاهى على المقعد تضع قدmا فوق الأخرى قائلة بضيق:
كويسة.
إبتلعت ليلة ريقها بصعوبة، فإستدار خالد حول المكتب وهو يشعر بتـ.ـو.تر ليلة وقلقها البادى على ملامحها ليقترب منها قائلا بحنان:
خير ياحبيبتى، إيه سبب الزيارة الحلوة دى؟
إبتلعت ريقها مجددا وهي تنظر إلى شاهيناز تتمنى خروجها ولكن يبدو من ملامحها أنها تنوى البقاء لتقول ليلة بإرتباك وهي تنظر لأخيها:
الحقيقة، أنا كنت في المكتبة من شوية مع لبنى، بنشترى روايات زي ماإنت عارف.
أومأ برأسه وهو يقول مستحثا إياها على الحديث:
وبعدين؟إحتجتى فلوس؟
هزت رأسها نفيا وهي تقول:
لأ، معايا، بس...
صمتت مجددا لينظر إليها في تساؤل دون أن ينطق بحرف، يتيح لها الفرصة كي تملك زمام شجاعتها فمن الواضح أن هناك خطب ما يقلق راحتها، لترفع هي تلك الكتب بيدها تعرضها أمامه قائلة:
وهناك في المكتبة لقيت دول.
عقد خالد حاجبيه بشـ.ـدة وهو يأخذ منها الكتب، يطالع أغلفتها، فعلى غلاف كل كتاب قبع رسما له، في زي مختلف ربما، ولكنه يظل صورة منه طبق الأصل في الملامح، ليقول بذهول:
إيه دول؟
نهضت شاهيناز تمسك إحدى الكتب منه وتطالع الغلاف عاقدة الحاجبين بينما قالت ليلة:
دول روايات لكاتبة إسمها جورية، الظاهر دار النشر اللي بتنشر ليها شافت صورة ليك على الإنترنت وحست إنك تنفع تكون بطل لرواياتهم.
قال خالد بغـــضــــب:
وإزاي يعملوا كدة من غير ما يستأذنونى، هما إتجننوا، مش عارفين أنا أبقى مين، طيب، أنا هوريهم.
قالها وهو يسحب مفاتيحه وهاتفه ويتجه إلى الباب بخطوات غاضبة بينما قالت ليلة بجزع:.
إستنى ياخالد، رايح فين؟ أنا جاية معاك،
لتسرع خلفه، بينما حذت شاهيناز حذوها، تريد أن ترى من سولت لهم أنفسهم ليأخذوا صورة زوجها ويضعون رسما له على أغلفة تلك الكتب، ألا يدرون من هو خالد نصار؟، حسنا، قريبا جدا، سيعرفون.
↚
هل هذا أنت يافهدى؟ يامن لطوفان عشقك إستسلمت، أم أن هذا هو طيفك، خرج من أحلامى متجسدا، أو توهمت؟ أم هو شبيه لا يمت لك بصلة، ومنه حقا قد نفرت؟
من أنت حقا؟فلتخبرنى، قد حيرتنى الظنون وأتعبتنى، وإن لم تشفى غليلى بإجابة، سأدرك حقا أنى قد جننت.
قال فراس بإبتسامة:
قصتك الأخيرة ورغم ان مبقالهاش يومين معروضة إلا إنها محققة أعلى نسبة مبيعات في تاريخ الدار، ألف مبروك ياجوري.
إبتسمت جورية قائلة بهدوء:
الله يبـ.ـارك فيك، متتصورش فرحتى أد إيه وأنا بسمع منك الكلام الحلو ده.
إتسعت إبتسامته قائلا:
يلا بقى شـ.ـدى حيلك وألفيلنا حاجة جديدة بسرعة، عشان معرض الكتاب اللي جاي.
قالت جورية:.
والله يافراس أنا بفكر آخد بريك وأتصل بجدى يجيلى، أهو نقضى مع بعض يومين حلوين كدة أرتاح فيهم من ضغط الأعصاب اللي مريت بيه الفترة اللي فاتت عشان أخلص الرواية، ويمكن ساعتها أفكر فعلا في كتابة رواية جديدة، أو أأجل وآخد بريك السنة دى ومش مهم المعرض.
إتسعت عينا فراس بإستنكار قائلا:
مش مهم إيه ياجوري؟ده إنتى كاتبة الدار الأولى ولازم يكون ليكى رواية جديدة في المعرض، ده غير رواياتك القديمة طبعا.
كادت أن تقول شيئا ولكن طرق على الباب قاطعها، لتدخل منار سكرتيرة فراس وعلى وجهها يبدو التـ.ـو.تر وهي تقول:
أنا آسفة لمقاطعتكم ياأستاذ فراس بس فيه ناس طالبين يقابلوا حضرتك والآنسة جوري دلوقتى فورا ومن غير تأجيل.
عقد فراس حاجبيه قائلا:
ناس مين دول؟
ليدلف خالد إلى الحجرة بهيبته تتبعه شاهيناز و ليلة، نظر خالد إليهم بصرامة وهو يتأمل وجهيهما قائلا:
خالد، خالد نصار.
إتسعت عينا فراس في دهشة بينما أصاب الذهول قسمـ.ـا.ت جورية لتظهر الصدmة جلية على وجهها، وهي تنهض ببطئ، تتأمل ملامح هذا الرجل الماثل أمامها، بضعف، بشوق، بحنين ظهر في ملامحها، توقن أنها تحلم، ولكن تجاهل خالد التام لها و كلمـ.ـا.ته التالية والموجهة لفراس جعلتها تدرك أنها في كابوس وليس حلم، وهو يقول بغـــضــــب مشيرا إلى تلك الرواية بيده:.
ممكن أعرف إزاي تحطوا صورتى على أغلفة الروايات دى، أنا مش بس هقفلكم الدار، لأ، ده أنا كمان هوديكم في ستين داهية.
ليظهر التحدى على وجه فراس على الفور بينما عجزت جورية عن قول أي شئ تماما، بل دارت بها الدنيا وشعرت بسواد يحيط بها، يسحبها إلى أعماقه لتستسلم له وترحب بأن يضمها بداخله، في صمت.
قالت جليلة بجزع وهي ترى عزيز يمسك بقلبه بعد أن سقط من يده فنجال القهوة ليتحطم بقوة إلى شظايا:
عزيز، مالك، إنت بخير؟
جلس عزيز في مقعده وهو يأخذ نفسا عميقا يهدئ به انفاسه المتسارعة وذلك الألــم في قلبه ثم يقول بضعف:
أنا بخير ياجليلة، شوية ألــم بسيط في قلبى، والحمد لله بقيت كويس.
قالت جليلة في قلق:.
الموضوع ميطمنش، إنت لازم تروح تكشف عند الدكتور وتشوف سبب الألــم ده إيه، ده مش أول مرة يجيلك، وأنا قلقانة عليك، قصدى يعنى، جوري لو عرفت...
قاطعها قائلا بسرعة:
اوعى تقوليلها حاجة، مفهوم ياجليلة؟، جوري فيها اللي مكفيها، ومش حمل تـ.ـو.تر ولا قلق علية.
أومأت جليلة برأسها متفهمة، لتقول بعد ثوان:
هي متكلمتش النهاردة؟
هز عزيز رأسه نفيا قائلا:.
كلمتنى انبـ.ـارح وقالتلى مش هتكلمنى غير بالليل، مشغولة أوى بعرض روايتها الجديدة.
قالت جليلة بفخر:
بعتتلى نسخة منها، منمتش غير لما خلصتها، ما شاء الله عليها، عندها موهبة تجنن وقلم حساس أوى.
شرد عزيز قائلا:
طالعة لجدتها بالظبط، في كل حاجة.
نظرت جليلة إلى ملامح عزيز الشاردة والتي تؤكد أنه هائم تماما داخل ذكرى زوجته الراحلة، لتطرق برأسها في حـ.ـز.ن، فعزيز لن يراها أبدا وذكرى زوجته مازالت حية بداخله، كم هي بائسة حقا، أحبته لسنوات طويلة بعد وفاة أختها، حبا صامتا مغمورا داخل طيات قلبها، وهاهو يجعلها تدرك مرارا وتكرارا أن حبها سيظل للأبد، بلا أمل.
أفاقت من أفكارها على صوته وهو يقول:
إيه رأيك ياجليلة لو نروح لجوري القاهرة ونعملهالها مفاجأة؟
إبتسمت جليلة إبتسامة باهتة، وهي تقول:
مفاجأة حلوة فعلا، بس إنت نسيت إنك وعدت عابد إنك هتجوز بـ.ـنته علا، والفرح الشهر الجاي، يعنى ورانا حاجات كتير عشان نجهزها.
أطرق عزيز برأسه بخيبة أمل قائلا:
فعلا نسيت، بس ده معناه إنى هفضل شهر كمان من غير ماأشوفها.
قالت جليلة تواسيه وقد شعرت بالشفقة عليه، لتقول بحنان:
هون عليك ياعزيز، مش يمكن هي اللي تيجى، ونشوفها كلنا.
رفع عزيز عيون متألــمة إليها، مزقت قلبها حـ.ـز.نا عليه وهو يقول بمرارة:
إنتى عارفة إنها مستحيل هتيجى هنا تانى.
أومأت برأسها في أسى، تدرك أنه محق، فقد كرهت جوري هذا الوادى والذي يذكرها، بحبيبها الذي عشقته بكل جوارحها ليختفى ذات يوم من حياتها للأبد، تاركا إياها في أسوأ حال، لا هي بالحية ولا هي مـ.ـيـ.ـتة لتقرر الرحيل عن هذا المكان الذي تذكرها جنباته بحبيبها الضائع، ليقاطع افكارها دلوف فتحى المسئول عن مزرعة عزيز قائلا بسعادة:
عزيز بيه، عزيز بيه.
نظر إليه عزيز قائلا:
خير يافتحى.
قال فتحى بإبتسامة:
مهرة بتولد ياعزيز بيه.
لمعت عيون عزيز وإنفرجت أساريره وهو ينهض بسرعة متجها إلى الإسطبل يتبعه فتحى، لتتنهد جليلة وهي تتابعهم بعينيها، تدرك مدى عشق عزيز لمهرة، فرسة جورية، تماما كعشقه لزوجته الراحلة وحفيدتهما من بعدها، تتمنى فقط لو عشقها بنصف القوة التي عشق بها كل هؤلاء، ولكن للأسف ليس كل ما يتمناه المرء، يدركه.
أحست جورية بألــم شـ.ـديد في رأسها والضباب حول عقلها ينقشع تدريجيا، تسمع صوت إمرأة تقول بحدة:
على فكرة بقى، دى تمثيلية بايخة أوى منها عشان تتهرب من الوضع اللي هي فيه وصورة جوزى الموجودة على أغلفة رواياتها كلها.
زوجها، هل قالت فعلا أنه زوجها؟هل حقا فهد متزوج من تلك المرأة؟لتستمع إلى صوت فراس وهو يقول بحدة:
من فضلك يامدام، جوري مش بالشكل ده خالص، دى إنسانة محترمة أوى على فكرة ومستحيل تتصرف بالشكل ده.
قالت المرأة بحدة:
طبعا، ما إنت أكيد هتقول كدة، مش انت صاحب دار النشر اللي طابعينلها الرواية وغلافها.
هدر صوته الذي تحفظه عن ظهر قلب، والذي كانت نبراته تشعل دقات قلبها سعادة وعشقا ولكنها الآن نبرات صارمة خالية من الحنان الذي كان يعبق به صوته، صوته القريب منها الآن تلفحها أنفاسه الساخنة وهو يقول:
خلاص ياشاهى، مش وقته خالص الكلام ده، تفوق الآنسة ونبقى ساعتها نتكلم.
فتحت عيونها ببطئ لتطالعها عيناه، واللتان رغم صرامتهما إلا أن هناك قلق دفين رأته في عمق تلك العيون، لترمقه بنظرة طويلة صامتة حيرته، ورغما عنه وجد نفسه ينجذب بقوة لتلك العينين، يغرق فيهما حرفيا، تأسره نظرتهما، يتساءل بحيرة، هل تحمل نظراتها كل تلك المشاعر التي وصلته، هل تحمل حقا شوقا إمتزج بالعتاب؟نفض مشاعره التي تعجب لها وهو يقول ببرود:
حضرتك دلوقتى كويسة؟
ياالله، هل بات يحدثها الآن وكأنها غريبة عنه؟هل يتجاهلها عمدا؟أم هو رجل آخر كلية وليس حبيبها فهد؟ليطول شرودها، ويكرر خالد سؤاله بصوت أكثر حدة قائلا:
حضرتك بقيتى تمام دلوقتى؟
اعتدلت جالسة وهي تومئ برأسها دون كلمة، ليلتفت خالد إلى فراس الواقف بجواره قائلا:
هي خرسا؟
قال فراس بإستنكار:
لأ طبعا.
ليلتفت فراس إلى جورى قائلا بتـ.ـو.تر:
هي يعنى، عشان بس الصدmة...
صمت فراس وهو يراها ترمقه بنظرة محذرة، ليقول مستطردا بعد ان تنحنح:
إحمم، يعنى حضرتك كنت خيال كاتبة وفجأة إتجسدت أدامها طبيعى إنها تتـ.ـو.تر أو يغمى عليها من الصدmة زي ما حصل مع جوري بالظبط.
لينهض خالد قائلا بحدة:
يعنى إنت عايز تفهمنى إن وجود صورى على الغلاف كان خيال من الكاتبة، وحطيته على الغلاف فطلع بقدرة قادر زي صورتى بالظبط.
تـ.ـو.تر فراس وكاد أن يتحدث ليقاطعه صوتها الذي وجدته أخيرا وهي تقول بضعف:.
ده اللي حصل فعلا.
لا يدرى خالد لما دق قلبه بتلك السرعة لسماع نبراتها الرقيقة، يشعر بالألفة تجاه هذا الصوت الملائكي ليلتفت تجاهها ببطئ يتأمل ملامحها بوجه خال من التعبير، ليقول بعد ثوان ببرود:
مين اللي رسم الصور دى؟
أجابته بهدوء ظاهري يحمل اضطرابا بين سكناته:
أنا.
ظهرت الدهشة على ملامحه لثوان ولكنها مالبثت ان إختفت فجأة كما ظهرت فجأة، وهو يقول ببرود:
وانتى مشفتيش لية أي صورة أو لقاء على التلفزيون؟
غشيت عيونها الدmـ.ـو.ع وهي تومئ برأسها في صمت، هي لا تكذب، فهي فعلا لم تفعل ذلك، ولقاءها به كان مختلفا بالمرة، وهذا مادفع الدmـ.ـو.ع لتسقط على وجنتيها بصمت أيضا، ليشعر خالد بغصة في حلقه لمرأى تلك الدmـ.ـو.ع، إنتفضت جورية على صوت تلك المرأة التي تدعى أنه زوجها وهي تقول:
إنت بتصدق الكلام الفارغ ده ياخالد، بتصدق دmـ.ـو.ع التماسيح دى؟
قال فراس بعصبية:
يامدام أنا مسمحلكيش.
قالت شاهيناز بحدة:.
وإنت مين إنت عشان تسمحلى أو متسمحليش؟
هدر خالد بقوة قائلا:
إنزلى إستنينى في العربية ياشاهي.
قالت شاهيناز بحنق:
بس ياخالد...
قاطعها قائلا بصرامة:
قلتلك إنزلى إستنينى تحت.
نظرت إليه بغـــضــــب ثم ألقت نظرات حانقة على الجميع قبل ان تتجه إلى الخارج بخطوات غاضبة، ليلتفت خالد لليلة التي وقفت صامتة طوال الوقت تلعن غبائها الذي تسبب في تلك الفوضى، ليقول بنبرة هادئة:
خليكى معاها ياليلة.
فكرت جورية، هل يحبها لتلك الدرجة؟أيخشى عليها؟تبا، كم يـ.ـؤ.لمها هذا؟لتستمع إلى صوت تلك الليلة الرقيق كالنسمة وهي تقول:
حاضر ياخالد، عن إذنكم.
لأول مرة يلاحظ فراس وجود تلك الفتاة بينهم، إنها صهباء فاتنة، قشـ.ـدية البشرة، هو يعلم أن الصهباوات ناريات الطبع ولكن تلك الفتاة تختلف عنهن كلية، فإلى جانب نعومة صوتها ورقة نبراته، فهناك أيضا تلك الرقة والتي تقبع في عيونها بلا حدود، أرسلتها إلى جورية في نظرة إعتذار تقبلتها تلك الأخيرة بهزة رأس صامتة، لتلتفت ليلة مغادرة الحجرة يتابعها فراس بعينيه يتمنى فقط لو تعرف إليها اكثر ولكن يبدو أنه ونظرا للظروف الراهنة لن يسمح له بذلك، أبدا.
إلتفت ينظر إلى خالد الذي قال بهدوء موجها حديثه إلى جورية:
هفترض دلوقتى حسن النية وان وجودى على أغلفتك من وحي خيالك ورسمك، رغم إنه شئ صعب يتصدق، ورغم إنه يرضى غــــرورى كراجـ.ـل شفتيه إزاي معرفش صورة واحدة و مناسبة لكل أبطالك، بس للأسف، مش هقدر أسمح بالموضوع ده، حتى لو حسن النية موجودة.
قال فراس وهو يعقد حاجبيه قائلا:
قصدك إيه؟
نظر إليه خالد قائلا في تحدى:.
يعنى الأغلفة دى، هتتشال صورتى من عليها بأي شكل من الأشكال وإلا هرفع قضية على الدار وأكيد هكسبها.
إزداد إنعقاد حاجبي فراس قائلا:
بس اللي بتقوله حضرتك مستحيل.
قال خالد بسـ ـخـــريــة:.
مفيش في قاموس خالد نصار كلمة إسمها مستحيل، أنا مش مستعد بـ.ـنتي أو حد من عيلتى يتصدmوا، و بدل مايشوفوا صورى على مجلات المشاهير ورجـ.ـال الأعمال، يشوفونى مهرج على أغلفة روايات رومانسية سخيفة، ياتشيلوا صورتى من الأغلفة، ياهوديكم في ستين داهية، أدامكم فرصة لآخر الأسبوع، وده آخر كلام عندى.
ليلقى نظرة على جورية التي ظهر على ملامحها أعتى ملامح الألــم، كاد أن يتراجع عن كلمـ.ـا.ته، ولكن شئ ما في أعماقه رفض هذا الضعف الذي شعر به يعتريه تجاه تلك المخلوقة، ليقرر وبكل حزم أن يوأد هذا الشعور في مهده، لذلك وبكل برود خرج من الحجرة تتابعه عيناها الحزينتان، ليقول فراس بعد إنصرافه ورؤيته لجورية تقف بضعف:
رايحة على فين ياجوري، خليكى شوية عشان ترتاحى، إنتى لسة تعبانة.
هزت رأسها نافية وهي تقول بحـ.ـز.ن:.
أنا كويسة يافراس، بس محتاجة أكون لوحدى شوية.
قال فراس في شفقة:
بس احنا محتاجين نتكلم في اللي حصل النهاردة.
أغمضت جورية عيناها قبل أن تفتحهما مجددا قائلة:
من فضلك يافراس، خليها وقت تانى، بعد إذنك.
قال فراس بقلق:
طب تحبى أوصلك؟
هزت رأسها نفيا قائلة:
لأ، أنا كويسة متقلقش، سلام.
غادرت الحجرة بخطوات بطيئة تتابعها عينا فراس في شفقة، فهو يدرك كم كانت صدmة اليوم قوية عليها، إنها صدmة لايتحملها أعتى الرجـ.ـال فما بالك بفتاة رقيقة كجورية، حقا كم يشفق عليها.
كانت لين تهز قدmيها تناغما مع تلك الموسيقى التي يصدح صوتها عاليا في ذلك الحفل، لتقول لها سها بملل:
يلا بينا بقى يالين نروح، أنا بجد مليت.
إبتسمت لين قائلة:
نروح فين بس؟دى الحفلة لسة هتبدأ، والسهرة للصبح.
قالت سها بإستنكار:
صبح إيه بس؟لأ طبعا هي نص ساعة كمان ولو مروحتيش معايا، انا هروح لوحدى، دى حفلة مملة أوى، وانا بجد زهقت.
إتسعت إبتسامة لين قائلة:.
مسمعتكيش نور وانتى بتقولى على حفلتها مملة، كانت ندهت للبودى جارد بتوعها وخليتهم يرموكى برة الفيلا.
قالت سها بسـ ـخـــريــة:
تحبى أروح أقولها الكلام ده بنفسى، واهو بالمرة أقولها إنك قلتيلى إنها كانت سمينة أوى في ثانوى وكانوا مسميينها البرميل.
إتسعت عينا لين بصدmة وهي تقول:
بس، يخربيتك، هتفضحينا، هو ده جزاء اللي تدى سرها لعيلة زيك.
قالت سها في حنق:
أنا عيلة يالين، ماشي، طيب أنا ماشية، ومش هتشوفى وشى تانى.
لتمشى سها بالفعل فنادتها لين وهي تضحك قائلة:
تعالى بس يامـ.ـجـ.ـنو.نة، رايحة فين؟أنا كنت بهزر.
لم ترد سها عليها وواصلت سيرها، بينما ضـ.ـر.بت لين كف على كف وهي تقول بإبتسامة:
مـ.ـجـ.ـنو.نة والله، بس بمـ.ـو.ت فيها.
إلتفتت تنوى الإستئذان من صاحبة الحفل ثم المغادرة مع سها، ولكنها مالبثت أن إرتطمت بصدر صلب لرجل يرتدى بذلة أنيقة للغاية، أسندها لثانية ثم تركها وكأنها أفعى لدغته، عبقت رائحته المكان برائحة تبدوا مألوفة لديها، تعشقها وتكرهها في آن واحد، رفعت عينيها ببطئ من صدر هذا الرجل حتى عنقه لتبتلع ريقها بصعوبة تشعر أكثر بأنها تعرف هذا الرجل فمن غيره يمتلك هذا التأثير عليها، يشتت كيانها ويزلزله، ينثره إلى ذرات، وصلت عيناها إلى وجهه ليتوقف الزمان والمكان عند تلك اللحظة، لتتجمد كلية وعيناها تواجهان عيناه، تمتلئ عيناها بصدmة رغما عنها كانت واضحة جلية على محياها كله، بينما عيناه بـ.ـاردتان، تحملان بعض السـ ـخـــريــة في طياتهما، كما يحملها صوته تماما وهو يقول:.
إزيك يالين؟
إبتلعت ريقها بصعوبة فأمامها تماما وقف من تتمنى أن ترتمى بين ذراعيه الآن ومن تتمنى في نفس الوقت أن تقــ,تــله، وقف أمامها من حاولت مرارا وتكرارا أن تنساه، وعنـ.ـد.ما ظنت أنها نجحت في ذلك، ظهر أمامها من جديد، إنه معشوقها ومعـ.ـذ.بها، زوجها السابق، مؤيد.
↚
أضعت تفاصيلي كاملةً،
ومازال قلبي الأعمى فيك نابضاً.
لاتقترب أكثر وتشعل عود ثقابك
أنا نار...
هل رأيت يوما ناراً تُحرَقُ؟
لملم أعاصيرك الهوجاء من حولي
فأنا وإن بدوت صحراء مسالمة
أستطيع إغراقك كلياََ برملي...
لا تركن إلى الخداع مرة أخرى
إحذر صمتي...
لم أعد أنا هي أنا...
فقد خاصمت جميع أطهار ملائكتي
و تعاقدت سراً مع أعتى الشياطينِ.
بقلم، سميرة البهادلي.
كانت سها تتحرك في عصبية وهي تتجه إلى سيارتها، تلعن قرارها الغـ.ـبـ.ـي اليوم بمصاحبة لين إلى هذا الحفل، فهي لا تحب تلك الحفلات بتاتا، تشعرها بالتـ.ـو.تر، تظن بأن العيون كلها تكون مركزة عليها، يستنكرون مـ.ـا.ترتديه دائما من بنطال فضفاض وبلوزة قطنية، ورغم انها تبدو رائعة في هذا الزي إلا انه بالتأكيد لا يتوافق مع حفل كهذا يرتدون فيه الفساتين القصيرة التي تكشف أكثر مما تستر.
تعجبت سها في نفسها كيف اصبحت لين تهوى تلك الحفلات وهي التي كانت تشبهها تماما في النفور منهم، وكيف إرتضت بإرتداء تلك الفساتين، لتهز رأسها يمنة وشمالا وهي تدرك ان تجربتها الأليمة مع مؤيد هي ما حولتها بتلك الصورة، ليهيأ لسها في بعض اللحظات ان تلك الفتاة ليست بصديقتها على الإطـ.ـلا.ق، لتعود وتدحض افكارها وهي تدرك ان بداخل تلك المرأة التي تظهر للجميع قوية مستقلة ولايهمها أي شئ، تقبع تلك الفتاة الخجولة الرقيقة التي لطالما عرفتها سها،.
توقفت تلعن حظها حين إنكـ.ـسر كعب حذائها الأيمن، لتتجمد تماما وهي تسمع صوت يأتى من خلفها يقول بهدوء:
روقى، مش مستاهلة، بتحصل على فكرة.
إلتفتت إليه سها تطالعه بعيون ضاقت على ملامحه، تحاول ان تستشف موقفه، هل يسخر منها ام ان كلمـ.ـا.ته عادية يبغى بها مؤازرتها فحسب؟لتجد ان ملامحه خالية من السـ ـخـــريــة تماما فإطمأن قلبها، وزفرت قائلة بتلقائية:.
آدى اللي بناخده من الحفلات دى، بهدلة وخلاص، همشى إزاي للعربية؟حقيقى مش عارفة.
تأملت عيناه ملامحها بمهل أربكها، و.جـ.ـعل الحمرة تغزو وجنتيها ثم إقترب منها بهدوء، لتشعر بدقات قلبها المتسارعة، تطرق جسدها بعنف، خاصة عنـ.ـد.ما توقف أمامها تماما وهو يمد يده إليها قائلا بهدوء:
هاتى الفردة التانية.
إتسعت عيناها في دهشة قائلة:
أفنـ.ـد.م؟
أعاد كلمـ.ـا.ته أمامها بتروى قائلا:
بقولك هاتى الفردة التانية.
لم تدرى كيف إستجابت لطلبه وخلعت عنها حذائها ثم رفعته تمنحه إياه، وسط هالة تبدو ساحرة النسمـ.ـا.ت، فعينا كل منهما لم تبرح الآخر، كليهما غارق في تلك النظرات، ليقطع هو تلك الهالة السحرية آخذا منها الحذاء ووسط ذهولها قام بكـ.ـسر الكعب الآخر دون أن يغمض له جفن، ليناولها إياه مجددا قائلا بهدوء:
كدة أكيد أحسن.
أخذت الحذاء منه كالمسحورة، ثم إرتدته لتشعر بالراحة فعلا، رفعت عينيها إليه قائلة بإمتنان:.
فعلا، معاك حق، متشكرة أوى.
إكتفى بإبتسامة بسيطة زادته وسامة، لتتيه في ملامحه، لثوان قبل ان تفيق من سحره وهي تتنحنح قائلة:
احمم، عن إذنك.
قال بإبتسامة مازحا:
طب على الأقل قوليلى إسمك، إحنا بينا عشرة عشر دقايق وكعب جزمة مكـ.ـسور.
نظرت إليه تبتسم وهي تقول بمشاكسة:
يمكن مرة تانية، بس دلوقتى، أكيد لأ، سلام.
لتتركه واقفا وتغادر ينظر في إثرها، تتسع إبتسامته، إنها مميزة تلك الفتاة، لا تشبه هؤلاء الموجودات في هذا الحفل البغيض، ولكنها تركته ومضت دون ان تمنحه أي معلومة عنها قد تسهل له الطريق إليها، تماما كسندريلا، ولكنها السندريلا خاصته، لذا سيبحث عنها وسيجدها ووقتها لن تكون لسواه.
ظلت لين صامتة، تنظر إلى مؤيد بصدmة، تتساءل منذ متى جاء إلى مصر فآخر أخبـ.ـاره التي وصلتها هو سفره إلى فرنسا منذ اعوام، هل إزداد وسامة عن الماضى؟، تبا لقد فعل، لتفيق من أفكارها على صوت مؤيد وهو يقول بسـ ـخـــريــة:
إيه يالين؟مش هتقوليلى إزيك؟عيب عليكى، ده إحنا حتى كان بينا عيش وملح وكرواسون.
إستفزتها سخريته لتنفض صدmتها وتنحى مشاعرها الضعيفة تجاهه جانبا وهي ترسم قناعا من البرود على وجهها قائلة:.
عايز إيه يامؤيد؟
هز مؤيد رأسه يمنة ويسارا قائلا:
تؤ تؤ تؤ، يعنى بعد المدة الكبيرة دى كلها متقوليليش حتى إزيك؟
قالت في برود:
وأقولك إزيك ليه ماإنت أدامى أهو، ماشاء الله واضح إنك زي الفل وعايش حياتك بالطول والعرض، ولا إيه؟
إختفت السـ ـخـــريــة من ملامحه لتظهر خالية التعبير تماما ولكن هيئ للين انها رأت لمحة حـ.ـز.ن سريعة عبرت عينيه ولكنها لم تظهر في صوته الخالى تماما من المشاعر وهو يقول:.
إنتى كمان، واضح إنك مبسوطة في حياتك، الظاهر إن فيها حد جديد معيشك الحالة دى.
أدركت لين أن مؤيد يقصد هذا المليونير محمود عزمى، والذي دارت الشائعات مؤخرا عن قصة إرتباط قريب بينهما، إذا هو يتابع أخبـ.ـارها، فليكن، وليظن ما يريد فهي لن تهتم،
أفاقت من أفكارها على صوته يقول وقد عادت إليه سخريته:
مقلتليش، أخبـ.ـار محمود عزمى إيه؟ياترى مبسوطة معاه؟
إبتسمت ببرود قائلة:.
جدا، الصراحة مش عارفة أقولك إيه، إنسان أخلاق وذوق، ورقيق وحنين، حقيقى جنتل مان.
قبض مؤيد على يديه بقوة كي لا يتهور ويصمت تلك التي تتحدث عن غريمه، تعدد صفاته الرائعة، بقبلة تخـ.ـطـ.ـف أنفاسها وتتركها تبحث عن حرف تخرجه من بين تلك الأنفاس، فلا تجد، ولكنه نحى مشاعره جانبا وهو يقول:
وهو فين دلوقتى؟مش معقول يسيبك في حفلة زي دى بالمظهر ده وميكونش موجود.
قالت بغـ.ـيظ:
محمود مسافر، وبعدين ماله مظهرى ها؟
نظر إليها مؤيد ببرود لا يعكس حنقه أبدا من نطقها إسم غريمه بأريحية، ومن هذا الفستان التي ترتديه لين والذي يظهر جسدها القشـ.ـدي الرائع للعيان، لتلتهمها العيون أينما ذهبت، لقد راقبها من اول الحفل وأكثر من مرة كاد أن يقــ,تــل أصحاب تلك العيون التي تعرى جسدها أمامه، ليمنع نفسه في اللحظة الأخيرة، منبها نفسه أنها لم تعد تخصه ولكن تبا كم تؤلمه تلك الغيرة الحارقة عليها، ليدرك وبكل قوة أنه وفى أعماق قلبه مازال يحمل لها مشاعر قوية.
ليقول بسـ ـخـــريــة:
مظهرك، وهو فين المظهر ده؟انا تقريبا شايفك أدامى عريانة، ده حتى قميص النوم كان أرحم من اللي إنتى لابساه ده.
إتسعت عيناها بصدmة قائلة:
إنت بتقول إيه، ها؟إنت أكيد إتجننت؟
مال عليها يقول ببرود:
إتجننت عشان بقولك الحقيقة، على فكرة انا جوايا كلام أسوأ من كدة، بس مش عايز أجـ.ـر.حك أكتر.
ليستطرد مستعيرا كلمـ.ـا.تها وهو يقول:
لإنى بجد جنتل مان.
إلى هنا وكفى، هل يريد ان يجـ.ـر.حها أكثر؟، كيف وجراحه لها كانت قوية بما يكفى؟، حتى أنها مازالت تؤلمها حتى تلك اللحظة، لتقول بعصبية:
عموما إنت ملكش دخل في لبسى ولا حياتى، إحنا إتطلقنا، يعنى كل واحد دلوقتى راح لحاله وكل واحد حر في تصرفاته.
نظر إليها نظرة غامضة وهو يقول:.
صحيح إتطلقنا بس صدقينى، من النهاردة خلاص مش هتكونى على حريتك ولا هتقدرى تقولى أنا حرة، واللي مش عاجبه برة، من النهاردة إنتى خلاص هتدخلى عرين الأسد، ومش هتخرجى منه، وهتبقى الحكاية ياقـ.ـا.تل يامقـ.ـتـ.ـو.ل، ودلوقتى أدامك بالظبط عشر دقايق تكونى سايبة الحفلة وماشية مع صاحبتك اللي مشيت دى وإلا قسما عظما هعملك فـ.ـضـ.ـيحة هنا في المكان ويحصل اللي يحصل.
عقدت حاجبيها قائلة بحدة:
إيه الكلام الفارغ ده.
إبتسم مؤيد قائلا:.
ده مش كلام فارغ، ده كلام مؤيد الحسينى، ياريت متنسيش بس إنى حذرتك، سلام يا، ياقطة.
وإبتعد مغادرا تتبعه عيناها بحنق، كادت ان تتحداه وتنتظر في الحفل ولكنها تعرف مؤيد جيدا لتدرك أنه لا يلقى تهديداته جزافا، لا يفعل ذلك مطلقا، لتقرر الإستسلام مؤقتا لتهديده مع وعد منها برد أفعاله عليه، والإنتقام منه، ولكن بالتأكيد ليس هنا وليس الآن، لتضـ.ـر.ب بقدmها الأرض بغـ.ـيظ قبل ان تغادر بخطوات حانقة تتبعها عينا مؤيد الذي إبتسم لأول مرة منذ زمن، بإرتياح.
دخلت شاهيناز إلى حجرتهما بعصبية، يتبعها خالد الذي قال بحدة ما إن أصبح داخل الحجرة:
ممكن أعرف المدام متعصبة كدة ليه وإزاي تكلمينى أصلا بالأسلوب ده أدام أختى، إنتى أكيد إتجننتى.
إلتفتت إليه شاهيناز قائلة بحنق:.
إتجننت؟أيوة أنا إتجننت، لما جوزى يزعقلى أدام ناس غريبة لازم أتجنن، لما يتساهل مع واحدة إستغلت شهرته عشان مصلحتها الشخصية، يبقى لازم أتجنن، لما لغاية دلوقتى بسمع لومه وعتابه مش إعتذاره يبقى لازم اتجنن.
تأملها خالد ببرود قائلا:
خلصتى؟
نظرت إليه بغـــضــــب قائلة:.
لأ مخلصتش، أنا عايزة أفهم إنت بتعاملنى كدة ليه ها؟عملت فيك إيه؟من يوم ما رجعت من السفر وإنت مش على طبيعتك معايا، مشاعرك بعيدة عنى، وكأن بينا جبال وسدود، مبقتش خالد اللي حبيته وعرضت عليه الجواز وحطيت تحت إيده فلوسى وكل ما أملك، مش إنت خالد أبو بـ.ـنتي ريم، انا عايزة أعرف خالد ده راح فين؟
نظر إليها في برود لا يعكس مشاعره المضطربة وهو يسأل نفسه كل تلك الأسئلة، ماالذى حدث له؟، منذ عاد إلى منزله من جديد وهو يشعر بأنه ليس خالد نصار الذي يعرفه، أصبح داخله فارغا، وكأنه ليس هو، هناك شخصا آخر بعقله وقلبه يرغب بالصراخ عاليا، يطالب بالخروج والتعبير عن نفسه، شخص لا يهوى التجارة ولا الأعمال، بل شخص يهوى التأمل والغوص في الطبيعة، ربما يظهر قاسى القلب بـ.ـارد النبضات ولكن بداخله طفل صغير يحتاج فقط إلى الأمان والإهتمام والحب، شخص لم يجد ما يحتاجه بين جوانب شركته الكبيرة، ولا بين جنبات منزله الواسع متعدد الحجرات ولا بداخل حـ.ـضـ.ـن زوجته، بل وجد راحته داخل أحلامه مع تلك الفتاة التي تثير كيانه وشغفه، تشعره بقوة الحياة، ليعقد حاجبيه وهو يتذكر تلك الكاتبة التي تدعى جورية، إن بها بعض ملامح بطلة أحلامه الغامضة، نفس الشعر ولكن لونه يختلف قليلا، نفس البشرة، الطول، القوام، ربما هذا ماجذبه إليها اليوم وأرسل تلك القشعريرة في جسده، وسارع نبضاته وهو بجوارها، أو ربما هو جسدها الرقيق الذي حمله بسرعة حين أغشي عليها، وما أثاره عطرها الرقيق المميز في حواسه أو ربما هي رقة جسدها الصغير بين يديه، أو هو صوتها الملائكي النبرات والذي جذبه بقوة ليصبح أسيرا له، لا يدرى حقا ماالذى جذبه إليها ولكنه يدرك بالتأكيد أنها تبدو مألوفة لديه بشكل يثير الإضطراب، أفاق من أفكاره على صوت شاهيناز وهي تقول بحدة:.
مـ.ـا.ترد علية، خالد جوزى راح فين؟
نظر إليها قائلا ببرود:.
أنا موجود، لسة زي ماأنا، وقبل ما تبتدى الإسطوانة المشروخة بتاعة كل مرة على إنى بطلت أحبك وإنى أهملتك والكلام الفارغ ده عن إنى مشغول بواحدة تانية فأحب أوفر عليكى كل ده وأقولك إن دى كلها اوهام في دmاغك ملهاش أي أساس من الصحة، حابة تصدقى براحتك، مش حابة إنتى حرة، بس ياريت تبطلى تفكرى في الكلام الفارغ ده وبدل ما تحطينى تحت عنيكى وتاخدى بالك من تصرفاتى، خدى بالك من تصرفاتك إنتى، وحطى بـ.ـنتك تحت عنيكى وإهتمى بيها، لإن إهمالك ليها بدأ يعصبنى، وإهتمامك بشغلك وحفلاتك مبقاش مخليكى فاضية لحد غير نفسك.
كادت ان تعترض وقد ظهر الحنق على ملامحها، ليشير إليها بالصمت وهو يقول بصرامة:
كلمة زيادة وانتى اللي هتنـ.ـد.مى بجد، لإنى بجد مريت بيوم صعب ومش هكون مسئول دلوقتى عن رد فعلى.
صمتت وقد ظهرت عروق جبهتها غـــضــــبا وإزدادت قتامة عيونها الدخانيتين، ليقول بهدوء:
انا داخل الحمام وياريت لما أخرج تكونى فكرتى كويس في الكلام اللي أنا قلته، ده لو حابة بجد نكمل مع بعض عشان خاطر ريم.
ليتجه إلى الحمام ويدلف إليه مغلقا بابه بهدوء، لتزفر شاهيناز بقوة وهي تقول بغـــضــــب:
ريم، ريم، ريم، عارفة إن الحاجة الوحيدة اللي مخلياك مكمل معايا هي ريم، ولولا كدة أنا كنت...
لتصمت وقد جزعت من تلك الكلمـ.ـا.ت التي كادت ان تفلت من بين شفتيها لتواريها داخل صدرها بقوة، وهي تقول بحسرة:.
لو كانت حياتى مشت زي ما انا عايزة، مكنتش هبقى واقفة دلوقتى مذلولة ليك ياخالد يانصار، بس مش شاهيناز حسان اللي تخسر حربها أدام حد، ومش شاهيناز حسان اللي تنذل ومتاخدش بتارها، أصبر علية ياخالد، بس ألاقيه من تانى، وهتشوف أنا ممكن أعمل فيك إيه، صدقنى ساعتها هتتمنى أكمل معاك وانا اللي هرفض، والمفاجاة اللي محضرهالك هتضـ.ـر.بك في مقــ,تــل، أصبر بس وهتشوف.
لتبتسم بشر وقد إلتمعت عيناها وهي ترى هذا اليوم، تتخيله كما لو كان حقيقيا أمامها، من يدرى، ربما كان هذا اليوم قريبا، قريبا جدا.
إقترب مؤيد من سيارته ليجد نبيل جالسا بها ينتظره، ليدخل إليها ثم ينطلق بها بهدوء، ليقول نبيل:
ها عملت إيه طمنى؟
قال مؤيد بوجه خال من التعبير:
قابلتها،
قال نبيل يستحثه قائلا:
ها وبعدين؟
إستدار مؤيد حول هذا الملف الدائرى متجها بسيارته إلى شقته ببرود، ولكن نبيل إستشعر به الألــم الذي ينبض بقلبه، ليستحثه قائلا:
ها، إيه اللي حصل؟، ما تحكى يامؤيد.
قال مؤيد في جمود:.
زي ما توقعت، إتغيرت اوى عن زمان، مبقتش تشبه لين اللي حبيتها غير في الملامح وبس، لبسها، كلامها، نظرتها، كل ده إتغير يانبيل.
قال نبيل بهدوء:
وهتعمل إيه طيب، هنرجع فرنسا من تانى؟
قال مؤيد بحنق:
أرجع إزاي بس وأنا لسة مشفيتش غليلى منها، أرجع إزاي وأسيبها تحقق كل أحلامها وتبقى سعيدة كمان؟
لتقطر المرارة من فمه وهو يقول:.
طب وأنا، وأحلامى معاها، أحلامى اللي دmرتها كلها، حياتى اللي لخبطتها وسعادتى اللي حرمتنى منها، كل ده يبقى من غير تمن تدفعه وتكفر فيه عن ذنبها؟مستحيل طبعا، لازم أدفعها تمن كل ذنب أذنبته في حقى، لازم اخليها تنـ.ـد.م على كل حاجة عملتها معايا، لازم.
قال نبيل بقلق:
يعنى هتعمل إيه يامؤيد؟، فهمنى.
قال مؤيد بغموض:.
هعمل اللي كان لازم أعمله من ٣ سنين وللأسف معملتوش، بس ملحوقة، أصبرى علية يالين، هانت وهتكونى بين إيدية وساعتها مش هرحمك.
ليقع قلب نبيل بين قدmيه مع سماعه لكلمـ.ـا.ت مؤيد ونبرات صوته المتوعدة والتي لا توحى بالخير، أبدا.
جلست لين على مقعد بشرفتها تتأمل سواد الليل أمامها، نظرت إلى السماء قليلا، إلى تلك النجوم التي تلألأت على صفحتها، لتقتحم ذاكرتها فجأة أحداث الماضى و كيف كانت تتشارك تلك الليالى مع مؤيد يعدون النجوم ويطـ.ـلقون عليها الأسماء أيضا، غشيت عيناها الدmـ.ـو.ع وهي تتذكر كم كانت سعيدة بذلك الوقت، كان مؤيد عطوفا محبا يمنحها الحب والحنان وتبادله مشاعره بسخاء، فحبهما كان من اول نظرة، رأته لأول مرة حين ذهبت مع أخيها وأختها لخطبة شاهيناز، فكان هو هناك، مؤيد إبن الزوج الاخير لوالدة شاهيناز، حاصرها بنظراته يوم الخطبة ثم بعدها طاردها بعشقه حتى إستسلمت كلية له ووافقت على الزواج، ليعيشا أجمل أيام العمر، يظلل العشق جنبات حياتهم، ويملأها بنفحات السعادة، حتى بدأ القلق يكتنف تلك الحياة مع تأخرهم بالإنجاب، طرقا جميع أبواب الأطباء، لا فائدة، ليس بهما أي مانع يحرمهما من الإنجاب ولكنه فقط النصيب، القدر، قدرهما أن يحرما من تلك النعمة، أربعة سنوات حاولا فيها المستحيل للإنجاب فلم يستطيعا، حتى...
نفضت رأسها بقوة والدmـ.ـو.ع تتلألأ بعينيها ترفض الإستطراد في ذكرياتها المريرة، ترفض كلية أن تستعيد ذلك الألــم الذي يصيب قلبها كلما غاصت في تلك الذكريات، زفرت بقوة، تتساءل لماذا ظهر أمامها ليثير فيها تلك الذكريات مجددا، لماذا عاد وعاد معه الشوق والحنين والألــم، لماذا يتابع أخبـ.ـارها؟وماذا يريد منها الآن؟ألا يكفيها مانالها منه في الماضى، ألا يكفيه ما آلت إليه بسببه؟حسنا، فليعد مجددا إلى حياتها ولن تهتم، ستتجنبه فقط، وإن حاول مضايقتها ستكون له بالمرصاد، وستكيل له الصاع صاعين، وأبدا لن تضعف ولن ترحم، فلم تعد أبدا كما كانت بالماضى ولن تعود مجددا، أبدا.
نفضت جورية غطائها ونهضت من سريرها فالنوم خاصم عينيها وجافاها مع تلك الصدmة التي أصابتها اليوم، كانت تدرك أنها يوما ما ستجده من جديد، ستسأله لماذا تخلى عنها وما الذي فعلته ليكون جزاؤها الهجران دون سبب، كان لديها أمل أن يكون لديه سبب مقنع لإبتعاده عنها، وأنها ستسامحه ويكملان قصة عشقهما الأبدي كما أخبرها بالماضى...
وبالفعل كان اللقاء ولكنه لقاء مرير، صادm، فلم تكن تتوقع أبدا أن يظهر لها كرجل متزوج ولديه طفلة، لم تكن تتوقع أن يغير إسمه، أم أن هذا هو إسمه الحقيقى؟هل أراد أن يعيش تجربة مختلفة فإدعى ما إدعاه وقتها؟أم أن هناك خبايا تظلل حياته؟زفرت بقوة، أيا كان ماحدث بالماضى فقد كان وهما، سرابا لا بد أن تنساه وتكمل حياتها وهي على يقين بأنه إنتهى من حياتها للأبد، وأن الحياة يجب أن تستمر، ربما قلبها مجروحا بقوة وجروحه تنزف ولكنها ستضمد جراحه بنفسها وستستعيد روحها الضائعة، وستنسى بالتأكيد هذا الرجل، خالد نصار...
، كم يختلف كلية عن هذا الرجل الذي أحبته ومنحته كيانها بالكامل، فهد، هكذا منحته هي الإسم، وهكذا تتذكره، وسيم، حنون، عطوف، رائع بكل معنى الكلمة وليس تلك الكتلة البـ.ـاردة خالية المشاعر والتي ظهرت في كل تصرفاته وكلمـ.ـا.ته اليوم، إقتربت من ذلك البورتريه المجاور لسريرها والذي رسمته لفهد في الوادى في ذلك اليوم الذي إعترفت فيه لنفسها بحبه، تتأمل ملامحه بشوق، بحنين إلى تلك الأيام التي كانت تعيشها معه، تلك السعادة التي كانت تغمرها بذلك الوقت، لتتدفق الذكريات إلى عقلها، تتجسد أمامها، منذ اليوم الأول للقاءها به، وياله من لقاء...
↚
قل للحواجز و المسافات فلتفرقي بيننا
كأنها تتآمر سرا بعد غيابك لأزداد تعلقا
كيف تمـ.ـو.ت ذكراك و قد أخذت لب الفؤاد
أتسلم روح وتينها معقود بين أضلع الآخر؟
بين أجفان عيني أخبئك صورة لا تتزحزح
كيف أنساك وأنت تجول في كل الخلايا
أودعتك للخلاق يحفظك عسانا يوم نسعد...
بقلم، نور محمد.
إقتربت جورية من سرير هذا المريـ.ـض الذي تتحدث عنه جميع العاملات بالمستشفى، لقد سمعتهن يتحدثن عن وسامته التي تخـ.ـطـ.ـف الأنظار وعيونه التي بزرقة السماء وحالته الغريية تلك، فقد نجا من حادث طائرة، بإصابات بسيطة برأسه وقدmه، ولكنه أفاق لا يتذكر شيئا عن نفسه ولا حتى إسمه، لتطلق عليه الممرضات إسم الوسيم المجهول.
لا تدرى جورية لما إنتابها الفضول لرؤية هذا المريـ.ـض بعد ماسمعته من هؤلاء الممرضات، ولما لم ترحل على الفور بعد تسليم الهدايا للمرضى في هذا اليوم الذي تقصد فيه جورية المستشفى لبث البهجة في نفوس المرضى بتقديم بعض الدعم المعنوي والمادي لهم، لا تدرى لما أخذتها قدmاها إليه؟ بالفعل، هي حقا لا تدرى.
توقفت جورية أمام سرير هذا المريـ.ـض تماما، لتراه لأول مرة، نائما مستكينا، تأملته بخجل، إنه وسيم حقا، يستحق فعلا كل مايقال عنه، ولكن ليس هذا ماجذبها إليه فحسب، وإنما نسيانه ماضيه هو ما شغلها حقا وأثار شفقتها، فهي لا تتخيل أن ينسى شخص ما ماضيه، ذكرياته، إسمه وأحباؤه، لا تتخيل أن تصحوا هي يوما لا تتذكر جدها عزيز أو خالتها جليلة، أو فرستها مهرة، لا تتخيل هذا مطلقا.
إقتربت من وجهه تلاحظ جـ.ـر.حا في رأسه، مدت يدها لتلمس الجـ.ـر.ح ولكن يدها تجمدت في الهواء، وهي تراه قد فتح عينيه فجأة يطالعها، أخفضت يدها، وقد تخضب وجهها بحمرة الخجل، لا تستطيع إبعاد ناظريها عن عينيه الساحرتين واللتان تنافسان في لونهما زرقة السماء الصافية، تجذبها عيناه بقوة خاصة وهو ينظر إليها الآن بحيرة، لتبتلع ريقها بصعوبة وهي تقول:
صباح الخير.
إعتدل قليلا في جلسته ليظهر الألــم على ملامحه، ثم إختفى ما إن إستوى جالسا، وهو يقول:
إنتى الدكتورة النفسية اللي قالولى إنها هتابع حالتى؟
هزت رأسها نفيا قائلة بإرتباك:
لأ، مش أنا.
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو يقول بحيرة:
لما إنتى مش الدكتورة الجديدة، أمال حضرتك تبقى مين؟
نظرت إليه لا تدرى ماذا تقول، ليشع الأمل في عينيه وهو يقول بلهفة:
إنتى حد من أهلى، صح؟
أصابتها لهفته بالألــم في قلبها، هل يشعر بالوحدة؟هل يفتقد أن يكون له عائلة تحتوى حيرته وخــــوفه من ماض أسدل السواد ستاره عليه؟هل يشتاق إلى عائلة لا يتذكرها؟ربما حقا هذا ما يشعر به الآن، أفاقت من شرودها على صوته يستحثها قائلا:
من فضلك قوليلى إنتى مين؟طمنينى.
نظرت إلى عمق عينيه تشعر بعـ.ـذ.ابه فيهما، بحيرته وإرتباكه وشعوره القوي بالضياع في خضم ذلك الفراغ الأسود الذي يحيط بعقله، لتتخذ قرارها، ربما كان قرارا متسرعا وغير محسوب بالمرة، ربما قلب جدها الدنيا وأقعدها لإتخاذها مثل هذا القرار، ولكن بداخلها تشعر بأن ما تفعله هو القرار الأصوب في حياتها، قلبها يخبرها بذلك، لتقول بهدوء وبنبرات ثابتة:.
يمكن مفيش بينا قرابة ويمكن دى أول مرة اشوفك فيها في حياتى، وإنت أكيد متعرفنيش زي ما أنا كمان معرفش عنك حاجة، بس قلبى بيقوللى إنك إنسان كويس وحد ممكن أثق فيه، وأنا قلبى عمره ماكذب علية، وعشان كدة هعرض عليك عرض.
نظر إليها في حيرة، لتستطرد قائلة:.
تيجى تشتغل و تعيش معانا في المزرعة، أنا عايشة فيها مع جدى عزيز وخالتى جليلة وشوية عمال، لو ترضى ممكن تعتبرنا زي عيلتك لغاية ما ترجعلك الذاكرة، وساعتها تبقى ترجع لعيلتك.
نظر إليها بشك قائلا:
وإنتى هتعملى كدة ليه؟هتستفيدى إيه يعنى؟
قالت بحيرة:
مش عارفة، صدقنى أنا مش هستفيد حاجة غير إنى أساعد واحد مريـ.ـض، غريبة يمكن، أنا نفسى مستغربة نفسى بس حاسة انى لازم أعمل كدة.
نظر إلى عيونها في حيرة للحظات قبل أن يقول بهدوء:
طيب ممكن أسألك سؤال تانى؟
أومأت برأسها إيجابا دون أن تنطق بكلمة ليستطرد قائلا:
ليه بتعملى المعروف ده مع حد مت عـ.ـر.فيهوش؟
قالت برقة:.
هو مش معروف أوى يعنى، إحنا مزرعتنا صغيرة وفى حتة بعيدة عن العمران، يعنى ممكن تمل فيها بسرعة، بس هدوءها ده ممكن يكون سبب لرجوع الذاكرة ليك، أما عن أسبابى، فصدقنى أنا نفسى معرفهاش، يمكن لإنك بتفكرنى بنفسى، بلحظة في طفولتى مـ.ـا.ت فيها بابايا ومامتى، وحسيت إنى وحيدة وضايعة من غير حد، ولولا جدي اللي أخدنى في حـ.ـضـ.ـنه وراعانى أنا كنت ضعت فعلا، وإنت كمان دلوقتى ومن غير ذاكرة زي طفل صغير محتاج إيد تقف جنبك وتساندك، تحسسك إنك مش لوحدك، ولغاية مـ.ـا.ترجعلك الذاكرة دى، هكون أنا وجدى الإيد دى، ها، إيه رأيك؟
أطرق مجهول الهوية هذا رأسه يفكر في كلمـ.ـا.تها، ليرفع إليها وجهه بعد لحظات وقد إنفرجت أساريره يهز رأسه موافقا، لتنفرج أساريرها بدورها وهي تنهض قائلة بحماس قائلة:
أنا إسمى جورية الفيومى على فكرة، وهاجى آخدك بكرة الصبح على المزرعة، بس لازم نسميك.
لتفكر وهي تقضم إصبعها بيدها بطريقة محببة قائلة:
ياترى إيه الإسم اللي ممكن يناسبك؟
لتصمت للحظة قبل أن تلمع عيناها قائلة:
فهد، إسمك فهد، لايق كتير عليك.
إبتسم موافقا بصمت لتمد يدها إليه قائلة:
إتفقنا، سلام مؤقت يافهد.
مد يده يضم يدها محييا، ليرتعش جسدها وتتسارع دقات قلبها رغما عنها، لتترك يده على الفور وهي تبتلع ريقها بصعوبة قبل أن تبتسم إبتسامة مهزوزة، وتهز رأسها ثم تغادر بخطوات هادئة تخفى إضطرابها تتابعها عيناه بنظرة حملت إعجابا لم يستطع إخفاؤه.
قال عزيز بحدة:
إنتى إزاي تعملى كدة قبل ما ترجعيلى، من إمتى بتتصرفى بدmاغك ياجورى؟
قالت جورية وهي تمسك كتفيه بيديها قائلة:
إهدى بس ياجدى، أنا...
قاطعها وهو ينفض يديها عن كتفيه قائلا في حنق:
إنتى إيه بس؟أنا اللي غلطان، دلعتك زيادة عن اللزوم، وسيبتك تعملى اللي إنتى عايزاه كله، وفى الآخر جاية تجيييلى البيت راجـ.ـل غريب، منعرفش أصله من فصله.
لينظر إليها بحنق قائلا:.
للأسف، إنتى خدتى من جدتك الشكل بس مخدتيش العقل أبدا.
تدخلت جليلة التي ظلت تراقب ما يحدث بصمت قائلة:
إسمعها بس ياعزيز وبعدين...
قاطعها عزيز قائلا بصرامة:
إسكتى إنتى ياجليلة، مش بعيد تكونى إنتى اللي شجعتيها على الهبل ده.
إتسعت عينا جليلة بإستنكار بينما أسرعت جورية تقول:
خالتى جليلة مكنتش تعرف حاجة عن الموضوع ده ياجدى، هي لسة عارفة حالا وأنا بحكيلك.
أشاح عزيز بيده حانقا، لتترقرق الدmـ.ـو.ع في عينيها، وهي تقول بضعف:
ياجدى، عشان خاطرى، إسمعنى الأول وبعدين قرر، ولو رفضت وجوده مش هتكلم خالص ولا هعارضك.
أو.جـ.ـعته دmـ.ـو.عها، كاد أن يأخذها في حـ.ـضـ.ـنه ويربت عليها مواسيا ولكنه توقف في اللحظة الأخيرة رافضا، يبغى سماع سبب تصرفها بتلك الرعونة قبل أن يقرر مايفعل، لتبتلع جورية ريقها بصعوبة وهي تقول:.
أنا لما شفته إفتكرت نفسى وأنا صغيرة، إفتكرت روحى وهي تايهة مش لاقية حد لية، لا مكان يإوينى ولا أهل يساندونى ويقولولى إنتى مش لوحدك، إفتكرت غربتى وأنا جوة بيتى، ولولا وجودك جنبى ساعتها، لولا جتنى وضمـ.ـيـ.ـتنى لحـ.ـضـ.ـنك، كنت ضعت ياجدى، فاكر قلتلى إيه ساعتها؟قلتلى متخافيش، إنتى مش لوحدك، أنا جنبك وهفضل قربك، مش هسيب إيدك ابدا، وطول ما إيدى في إيدك مش هتقعى، وده وعدى ليكى، وفعلا ده اللي حصل، النهاردة لما شفته إفتكرت إحساسى زمان، حسيته محتاج إيد تساعده، بقوله بيها إنت مش لوحدك، وفى وسط السواد اللي انت فيه انا وجدى هنكون شعاع نور، ينورلك طريقك، لغاية ما في يوم شمس زكرياتك تنور حياتك وساعتها هترجع لعيلتك، ولحد ما ده يحصل مش هنسيبك تايه تخبط في طريقك لوحدك، هنكون معاك لآخر لحظة، فاهمنى ياجدى؟
تأملها جدها للحظات ثم ربت على يدها قائلا بحنان:
فهمتك يا بـ.ـنتي، فهمتك، بس برده ده ميمنعش إنك إتهورتى وطلبتى من حد غريب يكون معانا في المزرعة، إفرضى طلع مش كويس أو هربان من جريمة، إفرضى...
قاطعته جورية قائلة بحزم:.
متقلقش ياجدى، أنا واثقة إنه مش ممكن يطلع مجرم او إنسان وحش، سميها الحاسة السادسة، سميها ثقة في إحساس قلبى اللي عمره ما خيب ظنى، سميها زي ما تسميها، بس صدقنى ياجدى، انا واثقة إن فهد إنسان كويس ومش ممكن يإذينا.
عقد جدها حاجبيه قائلا:
فهد مين ده؟
إبتسمت لأول مرة منذ ان تركت فهد في هذا المستشفى وهي تقول لجدها:
فهد يبقى الراجـ.ـل اللي حكيتلك عنه ياجدى، وأما بالنسبة للإسم.
فأشارت إلى نفسها بفخر مستطردة:.
فأنا اللي إخترتهوله.
تأمل جدها ملامحها المشرقة ليتسلل إلى قلبه القلق رغما عنه، وهو يشعر أن هذا الفهد قد حاز على إعجاب فتاته الصغيرة حتى وإن لم تشعر بهذا بعد، ليخشى أن تتكرر تجربة إبـ.ـنته مجددا، ولكن مع حماسها ذلك لا يستطيع أن يرفض لها طلبها، سيوافق على حضوره إلى المزرعة، ولكنه سيضعه تحت رقابة شـ.ـديدة وإن ثبت له كذب إدعاءاته، إن تأكد من أنه مخادع سيتأكد بنفسه من أنه سيلقى جزاؤه العادل، وسيكون مصيره أسوأ من المـ.ـو.ت نفسه.
ذهبت جورية إلى المستشفى فوجدته هناك، أخبرها أنه لم يكن يتوقع عودتها فإبتسمت مخبرة إياه أنها حين تعد لا تخلف وعودها أبدا، ليتأمل إبتسامتها الرقيقة فيبتسم لها بدوره وفى إبتسامته ضاعت هي كلية، غرقت في بسمته تلك والتي إمتدت إلى عينيه الجميلتين فسحرت قلبها ورسمت بداخله طلاسم إحتارت في تفسيرها، تعثر وكاد أن يقع فأسندته بكل قوتها، وهنا وفى تلك اللحظة، مثلما تشابكت أيديهم، تشابكت نبضات قلبهم، ففى تلك اللحظة بالذات والتي إلتقت فيها العيون، أدرك كليهما أن مصيره إرتبط بالآخر وأن ما يحدث بينهما هو شئ فريد، فروحيهما تستكينان فقط بسماع نبض الآخر والذي يصل إلى مسامعهما بكل وضوح، تطرق قلبيهما بقوة دقاته، لتستكين إبتسامة راحة على ثغريهما ويتجهان إلى خارج المستشفى ولدى كل منهما يقين بأنه لم يعد روحا تائهة وحيدة، بل صار هناك من يؤنس وحدته ويطمئن تلك الروح، ربما للأبد، أو هكذا كانت تظن.
، في داخل المزرعة...
كانت تعلم أن جدها لن يرتاح لذلك الغريب على الفور، وأنها ستجد صعوبة في إقناعه بأنه ليس بسئ أبدا، ولكن ما حدث كان عكس توقعاتها تماما، فمنذ اللحظة الأولى لوصولهم إلى المزرعة وإلتقاء جدها بفهد، وجدها يبدو مرتاحا لهذا الضيف الجديد، وكأنه قد توسم فيه الطيبة والرجولة وحسن الخلق، وإزداد إعجابا به مع مرور الأيام، فلم يكن فهد أبدا برجل كسول فما إن سكن في هذا الكوخ بجوار المنزل والذي أعدته له جورية بنفسها و.جـ.ـعلته رائعا حقا، حتى نهض في اليوم التالى باكرا ليشمر عن ساعديه ويعرض على الجد رغبته في العمل مع بقية العاملين بالمزرعة، مظهرا قوة وجلدا وصبرا، ورغم طلب الجد منه الراحة كي تلتئم كل جراحه إلا أنه أبى قائلا أن جراحه بسيطة وقد إلتأمت بالفعل، وأن دواءه هو العمل حتى لا تشغله أفكاره السوداء وحيرته من صفحة ماضيه البيضاء، ليثبت لجدها أنه حقا رجل يعتمد عليه، وليس هذا فقط بل صار صديق جدها الذي يشاركه في لياليه لعبته المفضلة، الشطرنج، يظهر ذكاءا بلا حدود في تعلمها بسرعة بل والتفوق على جدها بها وكأنه يلعبها منذ الصغر.
كانت جورية سعيدة للغاية بوجود فهد في مزرعتهم، وإنـ.ـد.ماجه السريع، خاصة مع جدها، فقد أضفى فهد على المزرعة جوا رائعا، فلم تعد أبدا مملة كما كانت، كانت تقف بالساعات تعد الطعام مع خالتها جليلة فقط كي يأكل منه فهد، تعد الكوخ كل يوم وتضع فراشه في الشمس فقط كي يرتاح فهد، تفكر وتفكر في أشياء تشغله بالمساء فقط كي لا يمل فهد، وفى لياليها تمسك أوراقها تكتب فقط عن فهد...
لتدرك ذات ليلة أن فهد قد أصبح محور حياتها، وأنها قد وقعت في غرامه، تتساءل دائما هل وقع في عشقها بدوره؟أم أنها مجرد فتاة عادية بالنسبة إليه؟لطالما عاملها بأدب وإحترام، لم يصدر عنه أبدا ما يوحى بالإعجاب بها، ربما هي مرة واحدة ضبطته يتأملها خلسة، ولكن غير ذلك لم ترى منه أبدا أنها تثير إعجابه، أو إهتمامه بأي شكل من الأشكال، حتى كان هذا اليوم الذي إكتشفت فيه مشاعره...
كانت ترتب له الكوخ كعادتها، لتقع يديها على قميصه، مدت يدها تأخذه، ترفعه إلى أنفها تشتم رائحته المميزة والتي يعبق بها هذا القميص الخاص به، إبتسمت وهي تتذكره البـ.ـارحة وهو يرتديه، كم كان وسيما به وهو واقفا تحت الشمس، تلوح بشرته بأشعتها الحارقة، يمسك الفأس بيده يزرع الأرض، ثم يقف فيمسح عرق جبهته بكمه، ثم يعاود حرث الأرض بكل قوة، وكانت هي تتأمله من بعيد، تتمنى فقط لو إقتربت منه، ولكن ما بين أمنية تحدوها وقيود تمنعها هي حائرة، أسيرة، تود لو تحطم تلك القيود، ولكن ماباليد حيلة.
إنقطعت الكهرباء فجأة لتترك جورية القميص بسرعة فأكثر ما تخشاه هو الظلام، لتتحسس الطاولة بقلق حتى وجدت الثقاب، حاولت أن تشعل عودا، فلم تستطع، حاولت مرارا وتكرارا حتى نجحت بالفعل، ولكن وقع منها عود الثقاب على هذا القميص ليشتعل بسرعة، حاولت أن تطفئه بغطاء جانبي فإشتعلت النيران أكثر، خشيت من ذلك الحريق الذي إنتشر بسرعة، لتندفع مغادرة الكوخ ولكنها تعثرت لتقع أرضا ويرتطم رأسها بقوة ثم لفها السواد الكامل.
كان فهد عائدا إلى الكوخ، ليرتاح قليلا، فأمامه اليوم عمل كثير وهو ينوى أن يكد ويكد حتى يستطيع إنهاء حرث قطعة الأرض الشمالية قبل مساء هذا اليوم، توقف في مكانه حين رأى دخانا متصاعدا من الكوخ كاد أن يتجه إلى الإسطبل القريب لإحضار خرطوم المياه والإستنجاد بالجميع هناك لإطفاء هذا الحريق ولكنه لمح هذا الشال الملقى على المقعد خارج الكوخ، ليتعرف عليه على الفور ويدرك أنه الشال الخاص بها، ليرتجف قلبه رعـ.ـبا عليها، إنها بالداخل والكوخ يحترق، ربما أصابها مكروها، ليسرع بإقتحام الكوخ دون تفكير لتقع عينيه عليها على الفور، مغشيا عليها ومسجاة على الأرض، أسرع يحملها إلى الخارج، يهرول بها إلى المنزل القريب، حيث إستقبلتهم جليلة بجزع، صرخ بها أن تحضر العطر بسرعة، ثم نظر إلى وجه جورية الشاحب بجزع يربت بيده على وجنتها وهو يقول بهلع:.
فوقى ياجورى، فوقى ياحبيبتى، عشان خاطرى فوقى، انا مقدرش أعيش من غيرك.
جاءت جليلة ومعها العطر وجاء معها عزيز الذي راقب ما يحدث بقلب واجف، لينثر فهد العطر على رسغه ويقربه من أنفها، ليتجعد انفها قليلا، مشيرا إلى أنها على وشك الإستيقاظ، زفر فهد براحة وعيون جورية البنية تنفلج ببطئ، لتراه وتقول بضعف:
فهد.
إبتسم فهد بينما أغروقت عيناه بالدmـ.ـو.ع قائلا:
قلب فهد وعمره كله.
تجمد الجد تماما وأصابت جليلة الدهشة، بينما إتسعت عينا جورية بذهول، وهي تقول:
إنت قلت إيه؟
تأملها بعشق قائلا:
قلت اللي خبيته جوة قلبى بقالى سنة بحالها، كنت مستنى أعرف أنا مين، وأصلى إيه، بس الظاهر إنه مش باين إنى هفتكر حاجة، وبصراحة اكتر وبعد إحساسى النهاردة، و إنك كان ممكن تضيعى منى، مش مستعد أضيع ثانية واحدة من غير ما أقولك أد إيه بحبك.
أغروقت عينا جورية بالدmـ.ـو.ع وهي تقول:
أنا كمان بح...
هدر صوت جدها بإسمها يمنعها من الإستطراد في إعترافها بعشقه، لينتبه فهد إلى وجود جدها، وينهض ببطئ ناظرا إليه في ترقب، بينما إعتدلت جورى جالسة ناظرة إليه بوجل ليقترب الجد منهما ينقل بصره بين الإثنين بملامح خالية من التعبير، حتى توقف أمامهما تماما، ليقول بهدوء موجها حديثه إلى فهد قائلا:
وتفتكر آخرة الحب ده إيه يافهد؟
قال فهد بثقة:
الجواز طبعا، انا بحبها ياجدى، ومستعد أعمل أي حاجة عشان تكون مراتى.
لم يهتز لجدها جفن بينما رقص قلب جورية طربا لسماع كلمـ.ـا.ته الواثقة العاشقة، ليقول الجد بصرامة مقاطعا أفكارها السعيدة:
وهتتجوزها إزاي وإنت مش معاك أي حاجة تثبت إنت مين، أو إسمك إيه؟
ظهرت الحيرة ممتزجة بالحـ.ـز.ن وقلة الحيلة على وجه فهد، بينما إنفطر قلب جورية حـ.ـز.نا وهي تدرك مايؤول إليه حديث جدها في النهاية، ولكن كلمـ.ـا.ت فهد التالية أحيت الأمل في قلبها وهو يقول بكل ثقة:.
يبقى هنزل مصر وهجيب أوراق تثبت هويتى، مش هرجع غير وأنا معايا الورق اللي هيجمعنى مع جورى.
لينظر إلى جورية وقد رقت نظراته قائلا:
وده وعد منى.
إبتسمت برقة، ليعود بنظراته إلى جدها قائلا بقوة:
وعد ياجدى.
وبالفعل سافر فهد بعد يومان وبعد وداع رقيق من جورية، ولكنه لم يعد أبدا، ولم يتصل بها حتى، إنتظرته عاما كاملا، رسمت وجهه في كل صورة قامت برسمها، وجدته في كل كلمـ.ـا.تها، لم تيأس أبدا من عودته إليها مجددا، ولكنه لم يعد، لتدرك أن في الامر خطب ما، ربما تذكر ماضيه ونسيها أو ربما لم يحبها من الاساس؟، أحست بالحـ.ـز.ن ولكنها لم تترك نفسها أسيرة للألــم، بدأت تشغل بالها عن التفكير فيه بكتابة الروايات، لتبعثها إلى دور النشر، وذات يوم جاءها خطاب دار نشر المبدعون يخبرونها بأنهم على إستعداد تام لنشر قصتها إن جاءت إلى القاهرة حيث المكتب الرئيسي للدار، وبالفعل سافرت، تاركة هذا الوادى اللعين الذي يذكرها بفهد، وتاركة جدها الذي أبي ان يترك مزرعته ومنزله، لتلتقى بفراس وتنشأ بينهما صداقة قوية، ومنذ ذلك اليوم وهي تكتب الروايات وتنشرها، تصمم على جعل بطل غلاف رواياتها فهدها، فهي عنـ.ـد.ما تكتب الرواية تراه أمامها، يلهمها بسحره، بعشقه، بكيانه القابع بوجدانها، أو ربما يوما ما رأى فهد غلاف رواية لها ليدرك أنه مازال بقلبها يحيا، وقد حدث هذا بالفعل اليوم...
لقد عاد لحياتها بقوة، بألــم، عاد رجلا متزوجا ولديه إبنة صغيرة، عاد لحياتها ليجبرها ما عرفته عنه أن تخرجه هي من حياتها تلك، من كيانها، من قلبها، من ذكرياتها للأبد، عليها أن تنساه كلية، فهل ستستطيع؟
↚
شريط العمر يمر، كقطار بطئ الخطى محكمة خطواته مدبرة
أرى فيه صورا لى، باهتة، بعيدة قريبة، مكررة
أحلم ببداية طريقى بأحلام، لأجد في خاتمة طريقى نهاياتها مقدرة
أحلامى مثلى تائهة، مغمورة، مبعثرة
دفنت وواراها الثرى كأناس مـ.ـا.توا ضحايا حادث قطار وانتهوا كخبر في جريدة، أو أحرف مسطرة
لاندرى في حياتنا هل أقدارنا بإختيارنا، أم أنها أقدار مسيرة؟
كانت جورية تجلس في شرفة منزلها تحتسى قهوتها بهدوء ناظرة إلى هذا النيل الجارى أمامها متأملة هذا المشهد الهادئ والمريح لأعصابها المنهكة من تدفق الذكريات، تنهدت بعمق، لقد أقسمت على النسيان، ولكن كيف تنسى ما حفر في الفؤاد، كيف تنسى أول وآخر حب في حياتها؟هي حقا لا تدرى.
أفاقت من أفكارها على صوت رنين هاتفها لتترك فنجال قهوتها على الطاولة وتتجه إلى داخل الحجرة، تمسك هاتفها تنظر إلى شاشته قبل أن تجيب قائلة:
صباح الخير يافراس.
قال فراس:
صباح النور ياجورى.
أحست جورية بالإضطراب يعترى صوته لتقول بقلق:
خير يافراس، مال صوتك؟
زفر فراس قائلا:
عايزك حالا في المكتب ياجورى.
عقدت جورية حاجبيها قائلة:
بس أنا محتاجة يومين أجازة كمان.
قال فراس بنفاذ صبر:
مش هينفع ياجورى، محتاجلك ضرورى.
تنهدت جورية قائلة:
طيب يافراس، نص ساعة وهتلاقينى عندك، سلام.
ثم أغلقت الهاتف، وهي تتجه بروتينية إلى دولابها تفتحه وتأخذ أول فستان وقعت عليه عيناها، وتتجه إلى الحمام والأفكار تراودها، تتساءل ماالذى حدث لفراس؟ولماذا هذا القلق في صوته؟لتهز كتفيها في حيرة، نصف ساعة وستعلم السبب، لتدعو الله أن يكون خيرا.
نهضت جورية قائلة بعصبية:
إنت أكيد بتهزر، إنت عايزنى أروحله برجلية واطلب منه إنه يسيب صوره على أغلفة رواياتى؟مستحيل طبعا.
قال فراس بهدوء:
أقعدى بس وإهدى، لو سمحتى ياجورى إسمعينى للآخر.
جلست مجددا وهي تنظر إليه عاقدة حاجبيها ليقول مستطردا:.
أنا راجعت مع محامي الدار وضعنا القانونى والحقيقة الوضع ميبشرش بخير أبدا، اللي عرفته عن اللي إسمه خالد نصار مش قليل، ده حوت السوق، معندوش قلب ومبيرحمش، ولما حد بيقف قصاده بيدmره...
صمت فراس وهو يلاحظ ذلك الألــم الذي إرتسم على وجه جورية، لقد نسي للحظات هنا أن من يتحدث عنه هو محطم قلب تلك الفتاة الرائعة، ليزفر قائلا:.
أنا آسف ياجورى لو بكلمك في موضوع حساس بالنسبة لك وبفتح في جروح قديمة لسة بتنزف، بس الموضوع بجد خطير وميستحملش التهاون فيه.
تنهدت جورية قائلة:.
أنا عارفة الوضع الحرج اللي حطيت الدار فيه لما رسمت أغلفة كتبى وحطيت عليها صورة فهد، قصدى خالد نصار، بس صدقنى أنا مش هقدر أبدا أنفذ اللي إنت عايزه منى، أنا مقدرش يجمعنى معاه مكان واحد تانى، إنت مش فاهم أنا بحس بإيه وهو قصاد عينى، عيونه هي هي، صوته هو هو، بس لا دى نظرته ولا دى نبرة صوته، وهو قصاد عينى حنينى لفهد بيقــ,تــلنى، ببقى نفسى أترمى في حـ.ـضـ.ـنه وأقوله وحشتنى، بس مبقدرش، إحساسى إنه خلاص مبقاش لية، وبقى لواحدة تانية متجوزها ومخلف منها دmرنى، أنا بجد تعبانة يافراس، مش قادرة أتخيل إن حبيبى فهد اللي عاش ويانا سنة كاملة، حبنى فيها وحبيته، فهد اللي غاب بعدها سنتين سابنى فيهم للعـ.ـذ.اب، يبقى هو خالد نصار المليونير المعروف، مش عارفة إزاي كل ده حصل وليه حصل لية أنا بالذات؟
، بس أنا عارفة...
إلتفت كل من جورية وفراس إلى صاحبة الصوت لتطالعهما ليلة بطلتها الرقيقة، تقف في ثبات تنقل نظرها بينهما بهدوء، لتعقد جورية حاجبيها بحيرة بينما تأمل فراس فاتنته التي أطارت النوم من عيونه منذ أن رآها، ليحمد الله على حسن حظه الذي جعله يراها في أسبوع واحد مرتين، ليقسم بداخله أن لا يدعها اليوم دون أن يعرف الكثير عنها، نعم، لابد أن يفعل.
إقتربت منها سها تحمل بيدها باقة من الورود الصفراء والتي تكرههم لين وبشـ.ـدة لتدرك من قبل أن تقرأ هذا الكارت الموضوع بينهم، من مرسلهم إليها، خاصة وملامح الضيق تبدو على صديقتها سها، وهي تقدmهم إليها قائلة:
شوفى خفة الدm على الصبح، الورد ده جايلك وعليه كارت مكتوب عليه كلام سخيف من محمود عزمى.
أخذت لين تلك الورود وألقتها على المكتب بلا مبالاة وهي تسحب الكارت منهم تقرأه بهدوء:.
من النهاردة مش هتكونى غير لية أنا وبس، بدأ العد التنازلى.
نفس العبـ.ـارة التي وجدتها على زجاج سيارتها بالأمس، إنه هو، مؤيد، تستطيع أن تشم رائحة عطره التي يفوح بها هذا الكارت، وكلمـ.ـا.ته السخيفة الغامضة، تتساءل بحنق، ماذا يريد منها؟تود من كل قلبها أن يدعها وشأنها، فمنذ أن عاد لحياتها، وحياتها إنقلبت رأسا على عقب، لم تعد أبدا كما كانت...
أفاقت من أفكارها على صوت سها وهي تجلس قائلة بحنق:.
أنا مش عارفة بس عاجبك في محمود ده إيه؟، ده حتى دmه تقيل وبـ.ـارد.
قالت لين بهدوء:
حتى إنتى يا سها بتقولى زيهم، ما إنتى عارفة إنى قفلت باب قلبى من زمان، ومستحيل هفتحه تانى، صحيح محمود معجب بية وفاتحنى في موضوع الجواز، بس أنا رفضت، وإحنا دلوقتى أصدقاء.
قالت سها بحيرة:
أمال ليه باعتلك الورد ده، وإيه الكلام الغريب اللي عليه، ويعنى إيه بدأ العد التنازلى؟
زفرت لين وهي تجلس قائلة:.
اللي باعت الورد ده مش محمود ياسها.
قالت سها بحيرة:
أمال مين؟
نظرت لين إلى عيون سها بثبات قائلة:
مؤيد، مؤيد الحسينى.
لتتسع عينا سها، بصدmة.
اقتربت منهما ليلة لتتوقف أمامهما تماما وهي تقول برقة خلبت لب فراس:
أولا أنا حابة أعتذر عن دخولى كدة من غير إذن، بس السكرتيرة مكنتش موجودة برة والباب كان مفتوح وغـ.ـصـ.ـب عنى سمعت كلامكم واللي بيفسرلى حاجات كتير جدا منيمتنيش من آخر مرة كنت هنا معاكم، في نفس الأوضة دى.
رغما عنه أحس فراس بخيبة أمل، فقد ود لو أطارت أفكارها حوله النوم من عينيها مثلما فعلت هي معه وليس سبب قلقها هو غموض ما حدث في تلك المرة الماضية فقط، أفاق من شروده على صوتها الملائكي وهي تقول:
ثانيا حابة أوضح حاجات كتير متعرفوهاش عن أخويا خالد.
لتنظر إلى جورية قائلة:
وحابة اعرف انا كمان حاجات من الواضح إنها كانت مستخبية عننا لحد ما ظهرتى إنتى ياجورية.
لتصمت لثانية قبل ان تستطرد قائلة:.
أنا قريت قصتك أقدار الحب.
لتهز كتفيها تنقل بصرها بينهما قائلة في حيرة:.
والحقيقة الرواية فيها عبـ.ـارات مكتوبة في الحوار حسيت إن أخويا هو اللي بيقولها فعلا، هي دى طريقة كلامه، ولقيت فيها أحاسيس إتمنيت لو حس بيها فعلا، أخويا طول عمره محروم من الحب، والحقيقة مجرد إحساسى إنه عاشه ولو لفترة قصيرة، ريح قلبى، مت عـ.ـر.فيش أد إيه، خالد بيظهر للناس كلها على عكس طبيعته لإنه طول عمره بيخاف من الجـ.ـر.ح، من الغدر والهجر، أخويا مش زي ما شفتوه يومها.
لتستقر عيونها على جورية قائلة:.
وإنتى أكيد شفتيه على طبيعته وعرفتى إزاي ممكن يكون لو بس نسى جروح ماضيه وآلامها، لو بس نسي إنه خالد نصار.
كانت الحيرة تملأ وجه كل من جورية وفراس، لتتنهد قائلة:.
عشان تفهموا كلامى لازم نرجع من الأول، من يوم ما إتجوز بابا ماما اللي كانت بـ.ـنت عمه أصلا، بس للأسف مكنوش بيخلفوا، مع إن مفيش مانع يمنعهم من الخلفة، جدتى عرضت عليه يتجوز تانى، بس ماما طبعا رفضت، فجدتى أقنعتها إن ده في مصلحتها وإنها هتجوزه الخدامة بتاعتها من سكات وأول ما تخلف هتاخد منها الطفل وتديها قرشين وتروح لحالها، إقتنعت ماما بكلامها وفعلا بابا إتجوز طنط تحية، وخلف منها خالد، رفضت تحية تدى إبنها لماما، أخدوه غـ.ـصـ.ـب عنها ورموها برة، فضلت فترة تيجى كل يوم تطالب بخالد بس بابا وتيتة كانوا بيمنعوها حتى إنها تشوفه وشوية بشوية طنط تحية إختفت من حياتهم، محدش سأل طبعا هي راحت فين او ايه مصيرها، ومشت الحياة عادى، لغاية ما في يوم ماما حملت في اختى الكبيرة لين وهنا بدأت معاملتها تتغير من ناحية خالد، وخصوصا بعد ولادة لين، بس هو كان دايما ساكت ومبيتكلمش ولا بيشتكى حتى لبابا، ولما ماما حملت فية، وإتوفت جدتى، حاولت ماما تقنع بابا يرجع خالد لمامته، بس بابا رفض طبعا وخصوصا لما جيت انا للدنيا، وعرف إن خالد هيكون إبنه الوحيد، حقد ماما على خالد كان بيزيد وهو ياحبيبى ساكت ومتحمل، لغاية لما عرف ان مامته مـ.ـا.تت، لما سمع ماما وبابا بيتكلموا عنها، مجرد معرفته إنها كانت عايشة وهو مشفهاش ولا يعرف عنها حاجة دmرته، خلته واحد تانى، بـ.ـارد قاسى مع الكل إلا إحنا، أنا ولين، عمره ما إتغير من ناحيتنا بالعكس إهتمامه وحبه لينا كان دايما بيزيد، لكن بالنسبة للكل بقى خالد نصار اللي مبيرحمش، ولما بابا مـ.ـا.ت حاولت ماما تخرجه برة حياتنا بس وكأن بابا كان حاسس بنواياها، كتب نص الشركة والبيت لخالد بيع وشرا، ماما مقدرتش تتحمل الصدmة جالها أزمة قلبية ومـ.ـا.تت، ومن ساعتها وخالد مبقاش في قلبه وعقله غير الشغل وبس، وإحنا، ومبقاش في حياته مكان للمشاعر والأحاسيس.
تألــمت جورية لماضى خالد القديم والذي أضنى قلبها، شعرت بوحدته، بعـ.ـذ.ابه، بألــمه وكتمانه، وإظهار القوة رغما عنه، والبرود والعزوف عن البشر والمشاعر لتجنب الألــم، كم كانت تتمنى لو كانت بجواره في هذا الوقت، لتمنحه كل ما إفتقده، الحب، الإهتمام، والأمان.
أفاقت جورية على صوت ليلة وهي تنظر إليها قائلة:.
حتى لما جه يتجوز، كان عرض شغل مع جواز من شاهيناز نفسها، دmج البيزنس مع الأمور الشخصية وبحسبة بسيطة خالص إنتصر البيزنس، وإتجوز شاهيناز وخلف منها ريم، بس الحياة بينهم جـ.ـا.مدة، مفيهاش مشاعر، كلها مشاكل وأقدر أأكدلك إنه مش مبسوط معاها ولا بيكنلها أي مشاعر.
لم تدرى جورية أتفرح لهذا الخبر وهي تدرك أن حبيبها لا يحب زوجته أم تحـ.ـز.ن لعدm جدوى معرفتها تلك، فعلى كل حال لن يفيدها إن كان عاشقا لزوجته أم لا، ففى النهاية يظل متزوجا ويظل عليها الإبتعاد عنه كلية...
أفاقت على صوت فراس وهو يقول بهدوء يخفى إضطراب مشاعره:
طيب ممكن من فضلك تقعدى وتستريحى إنتى بتقولى منمتيش وأكيد بتكونى تعبانة.
نظرت إليه ليلة تتأمله لأول مرة، كم يبدو وسيما، رصينا تماما كبطل من أبطال رواياتها، وكم بدت نبراته حانية لتمس شغاف قلبها وتزيد دقاته، إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تومئ برأسها تنفض أفكارها تلك وتجلس بهدوء قائلة:
شكرا.
، بينما أبعدت عينيها عن سحر عينيه وهي تنظر إلى جورية التي ودت لو حثتها على الكلام مجددا ولكنها كانت تخشى أن تعلم عنه المزيد، فيكفيها ما عرفته حتى الآن...
قالت ليلة بهدوء:.
من حوالى ٣ سنين كان خالد مسافر في رحلة عمل لروما، إتقطعت أخبـ.ـاره عنا، وآخر حاجة سمعناها إنه خلص صفقته بدرى عن ميعادها وإنه عمل شيك آوت من الفندق وكان جاي على مصر في طيارة خاصة واللي طبعا مفيش أي معلومة وصلتنا عنها، ولمدة سنة كاملة مخليناش حاجة معملنهاش عشان نعرف خالد إختفى فين، بس للأسف موصلناش لأي حاجة، لحد ما في يوم، لقيناه داخل علينا، كان الشكل هو هو بس اللبس مش لبسه خالص، أصل خالد كلاسيك اوى في لبسه، مبيلبسش غير بدل، كانت اول مرة نشوفه كاجوول، بس مش ده اللي صدmنا، اللي صدmنا إنه مش فاكر أي حاجة عن السنة دى وإن آخر حاجة هو فاكرها، ركوبه الطيارة الخاصة، ورجوعه على مصر وإنه فاق لقى نفسه في مستشفى حكومى وقالوله إنه جه في حادثة عربية، وإنه الحمد لله ماإتصابش غير في دmاغه وإصابته كانت طفيفة وإنهم بس هيخلوه ٢٤ ساعة تحت الملاحظة، وفعلا رجع خالد وعاش بينا من تانى، بس خالد مبقاش خالد بتاع زمان، انا حسيت بتغييره وقلت الكلام ده للين، بس هي مصدقتنيش، قلتلها أخوكى عايش ومش عايش، وكأنه ناقصه حاجة وبيدور عليها، حتى شاهيناز بقى بـ.ـارد وياها ومبقاش يتخانق معاها زي الأول، لغاية اليوم اللي جينا فيه هنا، يومها حسيت بحاجة غريبة، نظرتك اللي شفت فيها حبك ليه وصدmتك، وهو، هو كمان شفت إضطرابه وحيرته وتساهله معاكى مع إن لو كنت شفتيه قبل ما نيجى هنا كنتى قلتى إنه هيهد الدنيا على دmاغ كل الموجودين، شفت كمان لهفته ساعة ما أغمى عليكى وإزاي كان أول واحد جرى ناحيتك وشالك والقلق كان مالى وشه، ومهدتش ملامحه غير لما فوقتى.
إرتعشت جورية، تتساءل، أكان فهد هو من حملها وقتها؟ بينما إبتسم فراس بداخله فتلك الرقيقة، تمتلك عقل راجح وعيون متأملة وقلب رقيق، تماما كما تخيلها، ليفيق من أفكاره على صوتها وهي تقول:
انا قلتلك ياجورى كل حاجة أعرفها عن الموضوع فمن فضلك متبخليش علية وإحكيلى خالد في السنة دى حصله إيه، طمنينى وقوليلى إنه عاش معاكى اللي إتمنيت يعيشه طول عمرى.
لا تدرى لماذا أحبت جورية تلك الفتاة، ربما لإنها تشبهها كثيرا، روحها تتطابق وروح هذه الفاتنة الرقيقة، او ربما هي شفافيتها وصراحتها، لا يهم، المهم أنها أرادت أن تقص حكايتها عليها، ربما لأول مرة تحكيها كاملة، فلم تقص على فراس قصتها بالتفصيل بل إكتفت بموجز صغير عنها، ولكنها وجدت نفسها تقصها على مسامعهما اليوم بأدق تفاصيلها وكأنها تلقى بهم ثقيل على كتفيها بعيدا، لترتاح بعدها، تماما.
قالت سها بدهشة:
يعنى إنتى قابلتى مؤيد في الحفلة، وقالك الكلام ده كله بجد؟
اومأت لين برأسها في هدوء، لتستطرد سها قائلة بحنق:
وإزاي مقلتليش لغاية النهاردة؟
زفرت لين قائلة:.
مش عارفة بقى، يمكن لإنى كنت بتمنى يكون كابوس وفقت منه، أو وهم ومحصلش، يمكن لإنى مش حابة أجيب في سيرته، سيرته اللي بتقلب علية و.جـ.ـع سنين بحالها بحاول فيها أنساه وأنسى اللي عمله فية، مش عارفة، بس اللي عارفاه ومتأكدة منه، إنى مخـ.ـنـ.ـوقة، مخـ.ـنـ.ـوقة أوى ياسها.
غشيت عيونها الدmـ.ـو.ع لتشعر سها بالشفقة عليها، لتمد يدها تربت على يد لين قائلة:
طب إهدى بس وهنلاقى لمشكلتك حل أكيد.
قالت لين بألــم:.
مشكلتى ملهاش حل، مؤيد رجع ومصمم يدخل حياتى من جديد، ومش ناوى يبعد عنى ويسيبنى في حالى، أنا نفسى أعرف هو عايز منى إيه بالظبط؟، ليه مصمم يعـ.ـذ.بنى من تانى، نفسى يرحمنى من اللي أنا فيه، لإنى زهقت، أنا كنت ما صدقت بدأت أنسى اللي فات، لكنه رجع، رجع عشان يفكرنى بكل اللي فات، وأنا مش عارفة أعمل إيه وأخرجه من حياتى إزاي؟
قالت سها:
قولى لأخوكى يالين، قولى لخالد.
قالت لين بصدmة:.
أقول لخالد إيه؟إنتى إتجننتى، أقوله إن سبب طـ.ـلا.قى مش موضوع الخلفة، وإنى إكتشفت إن مؤيد خـ.ـا.ين وعنده طفل من غيرى كمان، أقوله إنه باعنى بالرخيص، باع حب وعشرة وحاجات كتير كنت عايشاها معاه، أقوله ياخالد مؤيد خان ثقتك فيه وخانى أنا كمان، مش بعيد يقــ,تــله.
قالت سها بدهشة:
إنتى لسة خايفة عليه؟
قالت لين بإضطراب:
ها، لأ طبعا مش خايفة عليه، انا خايفة على خالد، مش عايزاه يودى نفسه في داهية عشان واحد زي مؤيد.
نظرت سها إلى لين بنظرة ذات مغزى، لتشيح لين بوجهها عنها لتتأكد مخاوف سها، لين مازالت تحبه، رغم خيانته لها وإفتراقهما عن بعضهما البعض، مازالت تكن له المشاعر، وهذا لا يبشر بالخير، لا يبشر بالخير أبدا.
قالت ليلة بإبتسامة:
أنا كدة إرتحت، بجد إرتحت وإتطمنت على خالد.
قالت جورية بحـ.ـز.ن:.
بس أنا مش مرتاحة ياليلة، حاسة بو.جـ.ـع في قلبى، مش عارفة أعمل إيه ولا أتصرف إزاي، نفسى أبعد عن كل حاجة بتفكرنى بيه بس كل السبل بتودينى ليه، وآخرهم موضوع الأغلفة بتاعة الروايات، وإنتى سمعتى بنفسك، فراس عايزنى أروح لحد عنده وأطلب منه يسيب صورته موجودة على أغلفة الروايات، ودى حاجة معتقدش أخوكى هيقبلها، ومش هينوبنى من المشوار ده غير و.جـ.ـع القلب وخلاص.
قالت ليلة بعد لحظة من التفكير:.
انا مع الأستاذ فراس في كلامه.
لقد نطقت بإسمه، كم رائع هذا الإسم من بين شفتيها، كنغمـ.ـا.ت ساحرة، حقا لقد عشق إسمه الآن، لتستطرد ليلة قائلة:
إنتى مت عـ.ـر.فيش خالد ممكن يعمل إيه في الدار لو منفذتوش كلامه وشلتوا الصور بتاعته من على الأغلفة، والحل الوحيد إنك تروحيله فعلا وتطلبى منه يتراجع عن قراره، ممكن ساعتها يوافق، مين عارف؟وبتمنى من قلبى تلاقي هناك أمل يريح قلبك ياجورى.
نظرت جورية إلى ليلة لتجد بعيونها التصميم، لتنظر إلى فراس وتدرك أنه يؤازر كلمـ.ـا.ت ليلة بالطبع، لتتنهد يائسة وهي تقول:
اللي تشوفوه، رغم إن قصتى معاه محكوم عليها بالفشل، وإنى متأكدة من رفضه التراجع عن قراره، بس عشان خاطر الدار، أنا هروح.
لتصفق ليلة بجذل ثم تتوقف فجأة وقد تخضب وجهها بحمرة الخجل لتزداد جمالا في عيون فراس، بينما نهضت وهي تقول بحماس ألهب مشاعره:.
طب مستنيين إيه يلا بينا ياجورى نروح فورا على المكتب.
قالت جورية بإضطراب:
أيوة بس...
قال فراس مقاطعا:
من غير بس، يلا يا جورى، روحى معاها، وطمنونى علطول.
زفرت جورية بقلة حيلة ثم نهضت لتمشى بجوار ليلة بهدوء، بينما يتابعهما فراس بإعجاب يزيد بتلك الفاتنة الصغيرة والتي يدرك أنها تود الجمع بين الحبيبين، مثله تماما.
↚
عجبا لك يا نفسُ:
كيف تهوين المخاطر؟
وتتبعين القلب والمشاعر
وتبحرين في بحر الهوى الثائر
وتتلذذين بنسيمه الساحر.
وأنت تغرقين ولا تدرين
و بنار الشوق تُحرقين
ولشغف الحب تُطربين
و لتحذير العقل لا تسمعين
وفي كل حين تتألــمين
بقلم، زينة بن عمار.
كان خالد يعقد حاجبيه وهو يطالع هذا العقد، يقرأ بنوده بتمعن، ليتركه وهو يتراجع بظهره، يسند رأسه على مقعده، مغمضا عيناه للحظات، لتمر هي في مخيلته، تضئ هذا السواد بضي طلتها الرقيقة، تسللت بسمة إلى ثغره وهو يراها تطالعه بعيونها البنية الرقيقة ذات الأهداب الرائعة، لتختفى فجأة...
فتح عينيه يلعن إختفائها عن مخيلته، ليفتح درج مكتبه، يأخذ هذا الكتاب من داخله، يقرأ عنوانه بصمت( أنفاس حياة )، يرى صورته ماثلة على الغلاف، يتعجب من إستطاعتها رسمه بتلك الدقة دون أن تراه أمامها، ولو لمرة واحدة، ليتساءل بحيرة، هل راود أحلامها يوما؟أم أنه حقا يمثل صورة فتى أحلامها، في كلتا الحالتين، تمنحه تلك الأفكار شعورا رائعا، لا يدرى كنهه ولكنه وعلى الرغم من روعة الشعور، يخشاه، فحياته قد رسمها بعناية منذ أن أدرك أنه وحده في هذا العالم العجيب، وما يشعر به الآن بالتأكيد يمس هذا العالم بلمحة من الإرتباك، تهزه كلية، قلب الكتاب بين يديه وطالع صورتها التي توجد في الخلفية، كم تبدو رقيقة جميلة، تماما كفتاة أحلامه...
أفاق من أفكاره على صوت طرقات على الباب يعرفها جيدا، ليخبئ الكتاب في الدرج سريعا، ثم كانت إطلالتها الجميلة، إنها ليلة، أخته، بل إبـ.ـنته، إبتسم عنـ.ـد.ما قالت برقة:
ممكن أدخل.
قال خالد وقد إتسعت إبتسامته:
إدخلى طبعا.
ابتسمت قائلة:
معايا ضيوف.
نهض قائلا:
أهلا بضيوفك.
لتدخل ليلة إلى المكتب، تتبعها جورية التي ما إن وقع بصره عليها حتى تجمدت إبتسامته لتختفى تدريجيا وهو يطالعها، بينما نظرت إليه تتأمله بدورها، تشبع عيناها من ملامحه رغما عنها، ظلا هكذا لثوان، تنقل ليلة بصرها بينهما، تدرك بأن مابين هذا الثنائي كبير حقا، رغم عدm تذكر أخيها لحبه لها ولكنه يبدو مؤثرا في أعماقه بدرجة كبيرة لترى نظراته الآن كما لم تراها أبدا، تنحنحت قائلة:
إحمم، مش هتسلم على ضيفتى ياخالد؟
أفاق خالد من شروده ليقترب منهما وهو يمد يده إليها، قائلا:
أهلا يا...
تظاهر بنسيان إسمها لا يدرى لماذا، والأدهى أنه لم يدرى كم آلمها ذلك، كادت أن تغادر المكان بأكمله، ولكنها لن تفعل، ستنقذ دار النشر حتى ولو على حساب قلبها، لذا فقد إبتسمت إبتسامة باهتة لم تصل إلى عينيها وهي تمد يدها إليه قائلة:
جورية، جورية الفيومى.
تلاقت أيديهما للحظات، كانت كفيلة بإرسال شحنات كهربائية في سائر جسديهما، لتترك يده على الفور، تنحنح قائلا:
احمم، إتفضلوا أقعدوا واقفين ليه؟
قالت ليلة برقتها المعهودة:
هنقعد طبعا، إحنا جايينلك في موضوع مهم.
إتجه إلى مكتبه ليجلس مشيرا إليهم بالجلوس قائلا:
خير، أنا تحت أمركم.
جلسا أمامه، تشعر جورية بدوارا يكتنفها وهي تراه يعاملها بتلك الرسمية وكأنها غريبة عنه، وليست قطعة من روحه كما هو تماما، حاولت أن تتمالك نفسها، لتنظر إلى الأمام تحاول أن تتجنب النظر إلى عيونه التي تعشقها، ترفض أن ترى نظراته الجـ.ـا.مدة الخالية من التعبير تجاهها، بعد ان كانت تراهم عاشقتين راغبتين، قالت بهدوء:.
الحقيقة، دار النشر حاولت تسحب إصدارات الروايات من السوق، بس للأسف مش نافع، أنا عارفة إن كل اللي حصل ده غلطتى، أنا اللي رسمتك...
لتصمت للحظة وهي تبتلع ريقها بصعوبة قبل أن تستطرد قائلة:
يعنى، رسمت صورة في خيالى ومن حظى إن الصورة طلعت لحضرتك، من حظى إن الصورة طلع صاحبها رجل الأعمال المشهور، خالد نصار.
نظرت إليه في تلك اللحظة، ليرتعش جسدها بأكمله حين إلتقت عيناها بعينيه، لتقع مجددا تحت سحره، تبا، كم إشتاقت إليه وكم هو مؤلم وجودها أمامه وهي لا تستطيع له إقترابا، كان خالد هو أول من أشاح بناظريه بعيدا عنها، وهو يتراجع بظهره مستندا إلى كرسيه، يطرق برأسه لثانيتين قبل أن يرفع وجهه إلى جورية وقد جمدت ملامحه لتتوجس ليلة خيفة مما سوف يقوله، تعلم هذا الوجه جيدا، فلقد نوي خالد أخاها أمرا وهو ليس حسنا على الإطـ.ـلا.ق، ليقول خالد ببرود:.
ممكن أعرف إيه المطلوب منى دلوقتى؟
إبتلعت جورية ريقها بصعوبة وأحست بالتـ.ـو.تر يغمر كيانها، تشعر بالصقيع يتسلل إليها، ترسله نظرات خالد الجليدية حولها، لتقول بإضطراب:
يعنى لو بعد إذنك، تسمحلنا بإننا نسيب صور حضرتك على الروايات.
تأملها لثوان بنظرات جـ.ـا.مدة، أرعـ.ـبتها، فلم ترى ابدا هذا الجانب البـ.ـارد من حبيبها فهد، ترى هل من مفاجآت أخرى؟
لتفيق من أفكارها على صوته وهو يقول ببرودة جليدية:.
آسف، الصور هتتشال، وده قرارى الأخير.
لتتسع عيناها، بصدmة.
تناهى إلى مسامع لين صوت شجار بالخارج إستطاعت أن تميز طرفيه، لتتنهد بيأس، تتساءل بنفاذ صبر، ماذا تريد زوجة أخيها من صديقتها مجددا؟، حقا لقد زودتها تلك المرة، لتنهض متجهة إلى الخارج وهي تنوى ان تضع حلا حاسما لما يحدث، إقتربت منهما لتسمع سها تقول بحدة:
من فضلك تتكلمى أحسن من كدة ويايا، أنا مش بشتغل عندك وحتى لو بشتغل عندك فده ميدكيش الحق إنك تكلمينى بالأسلوب ده.
لتقول شاهيناز بسـ ـخـــريــة:.
انا أكلمك زي ما أنا عايزة، وإياكى تفتكرى إنك عشان صاحبة لين فأنا مقدرش أرفدك من الشركة، لأ ده أنا...
هدرت لين قائلة:
شاهيناز.
إلتفتت إليها شاهيناز لتستطرد لين قائلة بنبرة حازمة:
من فضلك، تعالى نتكلم في أوضة المكتب.
كادت شاهيناز للحظة أن تعترض ولكنها تراجعت، وهي تلقى نظرة حادة بإتجاه سها قبل أن تتجه إلى حجرة المكتب، لترسل لين لسها نظرة إعتذار صامتة قبل أن تتبعها مغلقة الباب خلفها بهدوء.
ما إن أصبحت كل من لين وشاهيناز بمفردهما حتى بادرتها شاهيناز قائلة بحدة:
بصى يالين، سها صاحبتك دى مش ممكن تستنى يوم واحد في الشركة، انتى شفتى هي بتكلمنى إزاي؟
قالت لين بهدوء وهي تتجه لتجلس على مكتبها قائلة:
سها وجودها في الشركة من وجودى ياشاهى وانا مقدرش استغنى عنها يوم واحد.
قالت شاهيناز في غـ.ـيظ:.
ما ده اللي مخليها قوية بالشكل ده ومش هاممها حد، بس لحدى وكفاية، انا مستحيل أقبل بإن واحدة شغالة عندى تكلمنى بالأسلوب ده.
قالت لين ببرود:
اولا، سها مش شغالة عندك، هي شغالة معايا أنا، ثانيا، سها اصلا مش محتاجة تشتغل كل الموضوع إنى لما طلبت منها تساعدنى وافقت، ثالثا بقى وده الأهم، هو إنتى مش عندك مديرة مكتب، ليه بتحملى مديرة مكتبى شغل مكتبك؟
جلست شاهيناز تضع قدmا فوق الاخرى قائلة بسـ ـخـــريــة:.
هي لحقت تشتكيلك؟
تراجعت لين في مقعدها قائلة بهدوء:
أنا صاحبة سها يعنى من الطبيعى أعرف عنها كل حاجة، زي ما هي تعرف عنى كل حاجة.
إبتسمت شاهيناز بسـ ـخـــريــة قائلة:
واضح على فكرة مش محتاجة تقوليلى الكلام ده، انا ملاحظة إنها قربت منك اوى الفترة الأخيرة دى، ده إنتى حتى بقيتى تاخديها الحفلات بدالى.
نظرت إليها لين ببرود قائلة:.
مش إنتى اللي فجأة مبقتيش تاخدينى معاكى الحفلات اللي بتروحيها، وبقيتى بتروحى مع ميراج، ليه انا كمان معملش زيك؟
إتسعت إبتسامة شاهيناز الساخرة وهي تقول:
علمناهم الشحاتة، عموما براحتك، المهم سونيا كانت هناك إنبـ.ـارح في عيد ميلاد نور وقالتلى إنك كنتى مع واحد، بس اللي أعرفه إن محمود مسافر، ولا رجع؟
رمقتها لين بضيق قائلة:
وسونيا تبلغك أخبـ.ـارى ليه ولا إنتى موصياها يكون عينها علية؟
قالت شاهيناز بإرتباك:.
ها، لأ طبعا وهخلى عينها عليكى ليه بس؟، المهم مقولتليش مين الراجـ.ـل اللي كان معاكى ده؟
قالت لين وهي تنظر مباشرة إلى عيون شاهيناز:
مؤيد، مؤيد الحسينى.
لتتسع عينا شاهيناز، في صدmة.
قالت ليلة بسرعة:
بس ياخالد...
قاطعها خالد بإشارة من يده قائلا:
خليكى برة الموضوع ده ياليلة، الكلام بينى وبين الآنسة.
لتصمت ليلة بحنق بينما نظر خالد إلى جورية قائلا:.
قلتلك المرة اللي فاتت، وجود صورتى على أغلفة رواياتك يضر بسمعتى وسمعة الشركة، ده غير إنه هيثير الأقاويل علينا وأنا مش مستعد لثانية واحدة يرتبط إسمى بإسم حد تانى غير مراتى، الكلام ممكن يأثر على شغلى وعلى بـ.ـنتي وأنا مش مستعد أجازف بالإتنين.
كم آلمتها كلمـ.ـا.ته، أيخشى إرتباط إسمه بإسمها؟أيخشى على مشاعر زوجته إلى تلك الدرجة؟وماذا عنها هي؟فلتذهب إلى الجحيم ولن يبالى، أليس كذلك؟
نهضت جورية في ثبات، تقاوم بكل ذرة من كيانها إنهيارا تاما في مشاعرها، وهي تقول بنبرات هادئة:
كدة خلص الكلام، أنا قلت لحضرتك طلبى وحضرتك رفضت، تقدر تاخد إجراءاتك القانونية وإحنا بإذن الله هنكون مستعدين ليها، بعد إذنك.
لا يدرى لما شعر خالد بألــم في صدره لمظهرها الضعيف الشاحب رغم ثبات نظراتها، ولما شعر أنه قد زاد العيار معها، فمن الممكن ان يتغاضى عن موضوع الأغلفة برمته ولن يحدث شئ مما ذكره، وحتى إن حدث فهو قادر على دحض أية أقاويل، ولكنه أراد أن يثبت لنفسه أنها لا تهمه مطلقا، أو ربما أراد ان يغلق هذا الباب المفتوح بينهما للأبد، هو حقا لا يدرى ولكن كان موقنا من أن ما يفعله هو القرار الأصوب، حتى تلك اللحظة، و التي يراها فيها الآن تمشى بإتجاه الباب ربما مغادرة حياته للأبد، ليدرك أنه أخطأ خطئا فادحا، لتقف ليلة مغادرة بدورها وهي ترمقه بحنق، زفر بقوة قبل أن تتسع عيناه بصدmة وهو يرى جورية تقع فجأة على الأرض مغشيا عليها بينما صرخت ليلة بإسمها في هلع.
نهضت شاهيناز قائلة في صدmة:
يعنى إنتى عايزة تفهمينى إن مؤيد رجع.
تنهدت لين وهي تومئ برأسها قائلة:
أيوة رجع، وياريته بس رجع، ده رجع ومش ناوى أبدا على خير.
عقدت شاهيناز حاجبيها قائلة:
قصدك إيه؟
نهضت لين وإستدارت حول المكتب وهي تقول:
قصدى إنه راجع مخصوص علشانى ومش ناوى يسيبنى في حالى أبدا.
رفعت شاهيناز حاجبها الأيسر قائلة:
وإيه بس اللي مخليكى متأكدة من الكلام ده.
إستندت لين إلى مكتبها قائلة:.
هو بنفسه قاللى الكلام ده، تصرفاته غريبة وكلامه أغرب ياشاهى، وبجد بدأت أقلق منه.
قالت شاهيناز بحدة:
وناوية تعملى إيه يالين؟
تعجبت لين من حدتها لتنظر إليها عاقدة الحاجبين فقالت شاهيناز بإرتباك:
قصدى يعنى، ناوية ترجعيله بعد اللي عمله فيكى يالين؟
قالت لين بنفي سريع:
لأ طبعا أرجعله إيه بس، إنتى إتجننتى، أنا مستحيل أرجعله، وإنتى من بين الناس كلها عارفة إن رجوعى ليه من رابع المستحيلات.
زفرت شاهيناز براحة قائلة:
طمنتينى بجد، أنا قلت يعنى ممكن تكونى ضعفتى عشان بتحبيه أو يعنى...
قاطعتها لين قائلة بحزم:
أنا مش ممكن أضعف ولا أخلى مشاعرى تتحكم فية من تانى، الكلام ده مش ممكن يحصل ابدا.
لتقول شاهيناز وهي تتفحص ملامحها تستشف أفكارها:
طب وناوية على إيه يالين؟
قالت لين:
هسافر، هسافر ياشاهى.
ناداها صوته من مكان بعيد، ليسحبها بقوة من تلك الهوة السحيقة والتي تسحبها إليها بدورها، لينتصر صوته بالنهاية وتبدأ في فتح عينيها بضعف لتراه أمامها، ينظر إلى عينيها بقلق، لتقول بهمس ضعيف:
فهد.
قست قسمـ.ـا.ته وهو يقول:
خالد، إسمى خالد نصار.
فتحت عينيها بقوة وإدراكها يعود إليها بسرعة، لتنتفض معتدلة وهي تقول بإرتباك:
آه آسفة، أاااه.
أمسكت رأسها بقوة وقد عاد إليها الدوار ربما لإعتدالها المفاجئ ذاك، ليظهر القلق مجددا على عينيه وهو يقول:
ياريت لو ترتاحى شوية كمان، إنتى شكلك تعبانة وبعدين إنتى لازم تشوفى دكتور، إغمائك المتكرر ده غريب ومش طبيعى على فكرة.
قالت في مرارة:
لأ طبيعى، أنا كدة، متعودة عليه من صغرى، آسفة بس لازم أمشى دلوقتى.
قالت ليلة المتابعة لحديثهم بصمت:
يبقى هوصلك البيت، مش هينفع أسيبك في الحالة دى ياجورى.
أومأت جورية برأسها في ضعف، ونهضت ببطئ لتسندها ليلة، ليحسم خالد هذا النزاع مابين عقله وقلبه على الفور وهو يقول:
إستنوا.
إلتفتا إليه سويا لينظر إليهما قائلا بهدوء:
أنا جاي معاكم.
إتسعت عينا ليلة في دهشة، بينما أحست جورية بالإضطراب ممتزجا بقليل من الجزع وهي تقول:
مفيش داعى، أنا...
قاطعها وهو يشير إليها بالصمت قائلا:
ده قرارى الأخير ومش هرجع فيه، هوصلكم يعنى هوصلكم.
ليأخذ هاتفه ومفاتيحه من على المكتب وهو يسبقهم إلى الخارج بخطوات حازمة لتنظر جورية إلى ليلة التي هزت كتفيها لتتنهد جورية وقد أيقنت أن ما يحدث معها الآن هو تقريبا أسوأ مخاوفها، على الإطـ.ـلا.ق.
قال مؤيد لهذا الشخص الذي يحادثه في الهاتف:
يعنى كل شئ تمام؟
صمت قليلا ليقول بعد لحظات:
لأ كويس أوى كدة، إبعتلى إنت بس المفاتيح وملكش دعوة بأي حاجة تانية.
ليصمت لثوان ثم يقول:
بكرة او بعده بالكتير، تمام يامعتز، سلام.
ليغلق الهاتف ثم يلتفت ليتجمد تماما حين رأى نبيل أمامه يقف صامتا يحدجه بنظرة غير راضية على الإطـ.ـلا.ق، ليشيح بوجهه عنه، وهو يتجه إلى حجرته ليوقفه نبيل قائلا:
إنت ناوى على إيه يامؤيد؟
إلتفت إليه مؤيد يحدجه بنظرات غامضة قبل أن يقول:
بلاش يانبيل إنت بالذات تعرف، لإنك مش هتوافق على اللي هعمله.
قال نبيل بحدة:
مادام عارف إنى مش هوافق يبقى اكيد عارف إنه غلط.
قال مؤيد بحدة مماثلة:
واللي عملته فية مش غلط، أهو غلط بغلط والبادى أظلم.
قال نبيل بحـ.ـز.ن:
إنت إتغيرت اوى يامؤيد، مبقتش مؤيد صاحبى اللي عرفته.
لينظر إليه مؤيد نظرة طويلة قبل أن يقول بهدوء يوارى به مشاعره المحطمة بالداخل:.
انا فعلا مبقتش مؤيد بتاع زمان، بس هي السبب وعشان أرجع مؤيد لازم أشفى غليلى من اللي باعتنى ودmرت حياتى وفى الآخر رايحة تتجوز بكل برود، لازم أخليها تبوس رجلى عشان أرحمها وساعتها بس، ساعتها بس هرجع مؤيد اللي إنت تعرفه.
قال نبيل:
بس كدة إنت...
قاطعه مؤيد وهو يقول بحزم:.
لو سمحت يانبيل، سيبنى على راحتى، أنا رضيت تيجى معايا مصر، مش عشان تكون رقيب علية، أنا رضيت لإنك صاحبى وحاسس بية وأكيد هتدعمنى ولو مقدرتش تدعمنى، يبقى على الأقل متمنعنيش.
ليتركه ويتجه إلى حجرته، مغلقا الباب خلفه بهدوء، يتابعه نبيل في حيرة إمتزجت بالحـ.ـز.ن، وقد أيقن ان مؤيد ينوى بلين شرا، وهو لن يقف هكذا مكتوف الأيدى يشاهد صديقه وهو يودى بنفسه إلى الهلاك، لن يفعل هذا مادام حيا.
↚
لا بأس أن تبكي أوراق قلبك اللينة
لابأس أن تميل أغصان روحك الهينة
أنت ماء عـ.ـذ.ب لتراب الأرض المـ.ـيـ.ـتة
وتظل الدmـ.ـو.ع نقاء من الأوجاع النيئة
لا بأس بضباب يجتاح الأفكار السيئة
فما خبأت منك إلا الذكريات الشقية
بقلم، نور محمد.
كانت شاهيناز تجوب الحجرة جيئة وذهابا في غـ.ـيظ، تتساءل بحنق، لماذا عاد مؤيد من جديد، وماذا يريد من لين؟هل حن لها؟هل إشتاق إليها؟هل نسي كل ما حدث بينه وبين لين؟ترى ماالذى قد تفعله لتحول بينهما مجددا؟
توقفت في مكانها فجأة، تتساءل، ترى أين هو الآن؟وماذا يفعل؟هل عاد لشقته القديمة؟ربما ستذهب إليه الآن لتراه، تتأكد من نواياه، أو ربما تخبره كم إشتاقت إليه...
نفضت أفكارها، تعرف النتيجة مسبقا، فلا داعى لخيبات الأمل المتكررة، هو لن يرضخ لها فهو مازال عاشقا لتلك اللين، وكل ما سينالها منه هو التقريع، وربما تلك المرة أخبر خالد بمحاولاتها الدائمة معه، لذا فالأولى لها الآن أن تحاول التفريق بين لين ومؤيد، يجب أن تمنع لقائهما، يجب أن تحول بينهما بأي ثمن، أما البقية، فستدع الأيام تقرر خطواتها التالية وقراراتها بهذا الشأن، الآن ستذهب إلى خالد تخبره أنها عائدة إلى المنزل فلديها صداع شـ.ـديد يكاد يفتك برأسها، ستخلد إلى الراحة قليلا كي تستطيع التفكير بهدوء، نعم هذا ما ستفعله تماما.
إتجهت بخطوات حازمة إلى مكتب زوجها لتهز رأسها بهدوء تحيي صفاء مديرة مكتب خالد، قبل أن تكمل طريقها ليوقفها صوت صفاء التي قالت بإحترام:
خالد بيه مش في المكتب يامدام شاهى.
إلتفتت إليها شاهى عاقدة حاجبيها وهي تقول:
أمال راح فين ياصفاء؟
قالت صفاء:
مشي من شوية مع آنسة ليلة وصاحبتها.
ليزداد إنعقاد حاجبي شاهيناز وهي تتساءل عن سبب رحيله المفاجئ، ومن تلك الصديقة التي رافقتهم؟ لتومئ برأسها محيية السكرتيرة بهدوء، وهي تغادر حجرة المكتب متجهة إلى خارج الشركة، تمسك هاتفها و تتصل برقم زوجها خالد، مرارا وتكرارا، لكن للأسف، لا مجيب.
قالت ليلة:
مـ.ـا.ترد على التليفون ياخالد.
لم يجبها خالد وهو يتجاوز تلك السيارة التي أمامه بصعوبة، يسرع بسيارته حقا، يود أن يطوى الأرض طيا ويوصل تلك الجورية التي قلبت حياته رأسا على عقب وشغلت أفكاره بأسرع وقت ممكن، يود حقا لو أغلق صفحتها للأبد، فبينهما بابا يحمل إليه رياحا عاتية، هو مواربا حتى تلك اللحظة وأضراره بسيطة ومحتملة ولكن إذا إتسع أكثر من ذلك ستقــ,تــلعه تلك الرياح من الجذور، وستودى به إلى حتفه بالتأكيد.
رن الهاتف مجددا لتحمله ليلة تنظر إلى شاشته وهي تقول:
دى شاهى ياخالد، ما ترد عليها، أكيد فيه حاجة مهمة عشان متبطلش رن عليك بالشكل ده.
قال خالد في لا مبالاة:
لأ عادى، ده الطبيعى بتاعها.
أغمضت جورية عينيها بألــم، ترفض سماعه وهو يتحدث عنها، عن غريمتها التي حظيت بكل ما حلمت به جورية، حظيت بحبه، بدفئه، بحنانه، بإسمه، بطفلته، أما هي فلم تحظى منه سوى بعـ.ـذ.اب الحب فقط، وياله من عـ.ـذ.اب.
فتحت عيونها تنظر إلى الأمام، لتقع عيناها على مرآة السيارة، تتقابل عسليتيها مع عينيه الزرقاوتين، رغما عنها لم تستطع الإشاحة بناظريها، لتجمعهما نظرة طويلة، حبست أنفاسهما معا، ليكون هو أول من يشيح بناظريه عنها مركزا على الطريق مجددا ورافضا هذا السحر الذي يجذبه إليها، يجعله ضعيفا خاضعا، يود فقط لو كان هو وهي وحدهما، يزيد هذا السحر من رغبته في ان يتعرف عليها أكثر، أن يعرف تفاصيلها، مـ.ـا.تحب ومـ.ـا.تكره، يود فقط لو إقتربت منه وأسكنها صدره، يشعر بأن هذا هو مكانها الطبيعي، تبا، إلى أين تودى به أفكاره، حقا إلى جحيم لا قبل له به...
أفاق من شروده على صوتها الرقيق وهي تقول:
العمارة اللي جاية دى لو سمحت.
توقف خالد بالسيارة، لتترجل منها جورية على الفور، شعرت بالدوار في نفس الوقت الذي خرجت من السيارة ليلة وأصبحت بجوارها لتسندها بسرعة، ترجل خالد بدوره وهو يراها بهذا الضعف والشحوب، ليقول بقلق:
المفروض نروح للدكتور ياآنسة جورية، من فضلك إركبى تانى.
هزت جورية رأسها بضعف قائلة:.
قلت لحضرتك الموضوع ما يستاهلش، أنا متعودة على الدوخة دى، شوية وهتروح، أنا متشكرة أوى، تعبتكم معايا، تقدروا تتفضلوا إنتوا وانا هبقى كويسة متقلقوش.
قالت ليلة:
متشكرة إيه بس ونتفضل إيه، أنا مش همشى غير لما أتأكد بنفسى إنك بقيتى كويسة.
قالت جورية بضعف:
أيوة بس...
قاطعتها ليلة قائلة في حزم:
مفيش بس، يلا بينا.
نظرت جورية إليها بضعف، حائرة ماذا تفعل وقد لاحظت ان خالد سيرافقهما، لتهز رأسها في قلة حيلة فهي تشعر بالضعف فعلا وربما حقا تحتاج أحدا بجانبها، حتى لو كان هذا الشخص، هي ليلة وأخيها، خالد.
قالت سها بإبتسامة:
خلاص والله يالين، إعتذرتيلى خمسين مرة والغلطة مش غلطتك اصلا، غلطة مرات اخوكى اللي مش عارفة مالها ومالى بس، واخدة بالها منى ليه؟والله ما أنا عارفة اخوكى مستحملها إزاي بس؟
قالت لين بإبتسامة:
مش للدرجة دى ياسو، هي صحيح عصبية وحمقية ولسانها أطول منها بس قلبها طيب، إنتى نسيتى مين اللي وقف جنبى في أزمتى، هي طبعا، انا مش حكيتلك هي عملت معايا إيه؟
قالت سها بسـ ـخـــريــة:.
والله يالين انا مبقتش فاهماكى، إنتى طيبة ولا هبلة، ذكية ولا عبـ.ـيـ.ـطة.
قالت لين بإستنكار:
مين دى اللي عبـ.ـيـ.ـطة؟ما تاخدى بالك من كلامك ياسها.
قالت سها:
طيب خلاص متزعليش، بس والله إنتى على نياتك اوى لما تقولى على شاهيناز كدة، شاهيناز طيبة؟دى حية وسمها بيلدغ من تحت لتحت، بكرة الأيام تدور وتقولى كان عندك حق ياسها.
قالت لين:
طيب سيبينا من شاهى ومواويلها وقوليلى، فيه حفلة بالليل في بيت صافيناز، ها هتيجى معايا؟
قالت سها بإستنكار:
حفلة تانى، وملل تانى وكعب في الآخر يتكـ.ـسر وراجـ.ـل يطلعلى ويفكرنى سندريلا، لأ، شكرا يا ستي.
عقدت لين حاجبيها قائلة:
كعب إيه وراجـ.ـل مين، وإيه حكاية سندريلا دى كمان؟
أطلقت سها ضحكة ثم قالت:
هو أنا مقلتلكيش؟
إزداد إنعقاد حاجبي لين قائلة:
قلتيلى إيه بس؟
قالت سها بإبتسامة واسعة:.
هقولك يالولو، هقولك على ليلة قابلت فيها فارس احلامى وبعـ.ـبـ.ـطى كالعادة مشيت، ومسبتلوش أي حاجة يوصلى بيها غير كعب جزمة مكـ.ـسور، تقريبا كدة زي حكاية سندريلا، بس في الحكاية الأمير لقى أميرته، أما في الحقيقة، فسندريلا بتضـ.ـر.ب نفسها بالجزمة إنها مديتلوش رقم تليفونها.
قالت لين بحيرة:
إنتى بتقولى إيه؟انا مش فاهمة حاجة خالص.
ضحكت سها مجددا وهي تقول:
تعالى ياأختى نقعد في حتة وأنا أفهمك كل حاجة.
كان خالد يتأمل شقة جورية البسيطة ولكن في نفس الوقت أنيقة تماما كصاحبتها، تحمل حقا الكثير والكثير من روحها، التي ورغم قصر المرات التي قابلها فيها، والتي لا تتعدى المرتين، إلا أنه يشعر أنه يعرفها وكأنها تربت على يديه، يحفظ سكناتها، إنتبه إلى وجود دفتر رسم كبير يقبع على الأريكة، إتجه إليه ببطئ ورفعه ليمسكه بين يديه، تأمل واجهته الرقيقة ليدرك مدى رقة صاحبته، حتى في إختيارها لدفتر رسم بسيط، كاد أن يفتحه لتتوقف يده في الهواء وضميره يؤنبه بشـ.ـدة، فهذا الدفتر قد يحمل بعض أمورها الشخصية، كاد أن يضعه مجددا في مكانه ولكن فضوله تجاهها غلبه، ليفتحه بهدوء وما إن فتحه حتى تمنى لو لم يفتحه مطلقا، فهناك وبين ورقاته قبع هو في أماكن مختلفة، بجسده وروحه التي لم يعريها لأحد، جسدت جورية كل حركاته وسكناته، ضحكاته التي لم يراها أحد سواه، شروده، نظرات عشق لم ينظر بها إلى أي فتاة من قبل، أهكذا سيكون عنـ.ـد.ما يعشق إحداهن؟ما هذا؟إنه هو، يقف عارى الجزع، تلفح الشمس بشرته، يتصبب العرق من وجهه، وهو يمسك بالفأس، هل هذه هي صورته كمزراع؟ياالله كم تبدو الصورة حية للغاية وكأنه متجسدا أمامه، إنها فنانة بـ.ـارعة، لا يستطيع أن ينكر هذا، عقد حاجبيه وهو يرى محيط تلك الصور، يشبه كثيرا محيط تلك الأحلام التي تراوده عن تلك الفتاة، بل تكاد تكون متماثلة، هاهي الطاحونة الزرقاء، وهاهو الكوخ الصغير المجاور لإسطبل الخيل، وها هو ذلك النهر الصغير وتلك الشجرة الكبيرة بجواره، ماالذى يعنيه هذا؟شعر بألــم في رأسه، وهذا الصداع يعاوده من جديد، وضع يده على جبهته يدلكها بخفة، ليتجمد في مكانه تماما وهو يستمع إلى صوت ضحكاتها الصادرة من غرفتها حيث تساعدها ليلة على تبديل ملابسها والتمدد في سريرها، إنها تشبه ضحكات فتاة أحلامه، لا، لا تشبهها، إنها هي، تبا، ما الذي يحدث؟، إنه ضـ.ـر.با من الجنون، كاد أن يضع الدفتر من يده، ولكنه توقف حين رأى صورتها معه، كانا يقفان معا يتأملان مشهد غروب رائع، لم يلفت إنتباهه هذا المشهد الخيالي وإنما ما لفت إنتباهه هو لون شعرها، مختلف عن لونه الآن، يشبه تماما لون شعر فتاة أحلامه ومطلقة عنانه مثلها تماما، أما في الحقيقة فدائما ما ترفعه على هيئة ذيل حصان مع تغيير لونه بالطبع، من الكستنائي إلى البني المائل للحمرة قليلا، ليشعر بالرهبة، يتساءل في صمت عن كنه ما يحدث، والذي ليس عنده له تفسير آخر سوى أنه في ورطة كبيرة جدا، وأنه يجب أن يخرج من هذا المكان على الفور، ليعيد جمع شتات نفسه التي تبعثرت منذ أن رآها، والأدهى هذا الدفتر والذي هو عبـ.ـارة عن تجسيد لأحلامه على ورق، ليتركه من يده، ثم يلقى نظرة أخيرة على باب الحجرة المغلق والذي يضم بين جنباته أخته ليلة وتلك الفتاة التي أربكت حياته بشـ.ـدة، جورية، ليتجه بعدها إلى باب المنزل، يفتحه ويخرج منه مغلقه خلفه قبل أن يتجه بخطوات مسرعة تجاه سيارته وكأن شياطين الدنيا كلها في إثره.
إبتسمت ليلة قائلة:
أيوة بقى ياجورى ياقمر، خلى الضحكة تنور وشك.
إبتسمت جورية وهي تتأملها قائلة:
إنتى طيبة أوى ياليلة، بجد أنا مبسوطة إنى عرفتك.
إبتسمت ليلة قائلة:
القلوب عند بعضها ياقلبى، أنا كمان مبسوطة إنى عرفتك، ومبسوطة أكتر إن أخويا حبك إنتى.
أشارت لها جورية بالصمت قائلة:
بس، أخوكى برة، بلاش الكلام ده دلوقتى.
أشارت ليلة برأسها موافقة وهي تشير لفمها بعلامة الصمت، لتهمس جورية بحـ.ـز.ن:.
بس عموما الكلام ده كان زمان، دلوقتى...
قاطعها رنين هاتف ليلة، لتنظر إلى شاشته وتجد رقم هاتف اخيها لتقول:
ده خالد، الظاهر مل من القعدة برة لوحده، أنا فعلا إتأخرت عليه.
لتجيب أخيها قائلة:
ألو، أيوة ياخالد، خرجـ.ـالك حال...
صمتت وهي تعقد حاجبيها قبل أن تقول:
طيب تمام، أنا هروح، آه عارفاه، متقلقش، سلام.
لتغلق هاتفها وهي تنظر إلى جورية التي قالت بتقرير:
مشي، أكيد وراه شغل.
هزت ليلة رأسها نفيا قائلة:.
معتقدش وراه شغل، صوت مية جنبه وكأنه قاعد على النيل، وبعدين فيه حاجة في صوته مش طبيعية، متغير أوى، وكأن فيه حاجة مضايقاه، تفتكرى وجوده جوة شقتك فكره بحاجة من الماضى؟
هزت جورية رأسها بنفي قائلة:
معتقدش، فهد، قصدى خالد مجاش هنا قبل كدة، حياتى معاه كانت هناك في الوادى، ومعتقدش فيه حاجة هنا ممكن تفكره بماضينا مع بعض.
هزت ليلة كتفيها قائلة:
مش عارفة بقى، عموما ياخبر بفلوس، بعد شوية هيكون ببلاش.
لتنهض قائلة:.
أنا هقوم بقى وأسيبك عشان ترتاحى حبة وهجيلك بكرة بعد المحاضرات عشان أطمن عليكى.
إبتسمت جورية قائلة:
مفيش داعى تتعبى نفسك ياليلة، انا بجد بقيت كويسة الحمد لله.
رفعت ليلة حاجبيها قائلة بمزاح:
إيه ده إنتى مش عايزانى أجيلك ولا إيه ياجورى، قولى بقى إنك زهقتى منى.
قالت جورى في عتاب:
ازهق منك إيه بس، ده انا ما صدقت ألاقيلى أخت في غربتى دى.
إبتسمت ليلة قائلة:.
يبقى ياروح أختك تسيبيلى نفسك خالص بكرة هأكلك أكلة على مزاجى إنما إيه، تستاهل بقك.
إبتسمت جورية وهي تومئ برأسها، لتتسع إبتسامة ليلة قائلة:
يلا سلام.
قالت جورية:
سلام ياليلة.
غادرت ليلة تتابعها عينا جورية بإبتسامة مالبثت أن إختفت وهي تتساءل عن سبب مغادرة خالد المكان بتلك السرعة دون أن يصطحب ليلة معه، ليظل سؤالها عالقا، دون إجابة.
دخل خالد إلى حجرته في وقت متأخر، يتوقع أن تكون شاهيناز قد خلدت للنوم كعادتها، لتخالف توقعاته وهو يراها مستيقظة، تجلس في السرير، تبدو من ملامح وجهها أنها تبغى أن تفتعل مشاجرة معه وهو غير مستعد مطلقا لمهاتراتها، ليحدقها بنظرة بـ.ـاردة وهو يقول:
من فضلك، أنا راجع تعبان ومش حمل أي حاجة تضايقنى، لو عندك حاجة عايزة تقوليها ياريت نأجلها لبكرة، مفهوم؟
نفضت شاهيناز عنها الغطاء قائلة:.
بس اللي عايزة أسألك عنه مينفعش يتأجل لبكرة ياخالد.
زفر خالد قائلا في ضجر:
خير ياشاهى، عايزة تسألينى عن إيه؟
تفحصت شاهيناز ملامحه وهي تقول:
مين صاحبة ليلة اللي خرجت انت وهي معاها النهاردة وإتأخرت بسببها لغاية دلوقتى.
حدجها ببرود للحظات قبل أن يقول:.
أولا أنا متأخرتش بسبب حد، أنا سبت ليلة مع صاحبتها من بدرى ومشيت روحت قعدت على النيل شوية، ثانيا، أظن غيرتك علية دى جاية متأخر أوى ياشاهى، يعنى مشفتهاش غير في مكتب دار النشر ودلوقتى، إيه، فجأة لقيتى نفسك بتحبينى وبتغيرى علية؟
إقتربت منه شاهيناز حتى وقفت أمامه تماما لتضع يدها على صدره قائلة في دلال:.
أنا طول عمرى بحبك وبغير عليك ياخالد، ومش معنى إنى مببينش ليك، يبقى مبحبكش، لأ، سميها ثقة في نفسى، لإنى عارفة ومتأكدة إنى متخانش، ده غير إنى عارفة إنك معندكش مشاعر عشان تديها لحد ياحبيبى، طول عمرك وإنت قلبك جـ.ـا.مد، رافض تحب وتتحب، وأنا عارفة إنك محبتش في حياتك حد غير إخواتك وريم.
قال خالد ببرود:
ولما انتى عارفة كدة، وغيرتك محتفظة بيها لنفسك، إيه اللي حصل فجأة وفجرها بالشكل ده؟
رفعت يدها تمررها على وجنته بنعومة قائلة:
لإن خالد نصار اللي أعرفه مبقاش خالد نصار من يوم ما رجع من السفر، بقيت بتسرح كتير ووضعك مبقاش مريحنى، بقيت أبرد من الأول معايا، ومعاملتك لية بقت أسوأ، وكأنى مش أم بـ.ـنتك الوحيدة، تعرف أكتر حاجة صدmانى، هو إن خالد نصار اللي أعرفه، شفته من يومين في عيونه نظرة قلقتنى، نظرة خــــوف وقلق على واحدة ميعرفهاش، وده جننى، والله جننى.
أمسك خالد يدها التي تمررها على وجنته يوقفها ببرود قائلة:.
على فكرة أنا زي ما أنا متغيرتش، ومش معنى إن الإنسانية جوايا إنتصرت للحظة يبقى إتغيرت، أنا فعلا معنديش مشاعر أديها لحد وقلتلك الكلام ده من زمان، أما بقى سبب معاملتى ليكى إنتى بالذات، فإحمدى ربنا إنى كملت معاكى حياتى أصلا، وده من باب الشهامة مش أكتر، دى بقايا الشفقة اللي جوايا واللي مش عاجباكى دلوقتى، فمن فضلك، ياريت تلمى حواراتك دى، أنا قلتلك إنى تعبان ومش حمل كلام ملوش معنى يضايقنى.
ليتركها واقفة في مكانها ويتجه إلى الحمام، بينما تتابعه عيناها بحنق، تلعن إنكسارها الدائم أمامه، بل تلعن هذا اليوم الذي تركها فيه حبيبها، وتخلى عنها، لتضطر أن تتزوج وتصبح لقمة سائغة في فاه خالد نصار، ذليلة أمامه، تعيش حياة بـ.ـاردة خالية من الحياة، لتقرر وبكل حسم أن تبدل حياتها تلك، وأن تسعى إلى الطـ.ـلا.ق ولكن بعد أن تتأكد من أن حبيبها سيتقبلها ولن يرفضها كما رفضها بالسابق، ستعمل على أن تجعله لها وحدها دون غيرها، ستجعله ينسى مجددا حبه القديم ليفتح قلبه لعشقها، وحتى تفعل ذلك ستظل مع الأسف، أسيرة هذا الرجل، زوجها، خالد نصار.
↚
مدقوق بالأوتاد أرضًا بالأربع
أتلوى ألــمًا مكتوفًا بالعجز أتضوع
و صراخي يشق فراغي من المنبع
أغلال تنخر رسغاي، آه أتو.جـ.ـع
و قفير يحويني وحدي، أين المصرع
استغاثاتي تتهدج بصوت متقطع
هل من منقذ من هذا السـ.ـجـ.ـن المفجع
من هذا الحد القاطع يشق الجسد المتمنع
من تلك النار الشعواء تكوي جنبي المتضلع
من ذاك الجلمود يدثرني بات المهجع
فيا ليتني كنت ترابًا من ذوات الأربع
لا ألوي على شيء من دنيا و لا مطمع.
أيا غربتي المريرة كيف السبيل إلى خلاص فقد جف المدmع
بقلم، ايهاب سليمان.
دخل خالد إلى حجرة الطعام ليجد ليلة ولين جالستان يتناولان طعامهما في صمت، ألقى تحية الصباح بهدوء، ثم جلس يتناول طعامه بدوره في صمت، نهضت لين قائلة بسرعة:
أنا ماشية، سلام.
توقف خالد عن تناول طعامه وهو يقول:
لأ إستنينى يالين، هنروح مع بعض.
هزت رأسها نفيا قائلة:
مش هينفع، انا مش رايحة الشركة، ورايا مـ.ـيـ.ـتنج مهم مع عميلة.
قالت ليلة بدهشة:
غريبة اول مرة تقابلى عميلة برة الشركة.
هزتت لين كتفيها قائلة:.
مش غريبة ولا حاجة، بتحصل بس مش كتير، على حسب راحة العميل، ويلا بقى مضطرة أمشى عشان متأخرش، سلام.
قال خالد:
سلام.
غادرت لين بينما نهضت ليلة بدورها قائلة:
أنا كمان همشى، عشان ورايا محاضرة بدرى النهاردة، سلام.
قال خالد بهدوء:
إستنى ياليلة، أنا عايزك، أقعدى.
عقدت حاجبيها بحيرة وهي تعاود الجلوس مجددا قائلة بحيرة:
خير يا خالد؟
تراجع خالد في مقعده وهو يقول:
الحقيقة فيه موضوع مهم عايز أكلمك فيه.
نظرت إليه ليلة ولم تعقب، ليميل إلى الأمام قائلا بحزم:
جورية.
إزداد إنعقاد حاجبيها وهي تقول:
مالها؟
نظر إلى عينيها مباشرة وهو يقول:
مش عايزك تقربى منها، حكايتها خلصت خلاص، وياريت نقفل موضوعها ده خالص.
قالت ليلة بحيرة:
بس أنا حبيتها ياخالد ومش حابة أبعد عنها، أنا بحسها زي لين وسها بالظبط، انت ليه بس عايز تبعدنى عنها؟جورى طيبة أوى ياخالد، صدقنى، دى ملاك والله.
قال خالد في نفسه، أنها لا تحتاج لأن تقسم فهو يدرك بكل قوة أنها حقا تبدو كالملاك، وأن بها براءة ورقة تجذبانه بشـ.ـدة، لا تحتاج لأن توضح له ما هو واضح فعلا كالشمس، فها هو ينجذب إليها وبشـ.ـدة وهو لم يلقاها سوى مرتان، يشعر بأنها خلقت له، وهو خلق لها، يجمعهما شئ روحاني لا يتكرر، فهي تجسيد لأحلامه وربما هو تجسيد لأحلامها التي خطتها على ورق، هذا الورق الذي أربكه، أخافه، و.جـ.ـعله يقرر قرارا مصيريا لا رجعة فيه، سيغلق صفحتها للأبد، فلا مكان في قلبه لضعف يجلبه العشق، لا مكان في حياته للمشاعر، حياته قد رسمها بعناية، وداخل تلك الصورة لا مكان لجورية أبدا، والتي بمجرد ظهورها في حياته، جعلت تلك الصورة باهتة ودون ملامح، ليدرك أنه ليستعيد حياته السابقة، يجب أن ينساها، يمحوها من أحلامه وحياته للأبد، ربما لن يستطع أن يقوم بذلك، ولكنه بالتأكيد سيحاول.
أفاق من شروده على صوت ليلة وهي تقول:
بص يا خالد، أنا عمرى ما إعترضت على أي قرار أخدته، وعمرى ما قلتلك لأ على حاجة، بس حقيقى في الموضوع ده مش هقدر، جورية من ساعة ما عرفتها وأنا حسيتها قريبة منى، شبهى، ومش بس كدة، هي غريبة في بلدى وملهاش صاحبات، يمكن أكون أول صاحبة ليها هنا من سنين، ده غير إنها بجد مريـ.ـضة ومحتاجة حد يكون جنبها وإنت مربتنيش على إنى أتخلى عن حد محتاجلى.
لتنهض مستطردة بحزم:.
بعد إذنك، إتأخرت عن المحاضرة وفعلا مضطرة أمشى، سلام.
تأملها وهي تغادر بهدوء، يدرك أنها على حق تماما، ولكنه كان يود لو أغلق هذا الباب تماما ليرتاح باله، ولكنه ومع الأسف ظل مواربا، ليخشى أن يفتح على مصراعيه ليدخل منه رياح عاتية لا قبل له بها.
أنهت لين إجتماعها مع العميلة وقد إتفقتا على كل شروط العقد، وإتفقتا على إمضاء العقود أيضا في الشركة في اليوم التالى، خرجت من المطعم وإتجهت إلى سيارتها بخطوات رشيقة، ثم ركبت في المقعد الخلفى وهي تمسك هاتفها تقول لسائقها بهدوء وهي تجرى إتصالا بسها:
على الشركة علطول ياعم مختار.
إلتفت إليها السائق قائلا بإبتسامة:
تحت أمرك يافنـ.ـد.م.
تجمدت أصابع لين التي تضغط أزرار هاتفها وهي تستمع إلى صوت السائق تدرك أنه بكل تأكيد ليس صوت سائقها الذي تعرفه، وإنما هو صوت آخر تعرفه، تعشقه، وفى نفس الوقت تهابه، يثير الإضطراب في جسدها ويشعل مشاعرها المتناقضة كلية، رفعت وجهها إليه، لتتسع عيناها بصدmة وهي تطالع عيناه العسليتان لتبتلع ريقها بصعوبة وهي ترى إبتسامته الساخرة ليتوجس قلبها خيفة من الآتى، تدرك أن وراء تلك الإبتسامة شئ غير مستحب بالكامل بالنسبة إليها، كادت أن تتحدث ولكن هذا الرذاذ من تلك العلبة في يده والذي إنطلق في وجهها، جعل الرؤية أمامها غير واضحة، أرادت الصراخ، الإستنجاد بأحدهم، ولكن صوتها لم يسعفها، فقد ثقل لسانها وأحاط بها السواد تدريجيا، لتغرق في سبات عميق، ألقى عليها نظرة تأمل فيها ملامحها الرقيقة الهادئة الآن تماما، لتختفى إبتسامته الساخرة تماما وتظلل ملامحه سحابة من الألــم، يكره ما سيفعله بها ولكنه مجبر على فعله، يجب أن ينتقم لكرامته الجريحة، يجب أن يخضعها له، ثم سيخرجها من حياته إلى الأبد.
قال فراس بحيرة:
غريبة نزوله فجأة من غير ما ياخد أخته معاه أو حتى يستأذن منكم، ممكن مثلا يكون إفتكر حاجة لما جه البيت هنا؟
هزت جورية رأسها نفيا وهي تقول:
لأ طبعا مستحيل، إنت هتقول زي ما ليلة قالت؟، ما إنت عارف إن حكايتنا كلها كانت هناك، في الوادى، وإنى جيت هنا بعد ما إختفى، يعنى البيت هنا مش ممكن يفكره بحاجة أبدا.
هل فكرت ليلة مثله؟، ياالله، حتى معرفته تلك أسعدته، فقد أصبح كل ما يخصها يسعده حتى لو كان شيئا بسيطا مثل ذلك، يتعجب من إنجذابه الشـ.ـديد إليها رغم قصر مدة معرفته بها، أفاق من شروده على صوتها وهي تقول بحيرة:
أنا كمان مستغربة نزوله المفاجئ، ومش قادرة أفسره رغم إنى إرتحت كتير لنزوله، وجوده في المكان كان مـ.ـو.ترنى، كان مخلينى...
توقفت عن الكلام وعيناها تقع على هذا الدفتر الخاص بها، إنها على يقين من أنها لم تضعه على الطاولة الجانبية تلك، بل تركته على الأريكة بعد أن كانت تتصفح رسمـ.ـا.تها التي تذكرها بأيامها الجميلة معه، ترى...؟لا، لا يمكن، إن صح ظنها، فماذا ستقول له وكيف ستواجهه، ربما لن تفعل مجددا، بل يجب أن لا تفعل مطلقا.
تابع فراس نظراتها المنصبة على دفتر رسمها ليقول بهدوء أخرجها من أفكارها البائسة:
شافه، صح؟
نظرت إليه جورية قائلة بحـ.ـز.ن:
ممكن، وده يفسر نزوله المفاجئ، يمكن فكرنى واحدة مهووسة بيه، أو حس إن فيه حاجة غلط.
قال فراس وهو يرفع حاجبه الأيسر قائلا:
ويمكن إفتكر؟
نظرت إليه جورى للحظة في أمل مالبث أن خاب وظهر الحـ.ـز.ن على وجهها مجددا وهي تقول:.
معتقدش، خالد لو إفتكر مكنش نزل بالشكل ده، كان هيواجهنى ومش بعيد ياخدنى في حـ.ـضـ.ـنه وتتحول ملامحه البـ.ـاردة اللي بتقــ,تــلنى لملامح حبيبى فهد، يردلى روحى الضايعة منى، غالبا هو إفتكرنى مهووسة بيه، وده يفسر تصرفه الغريب يومها.
اومأ فراس برأسه وكاد أن يتحدث مجددا حين رن جرس الباب ليعقد حاجبيه قائلا:
إنتى مستنية حد؟
هزت رأسها نفيا لينهض على الفور ويتجه إلى باب الشقة ينظر من عين الباب ليرى كيسا أبيضا كبيرا أمامه يخفى ملامح حامله، عقد حاجبيه ثم فتح الباب ليرى ذلك الكيس الأبيض ترفعه حاملته أمام وجهها قائلة بنبرة صوت مرحة خلبت لبه:
الديليفرى جه يافنـ.ـد.م، شبيكى لبيكى، ليلة بين...
لتنزل الكيس وتظهر ملامح وجهها الرائعة وهي تقول بإبتسامة واسعة:
إيديكى.
لتتجمد البسمة على شفتيها ثم تختفى وهي تغمض عينيها ثم تفتحهما تتمنى ان يكون هذا حلما وأن من يقف أمامها الآن يراها تلعب هكذا بطفولية، هو شخص آخر غير، فراس.
قالت شاهيناز في عصبية:
مستنتنيش الصبح ليه عشان آجى معاك الشركة؟
تأملها خالد في برود قائلا:
مكنتش فاضى أستنى سيادتك على ما تخلصى، ساعة بتختارى لبسك وساعة في الحمام وساعة أدام المراية، مش عارف إحنا رايحين شغل ولا حفلة.
نظرت إليه في حنق قائلة:
لأ جايين الشركة اللي بقابل فيها عملا كتير، ولازم مظهرى يكون كويس أدامهم.
تجاهل خالد حديثها وهو يغير الموضوع قائلا:.
على فكرة ريم عندها بكرة أول حفلة ليها في المدرسة وطبعا لازم نحضر، ياريت تلغى كل مواعيدك بكرة الصبح، وتتفرغى للحفلة دى، أعتقد إن الحفلة دى أهم من أي حفلة تانية بتحضريها، ولا إيه؟
وضعت يدها على جبهتها قائلة بضيق:
إزاي نسيت بس.
لتنزل يدها وهي تنظر إليه قائلة:
عندى مـ.ـيـ.ـتنج مهم بكرة مع شركة السيوفى، ومش هينفع أأجله.
نظر إليها خالد قائلا بلهجة لا تقبل المناقشة:
تلغيه، وجودك جنب بـ.ـنتك في حفلتها أهم، مفهوم؟
قالت شاهيناز بتـ.ـو.تر:
مش هينفع صدقنى، أنا طلعت عينى، عشان آخد ميعاد مع مديرهم، لأنه علطول مسافر ولو لغيت بكرة، فده معناه إنى هستنى ٣ شهور كمان عشان نحدد ميعاد تانى وده مستحيل، إحنا محتاجين المـ.ـا.تريال دى من عنده في أسرع وقت عشان نخلص الشغل الجديد وإلا مش هنلحق نعرضه في السيزون الجديد.
نظر إليها دون تعبير لثوان، لتشعر هي بالإضطراب، ثم قال بهدوء:.
بالنسبة لى، مفيش حاجة أبدا أهم من بـ.ـنتي ولا حتى الشغل، مش مهم نعرض الشغل الجديد في السيزون ده، لو معناه متكونيش موجودة مع ريم بكرة، عموما، اللي إنتى شايفاه صح إعمليه، أنا عن نفسى هكون موجود معاها بكرة الصبح.
قالت شاهيناز:
وأنا هحاول أخلص بسرعة وأجيلكم.
تجاهلها خالد وهو ينظر بأوراقه قائلا:
براحتك، تقدرى تتفضلى على شغلك.
لم يعجبها صرفه إياها بهذا الشكل وكأنها عاملة لديه، وليست شريكة له، ولكنها غادرت بهدوء، مغلقة الباب خلفها، ليرفع خالد عينيه إلى هذا الباب المغلق، يتساءل بصمت، لو كانت جورية مكان شاهيناز، هل كانت لتترك إبـ.ـنتها في أول حفل لها بالمدرسة وتفضل العمل؟، مستحيل، فهي ستكون أم رائعة كما يبدو عليها، نفض أفكاره التي تدور حولها، يرفض إقتحامها الدائم لعقله وقلبه، فلقد إتخذ قراره، وإنتهى الأمر.
قالت ليلة وهي تنهض لتضب الطاولة:
لو كنت أعرف إن أستاذ فراس هياكل معانا كنت زودت الأكل.
قال فراس بإبتسامة:
تزودى إيه بس؟، ده أنا مش قادر أقوم من مكانى من كتر ما كلت وشبعت.
إبتسمت جورية وهي تنهض بدورها تساعد ليلة في ضب الطاولة قائلة:
وأنا كمان، من زمان مكلتش بالشكل ده، الأكل في اللمة حلو أوى، فكرتونى بلمتنا على السفرة في بيت جدى.
قالت ليلة بمرح:.
لأ، مادام الحكاية كدة، أنا أجيب الأكل كل يوم ونيجى ناكل مع بعض بقى.
قال فراس بلهفة:
ياريت.
تلاقت عيناها بعينيه ليختفى المرح من عينيها ويسكن فقط الخجل بين طياتهما، بينما عجز فراس عن مفارقة عيونها وهو يتأمل خجلها بقلب زادت دقاته، لتقطع جورية تلك اللحظات السحرية قائلة:
إيه رأيكم نشرب القهوة في التراث؟، الفيو من هناك يجنن.
إبتسمت ليلة وهي تهز رأسها موافقة، تقول برقة:.
بس انا اللي هعملها، إسبقونى على هناك وأنا هحصلكم.
قالت جورية:
هاجى معاكى عشان اوريكى مكان الحا...
قاطعتها ليلة قائلة بمرح:
متقلقيش هعرف أتعامل، بس روحى إنتى وأقعدى مع فراس، قصدى أستاذ فراس، إنتى لسة تعبانة ومحتاجة راحة.
هل إزداد إسمه جمالا على لسانها أم يهيأ له ذلك؟تساءل فراس وهو يتأمل تلك الجميلة التي كلما عرفها، أدرك أنه يقع في حبها، وبكل قوة.
إستيقظت لين، تفتح عيونها ببطئ، تتأمل محيطها بدهشة، فقد كانت ممددة على سرير، في حجرة فارغة بـ.ـاردة تماما، إعتدلت وهي تمسك الجسر مابين حاجبيها بأصابعها السبابة والإبهام، تشعر بو.جـ.ـع في رأسها، آخر ما تذكره هو وجودها في السيارة مع...
إتسعت عيناها بشـ.ـدة، تستوعب ما يحدث، لقد إختطفها وأحضرها إلى هذا المكان المقفر، تتساءل برعـ.ـب عن أسبابه وما الذي ينوى أن يفعله بها، يرتعش قلبها خــــوفا ممن كانت لا تأمن سوى بجواره ولكنها الآن وبعد فعلته الأخيرة بها وتخديرها ثم خـ.ـطـ.ـفها لم تعد تدرى نواياه وخبايا سريرته، لقد تغير حقا، تغير كثيرا، أو ربما كان هكذا منذ البداية وهي فقط لم ترى حقيقته تلك، لقد كانت شاهيناز محقة حين قالت لها كم مخادع قد يستطيع مؤيد أن يكونه.
إنتفضت على صوت مقبض الباب وهو يفتح، ليظهر مؤيد على الباب، ناظرا إليها بوجه خال تماما من المشاعر، إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تراه يقترب منها بهدوء، حتى توقف أمامها تماما، ليقول بإبتسامة ساخرة:
نورتى بيتك ياحبيبتى، ياريت الإقامة فيه تعجبك بجد، ما هي لازم تعجبك، لإنك هتنورينا هنا، كتير.
لتتسع عينا لين في، جزع...
↚
ما الذي جرى!
انه أنا.
تريثي ولا تتسرعي الخطى.
كنت دربك فيما مضى
كيف أمسيت اليوم عنك مشردا.
انه أنا
من سكبتِ له المدامع
وفاق له شوقك حدود الورى.
أنا الذي زرع فيكِ جناحين
وأطلقك من أرض الثرى.
لستُ بغريب
انه أنا
ألــم تهمسي لي في ظلام الليل
لولاك ما عرفت الهوى.
أين أصبحت أنا
وكيف غدوتي متحجره.
أين موضعي في رياض جنتك؟
وكيف بتُ اطحن الهم كالرحى!
ماعدت أرى حالي كما كنتُ
فلا أنا قربك أنعمُ، ولا أنا مـ.ـيـ.ـت مقطوع الرجى.
بقلم، سميرة البهادلي.
نهضت لين من السرير بسرعة وهي تقول:
يعنى إيه الكلام اللي إنت بتقوله ده؟إنت جرى لعقلك حاجة؟
أمسك ذراعها بقوة آلمتها وهو ينظر إلى عينيها قائلا بصرامة:
لأ نحترم نفسنا حبة ونلم لسانا ده، يا إما هتشوفى منى وش عمرك ما حلمتى تشوفيه يالين، مفهوم؟
أحست لين بالألــم ولكنها أبت أن تظهر له ضعفها، لتقول بعيون ظهرت بهما قوة لا تشعر بها حقا:
لو فاكر إنك ممكن تخــــوفنى تبقى بتحلم، أنا لين نصار، ولا نسيت يامؤيد؟
نظر إلى عمق عينيها وهو يقول بسـ ـخـــريــة:
لأ منستش، أنا عارف كويس أوى إنتى مين، وعشان كدة جبتك هنا، لإنى بصراحة حاسس إنك محتاجة تقويم وللأسف مقدرتش أعملهولك وإنتى على ذمتى، فقلت جايز أقدر أعملهولك دلوقتى.
نظرت إليه بتوجس قائلة:
تقويم إيه، إنت تقصد إيه بكلامك ده يا مؤيد؟
ترك ذراعها وهو يستدير ليجلس على السرير متمددا وواضعا يديه تحت رأسه قائلا ببرود:.
يعنى أنا وإنتى هنقعد هنا لوحدنا يالين، حاجة كدة زي بيت الطاعة، اللي لو كنت طلبتك فيه زمان بدل ما أطلقك، كنت أكيد شفيت غليلى، وبردت نارى وإرتحت.
قالت لين بحدة:
بيت طاعة إيه وشفيت غليلك إيه؟إنت فاكر إنى ممكن أقعد ثانية واحدة في المكان ده وأسمع الكلام الفارغ ده، مستحيل طبعا، أنا همشى حالا وإبقى ورينى إزاي هتمنعنى.
لتغادر المكان بخطوات غاضبة بالفعل، بينما إرتسمت على شفتي مؤيد إبتسامة ساخرة.
قالت ليلة بإستنكار:
يعنى إيه ياجورية؟بسهولة كدة هتنسى حبك وتتخلى عن خالد؟أنا مش قادرة أصدق إن اللي يحب بالشكل ده، مـ.ـيـ.ـتحداش الكل عشان حبيبه يكون معاه.
قال فراس:
أنا معاكى في الكلام ده طبعا ياآنسة ليلة، ورافض تصرفها.
قالت جورية بألــم:.
ما هو مينفعش أعمل غير كدة، إفهمونى بقى، خالد مش فاكرنى، ده غير إنه حتى لو إفتكرنى فهو إنسان متجوز وعنده طفلة، يعنى مينفعش أكون معاه، وجودى في حياته هيبقى عبء وأنا مستحيل أتواجد في حياته بالشكل ده، ده عـ.ـذ.اب مقدرش أستحمله.
قالت ليلة بحـ.ـز.ن:
بس هو مبيحبش مـ.ـر.اته، وحبك إنتى.
قالت جورية:.
كااان بيحبنى، كان ياليلة، الحب ده خالد مش فاكر أي حاجة عنه، ولا عايز يفتكر، ونزوله بالشكل ده المرة اللي فاتت، ملوش أي معنى غير كدة.
قالت ليلة بيأس:
يعنى إيه؟مفيش فايدة، خالد هيفضل كدة، عايش من غير مشاعر وأحاسيس، قافل على قلبه بقفل من حديد، بعد ماقلت إن في إيدك إنتى مفتاحه ياجورية.
قال فراس موجها حديثه إلى جورية:
بصراحة إستسلامك ياجورى مش عاجبنى، على الأقل إعملى محاولة ولو فشلت تبقى عملتى اللي عليكى.
تنهدت جورية قائلة:
محاولة إيه دى بس اللي ممكن أعملها؟قولولى أنا في إيدى إيه وأنا أعمله.
نظرت ليلة إلى ساعتها ثم نظرت إليهم قائلة:
الوقت إتأخر وأنا لازم أمشى بس هنتقابل بكرة بعد الجامعة، هجيلكم دار النشر، وساعتها لازم نفكر في حل، تمام؟
أومأوا برءوسهم بينما كاد فراس أن يظهر سعادته الجامحة لمعرفته بأنه سيراها بالغد مرة أخرى، ولكنه أخفى تلك السعادة بحذر كي لا تنكشف مشاعره للجميع، نهضت ليلة قائلة:.
بس خدى بالك ياجورى، أنا بحب الروايات آه، بس كمان بحب النهايات السعيدة ولازم تعرفى إن روايتك مع خالد مش ممكن تنتهى غير بنهاية تليق بقصة الحب اللي حكيتيلى عنها، شغلى مخ الكاتبة ده بقى حبة، وإطلقى خيالها وإكتبيلنا أحداث ونهاية سعيدة، مفهوم؟
قالت جورية بحـ.ـز.ن:
ياريتها كانت بالسهولة دى ياليلة، ياريت حياتنا تبقى زي الروايات، نتحكم في أحداثها.
نهض فراس بدوره قائلا:.
قلتهالك قبل كدة وهقولهالك مليون مرة، إنتى أدها وأدود ياجورى.
إبتسمت جورية إبتسامة باهتة، ثم نهضت بدورها تودعهم، ليقول فراس موجها حديثه إلى ليلة قائلا:
إنتى هتروحى إزاي ياآنسة ليلة؟
نظرت إليه في دهشة قائلة:
يعنى إيه؟ مش فاهمة.
كادت جورية أن تبتسم بداخلها وهي تلاحظ إرتباك فراس وتصبب العرق على جبينه وهو يقول:
يعنى فيه حد هيوصلك؟
هزت ليلة رأسها نفيا وهي تقول:
لأ، هاخد تاكسى، لإن عربيتى عند الميكانيكى.
ليقول فراس بسرعة:
لأ، تاكسى إيه بس؟أنا هوصلك.
نظرت إليه بخجل قائلة:
مالوش لزوم، أنا مش عايزة أتعبك.
إبتسم قائلا:
تعبك راحة، وبعدين أنا رايح مشوار جنبكم، يعنى طريقى هو طريقك.
قالت ليلة بحيرة:
إنت رايح المهندسين؟
قال فراس بإرتباك:
ها، آه، رايح، يلا بينا.
هزت رأسها موافقة، قبل أن تنظر إلى جورية التي إبتسمت برقة لتبادلها ليلة إبتسامتها، قبل أن تغادر يتبعها فراس، بينما أغلقت جورية الباب وقد إتسعت إبتسامتها تدرك أن قصة عشق أخرى تنسج خيوطها بين فراس وليلة، لتختفى إبتسامتها وهي تخشى أن تؤول قصتهما إلى نفس المصير.
قالت سها برقة:
مكتب لين نصار مع حضرتك يافنـ.ـد.م.
لايدرى نبيل لما بدا هذا الصوت مألوفا لديه ولكنه لم يتوقف كثيرا ليتذكر أين سمعه قبل الآن ليقول بقلق:
ممكن أكلم مدام لين لو سمحتى؟
فكرت سها، إن هذا العميل بدوره يسأل عنها، ترى إلى أين ذهبت لين دون أن تخبرها عن مكانها، تلك هي المرة الأولى التي تغيب فيها عن المكتب دون أن تعلمها، فآخر مكالمة بينهما كانت قبل أن تتجه لتلك العميلة في الصباح وأخبرتها أنها سوف تحادثها ما إن تنتهى من إجتماعها، ولكنها أبدا لم تفعل، حسنا ستوبخها ما إن تراها بالتأكيد، أفاقت من شرودها على صوت هذا العميل وهو يقول:
ياآنسة، روحتى فين؟
قالت سها بإرتباك:.
أنا آسفة، مع حضرتك طبعا، مدام لين الحقيقة مش موجودة حاليا في المكتب.
إزداد قلق نبيل ليقول بصوت حاول أن يجعله هادئا قدر الإمكان ولكنه حمل تـ.ـو.تره إلى سها:
طب ممكن أعرف هي فين دلوقتى؟
عقدت سها حاجبيها قائلة:
ممكن أعرف حضرتك مين؟
إضطرب نبيل، وكاد أن يغلق الهاتف ولكن صوت تلك الفتاة منعه وهي تقول بلهفة:.
من فضلك متقفلش السماعة، إنت تعرف حاجة عن لين؟صوتك متـ.ـو.تر وفيه قلق، من فضلك طمنى، أنا مش بس مديرة مكتبها أنا زي أختها بالظبط وقلقانة عليها أوى.
لم يدرى نبيل بما يجيبها، فهو نفسه لا يدرى شيئا سوى أن مؤيد يضمر سوءا للين، هو لا يهتم بها ولكنه يخشى على صديقه من أن تؤول الأحداث إلى شئ سئ يضر به وبمستقبله، ولكن مهلا، إن تلك المرأة تقول انها صديقتها بل أختها، إذا ربما تعرف شيئا قد يوصله إلى مؤيد المختفى بدوره منذ الصباح الباكر، او ربما إستطاعت التواصل معها، لذا يجب ان يكون بدوره على إتصال معها، ليقول بهدوء:.
الحقيقة لو ممكن نتقابل، هيكون أحسن عشان نعرف نتكلم براحتنا.
قالت سها بسرعة:
ياريت، حضرتك تقدر تيجى الشركة، انا هستناك في مكتب لين.
قال نبيل:
مش هينفع، ياريت لو نتقابل برة، في اي كافيتريا قريبة من الشركة.
قالت سها بقلق:
وليه برة؟ما هنا كويس.
قال نبيل بهدوء:
كدة هكون مستريح أكتر، لو مش حابة...
وصمت يترك لها حرية القرار، لتقول بحزم:
لأ تمام، دقايق وهكون في كافيتريا الخليل اللي جنب الشركة.
قال نبيل:.
عارفها، طيب هعرفك إزاي؟
قالت سها:
أنا لابسة بدلة سودا وأكيد هنكون على إتصال.
قال نبيل بحزم:
تمام، دقايق وهكون عندك، سلام.
اغلقت سها الهاتف وهي تنظر إليه في قلق، ربما تسرعت بقبولها دعوته، ولكنها بالتأكيد شعرت بأنه يعرف شيئا عن إختفاء لين الغير مبرر، وهي لابد وأن تعرفه لتطمأن على رفيقتها، إلى جانب شعور غريب بالإطمئنان إلى هذا الغريب كلية عنها، فصوته ونبراته توحى بذلك، أو هو فقط خيالها؟، لا يهم، المهم الآن هو أن تسرع بمغادرة المكان والإتجاه على الفور إلى كافيتريا الخليل، لتلتقى بهذا المجهول.
خرجت لين من المنزل لتجد نفسها وسط صحراء قاحلة تمتد على مرمى البصر، لا شئ، حرفيا لا شئ حولها سوى الصحراء وسيارتها التي صفها مؤيد على جنب، إتجهت إليها بسرعة ورغم يقينها من أنه من المستحيل أن يترك مؤيد المفتاح بها إلا أنها كان لابد أن تتأكد، فربما حدث سهوا منه وتركه من حسن حظها، ولكن للأسف خاب أملها تماما وهي ترى مكان المفتاح خاليا تماما، نظرت حولها بيأس، لتدرك أن أملها الوحيد للخروج من هذا المكان هو ان تقنع هذا المدعو مؤيد بتركها وشأنها، وإن لم يرضخ، ستعمل على سرقة المفتاح، نعم، هذا ما يجب أن تفعله تماما...
عادت أدراجها، تجرجر أذيال الخيبة المريرة، لتصعد إلى تلك الحجرة التي إستيقظت فيها لتجده هناك، مازال ممددا على السرير، مسترخيا تماما، وكأنه كان واثقا من عودتها، إنتابها الغـ.ـيظ منه، لتقول بحنق:
قوم رجعنى يامؤيد، وبلاش تلعب بالنار، أخويا لو مرجعتش البيت في خلال ساعتين هيقلب الدنيا لغاية ما يوصلى.
إعتدل مؤيد جالسا وهو يقول ببرود:.
قبل الساعتين ما يخلصوا هتكونى متصلة بأخوكى وقايلاله إنك سافرتى شرم تغيرى جو يومين كدة عشان أعصابك تعبانة.
كادت ان تعترض، تخبره أن يأخذ كلمـ.ـا.ته تلك ويضـ.ـر.ب بها عرض الحائط فلن تفعل ما قال ابدا، ولكنه قاطعها بإشارة من يده وهو يقول بلهجة حازمة متوعدة:
قبل ما ترفضى لازم تبقى عارفة إنك لو رفضتى، وقبل ما تعدى الساعتين دول برده، هتكونى ملكى تانى وغـ.ـصـ.ـب عنك، فالقرار قرارك والإختيار ليكى يا حبيبتى...
نهض بهدوء ثم تركها وهي في صدmة من كلمـ.ـا.ته، تدرك أنه لا يلقى تهديدات لا ينوى تنفيذها، ليقشعر بدنها بالكامل وهي تتخيل أنها ملكه مجددا ولكن تلك المرة لن يظللهما العشق كالماضى، لا، سيظللهما كرها وبغضا وإنتقاما أسودا، على الأقل من جانبه، فهي تدرك أنها مازالت تحبه، حتى وإن إدعت العكس.
قالت ليلة برقة وهي تشير إلى فيلا قريبة من السيارة:
البيت هناك أهو.
توقف فراس أمام بوابة الفيلا وهو يشعر بالحسرة لإنه سيتركها لتذهب مجددا، إبتسمت ليلة وهي تنظر إليه قائلة:
انا متشكرة اوى، عن إذنك.
إبتسم بدوره وهو يهز رأسه، كادت ليلة أن تغادر السيارة ولكنها مالبثت ان أوقفها صوته وهو يقول:
آنسة ليلة.
إعتدلت تنظر إليه قائلة:
أفنـ.ـد.م.
نظر إلى عينيها الجميلتين، ليقول بعد لحظة من التردد:.
هو أنا ممكن آخد رقم تليفونك؟
نظرت إليه في حيرة، ليبتلع ريقه في صعوبة قائلا:
أنا الحقيقة يعنى، شايف إن هدفنا واحد وهو إننا نجمع خالد وجورية مع بعض وعشان كدة ممكن نتكلم ونتفق نتقابل برة ونفكر في حاجة تجمعهم، ده لو معندكيش مانع يعنى.
نظرت إليه، تدرك أن خلف طلبه ما هو أكثر من رغبة في جمع حبيبين، خشيت ما يحدث، ولكنها رغبت به، لتومئ برأسها برقة قائلة:
هات تليفونك.
منحها الهاتف على الفور وعيونه تلمع بالسعادة، وهو يراها تمسك بالهاتف، تجرى أصابعها الرقيقة على أرقامه، ليرن هاتفها داخل حقيبتها، وتبتسم قائلة:
كدة تمام، عن إذنك.
إبتسم بدوره يتابعها بعينيه وهي تترجل من السيارة، لتدخل إلى المنزل، ترتسم إبتسامة هائمة على محياه، ثم ما لبث أن نظر إلى هاتفه، يطالع رقم هاتفها بإبتسامة، ثم قربه من فاهه وقبله بقوة، قبل أن يبتعد بسيارته وهو يفتح تسجيل سيارته لتتسلل أغنية محمد حماقى إلى مسامعه، تطربه، وتعبر كلمـ.ـا.تها عن شعوره الآن، تماما.
في جوه قلبى حاجه مستخبية
كل اما باجى اقولها فجأه مش بقدر
قدام عينيك بقف وبنسى ايه يتقال.
ليه كل مره يجرى فيها كده ليا
وديه هى كلمة واحدة بس مش اكتر
والكلمة ديه عندى فيها راحة البال
حبيتك يوم ما اتلاقينا
لما حكينا اول كلام
حبيتك واحلف على ده
تسمع زيادة ده انا مش بنام
حبيتك يوم ما اتلاقينا
لما حكينا اول كلام
حبيتك واحلف على ده
تسمع زيادة ده انا مش بنام
ديه الناس في عينى حاجه وانت حاجه تانية
عندك مشاعرى حتى خدها واسئلها
انا صعب اعيش حياتى وانت لحظة بعيد
احساسى بيك في وقت ضعفى قوانى.
كانت حياتى ناقصة جيت تكملها
فرحة لقايا بيك بتبقى زى العيد.
كان خالد يمسك بأصابعه السبابة والإبهام هذا الجسر مابين حاجبيه، يشعر بذلك الألــم في رأسه مجددا، ليغمض عينيه، وفجأة يمر بخاطره، صورتها وهي تركض ضاحكة وهو يجرى ورائها، يشعر بالسعادة المطلقة وهو يسمع صوت تلك الضحكات الرقيقة، لتلتفت إليه، نعم، كانت هي جورية، بوجهها ذو الملامح الرقيقة العـ.ـذ.بة، وعيونها البريئة الجذابة، كاد أن يمسك بها ليتعثر ويقع أرضا، لتزداد ضحكاتها، شعر ببعض الألــم في قدmه وظهر على وجهه لتتوقف ضحكاتها وهي تراه هكذا، تسرع إليه، تجثوا إلى جواره، تطالعه بقلق، وتسأله عن مدى إصابته، ثم سوادا، فتح عينيه يشعر بالحيرة، هو ليس بنائما، بل هو مستيقظ، وهذا بالتأكيد ليس حلما، إنه يكاد أن يكون واقعا ملموسا، ماالذى يحدث له بحق السماء؟هل هذا سحر ما؟أم ربما ذكرى؟كيف وهو لم يرى جورية سوى منذ أيام قليلة، أين له بذكريات معها؟إذا بما يفسر دفتر رسومـ.ـا.تها، شعر بضباب يحيط بعقله وصداعه يزداد، ليقرر أن ينهى يوم عمله، فقد شعر حقا بالتعب والإنهاك، وليؤجل التفكير في تلك الجورية إلى وقت آخر، فقلبه يخبره أن ما يحدث بينهما هو شئ كبير، لو إستطاع فهمه سيرتاح، ومن يدرى، ربما لو عرف حقا، لضاعت راحته وضاع سلامه، للأبد.
↚
هناك على نور مصباحي
أو على ضوء القمر
بين بسمة خجولة
وضحكة من ذاك الثّغر
كان يحلو جلوسي
بقربك و يحلو السّمر
هناك أسبح بأحلامي
وأطيل فيك النظر
أرى القمر في عينيك
بدرا قد تجلى وظهر
فقد كنت حبيبتي
دونا عن كل البشر
بقلم، زينة بن عمار.
كان نبيل يجلس على تلك الطاولة ينظر إلى ساعته التي تشير إلى أن تلك المرأة قد تأخرت على ميعادهما نصف ساعة كاملة، شعر بالغـ.ـيظ، وكاد أن ينهض ويذهب إلى الشركة مباشرة حين سمع رنين هاتفه، ليرد قائلا:
ألو.
تناهى إلى مسامعه صوتها الآسف وهي تقول:
أنا متأسفة جدا، إتأخرت على حضرتك، بس كان لازم أخلص الأوراق بتاعة الشغل قبل ما أنزل وأسلمها للإدارة.
زفر نبيل قائلا:
ولا يهمك، إنتى فين دلوقتى؟
قالت سها:.
أنا داخلة من باب الكافيتريا حالا.
إنتقلت نظرات نبيل إلى باب الكافيتريا في تلك اللحظة ليراها على الباب، تبحث بعينيها عنه بين الحضور، ليتجمد تماما في مكانه، لا يصدق ما يراه، إنها هي، السندريلا خاصته، أمامه مجددا، والأدهى من ذلك أنها هنا للقاءه، إستمع إلى صوتها القلق وهي تقول:
حضرتك فين؟ أنا مش شايفاك.
إبتسم وهو ينهض واقفا مشيرا إليها وهو يقول:
أنا أدامك أهو.
وقعت عيناها عليه في تلك اللحظة لتتجمد بدورها وتتسع عيناها في دهشة، إتسعت إبتسامته وهو يشير إليها بالإقتراب بعد أن أغلق هاتفه، لتقترب كالمسحورة، حتى توقفت أمامه تماما، ليتأمل ملامحها الجميلة الرقيقة قائلا:
وأخيرا لقيتك.
قالت بحيرة:
إنت مين بس؟وعايز منى إيه؟
مد يده إليها قائلا:
نبيل نور الدين، مهندس معمارى وإنتى؟
مدت يدها إليه قائلة:
سها صبرى، مديرة مكتب لين نصار.
سها، ياله من إسم جميل يليق بها، ظلا هكذا لثوان، ينظران إلى بعضهما البعض، تتشابك أيديهم ونظراتهم، لا يود أحدهما أن تنتهى هذه اللحظة السحرية، ولكن كانت سها أول من أفاق منها وهي تترك يده وتتنحنح قائلة:
إحمم، إحنا هنفضل واقفين كتير؟
قال بسرعة:
لأ طبعا، إتفضلى أقعدى.
جلست ليجلس بدوره يتأملها بطريقة أخجلتها، لتحاول أن تخرج من دائرة الخجل وهي تنظر إليه قائلة بجدية:.
ممكن تقولى يا استاذ نبيل، تعرف إيه عن موضوع لين؟
إبتسم قائلا بمزاح:
اولا أنا إسمى نبيل وبس، ده إحنا بينا حفلة وكعب مكـ.ـسور ولا نسيتى؟
إبتسمت رغما عنها، فهي ابدا لم تنسى ذلك اليوم ولم تنساه هو بالتأكيد، ليعتدل قائلا بجدية:
أما بخصوص لين، فأنا معرفش حاجة، لكنى شاكك بس، وشكى قالقنى ومخلينى عايز أعرف مكانها عشان أطمن.
عقدت حاجبيها في حيرة قائلة:
شاكك في إيه بس؟وإيه اللي ممكن يقلقك؟
قال نبيل بهدوء:.
في الأول لازم تعرفى إنى أبقى صديق مؤيد الحسينى.
إتسعت عيناها في دهشة ليبتلع نبيل ريقه وهو يستطرد قائلا:
وللأسف أنا حاسس إن مؤيد خـ.ـطـ.ـفها.
لتتسع عينا سها، في صدmة.
كانت لين تجلس على السرير، تضم ركبتاها إلى صدرها وتسند جبهتها عليهما بضعف، لا تدرى ماذا ستفعل في مصيبتها تلك، وما الذي ينوى مؤيد فعله معها، أفاقت من أفكارها على صوت الباب وهو يفتح ودخول مؤيد إلى الحجرة مقتربا منها بهدوء، إعتدلت وهي تنظر إليه بقوة لا تعكس أبدا هذا الضعف الذي يغمر كيانها، لينظر إليها بسـ ـخـــريــة وكأنه يعلم مكنون صدرها، جلس بجانبها على السرير قائلا لها ببرود:
ها، إخترتى إيه يالين؟
بادلته بروده للحظات قبل أن تقول:
هات تليفونى لو سمحت.
إبتسم بسـ ـخـــريــة وهو يمد يده يرجع خصلة شعرها إلى ما وراء أذنها قائلا:
ياخسارة، كان نفسى ترفضى يالين.
أبعدت لين يده عنها بقوة وهي تنهض قائلة بغـــضــــب:
على فكرة، أنا مش خايفة منك، مش هتقدر تيجى جنبى طول ما أنا رافضة، هقاومك ولو كان التمن حياتى.
آلمته كلمـ.ـا.تها، ونفورها تجاهه، حتى أنها تفضل المـ.ـو.ت على أن يلمسها هو، ولكنه أبعد هذا الشعور جانبا وهي تستطرد قائلة:.
انا بس مش عايزة خالد يقلق علية، ولا عايزة مشاكل، أنا معاك في لعبتك اللي قررت تلعبها معايا وصدقنى واثقة من فوزى فيها، انا حابة أوريك إن لين بتاعة زمان مبقتش موجودة، إنى بقيت أقوى، وحقيقى اللي بتعمله ده، بيثبتلى اكتر إنى كنت صح لما قررت أنفصل عنك.
شعر بالغـــضــــب، كاد أن يصمتها بقبلاته حتى تتراجع عن تلك الكلمـ.ـا.ت الجوفاء، والتي تطـــعـــنه في رجولته وقلبه الذي مازال لها عاشقا، ولكنه قبض على يديه بقوة، يبعد تلك الأفكار عنه، سيجعلها تخضع له وتعلن إستسلامها، ولكن رويدا رويدا، ليقول ببرود وهو ينهض مناولا إياها هاتفها قائلا:
هنشوف يالين، هنشوف.
أخذت الهاتف من يده بحدة، وإتصلت بأخيها دون أن تحيد بنظرها عنه، ليرد عليها خالد قائلا بلهفة:.
إنتى فين يالين؟ومجيتيش الشركة ليه؟
كادت أن تضعف و تخبره بوضعها ولكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة، لتقول بهدوء:
خلصت المـ.ـيـ.ـتنج وحسيت إنى مخـ.ـنـ.ـوقة شوية ياخالد، طلعت على شرم، هقضى يومين هناك وهرجع تانى.
قال خالد:
إنتى كويسة؟
تنهدت قائلة:
آه كويسة متقلقش علية.
قال خالد:
طيب أجيلك؟
قالت بهدوء:
لأ، أنا محتاجة اقعد شوية لوحدى.
قال خالد:
أنا خايف عليكى، ممكن الحالة ترجعلك وإنتى لوحدك.
قالت بإرتباك وقد خشيت أن يسمع مؤيد كلمـ.ـا.ت خالد:
لأ متقلقش، باخد الأدوية في ميعادها.
عقد مؤيد حاجبيه، بينما قال خالد:
طيب، طمنينى عليكى علطول، ومتقفليش تليفونك، إتفقنا؟
قالت بهدوء:
إتفقنا، سلام دلوقتى.
ثم أغلقت الهاتف، ليقول مؤيد بهدوء يخفى ذلك القلق العاصف بكيانه:
أدوية إيه دى؟
قالت لين بإضطراب:
كنت آخدة نزلة برد جـ.ـا.مدة وبيفكرنى بإنى مهملش العلاج عشان متعبش تانى.
قال مؤيد بشك:
بس شنطتك مفيهاش أدوية؟
حمدت ربها على هذا الجيب السحرى في حقيبتها والتي تخفى فيه أدويتها فلم يراها مؤيد، لتقول لين بهدوء مفتعل:
مبقتش آخدهم، أنا بس بطمنه.
هز مؤيد رأسه متفهما وهو يمد يده إليها قائلا:
التليفون.
ناولته إياه قائلة:
إنت هتفضل حابسنى هنا كتير؟
نظر إلى عينيها قائلا:
لغاية ما آخد حقى منك وأخليكى تعترفى إن بعدك عنى كان أكبر غلطة في حياتك يالين.
نظرت إلى عينيه قائلة بقوة:.
يبقى بتحلم يامؤيد، لإنى عمرى ما هقول الكلام الفارغ ده.
إبتسم بسـ ـخـــريــة قائلا:
هنشوف يالين، وأنا وإنتى والزمن طويل.
إبتعد بخطوات هادئة مغادرا الحجرة، تتابعه بنظراتها القوية المتحدية، قبل أن يغلق الباب، ليظهر الضعف بهما، جليا.
نهضت سها قائلة بحدة:
يعنى إيه مؤيد خـ.ـطـ.ـفها؟هي سايبة، ده أنا أقلب الدنيا عليه، هو مش عارف لين تبقى مين؟
قال لها نبيل منبها:
إهدى بس وأقعدى ياآنسة سها، الناس بتتفرج علينا.
نظرت سها إلى محيطها لترى فعلا بعض رواد الكافيتريا وهم ينظرون إليها، لتجلس وهي تنظر إليه بحنق قائلة:
أدينى هديت أهو، ممكن بقى تفهمنى مؤيد خـ.ـطـ.ـف لين ليه وعايز منها إيه؟
مال نبيل إلى الأمام وهو يعقد أصابع كفيه أمامه، قائلا:.
أنا مش متأكد من كلامى، انا شاكك بس، مؤيد رجع من فرنسا مخصوص عشانها، كان هيتجنن لما عرف إنها هترتبط بمحمود عزمى، وأكيد حابب يمنع إرتباطهم.
قالت سها بحدة:
وهو يتجنن ليه، عايز إيه منها تانى؟هما مش سابو بعض وخلصنا من الموال ده.
تراجع نبيل في مقعده وهو يحدقها بهدوء قائلا:.
مؤيد عمره ما هينسى إن لين إتخلت عنه في وقت ضعفه لمجرد إنها تشبع رغبتها في إنها تكون أم، للأسف رغم إحساسه ده بس مقدرش يكرهها ولسة حبها ساكن في قلبه، وده اللي تاعبه.
كانت سها تنظر إليه في صدmة، وما إن أنهى كلمـ.ـا.ته حتى قالت:.
لين متخلتش عن مؤيد عشان تخلف والدليل على كدة مرور كل السنين دى من غير ما تتجوز، لين اللي جواها أكبر من كدة بكتير، إستحملت اللي أنا مقدرش استحمله كزوجة، متحاولش تطلع صاحبك الضحية وهي المجرمة في حقه، لإن اللي حصل هو العكس تماما، وإذا كان هو فهمك غير كدة فآسفة، صاحبك ضحك عليك، أما لو كنت عارف الحقيقة وبتستهبل ف...
قاطعها نبيل قائلا في صرامة:.
من فضلك ياآنسة سها، أنا رغم إعجابى بيكى فمش هسمحلك أبدا تشككى فية أو تقللى منى، أنا لو جيت أقابلك النهاردة فده علشان خــــوفى على صاحبى وإهتمامى بيه، أما صاحبتك فمتهمنيش أبدا، لا صاحبى ضحك علية ولا أنا بحور عليكى، اللي حصل من صاحبتك أنا عشته مع صاحبى سنين طوال، شايف عـ.ـذ.ابه أدام عينى ومش قادر أعمله حاجة، أقولك حاجة، الظاهر إن غلطت لما جيت هنا النهاردة، عن إذنك.
ونهض لتوقفه كلمـ.ـا.تها الحزينة وهي تقول:.
أنا آسفة، أنا مكنش قصدى أقلل منك.
رآها مطرقة الرأس تستطرد بحـ.ـز.ن:
بس انا كمان عشت مع صاحبتى مأساتها.
لترفع إليه عينان دامعتان أصابتاه بغصة في قلبه وهي تستطرد قائلة:
صاحبك خان صاحبتى، وهي شافت دليل خيانته بعينيها.
ليعقد نبيل حاجبيه بشـ.ـدة وهو يجلس مجددا، يستمع في ذهول إلى ما ترويه له سها.
ضـ.ـر.ب خالد مقود سيارته بحنق، يتساءل ماذا يفعل هنا وماالذى جاء به إلى هذا المكان مجددا، يجلس في سيارته كالمراهقين أسفل بنايتها ينتظر ربما ظهورا لها من شرفتها، أو ربما يحالفه الحظ وتخرج فيراها، تبا، ما الذي يحدث له، ولماذا تشغل باله إلى تلك الدرجة؟، يشعر انه ليس خالد نصار الذي يعرفه الجميع، بل هو شاب يعيش مشاعر جديدة لأول مرة، ربما كان السر في أنه لم يعش مراهقته، وربما لأنه يشعر أنها مختلفة عن كل النساء اللاتى مررن بحياته، تشبه أخواته إلى حد كبير، تكاد تماثلهم وهو الذي ظن بأن مثيلاتهن إنقرضن منذ زمن بعيد، لا يدرى حقا، ولكن ما يدركه هو شعور بداخله قوي تجاه تلك الجورية، يجذبه بإتجاهها بشـ.ـدة، يقاومه بكل قوته ولكن لا فائدة، إنه شعور طاغ، يغمره بكل ذرة في كيانه، قاطع أفكاره ظهورها في شرفتها، ياالله، هل يجب أن تكون بهذا الجمال؟، إستندت بيديها على سور الشرفة ونظرت إلى السماء برقة، تطايرت خصلاتها مع النسمـ.ـا.ت فبدت كأميرة أسطورية لإحدى الروايات، تطلع حوله بسرعة يرى إن كان هناك غيره شاهدا على هذا الجمال، فلم يرى أحدا من المارة، زفر براحة ولكنه مالبث أن عقد حاجبيه بقوة، هل يغار عليها؟نعم يغار وبقوة، نظر إليها مجددا في صدmة...
فرآها تطالعه بحيرة، أغمض عينيه يقول في نفسه، سحقا لقد رأتنى، ماذا أفعل الآن؟وماذا ستقول عنى؟فتح عينيه وقد إكتستا بالتصميم، ليدير سيارته على الفور ويبتعد تاركا إياها وسط حيرة لا حدود لها، تتساءل، هل كان هو حقا؟أم أنه خيالها الذي إستدعاه الآن ليتجسد أمامها؟إنها سيارته، وملامحه التي تحفظها عن ظهر قلب، ولكن ما الذي جاء به إلى هنا؟هل جاء من أجلها حقا؟هل تذكر؟
إنتابها الأمل ولكنه سرعان ما إنطفأت شعلته، وهي تدرك أنه إن كان حقا قد تذكر، مـ.ـا.تركها وهرب مجددا، أم أنه معتاد دوما على الهروب؟
قال نبيل بصدmة:.
مستحيل أصدق الكلام ده عن مؤيد، ولو شفته حتى بعينى، إنتى مت عـ.ـر.فيش لين كانت بالنسبة له إيه، دى كانت روحه وقلبه وحياته كلها، كانت كل حاجة بالنسبة له، ستات كتير حاولوا يوصلوا لقلبه بس محدش فيهم قدر، والكلام ده كان أدامى، كان يشاورلهم على صابعه اللي فيه دبلة جوازه ويقولهم، آسف أنا متجوز ملكة إزاي بس هبص لجواريها، مؤيد كان قبل الجواز دنجوان صحيح وبيحب الستات، لكن وهو مع لين وبعد ما حبها، مبقوش يهموه أبدا، حتى بعد ما سابته مبصش لمخلوقة غيرها طول السنين اللي فاتت دى، تفتكرى واحد زي ده يعمل اللي إنتى قلتيه ده؟
شعرت سها بالدهشة من كلمـ.ـا.ت نبيل، لتقول بحيرة:
لو إفترضنا إن كلامك صح، تفسر بإيه شهادة ال DNA، واللي شافت فيها لين تطابق الحمض النووى لمؤيد مع طفلته.
هز نبيل كتفيه قائلا:.
حاجات كتير، تمثيلية إتعملت عشان تفرقهم مثلا، أو غلطة قبل الجواز، من قبل حتى مايعرف لين، وإنتى قلتى بنفسك إنها ماشافتش الطفلة ولا تعرف سنها الحقيقى، ولا حتى شافت مامتها، كل اللي شافته شهادة عبـ.ـيـ.ـطة ممكن حتى تتزور، أنا حقيقى مستغرب، إزاي لين كانت بالغباء ده، إزاي صدقت إن مؤيد ممكن يخـ.ـو.نها؟
هزت سها كتفيها في حيرة قائلة:.
لما الحب بيزيد، الغيرة بتزيد وممكن تعمى، ده غير إن اللي قالها الكلام ده كانت إنسانة هي بتثق فيها جدا، رغم إنى مبطيقهاش، بس برده مستحيل أنا كمان أشك فيها، ومعتقدش إن لها مصلحة في إنها تفرقهم.
قال نبيل وهو يعقد حاجبيه:
ومين بقى البنى آدmة دى؟
قالت سها:
مرات أخوها خالد، شاهيناز.
تراجع نبيل في مقعده وقد لاحت له الحقيقة واضحة كالشمس، شاهيناز اللعينة الحقود، هي السبب وراء فراقهما، كم من مرة حذر مؤيد من شرها، ولكنه أبي أن يصدق أنها من الممكن أن تضره في شئ، وهاهي قد فعلت أكثر من الضرر، لقد آذت مؤيد وآذت حبيبته، وفرقتهم طوال تلك السنوات، ولكن لابد أن يجد مؤيد ويخبره بكل ما يعرف، ربما قبل فوات الأوان.
قال لها البواب:
الباشا نزل من الصبح بدرى ولسة مجاش.
قالت شاهيناز بعصبية:
وهييجى إمتى؟
هز البواب كتفيه قائلا:
مش عارف ياهانم، الباشا ملوش مواعيد، نبيل بيه بيركن عربيته هناك أهو، ممكن حضرتك تسأليه.
أخفت شاهيناز وجهها بياقة معطفها وهي تقول بتـ.ـو.تر:
لأ، مش مهم، بعدين.
وأسرعت بالإبتعاد دون أن يراها نبيل، متجهة إلى سيارتها ومنطلقة بها بأقصى سرعة، بينما ضـ.ـر.ب البواب كفا على كف قائلا:
آه يابـ.ـنت المـ.ـجـ.ـنو.نة.
قال نبيل الذي إقترب من البواب:
بتكلم نفسك ياعم صالح؟
نظر إليه صالح قائلا:
غـ.ـصـ.ـب عنى يانبيل بيه، فيه ناس كدة تخليك تكلم نفسك زي المجانين.
إبتسم نبيل قائلا:
سلامتك من الجنان ياراجـ.ـل ياطيب.
قال صالح:
تسلم يابيه.
كاد نبيل أن يغادر صاعدا إلى شقة مؤيد حين إستوقفه صوت البواب وهو يقول:
بالحق يانبيل بيه، الست اللي كانت هنا من شوية كانت بتسأل على مؤيد باشا، والحقيقة انا مرتاحتلهاش خالص.
عقد نبيل حاجبيه قائلا:.
إسمها إيه الست دى؟
قال صالح:
مقالتش.
قال نبيل:
طب شكلها إيه؟
قال صالح:
هي ست حلوة، وبـ.ـنت ناس، مش قصيرة ومش طويلة، شعرها بنى ووشها مدور وعينيها رمادى، وعندها شامة على رقبتها.
أومأ نبيل برأسه بهدوء، فهو يعرف سيدة بتلك المواصفات بالفعل، ليتأكد من ظنونه ويصمم على إيجاد مؤيد وإخبـ.ـاره بكل ما يعرفه بدوره، على الفور.
↚
يرونك وحش قاس مخيف، بـ.ـارد القسمـ.ـا.ت.
ترتعد قلوبهم لمرآك، ترتجف من الخــــوف الدقات.
وأراك أنا كما أنت، تعجز عن وصفك الكلمـ.ـا.ت.
أراك بريئ كطفل في المهد، رائع الضحكات.
تخفي روحك عن من حولك، تخشى نفوس تملؤها الظلمـ.ـا.ت.
تحيط نفسك بهالة من الثلج، تختفى خلف الغيمـ.ـا.ت.
ترهب الجميع لكنك لاترهبنى، فقد سبرت أغوارك وأدركت السمـ.ـا.ت.
تخبرنى نافذة روحك عن ما تخفيه عن الجميع، أتعمق في النظرات.
فأرى سحر يجذبنى، وأنا لطلاسم السحر من القارئات.
كان خالد يمشى في طرقات المدرسة الخاصة بريم ينظر إلى ساعته التي تشير إلى أنه قد وصل قبل ميعاد الحفلة بوقت كاف جدا ليراجع معها دورها، ليبتسم وهو يدرك كم سيسعدها وجوده، ثم مالبث أن إختفت إبتسامته وهو يدرك أنها سوف تفتقد والدتها، لا يعلم كيف تفوت شاهيناز حفلة إبـ.ـنتها الأولى بتلك السهولة، توقف متجمدا وهو يراها، أغمض عينيه ثم فتحهما مجددا، ليتأكد من أنه لا يحلم أو يتوهم ذلك، ولكنه لم يكن كذلك، لقد كانت هناك، تجلس على ركبتيها أمام طفلة صغيرة تعدل لها فستانها، بينما تنظر إليها الفتاة الصغيرة بحب، أصابته غصة في قلبه، يتساءل بألــم، هل تلك هي إبـ.ـنتها الصغيرة؟هل هي متزوجة؟أم مطلقة؟وربما أرملة، هو حقا لا يدرى، لقد ظنها عزباء، إقترب منهما بهدوء، ليستمع إلى صوتها الرقيق وهي تقول:.
كدة بقى كله تمام ياروجي، عايزاكى بقا تقولى البـ.ـارت بتاعك في المسرحية وتشرفينى.
إبتسمت روجينا قائلة:
أوعدك يامامى.
توقف قلبه تماما وضاعت خفقاته، إذا هي إبـ.ـنتها حقا، تبا، لما يـ.ـؤ.لمه ذلك؟توقف خلفها تماما، لتنظر إليه الطفلة الصغيرة في فضول، إنها رائعة ولكن ملامحها لا تشبه جورية، ترى هل تشبه أباها؟أصابته غيرة حارقة، لم يستطع السيطرة عليها، بينما إلتفتت جورية لتنظر إلى مايلفت إنتباه صغيرتها، لتتجمد كلية وعيونها تقابل عيناه، ظلت هكذا لثوان، لا تحيد بنظرها عنه، ثم نهضت ببطئ تطالعه بصمت، ليقطع هو هذا الصمت قائلا ببرود:.
إزيك يامدام جورية.
عقدت حاجبيها في حيرة من دعوته إياها بلقب (مدام)، لتصحح كلمـ.ـا.ته قائلة:
آنسة، آنسة جورية ياأستاذ خالد.
تصدعت وجهته البـ.ـاردة وهو يعقد حاجبيه بشـ.ـدة منقلا بصره بينها و بين الطفلة، لتفهم جورية سبب دعوته إياها بهذا اللقب لتقترب منه هامسة بهدوء:
روجينا، بـ.ـنت كاتبة زميلة لية في الدار، للأسف مامتها متـ.ـو.فية، وأنا هنا بدالها، ربنا يرحمها.
رغم أنفاسها التي لفحت بشرته، ومافعلته به من زلزلة لكيانه بالكامل، ورغم بذله كل قوته ليحافظ على ثباته، إلا أنه لم يستطع أن يمنع ملامح السعادة التي ظهرت على ملامحه لإدراكه أنها ليست إبـ.ـنتها وأنها ليست متزوجة، لتتراجع جورية وقد علت وجهها حمرة الخجل وقد لاحظت مدى قربها من خالد في تلك اللحظة التي إستدار لها بوجهه فيها، ينظر إليها بعينين مسرورتين، لا تدرى سببا لذلك السرور البادى بأعماقهما.
أفاقت من أفكارها على صوت روجينا وهي تقول بفضول:
مين ده يامامى؟
لتقول بهدوء تظاهرت به لتخفى خجلها:
سلمى على آنكل خالد ياروجي، ده يبقى، يبقى...
مال خالد يمد يده إلى الطفلة قائلا بحنان:
أنا أبقى صديق مامى ياحبيبتى، وكمان أبقى والد الطفلة ريم نصار، لو ت عـ.ـر.فيها.
قالت روجينا بسعادة وهي تضع كفها الصغير داخل كفه الكبير:
عارفاها طبعا، دى صاحبتى في الكلاس، ومعايا في المسرحية كمان، انا وهي الساحرات الطيبات.
إبتسم خالد وهو يقرص وجنتها بخفة قائلا:
أجمل ساحرات.
إبتسمت جورية وهي تتابع تعامله مع تلك الفتاة الصغيرة بحنان، يذكرها في تلك اللحظة بفهد، حبيبها في الوادى، لتتشابك نظراتهما في تلك اللحظة، إعتدل ببطئ لا يحيد بنظراته عنها، لتتنحنح قائلة:
إحمم، طيب إحنا هنستأذن عشان...
قاطعها صوت يصـ.ـر.خ بمرح:
بابى.
إلتفتت جورية لترى طفلة صغيرة رائعة الجمال، تراها كثيرا في فصل روجينا حين تحضر إلى المدرسة في يوم الأربعاء، تمنحهم بعضا من وقتها وتمارس هوايتها في رواية الحكايات وتقليد أصوات الأبطال، أدركت الآن أن تلك الطفلة إبنة خالد فهي تشبه والدتها إلى حد كبير، تسرع إلى خالد ليجثو على ركبتيه يستقبلها بين أحضانه، لتقول بسعادة:
فرحانة أوى إنك جيت يابابى، فين مامى؟
نهض خالد وهو يحملها قائلا بإبتسامة أدركت جورية أنها مفتعلة:
مامى عندها مـ.ـيـ.ـتنج مهم ياريمو، هتخلصه وتيجى علطول.
إنتفض قلب جورية من خيبة الأمل التي ظهرت على وجه الطفلة وهي تقول:
يبقى مش هتيجى، ومش هتراجع معايا البـ.ـارت بتاعى.
قال خالد:
هتيجى ياقلبى، متقلقيش.
حاولت جورى الخروج من هذا الموقف المحرج وإلهاء الطفلة عن حـ.ـز.نها لتقترب من الفتاة وهي تمد يدها إليها قائلة:.
إيه رأيك تيجى معايا أنا وروجي ياحبيبتى عشان نعمل بروفة نهائية على المسرحية قبل العرض؟
نظرت ريم إلى جورية ثم إلى روجينا التي أومأت لها برأسها مشجعة، لتمد يدها إلى جورية وقد إرتسم على ثغرها إبتسامة خلابة، لينزلها خالد وهو ينظر إلى جورية بإمتنان، لتومئ برأسها بهدوء ثم قالت:
عن إذنك هنروح مكان هادى عشان نتدرب.
أومأ برأسه موافقا، فكادت أن تغادر مع الفتاتين، ولكن إستوقفها صوته وهو يقول:
إستنوا.
إلتفتت إليه جورية والفتاتان ليقول بإبتسامة:
أنا جاي معاكوا.
علت البسمة ثغر جورية وظهرت الفرحة جلية على وجهها، لتخفيها بصعوبة ولكن ليس قبل ان يدركها خالد، ليبتسم بداخله، وهو يشعر بالراحة، وشعور آخر لم يحاول تلك المرة أن يقاومه، فقط تلك المرة.
رن هاتف ليلة برقم فراس، ليدق قلبها بقوة وهي ترى إسمه على شاشة هاتفها، لتفتحه وهي تحاول أن تتمالك أنفاسها بصعوبة، قائلة:
ألو.
قال فراس بإبتسامة إرتسمت على وجهه فور سماعه صوتها وظهرت في صوته وهو يقول بهدوء:
صباح الخير ياليلة.
قالت ليلة بإبتسامة إرتسمت على شفتيها:
صباح النور يا أستاذ فارس.
قال بهدوء:
قلنا إيه، فراس بس.
صمتت بخجل ليشعر هو بخجلها ليستطرد قائلا:
فاضية دلوقتى تيجى الدار؟
قالت بحيرة:
دلوقتى؟
قال بسرعة:
لو مش فاضية، خلاص.
قالت بهدوء:
أنا ورايا محاضرة بس ممكن أكنسلها، أنا كدة كدة، كنت جاية بعدها.
قال فراس:
أنا عارف، بس الحقيقة كنت حابب أتكلم معاكى شوية، قبل ما جورية تيجى.
قالت ليلة:
تمام، أنا جاية علطول، سلام.
قال فراس بهدوء يحاول أن يخفى به فرحته الطاغية بقبولها الحضور على الفور:
هستناكى، سلام.
أغلقت الهاتف لتقول لها لبنى بعيون ثاقبة:
ممكن أعرف بقى إيه حكاية فراس دى كمان؟
قالت ليلة بإضطراب:.
ولا حكاية ولا حاجة، أنا وهو بس بنحاول نجمع بين خالد وجورية زي ما قلتلك، متكبريش الموضوع.
رفعت لبنى حاجبها الأيسر قائلة:
علية أنا ياليلة، ده إنتى وشك كان فراولاية حمرا طول ما إنتى بتكلميه، وأول ما قالك تروحيله، سبتى محاضرة دكتور جمال اللي مبتفوتيهاش أبدا، وهتجرى جري عشان تقابليه.
نهضت ليلة تلملم أشيائها من على الطاولة وتضعها بحقيبتها قائلة بإرتباك:.
مفيش حاجة من اللي في دmاغك دى خالص يالبنى، كل اللي بينى وبين فراس هو موضوع خالد اخويا وجورية وبس، لو فيه اكتر من كدة هقولك، سلام بقى عشان متأخرش.
غادرت بسرعة لتنظر لبنى في إثرها، وهي تقول:.
لأ فيه ياليلة، لهفتك اللي مش قادرة تخبيها، و رجليكى اللي طايرة من على الأرض وإنتى رايحاله، إنتى بس اللي مش عايزة تعترفى بمشاعرك، بس قريب أوى هتجيلى وهتقوليلى، أنا بحب فراس أوى يالبنى، أنا بس بتمنى إن فراس ده يكون حد كويس، ويكون بيحبك، عشان إنتى بجد تستاهلى قلب يحبك ويقدرك ويحافظ عليكى.
لتتنهد وهي تنهض، تأخذ كشكول محاضراتها وهاتفها متجهة إلى محاضرتها، بهدوء.
كانت لين تقف بجوار النافذة تتطلع إلى هذا المكان المقفر المحيط بالمنزل، تتساءل في حيرة كيف ستستطيع الهرب من هنا، لقد إختار مؤيد مكان حبسها بعناية، زفرت بقوة، تبغى فرارا لن تناله، تود لو كان كل ما مرت به منذ الأمس هو كابوس ستفيق منه بعد لحظات، ولكنها تدرك أنه واقع، أحضر مؤيد مجددا إلى حياتها، ويبدو أنه لن يغادرها بسهولة مجددا.
أفاقت من أفكارها على صوت الباب يفتح ودخول مؤيد بصينية طعام، تأملته ببرود ثم أشاحت بوجهها بإتجاه النافذة مجددا، شعر بالغـ.ـيظ ولكنه تقدm منها بهدوء، يضع صينية الطعام على السرير قائلا:
مش هتيجى تاكلى؟
لم تجبه، ليخطو بإتجاهها بخطوات سريعة يسحبها من ذراعها قائلا بحنق:
لما أكلمك تبصيلى.
إرتطمت بصدره، فتمسكت به كي لا تقع، ليرتعشا سويا للحظة قبل أن ينتفض مؤيد تاركا ذراعها لتبتعد عنه على الفور، وقد إستعادت توازنها لتنظر إليه بغـــضــــب قائلة:
لو مسكتنى كدة تانى مش هيحصل طيب يامؤيد، مفهوم؟
نفض مشاعره التي ثارت في قلبه وهي بين ذراعيه وهو ينظر إليها بتحدى قائﻻ:
هتعملى إيه يعنى يالين؟
قالت بقوة لا تشعر حقا بها:
هعمل كتير، قلتلك إنى مبقتش لين بتاعة زمان، إتعلمت أجـ.ـر.ح وأعلم بجـ.ـر.حى كمان.
نظر لها لثوان ببرود ثم قال:
وياترى جـ.ـر.حتى حد غيرى يالين؟
نظرت إليه ببرود قائلة:
ملقيتش حد غيرك يستاهل الجـ.ـر.ح يامؤيد.
كتف ذراعيه وهو يقول:
والهانم شافتنى أستاهل الجـ.ـر.ح بقى ليه؟شفتى إيه من منى من يوم ما إتجوزنا يخليكى تقولى الكلام ده.
أشاحت بوجهها عنه ولم تجبه، كم كانت تتمنى لو قالت له ما إكتشفته عنه بالماضى، ولكنها لن تستطيع، فقد وعدت شاهيناز أن لا تبوح بما اخبرتها به لأحد، إلى جانب كرامتها كأنثى والتي أغتيلت على يده وليس في نيتها أبدا أن تجدد الإغتيال أو أن تستمع مجددا لأكاذييه، فلن تصدقها، فلقد رأت دليل خيانته بعينيها، أفاقت من أفكارها على صوته المحتد وهو يقول:.
قوليلى أنا عملت فيكى إيه يخليكى تطلبى الطـ.ـلا.ق، وتصممى عليه، تجـ.ـر.حينى في رجولتى وتقوليلى انك نفسك في أطفال وإنى مش هقدر أحقق حلمك، ده انا لو كنت عقيم فعلا وبتحبينى ولو شوية، كنتى متخليتيش عنى بالسهولة دى، أد إيه كنت ساذج زمان وسيبتك، فضلت سعادتك على سعادتى، مرضيتش اكون أنانى وأربطك بية، بس للأسف لما جينا وقت الجد ولقيتك هتكونى لغيرى مقدرتش أتحمل الفكرة، وصدقينى يالين، لغاية لما تعترفى إنك غلطتى في حقى، لغاية لما تركعى أدامى وتقوليلى سامحنى، مش هتخرجى من هنا ولا هتشوفى الشارع تانى.
نظرت إليه لين ببرود قائلة:
بتحلم ومسيرك في يوم هتصحى من الحلم ده وتعرف إنى مستحيل هعمل كدة، أنا لين نصار اللي مش ممكن حد يقدر يذلها أو يلوى دراعها وإن كنت ساكتة على المهزلة دى، فعشان بس أثبتلك إنك متهمنيش ومتهزنيش يامؤيد ياحسينى.
نظر إليها بوجه خال من المشاعر، ولكن لين أدركت مدى تأثير كلمـ.ـا.تها عليه من خلال إختلاجة بسيطة في وجنتيه، لم يكن غيرها ليلاحظها، ولكنها لين، من تحفظ خلجاته وسكناته عن ظهر قلب، تبادل كل منهم نظرات التحدى لثوان، قبل أن يلتفت مؤيد مغادرا الحجرة بخطوات سريعة، لتقترب لين من السرير تنظر إلى صينية الطعام، شعرت بحنين، لأيام كانت هانئة فيها، لا تدرك كم هي مخدوعة، ولا تعرف أي نوع من البشر هو مؤيد، لا تعرف سوى انه زوجها وحبيبها وتوأم روحها، هذا فقط، و لا شئ غيره، رجعت بذاكرتها قليلا للوراء.
وقتها...
، إستيقظت لين على صوت المنبه لتمد يدها وتطفئه وقد أزعجها صوت رنينه، لتعتدل وهي تنظر إلى جانب السرير الخالى من مؤيد بحيرة، ليفتح الباب في تلك اللحظة ويدخل مؤيد منه يحمل صينية الطعام، لتلوح البسمة على ثغرها، بادلها إياها على الفور قائلا:
صباح الفل على عيون ست الكل.
قالت لين برقة:
صباح الخير ياحبيبى، شكلك صاحى من بدرى.
أومأ برأسه وهو يجلس على السرير ويضع صينية الطعام ثم يناولها شريحة من الخيار في فمها لتلوكها برقة وهو يقول:
أعمل إيه بس، حبيت أفاجئ مليكتى وأعملها فطار يليق بسموها.
تأملت لين الصينية وقد حملت عليها كل ما تحبه، إبتداءا من كريب الموز الذي تعشقه إلى جانب توست الجبن المختلط، والسلطة المفضلة لديها والتي تعشقها من يده فقط، ولم ينسى عصيرها المفضل (عصير المانجو اللذيذ)حتى زهرتها المفضلة (التيوليب)وضعها في فازة صغيرة بالوسط تماما ليمنح إفطارها طعما آخر، إنه طعم مؤيد، لتمرر لسانها على شفتيها بطريقتها التي يعشقها وهي تقول بإستمتاع:
كل ده علشانى؟
إبتسم قائلا:.
طبعا، بألف هنا ياحبيبتى.
نظرت إليه بعشق:
إنت أحسن زوج في العالم.
قرصها في وجنتها بخفة قائلا:
وإنتى أحلى زوجة، يلا بقى كلى ولا أكلك بإيدى؟
إبتسمت ومدت يدها لتأخذ قطعة توست ولكن يدها توقفت في الهواء وهي تنظر إليه بنظرة ذات مغزى وهي ترفع حاجبها المنمق قائلة:
مؤيد، كل ده لله والوطن، مش عشان حاجة تانية، صح؟
إبتسم قائلا:
هو لله وللوطن، بس لو حبيتى تهادينى بحاجة تانية، فأنا معنديش مانع، ده النبى قبل الهدية.
لم تستطع لين منع ضحكاتها ثم قالت من بينهم:
عليه الصلاة والسلام، انت ملكش حل يامؤيد.
نظر إلى عيونها بعشق وهو يبتسم قائلا:
كل ألغازى وحلولها وكل مفاتيحى بين إيديكى إنتى ياحبيبتى ومستحيل يكونوا في إيد حد غيرك أبدا، لين لمؤيد ومؤيد للين، للين وبس.
أفاقت من ذكرياتها عند تلك النقطة تردد بمرارة:.
كدبت علية يامؤيد، وكنت لغيرى كمان، إديتك كل نبضة في قلبى ومخدتش غير الألــم والو.جـ.ـع، وبعد ما إفتكرت إنى خلصت من ذكرياتى معاك وخلصت من و.جـ.ـعك، رجعت لحياتى ورجعت معاك الو.جـ.ـع، وأنا قلبى ضعف، مبقاش يقدر يستحمل زي زمان، يارب، خفف عنى وريح قلبى، تعبت بجد.
أغمضت عيناها بألــم، ثم فتحتهما، لتنظر إلى تلك الصينية التي ذكرتها بالماضى الأليم، ولكن هيهات لما شعرت به في الماضى وما تشعر به الآن، لتبتعد بإتجاه النافذة مجددا، تنظر إلى الخارج، تتأمل هذا المكان، الذي أصبح منفاها، وسـ.ـجـ.ـنها، على الأقل في الوقت الحالى.
صفق الجمهور بقوة لهؤلاء الأطفال الذين عرضوا مسرحيتهم بشكل رائع يخلب الألباب، نظر خالد إلى جورية التي كانت تصفق بفرحة شعت من عيونها ليتأملها قليلا، تخلب لبه ملامحها التي شعت بالضياء، حانت منها إلتفاتة إليه، لتتوقف عن التصفيق وهي تتجمد كلية.
تجذبها عيونه بقوة ليتوقف الزمن وكلاهما لا يحيد بعينيه عن الآخر، لتكون جورية هي أول من قطع تواصلهم وهي تتنحنح قائلة:
إحمم، مسرحية حلوة.
أومأ برأسه بهدوء دون أن ينطق بكلمة، لتشعر جورية بالخجل فإستطردت قائلة:
هي، إحمم، مامة ريم فين؟
أشاح بوجهه وقد قست ملامحه فجأة قائلا:
وراها مـ.ـيـ.ـتنج هتخلصه وتيجى.
لم تود جورية أن تتعمق في الحديث عن غريمتها، فمن الواضح أن خالد على خلاف معها، لذا قالت بهدوء:
أستاذ خالد، هو حضرتك لسة مصمم على إننا نغير أغلفة الروايات؟
نظر إليها للحظات دون أن يتحدث، شعرت أن جسدها كله ينتفض من تأمله الصامت لها، قبل أن يقول:.
هتصدقينى لو قلتلك مش عارف.
نظرت إليه بحيرة ليستطرد قائلا:
جوايا شخصين، واحد رافض الفكرة ومصمم على التغيير والتانى بيقول وفيها إيه يعنى؟، متكبرش الموضوع ياخالد، ومابين الإتنين أنا حيران، ومخـ.ـنـ.ـوق.
صمتت جورية تشعر بخالد يفتح لها قلبه لأول مرة منذ أن وجدته ثانية، لم ترد مقاطعته بل تركته يبوح بمكنون صدره وبالفعل تنهد خالد وهو ينظر إلى الأمام قائلا بهدوء:
تعرفى كمان أكتر حاجة محيرانى إيه؟
ظلت صامتة، لينظر إليها يتأمل ملامحها الرقيقة قائلا:
إنتى.
كلمة واحدة ولكنها هزت كيانها بالكامل لتقول بحيرة:
أنا؟
أومأ برأسه قائلا:.
أيوة إنتى، مش عارف أفهمك، كل حاجة تخصك محيرانى وقالبة كيانى كله، شخصيتك اللي مبقتش مناسبة للزمن اللي إحنا عايشين فيه، يعنى واحدة زيك إيه اللي يخليها تهتم بطفلة مش طفلتها لمجرد إحساسها بيتمها وإنها محتاجالها في حين ان بعض أمهات دلوقتى مبقاش يهمهم أطفالهم وبقى البيزنس عندهم أهم حاجة.
أدركت جورية أنه يتحدث عن زوجته الآن، ليزفر قائلا:.
مش بس كدة، حكاية أغلفة رواياتك والصدفة الغريبة اللي جمعتنا، مش صدفة واحدة، لأ، صدف كتيرة.
ليشرد قائلا:
وكأنه قدر ومصمم إنه يجمعنى بيكى.
قالت جورية بحـ.ـز.ن:
مش قدر، لإن سكتنا مش واحدة، إحنا عاملين زي اتنين ركبوا قطرين وفى نقطة معينة إتلاقوا، وبعدين كل واحد هيكمل طريقه للنهاية وفى الأغلب مش هيشوفوا بعض تانى.
نظر إليها قائلا:
تفتكرى؟
أطرقت برأسها دون أن تنطق، لتنتفض حين أمسك كفه بيدها يتخلل أصابعها وهو يقول بحنان:
طب تفسرى بإيه إحساسى الأكيد دلوقتى، إن إيدك مكانها الطبيعى جوة حـ.ـضـ.ـن كفى؟
نظرت إليه بحيرة، يرتعش جسدها بأكمله من نظرته إليها، ويدها القابعة بيده، يضغط بأصابعه على أصابعها مؤكدا كلمـ.ـا.ته، لم تدرى بماذا تجيب؟ولم تقوى على سحب يدها من يده، تشعر بأن يدها مكانها الطبيعي أن تكون في يده بالفعل، ولكنها إضطرت لأن تتركها حين إندفعت ريم بإتجاه أبيها تحتضنه وهي تقول في سعادة:
بابى، الناس مبسوطين، وأنا كمان مبسوطة.
لتحتضن روجينا جورية قائلة بدورها:.
انا قلت البـ.ـارت بتاعى زي ما حفظتينى بالظبط يامامى.
ليحمل كل منهما طفله يضمه بحنان بينما تلاقت أعينهما، يدركان بكل قوة، أنه لا مهرب من مشاعرهم بعد الآن، وأن مصيرهما واحد، ولكنهما مضطران الآن للإفتراق، ولو مؤقتا.
بينما تابعت عينان كل ما حدث ليرتسم فيهما حقد و قسوة، تنوى صاحبتهما أن تزيح تلك الجورى عن طريقها تماما، فهي تهدد زواجها بالكامل، ربما لا تهتم بهذا الزواج حقا ولكنها لن تدع لتلك الحقيرة فرصة بأن تفوز عليها ابدا، ربما ستترك خالد يوما ما إن إستطاعت إقناع حبيبها بوصلها والزواج منها، ولكنها بالرغم من ذلك، ستحرص على أن لا يكون خالد لتلك الجورية أبدا، فما لم يمنحه لها، لن يمنحه لغيرها أبدا، ستفعل المستحيل لتحقيق ذلك.
خرج خالد بصحبة ريم من المدرسة وبجواره جورية وروجينا ليقول بهدوء:
تسمحيلى أوصلك؟
قالت جورية:
معايا عربيتى...
لتصمت حين رأته يحدق بنقطة ما خلفها وقد تغيرت ملامحه، إلتفتت لترى ما ينظر إليه فوجدته ينظر إلى سيارته التي تقبع بها زوجته تحدقهما ببرود، أصابتها غصة في قلبها، لتنظر إليه مجددا قائلة:
عن إذنك يا أستاذ خالد، وأشوفك بخير.
أومأ لها برأسه بينما قالت ريم:
مش هتيجى معانا ياطنط جورى؟
مالت جورية تربت على رأسها قائلة بحنان:
مش هينفع ياريم عشان ورايا مشوار مهم ولسة هوصل روجي كمان.
اومأت الطفلة برأسها ببراءة، لتنظر جورية إلى خالد مجددا تومئ له برأسها محيية قبل أن تغادر ومعها روجينا، بينما اتجه خالد والطفلة إلى سيارته وما إن أدخل ريم إلى المقعد الخلفي وجلس هو خلف المقود حتى بادرته شاهيناز قائلة بحدة:
البنى آدmة دى إيه اللي جابها هنا؟وإزاي تسيبها تلمس بـ.ـنتي؟ها؟
نظر إليها خالد قائلا في برود:
أظن لا هنا مكان الكلام ده، ولا ده وقته، والمفروض قبل ما تسألى أسئلة ملهاش معنى، تتطمنى على بـ.ـنتك وتشوفى عملت إيه في حفلتها، ولا إيه؟
حدقته بحنق، ثم أشاحت بوجهها ولم تنطق بكلمة، فهز رأسه يأسا، قبل أن يشغل سيارته ويتحرك بها متجها بهدوء إلى منزلهم، حيث سيبدأ ما إن يدخلون حجرتهم شجارا، يدرك أبعاده منذ الآن.
↚
دعني أجرب معك جميع الحماقات المكبوتة داخلي.
دعني أكون معك الناضجة والطفلة و الحكيمة...
دعني أرى بواطن الأمور على غير عادتها
وأنكب أكتشف الأشياء حولي لتتضح بأنها غير ماكنت أراه.
أجري خلف السحاب، وأترجاك أن تمسك معي واحدة
تبتسم وتشير لي بأن السماء جميعها ملك لي.
وبأن القمر بات يغار من جمال طلتي...
والنجوم ماعادت هناك، لأنك تراها تجمعت في عيني.
دثرني بكلمـ.ـا.تٍ دافئة حينما يشتد البرد حولي.
فقد مللت الشراشف و الأغطية البالية.
بقلم، سميرة البهادلى.
نهض فراس يستقبل ليلة التي دخلت إلى مكتبه تمشى على إستحياء، ليقول بإبتسامة:
ياألف أهلا وسهلا، نورتينى ياليلة.
قالت بخجل:
ميرسيه.
لتقف أمامه تماما، تقول برقة:
خير يافراس، كنت عايزنى في إيه؟
إبتسم قائلا:
طيب أقعدى الأول، واقفة ليه بس؟
جلست بهدوء، لترفع إليه عينان رائعتان، شعر بقلبه يذوب بهما عشقا وهي تقول:
خير يافراس، طمنى بقى، انت بجد قلقتنى.
دار حول المكتب ليقترب منها ويجلس أمامها قائلا بهدوء:.
أنا عايزك تطمنى، ومتقلقيش ابدا طول ما إنتى معايا ياليلة.
قالت ليلة بلهفة:
يعنى لقيت حل نجمع بيه جورية وخالد؟
نظر إلى عينيها مباشرة، وهو يقول:
لأ، الحقيقة الموضوع ميخصش خالد وجورية خالص، بس بصراحة مش قادر أسكت أكتر من كدة.
عقدت حاجبيها بحيرة ليستطرد قائلا بإرتباك:
إحمم، الحقيقة الموضوع يخصك إنتى.
إزداد إنعقاد حاجبيها ليبتلع ريقه قائلا:
ويخصنى أنا كمان.
تسللت الحمرة إلى وجنتي ليلة، فإزدادت جمالا، ليقاوم هو جمالها الفاتن وهو يركز على كلمـ.ـا.ته قائلا:
أكيد إنتى ملاحظة إنى معجب بيكى.
أطرقت برأسها خجلا، ليستطرد قائلا:
الحقيقة هو مش إعجاب وبس، هو حاجة أكبر من كدة، من أول مرة شفتك فيها وإنتى خـ.ـطـ.ـفتينى.
رفعت إليه عينيها في دهشة، فإستطرد قائلا:.
أيوة خـ.ـطـ.ـفتينى، بصى ياليلة أنا عارف إن إحنا منعرفش بعض كويس، بس اللي أنا متأكد منه إن اللي بينا مش حاجة بسيطة، لأ، أنا عمرى ما حسيت الإحساس ده ناحية حد، ولا عمر واحدة قدرت تأثر فية من أول نظرة بالشكل ده، انا كل مرة بشوفك فيها إعجابى بيزيد بيكى أكتر، ولولا إنى حاسس إن مشاعرى ليها صدى عندك انا مكنتش قلتلك على اللي جوايا.
نظرت إليه لا تدرى ما الذي يجب عليها أن تقوله، فنعم لمشاعره صدى بقلبها بالتأكيد، وما كانت لتحلم بأن يجلس فراس أمامها يخبرها بأن لديه مشاعر تجاهها، فهو كأبطال رواياتها تماما، حلم العديد والعديد من الفتيات، فلماذا هي بالذات من حازت على إعجابه؟
ليجيبها وكأن ملامحها الشفافة أخبرته عن تساؤلها، قائلا بنظرة حانية:.
لإنك مميزة، مش بس بـ.ـنت حلوة ورقيقة، لأ، قلبك ده من دهب، حبيت طيبته، وحنيته، حبيت روحك الحلوة اللي إتعاطفت مع قصة حب يائسة، حبيت رومانسيتك، في زمن مبقاش فيه حد مؤمن أصلا بالحب، وشقاوتك اللي أكيد مستخبية ومبتطلعش غير مع الناس اللي بتحبيهم وبس، لو كنت حلمت بواحدة أحبها، كانت هتبقى شبهك بالظبط ياليلة.
إزدادت حمرة الخجل في وجنتيها، ولكنها ظلت صامتة لا تدرى بماذا تجيب على كلمـ.ـا.ته التي جعلت خفقاتها تشتعل بقوة، لينظر إلى عمق عينيها قائلا:
مش هتقولى حاجة؟
تنحنحت قائلة بخجل:
إحمم، بصراحة مش عارفة أقول إيه؟
مد يده يمسك يدها قائلا:
قولى إن أدامى فرصة، وإنك حابة ت عـ.ـر.فينى أكتر، طمنينى بس.
سحبت يدها من يده بخجل قائلة بإرتباك:.
أنا، يعنى، هتكلم بصراحة يافراس، دى أول مرة أتحط في الموقف ده، والحقيقة هي إنى مش هقدر أطمنك ولا أوعدك بحاجة غير بعد ما أتكلم مع أخويا خالد، وأشوف رأيه إيه، أنا متعودتش أخبى عنه حاجة، وخصوصا مشاعرى، ولو هو وافق ساعتها بس هنتكلم، خالد بيثق فية وأنا متعودتش أخون الثقة دى.
تأملها بإعجاب إزداد مع كلمـ.ـا.تها، ليبتسم قائلا:.
وأنا كدة إتأكدت إنى إخترت صح، ياريت تحدديلى بقى ميعاد مع خالد وأنا بنفسى اللي هفاتحه في موضوعنا، وياريت يكون الكلام ده في أسرع وقت.
نظرت إليه بدهشة، لتتسع إبتسامته قائلا:
متستغربيش، مش كل يوم الواحد بيقابل الحب ولو قابله يبقى لازم ميضيعوش من إيده أبدا، وأنا مش مستعد بعد ما لقيتك أضيعك من إيدية ياليلة.
أطرقت ليلة برأسها في خجل، كاد فراس أن يقول شيئا حين قاطعه صوت طرقات على الباب ثم دخول جورية إلى المكان قائلة بإبتسامة:
إتأخرت عليكم؟
إبتسم فراس قائلا:
بالعكس، جيتى في وقتك تمام.
لينهض عائدا إلى مكانه لتتقدm جورية وتجلس مكانه تنظر إلى ملامح فراس المنبسطة، وليلة المبتسمة بهدوء ولكن صمتها وحمرة الخجل على وجنتيها، يخبران جورية بالكثير.
ألقى مؤيد نظرة واحدة على صينية الطعام ثم نظر إلى التي مازالت تقف بجوار النافذة تنظر إلى الخارج قائلا ببرود:
مكلتيش ليه؟
قالت دون أن تنظر إليه:
مليش نفس.
إقترب منها وهو يقول:
إيه، ناوية تمـ.ـو.تى من الجوع؟
إلتفتت إليه تقول في غل:
ياريت.
توقف مكانه بغتة، ينظر إلى ملامحها النافرة، لتتقدm هي منه مستطردة بحدة:
ياريتنى أمـ.ـو.ت من الجوع، عشان أرتاح منك يامؤيد.
رغما عنه لاحت صدmته على وجهه وهو يقول:
للدرجة دى يالين؟
ظهر الألــم بعينيها وهي تتوقف قائلة في مرارة:
أيوة للدرجة دى، وأكتر كمان، أنا محبتش في حياتى أدك ومكرهتش برده أدك، نفسى أخلص منك وأبتدى حياتى بقى من جديد، بس للأسف مش عارفة، طلعتلى تانى بعد ما قلت إنى خلاص بطلت أح...
قطعت كلمـ.ـا.تها وقد كادت ان تبوح له بمكنون صدرها، لتزفر قائلة:.
خلينا ننهى اللعبة دى بقى يا مؤيد وكل واحد فينا يروح لحاله، أنا كنت فاكراها لعبة مسلية بس للأسف لقيتها بايخة ومش مستاهلة نضيع وقتنا فيها.
تأملها مؤيد في برود صقيعي، للحظات ظل صامتا وكأنه تمثال قد من صخر، ثم قال ببرود:.
الحاجة الوحيدة اللي ممكن تخلينى أنهى اللعبة البايخة دى زي ما بتقولى، هو إنك تعترفى إنك غلطتى في حقى، وتتأسفيلى كمان، غير كدة مش هنهيها وهتفضلى للأسف تلعبيها معايا، حتى لو وصلت إنى أسيبك تمـ.ـو.تى من الجوع، صدقينى مبقتش تفرق معايا.
ثم إستدار بهدوء مغادرا، تتبعه عيناها الغاضبتان من كلمـ.ـا.ته، وما إن أغلق الباب حتى حل الحـ.ـز.ن محل الغـــضــــب وهي تقول بهمس:.
إتغيرت أوى يامؤيد، بجد مبقاش يفرق معاك أمـ.ـو.ت أو أعيش؟ولا إنت قاصد بس تجـ.ـر.حنى؟بصراحة مبقتش قادرة أعرف، ولا عايزة أعرف، أنا بس بتمنى أخرج من المكان ده قبل ما أكرهك بجد.
لتجلس على السرير وقد ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعينيها، تبكى بحـ.ـز.ن وذكرياتها معه تمر بخاطرها، تجعلها تحن لأيامهما معا رغما عنها، تتمنى فقط لو كان صان عهدهما ولم ينتهكه بتلك القسوة.
إنفرجت أسارير ليلة قائلة:
أما صدفة، جنان بجد.
قالت جورية بحـ.ـز.ن:
هي كانت صدفة حلوة فعلا بس مع الأسف قلبت في الآخر، لو كنتى شفتى نظرات شاهيناز لية مكنتيش قلتى الكلام ده خالص، دى النظرات لو كانت بتقــ,تــل كنتوا دلوقتى بتترحموا علية.
قالت ليلة بسرعة:
بعيد الشر عنك، بس إنتى هتقوليلى على نظرات شاهيناز، عارفاها وحافظاها.
نظرت جورية إلى فراس الذي أطرق برأسه ينقر بسبابته على المكتب، لتقول:
ساكت ليه يافراس؟
رفع إليها عيناه يقول بهدوء:
بفكر ياجورى، الموضوع خطير على فكرة.
نظرت إليه الفتاتان بحيرة ليستطرد قائلا:
إنتوا مش ملاحظين إن القدر مصمم يجمع خالد مع جورية.
نظرت الفتاتان إلى بعضهما البعض ثم نظرا إليه مجددا، ليتراجع في مقعده قائلا:
بنسبة كام في المية كان ممكن أكتر حد متفائل يقول ان جورية هتلاقى خالد من تانى هنا في القاهرة، المدينة الكبيرة أوى دى واللي تعداد سكانها مقرب على العشرة مليون؟
لم تنطق الفتاتان ليستطرد قائلا:
طيب صدفة زي النهاردة دى لو خططنا ليها حتى، مكنتش هتكون بالشكل ده، وكأن لقاهم نصيب وإجتماعهم قدر، مهما رفضه خالد أو قاومه، ومهما حاولت جورية تبعد عنه.
قالت جورية في حـ.ـز.ن:
بس إنت نسيت حاجة مهمة، بتمنع النصيب والقدر.
نظر إليها فراس مستفسرا لتستطرد قائلة:
شاهيناز وريم، حتى لو إفتكر الماضى او حتى حبنى من جديد، هيفضل إرتباطه بيهم أكبر سبب يمنع إتحادنا.
قال فراس بحنق:.
بطلى تعيشى ياجورى في العالم المثالى اللي مبقاش موجود على سطح الأرض، لو انتوا بجد بتحبوا بعض مينفعش حاجة تقف بينكم.
لتقول ليلة بهدوء:
بس أنا مش معاك يا فراس.
نظر إليها فراس في دهشة فقد ظن أنها مثله ترغب في جمعهما سويا، لإن خالد وجورية يحبان بعضهما البعض بينما من الواضح وكما تقول ليلة أن خالد لا يحب زوجته ولا يرغبها، لتستطرد ليلة قائلة بحـ.ـز.ن:.
رغم إن خالد مبيحبش شاهيناز فعلا ولا هي بتحبه ورغم إنى شايفة إنه جورى هي اللي بتحبه وهو ميال ليها ده غير قصة حبهم اللي اتكتبلها تتنسى وتضيع من ذاكرته، ورغم انى بتمنى هم الاتنين يتجوزوا، بس أنا بتفق مع جورى، أنا لو مكانها مكنتش هقبل أبدا بإن يكون لية إيد في خراب بيت حبيبى حتى لو كان البيت ده متدmر أساسا.
قال فراس بحيرة:.
طب وإيه الحل؟، يفضل هو متعـ.ـذ.ب جوة جوازة مش عايزها، وتفضل هي متعـ.ـذ.بة مع ذكرياتها، الحقيقة ده مصير أليم لقصة حب حـ.ـر.ام تكون نهايتها بالشكل ده.
تنهدت جورية قائلة:
أنا شايفة إن الحل في النسيان، أنا لازم أنساه زي ما هو نسانى، وعشان أنساه يبقى لازم أبعد وأرجع الوادى.
قالت ليلة في دهشة:
بس اللي أعرفه إن الوادى ده هو اللي اتولدت فيه قصة حبكم، وكل ذكرياتكم هناك، إنتى كدة بتعـ.ـذ.بى نفسك ياجورى.
زفرت جورية بقوة قائلة:.
هناك ذكريات حبه وهنا ذكريات نسيانه لية اللي بيعـ.ـذ.بنى، تفتكرى إيه هو المكان الأفضل بالنسبة لى؟اللي بيفكرنى بحبه ولا اللي بيبقى فيه أدامى وناسينى وكأنى واحدة غريبة عنه، بصوا، أنا قررت خلاص، هرجع الوادى وهناك هجرب أعيش مع ذكرياتى معاه، وأنا ونصيبى بقى.
قال فراس وهو يحدجها بنظرات ثابتة:
أنا شايفك بتهربى ياجورى، وأنا متعودتش أشوفك كدة، مش قادرة تواجهى مشاكلك فبتحاولى تهربى منها.
نهضت جورية قائلة في ألــم:.
ساعات بيكون الهروب هو الحل الوحيد أدامنا، ما هو يا نهرب يانتجنن، وفى الحالتين ضايعين يافراس، أنا مضطرة أسيبكم وأمشى عشان ده ميعاد مكالمة جدى، أشوف وشكم بخير.
قالت ليلة بضيق:
إنتى هتسافرى علطول كدة؟طب كنتى إستن...
قاطعتها جورية قائلة:.
مش هينفع ياليلة، كل ما هستنى هضعف، وفجأة مش هقدر أبعد، وهو كمان هيتعلق بية أكتر، وساعتها هنـ.ـد.م إنى ممشتش ورا عقلى، وسمعت كلام قلبى، ومتقلقوش أنا هكون معاكم علطول، النت قرب كل المسافات، ولو وحشتكم بجد هلاقيكم عندى في الوادى، هستناكم تزورونى، أشوفكم بخير.
ثم غادرت بهدوء، ليتبادل كل من فراس وليلة نظرات الأسى، يشعرن بها وبصراعها الداخلي ما بين عقلها وقلبها، لينتصر العقل في النهاية ويضيع العشق هناك، في وادى النسيان.
كان خالد يبحث بين أدراج مكتبه عن صورة هذا العقد الأخير ليراجعه، ليرفع الملف الذي يضم بين جنباته إخطار البنك الأخير بحسابه به، توقفت يده وتجمد جسده وهو يرى الرواية التي تقبع تحت هذا الملف، مد يده الأخرى يسحب الرواية ثم وضع الملف وأغلق الدرج ليقرأ العنوان مجددا (أنفاس حياة)، تأمل صورته التي تكاد تماثله، وتأمل إسمها بقلب زادت خفقاته، لأول مرة ينتابه الفضول ليقرأ تلك الرواية التي خطت كلمـ.ـا.تها تلك الفتاة التي كلما إقترب منها وجدها تجذبه بشـ.ـدة، تطابق أوصافها فتاة أحلامه وتماثلها براءة ورقة بل تكاد تكون هي، يريد أن يفتح باب قلبه ويستقبلها بداخله إستقبالا يليق بكيانها الرقيق ولكنه ولسبب ما عاجزا عن إتخاذ تلك الخطوة، ربما هي ريم، أو هو الخــــوف من مشاعر قد تضعفه، لا يدرى حقا.
فتح الرواية لتجرى عيناه على سطورها، لا ينكر أن لها أسلوبا جميلا في عرض فكرتها، أسلوب يجذب القارئ ببساطته، ولا يصيبه أبدا بالملل، تنقله بسلاسة مابين الأحداث، يشعر وللغرابة بمتعة كبيرة وهو يقرأ، رغم عدm إعجابه سابقا بمثل هذا النوع من الروايات، بل إنه كان يسخر من ليلة لعشقها لتلك الروايات الرومانسية الخيالية على حد قوله، لكنه وجد نفسه وكلما تعمق في القراءة كلما إزداد حيرة، يكاد يقسم أنه عاش بعض تلك المواقف التي ترويها جورية والتي تحدث ما بين ذلك البطل جاسر والبطلة جميلة، ليصعق كلية حين وصفت حلم من أحلامه حرفيا، وكأنها رأته معه، عايشته وتأثرت به، مثله تماما، ليغلق الرواية بسرعة وقد عقد حاجبيه، ينوى الوصول لحل هذا اللغز الذي يكاد أن يصيبه بالجنون، تماما.
قالت جورية بحنان:
لأ ياجدى، إنت بتضحك علية، بتاكل كويس إيه بس؟ده انت وشك خاسس خالص، ولونه أصفر كمان.
قال عزيز بإبتسامة واسعة من خلال شاشة اللاب الخاصة بجورية:
انا كويس والله ياجورى، وباكل كويس، انتى عارفة جليلة، بتفضل ورايا لغاية ما آكل وآخد الدوا كمان.
إبتسمت جورية قائلة:
وحشتنى خالتى جليلة، هي فين؟
قال عزيز:
ما انتى عارفة، في الميعاد ده بتسقى وردها اللي في الجنينة.
إتسعت إبتسامتها قائلة:.
وبتغنى اغنية أسمهان، يابدع الورد ياجمال الورد.
ضحك عزيز قائلا:
ما أنا هـ.ـر.بت من صوتها وجيت على المكتب هنا أكلمك علطول.
قالت جورية:
حـ.ـر.ام عليك ياجدى، طنط جليلة صوتها حلو أوى، مستحيل متحبوش.
إبتسم عزيز بهدوء قائلا:
هو حلو فعلا وإنتى طالعالها، أنا بهزر يابـ.ـنت، المهم إنتى عاملة إيه دلوقتى؟
تنهدت جورية ثم قالت بهدوء:
الحمد لله ياجدى، خلصت الرواية، وبفكر آخد بريك وأجيلكم.
إتسعت عينا عزيز بفرحة لا يصدق أذناه، ليقول بلهفة:
بجد، بجد هتجيلنا ياجورية؟
قالت جورية بإبتسامة باهتة:
الظاهر كدة ياجدى، وحشتونى والوادى كمان وحشنى، هخلص بس شوية حاجات هنا وأجيلكم.
قال عزيز بسعادة:
هنستناكى يا بـ.ـنتي وأهو بالمرة تحضرى فرح علا بـ.ـنت عابد، دى هتفرح أوى لما تعرف إنك جاية وهتحضرى فرحها، عقبال ما أشوفك إنتى كمان عروسة ياجورى وأفرح بيكى بقى.
إبتسمت جورى إبتسامة شابها بعض الحـ.ـز.ن ثم تنهدت قائلة:.
سلملى عليهم وسلملى على خالتى جليلة لغاية ما أجيلكم، وخلى بالك من نفسك.
قال عزيز بحنان:
إنتى كمان يا بـ.ـنتي خلى بالك من نفسك.
أومأت جورية برأسها قائلة:
حاضر ياجدى، أنا هقفل دلوقتى، سلام.
قال عزيز:
مع السلامة ياحبيبتى.
أغلقت جورية اللاب، ليرتسم الحـ.ـز.ن على وجهها وهي تدرك أنها لن تصبح أبدا عروس ولن تحقق لجدها أمنيته، ترفض بشـ.ـدة أن تصبح لغير فهد، أو خالد، لا يهم الإسم، فقلبها لم ولن يتفتح لغيره، قد كان ومازال حبها الأول والأخير، تدرك تماما أنها رغم عشقها له فلن تكون أبدا له، لتظل آمالها كما هي آمال جدها تماما، مستحيلة وتصيبها باليأس والحـ.ـز.ن، مجددا.
↚
أخبرنى كيف أراك ولا أنساق، لقلب قد نسي قلب إليه يشتاق؟
كيف أمحو ماض يجمعنا، وأمزق كل الأوراق؟
وأقــ,تــل خفقات القلب، أجبره على جـ.ـر.ح وفراق؟
كيف أبعد الذكريات عن مخيلتى وأنسى أنى كنت يوما من العشاق؟
قال نبيل بهدوء:
كدة بقى أنا إتأكدت من إنه خـ.ـطـ.ـفها، تليفونه المقفول ده وتليفونها كمان، وسفرها المفاجئ لشرم من غير ما تقولكم قبلها، واللي انتى بنفسك قلتيلى إن ده شئ غريب عليها.
تنهدت سها قائلة في حـ.ـز.ن:
لين فعلا مستحيل تروح مكان من غير ما تقولى، و إحنا تقريبا كنا متأكدين من المرة اللي فاتت إنها مخـ.ـطـ.ـوفة، ومع ذلك ولغاية دلوقتى معرفناش نعمل حاجة ولا قدرنا نوصلها.
زفر نبيل قائلا:.
أنا مش ساكت ياسها، أنا أجرت تحري خاص عشان يوصل لمؤيد، عن طريق الكريديت كارد بتاعه مثلا، بس مع الأسف لسة مستعملوش، ولسة التحري موصلش لحاجة جديدة كمان.
ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعيني سها وهي تقول:
مؤيد مش غبى وأكيد مش هيستعمل الكريديت كارد بتاعه، وأنا بصراحة خايفة منلاقيهوش، بجد خايفة على لين منه، هو فاكر إنها باعته، وممكن يعمل فيها أي حاجة تإذيها.
أو.جـ.ـعته دmـ.ـو.عها، ليمد يده يضم بها يدها الرابضة على الطاولة قائلا بحنان:
متخافيش ياسها، مؤيد مش ممكن يإذى لين، مؤيد لسة بيحبها، واللي بيحب حد ميقدرش يإذيه حتى لو كان عايز ينتقم منه.
رغم إرتعاشة يدها بين يديه ورغبتها في هذا الدفء الذي أحاط بها حين لمس يديها إلا أنها سحبتها في خجل، لتشعر على الفور ببرد يحيط بها، ولكنها نفضت هذا الشعور وهي تقول بحـ.ـز.ن:.
إنت طيب أوى يانبيل، ومش عارف إن الإنتقام ممكن يعمى القلب والعين ويإذى حتى الناس اللي بنحبهم.
نظر إلى عينيها الجميلتين وهو يقول بحنان:
انا مش عايزك تخافى أو تقلقى، قبل ما يحصل أي حاجة هنوصلهم، وساعتها هقول لمؤيد اللي عرفته، ما هو لازم يفوق ويعرف إنه هو ولين كانوا ضحية خدعة حقيرة كل هدفها كان إنهم يبعدوا عن بعض.
تنهدت سها بحـ.ـز.ن قائلة:.
أنا لغاية دلوقتى مش قادرة أصدق إن شاهيناز ممكن تعمل كدة، انا صحيح مبحبهاش بس مكنتش متوقعة إنها بالحقارة دى.
قال نبيل:
وأحقر من كدة كمان، انا كنت شايفها على حقيقتها من زمان وياما حذرت مؤيد منها بس هو اللي مسمعش كلامى، عموما، نلاقيهم بس وكل حاجة هتتصلح وترجع زي الأول وأحسن.
قالت سها بعيون إمتلأت بالأمل:
يارب يا نبيل، يارب نلاقيهم قبل فوات الأوان.
قال نبيل بتأكيد:
هنلاقيهم يا سها، وده وعد منى ليكى.
إبتسمت سها بإمتنان تثق بأنه قادر على تنفيذ وعده، تستشعر رجولته التي تشع من كلمـ.ـا.ته وتصرفاته، ليبادلها إبتسامتها الممتنة، بإبتسامة حانية، عاشقة.
كان مؤيد يجلس في الردهة يقرأ كتابا قد أثاره في البداية محتواه الذي يتحدث عن تصميمـ.ـا.ت حديثة في فن العمارة والهندسة يحاول أن يشغل عقله عن التفكير بمحتواه، ولكنه وجد نفسه يشرد كثيرا في تلك الفتاة بالأعلى والتي يعشقها ويكرهها في آن واحد، آلمته كلمـ.ـا.تها حقا، تساءل في حـ.ـز.ن، أحقا تكرهه إلى هذه الدرجة؟ليتنهد في يأس، يفكر بصمت؟في مشاعرها النافرة القوية تجاهه، ربما لا فائدة ترجى مما يفعله، ربما يجب أن يطـ.ـلق سراحها، ليس فقط من هذا المنزل بل عليه أن يطـ.ـلق سراحها من قلبه، عليه أن ينساها ويتركها لحياتها ويتابع هو حياته، لينفض تلك الفكرة رافضا إياها، لا يستطيع تخيلها مع أحد سواه، ترك كتابه جانبا وقد مزقه هذا الشعور، يتساءل بمرارة، لماذا لم تحبه مثلما عشقها هو؟لماذا لم تبادله مشاعره وهو الذي لم تملك قلبه فتاة سواها؟لماذا تكن له كل هذا الكره؟ماذا فعل لها؟لقد عاملها كملكة متوجة على عرش قلبه، هل كل هذا من أجل طفل تود إنجابه؟تبا، وماذا في يده يستطيع أن يفعله ليمنحها إياه؟إنها إرادة الله وقدره، فلا مانع لديهما للإنجاب، فقط لم يكن الوقت قد حان بعد، ثم ألــم تكتفى به وبعشقه عن الأطفال كما إكتفى هو بها؟آلمه إحساسه مجددا بأنه غير كامل بنظرها، ربما حان الأوان حقا لأن يكتفى بما أصاب كرامته معها من إهانة وما لاقاه منها من نكران، ربما اخطأ في قدومه إلى مصر يدعى ثأرا لكرامته وهو يخفى رغبة في إستعادة لين، يدرك الآن إستحالة تحقيق تلك الرغبة، ربما حقا وجب عليه ان يطـ.ـلق سراح لين للأبد...
إتجهت افكاره الآن تجاهها رغما عنه، يتساءل في حـ.ـز.ن عنها، يلعن قلبه الذي يخشى ان تكون مازالت منقطعة عن الطعام، لينهض متجها إلى حجرتها يود الإطمئنان عليها، فحتى وإن آذته، سيظل هذا القلب الخائن، عبدا لها، لا يستطيع أن يؤذيها ابدا.
توقف أمام باب الحجرة، تردد قليلا ثم حسم رأيه، فتح الباب ودخل الحجرة بهدوء ليجدها جالسة على السرير تضم ركبتيها إلى صدرها وتستند بجبهتها عليهما وبجانبها صينية طعامها لم تمسها، لم ترفع وجهها إليه، ليقترب من السرير بهدوء يخفى و.جـ.ـع قلبه عليها وهو يراها بهذا الضعف والحـ.ـز.ن، جلس بجوارها ومد يديه يمسكها من كتفيها فإنتفضت متراجعة للخلف تواجهه بعينين مذعورتين، هاله خــــوفها منه البادى بإرتعاشة جسدها ونظراتها الزائغة، يدرك أنها تعانى الخــــوف والضعف من تجويعها لنفسها إلى جانب تهديداته الفارغة لها، ليقول بهدوء حان:.
إهدى ومتخافيش منى، أنا مش هأذيكى.
نظرت إلى عينيه، ربما تبحث حقا عن أمان إفتقدته معه، ليومئ لها برأسه يطمأنها دون ان ينطق، فإرتاح جسدها المشـ.ـدود قليلا، ليستطرد قائلا:
إنتى عايزة تمشى صح؟
أومأت برأسها دون أن تنطق بكلمة، ليقول بهدوء:
عشان تمشى لازم تاكلى حاجة، مش هينفع متاكليش كدة، انتى ممكن تمـ.ـو.تى من قلة الأكل.
قالت بصوت ضعيف حزين:
هتفرق في إيه يعنى؟مش انت قلت بنفسك إنها متفرقش معاك.
تبا له ولكلمـ.ـا.ته التي قالها في لحظة غـــضــــب، إنه لا يطيق أن تخدش فكيف بالله يبغى لها أذى، ماذا يفعل ليسحب تلك الكلمـ.ـا.ت الجوفاء والتي آذتها كما يبدو، مد يده إلى يديها يسحبهما ويضمهما بين يديه بحنان فلم تبعدهما رغم إرتعاشتهما بين يديه قائلا وهو ينظر إلى عمق عينيها:.
كلام وقلته في لحظة غـــضــــب، إنسيه، بصى أنا مش هقولك كلى عشان نفسك أو عشان خاطرى لإن من الواضح في اللحظة دى إن إحنا الاتنين منهمكيش بس هقولك كلى عشان خاطر إخواتك اللي بيحبوكى ومستنيينك ترجعى ليهم.
نظرت إلى عينيه بحيرة، ترى بهما عشقا مازال رابضا في عمقهما، تتساءل بعجب، إذا كان حقا يحبها ويهتم بها كما تخبرها عيناه، إذا لماذا خانها بالماضى؟هل كانت نزوة مثلا وأفاق منها، هل نـ.ـد.م عليها؟ربما، وربما وجب عليها مصارحته بمكنون قلبها فربما إنقشع ضباب الغموض عن كل مجريات حياتهما، ربما عادا كما كانا بالماضى بشئ من التسامح، رقت ملامحها، فإشتعل الأمل بقلبه، ليترك يديها وهو يمسك شطيرة من على الصينية يمدها إلى ثغرها قائلا بحنان:.
يلا إفتحى بقك، هأكلك زي زمان.
رغما عنها وجدت نفسها تفتح ثغرها تلقائيا، تقضم الطعام كالمسحورة، بينما غامت عيناه وهو يتذكر الماضى، حين كان يفعل ذلك تماما، ومابين القضمة والقضمة، كان يقبل شفتيها، ينهل من شهدهما ليشعر حقا بالإكتمال، غامت عيناها بدورها وهي تتذكر مثله تلك الأوقات الرائعة بينهما، كاد أن يميل مقبلا ثغرها بقبلة إشتاق لها حد المـ.ـو.ت، ليتذكر فجأة أن تلك القبلة لم تعد من حقه، وان لين لم تعد زوجته حقا، ليشعر بغصة في قلبه، أشاح بوجهه عنها، يقاوم ضعفه وضعفها الذي يراه في ثنايا عينيها، ليترك الشطيرة على الصينية، وهو يقول بحـ.ـز.ن:.
كملى أكلك يالين، وأوعدك بكرة هرجعك لأهلك.
ثم نهض مغادرا، بخطوات مسرعة وكأن شياطين الدنيا تلاحقه، تتابعه لين بعينيها، تدرك أنه يقاوم ضعفه وأنه كان من الممكن ان يستغل ضعفها ولكن هكذا مؤيد الذي عرفته بالماضى، رجلا رائعا حقا، إنها الآن لا تدرى لم إستسلم لضعفه بالماضى وخانها، لما أضاع ما كان بينهما؟ ليظل سؤالها عالقا بالهواء، بلا إجابة.
مدت يدها إلى شطيرتها تسحبها بضعف، تلوكها في فمها دون أن تشعر حقا برغبة في الطعام، ولكنها لابد وان تأكل، فلديها يوم طويل بالغد تنوى أن تصل فيه ﻹجابات عن ماض غامض القسمـ.ـا.ت، بدأت تشك في مجرياته.
قالت ليلة بحـ.ـز.ن:
مشت خلاص، لسة مكلمانى في التليفون، انا زعلانة أوى يافراس.
قال فراس:
وأنا كمان، حاولت أقنعها متسافرش بس للأسف مصممة، ورافضة تسمع أي كلام، بس أنا عاذرها، وجوده أدامها علطول وهي عارفة ومتأكدة إنه مش ليها، ده عـ.ـذ.اب في حد ذاته يا ليلة، وهي إتعـ.ـذ.بت كتير، قبل ما تلاقيه، وبعدها.
قالت ليلة بحـ.ـز.ن:.
معاك حق، بس كان عندى أمل تستنى شوية، والله كان هيحس بيها، إنت مشفتوش بقى عامل إزاي، نظرة عينيه رقت، وخصوصا لو جت سيرتها، وبقى سرحان علطول، بوادر حب، مقدرش أقول غير كدة.
قال فراس:
عموما، أنا عايزك متقلقيش، لو حبهم قدر ونصيب، مفيش حاجة في الدنيا ممكن تفرقهم.
تنهدت ليلة وهي تعدل وضع هاتفها على أذنها قائلة:
يارب قدرهم ونصيبهم يكونوا مع بعض، يارب فراس.
قال فراس:
يارب.
ثم قال بعد لحظة صمت:.
عملتى إيه في موضوعنا ياليلة؟
قالت ليلة بخجل:
كنت هكلم خالد النهاردة بس لقيته متعصب وحاسة إن بينه وبين شاهيناز مشكلة فقلت أستنى لبكرة، يكون راق شوية.
أومأ فراس برأسه قائلا:
تمام، بس ياريت متتأخريش علية ياليلة، أنا مستعجل اوى.
إبتسمت لتظهر إبتسامتها في صوتها وهي تقول:
حاضر يافراس، أوعدك أكلمه بكرة علطول، سلام دلوقتى.
قال فراس بإبتسامة:
سلام.
ثم أغلق الهاتف وهو يقول بحنان:
سلام يا قلب فراس وعمره كله.
بينما أغلقت ليلة هاتفها وضمته إلى صدرها بقوة، تنتظر أن تهدأ خفقاتها المتسارعة، قبل ان تتركه من يدها وهي تسحب تلك الرواية من أسفل وسادتها والتي يذكرها بطلها، بحبيبها، فراس، تماما.
كان خالد يجلس على مكتبه يضم ذراعيه على طاولته ويستند بجبهته عليهما، يغمض عينيه بقوة، فتتمثل له جورية، رفع رأسه وهو يفتح عينيه لتختفى صورتها، ليزفر بقوة، وهو يضـ.ـر.ب سطح المكتب بيده، يريد راحة لن يشعر بها حتى يجدها ويدرك ما يحدث له، لقد ذهب إلى منزلها اليوم، يبغى تفسيرا لما يحدث له ولها، ولكنها لم تكن بالمنزل، نـ.ـد.م كثيرا لإنه لم يأخذ رقم هاتفها، فالآن وحتى يراها بالغد، ماذا يفعل بتلك الأسئلة التي تجتاح عقله بلا نهاية ولا إجابات لها تريحه من عـ.ـذ.ابه وذلك الصداع الشـ.ـديد الذي يعانى منه، تبا، لما تحيطه وكأنها ظل ثان له، لما كلما اغمض عيناه تجسدت أمامه وإن فتحهما حامت أفكاره حولها؟لقد أصابته بسحر بالتأكيد.
أفاق من أفكاره على دخول شاهيناز الحجرة، حدق إليها ببرود تجاهلته وهي ترسم على شفتيها إبتسامة، لتقف أمامه تماما تقول:
إنت لسة زعلان منى؟
قال لها خالد ببرود صقيعي:
وإنتى شايفة إنى مش لازم أكون زعلان؟
دارت حول المكتب لتصبح بجواره تماما، تستند بظهرها إلى المكتب وهي تمد يدها تمررها على وجنته قائلة:
خلاص ياسيدى حقك علية أنا فعلا غلطانة، بس أعمل إيه بغير عليك، بحبك، ما إنت عارف.
مد يده يمسك يدها يبعدها عن وجنته وهو يقول:
تانى ياشاهيناز؟من إمتى الحب والغيرة دى، ما طول عمرنا عايشين مع بعض، مشفتش منهم حاجة يعنى.
قالت شاهيناز:
مكنش فيه حاجة تخلينى أغير، طول عمرك بتكره الستات، ومشفتش منك ضعف قصادهم، بس في الفترة الأخيرة إنت مبقتش خالد بتاع زمان.
حدجها بنظرات بـ.ـاردة، لتتنهد قائلة:
خلاص ياخالد مش هنقلب في الموضوع ده تانى.
لتمد يدها إليه قائلة:.
هات إيدك وتعالى نطلع نرتاح شوية، اليوم النهاردة كان مشحون على الآخر.
تنهد ثم مد يده إليها يمسك بيدها ناهضا، لتقف على أصابع قدmيها، تلمس ثغره بشفتيها قائلة أمامهما تماما:
حقك علية مرة تانية، أنا آسفة.
لم يجيبها، لتعاود تقبيله ولكن بحرارة أكثر، رغما عنه شعر بصقيع يحيط بجسده فلم يستطع مبادلتها قبلتها، لتبتعد عنه قائلة بحـ.ـز.ن:
كدة يبقى إنت لسة زعلان منى؟
هز رأسه نفيا بهدوء، فشعت عينيها بالفرحة وهي تقترب منه مجددا بشفتيها تقبله ليغمض عينيه يود لو إستسلم لقدره ونسي جورية ولكن رغما عنه رأى شاهيناز بمخيلته جورية، ليجد جسده يشتعل ما إن تجسدت أمامه، ليجتاحها بقبلاته، ولمساته، لتشعر شاهيناز بفرحة طاغية فمنذ زواجها منه لم يجتاحها بمثل تلك الحرارة والشغف، وكأنه وقع بعشقها بجنون، وهذا ما تريده تماما، لتسيطر عليه.
قال عزيز بحنان:
الجميل سرحان في إيه، لحقت مصر توحشك أوام كدة؟
إبتسمت جورية قائلة وهي تتأمل المكان حولها:
بالعكس، الوادى هو اللي وحشنى ياجدى، كل حتة فيه، أرضه، سكانه، حتى هواه اللي يرد الروح.
إبتسم عزيز قائلا:
وإنتى وحشتيه ياحبيبتى ووحشتينى أكتر، مكنتش أتخيل إنى هشوفك تانى منورة المكان ياجورى.
إبتسمت جورية إبتسامة باهتة وهي تقول:
كل شئ بأوان ياجدى، كل شئ بأوان.
قال جدها:.
مش قادر أقولك فرحة علا كانت إزاي لما عرفت إنك جاية وهتحضرى فرحها.
إبتسمت جورية قائلة:
كدة كدة كان لازم آجى وأحضر فرحها، احنا إتربينا مع بعض ومكنش ينفع مجيش.
قال عزيز:
أخبـ.ـار فراس إيه؟مجاش معاكى ليه؟
قالت جورية:
وراه شغل كتير، انت عارف الرواية لسة نازلة وبيروجلها ومتابع الطبعة الأولى اللي تقريبا خلصت فهينزل طبعة تانية.
قال عزيز:
ربنا يعينه، فراس راجـ.ـل بجد وابن حلال، أخلاق وإبن أصول، و...
قاطعته جورية قائلة في حزم:
ومش ممكن هتجوزه لإنى مبحبوش ياجدى، فراس إنسان كويس بس مش هقدر أتجوزه وأنا قلبى مشغول بغيره.
قال عزيز:
بس غيره ده راح ومرجعش...
نهضت جورية فجأة مقاطعة إياه وهي تقول:
من فضلك ياجدى، انا تعبانة ومحتاجة أرتاح، عن إذنك.
تابعها عزيز بعينيه وهو غير راض بالمرة عن موقفها من الزواج، فهو يريد أن يزوجها ويفرح بأحفاده قريبا، لينتفض على صوت جليلة وهي تقول:.
مكنش ينفع أبدا ياعزيز في أول يوم تيجى فيه جورية تفاتحها في موضوع الجواز كدة علطول.
إلتفت إليها عزيز قائلا بغـــضــــب:
إنتى مش هتبطلى تخضينى كدة ياجليلة، مش عارف بس بتطلعيلى منين؟
نظرت إليه بحنق، فتجاهل نظراتها قائلا بهدوء:
عموما، إنتى مش هتعرفى حفيدتى أكتر منى، لو سيبتها مش هتتجوز أبدا، لازم أفضل أزن عليها عشان أفرح بيها.
ليعقد حاجبيه مستطردا:
بس أنا بجد إتخـ.ـنـ.ـقت من عنادها ولازم أشوفله حل.
ثم نهض تاركا المكان، بينما تتابعه عينا جليلة وهي تقول بيأس:
ده أنا اللي إتخـ.ـنـ.ـقت من عنادك ياعزيز، وفعلا بدأت أيأس منك، ومن إنك تفتح قلبك للحب، وتشوفه أدامك وتقتنع بيه.
لتهز رأسها وهي تذهب إلى حوض زهورها، فهو المكان الوحيد الذي تشعر فيه بالــســكــيــنــة وراحة البال.
↚
قد ظننت يوما ان العشق يحمل في طياته املا، بهجة، وضياء.
فخاب ظنى حين وجدت نيرانه تحرق اجنحتى، وتسيل الدmاء.
وقفت أفكر في السبيل لتحرير أسرى، فضاعت كل أفكارى هباء.
نظرت الى أسفل قدmى، أتأمل تلك الأرض الكبيرة اليابسة الصماء.
ونظرت الى أعلى، الى حلمى البعيد عنى، فسالت دmـ.ـو.عى الحمقاء.
أدركت أنى لأتحرر يجب أن أتخلى عن عشقى وتلك فكرة مؤلمة، مرفوضة، هوجاء.
أدركت أنى مريـ.ـضة بعشقى، ولا أدرى حقا أين أجد لى دواء؟
إلتف الجميع حول طاولة الطعام يتناولون طعامهم في صمت مطبق، لم يقطعه سوى صوت الملاعق والسكاكين، لتترك فجأة ليلة الملعقة من يدها قائلة:
إنت بعت حد لبيتنا في شرم يشوف لين ياخالد، ويشوف تليفونها كمان مقفول ليه؟
وضع خالد ملعقته جانبا بدوره قائلا:
أيوة ياليلة، النهاردة الصبح، الحقيقة أنا كنت هروح بنفسى بس ورايا إجتماع مهم معرفتش أأجله، هشوف حسام بس هيرد علية ويقول إيه وعلى الأساس ده هتصرف.
قالت ليلة بقلق:
أنا مش قادرة أصدق إنها قفلت تليفونها وهي عارفة أد إيه ده بيقلقنا.
قال خالد بحنق:
وعلى الرغم من إنى محذرها فعلا وطلبت منها متعملش كدة، فالتفسير الوحيد اللي أدامى دلوقتى إن تليفونها باظ أو...
قاطعه صوت شاهيناز وهي تقول بشرود قلق:
أو يمكن مع حد ومش عايزة تعرفنا أو حد خـ.ـطـ.ـفها.
نظرت إليها ليلة بصدmة بينما نظر إليها خالد بحدة قائلا:
قصدك إيه ياشاهي؟حد مين ده؟
أفاقت شاهيناز على صوت خالد الحاد لتدرك أنها تفوهت بتلك الكلمـ.ـا.ت بصوت عال، لتقول بإرتباك:
ها، لأ، مقصدش حاجة.
لتقول ليلة موجهة حديثها إلى خالد:
لين مش ممكن تخبى علينا حاجة، لو مع حد كانت على الأقل هتقولى، لكن إحنا إزاي مفكرناش في الإحتمال ده؟ممكن فعلا يكون حد خـ.ـطـ.ـفها.
قال خالد بهدوء حازم:
مستحيل، مفيش حد في الدنيا يقدر يقرب لحد من عيلتى، إنتوا إخوات خالد نصار واللي يقرب منكم يبقى كتب نهايته بإيده.
قالت شاهي في نفسها، بل يوجد أيها الغـ.ـبـ.ـي، يوجد من لديه الجرأة والقوة لفعل كل ما يحلو له، ولهذا أحببته وسأحبه دوما.
تلاقت عيناها في تلك اللحظة مع عيني خالد الحادة المتفحصة لها، لتخشى ان تكون قد قالت كلمـ.ـا.تها بصوت مسموع، لتطمئن قلبها بأن هذا مستحيلا، فلو سمعها خالد حقا، ما كانت تجلس الآن بينهم فربما كان قد قــ,تــلها على الفور، لتخشى هذا المصير وتقف بتـ.ـو.تر قائلة:.
أنا مضطرة أمشى، ورايا مواعيد وشغل كتير النهاردة في المكتب، عن إذنكم.
تابع خالد إنصرافها ببرود، بينما رقت عيناه حين إلتفت إلى ليلة التي قالت بقلق:
أنا كمان مضطرة أمشى بس قلقانة على لين ومش هعرف أركز خالص في المحاضرة قبل ما أتطمن عليها.
قال خالد بحنان:
إتطمنى ياليلة، النهاردة بالليل لين هتكون منورة البيت من تانى.
نظرت إلى عينيه الحانيتين، تستمد القوة من نظراتهما الثابتة الواثقة، لتهز رأسها، ثم تنهض لتغادر الحجرة، قبل ان يستوقفها صوت أخاها المتردد وهو يقول:
ليلة، هي، هو...
إلتفتت إليه ليلة ليستطرد قائلا بإرتباك:
إحمم، هو رقم جورية معاكى؟
إشتعلت عينا ليلة وشعت بسعادة طاغية ظهرت على ملامحها وهي تقول:
أيوة معايا.
لاحظ خالد سعادتها فقال بهدوء:
طيب إبعتيهولى في رسالة.
أمسكت هاتفها وجرت أصابعها على أرقامه بسرعة، قبل أن تنظر إليه قائلة بسعادة:
تم ياكبير، قوللى بقى عايز رقم تليفونها ليه؟
قال وهو يحاول أن يظهر بصوته بعض اللامبالاة:
عايز أكلمها آخد منها ميعاد عشان نتقابل ونتناقش في موضوع أغلفة رواياتها.
شعرت ليلة بالإحباط لتقول:
أغلفة الروايات.
قال خالد:
أيوة ياليلة، أنا عايز أخلص من الموضوع ده بقى.
قالت ليلة بحـ.ـز.ن:
عموما هتضطر تأجل المقابلة دى شوية.
عقد حاجبيه قائلا بقلق:.
ليه يعنى؟
قالت ليلة:
لإن جورية سافرت لجدها، وهتقعد هناك فترة.
سافرت، إبتعدت عنه، إلى أين ذهبت؟ليترجم تساؤلاته إلى كلمـ.ـا.ت وهو يقول:
سافرت ليه ومكان جدها ده فين ياليلة؟
نظرت إلى عمق عينيه قائلة:
كانت مخـ.ـنـ.ـوقة شوية وحبت تبعد وتريح أعصابها، ومكان جدها هناك، في الوادى ياخالد.
مخـ.ـنـ.ـوقة، مم؟شعر بالضيق، ثم توقف وهو يتعجب من حاله، لم يدرى لما دق قلبه عند سماعه تلك الكلمة، الوادى، يتساءل في حيرة، عن مدلولها بالنسبة إليه، يدرك في قرارة نفسه أن هناك علاقة تربطه بهذا المكان الذي لم يذهب إليه مطلقا رغم سفره إلى العديد من البلاد، داخل مصر، وخارجها.
تأمل مؤيد ملامحها الجميلة و التي يعشقها في برود يخفى ألــما بقلبه، فاليوم سيتركها تعود لأهلها وسيغلق صفحتها للأبد، فقد يأس من عنادها، ليقول بهدوء:
جاهزة؟
اومأت برأسها بهدوء دون أن تنطق، ليستطرد قائلا:
يبقى يلا بينا، مفيش داعى نضيع وقت أكتر من اللي ضيعناه.
لم يمنحها فرصة للرد وإلتفت مغادرا ليوقفه صوتها المتهدج ألــما وهي تقول:
مؤيد.
إلتفت يطالع ملامحها الحزينة وعيونها التي ترقرقت بالدmـ.ـو.ع وهي تقول:.
إنت ليه عملت كدة فينا؟ليه فرقت ما بينا وخليتنى عايشة ومش عايشة طول السنين اللي فاتت دى؟
عقد حاجبيه قائلا:
أنا، أنا اللي عملت كدة يالين؟، أنا اللي صممت على الطـ.ـلا.ق من غير سبب ولما ضغط عليكى عشان أعرف ليه، عايرتينى بإنى مقدرتش أخليكى أم.
نزلت دmـ.ـو.عها على وجنتيها وهي تقول بمرارة:.
عشان أحمى قلبى منك، عشان أبعدك عن حياتى من غير ما أسمع أكاذيبك اللي هتبرر بيها عملتك، ما هو غـ.ـصـ.ـب عنى هصدق كل اللي كنت هتقولهولى عشان متبعدش عنى، عشان مضعفش قصادك كدبت، بس مبقتش قادرة أكدب، محتاجة تفسير لخيانتك لية، محتاجة تقوللى أنا قصرت معاك في إيه؟عشان أكرهك بجد وأكمل حياتى بعدك، حياتى اللي من يوم ما غبت عنها وهي فقدت روحها ونبضها.
قال مؤيد في صدmة:.
إنتى بتقوللى إيه، وخيانة إيه اللي بتتكلمى عنها دى؟
قالت لين بمرارة:
خيانتك لية واللي شفت الدليل عليها بعينى، شهادة DNA بتقول إن فيه بـ.ـنت من لحمك ودmك إتولدت، وإنك أنكرتها وأنكرت مامتها لغاية ما مـ.ـا.تت الأم، والبـ.ـنت إترمت في ملجأ.
قال مؤيد بصدmة:
إيه الكلام الفارغ ده، ومين اللي قالك عليه؟
قالت لين بألــم:
حد قريب مننا مقدرش أكذبه وملوش مصلحة في اللي قالهولى.
قال مؤيد بغـــضــــب:.
يعنى صدقتيه هو وكدبتينى أنا من قبل حتى ما تسألينى، يااااه، للدرجة دى ثقتك فية معدومة، للدرجة دى كان حبك وإيمانك بية ضعيف.
قالت لين بحـ.ـز.ن:
يامؤيد إنت كنت قبل الجواز...
قاطعها مؤيد قائلا بغـــضــــب:.
إنتى قولتيها بنفسك، كنت، كنت، كنت طايش ومتهور وربنا هدانى على إيديكى، يشهد ربى إنى من يوم ما شفتك ولحد النهاردة مقدرتش واحدة غيرك تلفت إنتباهى او تهز شعرة فية، يشهد ربى إنى حبيتك من كل قلبى ومن ساعة ما عرفتك لغاية النهاردة ملمستش غيرك، يشهد ربى إنى كنت مخلص ليكى وعمرى ما خنتك لا قبل الجواز ولا أثناء الجواز ولا حتى بعده.
قالت لين بصدmة:.
إنت بتقول إيه؟يعنى كل الكلام اللي شفته بعينية ده كان كدب، طب إزاي، أنا وديت العينات لمركز طبى بتاع واحدة صاحبتى، يعنى النتيجة مستحيل تكون غلط.
قال مؤيد وقد تحولت ملامحه إلى البرود:.
أنا قلتلك اللي عندى بس إنتى قايلة من الأول إن دى مجرد أكاذيب، ومش هتصدقيها، حكمتى علية من قبل ما تسمعينى، ظلمتينى زمان ومصرة تظلمينى دلوقتى، بس أنا هثبتلك الحقيقة، وساعتها بس هخرج من حياتك وأنا مش نـ.ـد.مان، لإنك فعلا متستاهليش حبى.
نظرت إليه بألــم، تستجدى الحقيقة الظاهرة بعينيه ولكن كلمـ.ـا.ته الأخيرة أدmت قلبها فصمتت ولم تنطق بحرف ليستطرد هو قائلا:.
ياريت تسبقينى على العربية عشان أوصلك لأهلك، لإنى مستعجل أوصل للحقيقة وأخلص بقى من العـ.ـذ.اب اللي عشت فيه سنين طويلة مع واحدة زيك.
ثم تركها مغادرا لتنساب عبراتها، تدرك أن لديه كل الحق في غـــضــــبه وكلمـ.ـا.ته المحتقرة لها إن كان بريئا كما يقول، إن كان؟، أمازال لديها شك، تبا لها، فحروفه ومرارتها تنطق بصدقه، لتحتار لين في ماض، لا تدرى من أين جاءت خطاياه وماالذى حدث به وأدى لخسارة اليوم، ويالها من خسارة.
كانت جورية تتنقل بين أحواض الأزهار في الحديقة، لتتوقف عند شجرة الريحان، لتعود إليها الذكريات مرة واحدة، فقد زرعها فهد أو خالد كما إتضح أن هذا إسمه، زرعها قبل سفره بفترة قصيرة، وكانت هي معه لحظة بلحظة تشاركه العمل وهي تستمع إليه وهو يحكى بشغف عن قرائته لفوائد تلك الشجرة العطرية والتي ذكرت في القرآن لما لها من مميزات، لتصبح مهمتها الإعتناء بها فقط لإنها تذكرها به، حتى بعد سفره، لمستها برقة ثم وقفت على أطراف أصابعها لتقطف ورقة منها، قربتها من أنفها وهي تغمض عينيها تستنشق عبيرها الرائع، لتفتح عينيها وهي تنظر إلى تلك الشجرة بإستحسان، تشعر بالإمتنان لخالتها جليلة التي إعتنت بتلك الشجرة بعد إهمالها لها ورحيلها، بل نسيانها أمرها كلية، فلقد إبتعدت عن كل ما يذكرها به، ولكنها عادت مجددا لتعود معها كل الذكريات، حية كما لو كانت حدثت فقط بالأمس.
إنتفضت على صوت جليلة وهي تقول بحنان:
إيه رأيك فيها؟
إلتفتت إليها جورية قائلة بإبتسامة رقيقة ممتنة:
تجنن ياخالتى جليلة، أنا مش عارفة أشكرك إزاي على إنك أخدتى بالك منها في غيابى، كنت هزعل أوى لو جرالها حاجة.
تقدmت جليلة لتقف بجوار جورية تنظر إلى الشجرة قائلة:
تشكرينى على إيه بس؟ما إنتى عارفة إن النبات ده عشقى، لو كان بإيدى كنت مليت الدنيا كلها ورود.
إبتسمت جورية قائلة:.
من غير ما تقولى، فاكرة طبعا، ومش ممكن أنسى كل مناسبة كانت تمر علينا، كان البيت بيتحول لمشتل مليان بالورود، أصحى ألاقى على سريرى ورد وفى الدولاب بين الهدوم، وفى الحمام وعلى السلم، لغاية ما أوصل لليفنج، ساعتها بقى بكون ماشية في بستان ورود بجد.
قالت جليلة بإبتسامة:
متبالغيش أوى كدة، ده بيحصل في عيد ميلادك بس.
قالت جورية بإبتسامة ذات مغزى:.
وعيد ميلاد جدى، نسيتيه؟ده عيد ميلاده ده بيبقى الورد كله لون واحد، أحمر، وياريته بيفهم.
قالت جليلة تنهرها:
بس يابـ.ـنت، إختشى.
نظرت جورية إليها قائلة بمزاح:
وأنا قلت إيه بس؟مش الحقيقة، حبيبة قلبى جليلة بتحب جدى، وجدى لسة مش حاسس بيها، ده تقريبا كل الدنيا عرفت وهو لسة، بيبقى نفسى أقولهاله، فوق ياجدى وشوف حب خالتى قبل ما تيأس منك وتروح من إيدك.
قالت جليلة في حـ.ـز.ن:
وهروح فين بس ياجورى؟ما أنا قاعدة معاكم أهو.
نفضت جورية مزاحها وهي تقول بجدية:
لحد إمتى ياخالتى؟انا شايفة إن كفاية أوى سكوت لحد كدة، لازم تصارحيه، لازم يحس بيكى، ولو متكلمتيش هتكلم أنا.
قالت جليلة بجزع:
لأ ياجورى، أوعى.
قالت جورية بحيرة:
يعنى هتفضلى تحبيه وراضية تعيشى جنبه وهو مش حاسس بيكى ولا شايفك أساسا.
قالت جليلة بحـ.ـز.ن:.
الحب مش بالغـ.ـصـ.ـب ياجورى، ومادام مشافنيش ولا شاف اللي في قلبى ليه لحد النهاردة، يبقى مش مكتوبلنا نكون مع بعض كحبيب وحبيبة، وأدينا أهو مع بعض عايشين، مونسنى ومونساه، هعوز إيه أكتر من كدة؟
قالت جورية في شرود حزين:.
كتير، كتير ياخالتى، إزاي بس يبقى أدامك طول الوقت وهو مش حاسس بيكى ولا شايف حبك، إزاي يبقى قصادك وناسى كل حاجة تخصك، غـ.ـصـ.ـب عنك هتتعـ.ـذ.بى، لإنك هتعوزى نظرة منه تحسسك إنك نبض قلبه اللي عايش بيه زي ما هو نبضك، هتعوزى كلمة تطمنك إنك مش لوحدك وإنك وقت ما تحتاجيه هتلاقيه، محتاجة همسة حب تحنن عليكى قسوة أيامك، وتبدل حـ.ـز.نك بفرح، محتاجة حـ.ـضـ.ـنه يضمك جواه، ويضم كل مشاعرك اللي بتناديله في كل ثانية، محتاجاه هو ياخالتى، هو وبس، يعترف إنك روحه زي ما هو روحك بالظبط.
تفحصت جليلة ملامح جورية وهي تقول:
إحنا لسة بـ.ـنتكلم عنى أنا وجدك ياجورى ولا بقينا بـ.ـنتكلم عنك إنتى وفهد.
قالت جورية في مرارة:
خالد.
عقدت جليلة حاجبيها لتستطرد جورية في سـ ـخـــريــة مريرة قائلة:
أصل نسيت أقولك إن إسمه مطلعش فهد، طلع خالد، خالد نصار، من أغنى أغنياء القاهرة، ومتجوز كمان.
لتتسع عينا جليلة في، صدmة.
كانت شاهيناز تجوب غرفة مكتبها جيئة وذهابا في عصبية، تتساءل عن مكان لين الآن؟وهل حقا ذهبت مع مؤيد أو إختطفها كما تظن أم أن إختفائها هذا عاديا، وكل مايدور في مخيلتها لا أساس له من الصحة؟، ولكن بماذا تفسر أيضا إختفاء مؤيد، فلقد سألت عليه البواب البـ.ـارحة مجددا فأخبرها أنه لم يعد للمنزل منذ أن غادره، هل هي صدفة بحتة؟تبا، تكاد الأفكار تثير جنونها، تخشى كشف المستور، وفضيحتها التي ستؤدى إلى حتفها، لو كانت فقط إجتمعت بمؤيد قبل أن يرى لين مجددا، لإستطاعت أن تنجح في مسعاها، فبعد أن ترك لين إختفى تماما، حتى ظهر مجددا في الأيام الماضية، تبا، ياله من حظ عاثر مـ.ـا.تعانيه لكي تصل إلى هدفها، حبها الأول والأخير والدائم، مؤيد.
توقف مؤيد بسيارة لين أمام منزل عائلة نصار، تبدو ملامحه جـ.ـا.مدة خالية من التعبير تماما وهو يتطلع أمامه دون ان ينطق بكلمة، طالعته لين بشئ من التردد، لقد حاولت طوال الطريق أن تتحدث معه ولكن صمته وملامحه الحادة الغاضبة، منعتاها من التفوه بكلمة، ومن الواضح الآن انه ينتظر نزولها من السيارة، لتقول بتردد:
إحمم، مؤيد، أنا...
قاطعها قائلا بصرامة دون أن ينظر إليها:
إنزلى يالين.
قالت بإضطراب:
إسمعنى أنا...
نظر إليها قائلا بحدة:.
مش هسمعك، ولحد ما أثبت برائتى أدامك لا عايز أشوفك ولا أسمع صوتك، كل اللي بينا إنتهى بجد في اللحظة اللي عرفت فيها إنك بعتينى فيها عشان أوهام في دmاغك، طب كنتى إسألينى، حاسبينى، قوليلى زي النهاردة إنت ليه عملت كدة يامؤيد، لكن لأ، إنتى إخترتى تعيشى دور الضحية، تمام، خليكى عايشاه لغاية ما أثبتلك إنك الجانية وساعتها بس هسمعك، هسمعك وإنتى بتعتذريلى ونـ.ـد.مانة على فراقنا اللي كنتى السبب فيه، نـ.ـد.مانة على العـ.ـذ.اب اللي عيشتهولى وعشتى فيه، ساعتها بس هتخرجى بجد من حياتى وللأبد يالين.
اغروقت عينا لين بالدmـ.ـو.ع فشعر بو.جـ.ـع في قلبه، تبا، مازالت دmـ.ـو.عها تؤثر فيه، وتو.جـ.ـعه، مازال قلبه ينبض بعشقها، رغم جـ.ـر.حها الغائر لقلبه حين لم تثق به وإستمعت إلى أكاذيب فارغة عنه وإفتراءات، أشاح بوجهه عنها ينظر إلى الأمام يبعد الو.جـ.ـع عن قلبه، وهو يرسم قناعا بـ.ـاردا على ملامحه، بينما تأملته لين للحظات بحـ.ـز.ن، لتدرك أنه لا فائدة الآن من الحديث معه، أطرقت برأسها ألــما، وكادت أن تهبط من السيارة لتسمعه يقول بصرامة:.
هبعتلك عربيتك أول ما أوصل البيت.
أومأت برأسها ثم هبطت من السيارة تمشى بخطوات بطيئة منكـ.ـسرة حتى وصلت إلى البوابة، لتسمع صوت إنطـ.ـلا.ق السيارة الخاصة بها بسرعة جنونية، أغمضت عينيها ألــما ثم فتحتهما وهي تمد يدها تمسح دmـ.ـو.عها المتساقطة على وجنتيها قبل أن تدخل إلى المنزل، لحسن حظها لم يكن هناك أحد موجود به، لتصعد إلى غرفتها على الفور، ترتمى على سريرها وتفرغ دmـ.ـو.عها التي سالت من عيونها مجددا على وجنتيها، تشعر بأنها اليوم، واليوم فقط خسرت مؤيد.
قالت ليلة بحيرة:
مش عارفة ياخالد، من ساعة مارجعت وكل ما أدخلها الأوضة ألاقيها نايمة، شئ غريب أوى، مع إن لين نومها قليل.
قال خالد بهدوء:
أنا حاسس إنها نفسيا مش متظبطة، عموما، بكرة الصبح هكلمها وأشوف أخبـ.ـارها إيه، الحمد لله إنها رجعت وإتطمنا عليها.
قالت ليلة براحة:
فعلا الحمد لله.
ثم نظرت إليه قائلة بتردد:
خالد، أنا، يعنى، كنت عايزة أكلمك في موضوع مهم.
نظر إليها خالد بتمهل. يحيره إرتباكها، ليقول بقلق:.
إتكلمى ياليلة، أنا سامعك.
أطرقت برأسها تفرك يديها بخجل قائلة:
الحقيقة، فيه واحد متقدmلى، وحابب ياخد منك ميعاد عشان...
قاطعها خالد قائلا بحزم:
مش هينفع ياليلة.
رفعت ليلة رأسها تواجهه بنظراتها الدهشة قائلة:
هو إيه ده اللي مش هينفع ياخالد؟
نهض خالد ودار حول مكتبه وهو يقول:
إن حد تانى ييجى عشان يخطبك منى؟
عقدت حاجبيها قائلة:
حد تانى؟
قال خالد وهو يجلس على الكرسي أمامها:.
أيوة حد تانى، الحقيقة كان المفروض أقولك الكلام ده في عيد ميلادك الجاي، بس انتى بقى اللي إستعجلتى، يلا، أهو كل حاجة قسمة ونصيب.
إزداد إنعقاد حاجبيها قائلة لى حيرة:
أنا مش فاهمة حاجة، إنت تقصد إيه؟
قال خالد بإبتسامة:
أقصد إن إبن عمك سمير طلبك منى من سنتين وأنا وافقت بس أجلنا كل حاجة لغاية ما تخلصى جامعتك عشان تركزى في دراستك يادكتورة.
نهضت ليلة وهي تقول في صدmة:.
إنت بتقول إيه؟أنا مش موافقة طبعا، سمير مش اكتر من أخ بالنسبة لى ومستحيل أتجوزه.
قال خالد بحزم:
إهدى كدة، وأقعدى وإسمعينى، سمير دكتور محترم وإبن عمك وهيعيشك في المستوى اللي إنتى عايشة فيه، وهو أولى بيكى من الغريب.
نظرت إليه وكأنما نبت له رأس أخرى وهي تقول بحنق:.
إيه الكلام الغريب اللي بسمعه منك ده ياخالد؟بقيت بتتكلم زي شاهيناز بالظبط، آسفة ياخالد، هقولهالك تانى، أنا مش موافقة، اللي هتجوزه لازم أكون بحبه وبما إن الحب برة معادلاتك فعمرك ماهتفهمنى.
نهض خالد بدوره يقول بحدة:
قلتلك قبل كدة، الحب ده كلام فارغ بيضحكوا بيه الكتاب على عقولكم، الحقيقة مش كدة أبدا، الحقيقة تكافؤ وإتفاق، وساعتها الجواز بينجح.
قالت ليلة بسـ ـخـــريــة:
زي جوازك كدة إنت وشاهى.
هدر بها خالد قائلا:.
ليلة، انا مسمحلكيش.
قالت ليلة بحدة:
وانا كمان مسمحلكش، أنا اللي هتجوز، وده حقى، لازم اختار شريك حياتى وإن كنت مصمم إنى مش هتجوز غير سمير، يبقى أحسنلى إنى افضل من غير جواز خالص وده آخر كلام عندى.
لتتركه مغادرة الحجرة بخطوات غاضبة، يتبعها بعيون حزينة، يدرك أن لديها حق طبيعي في إختيار شريك حياتها ولكنه يخشى عليها من سوء الإختيار، كما فعلت أختها لين تماما، ليزفر بقوة وهو لا يدرى إن كان على خطأ أم صواب ولكن كل مايدركه الآن، أنه يفعل ما يراه صالحا لها، وهذا يكفيه ويريح ضميره.
↚
أتدرون من أنا؟، أنا أحلام تلك الفتاة، مشاعرها التي تخفيها عن الجميع، أحاول أن أدفعها الى الأمام، فلا أستطيع، تقاومنى بضعفها، بخضوعها، فأخشى أن تضيع، أحاول من جديد، أستمـ.ـيـ.ـت، أحركها خطوة، فتتراجع، تشعرنى بالصقيع، أخشى أن أختفى يوما، أن يزول عالمى البديع، فخنوعها يقــ,تــلنى، وأنا في سن الصبا، سن الربيع.
أسرع نبيل إلى حجرة مؤيد وعلى وجهه تبدو ملامح السعادة وهو يقول:
مصدقتش البواب لما قاللى إنك...
ليتجمد تماما في مكانه وهو يرى الحجرة محطمة عن آخرها ومؤيد يجلس في أحد الأركان على الأرض يضع كفاه الداميان على وجهه يخفى ملامحه، ليسرع نبيل إليه يجلس القرفصاء أمامه وهو يجذب يدا مؤيد بين يديه يتفحصهما بقلق، فزفر حين رأى أنها فقط بعض الخدوش، ليقول بلوم:.
إيه بس اللي إنت عامله في الأوضة وفى نفسك ده يامؤيد، إيه في الدنيا يستاهل تإذى نفسك بالشكل ده عشانه؟
نزع مؤيد يداه من يدي نبيل وهو يقول بألــم:
د.بـ.ـحتنى بسكينة تلمة يانبيل، حاكمتنى وحكمت علية، كانت القاضى والجلاد، وبقيت مذنب في نظرها من غير أي ذنب أنا عملته، ظلمتنى بماضية قبلها، ماضى كان غـ.ـصـ.ـب عنى وانت عارف، ما أنا إتربيت على ايدين أب مستهتر وطلعت زيه، بس إتغيرت لما عرفتها.
لتقطر المرارة من صوته وهو يستطرد قائلا:
بس تعرف ذنبى إيه بجد؟
لم يتفوه نبيل بكلمة، ليقول مؤيد وهو يضـ.ـر.ب قلبه:
ذنبى إن قلبى ده حبها، قلبى اللي عمره مادق لحد غيرها ولا عمره هيدق لحد تانى بعدها، قلبى اللي لسة باقى عليها وبيحبها لغاية اللحظة دى رغم إن عقلى مصمم إنها متستاهلش الحب ده، ليه يانبيل؟ليه الحب عـ.ـذ.اب أوى بالشكل ده؟ليه ميبقاش زي الروايات والأفلام، كله فرح وسعادة ومفيهوش و.جـ.ـع.
قال نبيل بهدوء حزين على صديقه:
إنت قلتها بنفسك، الكلام ده بيحصل بس في الافلام والروايات، لكن في الحقيقة، الحب زي الدنيا، فيه الحلو وفيه المر، عايز تعيشه يبقى تحلى مره، وترضى بيه.
أسند مؤيد رأسه إلى ظهر الحائط وهو يغمض عينيه قائلا:.
مبقتش قادر أتحمل يانبيل، تعبت، صدmة ورا صدmة، مبفوقش، ياريتنى فضلت فاكر إنها سابتنى عشان تخلف، كان أهون علية من خيانتى اللي رمـ.ـيـ.ـتها في وشى وكانت مصدقاها، مصدقة إنى ممكن بعد ما حبيتها وإتجوزتها وبقت بالنسبة لى دنيتى كلها، أبقى في الآخر بخونها وخلفت من غيرها كمان.
قال نبيل بحـ.ـز.ن:
إنت عرفت؟
فتح مؤيد عيونه وهو يحدج نبيل بنظرة فاحصة قائلا بحدة:
وإنت كنت عارف؟صح؟
قال نبيل بهدوء:.
لسة عارف من يومين بس، لما إختفيت، ربطت إختفائك بإختفاء لين، وكلمت صاحبتها سها اللي كانت قلقانة عليها أوى و حكتلى كل حاجة.
لمعت عينا مؤيد وهو يعتدل قائلا:
قالتلك كل حاجة؟
أومأ نبيل برأسه ليقول مؤيد:
وقالتلك على إيه كمان، ها؟قالتلك إسم الأفعى اللي بخت السم في ودنها.
أومأ نبيل برأسه مجددا، ليمسك مؤيد بذراعه قائلا برجاء:
هي مين يانبيل؟، قوللى وريحنى.
نظر إليه نبيل بنظرة ذات مغزي قائلا:.
هتكون مين يعنى؟، اللي ياما حذرتك منها وقلتلك إنها مش سهلة أبدا، اللي وقعتك في ألاعيبها قبل كدة وبرده ما إعتبرتش ولا خدت حذرك منها، وأهى في الآخر لعبت لعبتها صح، وفرقت بينكم بخطة جهنمية.
إتسعت عينا مؤيد في صدmة قائلا:
إنت قصدك...
وترك جملته معلقة ليقول نبيل بتقرير:
أيوة هي، شاهيناز.
ليعقد مؤيد حاجبيه بكره وقسوة، تتحول ملامحه المصدومة لملامح بـ.ـاردة صقيعية، وهو يقول بوعيد:.
بقى كدة، إن ما وريتك ياشاهيناز، إن ما دفعتك التمن غالى، مبقاش أنا، مؤيد الحسينى.
كانت ليلة تتجه إلى سيارتها مطرقة الرأس بحـ.ـز.ن، ستعود إلى المنزل، فلقد اعتذرت عن حضور باقى المحاضرات، لتنوى أن تطلق دmـ.ـو.عها الحبيسة داخل مقلتيها في حجرتها، رافضة عرض صديقتها لبنى القلقة عليها لمصاحبتها إلى المنزل، وهي تلاحظ حالة ليلة الغريبة تلك من الصمت المطبق والشرود الحزين، فحاليا ليلة لا تبغى سوى الوحدة، والوحدة فقط، بعد ان علمت بخطبتها لإبن عمها دون علمها، وإستحالة أن يسحب خالد موافقته على هذا الزواج ويرضخ لرغبتها في الزواج من فراس، من يدق القلب فقط لذكر إسمه، فما بالها بمرآه والإستماع إلى كلمـ.ـا.ت الحب من بين شفتيه، رفعت رأسها فحانت منها نظرة إلى سيارتها لتتجمد في مكانها وهي ترى فراس يقف أمامها مستندا إلى سيارتها في كسل، يتطلع إلى هاتفه بتركيز، ليبدو كنجوم السينما تماما، كبطل من أبطال رواياتها، قد خرج منها وتمثل أمامها، تبا، ياله من رجل وسيم، ذو أخلاق، شخصية رائعة جذبتها على الفور، لم تجذبها شخصيته فحسب، بل دق لكيانه قلبها، وبقوة.
رفع عيناه في تلك اللحظة إلى حيث تقف تماما فإعتدل على الفور وهو يبتسم تلك الإبتسامة الخلابة التي تسارع من دقات قلبها، لتنفض جمودها وتنحى مشاعرها جانبا وهي تقترب منه بهدوء، لتختفى إبتسامته ويحتل القلق ملامحه، ليبادرها على الفور ما إن وقفت أمامه قائلا:
إحكيلى، فيكى إيه، حد ضايقك؟
إهتزت دقات قلبها مع شعورها بقلقه في نبرات صوته وكلمـ.ـا.ته المهتمة، لم تدرى بما تجيبه؟هل تخبره الحقيقة؟أم تدعى المرض؟لتفضل أن تكون صريحة كما كانت دائما، فلا فائدة من إخفاء الحقيقة عنه، فرغما عنها سيعرفها، آجلا أم عاجلا، حين يطالبها بقرار أخيها في إرتباطهما، لتتطلع إلى عينيه اللتين تجذبانها دائما بنظرتهما الهادئة القوية والتي تبث الأمان في نفسها، قائلة بألــم:
مش هينفع نتجوز يافراس.
عقد فراس حاجبيه قائلا:.
قصدك إيه؟ليه بس مينفعش؟إنتى لغاية إنبـ.ـارح بس كنتى موافقة، إيه اللي غير رأيك فجأة؟
أغروقت عيناها بالدmـ.ـو.ع قائلة:
أنا مغيرتش رأيي، صدقنى غـ.ـصـ.ـب عنى، خالد رفضك.
تراجع فراس خطوة للوراء وهو ينظر إليها بصدmة يردد قائلا:
رفضنى؟
نزلت دmـ.ـو.عها على وجنتيها قائلة:
إنبـ.ـارح كنت أسعد بـ.ـنت في الدنيا، والنهاردة أنا أتعسهم، حياتى بقت سودة أوى يافراس، ومش لاقية لسوادها ده حل.
تمالك فراس نفسه وهو يراها بتلك الحالة اليائسة تزرف دmـ.ـو.عا تقطع نياط قلبه، ليمد يده إليها قائلا:
طب إهدى متعيطيش وتعالى معايا نقعد في مكان هادى تحكيلى فيه على كل حاجة، وإن شاء الله ليها حل، طول ما أنا معاكى مش عايزك تخافى او تقلقى.
نظرت إلى يده الممدودة إليها في تردد دام ثوان قبل أن تحسم رأيها وتمد له يدها ليلتقطها ويضم كفها بيده بقوة، تمتزج بالرقة، يخبرها أنه معها وأبدا لن يتركها مهما حدث، لتنظر إلى عينيه وقد إنتقل عزمه وإصراره إليها، ليسيرا متجهين إلى سيارته، بينما تابعت عينان غاضبتان ما يحدث، ليرفع صاحبهما هاتفه يطلب رقما ما، قبل أن يرد عليه محدثه، ليقول بغل:.
خالد بيه، أنا دكتور وليد، الدكتور اللي بدرس لليلة أختك في الجامعة واللي سبق وطلبت الآنسة أختك من حضرتك ورفضت.
إنتفض وبدا أن رد خالد الجاف أجفله ليقول بحدة:
أنا عارف إنها مخطوبة زي ما حضرتك قلتلى وإن الموضوع خلص وأنا أكيد مش بفتح في مواضيع إنتهت، أنا بس حابب أنبه حضرتك إن الهانم أختك لسة ماشية حالا مع واحد أنا متأكد إنه مش ابن عمها خالص ولا يبقى خطيبها، سلام.
ليغلق الهاتف وهو يقول بغـــضــــب:.
إيه العيلة دى، الحمد لله إنى مناسبتشهاش، بس برده، مش أنا اللي أترفض ياست ليلة، ويتنفضلى وتفضلى علية الحـ.ـيو.ان ده، إشربى بقى، وبالهنا والشفا مقدmا.
كانت جورية تربت على عنق مهرة بحنان، تقول بحـ.ـز.ن:.
مش قادرة أنساه يا مهرة، مش قادرة أطوى صفحته من حياتى زي ما خالتى جليلة قالتلى، مش قادرة أمحيه من قلبى وعقلى، إنتى كنتى شاهدة على قصة حبنا يامهرة، أنا مخبتش عنك حاجة، كنت بقولك على مشاعرى أول بأول، وهنا ومعاكى كان وداعنا، يومها قاللى أدامك إنى حياته وإنه مش هيرجع غير ومعاه اللي يخلينى ويخليه مع بعض للأبد، هنا كانت أول وآخر لمسة لمسهالى، فاكرة يامهرة؟فاكرة؟
...
نزلت دmـ.ـو.ع جورية وهي تقول بضعف:.
قلبى بيوجـ.ـعنى يافهد، مش متطمنة، دى أول مرة تبعد عنى من يوم ما شفتك.
مد يده يمسح تلك الدmـ.ـو.ع المتساقطة على وجنتيها وهو يقول بحنان:.
متعيطيش ياجورى، مش حابب أسيبك ودmـ.ـو.عك على خدك وتكون دى آخر صورة ليكى في قلبى، أنا عايزك جورى المليانة بالأمل والحياة، جورى اللي إديتنى الطاقة اللي قدرت بيها أتغلب على كل اللي حصلى، جورى اللي إبتسامتها بتنور حياتى كلها، يلا بقى، عايز أشوف الإبتسامة دى قبل ما أمشى، ووعد منى مش هتأخر عليكى أبدا.
إبتسمت إبتسامة مهزوزة لم تصل لعينيها الحزينتين، ليستسلم فهد لمشاعره التي قاومها كثيرا، وهو يضم وجهها بين يديه، يقترب من شفتيها فجأة ويأخذهم بين شفتيه، إنتفضت جورية فتلك كانت قبلتها الأولى منه والتي إجتاحت شفاهها العذرية، ورغما عنها وجدت نفسها تقبله بدورها، كانت في البداية قبلة قوية يحاول أن يطمئنها بها وكانت هي تحتاج لهذا الإطمئنان، لترق تلك القبلة بعد ذلك وتنعم، رفعت جورية يدها ووضعتها على صدر فهد القوي بينما أنزل فهد يديه وضمها إليه، فأصبحت القبلة قبلات، كادا أن تضعف مشاعرهما ويقعا في المحظور، ويد فهد تتسلل من تحت بلوزة جورية القطنية تلمس جسدها الرقيق، فتثير فيهما أعتى المشاعر، إحتاج فهد لكل قوته كي يبتعد عن جورية في تلك اللحظة، ينظر إلى ملامحها الغير مستوعبة لبعده عنها، يتأمل شعرها الذي تشعث قليلا، وعيونها التي غامت بالمشاعر، يـ.ـؤ.لمه قلبه حد المـ.ـو.ت لإبتعاده عنها، يريد فقط العودة إليها والنهل من شهدها مجددا ولكنه يخشى عليها من نفسه فهي أغلى عليه من تلك النفس التي تريدها بقوة، هي، بريئته الجميلة الحبيبة، التي بدات تستوعب الآن ما كاد يحدث بينهما لتتسع عيناها بصدmة، مد يده بسرعة آخذا إياها في حـ.ـضـ.ـنه، قاومته في البداية وهي تضـ.ـر.به على صدره، تحاول الإبتعاد عنه ولكنه ضمها إليه بقوة يحتويها، وهو يقول بهمس:.
هش، متخافيش منى، أنا مش ممكن أأذيكى، إنتى روحى ياجورى، فيه حد في الدنيا يإذى روحه، لحظة ضعف منى وراحت لحالها خلاص، وأوعدك إنى مش هلمس شـ ـــفــايـــ ـفك تانى غير وإحنا متجوزين، وساعتها مش هبعد، لإنى يوم ما هلمس شـ ـــفــايـــ ـفك تانى مش هسيبهم أبدا.
هدأت جورى وإستكانت داخل حـ.ـضـ.ـنه، تستمع إلى خفقاته المتسارعة للحظات قبل أن تقول بألــم:
متسافرش يافهد، هتوحشنى، أنا مش عايزاك تسافر.
قال فهد وهو يربت على شعرها بحنان:.
مش هينفع ياجورى، أنا مبقتش قادر أبعد عنك بعد ما اعترفتلك بمشاعرى وإتأكدت إن إنتى كمان بتحبينى، عايزك في بيتى النهاردة قبل بكرة، عايزك في حـ.ـضـ.ـنى، عايز أصحى الصبح أشوف وشك الجميل ده على صدرى، وإبتسامتك تنور يومى ياحبيبتى.
إبتعدت عنه تنظر إلى عيونه بعشق قائلة:
أنا كمان نفسى ابقى مراتك وأشيل إسمك، النهاردة قبل بكرة، بس خايفة، مش قادرة أحس غير بالخــــوف وبس يافهد.
إبتسم فهد وهو يرفع يده يقرصها في وجنتها بخفة قائلا:
متخافيش ياقلب فهد، انتى عارفة عزت، الظابط اللي إتعرفت عليه من شهرين ده، وإدالى رقمه وعنوانه في القاهرة، هروحله وهطلب منه يدور علية في السجلات ومش هرجع غير ومعايا بطاقتى عشان نتجوز علطول ياحبيبتى.
، عادت جورية من ذكرياتها إلى قلب الواقع ثم تنهدت وهي تقول موجهة حديثها إلى مهرة:.
كان قلبى حاسس يامهرة إنى مش هشوفه تانى، ياريته ماسافر، ياريته كان فضل هنا جنبى، كان مش مهم نتجوز بس كان يفضل فهد، حبيبى اللي بيحبنى من كل قلبه، كان يفضل حبيبى اللي مشتاقة لنظرته، ولحنيته، مشتاقاله أوى يامهرة.
إنتفضت على صوت جدها وهو يقول:
مشتاقة لمين يا بـ.ـنتي؟
نظرت جورية إلى جدها لتقول بإرتباك:
ها، آه، أنا كنت لسة بقول لمهرة إنى مشفتش وليدها ومشتاقاله ياجدى، إيه رأيك توريهولى؟
تأملها عزيز بنظرات متفحصة ثم إبتسم قائلا:
تعالى أوريهولك، وأهو بالمرة تسميه، أنا كنت مستنى لما أشوفك عشان أسألك، ها، هتسميه إيه؟
شردت جورية للحظة قبل أن تقول في تصميم:
هسميه فهد، فهد ياجدى.
لم يرضى الجد عن هذا الإسم الذي يعيد إليه ذكريات ذلك الخائن الذي أحـ.ـز.ن حفيدته وأضناها، وربما ذكرها به هذا المولود كلما نادته بهذا الإسم، ولكنه لم يرغب في مجادلتها، يريدها فقط أن تكون سعيدة، لذا قال بهدوء:.
فهد، ماشي، زي بعضه ياجورى، هنسميه فهد.
شعت عيون جورية بالسعادة وهي تحتضن جدها برقة ليضمها إليه يغمض عينيه برضا، فيكفيه سعادتها تلك ليدرك أنه على صواب.
ربت فراس على يد ليلة قائلا:
إهدى بس ياليلة وفهمينى، إيه الحكاية؟
نظرت إليه ليلة وهي تقول بمرارة:
الحكاية إنتهت خلاص يافراس.
عقد فراس حاجبيه قائلا:
حكاية إيه اللي خلصت؟
قالت ليلة وهي تطرق برأسها حـ.ـز.نا:
حكايتنا يافراس.
مد يده يرفع ذقنها لتواجهه عينيها المغروقتين بالدmـ.ـو.ع، قال لها بهدوء يحاول أن يخفى به إضطراب مشاعره:
أي شئ في الدنيا أستحمله إلا دmـ.ـو.عك، إحكيلى وبإذن الله كل مشكلة وليها حل.
نظرت إلى عيونه للحظات لاتدرى كيف تخبره بالأمر، ثم ما لبثت أن حسمت رأيها قائلة:
أنا طلعت مخطوبة يافراس.
تراجع فراس في مقعده، تبدو على ملامحه الصدmة، لتستطرد قائلة بحـ.ـز.ن:
سمير ابن عمى اتقدmلى وخالد وافق، وأجل الخطوبة لغاية ما أخلص كلية السنة دى، كل ده وأنا معرفش حاجة، إتفاجئت بس النهاردة بالكلام ده.
تمالك فراس نفسه وهو يقول:
نفسخ الخطوبة، ويرفض خالد ابن عمك، مفيش جواز بالغـ.ـصـ.ـب.
قالت ليلة بمرارة:.
ده في الروايات بس يافراس مش في الحقيقة، انت متعرفش خالد، مادام قال كلمته لإبن عمى يبقى مستحيل يرجع فيها، أبدا.
قال فراس بحنق:
يعنى إيه مستحيل، طب والحب اللي بينا، يضيع كدة عشان كلمة، ممكن تتسحب بسهولة، خصوصا لما خالد يعرف إنك مبتحبيهوش وبتحبينى أنا؟
هزت ليلة كتفيها بقلة حيلة قائلة:.
خالد أصلا مبيعترفش بالحب فمش هيقدر يفهم إحساسنا، الأمل الوحيد اللي كان أدامنا هي جورية، وحبه ليها اللي كان هيخليه يعترف بمشاعرنا، و جورية راحت وراح معاها أملنا.
قال فراس في تصميم:
مراحش ولا حاجة، أنا مش هيأس أبدا، هحاول مع أخوكى مرة وإتنين وتلاتة، لغاية ما يوافق، أنا مستحيل أسيبك تضيعى منى بعد ما لقيتك.
نهضت ليلة تقول بحـ.ـز.ن:.
صدقنى يافراس، أنا عارفة أخويا كويس، مستحيل هيرجع في كلمته ومستحيل هيوافق، واذا كنت فكرت للحظة إنى ممكن أقف أدامه ففى اللحظة دى متأكدة إنى مش هقدر، فحاول تنسانى، زي ما هحاول أنا كمان أنساك.
أشاحت بوجهها عنه وهي تستدير مغادرة ليستوقفها فراس بكلمـ.ـا.ته وهو يقول:
بالسهولة دى ياليلة بتتخلى عنى؟
أغمضت ليلة عيناها بألــم، قبل أن تفتحهما وهي تستدير بوجهها إليه قائلة بحـ.ـز.ن:.
مش بسهولة صدقنى، بس أنا أكتر واحدة عارفة خالد، مستحيل هيفضل حد على إبن عمه اللي بيحبه، وعشان مقدرش أكون لحد غيرك، عشان بحبك بجد، مش هقدر أتجوزه، ولا هقدر أتجوزك، يعنى خلاص، إتحكم علية أعيش العمر تعيسة يافراس، تعيسة و وحيدة، فبلاش تظلمنى.
أغروقت عيناها بالدmـ.ـو.ع وهي تسرع بالمغادرة، تتابعها عيون فراس الحزينتان، قبل أن تقسو تلك العينان وهو يقول بتصميم:.
وأنا وعدتك إنى مش هسيبك، وعدتك إنى هفضل جنبك مهما حصل، وأنا عند وعدى ياليلة، حتى لو إضطريت أقف قصاد أخوكى، مش هتردد ثانية واحدة.
لينهض واضعا بعض المال على الطاولة، ثم مغادرا المكان بخطوات مسرعة.
كان خالد يزرع الغرفة جيئة وذهابا في غـــضــــب، لقد إتصل مرارا وتكرارا بأخته ولكن هاتفها مغلق دائما، يدرك أنها الآن تجالس هذا المدعو فراس، تتحدى تحذيره لها بنسيان أمره كلية، توقف حين رآها تدخل من الباب، يبدو الحـ.ـز.ن على ملامحها، نظرت إليه بنظرة خالية من الحياة، ثم أكملت طريقها مطرقة الرأس، لم تلقى عليه السلام أو تمزح معه كعادتها، آلمه ذلك وآلمه ما سيفعله ايضا، ولكنه للأسف مضطر لفعله، ليستوقفها قائلا بحدة:.
إستنى هنا، رايحة فين؟
توقفت وإستدارت تنظر إليه قائلة بنبرة خالية:
رايحة على أوضتى.
إقترب منها حتى توقف أمامها تماما، يحدجها بنظرة غاضبة وهو يقول:
كنتى فين؟
كادت أن تكذب عليه وتخفى الحقيقة، تجنبا لنوبة من التقريع هي في غنى عنها الآن وهي في تلك الحالة النفسية السيئة، ولكنها أبدا لم تكن من هذا النوع الذي يكذب دون أن يغمض له جفن، وخصوصا خالد، لم تكذب عليه قط ولن تبدأ الآن، لتقول ببرود:
كنت مع فراس.
حسنا، لم تكذب عليه، مازالت هي ليلة أخته التي يعرفها، ولم يؤثر عليها هذا الفراس بالسلب، ليقول لها بصرامة:
وأنا مش منعتك من إنك تشوفيه أو ت عـ.ـر.فيه تانى، مش قلت الحكاية دى تنتهى؟
نظرت إلى عيونه مباشرة قائلة بألــم تناثر في كلمـ.ـا.تها:
كنت بشوفه لآخر مرة عشان أبلغه كلامك، كنت بد.بـ.ـحه وبد.بـ.ـح نفسى بسكينة رفضك، كنت بحضر جنازة قلبى ياخالد، قلبى اللي من النهاردة مـ.ـا.ت مع مـ.ـو.ت قصة حبى اللي ملحقتش أفرح بيها.
كاد خالد أن يتحدث فأشارت له ليلة بالصمت قائلة:
من فضلك، أنا بجد تعبانة، ياريت تسيبنى أعيش و.جـ.ـعى، لوحدى، ياريت تسيبلى فرصة أتعامل معاه، من فضلك، ولغاية ما ده يحصل، ياريت منفتحش الموضوع ده تانى، عن إذنك.
تركته وغادرت متجهة لحجرتها بخطوات سريعة يكاد يسمع شهقاتها، ليدرك أنها تبكى، أغمض عيناه بحـ.ـز.ن، لديه شعور يزداد منذ أن رآها، شعور طاغ بأنه لا يفعل الشئ الصحيح، بل يخطئ تماما في حقها وهو يسحب منها حرية الإختيار لشريك حياتها بقبوله لسمير ورفضه فراس، يحولها لتكون مثله تماما، تعيسة غير راضية بالمرة عن حياتها، ويالها من تعاسة لا تحتمل.
كانت شاهيناز تجلس على سريرها، تتأمل صفحة مؤيد الشخصية، وصوره القابعة بها، تمرر يدها على وجهه بعشق، تقول بصوت هامس:.
ليه بس ياحبيبى إخترتها هي ومخترتنيش أنا، أنا قريبتك اللي وقعت في حبك من أول يوم شفتك فيه، حاولت ألفت نظرك كتير بس انت عمرك ماشفتنى، كنت بغير عليك من كل البنات اللي حواليك وياما فرقت بينك وبينهم من غير ما تحس، بس انت مكنش بيهمك، كنت بتلاقى غيرهم كتير، ولما حاولت أوقعك وأخليك مضطر تتجوزنى، نكرتنى وسمعتنى كلام كتير دmر قلبى، إضطريت أشوف حد يستر علية، عرضت الجواز على خالد، وإتجوزته بسرعة وفى ليلة الفرح عرف إنى مش بـ.ـنت، كان هيطـ.ـلقنى بس أنا عيطت وحلفته بشهامته يستر علية، وعدته إنى انا وفلوسى هنكون تحت أمره، وفعلا سكت وكملنا، بس كملنا زي الأغراب، ولما عرف إنى حامل، بدأ ينسى شوية، لكن كل فترة بيفكرنى، كل فترة بسمع منه أد إيه كان شهم ومفضحنيش، لما خلاص مليت وزهقت من الحياة البـ.ـاردة اللي عايشاها معاه وانا مذلولة، لو كنت بس رضيت بية، مكنش ده بقى حالى، كنت عشت معاك الحلم اللي حرمتنى منه وعشته مع لين، نفسى أعرف، فيها إيه لين أحسن منى، فيها إيه مكنش فية، عموما، أنا خلاص مبقتش باقية على حياتى مع خالد، وانا وراك يامؤيد لغاية ما تكون لية أنا وبس.
نزلت من عينيها دmعة واحدة مسحتها وهي تتأمل صوره مجددا، لتنتفض على صوت دخول أحدهم الحجرة، أغلقت الهاتف بسرعة وهي تنظر إلى الباب لتشعر بالصدmة وهي تطالع لين التي تقف بجوار الباب تنظر إليها ببرود ثلجي، أحست شاهيناز بالإضطراب فمنذ أن عادت لين البـ.ـارحة، وشاهيناز تلتزم حجرتها، تخشى ملاقاة لين، تخشى ان يكون سرها قد كشف، ومن ذلك البرود الذي يكسو ملامح لين تستطيع شاهيناز أن تدرك أن سرها قد كشف بالفعل، لتقول بإرتباك:.
حمد الله على السلامة يالين، تعالى إدخلى واقفة عندك ليه؟
ظلت لين واقفة مكانها وهي تقول ببرود:
عندى ليكى سؤال واحد بس ومحتاجاله إجابة.
إبتلعت شاهيناز ريقها وهي تقول:
سؤال إيه ده؟
قالت لين:
فين مكان بـ.ـنت مؤيد، عايز أعرفه، وحالا؟
قالت شاهيناز بإضطراب:
معرفش، قصدى يعنى، آخر مرة شفتها كان في اليوم اللي خدت منها عينة وبعدها مشفتهاش تانى.
قالت لين بصرامة:
يبقى قومى بينا نروح الملجأ، ما أنا لازم أشوفها، مفهوم؟
تلعثمت شاهيناز قائلة:
ما هو، أصل أنا مقلتلكيش، أنا روحت بعدها ولما سألت عليها قالولى إنها هـ.ـر.بت وميعرفوش عنها حاجة.
حدجتها لين بنظرة لا تحمل أية مشاعر بها، ثم قالت بهدوء:
إسم الملجأ ده إيه؟
إبتلعت شاهيناز ريقها وهي تقول:
معرفش، قصدى مش فاكرة يالين؟
قالت لين بسـ ـخـــريــة:
مش فاكرة؟إنتى متأكدة إنك مش مخبية عنى حاجة ياشاهى؟
قالت شاهيناز بإضطراب:
أيوة، متأكدة طبعا، هخبى إيه بس؟
لتأخذ طريقة الهجوم خير وسيلة للدفاع وهي تقول بحدة:
وبعدين هو تحقيق ولا إيه، مالك يالين؟ما تقولى فيه إيه علطول من غير لف ولا دوران.
إبتسمت لين بسـ ـخـــريــة وقد تأكدت شكوكها لتقول بهدوء:
مش أنا اللي ألف وأدور ياشاهى، أنا بس بدأت أشك في شوية حاجات بخصوص الحكاية دى، بدأت أشك في الماضى كله، وصدقينى يوم ما هتأكد، هتكونى أول واحدة تعرف، سلام.
غادرت الحجرة بهدوء تتابعها شاهيناز بعيون إرتسم فيهم الحقد الشـ.ـديد وهي تقول بغل:
بتشكى في كلامى يالين وبدأتى تدورى ورايا، وده معناه إنى لازم أتصرف، وبسرعة.
↚
عنـ.ـد.ما ينخر قلبي الو.جـ.ـع، اغوص فيك
لأجدك قد اكتفيت مني، وغادرت أحلامي
خانني فيك كل شيء، حتى الصمت أصبح خائن.
لا أريد أن أسقط بعد هذا الصمود
ليتني أنسى. وهل أنا قادرة على ذكر النسيانِ.
حرب ضروس تفتك بي وتقــ,تــلني
وتجردني من كل ثبات وأتزانِ.
لاتقلق، لن أستطيع تجريد أحرفي منك
فقد نقشت أسمك على تراث أيامي.
كن طيفا ولاترحل هكذا
والمع بين نجوم سمائي.
فمثلي لن يكون لها أرض أخرى
غير أرضك التي غرست فيها ازهاري.
بقلم، سميرة البهادلى.
كان يمسك فأسا يساعده في زراعة الأرض قبل أن يتركه من يده وهو يمسح حبات العرق التي تندت عن جبينه بطرف كمه، ثم قام بأخذ بعض الحبوب، ليقوم بزراعتها في تلك الأرض السميكة، لقد تأكد منذ قليل بأن العمق مناسب لزرعة تلك البذور، ليردm بعض التراب عليهم، إنتفض على صوتها الرقيق وهي تقول:
بتعمل إيه؟
إلتفت إليها ليتأمل ملامحها الجميلة بنظرة إعجاب واضحة لم يستطع إخفائها، لتتسلل حمرة الخجل إلى وجنتيها فتزيدها جمالا، إبتسم قائلا:
هذرع حبوب البسلة في الحتة دى كلها.
عقدت حاجبيها قائلة:
وليه حبوب البسلة بالذات؟، دى أول مرة تتزرع في أرضنا.
إتسعت إبتسامته قائلا:
الحقيقة لقيت الأرض مجهدة وتعبانة قلت أريحها بالبسلة وخصوصا ان الجو برد شوية ومناسب جدا ليها، بصى الموضوع كبير أوى ويطول شرحه...
إبتسمت بدورها قائلة:
وإحنا ورانا إيه يعنى؟إحكيلى.
نظر إلى عيونها الرائعة ذات الأهداب الطويلة التي تسدلهما حين تخجل وهو يقول:
ورانا شغل ياجورى.
عقدت حاجبيها وظهر الحـ.ـز.ن على ملامحها، لتقول بنبرات متهدجة وهي تطرق برأسها:
أنا آسفة، الظاهر إنى معطلاك فعلا عن شغلك، أنا بس كنت جايبالك الأكل عشان تتغدى، أنا سيبتهولك هناك، تحت الشجرة اللي بتحب تتغدى تحتها، هسيبك تكمل شغلك، عن إذنك.
كادت أن تمشى حين إستوقفها وهو يسحبها من ذراعها يعيدها لتقف أمامه مجددا لترفع إليه عينان دهشتان لينظر إليها قائلا:
معطلانى إيه بس؟كل الموضوع إن رغم ان احنا ابتدينا فصل الشتا بس النهاردة الجو بقى حر فجأة و الشمس حامية شوية وأنا خايف عليكى منها.
ظهرت الحيرة في عينيها ليترك ذراعها وهو يتنحنح قائلا بإرتباك:
إحمم، قصدى يعنى، واحدة في رقتك مش هتستحملها.
إبتسمت في خجل، وسعادة داخلية لإكتشافها أنه يخشى عليها من أشعة الشمس الحارقة، ربما حقا يكن لها بعض المشاعر كما يظهر لها من خلال نظراته لها والتي كان يخفيها ما إن تلتفت إليه كما قالت لها خالتها جليلة، لتنظر إلى عينيه الرائعتين واللتان تماثلان في لونهما تلك السماء الصافية قائلة:
متقلقش، متعودة عليها، وبعدين شمس الشتا ولو حتى حامية مبتضرش، وأنا مش هتعرضلها كتير.
خلع عنه قبعته القش وألبسها إياها قائلا بحنان:
كدة أحسن، خلينا في الأمان.
نظرت إليه عاجزة عن الكلام وهي تراه يحكمها على رأسها وهو يتأمل ملامحها بنظرة حبست أنفاسها، لتبتلع ريقها بإضطراب تحاول أن تخرج من دائرة سحره لتمد يدها إلى القبعة تحاول أن تخلعها عنها وهي تتنحنح قائلة:
إحمم، بس دى بتاعتك وأنا مش ممكن أقبلها، إنت ممكن تنضر من غيرها لإنك بتتعرض للشمس أكتر منى و...
أمسك يدها التي تحاول أن ترفع بها القبعة ليثبتها مكانها مقاطعا إياها وهو يقول بحنان:
أنا مش مهم، المهم إنتى.
تاهت في سحر كلمـ.ـا.ته ونظراته التي غمرتها، وتاه هو في سحر عينيها، ود لو ضمها فقط بين ذراعيه، يخفيها بين أضلعه يحميها من أشعة الشمس التي قد تؤذيها، لتستقر نظراته على شفتيها في تلك اللحظة، ليود لو اقترب من شفاهها الآن، يشبع رغبته التي تقوده للجنون وهو يحاول السيطرة عليها كلما رآها أمامه، أشاح بنظراته عن وجهها وهو ينظر إلى نقطة ما خلفها، ليقول بهدوء يخالف نبضات قلبه المتسارعة:.
طيب روحى أقعدى تحت الشجرة، وأنا دقايق وهجيلك هناك.
رفعت قبعته عن شعرها وهي تقف على أطراف أصابعها تضعها مجددا على رأسه، ترنحت فأسندها بسرعة قبل أن تقع فتناثرت خصلاتها الحريرية على وجهه ليذوب كلية وتتسارع دقاته عنـ.ـد.ما تقابلت عيناه مع عينيها ليقرأ العشق بداخلهم، أرجع خصلاتها إلى ما وراء أذنيها، لتظهر ملامحها الجميلة الرقيقة كاملة، إبتلعت ريقها بصعوبة، وهي تشعر بإقترابه منها لتعتدل بسرعة قائلة بإضطراب:.
أنا، إحمم، هستناك هناك.
أومأ برأسه بصمت، لتلتفت مبتعدة يتابعها بعينيه، ولكنها مالبثت أن توقفت لتدير وجهها إليه قائلة بخجل:
متتأخرش، عشان الأكل هيبرد يافهد.
، فتح عينيه بقوة، ينظر إلى محيطه، ليجد نفسه قد غفا على مكتبه وهو يراجع ذلك التقرير عن تلك الصفقة الجديدة والتي سيمضى عقدها مساء اليوم، أدرك أنه كان يحلم، ربما تأثرا منه بتلك الرواية التي قرأها لتلك الفتاة التي تشغل عقله وقلبه وأحلامه أيضا، فما رآه في حلمه يشبه إلى حد كبير ذلك المشهد في روايتها، بل يكاد أن يكون هو، عقد حاجبيه، فبطل روايتها يدعى عاصم، يختلف عن إسمه في هذا الحلم، فهد، لما يبدو هذا الإسم مألوفا له؟، بل يكاد أن يكون مناسبا لشخصية خالد، ربما أكثر من إسمه حقا، ليراها فجأة أمامه تقول بإبتسامة رائعة:.
فهد، إسمك فهد، على فكرة، لايق كتير عليك.
إنتفض وصورتها تختفى من أمامه، تبا، إنه لا يحلم، لقد كانت تلك ذكرى حية أمامه، إنتابته حيرة تكاد تصيبه بالجنون، يتساءل عن معنى ما شاهده للتو، يتذكر الآن فقط أن هذا هو الإسم الذي نطقت به جورية حين قابلها لأول مرة، مخاطبة به إيه حين أفاقت من إغمائتها، ليفيق من أفكاره على صوت دخول ريم إلى الحجرة تقول بإبتسامة:
مساء الخير يابابى.
نفض خالد حيرته وقلقه وهو يبتسم و يفتح ذراعيه لها قائلا:
مساء الهنا ياحبيبة بابى.
إقتربت منه بسرعة ليضمها بين ذراعيه، ضمته بدورها، ثم خرجت من محيط ذراعيه قائلة:
فاضى النهاردة يابابى؟
إبتسم قائلا:
ولو مش فاضى ياحبيبتى، أفضيلك نفسى.
إتسعت إبتسامتها قائلة:
يعنى هتخرج معايا عشان نجيب حاجة الحفلة.
عقد حاجييه قائلا:
حفلة إيه ياريم؟
ظهر الحـ.ـز.ن على ملامح ريم وهي تقول:
حفلة عيد ميلادى، إنت نسيت يابابى؟
ظهرت الإبتسامة واسعة جلية على شفتي خالد وهو يقول:
أنأ أنسى الدنيا كلها ومنساش حاجة تخص أميرتى، وإنتى أميرتى ياريمو، روحى أوضتك هتلاقى فستان الحفلة ولوازمه على سريرك، وكل حاجة جاهزة عشان نحتفل ببنوتى القمرة.
شعت السعادة على وجه ريم، لتندفع إلى حـ.ـضـ.ـنه مجددا ثم تقبله في وجنته قائلة في سعادة:
إنت أحلى بابى في الدنيا.
لمس وجنتها بحنان قائلا:
وإنتى بنوتى الحلوة، روحى يلا شوفى فستانك وإبقى قوليلى رأيك فيه.
إتسعت إبتسامتها وإلتفتت تتجه إلى غرفتها بسرعة لترى فستانها الجديد ولكنها ما لبثت أن توقفت، وإلتفتت إليه يبدو عليها التردد للحظات فشعر خالد بترددها ليقول بحنان:
فيه حاجة عايزة تقوليهالى ياريم؟
قالت ريم:
إنت بتشوف طنط جورى يا بابى؟
دق قلبه بسرعة لسماع إسمها، وسؤال إبـ.ـنته عنها ليقول بهدوء:
لأ، بتسألى ليه ياحبيبتى؟
قالت ريم:.
أصلها مجتش إنبـ.ـارح حصة الإيمـ.ـيـ.ـتيشن زي ما عودتنا، جابوا واحدة تانية مكانها، بس مكنتش حلوة زيها، مش بتعرف تقلد الأصوات زي طنط جورى.
قال خالد بدهشة:
هي طنط جورى كانت بتجيلكم دايما.
اومأت ريم برأسها قائلة:.
أيوة يابابى، كانت بتحكيلنا حواديت وكانت دايما بتقلد الأصوات، كان أحلى يوم في الأسبوع هو اليوم اللي بتجيلنا فيه، أنا خايفة متجيش تانى، كانت وعدانى أنا وروجى يوم حفلة المدرسة إنها هتدربنا على أغنيتنا الجديدة واللي هنغنيها في عيد الطفولة وهتشاركنا فيها، أصل صوتها حلو أوى يابابى.
قال خالد بصوت هامس حائر:
كمان صوتها حلو.
قالت ريم:
بتقول حاجة يابابى؟
إنتبه خالد من أفكاره ليقول بهدوء:.
لأ مبقولش حاجة ياحبيبتى، عموما أنا هكلمها وأشوفها مجيتش ليه ياقلبى.
شعت الفرحة في ملامحها لتسرع إليه قائلة:
بجد يابابى؟
إبتسم بحنان قائلا:
بجد ياقلب بابى.
قالت بسعادة:
وهتقولها تيجى عيد ميلادى بكرة وتغنى معايا أنا وروجى؟
إبتسم وهو يومئ برأسه، لتسرع مقبلة إياه في وجنته بوجه يمتلئ بالسعادة قبل أن تغادر مسرعة، تتابعها عيونه في حنان، قبل أن يعقد حاجبيه مفكرا، لابد وأن يتحدث إلى جورية كما وعد إبـ.ـنته الصغيرة، وعليه أن يدعوها للحفل لتغنى مع صغيرته، فوجودها سيسعد طفلته، ليسخر من نفسه قائلا:
عشان خاطر ريم برده ياخالد، ولا جورى وحشتك ونفسك تشوفها؟
ليزفر مستطردا:.
بتخدع مين بس ببرودك وتجاهلك لمشاعرك، اللي مشـ.ـدودين ليها، وبعدين فيه حاجات كتير غريبة بتحصل ولازم تفهمها، حاجات ليها تفسير عند جورى وبس.
ليومئ برأسه في تصميم وهو يخرج هاتفه، يبحث عن رقم جورى الذي بعثته له أخته، قبل أن يجده ويضغط على علامة الإتصال.
قالت سها بحـ.ـز.ن:
إهدى بس يالين، وبإذن الله كل حاجة هتتحل.
نظرت إليها لين قائلة في مرارة:.
حاجة إيه اللي هتتحل ياسها، عمرى اللي راح من غيره ده هجيبه منين تانى؟قلبى اللي و.جـ.ـعنى في بعده ولسة بيوجـ.ـعنى لحد دلوقتى أداويه إزاي بس؟جـ.ـر.حه اللي جـ.ـر.حتهوله بكل قسوة أعوضه إزاي عنه؟أرجعه إزاي لية من تانى؟أنا عارفة إنى لو حتى إعتذرتله ألف مرة، مش هيسامحنى، انتى مشفتيش قهرته منى لما عرف سبب بعدى عنه، مشفتيش بصلى إزاي، إنتى عارفة يوم ما سيبنا بعض وهو فاكر إنى بسيبه عشان عايزة أخلف مكرهنيش ساعتها ولا بصلى بالشكل ده.
ربتت سها على يدها وهي تقول:
مفيش حد بيحب حد بجد وبيعرف يكرهه يالين، إنتى نفسك لما كنتى فاكرة إنه خـ.ـا.ين مكرهتهوش، مؤيد لسة بيحبك بس...
صمتت سها لتستحثها لين وقد أنعشت الأمل في قلبها قائلة:
بس إيه ياسها؟
قالت سها:
بس هو زعلان حبتين، سيبيه يهدى وهيعرف من نفسه انك كنتى معذورة.
تراجعت لين في مقعدها تسند رأسها إليه، تغمض عيناها على دmـ.ـو.عها التي سقطت على وجنتيها وهي تقول بألــم:.
الجـ.ـر.ح اللي جـ.ـر.حتهوله كبير أوى وصعب ينساه أو يسامحنى عليه ياسها، وحتى لو سامح فمستحيل يرجعلى تانى.
ربتت سها على يدها مجددا قائلة:
مفيش حاجة في الدنيا متتغفرش، خصوصا بين اتنين بيحبوا بعض.
فتحت لين عيونها قائلة بمرارة:.
لأ فيه، فيه ياسها، الخيانة، والخيانة مش خيانة جسد وروح وبس، فيه حاجة إسمها خيانة العهود، وبالنسبة لمؤيد أنا خنت العهد اللي بينا، كـ.ـسرت الثقة اللي وعدته أديهاله من غير حدود، بالنسبة له غلطتى متتغفرش.
صمتت سها لا تدرى بماذا تخفف عن لين أحزانها، لتنهض لين فجأة وتنهض معها سها، تخشى على لين من تلك القسوة التي إرتسمت على وجهها والتي تراها لأول مرة في ملامحها، لتقول لين بصوت صارم:.
وحياة الحب اللي حبيته لمؤيد، وحياة و.جـ.ـعى اللي قايد في قلبى نار دلوقتى، لهنتقم من اللي فرقنا وعمل فينا كدة، هنتقم من شاهيناز اللي فاكرة إنها خلاص فرقت بينا ونجحت، بس لازم أعرف الأول هي عملت كدة ليه وإيه أسبابها؟
قالت سها بتردد:
أنا، أنا أعرف حد ممكن يقولنا هي عملت كدة ليه يالين.
نظرت إليها لين بلهفة قائلة:
مين ده ياسها؟
حسمت سها قرارها بالبوح بما لديها وهي تربت على كتف لين قائلة:
هقولك، هقولك يالين.
دخلت جورية إلى حجرتها لتستمع إلى رنين هاتفها المتواصل، أمسكته تنظر إلى شاشته لتجده رقما غريبا، أجابته قائلة:
ألو.
لم يجيبها أحد لتعقد حاجبيها وهي تقول مجددا بنبرة بها بعض الصرامة وهي تظن أن المتصل هو شخص تافه يبغى فقط الإزعاج:
ألوو.
تسلل إليها صوته الذي تحفظه عن ظهر قلب وهو يقول بهدوء:
مساء الخير ياجورية.
قالت في صدmة:
فهد.
عقد حاجبيه بشـ.ـدة وهو يستمع إلى هذا الإسم الذي راوده في منامه وتخاطبه به جورية دائما، ليقول بحيرة:
فهد، فهد مين؟
صمتت تغمض عينيها تلوم حالها على ذلة لسانها لتفتح عينيها قائلة بإضطراب:
أنا، آسفة، إفتكرتك حد تانى، خير ياخالد بيه؟
أخذ خالد نفسا طويلا بهدوء يوارى به حيرته وتخبطه اللذان يزدادان كلما إقترب منها، هناك غموض يحيط كل ما يحدث بينهما وقد إنتوى أخيرا أن يصل إلى الحقيقة، يشعر بأن جورية تعرف الكثير عن ذلك الغموض، ولكنها تخفي الأسرار لسبب ما، لذا فقد قال بهدوء:
حضرتك محضرتيش حصة الإيمـ.ـيـ.ـتيشن انبـ.ـارح، فريم بـ.ـنتي كانت قلقانة عليكى وطلبت منى أتصل بيكى.
أغمضت جورية عينيها بألــم، إذا هو لم يفتقدها كما أملت أن يفعل، بل ما أجبره على الإتصال هو طلب إبـ.ـنته الصغيرة منه، فتحت عيونها تخفى الألــم فيهما وهي تقول ببرود:
للأسف أنا عند جدى في الوادى فمقدرتش أكون موجودة خالص في القاهرة اليوم ده، بس طمنها وقولها بإذن الله الحصة الجاية هكون متواجدة، مع السلامة.
أسرع خالد يناديها قبل أن تغلق الهاتف قائلا:
جورى.
تجمدت يدها على سماعة هاتفها، نفس إختصار الإسم، والتي يناديها به الجميع ولكن تلك النبرة التي ناداها بها، تلك اللهفة، تخص فهد وحده، تبا، كم إشتاقت إليه، لتفيق على صوت خالد وهو يقول بقلق:
إنتى لسة معايا ياجورى؟
أومأت برأسها وهي تقول لنفسها(معك دائما وأبدا ولن أكون لسواك)، ولكنها إكتفت بكلمة واحدة هادئة:
معاك.
تسللت إلى مسامعها زفرة إرتياح قبل أن يقول بهدوء:.
الحقيقة ريم قالتلى إن صوتك حلو، وهي نفسها، يعنى، لو تحضرى عيد ميلادها بكرة وتغنى معاها الأغنية اللي هتغنيها، يبقى بجد هتبسطيها أوى.
تمنت جورية لو لبت طلب الصغيرة ولكن وجودها إلى جواره مجددا ورؤيته مع زوجته وطفلته سيـ.ـؤ.لمانها بشـ.ـدة، لتقرر الرفض رغم أنها تفتقده وحقا تريد رؤيته ولكنها لن تجازف بألــم جديد، يكفيها ما تعانيه، لتقول بهدوء:
للأسف مش هقدر ياخالد بيه، معتقدش جدى هيوافق...
قاطعها قائﻻ بحزم:.
ولو قلتلك إنك لو جيتى هنسى موضوع الأغلفة دى نهائى ومش هتخذ إجراءاتى ضد دار النشر.
صمتت جورية، لم يعد الأمر يتعلق بها، إنه يتعلق بصديقها فراس، ومستقبل دار النشر الخاصة به، لتقول بعد لحظات بهدوء يخالف هذا التـ.ـو.تر الذي شمل جسدها بأكمله وهي تدرك أنها ستقابله في الغد مجددا:
إبعتلى العنوان في ماسيدج، مع السلامة.
ثم أغلقت الهاتف وهي تغمض عينيها، تدرك أنها ترتكب خطأ فادح في حق نفسها بالسماح لها بتحقيق رغبتها برؤيته ولو لآخر مرة ولكنها تدرك أيضا أنه لم يكن هناك مجالا للرفض، ليرن هاتفها بتلك النغمة الخاصة بالرسالة، فتحت الرسالة وجرت عيونها على العنوان، قبل أن تغلق الهاتف وقد إرتسمت حروف تلك الرسالة في صميم قلبها.
طلت ليلة من باب الحجرة لترى لين جالسة على السرير تضم ركبتيها إلى صدرها وتستند برأسها عليهم تنظر إلى الأمام بشرود ثم تنظر إلى ليلة حين قالت ليلة:
ممكن أدخل؟
إبتسمت لين إبتسامة باهتة وهي تومئ برأسها إيجابا، لتدخل ليلة الحجرة وتتجه إلى السرير تجلس بجوار لين لتربت على يدها قائلة:
إذيك دلوقتى، أحسن؟
أومأت لين برأسها قائلة:
الحمد لله.
نظرت إليها ليلة تتفحص ملامحها الشاحبة وعيونها المنتفخة لتدرك أن لين ليست أبدا على مايرام، لتقول ليلة بشفقة:
أنا عارفة إن الموضوع مش سهل عليكى وإن اللي حصل يهد جبل، بس انا إتعودت أشوفك يالين جـ.ـا.مدة، قوية، قادرة تتحدى كل الصعب.
اغروقت عينا لين بالدmـ.ـو.ع قائلة:.
مبقتش قادرة خلاص ياليلة، كانت خيانته لية مقويانى على ضعفى، مخليانى أمحى مشاعرى اللي بتحن ليه، لكن دلوقتى إيه بس اللي هيقوينى بعد ما عرفت إنى ظلمته وجـ.ـر.حت قلبه اللي حلفت أحافظ عليه.
قالت ليلة بحنان:
اللي هيقويكى إنتقامك من اللي كان السبب في اللي حصل، اللي هيقويكى إنك ترديلها القلم قلمين، وده سهل وفى إيدك ولو حققناه، صدقينى هيكون في تحقيقه راحة ليكى وهيكون فيه كمان راحة لية.
عقدت لين حاجبيها وهي تنظر إلى ليلة قائلة بحيرة:
تقصدى إيه؟
قالت ليلة:
فيه حاجة كدة انتى مت عـ.ـر.فيش عنها حاجة حصلت مع خالد في السنة اللي إختفى فيها، أخوكى فيها حب واحدة تانية وحبته من قلبها.
إتسعت عينا لين بدهشة، قائلة:.
خالد حب وإتحب، إنتى متأكدة إننا بـ.ـنتكلم عن خالد اللي الحب بالنسبة له تفاهة وكلام فارغ، خالد اللي كان معارض جوازى من مؤيد عشان ماضيه مع البنات ولما صممت وقلتله انى بحبه، ضحك من قلبه وقاللى حب إيه اللي إنتى بتفكرى فيه، مفيش في الدنيا حاجة إسمها حب وإن ده كلام في الروايات وبس.
أومأت ليلة برأسها قائلة:.
ده حصل فعلا، والله أخوكى حب بجد، بس للأسف خالد رجع ومش فاكر عنها حاجة خالص، لو قدرنا بقى نجمعهم من تانى، لو قدرنا نخليه يحبها من جديد، ساعتها شاهيناز هتختفى من حياتنا للأبد، وهتكونى بكدة حققتى إنتقامك منها، أما أنا فكمان مشكلتى هتتحل لما أخوكى هيعترف بالحب والمشاعر ويرفض سمير ساعتها ويقبل بفراس.
أطرقت لين برأسها تفكر للحظات قبل أن ترفع رأسها وهي تومئ بها موافقة وهي تقول:.
أنا معاكى في كل حاجة، بس إحكيلى عن موضوع خالد كل حاجة بالتفصيل الممل وأولهم إسم حبيبته وقابلها فين وإزاي؟
إبتسمت ليلة بحب وهي تستحضر ملامح جورية الرقيقة الحنونة قائلة:
إسمها جورية، رقيقة وجميلة زي النسمة تمام، قابلها في الوادى، بس إزاي، فدى حكاية طويلة جدا إبتدت لما في يوم روحت المكتبة مع لبنى أشترى روايات رومانسية علشان أقراها، وهناك، هناك إبتدت أغرب حكاية سمعتها في حياتى.
↚
رأيتك معها فثارت براكين الغيرة في شرايينى
فصمتت كلمـ.ـا.تى وتحدثت مدامعى عن جـ.ـر.ح يؤذينى
فلا أملك أنا سوى ورود زرعتها في بساتينى
فنسيتها كما نسيتنى، ونسيت عشقى وحنينى
فوداعا لذكريات تؤلمنى ووداعا عشقا يضنينى.
ظل نبيل صامتا، ينقل عيناه ما بين سها ولين، تنظر إليه الفتاتان بترقب، لتقول لين بعصبية:
ما تتكلم يانبيل، هتساعدنا ولا لأ؟
قست عينا نبيل بينما قالت سها وهي تربت على يد صديقتها:
إهدى بس يالين، نبيل أكيد هيساعدنا لما يعرف إن كل اللي بنعمله ده في مصلحة مؤيد.
قال نبيل موجها حديثه إلى سها:
وإيه مصلحة مؤيد في إنى أساعدكم ياسها؟
ليشير إلى لين مستطردا:
تفتكرى إنى هفرح لما أساعده يرجعلها، لأ طبعا، متستاهلش.
نهضت لين قائلة بعصبية:
نبيل، أنا مسمحلكش.
جذبتها سها من ذراعها تجلسها من جديد قائلة:
يالين إقعدى بس متفرجيش الناس علينا.
ثم وجهت حديثها إلى نبيل قائلة بحدة:
وإنت كمان يانبيل، خد بالك من كلامك، حابب تساعدنا تمام، مش حابب، خلاص، هنشوف حد تانى يساعدنا.
تخيل نبيل لجوء سها لأحد غيره وجلوسها معه، إلى جانب غـــضــــبها الأكيد منه وربما عدm رغبتها مجددا في لقاءه، لينفر من تلك الفكرة كلية، ويبعد إعتراضه على فكرة مساعدة لين جانبا، وهو يزفر قائلا:.
طيب إدينى سبب واحد بس يخلينى أساعدها ياسها، إنتى مشفتيش حالته كانت عاملة إزاي بعد ما رجع من المكان اللي كانوا فيه، صدmته وعـ.ـذ.ابه لما عرف سبب طـ.ـلا.قهم زمان، أنا مش عايز صاحبى يرجع لواحدة ممكن تظلمه وتبيعه من غير ما تتأكد من ذنبه، أعذرونى، أنا خايف عليه.
قالت لين بصوت يقطر مرارة:.
معاك حق، غلطتى كبيرة وأنا معترفة، وعارفة إن مؤيد مجروح منى أوى وصعب يغفرلى، وأنا مش بدور دلوقتى على غفرانه، أو رجوعه لية، أنا بدور على إنتقام من اللي كانت السبب في كل حاجة وحشة حصلتلى أنا ومؤيد، وعشان أقدر أنتقم منها لازم أعرف هي عملت كدة ليه، وإستفادت إيه لما فرقتنا؟
تنهد نبيل وهو يدرك ألــم تلك المرأة القابع بصوتها، ربما أخطأت بالماضى ولكنها تبدو حقا نادmة، ربما يجب أن يمنحها فرصة، فربما في تلك الفرصة نجاة صاحبه، ليقول بهدوء:
السبب واضح جدا يالين، إنتقام، غيرة وحقد منها عليكى لإنك قدرتى تاخدى مكانها في حياة مؤيد.
ظهرت الصدmة على وجوه الفتاتين، لتخرج سها من صدmتها أولا قائلة:
إنت قصدك إنها...
قاطعها نبيل قائلا:
بتحب مؤيد ومن زمان كمان.
ظلت لين صامتة تظهر ملامح الصدmة على وجهها وهي تراجع كل أفعال شاهيناز، لتتأكد فعلا من كلمـ.ـا.ت نبيل، لتقول سها في دهشة:
ولما هي بتحبه، وهو بيحبها متجوزوش ليه؟دول كانوا عيلة قبل ما يدخل خالد حياتهم ويتعرف مؤيد بلين.
تراجع نبيل في مقعده قائلا:.
فعلا هما كانوا زي العيلة بجواز والد مؤيد من والدة شاهيناز، بس الحب مش بإيدينا ولا بيبقى بالقرابة أو حتى الدm، وأنا مقلتش إن مؤيد بيحبها، مؤيد محبش في حياته غير واحدة بس والواحدة دى قاعدة أدامى دلوقت.
نظرت إليه لين ليستطرد موجها حديثه إليها:
قبلك كان تايه، ضايع، مبيآمنش بالحب والجواز بسبب والده، وانتى عارفة حكايته.
أومأت لين برأسها في حـ.ـز.ن، ليستطرد نبيل قائلا:.
لما إتجوز والده والدة شاهيناز، حبته شاهيناز، وحاولت تقرب منه، صدها، مؤيد آه كان بتاع بنات بس كان عنده مبدأ واحد وهو إنه ميقربش لحد في شغله أو عيلته، بس مع الاسف، هي حطته في دmاغها وصممت توقعه في حبالها، أنا شفت الكلام ده كتير وحذرته منها أكتر، بس هو كان يضحك ويقولى انها هبلة ومـ.ـيـ.ـتخافش منها، للأسف مكنش شايفها من جوة زي ما أنا شفتها، لغاية ما في يوم، رجع سـ.ـكـ.ـر.ان البيت وهي إستغلت وضعه ووقعته فعلا، وتانى يوم لما طالبته يتجوزها، رفض، وإدالها كلام جـ.ـا.مد، عن إنها حقيرة وفرطت في نفسها وإنه مستحيل يتجوز حد فرط في شرفه بالسهولة دى.
كانت الصدmة في أعتى صورها مجسدة على وجهي لين وسها، في تلك اللحظة ليستطرد نبيل قائلا:.
بعدت عنه فعلا وإفتكر إنه خلاص، موضوع وإتنسى، شافك بعدها وحبك وخالد إتجوز شاهيناز، والأمور مشيت طبيعى، وخلاص الموضوع إنتهى، أتاريها حية، منستش اللي حصل زمان، إستنت الفرصة المناسبة وضـ.ـر.بت ضـ.ـر.بتها، سهلتلها الطريق يالين وقدرت تفرق بينكم، ودلوقتى مش عارف هي عايزة إيه بالظبط، هي كدة إنتقمت ولا لسة بتحب مؤيد وعايزاه؟بس يمكن أنا بميل أكتر للإحتمال التانى لإنها مصرة تقابله، البواب قاللى إنها سألت عليه أكتر من مرة.
قست عينا لين وهي تقول:
معاك حق، هي لسة فعلا بتحبه ولسة عايزاه، وده ملوش غير معنى واحد، أخويا إتجوز واحدة خـ.ـا.ينة بتحب غيره ولازم أنبهه.
مط نبيل شفتاه قائلا:
لازم يكون في إيدك أدلة على كلامك، وبعدين حتى لو صدقك، هيعمل إيه، هيطـ.ـلقها؟عمر طـ.ـلا.قها ما هيشفى غليلك أو غليل مؤيد، بالعكس إنتى بتسهليلها طريقها عشان توصل لمؤيد.
قالت لين بحنق:
يعنى أسيبها وأفضل ساكتة على كل عمايلها السودة دى؟
قال نبيل:.
أيوة يالين، سيبى شاهيناز لمؤيد، هو هيعرف يتصرف معاها.
أطرقت لين برأسها في حـ.ـز.ن ثم رفعت رأسها تطالعه وقد رقت نظراتها قائلة:
طيب مؤيد عامل إيه دلوقتى يانبيل؟
زفر نبيل قائلا:
أنا سايبه و نار قايدة فيه ومش هيطفيها غير إنتقامه منها، وإنتقامه هيبدأ أول خطواته النهاردة، في عيد ميلاد ريم بـ.ـنت خالد وبـ.ـنتها.
قالت لين بقلق:
هيعمل إيه بالظبط؟ريم ملهاش ذنب في اللي حصل يانبيل.
قال نبيل بسـ ـخـــريــة:.
لسة لغاية دلوقتى عندك شك في مؤيد؟لسة بتشكى فيه؟ مؤيد مش ممكن يرد إنتقامه في طفلة صغيرة، هدفه هو شاهيناز وبس، وأي حاجة هيعملها النهاردة هتخصها لوحدها، هي وبس، عن إذنك يامدام.
لينهض وهو يهز رأسه محييا سها التي هزت رأسها بدورها، قبل أن يغادر، تتابعه عيناها، لتنظر سها إلى لين التي أطرقت برأسها خجلا تشعر بالخزي، ممتزجا بالحـ.ـز.ن والنـ.ـد.م، كادت أن تعاتبها على كلمـ.ـا.تها الأخيرة ولكن عنـ.ـد.ما رفعت إليها لين عيون أغروقت بالدmـ.ـو.ع، تنهدت قائلة:.
كلنا بنغلط يالين، بس لازم نتعلم من غلطنا، وإنتى لازم تفوقى وتتعلمى من غلطك، لازم فعلا تثقى في مؤيد، بالأفعال مش بالكلام، وإلا الأمل في رجوعه ليكى هيكون ضعيف جدا، أو مستحيل.
مدت لين يدها تمسح دmـ.ـو.عها وهي تومئ برأسها إقتناعا بكلمـ.ـا.ت صديقتها، ستثق به منذ اليوم ولن تشكك في أفعاله قط، ستسانده في إنتقامه بدورها وستوفق بين خالد وجورية أيضا، وعنـ.ـد.ما يحققون إنتقامهم ستتوسل إليه أن يسامحها وستفعل المستحيل كي يعود إليها من جديد، نعم ستفعل.
كانت جورية تتأمل نفسها في المرآة، تنظر إلى تلك النفس التي ما عادت تعرفها، لا تدرى حقا ما تبغيه، هل تبغى بعدا عن عشق تدرى أنه مستحيل، أم تبغى قربا وعـ.ـذ.ابا، نارا ولهيبا تتلظى بهما في قربه؟لقد قاومت بالأمس رغبتها الشـ.ـديدة لرؤيته، واليوم صباحا ضـ.ـر.بت بقراراتها عرض الحائط وهي تخبر جدها أنها لابد وأن تسافر القاهرة لأمر هام يتعلق بروايتها الجديدة وأنها ستعود في اليوم التالى، ليودعها بلطف مخبرا إياها أن تسرع بالعودة إليهم، وها هي تقف مستعدة ظاهريا لحضور حفل عيد ميلاد إبـ.ـنته ولكنها بالداخل تتداعى من القلق والخــــوف، من الإشتياق إليه وإدراكها الحتمي أنها في نهاية الأمر ستعود بخفي حنين إلى الوادى وقد حملت معها فقط، ذكرى جدبدة، مؤلمة.
كانت عيون خالد لا تحيد عن باب منزله سوى ليسلم على رواد الحفل من الأصدقاء ثم تعود عيناه تتابع القادmين إلى الحفل بروح تشتاق لرؤية من غابت عن عيونه وأطالت الغيبة، من ينتظر لقاءها كإنتظار نسمة في يوم حار كظيم، حتى وقعت عيناه عليها تتهادى في فستان أزرق رائع أظهر جمالها وأبرزه شعرها المنسدل في بساطة حول وجهها وتلك الغرة الرائعة والتي تخفى جبينها الرقيق، ترك أنفاسه التي حبسها لدى رؤيتها، ليتنفس بعمق قبل أن يشتعل قلبه فجأة بالغيرة، يدرك لأول مرة في حياته نيرانها، وهو يراها تتأبط ذراع ذلك الفراس، صاحب دار النشر والذي يدخل إلى الحفل بجوارها متباهيا بها، إنتاب خالد غـ.ـيظ شـ.ـديد، يتساءل بحنق، ألــم يكفي هذا الرجل إستحواذه على إهتمام أخته وجرأته في الذهاب إلى مكتبه بالأمس وطلبه الإقتران من ليلة؟وحتى عنـ.ـد.ما رفضه خالد بشكل قاطع، أخبره أنه لن ييأس ولن يصمت حتى تكون ليلة له ولا أحد غيره، ورغم إعجابه بإصرار فراس والتمسك بها إلا أنه لم يستطع أن يمنحهما مبـ.ـاركته وقد أعطى سمير كلمته، إلى جانب أنه يؤمن بأن سمير هو الإختيار الأفضل لأخته فهو إبن عمته ولديه من المال والسلطة ما يعادل خالد، إلى جانب أنه يشبهه في الطبع إلى حد كبير، و هذا مناسب جدا بالنسبة إلى طموح خالد فيما يخص بأخته ليلة، فهو سيكون مطمئنا على ليلة في عصمة رجل مثل سمير.
إقترب كل من جورية وفراس من خالد، ليسلم فراس على خالد بتحدى أن يرفض يده الممدودة إليه قائلا:
مساء الخير ياخالد بيه.
أمسك خالد يد فراس بقوة متقبلا التحدى، وهو يقول:
مساء الخير، نورت.
إبتسم فراس بسـ ـخـــريــة قبل أن يترك يده، بينما مد خالد يده إلى جورية لتمد يدها بتردد، تسلم عليه، وكالعادة كلما تقابلت أيديهما إشتعلت بجسديهما نارا متأججة، لتتفرق الأيدى على الفور، حين إستمعا إلى صوت نسائي وهي تقول بحدة:.
إنتى إيه اللي جابك النهاردة؟مين اللي دعاكى؟
نظرت جورية إلى قائلة تلك العبـ.ـارة في ضيق، وكادت أن تجيبها لولا أن قاطعها خالد قائلا بحدة:
دول ضيوفى ياشاهى وأنا اللي دعيتهم بنفسى، وإحترامهم من إحترامى، ودعوتهم كانت بناء على طلب من بـ.ـنتك ريم، اللي حبت جورية تغنى معاها النهاردة بعد ما رفضتى إنتى تغنى معاها.
نظرت إليه شاهيناز بغـ.ـيظ وكادت أن تتحدث حين قاطعتها جورية وهي توجه حديثها إلى خالد قائلة:.
ممكن أعرف ريم فين ياأستاذ خالد؟
أشار إلى نقطة ما خلفها قائلا:
هناك أهى مع روجينا، لحظة واحدة أناديهملك.
قالت جورية بهدوء:
لأ من فضلك، خليك مرتاح، أنا وفراس هنروحلهم، عن إذنك.
أومأ فراس لهم برأسه، قبل أن يبتعد هو وجورية عنهما متجهين إلى ريم، بينما تتابعهما شاهيناز بحنق لتجاهلها إياها بتلك الطريقة، قائلة:.
كان لازم يعنى تقولها تيجى، كنت قلتلى وأنا كنت خليت أشهر مطربة في القاهرة تيجى تغنى مع ريم، وبعدين إنت إزاي تحرجنى بالشكل ده أدامها؟
تركها خالد حتى أنهت كلامها، ثم قال ببرود:
انتى اللي أحرجتى نفسك بنفسك، مفيش حد بيتعامل مع ضيوفه اللي جايين لحد عنده في بيته بالشكل ده، فمن فضلك، عدى الليلة دى على خير، إنسى نفسك وركزى مع بـ.ـنتك شوية، لإنى بجد زهقت.
ثم تركها وإنصرف يرحب ببعض الضيوف بينما نظرت إليه بحنق قبل أن تعود بعينيها إلى تلك التي تقف مع طفلتها تبتسم وهي تقرص وجنتها بخفة، لتبتسم الصغيرة بسعادة قبل أن تحتضن جورية، وتسرع روجينا بدورها بإحتضانها، ليبتسم هذا الرجل، صاحب دار النشر والذي يقف بجوارهم، عادت بعينيها إلى خالد لتجده واقفا يطالعهم بنظرة حانية منبسطة جعلت كل كيانها يهتز غـــضــــبا، قبل أن تتسع عيونها بشـ.ـدة وهي ترى دخول أحدهم من البوابة، لتتقافز دقات قلبها شوقا وسعادة، ثم تتوقف تماما وهي تراه يبحث بين الحضور عن شخص ما ثم تستقر نظراته عليها، قبل أن يبتسم بهدوء، وهو يتجه إليها بخطوات هادئة ومع إقترابه منها، عاد قلبها ليدق من جديد بقوة تكاد أن تقــ,تــلها، حرفيا.
رآها تتهادى في فستانها الوردي الرقيق، شاردة، كغزالة رقيقة تبتعد عن الجموع، دق قلبه بقوة، فقد إشتاق القلب إليها وتباطأت دقاته حتى رآها فإنتعش القلب خامل النبضات، رآها تتجه إلى الشرفة حيث الهدوء فإبتسم بعشق وهو يتبعها، إقتربت من الشرفة وتوقفت أمام السور تستند إليه بكفاها الرقيقتان، تنظر إلى السماء، حيث القمر بدرا منيرا، أغمضت عينيها مرددة إسمه برقة.
توقف قلبه عن الخفقان ثم عاد ليخفق بقوة وهو يستمع لحروف إسمه التي تنطقها بنعومة خلبت لبه، إنها تفكر فيه حقا، تلك المخلوقة التي سحرته منذ أن رآها لأول مرة، ليقترب منها حتى توقف خلفها تماما يهمس بقرب أذنها قائلا بعشق:
قلب فراس وعمره كله.
إنتفضت على الفور تفتح عيناها بقوة وقد لفحتها أنفاسه الساخنة، لتلتفت على الفور تنظر إلى عيونه بصدmة قائلة:
فراس.
تأمل عيناها الجميلتان بإبتسامته الجذابة والتي تصل لعينيه فتجعلهما أكثر سحرا بالنسبة إليها وهو يقول بهمس:
ما قلنا قلب فراس وعمره كله.
إبتلعت ريقها تبعد هذا السحر الذي أغرقها فيه، وهي تتأمل محيطها تبحث بعيونها عن أخيها قائلة بتـ.ـو.تر:
إنت إزاي جيت هنا؟
إتسعت إبتسامته قائلا:
بالعربية.
نظرت إليه تقول بإستنكار:
إنت بتهزر؟
إقترب منها خطوة قائلا:
ومنهزرش ليه بس؟
تراجعت خطوة إلى الوراء تلقائيا فإصطدmت بسور الشرفة، لتقول بإرتباك:
فراس من فضلك، إبعد عنى شوية، أخويا لو شافنا مع بعض...
قاطعها وهو يرفع يده يبعد تلك الخصلة الحمراء الشاردة على وجنتها يرجعها خلف أذنها قائلا بحنان:
وحشتينى أوى.
نظرت إلى عينيه، تنجذب بقوة لنظراته العاشقة، تشعر بكلمـ.ـا.ته تمس قلبها وبقوة، فقد إفتقدته بدورها، حتى أنها فكرت بالفعل في أن تذهب إلى دار النشر فقط لتراه وتخبره أنها لن تبتعد عنه مجددا ولكنها فكرت في أخيها الذي لم يتسبب لها يوما من الأيام في أي لحظة حـ.ـز.ن، فكيف تكـ.ـسر قلبه بتلك الطريقة وتخون ثقته فيها، لتتراجع في اللحظة الأخيرة، وتقــ,تــل تلك الرغبة في قلبها، قلبها الذي ينتفض الآن مطالبا إياها بالإستسلام كلية لمشاعرها، لتظهر صورة أخاها أمامها، تضـ.ـر.ب بمشاعرها عرض الحائط، لتغرق عيناها بالدmـ.ـو.ع قائلة:.
مش هينفع صدقنى يافراس، إنت كدة بتعـ.ـذ.ب نفسك وبتعـ.ـذ.بنى.
أمسك فراس بيدها قائلا:
إنتى اللي بتعـ.ـذ.بينا ياليلة، لو بس وقفتى معايا وحطيتى إيدك في إيدى، لو حسيتى إن حبنا أقوى من أي حاجة، صدقينى هنقدر نقنع أخوكى بحكايتنا، صدقينى هنكمل مع بعض.
تركت يده وهي تقول بمرارة:
أنا مش زي ما إنت فاكر، أنا أضعف من إنى أعمل كدة، صدقنى يافراس، أنا بجد مستاهلكش، إبعد عنى، إنسانى وإدعيلى كمان عشان أنساك.
لتبتعد من أمامه بخطوات سريعة، يتابعها بعيونه بحـ.ـز.ن قائلا بهمس:
ياريتنى أقدر ياليلة أنساكى، بس للأسف مينفعش، لإنك مينفعش تتنسى، إنتى مش عارفة إنتى إيه ولو فاكرة إنك ضعيفة فمعايا هتقوى، وجوة حـ.ـضـ.ـنى بس، هتلاقى إنك قدرتى على الدنيا كلها، وأنا مستحيل هسيبك، هفضل أحاول وأحاول لغاية ما في الآخر يكون إسمك جنب إسمى، ويكون حـ.ـضـ.ـنى هو ملجأك وبس، عمرى ما هيأس حتى لو إنتى يإستى، هتشوفى ياليلة، هتشوفى.
قالت شاهيناز بنبرات إمتلأت لهفة رغما عنها:
مؤيد حمد الله على السلامة، إنت جيت إمتى من السفر؟
كاد أن يضحك ساخرا، فهو يعلم أنها تعلم برجوعه بل وتبحث عنه أيضا، ولكنه قال بهدوء:
رجعت بقالى فترة صغيرة ياشاهى.
قالت بعتاب:
ومسألتش عنى؟، مش كفاية طول فترة غيابك مكلمتنيش ولا مرة، نسيت العشرة اللي كانت بينا يامؤيد؟
نظر إلى عيونها قائلا بهدوء:.
معلش ياشاهى، متزعليش، إنتى عارفة اللي كنت فيه، واللي عملته فية بـ.ـنت نصار، وأدينى أهو، جيت عشان خاطرك إنتى بس لما عرفت إنه عيد ميلاد ريم، بنوتك الحلوة، هي فين صحيح؟عايز أعايدها.
قالت شاهيناز بصوت ظهر فيه الحنق رغما عنها:
هتطلع دلوقتى على المسرح مع، مع مدرستها، اول ما هتخلص الأغنية بتاعتها هندهلها عشان تتعرف عليك، قوللى بقى، كنت مختفى فين الفترة اللي فاتت دى كلها وأخبـ.ـارك إيه؟
إبتسم مؤيد قائلا:.
هقولك ياشاهى، هقولك.
صفق الجميع حين أعلن خالد عن أغنية طفلته التي ستؤديها في الحال مع صديقتها روجينا و معلمتها جورية، ليصمت الجميع حين وقفت ريم وصديقتها مع تلك المرأة الجميلة الرقيقة بوضع مسرحى خلب لب الجميع، قبل أن يبدأ كل منهم الغناء في جو رائع، حمل إلى الجمهور نسمـ.ـا.ت ملائكية جذابة، لينـ.ـد.مج الجميع بالتصفيق المنغم على كلمـ.ـا.ت تلك الأغنية الخفيفة للأطفال
شفت الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندق.
شفت القطة الناو اكل الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندق
شفت الكـ.ـلـ.ـب الهاو عض القطة الناو اكل الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندق
شفت النار اليح حرق عصاى الآى ضـ.ـر.ب الكـ.ـلـ.ـب الهاو عض القطة الناو اكل الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندق
...
على قد ماقلت في بالى خلينى بعيد وانا مالى
وحشتنى عيونكوا وجيت علشانكو انا ايه اللي مغير حالى
ياما طلعتو عيونى وتعبت وغلبتونى.
علشان كده فجأة عملت مفاجأة وجيت ياللى وحشتونى
...
انا ايه اللي اتغير فيا حبيتكو بكل مافية
وبقيتو حياتى ياكل حياتى ياحلم سنينى الجاية
معرفش انا ليه حبيتكم وحشيتنى كتير ضحكتكم
الشوق خلانى ارجع من تانى وهبعد تانى انا ليه
إنتهت الأغنية ليصفق الجميع بحرارة، خاصة ذلك الذي أصابه سهم العشق الأخير بصوتها الملائكي الجذاب والذي إمتزج مع صوت طفلته وصديقتها، ليعزفوا سويا على أوتار قلبه.
تخضب وجه جورية بالخجل وكادت أن تغادر ذلك المسرح الصغير المعد بداخل المنزل، ولكنها توقفت وقد طالبها بعض الحضور بالغناء مجددا، شعر خالد بغيرة حارقة ولكن رفضها الرقيق أثلج قلبه، حتى ألحت عليها ريم وروجينا أن تغنى، وأمام إلحاح الصغيرتان لم تستطع جورية الرفض مجددا، لتنظر إلى عيون خالد الذي تعلق بعيونها وهي تأخذ الميكروفون، تشيح بعيونها عنه، وهي تبدأ الغناء، تغمض عيناها قبل أن ينساب صوتها الملائكي ليصمت الجميع، يستمعون لصوتها الشجي وهي تردد كلمـ.ـا.ت رائعة هانى شاكر، لتمس القلوب جميعها في تلك اللحظة بالذات.
، نسيانك صعب أكيد، ملوش غير حل وحيد.
لتفتح عيونها تستطرد في الغناء:
أبدأ من تاني حياتي وأصادف حب جديد.
لتنظر إلى عيونه في تلك اللحظة وهي تغنى قائلة:
ولو ان الحب التاني مش هيرجعلي زماني ولا هيعوض حرماني اللي في حبك بيزيد.
لتشيح بوجهها عنه، وتأخذ معها أنفاسه وهو يشعر بأنها تتحدث إليه، تخبره لأول مرة بمكنون قلبها، تستطرد قائلة:
لكن طول ما انت في بالي صورتك دايما بخيالي نسيانك صعب أكيد نسيانك صعب اكيد.
نظر فراس إلى ليلة بدوره في تلك اللحظة لتنظر إليه بدورها، تغشى عيونها الدmـ.ـو.ع قبل أن تبتعد هاربة إلى حجرتها، بينما أغمض هو عينيه بألــم، بينما تأملت لين هذا الذي يقف بجوار شاهيناز، ينظر إليها بجمود بينما تنظر هي إليه بعيون إمتلأت بالمشاعر.
ليصدح صوت جورية قائلة:
يللي معاك ابتديت اعرف كلمة هويت واعرف كلمة يا ريت وبحبك قلتها ليه عينيك خدتني ليك وبعمري معاك بقيت وبقلبي عليك ناديت أوهام صدقتها.
ليشيح مؤيد بوجهه عنها، وجورية تستطرد بصوت عـ.ـذ.ب يمتلئ بالحـ.ـز.ن:
يللي عشقتك وأتاري حبك غدر والم، قد ما كان قلبي شاري قد ما قلبك ظلم، أول قلبك ما خان خنت اللي اداك امان حاعشق غيرك عشان يمكن أنسى النـ.ـد.م، ولو ان الحب التاني مش هيرجعلي زماني ولا هيعوض حرماني اللي في حبك بيزيد، لكن طول ما انت في بالي صورتك دائما بخيالي نسيانك صعب أكيد نسيانك صعب اكيد.
لتغمض لين عيونها بألــم تخفى دmـ.ـو.ع سكنت بها، تنعى قلب تمزق الآن، تماما، بينما نظرت جورية في عيون خالد الذي تعلق بعيونها الدامعة وهي تختتم أغنيتها قائلة:
نسيانك صعب أكييييد.
ليصفق الجميع بحرارة، فأشاحت بوجهها وهي تمسح عيونها برقة تقبل الصغيرتان اللتان صفقا بسعادة ثم إحتضناها، بينما تبتسم إبتسامة باهتة لكل من جاءها يهنأها على صوتها وآدائها الرائع الملئ بالإحساس، قبل أن تتسلل بهدوء وتذهب لتقف بجانب فراس، ليمسك يدها بيده وهو يومئ لها برأسه مبتسما بهدوء، ليجز خالد على أسنانه غـ.ـيظا وتظهر الغيرة بعيونه، بينما هناك عيون تابعت زوجها ونظراته العاشقة لتلك الجورية ومؤيد ونظراته الغاضبة من لين، لتحنقها تلك النظرات الأولى وتثلج قلبها الأخيرة، لتنوى أن تفعل شيئا بخصوص الأمرين.
↚
لست ضعيفة لكنى أحمل قلبا مسالما لا يستطيع الخذلان
فكيف أتبع قلبى وأستسلم لعشق الوجدان
ومن ربانى عمرا ينكر هذا العشق بكل الكيان
هو لم يظلمنى يوما، فقط منحنى كل حنان.
فكيف برب السماء قد أخذله وأعلن راية العصيان؟
قال عزيز بتـ.ـو.تر وهو يغلق هاتفه:
روحتى فين بس ياجورى في الوقت ده؟
قالت جليلة بهدوء:
ممكن تكون نايمة، متشغلش بالك إنت.
رمقها بحدة قائلا:
ومن إمتى بتكون نايمة ومبتردش علية ياجليلة، أكيد نزلت مصر عشان حاجة في دmاغها، نزولها مصر مش مريحنى، أكيد وراه حاجة.
قالت جليلة بتـ.ـو.تر:
حاجة إيه بس؟
قال عزيز بحزم:
مش عارف، بس هعرف ياجليلة، هعرف.
إبتسم مؤيد إبتسامة حقيقية وهو يقول لريم:
كل سنة وإنتى طيبة ياريم، ما شاء الله كبرتى أوى.
قالت ريم بإبتسامة بريئة:
كل سنة وإنت طيب يا آنكل مؤيد، كنت فين من زمان، أنا سألت عنك آنطى لين وقالتلى إنك مسافر، ها، سافرت روحت فين بقى؟
كاد مؤيد أن يتحدث حين قاطعه صوت خالد الآتى من خلفه يقول بهدوء ظاهري ولكن في طياته ظهر عتاب أدركه مؤيد في نبراته وهو يقول:.
كان مسافر بـ.ـاريس في شغل ياريمو، سيبى آنكل مؤيد يرتاح شوية من أسئلتك الكتيرة دى وروحى رحبى بضيوفك.
أومأت ريم برأسها مبتسمة، بينما نظر خالد لشاهيناز الواقفة بصمت تتابع ما يحدث ليقول بهدوء:
روحى معاها ياشاهى.
أصاب الحنق شاهيناز لصرفه إياها ولكنها أومأت برأسها بهدوء، ثم نظرت إلى مؤيد قائلة:
عن إذنك يامؤيد، راجعالك تانى، متمشيش.
أومأ مؤيد برأسه يمنحها إبتسامته الخلابة بينما إختفت تلك الإبتسامة حين نظر إلى خالد لتتواجه العينان لأول مرة منذ أن إختفى خالد، ليقول خالد بهدوء:
إزيك يامؤيد.
قال مؤيد بهدوء بدوره:
أنا بخير ياخالد، حمد الله على سلامتك.
قال خالد بثبات:
أنا رجعت بقالى فترة، انت اللي لسة راجع فحمد الله على سلامتك إنت.
إبتسم مؤيد قائلا:
ياسيدى حمد الله على سلامتنا إحنا الإتنين.
قال خالد بهدوء:.
الحقيقة، أنا حابب نقعد ونتكلم يامؤيد، فيه حاجات كتير حصلت في غيابى ومش لاقيلها تفسير، ولازم أفهم منك قبل ما أتعامل على أساسها.
قال مؤيد بهدوء وهو يدرك مغزي حديث خالد:
وليه مسمعتش من الطرف التانى ياخالد، ليه عايز تسمع منى أنا؟مش معقولة هتصدقنى وتكدبها.
نظر خالد إلى مؤيد وهو يربت على كتفه قائلا:
لإن لين مرضتش تتكلم معايا عن موضوعكم يامؤيد، يعنى أنا مبكدبهاش، بس حابب أسمع منك إنت.
أطرق مؤيد برأسه قائلا بصوت حاول أن ينحى عنه ذلك الألــم الذي إستشعره خالد رغما عنه:
وليه عايز تسمع منى أنا، مش يمكن أكدب عليك؟
أبعد خالد يده عن كتف مؤيد قائلا بحزم:
أنا واثق فيك.
رفع مؤيد رأسه يواجه بها عينا خالد الذي إستطرد قائلا:.
وواثق كمان إن فيه حاجة غريبة في الموضوع، وإنت بس اللي هتقدر تقوللى على الحقيقة وتفهمنى، أنا من يوم ما رجعت وأنا مستغرب اللي حصل، ومش مستوعبه، دورت عليك كتير، لكن للأسف ملقتش ليك أي أثر، وبرجوعك النهاردة، حاسس إنى خلاص هرتاح.
نظر مؤيد إلى عمق عيون خالد وهو يقول بحزم:
وأنا هريحك ياخالد.
ليخرج من جيبه كارت منحه إياه قائلا:.
ده كارت فيه كل أرقامى الجديدة، كلمنى بكرة نحدد مكان نتقابل فيه ولما نتقابل هحكيلك كل حاجة ياخالد، هحكيلك على اللي حصل زمان واللي ناوى أعمله دلوقتى.
لتقسو عيناه وهو يقول:
بس من دلوقتى بحذرك ياخالد، مفيش حد هيقدر يقف قصادى ويمنعنى عن اللي هعمله، ولا حتى إنت.
إبتسم خالد بهدوء قائلا:
هنشوف، هنشوف يامؤيد.
أومأ مؤيد برأسه قبل أن يلتفت مغادرا الحفل ولكنه إلتفت لثانية ليرمق تلك التي كانت تقف في مكان ليس بعيد عنهم تتابع ما يحدث بقلق ظهر على ملامحها، تلك الجميلة المخادعة الصهباء، ليمنحها نظرة حملت ألــمه وغـــضــــبه ولوعته منها، قبل أن يتجه إلى خارج المنزل وتتجه هي بخطوات منكـ.ـسرة إلى حجرتها وقد غشيت عيونها الدmـ.ـو.ع.
قال فراس وهو يستمع إلى رنين هاتف جورية المتواصل:
مش هتردى عليه.
هزت جورية رأسها نفيا قائلة:
لأ، مش هينفع، هيعرف إنى خرجت وأنا مقلتلوش، هيزعل منى بجد ومش بعيد يخاصمنى وأنا مقدرش أبدا على زعله.
إنتفضت على صوته الحاد بعض الشئ يأتى من ورائها قائلا:
وياترى مين ده اللي متقدريش على زعله ياآنسة جورية؟
إلتفت إليه كل من جورية و فراس، ليجدانه واقفا يحدج جورية بنظرة قاتمة، قابضا على يده بقوة، ليكاد فراس أن يبتسم ولكنه إمتنع عن الإبتسام في اللحظة الأخيرة وجورية تقول بتـ.ـو.تر:
ده جدى.
قال خالد بشك:
وهو جدك إيه اللي هيزعله لما يعرف إنك جيتى عيد ميلاد بـ.ـنتي؟
قالت جورية بإرتباك:.
الحقيقة، إنى مقلتلوش إنى جيت من الوادى عشان أحضر حفلة عيد الميلاد وإلا كان رفض، أنا قلتله إنى جاية عشان روايتى الجديدة، فلو عرف إنى خبيت عليه أكيد هيزعل منى لإنى متعودتش أخبى عليه حاجة أو أكدب عليه، جدى عزيز مش بس بيكون جدى، ده هو اللي ربانى كمان.
عقد خالد حاجبيه وقد لفت إنتباهه إسم جدها، ليشعر بأنه يبدو مألوفا لديه، وكأنه سمع هذا الإسم كثيرا من قبل، جدى عزيز، حقا يبدو مألوفا بشكل كبير، ليقول بحيرة:
هو جدك إسمه عزيز؟
أومأت برأسها إيجابا، ليستطرد قائلا:
وليه هو اللي رباكى، أهلك راحوا فين؟
قال فراس:
مـ.ـا.توا وهي لسة صغيرة.
شعر خالد بالغـ.ـيظ لمعرفة فراس كل ما يخص جورية بينما لا يعرف عنها خالد سوى بعض الأمور الصغيرة، ولكنه نفض شعوره جانبا وهو يقول:.
ربنا يرحمهم.
قال كل من جورية وفراس في وقت واحد:
يارب.
لينظرا إلى بعضهما البعض مبتسمين، وتشتعل النيران بقلب خالد، مغتاظا من هذا الذي يستحوذ على إهتمام وتقدير إثنتان مقربتان للغاية من قلبه، ربما هم اقرب الناس إلى قلبه، يتشاركانه مع إبـ.ـنته ريم، ليلة وجورية، فالأولى أخته والثانية هي من إستطاعت دون غيرها أن تحتل تفكيره وأن تجعل خافقه أيضا يدق، يبقى فقط هذا الغموض الذي يحيط بعلاقتهما ويزداد كل يوم هو ما يحتاج لسبر أغواره قبل أن يقرر أن ينهى هذا التخبط الذي يشعر به، كاد أن يتحدث عنـ.ـد.ما قاطعته شاهيناز قائلة ببرود:.
على فكرة فيه ضيوف تانية ياخالد عايزة تشوفك وتسلم عليك، ومنهم صالح العيسوى، واللي هيمشى حالا عشان وراه ميعاد مهم.
أومأ خالد برأسه ناظرا إليها بحنق وهو يقول:
جايله حالا، إسبقينى إنتى وأنا هحصلك.
لتنظر شاهيناز إليهما بسـ ـخـــريــة قبل أن تبتعد بخطوات رشيقة، بينما حملت عيونه إعتذارا وجهه إلى جورية قائلا:
أنا آسف، مضطرة أستأذن دقايق وراجعلكوا، ياريت متمشوش.
أومأت جورية برأسها ليبتعد بدوره بخطوات واسعة، ينوى أن ينهى لقاءه على عجل كي يعود إلى جوريته ويصل اليوم لبعض الإجابات التي تقض مضجعه، بينما إبتسم فراس فور ذهابه وهو يتابعه بعينيه قائلا بتقرير:
خالد بيقع في حبك من أول وجديد ياجورى.
نظرت إليه في دهشة قائلة:
إنت بتقول إيه؟
إلتفت إليها قائلا:
بقول اللي شايفه بعينى ياجورى، خالد بيغير عليكى، وده معناه إنه فعلا بيحبك، من أول و جديد.
عقدت جورى حاجبيها قائلة:.
بيغير؟
قال فراس:
أيوة بيغير، ومش كدة وبس، حاسس كمان إنه بيفتكر حاجات من الماضى وده أكيد في صالح قصة حبكم.
قالت جورية بحـ.ـز.ن:
بس مش في صالح ريم يافراس، لو خالد حبنى من جديد زي ما إنت بتقول أو حتى إفتكر قصة الحب اللي بينا، فده معناه إنه هيطـ.ـلق شاهيناز ودى حاجة مستحيل أقبلها، مقدرش أكون أنانية وأفضل مصلحتى الشخصية على مصلحة طفلة صغيرة كل ذنبها في الحياة إن باباها محبش مامتها، وحب واحدة غيرها.
عقد فراس حاجبيه قائلا:
إنتى ناوية على إيه ياجورية؟
نظرت جورية إلى خالد الذي يقف بمكان بعيد بعض الشئ عنها، تتأمله للحظات قبل أن تقول بأسى:
ناوية أختفى من حياته، زي ما إختفى من حياتى قبل كدة، ناوية أكون ذكرى مع الأيام هينساها، بس المرة دى فراقنا هيكون للأبد.
لتنظر إلى فراس قائلة في تصميم:
للأبد يافراس.
تلفت خالد حوله يبحث عنها فلم يجدها، لقد غادرت الحفل مستغلة إنشغاله مع رجل الأعمال، صالح العيسوى، تبا له ولشاهيناز ولكل من شغله عنها، لا بأس، فليهدأ قليلا، في وقت مبكر من الغد سيذهب إلى منزلها وسيخبرها بكل ما أراد أن يخبرها إياه، نعم هذا ما سيفعله تماما، فليعد إلى ضيوفه الآن ويرحب بهم بشكل لائق، فقد كان اليوم مشغولا عنهم، بتلك الحورية الرقيقة، والتي بجوارها ينسى كل شئ، حتى إسمه.
قال عزيز بعصبية:
إنتى فين ياجورى ومبترديش على تليفونك ليه؟
قالت جورى في هدوء يخفى ذلك الحـ.ـز.ن في طيات قلبها:
أنا خلاص بركب العربية وجاية الوادى ياجدى.
عقد عزيز حاجبيه بدهشة قائلا:
دلوقتى ياجورى؟الوقت متأخر يا بـ.ـنتي.
تنهدت جورى قائلة:
خلصت كل اللي ورايا وقلت ملهاش لازمة القعدة ياجدى، وبعدين فرح علا مفاضلش عليه كتير، ويادوب نلحق نحضر للفرح.
ثم إستطردت بمزاح تبغى به ان تبعد تفكير جدها عن سبب سفرها المفاجئ:
وبعدين إنت مش عايزنى آجى ولا إيه؟ لو تحب ألف وأرجع تانى، معنديش مشاكل.
قال عزيز بلهفة:
تلفى وترجعى إيه؟تعالى علطول بس خدى بالك من الطريق، وطمنينى عليكى أول بأول، مفهوم؟
إبتسمت جورية قائلة:
متقلقش ياجدى، أنا مش هسوق بنفسى، مأجرة عربية.
قال عزيز بإرتياح:
طمنتينى، بس برده، كلمينى كل شوية.
قالت جورية:
ماشي ياجدى، سلام.
أغلقت الهاتف وهي تنظر إلى الخارج من خلال نافذة السيارة التي كلما سارت بها أبعدتها عن حب حياتها وعشقها الوحيد، خالد، لتغشى عيونها الدmـ.ـو.ع.
فركت لين وجهها بضيق قائلة:.
ما إنتى مشفتيش كان قريب منها إزاي، وكان بيبصلها وتبصله إزاي؟أنا الغيرة كانت بتنهش في قلبى، كنت عايزة أروحله وأشـ.ـده من إيده وأقوله إبعد عن العقربة دى، ملكش دعوة بيها، مش مهم ننتقم منها، المهم نكون أنا وإنت مع بعض من تانى، ويمكن يكون ده هو إنتقامنا الحقيقى منها، بس بصته لية دmرتنى، خلتنى واقفة عاجزة قصاد نار بتحرقنى، ومنيمتنيش طول الليل، وعشان كدة جيت الشغل النهاردة من بدرى، مقدرتش أفضل في البيت.
قالت سها في تعاطف:
معلش ياحبيبتى، إهدى، أنا عارفة إن الموضوع صعب عليكى، بس شوية بشوية هتتعودى، وصدقينى مؤيد هيعرف إزاي يتعامل معاها ويرجعلكم حقكم منها، ويعرف كمان هي نفذت خطتها إزاي، ولما يحقق إنتقامه ويبرد ناره، ساعتها هيهدى، وهتكون دى فرصتك، عشان ترجعيه ليكى من تانى.
نظرت إليها لين في يأس قائلة:
تفتكرى هيقبل يرجعلى من تانى؟
ربتت سها على يدها قائلة:.
دى الحاجة الوحيدة اللي أنا متأكدة منها، أي إتنين بيحبوا بعض بجد، مش ممكن حاجة تفرقهم، وحتى لو قابلتهم مطبات في الحياة فرقتهم، بيرجعوا من تانى لبعض وبيرجعوا أقوى، حبهم بيرجعهم ويقويهم، إنتى بس قولى يارب.
أغمضت لين عينيها قائلة:
يارب ياسها، يارب.
قالت لبنى بحدة:
إنتى ليه ضعيفة كدة؟إزاي قدرتى تستسلمى بالشكل ده لقرار أخوكى بإرتباطك بإبن عمك؟ واللي يمكن عايز يتجوزك بس عشان إنتى بـ.ـنت عمه ومن دmه، وأهو واحدة يكون واثق فيها وفى أخلاقها وخلاص.
غشيت عيون ليلة الدmـ.ـو.ع وهي تقول بصوت متهدج:
أنا موافقتش، أنا قلتله إنى رافضة أتجوز حد غير فراس، وإنى لو متجوزتش فراس، يبقى مش هتجوز خالص.
قالت لبنى بسـ ـخـــريــة:.
لا والله كتر خيرك، عملتى اللي عليكى، روحى عيشى زي الرهبان وإتحرمى من الراجـ.ـل الوحيد اللي قلبك دق ليه، عشان ترضى أخوكى.
سقطت دmـ.ـو.عها بغزارة وهي تقول بصوت حاد متألــم:.
عايزانى أعمل إيه يعنى؟، أعصى أخويا وأهرب وأروح أتجوز غـ.ـصـ.ـب عنه، أخويا اللي مليش غيره واللي ربانى من صغرى، أبقى أنانية وأرضى نفسى على حساب قلبه وسمعته، سمعة عيلتى كلها، لأ طبعا، أنا مستحيل أعمل كدة وإنتى عارفانى كويس، وبعدين إنتى فاكرة يعنى إنى كنت مرتاحة لما خدت قرارى بالبعد عنه، أنا قلبى بيوجـ.ـعنى وأنا بتخيل حياتى من غيره، أو بتخيله مع واحدة غيرى، ماهو مش هيترهبن هو كمان ويعيش حياته من غير جواز.
لتضع يدها على قلبها قائلة بألــم:
الفكرة بس بتو.جـ.ـعنى هنا يالبنى، بتدmرنى، ما أنا عمرى ما حبيت قبله، شريك حياتى كان دايما بطل من رواياتى، بعيش مشاعر بطلته معاه، لكن لما حبيته عرفت إن كلام الروايات ده ميجيش حاجة جنب المشاعر الحقيقية اللي ممكن قلبك يحسها ناحية واحد، الكلمة منه بس بتحييكى، ومع الأسف لا قادرة أكون معاه ولا قادرة أبعد عنه.
صمتت وهي لا تستطيع أن تتحدث من دmـ.ـو.عها وذلك الو.جـ.ـع الكبير بقلبها، لتزفر لبنى بحـ.ـز.ن، تغشى عيونها الدmـ.ـو.ع، تحاول أن تهدئ من إنفعالها وهي تدرك ألــم صديقتها ومأساتها، تدرك بقلة حيلة أن ليلة هكذا، ولن تتغير، كائن رقيق، يضحى بسعادته من أجل إسعاد الآخرين، خاصة ذلك الأخ الذي تربت على يده وأحاطها بحنانه طوال سنوات عمرها، ولكنها لا تدرى انها وفى سبيل إرضاء أخيها تفنى روحها المعـ.ـذ.بة بالفراق، لتربت على يد ليلة قائلة بحنان:.
خلاص ياليلة، إهدى، متعمليش في نفسك كدة، كل حاجة وليها حل.
قالت ليلة في حـ.ـز.ن:
إلا مشكلتى يالبنى، مش شايفة ليها أي حل، غير إن خالد يآمن بالحب ويعرف إن قلوبنا مش بإيدينا وإننا مستحيل نكون غير للى بنحبهم وبس.
زفرت لبنى قائلة:
ده حل مستحيل، ما إنتى عارفة أخوكى، عمره ما آمن بحاجة إسمها حب ويوم ما إتجوز، إتجوز البيزنس وبس.
شردت ليلة قائلة:.
الحل ده مش مستحيل أوى يالبنى، خالد لو بس نسى إنه خالد نصار صاحب شركات نصار، لو ساب قلبه على طبيعته، هيحب ويتحب من تانى وساعتها كل حاجة هتتحل.
عقدت لبنى حاجبيها قائلة:
خالد يحب ويتحب من تانى؟، هو حب أولانى؟
إبتسمت ليلة إبتسامة باهتة وهي تقول:
أيوة، ما أنا مقلتلكيش، خالد في حياة تانية كان إسمه فهد وحب جورية وجورية حبته بس مع الأسف رجع خالد ونسي جورية ونسي معاها الحب اللي قلبه حس بيه.
إزداد إنعقاد حاجبي لبنى وهي تقول:
إنتى بتقولى ألغاز على فكرة، أنا مش فاهمة حاجة.
تراجعت ليلة في مقعدها قائلة:
هفهمك يالبنى، هفهمك.
↚
يظن الجميع من حولى أن سعادتى تغمرنى، وأنها سعادة تكفينى عمرا
يقولون ياليتنا مثلها لا نبكى، لا نحـ.ـز.ن، لا نـ.ـد.مع، لا يمسنا قهرا
لا ألومهم، فتلك صورتي التي جعلتها لى عنوانا، وتلك حالتى التي أردتها لى إسما
فداخلى جراحا وشقوقا خفت أن تبعد الناس عنى فأغدو وحيدة، لأغرق في أحزانى ألــما
فإذا بك ترى ما خلف أقنعتى، تطلب منى أن أزيلها وأشاركك حقيقتى، وتأخذ منى قسما.
أن أتقاسم معك دواخلى، أحزانى قبل أفراحى، وأن تكون لى وتدا
وقد فعلت، تنازلت عن كل الأقنعة، واكتفيت بحقيقتى أتقاسم معك كل شئ شطرا شطرا
ومنذ أن فعلت هجر الكمد مضاجعى، انحسرت مرارة دواخلى، ولم يبقى بى سوى قلب يذوب بك عشقا
فهنيئا لإمرأة برجل لا يكتفى بما تظهره له، بل يصل إلى روحها، يبث فيها من روحه فيجنى عشقها ثمرا.
قالت سها بحـ.ـز.ن:
طب وبعدين يانبيل، هنفضل سايبينهم كدة، بيتعـ.ـذ.بوا وإحنا واقفين بـ.ـنتفرج ومبنعملش حاجة.
زفر نبيل قائلا:
وإحنا في إيدينا إيه نعمله؟اللي بينهم مش قليل ومش سهل يتنسى، محتاج وقت وحاجات كتير عشان يرجع زي الأول ومعتقدش كمان إن فيه حاجة ممكن ترجع بينهم زي الأول.
قالت سها في حماس:
لأ ممكن، لو بس يدوا نفسهم فرصة، الإتنين بيحبوا بعض، ومادام الحب موجود يبقى كل شئ سهل يرجع، أنا واثقة.
أشعله حماسها وعيونها اللامعة ليتأمل ملامحها بشغف، جعل حمرة الخجل تتسلل إلى وجهها، إبتسم فأطرقت برأسها لترفعها مجددا حين همس بإسمها، إلتقت عيناها بعينيه، لا تحيد بنظراتها عنه، تنجذب إلى عينيه بشـ.ـدة، تغوص في أعماقهما، تشعر بمشاعرهما العميقة، ليقول هو بنبرات إمتلأت بعشقها:
وإحنا ياسها، نهاية حكايتنا إيه؟
قالت في حيرة:
حكايتنا.
إتسعت إبتسامته وهو يقول:
وهو إحنا مش لينا حكاية زي مؤيد ولين ولا إيه؟
قالت سها بإرتباك:
مش عارفة، أقصد يعنى...
صمتت لا تدرى بماذا تجيبه، ليمد يده يمسك يدها القابعة على الطاولة لتنتفض من لمسته الرقيقة وكلمـ.ـا.ته وهو يقول:
إنتى أكيد حاسة إن جوايا مشاعر ليكى زي ما أنا حاسس بيكى، وبصراحة مش عايز أضيع وقت، وأخسرك، أنا بحبك بجد، وبتمنى تشاركينى حياتى ياسها.
نظرت إليه سها تشعر بالصدmة تهز كيانها، نبيل يطلب الزواج منها، منها هي، تلك الفتاة العادية والتي تفتقر إلى الكثير مما يمكن أن يلفت إنتباه أي رجل، فهي ذات ملامح عادية بسيطة، لتترجم أفكارها إلى كلمـ.ـا.ت وهي تسحب يدها من يده، تقول بحـ.ـز.ن:
بس أنا مش شبه البنات يانبيل ولا بتصرف زيهم، أنا...
أمسك يدها مجددا مقاطعا إياها وهو يقول بحزم:.
إنتى مميزة أوى في نظرى ياسها، إنتى غير كل البنات اللي عرفتهم، جواكى جمال بيبان في ملامحك من برة، طيبة وإخلاص بقوا عملة نادرة في الزمن ده، عقل وطيبة وأخلاق، مزيج خطير شـ.ـدنى ليكى، إنتى بالنسبة لى سندريلا، اللي خـ.ـطـ.ـفت قلبى من أول طلة ليها، وسابتنى ومشيت من غير ماأعرف أي حاجة عنها غير إنى حابب أشوفها من تانى وأعرفها عن قرب ولما لقيتك وقربت منك، عرفت إن إختيارى كان في محله، وأنا مصمم، مصمم إنى مسيبكيش تضيعى من إيدى.
نظرت إلى عيونه تشعر بالضياع بين كلمـ.ـا.ته الساحرة، تود لو صدقته وتركت الخــــوف جانبا، القلق الذي عاشته طوال حياتها من أنه لا يوجد من سيتفهمها ويحبها كما هي لا يغير منها شيئا، يسبر أغوار قلبها ويدرك أنها تملك قلبا من ذهب، قلب فتاة رائعة لن يدرك روعته سوى من سيراه حقا من الداخل، ولكنه قلق عاش معها لسنوات طويلة ومن الصعب أن تتخلى عنه بسهولة ليظهر التردد على ملامحها فيراه نبيل ويدرك فيم تفكر لذا عنـ.ـد.ما قالت:.
نبيل أنا...
قاطعها قائلا بحزم:
إنتى بتحبينى وأنا كمان بحبك، إبعدى كل الخــــوف اللي جواكى وإدينا فرصة وأنا أوعدك إنك متنـ.ـد.ميش.
تأملت ملامحه التي تنطق بالثقة، لتنتقل ثقته إليها وتتسلل البسمة إلى شفتيها، ليبتسم بدوره قائلا:
اللهم صل على النبى، نقول مبروك.
إتسعت إبتسامتها وهي تسحب يدها في خجل قائلة:
عليه الصلاة والسلام.
إتسعت إبتسامة نبيل قائلا في لهفة:
أنا هكلم عمى في البلد عشان ييجى ونخطبك من أهلك.
قالت سها بسرعة:
لأ يانبيل متستعجلش.
عقد حاجبيه وهو ينظر إليها، لتستطرد قائلة بسرعة:
متفهمنيش غلط، أنا موافقة بجد ولو علية هقولك تعالى النهاردة إنت وعمك عشان تخطبونى من أهلى، بس فرحتى مش هتبقى كاملة طول ما صاحبتى متعـ.ـذ.بة بالشكل ده، وإنت كمان أعتقد إنك مش هتفرح وصاحبك في الحالة دى، وأكيد هتكون حابب يكون جنبك في يوم زي ده، أنا بقول نستنى شوية لحد...
تركت جملتها معلقة ليقول نبيل بحنق:.
إنتى كدة راهنة سعادتنا بسعادتهم ياسها، والله أعلم إمتى هيرجعوا لبعض، ده إن رجعوا أصلا.
ربتت على يده قائلة:
خلى عندك ثقة في الحب اللي هيجمعهم من جديد، وخلى عندك ثقة في إن ربنا مش هيسيب قصة زي قصتهم تكون نهايتها بالشكل ده، ومتنساش إن هم اللي جمعونا.
ربت بيده الاخرى على يدها التي تضعها على يده، وهو يقول:
ونعم بالله.
أبعدت يدها بخجل قائلة:.
أظن دلوقتى فيه دافع أكبر من الصداقة يحركنا عشان نساعدهم يرجعوا لبعض ولا إيه؟
إبتسم بحب وهو يومئ برأسه موافقا على كلمـ.ـا.تها، تماما.
نهض فراس يستقبل زائره بحيرة تملأ قلبه ولكنها لم تظهر أبدا على ملامحه وهو يقول بهدوء:
أهلا وسهلا ياخالد بيه، إتفضل.
إقترب خالد بخطوات واسعة من مكتب فراس حتى توقف أمامه تماما، قائلا بحزم:
جورية فين يافراس؟
إبتسم فراس بداخله ولكنه أخفى إبتسامة ثغره والتي كادت أن تظهر، فقد راهن نفسه على أن خالد سيبحث عن جورية في اليوم التالى من الحفل الذي ظهر فيه مستسلما لمشاعره تماما، ربما لأول مرة، ليقول فراس بهدوء:
جورية سافرت ياخالد.
عقد خالد حاجبيه قائلا:
سافرت إمتى؟
جلس فراس مشيرا له بالجلوس وهو يقول:
إنبـ.ـارح بالليل.
ظل خالد واقفا وهو يقول بحيرة:
علطول كدة.
قال فراس بهدوء:.
جورية بتمر بمرحلة نفسية مش كويسة خالص ياخالد، بتحاول تهرب من مشاعرها وماضيها في المكان اللي إتولدت فيه حكايتها أصلا، بس غـ.ـصـ.ـب عنها مش قادرة تكون في مكان تانى.
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو يقول:
ليه حاسس إنك تقصد حاجة بكلامك ده يافراس؟
إبتسم فراس نصف إبتسامة وهو يميل للأمام قائلا:
لإنى أقصد فعلا.
قال خالد ببرود:
ما تجيب من الآخر وتقول اللي عندك، تعرف إيه عن ماضى جورية ومشاعرها، وتعرف إيه عن اللي بيحصل مابينا؟
تراجع فراس في مقعده قائلا:
الحقيقة كان نفسى، بس الكلام ده يخص واحدة آمنتنى على سرها وأنا أد الأمانة بإذن الله.
رمقه خالد ببرود يخفى حنقه من فراس وما يحمله من أسرارها، ألهذه الدرجة يبدو قريبا منها؟تبا كم يـ.ـؤ.لمه ذلك، ويثير غيرته، ليقول بهدوء:
طيب يابير الأسرار ممكن تقولى على عنوانها، عنوان جدها يعنى.
نظر إليه فراس قائلا:.
والله هي موصيانى كمان إنى مقولش لحد عليه، بس أنا ممكن أقولهولك لو وعدتنى تعيد حساباتك في موضوعى أنا وليلة، وتوافق على إرتباطنا.
ظهرت الصرامة على وجه خالد وهو يرمقه بغـــضــــب قائلا:
أنا عمرى ما خليت حياتى الشخصية قصاد حياة إخواتى، ومش هبدأ دلوقتى، أنا مستحيل أساوم في الموضوع ده، إخواتى خط أحمر يافراس.
ليتركه مغادرا بخطوات غاضبة ليتوقف حين إستمع إلى صوت فراس يهتف بإسمه، إلتفت ينظر إليه في برود، ليبتسم فراس قائلا:
أنا كنت محتاج بس أتأكد إنك تستاهل جورية، وتستاهل كمان إخلاص ليلة اللي رافضة تخون ثقتك فيها، لو كنت وافقت ياخالد، كان تصرفى هيكون شكل تانى خالص، مش بعيد كنت إتجوزتها غـ.ـصـ.ـب عنك، إنما دلوقتى هحترم قراركم إنتوا الإتنين، وهستنى اليوم اللي تغير فيه رأيك، وتدينى فرصة.
ليمد يده إليه بورقة قائلا:.
العنوان أهو، أنا كنت محضرهولك.
نظر إليه خالد لثوان قبل أن يقترب منه ليأخذ منه الورقة، ليبتسم فراس قائلا:
بس متنكرش إنها كانت محاولة كويسة، صح؟
إبتسم خالد رغما عنه وهو يضع الورقة في جيبه قائلا:
سلام يافراس.
إتسعت إبتسامة فراس قائلا:
سلام ياخالد.
إبتعد خالد مغادرا، بينما يتابعه فراس بعينيه، يدرك أن خالد في طريقه لأن يؤمن بأن العشق عنـ.ـد.ما يمتلك القلب، يجبر صاحبه على فعل المستحيل ليكون فقط إلى جوار محبوبته، فقط إلى جوارها.
قال خالد بهدوء:
مع الأسف يامؤيد، سفرية مفاجئة ومش هعرف أقابلك النهاردة، هنأجل الميعاد لغاية ما أرجع من السفر.
قال مؤيد بهدوء:
تمام ياخالد، تروح وترجع بالسلامة.
ثم أغلق هاتفه وهو يشعر بالإرتياح لما يحدث، فربما جاءت مقابلته اليوم مع خالد بما يثنيه عن إنتقامه، والذي لن يستطيع أحد أن يحول بينه وبين القيام به سوى خالد فقط الذي يكن له في قلبه كل الود والإحترام، يدرك من كل قلبه أن رجلا مثله لا يستأهل تلك المرأة الحية الخائنة، وسيعمل على إزالتها من حياته وحياة الجميع، بل سيعمل على إزالتها من الدنيا إن إقتضى الأمر ذلك، نعم سيفعل.
كانت شاهيناز تجلس شاردة، تفكر في رحيل مؤيد السريع بالأمس، تتساءل بحيرة عما أخبره به خالد قبل ان يذهب، فربما ظهرا كصديقين بالأمس حين كانت تراقبهما ولكنها تعلم أن خالد حانق على مؤيد لتطليقه لين في غيابه ودون أن ينتظر عودته، حتى وإن طلبت هي ذلك، فقد كان الأولى به أن ينتظر عودته فربما أصلح بينهما ولم يصل بهم الأمر إلى الطـ.ـلا.ق، وهذا بالضبط ما أرادته شاهيناز، تدرك بالفعل أن غياب خالد قد ساعدها في تفرقتهم عن بعضهم البعض، فلو كان موجودا لإستطاع تدmير خطتها بالكامل، أفاقت من شرودها على صوت ريم وهي تمنحها هاتفها قائلة بملل:.
أنا زهقت يامامى من اللعبة دى، خدى الفون بتاعك وأنا هروح ألعب مع آنطى ليلة، أكيد رجعت من الجامعة دلوقتى.
ربتت شاهيناز على رأسها بحنان قائلة:
ماشي ياريم، روحى لليلة.
غادرت ريم الحجرة تتابعها شاهيناز بعينيها، قبل أن تنظر إلى هاتفها، لتلتمع تلك العيون وهي تسرع بطلب رقم هاتفه، ليرد عليها على الفور، فإبتسمت قائلة:
إزيك يامؤيد.
أجابها، فأمسكت خصلة من شعرها لفتها على يدها قائلة:
معقولة مش عارف صوتى؟
إستمعت إليه وهي تبتسم قائلة:
أيوة شاهى.
لتعتدل وهي تستطرد قائلة:
بقولك إيه، خالد سافر وأنا مروحتش الشغل النهاردة ومليت من قعدة البيت، إيه رأيك نخرج نتعشى برة؟
إستمعت إليه فإلتمعت عيونها وهي تقول:
تمام، ساعة بالظبط وهكون هناك، أيوة أيوة عارفاه، سلام.
لتغلق هاتفها وهي تنهض بسرعة تستعد لمقابلته، تشعر بالسعادة وكأنها عادت مراهقة من جديد، وياله من شعور.
كان خالد يقود سيارته متجها إلى الوادى بذهن شارد، ليست تلك هي المرة الأولى التي يرى فيها هذا الطريق، يكاد يقسم على ذلك، فهو يبدو مألوفا لديه إلى حد كبير، يكاد يجن وهو يدرك أيضا أنه لم يسافر أبدا إلى هذا المكان أبدا، ولم يزر الوادى مطلقا في حياته، إذا لماذا إنعطف من ذلك الطريق قبل أن يرى تلك اللافتة التي ترشـ.ـده بالإنعطاف تجاه اليمين كي يصل إلى الوادى؟ولماذا يشعر في كيانه بأنه كان هنا من قبل؟ترى هل من الممكن ان يكون هذا المكان من أحلامه أيضا؟إنه حقا لا يدرى، شعر بالإرهاق من كثرة التفكير، يعاوده ذلك الصداع المؤلم من جديد، ليقرر تنحية كل التساؤلات جانبا حتى يصل إليها، إلى من يثق بأنها ستجيب عن كل تساؤلاته وتريح قلبه وعقله، فبداخله شعور أنها وحدها من تملك جميع الإجابات، هي دون غيرها، جورية.
كانت جورية تمسك بقلمها ترسم لوحة لهذا المنظر أمامها، تتأمل قرص الشمس الأحمر وتلك الأرض البعيدة تبتلعه ببطئ، تخفيه عن ناظريها، وكأنه أبدا لم يكن، تماما كعشقها الذي إبتلعته بقعة النسيان، فإختفى ببطئ من حياتها وحياة فهدها، ليظل ظلا باهتا لا أمل فيه ومآله إلى زوال، ولكن مع إختلاف بسيط فالشمس ستشرق من جديد تلقى بأشعتها على تلك الأرض الجرداء، ولكن عشقهما لن يسطع مجددا في سماءها ينير أرض قلبها التي أصابتها ظلماء نسيانه، بل يوما ما سيزول ويختفى ليتحول قلبها إلى عتمة لا نهاية لها، تركت قلمها فلم تعد ترغب في رسم هذه اللوحة والتي ستذكرها دائما بقصة عشق بلا أمل، تبا، وما الشئ هنا الذي لا يذكرها بعشقها، الأرض، الهواء، الماء، كل شئ ينبض بإسمه، بذكرياتها معه، هذا الوادى بأكمله يحمل عبقه، جاءت إليه تبغى هربا من حبيبها، تبغى نسيانا لعشقه، فما زادها هذا الوادى سوى تذكيرا به وبقصتهما معا، لتزفر بقوة، لا تدرى ماذا تفعل؟
رن هاتفها، لترى رقم خالتها جليلة، أخذت نفسا عميقا، ثم أجابت هاتفها قائلة:
أيوة ياخالتى، عارفة إنى إتأخرت وجاي...
ليقاطعها صوت جليلة وهي تقول بجزع:
فهد هنا ياجورية، وبيسأل عنك.
إعتلت الصدmة ملامح جورية وهي تضغط بأصابعها على سماعة الهاتف بقوة وخالتها جليلة تستطرد قائلة بإضطراب شـ.ـديد:
تعالى بسرعة قبل ما جدك ييجى ويشوفه وتبقى مصيبة.
قالت جورية بتـ.ـو.تر وهي تفيق من صدmتها:
جاية حالا، مسافة السكة.
لتغلق هاتفها على الفور وتلملم أشيائها بسرعة وتصعد إلى مهرة، توكزها بقدmها قائلة:
على البيت يامهرة وبأسرع حاجة عندك.
وكأن الفرسة قد أحست بصاحبتها لتنطلق مهرة بسرعة، تسابق الريح، توصل جورية إلى حيث ينتظرها خالد، لا تدرى ما الذي ستفعله معه حين تصل وكيف ستشرح الأمر لجدها وتتفادى أن يعرف خالد بقصتهما سويا، تدعوا الله فقط ان تصل في الوقت المناسب قبل أن يكتشف جدها وفهدها كل ما أخفته عنهما سويا.
إقتربت شاهيناز من تلك الطاولة التي يجلس عليها مؤيد كما عهدته بالماضى، مسترخيا، ينظر إلى محيطه بسـ ـخـــريــة وكأنه لا يأبه بهم، بل إنه حقا لا يهتم لأمرهم، يهتم بنفسه فقط، برغباته وأمنياته التي يضعها قيد التنفيذ، ولا شئ، لا شئ مطلقا يحول دون أن يلبى تلك الرغبات ويحقق تلك الأمنيات، هكذا عشقته، جامحا، رائعا، لا مثيل له في كل من عرفت قبله، حتى قابل لين، ليتحول إلى حمل وديع، كرهت ما فعلته به تلك المرأة الغـ.ـبـ.ـية، والتي لم تقدر قيمة هذا الكنز الثمين حين كان بيدها وتركته هكذا بسهولة يضيع من يدها، لو مكانها ما تركته قط بل لأصبحت له كظله تماما، لا تفارقه سوى بالمـ.ـو.ت، وقعت عيناه عليها في تلك اللحظة، لتبتسم مرحبة به فبادلها إبتسامتها ناهضا من مكانه لإستقبالها، توقفت أمامه تماما فمد لها يده لتمد له يدها تسلم عليه، ضغط على يدها برقة وهو يرفعها إلى فمه يلثمها، لتتسع إبتسامتها وهو يعتدل قائلا بجاذبية طاغية:.
إتأخرتى علية، بس جمالك يشفعلك عندى ويخلينى أديلك ألف عذر.
جلست تضع قدmا فوق الأخرى قائلة بدلال:
طول عمرك مجامل يامؤيد، وبتعرف تسكتنى بكلامك.
جلس مؤيد بدوره وهو يقول:
أنا مش بجاملك وإنتى عارفة إنتى أد إيه جميلة، فبلاش تواضع، مش لايق عليكى على فكرة.
إبتسمت وهي تخرج من حقيبتها علبة سجائرها، تخرج منها سيجارة، وتضعها في فمها، ليسرع مؤيد بإشعالها بقداحته، لتأخذ نفسا عميقا ثم تطلقه قائلة بهدوء:.
أنا عارفة فعلا إنى جميلة بس جمالى ده مفرقش معاك زمان يامؤيد، إيه اللي إختلف دلوقتى؟
مال إلى الأمام قائلا وهو يشير إلى نفسه:
اللي إختلف أنا ياشاهى، مؤيد مبقاش مؤيد بتاع زمان، بعد اللي عملته فية بـ.ـنت نصار، قررت أرجع زي زمان، أفكر في نفسى وبس، وقررت كمان إنى أطبق المثل، خد اللي بيحبك ومتاخدش اللي بتحبه، وأنا عارف إنك أكتر واحدة حبيتنى ياشاهى.
نظرت إليه شاهيناز وقد إلتمعت عيناها بلهفة ولكنها مالبثت أن تمالكت نفسها وهي تقول:
بس أنا دلوقتى ست متجوزة.
إبتسم مؤيد قائلا في سـ ـخـــريــة:
بس مبتحبيش جوزك، ومبتلمعش عنيكى ليه زي ما بتلمع لما تبصيلى ياشاهى.
تراجعت شاهيناز في مقعدها قائلة:
وإفرض، هتفرق في إيه دلوقت؟
قال مؤيد بهدوء:
هتفرق كتير صدقينى ياشاهى، لو بجد بتحبينى هبيع الدنيا كلها وأشتريكى وهتحدى الكل عشان تكونى معايا.
قالت شاهيناز بهدوء يخالف دقات قلبها المتسارعة فرحا:
وخالد، ولين، هنعمل معاهم إيه يامؤيد؟
قال مؤيد بغموض:
دول سيبيهم علية، هقدر عليهم وبسهولة، إنتى نسيتى أنا مين؟
قالت شاهيناز بجدية:
منستش يامؤيد، بس إنت اللي ناسى إحنا بـ.ـنتكلم عن مين، ده خالد نصار برده.
إبتسم بسـ ـخـــريــة قائلا:.
وأنا مؤيد الحسينى ياشاهيناز، الظاهر إنك فعلا نسيتى أنا مين وأقدر أعمل إيه، عموما لو مش عايزانى فخلاص قعدتنا دى ملهاش لازمة وإعتبريها محصلتش، عن إذنك، انا مضطر أمشى لإنى معنديش وقت أضيعه على الفاضى.
ونهض ينوى المغادرة حين إستوقفته بيدها التي أمسكت ذراعه قائلة:
إستنى رايح فين، أنا مقلتش إنى مش عايزاك.
نظر إليها قائلا ببرود:
ومقلتيش كمان إنك عايزانى.
إبتسمت قائلة:.
هقولها يامؤيد، عايزاك طبعا، أنا عمرى ما حبيت ولا هحب غيرك.
إبتسم بإنتصار وهو يجلس مجددا قائلا:
حلو أوى، كدة بقى أقعد عشان نعرف نتكلم.
قالت شاهيناز في حيرة:
هنتكلم في إيه؟
إتسعت إبتسامته قائلا:
نتكلم عن مستقبلنا طبعا ياحبيبتى.
إبتسمت بسعادة وهي تسمع مؤيد يدعوها بحبيبته، بل ويتحدث عن مستقبل يجمعهما، لتنصت إليه بكل حماس وشغف، وعشق.
↚
أحقا قد أنساك و أنسى ملامحك
و داخل قلبي نقشت كل تفاصيلك
أي واد هذا الذي يحوي ذكرياتك
أودعها لتغرق عسى أضمد جراحك
كيف و داخل عيني أحاطت سراياك
تقيدني لأرى في كل رمش آهاتك
أتعيش روح لست لها تبكي غيابك
و يظل قلب لست سيده ينبض حبك
كيف أسحق إحساسا بات حبيسك
كيف أدفن حبا إختار أن يبقى قتيلك
تائهة أنا و بقايا أيام في واد نسيانك
بقلم، نور محمد.
كان خالد يمسك ألبوما للصور يقلب في صفحاته وهو يعقد حاجبيه بشـ.ـدة، حين دخلت جورية إلى المنزل لتراه يطالع ألبوم الصور الخاص بها، دق قلبها بعنف، فهناك في آخر هذا الألبوم توجد صورة له معها ومع جدها، تخشى في تلك اللحظة أن يراها ويسأل عنها، لاتدرى بأي شئ ستجيبه، لتتقدm منه بسرعة وتقف خلفه تماما، تقول بتـ.ـو.تر:
أستاذ خالد.
إلتفت إليها خالد ينظر إلى عمق عينيها وهو يرفع الألبوم أمامها قائلا:.
هو أنا ليه متأكد إنى كنت في المكان ده قبل كدة، وليه متأكد إنى شفت الصور دى كمان قبل كدة، لدرجة إنى عارف إنى لو قلبت الصورة دى هلاقى صورتك في جنينة بتضحكى وإنتى رافعة إيديكى للسما.
قال جملته الأخيرة وهو يقرن قوله بقلب الصفحة في الألبوم بالفعل لتظهر صورتها التي تحدث عنها، توقف قلبها تماما وهي لا تدرى ماذا تقول، ليعاود النبض، وخالد يقول بحيرة:.
جوري، عشان خاطرى ريحينى، عـ.ـر.فينى إيه اللي بيحصل معايا، أنا قربت أتجنن.
ظلت صامتة تتطلع إليه بإضطراب، ليقلب خالد تلك الصفحة الأخيرة من الألبوم، وتغمض جورية عيونها، تدرك أنه على وشك أن يطالبها بتفسير عن تلك الصورة التي ما إن رآها حتى إتسعت عيناه بشـ.ـدة، ففى تلك الصورة يظهر هو بها واقفا بجانب جورية ورجل عجوز تبدو ملامحه مألوفة، لينظر إلى جورية التي فتحت عينيها، تنظر إليه بقلة حيلة، ليعقد حاجبيه بقسوة، يطالب إياها بتفسير فورى لكل تساؤلاته التي تدور في عقله الآن وتكاد تصيبه بالجنون.
كانت ليلة تتجه إلى سيارتها مطرقة الرأس بحـ.ـز.ن وما إن إقتربت منها حتى رفعت عينيها لتتجمد تماما، وهي ترى محور أفكارها متجسدا أمامها، فراس، يطالعها بحنان، يقترب منها ببطئ حتى توقف أمامها، يبتسم قائلا:
وحشتينى.
تأملت عيونه التي تشعر دائما بالغرق فيهما، قائلة بحـ.ـز.ن إمتنزج بشوق مرتسم في عينيها الجميلتين:
إيه اللي جابك هنا يافراس؟
نظر فراس إلى عينيها قائلا:.
زي ما قلتلك وحشتينى فلقيت رجلية جايبانى على المكان الوحيد اللي عارف إنى ممكن أشوفك فيه.
قالت ليلة بحـ.ـز.ن:
إحنا مش إنتهينا من الموضوع ده يافراس، ليه مصمم تقلب في اللي فات، إنسانى يافراس، إنسانى وعيش حياتك بعيد عنى، ريحنى وريح نفسك، أنا مبقتش قادرة أستحمل صدقنى.
أمسك فراس يدها قائلا:
مش هنرتاح وكل واحد فينا بعيد عن التانى، صدقينى، إحنا قدرنا واحد، ومحدش فينا ممكن يبعد عن التانى مهما حاول.
أحست ليلة بالضعف يغمرها، تدرك أنه على حق، ولكن...
قاطع فراس أفكارها قائلا:
متفكريش كتير، إمشى ورا قلبك وبس، وإن كان على خالد فأنا هقنعه، أوعدك إنك مش هتكونى لية غير برضا أخوكى بس عشان خاطرى متحرمنيش منك، متبعدنيش عنك، أنا مش هقدر أتحمل مشوفكيش أو مسمعش صوتك من تانى.
نظرت ليلة إلى عيونه المتوسلة إليها أن لا ترفض طلبه، ليرق قلبها له رغما عنها، فقد وعدها بأن تكون له وأن يحصل على موافقة خالد وهي تثق به كلية، لتبتسم برقة ومع إبتسامتها عادت روحه إليه، ليبتسم بدوره ولكن تلك الإبتسامة مالبثت أن زالت على الفور عنـ.ـد.ما سمع صوت ساخر يقول من خلفه:
إحنا في جامعة على فكرة مش في كافيتريا للعشاق.
إلتفت فراس ليطالع رجل في أوائل الثلاثينات من عمره لم يرتح لملامحه ونظراته على الإطـ.ـلا.ق، أدرك أن ليلة لا تستسيغه من رعشة يدها في يده قبل محاولتها أن تترك يده، ليتمسك بيدها وهو يرمق هذا الرجل بحدة قائلا:
وحضرتك تبقى مين بقى؟
قال الرجل بسـ ـخـــريــة:
دكتور وليد، وبشتغل هنا في الجامعة، انت بقى تبقى مين، وموجود في الجامعة بصفتك إيه؟، أظن إنك مش طالب ولا حتى دكتور زميل.
قال فراس بسـ ـخـــريــة:.
مش فاهم يعنى حضرتك دكتور هنا ولا حارس أمن؟
قال وليد بإستنكار:
دكتور طبعا، ما أنا قلتلك.
قال فراس:
وهو شغل الدكاترة بقى متابعة الطلاب برة السيكشن، ولا ده شغل حراس الأمن؟بتهيألى إنت متلخبط في مهامك الوظيفية.
نظر إليه وليد بغـــضــــب قائلا:
إنت مين إنت عشان تعرفنى مهامى الوظيفية، وموجود هنا في الجامعة بصفتك إيه؟ما ترد؟
قالت ليلة بتـ.ـو.تر وهي تشعر بألــم كبير يجتاحها:
يلا بينا نمشى يافراس.
نظر فراس إليها مشيرا لها بالصمت وهو يعود بعينيه إلى وليد قائلا في برود:
أنا خطيب ليلة، عندك مانع؟
قال وليد بسـ ـخـــريــة:
اللي أعرفه إن إسم خطيبها سمير، ميكونش إسمك سمير وفراس ده إسم الشهرة؟
ترك فراس يد ليلة وقد إنتفخت أوداجه غـــضــــبا ينوى أن يلقن هذا الوليد درسا، فلا أحد يستهزئ بفراس حمدان مهما كان، لتمسك ليلة بذراعه وهي تقول بإضطراب وخشية عليه أقوى من ذلك الألــم الذي يزداد في كل أنحاء جسدها:.
عشان خاطرى يافراس سيبك منه وتعالى بينا نمشى من هنا، هو ده اللي عايزه، يعمل مشكلة وفـ.ـضـ.ـيحة ويكبر الموضوع.
قال وليد بسـ ـخـــريــة:
وهو انا لسة هعمل فـ.ـضـ.ـيحة، ما الفـ.ـضـ.ـيحة موجودة أصلا، ولا إنتى مش حاسة بنفسك؟
قال فراس بغـــضــــب:
لأ ده إنت قليل الأدب بقى وعايز تتربى.
ليقترب منه يلكمه في وجهه بقوة ليرتد وليد إلى الخلف ويسقط على الأرض، كاد فراس أن يجهز عليه، ولكن ندائها بإسمه وذلك الضعف في نبراتها أجبراه على الإلتفات إليه ليراها تسقط أرضا مغشيا عليها ليسرع إليها، يرفع رأسها من على الأرض يربت على وجنتها بخفة وهو ينادى عليها بصوت إمتلأ بالجزع، فلم تستجب له وقد شحب وجهها بشـ.ـدة، ليحملها بسرعة ويتجه بها إلى سيارته يدخلها إليها بسرعة ثم يجلس خلف المقود يسرع بسيارته إلى أقرب مستشفى، وقلبه ينتفض رعـ.ـبا على تلك القابعة بجواره، غائبة عن الوعي كلية، وشاحبة كالمـ.ـو.تى.
قال خالد في حدة:
إتكلمى ياجورى، ساكتة ليه، أنا إزاي موجود معاكم في الصورة دى؟
رفعت رأسها تنظر إلى عيونه قائلة بثبات:
اللي معانا في الصورة ده مش إنت؟ده، ده فهد، حبيبى وخطيبى.
شعر بغصة في قلبه وهي تطلق على رجل آخر لفظ التحبب، هي مرتبطة بغيره، تبا، كم يـ.ـؤ.لمه ذلك، ولكن مهلا غيره يشبهه تماما، بل يكاد يكون هو، لولا هذا اللباس الذي يختلف تماما عن لباسه وهذا الوجه الذي يمتلئ بالسعادة ويعبر عن قلب راض سعيد وهذا بعيد عنه أيضا، فقلبه يرزخ تحت أطنان من الأحزان والأعباء التي تمنعه من أن يعيش تلك السعادة التي لطالما تمناها، إلى جانب أن إسم هذا الرجل، فهد، قد سمعه في أحلامه ومنها هي أيضا، فما الذي يعنيه هذا بحق السماء؟
أفاق من أفكاره على صوتها يقول بهدوء:
دلوقتى ياريت ياخالد تمشى عشان جدى قرب ييجى ولو شافك هنا هيعملى مشكلة بجد.
تجاهل كلمـ.ـا.تها وهو يسألها قائلا بحزم:
وفهد ده فين دلوقتى ياجورى؟مشفتوش معاكى يعنى.
نظرت إلى عيونه قائلة بحـ.ـز.ن ظهر بهما رغما عنها:
عشان مسافر، مسافر ياخالد، إرتحت، من فضلك بقى إمشى.
إقترب منها يمسكها من كتفيها يقترب بوجهه من وجهها قائلا:.
ليه حاسس إنك بتكدبى علية وإنك مخبية عنى حاجة، ليه كل حاجة تخصك بحسها تخصنى، ريحينى وقوليلى ليه من يوم ما عرفتك وأنا حاسس إنى عشت معاكى كل حاجة رفضت أعيشها زمان، كل حاجة بطلت آآمن بوجودها، ليه حاسس دلوقتى وإنتى بين إيدية بإنك لازم تكونى في حـ.ـضـ.ـنى عشان أنا فهد حبيبك وإنتى جورى حبيبتى، تمام زي الأحلام اللي عشتها قبل ما أشوفك، تفسرى بإيه ده كله؟
أحست جورى بالضعف يكتنفها، كادت أن تخبره بالحقيقة كاملة، كادت أن تبوح بمكنون قلبها خاصة وهي تشعر به قريبا منها هكذا ربما لأول مرة منذ سفره، تود لو إرتمت في حـ.ـضـ.ـنه الآن ضاربة بكل ما يحول بينهما عرض الحائط، ولكنها منعت نفسها في اللحظة الأخيرة، وصورة ريم تظهر أمام عينيها، لتقول بثبات:.
إنت صح، فهد ما سافرش، فهد مـ.ـا.ت، مـ.ـا.ت ياخالد، واللي شفته وبتحسه، أحلام زي ما قلت، إزاي حصلت، معرفش، ممكن يكون تناسخ أرواح، ممكن يكون أي حاجة تانية، متدورش على إجابات عندى لإنى معنديش أي إجابات ممكن أديهالك، معنديش غير نصيحة واحدة ليك، إبعد عنى ياخالد، إبعد وإنسانى، مراتك وبـ.ـنتك أحق بوقتك وبمشاعرك منى.
تأمل عينيها للحظات، يقاوم شعوره الذي يجبره على تجاهل كل كلمـ.ـا.تها، بل رفضها كلية وفقط غمرها بين ذراعيه، يمرغ وجهه في خصلاتها، يشبع رغبته الحارقة بأن يشعر بالحب لأول مرة في حياته، فطوال حياته قد حرم منه حتى أنكره، ولكنه إبتعد عنها، قائلا:.
أنا مش همشى ومش هتقدرى تبعدينى ياجورى غير لما أوصل لحقيقة اللي بيحصل معايا، عشان أرجع لبيتى ولطبيعتى من تانى، مع إنى أشك إنى لو وصلت للحقيقة ممكن أرجع خالد نصار بتاع زمان، تناسخ أرواح أو لأ، فأنا مقدرش أنكر مشاعرى من ناحيتك، واللي بتجبرنى إنى...
قاطعه صوت يهدر بعنف قائلا:
فهد.
أغمضت جورية عينيها تدرك حجم المأزق الذي أصبحت فيه وخالد يلتفت إلى صاحب الصوت ليرى هذا الرجل العجوز والذي ظهر مع شبيهه في الصورة، يحدجه بغـــضــــب، لينقل بصره بين جورية التي شحبت تماما، وبين هذا الرجل، يدرك أن إجابة تساؤلاته تقبع عند هذا الرجل الذي يبدو أنه لا يطيقه، على الإطـ.ـلا.ق.
فتحت ليلة عيونها لتطالع عيون فراس القلقتين والذي ما إن رآها حتى إبتسم قائلا في لهفة:
حمد الله على سلامتك ياليلة، خضتينى عليكى.
نظرت إليه تقول بصوت ضعيف:
ماية، عايزة أشرب يافراس.
أسرع فراس يسكب لها كوبا من الماء ويمنحها إياه لتشرب منه رشفة واحدة ثم تعيده إليه، ليقول بحنان:
الدكتور بيقول إنك بتعانى من حالة ضعف عام وأنيميا حادة، وإن من الواضح إنك مكلتيش بقالك فترة ياليلة، الكلام ده حقيقى؟
أطرقت برأسها في خجل، فمد يده يرفع ذقنها لتواجهه عيناها وهو يقول:
ليه مكنتيش بتاكلى ياليلة؟
قالت بهمس حزين:
مكنش لية نفس للدنيا كلها وإنت بعيد عنى يافراس، وأنا حاسة إن إحنا خلاص مبقيناش لبعض، إزاي بس كنت هاكل؟
نظر إليها بحنان وهو يهبط بيده يمسك يدها قائلا:
قلتهالك قبل كدة وهقولهالك تانى، مفيش حاجة في الدنيا ممكن تفرقنا عن بعض، إحنا كل واحد فينا لقى في التانى نصه التانى وخلاص إتجمعنا، ومستحيل نفترق.
ضغطت على أصابعه وهي تبتسم بضعف، تستمد قوتها من قوته وثقته في عشقهما، ليبتسم قائلا:
قبل ما الكلام ياخدنا، أنا هخرج أجيبلنا أكل، على ما يكملوا الفحوصات اللي طلبتهالك، مش هتأخر عنك.
كاد أن يبتعد عنها ولكنها تمسكت بيده قائلة:
مالوش لزوم يافراس، أنا مليش نفس، صدقنى.
رفع يدها إلى شفتيه يقبلها بنعومة فأبعدت يدها بخجل، ليقول هو بحنان:.
إحنا قلنا إيه، هناكل وهنبقى كويسين، أنا مش مستعد أعيش الرعـ.ـب اللي عشته وإنت مغمى عليكى تانى، من فضلك ياليلة، خليكى مريـ.ـضة مطيعة وإسمعى الكلام.
إبتسمت له وهي تومئ برأسها ليبتسم بدوره مرسلا إليها قبلة في الهواء، ثم يبتعد بخطوات سريعة تتابعه عينا ليلة التي إمتلأت بالحب، تدرك أنها تعيش إحدى رواياتها الرومانسية ولكنها ترغب بشـ.ـدة أن تكون خاتمتها سعيدة، لتغمض عينيها وهي تتمتم بدعواتها من أجل تلك الخاتمة.
إلتفتت جورية إلى جدها قائلة:
جدي عزيز، حمد الله على السلامة.
تجاهلها الجد وهو يقترب من خالد قائلا:
ممكن أعرف إنت إيه اللي جابك هنا تانى؟وليك عين تورينا وشك؟
نظر خالد إلى جورية قائلا بسـ ـخـــريــة:
إنتى مش قلتى إن فهد مـ.ـا.ت؟جدك أهو بيثبتلى إنه عايش.
قالت جورية بمرارة:
لأ، فهد مـ.ـا.ت، مـ.ـا.ت من سنين.
لتغشى عيونها الدmـ.ـو.ع وهي تمسك بذراع جدها قائلة بإنهيار:.
اللي واقف أدامك ده مش فهد ياجدى، ده خالد نصار رجل أعمال كبير في القاهرة، لكن فهد حبيبى مـ.ـا.ت، مـ.ـا.ت صدقونى، أنا بس اللي عارفة إنه مـ.ـا.ت، والله مـ.ـا.ت، مااات.
كان جدها ينظر إلى إنهيارها بعيون إمتلأت بالحـ.ـز.ن بينما كان خالد هو أول من لاحظ شحوب وجهها وثقل أنفاسها ليسرع بإلتقاطها قبل أن تقع مغشيا عليها، ضمها إليه لثانى مرة ليكون شعوره مماثل للمرة الأولى تماما، وكأنها خلقت ليضمها بين أضلعه ويصبح حـ.ـضـ.ـنه مكانها الطبيعي، تماما.
وضعها خالد على الأريكة وسط جزع جدها عليها، ثم ربت على وجنتها برقة بينما أحضرت جليلة العطر بسرعة بعد أن رأت ماحدث من وراء الستار، ليشعر كل من عزيز و جليلة أن هذا المشهد يتكرر مجددا، ليعقد عزيز حاجبيه يقسم في نفسه أنه لن يسمح لحفيدته مجددا بالإستسلام لمشاعرها لهذا الفهد أو هذا الخالد، أيا كان إسمه، سيحول بينهما تماما وإن كان هذا آخر ما يفعله في حياته.
كان خالد يتجه إلى القاهرة في سيارته، بالسرعة القصوى، يشغل عقله العديد والعديد من الأفكار، التي تتنازعه بقوة، فما إن إطمأن على جورية حتى إصطدm بجدها الذي طرده طردا من المزرعة، يخبره أن لا مكان له بها، مانعا إياه من رؤية حفيدته، وعنـ.ـد.ما حاول الحصول على إجابات لتساؤلاته حال ذلك الإتصال الهاتفي من فراس دون أن يحصل على تلك الإجابات، يخبره أن يحضر حالا إلى مستشفى الحياة، حيث توجد أخته ليلة، صوته القلق والذي شعر فيه بحـ.ـز.ن كامن، جعل الخــــوف والقلق يغمران قلبه، لينحى كل تساؤلاته جانبا حتى يطمأن تماما على أخته الأقرب لقلبه، صغيرته التي رباها وأعدها كإبـ.ـنته تماما، ليلة.
كان نفسى انزل فصل أطمنكم فيه على ليلة بس مع الأسف جوزى هنا ومش هعرف أدخل نت تانى، هتوحشونى لبكرة الصبح.
↚
بقلب محطم أدرك مابك حبيبة الفؤاد
لكن لا تخشى شيئا فأنا إلى جوارك كالعماد
سنجتاز عثراتنا وسننهض من جديد، وسنكون لما يفرقنا بالمرصاد
فإبتسمى حبيبتى فأنتى عشقى، أهدانى إياك رب العباد.
قالت شاهيناز بإصرار:
يامؤيد صدقنى مش هينفع، يعنى أجيلك بيتك في الميعاد ده بس إزاي؟ وأقول إيه للى في البيت هنا؟
كاد مؤيد أن يطـ.ـلق ضحكة ساخرة ولكنه حبسها بداخله وهو يقول بهدوء لم يظهر أثرا لتهكمه في نبراته:.
قوليلهم إنك رايحة حفلة زي أي حفلة بتحضريها ياشاهى، مع إن معتقدش إن شاهى اللي أعرفها ممكن تخاف من حد أو تعمل حساب لأي حد، أو تفسر تصرفاتها لمخلوق، شاهى اللي أعرفها بتعمل اللي هي عايزاه وقت مـ.ـا.تعوزه، إتغيرتى ياشاهى ولا إيه؟
تمددت شاهيناز على سريرها
وهي تقول بإبتسامة:
لأ يامؤيد أنا لسة زي ما أنا، بس...
وصمتت، ليقول مؤيد بحدة:
بس إنتى يابتدلعى علية يامش مآمنالى ياشاهى مش كدة؟
إتسعت إبتسامتها وهي تقول:.
لأ طبعا، كل الموضوع إنى محتاجة شوية وقت أظبط فيه الدنيا هنا، يعنى على بكرة مثلا، إيه رأيك؟
كاد مؤيد أن يغلق السماعة بوجهها يدرك بخبرة رجل كان في ما مضى زيرا للنساء، أنها بالفعل تتلاعب به، وتتدلل عليه لا أكثر، تريد أن تحرقه شوقا لها، ظنا منها أنه يحمل لها مشاعر بداخل قلبه أو ربما شوقا لها، لا تدرى أنه ما كره في حياته قط مثلها، وما نفر من قرب أحد كنفوره من قربها، ولكنه مضطر والمضطر كما يقولون يتحمل الصعاب، ليقول بصوت حاول أن يظهره غاضبا:.
شاهيناز، أنا مش مراهق عشان تتعاملى معايا بالأسلوب ده، أنا عايز أشوفك ودلوقتى حالا، حابة تيجى أهلا وسهلا، مش عايزة، يبقى إنسينى خالص، أنا هقفل معاكى وهنزل أتفسح في أي حتة والبنات زي ما إنتى عارفة زي الهم على القلب، يعنى مش هغلب.
إعتدلت تقول في جزع:
إستنى يامؤيد، تنزل فين بس؟وبعدين بسهولة كدة هتسيبنى، هتسيب شاهى حبيبتك وتدور على واحدة من الشارع تحل محلى.
قال مؤيد بحدة:.
ومن إمتى مؤيد الحسينى بيعرف أي واحدة ياشاهى؟
إبتلعت ريقها تقول بتـ.ـو.تر:
طيب، طيب، متزعلش، أنا غلطانة، وبتأسفلك، بس عشان خاطرى متنزلش وأنا هحاول أجيلك.
قال مؤيد بصرامة:
مفيش حاجة إسمها هحاول، أدامك ساعة بالظبط وتكونى عندى، ياإما...
قاطعته قائلة بلهفة:
مفيش ياإما، أقل من ساعة وهكون عندك، سلام.
أغلق مؤيد هاتفه، وهو ينظر إلى نبيل الذي تابع مكالمته قائلا بتـ.ـو.تر:
هتيجى؟
أومأ مؤيد برأسه في هدوء، ليستطرد نبيل قائلا:.
إنت لسة مصمم على اللي هتعمله؟
أومأ مؤيد مجددا برأسه دون ان ينطق، ليقول نبيل بقلق:
بصراحة مش مطمن، ومش حاسس إنها ممكن تعترف بالحقيقة وخايف إنك...
ليصمت وهو ينظر إلى مؤيد الذي إبتسم بسـ ـخـــريــة قائلا:
خايف إنى أضعف أدام إغرائها، وخصوصا إنى في فترة أنا فيها من أضعف ما يمكن، مش كدة؟
نظر إليه نبيل دون أن يتحدث ولكن صمته كان إقرارا بصحة ما يقوله مؤيد، ليقول مؤيد وقد إختفت إبتسامته الساخرة لتحل القسوة في ملامحه وهو يقول:.
مستحيل طبعا، مش عشان شاهيناز ست متجوزة وأنا عمرى ما قربت من واحدة متجوزة، وخصوصا لو كانت متجوزة حد أنا بحترمه وبقدره زي خالد، لأ، عشان أنا مكرهتش في حياتى حد أد ما كرهت شاهيناز لإنها فرقت بينى وبين لين، ده غير إنى لسة بحب لين ومش هقدر أبص لغيرها قبل ما بجد أنساها وأنسى حبها اللي ساكن جوة في قلبى.
متقلقش يانبيل، مؤيد بتاع زمان، اللي كان مستهتر ومبيهمهوش غير نفسه وبس مـ.ـا.ت، مـ.ـا.ت لما عرف الحب على إيديها، ورغم كل اللي عملته فية بس عمرى ماهنسالها إنها خلقت منى بنى آدm جديد، بنى آدm رفض القذارة اللي كان عايش فيها لما عرف قيمة النضافة وحسها، رفض يكون كل يوم مع واحدة من غير إحساس لما جرب يكون مع واحدة بكل إحساسه.
إبتسم نبيل قائلا:
طول عمرى كنت شايف فيك البنى آدm ده يامؤيد، وكنت مستنى بس تشوفه في نفسك.
إبتسم مؤيد إبتسامة باهتة مريرة وهو يقول:
للأسف شفته فعلا، بس بعد فوات الأوان، بعد ماحياتى زمان أثرت على تفكير البنى آدmة الوحيدة اللي حبيتها وخليتها تصدق بسهولة إنى مطلعتش من مستنقع الخيانة اللي كنت عايش فيه.
نظر إليه نبيل قائلا:
الكل بيغلط يامؤيد، محدش فينا معصوم من الغلط، ولازم نسامح مادام بنحب.
نظر إليه مؤيد قائلا بمرارة:.
مش قادر أسامحها، غـ.ـصـ.ـب عنى، أنا كنت بمـ.ـو.ت من غيرها، كنت بمـ.ـو.ت وأنا حاسس إنها إتخلت عنى عشان فية نقص ومش قادر أديها الحاجة اللي إتمنيتها هي زي ما إتمنيتها أنا كمان، الأطفال، ودلوقتى بعد ما أثبتتلى إن معندهاش أي ثقة فية، مش هقدر أكمل حياتى معاها وأنا خايف في أي لحظة إنها تتخلى عنى بسبب غلطة عملتها في الماضى، الماضى اللي هي عارفة ومتأكدة إن مكنش لية أي ذنب فيه، ما أنا مش ذنبى إنى إتربيت مع أب كل شوية كان بيتجوز ويطـ.ـلق، بيغير في الستات زي ما بيغير في هدومه، مش ذنبى إنه ربانى على إن الستات خـ.ـا.ينين وبياعين وملهمش أمان، بس لما شفتها عرفت الفرق وإتجوزتها علطول، وهي عند أول إختبـ.ـار في مواجهة الماضى بتاعى، إتخلت بكل سهولة عنى، خلاص يانبيل، مبقاش بينا الأمان والثقة اللي كنت حاططهم في علاقتى بيها.
ربت نبيل على يده قائلا:
في يوم هتعذرها وهتسامحها، أنا واثق من كدة، قلبك بيحبها ومن جواك متأكد إنك من غيرها مش هتقدر تعيش.
يدرك مؤيد أن ما يقوله صديقه صحيح فهو بالفعل لا يشعر بالإكتمال وهو بعيد عنها، لا يستطيع أن يتخيل أن يعيش مجددا بدونها ولكنه لابد وأن يحاول، لذا تجاهل كلمـ.ـا.ته وهو يسأله بهدوء قائلا:
المهم، قوللى، الكاميرات في مكانها؟
أدرك نبيل محاولات صديقه في الهروب من مشاعره ليقول بهدوء:.
كل شئ تمام وفى مكانه، وأنا كمان شوية وهنزل عشان أسهلك الأمور.
ليعقد حاجبيه مستطردا:
بس إنت مش قلت إنك كنت هتكلم خالد عشان يكون موجود ويسمع كلامها.
تنهد مؤيد قائلا:
خالد مسافر والله أعلم هيرجع إمتى وأنا عايز أخلص من الموضوع ده، لما يبقى الموضوع يخلص هبقى أوريله الشريط وأعتذر منه لإنه أكيد هيزعل إنى مقلتلوش، بس انا واثق إنه هيسامحنى وهيقدر موقفى.
مط نبيل شفتيه قائلا:.
معتقدش، واحد زي خالد هيكون رد فعله مختلف خالص لما يعرف إنك مقلتلوش ومخدتش رأيه في اللي بتعمله، ربنا يستر.
تسلل القلق إلى قلب مؤيد ولكنه نفض قلقه، فإن إستسلم لتفكيره فلن يفعل ما هو مقبل عليه، مطلقا.
إقترب خالد من تلك الحجرة التي أخبره فراس عن رقمها ومكانها، ليجد فراس جالسا أمام باب الحجرة يضع رأسه بين كفيه في وضع مزق قلب خالد قلقا، ليقترب منه بسرعة ناطقا بإسمه في قلق...
ليرفع فراس رأسه ينظر إلى خالد وما إن رآه حتى نهض بسرعة قائلا:
كويس إنك جيت بسرعة ياخالد، أنا مش عارف أقولها إيه ولا أتصرف إزاي؟أنا تايه، تايه ومش عارف أعمل إيه.
قال خالد وقد بلغ القلق به منتهاه:
فيه إيه يافراس، ليلة مالها؟
أطرق فراس برأسه أرضا ليقول خالد بحدة:
مـ.ـا.تنطق يافراس، إتكلم، ليلة مالها؟
نظر فراس إلى عيون خالد وقد أغروقت عيناه بالدmـ.ـو.ع:
ليلة عندها كانسر ياخالد.
لتتسع عينا خالد في، صدmة.
كانت جورية تنام في سريرها متخذة وضع الجنين، تتساقط دmـ.ـو.عها على وجنتيها بغزارة، تتذكر كلمـ.ـا.ت جدها القاسية التي ألقاها على مسامعها، لأنها أخفت عنه كل ما يحدث، يؤنبها وبشـ.ـدة على ضعفها أمام عشقها، وهي تدرك أن فهد قد عادت له ذاكرته وأنه أصبح خالد نصار، هذا الثري المتزوج ولديه طفلة، ومع ذلك أحضرته إلى هنا من جديد، وعنـ.ـد.ما أقسمت له أنها بريئة من هذه الإتهامـ.ـا.ت، وأنها لم تحضره إلى الوادى بل تفاجأت مثله تماما بقدومه، لم يصدقها، لامها وبشـ.ـدة وأخبرها أن تنسى أمر هذا الخالد تماما، خاصة وأنه أسرع بالهرب ما إن عنفه الجد وطلب منه الإبتعاد، إستسلم بسهولة وتخلى عنها، للمرة الثانية.
عند تذكرها لتلك النقطة زاد نحيبها، فنعم هو ذهب بسهولة تاركا إياها دون وداع أو حتى إبداء رغبة بسيطة منه في البقاء معها ولو قليلا، لقد أخبرها بأنه يحمل في قلبه مشاعر لها، يشعر بأنه فهدها وأن مكانها الطبيعي بين ذراعيه، إذا لماذا إبتعد بتلك السرعة؟ألــم يرغب في معرفة الحقيقة؟ألــم يطالبها بتفسيرا؟إذا لماذا غادر دون أن يحصل على هذا التفسير؟لماذا؟..
شعرت بالباب يفتح وأحدهم يدخل إلى الحجرة بهدوء، لتمد يدها تمسح دmـ.ـو.عها بسرعة ظنا منها بأن القادm هو جدها عزيز، تتظاهر بالنوم، ليجلس هذا القادm على السرير، ويمد يده يربت على ظهر جورية، لينساب إليها صوت خالتها جليلة تقول في حنان:
أنا عارفة إنك صاحية، صوتك وإنتى بتبكى واصلى لحد أوضتى.
إعتدلت جورية تنهض جالسة تنظر إلى جليلة بعيون دامعة قائلة:
أنا صاحية فعلا، ومش عارفة أنام.
قالت جليلة في شفقة:.
وتنامى إزاي بس بعد اللي سمعتيه من جدك؟لازم تزعلى طبعا ومت عـ.ـر.فيش تنامى ياحبة عينى.
مدت جورية يدها تمسح دmـ.ـو.عها وهي تقول بأسى:
مش كلام جدى اللي زعلنى ومخلانيش عارفة أنام؟
عقدت جليلة حاجبيها، وهي تقول:
أومال إيه اللي مزعلك بالشكل ده؟
تنهدت جورية قائلة بحـ.ـز.ن:
خالد.
قالت جليلة في حيرة:
ماله؟
قالت جورية بحـ.ـز.ن:.
مشى من غير مايودعنى، يادوبك فتحت عينى مشى ومستناش حتى يطمن علية، أول ماجدى طرده مشي علطول، فراس قاللى إنه حاسس إن خالد بدأ يحبنى، وأنا كمان حسيت بكدة بس الظاهر إن إحنا الإتنين كنا غلطانين، ورغم إنى كنت عايزاه فعلا ينسانى ويكمل حياته مع عيلته، بس إن ده فعلا اللي قرر يعمله و إنى أحس إنى ولا حاجة بالنسبة له، و.جـ.ـعنى، و.جـ.ـعنى أوى ياخالتى.
ربتت جليلة على يدها قائلة بحنان:.
ومين قالك إنه فعلا مبيحبكيش؟خالد بيحبك زي ما حبك فهد.
نظرت إليها جورية بحيرة لتستطرد جليلة قائلة:.
أنا أكتر واحدة بتحس باللى بيحبوا لإنى بحب ياجورى، وأظن إنى عرفت إنك بتحبى فهد من غير ما تقوليلى وقلتلك على مشاعر فهد ليكى من قبل ما تحسيها، والنهاردة أنا شفت الحب في عيونه ليكى، شفت لهفته وخــــوفه عليكى ساعة ما أغمى عليكى وكأننا بنرجع في الزمن ٣ سنين لورا، بيتكرر المشهد من جديد، ولإن جدك حس بمشاعره وخاف منها، خاف خالد يعلقك بيه من جديد وتفترقوا مرة تانية، وعشان كدة إتصرف بالشكل ده.
لتتنهد مستطردة:.
أنا مش معاه طبعا في اللي عمله، بس عارفة ومتأكدة إن اللي عمله حب وخــــوف عليكى.
أغمضت جورية عيونها قائلة بألــم:
الاتنين بيحبونى، واحد سابنى والتانى بيلومنى ويزعقلى، وأنا في النص تعبانة، تعبانة ومش مرتاحة، ومش عارفة هكمل حياتى إزاي بالشكل ده؟
قالت جليلة بشفقة:
إرمى حمولك على ربنا، قادر يريح قلبك ياجوري.
فتحت جورية عيناها وهي تتنهد قائلة:
ونعم بالله.
قالت جليلة في حنان:.
حاولى تنامى ياحبيبتى وبكرة هيكون أحلى بإذن الله.
أومأت جورية برأسها قبل أن تضجع بجانبها واضعة رأسها على وسادتها ومغمضة عينيها، لتنهض جليلة تميل مقبلة رأسها بحنان ثم تدثرها بالغطاء جيدا قبل أن تغادر الحجرة بهدوء وتغلق الباب خلفها، لتجد عزيز يقف خارج الحجرة ينظر إليها في قلق قائلا:
أخبـ.ـارها إيه دلوقتى؟طمنينى ياجليلة.
قالت جليلة بهدوء:
نامت خلاص.
ثم نظرت إليه في عتاب ظهر في نبرات صوتها وهي تقول:.
بس لما إنت قلقان عليها أوى كدة ياعزيز، كنت بتضايقها ليه بكلامك؟
قال عزيز بحـ.ـز.ن:
خايف عليها ياجليلة، مش عايزها تمشى ورا قلبها وفى الآخر يضيعها زي ما ضيع مامتها قبل كدة.
قال جليلة:
لا جورية تبقى سهيلة يا عزيز ولا خالد زي فريد.
نظر عزيز إلى عينيها قائلا:
بس نفس الحكاية بتتكرر أدامى، نفس القصة ونفس الأحداث، وخايف تنتهى بنفس المصير.
قالت جليلة:.
وتفتكر باللى إنت عملته نهيت الحكاية، انت بس أجلت أحداثها، الحكاية واضحة زي الشمس، قدر ونصيب، مش هنقدر نتدخل فيه، ولا نمنعه.
قست عينا عزيز وهو يقول بصرامة:
لأ همنعه، صدقينى همنعه، ما أنا مش هقف أتفرج عليها وهي بتضيع منى زي ما ضاعت سهيلة قبلها، المرة دى هقف قصاد القدر وهتحداه كمان.
ثم تركها وإبتعد تتابعه بعينيها قائلة بأسى:.
أستغفر الله العظيم، مفيش فايدة، عزيز هيفضل عزيز ومش هيتغير، فوقى بقى ياجليلة وإقضى على الأمل اللي جواكى، إعترفى إنك خسرتى في رهانك مع نفسك على إنك ممكن تغيريه، إعترفى إن مش بس جورى النهاردة اللي خسرت حبها، إنتى كمان خسرتى الأمل، لأول مرة تحسيها، وللأسف مش هتكون آخر مرة.
جلس خالد على أقرب مقعد له، فلم تعد قدmاه قادرتان على حمله، يقول بصوت مصدوم:
ليلة، أختى أنا عندها كانسر، طب إزاي؟
جلس فراس بجانبه قائلا بحـ.ـز.ن:.
لما أغمى عليها النهاردة وجبتها على المستشفى، طلبت من الدكتور يعملها كل التحاليل والأشعة الل ممكن تطمنى عليها، ونتيجة التحاليل طلعت وساعتها الدكتور صدmنى بالخبر، من وقتها وأنا مش عارف أعمل إيه، عايز أجرى عليها وآخدها في حـ.ـضـ.ـنى وأطمنها إنى معاها وجنبها وفى نفس الوقت مش قادر أواجهها بحالتها، ولا أقولها عن مرضها، خبر زي ده محتاج أقرب حد ليها يقولهولها، ملقتش أدامى غيرك، إنت وبس اللي ممكن تكلمها.
نظر خالد إلى وجه فراس وهو يقول بضياع:
أقولها إيه بس؟أقولها إنها مريـ.ـضة بأبشع مرض ممكن يصيب إنسان، أقولها إنها هتعانى من آلام تفوق إحتمال البشر، أقولها إنها ممكن تمـ.ـو.ت وتروح مننا في عز شبابها، إزاي بس عايزنى أصدmها بالكلام ده؟
ربت فراس على يد خالد قائلا:
عشان ليلة مبتحبش في الدنيا أدك، عشان إنت سندها وأقرب حد ليها، عشان ليلة مش هتتقبل الخبر ده غير منك إنت، إنت وبس ياخالد.
نظر خالد إلى عيون فراس ليومئ له فراس برأسه مؤكدا وهو يقول مستطردا:
لو ضعفنا هتحس بضعفنا وساعتها هتضعف هي كمان، ليلة محتاجانا جنبها نقويها على مرضها ونعديها من محنتها، وبعدين فيه حاجة إسمها علاج، ليلة في المرحلة الأولى من المرض وبإذن الله بعد العلاج تبقى كويسة، ولو فيه علاج برة هنسفرها، ولآخر نفس فينا مش هنستسلم.
كانت كلمـ.ـا.ت فراس داعم كبير لخالد، أخرجته من حالة الصدmة التي إعترته ومنحته القوة لينظر إلى فراس بإمتنان قائلا:
معاك حق، طول ما فية نفس مش هستسلم، هعرضها على أكبر دكاترة جوة وبرة، وهتخرج ليلة من محنتها أقوى إن شاء الله.
قال فراس بتأكيد:
بإذن الله ياخالد، بإذن الله.
تنهد خالد قائلا:
أنا لازم أدخلها وأقولها على الخبر ده.
قال فراس:
أنا جاي معاك.
هز خالد رأسه نفيا قائلا:
مش هينفع، لازم أكون لوحدى معاها.
أومأ فراس برأسه متفهما، ليعقد خالد حاجبيه قائلا:
بس لازم الأول أعمل مكالمة لسمير وأبلغه بالخبر ده.
عقد فراس حاجبيه قائلا بصدmة:
سمير، سمير تانى ياخالد، إنت إمتى هتفهم إن ليلة مش ممكن تكون لحد غيرى؟، إمتى هتفهم إنى من اللحظة دى إعتبرتها مراتى ومحدش ممكن يكون جنبها في محنتها غيرى أنا وإنت ولين وبس؟
لتقسو عيناه وهو يستطرد قائلا:.
بص ياخالد، أنا مستحيل هخلى سمير ده يقرب منها أو يكلمها ولو فيها حياتى، مفهوم ياخ؟
قال خالد في غموض:
متقلقش، لو طلع اللي بفكر فيه صح، فكل اللي بتقوله هيحصل يافراس، وده وعد منى ليك.
نظر إليه فراس عاقدا حاجبيه في حيرة ليربت خالد على كتفه مطمئنا، ليشعر فراس بالراحة لحركته تلك، مؤقتا.
إرتمت ليلة في حـ.ـضـ.ـن أخيها، تسيل دmـ.ـو.عها على وجنتيها بصمت ليربت خالد على ظهرها قائلا بحنان:
عيطى ياليلة وخرجى كل اللي في قلبك، بس أنا مش عايزك تخافى أو تقلقى، أنا هعرضك على أكبر الدكاترة برة مصر، وبإذن الله هتبقى كويسة وربنا هينجيكى من المرض ده، وإحنا كلنا معاكى، وجنبك ياحبيبتى.
قالت ليلة من وسط دmـ.ـو.عها:
أنا مش خايفة من المرض ياخالد، ولا خايفة من المـ.ـو.ت نفسه.
أبعدها عن محيط ذراعيه يمسك وجهها وهو يقول بلهفة إمتزجت بالحـ.ـز.ن وهو يرى وجهها الملئ بالعبرات:
بعيد الشر عنك ياليلة.
نظرت إلى عيونه قائلة:
صدقنى ياخالد، أنا مش خايفة على نفسى، أنا خايفة عليكم إنتوا، خايفة حياتكم من بعدى يملاها السواد والحـ.ـز.ن، أنا مش عايزاكم تزعلوا لما أمـ.ـو.ت، عايزاكم تفتكرونى بإبتسامة، وتكونوا متأكدين إنى بقيت في مكان أحسن.
أغشيت عينا خالد بالدmـ.ـو.ع وهو يضمها مجددا قائلا بحزم:.
مش هتمـ.ـو.تى ياليلة، هتتعالجى وهترجعى أحسن من الأول، مرضك لسة في المرحلة الأولى، بإذن الله وبعملية بسيطة هنقضى عليه، وهتخفى، أنا عايز بس إيمانك بربنا ميضعفش، هو قادر ينجيكى من اللي إنتى فيه.
أغمضت عيناها وهي تقول:
ونعم بالله.
لتفتح عيناها بقوة على صوته الذي يزيد من خفقاتها وهو يقول بمرح جاء باهت النبرات يبرز حـ.ـز.نه رغما عنه الذي إستشعرته ليلة في صوته:
ما تبعد عنها شوية ياعم خالد، أنا بغير على فكرة.
إبتعدت ليلة عن حـ.ـضـ.ـن خالد تطالعه بعينيها الدامعتين، ليطالعها هو بعينين عاشقتين، لينقل خالد نظراته بينهما، يبتسم بإرتياح في داخله وهو يقول بهدوء:
تغير متغيرش، مش شغلى، ليلة هتفضل أختى وهيفضل حـ.ـضـ.ـنى مكانها، اللي بترتاح فيه.
أبعد فراس ناظريه عنها بصعوبة وهو ينظر إلى خالد قائلا بمرح:
طيب بالراحة كدة متزقش.
قال خالد:
ماشي ياخفيف.
رن هاتف خالد لينظر إلى شاشة هاتفه وتلتمع عيناه ليقول لفراس بهدوء:.
إستنانى هنا على ماأروح أجيب حاجة نشربها، أنا جاي من سفر وريقى ناشف.
نظر فراس إلى عيون ليلة التي لم تبعدها عنه قائلا:
لأ براحتك، خد وقتك.
قال خالد بإستنكار:
نعم.
قال فراس بإرتباك وهو ينظر إليه:
قصدى يعنى متتأخرش.
رمقه خالد بنظرة ذات مغزي قائلا:
آااه، بحسب.
ثم وجه كلمـ.ـا.ته إلى ليلة الصامتة قائلا:
لو ضايقك رنى علية، هاجى وأعلقهولك.
أومأت ليلة برأسها في هدوء، ليخرج خالد من الحجرة بخطوات واسعة لتنظر ليلة إلى عيون فراس الذي نظر إليها بدوره بحب، لتقول ليلة بصوت حزين:
فراس أنا...
قاطعها قائلا بهدوء وهو يجلس إلى جوارها:
آسف مش هينفع.
نظرت إليه بحيرة قائلة:
هو إيه ده اللي مش هينفع؟
إبتسم وهو يمسك يدها قائلا بحب تنطق به نظراته:.
هتقوليلى سيبنى وإنسانى وأنا مبقتش أنفعك ودور على واحدة تانية والكلام الفارغ اللي كل مرة بتقوليهولى ده، وأنا بقولك آسف، مش هينفع.
أطرقت ليلة برأسها قائلة بحـ.ـز.ن:
بس المرة دى غير كل مرة.
مد يده يرفع ذقنها إليه لتواجهه عيناها الدامعتان ليقول هو بثبات:
بالظبط، المرة دى غير كل مرة، المرة دى معايا موافقة شبه مبدأية على إرتباطنا من أخوكى.
قالت بحـ.ـز.ن:
عشان عرف بمرضى وأكيد مش حابب يزعلنى.
إبتسم وهو ينظر إلى عيونها بعشق قائلا:.
وليه متقوليش إنه أخيرا حس إنى بحبك بجد ومستعد أتحدى الدنيا كلها عشان تكونى لية، لو حتى هتحدى نفسك اللي بتحاول دلوقتى تبعدك عنى، بأوهام ملهاش أي لازمة، فريحى نفسك من كل الأفكار والكلام اللي هتقوليهولى، لإنى بقولهالك من دلوقتى ياليلة، أنا مش هبعد عنك أبدا ومش هسيبك وهفضل معاكى لحد آخر يوم في عمرى، مرضك مش آخر الدنيا، لأ، دى عقبة بس في طريقك ومعايا هنتحداها ونعديها، وعلى فكرة أنا مش هستنى لغاية ما تعملى العملية وتبقى كويسة عشان نتجوز، لأ، أنا هسافر معاكى بصفتى جوزك، يعنى هنتجوز حالا، ولما تقومى بالسلامة هعملك أحلى فرح يليق بأجمل ليلة في حياتى.
أغشيت عيون ليلة بالدmـ.ـو.ع وكادت أن تقول شيئا ولكن فراس أسرع ووضع يده على فاهها قائلا:
وحياة أغلى حاجة عندك توافقى ياليلة، وحياة خالد، اللي أول ما هيرجع هكلمه في موضوع كتب كتابنا، قولى أيوة، عشان خاطرى ياليلة، وافقى على جوازنا وأنا أوعدك إنك عمرك ما هتنـ.ـد.مى على القرار ده.
نظرت ليلة إلى عيونه التي ترجوها ان لا تخيب رجاءه، لتومئ برأسها موافقة وعيونها تبتسم في سعادة، ليبتسم فراس بدوره وهو ينزل يده يمسك كفيها بين يديه يرفعهما ويقربهما من فمه يطبع عليهما قبلة عشق أطاحت بكيان ليلة التي وإن كانت أحبته قبل اليوم، فمنذ لحظات ذابت به عشقا...
ليغلق خالد الباب على هذين العاشقين، يتنهد بإرتياح، بعد أن كان سيدخل الحجرة منذ قليل فإستوقفته كلمـ.ـا.ت فراس التي أكدت له أن العشق هو أساس كل العلاقات الناجحة وأن العقل من الممكن أن يخطئ ولكن قرارات القلب دائما هي الأصوب، فقد إختار خالد سمير بعقله ليتزوج ليلة بينما إختارت ليلة فراس بقلبها، فتخلى عنها سمير الآن في هذا الإتصال الهاتفي والذي أخبره فيه خالد بحقيقة مرض أخته ليعتذر سمير عن الحضور بل عن الخطبة بأكملها، بينما تمسك بها فراس في محنتها تلك ومنحها القوة لتبدأ رحلة علاجها، هكذا أدرك اليوم الفرق بين العقل والقلب، ليفوز القلب، وبجدارة.
↚
دmـ.ـو.ع تتحجر في عيون امرأة سرقها الزمن.
ضاعت أحلامها، بهت جمالها، حتى ضحكاتها، أصابها الوهن.
لتنزل دmعة خائنة تسألها بقسوة، الآن تستفيقين بعد أن أصبحت الوحدة هى السكن؟
فمنذ البداية أدركتى النهاية لتستمرين بالحكاية وتدفعين الثمن.
رن هاتف جورية، ليوقظها من النوم، مدت يدها وأمسكت هاتفها تنظر إلى شاشته، لتجده رقم فراس، عقدت حاجبيها وهي تدرك أنه يتصل بها في هذا الموعد، لتخشى أن يكون الأمر خطيرا، أجابت هاتفها على الفور وهي تقول في قلق:
ألووو.
قال فراس:
صحيتك؟
قالت جورية:
مش مهم، أكيد فيه شئ خطير، قوللى علطول ومتخبيش عنى حاجة.
تنهد فراس قائلا:
أنا هتجوز كمان شوية.
إتسعت عينا جورية في صدmة، لتعتدل قائلة:
هتتجوز إزاي يعنى؟
قال فراس بهدوء:
هتجوز زي الناس ياجورى، بمأذون وشهود...
قاطعته قائلة بنفاذ صبر:
إنت عارف إنى مقصدش كدة.
زفر فراس بقوة أثارت قلق جورية حتى النخاع، ثم قال بحـ.ـز.ن:
ليلة تعبانة أوى ياجوري، عندها كانسر.
إتسعت عينا جورية في صدmة، وهي تقول بجزع:
كانسر؟
أسرع يقول:
في مراحله الأولانية، بس ضعفها وقلة أكلها اليومين اللي فاتوا أثروا عليها، هي هتسافر تعمل عملية بكرة في فرنسا، وأنا صممت تكون على ذمتى قبل ما نسافر.
قالت جورية بحـ.ـز.ن وألــم:
لا حول ولا قوة إلا بالله، ياحبيبتى ياليلة، ربنا يشفيها ويعافيها يارب، والله يافراس، أنا مش عارفة أبـ.ـاركلك ولا أقولك ربنا يعينك.
إبتسم فراس قائلا:
لأ بـ.ـاركيلى ياجورى، جوازى من ليلة حلم هيتحقق، وإن كان على مرضها، فبإذن الله مع بعض نعديه، وبعد العملية تكون زي الفل بإذن الله.
إبتسمت جورية قائلة:
هو ده فراس اللي أنا أعرفه، إنتوا فين دلوقت؟
قال فراس:.
في مستشفى الحياة، لما أغمى عليها جبتها هنا وكلمت خالد اللي جه علطول من السفر، وبعدين وافق على جوازنا كمان.
إذا هذا السر وراء مغادرة خالد بتلك السرعة، ليرتاح قلبها قليلا، بعد أن كان يتمزق حـ.ـز.نا، لتقول بإبتسامة واسعة:
أوعى تكتب الكتاب قبل ما آجى، مفهوم؟
قال فراس في دهشة:
إنتى هتيجى؟
إتسعت إبتسامتها وهي تنظر إلى ساعتها قائلة:.
طبعا جاية، مش ممكن أفوت كتب كتابكم أبدا، هاخد أول طيارة، وبإذن الله مش هتأخر، بس إبعتلى العنوان.
إبتسم فراس قائلا:
حالا، هستناكى، سلام.
لتغلق الهاتف وهي تسرع بتبديل ملابسها، لتسافر بأقصى سرعة.
جلست شاهيناز على الأريكة تتأمل شقة مؤيد بهدوء، فتلك هي المرة الأولى التي تدخل فيها شقته على الإطـ.ـلا.ق، فقد كرهت تلك الشقة التي جمعت بين مؤيد وغريمتها فلم ترغب في رؤيتها أبدا وكلما أراد منها خالد أن تحضر معه لرؤية لين ومؤيد، تحججت بأي حجة، تقول له مثلا أنها تعانى ألــما في رأسها أو أن إبـ.ـنتها مريـ.ـضة أو عندها إجتماع لا يؤجل، وهكذا، حتى فقد خالد الأمل فيها ولم يعد يدعوها إلى الذهاب معه، فكان يزورهما وحده هو وريم، نهضت وإقتربت من هذا الرف فوق المدفأة ترى بعض الصور التي تكمن بين أطر جذابة، هاهو مؤيد يقف مبتسما في جاذبية تخلب الألباب، وهاهو في صورة أخرى يلعب بكرة المضـ.ـر.ب، تبا، وسامته تزداد وجاذبيته أيضا في هذا اللباس، لتتجمد كلية وهي ترى صورة تضم مؤيد مع غريمتها، إنتابها غـ.ـيظ شـ.ـديد وغيرة حارقة، كادت أن تمسك الصورة وتضـ.ـر.ب بها عرض الحائط لتكـ.ـسرها إلى فتات، ولكنها تمالكت نفسها وهي تسمع مؤيد يقول من خلفها بتهكم:.
عاجباكى الصور؟
إلتفتت إليه تقول بإبتسامة:
هيعجبنى فيها إيه يعنى؟أكيد مش لين؟
إتسعت إبتسامته الساخرة...
ليظهر الحقد في صوتها رغما عنها وهي تقول:
أنا بس مستغربة، إيه اللي مخليك محتفظ بصورتها لحد دلوقتى؟
ناولها كأس العصير قائلا:
قصدك صورها، دى ليها صورة كبيرة في أوضة النوم، تحبى تشوفيها؟
ظهر الغـــضــــب على ملامحها وهي تقول:
إنت بتستفزنى يامؤيد؟
إبتسم وهو يقرب كأس العصير من شفتيها قائلا:.
إشربى بس العصير وتعالى نقعد، وأنا هفهمك.
فتحت ثغرها ترتشف منه رشفة وهي تنظر إلى عينيه، ليمسك كفها يرفعها إلى الكأس يجعلها تمسك به بدلا منه ثم يسحب يدها الأخرى ويمشى بها إلى حيث الأريكة ليجلس ويجلسها، قبل أن يقول بهدوء:.
أنا من يوم ماسابتنى لين، مادخلتش الشقة دى، سافرت علطول، ولما رجعت، صممت مبعدش صورها عنى، عشان طول ما أنا شايفها، النار اللي في قلبى من ناحيتها مبتبردش، بالعكس، بتقيد أكتر وأكتر، وبكرهها أكتر.
نظرت إليه في لهفة قائلة:
بجد يامؤيد، بجد بتكرهها.
إبتسم قائلا:
أد حبى ليها كرهتها ياشاهى.
ليتراجع بظهره يستند إلى الأريكة خلفه بكسل، شابكا أصابع كفيه وواضعا إياهم خلف رأسه، قائلا:.
بس أنا لية أسبابى اللي مخليانى بكرهها من قلبى، إنتى بقى ياشاهيناز، أسبابك إيه علشان تكرهيها؟
نظرت إلى الأمام قائلة بنبرات يملؤها البغض:
بكرهها عشان أخدتك منى، حققت معاك حلمى، مش بس خدت إسمك لأ خدت كمان مشاعرك، مكرهتش حد قبلها، ولو كانت فضلت على ذمتك مش بعيد كنت قــ,تــلتها، لحقت هي نفسها منى وباعتك بسرعة، من غير مـ.ـا.تتأكد حتى.
إعتدل مؤيد يقول بهدوء:
من غير مـ.ـا.تتأكد من إيه؟
نظرت إليه بإضطراب قائلة:.
ها، لا، مفيش، قصدى يعنى من غير مـ.ـا.تتأكد من إنكوا ممكن تخلفوا، ولا الأمل مستحيل فعلا.
عقد مؤيد حاجبيه فقد كادت أن تفصح عن بعض الحقيقة ولكنها تداركت نفسها في اللحظة الأخيرة، كاد أن يقول شيئا ولكن رنين هاتفها المتواصل قاطعه، لتنظر إلى شاشته وتصيب ملامحها الإضطراب وهي تشير لمؤيد بالصمت مجيبة هاتفها قائلة:
ألوو.
إستمعت إلى محدثها وهي تعقد حاجبيها بشـ.ـدة قبل أن تقول بسرعة:
تمام، أنا جاية حالا ومش هتأخر.
ثم أغلقت هاتفها وهي تنهض بسرعة تبحث عن معطفها وحقيبتها ليقول مؤيد وهو يعقد حاجبيه:
رايحة فين؟
نظرت إليه قائلة:
خالد طالبنى أروحله حالا.
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو يقول:
إنتى مش قلتى إنه مسافر؟
أومأت برأسها قائلة:
رجع وفى المستشفى.
قال مؤيد بقلق:
جراله حاجة؟
نظرت إليه في ريبة قائلة:
يهمك أوى؟
تمالك مؤيد نفسه كي لا يثير شكها وهو يقول بلا مبالاة:.
مش أوى يعنى، بس عايز أطمن بس، مهما حصل ما بينا، فإحنا كلنا مع بعض عيش وملح.
قالت بسـ ـخـــريــة:
لأ فيك الخير الصراحة، عموما مش هو، دى أخته.
سقط قلب مؤيد بين قدmيه، وكادت أن تفضحه ملامحه الجزعة ولكن نظرات شاهيناز المتفحصة لملامحه جعلته يتمالك نفسه بيد من فولاذ، ليقول بلا مبالاة مصطنعة:
لو على لين، يبقى في ستين داهية، خدت الشر وراحت.
ظهر الإرتياح على ملامح شاهيناز وهي تقول:.
لأ مش لين، دى ليلة، والظاهر حالتها صعبة، هو مقالش مالها، بس صوت خالد بيقول كدة.
رغم الإرتياح الذي غمر قلبه لمعرفته بأن لين بخير، إلا أن معرفته أيضا بأن ليلة بخطر، مزقت قلبه، فهو يحمل لتلك الرقيقة كل الإحترام والحب والتقدير، لذا فقد سمح لحـ.ـز.نه أن يظهر عليه وهو يقول:
لا حول ولا قوة إلا بالله، ليه كدا بس؟دى ليلة مفيش أرق وأطيب منها، أول ما توصلى طمنينى عليها ياشاهى.
ظهرت الغيرة على صوت شاهيناز وهي تقول:.
إن شاء الله، سلام يامؤيد، وتتعوض.
نظر إليها مبتسما وهو يقول:
ياريت، وفى أقرب وقت.
ليمسك كفها يرفعه إلى فمه يلثمه بنعومة قائلا:
هتوحشينى.
إبتسمت قائلة بنعومة:
هتوحشنى أكتر.
لترفع نفسها وتقبل وجنته بنعومة ثم تقول:
سلام ياحبيبى.
وإلتفتت مغادرة يتابعها بعينيه حتى إختفت عن الأنظار، ليغلق الباب وهو يمسح وجنته بإشمئزاز قائلا بغـــضــــب:.
حقيرة فعلا، للأسف كان فاضل شوية وتعترفى بكل حاجة، بس النصيب بقى، معلش، تتعوض زي ما قلتى، وساعتها، هودعك وداع يليق بيكى ياشاهى.
ليعقد حاجبيه فجأة يتساءل عن حالة لين الآن عنـ.ـد.ما علمت بمرض أختها، هو يدرك أن لين قوية وتستطيع تحمل كل شئ، ولكنه يدرك أيضا حبها لعائلتها الذي سيضعفها الآن بالتأكيد مرض أحدهم، ليشعر بالتخبط، يتمزق بين نارين، أن يكون الآن بجوارها يساندها في محنتها ويمنحها القوة، أو يتجاهلها تماما، وهذا ما لا يستطيع أن يفعله، أبدا.
ضم خالد لين إلى صدره لتنساب عبراتها بصمت، يدركه من اهتزازات جسدها الضعيفة، ليربت على ظهرها قائلا:
كدة أنا هزعل منك على فكرة، إحنا مش قلنا متعيطيش، وإن ليلة هتتعالج و هتبقى كويسة، مش قلنا إنها محتاجة دعمنا مش بكانا.
خرجت لين من حـ.ـضـ.ـنه، تنظر إليه قائلة:
غـ.ـصـ.ـب عنى ياخالد، مش قادرة أتخيلها وهي بتتألــم، مش قادرة أتخيل بكرة لو العملية...
صمتت لا تستطيع أن تكمل عبـ.ـارتها ليقول خالد بنبرة قاطعة:.
مش هيحصل بإذن الله، ليلة هتعمل العملية وهتتخلص من المرض ده خالص زي ما الدكتور قالنا، وهترجع أحسن من الأول كمان، وده وعد منى يالين.
نظرت لين إلى عيون خالد التي بثت الثقة في عروقها، لتومئ برأسها في صمت، بينما كادت تلك الجالسة تتابع مايحدث في نفاذ صبر، أن تمـ.ـو.ت غـ.ـيظا، من هذا الذي لا يظهر مشاعره سوى لأخواته، أما هي فيتعامل معها ببرود مطلق، ربما هي لا تهتم، لا، بل تهتم، والدليل على ذلك حنقها الذي تشعر به الآن، ربما لا تحب خالد ولكنها كانت تبغى مشاعره لتعوضها عن حرمانها من عشقها الوحيد مؤيد، بدلا من أن تعيش تلك السنوات في هذا الجفاف العاطفي، نظرت إلى هذا الذي يمد يده يمسح بأصابعه برقة دmـ.ـو.ع أخته من على وجنتها، لتقول بعصبية:.
هو إحنا هنفضل واقفين هنا وسايبين اللي إسمه فراس ده قاعد مع ليلة لوحدهم؟
عقدت لين حاجبيها بغـــضــــب بينما قال خالد ببرود:
هو أنا مش قلتلك إنه دلوقتى خطيبها وإن المأذون جاي كمان شوية عشان يكتب كتابهم؟
نهضت شاهيناز قائلة بغـــضــــب:
وأنا مش موافقة.
قالت لين بعصبية:
وإنتى مالك إنتى توافقى أو متوافقيش؟، ولا إنتى مصرة تفرقى بين كل إتنين بيحبوا بعض.
قال خالد بحزم:
إستنى إنتى يالين.
ليقترب من شاهيناز التي قالت بعصبية:.
سامع أختك بتقوللى إيه ياخالد؟
رمقها بنظرة جليدية وهو يقول ببرود:
بصراحة معاها حق، أنا مسألتكيش ولا طلبت موافقتك، أنا ببلغك قرارى، أنا موافق وده كفاية، مش عاجبك، روحى على البيت ومتحضريش كتب الكتاب.
قالت بحنق:
ده اللي أنا هعمله فعلا.
ثم أخذت حقيبتها وهي تبتعد بخطوات غاضبة ليتابعها خالد بعينيه قبل أن يلتفت إلى لين التي قالت بغـــضــــب:
أوووف، إيه البنى آدmة دى، أنا مشفتش في حياتى حد بالشكل ده.
قال خالد بلامبالاة:
كبرى دmاغك منها، ومتشغل...
قاطعه صوت سها التي قالت بقلق:
لين، حبيبتى، طمنينى على ليلة.
إلتفتت لين في دهشة إلى سها قائلة:
سها، إيه اللي جابك في وقت زي ده يامـ.ـجـ.ـنو.نة؟
إحتضنتها سها قائلة:
مقدرتش أسيبك لوحدك وأنا عارفة هتبقى عاملة إزاي.
ضمتها لين وهي تقول:
إنتى مفيش منك ياسها.
لتخرج سها من حـ.ـضـ.ـن لين قائلة:
سيبك منى وطمنينى على ليلة.
إبتسمت لين قائلة:
ليلة هتتجوز بعد شوية.
إتسعت عينا سها بصدmة قائلة:
ليلة مين؟هو فيه إيه؟
إتسعت إبتسامة لين قائلة:
تعالى بس نقعد وأنا أحكيلك.
لم تتحرك وهي مازالت تنظر إليها مشـ.ـدوهة، لتسحبها لين من يدها قائلة:
تعااالى.
بينما إبتسم خالد على تلك الفتاة المـ.ـجـ.ـنو.نة صديقة أخته لين ومديرة مكتبها والتي لم تلقى عليه التحية حتى، ولكنه يدرك أن خلف جنونها قلب طيب مخلص، لذا هو مطمأن تماماعلى أخته لين...
رن هاتفه لينظر إلى الرقم على شاشته ويبتسم بهدوء قبل أن يجيبه قائلا:
إزيك يامؤيد.
إستمع إلى محدثه ثم قال بغموض وهو ينظر إلى لين الجالسة مع صديقتها قبل أن يقول:
الحقيقة أنا رجعت من السفر، وإحنا في المستشفى دلوقتى يامؤيد، هنكتب كتاب ليلة بعد شوية، إيه رأيك تكون شاهد على العقد؟
ليستمع إلى مؤيد قبل أن يبتسم بهدوء قائلا:
تمام، هستناك، هبعتلك العنوان في ماسيدج، سلام.
ليغلق المحادثة وتجرى أصابعه على أزرار هاتفه قبل أن يستمع إلى رنة إرسال الرسالة، ويقرأ على شاشته، لقد تم إرسال الرسالة، بنجاح.
كانت جورية في طريقها إلى المستشفى، تتطلع بضيق إلى الطريق، مازالت غاضبة وبشـ.ـدة من كلمـ.ـا.ت جدها الأخيرة لها، والتي طالبها فيها بعدm الرجوع مجددا إلى الوادى، حين صممت على السفر في مثل هذا الوقت المتأخر، لتتذكر كلمـ.ـا.ته القـ.ـا.تلة آنذاك...
...
غشيت عيونها بالدmـ.ـو.ع وهي تقول برجاء:.
ياجدى عشان خاطرى إفهمنى، ده كتب كتاب فراس على صاحبتى واللي فهمتك ظروفها وإنها هتسافر الصبح عشان تعمل العملية وفراس عايز يسافر معاها بصفته جوزها، مش هينفع محضرش كتب الكتاب ولا ينفع مشوفهاش قبل السفر.
قال جدها بغـــضــــب:
أنا قلتها كلمة ياجورى ومش هرجع فيها، لو سافرتى دلوقتى، إعتبرينى مت ومترجعيش هنا تانى.
قالت جليلة بجزع:
متقولش كدة ياعزيز، إنت كدة بتحطها في إختيار صعب و...
هدر بها عزيز قائلا:.
متدخليش ياجليلة، الكلام بينى وبين حفيدتى، أنا سكت عليكى كتير، لازم تعرفى إن إنتى مش أكتر من أخت مراتى الصغيرة واللي كانت عايشة معانا أيام الله يرحمها ماكانت عايشة، ولما مـ.ـا.تت صعبتى علية ومرضيتش تعيشى لوحدك وخصوصا إنك لا إتجوزتى ولا خلفتى ولا ليكى حد غيرها.
تراجعت جليلة خطوة للوراء في صدmة، بينما أغمضت جورية عيناها بألــم ثم فتحتهما على مصراعيهما، تنظر إلى ملامح خالتها الشاحبة في شفقة وقلق، ثم تنظر إلى جدها بلوم وعتاب ليتحاشى نظراتها وهو يشيح بوجهه، قالت جورية بحـ.ـز.ن:
خالتى جليلة.
نظرت إليها جليلة وقد خلت ملامحها من أي تعبير، قائلة بهدوء:
أنا جاية معاكى يا بـ.ـنتي، إستنينى ثوانى.
لتغادر جليلة بخطوات تبدو هادئة ولكن إرتعاشة جسدها كان دليل واضح على بكاءها، ظهر الألــم على وجه عزيز وهو يتابعها بعينيه، لتقول له جورية بحـ.ـز.ن:
ليه كدة بس ياجدى، حـ.ـر.ام عليك، خالتى جليلة متستاهلش منك كدة.
إختفت ملامح الألــم من وجه عزيز وإرتسمت القسوة على ملامحه وهو يلتفت إليها قائلا:
إنتى السبب ياجورى، إنتى السبب، أنا بحذرك لآخر مرة، لو مشيتى انتى وهي، مترجعوش هنا تانى.
جاءه صوتها من خلفه يقول ببرود:.
متقلقش، أنا عن نفسى مش راجعة هنا تانى.
لتمشى جليلة بإتجاه باب المنزل بخطوات حازمة، نظرت جورية إلى جدها بخيبة أمل ظهرت على ملامحها قبل أن تتبع خالتها بخطوات منكـ.ـسرة...
ليبتعدا عن الوادى في ألــم، أوصلت جورية خالتها لمنزلها وقد رفضت الحديث مطلقا، تؤجله للغد، وتفضل النوم، لتدرك أن خالتها تبغى الوحدة في تلك اللحظة، فتركتها تلملم جراحها وتهدأ قليلا، وها هي في طريقها للمستشفى، تحاول أن تبعد عن ذهنها كل ضيق وحـ.ـز.ن، لتفرح بفراس وليلة، ولتدع الحـ.ـز.ن والضيق للغد.
كانت لين تقف مع سها بعد أن بدلا لليلة ثيابها بفستان رقيق، جلست ليلة على السرير بخجل، تبدو السعادة على ملامحها، بينما يقف فراس إلى جانب خالد يتحدثان بهدوء، ليطرق الباب ويدخل مؤيد بإبتسامة هادئة، توقفت دقات قلب لين وهي تتطلع إليه، تجرى عيونها على ملامحه الوسيمة، بينما تجاهلها هو تماما وهو يخاطب خالد قائلا:
ممكن أدخل؟
إبتسم خالد وهو يتقدm منه يرحب به قائلا:
طبعا إتفضل يامؤيد.
قال مؤيد:.
معايا الشاهد التانى.
إتسعت إبتسامة خالد وهو يقول:
خليه يتفضل طبعا.
دخل نبيل لتنظر إليه سها في دهشة، وقعت عيناه عليها في الوقت ذاته، ليظهر الغـــضــــب للحظة في عيينه، ثم يتلاشى وهو يسلم على خالد، لتدرك سها أنه غاضب منها، وأن تلك الليلة لن تنتهى على خير أبدا.
قال خالد بإبتسامة:
كدة كله تمام وتقدر تبدأ ياسيدنا الشيخ.
قال فراس بغموض:
لأ لسة، ناقصنا حد.
نظر إليه خالد عاقدا حاجبيه وهو يقول:
مين اللي ناقصنا؟
نظر فراس إلى ليلة التي تعلقت عيناها بعينيه، ليبتسم قائلا:.
حد مكنش ينفع ميكونش موجود النهاردة، وفى اللحظة دى بالذات، حد كان السبب في تعارفنا أنا وليلة، حد أول ما عرف صمم ييجى عشان يبـ.ـارك لليلة ويهنينى، حد كان لازم يكون شاهد على إتحادنا، وفرحتنا مكنتش بجد هتكمل من غيره.
إتسعت عينا ليلة في سعادة لتنظر إلى فراس غير مصدقة، ليومئ لها برأسه تأكيدا على ذلك الشخص الذي خطر في بالها للتو، لينقل خالد بصره بينهما في حيرة قائلا:
ومين هو الشخص ده؟ وهو فين طيب؟
إتسعت إبتسامة فراس وهو ينظر إلى نقطة خلف خالد قائلا بغموض:
قصدك، مين هي؟
كاد خالد ان يتحدث ولكنه تجمد تماما، حين إستمع إلى صوتها من خلفه، و الذي يعزف على أوتار قلبه، تقول برقة:
مساء الخير على الجميع.
إلتفت خالد ببطئ يطالعها بعينيه لتلتقى عيناها بعينيه في تلك اللحظة ويدق القلبان، بقوة.
↚
تداخلت ملامحنا، تشابهت حتى أيقن الجميع أننا واحد
فانا في سكونك متعبدة، وأنت في محرابى عابد
أشعر بقلبك في خافقى، وخافقى لك يامولاي عائد
أنت تكملنى حقا، وقلبى بوجودك لله حامد.
إنتهى عقد القران فتوجه الجميع لتهنئة العروسين، وسط جو من السعادة رغم تـ.ـو.تر الجو، فالكل سعيد حقا من أجل ليلة التي تخطت ذلك الخبر الصادm بمرضها ومعرفتها بأنها ستمر بكل مايمر به المصابون به ولكن وجود فراس بجوارها هون الأمر عليها كثيرا، وهي الآن تعيش فرحتها رغم كل شئ، أما عن الحاضرين، فقد كانوا يعانون تـ.ـو.ترا ملحوظا، فكل منهم يحمل في قلبه تجاه نصفه الآخر شئ ما، غـــضــــبا، شوقا، عتابا، لوما، وعشقا.
والأدهى من ذلك أنهم لا يستطيعون أن يعبروا عن دواخل قلوبهم في هذا الوقت، فقط يؤجلونها للوقت المناسب...
كانت هناك تلك التي لم تتحمل تجاهله لها كلية، تخشى أن تخونها دmـ.ـو.عها وتتساقط لتعكر تلك السعادة التي تغمر العروسين، وتفسد بالذات فرحة أختها، لتستأذن من أخيها في الخروج من الحجرة، معللة خروجها بأنها ستذهب إلى الكافيتريا لشرب فنجال من القهوة، رافضة عرضه بإحضاره من أجلها، ليومئ لها أخيها برأسه موافقا مخبرا إياها أن لا تتأخر، لتتسلل بهدوء يتابعها مؤيد بعينيه، يشعر بالتردد قليلا في إتباعها، ثم في النهاية يحسم رأيه ويقرر إتباعها، وليكن ما يكن، ليتسلل بدوره وراءها، ولكن كان هناك من لاحظ خروجه خلف أخته، ليبتسم بهدوء، قبل أن يعود بعينيه إلى تلك الرقيقة الجميلة المبتسمة برقة وهي تستمع لفراس، يدرك أن حضورها أسعد ليلة، فوجه أخته الشاحب قد أشرقت ملامحه.
ليعقد حاجبيه قليلا وهو يتأمل جورية، فخلف إبتسامتها قبع حـ.ـز.ن في عينيها، لا يدركه سوى قلب أحبها بصدق...
قالت سها بتـ.ـو.تر:
خلاص بقى يانبيل، ما قلتلك أنا آسفة، والله ياسيدى آسفة.
إلتفت إليها نبيل عاقدا حاجبيه بغـــضــــب قائلا:
آسفة على إيه ولا إيه، آسفة إنك مقلتليش إنك نازلة أساسا، ولا آسفة إنك نزلتى في الوقت ده لوحدك، أنا مش عارف إزاي آنكل فوزى سمحلك أصلا تنزلى في الميعاد ده، هو مش أب برده وبيخاف على بـ.ـنته، ولا إيه؟
نظرت إليه قائلة بحـ.ـز.ن:
لأ مش أب، على الأقل مش بابايا أنا.
نظر إليها في صدmة لتطرق برأسها قائلة بحـ.ـز.ن:.
آنكل فوزى يبقى جوز ماما، إتجوزته من عشر سنين بعد ما والدى مـ.ـا.ت، هو راجـ.ـل طيب وبصراحة مشفتش منه حاجة وحشة، بس في نفس الوقت مشفتش منه إهتمام الأب ولا شفت الإهتمام ده حتى من ماما، مشفتش منها خــــوف الأم على بـ.ـنتها ولا نصايحها ليها، إتعودت من صغرى إن صوتى من دmاغى، قراراتى باخدها لوحدى وإعتمادى كله على نفسى، متعودتش أقول لحد أنا رايحة فين وجاية منين، حتى الضوابط والحدود اللي في حياتى أنا اللي حطيتها لنفسى، أنا آسفة لإنك إرتبطت بواحدة تقريبا من غير أهل ويمكن تتعب معاها عشان تتعود على طبعك وقواعدك.
لتصمت لثانية قبل أن ترفع رأسها وتواجه عيناه بحـ.ـز.ن ظهر في عينيها قائلة بمرارة:
لو حابب منكملش، أنا...
وضع أصابعه على شفتيها قائلا:.
مفيش حاجة هنا إسمها لو، ملكيش أهل، هكون أنا أهلك وكل ما ليكى واللي إتحرمتى منه هعوضهولك وأكتر، أما طبعى وقواعدى فأنا مليش قواعد، أنا بس بحبك وبخاف عليكى، مش همنعك تعملى اللي انتى عايزاه مادام مش هيضرك ومادام هكون معاكى خطوة بخطوة، وعايزك تكونى متأكدة إن محدش بيختار قدره، وإنتى قدرى ياسها، أحلى وأجمل قدر.
أغروقت عيناها بالدmـ.ـو.ع وسقطت على وجنتيها، تنظر إليه بعشق ملك عليها جوارحها، تمنى لو ضمها إلى صدره وإحتوى دmـ.ـو.عها تلك ومشاعرها التي غمرتها وغمرته معها، ولكنه مسح دmـ.ـو.عها بيده بحنان، لا يعكس تلك القوة التي يقاوم بها نفسه، كي لا يغمرها بين ذراعيه، فلم يصبح من حقه بعد فعل ذلك، ليقول بشوق:.
تكلمى مامتك تاخد ميعاد من آنكل فوزى وياريت يكون في أقرب وقت، وت عـ.ـر.فيهم إنى هكتب الكتاب، ولما نجمع مؤيد ولين مع بعض، هعمل الفرح علطول، مفهوم؟
إبتسمت من وسط دmـ.ـو.عها وهي تومئ برأسها بسعادة ليبتسم بدوره، وهو ينظر إليها، بعشق.
كانت لين تجلس في كافيتريا المستشفى، على طاولتها، مطرقة الرأس، يتابعها مؤيد من بعيد، يطمأن فقط عليها، كاد أن يعود أدراجه وهو يتأكد من أنها بخير رغم أنها لم تلمس فنجال قهوتها الذي طلبته، حين رآها تمد يدها ترجع خصلاتها التي توارى وجهها عنه خلف أذنها اليسرى، ليقف متجمدا وهو يرى تلك الدmـ.ـو.ع المتساقطة من عينيها، دmعة تلو الأخرى، بشكل مزق نياط قلبه، أدرك أنه لابد وأن يتدخل، فإقترب منها بسرعة وتوقف أمامها تماما وهو يقول بصوت حاول أن يجعله بـ.ـاردا قدر الإمكان:.
قهوتك بردت على فكرة.
لاحظ تجمدها الذي دام لثوان قبل أن تمد يدها تمسح دmـ.ـو.عها من على وجهها، ثم ترفع وجهها إليه قائلة بهدوء خلب لبه رغما عنه:
بحبها بـ.ـاردة.
إبتسم بسـ ـخـــريــة وهو يجلس على هذا الكرسي أمامها قائلا:
اللي أعرفه إنك كنتى بتشربيها سخنة.
نظرت إليه قائلة بهدوء:.
كنت بشربها سخنة عشان إنت بتشربها كدة، زي ما كنت بقرا روايات الرعـ.ـب رغم خــــوفى منها عشان إنت بتحبها، لكن الحقيقة إن أنا مبحبهاش وبفضل عليها البوليسية.
إنتابته دهشة عميقة بوجدانه ولكنها لم تظهر على وجهه وهو يدرك أنها كانت تفعل فقط ما يعجبه، ترى هل أحبته بصدق ذات يوم؟
نفض أفكاره وهو يتساءل قائلا:
طب وسيناترا؟
تراجعت للخلف تستند بظهرها إلى المقعد قائلة:.
لأ، سيناترا ده بقى كان بجد مطربى المفضل. إنه كمان طلع مطربك المفضل، كانت صدفة مش أكتر.
مال يشبك أصابع كفيه أمامه وهو ينظر إليها قائلا:
مبقاش خلاص.
عقدت حاجبيها قائلة:
يعنى إيه؟
تراجع ليستند إلى مقعده بدوره قائلا بلا مبالاة:
يعنى أي حاجة كانت بتجمعنى بيكى كرهتها، ومبقتش تمثلى أي شئ، سيناترا، القهوة، منظر الغروب، أفلام الرعـ.ـب، حتى الجري الصبح، بطلته وبقيت بجرى بالليل.
تأملته بقلب تمزقت دقاته ألــما، ولكنها تمالكت نفسها لتنظر إلى عيونه قائلة بثبات:.
قطع الصور اللي بتجمعنا كمان، وإكره كل حاجة بتفكرك بية، حتى إسمى حرم تقوله على شـ ـــفــايـــ ـفك، وكل ما تمر ذكرى جمعتنا في خيالك غمض عنيك وإطردها، بس برده مش هتنسانى، هفضل جوة قلبك، بجرى في دmك، حروفى هتفضل بين أنفاسك، وكل ما هتحاول تنسانى هتفتكرنى أكتر، لو أنا كنت قدرت أنساك وأنا مفكراك خـ.ـا.ين، يبقى هتقدر إنت تنسانى يامؤيد، ومن دلوقتى بقولك، إنك مش هتقدر.
لتنهض، تحمل فنجال قهوتها تشربه مرة واحدة، ثم تتركه على الطاولة وتلتفت مغادرة المكان بكـبـــــريـاء حمل إعجابا إلى عينيه، ليبتسم بهدوء قائلا:
مميزة، مختلفة، وتستاهلى الحب اللي حبيتهولك.
ليطرق رأسه قائلا بنبرة حزينة بعض الشئ:
بس الحب مش كل حاجة، الأهم من الحب، الثقة، والثقة دى ضاعت مابينا خلاص يالين.
ليرفع رأسه مجددا بإتجاه طيفها المغادر وهو يقول:
ومعتقدش ممكن ترجع تانى.
وقفت شاهيناز أمام باب منزل مؤيد ترن جرس الباب دون جدوى، فلا أحد يجيب، لتقول بعصبية:
روحت فين بس يامؤيد؟أنا متأخرتش أوى يعنى.
لتعقد حاجبيها مستطردة:
أوعى تكون نزلت، بجد هزعل منك، وأنا زعلى وحش.
لتمد يدها في حقيبتها تبحث عن هاتفها، حتى وجدته، لتتصل بمؤيد، إستمعت إلى تلك الرسالة لتقول في حنق:
تليفونك كمان مقفول.
لتنظر إلى الهاتف قائلة بوعيد:.
طب أنا هستناك في العربية يامؤيد، وأبقى ألاقيك راجع ومعاك واحدة، ساعتها هقلب الدنيا على دmاغك، وهعرفك مين هي شاهيناز حسان.
لتعيد هاتفها إلى حقيبتها وهي تتجه إلى المصعد لتستعد لقضاء ليلة طويلة في سيارتها إنتظارا لمؤيد الذي ما إن غادرته حتى نفذ تهديده لها وذهب ليقضى الليلة مع إحداهن، فهي إن قبلت بتصرفاته تلك في الماضى فلن تقبل بها بعد أن إعترفت له بمشاعرها وأصبح لها، قلبا وقرييا سيصبح لها بكل مافيه.
قالت جورية بإبتسامة:
أنا مضطرة أمشى ياليلة.
قال خالد بلهفة:
وتمشى ليه بس؟
ليتبادل كل من ليلة وفراس النظرات، بينما قالت جورية بإرتباك:
الوقت إتأخر وبتهيألى المفروض أسيب ليلة ترتاح، وهجيلكم بكرة المطار في الميعاد.
قالت ليلة بإبتسامة:
أنا مرتاحة وانتوا جنبى، والطيارة أدامها ٤ ساعات، مش مستاهلة تروحى المعادى وتيجى تانى، مش هتلحقى تقعدى في بيتك أصلا.
إبتسم خالد في نفسه فقد قالت ليلة ما يود أن يقوله كلية، ووفرت عليه الإحراج، ليعقد حاجبيه وهو يستمع إلى كلمـ.ـا.ت جورية التالية وهي تقول:
الحقيقة أنا كنت بس عايزة أطمن على خالتى جليلة عشان سايباها لوحدها.
عقد فراس حاجبيه قائلا بصدmة:
خالة جليلة هنا في مصر، وسايبة جدك عزيز في الوادى، أهي دى عمرها ما حصلت ولا كنت أصدقها أبدا.
قالت جورية بإرتباك:.
أيوة، أصلها، مرضيتش تسيبنى لوحدى وصممت تيجى معايا عشان تخلى بالها منى.
لاحظ خالد سحابة الحـ.ـز.ن تلك والتي مرت بعينيها سريعا، ليقول بهدوء:
خلاص ياجورى، تعالى هوصلك.
نظرت جورية إليه بإضطراب قائلة:
لأ، أرجوك، متتعبش نفسك، أنا هتصل بأي شركة توصيل، وهم...
قاطعها خالد قائلا في حزم:
لأ طبعا، تتصلى بيهم إزاي وأنا موجود، تعالى معايا هوصلك لشقتك تتطمنى على خالتك وهرجعك هنا تانى، متقلقيش.
نظرت جورية إلى كل من فراس وليلة، ليومأوا لها برأسهما، فتنهدت قائلة:
تمام، يلا بينا.
لتتقدmه ويبتعدا في هدوء تتبعهما عيون العروسين ودعواتهما.
كان خالد يقود السيارة بهدوء تجاوره جورية التي شعرت بالإضطراب في قلبها، تتسارع دقاتها، كلما تلامست يدها مع يده بالخطأ، فحين أرادت تغيير الأغنية في كاسيت السيارة حيث كانت الأغنية ناعمة ورومانسية للغاية تمس شغاف قلبها، تلامست أصابعها بأصابعه وهو يمد يده يرفع درجة صوت الأغنية، ليشتعل القلبان بالمشاعر حين تلامست الأصابع، وحين أطار الهواء خصلاتها فدخل في عينيها وأدmعت أرادت منديلا فتلامست أيديهما وهو يمد يده ليسحب لها منديلا، ليبعدا في كل مرة أيديهما عن بعضهما البعض على الفور وهما يتحاشان النظر إلى بعضهما البعض حتى لا تخونهما مشاعرهما فتفضحها أعينهم، وكأن أفكارهم وردود أفعالهم تجاه مشاعرهم متطابقة، أو ربما هو القدر والذي يتركهما الآن في نار متأججة يبغيان منها الفكاك، ولكن لا مهرب من القدر، إنتفضت على صوت خالد ينادى بإسمها ويخرجها من أفكارها، لتنتفض وهي تلتفت إليه على الفور بتساؤل، ليقول بدهشة:.
خضيتك؟
هزت رأسها نفيا قائلة:
لأ، أنا بس، كنت بفكر.
نظر إليها للحظة قبل أن يعاود النظر إلى الطريق قائلا:
بتفكرى في إيه؟
أطرقت برأسها قائلة بنبرات رغما عنها ظهر الحـ.ـز.ن فيهما:
أبدا، ولا حاجة.
نظر إليها مجددا مترددا للحظة قبل أن يحسم أمره ويركن السيارة على جنب، رفعت جورية رأسها ظنا منها أنهما وصلا إلى وجهتهما، فوجدت أن خالد قد توقف بجانب الطريق، لتنظر إليه في تساؤل، تأمل خالد عيونها البنية ذات الأهداب الطويلة والتي ترمش بها الآن بتـ.ـو.تر من تأمله لها، ليبتسم بداخله من رقتها الشـ.ـديدة وخجلها الذي يظهر في تلك الوجنتان الحمراوتان، ليأخذ نفسا عميقا قبل أن يقول:.
جورى، أنا مش هضغط عليكى تانى عشان أعرف حقيقة اللي بيحصل بينا، أنا هعرف قريب، وبطريقتى، بس لازم أعترف إن جوايا ليكى مشاعر بحسها لأول مرة في حياتى، والمشاعر دى مش بسبب أحلامى بيكى وبس، لأ، دى كانت بس البداية أما قوة المشاعر دى واللي بتزيد يوم عن يوم، فده منك إنتى، كل ما بعرفك بلاقى مشاعرى بتتعلق بيكى أكتر...
كادت أن تقاطعه ليضع إصبعه على شفتيها يصمتها، إبتلعت ريقها بصعوبة وإصبعه يلامس شفتيها، تغيم عيناه بعشق ظهر جليا في عمق عينيه وذكرها بفهد حبيبها، ليقول وهو يبعد ناظريه عن شفتيها ينزل يده بهدوء وهو ينظر إليها قائلا:
أنا هثبتلك أد إيه بقيت بفهمك من نظرة عنيكى، أد إيه بقيت حافظ طريقة تفكيرك، كنتى هتقوليلى إنى مينفعش أحس ناحيتك بالمشاعر دى وإنى لازم أنساكى عشان خاطر مراتى وبـ.ـنتى، مش كدة.
تأملت عيونه بحيرة، فتلك هي الكلمـ.ـا.ت بعينها والتي كانت ستقولها له، ليبتسم قائلا:
هرد عليكى وأقولك، مش بإيدى، قاومت مشاعرى ناحيتك، حاولت أقسى قلبى كتير وأفكر نفسى إن كل الستات قلوبهم من حجر ومبيفكروش غير في مصالحهم وبس.
لينظر إلى الأمام قائلا في شرود:.
زي جدتى بالظبط، واللي كانت مستعدة تعمل أي حاجة في الدنيا عشان يبقالها حفيد، حتى لو داست على قلب ست غلبانة ملهاش ذنب، و مرات والدى الأولانية، اللي ياما عـ.ـذ.بتنى لمجرد إنى مش إبنها وإبن الخدامة اللي بتفكرها بإنها مقدرتش تجيب طفل لوالدى، ولما خلفت شافت فية وريث هيشارك بناتها في ورثهم فزاد تعذيبها لية، وزادت قساوتها وجبروتها لغاية ما مـ.ـا.تت، حتى والدتى اللي وافقت تبيع ضناها ولما فاقت كان فات الأوان.
رق قلب جورية لألــمه وتمنت لو مدت يدها الآن وربتت على يده تؤازره، وتمنحه عطفها ولكنها تدرك أنها إن أمسكت يده لن تتركها أبدا، لتفيق من أفكارها على صوته وهو ينظر إليها قائلا:.
أنا ربيت إخواتى بنفسى وعارف هم إيه، وإزاي مختلفين بس كنت فاكر إنهم بس كدة عشان تربيتى، مكنتش أعرف إن لسة في الدنيا دى حد زيهم، حد رقيق وحنين وطيب وممكن يفضل سعادة غيره على نفسه، زي ما إنتى مصممة تضحى بسعادتك عشان خاطر شاهيناز وريم، رغم معاملة شاهيناز ليكى ورغم إنك متأكدة إنها متستاهلش.
أطرقت برأسها قائلة:
إنت فاهم غلط على فكرة، أنا مش بضحى بسعادتى ولا حاجة، أنا...
قاطعها وهو يرفع ذقنها بيده قائلا:.
تقدرى تبصى في عيونى وتقوليلى إنك مبتحبنيش؟
نظرت إلى عيونه تحاول أن تنطق بتلك الكلمـ.ـا.ت فلم تستطع ليبتسم بثقة ومع إبتسامته وجدت القوة لتقول بثبات:
أنا فعلا مبحبكش، أنا بحب فهد، خطيبى، يمكن شفت فيك حاجات منه، بس أكيد مش هحبك زي ما حبيته، فهد مـ.ـا.ت ومـ.ـا.تت معاه مشاعرى ياخالد، لازم تفهم ده كويس، ولو بجد جواك مشاعر من ناحيتى إنساها وإنسانى، لا أنا هقدر أحبك ولا إنت هتقدر تبعد عن عيلتك.
ترك ذقنها وهو ينظر إليها مليا، يتأمل عينيها الكاذبتان، يعلم في قرارة نفسه أنها تحبه مثلما يحبها، ربما أحبت فيه حبيبها المتوفى، ربما تناسخت روح فهد وذكرياته فسكنته، مئات الإحتمالات واردة ولكن الحقيقة الوحيدة الآن، أنه يحبها، وهي تحبه، شاءت أن تعترف بمشاعرها أو أبت، فلقد قرر أن يطـ.ـلق العنان لمشاعره ويستجيب لها، وسيدع القدر يحدد مصير تلك العلاقة، ليدير محرك سيارته قائلا بثبات:
هنشوف ياجورى، هنشوف.
↚
أفعى حقا تكونين
تخونين الجميع ولا تستثنين
تقــ,تــلين كل من حولك، تدmرين
ولكن أنا لك بالمرصاد أحمل السكين
سأخـ.ـنـ.ـق أنفاسك ثم أقطع رأسك اللعين
ليرتاح قلبى الذي يطالب بثأره منذ سنين.
قال خالد بهدوء ما إن دلفت جورية إلى السيارة مجددا:
أخبـ.ـار خالتك جليلة إيه؟
ظهر الحـ.ـز.ن رغما عنها على ملامحها وهي تقول:
نايمة.
كاد أن يدير السيارة ولكنه توقف قائلا:
هو أنا ممكن أسألك سؤال شخصى؟
نظرت إليه، يدق قلبها بقوة، تخشى أسئلته الشخصية لها ولا تعرف كيف ستجيب عليها، ولكنها أومأت برأسها بهدوء، ليستطرد قائلا:
هو إيه اللي جواكى و مزعلك أوى بالشكل ده، أرجوكى إفتحيلى قلبك ومتخبيش عنى حاجة.
نظرت إليه للحظات تبغى هربا من كلمـ.ـا.ت لا تود قولها، فهو شئ خاص بها، لتدرك أنه جزء منها حتى وإن حاولت الإنكار، أو إبعاده عن حياتها، يظل فهد أو خالد، لا فرق بينهما، هو الأقرب لروحها، لتشيح بنظراتها عنه، تنظر إلى الأمام قائلة بحـ.ـز.ن:.
خالتى جليلة مش جاية معايا عشان تطمن علية زي ماقلت، دى جاية زعلانة من جدى، لأول مرة أشوفها زعلانة بالشكل ده، أنا عارفة إنها مكنتش نايمة، بس هي حاولت تعمل نفسها نايمة عشان متتكلمش، حسيت أول ما دخلت بصوتها وهي بتبكى بس كتمت صوت بكاها أول مادخلت أوضتها، أنا عارفة إنها محتاجة تبقى لوحدها وإنها مش حابة تتكلم، بس كان نفسى تتكلم معايا وتفضفض، أنا زعلانة عليها أوى، وزعلانة من جدى بجد.
قال خالد في حنق:.
هو بصراحة جدك مستفز أوى، أنا لولا مكالمة فراس لية وأنا في المزرعة، أنا كنت...
قاطعته جورية قائلة بسرعة:
بالعكس على فكرة، جدى طيب جدا، يمكن مفيش أطيب منه في الدنيا، بس هو ساعات بيحبكها شوية، من خــــوفه علينا مش أكتر، أصل إنت متعرفش حكاية ماما وبابا، واللي أثرت فيه جدا وخليته بيخاف علية أكتر...
لتنظر إلى الأمام مجددا وهي تقول بشرود:.
جدى مش اللي حكالى على قصتهم، جدى أصلا مبيتكلمش خالص عنهم، خالتى جليلة اللي قالتلى، في يوم من الأيام بابا جه إشتغل عند جدى في المزرعة، شاف ماما، ووقعها في حبه، كان قاصد يوقعها علشان طمعان فيها، ولما جدى رفض جوازهم لإنه شاف طمع بابا في عينيه، ماما هـ.ـر.بت مع بابا، تصور بابا إن جدى هيسامح ماما بعد الجواز، وهيرجعوا يعيشوا في المزرعة من تانى، بس جدى مسامحهاش، فإبتدى بابا يبان على حقيقته، معاملة وحشة وسكر وقمار، وماما إستحملت عشان خاطرى ولإنها كانت فاكرة إن جدى مش ممكن يسامحها لو رجعتله، وفى يوم جيت أصحى ماما مصحتش، جريت على جارتنا وطلبت مساعدتها، مكنتش أعرف إن ماما كدة تبقى مـ.ـا.تت، لما جارتنا شافت ماما وعرفت، حاولت توصل لبابا معرفتش، دورت في أوراق ماما، ولقت تليفون خالتى جليلة كلمتها وبسرعة كانت هي وجدى عندنا في البيت، وعلى ما جم كنا إكتشفنا إن بابا كمان مـ.ـا.ت بجرعة زايدة من الهيروين، الإتنين مـ.ـا.توا في ليلة واحدة، هي إرتاحت من عـ.ـذ.ابها وهو...
تنهدت ثم إستطردت قائلة:
الله يرحمه بقى، مع الأسف في اليوم ده بقيت يتيمة فعلا، دفنا ماما وبابا ورجعنا المزرعة، أنا فاكرة حالة جدى أيامها كانت عاملة إزاي، كان متحطم، ولولا وجودى في حياته مش بعيد كان جراله حاجة، زي ما لولا وجوده في حياتى أنا كنت ضعت.
إنتفضت على يده التي مسحت دmـ.ـو.عها والتي سقطت على وجنتيها دون أن تدرى، لتنظر إليه فوجدته يتأملها بحنان، أخفض يده قائلا:.
ماضى عدى بحلوه وبمره، وإنتى النهاردة بكل مافيكى من تكوينه، ربنا سخر جدك عشان يحميكى ويربيكى وسـ.ـخرك عشان تعوضيه عن بـ.ـنته، أنا مش عايزك تزعلى كل ما تفتكرى الماضى، حتى لو قصة مامتك وباباكى حزينة فكفاية إنك كنتى نتيجتها، ولا إيه؟
نظرت إلى عينيه تذوب بهما وبنظرتهما الحانية وبنبراته التي مرت على أحزان قلبها فجعلتها رمادا، ليقول في مرح ذكرها بفهد:
وبعدين كلامك خلانى أحب جدك، مش بالذمة دى معجزة أصلا؟
إبتسمت جورية رغما عنها، وكادت أن تقول، أحببته في الماضى وليس غريبا أبدا أن تحبه مجددا ولكنها آثرت الصمت وهي تومئ برأسها، ليدير خالد سيارته وهو يقول:
يلا بقى زي الشاطرة، قوليلى جدك عمل في خالتك جليلة إيه، حد بالذمة يزعل البسكوتة دى؟
إبتسمت وهي تقول:
هحكيلك ياخالد، هحكيلك.
كان الوداع في المطار مؤثرا للغاية، خاصة لهؤلاء الذين يودعون قطعة من روحهم قبل السفر، فعيون لين لم تحيد عن مؤيد الذي حاول تجاهلها قدر الإمكان ولكنه كان يجد عيناه تعود إليها لتلتقى بعينيها، يرى بهما رجاءا وطلبا للغفران، فيشيح بنظراته عنها رافضا أن يرق قلبه لها، فتصيبه بنيران الشك من جديد، ليجد نفسه مجددا يعود إلى عينيها فيجدها تغمضهما على دmعة مزقت نياط قلبه، كاد أن يذهب إليها، يأخذها بين أحضانه، يطمأنها بأنه لها قلبا وقالبا، حتى وإن لم يستطع لها غفرانا، فكيف يمنحها أملا في الغفران، وهو لا يعتقد أنه قادرا على أن يسامحها يوما، فهي لم تسامحه عنـ.ـد.ما ظنت أنه يخـ.ـو.نها، لم تمنحه حتى فرصة للتبرير، فرصة للدفاع عن نفسه من تهمة هو برئ منها، فكيف يغفر لها ظلمها له وشكها به، منحها ظهره وهو يقسى قلبه، كما فعلت هي منذ مايقارب من أربعة سنوات، قضاهم بعيدا عنها في ألــم وحـ.ـز.ن ومرارة، يظن أنها تركته من أجل طفل، طفل لاذنب له في حرمانها منه.
أما جورية فكانت تقف مع ليلة تحدثها على جنب، بينما كان هناك من لا يحيد بناظريه عنها، يود لو طلب منها السفر معهم رغم إستحالة تلبيتها لهذا الطلب الغريب، يود لو لم يفارقها قط، ولكن لابد وأن يفعل فأخته تحتاجه بجوارها وهو يحتاج لأن يطمأن عليها، فإكتفى بوداعها بعينيه ولكن قلبه لن يودعها فهي نبضاته، يعترف بكل قوة دقاته أنه بات يعشقها، وأنه عند عودته سيضع حدا لزواجه من تلك الشاهيناز والتي لم تهتم بأخته ولم تتصل به حتى لتطمأن على حالتها، عنـ.ـد.ما يعود سيطلب الزواج من جورية، حتى وإن رفضت لخــــوفها على حياته الزوجية سيثبت لها بالدليل القطعي أن زواجه من شاهيناز منهار كلية من قبل حتى أن يعرفها، وسيمنحها ورقة طـ.ـلا.قه كدليل على ذلك.
، أفاق من أفكاره على صوت مؤيد وهو يقول له بحزم:
خالد، عايزك في كلمتين قبل ما تسافر.
نظر خالد إلى ملامح مؤيد المتـ.ـو.ترة قبل أن يهز رأسه موافقا بهدوء، مشيرا له بأن يتقدmه، ليتقدmه مؤيد بينما ألقى خالد نظرة أخيرة بإتجاه جورية التي حانت منها إلتفاتة إليه لتتلاقى عيناها مع عينيه ليبتسم لها فبادلته إبتسامته بإبتسامتها الرقيقة والتي سارعت من نبضاته قبل أن تعود بناظريها إلى ليلة التي قالت لها شيئا ما، ليتنهد خالد قبل أن يتبع مؤيد، بهدوء.
قالت لها ليلة بإبتسامة ماكرة:
نظرات وإبتسامـ.ـا.ت، هو فيه إيه بالظبط؟
أشاحت جورية بعينيها عن عيون خالد وهي تنظر إليها قائلة:
هيكون فيه إيه يعنى؟بقينا يا ستي أصحاب، فيها حاجة دى؟
قالت ليلة بإستنكار:
أصحاب، يادى الخيبة القوية، يعنى إنتى عايزة تفهمينى إن خالد معتبرك صديقة وإنتى حولتى مشاعرك من منطقة الحب لمنطقة الصداقة فجأة كدة؟
قالت جورية بهدوء:.
ماهو لازم أعمل كدة، مش ممكن يكون بينى وبين خالد أكتر من الصداقة.
قالت ليلة بحزم:
قصدك مش ممكن يكون بينك وبين خالد صداقة، الصداقة ممكن تتحول لحب لكن الحب مستحيل يتحول لصداقة، متخدعيش نفسك، مشاعركم ظاهرة في عيونكم، وحبكم واضح انه قدر، زي حبى وحب فراس، مهما هربنا منه لاقيناه في وشنا، قالوها في الأمثال القدر والمكتوب مفيش منه هروب.
قال فراس وقد إقترب منهم في تلك اللحظة بإبتسامة:.
سامع إسمى، جايبين في سيرتى ليه؟
إبتسمت كل من ليلة وجورية لتقول ليلة بمزاح:
مجبناش سيرتك ولا حاجة، انت اللي بتتلكك.
نظر إليها فراس وهو يرفع أحد حاجبيه بإستنكار:
بتلكك؟طيب ياليلة، تقومى بس بالسلامة وأنا هوريكى مين فينا اللي بيتلكك.
إتسعت إبتسامة ليلة قائلة:
لأ وعلى إيه؟أنا ياسيدى اللي بتلكك، أنا مش أدك على فكرة، وإنت هتستقوى علية.
أمسك يدها يرفعها إلى شفتيه يقبلها بحنان قائلا:.
لو إستقويت على الدنيا بحالها، مش ممكن أستقوى على أميرتى.
تاهت بين ثنايا نظراته العاشقة ونبراته الحانية وقبلته التي سارعت من دقات قلبها، لتقول بحب:
ربنا يخليك لية يافراس وميحرمنيش منك.
إبتسمت جورية وهي تطالع هذان العاشقان لتدرك أن النهاية السعيدة لا تقتصر على الروايات أو الخيال فحسب بل قد نجدها في الحقيقة، فقد تحمل الحياة نهاية سعيدة لقصص العشق، والدليل على ذلك، هي قصة فراس وليلة والتي قد تحولها جورية يوما إلى رواية بعنوان، حدث بالفعل.
حانت لحظات الوداع الأخيرة، مع النداء على ركاب الطائرة المسافرة إلى بـ.ـاريس، ليقول خالد لمؤيد:
وصل جورية لبيتها يامؤيد، وإطمن إنها طلعت البيت قبل ما تمشى.
نظر الجميع إلى بعضهم البعض بنظرات ذات مغزي في ماعدا تلك التي إستشاطت غـــضــــبا وهي ترى ترحيب مؤيد الحار بهذا الطلب، وهو يقول:
أكيد طبعا.
بينما اعترضت جورية قائلة بإضطراب:
مالوش لزوم أنا هاخد تاكسى...
قاطعها مؤيد قائلا بلهجة قاطعة النبرات:.
مينفعش طبعا، أنا مصر يآنسة جورية.
لتنظر جورية بتردد إلى خالد الذي اومأ لها برأسه بهدوء، يخفى غيرة حارقة فرغم أن إيصال مؤيد لجورية إقتراحه هو، إلا أن تباسط مؤيد معها ونطقه بإسمها في أريحية، أشعل في قلبه النيران، تشاركه نيرانه لين، التي رغم إدراكها بقصة الحب التي تجمع أخيها مع تلك الجورية، إلا أن إصرار مؤيد على إيصالها للمنزل أثار حنقها، وغيرتها.
قالت جورية موجهة حديثها إلى ليلة:.
ترجعيلنا بالسلامة بإذن الله ياليلة.
إبتسمت ليلة إبتسامة باهتة فهي تخشى تلك السفرية التي قد تمنحها أملا للحياة أو توأد هذا الأمل وتقــ,تــل في جوفها الأنفاس، بينما قالت جورية لفراس:
خد بالك منها يافراس.
نظر فراس إلى ليلة التي بادلته نظراته قائلا بحنان:
ليلة في عينية.
ليوكزه خالد في كتفه قائلا:
طب يلا ياعم الحنين، الطيارة هتفوتنا.
إبتسم الجميع ليتجه العروسين إلى الطائرة، بينما تبعتهما لين بعد أن ألقت نظرة طويلة على مؤيد الذي بادلها إياها في صمت، ليكون خالد آخر المغادرين، قبل مغادرته ظهر تردده وكان من الواضح أنه يريد أن يقول شيئا لجورية التي تعلقت عيناها بعينيه ليتنحنح مؤيد قائلا:
إحمم، هستناكى برة في العربية.
نظرت جورية إليه تومئ برأسها بهدوء ليغادر مؤيد قبل أن تعود بنظراتها إلى خالد الذي قال بنبرات حانية:.
خدى بالك من نفسك ياجورى.
أومأت برأسها في صمت فلم تجد لديها قدرة على الكلام، تشعر بأنها تودعه للمرة الثانية، تخشى ان يكون وداعه لها كسابقه، بلا أمل في اللقاء، ليقول بتردد:
لو تسمحيلى أبقى أكلمك وأطمن عليكى؟
قالت جورية بضعف:
خالد أنا...
قاطعها بوضع إصبعه على شفتيها قائلا:
من فضلك مترفضيش.
نظرت إليه في حيرة إمتزجت بالخجل لينزل إصبعه عن شفتيها وقد أثار ملمسهما الناعم وإرتعاشتهما فيه أعتى المشاعر، ليستطرد قائلا:
ياريت، متحرمنيش من إنى أسمع صوتك، فيه كلام جوايا نفسى أقولهولك، بس مع الأسف، الوقت مش مناسب، بس أوعدك لما أرجع هنقعد ونتكلم، لازم نحط النقط على الحروف.
ظلت تنظر إليه في حيرة لا تدرى كيف تتصرف، تتمزق بين رغبتان، إحداهما قطع كل أمل قد يكون لديها ولديه عن مستقبل لعلاقتهما، وبين أن تترك الباب مواربا، وهنا لن تستطيع التراجع بل تثق بأنها ستستسلم وترفع رايتها البيضاء مع أول كلمـ.ـا.ت عشقه، لتنتصر رغبة القلب على كلام العقل في تلك اللحظة خاصة وأنها تشتاق له منذ الآن، لتومئ برأسها إيجابا في هدوء، فإبتسم بإرتياح، ثم قال:
أشوف وشك بخير.
إبتسمت له ليلتفت مغادرا ثم توقف بغتة وهي تنادى بإسمه ليلتفت ناظرا إليها، فقالت بنبرات رغما عنها حملت عشقها له:
لا إله إلا الله.
عقد حاجبيه وذكرى أخرى تطل أمامه حية وهو يراها تقول له نفس الكلمـ.ـا.ت، لتنفرج عقدة حاجبيه وهو يردد كما ردد في تلك الذكرى وبنفس التعبير قائلا:
محمد رسول الله، هتوحشينى ياجورى، بس هرجعلك بسرعة وده وعد منى.
إتسعت عيناها بقوة ليبتسم قبل أن يلتفت مغادرا بسرعة وهو يقول بصوت هامس:.
تناسخ أرواح أو قدر، أو حتى أحلام، خلاص ياجورى خلصت الحكاية، وجورية بقت لخالد وخالد بقى لجورية.
بينما تابعته جورية بعينيها قبل أن تتنهد وتلتفت مغادرة بدورها، وهي تشعر أنها قاب قوسين أو أدنى من الإستسلام كلية للماضى ونفض فكرة النسيان، للأبد.
كانت شاهيناز تغفو على مقود سيارتها حين أيقظها بقوة صوت زمور سيارة، لتعتدل وهي تنظر حولها بحنق، تدرك أنها قد نامت وهي تنتظر وصول مؤيد للمنزل، نظرت بسرعة إلى مكان سيارة مؤيد فلم تجدها، ليزداد حنقها وهي تدرك أنه لم يعد بعد، إذا فلقد قام بالمبيت لدى تلك الفتاة التي قضي معها الليلة، اللعنة عليه، ستريها وتريه غـــضــــب المرأة حين يخـ.ـو.نها من تحب، أدارت محرك سيارتها، وكادت أن تذهب إلى المنزل حين رأت سيارة مؤيد تعبر بجوارها لتقف في مكانها بهدوء قبل أن يترجل منها كل من مؤيد ونبيل، لتوقف المحرك وهي تهبط من السيارة بعصبية وتتجه إلى مؤيد الذي ما إن رآها حتى إتسعت عيناه في دهشة قائلا:.
شاهيناز.
تجاهلت نظرات نبيل الساخرة، وهي تقول بحنق:
أيوة شاهيناز، شاهيناز اللي فضلت مستنياك طول الليل في عربيتها، كنت فين يامؤيد؟أكيد كنت بتتسرمح مع البيه.
إنتفخت أوداج نبيل غـــضــــبا وتقدm تجاهها خطوة ليوقفه مؤيد بيده وقد تجمدت ملامح مؤيد لتصبح ببرودة الثلج مما أصاب شاهيناز بالقلق والتـ.ـو.تر، خاصة مع تلك النبرات الصارمة والتي قال بها مؤيد كلمـ.ـا.ته موجها حديثه لنبيل قائلا:
إطلع فوق يانبيل.
نظر إليه نبيل فإستطرد مؤيد قائلا:
حالا.
أخذ نبيل نفسا عميقا قبل أن يبتعد مغادرا بينما أمسك مؤيد ذراع شاهيناز في قسوة وهو يبتعد بها متوجها إلى سيارتها قائلا في صرامة:
مش أنا اللي تيجى واحدة تفتكر نفسها ملكتنى، تسألنى رايح فين وجاي منين، لأ وتهزأ صاحبى أدامى كمان، لولا العشرة اللي بينا أنا كان بقالى تصرف تانى معاكى، إتفضلى إركبى عربيتك دلوقتى ومشوفش وشك تانى، مفهوم؟
توقفت شاهيناز وهي تقول له متوسلة:.
إستنى بس يامؤيد، أنا آسفة، والله العظيم آسفة، غيرتى عليك عمـ.ـيـ.ـتنى، معرفتش أنا بعمل إيه ولا بتكلم إزاي، سامحنى من فضلك، وأوعدك مكررهاش مرة تانية، بس ما تبعدش عنى تانى، أنا ما صدقت لقيتك.
رمقها ببرود، لترفع يده إليها تقبلها قائلة:
أبوس إيدك...
نفض يده فقالت والدmـ.ـو.ع في عينيها:
خلاص يامؤيد، ميبقاش قلبك قاسى كدة.
زفر مؤيد قائلا:.
خلاص ياشاهيناز، خلصنا، وعموما وعشان بس تعرفى إنى أحسن منك وإنك ظالمانى، هقولك أنا كنت فين.
ليأخذ نفسا عميقا قبل أن يقول:
أنا ونبيل كنا في إسكندرية بنشوف مكان هناك نبتدى فيه مشروع صغير كدة، وجينا عشان نجيب شوية أوراق وفلوس عشان نظبط الأمور هناك، يعنى هنرتاح شوية وهنرجع تانى.
عقدت حاجبيها قائلة:
وليه إسكندرية؟ما القاهرة كويسة.
قال مؤيد ببرود:.
عايز أبعد عن كل ذكرياتى المرة اللي هنا، وبعدين مش هتطلقى من خالد، إيه المشكلة بقى؟ماإنتى ساعتها هتكونى حرة وتقدرى تيجى معايا.
نظرت إليه في حيرة قائلة:
طيب وهتقعد أد إيه؟
قال بغموض:
مش عارف هنقعد أد إيه بالظبط، أسبوع، عشر أيام، على حسب ما نخلص، عموما إحنا هنبقى على إتصال وأول ما أرجع، هتصل بيكى عشان نتقابل علطول.
قالت شاهيناز بإحباط:
مكنتش حابة تبعد عنى المدة دى كلها.
لتنظر إلى عينيه قائلة بحب:.
هتوحشنى يامؤيد، لو بإيدى كنت سافرت معاك، بس مش هقدر أسيب ريم لوحدها، والكل مشغول بموضوع ليلة، واحتمال يفضلوا في المستشفى كتير.
إبتسم مؤيد بسـ ـخـــريــة داخل نفسه فهي لا تعلم بعد أنه تم عقد قران ليلة بالأمس وأنها سافرت مع زوجها وأخواتها لفرنسا من أجل العلاج، ولكن ملامحه ظلت ثابتة لا تعكس شيئا وهو يقول:
صحيح ليلة أخبـ.ـارها إيه؟
هزت شاهيناز كتفيها بلا مبالاة قائلة:.
معرفش عنها حاجة، إتخانقت مع خالد ومشيت ومن ساعتها مكلمتوش ولا هو كلمنى.
أومأ برأسه بهدوء ثم قال:
طيب روحى بسرعة قبل ما حد ياخد باله من غيابك.
أومأت برأسها إيجابا قبل أن تقول:
تمام وإنت متنساش تكلمنى قبل ما تسافر، وملكش دعوة بالبنات في إسكندرية يامؤيد.
رمقها بحدة، لتستطرد قائلة بسرعة:
خلاص خلاص، ميبقاش خلقك ضيق، أنا ماشية، سلام.
قال بهدوء:
سلام.
ولجت شاهيناز إلى سيارتها وأدارت محركها لتذهب بها يتابعها مؤيد بعينيه تقسو ملامحه، ليستمع إلى صوت صديقه يقول من خلفه:
بنى آدmة حقيرة ومستفزة، أنا مش عارف مستحملها إزاي بس؟
قال مؤيد بقسوة:
مضطر يانبيل، مضطر، بس هانت، كلها عشر أيام وهتاخد جزائها وساعتها هخلص منها، للأبد.
↚
كيف أماثلك عشقا وقد أصبحت أنت في العشق أسطورة
كيف أمنحك حنانا يماثل حنانا به أصبحت مغمورة
كيف أمنحك ما منحتنى وانا بكرمك مازلت مبهورة
فقط أتباهى بك بين النساء وبعشقك أصبحت مغــــرورة.
ولكننى أعشقك حد الجنون وفى سمائك أحلق مسرورة
حقا صار عشقنا قصة يتحدثون عنها وكلمـ.ـا.تها في القلوب مسطورة.
إقتربت جورية من سرير خالتها بهدوء، لتجلس بقربها للحظات بصمت قبل أن تقول بحـ.ـز.ن:
أنا عارفة إنك صاحية، وحاسة بيكى وباللى جواكى، بس الحل مش في الوحدة والبكا، صدقينى، هتتعبى أكتر، إنتى ناسية إنى مريت باللى إنتى مريتى بيه قبل كدة، وملقتش دوا لجـ.ـر.حى وحـ.ـز.نى غير في الكتابة والرسم.
إلتفتت إليها جليلة بعيون منتفخة من أثر البكاء، وإعتدلت جالسة تستند إلى وسادتها قائلة في حـ.ـز.ن:.
بس أنا لا بعرف أكتب ياجورى ولا بعرف أرسم.
إبتسمت جورية قائلة بحنان وهي تمسك بيديها:
بس عندك إيدين تتلف في حرير، تعمل من بذرة صغيرة شجرة، قومى إزرعى، عندك البلكونة بتاعتنا أهى، خليهالنا مشتل، خرجى طاقتك السلبية فيها وإنسى الألــم والحـ.ـز.ن اللي ممكن يقضوا عليكى، خلينا نفكر إن بكرة أحلى لإننا لو مفكرناش بالشكل ده هنمـ.ـو.ت ياخالتى.
نظرت إليها جليلة تتأملها قائلة بإبتسامة باهتة، ممتزجة بالحـ.ـز.ن:.
إنتى إمتى كبرتى بالشكل ده ياجورى؟
إبتسمت جورى قائلة:
من يوم ماعرفت إن الجـ.ـر.ح بيعلم بس مابيقــ,تــلش، بيقوى مبيضعفش، من يوم ماعرفت إن حتى لو نهاية قصة الحب مش سعيدة المهم إننا عشنا الإحساس وبس، فيه ناس بتقضى طول عمرها تتمنى تعيش الحب ولو للحظة، وإحنا عشناه سنين، ولا إيه ياخالتى؟
إبتسمت جليلة تلك المرة إبتسامة واضحة وهي تقول:
معاكى حق ياقلب خالتك، معاكى حق.
إبتسمت جورى قائلة:.
طب يلا قومى إغسلى وشك وحصلينى عشان نفطر، أنا جعت خالص وناوية أحضرلك أحلى فطار يليق بجليلة هانم، خالتى أنا.
إبتسمت جليلة وهي تومئ برأسها، لتنهض جورية وهي تقبل خالتها في رأسها قبل أن تغادر الحجرة، تتبعها دعوات خالتها قائلة في همس:
ربنا يريح قلبك يا بـ.ـنتي، زي ما ريحتى قلبى.
جلست ليلة بضعف على سريرها بتلك المستشفى التي ستجرى فيها عملية إستئصال ذلك الورم السرطانى، ليقترب منها فراس يساعدها على التمدد، ويدثرها جيدا وهو يقول بحنان:
إرتاحى دلوقتى ياحبيبتى، الصعب عدا خلاص.
نظرت إلى عينيه قائلة بسـ ـخـــريــة مريرة:.
صعب إيه بس اللي عدا يافراس، ده كل الموضوع حبة تحاليل وأشعات، أنا لسة معملتش العملية، واللي معرضة فيها لمخاطر كتيرة أقلها فقد كليتى، ده غير ان ممكن ميقدروش يشيلوا كل الخلايا السرطانية وأكمل علاج بالكيماوى.
جلس بجوارها يمسك يديها قائلا بحنان:.
مهما حصل فهكون جنبك، إيدى في إيدك ومع بعض هنعدى الأزمة دى، تفائلى خير ياليلة، حالتك أحسن من غيرك كتير، كفاية إن إحنا إكتشفنا المرض ده بدرى، وبإذن الله بعد العملية هتكونى زي الفل وهيقدروا يشيلوا كل الخلايا السرطانية، أنا واثق في ربنا وإنه مش هيضرنى فيكى أبدا.
نظرت إلى عينيه مليا ثم قالت بحب:
أنا قلتلك قبل كدة إنى بحبك أوى يافراس.
إبتسم قائلا:.
هي أول مرة تقوليهالى بالنظرة دى وبالمشاعر دى كمان، بس أنا متأكد إنها مش هتكون آخر مرة ياليلة.
تركت يده قائلة:
مغــــرور.
أمسك يدها مجددا يرفعها إلى شفتيه مقبلا إياها بحنان قبل أن ينظر إلى عينيها قائلا بعشق:
مغــــرور بحبك وبس، ونبض قلبك اللي بتزيد دقاته بلمستى، مغــــرور عشان أميرتى الحلوة الرقيقة سابت كل الدنيا وإختارتنى أنا عشان أكون شريك حياتها.
أطرقت ليلة بحـ.ـز.ن قائلة:
شريكها في الألــم والمرض والعـ.ـذ.اب بس يافراس.
ترك يدها وأمسك بذقنها يرفع وجهها إليه لتتقابل نظراتهما سويا ويقول بعشق ظهر جليا في نبراته:
ولو مكنتش أنا اللي أشاركك كل لحظة ألــم، مين بس اللي مسموحله يشاركك، إنتى بتشاركينى نفسى اللي طالع من صدرى، بتشاركينى نبض قلبى، فرحى وحـ.ـز.نى، من يوم ما إختارنا بعض ياليلة، وأرواحنا إتداخلت، بقت أفراحنا واحدة وآلامنا واحدة، مينفعش واحد فينا ميحسش بالتانى ويشاركه مشاعره.
ضمت يده بيدها بعيون يغشاها الدmـ.ـو.ع، تشكر الله في صمت على فراس، نعمة الله إليها، ليصل فراس إمتنانها لوجوده في حياتها بينما كان يدعو الله في صمت أن يديم ليلة كنعمة أنعم بها عليه، يرجوه أن يشفيها ويعيدها إليه سالمة بإذن الله، ليضم يدها بدوره وهو يشكر ربه على وجودها في حياته.
سمعت جورية رنين هاتفها فأمسكته في يدها تنظر إلى شاشته فوجدته رقم دولي، ليدق قلبها بعنف، نظرت لها خالتها لترى تـ.ـو.ترها الواضح على ملامحها لتقول بقلق:
مالك ياجورية، رقم مين ده؟
نظرت جورية إلى جليلة قائلة بتـ.ـو.تر:
الظاهر ده رقم فهد، قصدى خالد، لإنه رقم دولى.
قالت جليلة بسرعة:
ومستنية إيه؟ردى عليه وطمنينا على ليلة.
ثم تركتها لتذهب إلى ورودها، لتجيب جورية على الفور وهي تقول:
ألوو.
إستمعت إلى صوته الرجولي العميق، وهو يقول بنبرات أدركت فيها تـ.ـو.تره:
إزيك ياجورى؟
قالت جورية بقلق:
أنا تمام ياخالد، طمنى، صوتك قالقنى.
إستمعت جورية إلى زفرته الحارة والتي نبعت من أعماق قلبه، قبل أن يقول:
أنا فعلا قلقان ياجورى، نتيجة التحاليل طلعت، وخلاص حددوا ميعاد العملية بكرة الصبح، ورغم إن الدكاترة متفائلين بس أنا خايف، خايف على ليلة أوى، دى أول مرة أخاف بالشكل ده، خايف من إحتمال ضعيف بإنها...
لم يستطع إكمال جملته، لتفهم هي ما يعجز لسانه عن نطقه، لتقول على الفور:
قوم إتوضى و صلى وإدعيلها ياخالد، إدعيلها من قلبك وإنت واثق إن ربنا مش هيرد دعوتك، وهيقومهالك بالسلامة، أنا كمان هصلى معاك وأدعيلها وأنا واثقة إنى هشوفها تانى وهتكون بألف خير.
طال صمت خالد لتقول جورية في قلق:
خالد، إنت معايا؟
قال خالد بصوت متهدج:
معاكى ياجورى.
أدركت من نبراته المتهدجة أنه يبكى، خالد، هذا الفهد المغوار يبكى خــــوفا على أخته، ليبكى قلبها شفقة عليه، لتقول بصوت تهدجت نبراته من عبراتها التي تساقطت بدورها:
خالد، تحب أجيلك؟
قال بصوت متهدج النبرات:
كان نفسى ياجورى، بس مع الأسف مش حابب تشوفينى وأنا كدة.
قالت بسرعة:
بس أنا حابة أكون معاك.
تنهد قائلا:
مش أكتر منى، غمضى عنيكى ياجورى وهتلاقينى قصادك، زي ما انا شايفك قصادى دلوقتى.
أدركت أنه يغمض عيناه الآن لتغمضهما بدورها وتراه متمثلا أمامها حقا، لتبتسم ومع إبتسامتها وجدته يقول:
أحلى إبتسامة من أحلى جورية، أنا هقوم أصلى وفى صلاتى هدعى لليلة وهدعى كمان ربنا يجمعنى بيكى في أقرب وقت، خدى بالك من نفسك ياجورى.
فتحت جورى عيناها لتقول:
وإنت كمان خد بالك من نفسك ياخالد وطمنى على ليلة أول ما تخلص العملية.
قال خالد بحنان:
هطمنك، لا إله إلا الله.
قالت جورية:
محمد رسول الله.
ثم أغلقت هاتفها وهي تنظر إلى شاشته، تتنهد في حـ.ـز.ن لأنها ليست بجوار خالد في لحظة ضعفه تؤازره، وفى شوق عميق له، تود من كل قلبها لو سافرت إليه، ولكنها للأسف، لا تستطيع.
كانت شاهيناز تجول في حجرتها بهياج وهي تتصل برقم خالد ربما للمرة الألف، تشعر بالغليان لعدm إجابته على إتصالاتها المتكررة، فمنذ أن عادت للمنزل وعلمت من مدبرة المنزل أن خالد قد سافر مع أختيه إلى فرنسا لعلاج ليلة، وأنه حادث مدبرة المنزل هاتفيا وأخبرها بذلك، موصيا إياها على صغيرته ريم حتى يعود، وهي في حالة غـــضــــب شـ.ـديد لتجاهله إياها بهذا الشكل، لا يجيب على إتصالاتها أيضا وحتى عنـ.ـد.ما يحادث طفلته وتأخذ منها الهاتف لتحادثه، يغلق الهاتف في وجهها، تدرك أنه يعـ.ـا.قبها لتركها إياهم بالمستشفى وعدm إتصالها به، ولكنه زاد الحد في هذا العقـ.ـا.ب، ولولا غياب مؤيد ما إهتمت له، وليذهب إلى الجحيم، فلن تبالى.
أمسكت هاتفها تتصل به مجددا وإنتظرت حتى آخر رنين له فلم يجبها، لتتصل بمؤيد وهنا سمعت تلك الرسالة الآلية والتي تخبرها بأن الهاتف مغلق، لتزفر بحنق وهي تلقى بالهاتف على السرير قبل أن تتجه إلى الحمام لتأخذ حماما دافئا تريح به أعصابها المشـ.ـدودة، وتطفئ به لهيب قلبها المحترق، غـ.ـيظا.
خرج الطبيب المصري والطبيب الفرنسي من حجرة العمليات ليسرع إليهما الجميع، كان خالد هو أول من وصل إليهما ليقول بلهفة موجها حديثه إلى الطبيب المصري:
خير يادكتور، طمنى أرجوك.
إبتسم الطبيب قائلا:
الحمد لله، قدرنا نستأصل كل الخلايا السرطانية عند المريـ.ـضة.
ليتحدث الطبيب الفرنسي ببعض الكلمـ.ـا.ت، فإبتسم خالد براحة شاكرا إياه بلغة فرنسية سليمة ثم شكر طبيب ليلى المصري، ليبتعدا بإبتسامة ظللت وجهيهما، وما إن إبتعدا حتى قال فراس بلهفة:
قالك إيه دكتور جان، ياخالد، طمنى؟
نظر خالد إليه قائلا بعيون تغشاها الدmـ.ـو.ع من فرط سعادته وإنفعاله، يرى تلك الدmـ.ـو.ع فراس لأول مرة في عيون خالد:.
قال إنهم كمان إستأصلوا بعض الخلايا السليمة عشان يتأكدوا إنهم قضوا على المرض نهائيا وإن لما المريـ.ـضة تفوق هيعملوا التحاليل والأشعة عشان يتأكدوا من نجاح العملية، بس هو متفائل جدا.
إندفعت لين إلى حـ.ـضـ.ـن أخيها تترك لدmـ.ـو.ع الراحة العنان في أن تشق طريقها إلى عينيها بعد أن حبستهم طويلا، ليضمها خالد إليه برفق يربت على ظهرها بحنان، بينما تمتم فراس بكلمـ.ـا.ت الحمد بعيون قد غشيتها الدmـ.ـو.ع بدوره، لا يصدق أن ليلة قد نجت من هذا المرض بهذه السهولة، فاللهم لك الحمد والشكر على كل شئ.
قام خالد بالإتصال بذلك الرقم الذي قام صاحبه بمهاتفة خالد مرارا وتكرارا، أثناء عملية ليلة فلم يجب على إتصالاته وقتها، ليقول بهدوء عنـ.ـد.ما تحدث صاحب الرقم:
أيوة، كلنا كويسين، الحمد لله، خرجت خلاص من العملية، لأ لسة مش دلوقت، أدامنا أسبوع على الأقل، متقلقش، متابعة بس وإطمئنان على حالتها مش أكتر، أيوة قبل ما أرجع هكلمك، تمام أوى، خليك هناك لغاية مانرجع...
لتقسوا عينيه في آخر المكالمة وهو يقول:.
قلتلك متقلقش، مش هتأخر، وساعتها هتقدر تنفذ كل اللي في دmاغك وأنا كمان هكون معاك، سلام دلوقتى.
ليغلق هاتفه وعيونه تزداد قسوة ليدرك من يراها الآن أن خالد في قمة حنقه، بل وغـــضــــبه أيضا.
قالت جورية بسعادة:
الحمد لله ياخالد، الحمد لله، ربنا نجاها ونجانا معاها.
إبتسم خالد قائلا:
نعمة وفضل من عنده ياجورى، هفضل أشكره العمر كله عليها.
قالت جورية بإبتسامة:
أنا هقوم أصلى حالا صلاة شكر لربنا على نعمته وهخرج عشان أخرج حاجة لله كمان شكر على إنه قومهالنا بالسلامة.
إتسعت إبتسامته وهو يقول:.
أنا خرجت خلاص، ولو مصممة يبقى تستنى لما أرجع ونخرج سوا صدقة بنية الشكر لله، أو اخرجى بالنهار، أنا خايف عليكى، متخرجيش في الوقت ده.
قالت جورية بدهشة:
الساعة لسة ستة.
إبتسم قائلا:
الليل على دخول ياجورى، إسمعى الكلام عشان خاطرى، مش عايز أفضل قلقان عليكى.
إبتسمت بداخلها لإهتمامه بها وزادها إهتمامه شوقا له لتقول بنبرات إمتلأت حنينا:
طيب إنتوا هترجعوا إمتى؟
شعر خالد بحنين صوتها، ليزفر بقوة وهو يتمنى من كل قلبه لو كانت الآن أمامه ليغمرها بين ذراعيه، يشبع توقه إليها، ولكنه إكتفى بقوله:
لسة أدامنا شوية، بيتابعوا بس حالتها، وبيتأكدوا ان محصلهاش عدوى أو مفيش أي جلطات دmوية، وهيعملوها تحاليل وأشعة ولو تمام، هنيجى مصر علطول.
تنهدت قائلة بدورها:
ربنا يتمم شفاها على خير، طمنى عليها أول بأول ياخالد.
قال خالد بحب:
عيون خالد.
صمتت وقد تسللت حمرة الخجل إلى وجهها، ليبتسم خالد وقد أدرك أنه أخجلها ليقول بعشق:
هتوحشينى ياجورى.
ظلت صامتة ودقات قلبها قد تسارعت بقوة لتستمع إليه يحادث أحدهم قبل أن يقول لها بصوته الرخيم:
جورى، أنا مضطر أقفل دلوقتى، سلام.
إستوقفه صوتها وهي تنادى بإسمه في لهفة، قائلة:
خالد إستنى.
عقد حاجبيه في حيرة قائلا:
خير ياجورى؟
قالت بنبرة رقيقة خلبت لبه وأطارت عقله:
إنت كمان هتوحشنى، لا إله إلا الله.
إبتسم وهو يقول بسعادة ظهرت على صوته:
محمد رسول الله.
ثم أغلقت الهاتف وهي تضمه إلى صدرها بعشق، لتنتفض على صوت خالتها وهي تقول بحب:
مهما هـ.ـر.بتى من مشاعرك، المكتوب مكتوب ياجورى.
نظرت جورى إلى خالتها، تجد نفسها لأول مرة منذ أن رأت خالد مجددا، لا تريد الهرب من مشاعرها، بل تود الغوص بها كلية، وليكن ما يكون، لتنظر إلى خالتها بإبتسامة عاشقة وهي تقول:.
خلاص ياخالتى، مبقاش فيه هروب، حبه وحبى قدر إنكتب على الجبين، وقالوا زمان في المثل، المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين.
لتبتسم خالتها وهي تومئ برأسها موافقة، في حب.
↚
كل شيء فيك سحر.
لا يشفى منه القلب. ، ولا تنسى آثاره.
إلا غيابك...
مـ.ـو.ت لا يحيي منه القلب، و لا تحلو بعده الأماكن.
بقلم، نور محمد.
تطلع الجميع إلى وجه الطبيب يتعلقون بكلمـ.ـا.ته، حيث وقف كل من خالد ولين بتـ.ـو.تر، بينما تمددت ليلة على السرير يجاورها فراس الذي أمسك بيدها داعما، ليبتسم الطبيب قائلا براحة:
الحمد لله، نتايج كل التحاليل والأشعة بتقول إن مدام ليلة شفيت تماما من المرض.
زفر الجميع بإرتياح وظهرت السعادة على وجوههم، بينما ضغط فراس على يد ليلة التي غشيت عيونها الدmـ.ـو.ع، ليومئ لها برأسه بحنان، فإبتسمت له من بين دmـ.ـو.عها...
ليقول خالد موجها حديثه للطبيب:
بجد يادكتور؟ يعنى خلاص ليلة رجعت زي الأول؟
إبتسم قائلا:
بجد طبعا.
قال خالد:
الحمد لله، طيب نقدر نرجع مصر إمتى؟
إبتسم الطبيب قائلا:
يومين كمان بالكتير، وتقدروا ترجعوا مصر، بس مش هوصيكم، راحة تامة للمدام وممنوع الإنفعال الشـ.ـديد، ده غير المتابعة المنتظمة.
قالت لين في قلق:
ليه يادكتور؟
نظر إليها الطبيب قائلا:.
مجرد إحتياطات مش أكتر، وبإذن الله بعد فترة بسيطة مدام ليلة هترجع تمارس حياتها بشكل طبيعى جدا.
إطمأنت القلوب، ليقول فراس:
الحقيقة يادكتور مش عارفين نشكر حضرتك والدكتور جان إزاي.
إبتسم الطبيب قائلا:
إحنا معملناش حاجة، ده واجبنا، حمد الله على سلامة المدام.
قال خالد بهدوء:
الله يسلمك.
ليقول الطبيب:
عن إذنكم.
ثم غادرهم ليميل فراس على أذن ليلة يقول بخبث:.
الدكتور ده عمال يقول مدام ليلة، مدام ليلة، إيه رأيك لما منكسفوش وأخليكى مدام ياقلبى.
وكزته ليلة في كتفه بخفة، ليبتسم بمرح بينما قاطع مزاحهم صوت خالد الذي قال بحنان:
حمد الله على السلامة ياليلة.
إبتسمت ليلة قائلة بسعادة:
الله يسلمك ياخالد.
قبلت لين ليلة في وجنتها قائلة:
وأخيرا ياليلة، الحمد لله ياحبيبتى
قالت ليلة:
الحمد لله يالين، الحمد لله.
إبتسم خالد قائلا للين وفراس:.
أنا رايح أجيب قهوة من الكافيتريا، تحبوا تشربوا حاجة؟
قال فراس بخبث:
هتجيب قهوة بجد ولا هتكلم اللي في مصر تطمنهم؟
نظر خالد إلى فراس قائلا بلهجة ذات مغزي:
على فكرة إحنا لسة على البر وبكلمة واحدة منى هخليك برة العيلة دى، مفهوم ياخفيف؟
إبتلع فراس ريقه قائلا:
مفهوم ياأخويا، إبقى هاتلى معاك شاي وكتر السكر.
رمقه خالد بنظرته البـ.ـاردة، قبل أن يلتفت مغادرا وقد تصدعت تلك الواجهة البـ.ـاردة وإرتسمت إبتسامة رائعة على ثغره، بينما مال فراس على أذن ليلة قائلا:
أخوكى ده جبـ.ـار على فكرة.
إبتسمت قائلة:
وإنت بتلعب بالنار مع الفهد ليه بس؟
قال لها هامسا:
ما الحمل الوديع مش راضى يلعب معايا.
أحست ليلة بالخجل وإحمرت وجنتاها لتتنحنح لين قائلة:
إحمم، أنا خارجة برة أشم شوية هوا، لو إحتجتينى ياليلة، خلى فراس يندهلى.
أومأت ليلة برأسها، فغادرت لين، لتقول ليلة بعتاب:
عاجبك كدة؟
قال فراس:
والله أختك دى بتفهم.
لتضع ليلة إصبعها أمامه محذرة وهي تقول بتهديد:
إلزم حدودك يافراس، ياإما هنادى لخالد.
إقترب منها فراس قائلا:
بتهددينى بأخوكى ياليلة، طب أنا هوريكى حالا إنى مبخافش من حد.
ليقترب منها أكثر ومع إقترابه دق قلبها في قلق، وشوق.
أغلقت جورية الهاتف لتشرد في قصتها مع خالد، كلما إقتربت منه أكثر، عشقها أكثر وظهر عشقه في نبراته وكلمـ.ـا.ته، فتلك المحادثة الأخيرة بينهما، قد عبثت بذرات كيانها تستشعر شوقه العميق لها وإستسلامه التام لعشقها، فلم تخلو عبـ.ـارة له من دليل على ذلك، كلفظ تدليل لها، أو إشارة لشوقه لرؤيتها، أو طلبه منها بأن تحافظ على روحها من أجله، وهي تضعف أمام عشقه وإهتمامه، تبا، هي بدورها تستسلم له، تضـ.ـر.ب بأفكارها عرض الحائط، تظهر لها صورة ريم وشاهيناز بجواره فتنحيها جانبا، مخبرة نفسها أن شاهيناز لا تحبه ولا تهتم به فإن كانت تفعل، ما تركته وحيد في سفرته تلك، يعانى القلق والخــــوف على أخته وحده، بل لساندته وكانت إلى جواره وجوار أخته تدعمهما بقوة، ورغم أن الصغيرة هي الضحية حقا في قصتهما تلك لكنها تثق بخالد في أنه سيستطيع تدبر الأمر، نعم، لقد خشيت عليه دائما بمعرفة ماضيه معها خــــوفا على عائلته من الإنهيار، إدعت أن فهد خطيبها المتوفى حتى لا يبحث أكثر عن الحقيقة، أما الآن فلا داع لذلك، ستخبره الحقيقة كاملة ما إن تراه مجددا، وستدع القدر يكتب النهاية لقصتها.
أفاقت من شرودها على صوت خالتها وهي تقول بحنان:
بتفكرى في إيه ياجورى؟
نظرت جورية إلى وجه خالتها الذي يظهر حنينها إلى جدها وحـ.ـز.نها منه من تلك العيون التي حاولت جاهدة أن تخفى عبراتها ولكن إنتفاخهما كان خير دليل على بكاءها، لتقول بحنان يمتزج بالحـ.ـز.ن:
واحشك، مش كدة؟
نظرت إليه خالتها تدرك جيدا من تتحدث عنه جورية لتقول بصوت رغما عنها إمتلأ بالحـ.ـز.ن:.
حتى لو واحشنى، مبقاش ينفع خلاص ياجورى، جدك قفلها في وشى، عزيز محسش بية عمر بحاله ياجورى، أنا إتعـ.ـذ.بت كتير وأنا جنبه، كان عندى أمل يحس بية ولما فقدت الأمل وخلاص السنين دى كلها عدت، قلت أهو كفاية أكون جنبه، يونسنى وأونسه، لكن في الآخر يحولنى لحالة إنسانية بيعطف عليها، ويقولهالى في وشى كدة، آسفة، ساعتها أدوس على قلبى أدام كرامتى.
ربتت جورية على يدها قائلة في عطف:.
بس إنتى عارفة إن الكلام ده مش صحيح، وعارفة إنه قاله في لحظة غـــضــــب، إنتى متأكدة زي ما أنا متأكدة إن جدى بيعزك أوى، أدى بالظبط ويمكن أكتر بس هو كدة على أد ما قلبه طيب بس في غـــضــــبه بيخبط في الكلام ومش بعيد يكون دلوقتى نـ.ـد.مان.
زفرت جليلة قائلة:
نـ.ـد.مان ولا مش نـ.ـد.مان، قلتلك ياجورى مبقاش ينفع خلاص، اللي قاله جدك مش ممكن هقدر أنساه ولا...
قاطعها رنين هاتف جورى لتنظر جورى إلى شاشته وتقول بعيون متسعة:
ده رقم جدى.
ظهر الحـ.ـز.ن في عيون جليلة قائلة:
ردى عليه، ده مهما كان جدك، وأنا هقوم أسقى الزرع.
قالت جورية:
إستنى بس...
قاطعتها جليلة قائلة بحزم:
قلت هسقى الزرع ياجورى.
لتغادر بينما هزت جورية كتفيها بقلة حيلة قبل أن ترد على الهاتف، وما إن إستمعت إلى محدثها، حتى صرخت بجزع قائلة:
إنت بتقول إيه؟
إقترب خالد من لين التي تجلس في الكافيتريا، شاردة، أمامها فنجال من القهوة البـ.ـاردة، تتذكر آخر موقف كان بينها وبين مؤيد، وكلمـ.ـا.ته عن القهوة، لتبتسم في مرارة، ثم تزيح الفنجال جانبا، لتنتفض على صوت أخيها وهو يقول بحنان:
أنا قلت برده إنك مش هتشربيها.
نظرت إلى خالد الذي جلس أمامها قائلا:
طلبتلك فنجال قهوة تانى معايا.
أومأت برأسها دون أن تنطق بكلمة، ليستطرد قائلا بحنان:.
مش آن الأوان يالين، تفتحيلى قلبك وتقوليلى اللي جواكى، مش آن الأوان ت عـ.ـر.فينى إيه اللي بيحصل في حياتك بجد، مش الكلام اللي بتحاولى تقنعينى بيه من يوم ما رجعت، عشان بجد أحلى ميزة في إخواتى، إنهم مبيعرفوش يكـ.ـدبوا.
نظرت إلى عيون خالد الحانية تكاد أن تخبره بمكنون قلبها، ولكن ماذا تقول؟وكل ما ستقوله سيجعل أخاها غاضبا منها لإخفائها الحقيقة عنه كل تلك السنوات، بل وماذا سيكون رد فعله أيضا عنـ.ـد.ما يعلم أن من فرق بينها وبين مؤيد هي زوجته شاهيناز؟بل ماذا سيفعل عنـ.ـد.ما يعلم بحقيقتها البشعة؟هي لا تستطيع المخاطرة بإخبـ.ـاره الآن، ربما عند عودتهما إلى القاهرة، وقتها، ستخبره بكل الحقيقة وتخرج مكنون صدرها الذي يمزق قلبها تمزيقا.
رأي خالد ذلك الصراع على وجهها قبل أن تطرق برأسها في صمت، ليدرك كل ما تفكر فيه أخته، قرر أن يحسم الأمر ويخرج الكلمـ.ـا.ت من قلبها، لذا فقد تراجع في مقعده يستند بظهره إليه قائلا بحزم:
لو بتفكرى تخبى علية تانى، فأحب أقولك إنى عرفت كل حاجة.
رفعت رأسها بسرعة تنظر إليه في حيرة، ليومئ برأسه قائلا:.
أيوة عرفت، عرفت ليه سيبتى مؤيد، ومين اللي كان السبب في اللي حصل، وعرفت كمان إيه اللي عمله مؤيد معاكى لما خـ.ـطـ.ـفك، أقولك عرفت إيه كمان؟
كانت لين تنظر إليه بدهشة من كلمـ.ـا.ته، ليستطرد بصرامة:
عرفت اللي هيخلينى أول ما أنزل مصر هطلق الأفعى اللي آويتها في بيتى وأول ما غدرت غدرت بية وبإخواتى، هطلق شاهيناز يالين.
لتتسع عينا لين في صدmة رغما عنها إمتزجت، بالفرح.
كانت جورية تنظر إلى الطريق بالخارج ولكنها لا تراه، تغشى عيونها الدmـ.ـو.ع وهي تتذكر كلمـ.ـا.ت فتحى، المسئول عن المزرعة، يخبرها أنه فور رحيلهم أصاب الجد عزيز أزمة قلبية نقل على إثرها إلى المستشفى، وأنه عنـ.ـد.ما أفاق منها، طلب منهم عدm إخبـ.ـار حفيدته، تحسنت حالته بعض الشئ وهو تحت الرعاية بالمستشفى، ولكن عنـ.ـد.ما أعادوه إلى المزرعة، تدهورت حالته الصحية مجددا، ليخشى فتحى أن يحدث له شئ دون أن تكون جورية وجليلة إلى جواره، يدرك أن الجد عزيز يكابر وأنه يشتاق إليهم وبشـ.ـدة، لديه يقين أنهما إن عادا سيتحسن الجد، كثيرا.
ليسرعا بالحضور إلى الوادى في أول طائرة، وهاهما في تلك السيارة التي نقلتهما من المطار تتجه بسرعتها القصوى إلى المزرعة، مدت يدها تمسح دmـ.ـو.ع وجنتيها حين تناهى إلى مسامعها صوت شهقات صغيرة، نظرت إلى خالتها التي تنظر بدورها إلى الطريق، اهتزازة جسدها تعبر عن ما يعتريها من ألــم وخــــوف ودmـ.ـو.ع، مدت جورية يدها وأمسكت بيد خالتها القابعة على حجرها، لتنظر إليها الخالة، تعلقت العيون الدامعة القلقة ببعضهما البعض، لتحتضنها جليلة بقوة، تربت على ظهرها بحنان، بينما تهمس جورية من داخل حـ.ـضـ.ـنها قائلة:.
هيكون كويس، قوليلى إنه هيكون كويس.
قالت جليلة من خلال دmـ.ـو.عها بألــم:
بإذن الله هيكون كويس، ربنا مش هيخسرنا فيه ياجورى، هيعيش عشانا، ربنا عالم إننا منقدرش نخسره.
لتصمت لثانية قبل أن تستطرد في مرارة:
خايفة أكون أنا السبب في اللي جراله، هفضل ألوم نفسى طول العمر لو جراله حاجة.
خرجت جورية من محيط ذراعيها قائلة بمرارة:
أنا السبب، مش إنتى.
لتنزل دmـ.ـو.عها وهي تقول:.
لو مكنتش صممت أنزل مصر مكنش حصل اللي حصل، فكرت في نفسى وبس، مفكرتش فيه وفى زعله منى، جدى اللي ربانى عمر بحاله، إدانى كل حاجة ممكن بـ.ـنت تتمناها من جدها، قلبه، مشاعره، فلوسه، مبخلش علية بحاجة أبدا، وكافئته بإنى زعلت منه وسبته في محنته لوحده، زي مايكون ملوش حد من لحمه ودmه يكون جنبه، يسنده لما يقع، أنا اللي لو جراله حاجة مش ممكن هسامح نفسى أبدا.
أمسكتها جليلة من كتفها تنظر إلى عينيها قائلة بحزم:.
جدك مش هيجراله حاجة، قلبى بيقوللى إنه هيبقى زي الفل، وهيعيش لغاية لما يربى أحفاده منك كمان، مفهوم؟كونى واثقة في ربنا، ربنا رءوف رحيم بعباده، ومش هنلجأله بدعانا ويرجعنا مكـ.ـسورين، لأ، هيجبر خاطرنا وبكرة تقولى خالتى جليلة قالت.
كانت كلمـ.ـا.ت جليلة كبلسم وضع على جراح جورية المتألــمة فهدأ ألــمها، لتمد يدها وتمسح دmـ.ـو.عها وهي تنظر إلى عيون خالتها بثبات نبع من قلب إنبثق فيه الإيمان من أن الله لن يضرها، قائلة:.
ونعم بالله ياخالتى، ونعم بالله.
دخلت سها إلى الحجرة في خجل، تحمل صينية عليها بعض الحلويات والعصائر، أسرع نبيل بالنهوض يحملها عنها ويضعها على الطاولة القريبة، لتتلاقى عيناهما لثوان، فأسرعت هي بإطراق وجهها في خجل بينما إبتسم نبيل ثم زالت إبتسامته على الفور عنـ.ـد.ما قال عمه ممدوح:
شوفوا الواد هيمـ.ـو.ت على البـ.ـنت إزاي، بس بصراحة العروسة تستاهل، جمال وأخلاق، حسب ونسب، وإحنا يشرفنا يافوزى بيه إن إحنا نطلب إيد بـ.ـنتكم سها، لإبننا نبيل.
قال فوزى بإبتسامة:
الشرف لينا ياحاج ممدوح.
وكز مؤيد نبيل في جانبه فنظر له نبيل بإبتسامة بادله إياها مؤيد، ليقول الحاج ممدوح:
كدة كل شئ تمام.
نظر له نبيل بنظرة ذات مغزي فهمها الحاج ممدوح على الفور ليستطرد قائلا:
إحنا عايزين نكتب الكتاب علطول وبإذن الله الفرح يكون قريب، يعنى بعد ما تسألوا علينا...
قاطعه فوزى قائلا:
إحنا موافقين.
عقد الحاج ممدوح حاجبيه بينما أحست سها أنها على وشك المـ.ـو.ت خزيا في مكانها، ليقول مؤيد بسرعة:.
الحقيقة أهل سها عارفينى وعارفين نبيل من زمان ياحاج ممدوح، وسألوا علينا وإلا مش ممكن كانوا يدخلونا بيتهم، فبقول نحدد كتب الكتاب علطول وياريت لو أنزل حالا وأجيب المأذون، ماهو خير البر عاجله، أما الفرح فلازم نبيل يكون متفرغ تماما ليه وإحنا زي ما إنتوا عارفين بنبتدى مشروع جديد، أول ما هنظبط أموره هنعمل الفرح علطول، وزي ما قلت خير البر عاجله، إيه رأيكم؟
قال الحاج ممدوح:.
والله اللي تشوفوه ياإبنى، أنا معنديش أي مانع، المهم رأي أهل العروسة.
قال فوزى:
أنا موافق على اللي تقولوه.
لتنطلق زغرودة من والدتها، التي ظلت صامتة طوال الوقت، كانت تلك هي كل مشاركتها الوحيدة في موضوع زواج إبـ.ـنتها، بينما إحتضن مؤيد نبيل الذي همس في أذنه قائلا:
تسلم ياكبير.
ليبتعد عنه مؤيد وهو يغمز له، ليبتسم نبيل ثم ينظر إلى عروسه التي نظرت إليه بدورها، تدرك أن الله قد كافأها على صبرها بهذا الزوج الرائع الذي تثق بأنه سيكون لها كل ما حرمت منه.
إقتربت جورية من سرير جدها الذي ينام عليه، جلست على هذا الكرسي بجواره تتأمله بشوق، مدت يدها لتمسك يده ولكنها تراجعت خشية أن تقلقه لتقول بهمس وقد غشيت عيناها بالدmـ.ـو.ع:.
كدة ياجدى، كدة تبقى تعبان بالشكل ده ومتكلمنيش، حتى لو زعلان منى، كنت ناديلى، وزعقلى بعد مـ.ـا.تبقى كويس، بس متحرمنيش منك بالشكل ده ومتحرمنيش أكون واقفة جنبك وإنت تعبان، إنت متعرفش إنت بالنسبة لى إيه، إنت مش جدى وبس، إنت بابايا وأخويا وعيلتى كلها، أنا من غيرك ولا حاجة، موحشتكش؟طب إنت وحشتنى، وحشتنى أوى لدرجة إنك كنت بتجيلى في أحلامى.
لتمد يدها تمسك بيده تميل عليها تقبلها بدmـ.ـو.عها ثم ترفع عيونها إليه تقول:
كنت بتمسك إيدى وتمسح دmـ.ـو.عى وتقولى...
صمتت وهي تسمعه يقول بصوت ضعيف:
أنا جنبك ياجورى متخافيش.
نظرت إلى فمه تدرك أنها لا تحلم وأن هذه هي كلمـ.ـا.ت جدها، لتنظر إلى عينيه فتجده ينظر إليها بحنان قائلا بعيون دامعة:
وحشتينى ياجورى، وحشتينى أوى.
شعت السعادة في عيون جورية وهي تندفع إلى حـ.ـضـ.ـنه قائلة:
انت كمان وحشتنى ياجدى، وحشتنى أوى.
ضمها بحنان يريت على ظهرها وهو يقول:
متسيبينيش تانى ياجورى، أنا كمان من غيرك ولا حاجة.
إبتعدت عنه جورية تنظر إلى عينيه قائلة بثقة وعزم:
مستحيل هبعد عنك تانى، إنت روحى ياجدى، إنت متعرفش أنا بحبك أد إيه؟
إبتسم عزيز قائلا:
أنا كمان بحبك ياجورى، ربنا يخليكى لية ياحبيبتى.
إبتسمت جورية قائلة:
ويخليك لينا ياجدى.
نظرت إليه بإبتسامة ملأت وجهها، لتجد جدها مترددا، لتتسع إبتسامتها وهي تقول:
واقفة برة على فكرة.
نظر إليها قبل أن يقول بإضطراب:
هي مين دى؟
قالت جورية:
اللي عنيك وصوتك بيدوروا عليها، خالتى جليلة ياجدى.
قال عزيز وهو يطرق برأسه:
جـ.ـر.حتها أوى ياجورى، ومكسوف منها أوى، خايف تكون زعلانة منى و...
قاطعه صوتها الذي قال في حنان:
وأنا من إمتى زعلت منك ياعزيز؟
نظر إليها عزيز يتأمل ملامحها التي إشتاق إليها، لم يعلم كم تعنى له في حياته حتى إبتعدت عنه ليدرك أنها بالنسبة إليه لم تعد جليلة، أخت زوجته الراحلة، بل أصبحت لقلبه نبضاته وبإبتعادها ضعف قلبه وكادت أن تزوى تلك النبضات، ليقول إسمها بنبرات لم تسمعها منه من قبل:
جليلة.
نظرت إلى عيونه تلاحظ إختلاف نظراته ورقتها، تكمن في أعماق عينيه نظرة لطالما تمنتها، لتقترب منه وتمسك يده برقة تبتسم قائلة بحنان:.
اللي فات مـ.ـا.ت ياعزيز، وإحنا ولاد النهاردة.
إبتسمت جورية وهي تلاحظ ما يحدث بين هذين الزوجين، تدرك بكل قوة أنهما قد نسيا كل من حولهما حين تعلقت نظراتهما وتمسكت أيديهما ببعضهما البعض، لتبتعد جورية ببطئ، تاركة لهما الحجرة، يعبران عما أخفياه بصدريهما، ويبوحان بأسرار قلبيهما، ربما، لأول مرة.
أغلق خالد هاتفه في عصبية، ليستمع إلى صوت خلفه يقول بإبتسامة:
لسة برده مبتردش عليك؟
إلتفت إليه خالد عاقدا حاجبيه وهو يقول:
وإنت عرفت منين؟هي كلمتك؟قالتلك حاجة؟قالتلك مبتردش علية ليه؟
قال فراس بسرعة:
حيلك حيلك، هي لا كلمتنى ولا أنا كلمتها، وعرفت منين بقى فمن وشك، هتكلم مين ومش هيرد فتتعصب كدة وينقلب حالك، غيرها هي.
نظر إليه خالد في حنق قائلا:
طب خليك في حالك بقى.
قال فراس:.
طب إهدى بس، هتلاقيها نايمة شوية، أو عاملة تليفونها سايلانت، مش هتكون قاصدة يعنى متردش عليك.
رمقه خالد بنظرة جليدية ليقول فراس:
خلاص خلاص وأنا مالى.
ليلتفت مغادرا وهو يقول:
وأنا اللي كنت هديلك رقم خالتها تكلمها، يلا بقى ملكش في الطيب نصيب ياجدع، وعلى رأي المثل خير تعمل شر تلقى.
ليتوقف وترتسم على شفتيه إبتسامة وصوت خالد يصل إليه يناديه بحنق، ليلتفت إليه مزيلا إبتسامته، راسما وجه البراءة على ملامحه والذي أثار حنق خالد أكثر وأكثر، ليقول بحدة:
إبعتلى الرقم.
عقد فراس حاجبيه قائلا:
رقم إيه؟
قال خالد بحنق:
فراس.
قال فراس بسرعة:
خلاص خلاص هديهولك، بس هو مش المفروض تكافئنى وتعجل فرحى أنا و ليلة.
هدر خالد قائلا:
فرااااااس.
أمسك فراس بهاتفه بسرعة يبعث رقم خالة جليلة إليه وهو يقول:.
أدينى ببعتهولك أهو، هو الواحد ميعرفش يهزر معاك أبدا؟
ليسمع خالد نغمة الرسالة، ليفتح هاتفه بسرعة مبتعدا عن فراس دون كلمة، ليقول فراس بدهشة:
يالهوووى على الحب، بهدلتى الراجـ.ـل ياجورى.
↚
وبعض الحب يبقينا على ناصية الو.جـ.ـع.
وبعض القلوب إذا عشقت نشب بها العشق واستعر والنوم عليهم امتنع.
فرت جيوش الليل تملأ العين دmعاً ورسم الشوق السبل لعطر معشوق طاقت له المقل وكل الخطوب بالليل هاهنا تجتمع.
بقلم، حنان صلاح.
ربت الجد عزيز على يد جورية قائلا بحنان:
وليه مقلتليش الكلام ده كله ياجورى، ليه خبيتى علية؟
مسحت جورية دmـ.ـو.عها بيدها الحرة وهي تطرق برأسها قائلة:
خفت أضايقك، ما أنا عارفة أد إيه بتخاف علية، فاكرنى ضعيفة ومش هقدر أميز الصح من الغلط ومشاعرى بتغلبنى، أنا فعلا مشاعرى بتغلبنى بس بقدر كويس أميز الصح من الغلط، وعشان كدة رفضت علاقتى بخالد، لإن خالد مش زي فهد، فهد كان لوحده، لكن خالد وراه عيلة، زوجة وطفلة.
لترفع عيناها إليه قائلة:
بس ياجدى، مـ.ـر.اته حقيقى متستاهلوش، ومبتحبوش ولا هو بيحبها، يبقى ليه أعـ.ـذ.ب نفسى وأعـ.ـذ.به عشان واحدة زي دى؟
قال الجد بشفقة:.
عشان ده الصح ياجورى، لإن خالد عشان يكون ليكى، مينفعش تكونى مشاركاه مع واحدة حتى لو متستاهلوش، لازم يحسم قرارات علاقاته القديمة قبل ما يقرر يبدأ معاكى علاقة جديدة، وده معناه إنك عشان تفكرى في علاقة تربطك بخالد لازم يكون خالد مش مرتبط بأي حد، متشيليش ذنب مخلوق في رقبتك، فاهمانى يا بـ.ـنتي؟
نظرت إليه جورية في حـ.ـز.ن، تدرك أن جدها محقا، يقول بالضبط ما قاله لها عقلها مرارا وتكرارا، لقد حاولت التحايل على عقلها وهي تتبع قلبها ولكن جاء جدها وواجهها بتحذيرات عقلها، لتطرق برأسها تنوى الإبتعاد مجددا عن خالد، حتى يحسم علاقته مع تلك المرأة الأخرى، شاهيناز.
قال فراس بقلق:
برده مبتردش؟
لم يجبه خالد ولكن إنعقاد حاجبيه وملامحه المكفرة كانا خير جواب على سؤاله، ليقول فراس مستطردا:
انا كدة قلقت عليها بجد.
رمقه خالد بحدة ليسرع فراس مفسرا:
ياخالد إفهمنى، جورية بالنسبة لى الأخت اللي خدت بالى منها سنتين، كنت فيهم ليها زي ضلها وكانت زي ضلى، مكنش لينا حد واستقوينا ببعض، جورية أختى وهتفضل أختى، ودى حقيقة ثابتة، سواء عجبتك او لأ.
نظر إليه خالد بملامح جـ.ـا.مدة لثوان ثم مالبث أن لانت ملامحه وهو يتنهد قائلا:
معاك حق، بس غـ.ـصـ.ـب عنى، بحبها وبغير عليها، وكمان قلقان عليها أوى.
إبتسم فراس بداخله، فتلك هي المرة الأولى التي يعترف فيها خالد بمشاعره صريحة وأمام فراس، ولكن لم تظهر إبتسامته على ملامحه وهو يقول بثبات رابتا على كتف خالد:
طيب اهدى شوية عشان البنات متلاحظش حاجة، و عموما بكرة هننزل مصر وتطمن عليها ياخالد.
أغمض خالد عينيه، فغدا يبدو بعيدا الآن، وهو قلق عليها بشـ.ـدة، يود لو سافر الآن ليطمأن قلبه على حبيبته، جورية.
إقتربت جليلة من فتاتها الشاردة أمام شجرة الريحان، لتدرك تماما مـ.ـا.تفكر فيه، توقفت أمامها تماما، تقول بحنان:
جورى.
إلتفتت إليها جورية تبتسم إبتسامة باهتة وهي تقول:
جدى نام؟
أومأت جليلة برأسها قائلة:
أيوة، ووصانى نروح نطمن على شقة علا ونشوف لو ناقصها حاجة نكملها، إنتى عارفة إنهم أجلوا الفرح عشان خاطر جدك، وجدك شايل ذنبهم، وعايز يفرح بيهم في أقرب وقت.
تنهدت جورية قائلة:
جدى ده مفيش منه.
إبتسمت جليلة وهي تومئ برأسها في هدوء لتقول جورية:
وإمتى بقى هنفرح بيكم ياخالتى، مش خلاص، المية رجعت لمجاريها.
إبتسمت جليلة ولكن رغما عنها شاب إبتسامتها بعض الحـ.ـز.ن وهي تقول:
صحيح أنا وجدك إعترفنا لبعض باللى في قلوبنا، بس جدك معرضش علية الجواز، الظاهر إن جوازنا هيفضل حلم في خيالى وبس ياجورى.
قالت جورية:
تحبى أكلمه؟
قالت جليلة بسرعة:
لأ طبعا، القرار ده لازم يكون نابع من قلبه وبس ياجورى وإلا مش هقبله.
لتحاول أن تنفض تلك الفكرة عن حديثهما مستطردة:
وبعدين متضيعيش وقت كتير، يلا كلمى علا عشان تيجى معانا الشقة ونشوف ناقصها إيه.
قالت جورية وهي تضـ.ـر.ب بيدها على رأسها بخفة:
تليفونى، نسيناه في البيت من إستعجالنا ولبختنا.
قالت جليلة:
مش مشكلة هنكلمها من تليفونى.
قالت جورية بحنق:
ماهو كان جنب تليفونى وإحنا نزلنا من غير ماناخد حاجة غير شنطة إيدى وبس، واللي فيها الفلوس وجوازات السفر.
خبطت جليلة بيدها على جبينها بخفة بدورها قائلة:
يادى الحوسة، هنعمل إيه دلوقتى؟
قالت جورى بقلق:
ممكن نبعت حد لعلا، بس دى مش المشكلة، المشكلة في خالد اللي دلوقتى بيكلمنى ومبردش عليه، أكيد هيكون قلقان علية.
أومأت جليلة برأسها قائلة بأسف:
معاكى حق.
نظرت إليها جورية لثوان قبل أن تنظر إلى شجرة الريحان قائلة في أسى:.
يمكن كدة يكون أحسن، لإنى مكنتش هعرف أكلمه من غير ما أقوله على قرارى الأخير، وده صعب بجد أقولهوله في التليفون، لازم أشوفه ويكون وشى في وشه، ويارب أقدر.
نظرت جليلة إلى ملامح جورية الحزينة، لتدرك أن نهاية قصتهما لا ترضيها هي أيضا، ولكنها للأسف هي النهاية الصحيحة لعلاقة حكم عليها القدر بالفشل، او هكذا تظن.
تمددت ليلة على هذا السرير في حجرتها الجديدة، ودثرتها لين بالغطاء، لتنظر ليلة إلى محيطها موجهة حديثها إلى خالد وهي تقول بحيرة:
إحنا مرجعناش على بيتنا ليه ياخالد، جبتنا هنا ليه؟
تبادل خالد مع لين النظرات ثم نظر إليها قائلا بغموض:
هتعرفى بعدين ياليلة، المهم إنى مش عايز حد يعرف أبدا برجوعنا، مفهوم؟
أومأت برأسها دون أن تنطق لينظر خالد إلى فراس الذي يقف متابعا الحديث في صمت، ليقول بحزم:.
تروح دلوقتى دار النشر بتاعتك وتشوف لو جورية سايبة رسالة هناك، إنت عارف إن عاصم لما بعته يسأل عليها قال إن البواب قاله إنها سابت البيت هي وخالتها، وإنها كانت مستعجلة ومن ساعتها مرجعتش، فالأغلب إنها رجعت المزرعة وسايبالك رسالة بكدة، رغم إنه إحتمال ضعيف، لكن مفيش أدامى غيره، لو ملقتش رسالة منها، تطلع على المطار وتسأل عنها وتتأكدلى إنها سافرت في طيارة الوادى في اليوم اللي قال عليه البواب، لو مكنش ورايا النهاردة كذا مشوار مهم، كنت سافرت وراها علطول، عموما نفذ اللي قلتلك عليه ورد علية، مفهوم؟
أومأ فراس برأسه قائلا:
مفهوم.
ثم نظر فراس إلى ليلة يقول لها بشفتيه دون صوت:
مش هتأخر.
أومأت برأسها يعلو وجهها إبتسامة رقيقة، ليبتسم بدوره ولكنه إنتفض على صوت خالد وهو يقول بحدة:
يلا يافراااس.
قال فراس بسرعة:
طيب، طيب، ماشي علطول.
وإلتفت مغادرا بسرعة، لتقول ليلة بعتاب:
ليه بس كدة ياخالد؟، بالراحة شوية على فراس، هو لسة مخدش على طبعك.
قال خالد بلا مبالاة:
بكرة ياخد.
ثم نظر إلى لين قائلا:.
أنا مضطر أمشى دلوقتى، ورايا شوية حاجات هخلصها وأرجعلكم، لو إحتاجتوا حاجة بلغونى علطول.
أومآ برأسيهما بينما إقترب خالد من ليلة ليميل مقبلا جبهتها بحنان قائلا:
إرتاحيلك حبة وحاولى تنامى.
أومأت برأسها موافقة، ليعتدل مقتربا من لين مقبلا رأسها وهو يقول:
مش هوصيكم على بعض، وأنا مش هتأخر، سلام.
ليبتعد مغادرا تتابعه عيون الفتاتين، إحداهما تعلم ما ينتوى أن يفعله خالد، تماما.
لم تصدق نفسها حين رأت رقمه يزين شاشتها، لتفتح الهاتف على الفور تقول بعتاب إمتزج رغما عنها بالشوق:
كدة برده، كل ده متكلمنيش؟
قال بمداهنة:
معلش ياقلبى، كنت مشغول أوى، ما إنتى عارفة.
تمددت في سريرها تمسك خصلة من شعرها تلفها على سبابتها وهي تقول بدلال:
مشغول عنى أنا، حبيبتك شاهيناز.
كاد أن يطـ.ـلق ضحكة ساخرة ولكنه إمتنع في اللحظة الأخيرة وهو يقول:
محبتش أكلمك غير وأنا محضرلك مفاجأة.
لمعت عيناها وهي تقول:.
مفاجأة؟
قال بصوت ظهرت فيه إبتسامته:
أنا جيت القاهرة.
إعتدلت بسرعة وظهرت الفرحة جلية على ملامحها وهي تقول:
إنت بتتكلم جد يا مؤيد؟
قال مؤيد:
طبعا بتكلم جد، أصلك وحشتينى أوى، ومستنيكى في أي وقت، ها، فاضية إمتى؟
قالت بلهفة:
دلوقتى حالا طبعا.
قال بصوت ظهرت به سخريته رغما عنه وهو يقول:
تمام أوى، تنورينى ياقطة، سلام.
أغلقت الهاتف بسعادة فلم تلاحظ نبراته الساخرة من فرط سعادتها، لتهبط من على السرير بلهفة، تسرع إلى دولاب ملابسها، تختار منه ما يناسب هذا الميعاد المصيري، مع حبيب قلبها، مؤيد.
كان خالد يقود السيارة يحاول تفادى الزحام في تلك المنطقة بهذا الوقت، يشعر بالتـ.ـو.تر في جميع أنحاء جسده، فاليوم لديه العديد من المشكلات والتي يجب أن يضع لهم جميعا حلا، وقد بدأ بالمشكلة الكبرى في حياته، شاهيناز، لقد طلقها الآن وأصبح حرا، حرا أخيرا ليستطيع الإقتراب من حبيبته دون أن تخشى شيئا من ماضيه، حرا ليتبع قلبه، لتتبقى أمامه فقط مشكلة بسيطة بالعمل وسيعمل على حلها اليوم أيضا أما المشكلة التي يرغب لها في حل ولكن إرتباطاته اليوم تمنعه من أن يسعى إلى حلها، هي معرفة مكان جورية، ورغم ثقته بوجودها في المكان الذي يلى شقتها هنا في القاهرة أهمية لديها(المزرعة)، إلا أنه يتعجب من سفرها إلى الوادى بعد ما حدث في المرة الأخيرة، يتساءل في صمت، ترى هل حدث شئ هناك إضطرها للذهاب؟
كاد أن يصطدm بالسيارة التي أمامه ليتفاداها بصعوبة وهو يخبر نفسه بأن عليه تنحية أفكاره جانبيا وهو يقود، وإلا حدث حقا ما لا يحمد عقباه.
إقترب فراس من ليلة يجلس بجوارها قائلا بهدوء:
يا ستي قلتلك متقلقيش، هي صحيح مسابتليش رسالة في الدار، بس ده عشان كانت مستعجلة زي ما البواب قال، بس أنا إتأكدت بنفسى إنها سافرت الوادى.
قالت ليلة:
ما هو إستعجالها ده اللي قالقنى ومش مريحنى، تفتكر جدها كلمها وهددها يا تيجى الوادى وتتجوز اللي هو إختارهولها يايحرمها من الميراث؟
خبط فراس على رأسه بخفة قائلا:.
يادى الروايات اللي لحست دmاغك دى، الكلام ده مبيحصلش في الحقيقة يا ماما.
قالت بعناد:
أولا إنت اللي بتنشر الروايات اللي لحست دmاغى يافراس، ثانيا، الحاجات دى بتحصل، إش فهمك إنت؟أومال هم بيجيبوا الكلام ده منين؟
إبتسم قائلا:.
من خيالهم ياقلبى، ثم تعالى هنا، لنفترض مثلا إن ده بيحصل في الحقيقة، في حالة جورية مستحيل يحصل، لإن لا جدها ممكن يغـ.ـصـ.ـب عليها في الجواز، وإلا كان غـ.ـصـ.ـب عليها من زمان، ولا جورية ممكن تتأثر بتهديد زي ده، ساعتها هتقوله إحرمنى من الميراث ياعم الحاج.
جورية ميهمهاش الفلوس، أهم حاجة عندها قلبها واللي بتمشى وراه وموديها في داهية دايما.
مطت ليلة شفتيها بحـ.ـز.ن قائلة:
وهو خالد داهية برده يافراس؟
نظر فراس إلى شفتيها الممطوطتين بعيون غائمة من المشاعر ليقول بصوت ظهرت فيه مشاعره:
أنا يا ستي اللي داهية بس أبوس إيدك إرحمينى وخدى بالك من تصرفاتك شوية، أنا ماسك نفسى بالعافـ.ـية.
مررت لسانها على شفتيها تشعر بجفاف في حلقها من نظراته التي إنصبت عليها لتقول بحيرة:
وأنا عملت إيه بس؟
جاءت حركتها تلك لتقضى على كل ذرة مقاومة لديه ليقترب من شفتيها يخبرها بطريقة عملية ما الذي فعلته لتجعله يتلظى بنيران الشوق إليها.
كانت لين تجلس في حجرتها بعد أن تركت حجرة أختها عنـ.ـد.ما جاء فراس، تشعر بأنها تقف بينهم كعزول أو شرطي حراسة، أحست بالخجل فإنسحبت بهدوء وإتجهت إلى حجرتها، ترجع بذاكرتها إلى الوراء، إلى أيامها مع مؤيد حيث كان الحب يظلل بجناحيه عليهما كما يفعل الآن مع أختها وزوجها، تنـ.ـد.م بشـ.ـدة لإستسلامها لسموم تلك الأفعى والتي تركتها تسمم حياتها، وتقــ,تــلها بالبطئ، مدت يدها وأخرجت سلسالها الذهبي من داخل ياقة فستانها، تنظر إلى ذلك القلب الذي يتوسطه، لتفتحه بتردد، تنظر إلى تلك الصورة بداخله، كانت صورة لها مع مؤيد، تحمل نظرات الحب بينهما وتلتمع العيون بسعادة لطالما ظللت حياتهما، نفس الصورة التي تقبع على مدفأة منزلهما، تقصد ما كان منزلهما، ترى هل أزال تلك الصور؟هل مزقها أم أحرقها، أم إحتفظ بها؟لا تدرى حقا، رفعت إصبعها تمرره على وجه حبيبها بحنان، كم إشتاقت إليه حقا، إشتاقت لكلمـ.ـا.ته، لتدليله إياها، لأنفاسه التي لطالما إمتزجت بأنفاسها، لحـ.ـضـ.ـنه، مأواها وملجأها، إشتاقت إليه بكل ذرة في كيانها، ترى هل إشتاق إليها بدوره؟وأين هو الآن؟
إنها تبغى قربا مستحيلا، ولكنها ستظل تأمل في أن يجمعها به القدر يوما بإرادته أو حتى، رغما عنه.
↚
كل قسوة منك ستذوب، فأنا أنثى من حرير
في قلبي لمعت نجوم عينيك و حب عتيق
بالله عليك كيف تهنأ و أذبح انا بلوعة حنين
أما لاحت لك شظايا أشواق كمشاعل حريق
تخترق الحواجز و تلهب آهات أيام و سنين
أمسك بقلبي و ذراعي فأنت البعيد قريب
خلت بعدك الأماكن و ما غيرك لقلبي أنيس
بقلم، نور محمد.
وقفت شاهيناز على باب شقة مؤيد، ترن جرس الباب بلهفة، ليفتح لها مؤيد الباب، إبتسمت وعيونها تلمع بإعجاب وهي تراه بلباسه المنزلي المريح، ينظر إليها مبتسما بدوره، مفسحا لها الطريق لتدخل إلى شقته، وما إن أغلق الباب خلفها حتى إندفعت إلى حـ.ـضـ.ـنه تضمه بقوة قائلة:
وحشتنى.
تفاجأ مؤيد من فعلتها تلك ولكنه تمالك نفسه بسرعة وهو يدفعها عنه برفق لتنظر إليه بحيرة، قبل أن تعقد حاجبيها قائلة:
هو أنا موحشتكش ولا إيه؟
إبتسم قائلا:
وحشتينى طبعا، بس إنتى أكيد عارفة عنى إنى مبلمسش واحدة متجوزة، ولا شكلك نسيتى ياشاهي؟
قالت في حنق:
لأ منستش، بس إنت عارف إنى هطلب الطـ.ـلا.ق من خالد أول ما ييجى من السفر، وساعتها هكون حرة.
أشار لها بالتقدm قائلا:
لغاية ما تكونى حرة ياشاهى، مش هقدر ألــمسك لإنى لو لمستك مش هسيبك وإنتى عارفة.
تجاهلت إشارته وهي تتقدm منه قائلة:
ومين قالك بس تسيبنى؟
أوقفها مؤيد بإشارة من يده ونبرة صوت صارمة رغم تـ.ـو.تره من جرأتها وهو يقول:
شاهي.
توقفت في مكانها وهي ترفع يديها في الهواء قائلة:
خلاص خلاص، زي مـ.ـا.تحب.
وإلتفتت تتجه إلى الأريكة، تخلع عنها جاكيت فستانها وتلقيه بإهمال عليها قبل أن تجلس بهدوء ليتقدm بدوره ويجلس على مقعد في مواجهتها، ظهر الإحباط على وجهها ولكنها قالت بهدوء:
قريب وقريب أوى هتكون لية يامؤيد، خلاص هانت، مبقاش فاضل كتير.
نظر إليها قائلا بإبتسامة ساخرة:
زي ما قلتى ياشاهي، هانت خلاص ومبقاش فاضل كتير.
عقدت حاجبيها قائلة:
إنت مش على طبيعتك يامؤيد، أوعى تكون عرفت واحدة في إسكندرية وده خلى مشاعرك تتغير؟
تراجع مؤيد يستند إلى ظهر مقعده قائلا بإسترخاء:
ده كان زمان، أنا إتغيرت، ودلوقتى مفيش بـ.ـنت تقدر تهز شعرة منى.
قالت شاهيناز بحقد:.
إتغيرت فعلا يامؤيد، مش عارفة بـ.ـنت نصار عملتلك إيه؟، زي مـ.ـا.تكون سحرتلك، غيرتك من مؤيد اللي كان مدوب البنات وراه لمؤيد الاستريت، اللي مش وراه غير بيته وشغله وبس.
تجمد مؤيد عند ذكر لين وإعتدل عاقدا حاجبيه قائلا بحزم:
مبلاش السيرة دى، متقليبيهاش غم ياشاهي.
قالت شاهيناز بإبتسامة:.
معاك حق، أنا مبكرهش في حياتى أدها عشان خدتك منى، بس يمكن الحاجة الوحيدة اللي طلعت كويسة من موضوعها إنى بطلت أفكر في مصايب لصاحباتك اللي تعرفهم، انا كنت مرة هقــ,تــل واحدة منهم، بس انت سبتها قبل ما أقربلها، حظها بقى.
قال مؤيد بإبتسامة يوارى بها شعورا مريعا بالإشمئزاز من تلك المرأة المريـ.ـضة:
أد كدة كنتى بتحبينى ياشاهى، إزاي بس كنت أعمى ومشفتش حبك ده؟
نهضت شاهيناز وجلست على ركبتيها أمامه، تمسك يديه، قائلة بعشق:
أنا مش بس بحبك، أنا بعشقك يامؤيد.
نهض مؤيد وقد شعر بالتـ.ـو.تر من إقترابها منه هكذا، قائلا بسـ ـخـــريــة:
بس الظاهر بطلتى تحبينى ياشاهى وإلا كنتى حاولت تدبرلى مصـ يـ بـةللين، عشان تفرقى بينا زي ماكنتى بتعملى مع صاحباتى زمان.
نهضت بسرعة مقتربة منه، تقف أمامه وهي تنظر إلى عينيه بحب قائلة:.
مين قالك بس إنى محاولتش أفرق بينكم، أنا عمرى ما بطلت أحبك، وفضلت لآخر لحظة أحاول، بس مقدرتش.
نظر إلى عيونها قائلا:
مشفتش منك يعنى اللي يدل على كدة.
قالت بحقد:.
لإنك مكنتش بتشوف غيرها، أنا حاولت كتير أفرق بينكم بس دايما كان حبكم أقوى منى، لغاية مالقيت السلاح اللي ممكن يقضى على أي علاقة حب، الشك والغيرة، بدأت واحدة واحدة أزرعها في قلب لين، لغاية ماجتلى فكرة انك بتخونها مع واحدة تانية وأثبتلها ده بالدليل القاطع واللي مقدرتش تشكك فيه.
عقد حاجبيه قائلا:
دليل إيه ده، أنا عمرى ما خنتها؟
إبتسمت في خبث قائلة:.
انت عمرك فعلا ما خنتها بس الشهادة اللي وريتهالها واللي أثبت فيها إنك ليك بـ.ـنت من لحمك ودmك ومن غيرها، خلاها تتأكد من خيانتك.
إزداد إنعقاد حاجبيه قائلا:
زورتى الشهادة؟
إتسعت إبتسامتها الخبيثة قائلة:
لأ طبعا، إنت ليك فعلا بـ.ـنت عايشة من أم غير لين، إنك متعرفش عنها حاجة فدى بقى غلطتك لإنك زمان مكنتش بتدور ورا علاقاتك وإذا كان ليها نتايج أو لأ.
أمسك بذراعها يقول في حدة:
البـ.ـنت دى فين دلوقتى؟، إنطقى.
نظرت إليه في تـ.ـو.تر قائلة:
إهدى بس، وهقولك، البـ.ـنت دى تبقى، تبقى، ريم.
ترك مؤيد ذراعها وهو يتراجع، بصدmة.
قالت جورية بضعف:
إفهمينى ياليلة، قرارى المرة دى مش ممكن هتراجع عنه، جدى معاه حق، مينفعش أبنى علاقة مع واحد متجوز، لمجرد إنى بحبه و انه مش مرتاح مع مـ.ـر.اته الأولانية، قراره بالإنفصال عنها مينفعش يكون متأثر بوجودى في حياته، أنا هفضل بعيدة عنه، يمكن يرجع لمـ.ـر.اته ويكمل معاها لما أختفى من حياته، ولو محصلش، لو فعلا طلقها ساعتها ممكن يكون فيه أمل لعلاقتنا، لكن قبل كدة مستحيل.
قالت ليلة بحـ.ـز.ن:.
أنا مش معاكى ياجوري في قرارك، علاقة خالد بشاهيناز منتهية من قبل ما يعرفك، والدليل على كدة إصراره على وجودنا لوحدنا في بيت تانى بعيد عنها، ووجودك إنتى في حياته يمكن عوض من ربنا ليه على حاجات كتير إستحملها في حياته وأولهم شاهيناز على فكرة، ورغم إعتراضى بس أنا هسيبك براحتك، لإنى واثقة إنى قريب وقريب أوى هفرح بيكوا انتوا الاتنين.
قالت جورية:
طيب سيبك من موضوعنا دلوقتى وطمنينى هتقدرى تنزلى الكلية امتى؟
قالت ليلة:
مش قبل آخر الشهر، ده لو فراس سمحلى طبعا، عاملين علية هو وخالد كماشة، أوامر اوامر، متقوميش، متنزليش، متعمليش، لسة مبقاليش يوم واحد في مصر وقربت أتجنن.
إبتسمت جورية قائلة:
معلش ياقلبى، كل الأوامر دى عشان خايفين عليكى، وياريت تكونى بنوتة شاطرة وتسمعى الكلام...
إبتسمت ليلة قائلة:.
بسمعه طبعا، مضطرة بقى، واللي مصبرنى رواياتك، بكمل قرايتها، على فكرة، إنتى مبدعة، وتقريبا بقيتى كاتبتى المفضلة، حبيت رواياتك أوى.
قالت جورى بإبتسامة باهتة:
شئ يسعدنى ياليلة، وهتحبيهم أكتر لما تعرفى إن في كل رواية فيه مواقف من الواقع، من قصتى مع فهد.
تنهدت ليلة قائلة:
حسيت بكدة على فكرة.
قالت جوريةبلهجة تحذيرية:
المهم ياليلة، مش عايزة خالد يعرف مكانى ولا يعرف حاجة من اللي قلتهالك دلوقتى، مفهوم؟
قالت ليلة:.
مفهوم.
قالت جورية:
هسيبك دلوقتى ترتاحى وأكلمك بعدين، لا إله إلا الله.
قالت ليلة:
محمد رسول الله.
ثم أغلقت ليلة الهاتف وهي تمنحه لفراس، الذي ولج للتو إلى الحجرة لينظر إليها بإستفهام لتهز رأسها نفيا قائلة بإحباط:
مفيش فايدة.
قال مؤيد بصوت مصدوم كلية:
ريم تبقى بـ.ـنتي أنا؟
كادت شاهيناز أن تتحدث حين قاطعها صوت يأتى من خلفها قائلا بصرامة:
كنت متأكد على فكرة.
إلتفتت شاهيناز بحدة تنظر إلى صاحب الصوت لتجده خالد يرمقها بوجه جليدي الملامح، تدرك الآن أنه في قمة غـــضــــبه، لتقول بصوت مهزوز:
خ، خا، خالد.
إقترب منها خالد قائلا بنبرة حادة كالسيف تقطر غـــضــــبا:.
أيوة خالد، خالد اللي إستحمل قرفك، سامحك لما عرف بغلطتك قبل الجواز، كمل معاكى وإداكى أكتر من فرصة عشان تبقى واحدة محترمة ونضيفة، بس مع الأسف، اللي جاي من الوحل بيفضل طول عمره في الوحل.
قالت بإضطراب:
ياخالد أنا...
هدر قائلا بصوت صارم:.
إنتى إيه، ها؟إنتى واحدة حقيرة مكتفتش بإنها قربت من حبيبها بالغش، وحملت منه، لأ، راحت إتجوزت غيره ونسبت بـ.ـنته ليه، وده طبعا مش كفاية عليها، راحت كمان فرقت بين حبيبها ومـ.ـر.اته، عشان يرجع ليها من تانى، تفكير مريـ.ـض من واحدة مريـ.ـضة، أنا عايز بس أسألك، ذنب ريم إيه؟، ذنب لين إيه؟، ذنب مؤيد إيه؟وذنبى أنا إيييييه؟
صرخت قائلة:
كلكم مذنبين، كلكم مذنبين.
أشارت إلى مؤيد الذي مازالت علامـ.ـا.ت الصدmة واضحة جلية على ملامحه، قائلة:
ذنبه إنه محسش بية وبحبى ليه، وسابنى بعد ما غلط معاه، حتى لو كنت أنا السبب، فكان لازم على الأقل يستر علية ويشوف لو الليلة دى كانت نتيجتها طفل، وذنب لين إنها خـ.ـطـ.ـفته منى ومبصتش لماضيه قبل ما تتجوزه وذنبك انت عشان حسستتى إنك متجوزنى خلاصة حق، وإنك بتشفق علية مش أكتر، أما ريم.
فذنبها إنى أنا أبقى مامتها ومؤيد يبقى باباها، يبقى باباها ياخالد.
نظر إليها خالد بإحتقار قائلا:.
متجيبيش الذنب علينا، الغلطة غلطتك من البداية، طول عمرى حاسس إن جوازى منك كان أكبر غلطة في حياتى، والحمد لله إنى خلصت من الغلطة دى النهاردة، وعلى فكرة منصدmتش فيكى ولا إنصدmت من موضوع ريم، من أول مامؤيد ولين قالولى وأنا كنت متأكد من إن ريم هي البـ.ـنت اللي انتى خدتى منها العينة، كل الشواهد كانت بتقول كدة، بس كنت محتاج إعترافك عشان أحرمك منها وأحرمك من كل حاجة حلمتى تاخديها ياشاهيناز.
ليشير إلى الكاميرات قائلا:
والحمد لله إتفقت مع مؤيد ليلة سفرى لبـ.ـاريس مع ليلة، انى أكون موجود وهو بيخليكى تعترفى بجرايمك، و قدرت معاه آخد إعترافك كله وأصوره صوت وصورة.
ليخرج من جيبه ورقة الطـ.ـلا.ق الخاصة بها، يلقيها في وجهها المصدوم من كلمـ.ـا.ته وهو يقول:
دلوقتى أقدر أقول إنى إتحررت منك، وحققت إنتقامى، إنتى طــالـــق ياشاهيناز، طــالـــق، طــالـــق.
نظرت إليه شاهيناز بصدmة ثم نظرت إلى مؤيد الجالس على كرسيه منهك القوى، لتقول له بهذيان:
مؤيد الكلام ده صح؟إنت كنت متفق معاه؟عشان خاطرى قولى إن كل اللي قاله ده غلط، قول إنه مش صح، قول إنك مخونتنيش يامؤيد، قووول.
رفع مؤيد عيونه إليها يظهر الكره في طياتهما وهو يقول بحقد:.
هقول ياشاهيناز، هقول إنك أحقر بنى آدmة شفتها في حياتى، وإنى مبكرهش في حياتى أدك إنتى، ياريتنى ما قابلتك ولا عرفتك، روحى ياشيخة منك لله.
نقلت شاهيناز عيونها بين خالد ومؤيد، لتطرق برأسها في إنكسار تنهمر دmـ.ـو.عها على وجهها وهي تبتعد بسرعة خارجة من الشقة تتابعها عيون كل من خالد ومؤيد النافرة الغاضبة المحتقرة، وما إن غادرت حتى إلتفت إلى خالد إلى مؤيد الجالس بإنكسار ليشعر خالد بالشفقة عليه، إقترب منه خالد قائلا:
إنت كويس يامؤيد؟
رفع إليه مؤيد عينان دامعتان وهو يقول:.
وهكون كويس إزاي بعد اللي عرفته ده ياخالد؟بـ.ـنتي كانت أدامى طول الوقت ده وأنا محروم منها ومحروم من كلمة بابا اللي حلمت بيها عمر بحاله، أنا مش قادر أستوعب المفاجأة.
قال خالد برفق:
أنا كمان كنت زيك، ضـ.ـر.بة قوية خدناها بس الضـ.ـر.بة اللي مبتمـ.ـو.تش بتقوى يامؤيد، وأنا عايزك قوى عشان خاطر ريم.
قال مؤيد:
تفتكر هقدر أواجهها بالحقيقة دى؟
قال خالد بحزم:.
لازم نواجهها مع بعض ونمهدلها الموضوع ولازم كل حاجة غلط تتصلح يامؤيد، ما بني على باطل فهو باطل، ريم هتفضل بـ.ـنتي طول العمر، الأبوة مش بالدm، بالعشرة والتربية، بس لازم كمان تعرف إنك باباها، صحيح مش هينفع نقولها الحقيقة مرة واحدة، وهنجيبهالها بالتدريج، بس أنا واثق ان ريم هتقدر تستوعبها وتستحملها، ريم بـ.ـنت ذكية، ومـ.ـيـ.ـتخافش عليها، صدقنى.
نظر مؤيد إلى عيون خالد الواثقة القوية ليستمد قوته منهما، يومئ برأسه بهدوء، وراحة.
وقفت شاهيناز في هذا الوقت المتأخر تتطلع بصمت إلى صفحة النيل العميقة أمامها، تتطلع إلى مياهه السوداء تماما كقلبها الآن، قد خلقه الله صافيا فلوثه البشر، كذلك كان قلبها في صغرها قبل أن تلوثه أفعال أباها وأمها، فلم تخبر أحدا قط عن نشأتها المتواضعة في منزل بحي فقير من أحياء القاهرة، لاقت من أبيها تعذيبا وقسوة ولاقت من أمها إهمالا ولا مبالاة بما يحدث لها، لتنشأ حاقدة كارهة لهما، تمتلئ نفسها بالحقد أيضا على أقرانها ممن يمتلكون حياة طبيعية تختلف عنها، لتكون الطامة الكبرى حين قــ,تــل أباها شريكه في التجارة وسرق المال، هكذا سمعته يخبر أمها في تلك الليلة المشئومة، ليصبح بعدها والدها هو تـ.ـو.فيق حسان صاحب الشركة التي حولها بالرشاوى والفساد إلى شركة مشهورة، لتنغمس والدتها في الحفلات تاركة إبـ.ـنتها تضيع، تشرب المـ.ـخـ.ـد.رات وتنتقل من أحضان رجل لآخر غير آبهة بأي شئ، ليتوفى والدها وتتزوج والدتها بعده عدة مرات، حتى حينها لم تبالى شاهيناز سوى بنفسها فقط، وليذهب الجميع إلى الجحيم، لتستيقظ يوما في المستشفى يخبرونها أنها كادت أن تمـ.ـو.ت بجرعة زائدة من الهيروين، وكالعادة وفى أي مصـ يـ بـةلها وجدت نفسها وحدها تماما، لتقرر الإقلاع عن المـ.ـخـ.ـد.رات وقد وجدت نفسها فجأة تحب الحياة، وبالفعل أقــلـــعت عن المـ.ـخـ.ـد.رات بعزيمة وإرادة، وحينها تزوجت والدتها بوالدة مؤيد وأصبح لديها إدmان من نوع آخر، إسمه مؤيد، أحبته كثيرا بكل كينونته، مميزاته وعيوبه، وسامته وإستهتاره، عقله وجنونه، ولكنه لم يراها، ولن يراها قط، لتدرك فجأة أنها لن تشفى تلك المرة من الإدmان ولن تستطع الإقلاع عن حبه أبدا، سوى بالمـ.ـو.ت، نعم المـ.ـو.ت، ربما هو الحل الوحيد لكل عقدها، فربما لو مـ.ـا.تت ما شعرت بهذا الألــم الذي يعتصر قلبها الآن بقوة، ولإبتعدت عن حياة طفلتها فلا تنشأ مثلها، رغم أنها تدرك أن خالد ومؤيد سيحرمانها منها بالتأكيد، وحتى إن تركوها تراها فماذا ستقول لها عن سبب إنفصالها عن خالد وماذا ستقول لها عن مؤيد؟لقد خربت حياتها بالكامل وخسرت كل شئ، إذا فلتخسر حياتها بدورها، فلاشئ فيها قد يجعلها تتمسك بتلك الحياة الغريبة البائسة، صعدت على السور بسرعة ونظرت إلى المياه المتلاطمة بخــــوف ولكنها مالبثت أن أغمضت عينيها وهي تقفز في المياه، أحست بالمياه تغمرها، تخـ.ـنـ.ـقها، تسحب أنفاسها وتزهق روحها، حاولت التمسك بحياة تنساب من بين يديها، ومقاومة تيار المياه ولكنها كانت أضعف من أن تقاومها لتضعف مقاومتها رويدا رويدا حتى خفتت تماما وغاصت إلى الأعماق، وإختفت تماما من على سطح الماء، لترحل شاهيناز وقد خسرت دنياها وآخرتها، نسيت في غفلة منها أننا مهما عانينا في تلك الدنيا الفانية فعلينا أن نتمسك بالأمل في الله وأن نرجوا منه فرجا لهمومنا، فالمنتحر قانط من رحمة الله، مثواه جهنم، وبئس المصير.
↚
ويوماً ما ستأخذنى بدرب الحب ننسانا.
سأجلس على أرجوحة أنت صانعها تفلتها لتعود يديك تلقاها...
سنجوب عالم الكذب سيطوف حولنا الحـ.ـز.ن لتكون النجاة يوم لقائنا الحافل فننسي كل ما كان.
وعلى شرفات الانتظار سأبقى أفكر في البعد يوماً لكن للقرب منك بالقلب قراراً.
خيالاً كنت أم وهماً سانتظر أن تأتى من الغيمـ.ـا.ت بأمطار تزرع على حدود صبرى أزهاراً.
بقلم، حنان صلاح.
جلس مؤيد فلم تعد قدmاه قادرتان على حمله من هول الصدmة قائلا:
إحنا السبب ياخالد، صح؟
جلس خالد بجواره يغمض عينيه ويضع إصبعيه السبابة والإبهام على ذلك الجسر مابين عيناه يقول بحـ.ـز.ن:
لأ مش إحنا، ده قدرها، ومتحملش نفسك فوق طاقتها يامؤيد، اللي زي شاهيناز بتكون نهايتهم كدة وأسوأ من كدة كمان.
نظر إليه مؤيد قائلا بمرارة:.
مفيش أسوأ من كدة ياخالد، دى مـ.ـا.تت منتحرة يعنى خسرت دنيتها وآخرتها وخليتنى أعيش طول العمر بذنبها، أفكر لو بس كنت خدت بالى من تصرفاتى معاها، لو كنت فهمتها بالراحة إنى مش ممكن أكون وياها، لو كنت حاولت أصلح غلطتى، جايز كانت...
فتح خالد عينيه و نظر إليه قائلا بحزم:.
متفتحش للشيطان مكان يدخل لأفكارك منه، زي ما شاهيناز فتحتله وخلاها تفتكر إنها بكل اللي عملته تقدر تحقق اللي هي عايزاه، خلاها تتصور إن حتى بمـ.ـو.تها هتقدر تنهى الفـ.ـضـ.ـيحة اللي كانت هتطولها لو حد عرف باللى هي عملته، سمعت كلام الشيطان اللي خلاها أنانية حتى في مـ.ـو.تها، مفكرتش للحظة واحدة ممكن يأثر على بـ.ـنتها إزاي؟
للأسف يامؤيد الشيطان لو إتمكن من أفكارنا هيودينا في سكك مكناش نتصور إن إحنا نوصلها، ولا كنا نتخيل إن الحاجات دى ممكن تحصلنا، قاوم شيطانك يامؤيد بالإستغفار، واطلب ليها الرحمة، ده اللي في إيدينا ليها دلوقتى.
أومأ مؤيد برأسه ثم فرك وجهه بيديه وهو يقول:
أستغفر الله العظيم، ربنا يرحمها ويغفر لها ويغفر لنا جميعا.
ربت خالد على فخذ مؤيد قائلا:.
يارب، قوم بقى إغسل وشك وتعالى معايا عشان هندفنها، ونعملها كمان في البيت صوان عزا، أنا قدرت ألــم الموضوع بسرعة عشان الفضايح وإتكتب في المحضر إن مـ.ـو.تها كان قضاء وقدر، كانت بتميل تتفرج على مية النيل، فقدت توازنها ووقعت، مش عايز أفتح علينا ألف باب، وأشوه سمعتها وسمعة ريم بـ.ـنتها، هي خلاص مـ.ـا.تت، ربنا يغفر لها بقى.
عقد مؤيد حاجبيه قائلا:
والشريط اللي معانا؟
قال خالد:.
وريته للين، هي الوحيدة اللي كان من حقها تشوفه، وده كان كمان قبل ما أعرف بخبر مـ.ـو.ت شاهيناز، دلوقتى هي مـ.ـا.تت والشريط ده مليان بذنوبها، كـ.ـسرته طبعا، هعمل بيه إيه؟
أومأ مؤيد برأسه قائلا:
معاك حق، الشريط ده كان دليل برائتى أدام أختك، وآداة في إيدك لو شاهيناز طالبت بحضانة ريم، خلاص فعلا، مبقاش ليه أي لازمة، يلا بينا ياخالد، خلينا نقفل صفحة الماضى بحلوها ومرها.
أومأ خالد برأسه موافقا في، صمت.
إنتهى العزاء سريعا وكأن الأيام لا تريد أن تتمهل، لتمنح أبطالنا فرصة لمداواة جروحهم القديمة وأحزانهم الحالية، ليقف خالد مودعا مؤيد الذي قال:
أشوف وشك بخير ياخالد.
قال خالد بهدوء:
لسة مصمم تسافر وتسيب البلد؟
أومأ مؤيد برأسه قائلا:
مش هينفع أعمل أي حاجة غير كدة، كل حاجة هنا هتفكرنى بالماضى اللي عايز أنساه، أنا خلاص عملت اللي كنت قاعد علشانه وأثبت برائتى أدام الكل، هقعد ليه تانى؟
قال خالد:.
طب وشغلك في إسكندرية، و ريم؟
قال مؤيد بألــم ظهر في عينيه:
إحنا مكناش لسة خلصنا ورق الشركة في إسكندرية، يعنى مش هنخسر حاجة، ولو نبيل حابب يكمل عشان سها هيكمل ويختارله شريك غيرى، أما ريم فمن الأحسن ليها إنها تفضل مفكراك باباها أحسن ما أصدmها من دلوقتى وأخليها معقدة نفسيا، جايز مع الأيام أرجع وأفهمها الحقيقة، بس الأكيد إنى مش هقدر أقولها أي حاجة دلوقتى.
تنهد خالد قائلا:.
أنا مش معاك يامؤيد في قرارك، بس هسكت على أمل إنك تقتنع لوحدك بإن وجودك معانا هو أنسب قرار ممكن تاخده.
ربت مؤيد على كتف خالد قائلا:
معتقدش، أشوفك بخير ياخالد، هروح أودع ريم وأمشى علطول.
قال خالد بدهشة:
إنت هتسافر بـ.ـاريس النهاردة؟
إبتسم مؤيد بهدوء وهو يقول:
لأ، لسة هلغى كل حاجة في إسكندرية الأول، فهسافر بكرة إسكندرية أخلص كل حاجة وبعدين هسافر على بـ.ـاريس علطول.
إبتسم خالد قائلا:
ربنا يوفقك يامؤيد.
إبتسم مؤيد إبتسامة باهتة ثم تركه مغادرا بخطوات سريعة، لينظر خالد في إثره قبل أن يتنهد ويذهب في الطريق المعاكس ليستنشق بعض الهواء، فقط يريد بعض الهواء، يشعر بالإختناق لما آلت إليه الأمور، يود لو إختلفت تلك الأمور قليلا، ولكنه القدر، وهو نفسه ذلك القدر الذي سيحمله في الغد إلى محبوبته ليريح قلبه المعـ.ـذ.ب في بعدها ويفضى لها بمكنون صدره.
بينما تابعت عيون تحمل العشق والإصرار مؤيد وهو يودع طفلته بعيون غشيتها الدmـ.ـو.ع، لتهز رأسها تنوى تغيير خططه كلية بعد أن إستمعت لحديثه مع أخيها لتقول بهمس وإصرار:
مش ممكن هكرر غلطة زمان وأسيبك تمشى من غير ما أصارحك باللى جوايا يامؤيد، وساعتها القرار هيكون في إيدك ياتقــ,تــلنى بسكينة بعدك، ياترحمنى وتسيبنى أعيش.
قال خالد لليلة عنـ.ـد.ما رآها تغلق هاتفها وهي تزفر بعمق:
لسة بتتصل بيكى؟
قالت ليلة بحنق:
أيوة ولسة مبردش عليها زي ما قلتلى وعلى فكرة ده هيقلقها ومش بعيد يجيبها القاهرة.
قال خالد بغموض:
مش هتلحق.
إتسعت عينا ليلة بفرح قائلا:
هتسافرلها، صح؟
إبتسم قائلا:
بكرة الصبح علطول، مش هوصيكى على ريم، خدى بالك منها إنتى ولين.
إتسعت إبتسامتها قائلة:
في عينينا ياخالد، متنساش توصل سلامى ليها ومترجعش من غيرها.
إتسعت إبتسامته وهو يقول بعزم:
هيحصل ياليلة، هيحصل.
إقترب خالد من طفلته النائمة بهدوء، نعم طفلته، يدرك أن الأبوة ليست بالجينات ولكنها بالشعور، لقد ولدت على يديه، وكان بجوارها أثناء نشأتها، يوم بيوم وسنة بسنة، حتى عنـ.ـد.ما أفاق من غيبوبته في تلك المستشفى، ورغم تخبطه من إدراكه بمرور عام كامل لا يدرى كيف مر وهل كان في الغيبوبة طوال ذلك العام أم كيف مر عليه دون أن يدرى أو يعلم أحد في المستشفى عنه شيئا؟، إلا أنه ترك تخبطه وأفكاره على جنب وهو يسرع إلى المنزل، يفتقد بشـ.ـدة رؤية طفلته الحبيبة ريم، تلك التي لم تفارق صورتها خياله طوال الطريق ولم يشعر بالراحة أبدا حتى ضمها بين حـ.ـضـ.ـنه، يشبع توقه إليها.
عاد من رحلة الذكريات إلى أرض الواقع وهو يتأمل ملامح ريم الجميلة، يرى الآن تشابه ذقنها مع ذقن أباها، أما باقى ملامحها فتشبه أمها بشـ.ـدة، تنهد قائلا بحـ.ـز.ن:
إنتى بـ.ـنتي ياريم، مهما حصل هتفضلى بـ.ـنتي ياحبيبتى.
ثم دثرها بحنان ومال مقبلا جبهتها برقة ليعتدل ويراها تنظر إليه بعيونها الدخانية الجميلة بنظرة حزينة دامعة، جلس على الفور بقربها قائلا:
مالك ياقلب بابى؟فيكى إيه؟
إعتدلت جالسة وهي تقول له بصوت متهدج:.
إنت مقلتش الحقيقة يابابى، خبيت علية، صح؟
نظر إلى عمق عينيها في وجل قائلا:
خبيت عليكى إيه ياحبيبتى؟
قالت ريم بحـ.ـز.ن:
قلتلى مامى سافرت، بس مامى مسافرتش، صح؟
لم يستطع أن يكذب عليها مجددا، خاصة وهي ترمقه بتلك النظرة ليومئ برأسه في هدوء، لتستطرد ريم قائلة:
مامى مـ.ـا.تت وراحت عند ربنا زي ماسمعت دادة فريدة وهي بتقول لدادة سناء، مامى مـ.ـا.تت زي مامة نودى صاحبتى، صح يابابى؟
أومأ برأسه مجددا لتنهمر الدmـ.ـو.ع من عينيها قائلة:
يعنى أنا مش هشوفها تانى يابابى، ومش هلعب معاها؟مش هتقولى تانى ياأميرتى الحلوة؟
ضمها خالد بين ذراعيه بسرعة، يربت عل رأسها بحنان وهو يقول بحـ.ـز.ن:
مامى في مكان أحسن ياحبيبتى وأنا هنا، مش هسيبك، هكون ليكى مامى وبابى، هلعب معاكى وهقولك كمان ياأميرتى الحلوة.
ثم أخرجها من حـ.ـضـ.ـنه ناظرا إلى عينيها بثبات وهو يقول:.
مش أنا بس، آنطى ليلة وآنطى لين وآنطى جورية كمان، كلنا جنبك ومعاكى ومش هنسيبك أبدا.
ليصمت لثانية يتأكد من إستيعاب طفلته لكلمـ.ـا.ته قبل أن يستطرد قائلا:.
أنا عارف إنك زعلانة ياريم، عشان مامى مش معانا، بس لازم تعرفى إن كلنا في يوم من الأيام هنروح لربنا احنا كمان، هي دى الدنيا ياريم، كلنا هنمـ.ـو.ت، وهنتجمع تانى في الجنة وعشان تكونى مع مامى وبابى في الجنة لازم تكونى بنوتة طيوبة وتسمعى الكلام، اوعدينى ياريم، اوعدينى إنك هتكونى بـ.ـنت بابى الشاطرة اللي هتسمع الكلام.
قالت ريم بصوت ضعيف:
أوعدك يابابى.
مد خالد يديه يمسح دmـ.ـو.ع ريم وهو يقول بحنان:.
عايز أشوف إبتسامة ريمو الحلوة عشان بابى مسافر بكرة ومش عايز يمشى من غير ما يطمن على بنوته.
عقدت ريم حاجبيها قائلة:
مسافر فين يابابى؟
إبتسم قائلا:
هسافر أجيب مس جورية تعيش معانا ياريمو، إيه رأيك؟
شعت عيون ريم بالسعادة وهي تقول:
ياريت يابابى ياريت.
إبتسم ليقبلها في جبهتها مجددا ثم يقول:
طب نامى بقى وإسمعى كلام عمـ.ـا.تك وأنا مسافر، عشان أرجع بسرعة ومتأخرش، إتفقنا؟
أومأت ريم برأسها ثم تمددت على السرير ليدثرها خالد بالغطاء ثم يتجه إلى الخارج ليستوقفه صوتها وهي تقول:
بابى.
إلتفت إليها بتساؤل لتستطرد قائلة:
متنساش تدعى لمامى بالرحمة، وتقول الله يرحمك يامامة ريم، مس سوزان قالت لنا نقول كدة لما مامة نودى مـ.ـا.تت، وقالت إن الدعاء ليهم بالرحمة حاجة حلوة وبتسعدهم وتعرفهم إن إحنا كمان بنحبهم.
إبتسم خالد بحنان قائلا:
ربنا يرحمها ياريم، ربنا يرحمها.
إبتسمت ريم قبل أن تغمض عينيها ويدرك خالد أنها نامت على الفور من إنتظام أنفاسها، ليبتسم بحنان وهو يهز رأسه يمنة ويسارا قبل أن يغادر الحجرة مغلقا بابها، في هدوء.
قالت سها بإبتسامة:
كدة تمام أوى، أنا مش عارفة أشكرك إزاي يانبيل.
قال نبيل بمزاح:
حد يشكر جوزه ياهبلة؟
عقدت سها حاجبيها قائلة بحنق:
بس متقولش هبلة.
قال نبيل بسرعة:
خلاص يا ستي متزعليش، حقك علية، وبعدين بتشكرينى على إيه؟ده أنا المستفيد الأول من تجميعهم مع بعض وتصفية أي خلاف ما بينهم، ما إنتى مأجلة فرحنا لغاية مايرجعوا لبعض، وأنا نفسى يجمعنى بيكى بيت، يالهووووى، أنا خلاص ياسها مبقتش قادر.
إحمر وجهها خجلا وهي تقول:
خلاص يانبيل هانت، أصبر شوية.
قال نبيل:
ما أنا صابر أهو، هو أنا إتكلمت؟
ضحكت سها برقة، ليتنهد نبيل قائلا:
ضحكتك حلوة أوى ياسها.
إحمر وجه سها خجلا وهي تنظر إلى وجه لين الحائر لتقول بإرتباك:
طيب أنا، يعنى، هقفل معاك دلوقتى، وهبقى أكلمك بعدين، سلام.
إبتسم قائلا:
سلام.
أغلقت الهاتف، لتقول لها لين بلهفة:
ها، إيه الأخبـ.ـار؟
إبتسمت سها قائلة:.
العربية هتيجى تاخد مؤيد الساعة عشرة الصبح، متقلقيش، كل حاجة زي ما طلبتيها بالظبط.
تنهدت لين بإرتياح وهي تتراجع في مقعدها تلمع عيناها بقوة قائلة بإبتسامة:
كدة حلو أوى، باقى ساعات ونبتدى اللعب بجد، وياأنا ياإنت يامؤيد ياحسينى.
كانت جورية تجلس في الحديقة، تمسك دفتر رسومـ.ـا.تها، ترسم على تلك الورقة ملامح خالد، وهو يودعها في المطار في آخر لقاء جمعهما، نظرت إلى تلك الصورة بحنين إلى مالك فؤادها الذي تجسد الصورة ملامحه وكأنها حية، ليست فقط كملامح ولكن كتعبير وشعور أيضا، لتمد يدها وتقطع تلك الصورة من الدفتر، تمسكها بين يديها، تلاحظ نظرته إليها والتي حملت الكثير من المشاعر، تبا، كم تجعلها تلك النظرة تتوق إليه، وتشعل قلبها قلقا عليه أيضا، خاصة وأن ليلة لا ترد على مكالمـ.ـا.تها منذ أيام، وكذلك فراس، تخشى بكل ذرة في كيانها أن يكون مكروها قد أصاب خالد أو أصاب أخته ليلة وهي بعيدة عنهما لا تدرى ماذا يحدث لهما، تمتمت بألــم:.
وحشتنى أوى، وغـ.ـصـ.ـب عنى مش قادرة أجيلك، خايفة، معرفش ليه؟
لتمد يدها تمسح بسبابتها على ملامحه بالصورة قائلة بعشق:
ياريت كان المكان غير المكان والزمان غير الزمان، مكنتش هبعد عنك أبدا ياخالد، لكن دلوقتى غـ.ـصـ.ـب عنى لازم أبعد وغـ.ـصـ.ـب عنى هقطع صورتك بإيدى وأمحيك من حياتى كمان.
كادت أن تقطع الصورة إلى نصفين، حين إستوقفتها يد رجولية وضعت على يدها، وصاحبها يقول بصوت حنون:
وأهون عليكى برده؟
إنتفضت جورية تنظر إلى الخلف بصدmة لتنهض ببطئ وهي تراه يقف أمامها، يطالعها بشوق، بعشق ظهر في ملامحه، لتتأمله بدورها في شوق، مالبثت أن نفضته عنها وهي تتمالك نفسها قائلة:
خالد.
إبتسم قائلا:
قلب خالد.
تلفتت حولها بسرعة ترى إن كان أحد غيرهما في المكان أو كان جدها بالقرب منهما، وعنـ.ـد.ما تأكدت من خلو المكان من الناس، نظرت إليه بسرعة قائلة:
إنت لازم تمشى بسرعة من هنا، أنا مش عايزة جدى يشوفك هنا.
جلس خالد على الكرسي أمامها قائلا بإبتسامة كبيرة:
بس أنا عايزه يشوفنا، أنا أصلا جاي مخصوص عشانه.
عقدت جورية حاجبيها بحيرة قائلة:
قصدك إيه، أنا مش فاهمة حاجة؟
إبتسم وهو يتراجع في مقعده يضم كلتا يديه خلف رأسه مغمضا عينيه قائلا بإسترخاء:
قصدى واضح ياجورى، أنا جاي النهاردة لجدك مخصوص.
ليفتح عينيه وهو يهز حاجبيه صعودا وهبوطا، مستطردا بإبتسامة واسعة:
عشان أطلب إيدك منه ياحبيبتى.
لتتسع عينا جورية في، صدmة.
قال مؤيد بحـ.ـز.ن:
يعنى برده مصمم متسافرش معايا يانبيل؟
قال نبيل:
إنت عارف يامؤيد، حياتى كلها بقت هنا، شغلى، وسها، مبقاش ينفع أسافر تانى ياصاحبى.
اومأ مؤيد برأسه قائلا:
ربنا يوفقك يانبيل، عموما ابقى طمنى عليك واعزمنى على الفرح، أكيد هاجى.
قال نبيل بإبتسامة:.
وفرحى مش هيكون فرح من غيرك يامؤيد، أكيد هستناك ياصاحبى، بس إنت ليه محسسنى إنى مش هشوفك قبل ما تسافر، ماأنا هجيلك اسكندرية بس لما أشوف والد سها عايزنى ليه.
قال مؤيد:
عادى يانبيل، أهو بودعك إحتياطى جايز متعرفش تجيلى إسكندرية.
قال نبيل:
لأ جايلك متقلقش، هتوحشنى ياصاحبى.
إحتضنه نبيل فضمه مؤيد بدوره قبل أن يبتعد عنه مؤيد و يصعد إلى السيارة، ملوحا له بإبتسامة لتبتعد السيارة بسرعة.
أطرق مؤيد برأسه حـ.ـز.نا، يعلم أنه يبتعد عن كل أحبته وكل من إهتم لأمرهم، في البداية لين ثم ريم، والآن نبيل، ليتساءل في صمت، هل قراره بالهروب من الماضى هو قرارا صائبا؟أم أنه يحتاج إلى إعادة حساباته من جديد، ربما عليه العودة و التريث في هذا القرار، أو ربما عليه المضي قدmا فيما إنتوى أن يفعله، زفر بحنق، فالآن لا يدرى ماذا يفعل؟رفع رأسه ينظر من نافذة السيارة، ليعقد حاجبيه بشـ.ـدة عنـ.ـد.ما إتضح له أن هذا الطريق لا يؤدى إلى الإسكندرية، مطلقا، ليقول للسائق بحدة:.
إنت واخدنى على فين؟
توقف السائق بالسيارة على جنب ثم أزال قبعته، ليتهادى شعرها الأحمر الناري خلف ظهرها وهي تلتفت إليه قائلة بإبتسامة:
على الجنة ياحبيبى.
إتسعت عينا مؤيد في صدmة وقبل أن يستوعب تلك الصدmة، وجدها توجه علبة إلى وجهه لينطلق منها رذاذا، جعل الدنيا تلف من حوله، ليتفوه بإسمها في ضعف، قبل أن تسود الدنيا من حوله تماما، لتتأمله هي بإبتسامة حانية قبل أن تنطلق بسرعة إلى وجهتها.
↚
لن أعود...
عجبًا لحنين قتال، في القلب توًا مولود
من خلف أنيني يراقبني، من جوف الأمل المسدود
و خيال خصب يغرقني، يغريني بالعود المحمود
كم كانت تسبر غاياتي، بخطيئة جرم مشهود
و عبير شذاها يراودني، بخليطة عطر مورود
لكن خيانتها توخزني، قد سفكت قلب بجحود
جاءت قـ.ـا.تلتي تطلبني، هيهات تحرك جلمود
لن أعود
بقلم إيهاب سليمان.
قالت جورية بجزع:
تطلب إيدى من جدى إيه بس؟مش هيرضى طبعا، إنت ناسى إنك متجوز؟
رمقها خالد بإبتسامة هادئة دون أن ينطق بحرف، لتضـ.ـر.ب بقدmها الأرض في حنق قائلة وهي تذهب إليه تسحبه من ذراعه لينهض معها وهي تقول:
إنت دلوقتى تقوم تمشى من هنا قبل ما حد يشوفك، مفهوم؟
لتتجه إلى بوابة المنزل تسحبه وراءها وهي تستطرد قائلة:.
وعشان خاطرى متجيش هنا تانى، أنا ياسيدى مش موافقة على جوازنا، مبحبكش ولسة بحب فهد، إرحمنى بقى ياخالد.
توقف فجأة ليوقفها معه، إلتفتت تنظر إليه لينظر إلى عمق عينيها قائلا:
بصى في عينية وقوليلى تانى إنك مبتحبنيش.
نظرت إلى عيونه تشعر بالتيه، لا تجد في نفسها القدرة على نطق تلك الكلمـ.ـا.ت، ليبتسم بداخله وهو يمسك بيدها، يرفعها إلى ثغره يقبلها مغمض العينان ثم أنزلها وهو مازال متمسكا بها، يفتح عيناه يواجهها بنظراته الغائمة وهو يقول بمشاعر ظهرت في نبراته:
لو إنتى فعلا مبتحبنيش زي ما بتقولى، طب فسريلى رعشة إيدك جوة إيدى دلوقتى.
ليمد يده الحرة ويضعها على خافقها مستطردا:.
وفسريلى كمان نبض قلبك اللي زاد مع نبض قلبى في اللحظة دى.
كادت جورية أن تذوب عشقا لهذا الرجل، تضـ.ـر.ب عرض الحائط بكل قرارتها وتستسلم لعشقه لتندفع إلى حـ.ـضـ.ـنه في التو واللحظة لتشعر بالإكتمال، ولكنها تركت يده وتراجعت خطوة إلى الوراء وسط حيرته، تبتلع ريقها بصعوبة، ثم تنظر إلى عينيه بثبات قائلة:.
مفيش حاجة من اللي بتقولها حقيقية، كلها أوهام في دmاغك بتحاول تقنع بيها نفسك عشان تفسر رد فعل طبيعى من واحدة بيقرب منها راجـ.ـل.
أمسك خالد كتفيها يقربها منه فجأة، يهمس أمام شفتيها قائلا بحدة:
بس أنا مش أي راجـ.ـل وإنتى عارفة.
ليتأمل ملامحها القريبة جدا منه لتلين نبراته وهو يقول بعشق:
أنا الراجـ.ـل اللي بيحبك وإنتى بتحبيه ياجورى.
لفحتها أنفاسه فغمرتها عشقا، حاولت الإبتعاد عنه فلم تستطع، أغمضت عيناها تخفى ملامحه التي تسحرها، وتزلزل كيانها الذي يضعف الآن بين يديه، ولكن تبدلت صورته في عيونها لصورة ريم فوجدت لديها القوة لتدفعه بعيدا قائلة:
قلتلك، مبحبكش، مبحبكش.
زفر بقوة وهو يجول بناظريه في الحديقة يمرر يده في شعره بعصبية فلقد كاد منذ لحظة واحدة أن يقبل ذلك الثغر الذي ينطق الآن بالأكاذيب، لتتوقف عيناه عند تلك النقطة ويعقد حاجبيه بشـ.ـدة، فهناك وبين الأشجار يوجد كوخ، أدرك أنه مألوف لديه وبشـ.ـدة، ليقول بحيرة:
الكوخ ده بتاع مين؟
أغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهما مجددا تقول بثبات:.
بتاع البواب، من فضلك ياخالد إمشى بقى قلتلك، متعمليش مشاكل مع جدى، ده لسة قايم من أزمة قلبية وأنا خايفة عليه.
تجاهل كلمـ.ـا.تها كلية وهو يتجه إلى الكوخ، لتتبعه جورية وهي تدعوا الله أن لا يذكره هذا الكوخ بشئ آخر، ليتوقف خالد أمام الكوخ وصور تتراءى له، وتتوالى في عقله، ليغمض عيناه ويدعها تتدفق إليه، يرى من خلال تلك الصور قصة لرجل يشبهه، ولكنه أكثر بساطة وسعادة، ورأى أن هذا الرجل عاشقا لحبيبته، يكتب عنها كلمـ.ـا.ت العشق كل ليلة ثم يمزقها ولا يمنحها إياها، يرى جورية ترتب منزله، يراقبها من تلك النافذة الصغيرة بعشق ملك جوارحه، ثم رآها وسط النيران، وهو ينتشلها منها، مسرعا.
إلتفت ينظر إليها عاقدا حاجبيه ثم إقترب منها يمد يده ويرفع جانب شعرها الأيمن ليرى أثر ذلك الجـ.ـر.ح الذي أدرك مكانه على الفور وكأنه رآه من قبل، ليبعد يده عن شعرها وهو ينظر إليها في دهشة قائلا:
أنا إزاي عارف مكان الجـ.ـر.ح ده وعارف سببه كمان، وإزاي بشوف أدامى دلوقتى قصة حب عشتها وياكى مكنتش فاكر منها غير ملامح باهتة ودلوقتى بقت واضحة، وإزاي قادر أوصف الكوخ من جوة وكأنى شفته قبل كدة وعشت فيه؟
أطرقت برأسها ليتأملها للحظة قبل أن يلتفت مقتربا من الكوخ، ليدخله، وتتبعه جورية مضطرة في صمت وهو يقول:
عارف إن فيه سرير وطرابيزة صغيرة وكرسيين، ومطبخ وحمام، ودفاية في الركن الشرقى من الكوخ.
دار بعينيه في المكان ليجد كل شئ كما قال تماما، ليلتفت إليها قائلا:
مينفعش دلوقتى تسكتى ياجورى، لازم تتكلمى وتفسريلى اللي بيحصلى، عيونك كانت دايما بتقولى إن عندك تفسير لكل اللي بيحصل ده.
أطرقت برأسها تخفى عنه عيونها، تود من كل قلبها لو تخبره ولكن ما يمنعها هو وجود ريم وشاهيناز في حياة حبيبها، تخشى أن يتذكر فيتخلى عن زوجته وتدmر أسرته التي لاذنب لها حين أحب عائلها، وهو في حالة من النسيان...
وجدت صوتها لتقول بضعف:
تناسخ أرواح زي ما بتقول، متحاولش تدى الأمر أكبر من حجمه ياخالد.
لترفع عيونها إليه قائلة:
إرجع لبيتك ولعيلتك وإنسى المكان ده خالص وإنسى كمان سكانه.
إلتمعت عيناه وهو ينظر إلى نقطة ما بجانب السرير، ليقول بثبات:
لأ مش تناسخ أرواح ياجورى، أنا كنت عايش هنا معاكى، والدليل على كدة هناك أهو...
ليتجه إلى الكومود القابع بجانب السرير يأخذ شيئا من عليه، يرفعه أمام وجهها لتبتلع جورية ريقها بصعوبة، تدرك الآن أن أمرها قد كشف للتو، وأنها على وشك الإعتراف بكل شئ.
إستيقظ مؤيد يشعر بو.جـ.ـع في رأسه، ليفتح عينيه ببطئ، ينظر إلى محيطه، إتسعت عيناه بقوة، وهو يدرك أنه في هذا المنزل الذي إختطف فيه لين من قبل، ليتذكر مختطفته الصهباء، ويعقد حاجبيه بشـ.ـدة يتساءل كيف عرفت الطريق إلى هذا المكان، وكيف أحضرته إلى هنا، ولماذا؟
أفاق من أفكاره على صوت دخول لين إلى الحجرة، تبتسم برقة قائلة:
حمد الله على سلامتك يامؤيد.
ليدرك أنها تقتبس كلمـ.ـا.ته التي قالها لها في موقف مماثل، وهي تستطرد قائلة:
نورت بيتك ياحبيبى، ياريت الإقامة فيه تعجبك بجد، ما هي لازم تعجبك، لإنك هتنورنا هنا، كتير.
نظر إليها قائلا بسـ ـخـــريــة:
طول عمرك تلميذة شاطرة يالين وبتقدرى تبهرينى، بس ممكن أعرف إيه هدفك من اللعبة السخيفة دى؟
تجاهلت سخريته اللاذعة وهي تقول بإبتسامة:.
تحب تاكل إيه على الغدا النهاردة؟يلا، أطلب وإتمنى، انا اللي هطبخلك زي زمان، فاكر زمان يامؤيد؟
إختفت ملامحه الساخرة لتحل مكانها القسوة وهو يقول بحدة:
قول للزمان إرجع يازمان، زمان كنت فاكرك حاجة وطلعتى حاجة تانية خالص، زمان كنت بحبك، دلوقتى مش فارقة معايا ومتهمنيش على فكرة، أنا مش هستنى هنا لحظة واحدة، وهمشى حالا، مفهوم؟
نظرت إليه لين للحظات قبل أن تقول بثبات:
مستنى إيه؟إتفضل إمشى.
عقد حاجبيه وهو ينظر إليها للحظات قبل أن يتجه للخارج بخطوات غاضبة، أوقفه صوتها وهي تقول بسـ ـخـــريــة:
بس هتروح ماشي.
إلتفت إليها لترفع يدها بالمفاتيح تلوح بهم قائلة:
لإن مفاتيح العربية معايا أنا.
قال في برود:
هاتى المفاتيح يالين.
إبتسمت بهدوء قائلة:
مش هجيبهم يامؤيد، العربية دى أنا اللي مأجراها ومأجراها عشان أروح بيها الحتة اللي أنا عايزاها، والحقيقة أنا حابة أقعد هنا، إنت اللي عايز تمشى، تمام، إمشى.
أصابه الحنق ليقول بتهديد:
لين، قلتلك تنسى لعبتك السخيفة دى وتدينى المفاتيح عشان أمشى، أنا ورايا طيارة بكرة الصبح ولازم أخلص كل حاجة النهاردة قبل ما أسافر.
قالت لين بهدوء:
الظاهر الطيارة هتفوتك يامؤيد لإنى مش هسمحلك المرة دى تبعد من غير ما أقولك على كل اللي في قلبى، و...
قاطعها مؤيد قائلا بغـــضــــب:.
وأنا مش عايز أسمعك، مش عايز، وزي ما حرمتينى من فرصتى زمان، هحرمك من فرصتك دلوقتى، أنا خلاص مبقتش عايز أي حاجة تربطنى بيكى وكلامك مش هيفرق معايا في حاجة، غير إنه هيقلل من صورتك في نظرى، لإنك في نظرى مش هتكونى أكتر من واحدة بائسة بتشحت الحب من واحد خلاص كرهها ومبقاش طايق يشوفها.
رغما عنها، أغروقت عينا لين بالدmـ.ـو.ع تشعر حقا بأنه يعنى كلمـ.ـا.ته، لقد كرهها بالفعل وفات الأوان على إصلاح مابينهما، تبا كم يـ.ـؤ.لمها هذا، شعر مؤيد بالنـ.ـد.م على كلمـ.ـا.ته الجوفاء، وكاد أن يتراجع عنها ولكنه خشي ضعفه ليقول بصوت حاول أن يجعله بـ.ـاردا فلم يستطع وخرج مهتزا رغما عنه وهو يقول:
المفاتيح.
مدت يدها إليه بهم ليأخذهم بهدوء، ثم يلتفت مغادرا ولكنه ما لبث أن توقف وهو يستدير إليها قائلا:
مش هتيجى معايا أوصلك؟
هزت رأسها نفيا قائلة بصوت مخـ.ـنـ.ـوق بالعبرات:
ملوش لزوم، أنا حابة أقعد شوية، وكدة كدة كانت سها جايالى آخر النهار، هستناها.
هز رأسه بهدوء ثم غادر بخطوات سريعة، لتترك لين دmـ.ـو.عها تتساقط بغزارة على وجنتيها، تشعر بالألــم لفقدانه ربما للأبد، فقد أغلق كل السبل في وجهها حين أخبرها أنها تشحذ الحب منه وأنه يكرهها، حقا كم هو مؤلم ذلك الشعور الذي ينتابها الآن، وهي تسمع صوت إنطـ.ـلا.ق السيارة تعلن رحيل مؤيد عن حياتها تلك المرة للأبد، ولكن مع ضيق تنفسها، أدركت أن هذا الألــم الذي تشعر به في صدرها ليس ألــم نفسي بل هو ألــم حقيقي، إهتزت وكادت تسقط، ولكنها تحاملت على نفسها لتصل إلى حقيبتها وتأخذ منها دواءها، ولكنها ما إن غادرت الحجرة حتى سقطت أرضا ولم تعد قدmاها قادرتان على حملها لتدرك أنها الآن في طريقها لفقدان حياتها، لم يـ.ـؤ.لمها أن ترحل عن تلك الدنيا فبعد رحيل مؤيد لا يوجد سبب لتعيش من أجله ولكن ما آلمها أنها حين حانت لحظة مـ.ـو.تها لم تكن كما تمنت دائما، بين أحضان حبيبها، مؤيد.
نظرت جورية إلى هذا الخاتم الفضي ذو الفص الأزرق اللامع والذي يشبه في لونه لون عيون صاحبه، تلعن غبائها الذي جعلها تترك خاتمه على الكومود في زيارتها الأخيرة للكوخ الذي جددته بنفسها بعد الحريق، ليعود كالسابق تماما، ذلك الخاتم خاصته والذي أهداه إياها ليلة رحيلة منذ ما يقارب من أربعة سنوات، إنتفضت على صوت خالد وهو يقول:
الخاتم بتاعى بيعمل إيه هنا ياجورى؟، جاوبينى، ردى علية.
إنهارت جورية كلية وعيونها تغشاها الدmـ.ـو.ع، لتجلس على السرير خلفها، تطرق برأسها، وهي تقول من بين دmـ.ـو.عها المتساقطة:
إنت اللي إديتهولى ليلة ما سافرت من أكتر من ٣ سنين، وقلتلى إنك بالخاتم ده بتربطنى بيك طول العمر، وإنى أحتفظ بيه لغاية ما ترجع وألبسهولك وإنت بتلبسنى دبلتك.
رفعت إليه عيناها تنظر إلى تلك الصدmة على ملامحه لتومئ برأسها قائلة بمرارة:.
أيوة إنت فهد، خطيبى وحبيبى، قابلتك من سنين، في مستشفى الوادى، كنت عامل حادثة و فاقد الذاكرة، سمـ.ـيـ.ـتك فهد وجبتك هنا المزرعة، وإشتغلت فيها، وواحدة بواحدة قربنا من بعض بس عمرنا ما حكينا لبعض عن مشاعرنا لغاية قبل ما تسافر بيومين، الكوخ اتحرق وانت أنقذتنى وساعتها إعترفتلى بحبك وطلبت إيدى من جدى، بس كان لازم عشان نتجوز تجيب ورق يثبت هويتك، سافرت مصر لظابط عرفته هنا في الوادى ومن ساعتها مرجعتش، عشت على أطلال حبك، وبعدين بدأت أألف روايات وأحط عليها صورتك، وجوة الروايات دى كانت هناك حاجات من مواقف ياما حصلت بينا، لغاية ما قابلتك من تانى، وإنت عارف الباقى.
تأملها للحظات يدرك أن كلمـ.ـا.تها تفسر له كل مامر به معها، ذكرياته معها والتي تتراءى له من وقت لآخر، مشاعره تجاهها منذ اللحظة الأولى للقاءهما من جديد والتي تجددت تلقائيا عنـ.ـد.ما تقرب منها، كل ما رآه في عينيها وإحتار دوما في تفسيره فقد تباينت مشاعرها ما بين عشق وشوق، عتاب وخــــوف، ألــم دفين لم يفهم سببا له سوى الآن، وهو يشعر بألــمها في صدره، يهتز جسدها باكيا فيزلزل أركان قلبه حـ.ـز.نا، تتناهى إليه شهقاتها فيجد نفسه متقدmا منها على الفور جاثيا على ركبتيه أمامها، ممسكا يديها لترفع عيونها إليه، عيون رغم حـ.ـز.نهما وتلك العبرات العالقة برموشها، إلا أنهما سحرتاه ليتأملهما قائلا بحنان:.
وليه خبيتى علية؟ليه مصارحتنيش؟
قالت بصوت متهدج:
عشان خفت، خفت تفتكر مشاعرك ناحيتى، وتأثر على حياتك وعيلتك.
إبتسم قائلا:
أولا جوازى كان منهار من الأول، وكدة كدة مكنتش هكمل فيه، سواء حبيتك أو لأ، خصوصا بعد اللي عرفته، ثانيا، من غير ما إفتكر كل اللي كان بينا فأنا وقعت في حبك من جديد، وجه الأوان عشان أمشى ورا قلبى بعد ما مشيت ورا عقلى كتير.
نظرت إليه في حـ.ـز.ن قائلة:
مش هينفع، على الأقل عشان خاطر ريم.
ترك يدها وهو يقف قائلا في حنق:
إنت ليه مصممة تحسسينى إن الناس كلها عندك أهم منى؟، ريم، شاهيناز، طب وأنا، ومشاعرى وحبى ليكى، كل ده ملوش قيمة في نظرك.
نهضت بسرعة تمسك يده بيدها قائلة:
إنت فاهمنى غلط، أنا مفيش في الدنيا دى كلها حد أهم عندى منك، أنا عمرى ما حبيت غيرك ولا ممكن هحب حد أكتر منك.
ضم يدها بيده بمشاعر حب جلية واضحة على محياه، لتستطرد قائلة:.
أنا لو خفت أفرقك عن عيلتك فمش عشانهم أكتر ما هو عشانك لإنى عارفة ومتأكدة إنك مش هتكون مبسوط، ولا مرتاح وإنت بعيد عن ريم.
إبتسم خالد قائلا:
من الناحية دى إتطمنى خالص، المشكلة دى لقيتلها حل خلاص.
عقدت جورية حاجبيها قائلة:
حل إيه ده؟
إنتفضا سويا على صوت الجد الصارم وهو يقول من خلفهما:
أنا كمان عايز أعرف، حل إيه ده؟
إلتفتا إليه سويا، يطالع خالد جدها بنظراته القوية الثابتة، بينما حاولت جورية أن تسحب يدها من يد خالد فلم تستطع وقد تمسك بها أكثر، ليقول خالد بثبات:
أنا طلقت شاهيناز.
نظرت إليه جورية في دهشة، بينما لانت ملامح الجد قليلا، لينظرا إليه سويا في جزع وهو يقول مستطردا:
أنا عايزكم تعرفوا حاجة كمان، ريم هتفضل في رعايتى، لإن للأسف، شاهيناز مـ.ـا.تت.
إبتسمت ليلة وهي تطالع ريم التي تلهو في الحديقة بحنان، قبل أن تلتفت إلى فراس الجالس بجوارها على تلك الأرجوحة الموجودة بالحديقة، يطالع هاتفه ويكتب رسالة إلى أحدهم، لتقول برقة:
تفتكر طلب منها الجواز ولا لسة؟
نظر إليها في حيرة قائلا:
هو مين ده؟
قالت ليلة بحنق:
ركز معايا يافراس وسيب الموبايل من إيدك، هيكون مين يعنى؟، خالد طبعا.
إبتسم وهو يغلق هاتفه قائلا:.
وآدى التليفون يا ستي قفلته، أما بقى من خلال معرفتى بجورى وخالد أخوكى فأحب أطمنك، وأقولك إننا هنتجوز ونخلف وهم لسة معترفوش لبعض بمشاعرهم أصلا.
هزت رأسها نفيا قائلة:
معتقدش، إنت مشفتش النظرة اللي كانت على وش خالد وهو مسافر، نظرة واحد بيحب وقرر خلاص يهد كل الحواجز اللي بينه وبين حبيبته، ده غير إنه بقى حر وده هيسهل كل حاجة بالنسبة له.
أومأ فراس برأسه قائلا:
معاكى حق.
ليلاحظ إنحسار شالها عنها، ليقوم بضمه عليها قائلا بحنان:
ما تيجى تطلعى أوضتك أحسن، الجو برد وده غلط عليكى، ولا الحب مدفيكى؟
وكزته قائلة في خجل:
بس بقى يافراس.
تنهد فراس قائلا:
قلب فراس وربنا، المهم قوليلى ياشرلوك هولمز، تفتكرى جورية هتقوله على ماضيه معاها؟
عقدت ليلة حاجبيها قائلة:.
دى حاجة بقى أعتقد هتترهن بالظروف، يعنى لو خالد افتكر حاجات كمان أكيد هتقوله، لكن لو ما ألحش في إنه يلاقى تفسير لذكرياته معاها واللي بتلاحقه من يوم ما رجع، يبقى جورى هتحط الماضى ورا ضهرها وهتبتدى مع خالد صفحة جديدة.
تأملها في حب قائلا:.
إنتى إزاي بتجمعى بين كل شئ ونقيضه بالشكل ده؟، العقل والرومانسية، المنطق والخيال، خدتى قلبى بشخصيتك الفريدة، ومش عارف ألاقى حدود لإعجابى بيكى وقوة مشاعرى من ناحيتك، أنا بحبك أوى ياليلة.
أطرقت ليلة رأسها بخجل ليقول بإبتسامة:
طيب مفيش وأنا كمان بحبك يافراس.
هزت رأسها نفيا وهي مازالت مطرقة الرأس بخجل ليمد يده إلى ذقنها يرفعها لتتواجه عيناها مع عينيه، قال برقة:.
أوعى تانى تخبى عيونك عنى، عيونك دول حبايبى، واللي نظرتهم لية بتحيينى ياليلتى.
تاهت ليلة بين ثنايا عينيه، تدرك أنها تذوب عشقا، لتتنحنح قائلة:
إحمم، هي، لين فين؟
إبتسم يدرك تهربها منه لخجلها ليقول بهدوء:
مش إنتى قلتيلى إنها خرجت من الصبح بدرى عشان وراها مشوار مهم.
ضـ.ـر.بت بيدها على رأسها بخفة قائلة:
صحيح، إزاي نسيت بس؟
إبتسم قائلا:
اللي آخد عقلك يتهنى بيه ياليلة.
إبتسمت تقول في نفسها، يارب فأنت يافراس من أخذ عقلى وقلبى معا، ليقول فراس:
بس صحيح، لين راحت فين؟
نظرت إليه ليلة قائلة بغموض:
مشوار مهم أوى، هتصلح فيه
غلطة كبيرة غلطتها زمان، ويارب تلحق تصلحها قبل فوات الأوان.
كان مؤيد يقود سيارته بإتجاه المدينة، يشعر بالإختناق، فلديه يقين بأنه يرتكب خطأ جسيما بهروبه ذاك وإبتعاده عنها، نعم لقد أخطأت ولكنها إعتذرت، ربما لم يثق بها وبشعورها بالنـ.ـد.م من قبل ولكن إختطافها له، هو خير دليل على نـ.ـد.مها وتمسكها به، لما لم يستمع إلى ما لديها لتقوله؟لما لم يجاريها في لعبتها؟هل خشي أن يضعف، تبا، فليضعف، بل وليدع حصونه تنهار، فما لديهما يستأهل إنهيار تلك الحصون، لديهما قصة عشق يعلم كليهما أنها تمر في العمر مرة واحدة، فرصة واحدة للسعادة، فإن عبرت ولم يقتنصاها، ذهبت بلا رجعة، وأصبحا تعيسان للأبد، كلا، لن يترك فرصته في السعادة تضيع من بين يديه، سيعود وسيمنحها تلك الفرصة التي أرادتها، يدرك وبكل قوة أن الحياة معها وشبح الخــــوف يرفرف على علاقتهما، أفضل ألف مرة من حياة بلا نبض أو روح قد يعيشها بدونها، لينحرف بسيارته بسرعة في الإتجاه المعاكس، يقود بأقصى سرعة بإتجاه هذا المبنى القديم والذي تمكث فيه حبيبته، ليصل في دقائق معدودة، إندفع إلى الداخل، يسرع إلى تلك الحجرة التي تركها بها، ليتوقف متجمدا، تتوقف نبضاته بجزع وهو يراها هناك، أمام الحجرة ملقاة على الأرض مغمضة العينين، شاحبة الوجه تماما، كالمـ.ـو.تى.
↚
وهذا الذي بيننا واد صغير بين جبال شاهقة.
يوماً يجف ويوماً تنحدر بين جنباته سيول جارفة.
يوماً تذبل ورود خريفه ويوماً بين تصدعات جباله تجد الورود مبتسمة مفعمة بالحياة وناعمة.
وهذا العشق إنما لغزاً يكبر ويكون يافعاً قوياً كلما ضـ.ـر.بته العاصفة...
بقلم حنان صلاح.
لا يدرى مؤيد كيف نفض عنه صدmته وجزعه وهو يسرع إليها في ثوان، يجثو على ركبتيه بجانبها، يرفع الجزء العلوى من جسدها عن الأرض، يسنده بإحدى ذراعيه بينما بيده الحرة يضع إصبعيه السبابة والوسطى على العرق البـ.ـارز في عنقها، ليزفر بقوة وهو يشعر بخفقاتها، حتى وإن كانت ضعيفة بعض الشئ فالأهم أنها حية، فتحت عيونها ببطئ لتطالعه، ليقول لها مؤيد بلهفة وعيون إمتلأت بالقلق والإضطراب:.
أنا لازم أنقلك المستشفى حالا يالين.
إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تقول بضعف:
ملوش لزوم، لو سمحت بس، هاتلى، شنطتى، جواها الدوا، ومتجيبش، مية.
عقد حاجبيه لايدرى عما تتحدث ولكنه تركها برفق وذهب بسرعة إلى الردهة يبحث عن حقيبتها حتى وجدها، ليسرع بها إليها ويجثو على ركبتيه مجددا يمنحها الحقيبة بعد أن فتحها، لتسحب من الحقيبة علبة من الدواء تأخذ منها قرصا، تضعه في فمها على الفور، يتابعها مؤيد بقلق ينهش أحشائه، يتساءل عن هذا الدواء الذي ما إن أخذته لين حتى عاد بعض اللون إلى وجهها، وأصبح تنفسها أكثر إنتظاما، ليحملها بين يديه ويدخل بها إلى الحجرة، يمددها على السرير، إبتعد عنها ولكنه لم يبـ.ـارح المكان قربها، يتأملها بملامح قلقة، أدركتها، لتدرك من تلك الملامح أنه مازال يحمل لها في قلبه شيئا، ربما بعض مشاعر من الماضى لتقرر أن تبوح له بمكنون قلبها، حتى وإن شحذت منه الحب والإهتمام كما قال، فهذا أهون من فراق لن تحتمله، وكاد أن يقــ,تــلها، أفاقت من أفكارها على صوته وهو يقول لها بتـ.ـو.تر:.
بقيتى أحسن؟
أومأت برأسها بهدوء، ليستطرد قائلا:
كان مالك يالين وإيه الدوا اللي أخدتيه ده؟
أطرقت برأسها قائلة بضعف:
ده دوا الدكتور وصفهولى عشان أقدر أتنفس.
قال لها وقلبه يتوجس خيفة من كلمـ.ـا.تها:
وليه محتاجة الدوا ده؟
رفعت إليه عيناها تقول بتـ.ـو.تر:
بعد ما إنفصلنا، إنهرت نفسيا وإضطريت أدخل المصحة.
إتسعت عيناه بشـ.ـدة، ليردد قائلا بصدmة:
مصحة؟
أومأت برأسها بهدوء ثم قالت:.
مكنش جنبى حد ساعتها يقوينى على محنتى، خالد وكان مختفى، ليلة وفى دراستها ورواياتها، حتى سها صاحبتى كانت مشغولة أيامها بمرض والدتها، إحساسى بالوحدة والخيانة دmرنى وإبتدت تظهر علية أعراض حالة نفسية عاملة زي الفوبيا، الحالة دى كانت بتأثر على قلبى، أول ما أتـ.ـو.تر أو أزعل جـ.ـا.مد تزيد دقاته أوى ويوجـ.ـعنى صدرى وأحس إنى مش قادرة أتنفس، وللأسف الدكتور قاللى إن ممكن الحالة النفسية تأثر فعلا على القلب وساعتها...
تركت الجملة معلقة ليإن قلب مؤيد من تخيله لهذا المصير، يتمزق حـ.ـز.نا على محبوبته التي عانت وحدها ولم يكن بجوارها ليساندها، لتستطرد لين قائلة:
الدوا ده أصبح بالنسبة لى شئ أساسى وضرورى عشان أقدر أعيش، مقدرش أمشى من غيره، لما بتجيلى الأزمة باخد الحباية وببقى كويسة.
ظل مؤيد صامتا، يستوعب كلمـ.ـا.تها، يتذكر تأكيد خالد عليها عنـ.ـد.ما إختطفها مؤيد على أنها تحتفظ بدوائها معها، إذا فقد كان يقصد هذا الدواء، دق قلبه بعنف، يخشى عليها من تلك الأزمة إن واجههتها وهي وحيدة أو غير مستعدة، كما كانت منذ لحظات، لينوى ان لا يفارقها قط ومنذ تلك اللحظة، إستطردت لين وهي تمد يدها تمسك يد مؤيد لينظر إلى كفها الصغير الذي تمسك بكفه، ثم عاد بنظراته إليها، وهي تستطرد قائلة بنـ.ـد.م:.
مؤيد، أنا عارفة إنى غلط في حقك غلطة كبيرة وعارفة إنك مش هتسامحنى بسهولة، بس أنا بترجاك تدينى فرصة تانية، فرصة أقدر أثبتلك فيها إنى إتغيرت، وإنك تقدر تثق فية من جديد، أنا بمـ.ـو.ت في بعدك يامؤيد، وإنت بس اللي في إيدك تحيينى ب...
قاطعها بأن إقترب منها آخذا شفتيها في قبلة طويلة تفاجأت بها وبقوة تلك المشاعر التي إنتقلت لها عبرها، فقد حملت لها قبلته شوقا إمتزج بألــم وخــــوف من الفقد وعشق، بعتاب إمتزج بسماح وثقة، نعم، ثقة في القادm، وفى أنها له، مهما حدث، هي له وستظل له طوال العمر، ليختتم قبلته واضعا جبهته على جبهتها قائلا وهو مغمض العينان، مضطرب الأنفاس، مثلها تماما قائلا:.
من اللحظة دى، الماضى إنتهى، مفيش عتاب، مفيش فراق، مفيش زعل.
ليبتعد عنها يرفع يديه يضم بهما وجهها وهو ينظر إليها بعشق قائلا:
بحبك يالين، من أول مرة شفتك فيها ولحد النهاردة، مقلش حبى ليكى أبدا، وفى اللحظة اللي إتخيلت فيها إنك روحتى منى، قررت، من اللحظة دى مش هسيبك تانى، وهتجوزك أول ماننزل القاهرة، لإن حياتى من غيرك متستاهلش تتعاش يالين.
إبتسمت لين قائلة في عشق:
بحبك يامؤيد، بحبااااك.
إبتسم وهو يعود لشفتيها ينوى تقبيلها مجددا لتضع إصبعها على شفتيه قائلة بمزاح:
لأ حضرتك، كدة غلط، إنت فاجأتنى في المرة الأولى بس المرة دى أنا مستعدة وبمنعك.
عقد حاجبيه وهو يقول:
بتمنعينى؟
إبتسمت قائلة في دلال:
طبعا بمنعك، مش من حقك تبوسنى غير وأنا مراتك ياحضرة البيه المحترم.
نهض يمد يده إليها قائلا بعيون لامعة:
طب يلا بينا علطول ننزل مصر وهناك هنشوف أقرب مأذون ونتجوز.
إبتسمت قائلة وهي تمد يدها تسحبه من يده لتجلسه مجددا وسط حيرته:
المأذون في الطريق يافنـ.ـد.م، جايباه لحد عندك ومعاه الشهود كمان.
عقد حاجبيه قائلا:
قصدك إيه؟
إتسعت إبتسامتها قائلة:.
بصراحة كنت عاملاهالك مفاجأة يامؤيد، الحقيقة نبيل دلوقتى في الطريق ومعاه سها والمأذون والشاهد التانى على العقد، ما هو أنا مقلتلكش إن نبيل هو اللي عرفنى على المكان هنا بعد ما حكيتله انت عنه وهو اللي جابلى مفتاحه وهو صاحب إقتراح المأذون والجواز علطول، قال يدبسك بقى ويخلص، أصل سها مش راضية تعمل الفرح غير بعد جوازنا.
قال مؤيد بدهشة:
بقى كدة؟كل ده يطلع منك إنتى ونبيل.
إبتسمت بخجل ليبتسم بدوره ثم تغيم عيناه وهو يقترب منها مجددا ولكنها أوقفته قائلة بلهجة تحذيرية:
مؤياااد.
إبتعد عنها على الفور وهو يزفر قائلا:
صبرنى ياااارب.
كان خالد يتمشى في طرقات المزرعة يتأملها بعمق، كم تعجبه تلك المزرعة حقا، تحتاج فقط إلى بعض التعديلات وربما بعض التطوير وإضافة بعض الآلات التي قد تزيد من إنتاجيتها، ربما سأل الجد أن يساعده في تطويرها، أو يشاركه إن أراد.
الجد عزيز، إنه شخصية متناقضة تماما في رأيه ولكنه لا ينكر أنه يزداد إعجابا بها يوما بعد يوم، في البداية كان من حديث جورية عنه، ثم من مقتطفات تعود له منذ أن جاء إلى المزرعة البـ.ـارحة، ربما لم يمنحه الجد عزيز ردا على طلبه الزواج من حفيدته ولكنه يراها في عينيه، فقط هو يؤجلها لسبب ما، فبعد أن إستمع إلى كلمـ.ـا.ته بالأمس ورأى ورقة طـ.ـلا.قه من شاهيناز وشهادة وفاتها والتي لم يذكر خالد ملابساتها فقد إكتفى بما يعرفه الجميع ماعدا مؤيد بالطبع، أنها قد تعثرت وسقطت في النيل، وقتها نظر إليه الجد نظرة طويلة قبل أن يقول لحفيدته أن تعد له حجرة الضيوف بالمنزل، وعنـ.ـد.ما أراد خالد أن ينام بالكوخ، إكتفى الجد بأن قال:.
محدش من عيلتى بينام برة بيتى.
إذا لقد إعتبره فردا من عائلته، موافقة ضمنية بالتأكيد على زواجه من جورية، وها هو منذ الصباح الباكر، يدور في المزرعة، تتدفق إليه الذكريات، كلما مر من مكان، ولكن كفى، عليه العودة فقد تعب وشعر بالجوع.
عاد أدراجه، ودخل من البوابة ليتوقف فجأة وهو يرى حبيبته تقف بجوار شجرة، تمسك وردة في يد، بينما تشب بجسدها لتلمس باليد الأخرى أوراق تلك الشجرة برقة، تتطاير خصلاتها الناعمة خلفها فتمنحها منظرا خلابا حبس أنفاسه، إقترب منها بهدوء، حتى أصبح خلفها تماما، لينطق إسمها بحنان، إرتبكت جورية وكادت أن تسقط ولكنه أسندها بذراعه، لتنظر إليه وقد تبعثرت أنفاسها من لمسته لظهرها ونظراته المركزة على ملامحها، لتعتدل بسرعة وهي تبتلع ريقها قائلة بصعوبة:.
خالد، كنت، كنت فين؟
إبتسم قائلا:
وحشتك؟
وضعت خصلاتها خلف أذنها اليمنى وهي تطرق برأسها تهرب من نظراته قائلة بخجل:
جدى اللي كان عايزك عشان تفطر معاه، ولما خالة جليلة خبطت عليك وملقتكش، أنا قلقت.
مد يده يرفع ذقنها لتواجهه عيناها قائلا:
فكرتينى سافرت مش كدة؟
قالت وهي تنظر إلى عمق عينيه لا تستطيع أن تحيد بنظراتها عنهما:.
في البداية، بس خالتى جليلة قالتلى إن موبايلك ومفاتيحك على الكوميدينو، فإطمنت، وقلت أكيد بتتمشى.
إبتسم قائلا:
وإفرضى كنت سافرت؟
غشيت عيونها لمحة حـ.ـز.ن أدركها ليقول على الفور:
عموما أنا مستحيل هتنقل من هنا غير وإنتى مراتى ياجورى.
إحمر وجهها خجلا، ليدرك أنه الآن يحتاج لكل قوته كي يتمالك نفسه حتى لا يقبلها بقوة في تلك اللحظة، ليترك ذقنها قائلا بمزاح مفتعل:
طيب فين جدك والفطار ده؟، أنا مـ.ـيـ.ـت من الجوع على فكرة.
وجدت صوتها لتقول بهدوء:
الساعة ١١، جدى فطر من زمان مع خالتى جليلة.
نظر إلى عمق عينيها قائلا:
طيب وإنتى، فطرتى؟
هزت رأسها نفيا قائلة بإبتسامة خجولة:
لأ، مستنياك.
قال بإبتسامة:
طب يلا بينا.
أومأت برأسها بهدوء وكادت أن تذهب معه حين توقف ينظر إلى الشجرة التي خلفها قائلا:
أنا اللي زرعتها صح؟
أومأت برأسها بهدوء، ليبتسم قائلا:
وكنتى معايا لحظة بلحظة.
أومأت برأسها مجددا، ليتأمل وجهها بحنان قائلا:.
ذكرياتى معاكى بتمحى كل ذكرى وحشة في ماضى قربت أنساه خلاص، ويحل محله كل حاجة حلوة عشتها معاكى ولسة هعيشها ياجورى.
نظرت إلى عيونه في عشق قائلة:
ربنا يحلى كل أيامك ياخالد.
تأملها للحظة قبل أن يزفر قائلا وهو يمد يده إليها:
يلا ياجورى، يلا نروح نفطر، لإنى ثوانى ومش هكون مسئول عن تصرفاتى.
أدركت مايقصده لتمسك يده بسرعة، إبتسم بهدوء ثم مشي وهي إلى جواره، لتتشابك أصابعهم وتتداخل كما تشابكت أرواحهم، تماما.
قالت لين لليلة في حنق:
أخوكى مبيردش، ومؤيد على آخره، عايزنى أرجع معاه البيت وأنا مصممة مرجعش غير لما خالد يرجع وأستأذنه، أعمل إيه بس؟
إبتسمت ليلة قائلة:.
إهدى بس يالين، كلها النهاردة أو بكرة بالكتير وتلاقى أخوكى راجع وفى إيده عروسته وساعتها الفرح هيبقى فرحين وتلاتة كمان يا ستي، صحيح مش هنقدر نعمل حفلة كبيرة نعزم فيها كل الناس بسبب مـ.ـو.ت شاهيناز، بس إحنا ميهمناش الناس، كل اللي يهمنا نكون مع اللي بنحبهم والمقربين لينا وبس.
تنهدت لين قائلة:
يارب ياليلة يارب، نفسى الفرح يدخل بيتنا بقى، تعبنا من الحـ.ـز.ن، بقالنا سنين مقهورين.
تراجعت ليلة في مقعدها قائلة بإبتسامة:
الفرح خلاص من النهاردة دخل بيتنا ومش هيخرج منه تانى يالين.
كانوا يجلسون على المائدة يتناولون طعامهم بصمت، حين قال الجد بهدوء:
النهاردة زي ما إنتوا عارفين كتب كتاب علا وفايز، وأنا وعدت عابد يكون كتب الكتاب في بيت المزرعة، مش هوصيكى ياجليلة انتى وجورى، عايز كل حاجة تكون جاهزة، مفهوم؟
أومأوا برءوسهم، ليلتفت الجد إلى خالد الذي قال بهدوء:
طب وبخصوص موضوعى أنا وجورى ياجدى، حضرتك لسة مردتش علية.
نظر إليه الجد قائلا بغموض:.
هنلعب النهاردة دور شطرنج ولو كسبتنى هقولك ردى بعد كتب الكتاب، أما بقى لو خسرت...
قاطعه خالد قائلا في ثقة:
مفيهاش لو، هكسبك ياجدى، هكسبك.
إبتسم الجد بهدوء ثم ترك ملعقته وهو يقول:
الحمد لله.
نهض ولكن قبل أن يبتعد، قال لخالد:
إنت معاك بطاقتك صح؟
أومأ خالد برأسه قائلا:
طبعا، لكن ليه بتسأل عنها؟
قال الجد بهدوء:
حابب تكون شاهد على عقد الجواز.
أومأ خالد برأسه متفهما ليقول الجد موجها حديثه لجورية:.
أنا جبتلك فستان عشان تحضرى بيه كتب الكتاب ياجورى، هتلاقيه على سريرك، ياريت يعجبك.
إبتسمت جورية قائلة بسعادة:
أكيد هيعجبنى ياجدى، ربنا يخليك لية.
إبتسم الجد بحنان بينما تأمل خالد جورية بعشق وإبتسامتها تضئ وجهها وتجعلها أكثر جمالا، إلتقت عيناها بعينيه في تلك اللحظة لترى نظرته إليها فأطرقت برأسها في خجل، بينما قال الجد لجليلة بنبرة ظهر بها اهتمامه الواضح بها:.
إنتى كمان ياجليلة، فستانك على سريرك، يارب يعجبك.
نظرت إليه جليلة في دهشة قائلة:
فستان لية أنا؟
إبتسم بهدوء وهو يومئ برأسه قبل أن يلتفت مغادرا، لتنظر جليلة في إثره ومازالت ملامح الدهشة تعلو وجهها، لتقول لها جورية:
أيوة بقى، فستان وحركات، جدى خلاص رفع الراية البيضا ياخالتى.
وكزتها جليلة قائلة بحزم إمتزج بإبتسامة فرح لم تستطع إخفائها:
إختشى ياجورى.
ثم نظرت جليلة إلى خالد المبتسم ليحمر وجهها خجلا وهي تنهض لتصعد إلى حجرتها ترى هدية الجد لها، بينما قال خالد لجورية بإبتسامة هادئة:
كدة كسفتيها؟
قالت جورية بإستنكار:
وأنا قلت إيه بس؟
إتسعت إبتسامة خالد وهو يقول:
مقلتيش حاجة يا ستي، مش هتيجى بقى تورينى الفستان اللي هتلبسيه النهاردة عليكى؟
إتسعت عيناها بشـ.ـدة قائلة:
أوريهولك إزاي يعنى؟
قهقه خالد لتتوه جورية في ضحكته الرائعة والتي تراها لأول مرة، ليتوقف خالد عن الضحك قائلا في مرح:
مش عارف ليه مصممة تفهمينى غلط ياجورى، أنا بس عايز أشوف شكل الفستان، وأشوف لو مكشوف من هنا أو من هنا، ساعتها طبعا مش هسمحلك تلبسيه ياقلبى.
نهضت جورية قائلة بحنق:
جدى مش هيجيبهولى مكشوف ياخالد، وأنا فاهماك كويس على فكرة.
لتمشى من أمامه بخطوات حانقة، ليتناهى إلى مسامعها ضحكته الرائعة مرة أخرى، ليعلو ثغرها إبتسامة واسعة، رغما عنها.
كانت جورية تطمأن أن كل شئ جاهز من أجل عقد القران، تتأكد من أن الحديقة مزينة ومعدة لإقامة حفل بسيط من أجل العقد، لتبتسم براحة، فلقد أحسن الجد بالفعل إختيار من أعدوا الزينة لذلك الحفل، فالحديقة أصبحت رائعة حقا، سمعت صهيل فرستها مهرة، بالتأكيد إفتقدتها، فلم تراها منذ الأمس، لتبتعد متجهة إلى الإسطبل، غافلة عن عينان كانت تتابعانها وعنـ.ـد.ما رآها صاحبهما تتجه إلى الإسطبل، تبعها بهدوء.
قال نبيل بحنق:
أنا نفسى أعرف إحنا لسة مأجلين جوازنا ليه ياسها؟مشكلة مؤيد ولين إنتهت خلاص، وكتبوا كتابهم وكلها يومين وخالد يرجع ويعملوا حفلة بسيطة يشهروا بيها جوازهم، إيه بقى اللي مخلينا لسة مأجلين؟
قالت سها بإبتسامة:
على فكرة بقى، أنا كنت بتصل بيك أصلا عشان كدة، إنت بقى اللي دخلت فية شمال علطول ومستنتش تسمعنى.
عقد نبيل حاجبيه قائلا:
قصدك إيه؟
إتسعت إبتسامة سها وهي تقول:.
يعنى هات عمى وتعالى بكرة عشان تحددوا ميعاد الفرح يانبيل.
ليدق قلب نبيل بقوة وترتسم على ملامحه أعتى مشاعر السعادة.
مررت جورية يدها على عنق مهرتها قائلة بحنان:
إنتى كمان وحشتينى يامهرة، معلش إنشغلت عنك بخالد، بس أوعدك مفيش حاجة تانية هتشغلنى عنك.
مالت لها مهرة لتضع جورية جبهتها على جبهة فرستها وقد أغمضت عينيها، لتنتفض على صوت خالد وهو يقول:
يابختك يامهرة.
نظرت إليه جورية تبتلع ريقها بصعوبة وهي تلاحظ إقترابه منها، ليبتسم وهو يلاحظ تـ.ـو.ترها، ليقول بهدوء:.
متخافيش ياجورى، أنا وعدتك قبل كدة في نفس المكان ده وأدام مهرة إنى مش هلمس شـ ـــفــايـــ ـفك غير وإحنا متجوزين، وأنا لسة عند وعدى لإنى يوم ما هلمسك مش هسيبك ياجورى.
أطرقت برأسها في خجل:
إنت إفتكرت؟
إبتسم وهو يدرك إلى أين ذهبت بأفكارها ليقول في خبث:
بصراحة إفتكرت وإفتكرت طعم شـ ـــفــايـــ ـفك بين شـ ـــفــايـــ ـفى وإحساسى لما بوستك.
إزدادت حمرة الخجل على وجهها لتتسع إبتسامته وهو يستطرد قائلا:.
عشان كدة أنا ماسك نفسى بالعافـ.ـية عنك، لحد ما جدك يرضى عنى ويوافق على جوازنا.
نظرت إليه بإبتسامة خجولة، تأملها بحنان، بعشق ملك جوارحه، ليضـ.ـر.ب على رأسه بخفة يقول مستطردا:
بمناسبة الكلام عن جدك، كان المفروض هلعب معاه دور شطرنج ونسيت خالص، أنا هروحله حالا، إدعيلى ياجورى.
إبتسمت وهي تتابعه يغادر بسرعة قائلة:
يارب تكسب ياخالد، يارب.
↚
منحتنى حبا، ثم زدتنى
منحتنى حـ.ـضـ.ـنا، به غمرتنى
وداخل قلبك وبين جفونك أسكنتنى
حتى حنانك لم تبخل به علي، أخجلتنى
في الوادى إلتقينا، أحببتنى ثم نسيتنى
إفترقنا وجمعنا القدر ثم إلى الوادى عدنا فتذكرتنى
وهناك أسرتنى بعشقك ورقة كلمـ.ـا.تك، وحقا أسعدتنى.
ولجت جورية إلى الحجرة التي توجد بها عروس الليلة، علا، صديقتها القديمة والتي تزينها مختصة التجميل التي إستدعاها جدها خصيصا لتلك المناسبة، إلتفت الجميع لدى رؤية جورية بذلك الفستان الوردي والذي يضيق حتى خصرها ثم ينزل بتنورة واسعة مزينة بالورود حتى ركبتيها، ليبرز جمالها الرقيق، مع شعرها الذي رفعته على هيئة شنيون وتركت غرتها على جبينها، تكمل الصورة الجميلة زينة وجهها الرقيقة، فأعطاها مظهرها حقا إطلالة مميزة، لتقول خبيرة التجميل بإبتسامة:.
إيه الجمال ده كله ياآنسة جورية؟
إبتسمت جورية بخجل، بينما قالت علا بإبتسامة واسعة:
طول عمر جورى جميلة وزي القمر.
إبتسمت جورية في حب وهي تقول لعلا:
الأجمل هو إنتى ياعروسة.
إبتسمت علا قائلة:
أنا مش عارفة أشكركم إزاي على كل حاجة عملهتوهالى ياجورى، وآخرهم الفستان ده.
لتشير إلى فستانها الفضي الرائع والذي أبرز جمالها بوضوح، لتستطرد قائلة:.
ومدام حور خبيرة التجميل اللي جابهالى جدك عزيز مخصوص هنا في البيت وقلبت كيانى بالشكل ده.
قالت حور بإبتسامة:
إنتى أصلا قمر ياعلا وانا معملتش حاجة معاكى، يادوبك شوية حاجات خفيفة بس تبرز الجمال ده.
قالت جورية بإبتسامة:
أهي مدام حور قالتلك بنفسها إنك قمر ومش محتاجة حاجة، ده كفاية عنيكى الخضرا دى واللي جننت فايز من أول نظرة، وبعدين شكر إيه ياعبـ.ـيـ.ـطة اللي بتشكريهولنا، ده انتى زي أختى.
إبتسمت علا بخجل قائلة:.
ربنا يسعدكم زي ما فرحتونى.
كادت جورية أن تقول شيئا ولكن قاطعها دخول خالتها جليلة التي قالت بإبتسامة:
أخبـ.ـار العروسة إي...
لتقطع جملتها وهي تتأمل جورية في سعادة، مستطردة بعيون دامعة:
بسم الله ما شاء، إيه الجمال ده ياجورى؟، لأ، ده أنا لازم أبخركم من العين انتى وعلا، ربنا يحميكم يابناتى.
قالت علا بإمتنان:
ويخليكى لينا ياخالة جليلة.
إبتسمت جورية قائلة وهي تقترب من الخالة جليلة:.
مش إحنا لوحدنا اللي هنتبخر ياخالتى، إنتى مش شايفة نفسك ولا إيه؟، الفستان هياكل منك حتة.
لتغمز لها هامسة في خبث:
جدى مطلعش سهل أبدا، وجايب الفساتين على المقاس بالظبط.
أمسكتها جليلة من أذنها قائلة:
إتلمى ياجورى أحسنلك، ولا نسيتى عقـ.ـا.ب زمان؟
تأوهت جورية قائلة:
خلاص خلاص حرمت، سيبينى ياخالتى.
تركتها الخالة جليلة وهي تبتسم قائلة:
أيوة كدة إتعدلى وتعالى حصلينى، جدك عايزنا في مكتبه.
إبتسمت جورية قائلة وهي تؤدى التحية العسكرية:
تمام يافنـ.ـد.م.
لتغادر الخالة تتبعها جورية التي غمزت لكل من خبيرة التجميل والعروس علا، ليبتسما على مزاحها قبل أن تعود خبيرة التجميل لعملها، تضع اللمسات النهائية على زينة العروس.
تأمل مؤيد ملامح ريم بحنان قبل أن يقول بلطف:
طب ولسة زعلانة ليه ياريمو؟مش قلتى ان بابى كلمك وقالك إنه جاي بعد يومين.
قالت ريم بحـ.ـز.ن:
أيوة بس بكرة عيد ميلاد تيمو وأنا كنت عايزة أروح.
عقد مؤيد حاجبيه قائلا:
تيمو ده يبقى مين إن شاء الله؟
نظرت إليه ريم ببراءة قائلة:
صاحبى في المدرسة.
رفع مؤيد حاجبيه بإستنكار قائلا:
صاحبك؟صاحبك ده إيه ده كمان، لأ، معندناش الكلام ده ياريم، إنسى ياماما.
عقدت حاجبيها فبدت أكثر شبها بوالدتها وهي تقول:
ليه بس ياآنكل؟
قال مؤيد بإرتباك:
عشان، عشان...
قاطعه صوت لين وهي تقول من خلفه:
عشان البـ.ـنت الحلوة ياريمو، مبيبقاش ليها صحاب صبيان.
إبتسم مؤيد للين، بينما نظرت ريم لها قائلة بحـ.ـز.ن:
يعنى خلاص تيمو مش صاحبى وأنا مش هحضر عيد ميلاده؟
إبتسمت لين قائلة:
لأ، تيمو مش صاحبك لكن زميلك، وإيه رأيك لو خدتك أنا وآنكل مؤيد وروحنا الحفلة بكرة.
ظهرت ملامح السعادة على وجهها لتنهض وتحتضنها قائلة:
إنتى آحلى آنطى في الدنيا.
ضمتها لين قائلة:
وإنتى أحلى بنوتة في الدنيا ياريمو.
نظر مؤيد إليها شاكرا إياها في صمت لتغمض عيناها ثم تفتحهما بإبتسامة، أن لا عليك.
كان خالد يجلس مع الجد في المكتب متـ.ـو.ترا، يتساءل عن سبب طلب الجد منهم الحضور إلى المكتب قبل عقد القران، هل جمعهما ليبلغهما قراره في أمر زواجهما بالسلب ام بالإيجاب؟ أم أن ذلك الإجتماع لا علاقة له بذلك القرار، فتح الباب لتدخل الخالة جليلة إلى الحجرة تتبعها جورية، لينهض خالد وقد توقفت دقات قلبه تماما لمرآها بهذا الجمال الملائكي، ثم عادت دقاته للعمل بقوة، قد سحرته بطلتها الرقيقة الرائعة في هذا الفستان الوردي الذي يبرز جمالها وشعرها الذي إرتفع بكلاسيكية رائعة مبرزا جيدها الجميل، لينظر إلى عينيها ذات الكحل الطبيعي والتي رمقته بها الآن بنظرات خجول لإدراكها تأمله لها، تمتزج نظرات الخجل بنظرات إعجاب واضحة تعبر عن إستحسانها لمظهره في تلك البذلة الرائعة، ليتنحنح الجد قائلا:.
تعالى ياجليلة وانتى ياجورية، قربوا.
أفاق الجميع من شرودهم وهم يقتربون من الجد الذي جلس خلف مكتبه، لينظر الجد إلى خالد قائلا:.
بص ياخالد أنا معنديش في الدنيا أغلى من جورية، بخاف عليها من الهوا طول عمرى، كنت خايف تمر بتجربة زي تجربة مامتها ولما جيت المزرعة بصفتك فهد، خفت أكتر بس لما عاشرتك إرتاحتلك، ووافقت على جوازكم قبل كدة زي ما إنت عارف، لكن لما رجعت بصفتك خالد، قلقت، انت واحد غنى ومتجوز، خفت عليها من تانى، خفت تكون بتلعب بيها، وجورى متستاهلش غير الحب وبس، يمكن كنت متردد كتير في إنى أجوزهالك، بس الحب ياإبنى بيبان، بيبان في العين والتصرفات، وإسألنى أنا.
لينظر إلى جليلة في تلك اللحظة والتي إبتسمت في خجل، ليبتسم بدوره وهو يعود بنظراته إلى خالد قائلا:
وعشان كدة قررت النهاردة أوافق على جوازكم من كل قلبى.
نظر خالد بسعادة إلى الجد ثم نظر إلى جورية التي شعت السعادة في ملامحها بدورها، ليعودا بناظريهما إلى الجد الذي قال مبتسما:
وعشان كدة حبيت النهاردة أعملهالكم مفاجأة وأكتب كتابكم مع علا و فايز.
كاد خالد أن يطير من السعادة في تلك اللحظة، بينما إحتضنت جليلة جورية في سعادة، ثم أسرعت جورية إلى الجد تقبله في وجنته قائلة:
ربنا يخليك لية ياجدى وميحرمنيش منك.
ربت على يدها قائلا:
ويخليكى لية يا بـ.ـنتي.
ليقول خالد بسعادة:
أنا مش عارف أشكرك إزاي ياجدى؟
قال الجد بإبتسامة هادئة:
شكرى هو إنك تاخد بالك منها ومتزعلهاش أبدا ياخالد.
نظر خالد إلى جورية في عشق قائلا:
جورية في عيونى ياجدى.
بادلته جورية نظرات العشق، بينما قال الجد بإبتسامة:
طب يلا ياولاد، كل واحد فيكم يجيب بطاقته وإرجعولى من تانى.
إتجهت جورية للخارج هي وخالد، ليتوقفا عند الباب، مد خالد يده إليها فمدت إليه جورية يدها بدورها، لتتشابك الأيدى وتبتسم الشفاه وهما يغادران الحجرة في سعادة، تتبعهما نظرات الجد عزيز والخالة جليلة، لتقول جليلة بإبتسامة:
أحلى قرار خدته في حياتك ياعزيز.
نهض عزيز وإقترب من جليلة، يمد يده ويمسك يدها لتنظر إليه في حيرة وهو يقول:
لأ، فيه الأحلى.
عقدت حاجبيها في تساؤل ليستطرد الجد قائلا:
الأحلى كان قرارى بإنى أفتح قلبى للحب من تانى وأنسى فرق السن اللي بينا وأنسى كل حاجة ممكن تبعدك عنى ياجليلة.
إبتسمت له جليلة بحنان ليستطرد قائلا:
تقبلى تتجوزينى ياجليلة؟
إتسعت عينا جليلة في دهشة ليستطرد عزيز قائلا:.
أنا مش هقدر أقدmلك كتير، عمرى وبيجرى وقلبى وضعيف بس القلب ده بيحبك وهيسعدك لغاية آخر لحظ...
قاطعته بوضع يدها على فمه قائلة بلهفة:
وأنا راضية، راضية ياعزيز، جوازى منك حلم عمرى اللي مش قادرة لغاية اللحظة دى أصدق إنه هيتحقق.
إبتسم عزيز وهو يقبل يدها الرابضة على فمه، لتنزل يدها في خجل بينما إبتسم عزيز ينظر إليها، بحب.
إنتهى عقد القران منذ لحظات، في جو بهيج، فقد إمتلأت الحديقة بسعادة إقتران كل من علا وفايز، جورية وخالد، جليلة وعزيز، ليمسك خالد يد جورية يسحبها خلفه إلى الإسطبل وسط حيرتها، توقف أمام مهرة ثم نظر إلى عيون جورية المتسائلتين قائلا بعشق:
أنا جبتك هنا عشان حبيت أشارك مهرة فرحتى بجوازنا ياجورى.
إبتسمت جورية لينظر إلى مهرة قائلا:.
أخيرا يامهرة، أخيرا إتجوزتها، فاكرة لما كنت بجيلك وأشتكيلك مشاعرى ناحيتها وخــــوفى من إن جدها ميوافقش، أهو وافق خلاص، وافق وبقت مراتى، جورى بقت مرااااتى.
ضحكت جورية قائلة:
مـ.ـجـ.ـنو.ن.
نظر إليها قائلا بعشق:
مـ.ـجـ.ـنو.ن بعشقك ياجورى، وهفضل مـ.ـجـ.ـنو.ن طول العمر.
إبتسمت برقة قائلة:
بحبك ياخالد، بحبك.
نظر خالد إلى شفتيها التي تفوهت بكلمـ.ـا.ت الحب بنظرات تهيم شوقا ليميل ويقبل تلك الشفاه بنعومة أذابتها، تدع مشاعرها له كلية ليعبث بها كيفما يشاء، ليبتعد عن شفتيها واضعا جبهته على جبهتها مغمض العينان، يتنفس بصعوبة وهو يقول بصوت متهدج من المشاعر التي تغمره الآن:
هو أنا لو طلبت من جدك نعمل الفرح بكرة مع فرح علا وفايز، تفتكرى هيوافق؟
إبتعدت عنه وهي تنظر إليه بدهشة قبل أن تتبسم بخجل تاركة إياه وهي تركض إلى الخارج ليتبعها بنظراته العاشقة، صارخا:
بحبك ياجوووورى.
، بعد مرور شهران
كانت القاعة خيالية حقا، تليق بعرس أبناء نصار الثلاثة، حيث توقف العرسان الثلاث كالأمراء ينتظرون أميراتهم واللاتى أتين الآن في عربة مكشوفة تشبه تماما عربة سندريلا في هذا الفيلم الكرتوني الشهير لينظر فراس إلى خالد وهو يهز رأسه يمنة ويسار قائلا بعينيه، أترى أفعال أختك مـ.ـجـ.ـنو.نة الروايات ياخالد؟
ليبتسم خالد ثم يعود بعينيه إلى العربة التي توقفت وهبط منها أجمل ثلاث أميرات رأتهن أعين الرجـ.ـال، ليتجه كل أمير إلى أميرته يقف أمامها ويمسك يدها يرفعها لفمه يقبلها برقة لتبتسم كل أميرة بحب، قبل أن يدخلوا جميعا إلى القاعة وسط تصفيق الحضور، لتتناهى إلى مسامعهم معزوفة رائعة خيالية تليق بالأجواء حقا، ليتنهد الجميع حين أخذ كل أمير أميرته يراقصها، يظهر الحب واضحا جليا على ملامحهم جميعا، وكأن كل واحد منهم قد سكن في عين وقلب الآخر...
ليبتسم الجد عزيز بحب وهو يرى حفيدته تتهادى بثوبها الأبيض الرائع بين يدي عريسها، يدرك أن حفيدته في أيد أمينة وعيون خالد تنطق لها بعشق ووعد أبدي بالسعادة ليضم عزيز بدوره يد زوجته ينظر إليها بحنان واعدا إياها بنظراته، نفس الوعد، تماما.
بينما مال نبيل على أذن سها يقول لها بنفاذ صبر:
هو الفرح مش هيخلص بقى؟
نظرت إليه بدهشة قائلة:
يخلص إيه بس؟ده لسة بيبتدى؟
قال نبيل بحنق:.
يعنى كان لازم نقطع شهر عسلنا وننزل عشان نحضر الفرح ده؟
قالت سها بحيرة:
نقطعه إزاي يعنى؟ما كدة كدة الشهر كان هيخلص بكرة وكنا هنرجع.
إبتسم بخبث قائلا:
ليه هو أنا مقلتلكيش، شهر العسل في بلدنا بيعادل ٣ شهور في بلدكم.
عقدت حاجبيها قائلة:
بلدنا إيه وبلدكم إيه؟ما كلها مصر، إنت بتشتغلنى يانبيل؟، طيب مش هنرجع شرم تانى، وهنفضل هنا، وهتشوف شغلك من بكرة، أنا مبحبش الدلع يانبيل، مفهوووم؟
نظر إليها نبيل بإستنكار ثم هز رأسه يمنة ويسارا قائلا:
مفيش فايدة، ماشي ياسها، بصى على العرايس، بصى ياحبيبتى.
نظرت سها إلى قاعة الرقص، لتلين ملامحها وهي تقول بإبتسامة:
شكلهم حلو أوى.
ليقول نبيل في حنق:
آه فعلا، أوى.
، بعد مرور بعض الوقت.
طرقت السيدة فريدة مدبرة المنزل، باب حجرة المكتب الخاصة بجورية، لتطلب منها جورية الدخول وهي تترك الكتابة على اللاب الخاص بها، قالت فريدة بإحترام:
خالد بيه بيقول لحضرتك، إنه جاي في الطريق وإنه بيتصل بحضرتك مبترديش.
أومأت لها جورية قائلة بإبتسامة:
تمام يافريدة، تقدرى تتفضلى دلوقتى.
غادرت فريدة، بينما نظرت جورية إلى هاتفها الذي جعلته صامتا حتى تستطيع التركيز على مـ.ـا.تكتبه، لتضـ.ـر.ب بخفة على رأسها، قبل أن تعود إلى اللاب خاصتها تكتب بسرعة.
وهكذا تزوج كل عاشق بحبيبته، نصفه الآخر، روحه التي إقترنت بروح تملأ الفراغات في قلبه وعقله ليشعر بالإكتمال، والآن يعيش ماجد مع زوجته لورا وإبـ.ـنته رنا في سعادة بعد أن عرفت بأنه أباها الحقيقي، بينما تعيش لورين قصتها الرومانسية مع زوجها فادى بسعادة وهي تنتظر مولودها الأول والذي سيولد بعد سبعة أشهر من الآن، أما جميلة فهي تعيش بدورها أجمل ايام عمرها مع زوجها فهد، هذا الذي تحول من رجل أعمال بلا قلب إلى رجل بسيط سعيد، أحبها في الوادى ونسيها في تلك المدينة الكبيرة ليتذكرها مجددا في واديهما، وها هي الآن تحمل لزوجها مفاجأة تثق بأنها ستسعده، فقط عنـ.ـد.ما يعود حبيبها من واديهما، ذلك الوادى الذي أحبه مثلها تماما، وسعي إلى تطويره بنفسه ليحوله إلى جنة لهما، فقد أخبرها أنهما عنـ.ـد.ما سيقعان تحت ضغوط الحياة، سيلجآن إليه، يلقيان بضغوطهما في مياهه الرائقة وبين جنباته الخضراء الرائعة، ويبعدان عن عقليهما كل المشاكل التي تحملها لهما الحياة، كما حدث له بالماضى عنـ.ـد.ما فقد ذاكرته هناك ونسي كل همومه ومشاكله بين جنباته، ليصبح واديهما حقا، وادى للحب و للنسيان.
لتغلق اللاب خاصتها وهي تبتسم برضا، قبل أن تنهض لتستقبل زوجها، فلديها بالفعل مفاجأة له، لا، بل مفاجأتان، إحداهما انها أنهت روايتها بالفعل لتتفرغ تماما للمفاجأة الثانية، والتي تثق حقا في أنها ستطير عقله وقلبه، من السعادة.
ما بعد الختام
في عشق جوريتى، وردتى الجميلة الفاتنة الحمراء
قد أصبحت أسيرا راضخا، راض بقيودى جمعاء
قد بدلت صقيعى بدفء، وإمتزج عشقها في شرايينى بالدmاء
ولدت على يدها من جديد فأصبحت لها ولقلبها من الأوفياء
على الأرض كتبنا حروف عشقنا، ورسمنا حروفنا في السماء
منحتنى ما لم يمنحنى إياه بشر، فلقد أنارت عقلى وقلبى بالضياء
وأنا في مهد العشق أحبو، قد كنت آدm، فخلقها لى ربى حواء.
نظرت ليلة إلى فراس بحنق إثر إبتعاد كل من أخيها خالد مع زوجته جورية على جواديهما، لتقول بصوت غاضب:
كان فيها إيه يعنى يافراس لو سبتنى ركبت خيل معاهم؟ ما إنت عارف بحبه أد إيه، وعارف كمان إن فرصتى الوحيدة لركوب الخيل بتبقى هنا في الوادى.
إقترب منها فراس وهو يمسك يديها لتنفض يديها من بين يديه بغـــضــــب فأعاد إمساكهما بحنان مشـ.ـددا عليهما ورافضا إطـ.ـلا.ق سراحهما قائلا بهدوء يحاول به أن يستوعب غـــضــــبها:.
أنا عارف أد إيه بتحبى الخيل ياليلة، بس مش أكتر من حبى ليكى، وخــــوفى عليكى و اللي بلاقيه أدام عيونى وفى قلبى كل أما أفكر إيه اللي ممكن يجرالك لو الحصان فلت زمامه منك أو لا قدر الله وقعك.
أدركت ليلة خــــوفه الكامن في أعماقه من فقدانها مجددا بعد أن كاد أن يفقدها أكثر من مرة في خلال هذين العامين المنصرمين، لتضم يديه بدورها قائلة بحب وبنظرات تبدل الغـــضــــب بداخلهما لحنان وتفهم:.
مهما حاولت تحاوطنى بأسوار عشان تحمينى ومهما حاولت تمنع عنى أي شئ يإذينى، مش هتقدر تمنع حاجة كتبها ربنا لية يافراس، أنا عايزاك تكون متأكد من حاجة واحدة بس، إنى مش خايفة من أي حاجة وأنا جنبك وإن لو حتى ربنا كتبلى المـ.ـو.ت...
أخذها في حـ.ـضـ.ـنه بقوة يرفض كلمـ.ـا.تها بشـ.ـدة لتستطرد قائلة بإبتسامة يشوبها الحـ.ـز.ن وهي تضع رأسها على صدره، تستمع لدقاته العاشقة:.
شفت أنا فين؟في حـ.ـضـ.ـنك يافراس، مكانى اللي بتمنى تكون آخر أيامى فيه...
ضمها فراس أكثر يقاطعها قائلا في لوعة:
كفاية بقى ياليلة، أبوس إيدك كفاية كلام عن المـ.ـو.ت.
خرجت من حـ.ـضـ.ـنه تضع وجهه بين يديها قائلة بعيون غشيتها الدmـ.ـو.ع:.
المـ.ـو.ت شبح بيهددنى في كل لحظة ومخليك دايما خايف علية وقلقان ومش مرتاح يافراس، إنت فاكر كل لما نيجى نعمل التحاليل، ببقى مش حاسة بيك؟مش حاسة بخــــوفك وقلقك اللي بتداريهم عنى وبتطمنى وأنا عارفة إنك ساعتها بتكون خايف أكتر منى؟ لأ يافراس، أنا حاسة بيك، وحاسة بخــــوفك علية، حتى أغلى أمنية عندى وعندك رفضتها، رفضت حملى منك لإن الحمل ممكن يأثر علية ويمـ.ـو.تنى، مش هي دى الحقيقة يافراس؟
غشيت عيونه الدmـ.ـو.ع وعجز عن الكلام لتستطرد بحنان قائلة:.
حتى لما حملت من وراك والدكتورة طمنتك بإنى كويسة، فضلت لآخر لحظة خايف وقلقان، كنت بشوفك وانت سهران طول الليل صاحى مش عارف تنام، وكنت بحس بيك لما تحـ.ـضـ.ـنى، كنت بحس ساعتها إنك مش عايز تخرجنى من حـ.ـضـ.ـنك أبدا وكأنه حـ.ـضـ.ـنى الأخير ليك، بس الحمد لله كمل حملى على خير وبقى عندنا أحلى بنوتة في الدنيا، لورين، بس إنت لسة مصمم تخلى الخــــوف يسيطر على حياتنا ويحرمنا نتمتع بيها وبمباهجها.
قال فراس بإضطراب يمتزج بالألــم:.
أنا، أنا...
إبتسمت ليلة قائلة بحنان:
إنت بتحبنى وأنا كمان بحبك، واللي بيحب حد بيحب يشوفه فرحان وسعيد يافراس، فعشان خاطرى لو بتحبنى خلينى أشوفك دايما بس فرحان، أما الخــــوف والقلق، فخليهم بعيد عن حياتنا وكون واثق إن اللي عدانى من كل محنة مريت بيها وكنت كل مرة بحس إنها الأخيرة لية في الدنيا، قادر يعدينا من كل اللي جاي، وإن اللي جمعنا مش ممكن هيفرقنا يافراس.
نظر فراس إلى عينيها يتأمل ثقتها الرابضة في أعماقهما ليبتسم وقد أشعلت فيه الحماس وزرعت فيه الثقة، ليقول بيقين:
ونعم بالله ياليلتى، ونعم بالله.
عقد مؤيد حاجبيه وهو يمشى وراء لين التي سحبته من يده بقوة خلفها، حتى دخلا حجرتهما معا في منزل المزرعة بالوادى، وما إن أغلقت الباب خلفهما حتى تركت لين يده وهي تجول في الحجرة بإضطراب، يتابعها مؤيد بعينيه في حيرة، يشعره تـ.ـو.ترتها بالقلق، ليقول بتـ.ـو.تر:.
خير يالين، خرجتينى من مـ.ـا.تش الشطرنج واللي تقريبا كنت هكسب فيه جدى عزيز وصممتى متقوليش عن السبب لغاية مانبقى جوة أوضتنا، وأدينا بقينا في أوضتنا ممكن أعرف بقى فيه إيه؟
إلتفتت إليه لين تقول بصوت مضطرب:
الحقيقة انا مش عارفة أقولك إيه، وإبتدى منين، الموضوع مـ.ـيـ.ـتصدقش يامؤيد.
إقترب منها يمسك يديها بين يديه قائلا بهدوء:
إبتدى من الأول وواحدة واحدة، أنا معاكى وهصدقك.
نظرت إلى عينيه، تستمد منهما الشجاعة، ثم أخذت نفسا عميقا قبل أن تقول:
الحكاية بدأت قبل ما نيجى هنا علطول، إنت عارف إنى إديت أجازة لفتحية عشان إبنها كان تعبان، وكدة كدة إحنا كنا قربنا نسافر ونيجى الوادى، النهاردة الصبح لقيتها بتكلمنى وهي بتعيط، مع الأسف يامؤيد، إبنها ده مـ.ـا.ت.
تأمل مؤيد عيونها قائلا بحـ.ـز.ن وهو يضغط على يدها:
ربنا يرحمه ويصبرها، وإنتى عايزة تسافريلها؟صح؟
نفضت يديها عن يديه قائلة بألــم:.
إستنى وإسمعنى، الحكاية أكبر من كدة.
عقد حاجبيه لتنظر إلى عمق عينيه قائلة بحـ.ـز.ن:
فتحية إعترفتلى بإنها كانت بتحطلى دوا في أكلى عشان مخلفش منك يامؤيد.
إتسعت عيناه بصدmة قائلا بذهول:
فتحية، طب ليه بس؟
نظرت إلى عينيه بثبات قائلة:
مع الأسف حد تانى كان وراها وإداها فلوس كمان عشان تعمل كدة، عارف الحد ده كان مين؟
لم يكن بحاجة لجوابها ليدرك أن شاهيناز من كانت وراء تلك اللعبة الحقيرة، لتومئ لين بعينيها وهي تنظر مؤيد قائلة:
أيوة هي، ربنا يرحمها بقى، آذتنا بكل حاجة كانت في إيديها.
عاد ليمسك يدها قائلا:
خلاص يا لين، هي مـ.ـا.تت ومـ.ـا.ت معاها أي أذى ممكن تتسببلنا فيه.
قالت لين بإرتباك:.
تعرف يامؤيد، لولا، يعنى، مـ.ـو.ت ابن فتحية وإحساسها إن ربنا حرمها من ابنها زي ما حاولت تحرمنى من انى أكون أم، مكنتش هعمل الإختبـ.ـار النهاردة وأكتشف إنى فعلا هبقى أم.
عقد مؤيد حاجبيه يشعر أنه أخطأ السمع ولكن ملامح لين المرتقبة لرد فعله جعلته يدرك أنه أبدا لم يخطئ، لتتسع عينيه في ذهول قائلة:
انتى حامل؟
أومأت برأسها قائلة بإضطراب:.
أنا بصراحة مشكتش لكن لما سمعت كلام فتحية بدأت أشك وخصوصا ان أعراض الحمل كانت واضحة بس يمكن عشان الموضوع ده كان مستحيل فمشكتش للحظة واحدة قبل كدة في حملى.
ضمها مؤيد على الفور قائلا بسعادة:
أنا مش مصدق نفسى يالين وأخيرا هيكون لى طفل منك إنتى.
ضمته لين بدورها قائلة:
وأنا كمان مش مصدقة نفسى ياحبيبى، وخايفة، خايفة اوى.
أخرجها من حـ.ـضـ.ـنه وهو ينظر إلى عيونها قائلا بقلق:.
أنا إزاي مفكرتش في حالتك الصحية واللي أكيد حملك هيأثر عليها وعلى قلبك.
إبتسمت وهي تمد يدها تضعها على وجنته قائلة:
أنا خلاص بقيت كويسة يامؤيد وزي ما الدكتور قاللى دى كانت حالة نفسية أكتر منها صحية وكان سببها بعدك عنى لكن أول ما رجعتلى وبقينا مع بعض من تانى والحالة دى مبقتش تجينى، والدليل على كدة إن آخر مرة جتلى الحالة فيها كانت ليلة ما كتبنا كتابنا.
عقد حاجبيه قائلا:
أمال خايفة من إيه ياحبيبتى؟
أنزلت يدها وهي تطرق برأسها قائلة بتـ.ـو.تر حزين:
خايفة مقدرش أديله كل الحاجات اللي حلمت أديهاله وأعيشها معاه، خايفة معرفش أكون أم يامؤيد.
رفع ذقنها بيده لتواجهه عيناها القلقتان ليقول بإبتسامة حانية:
من الناحية دى اطمنى خالص، اللي قدرت تدى طفلة عدوتها كل الحنان والحب والرعاية اللي انتى بتديهم لريم، مستحيل تقصر مع طفلها يالين، انتى أحسن أم لولادى ياحبيبتى.
تأملت عيناه الحانيتان بإبتسامة إرتياح منحتها إياها كلمـ.ـا.ته، قبل ان تضع رأسها مجددا على خافقه ليضمها بحنان بينما هي تستمع لخفقاته التي تصرخ بعشقها لتسمعها هي، بوضوح.
إنطلقت جورية على صهوة مهرتها بينما كان خالد يسابقها على ظهر جواده الأسمر، ليسبقها بالفعل و يصيبها بالحنق، حتى وجدته يتجه بسرعة إلى مكانها المعتاد والذي كانت تذهب إليه كلما ضاق صدرها بالماضى، ليزول حنقها وسط حيرتها تتساءل كيف عرف بهذا المكان، توقف خالد عنـ.ـد.ما وصل لتلك الشجرة الكبيرة وترجل من على جواده وهو يربطه بجزع الشجرة، بينما هدأت هي من سرعة مهرتها حتى توقفت تماما بجواره، إتجه نحوها يحملها من فوقه وينزلها إلى الأرض، لتتسارع دقات قلبها وهي تشعر بقربه وكأنه ظل لها، أدرك خجلها الذي مازال حيا رابضا في عروقها رغم مرور مايزيد عن العام ونصف منذ زواجهما، ليبتعد قليلا تاركا لها مساحة صغيرة لتأخذ أنفاسها التي ضاعت في قربه، أخذ لجام المهرة وربطها إلى جوار جواده في جزع الشجرة، ثم إلتفت إليها عنـ.ـد.ما قالت بحيرة:.
إنت جايبنا هنا ليه ياخالد؟
أمسك بيدها يجلسها على العشب الأخضر الجميل، يقول بنبرات حانية:
إنتى عارفة المكان ده يبقى إيه؟
نظرت إلى عيونه بحيرة قائلة:
أنا عارفة بس إنت إزاي عرفت؟
إبتسم قائلا:.
في البداية مكنتش عارف، كان بالصدفة مكانى اللي بحس فيه بالراحة وفى مرة كنت جاي هنا وشفتك هنا، جنب الشجرة دى ومن وقتها وانا حسيت ان المكان ده مكانا سوا، وخليته شاهد زي مهرة على كل كلمة جوة في قلبى كانت ليكى وكل دقة كمان.
نظرت إليه بعشق، لتتسع إبتسامته وهو يمد يديه يحفر بجوارهما وسط حيرتها، حتى أخرج صندوقا منحه إياها قائلا:.
في الصندوق ده كل لحظة حب كانت في قلبى ليكى، كل كلمة حبيت أقولهالك، في الصندوق ده قصة عشقى ليكى ياجورى.
نظرت جورية إلى الصندوق قبل ان تمد يدها وتفتحه لترى العديد من الرسائل، نظرت إليه في دهشة، فأومأ لها برأسه، فأمسكت تلك الرسائل تجرى عيناها على كلمـ.ـا.تها ومابين الكلمة والكلمة كانت تذوب في العشق من جديد، تغشى عيونها دmـ.ـو.ع السعادة وهي ترى كم أحبها فهد وكم عبر عن مشاعره بكلمـ.ـا.ت تذيب القلب، أمسكت إحدى رسائله تقرأها بقلب تتسارع دقاته قائلة بهمس:
، وما العشق إلا حروف إسمها العـ.ـذ.ب الرقيق، زهري الورود.
يطوف قلبى حولها، يخبرها أنها غايتى في الوجود
تتوقف دقاتى عن الخفقان إن غابت وبعودتها للحياة تعود
يمنحنى عشقها أجنحة فأحلق في سماء العشق بلا حدود
ليكمل معها تلك الكلمـ.ـا.ت الساحرة وهو يقول بهمس عاشق:
أشعر معها أنى مكتملا، ودونها يصبح كيانى غير موجود
نظرت إليه بعيون دامعة قائلة:
كل الكلام ده لية أنا؟
وضع يده على قلبها يقول بحنان:
قلبك بيقولك إيه ياجورى؟
إبتسمت من وسط دmـ.ـو.عها قائلة بسعادة:.
بيقولى إنى إتجوزت أرق وأحسن راجـ.ـل في الدنيا.
إبتسم بسعادة وهو يشعر بدقات قلبها المتسارعة عشقا، تتوافق مع دقاته، ليرفع يده يمسح دmـ.ـو.عها برقة قبل أن يترجم عشقه بأن مال آخذا شفتيها بين شفتيه قى قبلة رقيقة خلدت تلك اللحظة الأسطورية لقصة عشق عجز عن محوها النسيان.
إجتمعوا حول النيران في ليلة شتوية رائعة، جلس كل زوجين بجوار بعضهما البعض، ليستمعا إلى كلمـ.ـا.ت الجد وهو يتلو تلك الأشعار الرائعة من كتاب يمسكه بين يديه بعنوان(في عشق جوريتى، وردتى الحمراء)..
ليتوقف عن القراءة فجأة وهو يتأمل محيطه بنظرة راضية، فها هي حفيدته قد عادت تقبع راضية سعيدة بجوار زوجها خالد الذي يضمها إلى جواره بإحدى ذراعيه، بينما ينام طفلهما فهد قرير العين في مهده بعد أن أطلت جورية عليه لتطمأن على وليدها منذ قليل وفى طريقها إطمأنت على لورين إبنة ليلة والتي تنام بدورها في سلام، وتأكدت من أن ريم نائمة كالملاك، تلك الطفلة الرائعة والتي تناديه جدى عزيز فتذكره بجورية في صغرها، وها هم أحفاده الآخرون والذين صاروا جزءا من عائلته، يشعر تجاههم بكل الحب والرضا وهم يبدون بدورهم في قمة العشق والسعادة، مؤيد الذي يجلس ضاما لين إلى جواره وفراس الذي يمسك بكف ليلة يتخلل أصابعها بأصابعه لا يترك يدها أبدا، في حركة باتت ملازمة له، وكأنه يتأكد بها دائما من أن ليلة معه، وإلى جواره، ولن تتركه أبدا، ليبتسم الجد براحة وهو يمسك بيد زوجته جليلة التي تجاوره بدورها، يتخلل أصابعها بأصابعه لتنظر إليه بعشق مبتسمة بينما تأملها بحنان قبل أن تعود عيناه إلى هذا الكتاب الذي ضم بين جنباته أشعار الحب التي كتبها فهد لجورية وضمت أيضا بعض أشعار خالد، ليعتقد في نفسه من روعة الكلمـ.ـا.ت أن خالد قد يعتزل العمل في شركته ويتفرغ تماما للكتابة، ليبتسم لتلك الفكرة وهو يقول بصوت رخيم ملئ بالمشاعر.
، قد كنت تائه بين الدروب، لا وطن لى ولا كيان
، فإذا بها تصبح طوق نجاتى، ودليل العقل والوجدان
، صارت ملهمتى، جوريتى الحمراء ذات القلب الرائع الفتان
، لم أنساها يوم بل راودت أحلامى، ذكرياتى، وكل مكان
حتى عادت إلى، عادت إلى حياتى فاتنتى، زهرة البستان
فلم يعد وادينا، واد للذكرى أو الحـ.ـز.ن ولم يعد رمزا للفقدان
بل صار وادينا واد للعشق، للراحة، وأصبح حقا وادى النسيان.
، ففيه أنسى كينونتى بين ذراعيها وأشعر فقط أنى أسكن
الجنان.
لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك 👇