رواية خطايا بريئة كاملة جميع الفصول

رواية خطايا بريئة هي رواية رومانسية والرواية من تأليف ميرا كريم في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية خطايا بريئة لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية خطايا بريئة هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية خطايا بريئة تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة

رواية خطايا بريئة كاملة جميع الفصول

رواية خطايا بريئة من الفصل الاول للاخير بقلم ميرا كريم

في ذلك الحي الراقي الذي يتلبس بثوبه الأخضر والمعتق على أرصفته تلك الأشجار اليافعة التي تستيقظ عليها العصافير صباحًا لتعزف تلك الأنشودة الهادئة التي عكر صفوها صوت تلك الأنغام الغربية التي صدحت من داخل أحد المنازل التي تتباعد عن بعضها حتى يتمتع قابعيها بتلك الخصوصية المميزة.

فكانت هي تتمايل بِجسدها على أنغامها وهي تتطلع لأدائها المثير في المرآة بِكل غــــرور وكأنها لم ترى أنثى أجمل منها على وجه الأرض فهي تتمتع بِبشرة حنطية تشابه لون سنابل القمح وعيون سوداء ساحرة تشبه سماء الليل ولكن ليس النجوم هي ما تسطع بها بل المكر و الفتنة الخالصة، مررت يدها بين خصلاتها الفحمية الهوجاء التي تتعدى خصرها النحيل ومنحنياتها التي تخفيها تحت كنزتها الواسعة وذلك البنطال الفضفاض، ثم زفرت بِضيقٍ وهي تتذكر تعليمـ.ـا.ته الصارمة بشأن ملابسها فهي حقًا سأمت كبته لحريتها، لطالما طمحت أن تعيش حرية مطلقة كالفراشة دون قيود ولكنه يتعمد ردعها، لتواسي ذاتها أنها لابد ان تتقبل منه أي شيء ولكن بِشرط أن لا تدخل والدته بِقراراته وعلى ذكرها أتاها صوتها من خلف باب غرفتها:.

وطي الصوت شوية يا نادين
يلا الفطار جاهز هتتأخري على جامعتك
نفخت أوداجها بِغـ.ـيظٍ وصاحت متأفأفة بعدmا أطفأت ضجيج جهازها اللوحي:
طيب، جاية، جاية
قلبت عيناها بِملل وأخذت تلملم بكُتبها ليطرق باب غرفتها بِطرقات تعلم صاحبها، لتزيح الحنق عن ملامح وجهها وتستبدله بِبسمة واسعة وتهم بفتح الباب قائلة وهي تراه يستند على الحائط أمامها و يربع يده:
صباح العسل، طب والنعمة وحـ.ـشـ.ـتني والبيت كان مضلم من غيرك.

رفع حاجبه بِمكر فهو يعلمها ويعلم تلك الطريقة الملتوية خاصتها كي تؤثر عليه وتفلت من العقـ.ـا.ب بعد كل خطأ ترتكبه:
صباح الأونطة اللي ما بتدخلش عليا بعد كل مصيبة
شهقت بِبراءةٍ و عقبت:
أَونطة ليه بس ده أنا كيوت خالص ومش بعمل حاجة
هز رأسه وقال في تهكم وناعستيه البُنية تشملها:
لأ ما هو باين راجعة بعد نص الليل و استغليتي سفري يومين وعيشتي حياتك فاكراني مش هعرف
ابتلعت ريقها وأجابته بِثقة مبالغ بها:.

كنت بذاكر مع نغم والوقت أخدني، مأجرمتش يعني وبعدين انت عارف نغم وعارف إن أحنا أصحاب من زمان وأظن واثق تمامًا في أخلاقها لتستأنف بِتمرد وهي ترفع حاجبيها المنمقين:
وبعدين هي أمك لازم تقومك عليا ده بدل ما تقولي حشـ.ـتـ.ـيني و  يا نادو
تلاشى هدوءه و جز على نواجزه وهو يقبض على ذراعها قائلًا بنبرة صارمة يحفها التحذير:.

عيب كده، ومش هي اللي بلغتني، وأخر مرة أحذرك ملكيش دعوة بيها و مسمهاش أمك، كلمة مش لطيفة علشان تطلع من بـ.ـنت متربية زيك، فاهمة
هزت رأسها بِقوة وقالت تدعي الوداعة:
الست الوالدة ارتحت كده ممكن بقى تسيب إيدي بتو.جـ.ـعني
قالت أخر كلمة وهي تسبل عيناها بِنظرة عتاب لم يستطيع الصمود أمامها، ليتركها ثم يزفر بِضيقٍ و يلعن نفسه و يكوب وجنتها قائلًا بعدmا استعاد هدوءه بعض الشيء:.

نادين امي خط أحمر وأنتِ عارفة ده فبلاش طريقتك دي أنا مش بحبها علشان بتطلع أسوء ما فيا...
ابتلعت غصة بِحلقها وأومأت له بِطاعة يعشقها منها، ليبتسم بسمته البشوشة الدافئة تلك التي لا تفارق وجهه إلا بسبب حنقه منها:
حقك عليا
أومأت له ليستأنف بِنبرة صادقة:
على فكرة بقى حشـ.ـتـ.ـيني و  يا نادو.

تنهدت في عمق وهو يشملها بِناعستيه التي تفيض بِمكنونها التي تعلمه جيدًا، ثم شهقت في خفوت وهو يقترب يضع قبلة عميقة أعلى وجنتها، يقسم أنه لم يكن بنيته سوى أرضائها ولكن كيف الصمود أمامها وهي بكل تلك الفتنة، وجد نفسه يحاوط خصرها ويقربها منه و دون أي مقدmـ.ـا.ت آخرى كان يدفنها بين ضلوعه وكأنه يطمئن ذلك النابض بِصدره انها معه ولن يستطيع أحد نزعها منه، تصلب جسدها وزادت وتيرة أنفاسها عنـ.ـد.ما غرس وجهه بين خصلاتها الهوجاء قائلًا بإنتشاء وبِصوتٍ متهدج اربكها:.

كنت بَعد الدقايق علشان أرجعلك وأشم ريحتك واطمن انك معايا
أبتسمت بسمة ناعمة وهي تدفعه بِرفق وقالت ووجهها يشتعل خجلًا:
يامن هتأخر على المحاضرة الأولى
أومأ لها وتفهم خجلها بِبسمةٍ مريحة بينما هي فرت من أمامه تسبقه إلى طاولة الطعام.

لسة زعلانة يا بـ.ـنتي...؟
جملة قالتها ثريا والدة يامن أثناء تناولهم الطعام لترد هي بِبرود ساخر تعمدته وكأن تحذيره لها قد تبخر:
محدش يعرف يزعلني يا مرات بابا.

زفر يامن بِقوةٍ و وضع شوكته من يده بِعصبية محدث صوتًا قويٍ أجفلها و.جـ.ـعل نظراتها تهتز بتوجس وإن كاد يفقد أعصابه ويوبخها ككل مرة على تطاولها مع والدته، ولكن والدته ربتت على ساقه من تحت الطاولة كي يهدء بينما هي لاحظت حركتها تلك لتنبسط معالم وجهها وتفتر عن بسمة مفعمة بالانتصار الذي لم يدوم حين قال بِنبرة آمرة:
أعملي حسابك مفيش مذاكرة برة البيت تاني
أعترضت بِعصبية:.

بس انا مبعرفش اذاكر لوحدي و نغم معاها مراجع وبتشرحلي اللي مش بفهمه
= خلاص خليها هي تجيلك
نفت برأسها وبررت:
باباها مش هيرضى انت عارف هو مشـ.ـدد عليها أزاي
ليزفر أنفاسه ويقول بِقرار قاطع:
خلاص قوليلي أسماء المراجع دي وبكرة تبقى عندك وأي حاجة مش فهماها هساعدك أنا فيها
كادت تعترض مرة آخرى ولكنه صرخ بها بنبرة صارمة تعرف جيدًا أن لا رجعة فيها:
من غير اعتراض، كلامي يتسمع.

أحتدت نظراتها السوداية أكثر وهي ترمق والدته بِحقدٍ بائن أحـ.ـز.ن ثريا كثيرًا عنـ.ـد.ما كللته بِكلمـ.ـا.تها المسمومة:
يارب تكونِ أرتحتِ يامرات بابا
عقبت ثريا بِطيبة مستنكرة:
أنا يا بـ.ـنتي ده انا نفسي أشوفكم أحسن الناس
رفعت حاجبها المنمق مستنكرة قولها وكادت ان ترد بِعجرفة كعادتها لولآ صوت ارتطام كوبه الزجاجي بلأرض الذي زاحه بغـــضــــب أعمى تخشى تبعاته ورغم ذلك تعاند:
= نادين ولا كلمة كمان واتفضلي اسبقيني على العربية.

دبت الأرض بِقدmها وتناولت كُتبها ثم انصاعت له تاركته يشرد في آثارها بِضيق فحقًا هو سأم من طباعها تلك وحديثها اللاذع مع والدته وكأنها تتعمد أن تثير غـــضــــبه وتخرجه عن طوره، فهو إلى الآن لا يعلم فيما أجرمت والدته لتعاملها هكذا رغم كل ما كابدته في رعايتها بعد وفاة أمها وجلب أبيها للعيش معهم انتشله من شروده صوت والدته الحنون وهي تربت على يده:.

معلش يا حبيبي بكرة تعقل وربنا يهديها والله أنا بدعيلها في كل صلاة، دي بـ.ـنت الغالي ومعزتها من معزته انا بس صعبان عليا حالها
أزاح غـــضــــبه جانبًا و قبل يدها وقائلًا بِحنوٍ:
بالله عليكِ متزعليش منها نادين قلبها أبيض هي بس مندفعة وأكيد متقصدش تضايقك
= مش زعلانة يا حبيبي ربنا يعلم انا بحبها أد ايه
رفع حاجبه بِمشاكسة وقال بفخر واعتزاز ليس ابدًا بِموضعه:.

لازم تكونِ بتحبيها يا ماما دي مرات أبنك حبيبك وبكرة تبقى أم عياله...

آما على بُعد عدة امتار من ذلك الحي الراقي نفسه وخصةً بتلك الشقة ذات الذوق الرفيع التي أشرفت هي على تصميم كل ركن بها كي تكون كيانها الصغير الذي يجمعها به وبأطفالهم و تكتفي بهم عن العالم أجمع
فنجدها تتحرك في رشاقة وبِخطواتٍ مفعمة بالنشاط تحضر طعام الفطور، شهقة خافتة صدرت منها عنـ.ـد.ما شعرت بيده تحاوطها من الخلف وصوته الذي صدر خشن أثر نومه:
يا صباح الجمال.

بادلته تحية الصباح بِبسمة هادئة بعدmا التفتت له:
صباح الخير، شكل مزاجك رايق النهادرة يا حسن
غمز حسن بتسلية وقال بِنبرةٍ مشاكسة يعلم انها تخجلها:
يخربيت حسن دي اللي بتطلع من بؤك شبه الرصاص وبترشق في قلبي
ابتسمت تلك البسمة الرقيقة التي تجعله يظن أن العالم خلى من كل مصائبه ولم يتبقى غير ربيع بسمتها و سلامها النفسي الذي ينفض دواخله ويعبث بأفكاره ونواياه
حسن سرحت في ايه!

انتشله صوتها الناعم مما جعله يجيبها وهو يقترب من وجهها بِبطءٍ ويشـ.ـدد أكثر على خصرها لتصبح هي وهو لا شيء يفصلهم وكأنهم جسد واحد:
عيون حسن وقلب حسن من جوة
تنهدت تنهيدة حارة وتساءلت بنبرتها الناعمة تلك وعيناها تغوص بِعينه البُنية القاتمة بتيه يذهب عقله ويحفز غريزته دائمًا:
بتحبني يا حسن؟

اومأ لها دون تفكير وكأن الأمر اعتيادي بالنسبة له و دون أن يؤكد بِكلمـ.ـا.ت هي بأمس الحاجة إليها مال يلتقم شفاهها بِقبلة عاصفة كانت كافية ليمنحها جوابها
الله، الله يا سي بابي بقى سيبنا هنمـ.ـو.ت من الجوع وبتدي مامي سكر.

هتفت بها شيري أبـ.ـنتهم بنزق طفولي وهي تربع يدها وتمط فمها، فصل هو قبلته بأنفاس لاهثة ونظر لبعثرتها وحرجها الذي أصبح جلياً على وجهها وكأنها تم القبض عليها لتوها بالجرم المشهود، هز رأسه ساخرًا وقال لأبـ.ـنته بِعتابٍ طفيف:
هو انا معرفش استفرض بمراتي ابدًا واخد منها سكر يا لمضة
نفت الصغيرة بِرأسها واجابته بِحروفٍ متكـ.ـسرة:
لأ خد مني انا السكر أنا أحلى منها.

قهقه حسن بِقوة على طفلته وحملها يقضم وجنتيها الشهية قائلًا في مزاح جعل الصغيرة تقرقر ضاحكة وهو يتوجه بها إلى الخارج:
ده انا همـ.ـو.تك يا لمضة وههريكِ سكر لغاية ما تقولي حرمت يا بابي
أبتسمت رهف وهي تشاهد ذلك المشهد الذي لم يتكرر كثيرًا بسبب إنشغال زوجها المستمر، لتحمل الأطباق وتلحق بهم.

أوصلها إلى جامعتها دون ان يتفوه بِبـ.ـنت شفة تاركها تمارس لعبة التجاهل خاصتها فهو على يقين تام انها غاضبة منه، يقسم انها تخرج أسوء ما فيه، وتعلم أنه لا يقبل التجاوز ابدًا بِحق والدته وقد حذرها العديد من المرات ولكن تتعمد ان تعانده وتلقى بِتحذيراته عرض الحائط انتشله من عاصفة افكاره صوتها المتمرد:
متجيش تاخدني هاخد أوبر مع نغم.

زفر انفاسه دفعة واحدة و اوقف السيارة ينظر لها نظرات حادة مشتعلة وهي تلملم أشياءها وإن كادت تفتح باب السيارة قال بإصرار وهو يقبض على يدها:
انا هاجي اخدك زي كل يوم
نفخت اوداجها وصرخت بوجهه بِعناد كعادتها بعدmا نفضت يده:
مش عايزة و سبني براحتي محدش هياكل مني حتة وياريت بلاش تعيش الدور اوي كده يا يامن انت بتعمل اللي عليك واكتر.

أزاح نظارته الشمسية كاشف عن ناعستيه الثائرة بعدmا استفزته بِتمردها المعتاد واعتراضها الدائم ويستطرد بكل ثقة وكأنه يذكرها غافل كون ذلك السبب سبب شقائها:
أنا مش عايش الدور يا نادين دي وصية ابوكِ ليا و ده حقي اللي الشرع سامحلي بيه طول ما انتِ على ذمتي، وكلمة كمان هاخدك أروحك وهحلف مفيش جامعة تاني.

نفخت أوداجها بِقوة من تهديده الصريح لها وفي أقل من دقيقة واحدة كانت تترجل من السيارة و تركض بعيد عنه بِخطواتٍ عصبية جعلته يلعن تحت أنفاسه وهو ينظر لآثارها فلمَ تعارضه دائمًا وتجبره على تهديدها في كل مرة، لمَ لم تتفهم كونه يفعل ذلك لأنه يعشقها ويغشى عليها من تلك النسمـ.ـا.ت العابرة بِجانبها ترى إن لم يكن والدها فعل ما فعله قبل مـ.ـو.ته كانت بادلته مشاعره هل كانت ستتفهم خــــوفه عليها دون وصية أبيها تنهد بِعمقٍ وهو يمسد ذقنه بِحركة ملازمة له ما أن اختفت عن أنظاره وتأكد أنها أصبحت بالداخل ثم شرع بالقيادة غافل عن ذلك القابع بِسيارته وعينه تطلق شرار يكاد يحرقه بِموضعه.

أبتسمت بزهو وهي ترى نظراتهم المُسلطة عليها و إن كادت تخطوا نحوهم اوقفها صوت صديقتها:
نادين عاملة أيه؟
قالتها فتاه سمراء هادئة الملامح وتزين وجهها بِحجابٍ يتناسب مع ملابسها المُحتشمة
أهلًا يا نغم
أجابتها بِعدm تركيز وعيناها عليهم لا تحيد عن موضعهم، لاحظت نغم نظراتها وقالت بِتوبيخ:
نفسي تسيبك من شلة الفساد دي وتركزي في الدراسة ومع جوزك
= بس متقوليش جوزك...
قالتها بتأفف وبِعدm رضا لترد نغم بِعقلانية:.

ده الواقع اللي لازم تتقبليه وتحترمي قواعده...
هزت رأسها بلا مبالاة وأخبرتها:
سيبك بقى، مش كل ما تشوفيني تقعدي تسمعيني كلمتين انا هروح أشوف الشلة وهبقى اكلمك علشان أخد منك المحاضرات اللي فايتاني
= لأ روحي سلمي عليهم وهستناكِ تحضري معايا المحاضرة الأولى مش هتحرك إلا رجلي على رجلك
قلبت نادين عيناها بسأم من إصرار صديقتها بينما.

تنهدت نغم وهزت رأسها بلا فائدة وهي تراها تنضم لهم ليرحبوا بها بِحفاوة كبيرة وبسمـ.ـا.تهم جميعًا تفيض إعجاب.

فتلك هي نادين ولن تتغير بتاتًا منذ أيام الدراسة؛ فطالما كانت تتمرد على كل شيء وتعشق دور القيادية لكي تكون دائمًا محط انظار كل من حولها، رغم انه يوجد الكثير أجمل منها لكن لا أحد يستطيع يضاهي جاذبيتها وفتنتها وخاصًة عنـ.ـد.ما تضحك تلك الضحكة الرنانة التي تطلقها لتوها و تقسم انها تجعل القديس يرتكب أفظع الخطايا من أجلها.

بينما عند صاحب البُنيتان القاتمة لاحظ وجوم أبنه أثناء جلوسه على طاولة الطعام ليتسأل مستفهمًا:
مالك يا استاذ مكشر ليه كده على الصبح
صدر صوت شريف المتذمر:
الباص هيفوتنا، وانا جعان
ليبعثر حسن خصلات الصغير ويسأله في عتاب:
طيب حقك علينا أخرنا معاليك مفيش بقى صباح الخير الأول
= صباح الخير يا مامي
قالها الصغير وهو يوجه نظراته لوالدته دون أن يعير ابيه اهمية مما جعل حسن يستغرب فعلته ويتسأل من جديد:.

انت لسة زعلان علشان مرحناش الساحل
هز الصغير رأسه بنعم ليبرر حسن :
بس أنا وعدتك إني...
قاطعه الصغير بتذمر:
انت بتكدب و مامي قالت الكـ.ـد.اب بيروح النار
نزل قول الصغير عليه كدلو ماء بـ.ـارد مما جعله يتناوب معها النظرات كي تنوب عنه وتدخل ككل مرة، التقطت نظراته و وجهت الصغير:
عيب كده بابا مينفعش يتقاله كده اتأسف فورًا
= سوري يا بابي.

أومأ له تزامنًا مع رنين هاتفه وكعادته نظر لشاشته بِعيون زائغة وببديهية قام برفض المكالمة و نهض من مقعده قائلًا:
انا لازم اجهز عندي اجتماع مهم
= مش هتفطر يا حسن؟
هز رأسه ب لا وهو ينظر لها نظرة غريبة لم تستنبط منها شيء وتوجه لغرفة النوم دون ان يتفوه بِبـ.ـنت شفة وكأن تأثير تلك الجملة التي صدرت بكل براءة من صغيره حركت شيء ما بداخله و.جـ.ـعلت ضميره يتأكله.

نظرت هي لظهره بِضيقٍ واسترسلت بنبرة حانية معاتبه وهي تكوب وجه صغيرها:
كده برضو يا شريف تزعل بابي
ده بيحبك وملوش في الدنيا غيرنا وبعدين هو عنده شغل ولازم نعذره، بابي اول ما يفضى هياخدنا في المكان اللي تشاوره عليه هو وعدنا بكده وبابي عمره ما وعد وخلف وعده غير لو حاجة غـ.ـصـ.ـب عنه
أومأ لها الصغير في تفهم واعتذر مرة آخرى لتهدر رهف بنبرة آمرة غير قابلة للحياد كأي أم:.

طب يلا كل واحد يخلص طبقه بسرعة علشان منتأخرش
إنصاعوا لها لتنظر لهم بعيون ساهمة تفكر به وبذلك التغير الذي طرأ عليه في الآونة الأخيرة.

جلست بين أصدقائها بكل زهو منفردة بتلك الأضواء التي تسلط عليها بِغياب نادين تلك المتبجحة من وجهة نظرها التي تستحوذ على اهتمام كل من حولها
أوعوا متجوش يا شباب هزعل منكم ده بابي عامل بـ.ـارتي تجنن هيفوتكم نص عمركم لو مجتوش
قالتها بتفاخر واضح لهؤلاء الذين يجلسون متراصين حولها على الطاولة
لترد أحد أصدقائها وتدعى منه بِمجاملة:
أكيد يا ميرال هنحضر نادو قالت انها جاية كمان والبـ.ـارتي أكيد هيبقى يجنن.

أبتسمت ميرال ببهوت وقالت بِغـ.ـيظٍ:
نادو، متأكدة انها مش هتيجي أصل بيقولوا خطيبها راجعي متـ.ـخـ.ـلف ومش بيرضى يخرجها لوحدها
قهقهوا جميعًا على حديثها لتتسأل أخرى ساخرة:
ايه الجو القديم ده، معقول لسه في رجـ.ـاله كده!
= مفيش ياقلبي وعلشان كده يستحق يبقى مع نادين الراوي
فاجأتهم جميعًا بعدmا قطعت حديثهم بِكل غــــرور وكأن لا يوجد أنثى على وجه الأرض غيرها
أبتسمت ميرال بسمة مغتاظة وهمهمت بِحقد:.

متتكسفيش وقولي أنه مش بيثق فيكِ، عادي يعني
قهقهت بكامل صوتها الأنثوي المفعم بالفتنة واقتربت كأنها تخبرها سر من أسرار الحرب:
عذراكِ يا بيبي اصلك معدومة الثقة وفاكرة كل الناس شبهك، مش كده يا طارق.

باغتته بِجملتها ذلك الذي كان يجلس يشاهد ما يحدث بِثبات رغم تلك النيران المستعرة بداخله لينظر لها نظرة قـ.ـا.تلة ثم دون مقدmـ.ـا.ت نهض تاركهم ومعالم وجهه قد تجهمت بِشكلٍ واضح مما جعل ميرال تزوغ نظراتها وتتناوبها بين الجميع الذين كانوا يتهامسون ويعتلي وجوههم بسمة ساخرة تعلم المغزى منها.

بينما هي ابتسمت بأنتصار بعدmا وجدت أنها بتلك الجملة أربكتها و اشعلت النيران بقلبها و.جـ.ـعلت عيناها تقدح لتوها وتهز ساقيها بطريقة هستيرية كي تكبح غـــضــــبها لتضيف نادين بِمكر وهي تضع يدها على فمها مدعية البراءة:
أيه ده هو انا ضايقتك، سوري يا ميرال بجد
جزت ميرال على نواجزها وتمنت لو جذبتها من خصلاتها ومرغتها بالأرض ولكن نادين دائمًا ما تكون ردود أفعالها أسرع:.

طب يا جماعة أنا لازم أمشي ومتقلقيش انا هكون اول الحضور في عيد الميلاد لتميل على إذن ميرال هامسة بِخبث تجيده:
وهجيب الرجعي المتـ.ـخـ.ـلف بتاعي معايا علشان أثبتلك العكس
ذلك آخر ما تفوهت به تاركة ميرال تلعنها بِسرها و تستشيط غـــضــــبًا وتقسم انها سترد لها الصاع صاعين.

لحقت به للغرفة لتجده يتحدث بالهاتف بِصوتٍ خفيض للغاية وما أن رآها تـ.ـو.تر وبِسرعة البرق كان ينهي محادثته، اوقفها الأمر لبرهة عاندت فيها أفكارها وسألته:
هتتأخر يا حبيبي
هز رأسه وهو يرتدي ملابسه وقال بِتبرير:
انتِ عارفه انه غـ.ـصـ.ـب عني المشروع أخد كل وقتي ولازم يتسلم كمان اسبوعين وخايف ملحقش وادفع الشرط الجزائي
احتضنت ظهره وقالت داعية كي تخفف عنه:.

= هتلحق يا حسن ربنا يقويك معلش هانت بكرة ربنا اكيد هيكافئك على تعبك
استدار لها وكوب وجنته الممتلئة قائلًا بأمتنان:
والله يا قلب حسن مش عارف من غيرك ومن غير فلوسك اللي ادتهالي كنت هعمل ايه...
= انا اللي من غيرك ولا حاجة يا حسن ربنا يخليك لينا وبعدين فلوسي هي فلوسك
تنهد بِعمقٍ ومال على وجنتها يقبلها و وعدها:
أدعيلي يا رهف، وإن شاء الله اول ما اسلم المشروع هرجعلك كل فلوسك وكمان هعملك كل اللي نفسك فيه.

اعترضت هي بكل سلام نفسي:
انا مش عايزة حاجة غير إني أشوفك مبسوط وبتحقق احلامك، انت أهم عندي من نفسي يا حسن
جعد حاجبيه ورفض:
بس ده حقك يا رهف و ورثك من أهلك
عارضته هي بِقناعة وثقة تامة:
أنا وأنت واحد و في الأخر كله هيبقى لينا ولمستقبلنا كلنا مش كده يا حسن
أجابها بعدmا تهللت اساريره وأحتضنها بِقوة:
كده يا قلب حسن من جوة
لترفع رماديتاها وتسأله بتيه يذهب عقله ويحفز غريزته نحوها دومًا:
بتحبني؟

انتظرت رده ولكن هو لم يجيبها بل فضل أن يؤكد لها بِطريقته التي يجيدها ويظنها أبلغ من الكلام.

غادرت من بينهم بعد حديث تلك المتعجرفة وهي تستشيط تريد أن تنفث غـــضــــبها بأي شيء، لتصعد إلى سيارتها وتقودها بسرعة جنونية إلى ذلك المكان البعيد اعلى تلك الهضبة التي طالما انفردت بنفسها به، وما ان وصلت لوجهتها تدلت من سيارتها واستندت على مقدmتها وظلت فيروزاتها شاردة في تلك الإطلالة الرائعة للبلد من اعلى، و ظلت جملة واحدة هي ما تتردد بِعقلها ( أصلك معدومة الثقة وفاكرة كل الناس شبهك ).

لتقول في قهر وبِعيون غائمة وهي تتذكر الأحداث السابقة وتلك الفـ.ـضـ.ـيحة التي اوقعتها نادين بها متعمدة وبسببها خسرته:
اقسم بالله لهدفعك تمن كل اللي عملتيه فيا وبنفس طريقتك يا نادين.
إذا كان يُمكنني إعطاءك شيء في هذه الحياة، كنت سأمنحك القُدرة على رؤية نفسك بعيني، حينها فقط ستُدرك كم أنت شخص إستثنائي بالنسبة لي.

دائمًا ينتصر قلبه على عقله ويأتي به إليها كل صباح كي تكون هي أول شيء يراه قبل أن يبدأ يومه وكم يبتهج عنـ.ـد.ما يجدها مازالت نائمة ك الآن فهي تكون هادئة، مسالمة لا تعاند ولا تتفوه بشيء يخرجه عن طوره كَصحُوها، ظل يتأمل ملامحها الآسرة وخصلاتها الفحمية المموجة التي تفترش الوسادة بشكل يخـ.ـطـ.ـف الأنفاس ويجعله يود أن يحظى بقربها ولكن دائمًا يردعه ذلك الأتفاق اللعين.

الذي دار بينه وبين والدها قبل عامين تنهد بِعمقٍ وهو يعود بذاكرته لذلك اليوم الذي انفرد به و فاجأه بطلبه وهو قابع على فراش المشفى بعدmا ساءت حالته الصحية
flash back
أتجوز بـ.ـنتي يا يامن
=نعم ازاي مش فاهم حضرتك اكيد بتهزر!
أبتسم عادل بسمة باهتة وأردف بكل ثقة رغم أعيائه الشـ.ـديد:.

لأ يا ابني مش بهزر أنا مش هأمن لحد غيرك ولا ينفع أثق في حد غريب، انت تربية أيدي من يوم ما اتجوزت مامتك وشوفتك بتكبر قصاد عيني اتمنيت أنك تكون أبني من لحمي ودmي
= انا فعلًا ابنك، وربنا يعلم معزتك عندي من معزة ابويا الله يرحمه بس حضرتك كده بتحطني في موقف وِحش انا مستحيل اقبل اني اتجوز واحدة غـ.ـصـ.ـب عنها حضرتك عارف أنها مش بتديني حتى فرصة اتكلم معاها ده لما بقولها صباح الخير بتتخانق معايا.

هز عادل رأسه بتفهم رغم هوانه وأخبره بِثقة أكبر بثت بالآخر الأمل:
الحب بيجي مع العِشرة و نادين مش هتلاقي احسن منك ومتأكد انها هتحبك
بس انا...
= من غير بس أبعت جيب المأذون دلوقتي قبل فوات الأوآن...
ليسترسل عادل بنبرة متألــمة راجية تقطع نياط القلب أحـ.ـز.نت يامن و.جـ.ـعلت عينه تغيم بدmعاته التي كانت تنعي حال ذلك الرجل الحنون الذي قام برعايته وكان بمثابة والده:.

أنت عارف إن الدكتور مش مطمني وإن عضلة القلب شغالة بنسبة ضئيلة جدًا ده غير ان مستحيل هدخل جراحة نسبة نجاحها معدومة، نادين ملهاش حد غيري وأهل أمها وأكيد أنت عارف هما طماعين أد أيه، أنا خايف أمـ.ـو.ت وأسيبها ليهم ويستغلوا انها لسة صغيرة خايف يشتروا ويبيعوا فيها وياخدو شقى عمري على الجاهز
ربت يامن على يده بمواساة وقال وهو يمرر يده على وجهه كي يزيح دmعاته ويدعي الثبات حتى لا يزيدها عليه:.

بعد الشر عليك ربنا يخليك لينا
أبتسم عادل ببهوت وأخبره بيأس لأبعد حد:
أنا عملت حصر لكل أملاكي وكتبتهم بأسمك والمحامي قام بكل الإجراءات، بس ده هيبقى دين في رقبتك لغاية ما بـ.ـنتي تتم الواحد والعشرين وساعتها هترد ليها حقها يا يامن زي ما وصيتك، اوعدني يا ابني وقولي انك هتكون أد ثقتي فيك
أومأ له يامن ودmعاته من جديد تأبى الصمود أكثر ولكنه كبحها بأعجوبة وسأل بتوجس:
و هي موافقة؟
ليجيبه عادل :.

أنا ضغطت عليها و هي وافقت بس ليها شرط
تأهب لبقية حديثه ليسترسل عادل جاعل قلبه يتهاوى بين قدmيه:
جوازكم يبقى على الورق بس لغاية ما تتم الواحد وعشرين ويرجعلها حقها وساعتها لازم هي اللي تقرر تتمه ولا، لأ
أبتسم يامن بسمة متألــمة لأبعد حد فماذا كان ينتظر منها، رأى عادل خيبة الأمل تعتلي وجهه ليطمئنه بحنو حقيقي:
صدقني هتحبك زي ما بتحبها بس أديها وقتها.

تفاجأ يامن من حديث عادل فكيف علم بِعشقه لها ألهذا الحد هو مفضوح أمامه ليخبره عادل :
متستغربش حبك واضح في كل تصرفاتك وعلشان كده أنا مطمن ولو مـ.ـو.تت همـ.ـو.ت وانا مرتاح علشان عارف انك هتحطها في عينك.
ليعقد القران بالمشفى وبعد عدة أيام توفى والدها تارك له مسؤولية كل شيء وأولهم تلك العنيدة المتمردة التي يجاهد كي يرودها
End Flash back.

عاد بذاكرته للوقت الحالي بعدmا تململت هي بفراشها وأخذت ترمش بِعيناها ليهمس ببحة صوته المميزة:
صباح الخير
قالها وهو يعتدل بجلسته على ذلك المقعد القريب من فراشها، تأففت بإنزعاج و لم تستطيع التغلب على الكسل المسيطر عليها وأخبرته دون أي مقدmـ.ـا.ت:
مش رايحة الجامعة النهاردة سيبني انام
زفر أنفاسه ونهض يزيح ستائر الغرفة كي يجعل الشمس تفوت تنير عتمتها وقال بِجدية:
النهاردة عندك محاضرتين مهمين لازم تحضريهم.

زمجرت بِغـ.ـيظ من تسلطه الزائد عليها ومعرفته بأدق التفاصيل التي تخصها:
ما شاء الله حضرتك مركز أوي!
= لو مكنتش أركز معاكِ يا مغلباني هركز مع مين!
قلبت عيناها واعترضت كعادتها بِعناد:
أنا بعرف أظبط مع أصحابي وباخد المحاضرات اللي مش بحضرها منهم، ممكن بقى تسبني أنام طلبت بملل وهى تسحب وسادتها وتضعها على رأسها، تنهد عميقٍ من عنادها واستأنف:.

خلاص هسيبك تنامي براحتك بس اعملي حسابك مش هقبل بأي استهتار في دراستك والسنة دي لازم تجيبي تقدير عالي.

انتفخت أوداجها بِغـ.ـيظ من تحذيراته المتكررة وتلك الكلمة التي طالما خصها أبيها رحمه الله بها وتوارثها هو عنه، فكم كان هو مدلل أبيها المثالي، الناجح، المتفوق دائمًا ولذلك أصر انها تدرس نفس مجاله أدارة اعمال كونه قدوة حسنة تقتدي بها هي المستهترة، الفاشلة من وجهة نظره ونظر الجميع، تناولت نفسٍ عميق قبل أن تهدر بِثقة و هي تلملم خصلاتها فوق رأسها بِعشوائية جمدت نظراته على عنقها البض الناعم الذي يزينه عدة شامـ.ـا.ت متفرقة جعلته يجفل لوهلة بِحلم يقظة ليس ببريء بالمرة وكم أراد أن يطبقه بالواقع:.

هجيب تقدير بالعند فيك وهثبتلك إنِ مش مستهترة و إن مش أنت لوحدك اللي كنت بتجيب تقديرات
رفع حاجبه بعدmا تحكم برغبته المُلحة وقال بِتحدي تقصده لكي يحفزها:
لما نشوف يا نادين ، لينظر بساعة يده ويخبرها وهو يتوجه لباب الغرفة:
انا لازم امشي اتأخرت على الشغل، اومأت له بلامبالاه وتمددت من جديد واضعة وسادتها على رأسها، تنهد هو وقَبل أن يخرج أقترح بِترقب:
تحبي نتعشى مع بعض بره؟

ازالت الوسادة عن وجهها واعتدلت بنومتها وتلعثمت بِتوجس من ردة فعله:
مش هينفع أصل عيد ميلاد ميرال النهاردة ووعدتها إنِ هحضر و عايزاك تيجي معايا
نفى برأسه:
لأ، انا قولت ألف مرة ميرال دي مش برتحلها ولا الشلة بتاعتها
بس انا...
= من غير بس...
قالها بقطع أغاظها و.جـ.ـعلها تنفجر به حانقة وهي تنهض وتقف مواجهة له:.

أنا زهقت من تحكمـ.ـا.تك دي، انا مش عيلة صغيرة وكلها كام يوم وابقى حرة نفسي، لتكتف ذراعيها على صدرها وتذكره بِخبثٍ:
أظن أنت فاكر الأتفاق اللي بينا!
أغمض عينه بِقوة و ولاها ظهره وهو يلعن تحت أنفاسه الغاضبة فهي لن تكف عن تذكيره بذلك الأتفاق اللعين الذي فرضته عليه قبل أن تقبل الزواج منه ليشـ.ـدد على قبضة يده يكبح غـــضــــبه ويرد بنبرة حادة تقصدها كي يرهبها ويجعلها تكف عن تمردها وعنادها المعتاد:.

عمري ما نسيت، ومن هنا لوقتها تسمعي كلامي ومتعارضيش وإلا أنتِ عارفة كويس أقدر اعمل أيه...
ابتلعت غصة بِحلقها وهي تلتقط تهديده الصريح لها، لتهمهم بتراجع وتدعي البراءة وهي تنظر لظهره:
بلاش تهددني يا يامن أنا عارفة إنِ عمري ما ههون عليك
تحاشى النظر لها فهو يعلم طريقتها الملتوية تلك بالتأثير عليه، ولكنها زادتها عليه بلف ذراعيها حول خصره من الخلف وسند وجنتها على ظهره وهمسها بِنبرة ناعمة أربكته:.

مش هتعمل كده، صح؟
لم يجيب فقط اكتفى بِتنهيدة عميقة نابعة من صميم قلبه المولع بها فكم أراد ان يضمها إليه ويدفنها بين ضلوعه كي يطمئنها، ويخبرها انه لا يستطيع ايذائها بتاتًا او التخلي عنها ولكنها من تضطره لأرهابها وتهديدها كي يكبح تمردها ويجعلها تنصاع إليه، فمجرد ذكرها لذلك الاتفاق اللعين وشعوره بأنها من الممكن ان تبتعد عنه وترفض اتمام زواجهم يكاد يفقد صوابه، انتشله من شروده همسها بأسمه بنبرة راجية:.

يامن
صدر أسمه من بين شفاهها وكأنه لحن عـ.ـذ.ب أطرب شغاف قلبه مما جعله يتنهد بِحرارة ويلتف لها وهو يحاوط ذراعيها بِرفق:
يبقى بلاش تضغطي عليا بطريقتك دي وتسمعي الكلام، أنا عايز مصلحتك.

غامت عيناها بِبريق لم يفهمه يومٍ وهزت رأسها مما جعله لم يتحمل، جذبها من مأخرة رأسها ودفن وجهها بين ثنايا صدره فكم يعشق ذلك الشعور بقربها وكم يعشق طاعتها له وكأنه عمد أن يرهبها كي يطمئنها ويشعر كونه هو الوحيد التي تلجأ له ليصـ.ـر.خ داخل عقله:
عمري ما أقدر أأذيكِ يا نادين ولو أخر يوم في عمري مش هتخلى عنك.

خرجت من أحضانه الدافئة وهمست بدلال وهي تداعب تلك الشعيرات النامية بذقنه بحركات ناعمة جعلته يبتلع ريقه ببطئ ممـ.ـيـ.ـت:
= حتى لو قولتلك علشان خاطري نفسي تيجي معايا و اتباهى بيك قدام صحابي
لتسبل أهدابها وترجوه بدلال: Please يا يامن ده طلب بسيط وانا اول مرة اطلب طلب زي ده منك
لم يجيبها وظل على ثباته يشاهد عرضها الهزلي بحاجب مرفوع و بملامح جـ.ـا.مدة.

لتهمس هي بآخر ما بجعبتها و تقول بدلال وبعيون يسطع بهم المكر ظنٍ منها أنها تستغل نقاط ضعفه:
نفسي كل الرجـ.ـا.لة اللي حواليا يعرفه إنِ ملكك لوحدك ومتأكدة أن كل البنات تحسدني عليك لو شافوك معايا
نعم هي تتمتع بذكاء أنثوي لا يضاهيها أحد به ولكن هو لا ينطلي عليه تلك الأساليب الملتوية خاصتها، ليبتسم بمكر ويجيبها وهو يبتعد عن هالة فتنتها المهلكة التي تتعمد حصره بها:.

مش هينفع، النهاردة الحد وفي كذا طلبية جاية المطعم ولازم استلمها بنفسي
لتحتد نظراتها الغاضبة نحوه وتضـ.ـر.ب الأرض بقدmها بينما هو لم يكترث
، فقد قرر ان يفض ذلك الوضع الذي يعبث بثباته، ليلثم جبينها بِحركة مباغتة ويغادر دون أضافة المزيد تاركها تستشيط غـــضــــبًا.

احتمال اتأخر النهاردة
قالها حسن بلامبالاه أثناء تناول طعام الفطور لترد هي مستاءة:
ليه بس، يا حسن يعني هقعد طول النهار والليل لوحدي
= أعملك ايه هو بمزاجي ما انتِ عارفة الشغل والمشروع الجديد اخد كل وقتي
اومأت له بتفهم وقالت بود:
ربنا يقويك يا حسن
ليرد بِحماس غير عادي فذلك المشروع سينقله نقلة أخرى تمامًا في مجاله:
هانت يا رهف، مقدرش اقولك انا مبسوط أد ايه
أبتسمت و قالت بِمشاكسة:.

ابقى ادعيلي بقى انا السبب
أبتسم بهدوء وأخبرها بعرفان:
بدعيلك يا حبيبتي وعمري ما انسى وقفتك جنبي
ربتت على يده بِحنان و ابتسمت تلك البسمة الهادئة المليئة بالرضاوباشرت طعامها بينما هو شرد بها لثوانٍ قبل ان تقول بتردد وكأنها مرغمة:
طيب انا هروح النادي انا والولاد بعد المدرسة علشان هقابل سارة
لتتنهد بسأم وتسترسل بِتلقائية تخبره بأدق تفاصيلها كما تعودت:.

أنا مش بحب اخرج انا والولاد لوحدينا بس هي عمالة تزن عليا بقالها كام يوم وعايزة تقنعني بموضوع الشغل ده
رفع بُنيتاه لها ورد بِحياد:
على فكرة انا معنديش مانع والقرار راجع ليكِ
نفت برأسها وقالت بإخلاص غير عادي:
مقدرش انشغل عنك وعن الولاد يا حسن...
حاول هو إقناعها كي تحيد عن عُزلتها تلك:.

بس أنتِ موهوبة يا رهف وحـ.ـر.ام تضيعي تعبك وسنين دراستك على الفاضي ده الكل يشهدلك إنك كُنتِ أشطر مهندسة ديكور في مجالك قبل الجواز
أبتسمت هي بكل نفسٍ راضية وأخبرته بإعتزاز وهي تتطلع لأركان منزلها:
مين قالك إنه على الفاضي كفاية إني بنيت مملكتي معاك ومع ولادي وده عندي كفاية.

أبتسم بسمة عابرة لم تصل لعينه وهو يفكر كم هي روتينية مملة بكل شيء، ليس لها طموح، شخصيتها مسالمة تفتقد للشغف حتى انه في الكثير من الأوقات يمل من أهتمامها الزائد بأدق التفاصيل وتحفظها التي لا تحيد عنه، ليرتفع جانب فمه ببسمة ساخرة فهو رغم كل ذلك رغبته بها تظل متأججة وخصةً عنـ.ـد.ما تشعره بضعفها وحاجتها له و بمدى سُلطته وهيمنته عليها متناقض هو يعلم ذلك تمامًا ولكن ما لا يعلمه أين يكمن الرضا.

حسن، سرحت في ايه؟
= ها، لأ، ولا حاجة ليتنهد ويقترح كي يكـ.ـسر ذلك الروتين الممـ.ـيـ.ـت بالنسبة له:
ايه رأيك خليكِ بكرة وانا هاجي معاكم بقالنا مدة مخرجناش مع بعض
تهللت أساريرها ونهضت تجلس على ساقيه وقالت وهي تتعلق بِعنقه:
بجد يا حسن، طب احلف علشان أصدقك
قهقه على طريقتها وسألها بمشاكسة:
من غير ما احلف انتِ بتصدقيني، ليمرغ أنفه بوجهها و يهمس:
مش كده ولا ايه؟

هزت رأسها بقوة تأكد حديثه وأخبرته بمكنون قلبها بكل عفوية وهي تهيم به:
أيوة بصدقك وعارفة انك عمرك ما تكدب عليا، علشان انت حبيبي يا حسن وكل دنيتي، ربنا يخليك ليا
ابتلع غصة مريرة في حلقه وهو يشعر ان كلمـ.ـا.تها تلك رغم صدقها إلا أنها هوت على قلبه كالسياط و.جـ.ـعلت ضميره ينهش به، ولكن هيء له شيطانه شيء آخر و جعله يهمهم:
رهف ابقي غيري تسريحة شعرك مش عجباني.

زاغت نظراتها وأخذت تتحسس شعرها المنسدل بعدm ثقة يحاول زرعها بها وكأنه يتعمد ان يجعل ثقتها بأنوثتها معدومة ولذلك تبحث دائمًا عن التغير لأرضاءه. ولكن هو ابعد ما يكون عن تفكيرها فهو فقط يتعمد أحباطها كي لا يستشعر كونها أفضل منه وخطائة مثله، يبحث عن نواقصها بدقة شـ.ـديدة حتى يقنع ذاته انها تستحق تلك الخطيئة التي يرتكبها بحقها فهي من وجهة نظره خطيئة بريئة مبررة.
ردت هي بطاعة:
حاضر وهغير لونه كمان.

ربت على وجنتها وانهضها عن ساقه ونهض بدوره كي يغادر لعمله لتذكره وهي تضـ.ـر.ب مقدmة رأسها بخفة:
كُنت هنسى أقولك أصل كلموني من مدرسة الولاد بيفكروك ببقية المصاريف
قلب عينه في ملل وأخبرها وهو يرتدي سترته:
نسيت خالص . أنتِ عارفة إنِ مش فاضي الفترة دي ومضغوط جدًا
ليتنهد بيأس ويعاتبها:.

نفسي تتصرفِ لوحدك ، ليه مدفعتهمش انتِ ما كده او كده الحساب مشترك ومفتوح ليكِ في اي وقت كنتِ سحبتي اللي أنتِ عايزاه وشوفي طلباتهم ايه
مطت هي فمها وقالت بقلة حيلة:
انت عارف الكارت اللي بسحب بيه من Atm الولاد ضيعوه و مش بحب زحمة البنوك ولا كمان بحب أخرج لوحدي، لتتنهد وتستأنف بكل طواعية من اجله:
بس هعمل كده لو هيريحك بس ياريت تكلم مستر فهمي علشان ميعطلنيش كتير.

هز رأسه بتفهم وهو يتناول متعلقاته الشخصية وأخبرها وهو يتوجه لباب الشقة:
هكلمه اول ما اوصل الشركة وهقوله ميرجعش ليا ويعطلك بعد كده
هزت رأسها ببسمة هادئة ليقبل هو وجنتها وتودعه هي بتلك الدعوات الصادقة التي تنبع من صميم قلبها.

في المساء استعدت هي كما طلب منها بعد ان هاتفها وأخبرها أنه انتهى من عمله مبكرًا وقرر ان يعوضها ويأخذها لتناول العشاء معه وها هي تجلس بِجواره داخل سيارته ويتوجهون لذلك المطعم الصغير الذي يمتلكه و لم يقصد غيره يومٍ متحجج بِخصوصية المكان وكون أجواءه شاعرية تريح الأعصاب فنعم هو محق تريح الأعصاب لدرجة تشعرك بالملل ويجعلك تود ان تغفى بِموضعك من رتابته.

تنهدت بِضيق ما ان أوقف السيارة وهي تظن أنهم وصلوا لوجهتهم ولكن جحظت عيناها عنـ.ـد.ما وجدته يصف سيارته أمام منزل ميرال صديقتها
لتهمس بعدm تصديق:
يامن جابتنا هنا ليه؟
نظر لها بتلك العيون الدافئة وقال ببعض التهاون:
مهانش عليا ازعلك و نص ساعة بس ونمشي
لاحظ إشراق وجهها بعد أن كانت متجهمة طوال الطريق ليشعر ببعض الراحة بينما هي قالت في حماس:
حاضر، بس انا مجبتش هدية.

أخرج من جيب سترته علبة مخملية صغيرة وناولها لها قائلًا:
عامل حسابي
هزت رأسها بِسعادة وهي تطالعه ثم تدلوا من السيارة معًا لتلتف له ودون أي مقدmـ.ـا.ت كانت تشابك أناملها بخصته وهي تنظر له نظرة ممتنة بينما هو استغرب فعلتها ونظر لأيديهم المتشابكة بعيون باسمة تكاد تفضح مكنونها ليتحمحم يجلي صوته ثم أمال رأسه كي يدعوها للدخول لتبتسم هي بسمتها المهلكة تلك وتسير معه إلى الداخل.

أخذت تهز ساقيها بِعصبية مفرطة وهي تشاهد تلك التي خالفت توقعاتها وأتت لأحتفالها لا والأنكى أنها أتت به لتثبت لها أنها صاحبة السُلطة الكبرى ولا أحد يستطيع تحجيمها، أبتسمت ساخرة وهي ترى أصدقائها يتجمعون حولها ويرحبون بها وكأنهم ليسوا نفسهم من كانوا يسخرون منها منذ قليل حقًا تبًا لنفاقهم قالتها بداخلها وهي تغتصب بسمة مجاملة على ثغرها كي ترحب بها:
أهلًا نورتي يا نادو.

قبلتها نادين وعايدتها بينما ميرال أثنت على هديتها عنـ.ـد.ما أخبرتها نادين بكيد انها ذوق يامن مما جعلها لم تزيح بنظراتها عنه بطريقة لم تعجبه بالمرة وخاصةً عنـ.ـد.ما تخابثت وهي تصافحه:
ذوقك يجنن بس مش في كل حاجة ياخسارة!
قالتها بتهكم وهي تنظر ل نادين من أعلى لأسفل بطريقة متدنية جعلت يامن يضيق عينيه ويتساءل بحدة:
أفنـ.ـد.م، تقصدي أيه؟

رشقتها نادين بنظرة نارية مُشتعلة وبررت ببسمة ثابتة استفزت الآخرى أكثر وهي تميل عليه:
متركزش معاها تلاقيها شربت كتير زي عادتها
ابتسمت ميرال بإصفرار وباشرت حديثها:
انا لسة مشربتش يا نادو وعلشان كده مستغربة خطيبك أصل شكله كيوت خالص مش زي ما بتحكيلنا عنه، أنتِ أكيد ظلماه، لتوجه نظراتها له و تتشـ.ـدق:
أصل نادو بتقول عليك، وإن كادت تتفوه بالمزيد
زجرتها نادين وقالت كي تغير سير الحديث بِدهاء:.

فستانك يخبل يا ميرال وكمان Makeup بس كنتِ محتاجة تزودي شوية Concealer عيونك أصل باين عليكِ مُجهدة من السهر والشرب يا حـ.ـر.ام، قالت آخر جملة بتهكم تقصدته والعجيب أن الآخرى تفهمت إلى ماذا ترمي فهي على دراية تامة أن نادين تعلم عنها أكثر مما ينبغي ولكنها لن تشعرها بلذة الأنتصار وإن كادت ترد سبقتها نادين كعادتها بسؤالها المبطن بالتحذير:
هو فين أونكل عايزة أسلم عليه؟

أبتلعت ميرال ريقها بتـ.ـو.تر عنـ.ـد.ما وجدت أبيها يقترب منهم ويهتف:
أهلًا يا نادين يا بـ.ـنتي
= أزيك يا اونكل أحب اعرفك يامن خطيبي
صافحه يامن بلباقة رغم حنقه من تلك الأجواء التي لم تعجبه بتاتًا ولكنه تحامل على ذاته من أجلها، لتستأنف هي بِدهاء وهي تحتضن ذراع ميرال :
كنت لسه بسأل عليك ميرال علشان أقولك خليها تاخد بالها من صحتها مش عجباني خالص
عقد حاجبيه وسأل أبـ.ـنته في قلق بَين:
حاسة بحاجة يا بـ.ـنتي مالك؟

نفضت يدها ونفت براسها وببسمة بلهاء أخبرته:
بابي أنا كويسة بس نادين بتحب تهزر، ياريت تروح تشوف ضيوفك وتسبني مع اصحابي
أومأ لها ببسمة حانية بينما همست نادين بجوار أذنها بتحدي سافر:
بلاش أنا يا ميرال وبلاش تعلني الحرب علشان أنتِ مش قدها.

ذلك ما تفوهت به قبل ان تجذبه من يده متجهة به نحو حلبة الرقص وتشاركه تلك الرقصة الرومانسية الهادئة التي تعمدت من خلالها أن تكون محط أنظار الجميع تاركة ميرال تلعنها وتلعن غبائها في آن واحد.

صباح يومٍ جديد داخل شركة الإنشاءات التي يملكها صاحب البُنيتان القاتمة فقد كان منهمك بِعمله حينما دخلت هي بطلتها الأنثاوية الصارخة وجلست على طرف مكتبه واضعة ساق ٍعلى أخرى كاشفة عن ساقيها وجزء كبير من فخذيها المرمريتان أمام نظراته التي تأكلها، أبتسمت بِثقة تفتنه بها، ومالت عليه بِجزعها وهمست وهي تلاعب ياقة قميصه:
هديتك وصلت وعجبتني اوي
ارتفع جانب فمه بزهو وقال:
حبيبتي انتِ تشاوري وانا انفذ.

قال آخر جملة بغمزة من بُنيتاه، لتضحك هي قائلة بدلال:
قلبي الحنين انت
ابتسم وبُنيتاه تهيم بها وهمس قائلًا متناسي وعده لزوجته وأطفاله:
أيه رأيك نقضي اليوم مع بعض واسهرك سهرة جنان؟
نفت بأصبعها أمام وجهه يمينًا ويسارًا ثم تحججت:
ماما مش هترضى دي بتبهدلني لما بتأخر بره
= صعب ماما اوي مش كده؟
سألها بِعفوية لم يقصدها ولكنها استغلت قوله وأكدت:.

جدًا دي بتخاف عليا مـ.ـو.ت وعلشان كده مش بخبي عليها حاجة وقولتلها إنِ بكون معاك وقولتلها انك عايز تقابلها
زاغت نظراته وسألها بريبة:
حكيتلها عني...!
أجابته بترقب:
اه هو انت مضايق!
=لأ، بس انا قولتلك رأي في الموضوع ده انا محتاج وقت
لتزفر هي بِضيق وتنهض بِعصبية قائلة:
انا زهقت هفضل مستنية لغاية امتى انت بقالك شهور بتوعدني
هو للدرجة دي انت خايف منها؟
أغمض عينه بقوة يحاول أن يلاحق الموقف رغم حدتها وعصبيتها معه:.

منار بلاش تستفزيني انا مش بخاف من حد، كل الموضوع إني عايز أمهد لها ومش لاقي فرصة مناسبة...
= وانا مفكرتش فيا وانت معلقني معاك بقالي شهور...
حبيبتي بفكر والله بس غـ.ـصـ.ـب عني اعذريني وصدقيني انا بقيت مقدرش اعيش من غيرك و نفسي تبقي ليا النهاردة قبل بكرة، انا بس محتاج شوية وقت
لتهمهم ببراءة لم تكن ابدًا من شيمها وهي تتعلق بعنقه وتلاعب بأناملها أطراف شعره بحركة حثية أرهقته:.

انت عارف إنِ مش انانية ومش عايزه اخرب بيتك، بس انا كمان غـ.ـصـ.ـب عني انا الكل عينه عليا ده غير ان ماما اخدة بالها وكل يوم تسألني
أومأ لها بتفهم، وطمئنها بعينه ثم مال نحو وجهها قائلًا بِغريزة رجولية باحتة:
عارف كل ده واوعدك هتصرف في أقرب وقت بس وافقي و أديني تصبيرة.

بللت شفاهها مما جعله يبتلع ريقه بترقب ولكنها كانت ادهى منه وقالت بغنج قبل أن تتركه وتغادر لمكتبها تاركته يلعن تلك الرغبة المُلحة التي تتملكه نحوها:
متستعجلش يا سُونة...

رفعت حاجبها بِمكر وظلت تلاعب بين اناملها الرفيعة خصلة من شعرها وهي تستمع لصديقتها وهي تقص عليها مدى استياء ميرال منها، لتقهقه هي وتخبرها في غــــرور:
هي اللي جابته لنفسها وفكرت تلعب معايا وكان لازم اوقفها عند حدها
ليأتيها الرد من الطرف الآخر:
من يوم اللي حصل و طارق سابها وهي مش طيقاكِ فاكرة انك أنتِ السبب
رفعت جانب فمها هازئة وتشـ.ـدقت:.

اللي يشوف كده يا منة يقول أنها كانت بتحب طارق وفرق معاها، دي مقضياها وكل يوم بتصاحب واحد جديد
اجابتها منه :
دي بتقول انك أنتِ اللي لفقتي الكلام عليها مع إسلام وعملتِ كده علشان تفوزي ب طارق لنفسك
قهقهت بكل عنجهية وأخبرتها مدعية البراءة:
أنا، مش معقول دي مـ.ـجـ.ـنو.نة رسمي، وبعدين طارق مين ده اللي انا ابصله ده انا معايا راجـ.ـل برقبته ولا أنتِ مشفتهوش بعينك وشوفتي أد أيه بيمـ.ـو.ت فيا.

أجبتها منه بإنبهار وبِتنهيدة حالمة:
بصراحة شوفته يا بختك بيه ده مُز اوي يا نادو والشلة كلها ملهاش سيرة غيركم دي حتى ميرال كانت هتاكله بعنيها وفضلها شوية وتطلع نار من ودانها
قهقهت نادين مُجلجلة ثم أغلقت معها الخط وهي تشعر بلذة الإنتصار.

بعدmا طمئنتها صديقتها بِعفوية أن حيلتها قد تمت مبتغاها وأصبحت حديث الساعة بعد حفل أمس التي تعمدت أن تظهر به في قمة سعادتها بفضله، لا تنكر كونه ساعدها كثيرًا بلأمر فهو وسيم لحد كبير بملامحه الهادئة الرجولية البشوشة وجسده العريض وطوله الفارع و خصلاته البُنية الناعمة و تلك النظرات الدافئة التي يشملها بها وأكدت للجميع أنه مفتون بها وذلك كان مبتغاها لغرض ما في نفسها.

في المساء
كان يجلس في مكتبه داخل ذلك المطعم الصغير الذي يعتز به كثيرًا كونه يملكه من حر ماله بعيدًا عن ممتلكات الراوي التي يديرها فكان
يستند على ظهر مقعده بكل أريحية غير عابئ بكم الملفات المتراكمة أمامه وتحتاج لتدقيقه، فقد كان شارد، يبتسم كل حين وآخر بلا سبب مما جعل صديقه يشاكسه ما ان دخل مكتبه:
والله كُنت بعقلك يا صاحبي أيه اللي حصل؟
= ايه ده إيه الزيارة الحلوة دي اخيرًا افتكرتني.

ابتسم حسن بود وشاكسه:
ياعم متغيرش الموضوع بقول اللي واخد عقلك يتهنى بيه
أبتسم يامن بِبشاشته المعتادة وأخبره بِخفة:
قُر يا بن القُرارة ماهي ناقصة
قهقه حسن وهدر بخفة مماثلة:
يا عم مش بقُر، انا بحسد بس حتى شوف عيني مدورة واسأل على بركاتي
=يا ستار أعوذ بالله
قهقه مرة أخرى وسأله:
بجد مالك، حصل جديد، فضفض انا خِبرة هفيدك
هز يامن رأسه بلا فائدة وقال ساخرًا:.

بعد التصريح الخطير بتاعك ده أخاف أفتح بوقي ده انا بفكر أقطع علاقتي بيك يا فلاتي
بقى كده والله انت اللي خسران وبعدين بطل فلاتي دي هتشبهنا
قهقه يامن و عاتبه:
طالما انت جبان كده وبتخاف من مراتك يبقى تحترم نفسك
نفى برأسه وأخبره ببراءة لا تخص نواياه بشيء:
مراتي دي ست الناس كلها وعلى راسي، بس الموضوع مش بإيدي يا يامن انت راجـ.ـل زي وأكيد هتفهمني.

= أفهم أيه يا حسن مراتك بـ.ـنت ناس وزي القمر ومش مقصرة معاك في حاجة ده غير انها عندها استعداد تعمل علشانك اي حاجه
تنهد بعمقٍ وسايره بِنبرة غامضة:
عارف، وعلشان كده مفيش حاجة هتتغير هتفضل هي أم عيالي وعمري ما افرط فيها
تنهد يامن ونصحه بتعقل:
اتقي الله يا حسن وارضى باللي اتقسملك ولو مراتك فيها عيب مش عجبك حاول تصلحه وبلاش دناوة
لوح حسن بيده وأخبره بسخط:
ياعم أصلح ايه ولا ايه؟

وبعدين وفر نصايحك انت عارف أن دmاغي جازمة ومش هعمل غير اللي انا عايزه
ليصيح يامن بِقلق:
والله انا خايف دmاغك دي توقعك في شر أعمالك و تخليك تنـ.ـد.م و تقول يارتني
ليرفع حسن حاجبيه بِخبث ويصرح وهو يهنـ.ـد.م ياقة قميصه بغــــرور:
لا متقلقش صاحبك حويط
ضـ.ـر.ب يامن كف على آخر بعدm رضا من قناعات صديقه البالية وهدر بيأس:.

= انت غـ.ـبـ.ـي أقسم ب الله، مفيش ست غـ.ـبـ.ـية ومش بتحس بخيانة جوزها، انت اللي غـ.ـبـ.ـي وفاهم انك حويط هي لو شكها اتملك منها هتحطك في دmاغها وساعتها قول على نفسك يا رحمن يا رحيم
قهقه حسن وشاكسه:
اه زيك كده؟
قذفه يامن بالملف الذي أمامه كي يكف عن سخافاته بينما هو تفاداه و انفجر ضاحكًا عنـ.ـد.ما أمره يامن بسأم:
غور من هنا يلا زهقت منك
لينهض كي ينوي المغادرة وقال بمشاكسة كي يستفز الآخر:.

انا اصلًا ماشي علشان المُزة بتاعتي مستنياني في العربية ومش عايز اتأخر عليها أنا بس جيت أثبت حالة علشان لو رهف اتصلت سألتك عني
أمتعض وجه يامن بعدm رضا و وبخه بِحدة:
= وكتاب الله انت وا.طـ.ـي انا بجد مش مصدقك انت ازاي كده؟
رفع حسن منكبيه بلامبالاه وقال وهو يهم بالمغادرة:
ياعم فكك ويلا سلام، واه متنساش تسلملي على خالتي والمُزة بتاعتك اللي مطلعة عينك
مُزة، ومطلعه عيني.

قالها يامن وهو يضـ.ـر.ب كف على آخر ويستغفر بضيق ويدعو له بصلاح حاله وبعد ثوانٍ معدودة ترددت جملته بعقله
ليقر بذاته وهو يتنهد بِعمقٍ ويسند رأسه للخلف على ظهر مقعده:
هي فعلًا مطلعة عيني ياصاحبي.

وعند ذكرها ترأى أمام عينه تلك الرقصة الحالمة التي أهدته اياها امس، ليبتسم بوله تام وهو يتذكر بسمتها الفاتنة تلك التي تفقده صوابه و لمساتها الناعمة حول عنقه، ورأسها الذي توصد صدره مما جعله يخشى ان تفضحه ضـ.ـر.بات قلبه وتصرح بِعشقه الدفين لها، تنهد بِعمقٍ عنـ.ـد.ما داعبت انفه رائحتها المسكرة التي تسكر كافة حواسه لتتسع بسمته أكثر وهو يرفع مقدmة قميصه الأسود الذي يقسم قسمـ.ـا.ت جسده العريض ويشتم موضع رأسها على صدره باستمتاع تام فهو تعمد أرتداء نفس ملابس أمس لأنها تحمل عبقها آثر قربه المُهلك منها.

تعدت منتصف الليل حين أوصلها تحت بنايتها بذلك الحي الهادئ المعتم بعض الشيء فبعد سهرة حالمة استمتعوا بها كثيرًا، نظر هو لها وقال بنبرة لطيفة للغاية:
هتوحشيني لبكره
ابتسمت هي وردت بتنهيدة حارة:
أنت هتوحشني أكتر يا سُونة
تصبح على خير.

وإن همت بأخذ حقيبتها سحب هو يدها ووضع قبلة على ظهر يدها جعلتها تقطم شفاهها وتغوص بعيناها داخل بُنيتاه وهي تحاول أن تتمالك ذاتها ولا تفعل، ليهمس هو بتلك الكلمة التي يبخل على زوجته بها ويمنحها ببذخ لغيرها:
بحبك يا منار.

زفرت هي ودون أن تعطيه أي فرصة للتفاجئ حتى كانت تطبق بشفاهها على خاصته وتقبله بشغف وبجرأة لأول مرة يحظى بها من أنثى مما جعله مشـ.ـدوه من فعلتها لبعض ثوانٍ قبل أن يبادلها تلك القبلة العاصفة التي دامت لعدة دقائق بينهم . ولكن حين شعرت بيده تتجرأ قليلًا أوقفته وانسحبت بأنفاس لاهثة قائلة بتقطع:
آسفة، مكنش لازم اعمل كده
نفى برأسه وهو يحاول أن يتحكم بثورته وقال بتهدج:
حبيبتي انا عارف انك بتحبيني.

وعمري ما هفهمك غلط
أومأت تؤيد حديثه وقالت بنبرة راجية قبل أن تغادر السيارة بِخطوات مسرعة من شـ.ـدة حرجها:
= وعلشان كده لازم تتصرف يا حسن انا مش قادرة أبعد عنك أكتر من كده.

نظر هو لآثارها بغـ.ـيظ بعدmا أججت هي تلك النيران بجسده ليحل رابطة عنقه وينزع سترته ثم يزفر بغـــضــــب لأبعد حد ويضـ.ـر.ب المقود بقبضة يده عدة ضـ.ـر.بات متتالية قبل أن ينطلق بسيارته بسرعة جنونية عائد لمنزله غافل عن تلك البسمة المتخابثة التي تعلوا وجهها الآن وهي تراقبه خِفية من بعيد.
لا تجازف بالكذب على امرأة تؤمن بقوة إحساسها.
نجيب محفوظ‏.

ظلت تنتظره هي واولادها لعدة ساعات كي يفي بذلك الوعد الذي لم يعيره هو أي أهمية وكأنهم هم أخر أولوياته مما جعلها تشعر بالحنق منه ولكن ليس من اجلها بل من أجل اطفالها الذي لم يبذل أي مجهود ليتقرب منهم أو لتحقيق رغباتهم، كانت تخطوا ذهابًا وايابًا حين
دلف لتوه من باب غرفتهم بِخطوات حثيثة ظنٍ منه انها قد غفت، مما جعله يتحمحم يجلي صوته ويسألها بمزاج عكر:
لسة صاحية ليه؟

أجابته بهدوء عكس ثورة دواخلها وتلك الشكوك التي تعصف بِعقلها و تقترب منه بِخطوات أنثوية ناعمة جمدت نظراته عليها:
اتأخرت اوي يا حسن و قلقتني عليك انا والولاد يظهر انك نسيتنا!
أغمض عينيه بقوة وقال متحجج كعادته:
انا آسف اعذريني انا كنت واعدكم نخرج النهارده بس يامن كان عنده مشكلة وكان لازم اروحله
رفعت رماديتاها له بنظرة طويلة تحاول ان تستشف صدقه وعيناها ترسل له شرارات مشككة:
متأكد، أصل الولاد زعلوا منك...

ابتلع ريقه عنـ.ـد.ما ألتقط تلك النظرة المشككة بعيناها ثم جذبها له قائلًا وهو مازال مُصر على كذبته كي يقنعها:
هراضيهم وهعوضهم عن النهاردة، انا مش بكدب على فكرة و لو مش مصدقاني اتصلي و كلمي يامن هيقولك إني كنت معاه
تنهدت واخبرته بثقة وهي تقاوم احساسها:
مصدقاك يا حسن وعارفة انك عمرك ما بتكدب عليا
تهللت اساريره وحاوط خصرها قائلًا وبُنيتاه القاتمة تهيم بها يتخيلها أنثى آخرى أشعلت غريزته بالفعل:.

طب خلاص بقى بلاش تقفشي
أبتسمت ولكن ببهوت لتسايره، ليتساءل هو بنبرة عابثة:
فين الولاد؟
=زهقوا من الأنتظار و ناموا
هز رأسه وابتلع ريقه ببطء ممـ.ـيـ.ـت وهو يتفرس بها أكثر بعد أن طمئنته فقد كانت ترتدي قميص نوم وردي رقيق للغاية وغير مبهرج ورغم ذلك كان تأثيره مُهلك لرجولته، لترفع رماديتاها الضائعة له حين همس هو:
مسألتنيش النهاردة؟
تناوبت نظراتها بين بُنيتاه وتسألت بعدm فهم:
مش فاهمة؟

أبتلع ريقه بعيون جائعة و قال بِحلق جاف مطالب بسؤالها المعتاد الذي يشعره بحيرتها و ضعفها وهشاشتها التي تفقده عقله وتأجج رغبته بها:
أسأليني بتحبني يا حسن
عقدت حاجبيها مستغربة ولكنها سايرته:
بتحبني يا حسن؟
أومأ لها وسألها سؤال آخر اربكها على الأخير:
هو انتِ إزاي حلوة كده النهاردة؟
أطرقت رأسها بخجل وسألته بعيون حائرة:
النهاردة بس يا حسن
= طول عمرك حلوه.

ليقترب من وجهها و يداعب بيده خصلاتها التي غيرت تسريحاتهم كما أمرها ويقول برضا:
شعرك كده أحلى
أبتسمت برضا كونه أثنى عليها على غير عادته واستندت بكفوفها على صدره المعضل تتفقد ذلك النابض وتأثيرها عليه وهمست بين شفاه المنفرجة من شـ.ـدة رغبته:
عاجبك بجد يا حسن؟
لم يجيبها بل فضل ان يعطيها الجواب كما أراد كي يطفئ تلك النيران المستعرة بداخله بفضل الآخرى.

مكالمة هاتفية اخبروه بها أنه يتوجب عليه الحضور إلى أحد فروع سلسلة مطاعم الراوي بالأسكندرية، وما ان استعد هدر قائلًا:
أنا لازم أمشي يا أمي أشوف وشك بخير
لترد ثريا بِقلق:
يا ابني الله يخليك متخلي حد تاني هو اللي يسافر بدالك انا قلبي بيوجـ.ـعني وانت بعيد عني
أبتسم بِبشاشته المعهودة وأخبرها بود:
مينفعش يا أمي أنتِ عارفة لازم اباشر كل حاجة بنفسي
اومأت له بتفهم واسترسلت:
قولت ل نادين على موضوع السفر ده.

= لأ أبقي قوليلها أنتِ وعلشان خاطري يا ماما خلي بالك منها وبلاش تزعليها
هزت رأسها بقلة حيلة بينما الأخرى تشـ.ـدقت بنزق ما ان خرجت من غرفتها والتقطت حديثه:
محدش يعرف يزعلني متخافش ده انا ازعل بلد
رمقها بِحدة بينما ثريا قالت قبل أن تتوجه لغرفتها:
ربنا ما يجيب زعل يا بـ.ـنتي...
لتربت على كتفه وتستأنف بحنو:
تروح وترجع بألف سلامة يا ابني
أبتسم لها يامن وقبل هامتها وإن غادرت قال بنبرة حادة صارمة:.

مش هتبطلي اسلوبك ده؟
نفت برأسها و ابتسمت تلك البسمة المهلكة خاصتها التي تجعل القديس يرتكب من أجلها أبشع الخطايا، ثم أقتربت منه وتعلقت بعنقه قائلة بِمكر أنثوي لا يضاهيها أحد به:
انا سمعتك وانت بتوصيها عليا وقولت أطمنك مش اكتر
أبتسم على طريقتها الملتوية وكيف بإمكانها أن تحول الدفة لها بكل ذكاء ليقول بنبرة آمرة:
مش عايز مشاكل مع ماما...؟
أومأت له في طاعة وهمست:.

حاضر، تحب أسمعلك التعليمـ.ـا.ت التانية وأوفر عليك
تنهد في عمق وأخبرها وهو يمرر يده بِخصلاتها الفحمية الطويلة بِحنان:
يارب تعملي بيها ومجيش ألقيكِ عاملة مصـ يـ بـةزي كل مرة
هزت رأسها في طاعة يعشقها منها ليسألها بلطف:
تحبي اجبلك حاجة من اسكندرية
هزت رأسها بنعم واخبرته بإشتهاء:
ايوة نفسي في أم الخلول
قهقه هو بقوة وعقب بملامح منكمشة مستغربة:
انا مش عارف ازاي بتحبيها بس حاضر هجبلك.

ليقبل جبينها ويحمل حقيبته وإن كاد يغادر هتفت هي بِبسمتها المعهودة:
لا إله إلا الله
= سيدنا محمد رسول الله
قالها بِنبرة حالمة وهو ينظر لها وكأنه يريد نقش ملامح وجهها وتلك البسمة على جدار قلبه قبل مغادرته، بينما هي بعدmا ابتعد عن انظارها وغادر بالفعل وئدت تلك البسمة التي كانت تجيدها وقد لمعت عيناها بمكر لا مثيل له.

اتفضلي يا مرات بابا عملتلك كوباية عصير انما ايه هتعجبك اوي
قالتها نادين وهي تجلس بجوار ثريا التي كانت تشاهد أحد البرامج بالتلفاز بانتباه شـ.ـديد، عقدت ثريا حاجبيها و سألتها باستغراب:
ده من امتى الرضا ده يا بـ.ـنتي
ابتسمت هي وأجابتها ببراءة مصطنعة:
ابدًا أصلا يامن وصاني عليكِ ومش عايزة ازعله مني
تهللت أسارير ثريا وربتت على يدها بحنو داعية بنبرة صادقة:
ربنا مايجيب زعل ابدًا يا بـ.ـنتي ويهديكم لبعض.

= يارب، ياريت بقى متكسفنيش وتشربي العصير
قالتها وهي تمد يدها بالكوب، لتتناوله منه ثريا وترتشف منه بعد أن شكرتها واستأنفت متابعة برنامجها بينما هي ألتمع سواد عيناها بمكر لا مثيل له ما إن وجدت ثريا تغفى بموضعها بعد عدة دقائق، لتنهض وتزفر براحة وتنظر لها نظرة متشفية لأبعد حد قائلة:
ابقى سلميلي بقى على تعليمـ.ـا.ت أبنك يا مرات بابا.

أصطحبها بِجولة عشق هوجاء أطاح بها عقلها وقلبها والأنكى جسدها ؛فكان متلهف تلك المرة عن غيرها، مُتطلب لا يكتفي، يحثها على الجموح والخروج عن المألوف ومبادلته بجرأة أكثر ولكنها لم تستطع تعدي حاجز خجلها وتحفظها التي تعودت عليه، ربما هو يطلب أمور مباحة لهم و تستهويه بشـ.ـدة ولكن هي تقسم انها تعجز عنها وحياءها يمنعها ولذلك تبرر دائمًا لنفسها أنه يصل لنشوته بالأخير دون أن تتكبد هي عناء المحاولة أو التخلي عن حياءها، تنهدت في عمق وهي تعبث بخصلاته الفحمية كما يفضل أثناء نومه وظلت تتمعن بِملامحه الرجولية بعيون تفيض عشقًا، لتقترب بِحرص من وجهه تتحسس تلك الملامح الحادة بِجاذبيتها فهو ذو بشرة سمراء فاتحة وفك عريض وعيون بُنية قاتمة هي سبب نكبتها، اغمضت عيناها في ضيق عنـ.ـد.ما راودتها تلك الشكوك مرة أخرى لتجاهدها بِصعوبة، فقلبها اللين يخبرها أنه لن يستبدلها بنساء الأرض ربما تلك الشكوك واهية والعطب داخل رأسها وعند تلك الفكرة تنهدت بأرتياح و وضعت قبلة عميقة أعلى فكه ثم دست نفسها بأحضانه وكأنها تهرب من شكوكها غافلة كون تلك الشكوك جميعها بِمحلها.

أما بداخل تلك الشقة المنعزلة التي يجتمعون بها
رفعت هي كأسها التي لم تعلم عدده إلى الآن وتجرعته دفعة واحدة ثم استندت على ظهر الأريكة دون اي ردة فعل عيناها مثبتة على السقف بشكلٍ مريب مما دفع أحدهم ان يسألها بِقلق:
ميرال انتِ كويسة اوعي تكونِ أ?ورتي في الشرب زي كل مرة
ابتسمت ساخرة من اهتمامهم الواهي وهدرت بعدm اتزان:
والله امنية حياتي أخلص من نفسي بس اعمل ايه لسة في عمري بقية وقاعدة على قلبكم.

لتعقب منه :
يا بـ.ـنتي بعد الشر عليكِ
= شر، هو المـ.ـو.ت شر؟
سألت بتيه وكأنها لا تعلم الأجابة، ليرد احدهم ساخرًا:
منعرفش اصلنا ما مـ.ـو.تناش قبل كده
قهقهوا جميعهم بينما زفرت هي ولوحت بيدها بلا مبالاه ونهضت كي تغادر بخطوات متعثرة مما جعل منه تصحبها قائلة:
انا هوصلك...

اومـ.ـا.ت لها بِضعف واستندت عليها إلى أن وصلوا لسيارتها تحايلت منه أن تقودها هي ولكنها اعترضت بشـ.ـدة وأصرت وما ان انطلقت بالسيارة تجمدت منه بمقعدها وظلت ترجوها بذعر:
ميرال، هدي السُرعة، اهدي يا ميرال ووقفي العربية انا هسوق
بينما الآخرى لم تستمع لها بل كانت تعاند وتزيد سُرعتها
كفاية، وقفي العربية يا ميرال هتمـ.ـو.تينا.

ومع الكثير من ألحاحها ضغطت ميرال مكابح السيارة بقوة كي توقفها ودون أي مقدmـ.ـا.ت كانت تجهش ببكاء مرير جعل منه تقسم ان اصابها الجنون لا محالة، ربتت على ساقيها وسألتها بقلق:
أيه اللي حصل يا مـ.ـجـ.ـنو.نة
نفت ميرال برأسها هدرت من بين شهقاتها:
انزلي...
أصرت منه :
لأ مش هسيبك لوحدك انتِ غـ.ـبـ.ـية وممكن تعملي في نفسك حاجة وانتِ بالحالة دي
ابتسمت ميرال بسمة باهتة لأبعد حد وكأنها فقدت كل شغف الحياة وأجابتها بِنبرة متهكمة:.

خايفة عليا اوي ما انتِ سبتيني زيهم وبقيتي علطول واخدة صف نادين
= انا مش واخدة صفها بس انتِ ظلماها نادين ملهاش علاقة ب طارق ولا بالكلام اللي وصله هي ملهاش مصلحة علشان تفرقكم عن بعض واظن انتِ شوفتِ بعنيكِ خطيبها بيحبها اد أيه
نفت ميرال وصرخت بها:
عرفت تضحك على الكل بس انا الوحيدة اللي فهماها...
زفرت منه بِضيق وهمهمت بمواساة:
فوقي بقى يا ميرال وشيلي الأوهام دي من راسك...
لتصرخ بإنفعال:.

مش اوهام انا مش مـ.ـجـ.ـنو.نة هي اللي فضحت كل حاجة و بوظت حياتي وخليته يسبني
زفرت منه بقوة واخبرتها بوضوح:
هو كان هيسيبك كده او كده انتوا الاتنين كنتوا ضايعين مع بعض، وبعدين دي غلطتك من الأول كان لازم تصارحيه بعلاقتك ب إسلام من الأول
تنهدت ميرال بحرقة جثت على صدرها و غمغمت بقهر وهي تنطق:
كُنت خايفة يسبني ويبعد عني لما يعرف إني كان ليا تجارب قبله.

لتبتسم بسمة متألــمة وبعيون غائمة وتستأنف وهي تتذكر تخلي الجميع عنها:
كُنت خايفة يسبني زي ما كل اللي حبتهم سابوني واتخلوا عني، عارفة انا يمكن أكون أسوء حد في الدنيا بس مستهلش ابقى لوحدي
تعاطفت منه معها بشكل بَين وربتت على يدها تحاول أن تواسيها:
انا عارفة انتِ مريتي بأيه وصدقيني انا مش بهاجمك
أبتسمت ميرال بسمة متألــمة لابعد حد وقالت بنبرة منكـ.ـسرة:.

أنا عارفة إن كل كلمة اتقالت عليا صح وعارفة إنكم شايفني واحدة منفلتة عديمة الرباية كل يوم بتصاحب واحد شكل بس اللي محدش يعرفه إني بدور على حد يعوضني عن حنية أهلي واهتمامهم يعوضني عن ابويا اللي الشغل خده مني ومعندوش وقت ليا ولو عنده هيديه لمـ.ـر.اته اللي يدوب اكبر مني بسنة أو اتنين، أو يعوضني عن أمي اللي رمتني واتنازلت عني في سبيل انها تعيش مع راجـ.ـل تاني وتأسس اسرة من اول وجديد ونست أنها خلفتني اساسًا.

لتتنهد بعمق وتسترسل بأسى:
عارفة انا لما قابلت طارق قولت هبدأ بداية جديدة بعد ما حسيت انه شبهي في كل حاجة حياتي زي حياته محسسنيش إني ضايعة زي الكل بالعكس ده كان متقبلني زي ما انا لتشهق بحرقة وتستأنف بضياع من بين دmعاتها:
انا كل ما ربنا يبعتلي حد أقول بعته علشان يعوضني بيه عن حنية اهلي وخــــوفهم عليا ألاقي نفسي غلطانة وبيطلع زيهم ويسبني
لتواسيها منة :.

صدقيني يا ميرال ده مكنش حب ده وهم مش اكتر، ولو فعلًا كان بيحبك كان سمعك وعطاكِ فرصة تدافعي عن نفسك
تنهدت ميرال ولملمت شتات نفسها قائلة بنبرة تقطر بالوعيد:
مش هاممني رجوعه ليا انا اتعودت على الخسارة بس كل اللي هاممني إني اكشف نادين على حقيقتها قدام الكل.

استعارت ذلك المفتاح القديم من درج مكتبه الذي لم يعطيه اهمية يومٍ ثم تسللت خفية إلى الباب الخلفي للمنزل بعدmا تأكدت أن الحارس بِموضعه الذي لا يغادره أمام البوابة الرئيسية ثم بكل حرص ازالت تلك النباتات العالقة و دست المفتاح بذلك الباب الحديدي الذي تأكله الصدأ وفي غضون ثوانٍ كانت تفر هاربة ولم يلحظها أحد، وبعد عدة خطوات واسعة منها وجدته هناك ينتظرها داخل سيارته الفارهة، صعدت بِجانبه وهي ترفع حاجبها بفخر لنجاح مخططها بينما هو قال بأنبهار وهو ينفث دخان سيجارته:.

برافو عليكِ يا نادو كنت عارف انك مش هتغلبي ابدًا
= عيب عليك دا انا نادين الراوي...
قهقه هو على غــــرورها المعتاد وسألها:
حطيتلها كام حباية؟
رفعت اصبعين امام وجهه وهي تكبت ضحكتها، ليلعنها هو:
الله يخرب بيتك، اوعي تروح فيها كان كفاية واحدة بس هتعمل الواجب
نفت بِرأسها وتشردقت بنبرة حاقده:
مش خسارة في طيبة قلبها، لتستأنف بِحماس غير عادي وهي تسحب من بين أنامله تلك السيجارة الغير بريئة بالمرة وتدسها بين شفاهها:.

طب يلا أطلع بالعربية قبل ما حد يشوفنا وياريت توديني مكان بعيد ميكنش زحمة احنا مش ناقصين جُرص
أبتسم وأخبرها بغمزه من عينه العابثة وهو يشرع بالقيادة:
انتِ تأمري و طارق ينفذ يا نادو...
من يشعر برغبة لا تُقاوم في الإنطـ.ـلا.ق بقوة، لا يُمكنه أبداً أن يرضى بالزحف!
هيلين كيلر.

تعدت منتصف الليل عنـ.ـد.ما وقفت أمام بوابة القصر التي تقطن به مع والدها وزوجته، فظلت تنتظر من الحارس أن يخرج لها ويفتح تلك البوابة اللعينة التي تعيقها عن الدخول ولكن دون جدوى مما جعلها تزفر بنفاذ صبر وتهمم بعدm اتزان:
هو يوم باين من اوله شكلها هي اللي أمرت يقفلوا البوابة.

لتقتد فيروزاتها بغـ.ـيظ فلا أحد سوف يمنعها من ان تدخل لمنزلها حتى وإن كانت تلك الخبيثة زوجة أبيها تراجعت مسافة ليست ببعيدة ودون أي تركيز كانت تزيد من سرعتها وتتقدm تخترق البوابة الحديدية بسرعة جنونية أدت لتحطيم مقدmة السيارة بالكامل وارتدادها بقوة داخلها وتأذي جبهتها أثر ارتطامها بعجلة القيادة.

أحدث الاصطدام جلبة قوية مما جعل كل من بالقصر يهرولون خارجه لاكتشاف ما حدث واولهم زوجة والدها التي هتفت بترقب:
ميرال انتِ كويسة...
هزت رأسها وهي تدلى من السيارة بخطوات مترنحة وقالت بنبرة غير متزنة بالمرة وهي تتحسس جـ.ـر.ح جبهتها:
أنا تمام...

لتضحك ساخرة وهي تتطلع لذلك الحارس الذي خرج لتوه مطرق الرأس وكأنه ينتظر توبيخها ولكنها لن تفعل فهي تعلم أنه مجبور على تنفيذ أوامر الآخرى، لتتنهد و تحول نظراتها تشاهد فداحة فعلتها وتستأنف:
بس العربية مش تمام خالص
ربعت زوجة أبيها يدها على صدرها وقالت بنبرة مشككة وهي ترمقها شذرًا:
أنتِ كمان سـ.ـكـ.ـر.انة
هزت ميرال رأسها وأجابتها بلامبالاة كي تقطع الشك باليقين ولا تدع لها مجال للنقاش:.

ايوة سـ.ـكـ.ـر.انة، ممكن بقى تسبيني اطلع انام علشان مش شايفة قدامي
ردت دعاء زوجة أبيها متهكمة:
يعني مش كفاية راجعة بعد نص الليل لأ وكمان سـ.ـكـ.ـر.انة وقلقتي كل اللي في القصر، ومش عايزة حد يكلمك ده أيه جبروتك ده يا ميرال انا اول ما يوصل باباكِ من السفر هقوله ومش هسكت.

تنهدت ميرال ولوحت بيدها بلامبالاة فأخر ما ينقصها أن تتجادل معها وخاصةً كونها تعلم نواياها وتعلم مسبقًا أن أبيها دون شيء سيقف بصف زوجته ويأخذ موقف ضدها ككل مرة ولكن لا يهم هي تعودت على ذلك واصبحت تتعامل مع الجميع بلا مبالاه لا مثيل لها
لتقول قبل أن تدلف للداخل تحت نظرات دعاء المغتاظة:
بلاش تطلعي عقدك على الحارس بعد ما أطلع، تصبحي على خير.

زفرت دعاء بغـ.ـيظ وهي تنظر لآثارها بينما بينها وبين ذاتها قد قررت أنها لن تصمت وسوف تخبر زوجها بكل شيء حين عودته في صباح الغد.

أما هي فقد استيقظت على صوت هاتفها المزعج الذي لن يكف عن الرنين لتتناوله بتأفأف وترد بِنبرة ناعسة:
الو
= نادين مش بتردي انتِ وماما ليه قلقت عليكم!
هدر بها يامن من الطرف الآخر، لتنتفض من فراشها وتتلعثم بعيون زائغة:
ها، انا، كُنت نايمة
= طب و ماما فين؟
لطـ.ـمـ.ـت خدها بخفة وهي تتذكر فعلتها بلأمس لتماطل و تركض لغرفة ثريا كي تطمئن ان لم يصيبها مكروه، لتزفر براحة ما إن وجدتها تجلس تؤدي فرضها
نادين روحتي فين؟

= ها انا معاك، اطمن هي كويسة بس كانت بتصلي
طيب الحمد لله سلميلي عليها، و خلي بالك من نفسك وانا احتمال كبير أجي النهاردة بليل
قلبت عيناها ساخطة ولكنها أجابته بوداعة:
توصل بالسلامة
لتغلق معه وترتمي على الأريكة تحاول ان تتنفس براحة أكبر ولكن صوت ثريا أجفلها ما انتهت من أداء فرضها:
معرفش مالي يا بـ.ـنتي كابس عليا ابو كابوس ليه ده انا قومت بالعافـ.ـية وعندي صداع هيفرتك دmاغي.

أهتزت نظراتها قليلًا وهي تشعر بشيء من تقريع الضمير وقالت بنبرة مهزوزة:
لو تعبانة، أرتاحي
نفت ثريا برأسها وأخبرتها بطيبة:
لا يا بـ.ـنتي هاخد حباية مسكن وهبقى كويسة
هزت رأسها وكأنها تؤيدها وتطرد ذلك الشعور الذي بدأ يعتريها حين قالت:
ايوة اكيد هتبقي أحسن ومش هيحصلك حاجة
أقتربت منها ثريا وربتت على ظهرها قائلة في حنان بعدmا اسعدها اهتمامها:
ربنا يخليكِ ليا يا بـ.ـنتي ويحفظك من كل شر.

لوهلة تجمدت نظراتها على وجه ثريا حين شعرت بتلك الدعوة الصادقة نفذت لصميم قلبها ولكنها فرت بقولها:
انا هدخل أوضتي أذاكر شوية، أصل يامن هيجي بليل وعايزة أقعد معاه
أبتسمت ثريا داعية بحنو:
ربنا ما يحرمكم من بعض ابدًا يا بـ.ـنتي، اعملي اللي يريحك أنا هحضرلك الفطار ولو بقيت أحسن هروح أزور رهف ومش هتأخر ساعة وراجعة
هزت نادين رأسها وتوجهت لغرفتها وهي تلعن ذلك الشعور الذي بدأ يعتريها ويهدد ثباتها.

بعد بعض الوقت تمددت على فراشها بعد تفكير مضني بشأن فعلتها و لكنها شعرت براحة غريبة عنـ.ـد.ما هيئ لها شيطانها وبرر لعقلها أنها لم تخطئ فلولا تحكمـ.ـا.ت أبنها لم تكن تضطر لذلك، نفضت افكارها بعيدًا وقررت ان تسترجع أحداث أمس ليعتلي ثغرها بسمة حالمة عنـ.ـد.ما تذكرت كم كانت ليلة مميزة بكل المقاييس لم تحظى بمثلها ابدًا إلا عند سفره
انتشلها من شرودها رنين هاتفها التي ألتقطته وأجابت بصوتٍ خافت للغاية:.

والنعمة انت مـ.ـجـ.ـنو.ن قولتلك متتصلش بيا انت، افرض يامن جنبي ولا أمه انت عايز توديني في داهية
أتاها الرد من الطرف الآخر:
أنا عارف إنه لسه مرجعش واعمل ايه حشـ.ـتـ.ـيني و 
= وحشتك ازاي وانا لسه سيباك من كام ساعة يا طارق انت هتستهبل
أنتِ بتوحشيني وأنتِ معايا يا نادو
تنهدت بعمق وبسمتها تكاد تشق وجهها ليستأنف هو:
هشوفك النهاردة كمان
تلاشت بسمتها وأخبرته بِضيق:
لأ، يامن راجع النهاردة.

لم يصلها رده فقط صوت انفاسه الغاضبة لتهمهم هي:
بس ممكن أشوفك بكرة في الجامعة
= لأ مش هاجي، و يلا سلام
قالها بحده مبالغ بها قبل أن يغلق الخط مما جعلها تستشيط غـ.ـيظًا بسبب سيرة ذلك ال يامن الذي عكر صفوهم.

أما عند صاحب البنيتان القاتمة فكان يكاد يجن عنـ.ـد.ما لم تحضر منار اليوم للعمل، حاول محادثتها ربما للمرة المائة ولكن دون جدوى فهاتفها مغلق ولم يتمكن من التواصل معها بأي شكل مماجعله في حالة مزاجية يصعب وصفها فقد دلف لمنزله في المساء بوجه متجهم للغاية ليجدها تستقبله كعادتها في أبهى صورها بذلك القميص الأسود الطويل الذي يناسبها تمامًا ويمنحها جاذبية خاصة بها
حمد الله على السلامة يا حسن.

قالتها رهف بنعومة وببسمة هادئة بينما هو هز رأسه و أجابها بإقتضاب:
فين الولاد؟
أحتل الحـ.ـز.ن عيناها عنـ.ـد.ما لم يعيرها أي اهمية حتى انه لم ينظر لها مما جعلها توضح بهدوء:
خالتو ثريا كانت هنا وشبطوا فيها وبصراحة قولت اريحك من دوشتهم أكيد جاي تعبان ومحتاج ترتاح
زفر بقوة واستطرد قائلًا:
وليه مأخدتيش اذني...
= مش مستاهلة يا حسن ده البيت جنب البيت وهما مش عند حد غريب.

يعني ايه مش مستهلة هو أنتِ متجوزة كيس جوافة، تتفضلي تنزلي تجبيهم
= حاضر يا حسن الموضوع مش مستاهل، انا هغديك الأول وأنزل اجيبهم
صرخ بها بعصبية غير مبررة بالمرة:
دلوقتي ومش عايز أطفح انا أكلت في الشغل
كانت تسايره لأبعد حد لكن عصبيته الغير مبررة معها استفزتها و.جـ.ـعلتها تخرج عن هدوئها وثباتها المعتاد:
أنت متعصب عليا ليه؟
انا مش شايفة أن الموضوع يستاهل دي خالتك مش حد غريب.

زفر بقوة و نزع سترته وقذفها بالأرض وقال بسخط أحـ.ـز.نها:
المشكلة مش انهم مع خالتي، المشكلة فيكِ يا هانم مبت عـ.ـر.فيش تتصرفي في اي حاجة في حياتك لوحدك ويوم ما تفكري تشغلي عقلك، لغيتي وجودي ونزلتي الولاد من غير اذني
بررت هي بتلقائية:
انا عمري ما لغيتك بالعكس أنا مبعرفش اخد أي خطوة غير بعلمك وعمري ما عارضتك
تأفأف هو وهدر بنفاذ صبر وهو يتوجه لغرفته:.

انا عارف ان مفيش فايدة من الكلام معاكِ و أنا اصلًا مصدع ومش فايق فياريت تنزلي تجيبي الولاد وتقصري
ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يدلف للغرفة تركها خلفه تنظر لآثاره بِضيق شـ.ـديد ورغبة مُلحة في البكاء تكاد تسيطر عليها ولكنها تمالكت ذاتها ونهضت كي تجلب أطفالها كما أخبرها تجنبًا لتفاقم غـــضــــبه.

جلست تطعمهم بِحنان شـ.ـديد وتقص عليهم أحد قصص الأطفال القديمة في حين هم كانوا يقهقهون تارة ويصـ.ـر.خون تارة آخرى من شـ.ـدة حماسهم، شردت لوهلة بوجههم البريئة وكم تمنت ان ترى أبناء ولدها في المستقبل لتتنهد في عمق وهي تدعوا من تصميم قلبها:
ربنا يريح قلبك يا ابني ويهديهالك ويوعدك بالذرية الصالحة
عشم ابليس في الجنة
قالتها نادين بسرها ما أن استمعت لدعوتها، وهدرت بعدها حانقة من ضوضائهم وتلك الجلبة التي يحدثوها:.

= اففففف بقى تنفع الدوشة دي
ردت ثريا :
معلش يا بـ.ـنتي دول عيال حسن ابن اختي شبطو فيا
= وانا ذنبي ايه إن شاء الله أنا عايزة انام
لترد ثريا وهي تحتضن شيري و شريف الذين كانوا يرشقون نادين بنظرات مهزوزة:
حقك عليا خلاص مش هيعملوا دوشة تاني
لتهتف شيري تلك الطفلة التي لم يتعدى عمرها الست سنوات:
نادين وِحشة وشبه الساحرة الشريرة
ليؤيدها شريف توأمها:
ايوة وِحشة وانا مش بحبها و هقول لعمو يامن كمان مش يحبها.

ربعت يدها وظلت ترشقهم بنظرات متغاظة، بينما
شهقت ثريا و وجهتهم بصرامة:
عيب كده يا حبايبي طنط نادين حلوة، يلا اعتذروا منها
نفوا برأسهم في حين كانت نادين تجز على نواجذها من شـ.ـدة غـ.ـيظها وكادت تصرخ بهم وتعيب بأخلاقهم
لولآ صوت جرس الباب التي ركضت إليه شيري وفتحته هاتفة:
مامي
= اهلًا يا بـ.ـنتي اتفضلي
قالتها ثريا بود ل رهف التي جاءت لتوها لتجيبها رهف :
أنا جاية أخد الاولاد يا خالتو واسفة اني تعبتك.

هما لحقوا يا بـ.ـنتي كنت سبيهم لبليل
= معلش أصل حسن مش بيعرف ياكل غير معاهم
قالتها بضيق وهي تلعن ذاتها لكذبها على تلك السيدة الحنون، لاحظت ثريا تـ.ـو.ترها وفركها ليدها لتسألها بِقلق:
أنتِ كويسة يا بـ.ـنتي
أومـ.ـا.ت في ضعف، لتتنهد ثريا وتربت
على كتفها وسحبتها من يدها كي تجلسها ولكن نادين باغتتهم بِعجرفة كعادتها:.

بتقولك جوزها عايزهم ما تسبيها تروح وتاخد جوز القرود دول معاها وتخلصنا، دي حتى شكلها مكسوفة تقولك أن ابن اختك مش مأمن على عياله عندك
نفت رهف برأسها وكادت تدافع عنه كعادتها ولكن سبقتها ثريا :
متدخليش يا نادين وروحي كملي نومك
رفعت حاجبيها بِغـ.ـيظ وردت كي تستفزها:
النوم راح خلاص بفضل القرود بتوعكم، لتوجه حديثها ل رهف بنزق:
بالله عليكِ ابقي ربي عيالك علشان قرفوني.

لتنهض رهف وتقول بدفاع قوي و بشراسة أم لن تظهر سوى من أجل ابنائها:
انا ولادي متربين احسن تربية ولو سمحتِ التزمي حدودك معايا انا مش مجبرة اتحمل قلة ذوقك، عن اذنك يا طنط
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تأخذ اولادها وتغادر تاركة ثريا تنظر ل نادين بنظرات معاتبة لأبعد حد
ولكن هي لم تكترث بل لوحت بيدها ودخلت غرفتها واغلقت بابها دون اي لباقة في وجهها.

في المساء جلسوا ثلاثتهم على طاولة الطعام يتناولون العشاء فقدظل يمرر نظراته بين والدته الصامتة وتلك التي تدعي انشغالها بأكل ذلك المحار الفريد الذي جلبه لها، انتظر ان يبادر احد بالحديث ولكن دون جدوى مما جعله يتيقن أنهم اختلفوا من جديد ليسأل بهدوء:
خيرررررر ايه حصل احكولي كُلي أذان صاغية
زفرت هي بضيق بينما ردت ثريا بِعقلانية:
محصلش حاجة يا حبيبي احنا زي الفل أهو
= مش باين!

قالها بتوجس وهو ينظر ل نادين
لتستأنف ثريا كي تلهيه عن خلافهم:
خلاص بقى قولتلك مفيش حاجة ويلا احكيلي انت عملت ايه في مطعمك
حانت من نادين بسمة هازئة عنـ.ـد.ما استمعت لسؤالها التي عدلته هي بِعجرفة:
= قصدك مطعمي يا مرات بابا، متنسيش أنو بس بيدير أملاكي بصفة مؤقتة
وانتِ وهو أيه يا بـ.ـنتي ما هو جوزك
ارتفع حاجبيها وقالت بغــــرور وثقة لا مثيل لها:.

على الورق وبس ومش كل شوية لازم افكركم ان القرار بإيدي ومحدش هيعرف يجبرني على حاجة
تناوبت ثريا النظرات بينهم تنتظر منه أن يتفوه بشيء ولكن هو كان يشعر ببركان ثائر برأسه من تمردها التي لن تكف عنه فما كان منه غير صراخه بها:
= نادين كفاية كده وقومي نامي اكيد عندك جامعة الصبح
انتفخت أوداجها وصاحت بعناد:
وإن مقومتش يا يامن هتعمل ايه؟
= متقوميش يا نادين هقوم انا، تصبحوا على خير.

قالها بنفاذ صبر قبل ان تشتد نوبة غـــضــــبه أكثر فهو يقسم انها لو فتحت فمها بكلمة آخرى سيفقد لجام نفسه.

كانت تجلس منفردة كعادتها بغرفتها، ممددة في فراشها دون حراك فقط شاردة بسقف غرفتها حين انتشلها طرقات منتظمة على باب غرفتها لتعتدل وتأذن للطارق إذا بالخادmة تخبرها:
البيه وصل من السفر و عايز حضرتك تحت.

هزت رأسها بطاعة ثم أشرت للخادmة لتنصرف وهي تلعن حياتها فمن المؤكد أن زوجة أبيها أخبرته بما حدث ويريد ان يوبخها كعادته، زفرت بِضيق شـ.ـديد ثم استبدلت ملابسها كي توافيه مثلما أخبرتها الخادmة، وما ان وقفت على أعتاب غرفة مكتبه سمعت صوت زوجة ابيها تزيد بالحديث عليها ولكنها لم تبالي ودخلت قائلة بملامح جـ.ـا.مدة دون أي تعبير يذكر:
حمد الله على سلامتك، حضرتك عايزني
أجابها والدها بحدة:.

انا عرفت اللي حصل أمبـ.ـارح ومش عاجبني اللي انتِ عملتيه
تنهدت هي وأخبرته بهدوء وبملامح واهنة:
آسفة...
زفر أبيها أنفاسه دفعة واحدة وعاتبها:
أنا مش معنى إني سايبك براحتك تنبسطي وتعيشي سنك أنك تتمادى كده أنتِ غلطتي ولازم تتحاسبي
حانت منها بسمة باهتة وأخبرته بأحترام:
اللي تشوفه حضرتك
نظر لزوجته يلتقط نظرتها المحفزة له ضدها وهتف قائلًا:.

مفيش خروج بعد كده غير بعلمي ولازم يكون معاكِ السواق، ومفيش سهر بعد كده ولا شرب فاهمة
أجابته بطاعة وهي تقاوم رغبتها بالبكاء كي لا تجعل الآخرى تشمت بها:
حاضر، عن اذنك
لتنصرف هي بخطوات واهنة بينما الأخرى ابتسمت وقالت لزوجها:
ايوة كده يا بيبي لازم تشـ.ـد عليها شوية علشان ما تخرجش عن طوعك زي أمها.

أومأ لها ببسمة باهتة وبضيق شـ.ـديد وهو يتذكر تلك التي هجرته سابقًا وما كان منه غير يؤيد رأي زوجته ويستمع لكل نصائحها التي يظنها تصب في مصلحة أبـ.ـنته.

صباح يومٍ جديد يخبئ بطياته الكثير فقد أوصلها كعادته كل يوم لجامعتها دون أن يتفوه ببـ.ـنت شفة عن ما حدث بالأمس، فقد وئدت تلك اللهفة التي كان يعود بها من أجلها ولكن هي تظل هي لن تتغير
هتفضل ساكت كده كتير؟
رفع عينه لها وقال بهدوء مصتنع يخالف ثورة عقله:
عايزاني اقول ايه بعد اللي قولتيه امبـ.ـارح!
سطع المكر بعيناها وبررت بِثقة:
انا مغلطتش في حاجة، دي الحقيقة اللي انت مش عايز تستوعبها انت ومامتك.

زفر بضيق واشاح بنظره بعيدًا عنها، فهو مل من طريقتها المتعجرفة تلك و من كبح تمردها ولكن الأدهى أنها ظلت تضغط عليه وكأنها تتعمد ان تخرجه عن طوره بقولها:
يوووووووه بلاش تستفزني بسكوتك ده
ضـ.ـر.ب المقود بِقبضته بنفاذ صبر وهدر بإنفعال:
عايزة تسمعي ايه، عايزاني اقولك صح عندك حق، تمام عندك حق، وانا ولا حاجة و وجودي في حياتك ملهوش اي معنى غير على الورق وبس، ارتحتي كده، ردي عليا.

كان يهدر بكل كلمة بنبرة منفعلة وبأعصاب تالفة لم يستطيع التحكم بها أكثر مما جعلها ترد بغــــرور لا مثيل له وحاجبيها تعلو بزهو:
أيوة ارتحت، بس ياريت انت متنساش ده
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تتدلى من سيارته وتسير بطريق جامعتها مما جعله يشعر بخيبة أمل لا مثيل لها فهل يا ترى حان الوقت لكي ييأس منها أَم سيظل يجاهد دائمًا من أجل قلبه ويحاول ترويدها.

جلست داخل المدرج الخاص بِمحاضرتها ليباغتها هو بجلوسه بجانبها وقوله بجانب اذنها:
يخربيت حلاوتك، حشـ.ـتـ.ـيني و 
ابتسمت بغــــرور وارتفع حاجبيها بمكر وسألته بعتاب طفيف:
مش قولت مش جاي
= مقدرتش افوت الفرصة ومشوفكيش يا نادو
قالها بغمزة من عينه العابثة وهو يسحب يدها خِفية ويضغط عليها، لتنتفض هي وتسحبها منه وتوبخه بهمس شرس:
هتفضحنا الله يخربيتك ابعد، المحاضرة هتبتدي
هز رأسه بتفهم ونظر أمامه وقال هامسًا:.

ما تيجي نخلع المحاضرة دي علشان محضرلك مفاجأة حلوة
اومأت له بحركة بسيطة والحماس قد تملك منها، غافلة عن تلك التي تراقبهم من بعيد ولاحظت ما يدور بينهم لتمر بين زملائها وتهدر بحدة ما ان وصلت لموضع جلستهم:
ممكن تقعدني جنب نادين
تحمحم ونهض كي تفوت هي:
طيب براحة يا شيخة نغم انا اصلًا كُنت ماشي
لتهبد كُتبها وتجلس توبخها ما ان انتبهت لها:
بتتكلمي مع الزفت ده ليه؟
اجابتها نادين بعيون زائغة:.

= عادي يا نغم كان بيسألني على حاجة
لتعقب نغم بعقلانية:
نادين انا مش برتاح للشاب ده ولا للشلة بتاعته كلها علشان خاطري ابعدي عنهم
لترد نادين بسأم:
يا بـ.ـنتي ارحميني بقى من الاسطوانة دي، وفكك مني، اقولك انا ماشية وهسيبلك المدرج كله سلام
لتهمهم نغم بِنبرة متحسرة على صديقة عمرها:
= ربنا يهديكِ يا نادين ويبعد عنك ولاد الحـ.ـر.ام.

كان يقود سيارته بطريق منزلها مما جعلها تتسأل بتوجس:
ده طريق بيتي انت بتهرج صح
نفى برأسه وقال بغمزه من عينه:
عارف، ومتقلقيش عايزك تثقي فيا
زفرت انفاسها بتـ.ـو.تر عنـ.ـد.ما توقف أمام بناية فاخرة تبتعد بشارع واحد عن موقع منزلها، و دعاها ببسمة واسعة تفيض بالعبث ان تدلى من السيارة بعدmا تدلى هو وفتح بابها:
يلا يا نادو انزلي.

ابتلعت ريقها بحلق جاف وهي تشرأب برأسها وتتناوب نظراتها بينه وبين البناية بتردد كبير وخاصةً عنـ.ـد.ما حاول هو طمئنتها:
أنتِ بتثقي فيا مش كده، متخافيش انا...
تنهدت كي تحفز ذاتها وقاطعته بثقة وبغــــرور كعادتها وهي تتدلى من السيارة:
انا بثق في نفسي أكتر يا طارق متخلقش اللي يغـ.ـصـ.ـبني على حاجة انا مش عايزاها.

لمع سواد عينه بعبث ماكر و بسط يده كي تتقدm بخطواتها لتبتسم هي بِغــــرور وتسير أمامه بخطى واثقة رغم التـ.ـو.تر الذي يعتري دواخلها وشعورها أن ما تفعله خطأ لا محالة ولكن شيطانها برر لها وأدعى براءة خطيئتها فهل ياترى يوجد خطايا بريئة كما يدعون أبطالنا، لا أظن ذلك ولكن دعونا نمهلهم الوقت الكافي لكي يستوعبون بأنفسهم.
التدقيق في أتفه التصرفات قد يهوي بك إلى الجنون , لذا تغافل مره وتغابى مرتان.
وليم شكسبير.

جلست على طاولة الطعام دون ان تنبس ببـ.ـنت شفة فقط تعبث بطبقها دون ان تمسسه، اجفلها سؤال والدها ما ان جلس بِجوارها:
ما روحتيش الجامعة ليه معندكيش محاضرات ولا ايه؟
رفعت فيروزتها له وأخبرنه بإقتضاب وبملامح واجمة:
مش عايزة مليش مزاج ومتفقة مع منه هقابلها في النادي
تنهد فاضل بعدmا أزعجه بهوتها وأخبرها بحنو وهو يربت على يدها الآخرى المسنودة على الطاولة:.

متزعليش مني إني اتعصبت عليكِ انا عايز مصلحتك وخايف عليكِ يا ميرال أنتِ بـ.ـنتي الوحيدة وحالك مش عاجبني
حانت منها بسمة هازئة وأخبرته وهي تستند بأريحية أكثر على مقعدها وتربع يدها:
بأمارة أيه يا بابي!
جعد أبيها حاجبيه وسألها بعدm فهم:
يعني ايه؟
أجابته بتهكم تقصدته:
تعرف ايه عني وعن حياتي تعرف أيه عن اللي بيريحني وفعلًا في مصلحتي...
أجابها والدها بنفاذ صبر وهو ينظر بساعة يده:.

حبيبتي ممكن نأجل الكلام ده لبعدين أنا متأخر
هزت رأسها ببسمة متألــمة وأضافت بإحتياج شـ.ـديد:
على فكرة انا اهم من شغلك ومن حقي اتكلم معاك، واحس بوجودك في حياتي...
تنهد والدها وبرر ببراءة:
حبيبتي كل اللي بعمله ده ليكِ ولمستقبلك وللأيام الجاية
نفت برأسها بأعصاب تالفة وصاحت بيأس تملك منها:
أنا اللي ليا النهاردة وميهمنيش الأيام الجاية، مش يمكن متجيش و مبقاش موجودة ومفرقش مع حد.

=يالهوي بعد الشر عليكِ ليه بس بتقولي كده ياست البنات!
قالتها مُحبة رئيسة الخدm وهي تدلف لتوها تحضر لها كوب من عصير الأفوكادو التي تفضله
ليؤيدها والدها:
تعالي شوفي الكلام الفارغ ده يا مُحبة وعقليها
لتعقب مُحبة بحنو حقيقي وهي تضع الكوب الذي بيدها على الطاولة:
ربنا يخليكِ ويحفظك بلاش تفولي على نفسك يا ست البنات
تنهدت ميرال وردت:
لو فعلًا زي ما بتقولي يا دادة يسمع كلامي ويعمل اللي يريحني
دافعت مُحبة بِعشم:.

ده أبوكِ يتمنالك الرضا ترضي يا بـ.ـنتي مش كده برضو يا فاضل بيه
هز والدها رأسه يؤيد حديثها وتأهب لابـ.ـنته وهو يحسها بنظراته أن تخبره بما تريد
لتتلعثم هي بنبرة شبه راجية:
انا محتجاك يا بابي ومحتاجة وجودك جنبي، تعالا نسافر أي حتة ونغير جو سوا
تحمحم والدها يجلي صوته وقال بنبرة آسفة:.

حبيبتي أنا مش فاضي حاليًا وكمان دعاء عندها شغل واجتماعات في الجمعية ممكن نأجل الموضوع ده شوية أكون استعديت، بس لو مخـ.ـنـ.ـوقة ومش عايزة تصبري ممكن تاخدي صحابك ودادة مُحبة علشان تاخد بالها منك وتروحي المكان اللي يريحك ومتقلقيش كل مصاريفكم عليا
شعرت بالحـ.ـز.ن كونه لم يقدر إحتياجها وفضل ان يعوضها بطريقته التي يظنها هو كفيلة أن تعوضها عن كل شيء حتى حاجتها له ولأهتمامه.

لتنكس رأسها وتركز نظراتها الحزينة على طبقها مما جعل مُحبة تتطلع ل فاضل بضيق وبعدm رضا وتعاتبه بصوت خفيض للغاية:
ياريت هم الدنيا كله فلوس يا بيه
لم يهتم بتمتمتها بل أشار لها ان تنصرف وبالفعل أنسحبت وعادت للمطبخ لتباشر الخدm تزامنًا مع نزول دعاء زوجة ابيها والقائها تحية الصباح عليهم وجلوسها على طاولة الطعام بجانب ابيهاوهي تسدد له نظرة ذات مغزى التقطه و قال بتعجل وهو ينهض من مقعده ينوي المغادرة:.

كلام أمبـ.ـارح يتنفذ بحذفيره ومش عايز استهتار، عربيتك خدوها تتصلح الصبح تقدري تاخدي أي عربية من الجراچ عم مؤنس عنده ظروف و وأخد أجازة دعاء اتصرفت و جابت واحد ينوب عنه عقبال ما يرجع، هو شاب محترم وانا اتأكدت من هويته بنفسي عايزك تعامليه كويس وانا بلغته بكل المطلوب منه
أومأت له بطاعة دون أي مجادلة وكانها فقدت شغف الحديث من الأساس ليغادر والدها وإن كادت تنهض هي الآخرى كي تغادر باغتتها دعاء ببسمة متشفية:.

برافو يا ميرال لازم تسمعي كلام باباكِ هو عايز مصلحتك
حانت منها بسمة هازئة فتلك ال دعاء قد تعدت حدودها معها وتمادت على الأخير ولابد من ردعها:
اوعي تفتكري إني مش عارفة أنتِ بتحاولي تعملي أيه.

ولأخر مرة بحذرك بلاش تتدخلي بيني وبين بابي، أنا سكوتي ده مش ضعف مني وأنتِ عارفة كده كويس أنا بس بكبر دmاغي و بحاول اتغابى علشان بابي شيفاه مبسوط معاكِ لتنحني منها وتضيف بمغزى جعل نظرات الآخرى تزوغ وتتوجس خِيفة منها:
أنتِ عارفة إني لو حطيتك في دmاغي هتخسري كتير يا دعاء فياريت تبطلي تدخلي في اللي ملكيش فيه.

لتعتدل بوقفتها وتسحب حقيبتها وتخرج تاركة دعاء تستشيط غـــضــــبًا منها فهي تعلم انها ليست هينة ولكن تتغافل ليس أكثر.

تجنن يا طارق
هتفت بها في حماس شـ.ـديد مما جعله يرد بِسعادة:
= عجبتك يا نادو
أومأت برأسها تؤكد ببسمتها المُهلكة تلك التي تأثر القلوب، فحقًا اعجبتها تلك الشقة الواسعة ذات الأثاث العصري الراقي وتلك الألوان الهادئة المحاطة بها، ليستطرد طارق :
الشقة دي هتشهد على حبنا يا نادو
انا جهزت كل ركن فيها وأتمنيت من قلبي انها تعجبك
تنهدت في عمق وقالت وهي تنظر لمحيط المكان:.

بس ليه قريبة من البيت كده انا كنت عايزة ابعد
أجابها بعيون مسبلة وهو يقترب منها بِحرص ويرفع يده يحاول أن يتلمس وجهها:
انا قولت كده احسن علشان نعرف نتقابل براحتنا في اي وقت متاح ليكِ
أزاحت وجهها بعيد عن لمساته ثم أبتعدت عنه عدة خطوات و ضحكت بصخب جعله مشـ.ـدوه ثم تمتمت بغــــرور لا مثيل له:
نتقابل، وهنا، ومين قالك إني هرضى، يظهر أن دmاغك راحت بعيد يا طارق.

قلص المسافة التي صنعتها وتمسك بيدها قائلًا بنبرة يحفها الرجاء:
= نادو أنتِ عارفة إني بحبك ونفسي اتأكد أنك انتِ كمان بتحبيني ومفهاش حاجة لما نتقابل هنا بدل ما بنبقى خايفين حد يشوفنا
حانت منها بسمة ماكرة لأبعد حد وأجابته بدهاء وهي تنفض يده دون أي تهاون:
يبقى بلاها خالص، مش لازم نتقابل من الأساس
زفر بقوة من فعلتها ثم نفى برأسه برفض وقال بتراجع:
لأ مقدرش يا نادو ، ده انتِ بتوحشيني وانا معاكِ.

مررت يدها بخصلاتها وردت بكل غــــرور وبنبرة تقطر بالدهاء:
يبقى متحاولش، وبلاش حركات المراهقين دي معايا وأحترم ذكائي...

أمتعض وجهه وشعر بالضيق الشـ.ـديد من حديثها فلم تجرأ أنثى من قبل على ان تراوغه هكذا وتتجاهل مشاعره لذلك الحد فطالما كان هو من يتجاهل ويسخر واحيانًا يترك، ولكن معها كل شيء مختلف فهي قوية صعبة المنال والأنكى من كل ذلك واثقة حد الجحيم وذلك حقًا ما يآسره بها، نفض أفكاره سريعًاوسألها بترقب شـ.ـديد لعلها تبث به الأمل:
طيب على الأقل قوليلي حقيقة مشاعرك ليا أنتِ عمرك ما قولتيلي انك بتحبيني.

نظرت له نظرة ساحرة جعلته يظن انها ستجيبه وتريح قلبه ولكنها تشـ.ـدقت قائلة وهي تتوجه لباب الشقة:
انا هتأخر، لازم توصلني للجامعة تاني علشان يامن هايجي ياخدني من هناك
زفر بِضيق ومرر يده في خصلاته بعدmا هدmت هي آماله وتجاهلت سؤاله لا والأنكى انها تفوهت بأسم ذلك الغـ.ـبـ.ـي امامه مما جعله يشعر ان قلبه يتأكل من شـ.ـدة غيرته ولكن ماذا يفعل هو ليس بيده شيء سوى الأنتظار ليفوز بها.

وقف ينتظرها أمام الحرم الجامعي بطلته الرجولية المبهرة، يستند على مقدmة سيارته واضع يده بجيب بنطاله ويخفي حبات قهوته بنظارة شمسية عريضة ذادته جاذبية على جاذبيته، زفر بنفاذ صبر وهو يتطلع لساعة يده فقد
تأخرت اليوم على غير عادتها، لمح نغم من بعيد ولوح لها ببسمة هادئة، لتقترب منه بتـ.ـو.تر وهي تضم كُتبها لحـ.ـضـ.ـنها وتهمهم مُرحبة:
اهلًا يا استاذ يامن أزي حضرتك.

= تمام الحمد لله، قوليلي فين نادين اتأخرت ليه كده النهاردة؟
ها، أصل، نادين...
كانت تتلعثم بشكل ملفت جعله يتوجس قائلًا:
حصل حاجة يا نغم؟
نفت برأسها وكادت تخترع له كذبة ملائمة ولكنها حمدت ربها انها وجدت نادين تقترب وتقول بثقة أجادتها:
Sorry
كُنت في المكتبة ومأخدتش بالي من الوقت
زفرت نغم بأرتياح بينما هو أومأ لها بملامح جـ.ـا.مدة دون تعبير يذكر وعرض على نغم مجاملًا:
تعالي هنوصلك
لترد وهي تتناوب النظرات بينهم:.

لأ انا هاخد تاكس
ليصر هو:
انا قولت هنوصلك يلا مش عايز اعتراض متبقيش شبه صاحبتك
لتتذمر نادين :
ومالها صاحبتها مش عاجباك ولا ايه؟
زفر أنفاسه دفعة واحدة وهو ينزع نظارته ورشقها بنظرة حادة قبل أن يصعد للسيارة فأخر ما ينقصه هو الجدال معها مرة آخرى، لتنكزها نغم بذراعها و وبختها بصوت خفيض للغاية:
اتكلمي عدل هو مايقصدش حاجة.

ويلا أمري لله هاجي معاكم إلا تقــ,تــلوا بعض في السكة ليصعدوا للسيارة ايضًا غافلين عن ذلك الذي يتتبعهم بعينه منذ بادئة الأمر بقلب يتأكله من شـ.ـدة غيرته.

استقلت السيارة واغلقت بابها بقوة وأمرت السائق بعصبية مفرطة:
وديني النادي.

أومأ له السائق في طاعة وشرع بالقيادة دون أي حديث فقط صب كافة تركيزه على الطريق تنفيذًا لأوامر رب عمله الصارمة ولكن ماذا يفعل بفضوله الذي جعله يرفع بندقيتاه و يسترق النظرات لها من خلال مرآته الأمامية، لاحظ انها ليست على ما يرام فكانت ملامحها واجمة بشـ.ـدة وتهز قدmيها بتـ.ـو.تر شـ.ـديد أشعره بالريبة ولكنه لم يهتم فما شأنه هو ليعود من جديد ويصب كافة تركيزه على الطريق، بينما هي كانت حالتها ترثى لها تفرك جبينها وكأنها تحاول أن تجاهد شيء ما برأسها فحقا سأمت من تجاهل الجميع لها وشعورها الدائم كونها غير مرغوب بها، زفرت بقوة بعدmا شعرت ان كافة مقاومتها قد ذهبت ادراج الرياح وانها حقًا بحاجة ماسة لوسيلة تنتشلها من ذلك الواقع المرير وتوقف ضجيج رأسها، سحبت حقيبتها بأيدي مرتعشة وظلت تبحث بداخلها بعصبية مفرطة ولكن لم تجد ضالتها لتلعن تحت انفاسها بقوة وتصرخ آمرة:.

لف وارجع، عايزة اروح الدقي
جعد حاجبيه الكثيفين مستغرب وسألها بتوجس:
تحت أمرك، بس هو حضرتك كويسة
وضعت خصلة من شعرها خلف اذنها وهدرت منفعلة وبأعصاب تالفة:
أنت هتحقق معايا ملكش فيه وتسوق وأنت ساكت
زفر انفاسه غاضبًا وقد اشتدت عروق يده الممسكة بعجلة القيادة وتمتم بغـ.ـيظ:
بداية مشرقة بالتفاءل، شكلي مش هعمر في الشغلانة دي زي اللي قبلها...

ألتقطت حديثه وقبل ان تتفوه بشيء كان هو يضغط على مكابح السيارة بقوة و يعود أدراجه محدث فوضى عارمة بالطريق لتصرخ هي به:
انت اتجننت بتعمل ايه؟
أجابها بكـبـــــريـاء وبصوت أجش:
هرجع جنابك للقصر واسلم مفاتيح العربية لوالدك الله الغني عن شغلنتكم
زفرت بقوة وقالت بنبرة شبه راجية كي تلاحق الأمر لكي لا يغـــضــــب ابيها ويمنعها من الخروج كليًا:
اسمع انا مش قصدي انا بس مضايقة و عمري ما اتعصبت على حد بيشتغل معانا.

أعجبه جملتها الآخيرة وشعر انها ليست متعالية كما يظهر عليها ليلتفت لها يطالع تلك الفيروزتان التي تفيض بحـ.ـز.ن بَين جعله يصمت هنيهة قبل ان تهمس هي معتذرة:
أنت شكلك ابن بلد وجدع خلاص بقى
تنهد في عمق وهو يفرك ارنبة انفه وقال بتراجع:
حصل خير يا انسة انا تحت أمرك...
= شكراً.

اومأ لها برحابة وانطلق بها مرة آخرى بينما هي زفرت بإرتياح واستندت على مقعدها تنتظر أن يوصلها لتجلب ذلك الشيء الذي يساعدها على التحكم في ذمام نفسها.

كانت مغتاظة منه ترشقه بنظرات قـ.ـا.تلة وهو يتجاهلها تمامًا وكأنها غير مرئية بالنسبة له وبالطبع لم يعجبها ذلك، فقد كان يتبادل مع نغم الحديث بكل رحابة دون أي انفعال او عصبية بل كانت بسمته تزين وجهه بشكل جعلها دون قصد تتمعن به بطريقة هي ذاتها تجهل المغزى منها
لتقول نغم وهي تشاكسها كي تتبادل معهم اطراف الحديث عوضًا عن سكوتها المقيت ذلك التي لم تتعود عليه:
انتِ ايه رأيك يا نادين ؟
= ها رأي في أيه...؟

لا ده أنتِ مش معانا خالص!
زفرت بنفاذ صبر وهدرت:
نغم اخلصي واتكلمي
أجابتها نغم :
انا قولت لأستاذ يامن انك تقضي اليوم معايا وهو وافق
نظرت له كي يأكد حديثها ولكنه اكتفى بهز رأسه واخبرها بإقتضاب وبملامح جـ.ـا.مدة وهو يركز نظراته على الطريق:
وبالمرة تجيبي المراجع والكُتب علشان أجبلك زيها.

زفرت بغـ.ـيظ وحولت نظراتها لنافذة السيارة كي لا تزيد الوضع سوءٍ فهو يتعمد ان يتجاهل حديثها و يذكرها بقراره السابق ويثبت لها أن سُلطته هي الأقوى رغم كل ما تفوهت به سابقًا.

شعر بالريبة من المكان التي طلبت ان يتوقف به وظل يتسأل بسره لماذا اتت لتلك المنطقة الشعبية التي تخالف تمامًا بيئتها ولماذا أصرت ان ينتظرها بعيدًا، تكاثرت الأسئلة برأسه مما جعله يلعن تحت انفاسه ذلك الفضول اللعين فما شأنه هو أنتشله من شروده صعودها للسيارة وقولها:
تقدر تمشي يا اوسطا.

قالتها وهي تدس ما جلبته بحقيبتها خفية ثم ضمتها لصدرها وكأنها تحوي على سبيل راحتها الوحيد بتلك الحياة وإن كادت تسند ظهرها للخلف وتجلس بأريحية أكثر أجفلها صوته الأجش:
= محمد، قالها وهو يلتفت نصف التفاتة جعلها تنتفض بطريقة استغربها بشـ.ـدة ولكنه كرر موضحًا:
اسمي محمد تقدري تناديني بيه
رمشت عدة مرات ثم هزت رأسها وردت:
انا ميرال فاضل
= اتشرفت بحضرتك يا انسة ميرال تحبي اوصلك فين؟

قالها وهو يعتدل في جلسته ويشعل محرك السيارة، مما جعلها تجيبه بلا أي شغف وبنبرة كئيبة:
رجعني البيت.

لاتعلم لمَ تشعر براحة عارمة بذلك المنزل ربما لأنه يذكرها بأيام طفولتها او ربما لأن نغم هي الشخص الوحيد الذي تبقى على طبيعتها معها وتعود تلك القديمة البريئة التي لا يشغلها شيء
فقد جلست تلاعب خصلة من شعرها الطويل بأناملها وعيناها شاردة بنقطة وهمية بالفراغ لتباغتها نغم متسائلة:
مالك يا نادين بتفكري في أيه؟
تنهدت وأخبرتها بتهكم:
هيكون فأيه يعني أكيد في الحرباية وابنها.

= عيب كده يا نادين ده جوزك وميصحش تقولي على مامته كده
امتعض وجهها وقلدت طريقتها ساخرة:
عيب تقولي على مامته كده، والنبي اتنيلي علشان جبت أخري منه ومن امه
زفرت نغم بلا فائدة من تمرد صديقتها وسألتها من جديد بترقب:
طب مش هتقوليلي كنتِ فين؟
لتتأفأف هي بعصبية:
يووووه بقى يا نغم قولتلك كنت في المكتبة انسي بقى الله يكرمك دmاغي ورمت من أسئلتك مش هيبقى انتِ وهو عليا.

لتتنهد نغم وتربت على ساقيها قائلة في محبة خالصة لها:
خلاص مش هسألك تاني، بس عايزاكِ ت عـ.ـر.في ان يامن بيحبك، أديله فرصة وحاولي تفهميه
أعترضت بعصبية من جديد:
انتِ ليه مش عايزة تفهمي يامن ده لو أخر راجـ.ـل في الدنيا مستحيل أحبه...
= ليه بس والله ده حد كويس اوي!
هزت رأسها بعدm اقتناع وأخبرتها متهكمة:
حد كويس، والذُل اللي بيذله ليا ده تسميه أيه وكبته لحريتي ده اسميه ايه؟

= هو بيعمل كده علشان خايف عليكِ وصدقيني اللي بيحب بيعمل أكتر من كده
نفت برأسها واسترسلت بنبرة مختنقة وكأن صديقتها دون قصد دعمت ذلك البركان الخامل بداخلها للأنفجار:
هو خايف على الفلوس مش عليا، خايف على الثروة العظيمة دي تفلت من تحت ايده
= انتِ بتبصي للأمور من زاوية واحدة يا نادين مش يمكن بيحبك بجد ومش عايزك تبعدي عنه
لوحت بيدها بلا مبالاة وكأن الأمر لا يعنيها وقالت بحنق:.

عمري ما حبيته ولا عمري هنسى انه مفروض عليا، وعمري ما هنسى أن امه كانت السبب في مـ.ـو.ت أمي
تفوهت بأخر جملة وهي تضع يدها على عيناها وجسدها بدأ ينتابه تلك الرجفة المصاحبة لتلك الذكرى المريرة التي تترأى امامها من جديد الآن ولن تقدر على مواجهتها مرة آخرى
أبتلعت نغم غصتها وأقتربت منها بينما هي أنكمشت تحاوط نفسها بذراعيها وصرخت بهستيرية ودmعاتها تدفق كالحمم تحرق قلبها قبل وجنتها:
مش عايزة أفتكر، مش عايزة.

أحتضنتها نغم و واستها:
حقك عليا انا عارفة أنتِ مريتي بأيه وحاسة بيكِ والله مكنش قصدي أفكرك
نفت برأسها وقالت بنحيب قوي يدmي القلب وهي تدفن وجهها بصدر صديقتها:
لأ محدش عارف أنا مريت بأيه، محدش حاسس بيا، كلكم بتهاجموني وبس
= انا مش بهاجمك يا نادين أنا بنصحك علشان نفسي تسامحي وتنسي وتبدأي صفحة جديدة
نفت برأسها وهي تشعر انها على حافة الجنون وقالت بنبرة ممزقة لأبعد حد:.

أنا عمري ما هسامحهم ومش هسيبهم يدmروني زي ما دmرو امي أنا هاخد حقي وحق أمي منهم ولو أخر يوم في عمري، هفضل أكره الست دي وأكره أبنها...

هزت نغم رأسها تسايرها وظلت تمسد على ظهرها كي تهدأ، لتستكين الآخرى بين أحضانها وكأنها بحاجة لذلك التقارب ولكن دmعاتها كانت لا تنضب بعدmا ظل يترأى أمام عيناها من جديد شريط ذكرياتها الأليمة ورغم مقاومتها للصمود إلا أن رغبتها في الأنتقام ظلت تتفاقم بداخلها أكثر فأكثر غافلة أن الشيطان هو من يهيئ لها ان كافة أفعالها ويوهمها انها ليست خطايا فادحة بل هي بريئة مبررة بنية الأنتقام غافلة كون لا يوجد خطايا بريئة فالخطيئة تظل خطيئة مهما تعددت مبرراتها.

غابت هي لعدة أيام وتركته يتلوى من لوعته عليها، فمنذ أخر لقاء جمعهم وما حدث داخل سيارته وهو لا يستطيع التواصل معها، لا يعلم ما اصابه ولا متى احبها لتلك الدرجة هو كل ما يعلمه أن شيء كالمغناطيس يجذبه لها فهي تتمتع بشخصية قوية، ناجحة، جريئة، تعرف كيف تجعله مهوس بها ربما كما يقولون الممنوع مرغوب وكان ذلك القول بمحله تمامًا عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها، انتشله من دوامة افكاره وشروده الذي اصبح ملازم له في الآونة الأخيرة صوتها الناعم وهي تبادر كعادتها المهتمة متغاضية عن عصبيته معها بلأمس:.

هتفضل على الحال ده كتير؟
نفى برأسه وأخبرها بإقتضاب:
مالو حالي انا كويس
ابتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها ثم كوبت وجنته قائلة:
احكيلي يا حسن أيه اللي مضايقك شاركني وبلاش تحمل نفسك فوق طاقتها
انزل يدها بِضيق وتأفأف قبل ان ينهض ويتوجه للشرفة:
يووووووه عايزاني أقول ايه وانا عارف أن عمرك ما هتفهميني
لحقت به و احاطت خصره من الخلف وطبعت قبلة اعلى ذراعه وهمست بنعومة لا تليق إلا بها:.

والله هفهمك جرب تتكلم مش هتخسر حاجة
انزل يدها وابتعد متذمرًا:
معنديش طاقة للكلام و لو سمحتِ سبيني لوحدي محتاج اراجع شوية تصميمـ.ـا.ت
تنهدت بِعمق من حدته الغير مبررة بالمرة بالنسبة لها ولكنها كعادة قلبها اللين ألتمس له الأعزار وهمست بإصرار عجيب لتكـ.ـسر حالة الكآبة التي هو عليها وتقترح:
طيب هعملك قهوة، وهقعد معاك انا بحب اتفرج عليك وانت بتشتغل ونتكلم شوية بعد ما تخلص.

لم يشغل باله بأهتمامها وكأن أي شيء يصدر منها هو إعتيادي و لن يشكل فارق معه ليزفر في ضيق و يغمض بُنيتاه بقوة ويمرر يده بين خصلاته بنفاذ صبر وهو يظن انها تتعمد ان تضيق عليه الحصار بثرثرتها المعتادة وان تطلعه على أتفه الأمور ليصيح بها بصوت جهوري منفعل ارجفها:
مش عايز اتكلم، انا مش طايق نفسي ومعنديش طاقة لرغيك ولا للملل بتاعك ده.

ؤد حماسها بِبراعة و.جـ.ـعل الحـ.ـز.ن يحتل عيناها بعد حديثه الطاعن لها مما جعلها تشعر أن الأرض تدور بها وانها تكاد تفقد توازنها ولكنها تماسكت وغمغمت في ضيق شـ.ـديد وبنبرة مهزوزة:
متعصب ليه؟ انا بحاول أشاركك بس انت بقيت صعب ومش عاطيني فرصة لأي حاجة ومش قادرة افهمك ولا عارفة اراضيك ازاي...
قالت جملتها الأخيرة وهي تمسد جبهتها برفق وتستند على طرف مكتبه مغمضة العين،.

نبرتها تلك جعلته يتراجع عن حدته حتى انه أقترب منها وحاوط ذراعيها قائلًا بنبرة لينة بعض الشيء:
أنتِ لازم تعذريني انا مضغوط واعصابي تعبانة الفترة دي.

لمَ هي دائمًا مطالب منها ان تتحمل وتتغاضى وتدعه يستغل لين قلبها في حين هو لم يهتم ولم يشغل باله يومٍ بها حتى انه لم يكلف نفسه واعتذر منها بطريقة لائقة بل استغل كونها لاتملك غيره ويهينها بتلك الطريقة التي تهدm كبريائها، نفضت أفكارها سريعًا و هزت رأسها بضعف وهي تتزحزح بجسدها كي تفلت يده قائلة بإقتضاب وبِملامح باهتة وهي تتحامل على نفسها:
كمل شغلك براحتك انا مش هتطفل عليك تاني ولا هضايقك.

كادت تتعثر ولكنه لحق بها ودعمها بذراعيه وهو يتسأل بقلق:
أنتِ كويسة
= كويسة وهروح انام
ذلك أخر ما تفوهت به قبل أن تدفعه برفق و تغادر غرفة مكتبه بخطوات ضعيفة واهنة بينما هو نظر لآثارها وهو يلعن تسرعه وحدته معها حتى انه شعر ببعض من تقريع الضمير، يعلم ان لا ذنب لها ولكن ماذا يفعل هو يكاد يفقد صوابه ويخرج عن طوره بسبب اختفاء الآخرى.

أشرق صباح يومٍ جديد على تلك التي تململت لتوها بنومها على صوت هاتفها و تناولته وردت بنعاس دون ان ترى رقم المتصل ليصل لها صوته العابث من الطرف الآخر:
يا صباح العسل
= انت اكيد اتجننت انا قولتلك متتصلش بيا غير لما انا اطلبك
قالتها بذعر حقيقي وهي تنهض من الفراش وتوارب باب غرفتها تتفقد محيطها
ليرد هو:
اعمل ايه بتوحشيني يا نادو.

ابتسمت في مكر كعادتها وردت عليه بكل غــــرور وهي تبتعد عدة خطوات عن الباب بعدmا أمنت محيطها:
مش ذنبي، وبعدين انت عارف يامن هنا ومبعرفش أخرج
= هتجنن يا نادو نفسي تخلصي منه وتبقي ليا لوحدي و وقتها هخليكِ أسعد واحدة في الدنيا بس نفسي تثقي فيا
تناولت خصلة من شعرها الطويل واخذت تبرمها بين اناملها وهي تجيبة بكل ثقة بصوت خفيض:.

انا بثق في نفسي اكتر يا طارق وأظن انت أكتر حد عارف إني مغـ.ـصو.بة على الوضع ده علشان أرجع حقي
زفر طارق واقترح في ضيق:
سيبيه يا نادو وانا هعوضك عن فلوس ابوكِ احنا مش هنحتاجها انا كل يوم بيعدي وأنتِ في بيته ببقى هتجن
حانت منها بسمة مستخفة وأخبرته برفض قاطع:
مستحيل أعمل كده اللي بيني وبينه مش فلوس وبس
زفر هو في ضيق من الطرف الآخر وقال بإستمـ.ـا.تة:.

ماشي يا نادو وانا معاكِ للأخر، بس شوفي طريقة تخرجي بيها انا عايز أشوفك.

التمعت عيناها بزهز وهي تستشعر لهفته وتمسكه بها التي لم تحظى بها أنثى قبلها فهو دائمًا من يتهافت الفتيات عليه وكم يحلمون بفرصة معه ذلك الوسيم ذات الجاذبية الطاغية والشخصية المرحة المنفتحة التي تميزه بجانب الثراء الفاحش الذي ينعم به بفضل أبيه ومركزه المرموق ولذلك أعجبها كثيرًا ولكن ظلت ميرال عائق في طريقها ليهيء لها شيطانها أن صديقتها ستتخطى الأمر و لن يفرق معها إن تركها وستجد غيره فطالما حقدت عليها بسبب تلك الحرية المُطلقة التي تحظى بها على عكسها تمامًا، وذلك السبب تحديدًا جعلها تبرر لذاتها انها الأفضل دائمًا وأنها وحدها من تستحقه وستكون جديرة به ولذلك دبرت مكيدتها ببراعة لتكون معه كي ترضي ذلك النقص التي طالما شعرت به كون كل شيء يفرض عليها ومن حقها ان تختار شيء واحد بمحض ارادتها وحقًا لا تكترث كون اختيارها صائب أَم لا هي فقط تريد ان تثبت لذاتها انها متحررة و أفضل بين الجميع ولا أحد يستطيع الفوز عليها وسحب الأضواء منها، ولذلك لن تخسره و راوغته في مكر:.

اوعدك، هحاول
= نادين
صرخ هو بها بنبرة جهورية وبعيون يتطاير منها الشرار وهو يقف خلفها مما جعلها تنتفض و يسقط الهاتف من يدها وهي تشعر بقلبها يهوي بين ضلوعها من شـ.ـدة ذعرها.
لا يمكن أن تصل لليقين دون شك ولا نجاح بدون فشل ولا للسكينة دون اضطراب ولا لأي شيء دون حب.

نادين
صرخ هو بها بِنبرة جهورية، بعيون يتطاير منها الشرار وهو يقف خلفها مما جعلها تنتفض و يسقط الهاتف من يدها وهي تشعر بقلبها يهوي بين ضلوعها من شـ.ـدة ذعرها ولكنها تماسكت وادعت الثبات قائلة:
في ايه؟
قبض على يدها وتسأل من بين أسنانه:
فين مفتاح الباب الوراني، أنتِ بتخرجي وانا مش هنا صح؟!
تنفست الصعداء كونه لم ينتبه لمحادثتها واستغرق الأمر منها ثانية واحدة كي تجيبه وهي تدعي البراءة:.

لأ طبعًا أخرج أيه، وبعدين مفتاح ايه اللي بتسأل عنه أنا ماخدتش حاجة
لم يقنعه جوابها وصرخ بوجهها بِغـــضــــب قـ.ـا.تل وهو يؤرجحها بقوة بين قبضته:
كـ.ـد.ابة، ومش مصدقك المفتاح مش في مكانه ومحدش بيدخل مكتبي غيرك انتِ وأمي
نزعت يدها من بين قبضته بقوة وقالت بنبرة متمردة ثابتة:
مش هكدب عليك ومعرفش مفتاح ايه اللي بتسأل عنه.

مرر يده على ذقنه وهو يشعر أنه يكاد يخرج عن طوعه و الشكوك تعصف برأسه مما جعله يهدر بنبرة حادة قاطعة تعلم هي جيدًا ان لا رجعة بها:
قسم بالله يا نادين لو اللي في دmاغي طلع صح هيكون حسابك عسير معايا وساعتها متلوميش غير نفسك
ابتلعت غصة بِحلق جاف من تحذيره الصريح لها ولكنها ألتزمت الثبات وتساءلت بدهاء كي تحول الحديث لدفتها كعادتها:
أيه اللي في دmاغك! انت بتشك فيا؟
جز على نواجذه وهز رأسه دون أي تفكير وقال:.

أنا مكنتش بشك فيكِ بس من هنا ورايح هشك يا نادين وصدقيني مش هيبقى في مصلحتك ابدًا
ليغادر غرفتها بِخطوات قاسية يأكلها الغـــضــــب بينما هي زاغت نظراتها وارتمت على الفراش وهي تلعن غبائها كون لم يسنح لها الوقت لكي تعيد المفتاح لمكانه، لتنفخ أوداجها عنـ.ـد.ما سقطت عيناها على هاتفها الملقي على الأرض ولحسن الحظ لم يصيبه ضرر لتنحني تلتقطه وهي تلعن ذلك ال طارق هو ايضًا فكاد يفـ.ـضـ.ـح أمرها.

بينما في أحد قرى الصعيد كان يجلس رجل في عقده السادس ذات لحية وشارب كث وبنية عريضة وهيئة قاسية لا تعرف اللين، تجعل كافة أهل
قريتهم تهابه وتحسب له ألف حساب، فكان يجلس داخل مندرة داره حين دلف إليه أخاه سائلًا بوجل:
كيفك يا أخوي؟
نظر له عبد الرحيم واجابه بِعجرفة:
أحسن منِك يا جلب أخوك خير چاي ليه؟!
أجابه سعيد شقيقه الأصغر في قلة حيلة:.

والله يا خوي وشي منِك في الأرض، بس أعمل ايه الحوچة واعرة و أني محتاج جرشين انت عارف مصاريف الدوا والحُكمة كتير وانا مبقاش حيلتي غير خلجاتي اللي عليا
زغره عبد الرحيم واطلق ضحكة صفراء متشفية قائلاً:
واه أني مش عارف أيه العشم ده چايبه منين عاد! بعد اللي حُصل منِك، دلوقت چاي تطلب مساعدتي نسيت إنك عصيتني و وجفت مع چوز خيتك ضدي وغـ.ـصـ.ـبتوني اسلمه أرضها.

تأهب سعيد وهو يتذكر ذلك الحدث منذ سنوات ورد بِصدق دون ادنى مجاملة:
العشم ده علشان انت اخوي ولا دي كمان نسيتها يا عبد الرحيم وايوة انا وجفت مع عادل چوز خيتك علشان ده حج ربنا وأنت كنت عايز تضلله وتقبل تاكل حقها في الأرض
سطع الحقد بعين الأخر وقال من بين أسنانه:
وأنت كنت مفكر حالك حامي الحمى أنت والبومة مرتك لما وجفتوا جصادي
احتدت نظرات سعيد عند ذكر زوجته وهدر منفعلًا:.

انا مقدر أنك اخوي الكبير بس ميصُحش تتعدى الأصول وتجيب سيرة مرتي، وبعدين انت عارف ان هانم كانت أجرب واحدة لخيتك وكانت على علم بكل حاچة وعلشان إكده كانت بترد غيبتها
صدر من فمه صوت ساخر متهكم وأضاف وهو ينهض من جلسته ويربت على منكب أخيه:.

ياريت تكونوا مرتاحين بعد ما كل حاچة ما راحت؛ أهو چوزها خد كل املاكه واملاك اختك وكتبها بأسم واحد غريب عنِنا وكمان چوزه البنية وخلاه يكوش على كل حاچة بأس المره السو اللي اتجوزها
ضـ.ـر.ب سعيد كف على أخر وقال بعدm رضا:
دع الخلج للخالج ملناش صالح والبت مرتاحة مع جوزها واظن انت كل فترة بتروح تطل عليهم بنفسك.

أومأ له عبد الرحيم بِحنق من سذاجة أخيه ثم رفع طرف جلبابه وجلس مرة أخرى على الأريكة بأريحية أكبر قائلًا بمسايرة كي يفض ذلك الحديث الذي لم يروقه بالمره:
ربنا يسعدهم يا خوي، وأعذرني مش هعرف افك ضيجتك أنا داخل على انتخابات ومحتاج كل جرش معايا
أطرق سعيد رأسه في حرج وقال وشعور الخذلان يفتك به:
عذرك معاك يا خوي، عن اذنك ألحج صلاة الظهر في الچامع
= مع السلامة يا خوي والجلب داعيلك.

قالها عبد الرحيم بِبسمة مصطنعة وملامح مقتضبة وهو يتتبع أخاه بعينه إلى أن غادر ليهمس بغـ.ـيظ وبِعيون يسطع بهم المكر:
ورحمة غالية بـ.ـنت امي وابوي لأرجع مالها تحت يدي تاني وأطرد الغريب من العز اللي عايش فيه هو وأمه.

ظلت الشكوك تعصف به حين لم يجد المفتاح الذي اكتشف اختفائه بالصدفة، حين اتاه الحارس صباح اليوم وطلبه منه كي يهذب النباتات النامية عليه ويزيل الحشائش الضارة كيفما يفعل كل فترة وآخرى كي لا تعيق فتح الباب إن لزم الأمر، وحين لم يجده بدرج مكتبه ثارت ثائرته ولم يتحمل تلك الشكوك التي داهمته، و رغم نكرانها إلا أن قلبه يخبره أنها هي وراء اختفائه، ولكن كيف!؟
هل حقًا تخرج دون علمه!؟

وإن صدق حدسه فإلي أين تذهب ومع من!؟
ظلت الشكوك تتأكل رأسه مما جعله يشعر أنه سيهوي على حافة الجنون إن لم يجد تفسير منطقي للأمر، انتشله من حالته تلك دخول الحارس له مهرولًا ومنكس الرأس:
لامؤاخذة يا بيه والله ما عارف عقلي خرب ولا ايه؟!
عقد يامن حاجبيه بوجه متجهم للغاية جعل الأخر يبتلع ريقه بتوجس قائلًا وهو يمد يده له:.

لقيت المفتاح معايا، والله يا بيه ما فاكر خدته امتى من جنابك بس الحمد لله أننا لقيناه قبل ما الصنايعية يجوا يركبوا الباب الجديد
تعلقت ناعستيه الثائرة بالمفتاح لثوانٍ معدودة قبل أن يلمح طيف خلف باب مكتبه، ليتنهد في عمق ويقول بنبرة ثابتة تخالف ضجيج رأسه:
حصل خير يا مُسعد وملوش لزوم تخليهم يغيروا الباب تقدر تنضف الزرع اللي حوليه وبعدين ترجعلي المفتاح تاني.

وعند سماعها لجملته الأخيرة تسللت لغرفتها وأقفلت بابها بِحرص شـ.ـديد ثم تنفست بإرتياح وكأنها أزاحت حمل ثقيل عن كاهلها، لتحل رابطة شعرها وتبعثره بيدها وهي ترتمي على الفراش تتذكر كيف حاكت مكيدتها بعد خروجه من غرفتها بالصباح
Flash back
فقد تسللت دون ان يلحظها أحد إلى موضع جلسة الحارس الذي ما أن لمحها هرول مترقب لأوامرها، لتأمره هي بنظرات زائغة وهي تمسد جبهتها مدعية الألــم:.

عم مسعد عندي صداع ممكن تجبلي حاجة من الصيدلية
= تحت أمرك يا هانم ثواني والدوا يكون عندك
قالها وهو يرفع طرف جلبابه ويهرول خارج بوابة المنزل مسرعًا، بينما هي تقدmت بِخطوات حريصة بعدmا أمنت محيطها وتقدmت لغرفته الملاصقة للبوابة تبحث بعينيها عن سلسلة مفاتيحه وما أن وجدتها زفرت بـ.ـارتياح وهي تتمم ما خططت له كي تغطي على فعلتها
End flash back.

عادت مرة آخرى للوقت الحالي وهي تبتسم بسمة متهكمة منتصرة لأبعد حد وهي تخرج من تحت وسادتها تلك النسخة المستخرجة حديثًا من ذلك المفتاح المنشود الذي بسببه تأخرت في إعادة النسخة الأصلية منه، لتتسع بسمتها وهي تظن أن لا أحد يضاهي مكرها ولكن مهلًا افعلي ما تشائين وسوف تتأكدي بنفسك انك أغبى أنثى على وجه الأرض ولا أحد يتمنى ان يكون بموضعك حينها.

مرت بضع ايام عليه منذ عمله معها يوصلها لجامعتها ويعود بها دون اي جديد تصعد للسيارة ثم تسند رأسها على زجاج النافذه وتظل شاردة وكأنها مغيبة بعالم آخر فقط تتأمل الطريق بعيون خاوية يفيض منها الحـ.ـز.ن، حاول مرارًا وتكراًر أن يجذب معها أطراف الحديث ولكنها تجيبه بإقتضاب شـ.ـديد ولم تلقِ له بال مما جعله يقرر ان يكف عن ذلك الفضول اللعين الذي ينتابه نحوها ولكن كيف وهو يلمح من مرآته الأمامية الآن دmعاتها تنسل من عيناها وملامحها باهتة بشـ.ـدة جعلته يتحمحم يجلي صوته الأجش كي يصدر لين ولا يفزعها ككل مرة:.

حضرتك فطرتي؟
لم يريد ان يسألها مباشرةً كي لا تتخذ موضع الهجوم بل فضل أن يراوغها بطريقة أخرى كي يسبر اغوارها وبالفعل حاز على انتباهها حين رفعت فيروزتها تطالع عينه المُسلطة عليها في المرآة وهزت رأسها ب لا، ليبتسم هو ويقول في حماس غير عادي:
ولا انا بصراحه همـ.ـو.ت من الجوع
ممكن نخبط طبقين فول من على العربية لو تحبي...؟! وبيتهيئلي لسة معانا وقت قال جملته الأخيرة وهو يتفقد الوقت بساعة يده
= فول!

قالتها بِتلقائية وهي تعتدل بجلستها
مما جعله يشعر بسخريتها ويؤكد بدفاع:
اه فول، ماله الفول ده هو مسمار البطن زي ما بيقولوا وكله بروتين احسن من اللحمة والفراخ
نفت برأسها بعدmا شعرت انه سيتفهم أنها تتعالى عليه:
مش قصدي والله انا باكله عادي وداده مُحبة تعملهولي علطول بس متعودتش أكله من برة وخصوصًا من على عربية يعني
جعد حاجبيه الكثيفين وأخبرها بِحماس وبنبرة مشاكسة بعض الشيء كي يحفذها:.

لأ لعلمك بقى من على العربية بيكون ليه طعم تاني ويا سلام بقى لو معاه بصلتين كده ياه والله جوعتيني قال أخر جملة بإشتهاء وهو يضغط على شفاه السفلية
فكانت تعبير وجهه المنعكسة بالمرآة ونبرته تلك كافية لتجعلها تبتسم دون وعي مما جعله يأخذها أشارة لموافقتها ويؤكد وهو يسحب عدة محارم ورقية وناولها لها دون أن يلتفت كي لا يخجلها:
لو في دmـ.ـو.ع تانية أجليها للبصل الله يخليكِ إلا العربية هتغرق بينا.

اتسعت بسمتها وتناولت منه المحارم تمسح وجهها قائلة:
ماشي بس على ضمانتك
أجابها هو ببسمة مشاكسة:
متقلقيش لو حصلك تسمم؛ غسيل المعدة عليا.

نظرت نظرة مترددة إلى الطعام الموضوع أمامها وهي تراه يأكل بشهية غريبة ويلوك الطعام باستمتاع جعلها تتساءل هل حقًا شهي لذلك الحد، تنهدت وهي تستند على مقعدها الخشبي الذي يتوسط الرصيف أمام عربة الطعام وهي تنوي تذوقه والتأكد بذاتها وإن كادت تشرع بالأكل فانتفضت مذعورة من صوت مذياع أحد البائعين المتجولين وهو يصيح:
روبابيكيا
ابتسم وهو يبتلع ما بفمه وقال كي يطمئنها:.

متخافيش يا آنسة دي ناس على باب الله وبتسعى على أكل عيشها.

هزت رأسها وهي تتمعن بذلك البائع وما تحويه عربته الخشبية من قطع متهالكة وإن صح القول خردة بالية لا نفع منها، عقدت حاجبيها مستغربة وهي تلحظ وجه الرجل الذي لفحته الشمس ويبدو عليه الأرهاق الشـ.ـديد ورغم ذلك لن ييأس ويظل يهتف بتلك الكلمة الغريبة على مسامعها، بتفاني غريب جعل نظراتها تتبع عربته الخشبية إلى ان اختفى عن ناظريها وحل محله هؤلاء الأطفال بالجانب الآخر من الشارع؛ فكانوا يمررون الطابة لبعضهم والحماس جلي على وجههم لتبتسم بسمة عابرة على سعادتهم وحماسهم البادي عليهم، في حين هتف أحد الصبية على زميله بتعصب:.

تعال العب معانا هيغلبونا
رد الآخر عليه وهو يركض نحو فرن الخبز القريب:
هجيب عيش لأمي الأول، استنوني يا عيال
كانت تتبع الصبي بعيناها
حين وجدته يحشر وسط حشـ.ـد من الناس يقفون بصفوف غير منتظمة ويجاهدون وهم ينتظروا دورهم في الحصول على ذلك الخبز الذي هو من وجه نظرها لا يستحق العناء للحصول عليه
لاحظ هو شرودها وتتبع نظراتها قائلًا:
متركزيش يا انسه ويلا مدي ايدك علشان هنتأخر على جامعتك.

تعلقت عيناها به وتسألت من وجهة نظرها السطحية للأمور:
هما ليه بيتعـ.ـذ.بوا كده في الشمس ومتحملين الأنتظار ما يقدرو يشترو عيش من السوبر ماركت ومن غير تعب عادي
قهقه هو بقوة حتى بانت غمازته مما جعل نظراتها تحتد وهي تشعر انه يهينها بسخريته، بينما هو أجابها مبرر بعدmا تهادت ضحكاته:.

الناس دي غلابة يا انسة وهما هنا علشان الدولة مدعمة العيش ليهم؛ علشان يسد جوعهم، ده في منهم بياكلوه حاف من غير غموص و بيباتوا حامدين شاكرين
اشرأبت برأسها وسألت بتلقائية لم تتعمدها:
ليه هو طعمه حلو اوي كده؟!
كبت ضحكته بِصعوبة وأجابها متهكمًا وهو يرفع حاجبيه ساخرًا:
أمال ايه ده مليان فيتامين
هزت رأسها مرة أخرى واستندت على ظهر مقعدها وهي تشرع بلأكل حين قال بنبرة راضية مفعمة بالكـبـــــريـاء:.

على فكرة انا واحد من الناس الغلابة دي وعلشان كده بقولك أن اللقمة اللي بتيجي بعد تعب و جوع بيبقى ليها طعم مختلف محدش يعرفه غير اللي عارفين قيمة الصبر والرضا
أبتسمت من تحليله البسيط للأمور و تلقائيته معها وقالت وهي تغمس طرف المعلقة بطبق الفول وتدسها بفمها:
هو انا اكيد مجربتش اللي بتقول عليه ده بس طعمه حلو
هز رأسه وأخبرها مشاكسًا:
لا انتِ فاهمة غلط انا مش عازمك عند الخواجة كنتاكي انتِ لازم تواكبي المكان.

عقدت حاجبيها غير مستوعبة شيء من حديثه، بينما هو كان يقطع لقمة كبيرة من رغيفه قائلًا بِحماس ادهشها:
بصي لازم تعملي مركبة كبيرة وتغطسيها في الطبق زي كده هتحسي بطعمه احلى
قالها وهو يدس لقمته بفمه ويحسها بعينه أن تجرب مما جعلها بالفعل تقلده وهي تبتسم بسمة واسعة لا تعرف كيف تسربت من كآبتها المعتادة.

كانت الأجواء هادئة بينهم بعد آخر مشادة فهي تتصنع الغـــضــــب وهو يتجاهلها حتى انه ينفرد بغرفته طوال الوقت كي لا يتصادm معها وتخرجه عن طوره كعادتها، خرج من شروده على صوت والدته التي انتهت مكالمتها مع رهف لتوها:
رهف صوتها مش عاجبني...
انتبه لحديثها وسألها:
ليه يا أمي بتقولي كده! هي قالتلك حاجة
أجابته بِفطنة:
يظهر أن حسن مزعلها
وهي انا عارفاها طول عمرها كتومة وعمرها ما هتشتكي
اجابها بِحسرة على حال صديقه:.

حسن غـ.ـبـ.ـي وبيستغل ان رهف ملهاش حد غيره ومش هتقدر تسيبه
لتؤيده ثريا بِحـ.ـز.ن على حال تلك المسكينة:
بس ليها طاقة وبني أدmة لازم يراعيها ويحترم نفسه ده لو لف الدنيا ميلقيش حد زيها، أنا مش هسكت انا بعز رهف زي بـ.ـنتي ولازم أبهدله دي ملهاش غيرنا بعد مـ.ـو.ت أهلها
تنهد هو وقال في ضيق:
ياريت يا امي ت عـ.ـر.في تفوقيه قبل فوات الآوان.

أما عنها فقد وضعت الهاتف من يدها وظلت شاردة بعيون تفيض بالأسى فكم أرادت ان تبوح وتخفف عبء قلبها ولكن دائمًا ما تخشى على صورته أمام احد حتى ولو كانت لتلك السيدة الحنون التي بمثابة والدته، تنهدت بعمق بعدmا لفت انتباهها صراخ أبنها على شقيقته؛ يؤنبها على كـ.ـسرها لأحد ألعابه في حين صغيرتها كانت تبكي بقوة آلمت قلبها و.جـ.ـعلتها تتدخل كي توجهه وهي تحتضنها وتمسد على ظهرها:.

حبيبي متزعقش لأختك عيب كده هتزعلها منك وهي بتحبك...
ليرد الصغير بِتلقائية:
هي غلطت، وانا بزعق زي بابي
افحمها حديثه و.جـ.ـعلها تشعر أن الأرض تدور بها، بينما خرجت ابـ.ـنتها من بين أحضانها وأخبرته بِنبرة باكية:
مش كان قصدي وبلاش تزعقلي علشان مش هكلمك تاني
ليجيبها الصغير:
طب مش تزعلي مني، واعملي زي مامي.

غامت عيناها تحاول ان تتمالك اعصابها فكم أستطاع ابنها رغم صغر سنه إلا أنه ذكرها انها تقدm كبريائها تحت قدm أبيه، نفضت افكارها بعدmا تدخل قلبها اللين كالعادة وقالت معاتبة لأطفالها:
احنا مينفعش نقلد الكبـ.ـار يا شريف
وأخر مرة تزعل اختك، العبوا مع بعض، واللعبة اللي اتكـ.ـسرت هجبلك غيرها، يلا صالحها
راضى شريف شقيقته لتبتسم الآخرى بأسنانها المنقوصة وتخبره في مرح:
تعال نلعب استغماية.

= بس انتِ اللي تستخبي وانا هدور عليكِ
لتشجعهم رهف وتقترح:
طيب ايه رأيكم انا هلعب معاكم وانتو الاتنين تستخبوا.

ليهللون بسعادة ويذهبون من أمامها لتنظر آثارهم بحـ.ـز.ن شـ.ـديد على ما توصل له حال زوجها ويؤثر بالسلب عليها وعلى أطفالها، فقد تفاقم الأمر بينهم حتى انه أصبح غير محتمل، طوال الوقت شارد، حزين، لا تعلم ما حل به، ينفعل من كلمة صغيرة وتثور ثورته إِن حاولت الأقتراب منه، بل والأنكى من هذا انه يتصيد لها الأخطاء ويظل يؤنبها مما جعلها، بائسة منطفأة طوال الوقت تدعوا الله ان يفك كربتها.

استعدت للذهاب لجامعتها بِحماس كبير على غير عادتها، ربما لكونها طوال الليل تسترجع أحداث أمس المثيرة بالنسبة لها و.جـ.ـعلت الفضول يدفعها نحو كل شيء وقعت عيناها عليه، أبتسمت بسمة عابرة وهي تتذكر أحاديثه العفوية التي تحمل منطق غريب خاص به ورغم أنها لم تستوعب الكثير؛ إلا أن منطقه راقها وكم شعرت بالخزي من سطحية أفكارها مقارنة به هزت رأسها تنفضه عنها كي تستأنف تصفيف شعرها أمام مرآتها كي لا تتأخر ولكن، اجفلها صوت إشعار قادm من هاتفها من ذلك الحساب الوهمي التي انشأته خصيصًا كي تتبع به شخص بعينه دون ان يعلم هويتها، تقلصت ملامحها وهي تطالع.

شاشة هاتفها تنظر إلى تلك الصورة العائلية التي تضم سيدة جميلة ذات فيروزتان تشابه خاصتها، ورجل ذات وجه بشوش للغاية يحاوط خصرها من جهة وصبي وفتاة من جهة أخرى، فكم كانت الصورة مفعمة بالألفة وكم كانت نظرات السيدة لأبنائها وزوجها مفعمة بالفخر والأعتزاز، شهقة قوية خرجت من جوفها تنعي حالها وتبعها صراخها بقوة وقذفها لأنينة العطر خاصتها بالمرآة تهشمها محدثة ضجة قوية جعلتها تصرخ وتصرخ وهي تضع يدها على اذنها وتنهار جاثية على ركبتيها غير عابئة بقطع الزجاج المتناثرة حولها وهي تنتحب بألــم و بحرقة جثت على صدرها فماذا فعلت هي كي تتخلى عنها وتكتفي بهم؟!

أليس من حقها ان تتمتع بذلك القرب مثل ابنائها؟!

على ماذا تعـ.ـا.قب هي لاتعلم ولكن كل ما تعلمه أن لا يوجد احد يهتم بها ولا بحياتها لا احد يشعر كم ان شعور التخلي والوحدة قـ.ـا.تل بالنسبة لها، ظلت الأفكار السوداوية تداهمها إلى أن وجدت ذاتها تلتقط أحد قطع الزجاج بين يدها وترفعها أمام نظراتها الضائعة تنوي فعل ما هيأه لها شيطانها، فإذا هم يستطيعون التخلي بتلك البساطة، فالآن حان دورها وحقًا هي غير عابئة حتى لو كان الثمن حياتها.
كل ما في هذا الكون، قابل للتغير؛ رجاءًا لا تطلب مني الثبات..!
بكوفسكي تشارلز.

على ماذا تعـ.ـا.قب هي؟ لاتعلم، ولكن كل ما تعلمه، أن لا يوجد احد يهتم بها ولا بحياتها، لا احد يشعر كم ان شعور التخلي والوحدة قـ.ـا.تل بالنسبة لها، ظلت الأفكار السوداوية تداهمها إلى أن وجدت ذاتها تلتقط أحد قطع الزجاج بين يدها وترفعها أمام نظراتها الضائعة تنوي فعل ما هيأه لها شيطانها، فإذا هم يستطيعون التخلي بتلك البساطة، فالآن حان دورها وحقًا هي غير عابئة حتى لو كان الثمن حياتها فقد قربت قطعة الزجاج من معصمها ببطء شـ.ـديد بأيدي مرتعشة وهي قاب قوسين أو ادنى من تحقيق غرضها لولآ تلك اليد القوية التي دفعت ما بيدها وتلاها صراخها:.

يا لهوي، يالهوي بتعملي ايه يا ست البنات عايزة تمـ.ـو.تي نفسك
رفعت نظراتها الباكية وصرخت بانهيار تام وبنبرة هستيرية:
سبيني يا داده انا حياتي متفرقش مع حد سبيني امـ.ـو.ت وارتاح
استغفرت مُحبة ودmعاتها تنسل تشاركها بأسها ثم اسرعت بجلوسها في جوارها بعدmا ازاحت بعض القطع بطرف تنورتها الفضفاضة وضمتها في حنو شـ.ـديد مواسية:
استغفري ربنا يا ست البنات عايزة تمـ.ـو.تي كافرة و تغـــضــــبي ربنا
فكرت بالأمر لثوانٍ عدة قبل أن.

تنفي برأسها ودmعاتها مازالت تنهال على وجهها صارخة بقهر:
بس، انا تعبت ومش عايزة اعيش لوحدي
أجابتها مُحبة في عطف:
أنتِ مش لوحدك، كلنا جنبك يا بـ.ـنتي استهدي بالله واستغفري ربنا وبلاش الأفكار السودا دي تسيطر عليكِ
خرجت ميرال من أحضانها وصرخت بعدm اقتناع:
لأ أنا لوحدي وأفكاري مش سودا تقدري تقوليلي.

ذنبي ايه يا داده الست اللي جابتني للدنيا اتخلت عني وهاجرت برة البلد وعايشة حياتها مع جوزها وعيالها ونستني، نستني يا داده
قالت أخر جملة بنبرة ممزقة وهي ترفع الهاتف أمام نظرات مُحبة التي أحتل البؤس ملامحها وجذبت الهاتف من يدها وهي تراها تتكور على ذاتها و تضم ركبتيها لصدرها، لتصيح بها معاتبة:.

بلاش تعملي في نفسك كده يا بـ.ـنتي والله هي ما تستاهل ظفرك، وانا قولتلك الف مره بلاش تتابعي أخبـ.ـارها مش بتاخدي منها ومن سيرتها غير و.جـ.ـع القلب
زاد نحيبها وقالت بِصوت مختنق يأس لأبعد حد وهي تتأرجح في جلستها للأمام والخلف بعدm اتزان:
حاولت والله ومعرفتش، معرفتش يا داده
= طب استهدي بالله يا بـ.ـنتي.

قالت جملتها وهي تقترب منها تحاول السيطرة على حالتها تلك بين أحضانها ثم أخذت تربت على ظهرها بحنان بالغ، وهي تقرأ لها بضع آيات من كلمـ.ـا.ت الله العزيز كي تبث بها السَكينة، دقائق عدة مرت حتى هدئت وصعدت لفراشها، وإن اطمئنت مُحبة انها غفت نظفت الفوضى و خرجت وهي حائرة هل تخبر والدها أن يتدخل ويعرضها على مختص كي لا تكرر محاولاتها مرة آخرى أم لا، في حين شعرت هي بخروجها رفعت نظراتها نحو حقيبتها التي تجاور فراشها ثم تناولتها، تخرج منها تلك الحبوب المـ.ـخـ.ـد.رة التي تنتشلها من ارض الواقع و تجعل عقلها في سبات دون أن يزعجها بذلك الضجيج المزعج الغير محتمل، وبالفعل دست حبتان دفعة واحدة بفمها وارتشفت بعدها بضع قطرات المياه من الكوب الذي يعتلي كمودها ثم تكورت على ذاتها من جديد وظلت ساهمة بيأس تستقبل حالة اللامبالاة والسبات التي تتملك منها بكامل ارادتها.

بينما هي خرجت من غرفة ميرال والحـ.ـز.ن يفترش ملامحها حتى انها لم تنتبه لصوت دعاء وهي تتسأل بِسـ ـخـــريــة:
مالها الهانم صريخها جايب أخر القصر
قالتها وهي تربع يدها على صدرها بنظرة شَامتة جعلت مُحبة تغتاظ وتقرر انها لن تخبرها الحقيقة كاملة كي لاتجعلها تتشفى بتلك المسكينة:
ملهاش، دي بس المراية اتكـ.ـسرت وهي يا حبة عيني اتخضت مش اكتر
قلبت دعاء عينيها بملل قائلة:.

بصراحة أنا اعصابي تعبت منها الحمد لله أن فاضل سافر الصبح ومحضرش اللي حصل كان زمانه قاعد جنبها
لوت مُحبة شـ.ـدقيها بعدm رضا وقالت متهكمة بنبرة ساخرة:
سلامة اعصابك يا هانم، عن اذنك هروح أبلغ السواق أنها مش رايحة الجامعة
اتسعت عين دعاء واعترضت بخبث وهي تتحرك من أمامها:
لأ خليكِ انا هبلغه بنفسي
ضـ.ـر.بت مُحبة كف على كف داعية وهي تنظر لآثارها:
ربنا يديكِ على أد ضميرك ونيتك السودا.

أما هي فقد حضرت أطفالها لمدرستهم وبعد أن أوصلتهم جلست على الفراش تتأمله وهو مستغرق بالنوم وكانها تعاتبه، غـ.ـبـ.ـية هي وربما تكون مسالمة لحد كبير ولكن ماذا تفعل بقلبها الذي يهيم به رغم كل شيء، انتشلها من شرودها رنين هاتفه لتتناوله كي تكتم صوته و لا يقلقه تجنبًا لعصبيته، ولكن اتسعت عيناها عنـ.ـد.ما لم تتمكن من التحكم بِشاشته، حتى رقم المتصل لم يظهر، تنهدت في ضيق بعدmا تيقنت انه يُفَعل برنامج حماية خاص عليه، شعرت بالريبة من فعلته و ظلت ساهمة وكأنها تجاهد لتبحث له عن مبرر منطقي تقنع به عقلها ولكن لم تجد، جاهدت افكارها سريعًا عنـ.ـد.ما توقف رنين الهاتف وكادت تعيده لموضعه أعلى الكومود ولكنه باغتها بصراخه عنـ.ـد.ما شعر بها:.

ماسكة تليفوني ليه؟
= كان بيرن يا حسن فقلت اسكته معرفتش
جذبه من يدها و وبخها:
بطلي بقى فضولك ده
لوهلة تعلقت رماديتاها به تود ان تجد أي لين بِملامحه ولكن لم تجد سوى الجمود إلى أن فتح شاشة هاتفه وتبدلت هيئته القاسية تمامًا لبسمة واسعة، وعيون لامعة بوميض تعلمه جيدًا وطالما خصه بها وحدها، لتهمهم بريبة وافكارها تعصف بها:
خير يا حسن
وئد بسمته وأخبرها بتـ.ـو.تر:.

مفيش دي مكالمة شغل ياريت تروحي تحضري الفطار علشان نازل
تبًا لك أيها العقل توقف عن العمل، حقًا بدأت ترهقني، وتودي بثباتي، لا هو لن يفعل، لن أهون عليه، هو يعشقني انا اعلم ولن يستبدلني بنساء الأرض، فأين سيجد انثى تعشقه كيفما افعل انا؟! كفاك، شكوك حتمًا العطب بك لا به.
رهف، سرحتي في ايه بقولك حضري الفطار يلا انا متأخر؟

هدر بها بِحدة أجفلتها و.جـ.ـعلتها تهز رأسها وتذهب مسرعة من امامه لتحضر الطعام قبل ان تثور ثورته عليها.

كان يقف خارج بوابة القصر يستند على مقدmة السيارة وكل فنية وأخرى ينظر لساعة يده ويتسأل لمَ تأخرت لهذا الحد على غير عادتها، يقسم انه اعتاد عليها وأصبح ينتظر الصباح كي يراها ويشبع فضوله نحوها، فلا ينكر أنه إلى الآن يستغرب لمَ فتاة مثلها حزينة وانطوائية لهذا الحد رغم كل ما تملك من رفاهية، انتشله من شروده قول زوجة أبيها:
ميرال مش رايحة الجامعة.

تقلصت ملامح وجهه وكاد يسأل عن السبب خــــوفًا ان تكون مريـ.ـضة أو أصابها مكروه ولكنه تراجع بأخر لحظة وهو يلعن فضوله المقيت الذي يجعله يتدخل فيما لا يعنيه
اخبـ.ـار اختك ايه؟
انتشله سؤالها من أفكاره مما جعله
يحمحم يجلي صوته ويخبرها في مجاملة:
تمام الحمد لله بعتالك السلام
أبتسمت هي وقالت بتعالي:.

أختك كانت زميلتي في الجامعة قبل ما تتجوز وبصراحة لما قابلتها بالصدفة و عرفت ظروفها واللي حصل لجوزها، وأنك انت اللي بتصرف عليها وعلى بـ.ـنتها ومش لاقي شغل صعبت عليا وقولت انت اولى من الغريب وعلى الأقل هتفهمني وتنفذ اللي أقولك عليه
ابتلع غصته وهو يلعن بسره تلك الظروف التي جعلته يقبل بعرضها، من اجل شقيقته وبـ.ـنتها وقال:
انا تحت امرك يا مدام دعاء وبنفذ كل اللي طلبه فاضل بيه مني.

نفت دعاء بأصبعها أمام نظراته وأخبرته متهكمة:
أنا اللي مشغلاك مش فاضل ولازم تسمع كلامي انا قبل منه
تأهب لحديثها وعقله يخبره انها ستقول شيء لم يعجبه، وبالفعل صدق حدسه حين قالت بنبرة آمرة:
كل تحركات ميرال يكون عندي علم بيها وقبل ما تفكر تعترض افتكر إني أقدر أقطع عيشك
زفر انفاسه حانقًا من تهديدها و عقب بدفاع وبنبرة مفعمة بالكـبـــــريـاء:
أولًا الأرزاق على الله يا هانم.

ثانيًا بقى انسة ميرال مبتروحش في حتة غير جامعتها ومش موضع شك وبصراحة مش شايف داعي لقلقك
أطلقت دعاء ضحكة صفراء هازئة وعقبت بِخبث:
يظهر أنك بتتخدع في الناس بسرعة
ودور الضحية والبؤس اللي هي عيشاه ده دخل عليك
مرر يده على وجهه بعدm رضا وهو يستغفر بسره كي لا يتهور بالحديث ويخسر عمله بينما هي
قلبت عينيها وهدرت مبررة:
باباها علطول مشغول يأما مسافر، وانا عايزة مصلحتها بحكم إني مرات باباها وفي مقام امها.

حانت منه بسمة ساخرة حاول كبتها بصعوبة ولكن لم يتمكن من كبت صراحته الممزوجة بالسـ ـخـــريــة:
امها ازاي بس؟! قولي كلام منطقي يامدام ده اللي يشوفها يقول عليها اكبر منك
تأففت هي هادرة بنفاذ صبر بعدmا احرجها:
يوووووه اسمع هزود مُرتبك وكمان هخلي فاضل يثبتك بدل عم مؤنس
مسد جبهته بإبهامه وسبابته وقال بمسايرة فقط:
هفكر...

كانت تتحرك داخل مطبخها بحركات آلية وهي تشعر أنها ليست على ما يرام، فكان عقلها يعج بالكثير ولكنها تجاهلت وتمسكت بعقيدة قلبها، حتى أنها تجاهلت ذلك الدوار الطفيف الذي أصبح ملازم لها وتحركت أمام أحد المرايا بردهتها تهنـ.ـد.م شعرها وتتفقد منامتها الرقيقة ببسمة هادئة وكأنها تحفز ذاتها ثم توجهت لغرفة النوم كي تخبره أنها انتهت من إعداد الفطور، تسمرت قدmاها وكأن علق بهم جوال من الرمل شل حركتها عنـ.ـد.ما استمعت لصوته الخفيض وبسمته التي تكاد تشق وجهه، عاندتها افكارها من جديد وشعرت برجفة تنتاب أوصالها من أحتمال أن تكون بمحلها، أقتربت بِخطوات حثيثة لعلها تستبين نوعية الحديث ولكن لم يصلها شيء سوى ( موافق بس متبعديش تاني ).

تلك الجملة زلزلت كيانها ولم تجد لها تفسير سوى واحد فقط قلبها يرفضه وها هو يعلن عصيانه عليها بذلك الوجيب الذي يطرق ك طبول حرب ضارية تخشى أن تسقط طريحة على آثارها، حاولت الثبات قدر المستطاع و باغتته بسؤالها:
بتكلم مين؟
التفت لها بعيون زائغة وبتـ.ـو.تر التقطته هي بوضوح وهمهم بتقطع:
ده، ده، يامن
= طب هات التليفون هسلم عليه.

قالتها في محاولة بائسة منها أن تكتشف مدى صدقه ولكنه كان أمكر منها حين قال وهو مازال يضع الهاتف على اذنه:
رهف بتسلم عليك، سلام بقى علشان معطلكش اكتر من كده
ليغلق الخط ويلقي بالهاتف بأهمال قائلًا ببسمة متـ.ـو.ترة:
كُنت باخد رأيه في شوية حاجات، و بيسلم عليكِ وعلى الولاد...
لم تقتنع فجوابه غير منطقي مقارنة بالجملة التي استمعت لها، فما كان منها غير سؤاله بوجل:
متأكد يا حسن أنه يامن مش حد تاني؟!

لوح بيده امام وجهها وتسأل منفعل كأنها سبته لتوها:
حد تاني مين؟
اسعفها قلبها بذلك المبرر الواهي التي وجدت ذاتها تصرح به:
واحدة زميلتك مثلًا وبتخبي عليا علشان مضايقش واغير عليك
قالتها بوهن والخــــوف يفترش معالم وجهها وكم تمنت أنه يؤيدها و يطمئنها ولو بكلمة واحدة، ولكن خابت كافة ظنونها عنـ.ـد.ما صدرت منه ضحكة هازئًا ورد بنبرة مستخفة لأبعد حد:.

بقولك أيه انتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة وأنا مش فايقلك على الصبح، واقولك كمان سديتي نفسي مش عايز افطر انا همشي من وشك علشان ترتاحي
قالها بحدة مبالغ بها وهو يفتح خزانته ويخرج ملابسة يرتديها على عجالة ويغادر أمام نظراتها المشـ.ـدوهة الغير مستوعبة، فكانت تشعر أنها ضائعة، مشتتة تحارب تلك الخيوط التي تحاول أن تترابط برأسها وتهدد ثباتها واستقرار كيانها.

بينما هو كان بعيد كل البعد عن حالتها تلك فها هو بعد وقت قليل من مغادرته لمنزله؛ ينعم بقرب تلك المثيرة و يعاتبها بود شـ.ـديد لأبتعادها عنه و.جـ.ـعله يكاد يفقد آخر ذرة تعقل به، يستمع لتبريرها الواهي و يحاول طمأنتها أنه أخذ قراره ولا شيء يستطيع أن يردعه عن ما نوى وها هو يجلس لتوه مع والدتها ويتفق معها على أتمام زواجه منها بعد أن وافق على تلك الشروط المبالغ بها التي أصرت عليها كي تؤمن مستقبل ابـ.ـنتها كما تدعي.

اسدل الليل ستائره معلن عن تلك الحرب الضارية التي تدور برأسه فقد.

تململ في فراشه يجافيه النوم بعد محاولات شتى كلها باءت بالفشل؛ فبعد أخر مشادة بينهم؛ يتعمد ان يتجاهلها حتى انه ينفرد بغرفته طوال الوقت كي لا يتصادm معها، هو على يقين تام انها غاضبة من أجل شكه بها وتنتظر مبادرته ولكن لم يشغله ولم يهتم، فماذا كانت تنتظر منه؟ هو كاد يجن وحقًا هو غير أسف بشأن ذلك بل مازالت الشكوك برأسه ولم يزيحها إلا أن يتأكد بطريقته، ولكن ماذا بشأن قلبه الذي يعصاه ويميل لها، كما يحدث الآن تمامًا عنـ.ـد.ما وجد ذاته ينهض من فراشه متأففًا وكأنه يأس وترك الذمام له يسوقه أمام غرفتها، يلح عليه ان يسترق لها بعض النظرات التي تجعل خفقاته تستكين بِموضعها ويتأكد انها مازالت معه، مما جعله ينصاع دون مماطلة فقد فتح باب غرفتها بِحرص شـ.ـديد بعدmا تأكد من نوم والدته ثم اشرأب برأسه يتأملها، كانت مستغرقة بنومها بشكل فوضوي للغاية وخصلات شعرها تغطي وجهها بشكل جعله يتوق إلى يزيحها حتى يتمكن من رؤية وجهها وبالفعل ذلك ما فعله وجد نفسه كالمغيب يقترب و يجثو على ركبتيه بجانب فراشها ويزيح بيده خصلاتها بِحنو شـ.ـديد فكم كانت ملامحها جميلة هادئة بنومها.

عكس تمامًا طبيعتها وهي بكامل وعيها وكم راقه بشـ.ـدة سكونها ذلك حتى انه وجد نفسه يصرح لها هامسًا وكأنه لم يقوى على مواجهتها بِصحوها:
بحبك يا نادين وعمري ما حبيت حد غيرك، ليرفع خصلة من شعرها الطويل و يستنشقها بعمقٍ راجيًا:
أوعي تخذليني وتخوني ثقتي فيكِ
تململت بنومها مما جعله ينهض على الفور ويغادر كي لا تشعر به فأخر ما يريده الآن هو أن يتجادل معها من جديد.

في صباح اليوم التالي
أحضر لذاته كوب من القهوة وجلس يحتسيها على طاولة الطعام داخل ذلك المطبخ ذات الطابع الأمريكي، تناول هاتفه برتابة وظل يتفقد مواقع التواصل الإجتماعي، شعر بها تجلس على أحد المقاعد العالية التابعة لذلك الكونتور الرخامي امامه، تصنع عدm الأنتباه لها في حين هي تحمحت:
هتفضل تتجنبني كده كتير؟
لم يرفع عينه لها بل أخبرها بِصدق ببحة صوته المميزة وهو مازال يصب كافة تركيزه على شاشة هاتفه:.

كده افضل أحنا كل ما نتكلم نتخانق وبصراحة زهقت من الخناق ومن طريقتك
ارتفع حاجبيها المنمقين بِمكر لا يضاهيها أحد به واقتربت تستند بظهرها على طرف الطاولة أمامه تحاول أن تستحوذ على اهتمامه قائلة:
المفروض انا اللي ازعل مش انت؛ علشان شكيت فيا!؟، بس على العموم خلاص سامحتك علشان مش بحبك مكشر بيبقى دmك تقيل.

حانت منه بسمة هازئة وأسند ظهره بأريحية أكبر على مقعده يتأملها بِصمت مريب يخالف ضجيج رأسه فمتى ستكف عن طريقتها الملتوية تلك التي تستخدmها عنـ.ـد.ما تريد شيء فنعم هو يحفظها عن ظهر قلب وعلى يقين تام بكافة طرقها وقد أعتاد عليها.
تابعت هي كي تؤكد له يقينه نحوها:
طيب انا زهقانة وعايزة أخرج ممكن ولا هتعترض كالعادة؟
حانت منه بسمة عابرة وسألها وهو يربع يده ويرفع أحد حاجبيه:
عايزة تروحي فين...؟

أبتسمت وقالت ببسمتها المُهلكة تلك التي تأثر القلوب:
عايزة اروح اعمل شعري
تعلقت عينه الناعسة بخصلاتها الهوجاء وكأنه يخشى شيء بعينه ولكنه لم يعقب، لتبتسم هي بدهاء وهي تلتقط نظراته، ويلمع سواد عيناها وخاصةً عنـ.ـد.ما وافق قائلًا وهو ينهض:
عشر دقايق وتكونِ جاهزة هوصلك.

أومأت له ومازالت محتفظة ببسمتها ودون أي مقدmـ.ـا.ت كانت تصعد لمستواه على أطراف أصابعها وتطبع قبلة خاطفة على وجنته و تركض كي تستعد بينما هو جلس مرة أخرى وتطلع بآثارها وهو يشعر انها ستفقده صوابه بتصرفتها المتناقضة.

كانت تظن أنه سيوصلها ويغادر لعمله وتتمكن هي من مواعدة طارق الذي لن يكف عن الإلحاح ولكن الآخر أصر أن ينتظرها أمام مركز التجميل، لتلعن هي وتقرر انها تضايقه ايضًا كما فعل وعكر صفوها
لتخرج بعد بعض الوقت بخطوات واثقة نحوه وتقول بمكر تجيده:
ايه رأيك في اللوك الجديد؟
كانت نظراته ثابتة عليها بشكل أثار ريبتها و.جـ.ـعلها تترقب لردة فعله، بينما هو أخبرها بإقتضاب خالف كل توقعاتها:
حلو...
= ها يعني عجبك بجد؟!

اجابها وهو يضع نظارته يخفي ناعستيه الثائرة ويشرع بركوب السيارة:
أي حاجة عليكِ بتبقى حلوة، ممكن تتحركِ علشان ارجعك البيت واروح اشوف شغلي
تنهدت بإحباط من ردة فعله واقترحت ببراءة مصطنعة:
انا ممكن أروح لوحدي عادي، لو متأخر؟!
= يلا يا نادين بدل ما أجيبك من ديل الكـ.ـلـ.ـب اللي انتِ عملاه ده
قالها بنبرة ساخرة وهو بالكاد يتحكم بأعصابه، لتصعد بجانبه وينطلق بها عائد إلى المنزل.

يا لهوي، عملتي أيه في شعرك يا بـ.ـنتي؟
هدرت بها ثريا ما أن رأتها لتبرر وهي تمرر يدها بِخصلاتها القصيرة:
دي الموضة يا مرات يا بابا
= يا حول الله يارب موضة أيه بس يا بـ.ـنتي ده زينة البـ.ـنت شعرها
نفخت اوداجها ولم تعطي لحديثها أي أهمية ودخلت غرفتها، لتضـ.ـر.ب ثريا كف على آخر وتقول وهي تلحق ب يامن إلى غرفة مكتبه:
رجعت ليه يا بني مش عندك شغل
= آه يا أمي بس نسيت ملف مهم ورجعت علشان اخده.

هزت رأسها بتفهم وأردفت وهي تجلس على أحد المقاعد القريبة:
البـ.ـنت بتعند يا يامن...
تنهد وأخبرها بقلة حيلة:
عارف يا أمي وعلشان كده محبتش أبينلها إني أتضايقت من قص شعرها
لتتنهد والدته وتقترح بِفطنة:
أسمع يا بني عايزاك متضغطش عليها، سيبلها الحبل شوية، نادين متربية وعمرها ما هتغلط، هي مش مقدرة خــــوفك وحاسة انك مفروض عليها، يمكن وقتها يا ابني، تحس أنها مش مجبورة وتقدر حبك.

مرر يده بِخصلاته البُنية وأخبرها ببعض التردد فهو لا يضمن ذاته عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها:
هحاول يا أمي.

تردد بدل المرة ألف وهو يتطلع لرقمها المسجل الذي أخذه من والدها سابقًا لكي ينسق معها مواعيد العمل، فظل يجاهد تلك الرغبة التي تلح عليه أن يهاتفها منذ أن أخبرته مربيتها انها ليست على ما يرام ولن تذهب اليوم ايضًا لجامعتها انتابه القلق وأراد حقًا أن يطمئن عليها ولكنه تراجع باللحظة الأخيرة وهو يلعن ذلك الفضول الذي يدفعه نحوها فما شأنه هو! ليقذف الهاتف من يده على الفراش ثم يزفر أنفاسه حانقًا عنـ.ـد.ما تذكر حديث تلك الصفراء له وظل يتساءل أيعقل! أن يكون حدسه نحوها بغير محله رفض عقله التصديق بتاتًا وظل ساهمًا، يفكر بتروي غافل عن تلك التي كانت تتابعه منذ دقائق وجلست بِجانبه متسائلة وهي تضع كوب من الشاي الساخن على الكومود خاصته:.

مالك يا محمد من ساعة ما جيت الضهر وأنت مش على بعضك
زفر أنفاسه وأخبرها بنبرة مختنقة:
مفيش يا شهد مضايق شوية وفي موضوع شاغلني
=ايه اللي شاغلك هو حد ضايقك في الشغل؟
تسألت هي بِخــــوف مترقبة وهي تربت على ساقيه، تعلقت عينه بها بعدmا لامس خــــوفها الجلي على نبرتها وقال مطمئنًا:
متقلقيش مفيش حاجة كل الموضوع أن صحبتك دي مش نزلالي من زور ومستغرب كنتِ مصحباها ازاي
ابتسمت شهد بعدmا أزاحت خــــوفها جانبًا واخبرته:.

أحنا كنا في جامعة واحدة وزمايل بس مكناش قريبين من بعض وبالصدفة قابلتها وحكيت لها عن ظروفي وقررت تساعدك
هز رأسه بتفهم وأخبرها مشاكسًا:
طيب طمنتيني انكم مش صحاب اوي علشان بس لو حبيت اجيبها من شعرها متزعليش عليها
لطـ.ـمـ.ـت صدرها وصاحت:
لأ الله يخليك اوعى تعمل كده وتقطع عيشك بأيدك ده احنا مصدقنا من يوم ما اتخرجت وانت دايخ على شغل وأديك شايف الحال بعد وفاة فايق
تنهد وجذبها يقبل جبينها قائلًا بنبرة حنونة:.

متقلقيش، مفيش حاجة مخلياني ماسك في الشغل ده بأيدي و سناني غيركم وإذا كان على صاحبتك أمري لله هسايرها بس لغرض معين في دmاغي ويا رب أكون غلطان
وعند لفظه لأخر جملة صدح رنين هاتفه وعنـ.ـد.ما التقطه اتسعت عيناه مذهولًا عنـ.ـد.ما وجد رقمها، ليتحمحم يجلي صوته كي يصدر لين ورد وهو يهب واقفًا امام نظرات شقيقته المستغربة:
انسه ميرال تحت أمرك.

لم يأتيه غير صوت نحيب قوي من الجهة الأخرى وتلاه قولها بنبرة مرتعشة واهنة لا تنبئ بالخير بتاتًا:
ألحقني...
كي لا نسمح لِلخُذلان بِالتسرُب إلينا، علينا ألا نَرفع سقف توقعاتنا بأحد.

انسه ميرال تحت أمرك
لم يأتيه غير صوت نحيب قوي من الجهة الأخرى وتلاه قولها بنبرة مرتعشة واهنة لا تنبئ بالخير بتاتًا:
ألحقني...
فرت الدmاء من عروقه وتسارعت وتيرة أنفاسه وتساءل بوجل:
خير حضرتك أنتِ كويسة؟!
أجابته بِضياع وبنفس النبرة المرتعشة الواهنة:
انا مش كويسة، أنا، كُنت، أصل مش عارفة اسوق، ارجوك تعالا.

مسد جبهته بإبهامه وسبابته وكأنه يحاول يستوعب شيء من حديثها الغير متزن كي يتدارك الأمر وخاصةً عنـ.ـد.ما سقطت عينه على ساعة الحائط و وجدها تعدت الواحدة صباحًا:
قوليلي أنتِ فين؟دقايق وهبقى عندك.

قالها بِعُجالة شـ.ـديدة وبكامل صوته الأجش وهو يأخذ حافظة نقوده و يتناول ملابسه يرتديها مهرولًا و يخرج من منزله غير عابئ بتلك الأسئلة التي تنهال عليه من شقيقته، فقط كل ما يشغله هو أن يصل لصاحبة الفيروزتان البائسة ويطمئن عليها.

استقل سيارة أجرة كي يصل لها في أقل وقت ممكن وها هو وصل لتوه لتلك المنطقة النائية بعد الشيء التي أوصلها بالقرب منها سابقًا، ولسوء حظه رفض السائق أن يدخل بها متحجج بتأخر الوقت وكونها غير آمنة، تفهم موقفه وهو يلعن تحت انفاسه غاضبًا فماذا تفعل هي بذلك المكان وبذلك الوقت؟

تدلى من السيارة بعد ان أعطاه أجرته كاملة ثم خطى خطوات واسعة يبحث عنها وسط ذلك الهدوء المريب و عتمة المكان، ضوء قوي لفت نظره من الخلف ليلتفت يرى مـ.ـو.تور يقترب و يجلسون على ظهره أثنان يبدو عليهم عدm الاتزان يرددون كلمـ.ـا.ت تلك الأغنية الشعبية الركيكة الصادرة من المسجل خاصتهم، مروا من جانبه ولكن شعر بالريبة عنـ.ـد.ما وجدهم يبطئون سرعتهم بقرب سيارة تصطف بِجانب الطريق وتدلوا يحومون حولها، زفر بقوة وهو يدعوا الله أن تخيب ظنونه ولكن بالفعل صدقت عنـ.ـد.ما اتضح لون السيارة بفضل الضوء الصادر من المـ.ـو.تور وتأكد انها هي، مما جعله يطـ.ـلق العنان لقدmه كي يصل لها.

بينما على الجانب الآخر قال أحدهم يخاطب الآخر وعينه مصوبة تخترق زجاج النافذة المغلق على تلك المنكمشة بوهن والذعر يحتل معالم وجهها:
دي هتبقى ليلة أخر روقان يا زميلي
ليؤيده الآخر بنبرة ثقيلة تدل على عدm اتزانه وهو يطرق على زجاج نافذتها المغلق:
افتحي العربية يا مُزه أنتِ بتاعتنا الليلة.

نفت ميرال برأسها وهي تنتفض من شـ.ـدة رعـ.ـبها وهي قاب قوسين أو ادنى من أن تفقد وعيها لولآ صوته الأجش الذي تسربل لمسامعها طمئنها:
استهدوا بالله يا شباب العربية تخصني واللي جواها دي تبعي وهاخدها وامشي من غير مشاكل
قالها بكل رزانة دون ذرة تهور واحدة كي لا يعرضها للخطر ولكن لسوء حظه لم يعجبهم حديثه ودفعه أحدهم بصدره قائلًا:
نعم، انت مين ياض دي منطقتنا والمُزة دي تلزمنا، غور من هنا.

لم يتزحزح شبر واحد من موضعه وقال بنبرة محذرة قوية وهو بالكاد يتحكم بنفسه كي لا يفتك بهم:
مش همشي وقولتلك العربية باللي فيها تبعي خلينا نمشي والطيب أحسن.

حانت من آحدهم بسمة إجرامية يعلمها جيدًا واتخذ حذره منها حين أشهر أحدهم مديته الفضية بوجهه يهدده بها وحينها حقًا لم يشعر بذاته إلا وهو يقبض على رسغ الأول ويلويه خلف ظهره ويضغط عليه بكل قوته حتى سقطت المدية من يده ويعاجل الثاني الذي يكاد يهجم عليه بركلة قوية استهدفت معدته و.جـ.ـعلته يتهاوى على الأرض يتلوى من شـ.ـدة الألــم، ليدفع الأول عنه و يباغته بركلة قوية جعلته يغتاظ ويهجم عليه يسدد له عدة ضـ.ـر.بات في أماكن متفرقة جعلت محمد يتفاداها قدر المستطاع ولكن مع ذلك نال جسده العديد منها قبل أن تثور ثورة غـــضــــبه واصبح اعنف واشـ.ـد أصرار حين سيطر هو بحركة مباغتة و اعتلاه وظل يكيل له حتى أنهكه على الأخير و أصبح نتيجة الشجار حتمية له ولكن في غفلة منه كان يتناول الثاني المدية ويجـ.ـر.حه بها بذراعه كي يترك زميله وبالفعل ذلك ما حدث عنـ.ـد.ما زمجر بقوة يلعنهم ونهض عنه يتفقد ذراعه ليستغلوا الأمر وفي لمح البصر كانوا يفرون من أمامه بالمـ.ـو.تور الخاص بهم مثل الجذران المذعورة.

لينظر هو لآثارهم بغـــضــــب قـ.ـا.تل وهو يلعنهم بصوت جهوري ويتوجه لها صارخًا:
افتحي الزفت العربية خلاص مشيوا
نفت برأسها بطريقة هستيرية وبهيئة مذرية للغاية فكان بؤبؤ عيناها متسع وترتجف بشكل جعله يتفهم ما بها
ليتناول نفس عميق كي يهدأ ثم قال بعدmا أجلى صوته كي يصدر لين كي لا يفزعها أكثر:
أنسة ميرال أهدي أنا معاكِ وهما خلاص مشيوا، أفتحي العربية وخلينا نمشي من هنا.

قال آخر جملة وهو يهز رأسه يحفزها بنظرات مطمئنة جعلتها تنصاع له وتفتح بابها بأيدي مرتعشة، ليمد لها يده كي يساعدها على النزول كي تفسح المجال له لقيادة السيارة وتجلس بالجهة الآخرى ولكنها همست بنبرة واهنة ضعيفة للغاية:
مش قادرة اتحرك
ضاقت بندقيتاه يحاول ان يستشف ما بها وكم أراد أن يصرح بتلك الشكوك التي تعصف برأسه نحوها ولكنه اكتفى بسؤالها:
حاسة بأيه طيب تحبي نروح مستشفى نطمن عليكِ.

نفت برأسها بطريقة هستيرية وقالت برفض قاطع وهلع ظهر جلياً على ملامحهاولسوء حظها بطريقتها تلك أكدت له ظنونه:
لأ ملوش لزوم، أنا هبقى احسن بس روحني
مهلًا الآن تفهم ما بها، هي ليست بكامل وعيها ويبدو أنها تعاطت شيء ما يفقدها السيطرة على جسدها، زفر انفاسه دفعة واحدة واحتل الغـــضــــب معالم وجهه وهدر منفعل:
حاولي تنقلي على الكرسي اللي جنبك.

أومأت له وبالفعل أزاحت جسدها للجهة الآخرى، ليتخذ هو موقعه خلف الموقد و بعصبية مفرطة أدار السيارة وباشر بالقيادة غير عابئ بجـ.ـر.ح يده فقد كل ما كان يشغله كيف خانه حدسه نحوها وخالفت كافة ظنونه وعند وصوله لتلك الفكرة تذكر حديث زوجة أبيها الذي يبدو أنه صادق ليعلن تحت انفاسه وهو يرمقها شذرًا وهي تسند رأسها وتغمض عيناها ولا يعلم هل سقطت في سبات عميق أم فقدت وعيها.

بعد عدة ساعات وبعد بزوغ الفجر رمشت بعيناها تحاول جاهدة أن تسترد كامل وعيها لتجد ذاتها مازالت داخل السيارة المصفوفة جانب الطريق قرب منزلها، وتراه هو يستند على مقدmة السيارة وشاخص بنظراته لبعيد
أعتدلت بِجلستها وهي تمسد جبهتها لعلها تخفف ذلك الألــم الذي يفتك برأسها ولكن دون جدوى، ليصدر منها آنه متألــمة جعلته ينتبه لها ويعود أمام المقود قائلًا بوجوم شـ.ـديد دون ان ينظر لها:.

كويس انك فوقتي علشان معرفتش ادخلك القصر ازاي وانتِ بالحالة دي
صوته أعادها لرشـ.ـدها و.جـ.ـعل الأحداث تتوافد أمام عيناها مما جعلها تنظر له بِضياع بأعين متسعة قائلة:
أنا آسفة، اعصابي كانت بايظة و مكنتش عارفة اسوق ومفيش غيرك جه في بالي اكلمه
هز رأسه بِملامح ثابتة وأخبرها بعملية شـ.ـديدة:
انا تحت امرك بس لازم فاضل بيه يعرف باللي حصل
نفت برأسها بقوة وتمسكت بذراعه ترجوه غافلة عن جـ.ـر.حه الذي آلمه حين فعلت:.

لأ ارجوك يا محمد، بلاش تقول ل بابا
جز على نواجذه بقوة ولم يعد يتحمل أكثر ليحتل الألــم معالم وجهه ويسحب ذراعه من قبضتها مما جعلها تستغرب فعلته ولكن عنـ.ـد.ما انتبهت ولاحظت شق قميصه وتلك القطرات الحمراء التي جفت عليه صرخت بهلع:
أيدك مالها انت اتعورت؟!
نفى برأسه واخبرها من بين اسنانه بنفاذ صبر:
بسيطة خليني اوصلك واخلص من اليوم ده...
قالها وهو يشعل المقود ويشرع بالقيادة ولكنها منعته راجية:.

استنى ارجوك، اوعدني متقولش لبابا عن اللي حصل
زفر انفاسه دفعة واحدة وهو يمسد جبهته بسبابته وابهامه قائلًا:
مقدرش اوعدك بحاجة
أغمضت عيناها بقوة ثم أجهشت بالبكاء وهي تعتدل بِجلستها وتخفي وجهها بكفوفها وكأنه بجملته تلك قطع خيوط أملها، ولكنه باغتها:
غير لو قولتيلي كُنت بتعملي ايه في المنطقة دي بعد نص الليل؟!

هو خمن السبب ويكاد يكون متأكد منه مليون بالمائة، ولكنه أراد أن يستمع لتبريرها التي كانت عاجزة هي عنه الآن ولم يصدر منها شيء غير صوت شهقاتها التي ظلت تتعالى دون انقطاع.

شعر بالضيق لرؤيتها هكذا ولكن لا يستطيع ان يخالف ضميره وقد أخذ قراره ولن يتراجع، فحقًا هو لا يريد أن يقحم ذاته بشيء لا يعنيه، تفعل ما تفعله ومن المفترض أن والدها هو من يتخذ إجراء معها، أما هو لا يخصه هو فقط مجرد سائق يقوم بعمله لا أكثر:
أنا هرجعك القصر و لما يرجع فاضل بيه هبلغه بنفسي وهو يتصرف أنتِ خالفتي أوامره وخرجتي لوحدك ده غير انك مكنتيش في وعيك نهائي وانا مينفعش أخالف ضميري واسكت.

أزاحت يدها تطالعه بِضياع وبعيون كلون الدmاء قائلة بنبرة مختنقة باكية:
بلاش ارجوك واوعدك مش هتتكرر تاني
نفى برأسه بعدm اقتناع مما جعلها تهمس بنبرة واهنة يائسة لأبعد حد وهي تنظر له نظرات غريبة لم يتفهمها ولكنها زلزلت قاع قلبه:
على العموم شكرًا انك ساعدتني، انا عارفة إني غلطانة واستاهل كل اللي يجرالي.

ذلك آخر ما قالته قبل أن تنكمش تستأنف وصلة نحيبها وهي تستند برأسها على زجاج نافذتها بوهن شـ.ـديد وبوجه شاحب يحاكي المـ.ـو.تى، أما هو كان يطالع هيئتها بملامح متأثرة متعاطفة وخاصًة بعد أن استشف صدق نبرتها المغلفة بالنـ.ـد.م مما جعله يكاد يخرج عن ثباته ويتراجع عنـ.ـد.ما داهمه ذلك الشعور الغريب تجاهها ولكنه لعن غبائه ولعن كل شيء حوله وتلك الهواجس التي تراوده ويستحيل حدوثها، ليزيح كل شيء جانبًا و ينطلق بها جهة القصر وهو ينوي أن لا يتراجع عن قراره.

أما داخل ذلك المنزل الذي يعج دائمًا بالمشاحنات فقد
كانت هي باهتة ليس ككل يوم تتحرك بحركات متهدلة إلى طاولة الطعام مما جعله يلاحظ ذلك بوضوح ليضيق عينه وكأنه يحاول سبر اغوارها بينما هي جلست بعيون منتفخة قليلًا أزعجته و.جـ.ـعلته يسألها بِقلق حقيقي:
كنتِ بتعيطي ليه؟

نفت برأسها وهي تتناول قطعة من الخبز وتباشر فطورها مما جعله يزفر بضيق و يشيح بنظره عنها فرؤيتها هكذا تألــمه بل تعتصر قلبه، لتنظر ثريا لها وتسألها بِود حقيقي:
إيه اللي مزعلك يا بـ.ـنتي قوليلي انا زي أمك
نفخت اوداجها وصرخت بها بِعجرفة وقوة تخالف ما تشعر به:
مفيش حد زي أمي، وياريت كفاية تمثيل لغاية كده انا زهقت منك انتِ وابنك
زمجر لاعنًا ثم صرخ بها كي يردع تمردها:
نادين كفاية كده اسكتِ.

لتعترض وهي مازالت محتفظة بتمردها:
مش هسكت، مش هسكت يا يامن واعلى ما في خيلك اركبه
شهقت ثريا بينما هو كان يشعر أن كل خلية به تنتفض من فرط عصبيته ليجذبها من ذراعها ويدخلها غرفتها تحت مضضها وتلويها بين يده ومناجاة ثريا له كي تمنعه تخــــوفًا أن يؤذيها، ولكنه طمئنها بنظراته وهو يدفع الآخرى ويغلق الباب، طالعته هي بغـ.ـيظ وبنظرات مشتعلة حين صرخ بها بنفاذ صبر:
أنتِ عايزة ايه؟

ارحميني انا اعصابي تعبت ومبقتش مستحمل، قوليلي بتعملي ليه كده؟!
اجابته منفعلة وهي تلوح بيدها:
أنت عارف، وامك كمان عارفة، انا بكرهكم يا يامن، بكرهكم
شعر وكأن خنجر مسموم انغرس بقلبه من تصريحها، ولكنه يحفظها عن ظهر قلب ويعلم أن يوجد شيء يعكر صفوها ولذلك تتحامل عليه وعلى والدته، ليحتل الحـ.ـز.ن عينه ويقول بثبات اجاده:
مطلبتش منك تحبينا، انا وامي كنا بنحاول نواسيكِ مش اكتر
حانت منها بسمة ساخرة وردت بنبرة ممزقة:.

اللي يشوف كده يقول إنكم قلبكم عليا...
كانت تكبت دmعاتها بصعوبة بالغة ولكنها بطبيعتها القوية هدرت بوجهه دون أي لباقة:
اطلع بره وسيبني لوحدي
لا يعلم لمَ لم ينصاع لها بل وجد نفسه يقترب منها و يجذبها بقوة داخل أحضانه ويقول بحنو حقيقي:
عيطي يا نادين يمكن ترتاحي.

دفعته وارادت الخروج من بين يده ولكنه لم يعطيها فرصة لذلك وانزلق معها حين نزلت على ركبتيها على الأرض و شـ.ـدد أكثر على جسدها وهو يهمس بنبرة مطمئنة و يطبع قبلة حنونة على منبت شعرها:
اهدي، علشان خاطري، انا جنبك انا عارف ان انا أخر واحد في الدنيا عايزاه جنبك بس والله مش هضايقك، أهدي...
استكانت بين يده وأجهشت ببكاء مرير جعله يمسد على ظهرها صعودًا وهبوطًا بطريقة حانية جعلتها تغمغم من بين دmعاتها:.

النهاردة ذكرى وفاة ماما، أنا عايزة اروح ازورها
زفر بضيق شـ.ـديد وظل يلعن نفسه ربما للمرة الألف فكيف غفل عن ذلك اليوم وهو يعلم أهمـ.ـيـ.ـته بالنسبة لها،
ليخرجها من بين يديه ويمسح دmعاتها بأطراف انامله قائلًا بأسف حقيقي:
الله يرحمها، حقك عليا والله نسيت، هخدك دلوقتي ونزورها وهعملك كل اللي انتِ عايزاه بس بلاش أشوف دmـ.ـو.عك دي تاني.

أومأت له باكية بينما هو لم يتحمل رؤيتها هكذا ليجذبها مرة أخرى لأحضانه ويهمس بنبرة صادقة نابعة من صميم قلبه:
دmـ.ـو.عك بتقــ,تــلني يا نادين ، انا عمري كله فدى دmعة واحدة من عينك، أهدي و انا والله مش هضغط عليكِ تاني ولا هضايقك...

تشبثت به بقوة و دفنت وجهها بين ثنايا عنقه بطريقة أربكته للغاية و.جـ.ـعلت وجيب قلبه يتعالى، بينما هي كانت مأخوذة بتلك الطمأنينة التي تشعر بها الآن، ولكن ازعجها خفقات قلبه المتعالية لتضع يدها على موضعه وكأنها بتلك الحركة البسيطة تريد طمئنته دون قصد لتخرج من بين يديه ببطء ممـ.ـيـ.ـت لكليهما وخاصًة عنـ.ـد.ما اشتبك بـ.ـارود عيناها مع لهيب ناعستيه التي تفيض بمكنون قلبه الذي لم يجرؤ ابدًا عن الإفصاح لها به، بينما هي كانت نظراتها حائرة، ضائعة، مشتتة، هائمة بوجهه القريب للغاية منها وهي تشعر بنبضة عاصية صادرة من خافقها تشارك صخب قلبه، دام تعانق عيناهم لعدة دقائق مما جعل وتيرة أنفاسه تتعالى شيء فشيء وهو يستغفر بسره فذلك القرب المهلك منها سيجعله يفلت زمام نفسه ويستغل تلك الحالة النادرة التي هي عليها ليزيح بعينه ويقول بتهدج وبثبات بالكاد تقمصه:.

أنا مقدر حـ.ـز.نك، بس صدقيني البكى مش بيرجع اللي راح
هزت رأسها بحركة بسيطةودmعاتها مازالت تنسل على وجنتها تستغرب ذلك الشعور التي لأول مرة يراودها، ليمرر هو أبهامه على وجنتها يزيح تلك الدmعات النادرة ويقول ببحة صوته المميزة:
هستناكِ برة عقبال ما تجهزي.

اومأت له بطاعة يعشقها منها، ليبتسم بسمة حانية و ينزل يدها التي مازالت تستقر على موضع خافقه ويلثمها بحنو شـ.ـديد تحت نظراتها الضائعة و ينهض ويغادر، لتظل هي تنظر لظهره بنظرات هي نفسها لاتعلم مكنونها ولكن كل ما تعلمه انها شعرت براحة غريبة بين يديه وبراحة أكبر من احتوائه لها وتفهمه سبب خروجها عن طورها.

نورتي يا ماما ثريا والله
قالتها رهف مُرحبة بتلك السيدة الحنون التي أتت خصيصًا لكي تطمئن عليها، ولكن رهف بطبعها اخبرتها ان كل شيء على ما يرام مما جعل ثريا تتسأل مشككة:
يا بـ.ـنتي اتكلمي انا زي أمك وقلبي واكلني عليكِ ده انا ما صدقت يامن خد
نادين وخرجوا علشان أجيلك
أبتسمت رهف ببهوت وأخبرتها وهي تناولها كوب العصير التي حضرته من أجل ضيافتها قائلة ببعض التردد وعدm ثقة زرعها بها:.

متحرمش منك يا ماما كل الحكاية بس أن حسن متغير...
شهقت ثريا وتساءلت بتوجس:
شوفتي عليه حاجة؟!
هزت رأسها كونها لا تملك جواب قاطع، رغم العديد من المواقف التي أثارت ريبتها نحوه ولكن لا يوجد لديها دليل قاطع يدينه، قطع صراع عقلها سؤال ثريا من جديد:
انا عارفة انك عاقلة يا بـ.ـنتي ومش عايزة تخربي بيتك بإيدك بس فضفضي يمكن ترتاحي، ده انتِ خاسة النص و وشك أصفر زي اللمونة.

أبتلعت رهف ريقها بحلق جاف وأصرت على موقفها كي لا تضعه بموقف سيء أمام خالته قائلة بثبات مصطنع:
لو في حاجة كُنتِ انتِ أول واحدة قولتلها، انا بس تعبانة شوية وفي دوخة غريبة كده بتجيلي
شهقت ثريا بقلق وقالت معاتبة:
طب مستنية ايه؟ لازم تكشفي وت عـ.ـر.في فيكِ أيه انا بكرة الصبح بعد ما توصلي الولاد هاخدك واخلي الدكتور يطمني عليكِ.

أومأت رهف بامتنان حقيقي فكم اسعدها اهتمامها وقلقها الذي لم يخصها أحد به قط منذ وفاة اهلها، لتحتضنها قائلة بعيون غائمة متأثرة:
ربنا يخليكِ ليا مش عارفة من غيرك كنت عملت ايه
تنهدت ثريا وهي تربت على خصلاتها بحنو قائلة بنصح:
اسمعي مني يا بـ.ـنتي محدش هينفعك هو اه حسن ابن اختي بس ميستهلش تهملي نفسك بسببه، لازم تاخدي بالك من صحتك محدش هينفعك.

هزت رهف رأسها بتفهم وهي تخرج من احضانها وتجفف دmعاتها قبل أن يصل هو بمزاج رائق للغاية مرحبًا:
اهلًا يا خالتي ايه المفاجأة الحلوة دي والله وحشاني
زغرته ثريا ثم لوت شـ.ـدقيها وقالت معاتبة:
المفروض الصغير هو اللي يسأل على الكبير مش العكس يا ابن اختي
تحمحم وبرر وهو يجلس بجوار رهف يحاوط كتفها بلطف مخالف لحالته السابقة:.

حقك عليا والله مشغول وعلى أخري المشروع لازم أسلمه كمان كام يوم هي رهف مقالتلكيش أن طالع عيني ولا ايه!
كانت جملته الأخيرة بمثابة معاتبة صريحة لها كونها لم تغطي عليه كعادتها مما جعلها تهدر بدفاع تؤيده وكانها مبرمجة على فعل ذلك:
اه فعلًا كان مشغول اوي معلش اعذريه
أومأت ثريا بمسايرة وحستها بعيناها أن تتركهم لحالهم وبالفعل نهضت قائلة وهي تنظر لساعة يدها:.

انا هنزل استنى الولاد تحت البيت الباص زمانه على وصول
وإن غادرت قالت ثريا بحدة دون أي تهاون:
اسمع يا ابن اختي من غير لف ولا دوران، مراتك أصيلة وبتحبك اتقي الله فيها وارجع لعقلك
ابتلع رمقه بوجل وتسأل بعيون زائغة:
هي اشتكت ليكِ؟
نفت ثريا وقالت مدافعة:
انت عارف انها كتومة ومش بتتكلم بس انا اللي مش عاجبني شكلها مطفية كده على طول سرحانة حتى الكلام بيطلع منها بالعافـ.ـية
زفر بـ.ـارتياح قائلًا بسخط:.

هي مهملة في كل حاجة حتى صحتها مترميش اللوم عليا يا خالتي
وضعت ثريا يدها على فمها بغير رضا وهدرت منفعلة تنهره:
مهملة ازاي يعني ده جزاتها أن بيتك وعيالك زي الفل دي قايدة صوابعها العشرة شمع لجنابك وانت ولا مقدر
بلاش تتحاملي عليا يا خالتي الله يخليكِ انا مش ناقص ويعلم ربنا أنا مش مقصر معاها في حاجة واللي بتطلبه بيجلها.

مش بالمجايب مراتك عمرها ما كانت مادية واظن انت اكتر حد عارف ده، هي محتجاك انت؛ تشاركها وتقرب منها، دي ملهاش غيرك ولازم تكون أحن واحد في الدنيا عليها وتحتويها وتساعدها في مسؤولية عيالك
تأفف هو وقال بنبرة ساخطة وبفكر رجل شرقي مازال متمسك ب عـ.ـر.فية أفكاره:.

والله انا راجـ.ـل ومش فاضي للملل ده انا كل اللي عليا أجيب فلوس وألبي كل طلباتهم، وبعدين هي مش بتعمل حاجة زيادة لا ليا ولا لعيالها ده واجبها وشغلها المفروض عليها والستات كلهم بتعمل كده المفروض تحمد ربنا
تنهدت ثريا وهي تشعر بالغـ.ـيظ من تفكير ابن شقيقتها العقيم لتهدر بجدية شـ.ـديدة:.

صوابعك مش زي بعض، وأنت مش عارف قيمة النعمة اللي في ايدك مراتك أصيلة و راضية ومفتحتش بؤها بكلمة علشان بتحبك بس يا ابني، الواحدة مننا ليها طاقة و تقدر تغفر كل حاجة في الدنيا إلا الخيانة
هب واقفًا بتـ.ـو.تر بالغ ألتقطته ثريا فور قولها و.جـ.ـعلها تتيقن أنه مذنب لا محالة خاصةً عنـ.ـد.ما قال بعيون زائغة:
أنا مش بخونها ويوم ما هفكر اعرف واحدة عليها هيبقى بالحلال.

شعرت ثريا بوخذة بقلبها من حديثه وترأى أمام عيناها حياتها السابقة ومصير غالية الذي إلى الآن تشعر بالأسى عليها لتقول بنبرة حزينة وعيون غائمة على أثر تلك الذكرى البعيدة:
وساعتها يبقى ليها حرية الأختيار يا تقبل يا ترفض تكمل معاك، وصدقني حتى لو كان بعلمها وبرضاها في الحالتين هتكون خسرتها ومش هتستحمل تشوفك مع غيرها.

احتدت عينه من حديثها الذي لم يروقه بالمرة ولكنه على اقتناع تام انها لا تستطيع تركه مهما فعل ستتقبل خطيئته التي يظنها بريئة، مبررة، ومباحة له ولا يحق لها الاعتراض ولكن ماذا إن تركته هل سيتقبل هو ذلك، حقًا لم يفكر في ذلك الاحتمال من قبل
انتشله من شروده قولها بتحذير قبل ان تهم كي تغادر:
أوعى تفتكر انها ملهاش حد وأنها ضعيفة تقدر تكـ.ـسرها لأ أنا أول واحدة هقف في وشك وصدقني وقتها هتبقى أنت الخسران.

ذلك آخر ما تفوهت به تاركته متخبط يلعن تحت انفاسه ويجلس وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية في عصبية شـ.ـديدة فهي نجحت وبشـ.ـدة في أن تسربل شيء من التردد وربما الرهبة في نفسه بعد حديثها.

كان يطالعها بعيون حزينة وهي تذرف الدmعات أمام قبر والدتها و تشكوا لها بالكثير، تعمد أن يبتعد قليلًا ليترك لها مساحتها الخاصة ولكن رؤيتها منهارة هكذا يفقده صوابه لا يتحمل دmعاتها ولا هوانها ذلك بل تعود عليها متمردة قوية سليطة اللسان، انتشله من شروده صوتها المختنق أثر البكاء:
انا خلصت ممكن نمشي.

هز رأسه لها ببسمة دافئة وألتقط يدها برفق تحت نظراتها المشتتة وسار بها للخارج، لتغمغم هي بعد صعودهم للسيارة:
أنا عايزة أروح
نفى برأسه وقال وحبات القهوة خاصته تشملها بدفء واحتواء لا مثيل له:
لأ اليوم بتاعك اطلبي اي حاجة وانا انفذها من غير جدال
حانت منها بسمة عابرة وسألته بترقب:
أي حاجة، أي حاجة؟
هز رأسه بتأكيد لتسترسل هي بمكر وكأنها تبدلت لتوها لتلك المتمردة من جديد:.

عايزة عربية انت عارف ان بابا كان معلمني السواقة
ابتلع غصة بِحلقه وهمهم بعدm اقتناع:
بس انا بخاف عليكِ يا نادين ومش...
قاطعته هي:
ها أنت وعدتني من غير جدال
تنهد بعمقٍ ومرر يده على ذقنه قائلًا بعدmا تذكر نصيحة والدته:
مش هخلف وعدي بس ليا شروط
ضحكت تلك الضحكة الآثرة للقلوب وصفقت بِحماس جعل قلبه يتراقص على صخبها قائلة بمكر وبعيون لامعة:
أخيرًا، انا موافقة والله على كل شروطك بس انت نفذ.

هز رأسه وابتسم ببشاشته المعهودة وهو ينطلق بسيارته إلى أقرب معرض للسيارات كي يلبي طلبها، بينما هي ظلت طوال الطريق تسترق النظرات له و تجاهد تلك النبضة العاصية بقلبها التي تنبأها بشيء لطالما تخــــوفت منه وتكاد تمـ.ـو.ت قهرًا إن حدث.

اسدل الليل ستائره على ذلك الساخط الذي لا يعرف أين يكمن الرضا، فكان مُمدد بفراشه بجوارها يحاول ان يتوقع كافة الاحتمالات الواردة بشأنها فلا ينكر بعد مغادرة ثريا وذلك التهديد الصريح منها، شعر بشيء من الرهبة يتملك منه ليجد ذاته يتودد لها على غير عادته في الآونة الأخيرة قائلًا بلطف وهو يقترب منها يداعب وجنتها لتكف عن تصنع النوم:.

رهف ، رهف أنا عارف إنك سامعاني ومبت عـ.ـر.فيش تنامي قبلي ليتردد قليلًا ثم يقول بتقطع وكأنه يمَن عليها باعتذاره:
أنا، آسف
رفرفت هي بأهدابها تؤكد له يقينه، وابتسمت بسمتها الناعمة التي رغم بهوتها الآن إلا أنها تجعله يشعر أن العالم خلى من كل مصائبه ولم يتبقى غير ربيعها و سلامها النفسي الذي ينفض دواخله ويعبث دومًا بأفكاره ونواياه.
لم تعقب هي بل ظلت تعاتبه بنظراتها مما جعله
يتنهد عميقٍ ويقترب أكثر منها مبررًا:.

انا عارف اني زودتها بس كنت مخـ.ـنـ.ـوق وأنتِ بتضغطي على أعصابي
ردت بنبرة متألــمة تفيض بالعتاب:
انا عمري ما قصدت أضغط عليك، انا كنت بحاول أشاركك واخفف عنك بس انت مش مديني فرصة
ليبرر من جديد بذلك السبب الواهي الذي يحاول ان يقنعها به ولا يمل من ذكره:
اعصابي مشـ.ـدودة من الشغل و اعذريني لو كنت بخرج عن شعوري.

ليرفع يدها يلثمها ويستجديها بعينه ان تغفر له، فما كان منها غير أن تتهاون معه ولكن ماذا بشأن مكالمته وادعائه الغير منطقي حقًا لا تريد المجادلة معه ولكن وجدت ذاتها تتساءل من جديد بقلب يكاد يهوي بين ضلوعها:
لما كنت بتتكلم وقلتلي يامن كان هو فعلًا...
ابتلع رمقه بحلق جاف وأخذ يمرر يده بخصلاته الفحمية وكأنه يبحث عن كذبة مناسبة تقنعها ثم قال بكل تبجح وثقة كي يسايرها:.

بصراحة، كانت مكالمة شغل من واحدة من اللي بيشرفوا على تنفيذ المشروع بشركتي ومرضتش اريحك لما سألتيني علشان حسيت انك بتشكي فيا و كنت مخـ.ـنـ.ـوق منك ومن اسئلتك الكتير.

حقًا كانت تستمع له مذهولة من تبريره ومن كيفية حياكته للأمر، المفترض أنها الآن تكون سعيدة كونه كشف لها حيلته واراح قلبها ولكن وجدت ذاتها مشتتة لا تعلم كيف استطاع أن يتقن كذبته لذلك الحد وكيف هي كانت غافلة عن مهارات التمثيل لديه لتضيف بإصرار وكأنها تود أن تسد كل الثغرات بعقلها حتى لا يثور عليها:
بس انت قولت انه يامن حتى قولتله رهف بتسلم عليك؟!

تأفف في ضيق من اسئلتها التي تكاد تودي بثباته و تفضح أمره وهدر منفعل وهو ينهض يواليها ظهره:
افففففف بقى مش هخلص من أسئلتك دي، كانت قفلت ساعتها، وقولتلك كنت قاصد أضايقك زي ما ضايقتيني
أغمضت عيناها بقوة تحاول كبح أفكارها وتقبل الأمر دون جدال أكثر، فلا يوجد لديها خيار آخر على أي حال لتنهض تقترب منه وتقول بقلة حيلة وهي تضع يدها على ذراعه:
أنت كل دنيتي يا حسن بلاش تعمل كده وتستغل إني مليش غيرك.

التفت لها وهو يشعر بِشيء من تقريع الضمير ثم رفع يدها يلثمها مرة أخرى وقال برهبة بثتها به ثريا بجدارة:
حقك عليا، انا مقدرش استغنى عنك، أوعي تسبيني
كوبت وجهه بين راحتيها بعدmا تدخل قلبها اللين كعادته:
مقدرش انت روحي يا حسن ربنا ما يحرمني منك.

أبتسم وهو يأمن على دعوتها، ثم احتضنها بقوة وكأنه يريد ان يكفر عن خطيئته بحقها، استكانت هي بين احضانه وكأنه هو مخبأها الوحيد وحصن أمانها متغاضية عن كل شيء بلين قلبها.

حمقاء هي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولكن دائمًا تجد له مبرر لكافة افعاله ولمَ لا وهي ليس لها أحد سواه، فقد نشأت ببيت عمها وربيت مع أبـ.ـنته بعد وفاة عائلتها بحادث مروع اودى بحياتهم، وحين تزوجت هي توفى عمها وسافرت ابـ.ـنته مغتربة مع زوجها بأحد بلاد الخليج لتبقى هي وحيدة دون ملجأ او سند غيره.

تبسمت الشمس في كبد السماء معلنة عن يوم جديد يخبئ في طياته الكثير فقد.

استعدت هي بنشاط على غير عادتها وقررت انها هي من ستقوم بإيقاظه اليوم، تجهزت مرتدية بنطال أزرق من خامة الجينز ويعتليها كنزة وردية ذات حملات رفيعة وحذاء رياضي يماثل لون كنزتها وقد اجلت سترتها لحين خروجها، لتنظر مرة أخيرة بالمرآة وتبعثر خصلاتها القصيرة كي تبدو هوجاء كما تفضلها ليلفت نظرها أضاءة هاتفها التي تتعمد ان تضعه على وضع الصامت طوال الوقت بسبب غباء طارق الذي لن يكف عن إلحاحه الذي حقًا كاد يصيبها بالسأم تجاهلت الهاتف تمامًا و توجهت بخطى واسعة نحو غرفته ودلفت دون حتى أن تطرق بابها، وحينها وجدت ما لم تحسب حسابه قط لتتعالى وتيرة انفاسها وظلت تتراجع للخلف وهي تشعر بأن كل خلية بجسدها تنتفض من شـ.ـدة ذعرها حين سقطت عيناها عليه هو بطلته القاسية التي لا تعرف اللين وبعيناه التي يسطع بها المكر قائلًا:.

كيفك يا بـ.ـنت غالية توحشتك؟
أنّ المرأة يسحرها أولًا الأمان الذي يزرعه الرجل من حولها، بعدها كل شيء يأتي من تلقاء نفسه.

كيفك يا بـ.ـنت غالية توحشتك؟
ابتلعت غصتها و همست بجزع:
خالي!
چرى ايه يا جلب خَالك مش هتسلمي عليا وتحبي على يدي ولا إيه؟
هزت رأسها بِبسمة باهتة وتقدmت في ثبات تصافحه متجاهلة جملته الأخيرة:
اهلًا يا خالي القاهرة نورت
زفر بقوة عنـ.ـد.ما لم يروقه سلامها البـ.ـارد الخالي من الإحترام بتاتًا بالنسبة له وهدر وهو يطالعها بنظرات خبيثة من أخمص قدmيها حتى رأسها:
منورة بناسها يا بت غالية وين چوزك وكيف مهملك مايعة إكده.

شملت ذاتها بنظرة عابرة بعدmا تفهمت المغزى من حديثه وكادت تجادل ولكن اتى رد يامن ملاحق لها:
أنا هنا أهوه يا حاج عبد الرحيم نورتنا
قالها يامن وهو يخرج من المرحاض عاري الصدر يلف منشفة عريضة حول خصره وأخرى صغيرة يجفف بها شعره، لتشهق هي في خفوت وتزيح بنظراتها بعيدًا مما أثار ريبة عبد الرحيم وهو يرد سلام يامن بِبرود دون لباقة:
اهلًا بالغريب ليحول نظراته لها ويتسأل بخبث بَين:
مكسوفة من چوزك إياك.

استغرق الأمر ثانية واحدة كي تلاحق الموقف بهز رأسها وقولها بمكر لا يضاهيها احد به:
لا يا خالي انا بس خــــوفت يبرد علشان الشباك مفتوح
لتهرول إلى النافذة المفتوحة وتغلقها ببسمة متـ.ـو.ترة تحت نظراته الفاحصة
ليهز رأسه وهو يلتقط طرف جلبابه ويقول وهو يتوجه نحو الأريكة المقابلة للفراش ويجلس عليها:
عندك حج يا بت غالية چوزك بَرّدك ومن حجك تنخلعي عليه.

تناوبوا النظرات المتـ.ـو.ترة بينهم قبل أن يضيف عبد الرحيم وهو يسند ظهره بأريحية ويطوف بعينه محيط الغرفة:
بس الأوضة زينة وعفشها مليح
ليركز نظراته على الفراش ويقول بخبث بَين و بنوايا بعيدة كل البعد عن البراءة:
بس السَرير ده ضيج حبتين بيساعكم ده يا ولاد
ابتلعت هي غصة بحلقها وتوارت خلف ظهره وهي تتفهم الغرض من سؤاله، بينما يامن نظر لها نظرة مطمئنة وهدر بكل ثبات:.

اه يا حاج كله تمام، وكويس أن الأوضة عجبتك أصلها ذوق نادين وكل حاجة من اختيارها هي.

قال آخر جملة وهو يجذبها من خلف ظهره ويحاوط خصرها ويضمها إليه بطريقة اربكتها، ولكن دائمًا ما يكون ردود أفعالها سريعة، لتسايره وتبادله بإحاطة خصره ايضًا ورغم تـ.ـو.ترها والرجفة التي انتابتها عنـ.ـد.ما لامست جسده العاري تحت يدها إلا أنها استحضرت بسمتها المعهودة التي حاولت أن تكون أكثر دفء أمام عينه من أجل أن يكتمل المشهد الدرامي أمام ذلك الذي كان يتآكلهم بنظراته وتحمحم قائلًا بنبرة غليظة مستنكرة:.

اتحشم وروح استر نفسك وألبس خلجاتك يا غريب والله عار عليك تستجبلني وأنت زلط إكده
تنهد يامن بثبات بينما كادت هي ان تبتعد عن مرمى يده ولكنه ضغط أكثر على خصرها كانه يود ان يطمئنها ويجعلها تتمسك بثباتها كونه بجانبها وسيتولى الأمر ليرد بنبرة قوية مبطنة بمغزى وصل للآخر بكل وضوح:
والله يا حاج أنا في أوضة نومي ومع مراتي، وانت على راسي، بس المفروض كنت استقبلك في الصالون مش هنا.

زفر عبد الرحيم انفاسه دفعة واحدة وهو يلعن بسره ذلك الذي يدعوه غريب كونه احرجه بلباقة وخرب تخطيطه فكم تمنى أن يجد شيء واحد فقط يدل على أن حياتهم ليست طبيعية كأي زوجين، ليتحمحم يجلي صوته بخشونة ثم قال وهو ينهض من جلسته:
عندك حج يا غريب بس اعذرني كنت متوحش بـ.ـنت خيتي ومجدرتش أصبر لما أمك فتحتلي باب الدار وچريت أدعبث عليها.

لم يشغله حرف واحد مما تفوه به غير نعته بالغريب مما جعله يهدر قائلًا بنبرة جادة وبملامح ثابتة:
يامن اسمي يامن يا حاج مش غريب واظن سهل مـ.ـيـ.ـتنسيش
ضاقت عين عبد الرحيم وعقب بنبرة مغتاظة بشـ.ـدة:
واه مغلطتش في البخاري إياك
قطع حديثه دخول ثريا وقولها بوجوم شـ.ـديد:
أنت هنا يا عبد الرحيم انا عملتلك الشاي وخرجت ملقتكش
أجابها بِخبث وهو يتناوب نظراته بينهم وكأنه يسبر أغوارهم:
كنت بَطُل بدي اطمن على بت خيتي.

لترد نادين بنبرة متسرعة مهزوزة تضاهي رجفة جسدها:
انا كويسة الحمد لله يا خالي وفي احسن حال مع جوزي
هز عبد الرحيم رأسه بخيبة أمل وهو ينظر لهم نظرات مشككة وكانه يريد ان يخترق بها دواخلهم
لتتدخل ثريا بتهكم بعدmا لوت شـ.ـدقيها:
أديك اطمنت والحمد لله تعالى بقى أشرب الشاي بتاعك قبل ما يبرد
وسيبهم يكملوا لبس ويحصلونا.

أومأ لها وسبقها بِخطواته لتنظر هي لهم نظرة مطمئنة وتلحق به مغلقة باب الغرفة خلفها، ليزفر هو أنفاسه دفعة واحدة بإرتياح بينما هي جلست على أقرب مقعد قائلة بعيون زائغة وبجسد ينتفض:
انا خايفة
أجابها بنبرة مطمئنة وهو يجثو امامها و يحاوط ذراعيها بحنان:
انا معاكِ وخــــوفك ملوش داعي
صوبت نظراتها المشتتة إليه وقالت بتوجس:
زيارته غريبة وكلامه أغرب.

تنهد وهو يمرر يده على طول ذراعيها كي يهدئها قائلًا بنبرة حنونة بثت بها بعض السَكينة:
اهدي هو مش اول مرة يزورنا اكيد شوية وهيمشي انا عايزك تثقي فيا هو ميعرفش الاتفاق اللي بينا احنا قدامه زي اي اتنين متجوزين وحياتنا طبيعية لازم نأكد له ده
طالعت ناعستيه بضياع وتساءلت بذعر حقيقي وهي تكوب وجهه بين يدها:
وافرض عرف ان جوازنا على الورق وبس هتسيبه ياخدني معاه؟

نفى برأسه بقوة وكانه ما تقوله هي المستحيل بعينه وهدر بنبرة قاطعة وهو يصعد لمستواها و يجاورها جاذب رأسها يدفنها بين ثنايا صدره العاري قائلًا بنبرة واثقة مطمئنة:
مش هيعرف ابوكِ الله يرحمه أمني عليكِ ومستحيل أخل بوعدي ليه ولا ليكِ
ليأتيه سؤالها الذي اشعره لأول مرة انها تود ان تنتمي له:
افرض اخدني وغـ.ـصـ.ـب عليك تطلقني؟
نفى برأسه من جديد وكأنه على حافة الجنون وقال بِفطنة:.

خالك كل اللي يهمه الفلوس و هو عارف ان كل املاكك بأسمي، مستحيل يعمل كده...
اهدي ومتخافيش انا جنبك يا نادين مستحيل اسيبك.

قال جملته الأخيرة وهو يطبع قبلة حنونة على قمة شعرها ويضمها له أكثر مما جعلها دون ارادة منها وكأنها بحاجة لذلك العناق حاوطته وأغمضت عيناها كي تزيح كافة الافكار السوداوية بعيدًا عن رأسها، بينما هو كان في قمة سعادته فكم يعشق سكونها بين يديه وتلك الحالة الفريدة التي هي عليها الآن ليغمض عينه ايضًا ولكن وهو يلعن تلك الخفقات الصاخبة التي تفضحه دائمًا وتزعزع ثباته أمامها، وبالفعل تأكد أنه افتضح عنـ.ـد.ما انتفضت بعيدًا عنه وهي تشعر بتـ.ـو.تر بالغ فيبدو أنها تيقنت لتوها أن تلك الحرارة التي كادت تحرقها منبعثة من جسده العاري التي كانت تجول بعيناها عليه الآن دون وعي، ليبتسم هو و كأنه يقرأ أفكارها مما جعلها تتراجع خطوتين للخلف وهي تضع خصلة من شعرها خلف اذنها وتتحاشى النظر له، كم أراد أن يشاكسها ويستغل الموقف لصالحه ولكنه كعادته كبح أفكاره العابثة جانبًا، و تفهم خجلها ببسمة هادئة وغير سير الحديث كي لا يزيدها عليها:.

اول مرة تيجي أوضتي من نفسك! كنتِ عايزاني؟
اومأت له وأخبرته بتـ.ـو.تر وهي تواليه ظهرها وتجاهد تلك النبضة العاصية بخافقها:
كُنت جاية أصحيك
طالع ظهرها لوهلة مستغرب ذلك التغير المفاجئ وهدر قائلًا وهو ينهض يرتدي ملابسه:
بس انا صاحي من بدري وعملت رياضة كمان.

جعدت حاجبيها المنمقين باستغراب فتلك المعلومة لم تكن تعلمها عنه ربما لأنها لم تنهض باكرًا مثله ولذلك لم تلحظ ممارسته للرياضة قط، لتخبره وهي مازالت تواليه ظهرها:
انا بكره الصحيان بدري، بس قولت ألحقك علشان تكون معايا وانا بجرب العربية بس خالي بقى الله يسمحه نشف دmي
ضيق ناعستيه وباغتها بسؤاله وهو ويتذكر جملة عبد الرحيم التي أغاظته:
هو أنتِ كنتِ هتخرجي كده بلبسك ده؟

نفت برأسها واخبرته بملل وهي تقلب عيناها:
لا طبعًا انا عارفة تعليمـ.ـا.تك كويس انا كنت هلبس بليزر طويل علشان متتعصبش كالعادة
لثوانٍ لم يصلها رده حتى انها كانت تشعر بحركته اثناء حديثه ولكن الآن صوت خطواته يقترب شيء فشيء لتحتبس انفاسها وتغمض عيناها وهي تسير لخارج الغرفة:
انا هستناك برة.

لتتأوه بقوة عنـ.ـد.ما كادت تتعثر بطرف الطاولة التي تتوسط غرفته ولكن يده سندتها وجذبتها لترتطم بجسده عوضًا عن ارتطامها بالأرض، شعرت بملمس صدره العريض الخشن تحت راحيتها التي استندت بهم الآن دون قصد كي تتفادى السقوط لتفتح عينها بترقب شـ.ـديد ووجهها يشتعل كجمر ملتهب تحت نظراته التي تتفرس بها باستمتاع شـ.ـديد وبسمة متسلية تزين محياه قائلًا:
انتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة؟
بتجري ليه.

أطلقت سراح انفاسها المحتبسة ما أن رأته ارتدى بنطاله وقميص يبدو انه لم يسنح له الوقت لإغلاق أزراره وثأثأت بنظرات مهزوزة وبقلب يرتجف لا تعلم ما به:
قولت علشان تلبس كُنت هستناك برة...
= انا لبست خلاص خليكِ دقيقتين وأخرج معاكِ
كادت ان تتذمر كعادتها ولكنها وجدت ذاتها تهز رأسها بطاعة، ليبتسم هو ويبتعد كي ينهي ارتداء ملابسه أمام نظراتها الثابتة التي لا تنم عن أي شيء سوى تشتتها.

أما هي فظلت ملازمة غرفتها منذ عودتها وحمدت ربها كون زوجة أبيها تبيت اليوم عند والدتها، فكانت حريصة للغاية أن لا يراها أحد واكدت على الحارس عدm اخبـ.ـارها وبالفعل لم يجادلها وكأنه مدين لها باعتذار مسبقًا أغمضت عينيها بقوة وهي تدعوا الله ان لا يفتضح أمرها ولكن كيف و مُحبة تجلس فوق رأسها وتنهال عليها بأسئلتها:
ريحي قلبي وقوليلي حصل ايه؟
وكنت فين؟ ودm مين ده اللي على هدومك؟

سؤالها الأخير حاز على كافة أنتباهها مما جعلها تنهض تتفقد ملابسها التي نزعتها عنها فور وصولها، لتغمض عيناها بقوة وهي تشعر بتقريع الضمير مما أصابه بسببها لتقرر أن تحدثه تطمئن عليه وبالفعل تناولت هاتفها وطلبت من مُحبة بلطف:
داده انا كويسة ومحصلش حاجة متقلقيش، هحكيلك بعدين بس ممكن تسبيني دقيقة لوحدي.

انصاعت لها مُحبة وغادرت وهي تهز رأسها بعدm رضا بينما هي نقرت على شاشة هاتفها وطلبت رقمه وانتظرت بتـ.ـو.تر بالغ أن يجيبها.

في تلك الأثناء كان هو ممدد على فراشه يستجدي النوم كي يهرب من تساؤلات شقيقته التي صرعت بها رأسه وهلعها منذ رأت هيئته الرثة حين عاد للمنزل، ولكنه طمئنها واخبرها انه شجار بسيط وجـ.ـر.حه سطحي وقد تم تقطيبه ولا داعي للقلق؛ لتتركه بمفرده كي ينال قسط من الراحة التي لا يعلم أين السبيل لها بعد ما حدث زفر في ضيق وهو يتناول هاتفه وعلم هوية المتصل لينتفض من فراشه ويظل يمسد جبهته بتردد كبير حسمه بقوله وهو يفتح الخط:.

خير حضرتك
ابتلعت غصتها وتسألت وهي تشعر بخزي من نفسها:
أنت كويس؟
تمام
وجـ.ـر.ح ايدك؟
قولتلك بسيطة كلها كام غرزه مش مستاهلة
انا كنت قلقانة وحابة اطمن عليك
ألجمه حديثها و لا يعلم بما يجيبها، لتستأنف هي بِعرفان:
انت حد جدع اوي وانا بجد آسفة
قالت جملتها و كادت تغلق الخط لولآ انه باغتها بأخر شيء توقع ان يصدر منه:
بلاش تأذي نفسك
فرت الدmـ.ـو.ع من فيروزتاها أجابته بنبرة مختنقة بعبراتها يسودها اليأس:.

نفسي ملهاش قيمة عندي ولا عند أي حد
زلزلت قاع قلبه للمرة الثانية وظل يتسأل لمَ كل هذا اليأس ولمَ فضوله اللعين يدفعه لاستكشافها، حقًا لا يعلم كل ما يعلمه أنها خالفت توقعاته وأثبتت له كالجميع انها ليست محل ثقة.
بكرر اسفي مرة تانية...

جملتها تلك انتشلته من مداهمة افكاره وإن كاد يجيب اغلقت الخط دون ان تنتظر رده مما جعله يلقي بالهاتف بِجانبه ويلعن تحت انفاسه فحقًا هي تشتته للغاية فماذا يفعل هل يخبر ابيها وينصاع لرغبة ضميره أم يصمت كي لا يضعها بموقف سيء يزيدها سوء على سوءها.

ظل يطالعها بنظرات كارهة وهو يحتسي كوب الشاي الخاص به مما جعلها تسأله بنبرة جادة لا تحمل شيء من الود:
خير يا عبد الرحيم أيه سر الزيارة المفاجئة دي
غص برشفته وسعل بخفة ثم قال بخبث:
واه ده دار چوز خيتي الله يرحمها واچي وجت ما حب يا ثريا
حانت من ثريا بسمة هازئة وقالت متهكمة:
هو انت كنت بتجي بيته تسأل عليه وهو عايش علشان تيجي بعد مـ.ـو.ته، ده انت ياراجـ.ـل مكلفتش خاطرك وحضرت دفنته.

احتدت نظراته بمكر وقال متحججًا:
جولتلك كان حداي مصالح واعرة ومجدرتش أدلى وجتها
لوت ثريا شـ.ـدقيها وقالت متهكمة:
انت مجتش علشان عرفت أن كل املاكه بقت بأسم ابني وكل تخطيطك راح على الهوا
زمجر غاضبًا وعقب بحدة:.

إيه حديتك الماصخ ده تخطيط إيه اللي تجصديه لو في حد خطط فهو أنتِ يا ثريا خدتي الراجـ.ـل من على مرته وعصتيه عليها وخلتيها مـ.ـو.تت روحها من جهرتها، لع وكمان اجنعتيه يكتب كل اللي وراه واللي جدامه بأسم ابنك ويچوزه البِنَية
تهجم وجه ثريا عنـ.ـد.ما استحضر هو تلك الذكريات البعيدة التي لطالما تشعر نحوها بالحـ.ـز.ن والأسى الذي انعكس على نبرتها الآن:
حسبي الله ونعم الوكيل.

ده اللي عقلك المريـ.ـض صور هولك أنما الحقيقة ربنا وحده اعلم بيها وقادر ينصفني
ارتفع جانب فمه ببسمة هازئة وهمس بسره:
تجتل الجتيل وتمشي في چنازته مرا واعرة
في تلك الاثناء دخل يامن برفقة نادين لغرفة الصالون ليجد والدته منكسة الرأس ويظهر الحـ.ـز.ن بَين على قسمـ.ـا.تها ليتسأل بوجل:
في ايه يا امي مالك؟
نفت برأسها وبالكاد ابتسمت بسمة عابرة واخبرته وهي تنهض:
سلامتك انا هروح احضر الفطار اقعد مع خال مراتك.

ليقاطعهم عبد الرحيم وهو ينهض:
لع أنا مش جاعد هروح الترب أجرا الفاتحة ل غالية وبعدين ورايا كذا مُصلحة إكده وهعاود في الليل أبيت معاكم واتوكل الصبح بمشيئة الرحمن
ابتلعت نادين غصتها بتـ.ـو.تر بالغ واخبرته بِمجاملة عابرة تخالف رغبتها:
خليك أفطر معانا الأول يا خالي ملحقتش أقعد معاك
ربت عبد الرحيم على ذراعها قائلًا:.

هعاود تاني يا بـ.ـنت غالية وخليها عشا عاوز وكل من يدك واشوف ليك نفس في الطبيخ كيف أمك ولا وكلك ماصخ كيف المصاروة
تناوبت النظرات بينهم بضياع، فهي لا تفقه شيء بتاتًا في أمور إعداد الطعام، ولم تجرء قط على دخول المطبخ او حتى التجربة، ولعلمه بذلك أبتسم هو بسمته المطمئنة ذاتها و حسها انه سيتولى الأمر مما جعلها تتلعثم قائلة بتـ.ـو.تر:
ها، اه، حاضر يا خالي هطبخلك احلى أكل
تسلمي يا جلب خالك.

ليغادر هو تاركهم يتنفسون الصعداء وتقول ثريا وهي تتنهد بضيق:
انا هروح احضر الفطار علشان متأخرش على رهف
ليعقب هو وهو يطالع تلك التي ارتمت على احد المقاعد و تتنفس براحة أكبر منذ خروج خالها:
لأ يا امي متتعبيش نفسك انا و نادين هنفطر برة وبالمرة هروح المطعم اجيب اكل من هناك علشان بليل
أومـ.ـا.ت ثريا وتحركت لغرفتها بينما نادين أزاحت التـ.ـو.تر الذي سببه خالها لها جانبًا وهبت تصفق بحماس وكأنها عادت لطبيعتها لتوها:.

اكيد هنروح بالعربية الجديدة مش كده
ابتسم و وافقها ببسمة واسعة:
ايوة يا مغلباني بس بشرط تسوقي بعقل انا مش مستغني عن عمري
هزت رأسها و هرولت تحضر سترتها بحماس ظهر جلي على قسمـ.ـا.تها وما زادها غير فتنة بعينه وهي تسحبه للخارج بحماس طفولي وكأنها مازالت تلك الطفلة ذات الجدائل الطويلة التي عشقها منذ الوهلة الأولى.

أما هي فقد دخلت غرفتها بخطوات واهنة والحـ.ـز.ن يكسو ملامحها، متأثرة بتلك الذكريات البعيدة الذي تعمد عبد الرحيم أن يضعها نصب عيناها من جديد لتجلس على طرف فراشها وتلتقط صورة زوجها الراحل وتعود بذاكرتها لما حدث منذ عدة سنوات مضت.

فكان والد يامن أحد مردين المواد الغذائية التي يتعامل معهم عادل من اجل مطعمه وكانوا تربطهم صداقة قوية انعكست عليهم بشكل إيجابي و.جـ.ـعلت ثريا تتقرب منها ويتبادلون الزيارات والمجاملات فكانت غالية شخص مريح غير متكلف بالمرة.

وطالما كانت البسمة لا تفارق ثغرها، وبعد وفاة زوج ثريا لم تتركها غالية قط بل تقربت منها و واستها وتوطدت علاقتهم أكثر ببعض حتى انها كانت تقص لها كل شيء حتى عن مرضها الذي اخفته عن الجميع واولهم زوجها،.

حاولت ثريا إقناعها أن تخضع للعلاج ولكن غالية لم تقتنع قط وخاصةً عنـ.ـد.ما علمت ان مرضها الخبيث نسبة الشفاء منه لن تتعدى عشرون بالمائة ولذلك كانت تنتظر مصيرها المحتوم بأي وقت مما زاد حالتها النفسية سوءٍ وحين علم عادل بالأمر أصر على خضوعها للعلاج ولكنها تمنعت وبشـ.ـدة وكان ذلك سبب خلاف دائم بينهم، حاولت ثريا حينها أن تخفف عنها ولا تتخلى عنها وتساندها كما فعلت هي حين وفاة زوجها ولكن غالية فاجأتها برغبتها حين قالت لها:.

أنا مش خايفة من المـ.ـو.ت يا ثريا بالعكس انا كل يوم بستناه أنا بس اللي مخــــوفني هو بـ.ـنتي و عادل هيعملوا ايه بعدي
تنهدت ثريا و واستها بنبرة حزينة متأثرة:
ربنا يخليكِ ليهم يا غالية بعد الشر عليكِ، لو بس تسمعي الكلام وترضي تاخدي جلسات العلاج
ابتسمت غالية بشحوب واخبرتها بيأس:
مش عايزة اتعـ.ـذ.ب على الفاضي و عايزة أشبع من نادين الكام يوم اللي فضليلي في الدنيا وافضل جنبها مش وسط المستشفيات والكيماوي والعيَنين.

مش يمكن يكون في أمل
حانت منها بسمة باهتة لابعد حد واخبرتها بيأس تمكن منها:
ويمكن لأ...
المهم دلوقتي إني هطلب منك طلب واوعي ترديني مكـ.ـسورة الخاطر
ماعاش ولا كان اللي يكـ.ـسر بخاطرك
عايزاكِ أنتِ اللي تربي بـ.ـنتي بعد مـ.ـو.تي
ربتت ثريا على يدها وقالت بحسرة وبحـ.ـز.ن حقيقي:
بلاش سيرة المـ.ـو.ت، محدش هيربي بـ.ـنتك غيرك
نفت غالية برأسها وترجتها بعيون تفيض بالدmع:
ريحيني يا ثريا و وافقي.

تنهدت ثريا وتساءلت بعدm استيعاب ودmعاتها تنسل بحسرة على صديقتها:
( لا حول ولا قوة إلا بالله) عايزاني اوافق على ايه بس؟
لترد غالية بإصرار وبكل رضا:
تتجوزي عادل.

تلك الجملة كانت كفيلة ان تزلزل كيانها وتعيدها للوقت الحالي وتجعلها تشعر بقلبها يعتصر بين ضلوعها بسبب ما حدث بعد ذلك فكم تمنت ان يكون مصيرها مختلف ولكن خانتها عزيمتها و.جـ.ـعلتها تكرر إنهاء حياتها بنفسها عوضًا عن انتظار المـ.ـو.ت أن يأتيها، نفضت دmعاتها وهي تترحم عليها وتدعوا لها بالمغفرة ثم نهضت كي تستعد لكي توافي رهف كما وعدتها.

جلست على طاولة الطعام بعيون ساهمة متغاضية عن ثرثرة دعاء التي كادت تصيبها بالضجر لولآ صوت والدها الذي أتاها نجدة لها:
صباح الخير يا ميرال
نهضت وعانقته بقوة قائلة بإحتياج وبنبرة واهنة:
وحـ.ـشـ.ـتني يا بابي
ربت فاضل على ظهرها وقال بحنو:
ده هو يومين بس اللي غبتهم يا بـ.ـنتي لحقت اوحشك
هزت رأسها بين احضانه التي هي حقًا بحاجة لها ولأحتواءه وقالت مؤكدة:
متسافرش تاني وتسبني
اجابها والدها ببسمة حنونة:.

حاضر يا ستي مش هسافر تاني ولو سافرت هاخدك معايا طالما بوحشك
صكت دعاء اسنانها واعترضت:
ايه الدلع ده! هو انت بتسافر تتفسح ولا علشان الشغل
خرجت ميرال من احضانه تنظر لها بإستياء لم تكترث الأخرى
وأضافت بخبث وهي تنظر له نظرات ذات مغزى يعلمه جيدًا:
ودراستها والجامعة اللي بقالها كذا يوم مش بتروحها، المفروض انك تعارضها و تخاف على مستقبلها اكتر من كده
هز فاضل رأسه وأيد زوجته:
دعاء عندها حق مستقبلك اهم.

ليه مش بتروحي الجامعة
كم شعرت بالخذلان من حديثه التي أثبت به أن زوجته هي صاحبة السُلطة الأكبر على قراراته، مما جعلها تنظر ل محبة التي تقف بالزاوية تحسها أن تساندها وهي تجلس على طاولة الطعام من جديد وتتلعثم قائلة:
كنت تعبانة شوية
ليتساءل فاضل بحدة:
وليه محدش بلغني
لتلاحق محبة الحديث التي تابعته من بادئته وأدركت بفطنتها أن أحد الخدm يتلصص لصالح دعاء لذلك تعمدت اغاظتها:.

حقك علينا يا بيه أصل كنت ملخومة بيها و دعاء هانم من ساعة ما سافرت وهي عند ولدتها ومتعرفش حاجة
أومأ فاضل بتفهم بينما ظلت دعاء ترشق محبة بنظرات مغتاظة جعلت محبة تشعر ببعض الارتياح
وخاصةً عنـ.ـد.ما وجدت فاضل تجاهل حديث تلك الصفراء و وظل يربت على ظهر ابـ.ـنته بحنو ويطمئن عليها في حين ميرال كانت تبتسم ببهوت وتخبره انها اصبحت بأفضل حال،.

ولكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهيه السُفن فقد اندثرت بسمتها الباهتة و تهدجت انفاسها بذعر بَين حين رأته يقترب من جلستهم ويهدر قائلًا في عملية شـ.ـديدة:
حمد الله على سلامة حضرتك يا فاضل بيه
اهلًا يا محمد اخبـ.ـارك ايه؟
تمام يا فنـ.ـد.م انا جيت علشان...
قطع حديثه عنـ.ـد.ما تعلقت عينه بها يرى تلك النظرة الراجية بفيروز عيناها وكم كان يجاهد ضميره حين استأنف بعملية شـ.ـديدة تحت نظرات الجميع المترقبة:.

علشان اطمن على آنسة ميرال واشوف إذا هتخرج النهاردة او لأ
تهللت أساريرها وهي تنظر له بامتنان حقيقي ثم هتفت وهي تلملم أشياءها:
انا بقيت كويسة، وهروح الجامعة
هز رأسه لها واستأذن بأدب وسبقها إلى الخارج بينما هي قبلت وِجنة مُحبة دون عن الجميع وهرولت تلحق به لتدعوا مُحبة بسرها:
ربنا يصلح حالك ويريح بالك يا بـ.ـنتي.

شكرًا
قالتها بإمتنان حقيقي وهي تصعد للسيارة، مما جعله يتنهد بملامح واجمة وهو يتحاشى النظر لها:
انا متعودتش اشوف الغلط واسكت عليه والاستثناء ده مش هيتكرر تاني والمفروض انتِ اللي ت عـ.ـر.في مصلحة نفسك...
اومأت له واخبرته بنـ.ـد.م:
انت عندك حق اوعدك مش هعمل كده تاني انا ساعات بيبقى عزيمتي ضعيفة و استسلم لكن وعد مش هأذي نفسي زي ما طلبت مني
هز رأسه بملامح مازالت واجمة وأخبرها بإقتضاب:
تمام.

ابتسمت ببهوت وقالت بِعرفان للجميل وهي تراه يشعل مقود السيارة بيده المضمدة:
انت جدع اوي وعمر ما في حد عمل علشاني كده ابدًا وعلشان كده نفسي نبقى صحاب
نظر لها نظرة غامضة لم تستشف منها شيء ثم قال بعملية شـ.ـديدة وبكامل صوته الأجش المفعم بالكـبـــــريـاء وهو ينطلق بها:
آسف مفيش حاجة في قاموسي اسمها اصحاب، انا هنا سواق جنابك وبس واللي عملته أي راجـ.ـل عنده نخوة كان مكاني كان عمل زيه واكتر منه كمان.

احتل الحـ.ـز.ن عيناها وتراجعت للخلف تحتضن حقيبتها إلى صدرها وكأنها تستمد منها القوة، فكم طـــعـــنها قوله وأكد لها أنها سيئة ومرفوضة و الجميع ينفر منها ويتخلى عنها.

بينما هو لعن نفسه ربما للمرة الألف بعد المائة انه احرجها ولكن هو لا يريد أن يقحم نفسه بها أكثر ويتوهم بشيء يستحيل حدوثه، فهو يعلم ذاته تمام المعرفة ويعلم أن ليس باليسير ابدًا ان تتمكن أنثى أن تزعزع ثباته وتجعله يخالف ضميره لأول مرة بحياته من أجلها.

كم كانت تود أن تحلق بالسماء من شـ.ـدة سعادتها عنـ.ـد.ما اخبرها الطبيب بذلك الخبر السار، وكم شعرت بالامتنان لتلك السيدة الحنون التي شاركتها فرحتها وسعادتها واهدتها الكثير من النصائح بشأن سلامتها قبل ان توصلها وتغادر لمنزلها وها هي تجلس بأنتظاره تهيأ له الأجواء كي تخبره متغاضية عن كل ما حدث وهي تظن أنه باعتذاره منها بلأمس سيعود لسابق عهده.

وعنـ.ـد.ما اتى استقبلته بلهفة كعادتها وانتظرت ان يستفسر منها عن زيارتها للطبيب ولكنه لم يكلف ذاته حتى بمكالمة هاتفية او حتى سؤالها عند وصوله مما جعلها تشعر بالضيق من عدm اكتراثه، وظلت تنظر له نظرات معاتبة وهو يجلس بجوارها على الاريكة بردهة منزلها ويسلط كافة تركيزه على هاتفه مما جعلها تتنهد بصوت مسموع لفت انتباهه و.جـ.ـعله يتساءل ببرود:
مالك يا رهف مش على بعضك ليه؟

رفعت نظراتها له واخبرته بعتاب وهي تزيح الهاتف من يده لتستحوذ على انتباهه:
أنت ليه مكلمتنيش النهاردة في التليفون؟
مط فمه ورد بلامبالاه:
عادي يعني مجاش في بالي
ابتلعت غصة مريرة بحلقها وأضافت بنبرة متخاذلة:
بس انا قولتلك إني رايحة للدكتور الصبح
أغمض عينه بقوة وبرر بذلك السبب الواهي الذي لا يكف عن ذكره:
اه نسيت معلش كان عندي اجتماع طويل وكنت مشغول.

تعلقت رماديتاها الضائعة به تود لو تجد الصدق بعينه ولكن لم تجد شيء يقنعها بحجته فمنذ كذبته السابقة وهي اصبحت تشكك بكل كلمة تصدر منه، نفضت افكارها سريعًا وارغمت ذاتها على التصديق حتى لا تفسد سعادتها، ولكنه لم يكتفي بذلك الصراع اللعين الذي يضعها به بل زادها عليها بقوله باستخفاف:
قالك ايه اكيد مش حاجة خطيرة يعني اكيد قالك انك مهملة في اكلك وكتبلك على شوية فيتامين مش اكتر.

ارتفع جانب فمها ببسمة متخاذلة وردت مستنكرة:
لأ يا حسن اطمن مش حاجة خطيرة
هو فعلًا كتبلي على فيتامينات بس مش علشان انا مهملة في اكلي علشان حاجة تانية
تأفف هو بسأم وهدر بنفاذ صبر:
أففففف، مـ.ـا.تتكلمي علطول من غير لف ولا دوران انا اتخـ.ـنـ.ـقت من الملل بتاعك ده
غامت عيناها من عصبيته الغير مبررة وقالت ببسمة باهتة وبنبرة تلاشت منها سعادتها بفضله وبفضل نظراته القاسية المترقبة:
انا حامل يا حسن...

أبتلع ريقه بحلق جاف ثم تسأل بنظرات مهتزة:
أنتِ متأكدة!
أكدت ببسمة باهتة:
ايوة يا حسن الدكتور أكدلي وحتى ماما ثريا كانت معايا
كويس
قالها وهو ينهض يوليها ظهره بنبرة مقتضبة وبملامح واجمة ؤدت سعادتها على الأخير و.جـ.ـعلتها تتساءل بترقب:
أيه اللي كويس، أنت مش مبسوط إني حامل
مرر يده بخصلاته الفحمية وأخبرها بعتاب وهو يتناول علبة سجائره ويشعل واحدة وينفث دخانها بقوة:
أنتِ ليه مخدتيش رأي قبلها
أجابته بصدق:.

أنا مكنتش مخططة لده بس أنت عارف إني ساعات بنسى أخد الحبوب
حانت منه بسمة ساخرة وصرخ بِسخط:
علشان انتِ مستهترة يا هانم انا زهقت منك، على العموم اللي حصل، حصل
أدعت هي الثبات وقالت بنبرة صامدة بالكاد خرجت منها:
انا مش مستهترة وبعدين دي ارادة ربنا وحـ.ـر.ام نعترض عليها
تأفأف هو هدر بغـ.ـيظ وهو يلوح بيده:
أنا مش معترض و مش هقدر اغير مشيئته
قبضت على قميصه القطني من الخلف وقالت بنبرة راجية متأملة:.

أنا مبسوطة يا حسن بلاش تكـ.ـسر فرحتي انا نفسي يبقى عندي ولاد كتير منك ونفسي كلهم يطلعوا شبهك، نفسي يبقى ليا عزوة و انا وانت نربيهم سوا ويبقوا أحسن ناس في الدنيا
زفر أنفاسه دفعة واحدة ورد عليها بنبرة جـ.ـا.مدة خالية من أي مشاعر وهو يطفئ سيجارته في المنفضة أعلى الطاولة:
تمام يا رهف، مبروك.

لم يمنحها فرصة حتى للرد بل تفوه بتلك الكلمـ.ـا.ت الجافة وغادر من أمامها إلى غرفة النوم تاركها تنهار على أقرب مقعد، تنزع عنها قناع التماسك والصلابة التي تدعيها دائمًا وتشهق بحرقة جثت على صدرها و تنفجر باكية بدmعات حارقة متألــمة تنعي فرحتها التي وئدها هو ببراعة، فنعم يوجد كثيرون مثلها يتوقعون الكثير ولا ينالون إلا الخذلان ومع ذلك يصمدون كي يحيوا بسلام في حين أن دواخلهم أرق من ورقة شجر ذابلة في خريف رجل لم يقدر قط، ولكن ياترى الى متى؟!

داخل الحرم الجامعي وخاصًة بالكافتيريا جلست هي وحيدة شاردة بعد انتهاء محاضراتها تسترجع حديثه الذي مازال يتردد برأسها بلا انقطاع فكم شعرت بالخزي من نفسها وم فعلتها، تقسم انها تجاهد كي لا تستسلم للأمر لكن دون جدوى تجد ذاتها مسلوبة الارادة نحو تلك الحبوب التي تجعل طنين رأسها يهدأ وحقًا حينها كانت بأشـ.ـد الحاجة لها ولذلك لم تفكر في عقبات الأمر، ورغم انه احرجها بمنطقه الغريب ذلك التي بالكاد تتفهمه إلا أنه جعلها تشعر نحوه شعور غريب لم تستطيع تفسيره قط.

( انا هنا سواق جنابك وبس واللي عملته أي راجـ.ـل عنده نخوة كان مكاني كان عمل زيه واكتر منه كمان).

شعرت بالضيق عنـ.ـد.ما تكررت جملته مرة أخرى داخل رأسها مما جعلها تتساءل هل حقًا حديثه صادق هل أي رجل غيره كان سيفعل ما فعله لا تظن ذلك فهي تعرفت على الكثير و لم يفعل أحد من أجلها شيء يذكر أو حتى قام بنصحها كما فعل هو لتحين منها بسمة ساخرة متألــمة وتبرر لذاتها ربما العطب بهم و لم يصح اطـ.ـلا.ق عليهم لقب رجـ.ـال من بادئة الأمر.

أما على الجانب الآخر كان يحاول مرارًا وتكرارً ان يتواصل معها ولكن دون جدوى تتجاهل كافة اتصالاته مما جعله يزفر انفاسه بِغـ.ـيظ شـ.ـديد ويدس هاتفه بجيبه و يتوجه للكافيتريا وعندها لمح ميرال تجلس منفردة بذاتها تأرجح كوبها بين اناملها وساهمة في نقطة وهمية في الفراغ لا يعلم لمَ وجد ذاته يقترب منها فربما شيء من بقايا ضميره هو من ساقه لها ليقول بنبرة ماكرة وهو يجلس بجانبها:
ازيك يا ميرال.

نظرت له نظرة جانبية ثم أجابته بإقتضاب:
كويسة
نظر لها نظرة متفحصة يرى كيف تبدل حالها وذبل جمالها واصبحت صورة شاحبة بلا روح لتلك التي كانت مفعمة بالطاقة والنشاط ليتسأل:
مش باين انك كويسة...؟
حانت منها بسمة هازئة من سؤاله وكأنه يهتم وتسألت بضعف:
أيه صعبانة عليك بعد ما سبتني؟
زاغت سوداويتاه وأخبرها بظنه العقيم نحوها الذي هيأه له شيطانه حينها و.جـ.ـعله مبرر قوي لتركها:.

مش عايز اتكلم في اللي فات انا معتقدش إني فرقت معاكِ وأكيد مش هتغلبي وهشوفي غيري
غامت عيناها وشعرت بوخزة بقلبها من إهانته ولكنها لملمت شتات نفسها قائلة كي تحافظ على بقايا كبريائها:
أنت فعلًا مفرقتش ويمكن منه عندها حق أنت مجرد وهم وانا كان نفسي اصدقه لتغتصب بسمة ثغرها وتستأنف:
وانت عندك حق هشوف غيرك بس المرة دي هحاول اختار صح وعمري ما هفكر ارجع لواحد زيك.

احتدت نظراته وهدر منفعل وهو يقبض على يدها بقوة آلمتها:
اللي زي ده كنتِ هتمـ.ـو.تي وترجعيله ولا نسيتي، وعلى فكرة بقى انا اللي ميشرفنيش حتى يتقال إني كنت على علاقة بيكِ، انا معايا اللي أحسن منك وبحبها وقريب اوي هرتبط بيها
استفزها حديثه للغاية مما جعلها تنهض تنفض يده و تثور بغـــضــــب وهي تلوح بوجهه بطريقة لفتت كافة الأنظار لهم و.جـ.ـعلت الهمهمـ.ـا.ت تتعالى حولهم:
طالما بتحبها جاي تسأل عليا ليه، عايز مني ايه؟

احتدت سوداويتاه وزمجر غاضبًا:
= اهدي على نفسك انا غلطان إن واحدة زيك صعبت عليا و كُنت بحاول أواسيكِ
حانت منها بسمة هازئة وقالت وفيروز عيناها يطـ.ـلق شرار لا مثيل لها:
شكرًا اوي وفر مواساتك لنفسك لما اللي انت فاكرها احسن مني تسيبك وتديك اكبر مقلب في حياتك، لتميل على أذنه قائلة كي تشتت عقله وتضغط على كـبـــــريـاءه ك:.

فُوق، قبل فوات الآوان، نادين مصيرها، وحياتها مربوطة بغيرك وعمرها ما هتضحي بكل حاجة علشان تبقى معاك واكيد هتسيبك
أغمض عينه بقوة يحاول ان يتمالك زمام نفسه بعد حديثها وهو يستغرب كيف علمت بأمر نادين مما جعلها تلاحظ تشتته و تبتسم بتشفي وتغادر بخطواتٍ ثابتة تخالف ما تشعر به إلى الخارج، بينما هو أحتل الغـــضــــب عينه وظل يضغط على قبضة يده بعصبية مفرطة وهو يلعنها ويلعن تلك الشكوك التي أثارتها بعقله.

اقترب فايز احد رفاقه المقربين وكاتم أسراره ما ان وصل لتوه ولاحظ الحالة التي هو عليها:
في ايه مالك...؟
نظر لصديقه ثم هدر بغـــضــــب شـ.ـديد والشكوك تتأكل عقله:
بـ.ـنت ال، دي حلال فيها الفـ.ـضـ.ـيحة فورت دmي
تنهد صديقه وهو يجلس بجواره وأخبره بسأم:
تاني مش خلصنا بقى من حكايتها وشبكت مع اللي انت عايزها
ما هو ده اللي مخليها هتتجن إني مع نادين وقال ايه عاملة قلبها عليا وبتنصحني وبتقولي هتسيبك
ليقول صديقه بإستغراب:.

بصراحة مش قادر استوعب ازاي كانوا أصحاب وبيحقدوا على بعض كده
قال طارق بعد أن أزاح كوبها التي تركته بغـ.ـيظ:
محدش يعرف السبب بس كان لازم أعمل نفسي مصدق اللي اتقال عليها علشان اخلع بشياكة و أبقى مع نادين
ليجيبه صديقه بِجدية:.

أنا معاك أن نادين تستاهل بس يمكن ميرال عندها حق متنساش أنهم كانوا اصحاب وهي تعرفها اكتر منك، وبعدين انا لغاية دلوقتي مش عارف انت ازاي قابل على نفسك الوضع ده، يا ابني اللي تبقى مع راجـ.ـل وتصاحب عليه واحد تاني دي تبقى مش تمام وتتوقع منها أي حاجة
زفر طارق بحنق وكأن حديثه صديقه يرفض ان يخترق عقله وقال بإقتناع تام:
هي مغـ.ـصو.بة عليه ومش بتحبه وبعدين هي عجباني اوي وهمـ.ـو.ت عليها.

لتحتد سوداويتاه ويضيف بتوعد قـ.ـا.تل عنـ.ـد.ما تذكر تجاهلها له:
متقلقش انا هعرف أخليها زي الخاتم في صباعي...
أعلمُ أني لن أكونَ قويةً على امتدادِ الطريق، لذلكَ أريدكَ أن تأخذَ بيدي وتردني إلى الصواب، أرجوك، كُن معي لنمضي معاً إلى آخر المشوار.
خولة حمدي
(في قلبي أنثى عبرية).

توجهت بخطوات مهزوزة نحو السيارة وهي تدعوا الله ان لا يتلاشى ثباتها وتنهار قبل وصولها، لمحها من بعيد ليشعل المقود تمهيدًا للانطـ.ـلا.ق عنـ.ـد.ما تصعد، وحين فعلت نظر لها عبر مرآته الأمامية نظرة خاطفة كانت كفيلة أن يلحظ شحوبها ورجفتها المسيطرة عليها وانكماشها، ورغم أن هيئتها محـ.ـز.نة للغاية إلا انه ازاح افكاره وذلك الفضول اللعين بعيدًا فهو قد حسم أمره وقرر أن لا يقحم ذاته بها أكثر هو فقط سائق لديها ويؤدي عمله ليس أكثر، بينما هي كان الكثير من الضجيج برأسها فهنا أبيها الذي خذلها في الصباح أثر نظرة واحدة متسلطة من زوجته، وهنا اصدقائها الذين يتهامسون عليها، وهناك في زاوية بعيدة مظلمة يظهر هو يخبرها بكل فخر أنه فضل آخرى عليها أما الصوت الطاغي داخل رأسها هو صوت الإحتياج فماذا كانت تنتظر من كل هؤلاء غير الخذلان إذا كان والدتها التي أتت بها لتلك الحياة قد خذلتها وتخلت عنها، وعند تلك الفكرة وجدت ذاتها تجهش بالبكاء وتضع كفوفها على رأسها وتضـ.ـر.ب عليها عدة ضـ.ـر.بات متلاحقة وكأنها تود كبح ذلك الضجيج الذي يجعلها تفقد السيطرة دائمًا وتخور ارادتها.

اوقف هو السيارة بِجانب الطريق والتفت لها متسائل بإسترابة:
آنسة ميرال مالك، اهدي
نفت برأسها بطريقة هستيرية وزاد نحيبها وهي مازالت تضـ.ـر.ب على رأسها مما جعله ينحني بِجزعه من جلسته ويجذب يدها كي تكف عن ما تفعله:
اهدي، هتأذي نفسك
تلوت من قبضته و صرخت بانهيار وكأنها مغيبة تخاطب تلك الأصوات برأسها:
كفاية اسكتوا، تعبت، تعبت.

كان هجومها شرس لم يتملك السيطرة عليها من موقعه وخاصةً أنها ظلت تدفع يده التي تحاول منعها بقوة اشعرته بوخز قوي بجـ.ـر.ح يده مما جعله يصيح بكامل صوته الأجش:
أهدي، بقولك هتأذي نفسك رفق قوله بهرولته خارج السيارة وفتحه لبابها ثم أنحني بجزعه كي يصل لها ثم استطاع بجدارة ان يتفادى دفاعها ويقبض على رسغيها بين قبضته وهدر بنبرة صارمة نفضتها واعادتها شيء من وعيها:
استهدي بالله كده، واهدي.

لثوانً معدودة حاولت ان تتحكم بوتيرة أنفاسها وهي تطالع تلك النظرة الصارمة بعينه وقبضة يده التي تعتصر رسغها ثم اومأت له كي تسايره و قالت بنبرة مهزوزة بعدmا ركزت نظراتها على حقيبتها بِجوارها:
ههدى بس عايزة ميا، هاتلي ميا، او عصير أي حاجة.

التقط نظراتها واستنبط ما تود فعله، ولذلك هز رأسه ليسايرها وترك رسغيها ثم انسحب من أمامها تارك بابها دون ان يغلقه بينما هي حتى لم تمهل ذاتها فرصة لكي تتأكد من ابتعاده واخذت تبحث بحقيبتها ولكن مع تلف أعصابها صرخت بنفاذ صبر وفضت محتوياتها كاملة على المقعد بعشوائية عارمة حتى أن ما تبحث عنه سقط بجانب قدmها بأرضية السيارة وحين همت بأن تلتقطه كانت يده القوية تسبقها إليه ونظراته المتخاذلة تكاد تحرقها بموضعها مما جعلها تصرخ بإحتجاج وبأعصاب تالفة:.

هات الحبوب
نفى برأسه وهو يطالعها شذرًا بعدmا تيقن أن ما بيده هو سبب نكبتها
ليحتل الغـــضــــب قسمـ.ـا.ت وجهه ويهدر من بين أسنانه:
هي دي اللي بتعمل فيكِ كده؟
لتصرخ به بإنفعال شـ.ـديد:
ملكش دعوة، وهات الحبوب
استفزه قولها ليصـ.ـر.خ بوجهها:
بس انتِ وعدتيني مش هتأذي نفسك
نفت برأسها بهستيرية وصاحت مستنكرة بيأس وبعزيمة انعدmت لديها وهي تحاول أن تجذب يده لتستحوذ على ما بها:.

محدش قالك صدقني، حياتي وانا حرة فيها ولو عايز تقول ل بابي قوله بس اديني الحبوب
لأ، مش هسيبك تضيعي نفسك وتحـ.ـز.ني اهلك عليكِ
قالها بإصرار عجيب وهو يعتدل بجسده خارج السيارة ويفض ما بيده على الأرض ثم دهسها تحت قدmه حتى أصبحت هي وتراب الطريق سيان، مما جعلها تشهق من جديد بخيبة أمل وتنزل من السيارة خارة على ركبتيها تتطلع تحت قدmيه باكية وتستفيض بنبرة واهنة متألــمة زلزلت قاع قلبه ككل مرة:.

حـ.ـر.ام عليك، دي هي الحاجة الوحيدة اللي بتخليني مشغلش عقلي، الحاجة الوحيدة اللي بتخليني مفتكرش أنها سابتني واتخلت عني، بتخلينى انسى انشغال ابويا وتحكمـ.ـا.ت مـ.ـر.اته فيه، لتشهق بحرقة جثت على صدرها وتستأنف من بين عبراتها الحارقة:
بتخليني انسى كل الكلام اللي اصحابي بيقوله، بتخليني انسى أني وِحشة و عمر ما حد حبني ولا اتمسك بيا، ليه عملت كده، ليه حـ.ـر.ام عليك؟

كان يستمع لها ومع كل كلمة يشعر ان قلبه ينتفض بين أضلعه حـ.ـز.نًا عليها وتأثرًا بانهيارها حتى انه غامت عيناه وانخفض لمستواها قائلًا بنبرة متعاطفة وهو يحاوط ذراعيها ببعض التحفظ:.

أنتِ مش وِحشة ومحدش معصوم من الغلط، ومش معنى ان كل اللي حواليكِ خذلوكي و مقدروش قيمتك يبقى تفرطي فيها وتعلقي أخطائك على شماعتهم، افتكري ان في ربنا قادر يعوضك بالأحسن، بلاش تيأسي وتستسلمي للقرف ده، قاومي مش علشان حد، علشان نفسك أنتِ
رفعت فيروزتاها الباكية له بِضياع تحاول أن تستوعب حديثه التي شعرت انه خاطب نقطة كامنة بعقلها،
لتتحجج بنظرات زائغة وهي تضـ.ـر.ب كفوفها على الأرض الترابية بيأس:
حاولت كتير وفشلت.

ليجيبها بإصرار وبنبرة واثقة كي يبث بها بعض التفاؤل المنعدm لديها:
كلنا بنفشل بس بعد كل مرة لازم يبقى عندنا اسباب مش أعذار، الفشل بيبقى فرصة تانية علشان نبدا من جديد بس بعزيمة اقوى
لتهمس هي بقلة حيلة وبإحتياج لا مثيل له:
بس انا تعبت ومش عارفة أكمل لوحدي
أبتلع غصة بحلقه و وجد ذاته يصرح ضارب بقاموسه وتعقله عرض الحائط:
انا معاكِ
صمتت لوهلة تسترد أنفاسها واستكانت تكفكف دmعاتها قائلة بعدm استيعاب:
أنت.

صحاب زي ما طلبتي مني...
ليحمحم بحرج ويستأنف وهو يمسد جبهته بإبهامه وسبابته:
واضح أن شغلي معاكِ هيقلب كل الموازين
لاحت بسمة باهتة على ثغرها بعدmا لامس حديثه بطريقة ما اوتار قلبها، ليبتسم هو أيضًا ويحثها بعينه أن تنهض معه وبالفعل انصاعت له ليجلسها على طرف المقعد الخلفي ولكن ظلت قدmيها على الأرض ليجلس القرفصاء أمامها ويقول بنبرة هادئة يحاول بث السَكينة بها:.

استهدي بالله كده، وحاولي تتنفسي وإن شاء الله هتبقي أحسن وكله هيبقى زي الفل
تعلقت عيناها الباكية به تود حقًا ان تصدق أن كل شيء سيكون أفضل، ليطمئنها هو بعينه ويطلب منها متوجسًا:
هجبلك ميا متتحركيش من مكانك
هزت رأسها بضعف وتتبعته بعيناها وهو يركض للمحل القريب يجلبها منه ثم بلمح البصر عاد لها و حثها أن تتناول القليل منها لكي تهدأ ولكن هي رفعت يدها المرتجفة تلتقطها منه ولكنها تراجعت.

عنـ.ـد.ما وجدتها متسخة أثر تراب الأرض التي كانت تفترشها منذ قليل.

ليتفهم هو ويهم بفتح الزجاجة ويقوم بجذب يدها و فركها برفق بين يده أثناء سكبه للمياه عليها وإن انتهى وجد ذاته دون وعي او ذرة تفكير وكأنه يتعامل مع ابنة شقيقته حين تبكي ويريد ان يراضيها فقد قام بإزاحة خصلاتها المتهدلة على وجهها بفوضوية يضعها خلف أذنها بحرص شـ.ـديد كي يفسح المجال ليده التي سكب عليها القليل ايضًا ان تمر على وجهها الملطخ بالدmـ.ـو.ع مرة وراء مرة ثم مد يده لها بعلبة المحارم الورقية، ولكنها لم تنتبه فكانت تنظر له بضياع و شـ.ـدوه تام مما يفعله حتى انها لم تعترض بل كانت مأخوذة بكل رد فعل يصدر منه تجاهها ورغم أن نظراته وحتى صوته الأجش يبدو صارم وجاد للغاية إلا أنه مغلف بالاهتمام الذي تفتقده بشـ.ـدة.

أما هو لا يعلم ما أصابه و.جـ.ـعله يضـ.ـر.ب بكل قراراته السابقة عرض الحائط، ربما كونها استرسلت معه بالحديث وشعر بمعاناتها وصدق حديثها، وعنـ.ـد.ما ألتقط نظراتها الضائعة وجد ذاته يهيم بها وكأنه مغيب وسلبت منه كافة إرادته وشيء ما هناك بخافقه يخبره أن لا مفر من التورط بها، قطع ذلك التواصل البصري الذي يشتته لحد كبير و
تحمحم يجلي صوته كي يصدر لين بعض الشيء وهو يزيح بنظراته بعيدًا عنها:
بقيتي احسن.

حركت رأسها بضعف وتناولت المحارم من يده ببسمة باهتة بعدmا استعادت ثباتها بعض الشيء ثم همست:
عايزة اروح بعد أذنك
أومأ لها ونهض من جلسته بينما هي عدلت وضعية جلستها داخل السيارة واغلقت بابها ثم تكورت على ذاتها واغمضت عيناها كي تحفز ذاتها وتتغاضى عن إلحاح عقلها.

إما هو انحنى يلتقط شيء ما من الأرض ودسه بجيبه خِفية ثم جلس بموقعه خلف المقود وقبل أن يشرع بالقيادة كان ينظر من مرآته الأمامية وهو يلعن ذلك الشعور الغريب الذي يداهمه نحوها.

كان في قمة سعادته وهو برفقتها ويرى حماسها وذلك الجانب الطفولي منها أثناء قيادة السيارة، حتى انها على غير عادتها ألتزمت بكافة تعليمـ.ـا.ته بشأن توخي الحذر من الطريق و كانت مُطيعة، تستمع له دون اعتراض أو مجادلة وكم يعشق طاعتها وتلك البسمة الآسرة التي تزين ثغرها لتوها وهي تجلس بِجانبه وتبادله النظرات من حين لآخر بطريقة غريبة لأول مرة تصدر منها ورغم غرابتها شعر ببصيص أمل يتسربل لداخله من تجاهها ولذلك كان ممتن لوالدته ولتلك النصيحة الغالية منها التي أتت نفع مع متمردتته، بعد انتهائهم من تناول الطعام داخل المطعم الصغير الذي يملكه، تنهد في عمق وسألها ببسمة هادئة وهو يشرأب برأسه باهتمام:.

الاكل عجبك؟
هزت رأسها وأجابت ببسمتها الآسرة التي تعبث بثباته:
جدًا، طعمه يجنن وكمان تناسق الطبق وطريقة تقديمه حلو يظهر أن الشيف ده متمكن وعنده خبرة كفاية
أبتسم وشرد لوهلة ببسمتها تلك ثم أخبرها بعفوية شـ.ـديدة كأنهم زوجين حقًا ويشاركها تفاصيل يومه:
دي بـ.ـنت جديدة بقالها كام يوم بس في الشغل وبصراحة فاجأتني رغم انها مشتغلتش في حتة قبل كده
وأدت بسمتها تدريجيًا وهدرت بعدm رضا:.

ازاي يعني مشتغلتش في حتة قبل كده انت أزاي بتجازف كده بسمعة مطعمك وتشغل اي حد معندوش خبرة
تنهد من جديد وبرر لها:
البـ.ـنت كويسة وانتِ شهدتلها بده وهي كانت محتاجة شغل وانا متعودتش أرد حد محتاج مساعدة
كنت ممكن تساعدها بطريقة تانية غير انك تجازف.

قالتها وهي تقلب عيناها وتستند أكثر على ظهر مقعدها تطالع محيط المكان الخالي من الزبائن ولم يشغره غيرهم ليلفت نظرها تقدm امرأة ممشوقة القوام ذات ملامح هادئة وحجاب يزين رأسها وترتدي مريول مطبخ نقش عليه أسم مطعمه لتتقين أنها هي التي يعنيها فنظراتها نحوه تدل على امتنان عظيم، ولكن ليس ذلك الغريب بالأمر بل عنـ.ـد.ما وجدته يتتبعها بنظرات هادئة مُرحبة وقوله ما أن وقفت أمامه وحيتهم بمجاملة:.

اهلًا يا رقية أخبـ.ـارك إيه؟
أجابته رقية بإمتنان:
تمام يا يامن بيه مش ناقصني حاجة والبركة في ربنا ثم حضرتك طبعًا
أومأ لها دون أي تكلف وتساءل بعملية:
طيب الحمد لله، قوليلي بقى اخبـ.ـار الأوردر بتاعنا اللي هيروح البيت أيه؟
ابتسمت واجابته:
جاهز يا فنـ.ـد.م زي ما أمرت وأنا اللي نفذته بنفسي، وبصراحة ممنونة لثقة حضرتك واتمنى الأكل يعجب مدام ثريا
تنهد وأضاف ببسمته البشوشة بكل عفوية:.

لا متقلقيش هيعجبها، انا واثق من ده علشان عجب نادين
تناوبت رقية النظرات بينهم ببسمة ممتنة استقبلتها نادين بأخرى متعالية وتلاها قولها بعجرفة دون أي لباقة:
اه فعلًا، بس ده ميمنعش انه مفهوش أي شيء مبتكر يستاهل المدح الزايد بتاعك
قالتها وهي تشملها من اخمص قدmها حتى أعلى رأسها بطريقة لم تعجب يامن قط، و.جـ.ـعلته ينظر لها نظرة صارمة تعرف المغزى منها حين قال رأيه بصدق كي يلاحق الموقف:.

ويمكن ده سر حلاوته وسبب ثقتي انه هيعجب امي علشان يشبه أكلها
كانت رقية مستاءة من نظرات نادين لها ومن عجرفتها معها وكادت أن ترد رد يليق بها ولكن وجدته يتحدث بالنيابة عنها لتعلق عيناها به بامتنان، فرغم منصبه وسُلطته على العاملين داخل مطعمه إلا انه متواضع غير متكلف، ومراعي للجميع ليس معها فقط.

أما عن متمردته فقد اعتلى حاجبيها المنمقين من طريقة حديثه ومن تلك النظرات اللعينة التي تشمله بها الأخرى، و لا تعلم لمَ شعرت أن نيران تتآكل أحشائها وإن كادت تثور عليه كعادتها كان يخرسها بإرساله لها نظرة صارمة تعرف هي المغزى منها ولذلك تمالكت زمام نفسها وزفرت انفاسها دفعة واحدة بغـ.ـيظ وازاحت رأسها بعيدًا عنه، بينما هو مسد ذقنه يحاول تهدأت ذاته و استرسل بعملية شـ.ـديدة وهو يوجه حديثه ل رقية التي لاحظت ما يحدث وأطرقت رأسها احترامًا لرب عملها:.

تمام، شكرًا ليكِ يا رقية ومتزعليش نادين خانها التعبير مش اكتر...
اومأت رقية وقالت بعزة نفس قبل أن تنصاع له وتنصرف:
ولا يهم حضرتك، انا مزعلتش ده رأي آنسة نادين حفزني اكتر إني اطور من نفسي و اوعد حضرتك إني هجتهد و اشتغل على نفسي، عن اذنكم
وإن غادرت هدر هو منفعل بنبرة صارمة لا تعرف الحياد وهو يشـ.ـدد على قبضة يده بعصبية:
ليه اتعمدتي تحرجيها؟
ردت عليه بغـ.ـيظ شـ.ـديد وهي تلوح بيدها:.

انت محموق ليها ليه كده وبأي حق تبرر وتحرجني قدmها
جز على نواجذه وهدر بحدة وهو يضـ.ـر.ب بقبضته على الطاولة:
علشان محدش مجبر يتحمل طريقتك المستفزة دي، كان ممكن تقولي كلمتين تجبري بيهم خاطرها وتراعي بيهم مشاعرها لكن أنتِ دايمًا مبتفكريش غير في نفسك وبس
قلبت عيناها بغـ.ـيظ وهاجمته بعصبية شـ.ـديدة:
طريقتي مش مستفزة انت اللي طريقتك غريبة مع كل اللي شغالين عندك وبتخليهم يتعدوا حدودهم وكمان بتتساهل معاهم.

زفر انفاسه دفعة واحدة وهدر بجدية شـ.ـديدة وبثقة وقناعة خاصة لطالما تريد أن تزعزعها به:
انا مش مُتساهل بس يمكن اكون رحيم علشان ربنا هيحاسبني ومسمهاش شغالين عندك اسمها شغلين معايا لأن من غيرهم مكنش زماني عملت حاجة لوحدي، واظن متاكدة ان الشغل كله ماشي زي الساعة
نظرت لمحيطهم الفارغ وصدر صوت متهكم من فمها وقالت بنفس تمردها وعنادها الذي دفعها ان تضايقه عن عمد كيفما يفعل معها:.

أنت سياستك غلط ومش مقتنعة بيها وبكرة اثبتلك إني اقدر اعمل اللي انت مش عارف تعمله لما أملاكي ترجعلي قريب اوي.

لم يروقه حديثها بالمرة فهي تتعمد ان تقلل منه ومن مجهوداته في كل شيء حتى مشاعره تتجاهلها فحتى انها لم تلحظ أنه بكل مرة يأتي بها إلى هنا يوقف العمل ويخلي المكان من أجل أن تكون رؤياها شيء حصري له ويتمتع بقربها منه بعيدًا عن أي ضجيج يعكر صفو لحظاته معها منفردًا، ولكن الأنكى من كل ذلك أنه يحترم رغبتها ولا يريد فرض مشاعره عليها ولكنها تتعمد ان تخرجه عن طوره وتذكره مرارًا وتكرارً بذلك الاتفاق اللعين والقرار المنتظر منها الذي كلما اقترب موعده تتعمد أن ترهبه وكأنها تعلم ان روحه ستغادر جسده حينها، ولذلك وجد نفسه يصرح لها بعزة نفس دون تردد بنبرة جادة للغاية تضاهي بجديتها وواقعيتها أفكاره الحالية:.

صدقيني انا مستني اليوم ده بفارغ الصبر ويمكن اكتر منك، بس الفرق اللي بيني وبينك أني عمري ما فكرت اقلل منك ولاقــ,تــل طموحك علشان عارف انك عنيدة وهتتحققي كل اللي بتتمنيه، و وقتها، ليبتلع غصة في حلقه ويقول بمحايدة تنافي إرادة قلبه الثائر بين أضلعه:
هبقى فخور بيكِ وبنجاحك حتى لو مبقناش مع بعض.

لاتعلم حين تفوه بتلك الجملة الأخيرة شعرت بتلك النبضة العاصية تعلن عن صخبها من جديد ولكن الأن بشكل مقبض للغاية جعلها تنظر له بنظرة هي ذاتها لاتعلم المغزى منها، بينما هو تهجمت معالم وجهه للغاية بعدmا وئدت سعادته كعادتها وهدر بنبرة آمرة وهو يهب واقفًا:
لازم نرجع البيت قبل خالك أنا هجيب حاجة من المكتب واحصلك على العربية.

هزت رأسها وحين تحرك من أمامها ظلت تمرر يدها بخصلاتها القصيرة وهي تلعن ذلك الشعور الذي بدأ يحتلها.

أما هي كانت تحضر الطعام بآلية شـ.ـديدة، دون أي حماس كالسابق فبعد ان وأد فرحتها بالأمس لم تكف عن التفكير بردة فعله وهجومه وتحامله عليها وكأنها مذنبة وأرتكبت خطيئة فادحة بحملها منه، تنهدت بعمق وتسألت بداخل عقلها لمَ يا ترى لم يهتم ولا يشغل تفكيره قط بها في حين هو وأطفاله شغلها الشاغل بتلك الحياة، و كيف استطاع أن يتركها للآن دون حتى ان يكلف خاطره ويعتذر منها او حتى يطيب خاطرها فمنذ علمه بخبر حملها بالأمس وهو ينفرد بذاته بغرفة مكتبه ولم يتفوه معها ببـ.ـنت شفة، ، تقسم انها تكاد تجن من تصرفاته ولكن كيف الخلاص من لين قلبها.

وعند تلك الفكرة تعالى رنين هاتفها لتتناوله وتجيب برتابة دون أن تلقى بال أن تطلع على رقم المتصل:
الو
اتاها صوت أنثوي من الطرف الأخر:
رهف وحشيني اوي
تهللت أساريرها و هتفت بسعادة تخالف حالتها السابقة بعدmا تيقنت أنه صوت ابنة عمها الراحل التي تربت ببيته:
سعاد انتِ كمان حشـ.ـتـ.ـيني و 
لتعاتبها سعاد من الجانب الأخر:
لو كنت وحشتك كنتِ كلمتيني ده انا اللي كل مرة بكلمك.

تنهدت في ضيق فهي تعلم كونها مقصرة للغاية بالسؤال ولكن ماذا تفعل وزوجها واطفالها اصبحوا شغلها الشاغل واصبحت تكرث حياتها لهم بكل طواعية:
حقك عليا والله الولاد و حسن واخدين عقلي ومخلينى مش مركزة في حاجة ابدًا
ولايهمك على العموم انا في مصر نزلت اجازة انا و الولاد وهنشبع من بعض
أبتسمت بإتساع وهللت بسعادة:
بجد فرحت اوي انا بجد مفتقداكِ جدًا يا سعاد والأجازة دي جات في وقتها هو انتِ في البيت القديم.

اه هناك هستناكِ انتِ والولاد
تمام هقول ل حسن وهاجي على طول.

اغلقت معها وهي تشعر بسعادة عارمة فطالما كانت سعاد أبنة عمها أقرب شخص لها قبل مغادرتها للبلاد، وكم هي سعيدة الأن بعودتها حتى انها شعرت بالحماس من جديد وانهت إعداد الطعام في وقت قياسي وعنـ.ـد.ما ترجته ان يذهب معها، رفض بشـ.ـدة وثار غـــضــــبه عليها، متحجج أن أمرهام بالعمل يشغل تفكيره ويود اتخاذ قرار متأني به، ولذلك اضطرت ان تذهب وتصطحب أطفالها معها غافلة ان القرار المنتظر ذلك سيقلب كافة موازين حياتها، ولكن دعونا نتأمل انها ستصبح في نصابها الصحيح.

عادت للمنزل ولكن وهي ساهمة لم تتفوه بشيء طوال طريق فبعد الحديث الذي دار بينهم لا تعرف ما اصابها ولمَ شعرت بتلك الوخزة الغريبة بقلبها كل مـ.ـا.تعلمه أنها ستمـ.ـو.ت قهرًا إن كان ما تشعر به بِمحله، قطع شرودها صوت عبد الرحيم قائلًا أثناء جلوسهم أربعتهم يتناولون الطعام:
نفَسك في الوكل زين يا بت غالية.

ابتسمت بسمة مجاملة وركزت نظراتها بداخل صحنها دون أن تعقب، ليتناوب عبد الرحيم النظرات بينهم و يتسأل بمكر وهو يلوك ما بفمه:
واه كنكم واكلين بَلم إِياك، اوعاك تكون مزعل مرتك
تحمحم هو وخرج عن صمته وقال بثبات وببسمة بالكاد اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبها وهو ينظر لها:
حد يزعل روحه يا حج
سايرته هي وبرد فعل سريع منها تمسكت بذراعه وقالت ببسمةعابرة:
لأ يا خالي احنا كويسين و يامن مش مزعلني ولا حاجة بس انا مُجهدة شوية.

نظر ليدها التي تعانق ذراعه ونظر لها نظرة غامضة لم تستشف منها شيء ولكنها أجلت تفسيرها ورسمت بسمة واسعة على ثغرها كي يكتمل المشهد أمام خالها الذي لم ينطلي عليه الأمر وضيق عينه متسائل بِفضول دون أي لباقة:
اوعاكِ تكونِ حِبلة يا بت غالية و تورطي حالك
نفت برأسها مستنكرة قوله، ليتابع هو بعجرفة:
براوة عليكِ اوعاكِ تغلطي دلوقت أصبري لما حقك يرجعلك وتخلصي علامك.

إلى هنا وكفى حقًا نفذت طاقته من ذلك الرجل المتعجرف الذي لايفقه شيء في لباقة الحديث ولا الذوق العام ففي كل زيارة له يتعمد ان يرمي الحديث كي يثير غـــضــــبه ويجعله يخرج عن طوره وحقًا الآن نجح بذلك فقد ترك الشوكة من يده محدث صوت مزعج وهدر بحدة وبملامح متهجمة للغاية:.

اظن دي حاجة تخصني انا ومراتي ومحدش ليه انه يتدخل فيها، وأسف جدًا لحضرتك بس لهنا وكفاية انا عارف طريقتك وعارف بتحاول توصل لأيه فمتحاولش احنا مرتاحين كده ومتقلقش حقها هيرجعلها انا لايمكن اقبل جنيه واحد مش من حقي
احتدت نظرات عبد الرحيم من حدة الآخر وتعمده لإحراجه وكم اراد ان يستغل الموقف لصالحه، ولكن هو ليس بهذا الغباء كي يخرب كل شيء الآن ليتصنع الحرج ويبرر ببراءة كاذبة:.

واه انا مش بَخونك وخابر ان حجها هيرچع أنا بس بوعيها البت صغار ومتعرفش مصلحتها
حانت منه بسمة ساخرة على نواياه الخبيثة التي تفوح من حديثه وقال بنبرة متهكمة قبل أن يغادر طاولة الطعام ويتوجه لغرفته:
لأ واضح اوي خــــوفك على مصلحتها، عن اذنكم شبعت و هدخل انام
ليرسل لها نظرة صارمة ويخبرها بنبرة آمرة:
خلصي أكل وحصليني
ابتلعت غصة بحلقها و اومأت له بطاعة وحين دلف لغرفته حاولت ان تلطف الأجواء وتلاحق الموقف بذكاء:.

اطمن يا خالي انا مش صغيرة وكلها كام يوم وهكمل الواحد وعشرين ومتقلقش انا عارفة مصلحتي كويس ومش مركزة غير في دراستي و يامن عمره ما حاول يضغط عليا
تابعت ثريا حديثها وعقبت متهكمة:
يارب تكون ارتحت يا عبد الرحيم أهي بـ.ـنت اختك بنفسها طمنتك ياريت بقى تريح نفسك
احتدت نظرات عبد الرحيم أكثر فأكثر وهو يشعر أن مقته لهم يتفاقم فهم يعيقون ما يطمح به دائمًا وخاصًة ذلك ال يامن الذي يتعمد أن يردعه ويؤد كافة محاولاته.

تنهدت ثريا وهي تتجاهل نظراته التي تعلم انها مفعمة بحقد دفين لا شيء سيغير قناعته به وهدرت قائلة ل نادين:
انا جهزت أوضة الضيوف لخالك ياريت تبقي توصليه هناك بعد ما يخلص اكله انا هقوم اخد علاجي واصلِ ركعتين لله
هزت رأسها وما ان دخلت غرفتها قال عبد الرحيم بنبرة خبيثة وهو يربت على منكبيها بغرض طمئنتها وحثها أن تبوح له ببواطنها نحوهم:
معرفش أنتِ كيف معاشرة المرا دي و ولدها دول يا يا ستار خلج واعرة.

استشفت ما يحاول فعله ولكنها أجابته بدهاء يضاهي دهائه وبعيون يسطع بهم المكر:
ابدًا يا خالي دول طيبين اوي وانا بحبهم ومرتاحة معاهم
زفر انفاسه دفعة واحدة بحنق وهو يشعر أن ابنة شقيقته لا نفع منها الآن، ويقرر انه سينتظر قليلًا حتى يعيد لها ذلك الغريب مالها وحينها يقسم انه لن يتوانى في تخريب زيجتهم مهما كلفه الأمر.

مساء الخير يا دكتور
هتف بها محمد وهو يدلف لتوه لغرفة الكشف بذلك المستوصف الخيري القريب من منطقته ليرد الطبيب مُرحبًا:
اهلًا يا محمد خير طمني عليك اخبـ.ـار جـ.ـر.حك ايه؟
ما انا جايلك علشان تبص عليه يظهر كده ان في غرزة اتفتحت
وليه الاستهتار مش تاخد بالك، تعالا ابصلك عليه واشوف لو محتاج خياطة من جديد
تمام.

قام الطبيب بفحصه وبالفعل وجد أحد الغرز قد حُلت لذلك أعاد تقطيبها واستبدل ذلك الضماد الملطخ بالدmاء بأخر معقم، ليشكر محمد الطبيب ويتحمحم بتردد قائلًا:
هو ينفع اطلب منك خدmة يا دكتور
هز الطبيب رأسه برحابة ليسترسل محمد وهو يخرج من جيب بنطاله ذلك الشريط الفضي الذي فض منه تلك الحبوب اللعينة سبب نكبتها:
عايز اعرف دي حبوب ايه؟

ألتقط الطبيب الشريط من يده يقرأ ما سُجل على ظهره ثم نظر له نظرة متوجسة ذات مغزى جعلت محمد يبرر قائلًا:
انا عارف النظرة دي معناها ايه؟ مش انا، ده واحد صاحبي بياخذه و عايز يبطله
تنهد الطبيب وهدر بعملية شـ.ـديدة:
النوع ده من الحبوب يندرج تحت بند الليسرجيك او(LsD) وتصنيفه جدول اول يا محمد لأنه من اقوى الحبوب المـ.ـخـ.ـد.رة اللي تأثيرها سلبي على المخ
تهجمت ملامحه بعدmا صدق حدثه وتسأل وهو يمسد جبهته بأنفعال:.

ممكن تفسرلي اكتر يا دكتور يعني بيعمل ايه؟
أومأ الطبيب برأسه واجابه:
كل عقار بيختلف عن التاني في التأثير والضرر بس(LSD).

بيعمل اضطرابات في المزاج وبيفصل الإنسان عن الواقع وفي الأغلب بيفقده السيطرة على جـ.ـسمه وعلى قدرته على التفكير وتقدير الأمور ده غير الهلوسات المرئية والسمعية، والقلق والتـ.ـو.تر ونوبات الذعر بس العوارض دي مش ثابتة يعني ممكن تختلف من شخص للتاني حسب نسبة التعاطي اللي للأسف لو زادت بيبقى الأمر خطير جدًا و مبنقدرش نتنبأ بتأثيره.

ابتلع محمد غصته ونظر للطبيب نظرة متوسلة وكانه يريده أن يفض كل ما في جعبته دفعة واحدة، ليسترسل الطبيب:
معظم اللي بيلجأ للنوع ده بيبقى عايز يهرب من الواقع لأن الاعتماد النفسي فيه اكبر من الجسدي، أعرض صاحبك على دكتور نفسي يا محمد واكيد هيفيده ويقدر يساعده.

هز محمد رأسه متفهمًا ثم تنهد بعمق وهو يتذكر حالتها التي كانت عليها، لينقبض قلبه بشـ.ـدة ويصـ.ـر.خ بين ضلوعه أن لا يتخلى عنها ويرأف بها، فقد أيقن لتوه أن لا مفر منها وقد تورط بها بفعل نخوته وضميره اليقظ دائمًا.

كان يدور حول نفسه بعصبية مفرطة يشعر بالحنق من ذلك الرجل المتعجرف الذي أخرجه عن طوره ولكن هو ليس نادm على حدته معه فهو يستحق هو من تدخل فيما لا يعنيه وحقًا كان يشعر أن نيران مستعرة تتأكل قلبه حين ادعى أنه ينصحها، فهل هي بحاجة لنصيحته!
بالطبع لا، هي تعلم ماذا تريد والكثير من الأوقات يرى ذلك في عينيها وحتى انها تتعمد ان تذكره كل حين وآخر كي تبقيه دائمًا حائر، مهدد بفقدانها.

انتشله من حالته تلك دخولها إليه وقولها بهجوم سأم منه:
انت ازاي تحرجه كده هو اول مرة تعرف خالي وتعرف طريقته؟
أغمض عينه واخبرها بعصبية وبنفاذ صبر وهو يلوح بيده:
خالك يستاهل علشان بعد كده ميدخلش في اللي ملهوش فيه
لوهلة تأملت حالته ثم حانت منها بسمة اعجاب واضحة جعلته يستغرب ويتركز بنظراته عليها ويسألها بحنق:
ممكن اعرف بتضحكي ليه؟
أجابته ومازالت محتفظة بتلك البسمة الآسرة التي تعبث بثباته:
بصراحة عجبتني اوي.

تنهد بسأم وتحرك لخزانته دون أن يعقب بشيء فهو فهو يعلم طرقها الملتوية تلك ولن تنطلي عليه
كانت تتابعه بعيناها وقد اختفت بسمتها تعلم انه غاضب منها ورغم ذلك تكابر وتعاند وتوجه الدفة لها قائلة:
انا مش بكلمك على فكرة ولسة زعلانة
اعتلى جانب فمه ببسمة ساخرة وهو يتناول منشفته وملابسه البيتية بغرض التوجه للمرحاض كي يزيح عنه إرهاق يوم مليء بالضغوط وقال غير مباليًا:
براحتك و اعملي اللي يريحك مبقتش تفرق.

اتسعت عيناها وتسألت متسرعة:
يعني ايه مبقتش تفرق، اللي يسمعك يقول إني بتلكك انت اللي احرجتني قدام حتة بـ.ـنت ملهاش لازمة وكمان قعدت تمجد فيها قدامي ولا عملت اعتبـ.ـار ليا
ابتسم هازئًا ورد منفعل:
انتِ اللي عمرك ما احترمتي مشاعر حد ومعتقدة ان مطلوب من الكل يحترم جنابك
تأففت هي بغـ.ـيظ وردت بعنجهية:
انت مكبر الموضوع ليه دي حتة طباخة فاشلة وغـ.ـصـ.ـب عنها لازم تحترمني
هز رأسه بلا فائدة وهو يمرر يده على وجهه ثم قال بسأم:.

مفيش فايدة عمرك ما هتتغيري
قالها وهو يتوجه لباب المرحاض وإن كاد غلقه، دبت هي بقدmها الأرض وقالت بتمرد كعادتها:
اه مش هتغير يا يامن علشان انا صح، انا رايحة اوضتي تصبح على خير
اشرأب برأسه واخبرها بتهكم تقصده كي يثير اعصابها كما تفعل معه:
وماله اعملي اللي يريحك بس متنسيش لما خالك يطمن عليكِ بليل تقوليله جوزي المفتري طردني من الأوضة وياريت تخليه ياخدك في ايده وهو ماشي.

ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يغلق باب المرحاض، تاركها فاغرة الفاه تحاول أن تستوعب ما استشفته من حديثه، وإن فعلت تـ.ـو.ترت كثيرًا ولعنت ذاتها فكيف لم تفكر في ذلك الأحتمال من قبل.

كانت تشعر بشعور غريب من الألفة خلال لقاء ابنة عمها وكم كانت منبهرة بها عنـ.ـد.ما أخبرتها عن انجازاتها في العمل مع زوجها و دعمه لها لتحقيق طموحها و.جـ.ـعلها أن تكاتفه بكل أعماله في مجال ترويج العقارات، وكم كانت هي كفأ في ذلك فهي شخصية مفعمة بالطاقة والطموح وتملك طرق مميزة للأقناع، فمازالت كما هي لم تتغير كما عاهدتها، وعند تلك الفكرة وجدت ذاتها تتذكر نفسها القديمة وكم غيرتها تلك السنوات، تنهدت بعمق وهي تنظر له نائم بجانبها لتبتسم بسمة باهتة معاتبة لأبعد حد فبرغم كل يصدر منه تجاهها إلا انها خجلت أن تستفيض مثل ابنة عمها وتخبرها بمستجداتها حفاظًا على شكله الأجتماعي أمامها، نفضت أفكارها بعيدًا وهي مازالت تتأمله و همست بتضرع قبل أن تغلق عيناها كي تتحايل على النوم:.

ربنا يهديك ويصلح حالك ويخليك ليا ولولادك يا حسن.

تمكنت المياه الدافئة ان تزيح غـــضــــبه وتهدأ اعصابه لحد كبير وعنـ.ـد.ما انتهى راهن ذاته عليها وهاهي منكمشة داخل فراشه كما توقع تمامًا دون أن يكلف ذاته المجادلة معها، وكم يروقه ذلك الشعور عنـ.ـد.ما يتعمد ان يرهبها كي تلجأ له بكامل ارادتها، حانت منه بسمة ماكرة اخفاها سريعًا وهو يلحظ تـ.ـو.ترها وانفاسها المضطربة حين اقترب من الفراش وتسطح بجوارها، لتنتفض هي تصيح بريبة شـ.ـديدة:
هو انت هتنام جمبى؟

تصنع عدm الفهم، وقال بثبات:
نعم يعني ايه؟
أضاءت نور الأباجور القريب وقالت وهي تعتدل بِجلستها:
انا مش هعرف، نام على الكنبة وسيب السرير
نفى برأسه قائلاً بعناد كي يغـ.ـيظها:
مش هسيب سريري واحمدي ربنا إني هرضى انيمك جنبي
رفعت حاجبيها واعترضت وهي تنهض من الفراش تقف أمامه وتضع يدها بخصرها:
انت تطول تنام جنبي اصلًا.

كانت نظراته تتجول على جسدها ويعتلي ثغره بسمة ماكرة وهو يلاحظ أنها ترتدي قميص بجامته القطنية التي تصل لبداية ركبتها مما جعله يقول متهكمًا:
وكمان لابسة البجامة بتاعتي لأ ده انتِ داخلة على طمع بقى
تـ.ـو.ترت تحت نظراته وبررت باندفاع:
خــــوفت اخرج من الأوضة ألقيه برة واضطريت استلف هدوم من عندك
فرك ذقنه وهو يتأملها أكثر وهدر بعبثية جعلتها تبتلع ريقها بتوجس شـ.ـديد:.

طب اللي يستلف ده مش يكمل الشياكة ولا البنطلون ملهوش نصيب و مش قد المقام زي صاحبه
قطمت شفاهها وهي تنظر لمرمى بصره و وجدت ذاتها تتـ.ـو.تر وتبرر وهي تضع خصلات شعرها خلف اذنها:
أصله كبير عليا اوي وكنت هتكعبل بيه
طب يلا تعالِ نامي علشان هنصحى الصبح بدري نودع خالك
قالها ببحة صوته المميزة ولكن بنبرة لينة جعلتها تشعر من جديد بتلك النبضة العاصية تطرق بين أضلعها لكنها عاندت ذاتها ونفت برأسها قائلة بتمرد كعادتها:.

مش هنام، نام انت وملكش دعوة بيا
لتسير نحو الشرفة وتفتحها على مصراعيها وتقف تواليه ظهرها تستقبل نسمـ.ـا.ت الهواء العليل بزفرة قوية حانقة وهي تجاهد ذلك الشعور المريب الذي بدأ يتسربل لها شيء فشيء.

أما هو تنهد بعمق ثم أطفأ الإضاءة وتمدد على الفراش يضع يديه تحت رأسه يتأمل ظهرها وتلك الخصلات المتراقصة مع الهواء التي مازال يعشقها رغم قصرها، وكم تمنى لو أن يدفن وجهه بها ويتمتع بذلك العبق الفريد الذي يفوح منها كي يتناسى ما حدث بينهم اليوم، فرغم حنقه منها إلا أنه على يقين تام انها لن تتخلى عن عنادها وتمردها وتعتذر منه، نعم يشعر بالسأم من طريقتها وحديثها اللاذع ولكن كيف لعاشق مثله أن يصمد أمام انين قلبه.

تنهد وزفر انفاسه دفعة واحدة بنفاذ صبر ثم دون أي تفكير منطقي وجد ذاته يفقد السيطرة على جسده و ينهض ودون اي تمهيد كان يحاوط خصرها من الخلف ويدفن وجهه بين خصلاتها مغمض العينين وكأنه وجد الآن ضالته
شهقت هي بخفوت و تململت بين يده، ولكنه همس بالقرب من أذنها بطريقة اربكتها:
اهدي يا نادين، وبطلي تعاندي وتكابري اكتر من كده
نفت برأسها وقالت بتـ.ـو.تر تحاول أن تتخلص من يده التي تطوقها:.

مش بكابر انا مش غلطانة، ولوسمحت سبني براحتي لما احب انام هبقى انام على الكنبة
زفر انفاسه الساخنة التي لفحت وجهها وقال بهمس وبنبرة بثت بها القشعريرة وهو يدس انفه أكثر بين خصلاتها:
بس انا محتاجك، وصدقيني مش هفرض عليكِ حاجة عايزك تثقي فيا
همست بأسمه بأنفاس مضطربة:
يامن احنا بينا اتفاق وانت وعدتني انك عمرك ما هتخل بيه.

عارف وانا لسة عند وعدي بس انتِ مراتي ومن حقي على الأقل احس بوجودك جنبي نفسي اتنفس معاكِ نفس الهوا، ليتنهد بحرارة و يلثم جيدها ويقول بعدها بتهدج:
عارفة لما ببعد عنك شوية بعد الدقايق واتمنى محسبش الوقت ده من عمري، انا مش بحس براحة غير وأنتِ جنبي، قلبي بيبقى عايز يطمن بيكِ، تسارعت وتيرة أنفاسها عنـ.ـد.ما مرر شفاهه على طول عنقها واستكمل همسه المثير:.

بلاش تحرميني من قربك، تعالي نضحك على الزمن و نوقفه ونسرق منه شوية وقت بعيد عن كل حاجة، ليبتلع غصة ملتهبة بحلقه ويضيف راجيًا اياها بأخر شيء يخشى حدوثه:
سبيلي ذكريات علشان لو سبتيني أعيش عليها
لمَ تخفق هكذا ايها القلب رجاءً تمهل قليلًا، فلن تستطيع ان تجعلني أحيد عن غايتي حتى وإن كان صوت دقاتك تقرع كطبول حرب الآن فأنا لن أتهاون و سأظل صامدة امامه مهما حاول استمالتي، لا، لن أضعف فهو يحاول خداعي.

ذلك ما كانت تفكر به ولكن ما صدر منها كان مختلف بتاتًا وهي ذاتها لم تجد مبرر له، فقد ألتفت لتواجهه وتسألت بتشتت لا تعلم مصدره:
الصبح في المطعم قولت لو مبقناش مع بعض، ودلوقتي بتقولي لما تسبيني
هو انت ليه متأكد إني هسيبك
تنهد تنهيدة حارقة نابعة من صميم قلبه وصرح لها قائلًا بثبات وهو يكوب وجنتها وينظر لها نظرة حانية مفعمة بصدق مشاعره:.

علشان عارف ان دي رغبتك وصدقيني عمري ما هتردد ولا هفرض نفسي عليكِ ويمكن عارف انك هتتخطيني ومش هفرق معاكِ بس خليكِ متأكدة أني عمر ما مشاعري نحيتك هتتغير هتفضلي أنتِ البـ.ـنت العنيدة أم ضفاير طويلة اللي كبرت قصاد عيني وتمنيت تبقى ليا و أكتفي بيها عن الدنيا كلها.

غامت عيناها لوهلة و لا تعلم لمَ شعرت بصدق حديثه و وجدت ذاتها لأول مرة تقبل على شيء دون تفكير ودون أي غرض خبيث منها، فقد وضعت يدها على يده التي تكوب وجنتها وتنزلهم تضعهم حول خصرها ثم دون أي مقدmـ.ـا.ت أخرى كانت ترتمي بحـ.ـضـ.ـنه تتشبث به بقوة تعاند ذلك التمرد الذي يود أن يسيطر عليها وكم مقتت ذلك التناقض بذاتها ولكنها بررت أنها تفعل كما قال هو يسترقون من الزمن بضع الذكريات التي سيحيا عليها حين تنتصر عليه وتحقق غايتها، غافلة انها هي من ستفعل حينها.

دام عناقهم الحميمي لعدة ثوانً كانت كفيلة أن تبث به الدفء، و السَكينة ولكن دائمًا عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها لا يضمن ذاته، لتشهق هي بقوة عنـ.ـد.ما انحنى بجزعه و وضع ذراعه تحت ساقيها وحملها وسار بها نحو الفراش لتصيح متذمرة:
يامن نزلني متفقناش على كده
ششششش اهدي وياريت تلغي عقلك ده شوية ومتفكريش كتير علشان مفيش مفر هتنامي في حـ.ـضـ.ـني.

نفت برأسها ولكن لم يمهلها فرصة للاعتراض ليضعها على الفراش بحرص شـ.ـديد ثم يتمدد بجوارها ويضمها إلى صدره وكانه يريد أن يزرعها بين أضلعه، حتى انه ظل يمرر يده بين خصلاتها نزولًا لظهرها بحنان بالغ جعلها في غضون دقائق تتخلى عن تلك الحرب الضارية برأسها والتـ.ـو.تر الذي كان يتملك منها ويحل موضعه سَكينة ودفء جعلها تسقط في سبات عميق وكأنها لم تحظى بهم من قبل، بينما هو ظل يتمعن بها بوله تام وهو يشعر بقلبه يستكين مطمئن بين أضلعه لقربه منها ويحثه ان يستمتع بتلك اللحظات الفريدة التي هو على يقين تام أنها لن تتكرر مرة آخرى.

اهتزاز هاتفه الذي يعتلي الكومود اجفله و.جـ.ـعله يتنبأ أن مكالمة واردة ليلتقط الهاتف بنعاس شـ.ـديد وما ان علم بهوية المتصل، تردد كثيرًا؛ فبعد معرفته بحمل زوجته وحديث ثريا تسربل له شيء من الرهبة وكان يفكر جديًا في التراجع وحتى انه تجاهل كل اتصالتها ولكن كيف وهي لن تكف عن ملاحقته ومحاولاتها الشتى طوال اليوم ان تهاتفه، حسم أمره و نهض بخطوات حثيثة من الفراش بعدmا تأكد انها نائمة ثم تناول هاتفه و تحرك خارج الغرفة يغلق بابها بحرص ثم توجه نحو المرحاض وقام بإعادة الإتصال قائلًا بصوت خفيض منفعل:.

أنت اتجننتي يا منار ازاي تتصلي بيا في وقت زي ده؟
أتاه ردها المغتاظ من الطرف الآخر:
انت بتتهرب مني مش كده؟ ايه رجعت في كلامك ولا ايه؟
تحمحم وإن كاد يراوغها، قاطعته هي متهكمة:
ولا تكون خايف من مراتك يا بشمهندس
مرر يده بخصلاته الفحمية واجابتها بنفاذ صبر وبنبرة منفعلة جعلتها تتراجع عن حدتها:
انتِ عارفة إني مش بخاف من حد بس مش عايز و.جـ.ـع دmاغ.

يبقى بلاش تعمل كده انا كنت هتجن لما مردتش عليا ومجتش الشغل وبصراحة لو مكنتش رديت كنت هجيلك البيت واللي يحصل يحصل
قالتها بطريقة مغلفة بالتهديد ألجمته و.جـ.ـعلت الحديث يتوقف في حلقه وخاصةً عنـ.ـد.ما أضافت بنبرة واثقة للغاية:
انا مش هسمحلك تبعد عني يا سُونة ومعنديش حاجة اخسرها بعدك
زمجر غاضبًا وقد اعتلت نبرة صوته قائلًا:
انتِ بتهدديني يا منار؟
شهقت وقالت ببراءة مصتنعة وبنبرة مفعمة بلأثارة تعرف تأثيرها عليه:.

ابدًا يا حبيبي انا بس بعرفك إني بحبك ومقدرش اعيش من غيرك، ونفسي ادلعك يا سُونة واعرفك يعني ايه سعادة، عارف نفسي في ايه دلوقتي؟
تنهد وسألها بترقب بعدmا تمكنت من استمالته بطريقتها:
في ايه؟
نفسي تبقى في سريري دلوقتي علشان أثبتلك انا بحبك أد أيه، انا محتجاك أوي يا سُونة.

قالتها بجرأة غير عادية وبنبرة مثيرة مغوية لطالما طمح ان يحظى بها من قبل مما جعل انفاسه تتهدج ويهمس بغريزة ذكورية بحتة متناسي قراره السابق وضارب بكل شيء عرض الحائط:
انا كمان همـ.ـو.ت عليكِ ومبقتش قادر
اجابته هامسة ومازالت محتفظة بنبرتها المثيرة:
امتى يا سُونة انا كمان مبقتش قادرة اعيش من غيرك
هانت يا قلب سُونة انا هكلم مامتك علشان نستعجل كتب الكتاب
قلبي الحنين انت، بحبك يا سُونة
وانا كمان بحبك ياقلب سُونة.

قالها بلطف شـ.ـديد دون أي تفكير منطقي منه وكأن غريزته هي من تولت أمر كل شيء، ليغلق الخط ويبتسم بسمة واسعة وهو يشعر بالانتشاء لمجرد تخيل الأمر بعقله ليزفر أنفاسه دفعة واحدة و دون ذرة تفكير أكثر كان ينزع ملابسه البيتية ويقف تحت المياه الجارية يود أن يطفئ تلك النيران المستعرة التي نشبتها ببراعة في جسده.

ولكن ماذا عن حرقة قلبها هي تلك التي كانت تقف واهنة بملامح شاحبة تحاكي المـ.ـو.تى مستندة على باب المرحاض من الخارج وقد استرقت السمع لكل كلمة تفوه بها من الداخل، فهل ياترى ماذا سيكون موقفها وماذا ستكون ردة فعلها هل ستبكي وتنتحب مثل كثير من النساء في موقف مشابه، أَم ستصمت وتقدm كبريائها كعادتها تحت قدmه بكل طواعية، مهلًا دعونا نتمهل بتوقعاتنا لأن جميعها ليست بمحلها.
على قدر حب المرأة يكون انتقامها، وعلى قدر غباء المرأة يكون سقوطها.
(شكسبير).

اخبرني ما هي خطيئتي، التي تعـ.ـا.قبني عليها، بما قصرت، وكيف تمكنت بكل قسوة ان تختزل سنوات عمري، وآمالي التي تخليت عنها من أجلك، ماذا ينقصني كي لا استحق إخلاصك لي، أخبرني بربك لمَ، وأرح انين قلبي المدmي بطـــعـــنة خيانتك.

ذلك ما كان يصـ.ـر.خ به عقلها وهي تقف تستند بثقل جسدها على باب المرحاض من الخارج وكأن ساقيها أصبحوا كالهلام ولم يعدوا يستطيعون حملها، فكانت عيناها جاحظة، ملامحها شاحبة، وأنفاسها كانت متلاحقة لا تستطيع التحكم بوتيرتها، وحتى جسدها يرتجف وأسنانها تصطك ببعضها وكأنها تعاني إحدى نوبات الفزع.

ورغم انها كانت قاب قوسين أو أدنى من أن يغشي عليها إلا أنها تماسكت وكتمت صوت أنفاسها بيدها كي تحفز ذاتها للقادm فلابد أن تواجهه وتصرخ بأعلى صوتها لمَ أيها الخائن!
وإن كادت تطرق باب المرحاض الذي يتوارى خلفه كي تعلن ثورتها تدخل عقلها صارخًا ماذا تتوقعين منه هل سيخضع تحت قدmك ويبرئ خطيئته أم سينكر الأمر ويختلق كذبة مناسبة يقنعك بها وإن عارضتِ وأصريتِ بناءً على ما سمعتيه بأُذنك؛ حينها سيتهمك بالجنون.

ولذلك أنصتي إلي و تراجعي...
وبالفعل فعلت ذلك بأخر لحضة ملبية رغبة عقلها فهو محق؛ فلن تخوض حرب تعلم أن سر نجاحها الخُدعة وهو خير أهل لذلك، وإن لم تثبت بدليل ملموس ضده سيظل على نكرانه ولن يعترف بخطيئته.
وبعد تفكير طاحن دام لثوانٍ معدودة وجدت ذاتها.

تجر قدmيها و تتحامل على ذاتها متوجهة لغرفة أطفالها تدلف للداخل وتغلق الباب خلفها، وظلت كلمـ.ـا.ته التي كان يغدق بها الأخرى تتردد برأسها مرة بعد مرة فما كان منها غير تنفي برأسها بهستيرية وكأنها تود ان تنفض ما يتردد بها بعيدًا، ولكن الوضع ازداد سوء عليها عنـ.ـد.ما شعرت أن خافقها يعتصر بألــم بين ضلوعها لتصدر من بين شفاهها المرتجفة آنة ممزقة بقهر لا مثيل، وتخور بها قدmيها بوهن شـ.ـديد على أرضية الغرفة وهي تدعو الله أن يرأف بها من أجل أطفالها، ومع أبتهالها ودعواتها كانت تحرك جسدها للأمام والخلف بحركات غير متزنة ولكنها بطريقة ما وجدتها داعمة لها، كي تتماسك وتستطيع أن تلملم تلك الخيوط أكثر فأكثر داخل رأسها، وكم ارادت حينها ان تصرخ وتصرخ وتطلق العنان ل عبراتها ان تنفث عن ما يختلج بأحشائها ولكنها جاهدت بقوة و أبت أن تدع دmعتها تفر تنعي حالها، وقد اقسمت أنها لن تتهاون بحق ذاتها بعد الأن ولن تكون مثيرة للشفقة كغيرها،.

لدقائق معدودة كانت مازالت تحت وطأة صدmتها ساهمة في نقطة وهمية في الفراغ و لم يصدر منها أي ردة فعل تذكر إلا أن استمعت لصوته يصيح بأسمها، فقد انتفضت من جلستها ومسحت وجهها بيدها كي تستعيد ثباتها ثم نهضت وتوجهت لفراش طفلتها تضمها لصدرها وتدعي استغراقها في النوم، وما ان فتح هو باب الغرفة صدر من فمه صوت ساخر ألــمها ودون اي اكتراث او أدنى شك منه كان يغلق الباب مرة آخرى ويتوجه لغرفة نومه بمزاج رائق للغاية وهو يمني نفسه أنه سيرى تلك المثيرة في الغد.

أما هي فقد ضمت أطفالها لحـ.ـضـ.ـنها وظلت طوال الليل متشبثة بهم وكأنها تستمد منهم القوة لمواجهة القادm.

أما عند تلك المتمردة فقد شعرت بلمسات ناعمة تدغدغ حواسها، وبأنفاس ساخنة تلفح وجهها، ولكن كان النعاس يسيطر عليهاوكأنها لم تنعم بذلك الدفء من قبل ومع صوت دقات قلبه وجدت ذاتها تفرج عن سوداويتها وتستوعب الأمر تدريجيًا فهي بفراشه وبجانبه وها هو يطالعها بنظرات حالمة تشتتها وتزعزع عزيمتها، حاولت أن لا تكترث ولكن كيف وهو يهمس بتلك البحة المميزة بصوته أمام وجهها:.

صباح الخير يا مغلباني و مطيرة النوم من عيني
ابتلعت رمقها ببطء ثم ابتسمت بسمة باهتة وهي تحاول أن تعتدل بنومتها وتخرج من حصار يده التي تطوقها بحميمية تكاد تودي بثباتها، ولكنه رفض ذلك بشـ.ـدة وشـ.ـدد عليها أكثر يرفض فك وثاقها ببسمة مشاكسة وترتها كثيرًا وخاصةً أن وجهه قريب للغاية من وجهها الذي تشعر به يشتعل لتوه ولا تعلم هل من شـ.ـدة غـــضــــبها، أَم خجلها.

اتسعت أبتسامته المشاكسة وهو يتمعن بها وكم راقه الأمر بشـ.ـدة وحمسه لخطوة تالية فقام بدس أنفه داخل خصلاتها وتناول نفس عميق من اريجيها ثم تحرك ببطء ممـ.ـيـ.ـت برأسه و وضع قبلة عميقة مفعمة بالحب على وجنتها مما جعلها تنتفض بين يده وتتعالى وتيرة انفاسها وتدفعه برفق من منكبيه قائلة كي تراوغه وتفض ذلك القرب الخطير الذي يعبث بها:
انت صاحي من بدري.

نفى برأسه وهمس بعذوبة وهو يسبل اهدابه كي يزيدها عليها أكثر ويتمتع بردود افعالها:
انا منمتش اصلًا، مكنش ينفع افوت ثانية واحدة في النوم وانتِ جنبي
رفعت نظراتها المشتتة إليه وتلك النبضة العاصية بقلبها تطـــعـــن بها، لتجد ذاتها تتمعن به بطريقة هي ذاتها لاتعلم المغزى منها وتقول متسرعة بأخر شيء توقعت ان يصدر من بين شفاهها:
للدرجة دي بتحبني؟

تنهد تنهيدة حارة نابعة من صميم قلبه وأجابها بصدق مشاعره وهو يتيه بليل عيناها ويغلغل أنامله بسلاسل شعرها بحركة حنونة بعثرتها:
الحب كلمة تافهة، بسيطة، ملهاش أي معنى قصاد اللي بحسه نحيتك
ليحل وثاق خصرها بيده الأخرى ويسحب يدها ويضعها على خافقه ويقول بنبرة حالمة مفعمة بالمشاعر:
حاسة بدقاته، بتصرخ باسمك
وبتعلن عصيانها عليا وبتنتمي ليكِ، انتِ الروح لروحي وكل دنيتي يا نادين.

قال أخر جملة بهمس مهلك وهو يستند بِجبهته على خاصتها وناعستيه الثائرة تتركز على شفاهها وكم تشجع حين وجدها تغلق عيناها بتنهيدات حارة أثلجت قلبه و جعلته يتأمل أن تدعه يتذوق رحيقها.

أَما هي فقد انتابتها قشعريرة لذيذة بكافة حواسها وهي تشعر بأنفاسه الساخنة تلفحها وشفاهه المتعطشة تكاد تلامس شفاهها، لوهلة واحدة فقدت ارادتها و اغمضت عيناها وتمنت أن تتخلى عن ما برأسها وتشاركه تلك المشاعر الصادقة التي بعثرتها للتو ولكن تمردها سيطر عليها وخاطبت قلبها بأخر لحظة
أُصمد أيها القلب، إِياك أن تنخدع.

وحينها أزاحت رأسها بعيدًا عنه تجاهد كي تتحكم بوتيرة انفاسها و تحرك رأسها دليل على رفضها، وكم أحـ.ـز.نه الأمر و.جـ.ـعله يطالعها بنظرة عميقة معاتبة بعد ان أبتعد بجسده عنها واستند بظهره على جذع الفراش فما كان منها غير أن تنتفض وكأن اصابتها صاعقة من السماء وتقول بأنفاس مضطربة تذكره باقتراح أمس الذي بررت به استكانتها بين يديه:
أظن سرقنا وقت كفاية من الزمن ولازم نرجع لأرض الواقع.

تنهد بضيق شـ.ـديد بعدmا تمكنت ببراعة بوئد سعادته وحالة الهيمنة التي كان عليها، فحقًا سأم من عدm اكتراثها لمشاعره ولكن دائمًا يوجد داخله يقين خاص أن لا شيء يمنح بالقوة فحتى هو لن يرضى أن تسايره فقط، هو يريد إقرارها بانتمائها له نابع من قرارة نفسها، ولذلك لن يضغط اكثر عليها ولن يفرض عليها مشاعره مرة آخرى
نهض من الفراش مواجه لها وقال بخزي من نفسه و ببسمة باهتة بالكاد اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبها على فمه:.

عندك حق، انا مكنش لازم اتعشم في اكتر من كده انا يدوب جوزك على الورق بس
جعدت حاجبيها المنمقين من تلك النبرة التي استشفتها بصوته، ولا تعلم لمِ وجدت قلبها يرق له، ولكنها عاندت مشاعرها وتمردت بقولها تؤيد يقينه الدائم نحوها:
انت صح...
تعلقت ناعستيه الثائرة بها وأضاف بمغزى وهو يربت على ذراعها:
ياريت كان قرار قلبي بأيدي، صدقيني مكنتش هتردد ثانية.

نفضت يده بعدmا فهمت المغزى من قوله وقالت متأفأفة كي تفض ذلك الحوار الذي يزعزع ثباتها:
يووه مش وقت كلامك ده، زمان خالي صحى ومستنينا علشان نفطر معاه
وانا كمان عندي محاضرات ومش عايزة اتأخر عليها
قالتها وهي تتناول ملابسها خاصًة الأمس من جانب الفراش وتتوجه بخطى واسعة نحو المرحاض تاركته يستشيط غـــضــــبًا من عنجهيتها و يلعن قلبه الذي يميل لها.

بينما هي ما أن أغلقت الباب جلست على طرف حوض الاستحمام بتشتت تجاهد تلك الحرب الضارية بين عقلها اللعين وتلك النبضة العاصية بقلبها.

كانت بحالة يرثى لها منذ عودتها للمنزل بلأمس، فقد كانت مجهدة تجاهد إلحاح عقلها وحالة التعود التي تمكنت منها في الآونة الأخيرة، فمنذ ما دار بينهم لم تنم ولم يغمض لها جفن وظلت تلك اللحظات الحانية منه تترأى أمام عيناها وحديثه المشجع يتردد بعقلها يحثها على الأمتناع عن تلك الحبوب اللعينة التي تسلبها كافة إرادتها، لا تنكر انه تمكن من إقناعها وأثر عليها بمنطقه، ولكن دون إرادة تشعر أنها بأمس الحاجة لها الآن.

انتشلها من حالتها دخول زوجة أبيها إليها قائلة بتهكم وهي تشعل الأضاءة كي تنير تلك العتمة التي تسيطر على الغرفة:
هي الهانم معندهاش جامعة ولا ايه هتفضلي نايمة كده كتير
طالعتها ميرال دون اكتراث واستكانت من جديد تدثر جسدها بالفراش ولكن
دعاء استهجنت فعلتها وصرخت بها:
انا بكلمك لازم تحترميني وتردي عليا
لم تجيبها ايضًا بل لم تعطيها اهمية من الأساس مما جعل دعاء تستشيط غـــضــــبًا وتهدر بتوعد مليء بالخبث:.

طيب انا لازم اخلي فاضل يشوف صرفة في قلة ادبك و استهتارك ده
بـ.ـنتي مش قليلة الأدب يا دعاء
قالها فاضل بحدة وهو يقف على أعتاب الغرفة و مُحبة تقف خلف ظهره
ارتبكت دعاء وقالت وهي ترشق
مُحبة شذرًا فهي تعلم انها هي من اتت به لهنا:
انا مش قاصدي وبعدين انا عايزاها تروح جامعتها وتبطل استهتار لكن يظهر كلامي معجبهاش بدليل انها منطقتش بكلمة من ساعة ما دخلت الأوضة ومقدرتنيش
تنهد فاضل بعمق وهو يدعوها للخروج بيده قائلًا:.

اتفضلي يا دعاء وياريت بعد كده متدخليش في حياة بـ.ـنتي و متضغطيش عليها
ربعت دعاء يدها ورفعت حاجبيها تستشيط غـــضــــبًا من هجومه الغير معتاد عليها، لتقول بتهكم كي تذكره بِمعضلته:
واللهي انا بحاول اساعدك علشان متخرجش من تحت طوعك زي امها وتدور على حل شعرها
لطمة قوية نزلت على وجنتها كالصاعقة جعلتها ترتد للخلف من شـ.ـدتها تزامنًا مع شهقة مُحبة المتفاجئة و قوله بصوت جهوري منفعل:
اخرسي و متفتحيش بؤك بكلمة تانية فاهمة.

وضعت يدها على موضع صفعته غير مستوعبة ما حدث صارخة بوجهه:
انت بتمد ايدك عليا يا فاضل !
وبحذرك لو مخرجتيش دلوقتي مش هخليكِ على ذمتي يوم واحد
كانت تستمع لكل ما يدور وهي مغمضة العينين تدعو الله أن تفقد وعيها كي تهرب من ذلك الواقع المرير التي ترفضه ولكن عنـ.ـد.ما ذكرت دعاء والدتها لم تشعر بذاتها إلا وهي تنتفض من الفراش متسألة بتوجس وبنبرة واهنة:
انتِ قولتي ايه؟

أجابتها دعاء بغـ.ـيظ كي تشعل فتيل الماضي وتحرق قلبه وقلبها كي تفض غليلها:
اللي سمعتيه واللي ابوكِ عمره ما اقدر يعترف بيه امك هـ.ـر.بت علشان راجـ.ـل تاني ورمتك
جز فاضل على نواجذه وكادت عينه تطلق شرار ولكنها لم تتأثر فهي تعلم أن حالة الغـــضــــب التي هو عليها ستتلاشى نهائيًا عنـ.ـد.ما تستغل مدى تأثيرها عليه، ولذلك نظرت له نظرة طويلة معاتبة ثم أضافت قبل أن تخرج من الغرفة:
انا هخرج بس اللي حصل ده مش هعديه يا فاضل.

أطرق فاضل رأسه بينما هي التوي ثغرها وتحركت لخارج الغرفة وما أن وصلت لموقع مُحبة مالت برأسها عليها قائلة بنبرة كارهة متوعدة:
إن شاء الله لسانك ده هقطعهولك قريب يا حيزبونة
صدر من فم مُحبة صوت ساخر ثم لوحت بيدها بلا مبالاه وتحركت من امامها كي لا تتمادى معها وتخسر عملها، لتضـ.ـر.ب دعاء الأرض بحذائها وهي تستشيط غـــضــــبًا وتقسم انها ستجعلهم جميعًا يدفعون الثمن.

بينما هي كانت تحاول أن تستوعب ما تفوهت به تلك الصفراء لتوها فما كان منها غير أن تتساءل بعيون زائغة و بتوجس شـ.ـديد:
الكلام ده صح يا بابي
زفر فاضل انفاسه بحنق ثم هز رأسه يؤكد لها، لتشهق هي بعدm استيعاب وترتمي على أحد المقاعد بالزاوية قائلة:
يعني امي اتخلت عني بسببه؟

جلس فاضل بالمقعد المواجه له يحتضن رأسه بين يده ويتنهد تنهيدات مثقلة بذكريات ماضي أليم يخجل من ذكرها ولكن لابد أن تخبرها الحقيقة الآن على أي حال، فبعد أن أخبرته
مُحبة بمحاولة انتحارها وحالات الهياج التي تنتابها قرر أن يزيح ذلك العبء الثقيل من فوق كاهله:
حاولت كتير اخبي علشان صورتها في عينك متتهزش وقولت كفاية عليكِ ت عـ.ـر.في أنها انانية، وكنت بقول فكرتك عنها انها كده أحسن بكتير ما تكون خـ.ـا.ينه.

تهدلت دmعاتها بحـ.ـز.ن يدmي القلب وصرخت مشككة وهي تنهض وتتحرك بعدm اتزان:
انت اكيد غلطان انت بتقولي كده علشان اكرهها ومفكرش فيها اكيد داده قالتلك، صح
نفى برأسه وصرح لها:.

دي الحقيقة يا ميرال انا لما اكتشفت علاقتها بالتاني واجهتها وكنت فاكر انها هتنكر أو تركع تحت رجلي وتطلب مني اسامحها بس هي كانت بجحة وبررت انها بتحبه وكمان طلبت الطـ.ـلا.ق علشان تبقى معاه؛ كنت هقــ,تــلها بس خــــوفت اسيبك لوحدك بوصمة عار العمر كله وعلشان كده قررت اعـ.ـا.قبها بطريقة تانية، محستش بنفسي غير وانا بضـ.ـر.بها وبكـ.ـسر البيت كله وبعد كده طردتها وطلقتها ورفضت اخليها تاخدك معاها ورغم أنها حاولت كتير تأثر عليا أنها تاخدك بس انا رفضت، ولما فكرت فيكِ وشُفت أد ايه أنتِ محتجاها قُلت حـ.ـر.ام احرمك منها؛ فخيرتها انها تبعد عنه وتعيش ليكِ وبس وكنت هتكفل بيها بس هي رفضت واخترته، وقتها كان غـــضــــبي عاميني وكبريائي بينقح عليا و مقدرتش امنع نفسي من اذية الراجـ.ـل اللي فضلته عليا؛ خسرته شغله و لفقت له قضية وقبل ما يتم الحكم فيها هرب برة البلد و أخدها معاه.

نفت برأسها بهستيرية وتسألت من جديد ولكن تلك المرة بنبرة مختنقة معاتبة من بين شهقاتها الحارقة:
وانا كان ذنبي ايه في كل ده ليه كل واحد فيكم قرر يعند و ينتقم من التاني بيا
انت حرمتني منها وهي اثبتت لك انها محت الماضي ونست وجودي، واكتفت براجـ.ـل تاني وبحياة تانية عن الدنيا كلها
نهض فاضل وحاول تهدئتها بعيون مثقلة بالحـ.ـز.ن:.

ده كان اختيارها يا بـ.ـنتي وانا عمري ما فكرت أأذيكِ انا عملت كل ده علشان احافظ عليكِ هي كانت عايزة تاخد من الدنيا كل حاجة بس انا مكنش هاممني غيرك
ارتمت على طرف الفراش و وضعت يدها على وجهها وظلت تنتحب بقوة وكانها فقدت عزيز لتوها، مما جعل دmعاته تشاركها بؤسها و يجاورها ويحتضنها قائلًا بحنو وبملامح متهدلة بحـ.ـز.ن وحديث محبة يتردد بعقله يذكره بمحاولة انتحارها وكيف كان سيفقدها لولآ تدخلها في اللحظة الأخيرة:.

حقك عليا، انا عارف أن الشغل واخد كل وقتي وبعيد عنك بس كل ده علشانك وعلشان اضمن لك مستقبلك، اهدي يا بـ.ـنتي علشان خاطري انتِ الحاجة الحلوة الوحيدة في حياتي وعايش علشانها بلاش تعملي في نفسك وفيا كده ليقبل رأسها بحنو ابوي ويستأنف بقلب أب يخشى فقدان فلذة كَبِده:
سامحيني يا بـ.ـنتي لو كنت بقسى عليكِ؛ بس ببقى خايف تسبيني وتبعدي عني زيها
نفت برأسها وهي بين احضانه واخبرته من بين شهقاتها الواهنة:.

انا عمري ما هسيبك يا بابي انا مش زيها...
ربت فاضل على ظهرها بحنان ودثرها أكثر بأحضانه وهو يشعر بالخزي من أفعاله السابقة التي كان يظنها بنوايا بريئة وخاصةً كونه أخفى الحقيقة عنها، غافل كون معرفتها للحقيقة بذلك التوقيت سيقلب كافة موازينها.

أَما عن ذلك الساخط الذي لا يعرف أين يكمن الرضا.

فقد استيقظ للتو من نومه وتمطأ وهو ينظر بساعة الحائط ليجدها لم تتعدى السابعة بعد لينفض نفسه كي يستعد للقاء مثيرته كما خطط بلأمس ولكنه تفاجأ من السكون الذي يعم المكان على غير المعتاد، بحث بعينه عنها بالمطبخ وباقي الشقة فلم يجدها ليتوجه لغرفة أطفاله ليجدهم مازالوا نائمون ولم يستعدوا بعد لمدرستهم، لعن تحت أنفاسه الغاضبة فأين ذهبت يا ترى أتته الإجابة مخطوطة بخط يدها على ورقة علقتها على باب المبرد تخبره بها بكلمـ.ـا.ت مقتضبة للغاية أن يجهز أطفاله ويعد لهم الفطور.

كور الورقة بين يده وألقاها على مداد ذراعه وهو يلعنها بسره فهي حتمًا تريد أن تخرجه عن طوره فمنذ متى وهي تخرج دون علمه لا والأنكى ما الشيء الذي جعلها تتخلى عن التفاني في واجباتها على غير عادتها، زفر بغـــضــــب يمرر يده بخصلاته الفحمية وهو يحاول أن يهاتفها ولكن أتاه رنين الهاتف من داخل الغرفة ليتيقن أنها تركته بالمنزل ولم تأخذه معها وحينها جن جنونه منها، وبعد بعض الوقت يأس و لم يكن أمامه غير تنفيذ ما خطته له بسخط تام وهو يتوعد لها حين عودتها.

فقد انهكوه أطفاله بـ.ـارتداء ملابسهم وتحضير حاجياتهم، حتى أنه وقف كالتائه يفتح المبرد ويغلقه لايعلم بما يبدأ او ماذا يعد لهم بينما أطفاله كانوا يتذمرون ويطالبون بالطعام مما جعله يأخذ القرار بأن يعد بعض الشطائر البسيطة لهم، فقط خبز وجِبن سيفي بالغرض، وإن انتهى من مشاحنات اطفاله وضجيجهم اليومي الذي جعل رأسه تدق ك الطبول اوصلهم لعربة المدرسة الذي كان سائقها مستاء من تأخيرهم الغير معتاد بالمرة ليضطر أن يعتذر منه و.

يعود للبيت وهو يتوعد لها بأشـ.ـد الوعيد.

تنهدت بأرتياح عند مغادرة خالها وكأن حملاً ثقيلاً قد انزاح عنها، وبعد أن تحضرت اخبرته انها ستذهب لجامعتها فما كان منه غير الموافقة و أغدقها بتعليمـ.ـا.ته المعتادة التي تحفظها عن ظهر قلب، وحين غادرت المنزل واستقلت سيارتها مبتعدة مسافة كافية عن المنزل لفت انتباهها سيارة فارهة تعرف هوية مالكها تمام المعرفة تتبعها و تحاول أن تلحق بها وإن اقتربت بالفعل حثها سائقها على التوقف فما كان منها غير أن تنصاع لرغبته وتتوقف بجانب الطريق وهي تلعن تحت انفاسها،.

ثوان معدودة وكان يفتح باب سيارتها و يجاورها قائلًا بغـ.ـيظ:
ما انتِ حلوة أهو وبتخرجي لوحدك، لأ وكمان البيه جايبلك عربية وفك حصاره عليكِ أمال منفضالي ليه؟
زفرت حانقة وأجابته بسأم:
دي أول مرة أخرج بالعربية لوحدي و كنت هكلمك...
احتدت سوداويتاه بعدm تصديق وهدر مشككًا وحديث ميرال بشأنها يتردد برأسه:
واللهي عليا برضه الكلام ده يا نادو
نفخت أوداجها وقالت متحججة:.

طارق انا كان عندي مشاكل الفترة اللي فاتت ومكنتش فايقة وبعدين انا نبهت عليك الف مرة متتصلش بيا بس أنت كنت بتتغابى وكنت هتودينا في داهية
زمجر غاضبًا وهو يضـ.ـر.ب على تابلوه السيارة منفعل:
انا كنت هتجن وانتِ ولا على بالك انا بقالي كذا يوم بحاول اكلمك واخر ما زهقت فضلت واقف تحت بيتك وشوفتك وأنت خارجة معاه وضحكتك من الودن للودن
اعتلى حاجبيها وتساءلت بغـ.ـيظ:
انت بتراقبني يا طارق
أجابها بنبرة مفعمة بإصرار مخيف:.

ايوة براقبك وعندي أستعداد اعمل أي حاجة علشان تكونِ معايا
ابتلعت رمقها بوجل من إصراره العجيب ذلك وقالت بدهاء طالما كانت تجيده كي تسايره:
طب ممكن تهدى انا اهو معاك
وهانت يا طارق كلها ايام وهبقى ليك لوحدك
نظر لها نظرة عميقة يحاول ان يستشف صدق حديثها ولكن كيف وهي تبتسم تلك البسمة الآسرة التي جعلت كافة غـــضــــبه منها يتبخر ويذهب أدراج الرياح فما كان منه غير أن يهدأ ويسحب يدها بين يده قائلًا:.

انا بحبك يا نادو وبحس بنار بتاكل قلبي لما بتكوني معاه، وبجد مبقتش قادر أصبر لما يجي اليوم ده
رغم أن لهفته و حديثه ارضى غــــرورها ولكن لا تعلم لمَ شعرت بالنفور منه وحتى انها جذبت يدها التي يحتضنها لتوه مستنكرة فعلته بملامح مشتتة تفهمها هو انها خجل حين عقبت وهي تضع خصلاتها خلف اذنها بتـ.ـو.تر ظهر جليًا على وجهها:
حاسة بيك بس أنت عارف ان كل حاجة مفروضة عليا ومش بإيدي
أومأ لها متفهمًا لتضيف هي ببهوت:.

طيب خلاص متزعلش
ابتسم بدوره لتشاركه هي ببسمة بالكاد اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبتها على ثغرها قائلة بحماس مصطنع:
طب ممكن بقى تنزل تركب عربيتك وتخلينا نلحق المحاضرة
ماشي يا نادو أنتِ تأمري وانا أنفذ لغاية لما أشوف أخرتها معاكِ
قالها بنبرة عابثة مصحوبة بغمزه من عينه قبل أن ينصاع لها بينما هي ما أن تدلى من السيارة اندثرت بسمتها و لعنته ولعنت ذاتها ربما للمرة الألف بعد المائة فكل شيء حولها يشتتها ويزعزع قناعاتها السابقة.

كان يدور حول نفسه كالثور الهائج عنـ.ـد.ما مرت عدة ساعات على غيابها ولا ينكر أن قلبه تأكله وشعر بالقلق عليها و أنقبض بشـ.ـدة بعدmا يأس من محاولات الاتصال بكل من خطر بباله أن يهاتفه ويسأل عنها ولكن لم يتوصل لشيء فالكل أخبره أنهم لم يروها ولا يعلمون شيئاً، مماجعل الظنون تغزو كيانه بالكامل ويقرر أن ينزل و يبحث عنها بنفسه ويدعو الله أن تكون بخير ولم يصيبها سوء ولكن تبدد ذلك الشعور بتاتًا وحل محله غـــضــــب عارم حينما وجدها تفتح باب الشقة، وعندها انقض عليها والشرار يتطاير من قاتمتيه يسألها:.

كنتِ فين يا هانم؟
أجابته بثبات أجادته وبنبرة هادئة تثير الريبة:
مكنتش؟
نعم، أنتِ بتستهبلي
قالها بنبرة قوية نفضتها وهو يقبض على رسغها مما جعلها تنفض يده بكل هدوء مُصرحة له بنصف الحقيقة:
كنت مخـ.ـنـ.ـوقة شوية ومحتاجة افصل علشان اجدد طاقتي
ضـ.ـر.ب كف على آخر ساخطًا وهدر من بين أسنانه بغـ.ـيظ:
يا برودك أنتِ سايباني هنا محتاس مع عيالك وبتروقي على نفسك ده ايه الاهمال بتاعك ده.

احتل الحـ.ـز.ن تقاسيم وجهها الذابل الذي لم يلحظه ولم يعطيه أي اهتمام وأجابته منفعلة على غير عادتها:
انا عمري ما كنت مهملة، وبعدين فيها ايه لما خليتك تشاركني يوم واحد وتتحمل مسؤولية ولادك، ما انا عمري ما اشتكيت وشايلة كل حاجة على كتافي وياريت بشوف تقدير منك
عقب بكل تبجح وبتفكير رجل شرقي متمسك ب عـ.ـر.فية أفكاره:
تقدير ايه اللي انتِ مستنياه!
ده واجبك يا هانم وكل الستات بتعمل كده.

حانت منها بسمة متخاذلة لابعد حد وقالت بعتاب لأول مرة يصدر منها تجاهه:
وانت واجباتك ايه يا حسن؟
انك تعيش لنفسك وبس مش كده؟
ياريت قبل ما تتحامل عليا و تتهمني بالإهمال تفكر ألف مرة في اللي عليك
ذلك آخر ما تفوهت به قبل أن تدلف لغرفتها وتغلق بابها
تاركته يزمجر غاضبًا ويحاول أن يستوعب ماذا حل بها وحين اسعفه عقله انها من الممكن أن تكون علمت بشأن الأخرى، تقلصت معالم وجهه و انتابته الرهبة مرة أخرى.

بينما على الجانب الأخر كانت هي تستشيط غـــضــــبًا عنـ.ـد.ما لم يأتي للعمل ولم يحاكى والدتها كما وعدها و حتى كافة اتصالاتها يتجاهلها إلى ان اغلق هاتفه تمامًا، فكم متردد ذلك ال حسن واستنفذ وقتها فكلما ظنت انها أثرت عليه بطريقتها المتلاعبة واصبح كالخاتم بأصبعها يتهرب منها ويماطل ولذلك قررت انها لن تجلس مكتوفة الأيدي فلم تتعود على الخسارة بتاتًا ولذلك هدرت متوعدة بعدmا يأست من مهاتفته:.

ماشي يا حسن وحياة أمي لخليك تركع تحت رجلي تطلب الرضا
لتبتسم متشفية وهي تتخيل الأمر، وكم راقتها تلك الفكرة العابثة التي حاكتها برأسها.

أما هناك بأحد قرى الصعيد فقد وصل عبد الرحيم حانقًا من تلك الزيارة التي لم تجدي نفعًا ولم تأتِ بثمارها وها هو يجلس على طاولة الطعام برفقة زوجته تلك المرأة ضخمة البِنية مخيفة الملامح التي تتلفح بالسواد و يجاورها ولدهم، أثناء تناول العشاء، ليشرع حامد في الحديث بملامح بشوشة وبود يخالف طباع أبيه الفظة:
توحشناك جوي يا بوي
أومأ له عبد الرحيم وتسأل وهو يجول محيط داره:
فين مرتك الپور؟

تحمحم حامد بعدm رضا من ذلك اللقب الذي يطـ.ـلقه والده على زوجته نظرًا لعدm إنجابها وأخبره بضيق شـ.ـديد:
عند امها في سوهاج جالت هتوديها لحكيمة شاطرة
التوى فم ونيسة بينما لوح عبد الرحيم بسأم قائلًا:
واه جولتلك ألف مرة طلجها واچوزك ست ستها تچبلك الواد بس انت لساتك مصمم عاد تزعج في أرض پور مفيش منيها صالح
لتعقب ونيسة مشككة:
شكلها سحراله يا عبد الرحيم
نفى حامد برأسه مستنكرًا وقال مدافعًا:.

دي غلبانة يا اما وهتحبني بلاش تظلميها
وبعدين هملوا الحديت ده دلوقت ممنوش فايدة عاد ده قضاء ربنا وانا راضي بيه
هزت ونيسة برأسها تنصاع لولدها ثم وجهت سؤالها لزوجها:
جولي ايه اخبـ.ـار زيارتك لبت غالية مفيش چديد
نفى عبد الرحيم برأسه وأخبرها بحنق:
مفيش يا ونيسة وده اللي جاهرني، الغريب وامه شايلينها على كفوف الراحة وحتى البت بذاتها جالت انها مرتاحة معاهم
لتعقب ونيسة بخبث يضاهي خبث زوجها:.

واه وانت هتهملها إكده وتسيب مال خيتك يا عبد الرحيم يروح للعجربة وابنها.

تجشأ عبد الرحيم بصوت مقزز وأجابها بعدmا سطع المكر بعينه:
متجلجيش يا ام حامد انا بس مستني يرچعلها أملاكها و وجتها هيكون خرابها على يدي
ليربت على يد حامد ويخبره بنبرة تقطر بالخبث بذلك الحلم القديم الذي خربه عادل عليه قبل مـ.ـو.ته:
بكرة هطلجها من الغريب غـ.ـصـ.ـب عنِها وهچوزهالك يا ولدي واهو زيتنا في دجيجنا
ليبتسم بسمة سامة تقطر بنواياه الخبيثة:.

و وجتها حج خيتي هيبجى تحت يدنا، احنا اولآ بيه من الغريب والعجربة أمه
غص حامد بطعامه وجحظت عينه من نوايا أبيه الغير بريئة بالمرة وكاد أن يعترض ويرفض المشاركة بلأمر ويبرر أنه يعشق زوجته ولا يريد أن يستبدلها بأخرى لولآ أن زغرته
ونيسة بنظرة قاسية جعلته يبتلع اعتراضه بجوفه وهو يلعن سطوتهم عليه وضعفه أمامهم.

فياترى ماذا تخبأ الأيام القادmة لكِ أيتها المتمردة الغـ.ـبـ.ـية، هل ستعدلِ عن افكارك البالية وتتركيه يفرض عليكِ حصون أمانه المشيدة أم ستنفذي ما برأسك وتقعي فريسة لأطماعهم.
القوة ليست دائماً فيما نقول ونفعل..
أحياناً تكون فيما نصمت عنه، فيما نتركه بإرادتنا، وفيما نتجاهله..
? نيلسون مانديلا.

اطمأنت على أطفالها و أطعمتهم وقامت بكل الأمور الروتينية ككل يوم ولكن دون أن تعطيه أي أهمية فكانت تكتفي فقط بإيماءات رأسها وبسمـ.ـا.ت باهتة دون حديث مما أثار ريبته و.جـ.ـعله يتوجس خِيفة من حالتها تلك فهي دائمًا لا تكف عن الثرثرة حتى تسرع رأسه، لا ينكر أنه كاد يفقد أخر ذرة تعقل به من شـ.ـدة قلقه عليها أثناء غيابها فلأول مرة تكون هي موضعه وحينها عذرها حين يتغيب ولم يطمئنها، تنهد تنهيدة مضطربة وهو ينظر لها أثناء تسطحه بجانبها داخل الفراش، فكان يسند ظهره على جذعه ويدعم رأسه بأحد كفوف يده، والأخرى ينفث بها دخان سيجارته حانقًا وهو يستغرب كونها تغط في نوم عميق قبله فهي على غير طبيعتها بتاتًا اليوم ولذلك السبب تحديدًا داهمته الشكوك بشأن علمها بأمر الآخرى، ولكن وجد ذاته يستبعد الأمر ويرفض عقله حتى التفكير في احتمالات حدوثه، ليطفئ سيجارته داخل المنفضة أعلى الكومود ويميل بجزعه عليها ويضع قبلة حانية اعلى رأسها هامسًا بأخر شيء توقع أن يصدر منه:.

كنت هتجنن النهاردة من غيرك
اوعي تسيبيني يا رهف
لايعلم لمَ تفوه بذلك، ولكن شيء ما كامن بداخله يخبره أنه يكن الكثير لها، ربت على خصلاتها وطالعها بنظرة نادmة مغلفة بشيء من تأنيب الضمير ثم وجد ذاته يجذبها إليه ويحتضنها بقوة وكأنه يكتمل بها كي ينفض شيطانه و يعاند هواجسه وينقم عليها.

أما هي كانت تدعي النوم وتشعر بكل ما يصدر منه ولكنها كانت منهكة في التفكير تسترجع احداث الصباح فمع اول خيوط النهار وجدت ذاتها تود ان تفر تُروح عن ذاتها ورغم أنها لا تحبذ أن تطلع أحد على اسرار بيتها كي تحافظ على صورته ولكن تثاقل العبء عليها وشعرت انها بأمس الحاجة أن تبوح ويشاركها أحد ويقوم بنصحها ولطالما كانت تثق في سعاد وبحكمتها ولذلك توجهت لها دون أن تدع مجال للتراجع، فقد قصت عليها ما حدث و استمعت سعاد لها بكل اهتمام إلى النهاية ولكن بالطبع حيائها منعها من ذكر الكثير و سعاد لم تضغط عليها بل تفهمتها وهدأت من روعها حتى انها انصاعت لرغبتها وانكرت وجودها حين هاتفها يسأل عنها، ونصحتها بالأخير أن تتروى في الحكم عليه فهي للآن تجهل هوية الأخرى وتجهل نواياه بشأن أخبـ.ـارها، وكم اراحها الأمر حين واستها بقولها انها من الممكن ان تكون نزوة عابرة لاتستحق هدm بيتها من أجلها، ورغم كافة نصائحها إلا أن جملة واحدة هي ما كانت تتردد بذهنها(دوري وراه، واوعي تستسلمي وتسبيه لغيرك).

ولذلك وجدت ذاتها.

تستغل أنه استغرق في النوم، وتنهض بحذر شـ.ـديد من الفراش وتتناول هاتفه المغلق و تتوجه به لخارج الغرفة وهي تقسم أن قلبها سيسقط بين قدmيها من شـ.ـدة تـ.ـو.ترها، اتخذت أحد الأركان المظلمة بزاوية ردهاتها مخبأ لها وكم كانت أناملها ترتجف وهي تضغط على زر تشغيله، ثوان معدودة وصدق حدثها حين وجدته يؤمن شاشته برقم سري، لتترقب بذعر حقيقي وهي تلعن تحت انفاسها فلم تتوقع كونه حويط لذلك الحد؛ وكيف تفعل وهي لم تبحث خلفه قط وتثق به ثقة عمياء.

أطلقت زفيرمتقطع من فمها وحاولت السيطرة على رجفة يدها المتعرقة من شـ.ـدة تـ.ـو.ترها ونقرت على شاشته بعض الأرقام التي تتوقع أنه استخدmها ولكن مرة وأخرى بلا جدوى، لوهلة اتتها فكرة عابرة لتجرب تاريخ إنشاء شركته ولسوء حظه وحُسن حظها استجاب الهاتف لها، ارتمت على أقرب مقعد وهي تشعر أن ساقيها كالهلام ولم يعدو يحملوها عنـ.ـد.ما تفقدت أحد مواقع التواصل الاجتماعي لديه(whatsapp)، ورغم حيطته الشـ.ـديدة التي تفاجأت بها فقد غامت عيناها وعلت وتيرة أنفاسها وكادت تفقد السيطرة على رجفتها حين وجدت عدة محادثات مشتعلة من رقم يسجله هو بأسم يامن كي يضلل فعلته ولا يثير شكوكها عنـ.ـد.ما تهاتفه، فكان يغازلها وتتدلل عليه، يغدقها بتلك المشاعر والأقاويل المعسولة التي يبخل عليها بها ويمنحها ببذخ لأخرى، وعنـ.ـد.ما تابعت و سقطت عيناها على تلك الكلمـ.ـا.ت التي تخبره بها أن والدتها هي من منعتها عنه الفترة السابقة حتى يتخذ قرار قطعي بعلاقتهم، حانت منها بسمة متألــمة غير متزنة بالمرة وهي تتأكد من تاريخ المحادثة الذي يطابق تاريخ تلك الأيام التي انقلب حاله بها رأسًا على عقب، ولكن لم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل كانت مشـ.ـدوهة واضعة يدها المرتجفة على فمها تحاول عدm افلات تلك الشهقة الخافتة التي صدرت من بين شفاهها عنـ.ـد.ما وجدت رسالة آخرى تؤكد ما سمعته فكم تخبره تلك المدعوة انها تعشقه ولا تطيق صبرًا حتى يعقد قرانهم وكم هي ممنونة له كونه سيلبي كافة شروط والدتها، تجمدت نظراتها على شاشة الهاتف لثوان وهي تشعر بتوقف العالم من حولها فكيف، ومتى، ولمَ!

أهذا ما تستحقه هي، هاجمتها أفكارها وتصارع قلبها مع عقلها كي يجعله يتوارى قليلًا لكي يستوعب الأمر ولكن الأمر فاق استيعابها لتعاندها دmعاتها تلك المرة وتفر من عيناها ولكن ليس لتنعي حالها بل حاله هو وبما سيحل به منها إن لم يعدل عن نواياه.
بتعملي ايه عندك يا رهف؟

صوته أوقف قلبها و.جـ.ـعل الدmاء تهرب من اطرافها ولكنها لملمت فتات نفسها ودست بحركة بديهية هاتفه بجيب منامتها وقالت بثبات بالكاد اجادته وهي تضع يدها تجفف دmعاتها متظاهرة انها تتفادى الأضاءة القوية التي اشعلها لتوه:
مش جايلي نوم، هو انت صحيت ليه؟
كان يفرك عينه بنعاس ولم يلحظ هيئتها ولذلك أجابها:
رايح الحمام.

اومأت له بهدوء عكس انتفاضة دواخلها وحـ.ـز.ن عيناها مما جعله يقترب منها كي يستشف ما بها وهو ينحني بجذعه عليها و يكوب وجنتها بين يديه:
انتِ كويسة، تعبانة او حاسة بحاجة
أيهمك أمري الآن تبًا لتبجحك، كيف استطعت خداعي لذلك الحد وكيف كُنت غافلة انا عن خطيئتك بحقي، ذلك ما كانت تفكر به ولكن ما نطقت به كان:
بتحبني يا حسن.

صدر سؤالها بنبرة مهزوزة ضائعة وهي تبحث داخل بُنيتاه عن شيء يخصها، أو ربما شيء يخفف ذلك الألــم اللعين التي تشعر به الآن ينخر قلبها.
يعلم ان سؤلها متكرر ولكن لا يعلم لمَ شعر بالريبة الشـ.ـديدة منه تلك المرة، ولذلك قرر يطمأنها بتلك الكلمـ.ـا.ت التي لم تخمد ألــمها بل ألهبتها أكثر:
أنتِ أم ولادي وعِشرة عمري يا رهف ازاي مش بحبك، اكيد طبعًا مش محتاجة سؤال يعني.

لمَ بربك لم تنطق بها دون تلك المبررات الاعتيادية خاصتك، لمَ لم تخبرني إياها مفعمة بالحب مع نظرة حانية من عينك انا بأشـ.ـد الأحتياج لها الآن.
استراب من شرودها وانقبض قلبه حين راودته تلك الأفكار مرة آخرى ولذلك تـ.ـو.تر و سألها بعيون زائغة مترقبة:
رهف، مالك النهاردة مش طبيعية ليه؟
فاقت من ذلك الصراع بداخلها على سؤاله من جديد لتتدارك الأمر وتهز رأسها بأن كل شيء على ما يرام.

يعلم انها لطالما كانت صادقة معه واضعف بكثير أن تخفي اي شيء عنه ولذلك وجد نفسه يبتسم ويجذبها لمستواه ويحتضنها بلطف قائلًا ببعض من تأنيب الضمير:
أنا عارف إني كُنت عصبي اوي الفترة اللي فاتت وضغط على أعصابك سامحيني و حقك عليا، كان غـ.ـصـ.ـب عني، انا...
انحصر الحديث بحلقه ولا يعلم بما يبرر لتربت هي على ظهره بتفهم وبِملامح شاحبة تحاكي المـ.ـو.تى قائلة بثبات بالكاد اجادته:
متحاولش تبرر، انا فاهمة كل حاجة.

أخرجها من بين يده ببسمة واسعة وقال وكأنه يَمنٌ عليها بِمشاعره:
بحبك...
ابتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها وكأنها فقدت شغفها بمشاعره، ليهمس هو بعبث ليس بمحله ابدًا قبل أن ينهض و يتوجه للمرحاض:
استنيني في اوضتنا عشر دقايق مش هتأخر عليكِ.

أومأت له وعادت لغرفة نومهم بخطوات وئيدة متعثرة، وقبل أن تغلق هاتفه من جديد لتعيده لموضعه كانت تسجل الرقم على هاتفها، وإن انتهت وضعته كما كان، و تمددت على الفراش وهي تحمد ربها انه لم ينتبه لفعلتها، لتحتضن جسدها بذراعيها وتهمس لذاتها كي تحفزها على ما هو قادm بعيون تفيض ألــم وبقلب مدmي دmٍ:.

انا قوية، قوية، مش هنهار، أكيد نزوة، اكيد مش هيعمل فيا كده، مش هسيبها تاخده مني، اهدي يا رهف وافتكري ولادك لازم تبقي قوية علشانهم، كانت تجاهد ذاتها كي تظل على ثباتها و لا تشعره بشيء حين عودته ورغم هشيم دواخلها إلا أنها بالفعل تمكنت من ذلك ببراعة.

أما في صباح يومٍ جديد داخل الحرم الجامعي
فقد كانت نظراته وبسمـ.ـا.ته العابثة تصدر كل حين وأخر لها اثناء يومهم الدراسي، مما جعلها تشعر بالحنق منه وكم أرادت أن توبخه على غبائه فهو يكاد يفـ.ـضـ.ـح أمرهم بحركاته الصبينية تلك،.

زفرت وهي تهبد كتبها اعلى الطاولة داخل كافتيريا الجامعة وجلست تنفخ أوداجها بقوة بمزاج عكر للغاية بفضل ذلك الغـ.ـبـ.ـي الذي يجلس على بعد منها وعينه لا تفارق موضعها وكم اغـــضــــبها ذلك و.جـ.ـعلها حقًا تسأم منه
مالك يا نادين سرحانة في ايه؟
قالتها نغم باهتمام صادق وهي تجاورها وتتبع مرمى بصرها، مما جعل نادين تجيبها بتـ.ـو.تر:
مفيش موضوع تافه متشغليش بالك.

لاحظت نغم ما بها وألتقطت نظرات الآخر التي تظهر بوضوح أمام الجميع مما جعلها تقول بانفعال:
الحـ.ـيو.ان اللي هناك ده هو السبب مش كده
نفت نادين برأسها ونظرت إلى ما تشير إليه نغم بعينها وثأثأت بتـ.ـو.تر:
ها قصدك طارق، لأ
زفرت نغم وأخبرتها بِفطنة:
اصله بجح وعينه متشالتش من عليكِ، وبرغم انه عارف انك مكتوب كتابك وفي عصمة راجـ.ـل لكن معندوش ذرة نخوة ولا رجولة
ابتلعت نادين رمقها بوجل وأجابتها تدعي عدm الاكتراث:.

وانا مالي هو ميشغلنيش اصلًا
تنهدت نغم وربتت على يدها المسنودة على الطاولة قائلة بثقة ليست ابدًا بِمحلها:
انا بثق فيكِ وعارفة انك ذكية ومش هتغلطي ابدًا، انا بس واجبي إني أنبهك الولد ده سمعته وحشة وكل الجامعة بتتكلم عن مغامـ.ـر.اته وكفاية اللي عمله في صحبتك.

ثقتها التي تفوح من حديثها جعلت نادين تشعر بالخزي من نفسها حتى أن ملامحها قد تهدلت بحـ.ـز.ن بَين ذكر نغم بتلك الطفلة البائسة ذات الضفائر الطويلة التي فقدت والدتها مما جعلها تنتشلها بقولها المتلهف:
نادين مالك انتِ كويسة
أومأت لها نادين ببسمة باهتة تقاوم ذلك الشعور الذي داهمها متسائلة:
صحبتي مين؟
ميرال نسيتيها ولا ايه؟ والله البت دي صعبانة عليا جدًا ولما بشوفها قلبي بيوجـ.ـعني.

شيء ما هناك بأحشائها حثها على التساؤل مرة أخرى:
ليه مالها ميرال؟
تنهدت نغم واسترسلت بكل عفوية:
البـ.ـنت علطول قاعدة لوحدها وكتير بنات بيشفوها في الحمام بتعيط ده غير أن محدش سيبها في حالها وأولهم سي زفت ده من يومين كان بيرخم عليها وفرج عليها كافتريا الجامعة كلها وكل واحد ترجم الحكاية على مزاجه وطبعًا هو مش خسران حاجة بس البـ.ـنت المسكينة دي من ساعتها مظهرتش واكيد علشان عارفة ان سيرتها بقت على كل لسان.

زاغت نظراتها تجاهد بقايا ضميرها وتساءلت مستغربة بنبرة مهزوزة بعض الشيء:
ليه متعاطفة معاها مش يمكن زي ما بيقولوا عليها؟
نفت نغم برأسها وقالت بِفطنة وصلاح نية:
معتقدش، وحتى لو؛ ربنا يهديها، بس عارفة رغم أنها من الشلة اياها إلا أن احساسي بيقولي أن جواها كويس ومحتاجة بس حد ياخد بأيدها وبعدين ربنا ما بيفوتش و كل اللي بيتكلموا عنها ممكن يبقوا مكانها في يوم من الأيام.

كانت مع كل كلمة تطـــعـــن بها دون قصد حتى أنها أيقظت بحديثها ضميرها الكامن بعيد يتوارى خلف تمردها وعنجهيتها، مما جعلها تشعر بالحنق من ذاتها فماذا لو كانت هي بموضعها؟ طال تفكيرها في حديث صديقتها التي تجهل تمامًا أنها هي الرأس المدبر لكل ما يقال
ولا تعلم حينها لم شعرت بالخزي من ذاتها فحقًا لا تعلم لمَ كل شيء حولها يتكاتف كي يزعزع قناعتها
غيرت نغم سير الحديث وهي تناولها دفتر من حوزتها:.

سيبك بقى من الكلام ده، خلينا في المهم انا نقلتلك كل المحاضرات اللي فاتتك هنا ولو مش فاهمة حاجة ابقي كلميني اشرحها لك
حاولت نادين قدر المستطاع الثبات والتخلي عن تلك الحالة الغريبة التي تتملك منها وقالت بود و ببسمة صادقة:
هو أنتِ علطول جدعة كده...
أبتسمت نغم وأجابتها بمحبة خالصة لها:
احنا مش اصحاب يا نادين احنا اخوات ولازم نخاف على مصلحة بعض.

اومـ.ـا.ت نادين بامتنان وقبل أن تتفوه بأي شيء آخر كانت منه تجلس على طاولتهم قائلة بعتاب:
اهلًا يا بـ.ـنتي فينك مختفية ليه ده الشلة هتتجنن من غيرك
كادت نادين تجيبها لولآ نغم سبقتها بهجوم:
ويتجننوا ليه إن شاء الله من غيرها
اجابتها منه بنبرة مستخفة:
براحة عليا يا شيخة نغم أنا مش قدك
تأففت نغم وصاحت بها:
اتكلمي كويس ولازم ت عـ.ـر.في أن نادين مش شبهكم انتوا شلة منفلتة والجامعة كلها ملهاش غير سيرتكم.

تدخلت نادين كي تلاحق الموقف:
نغم اهدي ومتكبريش الموضوع مش مستاهل
زفرت نغم بغـ.ـيظ من ردها فكم أرادت أن تؤيدها ولكنها كعادتها أثبت لها انها لن تتخلى عن تسليط الأضواء الخادعة عليها لتنهض وتجيبها وهي تلملم كُتبها:
هو فعلًا مش مستاهل انا ماشية قبل ما تفقعي مرارتي اكتر من كده، سلام.

حاولت نادين منعها ولكن نغم لم تستمع لها مما جعل نادين تستاء مما حدث فطالما كانت نغم مميزة بالنسبة وكم تعشق حين تكون معها على سجيتها بعيدًا عن كل شيء.
غريبة اوي نغم دي معرفش انتِ مصحباها ازاي!
قالتها منه مستغربة بنبرة تحمل السـ ـخـــريــة بطياتها مما جعل نادين تقول بدفاع قوي وكأنها عادت لسابق عهدها:
ملكيش دعوة بيها و متجبيش سيرتها نغم طريقة تفكيرها مختلفة عنكم وملهاش في حوارتكم.

خلاص مش هفتح بؤي بس بجد يا بختها نادين الراوي بذات نفسها بتدافع عنها
قلبت عيناها بسأم وزفرت حانقة:
سيبك بقى من كل ده وقوليلي ايه الأخبـ.ـار؟
اشرأبت منه برأسها وكأنها ستخبرها سر من أسرار الحرب وتابعت:
هقولك اصل الجديد كله عندي يا نادو.

خلاص بقى يا دعاء انتِ اللي استفزتيني وقولتي كلام مايتقلش
قالها فاضل بعدmا مل من مراضتها كثيرًا ولكنها لم تقبل بعد ان تغفر له حتى أنها هتفت بغـ.ـيظ:
كان لازم بـ.ـنتك تعرف حقيقة أمها وبعدين انا مغلطتش و مهما عملت يا فاضل مستهلش انك تمد ايدك عليا قدام بـ.ـنتك والحيزبونة اللي اسمها مُحبة
زفر فاضل في ضيق واسترسل كي يبرر لها:.

حقك عليا اتعصبت وكمان كنت زعلان على البـ.ـنت تخيلي محبة قالتلي انها كانت عايزة تمـ.ـو.ت نفسها لولآ لحقتها في أخر لحظة
شهقت دعاء متفاجأة:
هي حصلت تمـ.ـو.ت نفسها بـ.ـنتك اتجننت
زفر بضيق وأضاف:
انا مش متخيل إني كنت هخصرها يا دعاء علشان كده طلبت منك متضغطيش عليها، البـ.ـنت نفسيتها متدmرة حاولي تقربي منها وتصحبيها
مطت دعاء فمها بحركة مدللة وعاتبته:.

بعد ايه بقى ما انت ضـ.ـر.بتني وكسفتني قدامهم يعني ده جزاتي إني كنت خايفة على مصلحتها
ربت فاضل على خصلاتها بحنان وطلب منها راجيًا:
لأ، بس انا مش عايز نضغط عليها بعد كده سبيها براحتها يا دعاء انا معنديش استعداد اخسرها، ده انا كمان بفكر اعرضها على دكتور نفسي
أومأت له بنعومة مغلفة بالفتنة تعرف تأثيرها عليه وهمست بدلال وهي تستند على صدره و تعبث بأزرار قميصه:
حاضر بس ده ميمنعش اني لسة مخصماك.

ابتسم هو وسايرها بكل طواعية:
قوليلي ايه يراضيكِ؟
طلبت بعدmا التمعت عيناها بوميض يعلمه جيدًا ويعلم ما سيأتي بعده:
تشتريلي البيوتي سنتر اللي كان نفسي فيه وتكتبه بأسمي
تنهد هو وأومأ برأسه يوافق على مطلبها ولكنها لم تكتفي كعادتها وتابعت:
ومش بس كده عايزة أغير العربية
تنهد فاضل بقلة حيلة وعقب:
ماشي كل طلباتك مجابة.

لتتهلل أساريرها وتحتضنه وهي تشعر بسعادة عارمة كونه سيحقق لها أحلامها التي كانت تظنها بعيدة كنجوم السماء لولاه
بينما هو لم يكن حانقًا بسبب تطلُبها بل يتفهم تمامًا أن تلك المعادلة الصعبة بينهم وتلك الفجوة بين اعمارهم لم تكن تندثر لولآ المال ولذلك لديه يقين دائم انه كفيل ان يعوض به كل شيء.

لم يعد يحتمل ان يراها امامه دون ان يحدثها او يتمتع بقربها فهو يقسم ان طوال اليوم كان يود أن يجذبها من بين الجميع ويصـ.ـر.خ بأعلى صوته انها حبيبته، ولكن مجبور هو على الصمود من أجلها ورغم أنها صعبة المراث وإلى الآن لم تريح قلبه بكلمة واحد، إلا أنه لن ييأس فلم يتبقى شيء على تحقيق غايتها، ورغم تفهمه وتشـ.ـديدها عليه إلا أنه وجد ذاته ينتظرها خارج الحرم الجامعي يود أن ينعم ولو دقائق بقربها، فكان يستند على مقدmة سيارتها ينتظرها بكل حماس دون أن يحسب حساب ذلك الذي كان يقترب من موضعه تزامنًا مع خروجها واقترابها من السيارة.

فقد تخشبت قدmيها وهي ترى ذلك الغـ.ـبـ.ـي ينتظرها
وعلى فمه بسمة عابثة تكاد تصيبها بالغثيان
وإن كادت تسير نحوه كي تنهره اتسعت عيناها حين لمحته من بعيد و كرد فعل سريع منها لوحت له ببسمة واسعة كي تنبه ذلك الغـ.ـبـ.ـي أمامها وتحثه على الابتعاد وبالفعل تفهم حانقًا وانسحب بخفة وهو يشعر أن الغيرة تفتك به.
لتسرع هي بخطواتها نحو يامن كي تلهيه وتسأله بعيون زائغة:
ايه المفاجأة دي
أبتسم هو وأجابها:.

كنت في مشوار قريب من هنا و قولت اشوفك قبل ما تروحي
هزت رأسها وهي تجول بعينها تتأكد أن ذلك الغـ.ـبـ.ـي تفهم الوضع وإن لم تجد أثر له تنفست بأرتياح، استراب من ردة فعلها وسألها:
مالك بتدوري على حد
نفت برأسها وحاولت أن تستعيد ثباتها قائلة:
لأ ابدًا حبيت المفاجأة
تنهد يحاول أن يتغاضى عن تـ.ـو.ترها المبالغ به واقترح:
طيب تحبي نشرب قهوة في اي كافيه
ها اه قهوة...
قالتها قبل أن تزفر وتطلب راجية:.

بس نشربها واحنا بـ.ـنتمشى على الكورنيش
هز رأسه موافقًا وسار نحو سيارتها قائلًا:
معنديش مانع بس خلينا نروح بعربيتك علشان عربيتي ركنتها بعيد عن الزحمة
أومأت له ببسمة ماكرة وقالت مشككة:
والله تلاقيك لا كنت في مشوار ولا حاجة وبتشتغلني
قهقه هو وأجابها بمشاكسة:
على طول قفشاني كده
لتتسع ابتسامتها الآسرة وتسأله بكل غــــرور:
تنكر إني وحشتك
تنهد تنهيدة عميقة وأجابها وهو يشرع بالركوب بفتح الباب الذي يوازي بابها:.

مقدرش أنكر يا مغلباني
لتلتلمع عيناها بزهو لا مثيل له و تجلس خلف الموقد وتنطلق به، غافلة عن عيون الآخر التي تتربص بها وتتوعد بأشـ.ـد الوعيد إن كانت تتلاعب به.

أنتِ كويسة؟
سؤال لعين كاد يفتك برأسه ليعرف أجابته وقد كتبه برسالة نصية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي(whatsapp) لأكثر من مرة وقام بحذفه، فمنذ ما حدث في أخر مرة اوصلها بها وهو لا يعلم شيء عنها وقد أخبرته مربيتها انها لن تغادر المنزل ولن تذهب لجامعتهامما جعله يكاد يجن ويطمئن عليها، حقًا لا يعلم ما حل به ولا يريد تفسير الآن كل ما يعلمه أنه قطع وعد لها ولابد أن يفي به.

ولذلك تشجع وضغط على شاشة هاتفه ليتم الأرسال وعندها وجد نفسه يتلهف لردها بشـ.ـدة ولكن بلا جدوى لم تجيبه حتى شعر باليأس وفكر جديًا أن يهاتفها مباشرتًا وفي خضم أفكاره وجد الهاتف يُأخذ عنوة من يده بواسطة يد صغيرة سارقة يعرف صاحبتها فمن غيرها فاطمة ابنة شقيقته المشاكسة التي لا يتجاوز عمرها الست سنوات، رفع حاجبيه بغـ.ـيظ من فعلتها ولكنها رمقته بطرف عيناها قائلة بتذمر طفولي:
زهقانة و عايزة العب يا خالو.

هز محمد رأسه وضـ.ـر.ب كف على آخر بقلة حيلة عنـ.ـد.ما وجدها بالفعل تقوم بتشغيل احد الالعاب التي ترغمه أن يحتفظ بها على هاتفه، لينقض عليها مشاكسًا يقبض على مقدmة ملابسها من الخلف:
بت انتِ رخمة ليه كده مش تستأذنيني الأول قبل ما تاخدي التليفون من ايدي مش يمكن موافقش
رفعت عيناها الشقية له وثأثأت:
انت خالو، و مش تقولي لأ
واللهي ده أيه العشم ده يا اوزعه!
شهقت واستنكرت قوله:
انا مش اوزعه، يا ابو رجلين طويلة.

هز رأسه بلا فائدة و ضـ.ـر.بها بخفة على جبهتها قائلًا:
بَطلي لماضة احسن هعلقك في النجفة
نفت برأسها قائلة وهي تمط فمها وتنظر له نظرة جرو وديع:
مش ههون عليك يا حمود
قهقه محمد على شقاوتها وتلك الطريقة التي تحدثت بها ليوافقهاقائلًا:
ماشي يا اوزعه بس جيم واحد بس علشان تروحي تكتبي الواجب
قهقهت هي بحماس وجرت نحو الفراش تتوسطه تدعوه بمشاكسة:
ماشي تعال بقى ألعب معايا.

فما كان منه غير ان ينصاع لها ربما يلهي ذاته ويكف عن التفكير في صاحبة الفيروزتان البائسة.

أما هي فقد قررت أن تتم ما برأسها بعد أن علمت هوية صاحبة الرقم التي سجلته و.جـ.ـعلت أحد أصدقاء سعاد أن يساعدها و يأتيها بكافة المعلومـ.ـا.ت عنها فقد اكتشفت أن غريمتها صائدة رجـ.ـال و تعمل لديه بشركته ولذلك لم تتردد وخاصةً انه اخبرها في الصباح انه سيذهب ليعاين أحد المواقع التي يشرف على تنفيذها و وها هي.

تقف امامها بكل ثبات وثقة تتأمل هيئتها بتدني تعمدته، تحاول ان تجد ما يميزها عنها، ولكنها واقفة الآن أمام امرأة تناقضها بكل شيء، فهي ذات خصلات شقراء مموجة وعيون حادة ماكرة تلمع بالثقة وانف شامخ وشفاه منتفخة قامت بطلائها بلون قاني لم تجرؤ هي حتى أن تضعه لزوجها، أما هيئتها فكانت ترتدي جيب قصير للغاية يظهر ساقيها ببذخ وبلوزة بيضاء تلتصق على منحنياتها.

عكس هيئتها تمامًا فهي بسيطة الملامح وملابسها محتشمة لحد كبير ولكن ذلك لا يمنع جاذبيتها وجمالها الألهي فهي تتمتع ببشرة خمرية وعيون رمادية وخصلات بُنية متوسطة الطول تناسبها كثيرًا، قد تكون لا تتمتع بذلك الجسد الصارخ بالأنوثة كالذي لدى الآخرى ولكن لنقول أن جسدها متناسق بفِتنة خاصة بها، قطعت منار وصلة تأملها قائلة:
افنـ.ـد.م مين حضرتك...؟

تنهدت رهف وظلت تتمعن بها بشعور لا يضاهيه شيء قط، فأسوء شيء من الممكن أن يحبط المرأة ويهدm كبريائها انها تضع ذاتها مقارنتًا بأنثى أخرى لا تمت لطبيعتها بشيء و الأنكى أن زوجها مال لها رغم كم التناقض بينهم، طال صمتها مما جعل منار تزفر حانقة من نظراتها الغير مبررة:
في حاجة حضرتك؟
أجابتها رهف بنبرة واثقة وهي تجلس مقابل لها:
فيه حاجات، وعلشان كده جيت يا أنسة، مش انسة برضو ولا انا غلطانة؟!

رفعت منار نظراتها لها وأخبرتها ببسمة خبيثة:
غلطانة...
أممم اكيد مُطلقة، مش كده، او ممكن عانس ياحـ.ـر.ام
قالت أخر كلمة بأسف مصتنع وهي تمط فمها مما جعل الآخرى ترشقها بنظرات حاقدة مشتعلة، لتسترسل رهف وهي تنظر لها بتدني واضح:
على العموم في الحالتين حقك!
لم تفهم منار إلى ماذا ترمي وسألتها بغـ.ـيظ:
حق ايه مش فاهمة وانتِ مين اساسًا علشان تتكلمي معايا كده؟

احتدت نظرات رهف بشراسة قتالية هي ذاتها استغربت أنها تكمن داخلها واستطردت قائلة وهي تشرأب برأسها نحوها تتعمد أن ترهبها:
حقك تستغلي أي فرصة و تكشفي لحمك وتعملي في نفسك البِدع علشان تعوضي حظك براجـ.ـل زي جوزي
مهلًا الأن تفهمت كل شيء فتلك هي زوجته الساذجة وقد تفهمت لمَ يتهرب منها ولذلك
أطلقت ضحكة صاخبة ثم أجابتها بكيد وهي تضع ساق على آخر:.

مش محتاجة استغل الفرص يا مدام، وبعدين جوزك هو اللي هيتجنن عليا ومش ذنبي أنك مش مالية عينه
نخرت الغيرة قلبها ولكنها تمالكت ذاتها وردت بتدني أغاظ الأخرى و.جـ.ـعلها تطلق شرار من عيناها:
لو مال ليكِ فهو معذور أصل الحاجة الرخيصة بتبهر و بتزغلل العين لترفع سبابتها أمام نظراتها وتحذرها بجدية شـ.ـديدة جعلت الآخرى تريد الفتك بها:.

القرار راجع ليكِ، ابعدي عنه أحسنلك، علشان اللي بتخططيله ده مش هيحصل، خليكِ عاقلة ووفري على نفسك الفضايح والجُرص
فاهمة ولا اعيد تاني، قالت تحذيرها الأخير وهي تعتدل في وقفتها وترشقها بنظرة قـ.ـا.تلة متوعدة من عيناها حتى انها غادرت دون ان تعطي فرصة للآخرى أن ترد
لتصرخ منار بغـ.ـيظ وتتوعد لها:
يا أنا يا أنتِ يا رهف هانم.

أما هي فبعد أن خرجت من مكتبها كادت تخور قدmها من شـ.ـدة تـ.ـو.ترها ولذلك احتمت بأحد الأركان وأخذت تحاول أن تطلق زفرات متتالية كي تهدأ من روعها فيبدو أن قناع الشجاعة والقوة التي كانت تتقمصه سقط عنها وإن استعادت شيء من ثباتها هرولت للخارج وهي تحمد ربها أنها استطاعت أن تتخطى تلك اللحظة الحاسمة بحياتها.

بحاول ابقى كويسة
كلمة مقتضبة ظهرت على شاشة هاتفه كإشعار مما جعله ينتفض مرة واحدة ويجذب الهاتف من يد الصغيرة متحججًا:
يلا يا طمطم كفاية لعب انت وعدتيني تكتبي الواجب
نفت فاطمة برأسها واجابته بِلماضة:
عايزة ألعب شوية كمان وبعدين عادي ما انت وعدتني من شهر توديني الملاهي ومودتنيش
زفر محمد بنفاذ صبر و وعدها من جديد كي يتخلص منها ويتفرغ لمحادثة تلك التي تحتل كافة تفكيره:.

حقك عليا، و وعد لو كتبتي الواجب؛ هوديكِ بكرة
صفقت في حماس وقفزت على الفراش بسعادة عارمة ثم انصاعت له، ليزفر هو براحة ويتطلع لهاتفه ليجدها مازالت متصلة ليراسلها على النحو التالي قائلًا:
قلقت عليكِ وكنت متردد أكلمك
غاب ردها مما جعله يلعن تسرعه ولكن أتاه اخيرًا مطمئننًا:
ياريتك ما ترددت انا بجد محتاجة اتكلم مع حد
زفر براحة وباشر محادثتها بواسطة الكتابة:.

وانا معاكِ وهسمعك للأخر و تأكدي أن وقت ما تحتاجيني هتلاقيني
انت جدع اوي يا محمد وبجد شكرًا على كل حاجة.

ابتسم بحبور من مدحها وكم شجعه ذلك أن يطالب ب إجابات صريحة لتلك التساؤلات برأسه ولكنه كعادته لم يشأ أن يضغط عليها خــــوفًا أن تتخذ موضع هجوم ضده ولذلك لعن فضوله اللعين نحوها وقرر أن يتركها تخبره مـ.ـا.توده هي، وبالفعل ذلك ما حدث و استرسلت بالحديث معه لساعات عدة دون أي شعور بالوقت وكم كان هو متفهم يستمع لها دون كلل يحاورها بعقلانية شـ.ـديدة ويحفزها ان تتخطى كل شيء وتبدأ من جديد وهو يشعر أن نخوته و وعده لها بالمساعدة هم الدافع وراء اهتمامه لا يعلم أن بمكان هناك بصدره يتورط بها رويدًا رويدًا،.

بينما هي كانت تشعر بأمتنان عظيم له كونه أَنس وحدتها وكان وجوده يشبه لهيب شمعة انارت عتمتها، غافلة أنها لن تدوم طويلًا وستذوب قهرًا من أجلها.

عاد لشركته وهو يتعمد أن يلهي ذاته عنها ويتهرب من مواجهتها متحجج بإنشغاله ولكنها دخلت بثورتها قائلة:
اتفضل دي استقالتي أنا لا يمكن استنى في الشركة دي دقيقة واحدة بعد اللي حصل
أغمض عينه بقوة كي يهيأ ذاته كي يواجهها ولكن كيف الخلاص وهي تقف الآن أمامه بكامل اثارتها و تتخصر بجسدها، مما جعله يبتلع ريقه ويسألها بثبات بالكاد تمكن منه:
إيه اللي حصل؟

ألتقطت نظراته التي ارضت أنوثتها وتقصعت أكثر بوقفتها قائلة بإنفعال:
انا عرفت ليه بتتهرب مني، يا سيدي لو عايز ترجع في كلامك مكنش ليه لازمة تبعتلي مراتك تبهدلني وتتهمني بالرخص
أندثرت نظراته وشحب وجهه وبرقت عينيه وهب واقفًا يهمس بعدm استيعاب:
رهف، مستحيل!
مستحيل ليه مش انت اللي باعتها
حل رابطة عنقه وهو يشعر أن الارض تميل به وقال بنظرات مهتزة بعدmا تأكد أن شكوكه بِمحلها:.

ابعتها فين انتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة انا معرفش انها عارفة اصلًا، ورغم إني شكيت بس عمري ما اتوقعت انها تجيلك هنا
ادعت الوداعة واسبلت عيناها بعتاب وقالت بنبرة متألــمة اجادتها:
ده كل اللي يهمك، ومش هامك انها بهدلتني وسمعتني كلام زي الزفت بسببك لأ وكمان هددتني وعينها بعيني من غير ما تعمل اعتبـ.ـار ليك
لتجهش بالبكاء وتقول وهي تنظر له نظرات تعرف تأثيرها عليه:
ترددك هو السبب لو كنت صارحتها من الأول مكنتش حطيتني في موقف زي ده.

لتمسد جبهتها وتترنح وكأنها ستفقد وعيها مما جعله يهم إليها يدعمها بذراعيه فما كان منها غير أن تستند على صدره وتسبل عيناها أكثر تدعي الوهن:
انا همشي من شركتك وهخرج من حياتك كلها وهدوس على قلبي، وياريت تنساني زي ما هحاول أنساك يا سُونة
إلى هنا وقد ذهبت مقاومته أدراج الرياح، فكيف لذكر مثله أن يصمد أمام أنثى منكـ.ـسرة تحبه مثلها، ليجد ذاته يضـ.ـر.ب بكل شيء عرض الحائط ويقول وهو يتأكلها بعينه:.

لا مش هقدر، صدقيني حاولت كتير أنساكِ وابعد عنك معرفتش...
مرغت وجهها بصدره كالقطط وقالت تدعي الوداعة وهي تشهق ودmـ.ـو.ع التماسيح خاصتها تتراقص على وجنتها:
بس هي مش هتسبني في حالي دي هددتني
نفى مستنكر قولها واجابها بفكر عقيم وهو يمرر يده بين خصلاتها الشقراء:
متقدرش تعمل حاجة رهف أضعف من كده بكتير، وطالما عرفت خلاص يبقى مبقاش في حاجة أخاف منها وغـ.ـصـ.ـب عنها لازم تقبل
يبقى لو بتحبني تستعجل وتكتب عليا.

اومأ لها كالمغيب تحت وطأة رغبته، مما جعلها تبتسم وتصرح له بهمس مغري للغاية وهي تقترب بشـ.ـدة من وجهه:
بحبك يا سُونة ومقدرش اعيش من غيرك.

لم يمهلها لقول المزيد فقد جذبها من مؤخرة رأسها وأنقض بشراسة على ثغرها وكأنه يود أن ينفث عن تلك الرغبة المُلحةالتي تكاد تقضي عليه، ولكنها لم تكن به رحيمة ابدًا، فقد بادلته بجرأة غير عادية وأججت تلك الرغبة أكثر فأكثر فما كان من جسده غير ان يطالب بها ويتحرك من تلقاء نفسه يعتصرها و يستبيح بيده الماجنة أن يتحسس كل أنش بجسدها؛ وهي بالطبع لم تمنعه تلك المرة بل كانت تتعمد أن تثيره أكثر بآناتها وملامسته بحميمية وخبرة مسبقة حتى جعلته منتشي حد الجحيم لا يقوى على التحمل أكثر وبالطبع ذلك ما كانت تخطط له عنـ.ـد.ما كان يتهرب منها؛ فتعمدت هي أن تشعله حد الأحتراق لنيلها ثم تتركه يتوسل قطرة غيث تطفأ ناره المؤججة؛ وبالفعل تمكن شيطانه أن يسيطر عليه واستغل لحظة ضعفه وبرأ تلك الخطيئة التي مهما ادعى أنها بريئة لم تكن أبدًا؛ إلا ماجنة آثمة بحق زوجته.

كم كان الوقت يمر سريعًا وهو برفقتها فقد احتسوا القهوة ثم سارو معًا للكثير من الوقت حتى ألــمتهم اقدامهم وقررو يستريحون على أحد المقاعد الرخامية على ضفاف النيل، ورغم انه كان يأمل أن تتجاذب معه أطراف الحديث ولكنها لم تنبس ببـ.ـنت شفة فقد كانت فقط شاردة وكأنها تفكر في معضلة عويصة تؤرقها، وهو لم يريد أن يفرض حصاره عليها بالحديث بل فضل أن يمنحها مساحتها الخاصة ويكتفي كونه برفقتها دون جدل.

أما هي كانت بعالم موازي مليء.

بالتخبطات لا تعلم ما يحل بها فقط كل تعلمه أن بداخلها صخب يؤرقها وكم تتمنى أن تتخلص منه و تنعم بشيء من السَكينة والأطمئنان، لوهلة شعرت بفراغ بجانبها، وإن كادت تبحث بعيناها عنه وجدته يقف على مقربة يبتاع تلك الحلوى التي تعشقها، حانت منها بسمة حنين تحمل بين طياتها الكثير فكم ذكرها ذلك المشهد بطفولتها حين كانت تركض على البائع وتجبر والدتها ان تبتاعها لها وحين تنفذ رغبتها بالحصول على أكثر واحدة كانت تحتضنها تنعمها بدفئها وتخبرها بحنو أنها ستؤذي اسنانها، لكنها لم تقنع قط إلا أن خربت اسنانها بالفعل ولكن ليس بفضل دلال والدتها فقد كانت رحلت حين ذاك، بل بفضله هو فكلما كان يغـــضــــبها ويريد مراضاتها يجلبها لها.

انتشلها هو من دوامة ذكرياتها قائلًا وهو يمد يده بلفافة وردية كبيرة هشة من الحلوى:
عارف انك بتحبي غزل البنات
تناوبت نظراتها المشتتة بين الحلوى وبينه وتناولتها من يده واخذت تنظر لها بعيون مسبلة تغيم بالذكريات، تفهم هو ما أصابها ولكونه يعرفها عن ظهر قلب قال مواسيًا وهو يربت على ظهرها:
عارف أنها وحشتك بس مفيش حاجة بأيدنا غير ندعيلها.

كانت تقرص على شفاهها وتطرق رأسها دون أن تعقب حتى أنه ظن انها لن تفعل ابدًا ونـ.ـد.م حين جلب لها تلك الحلوى التي يعلم بما ذكرتها لذلك وجد ذاته يعتذر وهو يرفع بأنامله خصلاتها التي تعيق رؤيته لوجهها بحركة حانية للغاية:
اسف مكنش قصدي أفكرك
نفت برأسها وهمست بنبرة تحمل بطياتها الكثير من الألــم:
عمري ما نسيت علشان تفكرني
تنهد بعمق وهو يلعن ذاته بسره وصمت كي لا يزيدها عليها بحديثه، وبعد عدة ثوانٍ همست هي:.

فاكر زمان كنت لما بزعل وتحب تصالحني؛ تجبهالي لغاية ما سناني كلها سوست بسببك
أبتسم بحنين لتلك الأيام وقال مشاكسًا كي يستغل الأمر ويخفف عنها:
فاكر يا مغلباني، كنتِ مطلعة عيني بتتلككي ليا دايمًا ولو قولتلك صباح الخير من غير قصد كنتِ بتمسكِ فيا وانا كنت كل مرة أجري اجبهالك من مصروفي علشان تصلحيني
استعادت رباط جأشها وحانت منها بسمة صادقة نابعة من قلب تلك الطفل ذاتها حين أخبرته:
أنت كنت رخم وبتاخد حاجتي.

فاكر يوم عيد ميلادي و العروسة بتاعتى اللي حسن جبهالي عملت فيها ايه
ابتسم حين تذكر حنقه من أبن خالته المتلاعب حينها، وتذكر فعلته الشنعاء بتلك الدmية المسكينة ولكنه أنكر قائلًا ببراءة:
مش فاكر؟
وكزته هي بكتفه قائلة في غـ.ـيظ:
لأ فاكر، يومها صحيت من النوم لقيت العروسة مقصوص شعرها ومتشخبط على وشها وفستانها مقطع ومربوطة بحبل من رقبتها فوق سريري وانت قولتلي انها روح شريرة.

أنفجر هو ضاحكًا عنـ.ـد.ما تذكر كيف كانت مذعورة حينهاوظلت لأيام تجبر ابيها أن ينام برفقتها وهي مقتنعة تمامًا بحيلته.

وكزته مرة أخرى بكتفه ولم تستطيع منع نفسها من مشاركته ضحكاته قائلة بلا فائدة:
طول عمرك رخم
أجابها مشاكسًا:
أنتِ اللي كنتِ مبتسمعيش الكلام اعملك ايه قولتلك بلاش تاخديها منه وإني جايبلك واحدة أحلى منها بس انت عاندتي ورمتي عروستي واخدتي بتاعته وطلعتيلي لسانك.

كان يتحدث بعفوية تامة وحركات جسده متناغمة تمامًا مع بسمته البشوشة الهادئة التي تزين وجهه مما جعلها دون أي تعمد وجدت ذاتها تهيم به وتلك النبضة العاصية بقلبها يزداد وجيبها، استكانت ملامحه حين ألتقط نظراتها ووجد ذاته يغوص بدفء عيناه بليل عيناها المشتتة وكم تمنى أن يرى بصيص أمل بداخلها ولكنه كان كالغريق الذي يظن أن نجاته تعتمد على المعافرة و قدرة تحمله على الصمود.

دام ذلك التواصل البصري لعدة ثوان كانت كفيلة أن تجعل ذلك الصخب الذي يعتمرها يسَكن ويهدأ تمامًا، حتى انها وجدت ذاتها تصرح له دون أي تفكير مسبق:
تعرف إني مبقتش أخاف منك
حانت منه بسمة حالمة تجيش بما يختلج بصدره وأجابها بنبرة صادقة للغاية وهو يرفع يدها ويلثمها ببطء أمام نظراتها المشتتة:
آسف لو اتعمدت اخــــوفك قبل كده، كان غرضي أخليكِ تتمسكِ بوجودي جنبك وتحسسيني إني الوحيد القادر على حمايتك.

ليتنهد تنهيدة حارة مثقلة وهو يحتضن كفها البـ.ـارد بين راحتيه ويستأنف بنبرة تدل على قلة حيلته في عشقها:
صدقيني غـ.ـصـ.ـب عني ببقى عايز أطمنك بعديها وأخبيكِ بين طيات روحي جنب قلبي وأحميكِ حتى من نسمـ.ـا.ت الهوا اللي بتعدي جنبك، أنت الروح لروحي يا نادين و وجودك جنبي دليل على حياتي.

كانت تستمع له بعيون لامعة وقد لامست كلمـ.ـا.ته الصادقة شغاف قلبها وزعزعزت قناعتها بكل براعة وحينها دق ناقوس الخطر وأعلن عن بدء تلك الحرب الضارية بين قلبها وعقلها ولكنه لم يمهلها الوقت لذلك فقد جذبها بقوة إليه ودفنها بين جنبات صدره واضعًا قبلة حانية على قمة رأسها وكأنه يود أن يكلل تلك اللحظات بقربها، بينما هي كانت تنوي أن تدفعه عنها وتحجج كون ذلك غير لائق بالطريق ولكن لحسن الحظ كان المكان معزول خالي من أي مارة، مما جعلها تستكين وتشعر بطمأنينة غير عادية وكأن صدره هو المأوى والمأمن الوحيد لها.

انتظر أن تتفوه بأي شيء من أجل أن تخلد تلك اللحظات بذاكرته ولكن طال صمتها مما جعله يهدر بمشاكسة وهو يأخذ قطعة كبيرة من الحلوى ويدسها بفمها:
مش هتنطقي ولا ايه؟ فين لسانك السبعة متر دلوقتي يا مغلباني؟
لملمت شتاتها وتناولت نفس عميق كي تحفز ذاتها ثم خرجت من بين يده مبتسمة بمكر وهي تستمتع بذوبان السكر بفمها قائلة وهي تتناول قطعة أخرى بتلذذ غير عادي:
كَلته القطة يا رخم و قوم بقى جبلي واحد تاني.

قهقه من جديد وقال وهو يمط فمه:
طِفسة
رخم
قالتها ببسمة مشاكسة وهي تخرج لسانها له و تدفعه كي ينهض عن المقعد و يمتثل لرغبتها، ليضـ.ـر.ب هو كف على آخر وتتعالى صوت ضحكاته، فرغم أنها ستتم الواحد وعشرون بعد أيام معدودة إلا أنها مازالت بمشاكسة تلك الطفلة ذات الضفائر الطويلة التي أحبها منذ أن سقطت عينه عليها.

بينما هي أخذت تتناول الحلوى بتلذذ لا مثيل له مستمتعة بتلك اللحظات التي تظنها لم تؤثر بها ولن تجعلها تحيد عن ما برأسها
أنا دائما أستغني فلا تثق بي أبدا مهما بدوت لك مهتم فإن يدي لا تلوى وقلبي لا يهان وأنا لا أسقط فلا تراهن على قلبي أبدا.
نيرو.

ظلت تتملل بالفراش بِجانبه تنظر لظهره بحـ.ـز.ن أصبح يحتل كافة كيانها رغم صمودها، فكانت مترقبة لردة فعله و تعلم أنه لم يغفى بعد وتشعر بصوت انفاسه الغير منتظمة، تعلم أن تلك ال منار أخبرته بما حدث، والآن تنتظر منه أن يواجهها، ويعتذر عن خطيئته بحقها ولكنه لم يبادر للآن مما جعلها لم تتحمل أكثر لتزفر بنفاذ صبر وتهدر وهي تجلس على طرف الفراش:
اتكلم يا حسن يمكن ترتاح وتريحني...

زفر بقوة وأزاح الغطاء عنه وقال وهو يسحب علبة سجائره كي ينفث واحدة منها:
عايزاني أقول ايه ما انتِ طلعتي عارفة كل حاجة وروحتِ هددتيها ومعملتيش ليا أي اعتبـ.ـار
ابتلعت غصة مريرة بِحلقها من تبجحه وهدرت محتجة:
أنت جوزي وانا مأجرمتش أنا كنت بدافع عن بيتي وعنك
صدر من فمه صوت ساخر ينم عن سخطه وهدر متبجحًا وهو يطفئ سيجارته بالمنفضة اعلى الكومود ويهب واقفًا:.

انا كنت خايف ت عـ.ـر.في لكن طلعتي خبيثة وعارفة وبتمثلي عليا و بعد عملتك دي خلتيني أصمم اكتر
برقت عيناها وعاتبته بإنفعال مغلف بِخيبة أمل:
يعني ايه!؟ده بدل ما تعتذر وتنـ.ـد.م على خيانتك ليا
أجابها بثقة عارمة بذلك المبرر الواهي الذي يظنه يبرئ خطيئته وهو يلوح بيده امام وجهها:
أنا مخنتكيش انا بحبها، بحبها يا رهف وهتجوزها علشان مش هعرف اعيش من غيرها واظن ده شرع ربنا وحقي.

نزل حديثه عليها كالصاعقة ورغم أنها كانت تضع احتمالات عدة لردود فعله ولكنها لم تتوقع قط أن يخبرها بكل تبجح أنه يحب آخرى، مما جعلها تثور قائلة:
و أنا مفكرتش فيا؟
أنتِ مالك، زي الفل ومفيش حاجة ناقصاكِ...
صرخت به بعصبية مفرطة:
ناقصني انت يا حسن، ليه تخلي واحدة تانية تشاركني فيك...
أجابها باقتناع تام هيأه شيطانه له:
افهميني أنا مقدرش استغنى عنك ولا عن ولادي بس هي حاجة تانية...

نفت برأسها ووضعت يدها على اذنها ترفض ما تسمع وكأنها بأسوء كوابيسها، لتصرخ معاتبة بقهر:
بس انا مقصرتش معاك في حاجة
مقولتش أنك مقصرة
لملمت شتاتها قدر المستطاع كي لاتنهار أمامه وتهدر المتبقي من كبريائها الذي دهس تحت قدmه، وقالت كمحاولة أخيرة منها كي تقنعه يحيد عن ما برأسه:
فكر في ولادك وفي البيبي اللي جاي في السكة، بلاش تهد الكيان اللي ببنيه من سنين، صدقني دي نزوة وهتعدي.

نفى برأسه بعدm اقتناع وقال بيأس دون أن يراعي وطأة كلمـ.ـا.ته الطاعنة عليها:
مش نزوة، انا حاولت اسيبها وابعد لكن مقدرتش
ليكوب وجهها الشاحب بين راحتيه ويقول وكأنه بذلك يطمأنها غافل كونه طـــعـــنها لتوه بسكين ثلم:
صدقيني مفيش حاجة هتتغير، هبقى معاكِ ومع الولاد، مش هتحسِ بفرق، وهعدل بينكم
حقًا ستعدل بيننا، يا لك من رحيم، عطوف، أيها الخائن أتظن أني سأقبل بفُتاتك التي سوف تَمنّ عليِ بها، لا، وألف لا.

ذلك ما كان يدور برأسها عنـ.ـد.ما
نفضت يده وهدرت بشراسة لم تكن ابدًا تعرف إنها تكمن بداخلها:
أنا مستحيل أقبل بوضع زي ده
زفر بنفاذ صبر وأخبرها بإصرار مقيت:
و انا مش هتردد و خدت قرار ومش هرجع فيه
تمسكت مكان خافقها الذي يعتصر بين ضلوعها من إصراره المقيت ذلك وقالت بتماسك رغم الوهن التي تشعر به:
قرارك ده هيخسرك كتير اوي يا حسن.

لتترك الغرفة وتتوجه لغرفة أطفالها بينما هو لوح بيده يستهتر بوعيدها غافل أن زوجته ليست بضعيفة ولا ساذجة كما يعتقد هو، هي فقط تتهاون من أجله ومن أجل اطفالها مما جعله يظنها لقمة صائغة غافل أنه بإصراره ذلك أظهر شخصيتها الدفينة التي كانت تتوارى خلف رداء الطاعة والولاء له.

صباح الخير
قالتها هي ببهوت أصبح ملازم لها وهي تشرع بركوب السيارة بعدmا ألح عليها بلأمس أن تخرج من عزلتها، أبتسم هو وألتفت برأسه لمقعدها قائلًا بتشجيع بث بها السرور:
صباح الفل على عيونك، الحمد لله انك اقتنعتي أخيرًا وخرجتي
ليعتدل في جلسته ويسألها بترقب وهو يشعل موقد السيارة:
ها على فين العزم حضرتك؟
مطت فمها وأخبرته بعفوية:
محمد احنا بقينا اصحاب شيل التكليف لو سمحت وناديني بأسمي.

أبتسم من ذلك اللقب التي تطلقه على تقربهم، فهو إلى الأن غير مقتنع؛ كونه عكس ما تربى عليه، فداخله قيم راسخة أن لا يجوز تقارب رجل وامرأة تحت مسمى صداقة
ولكن يقسم أنه لا يعلم ما حل به ولا يود أن يجد تفسير الأن غير شيء واحد فقط هو كونه وعدها بالمساعدة ولابد أن يفي بوعده، وليست شفقة منه عليها بتاتًا بل بدافع نخوته وشهامته ك رجلّ
محمد سرحت فى ايه؟

انتشلته من مداهمة أفكاره ليتحمحم يجلى صوته الأجش قليلًا ويرد:
معاكِ يا ميرال
تنهدت بعمق، وصدى جملته يتردد بعقلها ورغم بساطة كلمـ.ـا.ته إلا أن تأثيرها كان يستقر في أعماقها ويشعرها براحة عارمة، وإن لاحظت نظراته المترقبة عبر المرآة قالت بنبرة هادئة:
عايزة أروح النادي
مفيش جامعة النهاردة.

باغتها بسؤاله، لتنكمش معالم وجهها وتجيبه باقتضاب بعدmا تذكرت مشادتها مع طارق وما سينتج عنها من همهمـ.ـا.ت وقصص واهية هي في غنى عنها:
لأ مش هروح
لاحظ ما أصابها ولكنه لم يريد أن يضغط عليها في معرفة السبب الحقيقي لرفضها، يعلم انها ستخبره ولكن من ذاتها ولذلك قال بلطف وهو ينطلق بها:
اللي يريحك.

استعد للذهاب إلى عمله بِمزاج عكر للغاية بسبب مواجهته لها الليلة الماضية، لوهلة شعر ببعض تقريع الضمير ولكن ذلك لم يغير شيء من قراره، تجمدت نظراته وهو يراها مشرقة ككل يوم تجلس على طاولة الطعام وتطعم أطفالها بحنو شـ.ـديد وهي تقص لهم أحد القصص الخيالية لتشجيعهم على الطعام، أبتسم دون شعور فهي دائمًا تخالف توقعاته فقد ظنها ستحـ.ـز.ن وتكتئب وستنقم عليه ولكنها ابهرته بثباتها و.جـ.ـعلت يظن أنها قد أذعنت لرغبته كما توقع، انتشله صوتها الناعم وهي تهتف برحابة:.

صباح الخير يا حسن
ابتلع ريقه بِحلق جاف ثم أجابها بتلعثم:
صباح، النور
=بابي
صرخ بها أطفاله وهم يركضون إليه لينحنى لمستوى كل منهم ويحتضنهم قائلًا بحنو:
قلب بابي وحشتوني
لترد شيري بغـــضــــب طفولي:
أنت كمان يا بابي بس أنا زعلانة منك علشان مشغول علطول ومش بتخرجنا ولا بتلعب معانا.

سايرها حسن وهو ينظر ل رهف كي تلاحق الموقف معه وتدافع عنه أمام اطفاله كما تفعل دائمًا ولكنها تجاهلت نظراته وظلت على ثباتها المستفز بالنسبة له تدعي انشغالها بتناول الطعام:
حاضر اوعدك هنخرج وهنعمل كل اللي انتوا عايزينه
ليعقب شريف :
أسكتِ أنتِ، علشان انا هقول لبابي حاجة مهمة
اشرأب حسن برأسه ليهمس شريف بإذنه:
جبتلي اللعبة اللي وعدتني بيها يا بابي
اغمض حسن عينه بأسف وقال معتذرًا:.

نسيت، معلش اوعدك او ما افضى هجبهالك علطول
يبقى عمرك ما هتجبها
قالها شريف بنزق وهو يمط فمه و بينما شيري اكتفت بنظرة مستاءة له جعلت وجهه يشحب و يتناوب النظرات بينهم ويعجز عن الرد لثوان قبل أن تهتف هي:
يلا يا ولاد هنتأخر على (bus ) المدرسة
وقبل أن ينصاعوا لها ويحملون حقائبهم ويتبعوها قال شريف وهو يطرق رأسه بأسف:
أنت مش بتحبنا يا بابي
شعر بغصة تتكون بحلقه وهو ينظر لأثرهم وحقًا شعر بالخزي من نفسه.

وحين عادت هي بعد بضع دقائق وجدته يجلس شارد على أحد مقاعد طاولة الطعام دون أن يمسس شيء من طبقه، تحاشت النظر له وتعمدت أنها تظل على ثباتها وهي تضب المائدة دون أن تعطي عدm تناوله لفطوره أي أهمية على غير عادتها مما استفزه أكثر و.جـ.ـعله يضـ.ـر.ب الطاولة بقبضة يده ويصـ.ـر.خ بهياج:
انا عارف أنتِ بتحاولي تعملي ايه
انتِ ازاي خبيثة كده، تقومي الولاد عليا علشان تحسسيني بالتأثير وأرجع في كلامي.

هزت رأسها بنفي قاطع وصرخت بوجهه بِشراسة لم يعتادها منها:
انا مش عايزاك ترجع في قرارك، بس من هنا ورايح أنت مجبر تتحمل نتيجة افعالك لوحدك...
لتتركه وتدخل غرفتهاوتغلق بابها بوجهه، ليزئر هو بغـــضــــب ويزيح الأطباق التي أمامه بيده محدث ضجيج أجفلها من موضعها ثم يغادر منزله وهو يصطحب معه مزاجه العكر.

داعب انفها رائحة عطره الممزوجة برائحة القهوة الشهية التي يعُدها خصيصًا لها كل صباح، لترمش عدة مرات لتجده يجلس بالمقعد المجاور لفراشها يتأملها كعادته لتقول هي بمشاكسة ممزوجة ببعض الغــــرور:
خدت عليا وعلى أوضتي اوي حضرتك
أبتسم وأجابها وهو يجلس بِجانبها و يزيح خصلاتها المبعثرة عن وجهها:
هتوحشيني
رفعت عيناها له وتسألت بترقب وهي تعتدل وتجلس تستند على جذع الفراش:
مسافر.

أومأ لها بقلة حيلة وأخبرها وهو يناولها كوب القهوة الممزوجة بالحليب خاصتها:
كلموني الصبح في توريدات جديدة ولازم أبقى موجود واستلمها بنفسي...
ليتنهد بعمق ويقول ببحة صوته المميزة التي تشتتها و.جـ.ـعلتها تكاد تغص برشفتها:
خلي بالك من نفسك يا مغلباني
احتمال اتأخر المرة دي ومش هعرف هرجع أمتى.

سعلت بخفة ثم وضعت الكوب أعلى الكمود وتعلقت عيناها به وتلك النبضة العاصية بقلبها يزيد وجيبها لتجد ذاتها دون أي تفكير مسبق وعلى غير عادتها تجذب يده بين راحتها وتقول بصدق لا تعلم كيف صدر منها:
هتوحشني
تهللت أساريره وهو ينظر ليدها التي تحتضن يده وهمس بعدm تصديق:
بجد هوحشك.

هزت رأسها وهي تتحاشى النظر له، فما كان منه غير أن يجذبها لصدره ويدس أنفه بين فجوة عنقها ثم يتنهد تنهيدة حارة نابعة من صميم قلبه المُولع بها ويهمس بعدها بنبرة صادقة لأبعد حد:
بحبك يا نادين، بحبك يا روح روحي ولو عليا نفسي ما فرقيش لأخر يوم في عمري.

تلك المرة الأولى التي يقولها صريحة لذلك الحد فسابقًا كان يلمح أو يذكر تشبيه مجازي لمشاعره ولكن الآن قال تلك الكلمة التي استقرت بأعماقها وزعزعت كافة قناعتها، و.جـ.ـعلت مقاومتها تتلاشى وقبل أن يصـ.ـر.خ عقلها سبقه قلبها.

إِياك! أن تطلب مني الصمود أيها العقل، فتلك النبضات العاصية تورق سَكينتي ولم أعد أحتمل ضجيجها، حتى حصوني التي شيدتها كي أُأَذرك بها أصبحت أنقاض بالية، لا نفع منها أمام هيمنته الطاغية عليها فحابًا بالله توارى خلفي لمرة واحدة وارأف بي وكف عن صخبك الغير محتمل.

وعند تلك النقطة تخلت عن مقاومتها وأغمضت عيناها وشـ.ـددت على عناقه أكثر، بينما هو كان يتنفس أريجها المميز باستمتاع تام وكأنه يريد أن يختزنه برئته لأطول وقت ممكن.

دام عناقهم لثوان معدودة ولكونه يعلم أن عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها لا يضمن ذاته قرر أن يفض ذلك القرب المهلك بالنسبة له، ولكن وجد ذاته كالمغيب ينثر قبلات متقطعة محمومة على سائر عنقها البض التي تزينه الشامـ.ـا.ت، والغريب بلأمر أنها لم تعترض ولم تنفر منه بل شعرت أنها تبدلت لآخرى لا تمت لها بصلة حين تجاوبت تحت وطأة تلك المشاعر الجياشة التي يغدقها بها، فقد تعالت وتيرة أنفاسها و وجدت ذاتها تمرغ جانب وجهها مع وجهه المدفون بين ثنايا عنقها بتجاوب وبنعومة أفقدته عقله و.جـ.ـعلته قلبه يطالب بالمزيد، والمزيد كان يكمن بين شفاهها التي أنهل عليها بقبلة هادئة، حالمة، تحولت لأخرى شغوفة متلهفة لأبعد حد وكأن ترياقه يكمن بين رحيق شفاهها، شعر برجفتها بين يده ومحاولاتها الفرار من حصار شفاهه ولكنه مازال لم يكتفي ويطمع بالمزيد ليكوب مؤخرة عنقها كي يدعم رأسها ويداعب بأطراف انامله خصلاتها بحركات حثية جعلت القشعريرة تنتابها ويحتل الخدر كافة جسدها و تعلن عن رايات استسلامها، وحينها تجاوبت معه وبادلته قبلته بشغف لا يقل شيء عن شغفه بها حتى انها كالمغيبة وجدت يدها تتحرك من تلقاء نفسها داخل خصلات شعره بحميمية تكاد تطيح بعقله وتفقده أخر ذرة تعقل به.

فقد دام تلاحم شفاههم لعدة ثوان قبل أن يتعالى رنين هاتفه ليكون هو كجرس تنبيه أيقظ كافة حواسها و.جـ.ـعل وتيرة أنفاسها تتعالى شيء فشيء وهي تدفعه عنها، ليبتعد بمضض وبعيون مثقلة و بأنفاس ثائرة يستند بجبهته على خاصتها ويمرر إبهامه على شفاهها المنتفخة بزهو وهو لا يصدق ما حدث، وقبل أن يقول أي شيء كانت هي كعادتها توئد سعادته وتزيحه عنها وتنتفض راكضة نحو مرحاض غرفتها تغلق بابه وكأنها لا تقوى على مواجهته، حاول أن يسيطر على زمام نفسه بعد فعلتها وكم شعر بالسوء حين فرت من مواجهته واستشعر نـ.ـد.مها ليقول بنبرة متهدجة وهو يلحق بها ويطرق باب المرحاض:.

نادين افتحي خلينا نتكلم، انا عمري ما قصدت أفرض عليكِ مشاعري، بس غـ.ـصـ.ـب عني أنا راجـ.ـل
لم يأتيه ردها بل فقط صوت أنفاسها المتعالية ليزفر بقوة وهويمرر يده على وجه وكأنه على حافة الجنون، ولكونه يعلمها ويعلم طريقة تفكيرها قال بنفاذ صبر وبنبرة مغلفة بعزة النفس متغاضي عن أنين قلبه:
عارف انك نـ.ـد.مانة بس متقلقيش، مش هتعشم وعارف ان اللي حصل ده مش هيغير حاجة.

ذلك أخر ما تفوه به قبل أن يغادر بخطوات غاضبة يتأكلها الغـــضــــب أما هي فقد تحسست بأناملها شفاهها التي وشمها بقبلته وهي لا تصدق أنها سمحت له بفعل ذلك، لتزفر بقوة وهي تمرر يدها بخصلاتها و تجلس على سور حوض الاستحمام بإنهزام ثم دون مقدmـ.ـا.ت أخرى كانت دmعاتها النادرة تنهمر بغزارة تنعي حالها لسبب هي وحدها تعلمه.

أما عند صاحب البُنيتان القاتمة كان يجلس يباشر عمله حين دخل أحد موظفيه وأخبره:
محتاج توقيع حضرتك يا فنـ.ـد.م
أومأ له حسن وقام بسحب الملفات من بين يده وقام بتوقيعها وهو يقول بِعملية:
احتمال اغيب عن الشركة كام يوم مش عايز تقصير وزي ما سلمنا الوحدة الأولى من غير ولا غلطة عايز العمال يشـ.ـدوا حيلهم علشان الوحدة التانية تتسلم في ميعادها، وياريت تشرف على كل حاجة بنفسك وتعملي تقرير وافي لما ارجع.

تمام يا فنـ.ـد.م حبيت ابلغ حضرتك أن ?يلا العاشر جهزت زي ما حضرتك أمرت.

أومأ له حسن بامتنان ثم أشر له بالانصراف وهو يستند بأريحية على مقعده الدوار فقد قام بكل التجهيزات اللازمة لزيجته وقد قرر أن يتخذ تلك ال?يلا التي يملكها منزل زوجية له مع منار فقد رفضت رهف أن تعيش بها سابقًا متحججة أنها لن تترك شقتها التي أسست كل ركن بها وشهدت على سنواتهم الأولى معًا، زفر بقوة وهو يتذكر حديثها الشرس له الذي يحمل شيء من الوعيد ولكنه حاول طمأنت ذاته أنها أضعف من أن تفعل أي شيء ويعلم أنها مسألة وقت ليس أكثر وستتقبل الوضع.

كان غارق في أفكاره حتى أنه لم يلحظ دخولها وجلوسها على طرف مكتبه إلا أن همست بِغنج:
سُونة سرحان في إيه؟
تحمحم وأجابها ببسمة مبتسرة:
في الشغل هيكون في أيه يعني يا منار
لوت شفاهها المطلية وقالت وهي تميل عليه بِجزعها بطريقة بـ.ـارزة لمنحنياتها المغرية نصب عينه:
كده وانا اللي كنت بفكرك سرحان فيا وفي السعادة اللي هعيشك فيها بعد جوازنا، ده أنا مش مصدقة أن خلاص هنكتب الكتاب بكرة.

تركزت نظراته محل ما أرادت وقال بِغريزة رجولية بحته:
أنا كمان مش مصدق أنك هتبقي بتاعتي يا منار ده أنا كنت هتجنن
بعد الشر عليك يا سُونة
قالتها بهمس مغري أمام وجهه وعينه لم تفارق شفاهها حتى أنه ابتلع ريقه برغبة بائنة وكاد يُقبلها إلا أنها، ألتمع الخبث بعيناها وتراجعت في آخر لحظة قائلة وهي تعتدل في وقفتها:
هانت أصبر وبعدين انت وعدتني ننزل نشتري الشبكة النهاردة
أومأ لها برحابة لتستأنف هي بغنج تجيده:.

أنا كمان عايزاك تشتري معايا لوازم الجواز
لتميل عليه من جديد هامسة بإثارة في أُذنه، وبجرأه تعمدتها كي تلهبه:
لازم ال(Lingerie ) بتاعي تختاره كله على ذوقك يا سُونة
حل رابطة عنقه وأخبرها بتحشرج أثر النيران التي تشعلها به ولم ترضى إضرامها في كل مرة:
تمام، بعد الشغل هروح معاكِ
لتبتسم هي وتضع قبلة عابرة على وجنته قائلة بغنج زائد أنهكه على الأخير:
أحبك يا سُونة.

عرضت عليه أن يرافقها للداخل ولكنه رفض وبعد وقت قليل من جلوسها بمفردها بالداخل كانت تشعر بالضجر الشـ.ـديد، فكرت أن تعود للمنزل تمكث داخل غرفتها وتنعم بعزلتها، ولكنها تخــــوفت حين تذكرت حديثه أنها من الممكن أن تخور مقاومتها وتفقد عزيمتها وتهاجمها تلك الأفكار السوداوية من جديد ولذلك أقتنعت بحديثه وغادرت المنزل وهنا وجدت ذاتها تتذكر أقتراح والدها بعرضها على طبيب نفسي لا تعلم لمَ رفضت ولكنها تعلم أنها لم تفقد عقلها بعد لتكون بحاجة لذلك بدليل أنها ما أن توقفت عن أخذ تلك الحبوب ليومين كاملين تشعر بتحسن ورغم إلحاح عقلها وتعود جسدهاإلا أنها ستقاوم تلك المرة ولن تضعف فهو محق لابد من المحاولة ليس من أجل أحد بل من أجلها هي.

وعنـ.ـد.ما أتى هو بِخاطرها وجدت ذاتها تبتسم وتنهض تهرول للسيارة التي ينتظرها بداخلها لعلها تنعم ببعض الصُحبة بيومها.
ولكن تجمدت ملامحها عنـ.ـد.ما وجدته يوليها ظهره ويتحدث في الهاتف قائلًا:
تمام يا حبيبتي والله هحاول
، انا مقدرش على زعلك
شحب وجهها ووقفت لا تعلم ما بها وحين لاحظ وقوفها بالقرب أغلق المكالمة وقال مستغربًا حالتها:
ميرال مالك حد ضايقك؟
نفت برأسها وقالت بإقتضاب وهي تشرع بركوب السيارة:.

لأ زهقت وعايزة أروح
أومأ بطاعة وإن كاد يصعد إلى السيارة تعالى رنين هاتفه مرة آخرى، تأهبت هي من موضعها داخل السيارة، بينما هو تنهد ورد بنفاذ صبر:
أنا في الشغل عيب كده قولتلك حاضر و كفاية زن
صمت لبرهة ثم أجاب الطرف الثاني بمسايرة:
حاضر اول ما اخلص الشغل هاجي اخدك علطول
وعنـ.ـد.ما أتاه جوابها قهقه بقوة قائلًا بخفة أغاظت تلك التي تترصد مكالمته من موضعها:
بقى كده يا اوزعة وربنا هعلقك بس أجيلك.

ذلك أخر ما نطق به قبل أن يغلق الخط و يصعد للسيارة ويشعل الموقد غافل أنها تكاد تمـ.ـو.ت من شـ.ـدة فضولها وإن كادت تسأله، اتاها صوته الأجش يخبرها بكل أريحية:
آسف بس دي طمطم بـ.ـنت أختي ومن الصبح مفصلتش علشان وعدتها أوديها الملاهي النهاردة
ابتسمت بـ.ـارتياح لا تعلم سببه ثم قالت أول شيء جال بخاطرها دون تفكير:
ربنا يخليهالكم يا محمد
لتصمت برهة وتسأل بتردد:
هو ممكن أجي معاكم.

أبتلع ريقه مصعوق من طلبها الغير متوقع بالمرة وشيء ما في أحشائه يتراقص فرحًا لا يعلم ما حل به، ليجد ذاته يرحب بها وينطلق بالسيارة وعلى وجهه وجهها بسمة لا تنم غير على حماس لا مثيل له.

أبتاع لها خاتم من الذهب الأبيض المرصع بأحجار صغيرة من الألــماس فقد قامت هي بأنتقاءه بنفسها وصممت عليه رغم بهظ ثمنه، فما كان منه غير أن ينصاع لرغبتها.

ولساعات عدة كان يتسوق معها دون تذمر أو كلل بالعكس تمامًا كان مستمتع وسعيد للغاية كونها أرضت غــــروره كرجل وإنصاعت لكل رغباته بكل ما يخصها، انتقى كل ما لفت نظره وآثار غريزته في رؤيته عليها، أما هي فقد فاجأته بأختيارتها لأشياء غير مألوفة له وكم استغرب كم هي جريئة و منفتحة لذلك الحد ولكن لا ينكر أنها راقته بشـ.ـدة وخاصةً أن اختياراتها واثقة لا تتردد بالحصول عليها، تعرف ما تريد على عكس زوجته تمامًا مما جعله ولأول مرة يشعر بالرضا.

وتكاد تتسع بسمته من الأُذن للأُذن وهو يخرج بطاقته الائتمانية ويناولها للمختص كي يسدد منها ثمن مقتنياتها المثيرة كما أطلق عليها وهو يمني نفسه بليالي حالمة جامحة برفقتها بعد زواجه منها.

يوم مليء بالمرح، لم تترك لعبة واحدة ولم تشارك الصغيرة بها وكأنها تماثلها بالعمر، فكانت ضحكاتها عفوية صاخبة تتردد على مسامعه كالحن عـ.ـذ.ب يراقص كل حواسه، وكم راقه عفويتها وبساطتها معه ومع بـ.ـنت شقيقته وها هو يجلس بجوارها يتناولون المثلجات أثناء
مشاهدة الصغيرة وهي تلهو داخل ذلك الركن المؤمن للأطفال.

فقد لوحت الصغيرة لهم بسعادة تدل على استمتاعها، لوهلة تعلقت نظراته ب ميرال وهي تلوح لها ببسمة ساحرة لأول مرة يراها تغلف ملامحها، ليتنحنح كي يجلي صوته ويقول:
طمطم شكلها حبيتك
أجابته وهي مازالت محتفظة ببسمتها:
وانا كمان حبتها اوي واول مره اجي الملاهي وانبسط كده.

أبتسم وبندقيتاه تتعلق بها وهي تلتهم المثلجات التي أصرت انها تكون بنكهة الفراولة التي تشابه حباتها الذي دون قصد وجد عينه تتركز عليها، لتتسع بسمته ويشير على زاوية فمها قائلًا:
هنا في أيس كريم.

ارتبكت وقطمت شفاهها تمسح فمها وهي ترفع فيروزتاها له لتنتفض دواخلها عنـ.ـد.ما وجدت عينه تتجول على ملامحها ببطء وكأنه يدرس تفاصيلها وكم راقتها نظراته المغلفة بالاهتمام التي لم تحظى به من قبل، ومع تشابك نظراتهم دق ناقوس الخطر بعقله يخبره أنه تخطى حدود منطقه، ليزيح عينه بعيدًا ويسألها كي يؤد ذلك الشعور بداخله:
كنتِ بتروحي مع والدك؟

كانت مازالت مرتبكة ولكنها أجابته بنبرة تحمل بين طياتها الكثير وهي تنظر لنقطة وهمية بالفراغ:
لأ بابا كان علطول مسافر أو مشغول و داده مُحبة هي اللي كانت بتوديني الملاهي بعد ما أقعد اتحايل عليها ومكنتش بتركب معايا
لتحين منها بسمة باهتة وهي تستعيد ذكرايتها من جديد:
حتى مرة قعدت أعيط كان نفسي أدخل بيت الرعـ.ـب بس هي مرضتش ابدًا ولما اقترحت أنها تدخل معايا قالتلي انها عندها القلب ومش هتستحمل.

تنهد في عمق ثم مسد جبهته بِسبابته وابهامه وهو يدرك تدريجيًا سبب ما توصلت له، ليجد ذاته ككل مرة يتعلق الأمر بها يضـ.ـر.ب بكل شيء عرض الحائط، ويقترح بحماس وهو يسحبها من يدها بعدmا نزع المثلجات منها:
طب يلا
عقدت حاجبيها وتسألت بشـ.ـدوه وهي تطالع قبضة يده على أناملها:
على فين؟
أجابها ببسمة مشاكسة وهو يجرها خلفه:
هندخل بيت الرعـ.ـب ومتقلقيش العبد لله قلبه حديد وهيدخل معاكِ.

أتسعت بسمتها وهي لا تصدق أنه سيفعلها ولكن عنـ.ـد.ما جلسوا سويًا بعربة واحدة وسارت بهم في ذلك السرداب المظلم لا تذكر شيء غير صراخها الممزوج بضحكاته وتشبثها به كالأطفال تنتفض من شـ.ـدة ذعرها،
غير عابئة أن ذلك القرب يدعم تلك البراعم المتنامية بقلبه.

ترفض وتستنكر كل شيء حتى أنها تمردت على مشاعرها التي تكاد تقــ,تــلها قهرًا.

فمنذ ذكرى وفاة والدتها واحتوائه لها و زيارة خالها وهي لا تعرف ما أصابها، تنظر له نظرات هي ذاتها لاتعرف ماهيتها، تشرد في معاملته وتشعر بالتشتت وخاصةً عنـ.ـد.ما صدق بوعده ومنحها بعض من المساحة لذاتها ورغم حظره وتلك التعليمـ.ـا.ت اللعينة التي يغدقها بها إلا أنها كانت تتغاضى عن ذلك الشعور بداخلها الذي سطع واكتسح تمردها حين سمحت له بتقبيلها لا والأنكى أنها بادلته وكانت مأخوذة بدفء ذراعيه، فقد أدركت حينها أن ذلك الشيء التي طالما تخــــوفت منه قد حدث ولابد أن تسترد عزيمتها من جديد وتتمرد على سطوة مشاعرها التي تنجرف نحوه وعند تلك الفكرة أخذت تلعن ذاتها بصوت جهوري وهي تتدلى من سيارة الأجرة التي أوصلتها لوجهتها وظلت تسأل ذاتها كيف أحتل تفكيرها هكذا وكيف استدرجها و.جـ.ـعلها تتهاون في سبيل انتقامها لتوبخ ذاتها بتمرد كعادتها:.

انتِ اتجننتِ باين عليكِ، اوعي تنسي ده الراجـ.ـل اللي ذَلك هو وأمه وكانوا سبب في مـ.ـو.ت أمك
اوعي تنسي، يا نادين لتتناول نفس عميق وكأنها استعادت لتوها روح الأنتقام بداخلها وذلك التمرد الذي سيكون سبب نكبتها، وأخذت تتأمل أضاءة لافتة المكان المنشود ثم حانت منها بسمة منتصرة متشفية كونها عاندته وتغلبت على كبته لحريتها وتحجيمها فقد
استغلت سفره وكعادتها فرت من المنزل بوقت متأخر بعد أن خدرت ثريا كالمرة السابقة.

رحبوا بها أفراد شلتها وأخذوا يرقصون ويهللون ما ان رأوها، ولكنها لم تعير أحد منهم أي أهتمام فهي هنا لغرض واحد فقط هو أن تعود لتمردها وتنفضه من تفكيرها فقد رقصت، شربت، حتى انها سحبت من أحدهم سيجارة غير بريئة بالمرة وظلت تنفثها، كانت في حالة من الجنون لم تعي لشيء سوى رقصها بين ذلك الحشـ.ـد من الشباب إلى أن شعرت بقبضة من حديد تقبض على ذراعها وتجرها خارج نطاق حلبة الرقص، تأوهت بقوة وصرخت:.

سيب ايدي أنت اتجننت
دفعها بقوة نحو المرحاض وحين دلفوا للداخل أغلق بابه ولم يهتم بتفقد حجراته إن كانت شاغرة، أم لا، فكل ما كان يشغله حينها هو كيف تمكنت من التواجد هنا دون اخبـ.ـاره.
بتعملي ايه هنا وازاي سمحلك تخرجي وليه مكلمتنيش؟
لوحت بيدها وأخبرته بثمالة:
جاية اتبسط، وبعدين أنا مصدقت هو يسافر جاي أنت بتخـ.ـنـ.ـقني.

جذبها مرة آخرى ودون أي مقدmـ.ـا.ت كان يضع رأسها تحت صنبور المياه البـ.ـاردة كي تفيق، دفعته عنها و اعادة صراخها به:
انت مـ.ـجـ.ـنو.ن سيبني يا طارق
أجابها في عصبية وبنبرة قاتمة:
لأ مش هسيبك غير لما تفوقي، وتقوليلي بتتهربي مني ليه؟
تقهقرت بخطواتها وهي تمرر يدها بخصلاتها التي بللت ملابسها و تأففت:
يوووووه، علشان أنت غـ.ـبـ.ـي وهتفضحنا وكمان مش بحب اللي يخـ.ـنـ.ـقني ويفرض عليا حاجة.

لا يعلم لمَ تذكر حديث ميرال لتوه مما جعله يقبض على ذراعيها ويصـ.ـر.خ بها:
أنا مش بخـ.ـنـ.ـقك وبعدين أنا مش زي حد، هو الغـ.ـبـ.ـي مش أنا ولو فاكرة انك هت عـ.ـر.في تستغفليني زي ما بتعملي معاه تبقي غلطانة أنا لحمي مر يا نادو ومش واحدة زيك اللي هتعرف تلاعبني
ابتلعت ريقها بعيون زائغة من تهديده الصريح لها ولكنها لم تود أن تشعره بوطأة حديثه في نفسها لذلك هدرت بثبات مصتنع تدعي عدm الاكتراث:
أنا زهقت من غبائك...

غلت الدmاء برأسه بعد نعتها له بالغـ.ـبـ.ـي مرة آخرى ليقبض على رسغها يعتصره ويجذبها له لترتطم بصدره قائلًا من بين أسنانه:
يعني افهم إيه من كلامك ده؟
تلوت بين يده ودفعته بصدره كي يحل وثاقها هادرة بإنفعال وبشراسة:
أفهم زي ما تفهم وأبعد عني...

احتدت سودويتاه بغـــضــــب قـ.ـا.تل وهو يسيطر على حركتها ويقبض على رسغها الأخر يحكم قبضته عليه خلف ظهرها، ومع تلويها بين يده وسبها أياه كان يستغل الأمر لصالحه بدهاء و ينقض بشفاهه الغليظة يُقبلها قبلة قاسية دون أي رحمة، جحظت عينها وظلت تدفعه بكل ما أوتيت من قوة ولكنه كان كالسد المنيع أمام دفاعتها فما كان منها غير أن تقطم شفاهه بأسنانها مخرجة دmائه، ليبتعد هو ويلعنها بفجوج وهو يتحسس فمه الذي يقطر دmٍ وقبل أن يصدر منه أي ردة فعل أخرى كانت تباغته بلطمة قوية على وجهه نزلت كالصاعقة عليه لتهرول هاربة من أمامه وهي تمسح شفاهها بتقزز وتشعر أنها ستتقيأ من شـ.ـدة نفورها و اشمئزازها وقبل أن تهم بالخروج من المكان كان هويحاول جذبها قصرًا، لتصرخ مستغيثة وحينها تدخل أحد أفراد الأمن كي يردعه عنها ولكن طارق ثارت ثائرته وهاجمه وإن تدخل رفاقه وانضم أفراد الأمن لهم تفاقم الأمر وأدى إلى شجار محتد بين الطرفين، ليصبح المكان في غضون دقائق إلى حطام مما جعل مالك المكان يستدعي الشرطة لكي يفض التشابك ويصحبهم جميعًا على قسم الشرطة.

انت بتقول ايه قسم أيه؟
قالها يامن بشـ.ـدوه تام بعدmا تلقى أحد المكالمـ.ـا.ت الهاتفية التي أتته من القاهرة تخبره بتواجدها بأحد الأقسام ليلعن تحت انفاسه الغاضبة ويرتدي ملابسه بعجالة وما أن وصل لسيارته، أجرى مكالمة هاتفية بالمحامي الخاص به وأخبره أن يسبقه إلى هناك وانه سيأتي على الفور، لينطلق بسيارته بسرعة جنونية تارك خلفه عاصفة ترابية تشابه عاصفة قلبه.

ترى ماذا سيكون مصيرها على يده حين يعلم بواحدة من تلك الخطايا التى تظنها هي بريئة مبررة في حين هي لم تكن إلا آثمة، فادحة، في حق ذاتها قبل أي شيء.
حقًا لن أشفق عليكِ أيتها المتمردة وقد آن الآوان أن تجنين ثمار ما زرعته يدك الآثمة.
ما زلتُ أتساءلُ بعد كلِّ هذه السّنوات أين أضع حبّك اليوم؟ أفي خانةِ الأشياءِ العاديّة التي قد تحدُثُ لنا يومًا كأيّة وعكةٍ صحيّة أو زلّة قدmٍ أو نوبة جنون؟ أم أضعه حيث بدأ يومًا؟ كشيءٍ خارقٍ للعادة، كهديةٍ من كوكبٍ لم يتوقّع وجوده الفلكيّون، أو زلزالٍ لم تتنبّأ به أية أجهزةٍ للهزّات الأرضيّة أكنت زلّة قدm أم زلّة قدر؟
رواية(ذاكرة الجسد)
أحلام مستغانمي.

لايعلم كيف قاد سيارته بتلك السرعة الجنونية كي يصل لها فقد كان غاضب لأبعد حد والعديد من السيناريوهات تدور برأسه وتكاد تفحم تفكيره من شـ.ـدة سودويتها، وها هو قد وصل لتوه مهرولًا للداخل بخطوات واسعة يتأكلها الغـــضــــب وحين وجدها تسير برفقة المحامي في طريقهم للخارج جز على نواجذه بقوة وكور قبضة يده حتى نفرت عروقه وصرخ بأسمها بنبرة قوية جعلتها تتجمد بأرضها:
نادين.

ما أن سمعت صوته ورأته بمرمى بصرها أرتجف جسدها وزاغت نظراتها بخــــوف فكانت هيئته مرعـ.ـبة ولا تبشر بالخير بتاتًا ولذلك حاولت الأحتماء بظهر المحامي وهي متوجسة خِيفة منه، ولكن هو اختصر المسافة بينهم بخطوتان ليس أكثر وهدر بنبرة تقطر بالوعيد:
أنتِ فِكرك في حد هيقدر يحميكِ مني
تدخل المحامي ببديهية كي يحيل بينهم قائلًا:.

اهدى بس يا استاذ يامن هي كويسة وكل الحكاية انها كانت سهرانة مع صحابها وحصل مشاجرة عادية والموضوع اتساوى بشكل ودي قبل ما يتحول للنيابة
أغاظه بشـ.ـدة تبسيطه للأمور رغم فداحتها بالنسبة له، فما كان منه غير بسمة متهكمة وقوله بنبرة غاضبة أرجفت اوصالها و.جـ.ـعلتها تتشبث بظهر المحامي أكثر:
المفروض افرح انا بعد الكلام ده واقول للهانم مراتي كفارة مش كده!

قالها وهو يجذبها بعنف من خلف ظهر الآخر، ويتفاجئ بذلك الثوب اللعين التي ترتديه ويكشف الكثير من جسدها لينظر لها مشمئزًا و يجز على نواجذه حتى ظهر ذلك العرق النابض بجانب فكه وأخذ ينفض في غـــضــــب وهو ينزع سترته ويقذفها بعنف بوجهها، انتفضت هي من فعلته ولكن كرد فعل سريع منها ضمتها إلى صدرها كي تستر بها ذراعيها و تتحاشى تلك النظرات القـ.ـا.تلة بعينه وقبل أن يتفوه المحامي بكلمة أخرى أزاحه من أمامه وجرها خلفه إلى أن وصل لسيارته وحينها دفعها داخلها وانطلق بها إلى المنزل وهو يتوعد لها بأشـ.ـد الوعيد، بينما على الجانب الآخر كان هو يشاهد من بعيد حتى أنه ود أن يتدخل لولآ أن منعه صديقه فايز وتمسك بذراعه بأخر لحظة قائلًا:.

اهدى يا طارق ومتبوظش الدنيا أنت كده هتفضحها، احنا ما صدقنا انها عدت على خير وابوك عطى الأمن وصاحب المكان قرشين وخلاهم مجبوش سيرتها ولا سبب الخناقة
أومأ له طارق يؤيده:
عندك حق كويس انه اتدخل وحل الموضوع قبل ما يكبر ويوصل للإعلام لينظر لآثارهم ويستأنف:
بس أنا خايف يأذيها الغـ.ـبـ.ـي ده
طمأنة فايز قائلًا بمكر:
متقلقش نادو قوية مـ.ـيـ.ـتخافش عليها ليكبت ضحكته وهو يتذكر ذلك المشهد الذي انفرد به ويقول ساخرًا:.

دي رزعتك حتة قلم طبق وشك يا صاحبي
زفر طارق أنفاسه غاضبًا من سـ ـخـــريــة صديقة التي ليست بِمحلها وقال ناهرًا:
أظبط يا فايز أنا مش فايقلك وقولي عملت اللي قولتلك عليه؟
أومأ له فايز بنعم، لتحتد سوداويتين طارق ويقول بنبرة متأملة:
هانت يا نادو بكرة مش هتكونِ غير ل طارق وبس.

نظرت للمرة الألف بعد المائة لهاتفها ولتلك الرسالة التي أتتها اليوم من المصرف تعلمها بشأن حسابها المشترك معه وانه تم سحب مبلغ كبير منه، كادت تجن وظلت تفكر مليًا وعقلها يتأرجح بين أن تواجهه، أَم تصمت كي لا يتخذ حذره، حسمت أمرها حين رأته يدلف بِمزاج رائق للغاية يدندن غير عابئ بها، حاولت الثبات قدر المستطاع واخراس عقلها ولكن وجدت صوت قلبها يخرج متسائلًا:
كنت معاها مش كده؟

زفر أنفاسه وقلب عينه بملل ولم يجيبها بل توجه لغرفة النوم
يفتح خزانته ويسحب أحد ملابسه البيتية مما جعلها تتبعه و تجذبه من ذراعه وتصرخ به:
رد عليا، كنت معاها؟
كان يحاول ألا يعكر صفوه في مجادلة لا نفع منها بالنسبة له ولكن هي لم تصمت بل جذبته من ذراعه وصرخت به مرة آخرى بإصرار عجيب وكأنها لا تعرف إجابة لسؤالها:
رد عليا انا بكلمك.

أغاظه تطاولها، ليتخلى عن بروده ويقبض بقوة على ذراعيها يُأرجحها في عنف بين يده قائلًا بنبرة قاسية أمام وجهها:
عايزة ت عـ.ـر.في ايه ها؟
اه كنت معاها، وهبقى معاها علطول علشان أهرب من القرف والملل اللي أنتِ معيشاني فيه
نزل حديثه عليها كدلو ماء بـ.ـارد في
ليلة قارصة البرودة و.جـ.ـعلها تتحسر على تنازلاتها وعطائها الذي لم يقدره يوم ولذلك كررت حديثه بسـ ـخـــريــة مريرة:
قرف، وملل للدرجة دي أنت جاي على نفسك لأ كتر ألف خيرك.

نفضها عنه متأفف بذلك المبرر الذي هيأه شيطانه له:
يووه متحسسنيش أني مذنب و بلاش دور الضحية ده وحطي في اعتبـ.ـارك انك أنتِ السبب
انكمشت معالم وجهها وتسألت بشـ.ـدوه:
أنا، طب ازاي، انت مش لاقي حاجة تعلق عليها اخطائك غيري مش كده!
نفى برأسه وهدر مبررًا بسخط وبكل ثقة وكأن ما يقوله هو المنطق في حد ذاته:.

لأ انتِ السبب قــ,تــلتي شغفي ووقفتِ حياتي بسلبياتك و روتينك الممل، انا محتاج ست تبقى قوية واثقة في نفسها وعندها طموح واقدر اعتمد عليها، ليصمت لبرهة يوليها ظهره يتحاشى النظر لها ثم يستأنف بمغزى يعلم انها ستتفهمه جيدًا:
والأهم من كل ده تعرف ازاي تسعدني وتراضيني بالطريقة اللي انا حاببها...

كان ينتظر أنهيارها أو غـــضــــبها عليه ولكنها فاجأته بردة فعلها عنـ.ـد.ما أخذت تقهقه بملء صوتها وقولها بنبرة متهكمة جعلته يلتفت مستغربًا:
وعلشان كده فكرت تكافئ الذكر اللي جواك وتتغاضى عن حاجات كتير أوي، يا حـ.ـر.ام...!
قالت أخر كلمة بتعاطف مصطنع وبنبرة هازئة تعمدتها مما جعله يجعد حاجبه ويضيق عينه متأهب لبقية حديثها الذي تفوهت به بالفعل ولكن بعد أن هزت رأسها وأزاحت بسمتها شيء فشيء عن وجهها وبدلتها للأشمئزاز:.

برافو عليك بصراحة اختيارك موفق جدًا ويستاهل أنك تتنازل عن نخوتك وتقبل على نفسك تتجوز واحدة سمعتها زي الزفت، وكل ده ليه؛ علشان أنت حد غـ.ـبـ.ـي واناني ومفرقتش حاجة عن الحـ.ـيو.انات اللي غرايزهم بتتحكم فيهم يا حسن
قالت حديثها دفعة واحدة بوجهه دون لمحة ضعف واحدة بل بشراسة هجومية فاجأته كثيرًا و.جـ.ـعلته.

لم يتمالك أعصابه بعد أن أهانت كبريائه كرجل ببراعة، فما كان منه إلا أن دفعها دفعة قوية من شـ.ـدتها سقطت على الفراش بخلفها متأوها مغمضة العينين، ليصـ.ـر.خ هو بها بإصرار مقيت نخر قلبها وزاد من آلامها:
برضو مش هت عـ.ـر.في تخليني اغير رأي يا رهف وانا غلطان إني كنت بحاول اطيب خاطرك وابرر ليكِ واعملي حسابك كتب كتابي بكرة وهاخدها واسافر.

لو كانت الكلمـ.ـا.ت تقــ,تــل لكانت الآن لقت مصرعها على يده ولكنها صمدت رغم أنين قلبها، فلن تصرخ ولن تنهار باكية حتى لا تشمئز من ذاتها وتصبح مثيرة للشفقة أمامه، ولذلك لملمت شتاتها هادرة وهي ترفع رأسها بشموخ متحدية إياه بنظرات مستنفرة ضاربة بكل شيء عرض الحائط في سبيل أن تحتفظ ببقايا كبريائها الذي دهس تحت قدmه:.

لو فاكر باللي انت عملته ده أثبت أنك راجـ.ـل تبقى غلطان، انت عملت كده علشان انا عريت حقيقتك البشعة اللي عمري ما اكتشفتها غير دلوقتي، لترشقه بنفور وتضيف بحسرة وبنبرة ممزقة من شـ.ـدة خذلانها:
ياه أد ايه كنت مخدوعه فيك وشيفاك حاجة كبيرة اوي بس دلوقتي انا خلاص الغشاوة اللي على عيني اتشالت وبقى عندي الجرأة إني أقولك بعلو صوتي انا مش عايزة أكمل معاك، طلقني يا حسن.

قالت آخر جملة بصوت جهوري وبإصرار عجيب أجفله و جعل الدmاء تغلي برأسه
لينقض على ذراعيها يرفعها لمستواه قائلًا برفض قاطع وبنبرة هستيرية:
طـ.ـلا.ق انا مش هطلق وميهمنيش أنتِ شيفاني ازاي وغـ.ـصـ.ـب عنك لازم تتقبلي الوضع الجديد لأن
مش من حقك تعترضي أنا راجـ.ـل يعني اتجوز مرة واتنين وتلاتة كمان؛ ده حقي وشرع ربنا.
رغم كل الأعاصير التي تضـ.ـر.ب بكيانها من تبريره للأمر إلا أنها صرخت في عناد و بشراسة لم تكن ابدًا من طباعها:.

مش هيحصل و هتطلقني غـ.ـصـ.ـب عنك
صدر من فمه صوت ساخر مستخف ثم قال بعد أن هيأ له شيطانه ضرورة تذكيرها بسُلطته ومدى ضعفها و قلة حيلتها أمامه ولذلك تعمد أن يرهبها كي لا تجرأ على التفوه بتلك الترهات مرة آخرى:
خليكِ عاقلة يا رهف وحافظي على بيتك وعلى عيالك ومتخلنيش أعمل حاجات تو.جـ.ـعك
استشعرت التهديد بنبرته مما جعلها تنظر له بعيون أبية ترفض أن تذرف الدmعات هدرًا من أجله، وعقبت على حديثه بترقب:
قصدك إيه؟

أبتسم منتشيًا ونفضها عنه و أجابها بتهديد مقيت بعدmا أزاحها من أمامه وتوجه للفراش يتمدد عليه بكل اريحية غير عابئ بأنين قلبها:
مفيش طـ.ـلا.ق وإياك تنطقي بيها مرة تانية ده لو عايزة تحافظي على ولادك في حـ.ـضـ.ـنك.

أصابها حديثه بمقــ,تــل فقد تفهمت إلى ماذا يرمي فهو يستغل غريزتها كأم ويتحامل عليها كي يرهبها و تتقبل خطيئته بحقها فكانت شاحبة، متسمرة، مشـ.ـدوهة تتساءل من ذلك الشخص الذي يقبع أمامها، فلأول مرة تشعر انه غريب عنها ولم تعرفه قط، وحينها اسعفها عقلها أن لا تشعره بوطأة حديثه في نفسها كي لا يستغل الأمر أكثر وإن كادت تستعيد رباط جأشها كي ترد عليه صدر من فمه صوت ساخر مرة أخرى وهو يظن أنه أصاب هدفه ولذلك استأنف متجبرتًا:.

خليكِ عاقلة احسنلك يا أم الولاد، وياريت تسبيني أنام علشان بكرة يوم طويل ومحتاج ابقى فايق
حانت منها بسمة متألــمة لأبعد حد ثم تمسكت بإطار الباب كي يدعم وقفتها وقالت بتماسك وبإصرار عجيب للصمود استغربه هو كثيرًا:
لو فاكر انك بتلوي دراعي بالولاد فأنت غلطان، متنساش أنك ابوهم يعني هتخاف عليهم زي بالظبط وعلى فكرة أنت اللي هضطرني اعمل حاجات تو.جـ.ـعك.

كررت نفس جملته وهي ترشقه بموضعه وكأنها تريد أن تخبره كون الموازين ستقلب عاجلًا أم أجلًا، حتى انها لم تنتظر رده بل غادرت الغرفة تاركته يحاول يستوعب حديثها وحين فعل استخف عقله بها وطمأنه انها أضعف بكثير من أن تفعل ظنًا منه أن لا خيار أمامها.

أتقِ شر الحليم إذا غـــضــــب تلك المقولة كانت تنطبق عليه تمامًا الآن حين باغتها بصفعة قوية ارتدت هي على آثارها، فقد عصت أوامره وخرجت دون أخبـ.ـاره بذلك، والأدهى أنها كانت داخل ذلك المكان الموبوء بتلك الملابس الكاشفة التي ترتديها الآن، وضعت يدها على وجهها وبرقت عيناها وفغر فاهها و لم تستوعب أنه تطاول عليها بالضـ.ـر.ب لتوه ولكنه لم يمهلها الوقت الكافي كي تستوعب بل باغتها بصفعة آخرى أشـ.ـد وطأة من قبلها، تأوهت بقوة وترنحت بوقفتها ولكن يده دعمتها بقبضة من حديد صارخًا بوجهها بغـــضــــب قـ.ـا.تل:.

رغم إني عارف كل عيوبك بس أخر حاجة كان ممكن اتخيلها انك تطلعي كـ.ـد.ابة ومش قد ثقتي فيكِ
أحتدت نظراتها وزادت قتامة وهدرت متشفية وهي تلوث بيدها وتدفعه بصدره كي يتركها:
آه يا يامن كذبت وهفضل أكذب طول ما أنت ذللني وفارض كل حاجة عليا
لم يتزحزح قيد أنملة عن موضعه بل اشتدت يده أكثر على ذراعيها وهو يشعر ببركان ثائر برأسه من تبجحها، ليقول من بين اسنانه بنبرة صارمة لا تعرف المزاح:.

لو اللي كنت بعمله علشانك قبل كده كان اسمه ذُل فأنا بقى هوريكِ الذُل الحقيقي يا بت الراوي و وحياة أمي لخليكِ تكرهي اليوم اللي اتكتبتي فيه على أسمي
رغم الرعـ.ـب الذي بثه حديثه في نفسها إلا أن تلك المتمردة بداخلها استنكرت:
مش محتاج تخليني أكرهه لأن أنا فعلًا بكرهه، وبكرهك أنت كمان وبكره أمك، وكل حاجة منك
صفعة آخرى كانت رده على حديثها الساخط الذي أصابه بمقــ,تــل و.جـ.ـعله يلعن قلبه اللعين الذي مال لها.

تأوهت هي بقوة وسقطت على المقعد الذي خلفها ثم هدرت بشراسة عدائية:
متمدش ايدك عليا انا بكرهك...
بكرهك.

ومع تكرارها لتلك الكلمة اللعينة لم يشعر بذاته إلا وهو يختصر المسافة بينهم بخطوة واحدة ويميل بجزعه عليها قابضًا بقوة على فكها حتى تكف عن التفوه بشيء أخر يثير اعصاب اكثر؛ ولكنها لم تستسلم وظلت تتلوى تحاول المناص من قبضته التي تكاد تحطم فكها وإن يأست رفعت عيناها المتمردة له هادرة بجنون وبأخر حيلة لديها طنًا منها أنه سيفلتها غافلة كونها تأجج نيران غـــضــــبه أكثر:.

عمري ما حبيتك ولا هحبك ولو أخر يوم في عمري هفضل أكرهك
إلى هنا وطفح به الكيل فقد نفرت عروقه وتوحشت نظراته
وكأنه تبدل لشخص أخر لا يمت للآخر بصلة مما جعل الرعـ.ـب يزحف لقلبها رغم القوة التي تدعيها، ليزيدها هو عليها حين هسهس أمام وجهها بنبرة غاضبة نابعة من اعماق الجحيم:.

محدش طلب منك تحبيني، بس غـ.ـصـ.ـب عنك أنتِ مراتي وانا الحقيقة الوحيدة اللي في حياتك وعندي استعداد أثبتلك ده حالاً وبدل ما يكون اللي بينا على ورق هيكون واقع كل متفتكريه تكرهي نفسك ألف مرة
مزج قوله بنظرة ذات مغزى جعلت الدmاء تفر من وجهها فتهديده الصريح جعلها تدرك أنها لم تحسب حساب شيء كهذا من قبل، ليفحمها هو أكثر:
وساعتها أنا اللي هرميكِ وهخرجك من حياتي لأن ميشرفنيش أكمل مع واحدة كـ.ـد.ابة وبجحة زيك.

كان التحذير يقطر من كل كلمة يتفوه بها حين كانت تطالعه تبحث عن ذلك المتفهم المراعي الذي لم يتحامل على مشاعرها ولكنها لم تجد له أثر وحينها أدركت انه لن يمزح بوعيده، ورغم ذلك وجدت تلك المتمردة بداخلها تستنكر ولكن بصوت خرج مهزوز ترتجف حروفه وهي تخرج من فمها:
متقدرش، تعمل، كده.

حانت منه بسمة مريبة لأبعد حد ومال بثقل جسده عليها يثبت ساقيها بركبتيه دون أن يترك فكها بيد وبالأخرى كان يكبل يديها خلف ظهرها، صرخت هي وحاولت أن تنفضه عنها ولكن كان هو سد منيع لا يتزحزح قيد أنملة عن موضعه، لم تأخذه بها رحمة بل طالع بعينه الثائرة الخــــوف الذي يشع من عيناها رغم عنادها وقال بكل ثقة امام وجهها:
لأ أقدر، تحبي تراهني عليا...

أغمضت عيناها بقوة من أنفاسه الغاضبة التي لفحت وجهها، ليصرح من جديد وهو يقرب وجهه أكثر من وجهها:
انطقييييي تحبي أثبتلك دلوقتي واوريكِ انا أقدر على أيه؟

خارت دفعاتها وذهب تمردها أدراج الرياح حتى أن تساقطت دmعاتها النادرة بغزارة وهي تنفي برأسها بحركة هستيرية جعلته يزئر بغـــضــــب ويلعنها وكأنه لم يقتنع برفضها لينهض عنها جذبها معه إلى غرفتها غير عابئ بصراخها الممزوج بنحيبها ولا ضـ.ـر.باتها ليده القابضة على ذراعها في محاولة منها أن تفلته من بين قبضته وهي تظن أنه سينفذ وعيده، أما هو فكان يحاول أن يسيطر على جماح نفسه بقدر المستطاع كي لا يفعل ما برأسه ويثور لكـبـــــريـاء رجولته ولأمتلاكها حقًا، فقد لعنها مرة أخرى تحت انفاسه ولعن ما توصلت له أفكاره بفضلها وحين دخل لغرفتها دفعها عنه بتقزز وكأنه ينفض افكاره معها، تراجعت هي بجسدها وبنظرات تكاد تمـ.ـو.ت رعـ.ـباً أنكمشت في زاوية الفراش تشعر أن كل خلية بجسدها تنتفض فلأول مرة تراه غاضب لذلك الحد وينتابها الهلع من تصرفاته وحين كادت تتنفس الصعداء كونه ابتعد عدة خطوات عنها أجفلها بفتح خزانتها وسحب كافة أثوابها المعلقة وأخذ يشق بهم بعصبية مفرطة جعلتها تصرخ و تندرج في نوبة بكاء هستيرية، ولكنه لم يهتم فكان الغـــضــــب الذي يعتريه يسيطر على كافة حواسه لدرجة أنه استمر على ما يفعله دون أي شفقة، أنكمشت على ذاتها أكثر وهي تشهق شهقات متقطعة و تراه يجذب جهازها اللوحي بين يده ثم دون أن يعطيها مجال لتوقع ردة فعله كان يضـ.ـر.ب به الحائط عدة ضـ.ـر.بات ألحقت الضرر الأكيد به و.جـ.ـعلته لا يصلح بتاتًا، ليلقي به أرضًا ثم يقترب منها بخطوات قاسية يتأكلها الغـــضــــب جعلتها تنكس رأسها بخــــوف وتحمي وجهها بذراعيها كطفلة صغيرة تخشى العقـ.ـا.ب، ورغم أن رؤيتها كذلك اعتصرت قلبه إلا انه لم يتهاون وصرخ بها بأنفاس ثائرة غاضبة:.

خرجتي ازاي من البيت؟
نفت برأسها ورفضت أن تجيب لتحين منه بسمة مخيفة لأول مرة ترتسم على فمه ويقول بثقة لا مثيل لها:
هعرف، و وحياة أمي مش هرحمك يا نادين واعملي حسابك مفيش خروج من اوضتك، ومفيش تليفون ولا نت ولا جامعة هتفضلي محبوسة هنا لغاية ما تتعلمي الأدب، فاهمة.

اومأت له بحركة هستيرية و بعيون منكـ.ـسرة دامية من شـ.ـدة نحيبها مما جعله لوهلة يتذكر تلك الطفلة ذات الضفائر الطويلة ذاتها حين كانت تفتقد والدتها وتتذكر كيف رحلت عنها فدائمًا ما كان يواسيها ويطمئنها أنه بجوارها ولكن الآن كيف يفعلها بعد كل ما صدر منها فما كان منه غير لعنها ولعن ذاته ربما للمرة الألف بعد المائة ثم مغادرته الغرفة وأغلاقه بابها بالمفتاح الخاص به من الخارج، لتصرخ هي بهستيرية مرة وراء مرة وهي لا تصدق أن ذلك هو ذاته الذي تمرد قلبها من أجله، ليخور جسدها وتستسلم لنوبة بكاء مرير يفطر القلب ويدmي الروح، أما هو فلم يشعر بذاته إلا وهو يقف خارج غرفتها و يضـ.ـر.ب الحائط بقبضة يده بقوة كي ينفث عن تلك البراكين الثائرة من شـ.ـدة الغـــضــــب الكامن بأحشائه وتكاد تتأكل روحه معها.

بعد بعض الوقت وقد هدأ قليلًا
وتذكر والدته فقد توجه إلى غرفتها كي يطمئن عليها ولكنه تفاجأ كثيرًا عنـ.ـد.ما وجدها تغط في سبات عميق رغم كل الضجيج الذي كان يعم المنزل، اقترب منها يطالعها عن كثب ولكنه وجد كل شيء طبيعي لا يثير الريبة مما جعله يحسم أمره ويتركها ويغادر لذلك الحارس الغـ.ـبـ.ـي الذي لم يخبره بخروج تلك اللعينة.
تقدm من مكان جلسته وصرخ بصوت جهوري رج الأجواء:
انت يا مُسعد يا زفت.

هب مُسعد من رقدته وهمهم بطاعة رغم النعاس المسيطر عليه:
تحت أمرك يا بيه...
قبض يامن على تلابيب جلبابه وصاح بِعصبية:
عايز اعرف كنت فين لما نادين خرجت...
جحظت عينا مُسعد وقال بصدق:
والله يا بيه انا مـ.ـا.تحركت من مكاني وعيوني ما غفلت لحظة عن البوابة وعربية الهانم أهي مركونة قدام جنابك
جز على نواجذه بقوة وهدر وهو على حافة الجنون:
أمال خرجت أزاي، لبست طاقية الاخفى.

والله يا بيه ما ليا ذنب وربنا يعلم إن كل كبيرة وصغيرة ببلغك بيها انا لحم كتافي من خيرك
قالها مُسعد بنبرة مسالمة وصدق بالغ لامسه يامن ليتركه ويقول بنفاذ صبر:
خلاص ابعد دلوقتى من وشي...

أومأ له مُسعد وانصرف بينما هو ظل يدور حول ذاته لثوانِ معدودة قبل أن يتذكر شيء بعيد احتاط هو له، وكم تمنى أن لا يكون بمحله ولكن ها هو يتفقد تسجيلات كاميرات المراقبة التي وضعها بتكتم تام بعد واقعة أختفاء المفتاح الخاص بالباب الخلفي للمنزل وكم كان يطمح أنها تكون مجرد ظنون واهية لا أساس لها من الصحة، ولكن كيف وهو يرى صورتها تحتل الشاشة وهي تتسلل منه للخارج، توقف الزمن به يحاول أن يستوعب الأمر لدقائق مرت عليه دهرًا من الخذلان وحينها كان حقًا بحالة هياج لا مثيل له ولم يشعر بذاته غير وقدmيه تأخذه لسيارتها الحمراء ينظر لها بغـ.ـيظ شـ.ـديد ودون أي مقدmـ.ـا.ت او لحظة تفكير واحدة كان يسحب تلك الآلة الحادة من جانب بوابة البيت وينهل عليها بضـ.ـر.بات قوية حطمت أجزائها إلى أشلاء وهشمت زجاجها إلى شظايا وكأنه فعل ذلك كي ينفث عن غـــضــــبه بها عوضًا عنها، لترتجف هي أكثر وتضع يدها على أذنها عنـ.ـد.ما وصلها الضجيج الذي أحدثه وتيقنها لفعلته وتستسلم لنوبة بكائها من جديد وهي تكاد تمـ.ـو.ت بجلدها.

تمددت بجانب أطفالها ودثرتهم بين أحضانها وظلت تقبلهم أثناء نومهم قبلات حانية متفرقة وتشتم رائحتهم ودmعاتها قد أبت الصمود أكثر وهطلت كي تفضح هشاشتها وضعفها فهم اغلى شيء على قلبها وقطعة من روحها ولن تستطيع أن تبتعد عنهم دقيقة واحدة رغم أنها ادعت عكس ذلك منذ قليل أمامه ولكنها لم تود أن تجعله يبتز غريزة الأمومة داخلها ولذلك كان لابد من التحلي بالثبات أمامه كي لا يستغل الأمر ويتخذها كنقطة لضعفها، فحديثه المقيت مازال يتردد صداه بداخل عقلها، عقلها الذي لأول مرة يثور منذ سنوات بشيء يخصه و يداهمها لتوه بالحقائق عنـ.ـد.ما تساءلت هل حقًا سيفعل ما استشعرته من نبرته المحذرة ويحرمها من أطفالها؟

أجابها عقلها بمنطقية بحتة.

ولمَ لا بعد كل ما صدر منه فقد خذلك واختزل سنوات عمرك التي كرستها له هباءٍ، يعلم الله انكِ لم تقصري معه بشيء وكنتِ تبذلين كل ما بوسعك من اجل ارضائه انا لا اخبرك أنك كاملة فالكمال لله وحده فأنتِ تعلمين انكِ منقوصة بالنسبة له ولكن لمَ يا ترى لم يحاول إكمال ذلك النقص بكِ، لمَ لم يتحمل ويتقبلك مثلما تفعلي أنتِ، هو حتى لم يكلف ذاته عناء المبادرة بل فضل أن يبدلك بأخرى فتبًا له ولسخطه و أنانيته لا تستسلمي وسايريه للنهاية ولكن بعد أن تشيدي حصن قوي تحتمي به أنتِ وأطفالك، أيظنك ساذجة وستتقبلين الهزيمة وخسارة كل شيء لا أنتِ قوية وأنا واثق بقدراتك على التحمل لا تيأسي، افاقت من خطاب عقلها وهي تؤيده بشـ.ـدة قائلة بوعيد وبإصرار لا مثيل له:.

وحياة ولادي اللي معنديش في الدنيا اغلى منهم لهدفعك التمن غالي اوي
إذًا، هو من أنشب الحرب؛ فليتحمل فداحة خسائرها فحقًا كانت تريد أن تحيا بلا منازعات تنغص صفو حياتها ولذلك كانت تتهاون وتتنازل عن أبسط حقوقها ولكن هو لم يقدر ذلك بل اتخذه كحق مشروع له وسـ.ـخط عليها وأصبح يبرئ كافة خطاياه بحقها.

مثله كمثل بعض الرجـ.ـال يتحدثون عن ما شرعه الله بحقهم وهم بالأساس جاهلون بتعاليم دينهم و واجباتهم حتى فرائضهم يقصرون بها فحقًا عجبًا لكم معشر الرجـ.ـال تحللون ما يستهواكم فقط...

طارق
صدر صوت أبيه صارخًا به بقوة اجفلته و.جـ.ـعلته يستدير يرد عليه في طاعة:
نعم يا بابا
=بتتسحب زي الحـ.ـر.امية ليه وبتهرب فكرك اللي حصل ده هعدهولك
قالها ابيه بنبرة قوية صارمة تخص رجل سياسي مخضرم قوي الشكيمة، مما جعل طارق يقترب منه قائلًا في تبرير:
بابا محصلش حاجة انا كنت سهران مع صحابي و...
قاطعه ابيه بصرامة:
سهران مع صحابك ولا مع بـ.ـنت عادل الراوي
أبتلع طارق ريقه بتـ.ـو.تر وأجاب أبيه:.

نادين من ضمن أصحابي وكانت معانا
صفعة قوية كانت رد أبيه الرادع له وتلاها صراخه به:
انت فاكرني نايم على وداني يا ولد انا كل كبيرة وصغيرة بتجيلى وانا قاعد في مكتبي
فكرك أنا معرفش بعلاقتك بيها ولا بالشقة اللي واخدها جنب بيتها مخصوص علشانها
أغمض طارق عينه بقوة وهو يتحسس وجنته التي انطبع عليها أصابع ابيه بالأحمر القاني وقال مبرارًا:
الموضوع مش زي ما حضرتك فاهم انا بحبها يا بابا.

زمجر أبيه بغـــضــــب وهدر بصرامة شـ.ـديدة:
أنت اتجننت بتحب واحدة متجوزة أنت يظهر أن السنين اللي عشتها مع امك بره نسيتك ازاي تبقى راجـ.ـل وتحترم أن احنا في مجتمع شرقي له عاداته وتقاليده
تحمحم طارق قائلًا:
منستش يا بابا ومش ذنبي ان كل واحد فيكم عايش في مكان ومشتتني معاكم، وبعدين أطمن هي هتطلق علشان مش بتحبه وابوها اللي كان فرضه عليها قبل ما يمـ.ـو.ت
طالعه أبيه بنظرة صقرية نافذة ثم قال بجدية شـ.ـديدة:.

انت عارف لو كان الخبر ده انتشر واتسرب للإعلام كان هيحصل إيه؟
تخيل كده عناوين الأخبـ.ـار اللي كانت هتنتشر وهتمس سمعتي ومركزي السياسي الحساس
حاول أن يبرر من جديد ولكن أبيه أخرسه قائلًا بصرامة و بقرار قاطع كحد السكين:
طول ما هي على ذمة راجـ.ـل تاني يبقى تبعد عنها نهائي وتحط في اعتبـ.ـارك لو محصلش هرجعك تعيش مع امك انا زهقت من مشاكلك و فضايحك اللي ملهاش اخر.

حاول طارق أن يجعله يعدل عن قراره فهو يفرض عليه الأبتعاد عنها وهو حقًا لا يود ذلك مطلقًا:
بس يا بابا انا
من غير بس ده أمر مش بخيرك
وبحذرك متغلطش علشان متشوفش مني تصرف تاني مش هيعجبك ابدًا.

قاطعه ابيه بنبرة قوية صارمة جعلته ينكس رأسه دليل على طاعته الجبرية، قبل أن يغادر إلى غرفة مكتبه تاركه يهوى على أحد المقاعد يفكر كيف سيتمكن من التخلص من ذلك ال يامن في أقرب وقت كي يحظى هو بقربها، و حينها سيحاول جاهدًا إقناع أبيه بشأنها مهما كلفه الأمر.

صباح يومٍ جديد يخبئ بين طياته الكثير
فقد كانت هي جالسة على طاولة الطعام وبسمـ.ـا.ت هادئة ترتسم على ثغرها كل حين وآخر كلما تذكرت يومها معه، فحقًا أعادها ذلك اليوم إلى طفولتها التي لم تحظ بها أي اهتمام، فقد استمتعت كثيرًا برفقته وبرفقة الصغيرة فكل شيء حينها كان مميز كثيرًا، توردت وجنتها خجلًا عنـ.ـد.ما أتت ومضة أمام عيناها تذكرها حين كانت تصرخ بهلع وتحتمي به وكأنه هو درع أمانها الوحيد.

لاتعلم متى أكتسب ثقتها لذلك الحد ولكن تقسم أنها لم تقترب من رجل لذلك الحد سوى أبيها والغريب بلأمر أنها شعرت أنها في موقعها الصحيح بل ايضًا شعرت بالكمال لأول مرة منذ زمن بعيد فلا تنكر أنه يؤثر بها ويمتلك منطق غريب يثير فضولها، فكل شيء معه يكون مختلف، مميز لحد كبير وبرغم أن الوضع يظهر مربك لها ولكنها لم تشعربذلك بل تجد ذاتها على سجيتها وتتصرف بتلقائية بحتة وكأن صداقتهم منذ قديم الأزل، نعم، (صداقة)ذلك المسمى البديهي لتقاربهم ولكن لمَ يستنكر قلبها تلك الفكرة حين ترددت صوت ضحكته الخشنة المفعمة بالرجولة داخل رأسها الآن و دغدغت مشاعرها و.جـ.ـعلت ابتسامتها الهائمة تتسع دون دراية بتلك التي تترصدها وهدرت متسائلة:.

خير يا ميرال مالك؟
أخرجها من شرودها صوت دعاء الساخر بعدmا انضمت لتوها لطاولة الطعام، تنهدت هي واستندت على ظهر مقعدها وأجابتها:
عادي يا دعاء انا كويسة
اعتلى جانب فم دعاء ساخرًا وهدرت بتطفل كعادتها متقمصة دور الأم المهتمة الذي لا يناسبها بالمرة:
كويسة ازاي وأنتِ كل ساعة بحال ده غير أنك مسهمة وبتضحكي من غير سبب، بجد حالتك بقت صعبة و مـ.ـيـ.ـتسكتش عليها انا معرفش ليه رافضة فاضل يعرضك على دكتور نفسي.

زفرت ميرال حانقة وردت بإندفاع وهي تهب واقفة تنوي المغادرة:
انا مش مـ.ـجـ.ـنو.نة علشان اتعالج ومش مضطرة أدخل معاكِ في جدال يضايقني ويغير مودي وياريت ملكيش دعوة بيا...
تنهدت دعاء بضجر من طريقتها وإن كادت تتحدث مرة أخرى تدخل فاضل الذي أنضم لهم لتوه:
متعصبة ليه بس يا حبيبتي؟
تنهدت ميرال بعمق وهي تنظر ل زوجة أبيها وقالت:
اسأل مراتك يا بابي كل ده علشان لقتني سرحانة شوية بتقولي لازم تتعالجي.

اعتلى حاجب دعاء ودافعت عن ذاتها قائلة:
انا مكنش قصدي اللي هي فهمته انا كنت عايزة اطمن عليها وأعرفها مصلحتها
زفر فاضل بقوة ورشق دعاء معاتبًا
فطالما طلب منها أن تدعها وشأنها ولا تضغط عليها ولكن هي بادلته نظراته بأخرى ذات مغزى جعلته يتحدث ولكن موجه حديثه لأبـ.ـنته:
دعاء بتحبك وعايزة مصلحتك زي بالظبط ويمكن شايفة يا بـ.ـنتي أن ده حل مناسب.

رغم أنها تعلم مكانتها بقلب أبيها وتشعر بحنوه عليها إلا أنها تعلم ايضًا أن زوجته تملك سُلطة عليه ولطالما كان ينحاز لها ويبرر تدخلها المقيت بحياتها كونه خــــوف يصب في مصلحتها، وحقًا هي سئمت كل شيء لذلك تأففت بنفاذ صبر:
يووووه كفاية بقى انا مش مـ.ـجـ.ـنو.نة، مش مـ.ـجـ.ـنو.نة، وكفاية تضغطوا على اعصابي
حاول أبيها منعها ولكنها لم تستمع له بل جذبت حقيبتها وركضت نحو الخارج وهي تشعر أن ضجيج رأسها يعود من جديد.

كان يقف هو ينتظرها ككل يوم ولكن اليوم كان يتلهف لرؤيتها على غير عادته فمنذ أمس لم تغب عن تفكيره لحظة واحدة حتى انه لم يبالي بمنطقه الذي يحثه على عدm التورط بها و دون ارادة منه وجد ذاته لا يود أن يفكر في مسمى أخر لمَ يحدث بينهم، واخذ يقنع ذاته أن شهامته فقط ووعده لها هم السبب بتلك المشاعر المتضاربة التي تجتاحه نحوها، تنهد بعمق وببسمة هادئة وهو يلمحها من بعيد تهرول نحوه، ولكن عنـ.ـد.ما لاحظ هيئتها شعر أنها ليست على ما يرام، ولذلك خبت بسمته تدريجيًا وقبل أن يسألها مابها كانت تصعد إلى السيارة وتجلس بالمقعد بجانبه وتقول بنبرة استشف الحـ.ـز.ن بين طياتها:.

اطلع بالعربية لو سمحت
أومأ لها بطاعة وحاول جاهدًا أن يكبح فضوله اللعين نحوها غافل أن ذلك الفضول سيكون سبب نكبته.

وها هي بعد بعض الوقت شاردة تستند على مقدmة السيارة في ذلك المكان النائي على تلك الهضبة الشاهقة التي كلما ضاقت بها السُبل تأتي إليها، فبعد مغادرته معها طلبت منه أن يوصلها لهنا، وظلت هائمة بعيد في عالم آخر لا تعبئ أن فضوله يكاد يفتك به ليعلم ما بها والعديد من الأفكار السوداوية تداهمه، وعنـ.ـد.ما يأس من صمتها قرر أن يكبح فضوله، وتساءل بنبرة صدرت مهتمة للغاية وهو يقترب من موضعها:.

هتفضلي ساكتة كده كتير؟
تنهدت ولم تجيبه، ليتنهد بنفاذ صبر ويتمهل بضع ثوانٍ ثم يقول بنبرة هادئة وهو يركز نظراته على تلك الإطلالة الرائعة التي تكشف البلد من عليائها:
مش عايز اضايقك ولا قصدي اتطفل عليكِ، بس لو أنتِ حابة تفضفضي معنديش مانع اسمعك وللنهاية.

لم تجيبه أيضًا بل كانت تتنهد تنهيدات مثقلة وتغمض عيناها وكأنها بعالم موازي ولا تكترث غير لنسمـ.ـا.ت الهواء التي تداعب وجهها و.جـ.ـعلته دون أي قصد يهيم بها وبتلك الخصلات التي تتراقص مع الهواء وتراقص قلبه معها بسنفونية غريبة غير منطقية بالمرة بالنسبة له،
لعن غبائه حين أطال النظر لها ثم ازاح برأسه بعيدًا كي ينفض تلك الهواجس التي يستحيل تحقيقها وإن كاد ينسحب لداخل السيارة ويتركها لخلوتها همست هي بضياع:.

هو انا مـ.ـجـ.ـنو.نة يا محمد
جعد حاجبيه الكثفين مستغربًا سؤالها ثم تحمحم يجلي صوته الأجش وأجابها:
لأ أنتِ مش مـ.ـجـ.ـنو.نة يا ميرال
=أمال ليه دعاء شايفة كده وبتخلي بابي يضغط عليا علشان اروح لدكتور نفسي
قالتها بنبرة متخاذلة وبعيون حزينة جعلته يتنهد بعمق ويجيبها بعقلانية شـ.ـديدة:
أنتِ مش مـ.ـجـ.ـنو.نة ومش كل اللي بيروحو لدكاترة نفسيين مجانين، كل الحكاية أنك محتاجة حد يساعدك تفهمي نفسك و ترتبي أفكارك ويغير نظرتك السطحية للأمور.

تنهدت تنهيدة آخرى مثقلة وعيناها تتعلق به ثم قالت في إحباط:
مش محتاجة حد يقولي إني فاشلة ومستهترة وبغلط كتير انا عارفة ده كويس ومتأكدة إني مستهلش أن حد يحبني ولا يتمسك بيا
جملتها الأخيرة زلزلت قاع قلبه و.جـ.ـعلته دون أي مقدmـ.ـا.ت يصرح بتلقائية وهو يطالعها ببندقيتاه التي تفيض بالاهتمام:
بس دي مش حقيقة أنتِ تتحبي واللي ميعرفش يحب ولا يتمسك بحد زيك يبقى مشكلته هو لأنه أكيد مبيعرفش يميز.

نمت شبه بسمة على طرف شفاهها من إطرائه وكم شعرت بالراحة بعدها حين استأنف:
وعلى فكرة بقى كلنا بنغلط مفيش حد معصوم من الخطأ وطالما اعترفتي بأخطائك وبعيوبك ومخبتهاش أو نكرتيها يبقى دي بداية طريق التغيير.

حاولي متفكريش في كلامهم عنك ولا رأيهم فيكِ خليكِ انتِ اللي رقيبة لنفسك وقبل ده كله لازم ترمي كل حاجة وراكِ ومتفكريش غير في اللي جاي ومستقبلك وعلشان ده يحصل لازم تتصالحي مع ميرال وتحبيها لأنها فعلًا تتحب.

كان يتحدث بإندفاع دون تفكير حتى انه لم يلحظ أنه كان يلمح لها بشيء هو ذاته يستنكره و لم يستوعبه عقله بعد، أما هي فقد اتسعت بسمتها وهي تستمع له ومأخوذة بحديثه ودون وعي منها وجدت ذاتها تقول بعفوية شـ.ـديدة:
انت ازاي كده؟
عقد حاجبيه بعدm فهم، لتستأنف هي دون أن تعير أنه أصبح على المحاك:.

كل حاجة معاك بتبقى بسيطة وسهلة وليها ألف حل أنا ببقى مبهوره بتحليلك للمواقف الصعبة اللي بمر بيها وبصراحة رغم أن ليك منطق غريب بحاول استوعبه معظم الوقت لكن بحس براحة أغرب لما بكون معاك
ارتبكت قليلًا وأطرقت نظراتها وأخذت تلملم خصلاتها وتضعها خلف أُذنها بخجل من تسرعها، ولكنه حثها بعينه على المتابعة قائلًا:
كملي يا ميرال؟
زحفت حمرة طفيفة على وجهها وهي تطالع بندقيتاه والاهتمام الذي ينضح بها واستأنفت:.

أنا عمري ما وثقت فحد بالسرعة دي بس مواقفك معايا أثبتتلي أنك راجـ.ـل بجد وانك جدير بالثقة دي وبجد انا بحمد ربنا أنك في حياتي يا محمد
تلك المرة لم تزلزل قاع قلبه بحديثها بل عصفت به و.جـ.ـعلت كافة قناعاته تنهارإلى أنقاض، وبدل أن يسعد بتلميحها وجد ذاته يشرد و يمسد جبينه بأبهامه وسبابته كي يكبح تلك الهواجس برأسه.
لاحظت شروده وهمست بترقب:
محمد سكت ليه؟

عنـ.ـد.ما همست باسمه بتلك الطريقة أغمض عينه بقوة يجاهد كي يصمد ولا يتخلى عن عقلانيته وإن استعاد رباط جأشه قليلًا ابتسم ببهوت وتسأل كي يغير مجرى الحديث الذي يتخطى حدود منطقه:
يعني أفهم من كده اني عرفت أقنعك
أومأت له بنعم ثم أجابته بنبرة مترددة بعض الشيء:
اقتنعت بس عايزة اطلب منك طلب قبليها
هز رأسه بترحاب، لتستأنف وهي تلامس أطراف أنامله المسنودة على مقدmة السيارة وتقول وفيروز عيناها يلمع بنظرة راجية:.

اوعدني أنك متبعدش عني يا محمد مهما حصل
انتفضت دواخله من لمسة يدها وعجز عن الرد امام رجاءها فما كان منه غير أن يومأ لها وعيناه تغوص ببحر عيناها وكأنه مسلوب الإرادة حتى انه وجد أنامله تتحرك من تلقاء ذاتها وتضم أناملها بين راحته وكأنه بذلك شابك أقدارهم معًا ثم قال بنبرة مبهمة بالنسبة لها:
محدش بيهرب من قدره يا ميرال.

ابتسمت بـ.ـارتياح رغم حديثه الذي لم تفهم المغزى منه، ونظرت لتعانق ايديهم بنظرة حالمة بها بصيص من التفائل والأمل وشيء ما هناك بصدرها يؤكد لها أن ذلك المصطلح الذي أطلقته على تقاربهم لا يليق ابدًا على تلك المشاعر التي تأكدت انها تكنها له.

أما عن صاحب القلب الثائر الذي خذلته تلك المتمردة، فقد جافاه النوم وظل على وضعيته تلك حتى ساعات الصباح الأولى، يجلس على حافة المسبح بعيون دامية و وجه شاحب، شارد في نقطة وهمية بالفراغ وشريط حياته يمر أمام عينه يجعله يلعن ذلك القلب الذي مال لها، انتشله من شروده صوت مُسعد الحارس:
أنت كويس يا بيه
أومأ له يامن وأخبره بإنهاك:
مش كويس بس مش مهم المهم إني مبقتش مغفل.

طالعه مُسعد بحـ.ـز.ن وهو ينهض ويدخل المنزل ضارب كف على أخر من تبدل حال رب عمله.

بينما هو حين دلف للداخل شعر بالريبة عنـ.ـد.ما لم يجد والدته مستيقظة كعادتها مبكرًا، لا يعلم لمَ أحتل الخــــوف قلبه وإن ذهب لغرفتها وجدها كما هي تغط في سبات عميق، حاول افاقتها برفق ولكن بلا جدوى ليتناول هاتفه ويهاتف الطبيب والقلق يكاد يفتك به، ولكن لصدmته عنـ.ـد.ما أتى وعاينها وأخبره أن كل مؤشراتها الحيوية بخير وأنها فقط تغط في نومٍ عميق ولا داعي للقلق، وكونه يعلم تلك اللعينة تمام المعرفة أتاه هاجس عابر جعل الشكوك تتقاذف برأسه وأقسم إن كانت بمحلها لن يتهاون ابدًا في حق والدته.
قمة الخذلان أن أعلمك أول دروس الوفاء، وتلقينني أنتِ أقسى دروس الغدر، أن أوفيك كل حقوق العشق، وتسلبيني أنتِ كل حقوقي الإنسانية لأدور حول نفسي في حلقة مفرغة، أبحث عن الأسباب والمسببات.

صفع باب غرفتها ودون أي مقدmـ.ـا.ت كان يقلب الغرفة رأسٍ على عقب؛ يبحث عن شيء بِعَينه.

أما هي شهقت بفزع وانتفضت من فراشها متخذة أحد زوايا الغرفة كملجأ لها تنكمش به وهي تظن أنه أتى ليعنفها مرة أخرى، ولكنه لم يعيرها أي أهمية بل كان يبحث بكل مكان، الأدراج، والخِزانات وبين طيات الأرفف، ولكن دون جدوى إلى أن لفت نظره حقيبتها التي كانت ترتديها بالأمس ملقاة بزاوية الغرفة، انقض عليها ومد يده يسحب هاتفها المغلق يضعه في جيبه ثم فض كافة محتوياتها على الأرض بنفاذ صبر؛ وحينها تأكدت كافة ظنونه.

جثى يتناول المفتاح المزعوم وتلك العلبة البلاستيكية التي من الوهلة الأولى علم فحواها والغرض من استخدامها لينهض و يختصر المسافة إليها بخطوتان ليس إلا ويصـ.ـر.خ وهو يجذبها من خصلاتها بعصبية مفرطة ويلوح بما تحوي يده أمام نظراتها:
ده أكيد مفتاح الباب الوراني اللي كنتِ بتهربي منه وتستغفليني، إنما بقى الحبوب دي بتاعة ايه انطقي؟

كانت تكاد تمـ.ـو.ت من شـ.ـدة ذعرها حين انفضحت فعلتها فكانت شاحبة ونظراتها زائغة تعجز عن الرد وكل ما كانت تفعله هو محاولتها حماية وجهها كي لا ينال من صفعاته مجددًا، ليصـ.ـر.خ هو بنفس السؤال من جديد وهو يجذب خصلاتها للخلف أكثر بطريقة قاسية جعلتها تصرخ وتتعلق بيده راجية أن يتركها ولكنه كان في اوج غـــضــــبه وكأن عقله يرفض الاستيعاب بعد ويود أن تؤكد هي:
ردي عليا حبوب ايه دي؟
فرت دmعاتها وهي تغمغم مستنكرة:
مع، رفش.

ليضـ.ـر.ب الحائط خلفها بقوة ويصـ.ـر.خ بوجهها بصوت جهوري روجت له جدران المنزل:
كـ.ـد.ابة، ت عـ.ـر.في دي حبوب منومة دي اللي بتحطي منها لأمي علشان تخرجي مش كده...
نفت براسها بطريقة هستيرية مستنكرة الأمر ولكن نظرة واحدة داخل عيناها أكدت له انها كاذبة مما جعله ينهرها بحدة وهو يرج بها من خصلاتها غير عابئ بصراخها ولا بكائها المكتوم بسبب أن بعض الخصلات فارقت فروة رأسها أثر قبضته:.

أد ايه انتِ زبـ.ـا.لة وانا غـ.ـبـ.ـي علشان وثقت فيكِ...
تعلقت بيده وترجته من بين شهقاتها الباكية:
انت بتو.جـ.ـعني، سيب شعري.

زئر بقوة وهو يجاهد كي لا يفلت زمام غـــضــــبه أكثر فما كان منه غير أن نفضها عنه وكانها تثير اشمئزازه ثم أخذ ينطر أنامله كي يخلص تلك الشعيرات العالقة بينهم وهو ينظر لها نظرة قـ.ـا.تلة جعلتها تخور على ركبتيها وتضع يدها على وجهها وتنخرط في بكاء مرير تنعي به حالها وما توصلت له، بينما هو كان كالثور الهائج الذي لم يرى أمامه فقد قام بتحطيم كل ما طالته يده داخل الغرفة حتى أنه حمل مقعد تسريحتها وقذفه بالمرآة محدث على أثر تحطيمها ضجيج قوي تردد صداه في أرجاء الغرفة و.جـ.ـعلها تصرخ بجزع وتحاوط رأسهاغافلة انه بفعلته تلك ينفث عن غـــضــــبه عوضًا أن يؤذيها، فلم تهدأ صرخاتها قط إلا حين جثى على ركبتيه أمامها وصرخ بهياج شـ.ـديد وهو يقبض على ذراعيها يؤرجحها:.

أنا كتير قولتلك وحذرتك أمي خط أحمر بالنسبالي،
ولو كنت بتنازل في حق نفسي مش هتنازل في حقها هي ابدًا
كانت عيناها دامية من شـ.ـدة بكائها وكادت انفاسها تخبو بصدرها من شـ.ـدة شهقاتها ولكنه لم تأخذه بها شفقة فقد تمادت وحقًا فاق الأمر قوة أحتماله ولذلك هزها بقوة أكبر هادرًا بصوت قاسي خالي من أي تهاون بتلك التساؤلات التي عجز عقله عن استيعابها:
أنتِ إيه الجبروت والسواد اللي جواكِ ده؟

ده جزات الست اللي ربتك وراعتك بعد مـ.ـو.ت امك!
قوليلي عملت ايه تستاهل عليه كده؟
طب ضميرك مأنبكيش من نحيتها؟
طب ازاي كنت بتحطي عينك في عينيها وبتتعاملي معاها وأنتِ بتأذيها، انتِ للدرجة دي وِحشة وانا كنت مخدوع فيكِ؟
لتتهدج نبراته ويستأنف باشمئزاز وكأنها تثير غثيانه هو ينفضها بقوة جعلتها تسقط على الأرضية متألــمة:
أنا بجد نـ.ـد.مان وقرفان من نفسي إني حبيت واحدة زيك.

كانت تستمع لحديثه وضميرها ينهش بها وكأنه كان في غفوة واستيقظ لتوه، وحينها تدخل عقلها وهاجمها بتلك المبررات من جديد شعرت أن الأمر يتخطى قدرتها على التحمل ولذلك وضعت يدها على اُذنها وصرخت بانهيار تام بصوت مختنق بعبراتها:
كفاية، كفاية بقى
تطلع لانهيارها بعيون جـ.ـا.مدة، قد اندثر بها ذلك الدفء الذي كان يعتمرها ثم قال بنبرة قاطعة كحد السكين وهو يخطو بعيد عنها:.

انتِ لسه ما شوفتيش حاجة ومن هنا ورايح هخليكِ تجربي الذُل اللي على أصله يا بـ.ـنت الراوي
ليغادر غرفتها ويغلق خلفه بابها ويوصده بمفتاحه دون أن يرأف بها وبنحيبها ولا لصرخاتها المو.جـ.ـعة وكأنها بدلت لين قلبه المُولع بها إلى آخر صلد كالجلمود بفضل أفعالها التي يهيئها لها شيطانها كونها بريئة مبررة في سبيل انتقامها.

أما في أحدى قرى الصعيد فقد
كان يهرول فرحًا بعودة محبوبته بعد غياب دام لعدة أيام مرو عليه بصعوبة بالغة من دونها
فكان قلبه يهفو لها يسبقه حين وجدها تدلف لتوها إلى ردهة المنزل وتركض لترتمي بين يده قائلة بنبرة ملتاعة:
توحشتك جوي يا حامد
دثرها حامد بين أحضانه أكثر وأخبرها بإشتياق ولوعة تشابه لوعتها:
وأني كما توحشتك يا جمري وأيامي كانت غابرة من غيرك.

قطمت قمر طرف شفاهها ورفعت رأسها له تسأله بعيون كحيلة تفيض بالعشق:
توحـ.ـشـ.ـتني صُح يا حامد؟
تنهد هو تنهيدة حارة مفعمة بالمشاعر وهو يكوب وجهها الصبوح بين يده وقال بوله تام:
ايوة يا جلب حامد الليالي كانت عاتمة من غيرك ومصدجت رچعتِ تاني تنوري سمايا يا حبة الجلب
اتسعت بسمة قمر من ذلك الغزل الذي يغدقها به زوجها ويهون الكثير عليها وقالت بنبرة تقطر بمكنونها وهي تمرغ وجهها بكف يده الذي يحاوط وجهها:.

ربنا يخليك ليا يا حامد
لوت ونيسة فمها يمينًا ويسارًا بعدm رضا وهي تدلف لتوها هي وزوجها لردهة المنزل
بينما ضـ.ـر.ب عبد الرحيم الأرض بعصاه الأبنوسية قائلًا بحدة كي يقطع تلك اللحظات الحالمة بيهم:
واه چرى أيه كانكم مايعين إكده اللي ينضركم يجول بجالكم سنين متفارجين مش كام يوم
تحمحم حامد بحرج، بينما هي أطرقت رأسها وسحبت طرف وشاحها تغطي به فمها من شـ.ـدة خجلها وهرولت نحوهم تقبل أيديهم احترامًا وتبجيل لهم قائلة:.

كيفك يا بوي وكيف صحتك
والله توحشتك يا أْما ونيسة
رفعت ونيسة طرف فمها بحركة مستنكرة ولم تعقب و اكتفى عبد الرحيم بهز رأسه كونه بخير واستأنف حديثه الخالي تمامًا من اللباقة:
طالما متجدرش على بعدها إكده ياولدي كنت عجلها وجولها تجعد في دارها وبلاها علاچ ولا حُكَمة وتضيع وجت على الفاضي
ابتلعت هي غصة مريرة بحلقها من تجريحاته المستمرة بشأن عدm إنجابها وقالت بنبرة متحشرجة على حافة البكاء:.

إن شاء الله متكونش على الفاضي المرة دي؛ الحَكيمة طمنتني وجالتلي إن في أمل ابجى حِبلة
حانت من عبد الرحيم بسمة هازئة ورد ساخطًا:
بعد جد أيه يا جمر لما شعر ولدي يشيب
أطرقت هي رأسها ولم تستطيع أجابة سؤاله فما كان منها غير أن تنسحب قائلة بنبرة منكـ.ـسرة:
العلم عند ربنا يا بوي، ما تواخذنيش أنا تعبانة من الطريج ومحتاچة ارتاح.

كان هو صامت احترامًا لشخص أبيه فلا يجوز أن يتعدى حدود الأدب ويعاتبه أمام زوجته ولكن عنـ.ـد.ما غادرت هي نظر لآثارها في ضيق شـ.ـديد وهدر مدافعًا في محاولة بائسة منه كي يجعل أبيه يكف عن تسلطه:
ليه تكـ.ـسر بخاطرها أكده يابوي مَرتي ست البنات وعَاجلة ولو هتروح للحُكمة فده علشان انتوا ضغطين عليها و مش مجتنعين إن مش بايدها حاچة
لم يعجبه الأمر ولذلك عقب على حديث ولده بسخط:
بكفياك يا ولدي مرتك أرض پور ومفيش منيها رچا.

بس هحبها ولو لفيت الأرض كلتها مش هلاجي ضفرها وإذا كان على الخِلفة أنا راضي بحكمة ربنا ومش عاوز من الدنيا غيرها
قالها حامد بحمقةٍ شـ.ـديدة جعلت ونيسة تضـ.ـر.ب على صدرها بحسرة، بينما عبد الرحيم صاح متجبرتًا:
والله وچه اليوم اللي تناجرني فيه يا حامد وتجف جصادي
زفر حامد في ضيق وقال مبررًا:.

يا بوي أنا مليش في الدنيا غير رضاك ورضا أمي بس هي مرتي وكرامتها من كرامتي ويعز عليا تچرح فيها وتنجرزها بالحديت في الرايحة والچاية بالله عليك يا بوي لو بتعز ولدك صُح بكفياك
احتدت نظرات عبد الرحيم القاتمة وسايره:
ماشي يا ولدي لما أشوف أخرتها معاك
ليستأذن حامد كي يصعد لزوجته وما أن غادر قالت ونيسة بعدm رضا وهي تولول:
جولتلك سحراله ومصدجتنيش يا عبد الرحيم.

بينما هو جلس على أحد المقاعد يسند ذقنه على عصاه الأبنوسية وهو يفكر كيف يتمكن من كسب ولده لصالحه حتى لا يخسر وِده ويخرج عن طوعه ويعيق ما يطمح له.

حجك عليا يا حبة الجلب
قالها حامد بحنو وهو يربت على ظهرها كي يراضيها، ولكنها جففت دmعاتها وقالت والحـ.ـز.ن يغلف صوتها:
أنا اللي محجوجالك يا حامد انا اللي معرفتش أچبلك حتة عيل يشيل أسمك.

واه خلاص بقى جفلي على السيرة الماصخة دي، وبعدين يا بت الناس مش جولتي الحكيمة قالتلك إن العلاچ الچديد ممكن يجيب نتيچة وأن المسألة مسألة وجت يبقى لازم نصبر وربك هيچبر، وحتى لو ربك مأذنش أني راضي ومكتفي بيكِ انتِ بتي وحبيبتي وحبة جلبي من چوة.

ابتسمت من بين بكائها وهي تشعر بقلبها يتراقص فرحًا من تفهم زوجها وحبه لها الذي يغلف كل أفعاله وحتى حديثه ورغم أنها تعلم أن لأبويه سُلطة عليه ويخشى سخطهم ولكنها تعذره فهو حنون، لين القلب ولذلك لن تتحامل عليه أكثر وخاصةً بعد أن استرقت السمع لدفاعه المستمـ.ـيـ.ـت عنها قبل أن تدلف لغرفتهم، لتقول بحب:
ربنا ما يحرمني من طيبة جلبك ولا حنيتك يا حامد
ولا منيكِ ياجلب حامد.

طب ايه جوليلي وريحي جلبي روحتى لعمي سعيد زي ما جولتلك
أومأت له بنعم وقالت بصوت خفيض للغاية تحسبًا أن يستمع لهم أحد:
ايوة زرته في المستشفى في سوهاچ انا وامي وعطيته الفلوس زي ما جولتلي وفكيت ضيجته وخالة هانم بعتالك السلام وبتجولك كتر خيرك
وهو كيف صحته يا جمر؟
تنهدت قمر وقالت بتفائل:
ادعيله يا حامد وإن شاء الله هيبجى كويس
أومأ لها وتمتم بتضرع:
ربنا يشفيه ويعافيه و يجومه بالسلامة.

أمنت هي على دعواته، ليباغتها هو بجذبه لها من خصرها وقوله بنبرة مشاغبة:
طب أيه مفيش حاچة علينا ولا أيه؟
لم تتفهم حديثه وتساءلت:
هاتجصد أيه؟
ليتساءل مرة أخرى ولكن بشغب أكبر وهو يتفرس بمعالم وجهها:
بجالك كام يوم غايبة يا بت الناس
تنهدت واجابته بقلة حيلة وهي تستند على صدره:
واه انا عجلي مش دفتر
يبجى افكرك
شهقة خافتة صدرت من فمها حين أنحنى بجذعه عليها وحملها قائلًا وهو يتوجه بها للفراش:.

إني بجى فاكر وحاسب بعدك عني بالدجيجة والثانية يا جمري وعلشان إكده هعوضهم كلاتهم دلوجت
ليضعها على الفراش كي ينعم بنعيم قربها كيفما شاء فحقًا كان يحترق من شـ.ـدة توقه لها أما هي فكانت مأخوذة بلهفته عليها وحالتها لا تختلف كثيرًا عنه غافلة أن القدر يخبأ لها فاجعة ستودي بذلك القرب وربما للأبد.

استيقظت ثريا بعد عدة ساعات وهي تشعر بألــم مبرح برأسها، وقد أخبرها يامن كل شيء وعن فعلت تلك اللعينة بها، وحينها ضـ.ـر.بت صدرها وقالت بملامح متقلصة شـ.ـديدة الحـ.ـز.ن وكأنها تعاتب شخص تلك اللعينة:
ليه كده بس يا بـ.ـنتي هونت عليكِ، انا مش مصدقة كل ده يطلع منك!
أجابها هو بأنفعال:.

لأ صدقي الهانم كانت بتخدرك ومفرقش معاها انها بتأذيكِ بالحبوب دي والله اعلم المرة الكام اللي عملت كده، ده غير انها كانت بتستغفلني وبتخرج من ورايا، ده أنا جايبها من القسم وكانت سـ.ـكـ.ـر.انة طينة أنا كويس إني مسكت نفسي ومقــ,تــلتهاش.
كان يتفوه بكل كلمة بغـــضــــب قـ.ـا.تل وهو يشعر أنه على حافة الجنون، مما جعل ثريا تربت على ظهره قائلة بمواساة:.

اهدى يا ابني واستعيذ بالله من الشيطان الرچيم، هي الغلط راكبها وتستاهل اكتر من كده كمان، بس مش معنى كده أننا نمـ.ـو.تها بالحيا دي أمانة في رقبتنا علشان خاطري هات مفتاح اوضتها هطمن عليها
نفى برأسه وشياطين الجن والأنس تتقاذف أمام عينه ثم زفر حانقًا:
لأ يا أمي و متحاوليش انا لا يمكن ارجع في كلامي
عاتبته ثريا من جديد راجية وهي تربت على ظهره:.

متخليش غـــضــــبك يعميك أنا مش هلومك ومش هتدخل في اللي بينكم بس خليني أطمن عليها
أعترض مجددًا ولكن تلك المرة بنبرة قاطعة غير قابلة للتفاوض:
لأ يعني لأ دي واحدة متستهلش قلقك ولا خــــوفك عليها وانا هخليها كده مش هي شايفة أن أنا ذللها خليها تجرب الذُل وانا بقى عايزها تعترض علشان أكـ.ـسر دmاغها واخلص من قرفها
عاتبته ثريا بنظراتها ولكنها لم تعقب فهي تعلم أن ما فعلته ليس هين بالمرة ولا يصح أن يمر مرور الكرام.

لن تغمض له عين طوال الليل وظل يتقلب بفراشه الذي يخلو منها وهو يستجدي النوم ولكن دون جدوى يقسم أنه لا يعلم ما أصابه ولكن عنـ.ـد.ما حل الصباح برر لذاته انه فقط تـ.ـو.تر عادي بسبب حماسه الزائد لما هو مقبل عليه فقد نهض و أخذ يحضر حقيبته ويستعد لذلك اليوم الميمون بالنسبة له وحين انتهى اخذته قدmيه إلى غرفة اطفاله كي يودعهم قبل مغادرته وحين سقطت عينه عليها تتوسطهم ووجد أثار الدmـ.ـو.ع على وجنتها شعر بشيء من تأنيب الضمير فهو يعلم أنه زادها عليها حين هددها بهم ولكن هيأ له شيطانه أنه الحل الأمثل كي يجعلها تتقبل الأمر وظن أنها حتمًا ستفعل مع الوقت.

فقد قبل جبين ابنائه أثناء نومهم ثم مال عليها يضع قبلة اعلى خصلاتها هامسًا في خفوت بالكاد يسمع و بصراحة نابعة من بقايا ضميره غافل كونها تدعي النوم:
انا عمري ما اقدر احرمك منهم بس غـ.ـصـ.ـب عني كان لازم أضغط عليكِ علشان متعارضيش قراري ومتسبنيش، أنا مقدرش اتخيل حياتي من غيرك...

ذلك آخر شيء قاله قبل أن يربت على خصلاتها ويغادر تاركها تفتح عيناها تنظر لأثره بعيون غائمة متألــمة و دون أن تأخذ لحظة تفكير واحدة نهضت من الفراش متوجهة للنافذة تتوارى خلف ستائرها كي تشيعه بنظرات أخيرة وهو يغادر ولكن لصدmتها وجدت الآخرى تنتظره بكامل بهائها، أما هو كان يبتسم لها بإتساع وكأن تلك الصفراء هي مصدر سروره الوحيد، وقبل أن يصعد إلى السيارة حانت منه نظرة خاطفة لنافذتها جعلتها تتراجع للخلف عدة خطوات و تتعالى وتيرة أنفاسها بشكل غريب وكأنها تعجز عن التقاط الهواء ثم ارتمت على أحد المقاعد تحتضن جسدها بذراعيها كي تحفز ذاتها على الصمود ولا تنهار ولكن كان الأمر مؤلم يفوق احتمالها فقد عصتها دmعاتها وتهدلت هاربة من سـ.ـجـ.ـن عينها كي تفضح هشاشتها ومع حالة الانهيار العارمة التي اصابتها هاتفت سعاد ابنة عمها وإن اتاها الرد غمغمت من بين شهقاتها المقهورة التي تدmي القلب:.

انا اخدت قراري خلاص وعايزاكِ تساعديني
أتاها رد سعاد المترقب من الطرف الأخر:
بس قرارك صعب يا رهف ومينفعش ترجعي فيه ولا يكون في نـ.ـد.م بعديه
أجابتها بإصرار عجيب لم يكن من طباعها يوم بعدmا تذكرت جملته الصادقة التي صدرت منه وهو يظنها غافية غافل كونه طمئنها دون أن يشعر و.جـ.ـعلها تقرر أن لا شيء سيردعها فحقًا فاض بها وقد اتى اليوم لتثور حفاظًا على بقايا كبريائها الذي دهسه تحت قدmه:.

عارفة عواقب قراري كويس ومش هرجع فيه، لتبتلع غصة مريرة بحلقها تكاد تخـ.ـنـ.ـقها و تستأنف بنبرة متألــمة وبقلب مدmي يقطر دmًا:
هو اللي اضطرني لكده انا
لازم ادفعه التمن يا سعاد وغالي اوي.

مر أكثر من اسبوعين عليها وهي تشعر بتحسن كبير منذ أن توقفت عن تلك الحبوب اللعينة التي كانت تسلبها إرادتها، فرغم محاولاتها السابقة بالامتناع عنها إلا أنها كانت سابقًا تفشل فشل ذريع ورغم علمها أن تناولها كان ناتج عن تعودها، لا إدmانها ولكن كانت تتلاشى إرادتها و تستسلم لطنين رأسها وتظن أن بها خلاصها؛ فسابقًا لم يكن لديها هدف أو شيء يحفزها ويدعم عزيمتها ولكن الآن أصبحت هو يمثل كل ذلك لها بل أصبح محور تفكيرها، ورغم انه مُتحفظ معها ولم يحيد عن منطقه ولا طباعه الثابتة إلا أنها تشعر بالاهتمام يغلف كل أفعاله وحقًا أصبحت مأخوذة به و بكل شيء يصدر منه.

فها هي منذ أن صعدت للسيارة ولم تشيح بفيروزاتها عنه وكأنها تراه للمرة الأولى مما جعله يرتبك قليلًا ويقول بثبات اثناء قيادته:
مش ملاحظة انك متكلمتيش من ساعة مركبتي العربية
أجابته بتنهيدة حالمة:
مش عايزة اتكلم وحاسة إني عايزة ابصلك وبس.

مسد جبهته بسبابته وابهامه بإرتباك أصبح ملازم له الآونة الأخيرة بفضلها وبفضل تلميحاتها التي تأخذ مجرى آخر يخشاه ومازال عقله يستنكره فلم يعقب بل صب كافة تركيزه على الطريق، ولكنها زادتها عليه حين همست ببسمة ناعمة:
انا عايزة احكيلك على حاجة
تأهب لحديثها وحثها بعينه أن تسترسل، لتبتسم بعيون لامعة وتخبره:.

انا مبسوطة إني سمعت كلامك وروحت للدكتور بصراحة ارتحت اوي بعد ما اتكلمت معاه، وكمان اتبسطت أن بابي فضى نفسه مخصوص وجه معايا تعرف إن دي أول مرة أحسه قريب مني وخايف عليا بجد.
أبتسم وأجابها بعفوية دون أن يحيد نظراته على الطريق:
محدش في الدنيا هيحبك أكتر من ابوكِ وام...
ابتلع باقي حديثه ولعن تسرعه ولكنها تفهمت وهدرت بعدmا انطفأت لمعة عيناها واندثرت بسمتها:
مش شرط يا محمد أنا أمي محبتنيش.

أغمض عينه بقوة يلعن غبائه ثم صف السيارة بجانب الطريق وقال بنبرة حانية مفعمة بالاهتمام:
احنا قولنا ايه؟
مش هنبص ورانا تاني وهنفكر بس في اللي جاي، واللي محبناش ولا اتمسك بينا دي مشكلته هو؛ علشان احنا ناس جميلة وتتحب وهو حد مبيعرفش يميز وميستهلش حتى نفكر فيه ونحـ.ـز.ن نفسنا.

رغم أن حديثه متكرر بالنسبة لها ولكن صيغة الجمع الذي نطق بها جعلتها تشعر براحة و طمأنينة لا مثيل لها، ليشرق وجهه من جديد وتفتر شفاهها عن بسمة هادئة ثم قالت بإقتناع:
أنت عندك حق.

رفقت قولها بسحبها لحقيبتها وأخراج هاتفها ثم أخذت تنقر على شاشته عدة مرات إلى أن توصلت لذلك الحساب الوهمي التي تتبع به أخبـ.ـار تلك السيدة التي لا تستحق لقب والدتها وقبل أن تضغط على حذف الحساب شعر هو بترددها وتشوش نظراتها وحينها تفهم ماذا تنوى أن تفعل فما كان منه غير أن يربت على يدها ويشملها بنظرات محفزة تفيض بالاهتمام، استقبلتها هي ببسمة هادئة ودون أي لحظة تفكير أخرى كانت تقوم بالنقر مجددًا وتحذف ذلك الحساب من هاتفها وهي تنوى أن تستمع لنصيحته ولا تهتم بما مضى، فربما هو محق وهي ليست بذلك السوء ومن الممكن أن تحظى بالحب ولكن السؤال هو هل سيمنحها قلبه أم فقط ستحظى بذلك الأهتمام تحت مسمى أخر لا يمت بتاتًا لتلك المشاعر التي أصبحت تكنها له.

برافو عليك انا فخور بيكِ و بإرادتك
قالها هو لينتشلها من دوامة أفكارها التي نفضتها عنها الآن و ابتسمت بسمة صافية مفعمة بالتفاؤل قائلة:
عارف نفسي في ايه...
لوهلة تعلقت بندقيتاه بها قبل أن يتساءل باهتمام كعادته:
أيه؟
أجابته بحماس وببسمة مشرقة:
نفسي تأكلني فول من على نفس العربية زي المرة اللي فاتت بصراحة وحشني اوي اعمل مركب زيك واغطسها في الطبق وياريت بقى لو معاها بصلتين ياه والله جوعت على السيرة.

قالت أخر جملة بإشتهاء غريب وهي تقطم شفاهها السفلية تقلد طريقته ذلك اليوم ليقهقه ضاحكًا بتلك الطريقة الخشنة المفعمة بالرجولة التي دغدغدت حواسها و.جـ.ـعلت بسمتها الهائمة تتسع شيء فشيء حين قال:
لسة فاكرة، ده انا حسيت يومها من كتر أسئلتك إنك من كوكب تاني
هزت رأسها مستنكرة واجابته بتنهيدة عميقة:.

فعلًا كنت مستغربة ولما أنت اتكلمت معايا وبقيت تجاوبني الصورة وضحت قدامي، يعني مثلًا: الحاجات التافهة والبسيطة بالنسبالي؛ اكتشفت انها كبيرة اوي وليها قيمة عند ناس تانية، وعرفت إن كفاح الناس البسيطة دي وصبرهم هو قمة الرضا.
تهادت ضحكاته تدريجيًا وهو يستمع لها وكم راقه انه استطاع أن يؤثر حديثه بها، لتضيف هي بخجل وهي تلملم خصلاتها وتضعها خلف اذنها:.

أنت خلتني اشوف الدنيا من منظور تاني يا محمد أنا مش عارفة ازاي عرفت تأثر عليا كده بس كل اللي أعرفه إني اتعلقت بيك لدرجة إني بستنى كل يوم الصبح علشان بس اشوفك واتكلم معاك
تبًا لقناعاته ولحدود منطقه فكيف الصمود أمام عفويتها وتلميحاتها المتكررة له، حقًا كان ضائع يتمنى لو يجد قشة يتشبث بها وتنقذه من الغرق داخل بحر عينيها ولكن لم يجد سوى تلك المشاعر الطاغية التي ثقلت قلبه و.جـ.ـعلته يعافر كي لا يغرق بها.

فقد دام تشابك نظراتهم لعدة ثوانٍ حالمة أرادت هي لو لم تنتهي ولكنه أحبطها و أزاح رأسه بعيد عنها يغمض عينه بقوة يحاول أن يسيطر على ارادة ذلك النابض بصدره فيبدو ان البراعم النامية بقلبه، تفتحت، وأينعت وأصبحت مزدهرة رغم محاولته الشتى لوأدها.
تنهدت هي بعمق وقاطعت مداهمة أفكاره قائلة كي تخفي حرجها:
طيب انا جعانة هتوديني ولا لأ.

اوما لها ببسمة باهتة لم تصل لعينه ثم انطلق بها ليلبي رغبتها وهو يتيقن تمامًا أن ما كان يخشاه و يظنه يستحيل حدوثه قد تخطى حدود المنطق والعقل وحدث بالفعل.

أما عن صاحب البنيتان القاتمة فقد نال ما طمح وقد مر اسبوعين على عقد قرانه من الآخرى وها هو ينعم بقربها
بكل الطرق الممكنة، غارق حد النخاع في إرضاء ذلك الذكر بداخله، مأخوذ بكل شيء بها جرأتها، طريقتها في تدليله، جموحها معه، فهي امرأة واثقة تعلم ماذا يريد دون أن يطلب وقد أجادت التعامل معه ومع متطلباته
فبعد ليلة جامحة فاقت كل توقعاته كالمعتاد سند ظهره على جذع الفراش متمتمًا بأنفاس متهدجة:.

يخربيتك هتجيبي أجلي بالشكل ده
أطلقت هي ضحكة متغنجة وهي ترفع الغطاء على جسدها قائلة:
انت لسة شوفت حاجة ده انا هجننك يا سُونة
اكتر من كده هتعملي ايه بس ده احنا مخرجناش من باب الأوضة غير كام مرة تتعد على الصوابع.

مطت فمها وسألته وهي تعبث بأناملها على صدره:
هو انت زهقت يا سُونة
نفى برأسه وقال مبرراً وهو يمرر يده بخصلاتها الشقراء:
ابدًا بالعكس انا عمري ما حسيت إني مبسوط غير معاكِ بس يعني أنتِ أخدة تليفوني ومش عطيالي فرصة حتى أطمن على الولاد ولا الشغل
تأففت هي:.

يوووووه بقى الولاد مش لوحدهم وأمهم معاهم ما انت كتير بتسافر وتسيبهم ومفيش حاجة بتحصل، والشغل في كذا حد يقدر يمشيه من غيرك، وبعدين احنا في شهر العسل ومينفعش حاجة تاخدك مني
وبعدين انا مصدقت بقيت ليا يا سونة.

قالت أخر جملة بنبرة مثيرة للغاية وهي تطبع قبلة محمومة على شفاهه كانت بمثابة دعوة صريحة له، وحينها اقنع ذاته بحديثها و وجده منطقي لحد كبير ليقرر انه لن يفكر بأي شيء الآن سوى أن يشبع غريزته ويلبي دعوتها التي لا يعلم عددها لليوم.

أما عن صاحب القلب الثائر الذي خذلته تلك المتمردة، فمنذ ذلك اليوم المشؤوم وهو يلتزم بوعده لها و يذيقها مّر صنيعها، يحتبسها بالغرفة و لم يسمح لها أن تطأ قدmيها خارجها قط، ورغم إلحاح والدته المستمـ.ـيـ.ـت ليعفو عنها إلا أنه لم يقبل ولم يتهاون بتاتًا حتى أنه منع والدته أن تتدخل بلأمر مرة أخرى، وكأنه يود أن يمنحها هُدنة مع ذاتها كي تفكر بكل ما اقترفته من خطايا وتنـ.ـد.م عليها، لا ينكر أن قلبه اللعين يعلن عصيانه عليه كل ليلة وخاصة عنـ.ـد.ما يستمع لنحيبهامن خلف باب غرفتها، ولكن كيف التهاون معها بعد كل ما اقترفته فغـــضــــبه منها مازال يطغي على كل شيء حتى ارادة قلبه.

فقد تناول صنية الطعام من والدته ككل يوم دون أن يعير نظراتها الراجية ولا الحاحها أي أهمية.

ثم توجه لغرفتها يدس المفتاح بالمكان المخصص له ويديره زافرًا بقوة ما أن وطأت قدmه داخلها وهو يتوقع انه سيجدها بالفراش ككل يوم عنـ.ـد.ما يأتي إليها بالطعام وتتصنع النوم ولكنه وجد فراشها يخلو منها، لتنكمش معالم وجهه ويضع الطعام أعلى الطاولة بجانب طعام الصباح التي لم تمسسه ويلعن ذلك العند المستوطن بها وهو يبحث بناعستيه الثائرة عنها، لفت نظره شرفة حجرتها المواربة ليخطو نحوها بخطى واسعة وما أن فتح بابها كاد قلبه يهوي بين قدmيه عنـ.ـد.ما وجدها باهتة بملامح منطفأة فرت منها كافة ألوان الحياة وتجلس على سور شرفتها تدلي قدmيها خارجها.

و رغم الخــــوف الذي تسلل لقلبه انه من الممكن أن يفقدها إلا انه يعلم انها تحاول تستعطفه وتستحوذ على اهتمامه ليس إلا؛
ولذلك لم يتخلى عن جموده معها و هدر بمكر وهو يستند على السور بكفوف يده ويشرد في نقطة وهمية بالفراغ:
معتقدش أنك بالغباء ده، و بتفكري تنتحري، بس لو ده اللي وصلتيله بتفكيرك مش هعارضك بالعكس أنتِ كده هتوفري عليا كتير وتريحيني.

كونه يعلمها تمام المعرفة تعمد أن يستفزها بحديثه ويشعرها أن ما تفعله لن يؤثر به، فإن استشعرت هي عكس ذلك ستستغل الأمر لصالحها
وبالفعل كانت فِطنته بمحلها حين رفعت عيناها الغائرة له وهمست بصوت مازال يحمل بطياته حفنة من التمرد وهي تتخلى عن جلستها وتقف في مواجهته:
لأ متقلقش انا مش غـ.ـبـ.ـية، ومش هخليكم ترتاحوا مني زي ما ارتحتوا من امي.

رغم تلميحها المبطن الذي جعل التساؤلات تتقاذف برأسه إلا أنه أجل التفكير به وقد اعتلى جانب فمه هازئاً من نجاح حيلته وقال بلامبالاة فاجأتها و وخزت قلبها:
واحدة بسواد قلبك لازم تفكر كده بس على العموم افهميها زي ما أنتِ عايزة مبقتش تفرق.
أبتلعت غصة بحلقها وكادت ترد ولكنه سبقها بنبرة بـ.ـاردة خالية من أي دفء أصابت قلبها بالصقيع:.

الأكل عندك، وبراحتك لو عايزة متكليش، أنا بس بخلص ضميري علشان لو حصلك حاجة محسش بذنبك
قالها وهو يخطوا خارج الشرفة دون أن ينظر لها نظرة واحدة تنم عن قلقه أو اهتمامه مما جعل عيناها تغيم و تنظر لآثاره بنظرات غائرة يحتلها الحسره، و تتساءل أين ذهب لين قلبه و تهاونه معها ألهذه الدرجة كانت أفعالها مخزية و.جـ.ـعلته يمحي تلك المشاعر التي كان يكنها لها!

هل مقتها لتلك الدرجة التي تجعله لا يطيق حتى النظر لها، مهلًا لمَ تهتم الآن! فمن المفترض أن تنقم عليه أكثر بعد أن عنفها وقسى عليها، مهلًا ايضًا لمَ تشعر بتشتت عظيم يحتل كافة كيانها ولمَ ذلك الفراغ الموحش ينخر أحشائها!

أيا ترى بسببه وبسبب حديثه السابق الموبخ لها هل من الممكن أن يكون محق وهي بذلك السوء الذي أصبح يراها به. حقًا لا تعلم هي ضائعة مشتتة بين ألــم قلبها وهواجس عقلها الذي يبرئ كل أفعالها ويقنعها أنها مبررة في سبيل انتقامها وعند وصولها لتلك الفكرة وجدت ذاتها تنخرط بنوبة بكاء مرير وهي تتيقن أنها لم تؤذي أحد سوى نفسها.

أما هو فقد حاول اقناعها ان تعيد له هاتفه ولكنها رفضت ورغم أنه ود بشـ.ـدة ان يطمئن على أطفاله إلا انها استطاعت بطريقتها أن تؤثر عليه وتقنعه انهم بخير وهاهو ينتظرها كي تتحضر ليصحبها لتناول العشاء فقد أشعل أحد سجائره واخذ ينفث دخانها بنفاذ صبر فقد تأخرت كثيرًا وحقًا سأم الأنتظار ولكنه لم يستطيع أن يعترض حتى لا يفسد يومه الحافل معها،.

ولكن حين خرجت له تدلى فكه وهو يراها ترتدي ذلك الثوب الذي يلتصق على جسدها وكأنه جلد ثان لها وهدر قائلًا:
ايه ده انتِ هتخرجي كده؟
أعتلى حاجبيها وقالت بثقة وهي تتطلع لهيئتها بالمرآة أمامه بكل ثقة:
اه يا سُونة ماله كده!
هب واقفًا وأجابها بحدة:
ماله ايه، وزفت ايه؟ الفستان ضيق جدًا ده لبستيه ازاي بالصابونة، مستحيل اسيبك تنزلي كده روحي غيريه
زفرت حانقة واعترضت:.

بس هو عاجبني ومش هغيره وبعدين مالك يا سُونة ما أنا كنت بلبس زيه قبل ما نتجوز وكنت بتتهبل عليا
تأفف بغـ.ـيظ وبكثير من التناقض قال وهو يطفئ سيجارته المشتعلة بكعب حذائه:
الوضع اختلف، دلوقتي أنتِ مراتي وشايلة اسمي.
قهقهت هي بصخب وإجابته دون حياد عن رأيها:
بس أنا مش هغيره ومتهيئلي أنت اتجوزتني كده وقبلت تشيلني أسمك؛ وانا برضو كده ومش هغير ستايلي ونمط حياتي علشان أفكار رجعية ملهاش قيمة.

لم يروقه حديثها وهدر منفعل:
منار مش بحب الاسلوب ده
حانت منها بسمة مغوية أثناء اقترابها منه وقالت بإثارة وبنبرة متلاعبة وهي تعبث بأناملها المطلية داخل تلك الشعيرات الظاهرة من فتحة قميصه:
اهدى يا سُونة متتعصبش وتبوظ مودي وبعدين أنا هبقى معاك ومفيش حد هيقدر يرفع عينه فيا علشان معايا أجمد راجـ.ـل في الدنيا وكفاية اوي أنك مالي عيني.

ختمت حديثها وهي تضع قبلة عابرة أعلى فمه كي ترضي تلك النزعة الذكورية التي حفزتها بكل براعة دون أي عناء منها وإن كاد يطالب بالمزيد دفعته برفق وببسمة ماكرة نفت بسبباتها أمام وجهه وقالت بهمس مغري للغاية:
مش دلوقتي لما نرجع.
لتضيف بنبرة تقطر بالفتنة وهي تقرص وجنته:
هستناك في العربية ياريت متتأخرش يا سُونة علشان بتوحشني.

قالتها وابتعدت عنه تسحب حقيبتها كي تسبقه دون أن تعطيه أي مجال للرد وكأنها تود أن تثبت لذاتها قبل منه أنها لن تخضع وتكون نسخة ثانية من تلك الغـ.ـبـ.ـية التي سخط عليها.

كانت حريصة على افتتانه بها بكل الطرق أثناء سهرتهم، تتلاعب على اوتاره بكل حرفية وتعلقه بها أكثر بتلك الطريقة التي رغم فجوجها إلا أنها كانت تجدي نفع معه فقد تعمدت أن تجعله دائمًا تواق لها مستخدmة أحد حيلها الذكية التي تأكدت من تأثيرها حين همست بأذنه بطريقة موحية بما ستفعله معه حين عودتهم...
فقد تصلب جسده وتتثاقل انفاسه وهو يشعر بنيران مستعرة تشتعل به؛ ولذلك قرر في التو أن ينهي سهرته كي ينالها.

ليؤشر للنادل ويعطيه بطاقته الائتمانية كي يسدد ثمن فاتورة الطعام
وهو يخبره أن يتم الأمر بعُجالة كونه لا يستطيع الأنتظار اكثر، وبالفعل هرول النادل كي ينفذ طلبه ولكن عاد له بعد بضع دقائق قائلًا:
آسف يا فنـ.ـد.م تقريبًا البطاقة الإئتمانية بتاعة حضرتك مفهاش رصيد
تفوه بها بأسف بعدmا كرر المحاولة لاكثر من مرة، ليجعد حسن حاجبيه ويسأله بعدm استيعاب:
نعممممممممم، أنت متأكد اكيد المشكلة عندك!

نفى النادل وهو يناوله البطاقة مرة آخرى قائلًا:
حضرتك تقدر تتأكد بنفسك
لتتسأل هي بتهكم وببسمة صفراء دون أن تعطي صدmته أي اهمية:
ازاي كده يا سُونة معقول أنت بجلالة قدرك معكش رصيد
هب واقفًا وأجابها:
لأ، اكيد المشكلة من عندهم ياريت تسبقيني على العربية
أومأت له وغادرت بينما هو رفض عقله الاستيعاب و أصر أن يحاول بنفسه لعدة مرات ولكن دون جدوى.

ليضيق بُنيتاه القاتمة بعد أن فطن للأمر الذي لم يتوقع أن يصدر منها حتى في أبعد أحلامه، وتوحشت نظراته وهسس بنبرة متوعدة شـ.ـديدة الغـــضــــب:
عملتيها يا رهف...
التراكمـ.ـا.ت سمّ بطيء يقــ,تــل أي علاقة بصمت. لا تختبروا قوّة تحمّل الآخر، لا تعوّلوا على حبّه الكبير، وقلبه الأكبر. لا تتجاهلوا نفاذ صبره، لا تتوقّعوا أن تكون هناك صفحات جديدة دائما، فلا تدرون متى تأتي الصفحة الأخيرة. قد يبدو كلّ شيء على ما يرام بالأمس، فتصحُون على ثورة عارمة صباحا.

ممكن اعرف في ايه؟
قالتها هي ما أن دلفو سويًا لغرفة الفندق بعدmا ظل طوال الطريق صامت و وجهه متجهم بشكل مريب جعل الكثير من الشكوك تنتابها، فقد حاول هو السيطرة على ذاته بصعوبة بالغة ونفى برأسه وأجابها بإقتضاب:
مفيش...

لتتسأل من جديد بريبة أكبر:
طب ايه حكاية الرصيد دي طلع فعلًا المشكلة من عندهم
أومأ لها بنعم وأخبرها كاذبًا كي لاتزيدها عليه وتشعره بمدى غبائه:
اه المشكلة من عندهم الجرسون حمار ومكنش عارف يتعامل
هزت رأسها وعقبت بعد أن زفرت بـ.ـارتياح واقتربت بخطواتها المتغنجة منه:
طب خلاص ايه اللي مضايقك وغير مودك كويس أنه طلع الغلط عندهم وإلا كان هيبقى الموقف بايخ اوي يا سُونة.

اغـ.ـتـ.ـsـ.ـب بسمة على فمه واومأ لها بمسايرة وهو يحمد ربه أنه كان يحمل بضع نقود ورقية بحوزته للاحتياط وبالكاد غطت فاتورة العشاء، ليتناول نفسٍ عميق ويزفره على مهل ثم يمرر يده بين خصلاته بأعصاب تالفة قائلًا وكأنه يتوسلها:
هاتي التليفون يا منار عايز اطمن على الولاد
جعدت جبينها و تأففت من جديد:
يووووه انت مش بتزهق قولتلك لأ، وبعدين ولادك مش لوحدهم لترفع حاجبيها وتضيف وهي تتخصر أمامه متهكمة:.

اوعى تكون رهف هانم وحشتك ومش قادر تقعد من غير ما تطمن عليها
كان يشعر ببراكين ثائرة برأسه من شـ.ـدة الغـــضــــب ورغم ذلك تمالك نفسه وقال بنبرة آمرة بعض الشيء:
هاتي التليفون ومش عايز زن أنا على آخري والموقف اللي حصل ضايقني بما فيه الكفاية
لوحت بيدها أمام وجهه وهدرت دون أن تعير غـــضــــبه أي اهمية:
هو أيه اللي حصل وأنت ليه مكبر الموضوع كده ده مجرد سوء تفاهم ولا في حاجة مخبيها عليا...
زفر حانقًا من جديد وهدر منفعل:.

مفيش زفت مخبيه عليكِ وبلاش تزني أنا بكره الزن وهاتي التليفون
لم تراه غاضبًا من قبل لهذا الحد واستغربت أن موقف تافه كهذا يكون هو سبب غـــضــــبه ولثقتها بثرائه وما يملكه من نقود لم تشكك بتاتًا بصحة حديثه و عاندت بثقة:
لأ، ده شهر عسلي ومش هخلي المملة مراتك تاخدك مني وتتسهولك لما تكلمها
احتدت بنيتاه القاتمة وهدر من بين اسنانه بنفاذ صبر وبآخر حيلة لديه:.

مش هكلمها هي، هكلم يامن وهخليه يطمني على الولاد هاتي التليفون يا منار ومتعصبنيش اكتر من كده
زفرت بضيق من إصراره ولم تريد أن تعاند أكثر كي لا تفسد الأمر بأوله فرغم تخــــوفها من استعطاف رهف له إلا انها تثق تمامًا بأسلحة انوثتها الفتاكة التي تجعله يرضخ لها ويصبح كالخاتم بإصبعها ولذلك وافقت قائلة بخبث وهي تحتضن وجهه:
خلاص متتعصبش يا سُونة انا برضو عندي قلب وعارفة أنك اب و ولادك لازم يوحشوك.

لتسير بضع خطوات ثم تفتح خزانة الملابس وتدس يدها بين طياتها تخرج هاتفه وتناوله إياه قائلة بوداعة لا تليق ابدًا بها:
كلم يامن ومتنساش تسلملي عليه وتقوله انا نفسي اتعرف عليه وعلى خالتك
تناوله من يدها بتلهف شـ.ـديد وقام بفتحه لتميل هي على وجنته تقبلها ثم تقول بنبرة ذات مغزى مغري:
هاخد Shower وهستناك في السرير متتأخرش عليا يا سُونة
هز رأسه ببسمة بالكاد اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبها،.

لتبتسم هي وتخطو نحو المرحاض، بينما هو ما أن تأكد من إغلاقها الباب دلف للشرفة وأغلق بابها عليه ثم قام بالنقر على شاشة هاتفه يطلب رقم رهف وهو ينوي أن يصب جم غـــضــــبه عليها ولكن لصدmته كان هاتفها مغلق وحتى هاتف المنزل الأرضي لم تجيب عليه مما جعله يستشيط غـ.ـيظًا ويتيقن أنها تتعمد أن تتجاهله، وإن تذكر أنه لم يعد معه مال كافي لسداد حساب الفندق قام بمهاتفة يامن وقبل أن يطلب منه العون سأله عنها وتحجج كونه اضطر للسفر وتركهم ولكن يامن أخبره أنه لا يعلم شيء ولم تقم هي بزيارتهم منذ وقت طويل ليستشيط هو أكثر ويكاد القلق يفتك به ولكن دائمًا ما يتدخل شيطانه مبرراً كونها تكيده ليس أكثر وتتعمد إفساد سعادته ورغم تلك الأعاصير التي تضـ.ـر.ب برأسه إلا انه لم يخبر يامن بأي تفاصيل خاصة عن فعلته فقط طلب منه أن يرسل له المال بأي طريقة، و وعده انه سيشرح له فيما بعد وحين أغلق معه زفر حانقًا وأخذ يمرر يده بخصلاته بفوضوية هادرًا بغـ.ـيظ:.

أنا ازاي غـ.ـبـ.ـي كده ونسيت موضوع الحساب ده
ليكور قبضته بقوة ويضعها بين أسنانه كي يتحكم بزمام نفسه كي لا يفتضح غبائه أمام الآخرى وتشعر به، ثم أغمض عينه وأخذ يهدأ نفسه ولكن من داخله يتوعد لها بأشـ.ـد الوعيد حين عودته الذي قرر أن تكون فور إرسال يامن للمال في صباح الغد.

تنهيدات مُسهدة ونظرات هائمة كانوا يتبادلونها وهم يستندون على مقدmة سيارتها في المكان ذاته أعلى تلك الهضبة العالية التي تكشف البلد من عليائها فرغم عزلة المكان إلا أنها تشعر براحة عارمة به فقد أصرت عليه أن يأتي بها إلى هنا ورغم غيوم السماء و برودة الجو وتلك اللفحات البـ.ـاردة إلا أن كان دفء قلوبهم يكفي العالم أجمع فكانوا غير عابئين بشيء وكأنهم بعالم أخر يهيمون به بمشاعر تشابه غيوم السماء التي انذرت لتوها بهطول الأمطار مصطحبة معها عاصفة هوجاء من المشاعر المتأججة بينهم فشهقت هي حين شعرت ببضع قطرات الماء على وجهها وقالت بعفوية تشبه عفوية الأطفال:.

الله مطر
مسح على وجهه وقال وهو ينظر لما حل بالجو وكأنه فاق لتوه من غفوة قلبه:
عجبك كده مش كنت روحتك احسن من البهدلة دي
نفت برأسها واخبرته ببسمة واسعة وهي ترفع رأسها للسماء وتفرد ذراعيها ترحب بالمزيد:
انا جيت هنا مخصوص علشان كده، انا بحب المطر أوي يا محمد بحب ريحته وبحس براحة غريبة بعديه
أبتسم لتبريرها المرهف وقال:
بس الجو برد عليكِ.

نفت برأسها وظلت تدور وتدور حول نفسها ببسمة واسعة واستمتاع غريب دغدغ حواسه و.جـ.ـعله يتأملها بنظرات والهة يردد بداخله
كم أود أن أشاركك جموحك، وصخبك وسعادتك الآن، كم أود إطـ.ـلا.ق العنان لنفسي وأغدق دون حُسبان، ياليتني أستطيع أن ادثرك بين طيات صدري وأناصفك أنفاسي بكل امتنان.

امنحك لحظات لا تليق سوى بكِ و أبوح لكِ بمعسول الكلام ولكن يوجد حديث يعجز عنه اللسان فأنا عاشق يعلم أن كافة أحلامه يستحيل تحقيقها ويجب أن تظل طي النسيان.
لا يعلم كم مر من الوقت وهو يتأملها ولكن ما يعلمه أن قلبه يهفو لها حد العناء.

فقد تنهد بعمق ولعن تلك الحالة الغريبة التي أصبح عليها و تلك المشاعر التي لم يعد يستطيع التحكم بها وتعدت حدود عقله ومنطقه وكل ما نشأ عليه حين نزع سترته وتقدm منها يضعها على ظهرها، وقبل أن يسحب يده تراجعت هي خطوة واحدة للخلف وألصقت ظهرها بصدره وضمت يده الممسكة بالسترة حولها بحركة تلقائية للغاية أربكته و زادت من وجيب قلبه حين لفت رأسها كي تواجه وجهه وقالت ببسمة والهة متيمة تحت وطأة نظراته الحانية المفعمة بالاهتمام:.

عارف أن أنا أسعد واحدة في الدنيا اللحظة دي
غرق في بحر عينيها دون وعي وتمنى أن لن ينجو أبدًا وهي تميل برأسها لتواجه وجهه أكثر حتى تعانقت انفاسه واستأنفت بنبرة حالمة مفعمة بالسعادة غير عابئة بزخات المطر التي كانت تزف حديثها:
علشان جمعت بين أكتر تلات حاجات بحبهم، المكان ده، والمطر، وأنت يا محمد.

زلزلت قاع قلبه بل عصفت به و.جـ.ـعلت ارادته وعزيمته للصمود ذهبت ادراج الرياح من وطأة تصريحها الخطير له، ورغم ان لسانه عجز عن الرد إلا أن بندقيتاه كانت تعصاه و تهيم بها وكأنها تود أن تمتعه بتلك اللحظة الفريدة المميزة، فكانت عيناها تدعوه دعوة صريحة للبوح؛ ولكن الأمر كان عليه ليس بيسير ابدًا فمكنون قلبه بمثابة وعد صادق وهو لم يتعود أن يصدر وعود يستحيل أن يفي بها، يأست من رده وكم شعرت بالإحباط حين تحمحم و أزاح برأسه بعيد عنها لتحل وثاق يده من حولها ويتراجع هو بضع خطوات للخلف قائلًا بجدية شـ.ـديدة وبصوت مرتبك:.

لازم نمشي الوقت اتأخر و المطر بيزيد
حانت منها بسمة باهتة بعدmا اندثرت لمعة عيناها وهزت رأسها بطاعة ليسبقها لداخل السيارة، ليحتل الحـ.ـز.ن من جديد عيناها وهي تظن انه لم يبادلها مشاعرها غافلة كونه أصبح غارق بها ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك فنعم هي تعدت حواجز قلبه وحدود منطقه ولكن يستحيل أن يتخطى هو تلك الفجوة الطبقية بينهم.

رغم ذلك الفراغ الموحش الذي يخيم على قلبها ويكاد يبتلع روحها إلا انها كانت تقاوم كي تصمد وتستعيد عزيمتها وتقف في مواجهة مع ذاتها لتردع ذلك التشتت المريب الذي أحتل كافة تفكيرها و.جـ.ـعلها تستغرب ما يحل بها، وحين أشتد الصراع بين ألــم قلبها وهواجس عقلها انتصر من له سُلطة كبرى عليها فقد اسعفها بتلك الذكريات الأليمة التي يحتفظ بها بين طياته منذ زمن بعيد ودعم ظهورها ذلك اليوم الممطر الحافل بتلك الأصوات المرعـ.ـبة التي طالما ذكرتها بتلك الليلة المشؤومة حين توفت والدتها، فكانت ترفع رأسها تنظر لعطاء السماء وهي تجلس على أرضية شرفتها البـ.ـاردة دون أن تعير أن أطرافها تكاد تتجمد من برودة الجو بل كل ما كانت تعيره أهمية هو أن تعاند تأثير تلك الذكرى التي كلما راودتها سلبتها انفاسها و.جـ.ـعلت الرجفة تسيطر عليها وينتابها حالة من الهلع مثل تمامًا ما حدث معها في ذلك اليوم فكان كل شيء يمر أمام عيناها وكأنه حدث منذ قليل وليس من سنوات طويلة فإلي الأن تتذكر أدق التفاصيل بتلك الليلة البـ.ـاردة التي لم تنعم بعدها بدفء ابدًا.

flash back
كانت ليلة ممطرة، يلفحها الصقيع وصوت الرعد يتسلل إلى مسامعها أثناء نومها، فزت هرعة من فراشها تفرك عيناها وتسير نحو غرفة والدتها بخطوات وئيدة وهي تأمل أن تدثرها بأحضانها وتنعمها بدفئها الذي لا يضاهيه شيء ولكن عنـ.ـد.ما وصلت إلى باب الغرفة الموارب قليلًا استمعت لذلك الحوار المحتد بين أبويها:
أنا تعبت منك ومش عارف أعمل ايه علشان اقنعك.

قالها عادل بحدة وبنفاذ صبر جعل غالية ترد عليه بنبرة منفعلة شـ.ـديدة الإصرار:
عمري ما هقتنع يا عادل دي حياتي وانا حرة فيها
لأ مش حرة يا غالية ولو مرضتيش هجبرك وهيبقى غـ.ـصـ.ـب عنك، ومش معنى اني وافقت على رغبتك وسمعت كلامك يبقى كده عملتي اللي عليكِ تجاهي وتجاه بـ.ـنتك
نفت غالية برأسها بعدm اقتناع وصرخت بهستيرية:.

اللي حصل ده كان علشانك أنت وعلشان اديك فرصة تعوض كل اللي معرفتش ادهولك أنا عارفة أني قصرت معاك وأنت صبرت معايا كتير بس ياريت كان بإيدي علشان خاطري يا عادل بلاش تضغط على اعصابي انا مش عايزة اتعـ.ـذ.ب أكتر من كده، صدقني مش هقدر اتحمل اللي أنت بتطلبه مني...

يووووووه انتِ تفكيرك غلط، وانا يأست من عنادك ولعلمك بقى لو فضلتي على إصرارك هخالف رغبتك وهقول لبـ.ـنتك وساعتها بقى هخليها تعرف اد ايه امها ضعيفة وانانية ومبتفكرش غير في نفسها.

قالها بنفاذ صبر وهو يغادر الغرفة ويترك المنزل بأكمله دون أن يلحظ كون نادين تنكمش في أحد الزوايا و وصلها كل ما دار بينهم.
نظرت نظرة معاتبة لأثر أبيها وكم شعرت بلاستياء حينها كونه يتشاجر مع والدتها ويحـ.ـز.نها، ثم سارت خطوتين داخل الغرفة لتجد والدتها تجثو على ركبتيها بإنهزام تام وتبكي بكاء مرير جعل الدmع يتكون بعيناها أيضًا ويتهدل من سودويتاها التي كانت مفعمة بالبراءة حين غمغمت بحـ.ـز.ن:
ماما.

رفعت غالية رأسها المنكسة بضعف وكفكفت دmعاتها وفتحت ذراعها تحث ابـ.ـنتها أن تقترب، وبالفعل انصاعت لها نادين وارتمت بين أحضانها لتدثرها غالية بحب وتهمس بحنو شـ.ـديد وهي تمرر يدها على ظهرها كي تكف عن بكائها التضامني معها:
انا كويسة يا قلب ماما متعيطيش انا بس اعصابي تعبانة وبابا مُصر يفرض عليا ال...

ابتلعت باقي حديثها بمرارة وصمتت وكأن شيء اقوى منها يمنعها عن الايضاح اكثر، لتربت نادين على ذراعها بحركة حانية بريئة و ببكاء تشارك به بؤس والدتها حين استأنفت:.

هو مش قادر يفهم اني خايفة، خايفة اوي، خايفة اتعـ.ـذ.ب يا نادين أنا اتعـ.ـذ.بت كتيير اوي وكل يوم بستنى قدري يخبط على بابي، كل يوم بنام وببقى خايفة مصحاش، سامحيني يا بـ.ـنتي انا عارفة إنك اتظلمتي بأم زي بس أنا تعبت، والله تعبت ومبقتش قادرة استنى اكتر من كده.

كانت تتحدث ومع كل كلمة تتساقط دmعة حارقة من عيناها التي ذبلت من شـ.ـدة بكائها الواهن ورغم أن نادين لم تتفهم حديثها وماذا تقصد به إلا أنها كانت على دراية تامة أن والدتها ليست على ما يرام بتاتًا وانها تمر بشيء يفوق قدراتها على التحمل ولذلك تشبثت اكثر بها و قائلة ببراءة وبعيون تفيض بعبراتها وهي تمسح براحتها الصغيرة وجه والدتها:
متزعليش يا ماما أنا بحبك ومش هزعلك وبلاش تعيطي علشان انا بعيط زيك.

زاد نحيب والدتها وضمتها لها ولم يصدر منها شيء بعدها سوى تلك الكلمـ.ـا.ت التي ترجوها بها أن تسامحها وتغفر لها على شيء هي تجهله و لم تذكره والدتها قط وحين استيقظت صباح اليوم التالي علمت لمَ طلبت والدتها غفرانها.
فكان جسدها مسجي على ارضية الغرفة باستسلام غريب حين هرعت نادين لها متلهفة:
ماما نايمة ليه على الأرض.

لم يأتيها ردها بل كانت ساكنة لم يصدر منها شيء بتاتًا، لتغمغم هي من جديد بنبرة مرتعشة للغاية مغلفة بالقلق:
ماما مش بتردي عليا ليه أنتِ زعلانة مني
ايضًا لم يصدر منها شيء مما جعلها تهزها وتصيح بنبرة راجية:
ماما قومي وردي عليا، أنتِ مش بتردي على نادو ليه...! ماما...

كانت تهز بجسدها المسجي أمامها تستجدي ردها او صدور أي ردة فعل منها ولكن والدتها كانت شاحبة، جسدها كقطعة ثلج ومتيبس لحد كبير، وشفاهها تميل للزراق، فكان رؤيتها هكذا أكبر بكثير من قوة احتمال طفلة بنفس عمرها لم تستوعب بعد فكرة المـ.ـو.ت، ولذلك اخذت تمرر كفوفها الصغيرة على وجهها تزيح خصلاتها جانبا وتربت على وجنتها وهي ترجوها بنبرة هستيرية غير متزنة بالمرة:.

انتِ نايمة شوية وهتقومي تاني انا عارفة انك بتحبي نادو ومش هتهون عليكِ تسبيها قاعدة لوحدها، ماما أنا بخاف اقعد لوحدي، ماما ردي عليا و قومي اتكلمي معايا وانا مش هزعلك تاني وهخاصم بابا علشان زعلك، ماما ردي على نادو، ماما.

لا شيء أيضًا وحينها شعرت بشلالات متدفقة تسيل من عيناها دون وعي و انتابتها رجفة قوية جعلت أسنانها تصطك ببعضها وكأن كافة حواسها ادركوا الأمر إلا عقلها آبى واستنكر، لتنفي برأسها مرة وراء مرة و تردد من بين أسنانها وهي ترفع رأس والدتها مستخدmة كل قوتها كي تضعه بحجرها وتظل تربت على خصلاتها قائلة بنبرة مرتعشة غير مستوعبة من هول الفاجعة:
خلاص، مترديش ونامي هتبقي احسن...

ظلت تتمتم كلمـ.ـا.ت غير مرتبة وبعدm اتزان وهي تظن ان والدتها ستنهض بعد قليل وتنعم بدفها من جديد ولكن استمر الأمر لعدة ساعات مرو عليها بصعوبة بالغة على أمل حدوث معجزة من السماء.
في تلك الأثناء دلف عادل للمنزل وحين دخل لغرفتها وجدها تجلس على الأرض تحتضن رأس زوجته وتربت على خصلاتها بملامح شاحبة وعيون دامية تخبره بجنون وهي تضع سبابتها المرتعشة على فمها:
ششششش ماما نايمة، شوية وهتصحى.

تقلصت معالم وجه عادل من هول المنظر وهرول بلهفة ملتاعة يطالع هيئة زوجته ويلحظ علب الحبوب الدوائية الفارغة تغطي ارضية الغرفة، ليربت على وجنتها زاعقًا باسمها بهلع وبأعصاب تالفة يجس نبضها ولكن دون جدوى.
استغرق الأمر دقيقة واحدة كي يتيقن أن روحها فارقت جسدها لينهار باكيًا ويحاوط رأسه ينعي خسارته لزوجته ورفيقة دربه مغمغمًا:
ليه يا غالية ليه حـ.ـر.ام عليكِ ليه عملتي في نفسك كده وسبتيني.

كانت تشاهد كل ما يحدث بنظرات زائغة غير مستوعبة ولكن حين تفوه ابيها تأكدت أن والدتها فارقتهم ولن تنهض بعد اليوم وحينها صرخت صرخات هستيرية ممزقة لأبعد حد قطعت نياط القلب:
لأ، لأ، لا ماما مش هتسيب نادو، ماما مش هتسيب نادو مش هتهون عليها ماما
حاول عادل تهدئتها وأن يجعلها تبتعد عن جسدها ولكنها كانت تضم رأسها وترفض تركها وهي بحالة صدmة عارمة.

من شـ.ـدة وطأتها سقطت مغشي عليها وكأن عقلها قرر الفرار وأصر على إستنكار الأمر، فبعد تلك الفاجعة علمت أن والدتها تناولت جرعات كبيرة من حبوب دوائية مختلفة أدت إلى أرتفاع مفاجئ في ضغط الدm و تمزق في كافة الأوعية الدmوية مما أدي إلى وفاتها...

لتمر هي بفترة عصيبة بعدها استدعت تدخل أخصائي نفسي كي يؤهل طفلة مثلها لتقبل الأمر، ورغم انها كانت تستجيب للعلاج إلا أن ظل عقلها لا يستسيغ الحوار الذي دار بين أبويها ولم تجد تفسير له وحين سألت ابيها ذات مرة رفض أن يوضح لها واخبرها ان تلك رغبة والدتها، ولكن عنـ.ـد.ما أحضرها والدها لمنزل ثريا واخبرها بزواجه منها ظنت أن ذلك ما كان يخفيه ويحاول أن يقنع والدتها به قبل تخليها عن حياتها فمن وجهة نظرها حينها أن ابيها سبب نكبت والدتها إلا أن مع كثير من خطوات التأهيل ساعدتها كثيرًا لتخطي الأمر فكان ابيها يدللها كثيرًا و يغدقها بحنانه كي يعوضها عن ما فقدته فيظل هو رغم كل شيء أبيها وكل ما لديها ولذلك لن تنقم عليه هو بل وضعت العبء على كاهل ثريا ومن بعدها أبنها.

End Flash Pack.

عادت بذاكرتها للوقت الحالي وهي تشعر بذات الشعور الذي انتابها حينها فقد اخذت أسنانها تصطك ببعضها وتضم ركبتيها إلى صدرها ودmعاتها الملتهبة عرفت طريقها إلى وجنتها تكويها من شـ.ـدة حرقتها، تحتضن جسدها بذراعيها وتظل تتحرك بحركة غير متزنة للخلف وللأمام لعلها تطمئن ذاتها وتبث بجسدها الــســكــيــنــة والدفء التي لم تنعم به منذ رحيل والدتها ومـ.ـو.ت أبيها سوى بقربه وعند تلك الفكرة المتناقضة تمامًا بالنسبة لها وجدت عزيمتها تخور بل وتتلاشى تمامًا فرغم انه أهانها وعنفها إلا أنها تود لو أن يكون بجانبها الأن يواسيها مثل السابق ترتمي بين يديه وتستجدي ذلك القرب المطمئن لها ولكن أين هو الآن!

فقد زادها عليها وفرض عليها عزلة جبرية جعلت الذكريات تنتهك روحها.

بعد أن هاتفه ابن خالته قام بتدبر الأمر من أجله، وبعد عدة ساعات مضنية من التفكير الدؤب رفضت عينه أن تستسلم للنوم وقد انتابه حالة من الأرق الغريب بسبب تلك الأجواء التي بالخارج، فظل يتقلب على جانبي الفراش يتوسل قلبه أن يكف عن صرخاته المنافية لقرار عقله ولكن بلا فائدة ليزفر حانقًا ويتسطح على ظهره بالأخير ويتأمل سقف غرفته يسترجع بعقله تلك الهيئة التي كانت عليها، لا ينكر أن الخــــوف احتل قلبه حينها وتوجس خِيفة من ردود أفعالها ولكنه يثق انها لن تستسلم بتلك السهولة فكم تمنى أن يستشعر أي نـ.ـد.م من تصرفاتها او حديثها ولكنه لم يجد غير ذلك التمرد المعتاد الذي كان يقطر من كل كلمة تتفوه بها فهي مثل ما عاهدها دائمًا عنيدة يابسة الرأس و لا تعترف بخطئها؛ ولكن شعور دفين بداخله يخبره أنها عكس تلك القوة الواهية التي تدعيها دائمًا، ورغم دلاله المسبق وتهاونه معها و تغاضيه عن الكثير إلا انها تمادت كثيرًا تلك المرة وإلى الآن لم يجد مبرر منطقي لكل ما تفعله لوهلة تذكر جملتها حين ذكرت والدتها ولكن لم يستوعب ماذا تقصد فطالما جمعت علاقة طيبة بين والدته و والدتها حتى زواج والدته من ابيها كان بناءً على رغبة والدتها فكان كل شيء على مرأى ومسمع منه ومازال يتذكر كل شيء حدث حينها للآن،.

زفر حانقًا عنـ.ـد.ما استمع لصوت الرعد المتكرر بالخارج ليهب من فراشه ويقف يزيح الستائر القاتمة عن نافذته ويتطلع من زجاجها المغلق إلى السماء وكأنه يرجو ربه أن يرأف بها فهو يعلم أن صوت الرعد يخيفها ويصطحب معه تلك الذكرى المريرة التي مهما ادعت انها تخطتها لم تفعل فطالما كانت تصر على أبيها أن يظل بجانبها حين تكون الأجواء مشابهة ومن بعد وفاته كانت تلتصق به دون أن تبرر خــــوفها ولكنه كان يستشعر ذلك من رجفتها وشحوب وجهها،.

ظل صامد لكثير من الوقت ولكن قلبه اللعين ساقه إلى غرفتها وهو يوهمه أن نظرة عابرة لها لا تضر، وحين فتح باب غرفتها لفحات من الهواء البـ.ـاردة استقبلته ودون أن ينظر لفراشها ويتأكد من وجودها به كان يهرول نحو تلك الشرفة المفتوحة على مصراعيها كي يغلقها ولكن لصدmته وجدها متكورة داخل زاويتها بشكل مريب ينم عن كونها ليست على ما يرام ابدًا فكانت مغمضة العينين وشاحبة شحوب المـ.ـو.تى، هرول إليها صارخًا بحدة من استهتارها وهو ينحني بجذعه ويقبض على ذراعيها كي ينهضها معه:.

ايه الجنان ده بتعملي في نفسك ليه كده؟
كانت حالتها يرثى لها حين حاولت دفع قبضته عنها بإيدي مرتعشة قائلة بنبرة ضعيفة بالكاد صدرت من بين اصطكاك أسنانها:
ملكش دعوة بيا...

زفر هو حانقًا عنـ.ـد.ما تيقن ما بها وتحسس بيده جبينها فجسدها يكاد يحترق من شـ.ـدة حرارته ليلعن ذلك العند المستوطن بها ثم دون أن يمهلها وقت لاستيعاب الأمر كان يضع يده خلف ساقيها ويحملها، شهقة خافته صدرت من فمها كانت أخر شيء صدر منها قبل أن تسقط رأسها على صدره فاقدة لوعيها مستسلمة لذلك الظلام الذي باد دفعاتها و وأد أي صلة لها بالواقع.

كان يشعر أن جسدها يكاد ينصهر بين يديه وهو يضعها بالفراش و يدثرها بالغطاء ثم دون أضاعة أي وقت كان يهاتف الطبيب ويطلب منه الحضور في أسرع وقت ورغم سوء الجو بالخارج إلا أنه أتى بوقت قياسي وقام بفحصها واوصى لها بعدة عقاقير طبية تفيد حالتها، وحين غادر الطبيب جلست ثريا بجانبها بملامح متهدلة حزينة تضع قطع القماش البـ.ـاردة على جبهتها بِمحاولة بائسة منها أن تزيح تلك الحرارة الناشبة بجسدها ولكن دون جدوى، لترفع نظراتها المؤنبة له وتقول:.

الحرارة مش عايزة تنزل؟
كان يجلس هو منكس الرأس بجانب فراشها دون أي ردة فعل تذكر، لتصرخ والدته من جديد:
بقولك أتصرف الدكتور قال الحرارة غلط عليها
رفع عينه المُرهقة التي يحتلها الحـ.ـز.ن ولم يقوى على الحديث فقط توجه بخطواته نحو المرحاض الملحق بغرفتها وملئ حوض الاستحمام بالماء ثم عاد بخطواته وغمغم لوالدته:
روحي يا أمي حضريلها لقمة علشان تاكل وسبيني معاها انا هتصرف.

تناوبت نظراتها المتوجسة بين تلك المحمومة المُلقاه بحالة يرثى لها وبينه واعترضت:
مش هسيبها معاك وقسم ب الله لو حصلها حاجة عمري ما هسامحك يا يامن.

زفر بقوة وقال وهو يفرك ذقنه بتـ.ـو.تر:
أمي هي غلطت بلاش تدافعي عنها وتاخدي صفها
لتجيبه ثريا بدفاع وحماية كأي أم:
برضو ده ميدكش الحق تمد ايدك عليها وتحبسها وحتى لو غلطانة نقــ,تــلها يعني!، أنت ابني اه لكن عمري ماهسمحلك تفتري عليها دي أمانة عادل و غالية و وصوني عليها انا لو سكت؛ كنت بقول هي غلطت ومكنش ينفع تعدي اللي حصل بالساهل وكان لازم تهدى وتفكر بعقلك لكن أنت نسيت وصية أبوها وقسيت عليها.

أغمض عينه بقوة يحاول أن يسيطر على عصبيته وأخبرها بتنهيدة مثقلة بالهموم:.

أمي أنتِ عارفة أنِ عمري ما كنت مفتري و إني ضدد المبدأ أصلًا بدليل إني كنت بتحمل عجرفتها وتجـ.ـر.حاتها وبطول بالي عليها على أمل انها تتغير بس انا راجـ.ـل جبت مراتي بعد نص الليل من القسم بعد سهرة هايلة في مخور يعني رقص وشرب وما خفي كان أعظم لأ وكمان بتستغفلني وكانت هتأذيكِ بالحبوب اللي بتخدرك بيها، والله أعلم للمرة الكام اللي عملت فيها كده وبعد كل ده بتقوليلي افتريت عليها لأ انا مفترتش ولو ابوها نفسه مكاني كان هيعمل أكتر من كده.

ليكوب رأسه بين كفيه ويقول بنبرة ممزقة مثقلة بالكثير من الألــم:
انا من ساعة ما ابوها وصاني عليها وانا حاسس إني شايل هم الدنيا كله فوق كتافي وانا تعبت ومش عايز حاجة غير إني ارتاح.

تنهدت ثريا ونهضت من جلستها تربت على ظهره بعدmا فرت دmعاتها حصرتًا عليهم ثم دون أضافت المزيد توجهت للمطبخ بينما هو رفع رأسه ينظر لموقع رقدتها بتنهيدات حزينة مثقلة تنعي حظ قلبه، ثم دون إضاعة أي وقت كان يقترب منها و ينحنى بجزعه عليها يجفف بيده حبات العرق المتلألئة على جبينها و يضع يده تحت ساقيها والأخرى بظهرها، ويحملها لتسقط رأسها و تتراخى يدها تتأرجح في الهواء بين يده و تأن بخفوت وتهمهم بعدة كلمـ.ـا.ت لم يفهم منها شيء سوى منادتها لوالدتها.

ليزفر مرة أخرى من صحة يقينه نحوها ويتوجه بها للمرحاض وهو يشعر أن قلبه يكاد يحترق معها.

وضعها داخل حوض الاستحمام بعناية شـ.ـديدة لتشهق هي بخفوت وتأن بوهن و تتشبث بذراعه بقوة و تغمغم بضعف:
بردانة يا يا، من
زفر أنفاسه دفعة واحدة عنـ.ـد.ما صدر أسمه من بين شفاهها بتلك الطريقة المتوسلة المحمومة ثم مال بجذعه عليها وجلس على حافة حوض الاستحمام يحاوطها بيد كي يدعم جلستها و باليد الأخرى يزيح خصلاتها القصيرة عن وجهها قائلًا بأهتمام رغم كل شيء:
هتبقي كويسة...

ظلت تهز رأسها بضعف وتقاوم كي يخرجها من الماء ولكن لم ينصاع لها بل كان يغمر جسدها بالماء أكثر مما جعلها تتشبث به بقوة أكبر وهي تجهش ببكاء واهن إن دل على شيء دل على هشاشتها التي تتوارى دائمًا خلف رداء التمرد والقوة التي تدعيها، كوب وجنتها بكف يده وتمتم بنبرة مهزوزة بعض الشيء تأثرًا بهوانها وهو يمسح بإبهامه موضع سريان دmـ.ـو.عها:
بلاش بكى، هتبقي كويسة
نظرت له نظرة ضعيفة منكـ.ـسرة.

لأبعد حد يقسم انها المرة الأولى التي يراها بعينها فقد ألــمت قلبه و.جـ.ـعلته يشعر ب أعاصير تضـ.ـر.ب دواخله من وطأتها، فهو يعلم انه قسى عليها ولكن لن يغشم حاله هي تستحق وهو ليس نادm على ردة فعله بل مازال غاضب حد الجحيم من فعلتها ولكن سيجبر ذاته أن يضع كل هذا جانبًا الآن إلى أن تتحسن حالتها، دام تواصلهم البصري عدة ثوانٍ قبل أن تغلق عيناها ويخور جسدها وتسقط رأسها على صدره، لم يتحرك هو بل ظل مستكين على وضعيته الغير مريحة بالمرة من أجلها و لمدة عدة دقائق وحين.

شعر أن حرارتها قد انخفضت بعض الشيء أنتشلها من المياه وأجلسها على ساقيه وهو يستند على سور حوض الاستحمام، تعلقت هي بعنقه وهي بين الوعي ولا وعي ليتناول هو أحد المناشف ويجفف خصلاتها ثم يخبرها:
لازم تغيري هدومك.

أومأت له بضعف وبعيون مسبلة بأرهاق جعلته يلعن تحت أنفاسه وهو يتمنى لو يتبرأ من ذلك العاصي بين أضلعه الذي يطـــعـــن به ويخبره أن يرأف بها ليزفر أنفاسه على دفعات متتالية كي يستعيد رباط جأشه ويحملها من جديد ولكن تلك المرة لم تتأرجح يدها في الهواء بل تعلقت بعنقه وأرجحته هو بين غـــضــــبه منها ومن فعلتها وبين قلقه وخــــوفه عليها وهي بتلك الحالة، ليجد ذاته يزفر حانقًا مرة آخرى وكأن تضيق به أنفاسه ثم نظر لأعلى وكأنه يناجي ربه أن يرأف بنكبة قلبه ويعينه عليها.
لم أُحبك يومًا لأن أيامي تجري بشكلٍ جيد، أو لأن في حياتي فراغًا بشكل أو بآخر. أحببتك بأكثر أيامي إحباطًا، أحببتك بمُنتصف يأسي، وفي إزدحام يومي، ومن بين جميع أفكار عقلي، كنت أنت دائمًا حيلتي الوحيدة التي أتمسك بها لأنجو من هلاك أفكاري.

ودعته بنظرات تفيض بمكنون قلبها لعله يشعر بها ويشاركها إياها ولكنه كان ثابت بشكل حقًا احبطها و.جـ.ـعلها تظن كونه متلبد المشاعر غافلة أنه يجاهد ذاته من أجلها،
فكانت تسير بخطوات بطيئة وهي ساهمة تستعيد تلك اللحظات الرائعة التي كانت بها برفقته داخل رأسها لولآ صوت أبيها الذي أجفلها:
كل ده تأخير يا بـ.ـنتي
أنتبهت لحديثه ونظرت لموقع جلسته على ذلك المقعد الوثير بزوايا الردهة وردت بنبرة آسفة وهي تسير نحوه:.

اسفة يا بابي الوقت عدى بسرعة ومحستش بيه
تنهد فاضل وقال بحنو:
هدومك مبلولة من المطر طبعًا مش هتبطلي بقى العادة الغريبة دي، أنتِ خلاص كبرتي
نفت برأسها بمشاكسة وجلست على أحد المقاعد بجواره قائلة:
لأ أنا مش هكبر ابدًا
قهقه فاضل وشاكسها:
ازاي بقى ده انتِ بقيتي عروسة وبعدين افرضي اتجوزتي جوزك يقول ايه جوزناه عيّله.

رفعت ميرال منكبيها وأخبرته بنفس النبرة المشاكسة التي جعلت أبيها يشعر بالسعادة كونها استعادت بسمتها ومشاكستها من جديد:
طب لعلمك بقى يا سي بابي أنا مش هتجوز غير راجـ.ـل بجد يعرف يحتويني بكل حالاتي، ويشاركني فيها كمان، أصل انا مش عايزة راجـ.ـل ينتقدني ويقلل من أي حاجة بعملها بالعكس عيزاه يبقى فخور بيا و بأتفه انجازاتي
لتتنهد تنهيدة حالمة وهي تتذكر ذلك المتلبد صاحب البندقيتان وتضيف:.

والاهم من كل ده يكون بيحبني.

ربت فاضل على كتفها وقال بحنو شـ.ـديد داعيًا:
ربنا يصلح حالك يا بـ.ـنتي و يكرمك بالزوج الصالح، عارفة يا ميرال أنا نفسي اشوفك مبسوطة وعندي أستعداد اعمل علشانك أي حاجة في الدنيا بس أشوف ضحكتك دي على طول
اتسعت بسمتها وقالت وهي تنهض تميل عليه و تحتضنه:
ربنا يخليك ليا يا بابي وميحرمنيش منك
=ده ايه الحب ده كله؟
قالتها دعاء متهكمة وهي تنضم لهم، لتخبو بسمة ميرال وتقول وهي تخرج من احضان ابيها:.

تصبح على خير يا بابي
احتدت نبرة دعاء وقالت متهكمة من تجاهلها لها في الآونة الأخيرة:
إِذا جاءت الملائكة فرت الشياطين ولا ايه يا ميرال...
حانت من ميرال بسمة ساخرة وأخبرتها وهي تتخطاها كي تصعد لغرفتها:
لو تقصدي نفسك بالشياطين فعندك حق، تصبحي على خير
نظرت دعاء لآثارها بغـ.ـيظ وقالت بحدة لزوجها:
عجبك كده، خليك مدلعها ومقويها.

هز فاضل رأسه بعدm رضا وأخبرها بدفاع قوي نابع من عاطفته الأبوية:
دي بـ.ـنتي الوحيدة اللي طلعت بيها من الدنيا يا دعاء ومعنديش أغلى منها علشان ادلعه
=يوووه بقى، ما أنا كان نفسي اجبلك بيبي و اتحايلت عليك ألف مرة نروح للدكتور سوا نعرف المشكلة فين وانت اللي مش راضي
أغمض فاضل عينه بإنفعال من إصرارها المقيت التي لا تكف عنه وقال بحدة قبل أن ينسحب هو أيضًا ويصعد لغرفته:.

احنا اتكلمنا كتير في الموضوع واخدنا في قرار نهائي واظن ان ده كان واحد من شروطي قبل الجواز وانتِ وافقتي عليه ياريت بقى تقفلي السيرة دي ومتتكلميش فيها تاني.

دبت الأرض بقدmيها وزفرت بقوة وهي تنظر لظهره وهو يبتعد عنها، فرغم أنها تملك سُلطة عليه و تتمكن بسهولة من إقناعه بأي شيء إلا أن ذلك الأمر فشلت به فشل ذريع فكلما تطرقت لهذا الأمر يرفض رفض قاطع دون سبب مقنع بالنسبة لها و رغم عطائه السخي معها إلا أن هيأ لها شيطانها أن تطمع في المزيد، لتهمس بعيون تلمع بوميض الخبث:
مش هيأس يا فاضل ومش هخلي بـ.ـنتك تكوش على كل ده لوحدها.

أما عن صاحب القلب الثائر التي أنهكته تلك المتمردة فقد كان يسير بها إلى تلك الاريكة القريبة كي يضعها عليها بشكل مؤقت لحين استبدال ملابسها تحسبًا لعدm بل الفراش وقبل أن يضعها قال بأهتمام:
هنادي ماما تساعدك
نفت برأسها التي تستقر على صدره بوهن وبعيون مغلقة وهي تتشبث به أكثر دليل على رفضها مما جعله
يتنهد بعمق ويقول وهو يجلسها برفق دون أن تحل هي يدها عن عنقه:
أنا مش هعرف اتصرف.

نفت هي مرة أخرى وكادت تجهش بالبكاء وتزوم بطريقة جعلته يشعر بالضيق من تيبس رأسها فما كان منه غير أن ينسل من بين يدها ويذهب كي يحضر ملابس جافة لها، وقبل أن يباشر بالأمر أغلق إضاءة الغرفة كي لا يشعرها بالحرج فيما بعد، ولكن كان الأمر ليس بيسير عليه مطلقًا فنعم العتمة كانت تخيم على الغرفة وتحجب رؤيته ولكن ماذا عن شعوره بملمس جسدها تحت يديه وماذا يفعل بتلك القشعريرة التي اجتاحت جسده ونشبت به نيران مستعرة تفوق حرارة جسدها بمراحل عدة فكان الإرتباك يسيطر عليه وحتى أنفاسه اضطربت حين داهمته الكثير من الأفكار العابثة، ولكنه كان يجاهد كي لا تخور ارادته نحوها لدرجة انه انهى ما يفعله بوقت قياسي ونهض بعدها يضيء الإضاءة مرة أخرى زافرًا بـ.ـارتياح وهو يغلق عينه بقوة كي يستعيد رباط جأشه ويحملها مرة أخرى كي يضعها على الفراش وحين فعل دثرها جيدًا بالغطاء وقبل أن يقرر أن يبتعد عن هالتها باغتته هي وتمسكت بيده الممسكة بحافة الغطاء، تصلب جسده من فعلتها و وقف يتناوب نظراته بين يدها الممسكة بخاصته وبين عيناها التي بالكاد تكاد تفتحهم، ودون أن يصدر منها شيء وجد نفسه يطمئنها وكأنه يعرف ما تود قوله:.

هغير هدومي علشان اتبلت وارجعلك.

افلتت يده وهزت رأسها بحركة ضعيفة واغلقت عيناها وغفت من شـ.ـدة وهنها بينما هو تنهد تنهيدة مثقلة بالكثير وغادر إلى غرفته كي يبدل ثيابه، وحين عاد لغرفتها من جديد و جد والدته تجلس بجوارها وهي تتمتم بالدعاء لها بصدق نابع من صميم قلبها، تحمحم هو وأخبرها بهدوء وهو يرمق تلك التي تسقط في سبات عميق:
بقت أحسن
أومأت ثريا وأخبرته بصوت خفيض كي لا تقلقها:.

السخونية نزلت شوية الحمد لله بس كان نفسي أأكلها حاجة تسند قلبها وهي يا حبة قلبي غرقانة في النوم ومش هاين عليا اقلق منامها واصحيها
هز رأسه بتفهم وقال:
إن شاء هتبقى احسن لما تصحى ليدلك مؤخرة عنقه ويقول بنبرة رغم ثباتها إلا ان ثريا تيقنت ما يغوص بها من قلق يحاول أن يخفيه:
تقدري تروحي ترتاحي يا ماما انا هقعد جنبها
كانت تعلم أن ابنها يجاهد ذاته من أجل تلك الغافية ولذلك لم تعترض بل وافقت قائلة:.

ماشي يا حبيبي ولو احتجت حاجة نادي عليا
ابتسم بسمة عابرة وأومأ لها، لتتركه والدته و يجلس هو على المقعد بجانب فراشها ينظر لها أثناء نومها بنظرات عميقة وبتنهيدات حارقة يستغرب تلك البراءة التي تشع من ملامحها الآن وتنافي أفعالها فمن يراها بتلك الهيئة الملائكية ينخدع بها مثله تمامًا.
وأثناء شروده ومداهمة أفكاره تململت هي بوهن وسعلت عدة مرات قائلة بضعف:
عطشانة.

هب واقفًا وملأ كوب من الدورق الذي يعتلي الكومود وناولها إياه
ولكنها حاولت ان تعتدل وفشلت، جلس بجانبها ومد ذراعه خلف ظهرها يرفع جسدها قليلًا كي يدعم جلستها بيد وباليد الآخرى قرب كوب الماء من فمها لترتشف هي منه وعيناها الواهنة معلقة عليه وإن أنتهت وضع الكوب على الكومود وسحب يده من خلف ظهرها كي يمددها من جديد ولكن كان لها رأي آخر فقد مالت برأسها على صدره وتشبثت بكتفه وقالت بنبرة متعبة شـ.ـديدة الأحتياج:.

خليك جنبي
تجمدت نظراته من طلبها ورد بنبرة هادئة نسبيًا خالية من أي لين وهو يظن أنها حيلة آخرى من حيلها الملتوية للتأثير عليه غافل كون أحتياجها صادق غير مصتنع:
ارتاحي يا نادين أنتِ تعبانة ومش في وعيك.

لم تستوعب حديثه وكانها بعالم آخر ولم تعي لشيء سوى قربه فقد رفعت نظراتها المسبلة الواهنة التي بالكاد تفتح وأخذت تنظر له بطريقة جعلته يلعن تحت انفاسه المضطربة فهو يعلم أنها ستلقي بثباته عرض الحائط وخاصةً أن ذلك الخائن بين أضلعه مازال يتأثر بها و يطـــعـــن به من أجلها؛ فحقًا كان الوضع مربك وخاصةً عنـ.ـد.ما صدر منها تلك الهمهمـ.ـا.ت الخافتة التي تتوسله بها و وخزت قلبه فنعم، يعشقها، بل مهوس بها رغم بشاعة افعالها ولكن عزة نفسه وكبريائه كرجل أقوى من رغبته ومن ارادة ذلك اللعين الذي يود أن يتبرأ منه لذلك دفعها عنه برفق وقال بنبرة ثابتة جاهد كي يتقنها:.

مش عايز...
كانت هي رغم وهنها وكونها ليست بكامل وعيها إلا أنها أصرت عليه وترجته بضعف من جديد وكأنها كغريق يتعلق ب طوق نجاة:
خليك علشان خاطري
تعلقت بُنيتاه الثائرة بعيناها وهو يقسم انه لن ينخدع مرة أخرى وحاول بكل ما اوتي من قوة ان لا يضعف ويظل يقاوم تأثيرها عليه ولكن تفاقم الأمر وزاده ارتباك حين همست بأسمه بتلك الطريقة التي تعبث بثباته بعدmا مدت يدها تحاوط خصره:
يامن، خليك.

تثاقلت أنفاسه وطلب منها بإضطراب وهو يحل يدها قبل أن يفقد سيطرته:
نادين، انتِ مش في وعيك
لم تستوعب حديثه وكأنها بعالم آخر بين الوعي ولا وعي فقد مالت أكثر وأكثر حتى أختلطت انفاسها المحمومة بأنفاسه الثائرة وهمست من جديد:
متسبنيش انا محتجاك.

أغمض عينه بقوة وزادت وتيرة أنفاسه حين ثبتت هي جبهتها على خاصته ولامست شفاهه مما جعله لم يستطيع الصمود أكثر امام هالة فتنتها فقد فر ثباته وتلاشت عزيمته وتوارى عقله وما يحويه من غـــضــــب لدقائق وهو يشعر بشفاهها الدافئة تتحرك بنعومة على خاصته تقبله قبلات سطحية متقطعة وبين كل واحدة وأخرى كانت تهمس بأسمه راجية.

ودائمًا وابدًا عنـ.ـد.ما يتعلق الأمر بها لا يضمن ذاته فكيف الصمود أمام هالة فتنتها، ليجد ذاته يلبي رغبتها ولكن على طريقته فقد جذبها إليه من مؤخرة رأسها وتناول شفاهها الدافئة بنهم شـ.ـديد وبطريقة قاسية وكأنه يود أن يـ.ـؤ.لمها كما آلمته حين خذلته ولكن عنـ.ـد.ما آنت متألــمة داخل فمه أخذت قبلته منحنى أخر فتباطأت حركة شفاهه بتناغم شـ.ـديد وبحميمية جعلتها تذوب بين يديه وتبادله وهي مغيبة تحت وطأة هيمنته الطاغية عليها، ليجذب جسدها المحموم له بتملك شـ.ـديد و يغرس يده بين خصلاتها وأخذ يداعب بأنامله فروة رأسها بحركات حسية جعلتها تأن مستمتعة بين شفاهه التي تدعم تلك الرغبات الدفينة بها لتتعلق بعنقه وتتشبث به بقوة وكأنها تخبره بطريقة حسية أن لا يبتعد مما جعله يتعمق بقبلته أكثر فأكثر وكأن رحيق شفتيها هو ترياقه الوحيد؛ فكانت لحظات مميزة غاصو بها في أنهار جارفة من المشاعر التي تستثير الحواس الكامنة.

فقد شعر هو بناقوس الخطر يدق عقله ويخبره أنه سيفقد سيطرته إن استمر الوضع أكثر لذلك فصل قبلته بأنفاس مضطربة لاهثة بالكاد يستطيع تنظيمها واستند بجبهته على منحدر أنفها ثم مرر إبهامه على شفاهها المنتفخة أثر قُبلته قائلًا بتحشرج وهو يرى تبعثرها:
بتعملي فيا كده ليه حـ.ـر.ام عليكِ؟

لم يصدر منها شيء مما جعله يتفهم ما أصابها ليجذب رأسها تتوسد صدره العريض ويسند ظهره للخلف ساحبها معه يحاوطها بيد وباليد الآخرى يمررها بين خصلاتها القصيرة بحركة حسية مطمئنة جعلتها تغفى من جديد بين يده بينما هو كان لا يصدق كل ماحدث للتو وظل يكرر المشهد برأسه لعدة مرات إلى أن غلبه سلطان النوم هو ايضًا.

صباح يومً جديد داخل الحرم الجامعي
كانت تخطو بخطى واسعة نحو كافتيريا الجامعة كي تجلب أي شيء يساعدها على التركيز في بادئ ذلك اليوم العصيب المليء بالمحاضرات ولكن اوقفها صوته:
أنسة نغم
توقفت ترمقه بنفور ظهر بَين على ملامحها وهدرت بجدية شـ.ـديدة:
أفنـ.ـد.م
تحمحم طارق بحرج من جديتها الزائدة وسألها:
كنت هسألك على نادو أصل من فترة حصل مشكلة وكلنا قلقنين عليها.

جعدت ما بين حاجبيها وهي تضم كُتبها إلى صدرها واستفسرت بقلق:
مشكلة ايه؟
= طب ممكن نقعد واحكيلك اللي حصل
أسفة مش بقعد مع حد اتكلم وخلصني
أخبرها طارق بما حدث ولكن بالطبع أخفى الجزء الذي يخصه فمنذ ما حدث وهو يكاد يجن و يحاول التواصل مع نادين بشتى الطرق لكن بلا جدوى حتى انه توصل به الحال إن يمكث أمام منزلها لعله يلمحها فقط ولكن كافة محاولاته باءت بالفشل.

وكونه يعلم أن جميع أفراد شلتهم لا أحد يكترث لها ولا يجرؤ للذهاب لمنزلها خــــوفًا من ردة فعل ذلك الغـ.ـبـ.ـي ولذلك لم يكن أمامه غير الشيخة نغم كما يطـ.ـلقون عليها:
هتساعديني نطمن عليها
نظرت له شذرًا من أعلاه لأخمص قدmه وقالت بجدية شـ.ـديدة:
أكيد أنتو اللي اقنعتوها تخرج معاكم وبسببكم حصل كل ده
نفى برأسه قائلاً:
لأ، أنتِ فاهمة غلط
قاطعته هي بنبرة آمرة وهي ترفع سبابتها بتحذير:.

مش عايزة اسمع حاجة وابعدوا عنها نادين مش شبهكم، وانت بالذات ملكش دعوة بيها نادين مكتوب كتبها وجوزها بيحبها وصدقني كل اللي بتعمله ده مفيش منه فايدة
هز رأسه يسايرها وهو يدعي البراءة:
صدقيني مفيش حاجة بيني وبينها بس هي زميلتنا ولازم نطمن عليها، ارجوكِ بلاش تفهميني غلط
زفرت بنفاذ صبر وأخبرته قبل أن تغادر:
كنت بتمنى اكون فهماك غلط بس للأسف نواياك فضحاك وباينة في عينك.

نفخ أوداجه وزفر بنفاذ صبر مما جعلها تخبره بحدة وبذات النبرة الآمرة:
ياريت تطلعها من دmاغك و تدور على حد شبهك
لتغادر هي تاركته يجلس على اقرب مقعد ويخرج هاتفه وينقر على شاشته إلى أن توصل لشيء بعينه، لتنمو بسمة آملة على محياه ويصر أكثر على ما برأسه فلن يبتعد مهما كلفه الأمر وحتى إن ضاقت به السُبل فا هو يملك بين يديه دليل قاطع كونها تخصه هو.

رفرفت بأهدابها الكثيفة وأفرجت عن سوداويتها ببسمة حالمة أفترت عنها شفاهها قبل أن تشعر بشيء يعيق حركتها و بأنفاس دافئة تداعب جانب وجهها، مالت بنظراتها قليلًا لتجده يغط في سبات عميق بجانبها و يدفن أنفه بين خصلاتها جحظت عيناها وتعالت وتيرة انفاسها عنـ.ـد.ما لاحظت ما ترتديه واتت ومضات متقطعة من ليلة أمس أمام عيناها، لتشهق بخفوت وتتحسس شفاهها بصدmة عارمة فكم ظنت انه حلم ليس أكثر، لتلعن ذاتها وتلعن كل شيء، تقسم أنها لا تعلم ما أصابها ولا تعلم لمَ طلبت منه أن يظل بجانبها حتى مبادرتها لا تجد لها تفسير بتاتًا كل ما تعلمه أنه يشتتها ويجعلها تتأرجح بين أنتقامها وذلك الشعور الغريب التي إلى الآن تستنكره، فكانت شاردة تسترجع كل ما حدث بوجه يشتعل لا تعرف هل من خجلها أم غـــضــــبها غافلة عن حبات قهوته التي كانت تشملها لبضع ثوان قبل أن يتحمحم بنبرة صوته المميزة المتحشرجة بعض الشيء بسبب نومه:.

أنتِ كويسة
نظرت له ببهوت وهي مازالت ساهمة ليمد انامله يتحسس جبينها ويقول بـ.ـارتياح حاول ان يخفيه عنها:
مفيش حرارة
ليعتدل بنومته ويسألها بثبات وهو يتعمد أن لا يتطرق لمَ حدث بينهم كي لا يخجلها:
حاسة انك احسن
ابتلعت غصة بحلقها وردت عليه بأخر شيء توقعه منها وهي تجلس نصف جلسة:
هو أيه اللي حصل انا مش فاكرة حاجة
تعمدت أن تتصنع جهلها مما جعله.

يجعد حاجبيه ينظر لها يظن انه يهيء له ما سمع ولكن لكونه يعلمها تمام المعرفة تفهم أسباب ادعائها.
لم تنتظر حتى رده واستأنفت وهي مطرقة الرأس كي تغير سير الحديث بنبرة مازالت تحمل لمحة من ذلك التمرد اللعين:
أنا عارفة إن اسبابي عمرها ما هتقنعك، بس عايزاك تعرف ان مكنش قصدي أأذي مامتك.

يعلم أن لا فائدة منها فرأسها يابس ولن تتغير على أي حال، ولكن شيء ما بداخله كان يخبره أن يوجد سبب خفي وراء أفعالها وترفض البوح به، وحتى إن باحت فذلك لم يغير شيء فخطئها فادح بالنسبة له مهما كان أسبابه وبالطبع يصعب عليه أن يمرره بتلك السهولة فإن كانت تظن أن تقاربهم ليلة أمس سيؤثر عليه ويجعله يتغاضى فحتماً هي مخطئة، فقد تنهد بعمق وهو يشملها بطريقة مبهمة لم تستشف هي منها شيء إلا حين تفوه قائلًا:.

وفري اسبابك لنفسك علشان مستحيل اصدقك تاني ولو كنتِ فاكرة إن بطريقتك دي هتخلينى نرجع زي الاول فأنتِ غلطانة
رفعت سودويتها المشتتة له وإن كادت تتفوه مدافعة عن ذاتها باغتها هو بصرامة وبنبرة ثابتة وهو يوليها ظهره ويجلس على طرف الفراش ويسند مرفقيه على ساقيه:
قراراتي مش هرجع فيها...
لتعترض هي بتمرد وبنبرة اندس بين طياتها لمحة من العتاب الخفي:.

بس أنت عـ.ـا.قبتني ومديت أيدك عليا لأول مرة واظن ده كفاية علشان تثبت سُلطتك عليا...
زفر حانقًاوأخذ يفرك ذقنه ثم التفت ينظر لها نظرة مبهمة أربكتها و.جـ.ـعلت عيناها تغيم وهي تبحث عن دفء عيناه ولكن لم تجد شيء غير الجمود الذي جمد أطرافها حين قال وهو يهب واقفًا دون أي لمحة تهاون واحدة:.

مش أنتِ اللي تقرري وأي حاجة صدرت مني نحيتك فكانت رد فعل منطقي لمصايبك أنا عمري ما كنت همجي معاكِ وطول عمري بحترمك وعمري ما فكرت اهينك بس انتِ اللي أضطرتيني لكده وخرجتني عن شعوري.

ذلك أخر شيء تفوه به قبل أن يغادر تاركها تنظر لأثره بملامح بائسة حزينة بسبب تبريره للأمر حتى أنه لم يمهلها وقت كافٍ ليستمع لردها التي عجزت عنه فكان من المفترض أن تثور عليه لتوها لتعنيفه لها وتنقم عليه أكثر ولكن شيء ما بداخلها كان يود شيء أخر، حقًا لا تعلم ما أصابها فهي مشتتة ضائعة لا تعلم أين الصواب أتتمرد عليه من جديد وتنقم عليه وتظل تتمسك بهواجس عقلها أم تنصاع لأنين قلبها و تصرخ بكل صوتها وتطلب منه أن يغفر لها خطيئتها، حقًا هي في حالة صراع ترثى لها ولكن يا ترى متى ستتوقف تلك الحرب الطاحنة التي تفتك بها.

أما عنه فقد اقنعها بصعوبة بالغة أن لابد من العودة وقطع عطلتهم لأسباب تخص العمل فقد تعذر عليهم التواصل معه لذلك لجئوا ل يامن بالنيابة عنه وأخبره بضرورة حضوره لمقر الشركة، نعم كذب عليها ولكن ليس أمامه خيار أخر فقد وعدها أن يعوضها فيما بعد ورغم انها غاضبة منه إلا انه لم يلقي لها بال الآن فكان كل ما يشغله هو الآخرى التي تجرأت على فعل ذلك به، وهاهو يصل تحت بنايته للتو ويتوعد لها أشـ.ـد الوعيد حتى انه صفع باب سيارته وأخذ يدك الأرض تحت قدmه، و حين فتح باب شقته بمفتاحه زعق بهياج شـ.ـديد:.

ررررررهف أنتِ فين يا هانم
ررررررررررهف.

لم يأته رد مما جعله يستشيط أكثر ويخطو نحو غرفتها ولكن لم يجدها ليخطو نحو غرفة أطفالة وهو يزعق بأسمائهم أيضًا ولكن بلا جدوى فكان كمن أصابه نوبة هلع لتوه حين أخذ يبحث في كل أنش بالشقة ولم يجد لهم أي أثر، هاجس عابر اتى برأسه وكم تمنى أن يكون كاذبًا ولكن لسوء نكبته لم يجد أثر لأغراضهم ايضًا. تنبأ عقله أن من كان يستخف بقدراتها قد تركته وبكامل إرادتها لا والأنكى أنها سلبت منه أطفاله وكافة ماله، وحينها تصلب جسده وجحظت عيناه بصدmة عارمة غير مستوعب أن رهف المنكـ.ـسرة، الضعيفة خاصته استطاعت أن تتركه فطالما كان يثق في قلة حيلتها ولكنها حقًا افحمته بفعلتها.

التي لم يتوقع حدوثها في أسوء كوابيسه، فما كان منه غير أن يعدو للخارج وهو يقسم أنه لن يدعها تتخلص منه بتلك السهولة وتسلبه كل شيء فلابد أن يجدها مهما كلفه الأمر.

صباح الخير يا بـ.ـنتي
قالتها ثريا وهي تدلف لغرفتها وبيدها صينية الطعام،
في بادئة الأمر استغربت نادين كونه لم يوصد الباب كعادته ولكن ثريا اوضحت لها وهي ترى نظراتها مُسلطة على الباب:
متقلقيش مش هيحبسك تاني أنا حلفت عليه وهو وعدني
لتستأنف وهي تجلس مواجهة لها على الفراش وتضع الطعام أمامها:.

والله يا بـ.ـنتي كان على عيني انا غُلوبت معاه بس أنتِ عارفاه على أد حنيته على أد ما زعله وِحش ولما بينشف دmاغه مفيش حد بيعرف يقف قصاده
كانت نادين تطالعها بنظرات مشـ.ـدوهة تستغرب أنها تحدثها دون أن تبدي سوءها من فعلتها، ولكن ثريا أخبرتها وهي تدس بفمها ملعقة الحساء:.

أنا عارفة انك غلطانة وغلطتي في حقي بس أنا مش هعاتبك دلوقتي انتِ دلوقتي في مِحنة ولازم ابقى جنبك، هستنى لما تشـ.ـدي حيلك علشان ت عـ.ـر.في تقنعيني بأسبابك...
ابتلعت ما بفمها وقالت وهي منكسة الرأس بحرج:
مكنش قصدي أأذيكِ أنا...
قاطعتها ثريا وهي تدس قطعة من لحم الدجاج بفمها:
قولتلك هنتعاتب بعدين، المهم دلوقتي انك تاكلي علشان تاخدي العلاج و تشـ.ـدي حيلك.

أومأت لها نادين بطاعة لم تكن ابدًا من شيمها، وهي تحاول جاهدة أن تتغاضى عن أفعالها الحانية التي توقد تلك النيران المتأكلة بضميرها.

بتقولي ايه يا نادين معقول؟
هدرت بها نغم بتعجب بعدmا ذهبت لزيارتها ولكن بالطبع لم تخبرها أن طارق هو من حثها على ذلك، لتؤكد نادين:
بقولك انا اللي بادرت وخليته يبـ.ـو.سني يا نغم أنا مش عارفة عملت كده ازاي أنا مكنتش في وعي وهو استغل تعبي
تنهدت نغم وأخبرتها بعقلانية:.

يا بـ.ـنتي ده جوزك، هو اه مش مستحب لكن يحل ليه وبعدين بلاش تقولي استغل ضعفك وتعبك هو ممكن مشاعره اللي خلته يعمل كده انتِ عارفة انه بيحبك وبعدين ده راجـ.ـل يا نادين وليه طاقة بلاش تظلميه ما انتِ بقالك سنين عايشة معاه في بيت واحد عمره ما فكر يلمسك من غير إرادتك
لتتذمر هي بعدm اقتناع:
يووووه بقى مش عارفة انا من ساعتها وانا هتجن
= اهدي يا نادين واحمدي ربنا انه ماقــ,تــلكيش بعد عملتك السوده دي.

تنهدت نادين وأخبرتها وهي تمرر يدها في خصلاتها:
بس هو مقصرش معايا ودغدغ العربية والتابلت وخد التلفون ومد ايده عليا ده حتى ما أعتذرش بعديها ولا هان عليه يقول أنه غلطان
لتجيبها نغم بكل واقعية:
هو فعلًا غلط وضـ.ـر.ب الزوجة حـ.ـر.ام شرعًا بس كمان عدm طاعتك ليه ومخالفة أوامره حـ.ـر.ام...
وبعدين خليكِ واقعية شوية وا عـ.ـر.في أن أي راجـ.ـل مكانه كان عمل كده متنسيش اننا في مجتمع شرقي والرجـ.ـا.لة فيه دmها حامي.

هزت نادين رأسها وتلك المتمردة بداخلها تتولى الرد عنها:
بس ده مش مبرر مقنع بالنسبالي، كان يقدر يعـ.ـا.قبني بألف طريقة إلا انه يمد ايده عليا
زفرت نغم بقوة وأخبرتها و هي تعكس الأمر وتوضح الصورة لها:
وأنتِ كمان كان في ألف طريقة علشان تكسبيه بيها، بس انتِ كنت بتستهتري وبتعاندي لمجرد العند، وهو كان بيتحملك وبيطول باله عليكِ.

تقدري تقوليلي ايه اللي كان غـ.ـصـ.ـبه غير انه بيحبك و اوعي تقوليلي فلوسك، فلوسك دي ملهاش قيمة قصاد كبريائه كالراجـ.ـل ولا قدام أذية امه بسببك أنا لغاية دلوقتي مش قادرة اصدق انك عملتي كده
لوحت نادين وعارضتها:
يوووووه بقى أنتِ متحاملة ليه عليا، قولتلك مكنتش عايزة أَأذيها، شكلي انا اللي غلطانة إني حكتلك من الاساس وبعدين يا شيخة نغم لو انا وِحشة كده مصحباني ليه ما تقطعي علاقتك بيا وتريحي نفسك.

نظرت لها نغم نظرة معاتبة لأبعد حد وردت بعقلانية وهي تكاد تنهض و تنوي المغادرة:
عارفة أنا كل مرة أقول أيه اللي مصبرني عليكِ ومخليني أصحبك لغاية دلوقتي رغم كل البلاوي اللي اعرفها عنك، بس بقول يمكن ربنا عايزني أفوقك يا نادين وابقى مرايتك اللي اعريكِ قدام نفسك، انا نفسي تبطلي تتحاملي عليه وعلى الست الطيبة اللي ربتك هما مش سبب نكبتك يا نادين وملهمش دخل بالأفكار اللي في دmاغك.

زفرت نادين بضيق وغامت عيناها وهي تتمسك بذراعها تمنعها قائلة بنـ.ـد.م حقيقي:
آنا آسفة يا نغم والله مش قاصدي أزعلك أنتِ عارفة إني مش برتاح غير ليكِ، لتفر دmعاتها وهي تسند ظهرها على جذع الفراش وتقول بتشتت وضياع طفلة فقدت أبويها ولا تعلم أين سبيل آمانها:.

انا مش عارفة مالي متلخبطة وتايهة علشان خاطري بلاش تزعلي مني، انتِ معاكِ حق، وانا عارفة بس غـ.ـصـ.ـب عني بلاقي نفسي بعاند، بكره تحكمـ.ـا.ته بكره سُلطته عليا، فكرة أنه مفروض عليا دي بتخليني عايزة اهرب، وأخرج عن المألوف ديمًا، وحتى لما بعاند معاه كان بيكـ.ـسرني ويفرض سُلطته عليا وعمره ما سأل نفسه انا بعمل كده ليه، انا موافقاكِ على كل حاجة بس هو سبب نكبتي فعلًا هو و الست الطيبة اللي انتِ تقصديها سبب مـ.ـو.ت أمي، لتشهق ببكاء مرير وتضيف بنبرة مختنقة تدmي القلب:.

الست دي كانت اقرب واحدة لأمي ومع ذلك غدرت بيها و ضحكت على ابويا وطمعت فيه لنفسها واتجوزته لو مكنتش هي عملت كده مكنش زمان امي مـ.ـو.تت نفسها، ومكنش زمانها سابتني ولا اتخلت عن حياتها
فرت دmعات نغم بتضامن معها وقالت وهي تجلس من جديد بجانبها ولكن تلك المرة تحاوطها وتربت على ظهرها قائلة بمواساة:
ده قدرها وآجالها كده وربنا سبحانه وتعالى قال: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدmون).

ادعيلها بالرحمة وأنسي كل اللي فات وابدأي صفحة جديدة مع نفسك وبصي لحياتك من منظور تاني متفضلش طول عمرك باصة وراكِ علشان عمرك ما هتيجي خطوة لقدام.

اومأت لها من بين نحيبها لتشـ.ـدد نغم على احتضانها وتمسد على ظهرها وتظل تحفزها على العمل بنصيحتها غافلين عن تلك التي استمعت لجزء كبير من حديثهم دون قصد، فقد نخر الألــم قلبها وتثاقل عقلها بالذكريات المريرة وقررت ان تخالف وعدها ل غالية فلامجال من أخفاء الأمر أكثر طالما الأمر ينغص عليهم صفو حياتهم فلابد أن تخبرها بكل شيء وتدعو أن يسامحها الله كونها ستنقض وعدها.

كان يعلم أنها لن تلجأ إلا لها ولذلك كان يطرق على باب شقتها زاعقًا ما أن فتحت له:
هي فين...
جعدت سعاد حاجبيها وادعت جهلها:
انت بتزعق ليه، ايه الهمجية بتاعتك دي
أزاحها عن طريقه وهدر غاضبًا:
أنتِ لسة شوفتي همجية ده انا هفضحكم واخلي اللي ما يشتري يتفرج عليكِ انت وبـ.ـنت عمك
تأهبت سعاد بعدائية وهدرت بشجاعة لطالما كانت تميزها:
اعلى ما في خيلك أركبه ولو فاكر أني هخاف من واحد زيك تبقى غلطان...

جز على نواجذه وصاح بغـ.ـيظ:
لأ لازم تخافي علشان أنا متأكد مليون في المية ان ده من تدبيرك أنتِ، مراتي أضعف من أنها تعمل حاجة زي كده من نفسها
حانت من سعاد بسمة متهكمة وأخبرته بتشفي واضح وهي تربع يدها على صدرها:
صدقني لو في حد ورا قرارها ده فهو أنانيتك وقهرك ليها
لم يعجبه حديثها بالمرة حتى ان معالم وجهه تقلصت وهدر بعروق مشـ.ـدودة وبعيون يحتلها الغـــضــــب وهو يلوح بيده امام وجهها ساخطًا:.

أنا مش ناقص مواعظ وحكم من جنابك، وبعدين ده انا اوديها في ستين داهية دي سرقتني وخـ.ـطـ.ـفت ولادي
رفعت سعاد حاجبيها وهدرت بغـ.ـيظ شـ.ـديد وهي تلوح بيدها امام وجهه دون أن تهاب غـــضــــبه:
رهف مش حـ.ـر.امية ومحدش بيخـ.ـطـ.ـف ولاده، انت اللي...
كادت سعاد أن تسبه وتفش غليلها منه ولكن رهف قاطعتها بعدmا خرجت لتوها من احد الغرف و استمعت لجزء من مشادتهم:
سعاد كفاية لو سمحتي.

كبحت سعاد رغبتها بصعوبة بالغة عنه، فكان هو جاحظ العينين يستنكر ما كانت تنوي أن تتفوه به، وما أن صدر صوت رهف اختصر المسافة بينه وبيها بخطوتان وجذبها من ذراعها هادرًا:
عجبك الفضايح دي وقلة القيمة ماشي يا رهف بقى انا يتعمل فيا كده...
شهقت سعاد وقالت بدفاع مستمـ.ـيـ.ـت وهي تندفع نحوه:
انت اتجننت عايز تمد ايدك عليها كمان
ليرد هو متجبرتٍ:
دي مراتي واكـ.ـسر دmاغها لو خرجت عن طوعي.

جذبت رهف ذراعها من قبضته وقالت بنفاذ صبر:
كفاية بقى، ياريت تتكلم بأسلوب احسن من ده علشان نوصل لحل
ترك ذراعها و ولاها ظهره يمرر أنامله بخصلاته بطريقة فوضوية كي يهدأ، بينما هي طلبت من سعاد بعيون راجية:
سبيني معاه يا سعاد لو سمحتي
كادت أن تعترض سعاد فهي تخشى ان يؤذيها ولكن رهف طمئنتها بعيناها وحثتها على تركها، لتنصاع لها قائلة بنبرة عدائية وهي تشمله بنظرة تحذيرية:.

تمام انا هجيب حاجات من السوبر ماركت قبل ما الولاد يرجعوا من المدرسة، عشر دقايق ومش هتأخر عليكِ
أومـ.ـا.ت لها رهف، وحين غادرت هدر هو بنبرة غاضبة للغاية:
سحبتي الفلوس كلها ليه؟
أجابته بنبرة ثابتة عكس ثورة دواخلها:
وايه المشكلة هو مش أنا وأنت واحد وأنت دايمًا تقولي خدي اللي انتِ عايزاه...
جز على نواجذه و صرخ بإنفعال:.

رررررررررررررهف بلاش استفزاز وديتي الفلوس فين؟ وازاي في البنك محدش رجعلي ده انا هوديهم في داهية
وضحت وهي ترفع منكبيها ببرود تعمدته و استفزه بشـ.ـدة:
هما نفذوا تعليمـ.ـا.تك انت نسيت انك أنت بنفسك قولتهم ينفذوا كل أوامري و ميرجعوش ليك.
جذبها من ذراعها الاثنين بعنف وصرخ أمام وجهها وهو يأرجحها بين يده:
انتِ مخططة بقى لكل حاجة...
أد ايه أنتِ خبيثة، أنا ازاي كنت مخدوع فيكِ!

نفضت يده التي تعتصر ذراعها وقد تخلت أخيرًا عن دور الثبات التي تدعيه وهدرت موضحة بكل ثقة:
انا مش خبيثة، دي فلوسي وفلوس ولادي وانا أخدت حقهم...
زئر بقوة من استفزازها وتناول أحد المزهريات القريبة وقذفها بالحائط خلفها مماجعلها تنكمش وتحمي رأسها كردة فعل تلقائية منها.
ليثور هو وكأن عقله يرفض الاستيعاب بعد:.

أنا مش قادر أصدق ازاي يجيلك الجرأة وتعملي كده، اكيد ده تخطيط سعاد هانم بـ.ـنت عمك هي اللي عصتك عليا وخلتك تسرقيني.

رفعت جانب فمها هازئة من اتهامه، وحقًا أصبحت تمقت دور الضحية التي يتقمصه وكأنه ملاك اُنزل و لم يخطئ مطلقًا فسابقًا كانت تتركه يتحامل عليها ويعلق عليها كافة اخطائه وينسبها لها ولكن الأن قد زالت تلك الغشاوة التي تحجب رؤيتها ولن تسمح له أن يؤذيها أكثر لذلك رشقته بنظرات متخاذلة كي تذكره بفعلته وردت بنبرة مفعمة بالثقة:
أنا مش محتاجة حد يعصيني كل الحكاية إني عرفتك على حقيقتك.

ومالها حقيقتي بقى يا هانم مش عجباكِ دلوقتي علشان قررت اعوض النقص اللي أنت مش عارفة تكمليه بزوجة تانية
كفى، حقًا اكتفيت، ذلك ما صرخ به عقلها و.جـ.ـعلها تهاجمه بحديثها بشراسة قتالية فاجأته كثيرًا و.جـ.ـعلت نيران غـــضــــبه تتأجج أكثر:
النقص في دmاغك وفي رجولتك مش فيا.
جز على نواجذه من اهانتها و وهدر من بين اسنانه وهو يربت على وجنتها بشيء من القسوة و بطريقة مستخفة:.

احترمي نفسك أحسنلك انا بس عامل اعتبـ.ـار أنك حامل ومش عايز اتغابى عليكِ، خليكِ عاقلة يا رهف ورجعي الفلوس وارجعي بيتك ويا دار مادخلك شر.

تراجعت برأسها لتبتعد عن مرمى يده بملامح متقلصة نافرة و لوهلة أخذت تتأمل وجهه بنظرة مطولة وكأنها تراه لأول مرة. شعر بالريبة من نظراتها وضيق قاتمتيه وهو لا يستسيغ ردود أفعالها التي تجرأت للتو وانفجرت به قائلة بكل ثقة وهي تتعمد أن تنظر داخل عمق عينه بتحدي بائن وكأنها أرادت أن تكشف الستار عن تلك القناعات التي تبدلت بداخلها بفضله:.

انت عارف ايه مشكلتك أنك حد تفكيره محدود عمره ماعرف ازاي يرضى باللي ربنا قسمه له، ده غير انك كنت بتضغط عليا بكل قوتك وأنت عارف إني هتحمل، كنت بتستغل حبي ليك وإن مليش حد غيرك وبتستقوى عليا ونسيت أن ليا طاقة وكنت دايمًا بتتحامل عليا وتطلعني مذنبة لغاية مخلتني فعلاً اصدق اني حد وِحش ومـ.ـيـ.ـتعاشرش، خليت ثقتي في نفسي معدومة من كتر ما بتنتقضني وتعدل عليا حتى ولادي مسلموش من أذاك وتصرفاتك أثرت بالسلب على نفسيتهم وسلوكهم.

لتتناول نفس عميق مثقل بالكثير وتضيف وهي تهز رأسها ببسمة ساخرة تحمل الكثير من الخذلان:.

وكأن كل ده مكنش كافي ليك علشان تأذيني و دوست على كرمتي بجزمتك واتهمتني بالنقص علشان تروح تترمى في حـ.ـضـ.ـن واحدة تانية و معملش حساب لأي حاجة غير انك ترضي غريزتك وبس، والمفروض إني اتحمل برضو وأصبر علشان مليش غيرك. لأ . انا بعترفلك انا السبب كنت مغيبة وخليتك تستغل نقط ضعفي و اديتك الفرصة أنك تطـــعـــن انوثتي وتدوس عليا لكن دلوقتي انا فوقت واتشالت الغشاوة من على عيني و مستحيل اسيبك تاخد حقي وحق ولادي وتضيعه على واحدة تانية، بأكدلك بعلو صوتي لهنا، ولأ، وألف، لأ كمان، أنا مش هرجع قرش واحد ليك، وعمري ما هرجع بيتك تاني ولو كنت طلبت الطـ.ـلا.ق مرة عمري ما هتذللك تاني وهعرف ازاي اخلص منك.

كانت تتحدث بتشنج و دفعة واحدة وبنبرة رغم ثباتها ولكنها كانت محملة بالألــم والخذلان بين طياتها فكل انش بداخل هشيمها يحفزها على الصمود حتى عيناها كانت أبية ترفض أن تذرف الدmـ.ـو.ع هدر من أجله فيكفي ما فاضت به في الأيام السابقة ونعت به حظ قلبها فكانت في صميمها تقرر أن تثأر لكبريائها وتتخلى عن لين قلبها وتتحلى بالقوة التي كانت تتوارى دائمًا خلف رداء الطاعة والولاء له فيبدو أنها كانت تدخرها ليوم كذلك كي تواجهه بما كان يغوص بقلبها ويثقل خفقاته حد العناء.

حديثها كان متحدي له و مهين لكبريائه كرجل ولذلك صرخ بها بهياج شـ.ـديد وبجبروت مقيت سينـ.ـد.م عليه:
عمرك ما هت عـ.ـر.في تخلصي مني و اسمعي بقى، طـ.ـلا.ق مش هطلق وهسيبك كده زي البيت الوقف وغـ.ـصـ.ـب عنك يا رهف لازم ترضي بالأمر الواقع.
نفت برأسها برفض قاطع وبعيون متحدية، وإن كادت تعترض باغتها هو:.

بلاش تتسرعي وفكري في ولادك وعلشان خاطر العِشرة اللي بينا هطلع معاكِ جدع و هديكِ مهلة تهدي وتشيلي الافكار المسمومة دي من دmاغك وفي ظرف يومين أتنين تكوني رجعتي بيتك ومعاكِ الفلوس يأما قسم بالله ليكون ليا تصرف عمره ما هيعجبك ابداً
اجابته بإصرار وبكل ثقة دون أن تفكر حتى بوعيده وكأنها خططت لشيء آخر يردعه:
مش هرجع أنا مستحيل اعيش تاني مع واحد زيك.

زمجر من جديد بنفاذ صبر وهو يحكم قبضته على ذراعها بغـــضــــب أعمى وشيطانه مازال مُصر كونها أضعف من تلك القوة التي تدعيها وأهون من ذلك الإصرار المقيت:
هوريكِ الحقير ده هيعمل ايه؟
لما تنزلي ولادك وميرجعوش لحـ.ـضـ.ـنك تاني و وقتها وحياتك لهخليكِ تبوسي رجلي علشان ترجعيلي تاني
عند ذكر ابنائها احتل الخــــوف عيناها و شعرت بغريزتها الأمومية تنهش بها وتحثها على شيء ترتعب أن تضطر له ليصدر صوتها مهزوز بعض الشيء حين قالت:.

متقدرتش تاخدهم...
صدر من فمه صوت ساخط كعادته عنـ.ـد.ما يستخف بشيء وهسهس أمام وجهها:
لأ اقدر وهتشوفِ ازاي هقنع الدنيا كلها انك حـ.ـر.امية وقليلة الأصل و ولادك ساعتها هما اللي هيتبرو منك ويستعرو أن أنك أمهم واحدة شبهك
نفت برأسها بعدm استيعاب وصرخت به:
انت ازاي حقير كده.

غـــضــــبه أعماه على الأخير من تطاولها معه فكان يشعر بغلّ وغـ.ـيظ شـ.ـديد جعله لم يتحكم بردود فعله حين دفعها بكل غلّ واسقطتها على تلك الأرض الصلبة القاسية التي ما إن ارتطمت بها صرخت صرخة مدوية من شـ.ـدتها جعلت سعاد التي كانت تتسلق درج البناية بروية تهرع لها، وإن فتحت باب الشقة و وجدتها طريحة بالأرض صرخت به ودفعته بقوة خارج منزلها قائلة بعدائية شـ.ـديدة:
منك لله يا حـ.ـيو.ان، اطلع برة ومتورناش وشك تاني.

حانت منه بسمة متجبرتة وصدر من فمه ذلك الصوت الساخر الذي يشتهر به وهسهس بوعيد قبل أن يغادر:
همشي، وهما يومين بس يا رهف وتنفذي اللي قولت عليه أحسن ما هوريكِ الحقير اللي مش عجبك ده هيعمل فيكِ ايه
ذلك أخر شيء تفوه به قبل أن تدفعه سعاد دفعة أخيرة خارج باب شقتها وتغلق الباب بوجهه بكل قوة جعلته يستشيط أكثر وأكثر وهو يغادر بخطوات واسعة يتأكلها الغـــضــــب.

بينما هي كانت مازالت طريحة بأرضها حين هرولت لها سعاد قائلة بنبرة نادmة متحسرة على ما أصابها وهي تحاول أن تساعدها كي تنهض:
مكنش لازم اسيبكم سوا بس أنتِ اللي اصريتي
لم تعقب بل كان وجهها يشحب تدريجيًا وهي تشعر بمغصة قوية ببطنها لتثني ساقيها وتحتضن أسفل معدتها بذراعها وكأنها تواسي ساكن احشائها على الصمود مثلها ولكن هو كان له رأي أخر.

فقد قطمت شفاهها السفلية بقوة وأغمضت عيناها و هي تشعر بالألــم يزيد رويدًا رويدًا
وحينها تفسد جبينها بالعرق و انهمرت دmعاتها بقهر لا مثيل له وهي تشعر بأنسلاخ قطعة من روحها.
لتصرخ صرخة ممزقة نابعة من أعماق أحشائها التي يبدو انها حتى هي رفضت أن تحتفظ بشيء يخصه.
لتغمغم بقهر وبنبرة مرتعشة واهنة من شـ.ـدة الألــم:
اه ه ه ه ه ه ه ه ه ألحقيني يا سعاد...
ما قد يبدو لك خسارة قد يكون هو بالتحديد الشيء الذي سيصبح فيما بعد مسؤولاً عن إتمام اعظم إنجازات حياتك”.
(أحلام مستغانمي).

بعد صرختها المدوية شهقت سعاد بقوة وبرقت عيناها وصاحت بجزع وهي ترى بقعة من الدmاء تلوث ملابسها:
رهف، انتِ بتنزفي!
نفت رهف برأسها بضعف وكأن عقلها يرفض أن يستوعب أن تلك الخيوط الدافئة التي شعرت بها تنساب على فخذيها ماهي إلا بشارة خسارتها. فما كان منها غير أن تغمغم بقهر وهي تحتضن اسفل بطنها وكانها تحاول أن تتمسك بما كان يسكنها:
البيبي هيروح يا سعاد أه ه ه ه
ه ه ه ه ه ه.

تأوهت بقوة وهي تشعر أن الألــم يتعدى قوة احتمالها، فكانت حرفيًا تشعر بأن شفرات حادة تمزق أحشائها فما كان منها غير أن تستسلم لذلك الظلام الذي سحبها بداومته وأسقطها فاقدة للوعي، تاركة سعاد في حالة من الهلع تصرخ بإسمها وتربت على وجنتها ولكن دون جدوى فكانت هامدة وملامحها شاحبة تحاكي المـ.ـو.تى مما جعل سعاد تهب بأعصاب تالفة تتناول الهاتف لطلب المساعدة ودmعاتها تنهل من عيناها تشوش رؤيتها. طرقات قوية على باب الشقة فزعتها واسقطت الهاتف من يدها بعدmا حاولت جاهدة السيطرة على ارتجاف يدها كي تتحكم بشاشته ولكن لم تفعل لتهرول راكضة تفتح الباب بتلهف شـ.ـديد لتجد حارس البناية يقف أمام باب شقتها وعدة أشخاص من جيرانها يقفون على مقربة منه وقبل أن تطلب المساعدة صدر صوت الحارس قائلًا:.

لامؤاخذة يا ست سعاد السكان سمعوا صوت زعيج وصراخ من حداكم خير في حاجة
هزت رأسها بقوة واندفعت بالحديث مستنجدة:
ايوة حد يلحقني بـ.ـنت عمي قاطعة النفس
وقبل أن تستأنف حديثها اندفع شخص من بين الحاضرين وأخبرها أنه طبيب وبعد أن تخطاها للداخل جثى على ركبتيه وتحسس نبض رهف وعاينها معاينة سريعة بعيون خبيرة وقال بعملية:
لازم تتنقل للمستشفى فورًا النبض ضعيف والنـ.ـز.يف لازم يوقف.

وافقته سعاد بحركة من رأسها وهي تنتحب بقوة على حال رفيقتها،
لتندفع سيدة من جيرانها وتدعى كريمة وتقول بتعاطف:
يا حول الله يارب، مستني أيه يا ابني البـ.ـنت هتروح مننا اتصرف
أجابها بسرعة بديهية:
انا عربيتي تحت البيت هخدها على المستشفى فوراً.

قالها وهو ينظر بعينه على ارجاء الغرفة وكأنه يبحث عن شيء بعينه وإن وجد غايته خطى نحو طاولة الطعام التي تتوسط الردهة وسحب ذلك المفرش الثقيل ووضعه على جسدها المسجى ارضًا ثم انحنى بجذعه وحملها برفق و هرول مسرعًا إلى الخارج وقد تبعته سعاد باكية لا تفكر بشيء فقط تدعو لها تاركين خلفهم تجمع جيرانهم الذي انتشر بينهم الكثير من الهمهمـ.ـا.ت والأقاويل المتعاطفة.

ممكن تهدى علشان أفهم
قالها يامن بنفاذ صبر بعدmا حضر حسن لتوه وظل يدور حول نفسه كالثور الهائج
ليجيبه هو بانفعال:
أنا ازاي كنت مغفل كده، دي خططت ونفذت وأنا شبه الأهبل مخونتهاش
= يا اخي اهدى بقى خَيلت امي فيها ايه يعني لما خدت شوية فلوس من حسابك
أنت هتقولي فيها ايه بقولك الهانم سرقتني وسحبت كل فلوسي ده غير أن بـ.ـنت عمها مقويها ومخلياها عايزة تتطلق
تناول يامن نفس عميق وقال باستغراب شـ.ـديد:.

انا مش مصدق أنك بتتكلم عن رهف!
ليتهكم حسن بعدmا صدر من فمه ذلك الصوت الساخر المعتاد:
لأ صدق رهف الطيبة المنكـ.ـسرة اللي كلكم كنتوا بتيجو عليا علشانها طلعت خبيثة وسرقتني لأ وكمان سابت البيت وبتقولي مستحيل ارجع اعيش مع واحد زيك...
زفر يامن بقوة وقال بفطنة وبنبرة ماكرة:
بقولك ايه متلفش وتدور عليا أنا حافظك كويس، هات من الأخر وقولي عملت أيه وصلها لكده!

زاغت عين حسن بتـ.ـو.تر ومرر يده بخصلاته الفحمية وهو يتيقن أن لا مفر من إخبـ.ـاره بالحقيقة كاملة، ولذلك تحاشى النظر له وقال بنبرة مهتزة بعض الشيء:
ما أجرمتش، انا عملت زي ما شرع ربنا قال واتجوزت...
جعد يامن حاجبيه وكرر بعدm استيعاب:
اتجوزت...
أكد حسن باقتناع تام:
ايوة اتجوزت ده حقي وبعدين هي اللي كانت مقصرة معايا و اضطرتني لكده
ضـ.ـر.ب يامن كف على آخر وتمتم بعدm رضا موبخًا اياه:.

مقصرة ايه يا ضلالي دي مراتك قايدة صوابعها العشر شمع علشانك، بطل بقى ترمي عليها واتقي الله واعترف أنك أنت اللي دنيِ وميملاش عينك غير التراب
لوح حسن بيده وقال وشيطانه يغشى على عينه وهو يشعل أحد سجائره كي ينفث بها غـــضــــبه:
انا مش دنيِ انا حبيت منار وبعدين مبسوط معاها و رهف غـ.ـصـ.ـب عنها لازم تتقبل الوضع برضاها او غـ.ـصـ.ـب عنها خلاص اللي حصل حصل مفروض تعيش وترضى وتربي عيالها.

تأفف يامن من طريقة تفكير ابنة خالته العقيمة وقال بجدية شـ.ـديدة:
أنت قررت تتجوز وتستغل اللي الشرع حلله ليك بس هي كمان من حقها تختار يا تقبل او متقبلش وصدقني في الحالتين انت اللي خسران لأن لو قبلت هتفضل تنغص عليك عيشتك و عمرها ما هتنسى أنك كـ.ـسرتها واتجوزت عليها ولو مقبلتش وصممت على الطـ.ـلا.ق يبقى شتت عيالك و خربت بيتك وضيعت الست الأصيلة اللي طول عمرها مستحملاك رغم طباعك الزفت.

فارت الدmاء برأسه من حديثه ليجد نفسه يصـ.ـر.خ بهياج شـ.ـديد بعد أن خُيل الأمر برأسه:
مش هيحصل، ولادي هاخدهم منها غـ.ـصـ.ـب عن عينها، وهجبرها ترجع بيتها وترضى بالأمر الواقع بس طبعًا بعد ما تبوس رجلي وتعتذرلي وترجعلي كل قرش خدته
زفر يامن بقوة من تَجبرت ابن خالته وهدر قائلًا بحدة:.

أنت باين عليك اتجننت عايز تغـ.ـصـ.ـبها وتلوي دراعها بالعيال علشان تتقبل جوازك ده إيه الجبروت اللي أنت فيه ده يا اخي! وبعدين ما الفلوس بتاعتها وكل اللي انت وصلتله ده كان بفضلها ولا أنت نسيت
لم يعجبه الحديث وانفعل قائلًا بحمئة غـ.ـبـ.ـية:
يوووه بقولك ايه انا غلطان اني جتلك وأنا عارف أنك عمرك ما هتفهمني ولا هتقف في صفي، ليصدر من فمه ذلك الصوت المتهكم ذاته ويقول بفظاظة أثارت اعصاب يامن على الأخير:.

وبعدين محموق اوي وعامل فيها حامي الحمى واللي يشوف كده ميقولش أن العز اللي أنت فيه ده مش من فلوس مراتك اللي اتجوزتها وهي مغـ.ـصو.بة عليك ومبتقبلكش ورغم كده لسة عندك أمل تبصلك نظرة رضا واحدة علشان تترمي تحت رجليها
شعر أن بركان نيرانه مستعرة تنهش به بعد حديثه وزمجر بطريقة تدل على أنه يحاول كظم غـ.ـيظه حين قال وهو يرفع سبابته أمام وجهه بتحذير:
كلمة كمان يا حسن وقسم بالله مهيحصلك طيب.

صدر ذلك الصوت المستخف من فم حسن وقال وهو يجذب الأخر من حاشية ملابسه بطريقة مستفزة:
متعرفش تعمل حاجة و ده أخرك
وبعدين متعملش عليا راجـ.ـل وروح اتشطر على اللي أنت مش قادر تحكمها الأول
لكمة عاتية كانت رد يامن الرادع له بعد حديثه المقيت الذي أصاب صميم كبريائه ببراعة وتلاها صراخه به بنبرة حادة منفعلة للغاية:.

أنا راجـ.ـل غـ.ـصـ.ـب عنك على الأقل انا عمري ما هقبل على نفسي ولا على كرامتي أخد قرش واحد من فلوسها وحقها هرجعه على داير المليم لكن الدور والباقي عليك اللي أخدت فلوسها وروحت اتجوزت عليها بيهم، ولأ كمان مش عاجبك وبتبجح وعمال تجـ.ـر.ح يمين وشمال ومش عامل حساب لأي حاجة، يا جبروتك يا اخي
كان حسن مشـ.ـدوهًا من ردة فعله غافل أن بحديثة ذلك كشف الستار عن بواطن الألــم بقلب يامن وعزز سبب شقائه.

ليقول بتأهب وهو يدلك فكه ويحركه يمينًا ويسارًا كي يخفف من وطأة الألــم الذي احتله أثر لكمته:
هي حصلت تمد ايدك عليا طب واللي خلقك لقطعهالك يا(***)
سبه بلفظ نابي جعل يامن يستشيط غـــضــــبًا ولكن الأخر لم يكتفي بذلك بل اندفع
كي يهجم عليه ليتمسك كل منهم بملابس الأخر وإن كاد الشجار يحتد أكثر بينهم صرخت ثريا واندفعت تحيل بينهم:
يالهوي، يالهوي هي حصلت تمدو ايدكم على بعض صلوا على النبي يا ولاد ايه اللي حصل.

صاح يامن بحنق وهو يؤشر بيده على الأخر:
اسألي الحـ.ـيو.ان ده وشوفيه قال ايه
تسألت ثريا بجزع وهي توجه نظراتها ل حسن:
ايه اللي حصل يا بني ليه تقفوا لبعض كده ده انتوا طول عمركم اخوات
تأفف حسن وأخبرها بحدة:
ابنك اللي استفزني لما نسى إن أنا اللي ابقالو و واقف في صف الخبيثة مراتي اللي سرقتني.

لم تستوعب ثريا مـ.ـا.تفوه به وتساءلت من جديد:
ازاي يا ابني رهف سرقتك فهمني
لم يمهله يامن الفرصة لكي يوضح لها بل اندفع قائلًا:
البيه اتجوز عليها وزعلان علشان خدت فلوسها اللي ادتهالو وطالبة الطـ.ـلا.ق
لطـ.ـمـ.ـت ثريا اعلى صدرها وشهقت متفاجئة بينما استأنف يامن وهو يوجه حديثه له بحدة:
تصدق وتؤمن بإيه انت مش بني ادm انت انسان براس تور ومراتك خسارة فيك وليها حق تطفش من بجاحتك و(***) وكلامك اللي زي السم.

قالها بإنفعال وهو يغادر المنزل بأكمله كي لا تثور ثائرته أكثر...
تارك ثريا تعاتب الأخر الذي كان يقف بعيون تقدح بنيران الغـــضــــب:
اللي بيقوله يامن ده صح يا ابني
تأفف هو ساخطًا ولوح بيده هادرًا بتبجح دون أي لباقة او احترم لتلك السيدة الماثلة أمامه:
يووووووه أنتوا فلقتوني، اه صح، ومحدش ليه فيه، وانا غلطان اصلًا إني جيت البيت ده.

قالها وهو يخطو نحو الخارج بخطوات واسعة يتأكلها الغـــضــــب وكأنه فقد تقدير الأمور وترك لتلك الغريزة الذكورية بداخله أن تسيطر على كافة قراراته وتلغي عقله؛ فهو يظن أنه لم يخطئ بتاتًا وأن خطيئته مبررة غافل كونه فعل كل ذلك فقط كي يرضي غــــرور الذكر الذي بداخله ويشعره بالكمال.

أما في المساء فكانت مازالت تلازم الفراش ولم تتعافى كليًا حين أتت ثريا واحضرت معها الطعام ووضعته بجانبها،.

لاحظت نادين وجوم وجهها واستغربت كونها لم تتحدث معها فقد كانت تجلس بذلك المقعد القريب من فراشها وتحاول جاهدة أن تهاتف رهف لتطمئن عنها ولكن بلا جدوى فهاتفها مغلق مما جعل القلق ينهش بقلب ثريا التي كانت ملامحها متهدلة ورأسها منكس بحـ.ـز.ن بَين أثار فضول نادين وخاصًة انها استمعت لصراخ يامن خارج غرفتها ولصوت حسن ايضًا ولكنها لم تستشف شيء محدد
لذلك تساءلت بعيون زائغة:
خير يا مرات بابا هو ايه اللي حصل؟

تنهدت ثريا وأخبرتها بأسى:
مش خير يا بـ.ـنتي حسن اتجوز على مـ.ـر.اته و يامن ما رضهوش الوضع
حانت منها بسمة ساخرة وقالت مستخفة:
وفيها ايه؟
تعجبت ثريا وقالت بتلقائية شـ.ـديدة دون أن تفكر بتبعات حديثها:
= ازاي بس يا بـ.ـنتي ده خرب بيته بإيده ومفكرش في ولاده ولا في مشاعر مـ.ـر.اته اللي طول عمرها سنداه و واقفة جنبه دي غلبانة و متستاهلش كده ابدًا.

دفاعها المستمـ.ـيـ.ـت عن رهف ورؤيتها لها كضحية كان بمثابة نزع فتيل لذلك البركان الخامل من الذكريات البائسة بداخلها، فكيف تدعي المثالية الآن وهي ارتضت على أمها نفس المصير من قبل لذلك باغتتها متهكمة:
وأمي هي اللي كانت تستاهل مش كده يا مرات بابا
رغم تهكمها ولكن صدر سؤالها بقهر وبنبرة متخاذلة جعلت ثريا تنفي برأسها وتغيم عيناها قائلة بأسى:.

أمك دي كانت ست الناس كلها وكانت تستاهل كل خير وربنا يعلم كنت بعزها أد أيه
يالكِ من سيدةٍ عطوف ذو قلب حاني حقًا إن لم أكن على يقين تام أنك سبب نكبت والدتي لكُنت صدقت تلك البراءة التي تقطر من حديثك
ذلك ما كان يدور برأسها وهي تطالعها بعيون لائمة احـ.ـز.نت ثريا و.جـ.ـعلتها تتيقن أن تلك هي اللحظة المناسبة لتبوح لها.
بينما نادين لم تصمت واستأنفت بنبرة كارهة يحفها لوم مقيت نهش قلب ثريا:.

وعلشان كده خـ.ـطـ.ـفتي جوزها ومـ.ـو.تيها بحسرتها
دافعت ثريا عن ذاتها:
انا يا بـ.ـنتي حـ.ـر.ام عليكِ انتِ ظلماني
احتدت نبرة نادين وهي تفرغ ما بجعبتها:
محدش اتظلم غيري انا وامي يا مرات بابا، امي كانت بسببك مش بتنام ودmعتها مكنتش بتنشف على خدها، أنتِ اللي كرهتيها في الدنيا لما عصيتي ابويا عليها وخلتيه كل يوم يتخانق معاها بسببك
فرت دmعات ثريا هاربة على وجنتها واستنكرت:
محصلش، مكنش بسببي، في حاجات كتير أنتِ متعرفهاش يا بـ.ـنتي.

نفت نادين برأسها وقالت وهي تضع صنية الطعام اعلى الكومود و تحاول أن تنهض من الفراش:
مش عايزة أعرف ومعنديش استعداد اسمع منك حاجة وحتى لو سمعتك مش هصدقك
تمسكت ثريا بيدها تحاول أن تستعطفها قائلة:.

علشان خاطري يا بـ.ـنتي اسمعيني انا عمري ما كُنت وِحشة كده ربنا وحده اللي يعلم أمك كانت زي اختي ومن يوم ما عرفتها وانا واقفة جنبها وعمري ما أذتها ولا شافت مني حاجة وِحشة، اسمعيني يا بـ.ـنتي وانتِ حرة يا تصدقي يا لأ بس المهم إني أكون ريحت ضميري.

حانت من نادين بسمة متألــمة لابعد حد فعن أي ضمير تتحدث هي، وتعمدت أن تترك الفراش كي تبتعد وتوفر عليها عناء أن تحيك كذبة واهية تقنعها بها وتدافع بها عن ذاتها، ولكن ثريا لم تيأس وقالت بصدق شـ.ـديد:
انا كنت اقرب واحدة لأمك قبل ما تمـ.ـو.ت مكنتش بترتاح لحد غيري، وعلشان كده انا أول حد عرف بخبر مرضها اللي كانت رافضة تقوله لحد حتى لأبوكِ وقتها
جعدت نادين حاجبيها المنمقين وقالت مستنكرة:.

أنتِ بتقولي ايه امي مكنتش تعبانة
نفت ثريا برأسها وتقدmت منها عدة خطوات تسحبها معها كي تجلسها بجوارها واستأنفت:
صدقيني يا بـ.ـنتي انا مش هكدب عليكِ، لتتنهد بعمق وهي تتذكر تلك الذكريات الحزينة التي كلما تذكرتها تشعر بلأسى على رفيقتها وتستأنف بعيون باكية:.

امك كانت ست مفيش منها اتنين وكانت علاقتنا ببعض زي الأخوات كنا بنزورها وبتزورنا كان بينا ود زي الأهل بالظبط لغاية ما جه فترة عليها حالها اتقلب و مبقناش عارفين مالها وزنها كان بيقل وعلطول حزينة وسرحانة ده غير انها بقت منعزلة وحابسه نفسها في البيت ولما كنت اروح ازورها كانت تقعد تعيط وتقولي انها حاسة بالذنب علشان مقصرة مع عادل و محملاه فوق طاقته وهو مستحملها، حالتها كانت مطمنش ابدًا بس أنا فضلت وراها ومكنتش بسيبها لغاية ما في مرة كنت عندها وتعبت اوي ولقيتها بتاخد مسكنات وحبوب تانية كانت بتخبيها من عادل ولما اصريت عليها وحلفتها إني مش هفتح بوقي قالتلي أن عندها المرض الخبيث وفي مرحلة متأخرة وإن الحبوب دي هي اللي بتخليها تعرف تتحمل الو.جـ.ـع وتتعايش معاكم من غير ما تتحسسكم أنها تعبانة، وقتها حاولت اقنعها تتعالج بس هي كانت رافضة وبتقول انها أضعف بكتير انها تخوض مراحل العلاج على الفاضي.

نفت نادين برأسها بجنون وصرخت قائلة وهي توجه لها أصابع الاتهام:
كدب، كدب أنتِ بتقولي كده علشان تبرأي نفسك، أمي مكنتش تعبانة
هزت ثريا رأسها وأخذت تربت على خصلاتها القصيرة بحنو شـ.ـديد مسترسلة بلا يأس كي تقنعها:.

ميهمنيش أبرء نفسي في عينك أد ما يهمني أنك ت عـ.ـر.في الحقيقة. أمك كانت بتحبك وكُنت أنتِ نقطة ضعفهاوكانت دايمًا تبرر أن معندهاش استعداد تقضي الباقي من عمرها في المستشفيات ومع العَينين كانت شايفة أن وجودها جنبك بالدنيا كلها وكأنها كانت عايزة تشبع منك قبل ما ربنا ياخد أمنته
نفت برأسها من جديد وهي في حالة صدmة عارمة تحاول أن تستوعب تبعاتها بعيون تغرغر الدmع بهم وبقلب ممزق ينعي فراقها.

لتستأنف ثريا وهي تتناول كفوف يدها وكأنها تدعمها وتأذرها:
حالتها النفسية كانت بتسوء يوم عن يوم، وفي الوقت ده ابوكِ كان هيتجنن ويعرف فيها أيه وكان دايمًا بيلتمسلها الأعذار بس هي كانت مصممة أن مفيش حد يعرف علشان مـ.ـيـ.ـتهمهاش بالجُبن والضعف انها رافضة العلاج.

وفي مرة كنت بزورها طلبت مني، صمتت لبرهة تتطلع لملامح نادين المستنكرة تتوجس خِيفة من مدى استيعابها للأمر، ولكن الأخرى أخبرتها بنبرة مختنقة متحشرجة على حافة البكاء:
كملي طلبت منك أيه؟
أجابتها ثريا بتلعثم بعض الشيء:
اني اتجوز أبوكِ واربيكِ.
نزعت يدها من بين راحتها بعنف وانتفضت من جلستها وهي تنفي بسبابتها مستنكرة الأمر بكامل صوتها:.

لا لا لا لا لا لا لا مستحيل أصدق انتِ بتكدبي عليا صح، كل ده من نسج خيالك أمي اكيد مكنتش بالسذاجة دي
أنتِ كـ.ـد.ابة وانا مستحيل أصدقك
تنهدت ثريا بعمق وقالت بنبرة حزينة بائسة:
الله يسمحك يا بـ.ـنتي، بس ربنا يعلم إني مكدبتش عليك ولا عمري قصرت معاكِ أنا رعيت ضميري وحافظت على امانة أمك ليومنا ده ومفيش يوم فرقت فيه بينك وبين ابني.

لا تعلم لمَ استشعرت الصدق من حديثها و وجدت ذاتها تود أن تعرف المزيد ولذلك قالت بنبرة مختنقة مغلفة بأنين قلبها:
كملي
هزت ثريا رأسها واستأنفت:.

انا عارضتها موافقتش وحتى ابوكِ رفض وقتها وكان هيتجنن لما اضطرت تقوله وحلفته ميجبلكيش سيرة عن مرضها كانت فاكرة أنها لم قالتله هتخليه يقبل بس هو رفض وكان علطول بيحاول يأثر عليها انها تتعالج بس هي خيرتنا يأما نتجوز انا وهو يأما مش هتتعالج، وقتها كنا عملنا كل حاجة علشان ترجع في كلامها بس هي كانت دmاغها ناشفة ومكنش قدامنا غير نوافق علشان بس نريحها وتقبل تتعالج
لتفر دmعة من عين ثريا وتستأنف بألــم:.

لكن هي مكنتش أد كلمتها ومقدرتش تتغلب على خــــوفها وده كان خلاف دايم بينها وبين ابوكِ
لغاية ما في يوم جالي وقالي أنه اتخانق خناقة كبيرة معاها بسبب رفضها وأن يأس من اقناعها واضطر انه يتهمها بالأنانية ويهددها انه هيقولك علشان يأثر عليها مجاش في باله ابدًا أنه هيخسرها بعدها.

مهلًا الآن ترابطت خيوط الحقيقة مع بعضها فما قصته هي لتوها هو ذاته ما استمعت له بتلك الليلة المشؤومة التي لا تنساها مهما حيت، فكانت تستمع لها بأنفاس متعالية وبعيون دامية يهطل منها دmعات حارقة متألــمة تنعي بها سنين عمرها التي اضنتها وهي تسعى لأنتقام واهي ليس له أي أساس من الصحة، أيعقل!

لا محال أن تستوعب كم الحقائق تلك دفعة واحدة فحقًا قد تلفت اعصابها على الأخير ولم يعد باستطاعتها غير البكاء لتقترب ثريا منها كي تواسيها وتشاركها بؤسها ضامة إياها بقوة لدفء أحضانها، ودmعاتها تنسل تضامناً معها، فما كان من نادين غير أن تتشبث بها و
يتعالى على أثر ذلك الحـ.ـضـ.ـن الحاني نحيبها الحارق التي كانت تكتم صرخاته وشهقاته المتقطعة بصدرها، وكأنها تنعي بتلك الطريقة كل شيء حتى نفسها.

كانت تقف مفطورة من البكاء أمام غرفة العمليات لا تستوعب ما آل له حال رفيقتها، فجارهم الطبيب اتى بها إلى المشفى التي يعمل بها وقام بإسعافها بنفسه. تأهبت عنـ.ـد.ما وجدت بابها يفتح ويظهر الطبيب، لتهرول له متسائلة:
طمني عليها الله يخليكِ
تنهد وأخبرها بملامح آسفة:
هتبقى كويسة بس للأسف البيبي نزل ربنا يعوض عليها
شهقت سعاد وزاد بكائها بينما هو واساها قائلًا:.

قدر الله وما شاء فعل المهم انها بخير ولسه العمر أدامها
أومأت سعاد وشكرته من بين دmعاتها:
ونعم بالله، انا متشكرة اوي يا لمساعدتك مش عارفة من غيرك كنت عملت أيه
أجابها برحابة:
انا معملتش حاجة غير الواجب
حمد الله على سلامتها تقدري تدخليلها بعد ما ينقلوها أوضة عادية ولو احتجتوا حاجة انا موجود وهتلاقيني في مكتبي
اومأت له بامتنان وتساءلت وهي تكفكف دmعاتها:
بس انا متشرفتش بأسمك.

أبتسم بسمة عابرة وعرف عن ذاته وهو يعدل من وضع نظارته الطبية:
أنا دكتور نضال تـ.ـو.فيق
اهلًا بحضرتك انا سعاد العشري
هز رأسه بمجاملة وببسمة عملية غادر ليباشر عمله، تاركها تحاول أن تتمالك اعصابها كي تهون على رهف وتواسيها في خسارتها.

بعد مرور ساعات الصباح الأولى التي قضتهم صاحبة الفيروزتان في جلسة علاج مع طبيبها النفسي الذي كان يسعى جاهدًا أن يحفزها على الصمود ويساعدها كي تغير مسار أفكارها وأولوياتها.
فكانت تشعر براحة عارمة في كل مرة عن ما قبلها. حتى انها تعودت أن تذهب دون أبيها وقررت أن تعتمد على ذاتها فقرار التغير نابع من ذاتها ولابد أن تتحمل تبعاته وحدها،.

أما هو فكان ينتظرها بلا كلل أسفل بناية الطبيب وعنـ.ـد.ما أتت لموضع السيارة وصعدت بجانبه تساءل بنبرة مهتمة:
إيه الأخبـ.ـار طمنيني؟
هزت رأسها ببسمة واسعة وأخبرته وهي تجلس بزاوية المقعد بمواجهته:
كله تمام، مقدرش اقولك ببقى مرتاحة أد ايه بعد ما باجي هنا وبيبقى عندي طاقة إيجابية تكفي العالم كله
بادلها بسمتها وعقب بتحفيز:
طب ياريت بقى نوفر الطاقة الإيجابية الجميلة دي للمذاكرة علشان خلاص الأمتحانات على الأبواب.

أجابته هي بنبرة مفعمة بلأمل:
انا فاتني كتير بصراحة بس هحاول أعوض الأيام اللي جاية
اومأ لها وإن كاد يشعل موقد السيارة تساءلت بريبة:
هتوديني فين؟
رفع منكبيه وقال بإعتيادية:
هروحك...
نفت برأسها وأخبرته وهي تلملم خصلاتها خلف أذنها بخجل:
مش عايزة أروح...
لتتلجم لهنيهة تحت وطأة نظراته المتأهبة لباقي حديثها وتستأنف بعدها:
انا عايزة اروح معاك البيت.

صُدm من مطلبها، وخُيل له أنها تمزح ليس أكثر فمن المؤكد أنها ليست بتلك الوقاحة كي تقصد ما وصله، ولذلك تدخل عقله و هدر قائلًا بكامل صوته الأجش وبحدة أجفلتها:
بيت مين، أنتِ أكيد بتهرجي صح، هو عادي كده تروحي مع أي حد بيته فوقي الله يخليكِ وقولي كلام منطقي انتِ بـ.ـنت ناس وميصحش
شهقت بتفاجئ من ما استشفه بالخطأ من مطلبها وهدرت بغـ.ـيظ شـ.ـديد تدافع عن ذاتها وهي ترفع سبابتها بوجهه:.

انت بتقول إيه، يظهر أنك أنت اللي اتجننت انا مكنش قصدي اللي وصلك كل الحكاية أن طمطم وحـ.ـشـ.ـتني وكنت عايزة أشوفها واقعد معاها و اتعرف على أختك، بس يظهر أنك فسرت كلامي غلط وبجد نـ.ـد.مانة إني طلبت طلب غـ.ـبـ.ـي زي ده، واتفضل تقدر تروحني
قالت أخر جملة وهي تعتدل بجلستها وتشيح بنظراتها عنه، مما جعله يزفر حانقًا ويلعن تسرعه، ويعتذر قائلًا:.

أنا آسف، بس اصل انتِ ساعات بتعملي وبتقولي حاجات بتطير برج من عقلي، يعني مينفعش تقولي لشاب هروح معاك البيت اكيد لازم يفهم غلط
نظرت له نظرة مطولة ثم قالت بنبرة معاتبة:
أنا عفوية ومش متعودة أفكر في الكلام قبل ما اقوله ومش ذنبي أن تفكيرك رجعي
رجعي ده ابن اختك صح.

رفعت حاجبيها تستغرب انه يمزح بينما هو كان يحاول أن يسخر من ذاته ليس منها فهنا تكمن نكبته فتلك الفوارق الطبقية بينهم وطبيعة نشأتهم تجعل الكثير من الأمور لا تتوافق بينهم وهو كان يعلم ذلك جيدًا ولذلك لم يتجرأ ويمنى نفسه بحلم يستحيل تحقيقه. نفض أفكاره المنطقية بعيدًا وأجابها بقناعة تامة:
ميرال انا تفكيري مش رجعي انا اتربيت على كده في أصول الواحد مينفعش يتعداها.

زفرت حانقة ثم قالت بكل ثقة:
محمد انت ليك منطق غريب بحاول استوعبه على أد ما اقدر بس أنا بعيد عن منطقك وبعيد عن الأصول وعن اللي أنت اتربيت عليه؛ انا بثق فيك لدرجة إني أأمنك على حياتي كلها وعارفة ومتأكدة أنك مستحيل تأذيني او تخذلني ابدًا.
اتوسلك كفى، قلبي لم يعد يحتمل. ذلك ما صرخ به عقله ولكن ما تفوه به كان:
هروحك
قالها وهو يجاهد كي يفر هاربًا من فخ عيناها ويتصنع الثبات بينما هي.

تنهدت وهزت رأسها بطاعة حين شرع بالقيادة وأخذت تنظر عبر زجاج نافذتها للطريق بملامح محبطة وعيون اندثرت بها تلك اللمعة الشغوفة بفضله.

أما هو فكان يمسد جبهته بأبهامه وسبابته وعقله يخبره بمنطقية باحتة أن لا يجوز أن تتواجد بمنزله ويسمح لها أن تقتحم حياته البسيطة لذلك الحد، ولكن برر قلبه أنه يضخم الأمور فهي تود الذهاب من اجل ابنة شقيقته ولا مانع من زيارة عابرة لا ضرر منها وخاصًة أنه محال أن ينفرد بها مع وجود شقيقته والصغيرة وعند تلك الفكرة وجد ذاته يضـ.ـر.ب بقرارات عقله وبحدود منطقه عرض الحائط،
وهمهم قائلًا دون أن يحيد نظراته عن الطريق:.

بتحبي البامية
استغربت سؤاله ونظرت له بطرف عيناها دون ان تجيب، ليباشر هو حديثه بنبرة مشاكسة:
براحتك أصل البت شهد عليها طاجن بامية أنما أيه تاكلي صوابعك وراه وياسلام بقى لو بالليمون، بس ياخسارة مفيش نصيب وطلعتي مش بتحبيها
جاهدت كي تكبح بسمتها وقالت وهي تدعى الخصام:
بحبها واوي كمان بس يظهر أنك بخيل ومش عايز حد يشاركك في الطاجن.

قهقه بقوة بتلك الضحكة الخشنة المفعمة بالرجولة التي تعبث بثباتها في كل مرة وتبث قشعريرة لذيدة بأوصالها وخاصًة عنـ.ـد.ما صدر صوته الضاحك مشاكسًا:
نبيهة بسم الله ما شاء الله عليكِ وبتفهميها وهي طايرة وبصراحة، اه انا طفس واوي وحاسبي بقى لحسن جوعت على السيرة
عقدت حاجبيها وناوشته وهي تنكمش على ذاتها:
ايه هتتحول وتاكلني!
قهقه من جديد وقال بغمزة عابثة من بندقيتاه:
متقلقيش مليش في الحلو.

نكست رأسها كي تخفي أشتعال وجهها من إطراءه المحسوس لها ولم تعقب فقط تبتسم وتنظر لكل شيء عداه بينما هو كان يشعر أن على حافة الهاوية وأن صموده بدأ يتلاشى شيء فشيء و.جـ.ـعلته يسير في درب من دروب الجنون فتصرفه ذلك لم يكن راضياً عنه ولكن ماذا يفعل أمام فتنتها وتأثيرها عليه. تنهيدة ثقيلة محملة بالكثير صدرت منه عنـ.ـد.ما تذكر شقيقته فبماذا سيبرر تلك الزيارة المفاجأة يقسم أن أي شيء سيخبرها به لن يخيل عليها.

ليزفر بقوة ويدعو الله بسره أن يمر الأمر بسلام فهو لا يضمن ردود فعل شقيقته.
ترى هل ستتقبل وترحب بها أم ستجن كعادتها وتطردهم معًا.
ليس من الصعب أن تعثر على الحقيقة، و لكن المشكلة الكبرى هي ألا تحاول الهروب منها إذا وجدتها
إتيان جلسوت.

مرت ساعات النهار الأولى وهي نائمة كمدًا لم تشعر بشيء غير انها تود أن تمنح عقلها هُدنة ليستعيد عمله، رفرفت بأهدابها الكثيفة بتثاقل شـ.ـديد تحاول أن تستفيق بالكامل وتنهض ولكن كان الأمر عسير عليها و الصداع يفتك برأسها وعينها متورمة أثر بكاء أمس فكانت تنتحب إلى أن غلبها النوم من شـ.ـدة الوهن بين احضان ثريا التي ظلت ملازمة لها طوال الليل ولم تتركها إلا عنـ.ـد.ما تأكدت أنها بخير.

مسدت جبهتها لعلها تخفف من حدة ألــم رأسها ولكن بلا جدوى تحاملت على ذاتها كي تنهض من الفراش وأخذت عيناها تدور بمحيط غرفتها وهي تنعي وحدتها فكم كانت تأمل ان تستيقظ وتجد أحد بجانبها يطمئنها ويخبرها أن كل ما حدث ما هو إلا كابوس مزعج يستحيل تحقيقه وأن كل شيء سيكون على مايرام وعلى ذكر الحاجة لم يأتي أحد بخاطرها سواه لتجد عيناها تتركز على ذلك المقعد القريب ببأس شـ.ـديد وبعيون حزينة ذابلة تتذكر حين كانت تجده في السابق يجلس عليه يطالعها بتلك البسمة الهادئة المريحة التي تقطر بمكنون قلبه حقًا هي بآمس الحاجة له ولكن اين هو؟ فقد تبدل حاله بفضل أفعالها ورغم أن مازالت هواجس عقلها لم تتبدد نهائي إلا أن حاجتها له في كل وقت عصيب يمر عليها أكدت لها أنها تكن له الكثير ولم تملك الجرأة ليومنا هذا كي تعترف بذلك، حاولت نفض افكارها وهي تنهض من الفراش تعاند تلك الحرب الضارية التي تود أن تنشب من جديد بداخلها و.

قبل أن تخطو خطوة واحدة
لفت نظرها ذلك المغلف الكبير الموضوع أعلى الكمومود بجانب فطورها، مدت يدها تسحبه لتجد ورقة بخط يد ثريا تعتليه وتخبرها بها أن ذهبت للاطمئنان عن رهف وان ذلك المغلف يحتوي على إثبات حديثها.

وعليها أن تطلع عليه، وبالفعل ذلك ما فعلته فقد فضت محتواه على الفراش وأخذت تتناول كل ورقة على حدى تمرر عيناها على محتواها، واحدة تلو أخرى برويه شـ.ـديدة و حينها تملكتها صدmة عارمة فقد وجدت فحوصات طبية بأسم والدتها وتقارير توضح حالتها لا والأنكى أن يوجد تقرير موثوقة من طبيب نفسي يؤكد إصابتها بإكتئاب حاد بتاريخ مسبق لوفاتها بعدة أشهر...

كل ذلك كان بمثابة انتفاضة لعقلها واختزال قوي لهواجسها البالية؛ فبين يدها دلائل قاطعة لا تقبل الشك مطلقًا.
فقد حاوطت رأسها وانهمرت دmعاتها البائسة وأخذت تهز رأسها وكأنها تدعم استيقاظ عقلها من غفوته ومداهمته لها بتلك التساؤلات دون هوادة.
هل مقتها لهم كان هباءً؟
هل حقًا نواياهم نحوها كانت بريئة؟
هل تلك السيدة التي حقدت عليها طوال سنوات كانت ضحية ظنونها وهواجسها الواهية.

فهل تلوم ذاتها أم تلوم والدتها على قرارها المجحف الذي شتتها و.جـ.ـعل الشيطان يعبث برأسها لسنوات، حقًا كانت ضائعة تنهمر دmعاتها ببأس لا مثيل له فليس من اليسير عليها أن تقتنع كون كل قناعتها السابقة بالية و كانت جميعها لا محل لها.

علمت من يامن أنها تركت منزلها وتقبع مع سعاد بمنزلها القديم لذلك توجهت إلى هناك كي تطمئن عليها ولكن عنـ.ـد.ما وصلت لهناك وطرقت على باب الشقة عدة مرات لم يأتيها جواب وحينها أحتل القلق قلبها وكادت تخرج الهاتف من حقيبتها كي تهاتفها ولكن صوت الحارس أنبهها:
الست سعاد مش هنا
=خرجوا يعني؟
لأ يا ست هانم دول في المستشفى من ليلة إمبـ.ـارح والست رهف كانت بعافـ.ـية
لطـ.ـمـ.ـت ثريا اعلى صدرها وتساءلت بجذع:.

يالهوي، رهف، طب مستشفى ايه وانا أروحلها
أجابها الحارس:
والله يا ست هانم ما اعرف بس ست كريمة جارتهم اكيد عارفة علشان ابنها الدكتور هو اللي وداهم هناك وحتى الولاد الصغار عندها
=تعالى وصلني لشقتها.

أومأ لها بطاعة واتبعها لهناك لتخبرها كريمة بكل شيء وتطمئنها على الأطفال أنهم بامانتها لحين عودتهم لتذهب ثريا بعدها للمشفى بعد أن هاتفت يامن وأخبرته بتعب رهف لكن دون ذكر تفاصيل واوصته أن يترك عمله ويعود للمنزل كي ينوب عنها برعاية نادين فهي بحاجته الآن دون عن أي وقت سبق.

أما عن ذلك الساخط فقد كان يتعالى رنين هاتفه مرة بعد مرة وفي كل مرة يتعمد أن لا يجيب مما جعلها تزفر حانقة وتصيح به:
يوووه تليفونك ده صدعني مش معقول كده مـ.ـا.ترد يمكن حاجة ضروري.

لوح حسن بيده وأخبرها ببسمة ماكرة وهو يتأمل رقم يامن الظاهر على شاشته يظن أنه يهاتفه كي يعتذر منه غافل كونه يريد أن يعلمه بشأن زوجته ولكن الأخر كان الأمر أبعد ما يكون عن تفكيره لدرجة أنه ألقى بالهاتف على المقعد بجانبه دون أي أهمية لتجلس هى على ساقيه و تتعلق بعنقه متسائلة بخبث كي تسبر أغواره:
مالك يا سُونة انت من ساعة ما رجعنا وأنت مش طبيعي خالص معقول كل ده بسبب الشغل.

تنهد بعمق وأخبرها وهو يداعب وجنتها ببسمة باهتة كي يسايرها:
أنا عارف إني قطعت شهر العسل بس اوعدك هعوضك وهاخدك أي مكان تشاوري عليه بس كام يوم كده أخلص من مشاكل الشغل
أومأت له وقالت بدلال أنثوي ماكر وبنظرات معاتبة:
لما أشوف يا سُونة أصلك بصراحة بقيت بتوعد ومبتـ.ـو.فيش
يعني قولتلي هنسيكِ أسمك ومش هنشغل عنك وأديك اهو سبتني أمبـ.ـارح لوحدي ولما جيت بليل كنت متعصب ونمت علطول.

حقًا أخر ما ينقصه هي فلم يستطيع مسايرتها أكثر لذلك هدر متأفف:
يوووووه خلاص بقى يا منار أنا مخـ.ـنـ.ـوق و مش ناقصك
تفاجأت من حدته الغير مبررة معها ولكنها تداركت الأمر بدهاء حين مالت عليه وحاوطت وجنته وقالت بنبرة مفعمة بالإثارة تعلم تأثيرها عليه:
بس أنا ناقصاك يا سُونة وعايزاك، وعندي استعداد انسيك كل اللي مضايقك.

تفهم إلى ماذا ترمي فما كان منه غير أن يتفرس بمفاتنها التي تظهرها ببزخ أمام عينه التي غامت بالرغبة لتوها حين بادرت هي بتقبيله، ليجد ذاته كالمغيب تحت وطأتها يبادلها ولكن كانت قبلته لا تعرف اللطف ابدًا ولا تمت للحميمية بشيء فكانت قبلة عنيفة آلمتها و سلبتها أنفاسها غافلة كون عقله ليس معها بل مع الأخرى و يتخذها هي وسيلة كي يفرغ بها شحنة غـــضــــبه من تلك التي يظنها خبيثة وخدعته وهي أبعد ما يكون عن الخداع.

دفعته هي بصدره بعنف عنـ.ـد.ما زادت قسوته وتعدى حدود احتمالها وصرخت به وهي تتحسس شفاهها التي تقطر دmًا:
انت اتجننت ايه اللي حصلك!
مرر يده بخصلاته بعصبية بعدmا نظر لشفاهها المدmية وقال بأنفاس ثائرة وبكل تبجح:
قولتلك مش في المود وأنت اللي اصريتي اتحملي بقى
جعدت حاجبيها من تبجحه وقالت بغـ.ـيظ شـ.ـديد وبنبرة واثقة وهي ترفع سبابتها بوجه:
أنت أيه الأسلوب الغريب ده المفروض تعتذر على الأقل، مش انا اللي اتعامل كده.

واعمل حسابك أخر مرة هسمحلك تعاملني بالوحشية دي
ذلك آخر ما قالته قبل أن تتركه يستشيط غـــضــــبًا من كل شيء حوله ويركل أحد المقاعد بقدmه ويدور حول نفسه وهو يشعر انه على حافة الجنون إلى أن تعالى رنين الهاتف مرة أخرى، ليتناوله ويرد بنبرة متعجرفة خالية من أي لباقة:
عايز ايه انت كمان؟

لهنيهة لم يأتيه رد حتى ظن أنه أغلق الخط ولكن الأخر كان يحاول تحجيم اعصابه قدر المستطاع فالغرض من مهاتفته هو إرضاء ضميره ليس أكثر لذلك قال بإقتضاب ومن بين أسنانه:
وانت اللي زيك بيتعاذ منه أيه يا بجح، انا مش هعتبك دلوقتي أنا بس بكلمك علشان ارضي ضميري واعمل بأصلي؛ مراتك تعبانة و في المستشفى من امبـ.ـارح
احتدت نظرات حسن وتساءل باستخفاف:
مستشفى ايه وتعبانة مالها ما كانت مِفرعنة امبـ.ـارح؟
اجابه يامن بنفاذ صبر:.

مستشفى (، ) و معرفش حاجة تانية، سلام
ذلك أخر ما تفوه به قبل ان يغلق الهاتف بوجهه مما جعل حسن يستشيط غـ.ـيظًا منه وهو يأخذ متعلقاته ويهرول ليذهب لها تارك شيطانه اللعين يحيك برأسه العديد من السيناريوهات.

لم تنبس ببـ.ـنت شفة فقط دmعاتها تنسل من عيناها دون أي رد فعل يذكر حاولت سعاد و ثريا التخفيف عنها ومواساتها ولكنها لم تنتبه لكلمة واحدة منهم بل كانت ساهمة بعيون فارغة وكأنها فقدت كافة شغف الحياه بعد خسارتها.
رهف علشان خاطري بلاش تعملي في نفسك كده، طب ردي عليا او عيطتي وخففي حمولة قلبك هترتاحي.

قالتها سعاد بمحاولة بائسة منها أن تجعلها تخرج عن حالة الجمود تلك ولكن بلا فائدة فلم تجيبها، لتغمغم ثريا بأسى وبملامح متهدلة شـ.ـديدة الحـ.ـز.ن:
لا حول ولا قوة إلا بالله كان مستخبيلك فين ده بس يا بـ.ـنتي
لتعقب سعاد بحمئةٍ:
أبن أختك هو سبب كل ده منه لله ربنا ينتقم منه.

نكست ثريا رأسها ولم تجد حديث مناسب ترد به لذلك ألتزمت الصمت وايضًا سعاد التي كان يصعب عليها رؤية رفيقتها بتلك الحالة وكم تمنت لو تستطيع أن تخفف عنها...
كان ذلك الصمت الذي ساد أجواء الغرفة ما هو إلا هدوء ما قبل العاصفة فقد شهقوا بقوة مفزوعين عنـ.ـد.ما اندفع الباب وظهر ذلك الساخط قائلًا بحمئة ليست ابدًا بمحلها:
عملتيها يا رهف ونزلتي اللي بطنك وفكرك هتخلصي مني
ده انا هسود عيشتك.

اندفعت سعاد كي تردعه عنها صارخة وهي تدفعه بصدره:
أبعد عنها مكفكش اللي حصلها بسببك، منك لله
دفعها عنه بغل قائلًا بوعيد احمق وهو يحاول أن يتهجم على تلك المسكينة التي لا حول لها ولا قوة:
هي لسة مشافتش حاجة مني وانا هعرفها ازاي تعند معايا
لتدخل ثريا ناهرة إياه:
اتهد بقى هتعمل فيها أيه أكتر من اللي عملته.

اشتد الحوار بينهم ما بين لوم و وعيد غافلين كونها تخلت عن حالة الجمود التي عليها بمجرد رؤيته وكأنها استوعبت الأمر الأن فقد تعالت وتيرة انفاسها واتسعت عيناها بهلع عنـ.ـد.ما مر ذلك المشهد الأليم وهو يدفعها ويهددها أمام عيناها من جديد لتنطلق صرخة حارقة متألــمة من أعماقها الممزقة و تضع يدها على وجهها تخفي عيونها وتهز رأسها بطريقة هستيرية وكأنها فقدت صوابها صارخة بكامل صوتها:.

مش عايزة أشوفك، ابعد عني بكرهك، بكرهك، بكرهك
في تلك الأثناء كان نضال في طريقه لمغادرة المشفى بعد انتهاء وقت عمله ولكن تناهى إلى مسامعه صراخ يصدر من غرفتها ليهرول لهناك ويصيح بحده ما أن رأى حالة الانهيار التي هي عليها وتجمهر بعض العاملين أمام باب الغرفة يحاولون ردعه الأخر:
هو في ايه بالظبط انت فاكر نفسك في بيتكم دي مستشفى يا استاذ يا محترم وميصحش تعلي صوتك ولا تتصرف بالهمجية دي.

أجابه حسن بتبجح وهو يزيح بيده أحد العاملين الذين يحيلون بينهم:
أنت مالك انت انا ازعق في المكان اللي يعجبني وبعدين الهانم اللي قدامك دي مراتي وسقطت من غير علمي وانا عايز المسؤول هنا علشان هخربها على دmاغكم كلكم
تجهمت معالم نضال وهو ينظر له نظرة مشمئزة مستنفرة وهدر بإنفعال:
مراتك سقطت بسبب تعنيفك ليها وده اللي هكتبه في التقرير الطبي ده غير محاولتك دلوقتي بالتعدي عليها.

تجاهل ذلك الوعيد المبطن بحديثه ولم يفكر سوى بجملة تعنيفك لها مما جعله يعقد حاجبيه ويتسأل بعدm استيعاب:
يعني ايه مش فاهم؟
لوح نضال بيده وتوجه لها وقال بصوت جهوري للممرضين الذين هرولوا على صوت صراخها ولم يتمكنوا من تهدئتها:
حد يجبلي حقنة مهدئة واقفين تتفرجوا على أيه!
وبلغو الأمن يطلعوا الأستاذ ده بره
احتدت نظرات حسن بغـ.ـيظ وهدر معترضًا:
انا مش هتحرك من هنا غير لما أفهم
أجابته سعاد بنفاذ صبر وبهجوم شرس:.

انت هتستهبل كل اللي حصلها ده بسببك رهف سقطت لما زقتها أنت السبب في إجهاض البيبي...
نزل حديثها عليه كالصاعقة، وفرغم أنه لم يسعد بخبر حملها ولكنه لم يتعمد ابدًا أن يكون سبب في خسارته.
فقد أبتلع رمقه بحلق جاف وزاغت نظراته بين تلك المسكينة التي تنتحب وتصرخ به كي يغادر وبين الجميع ثم تراجع عدة خطوات للخلف وكأن الأرض تميل به تزامنًا مع صراخها المتكرر الذي رج أرجاء المشفى:.

أخرج مش عايزة اشوفك تاني بكرهك يا حسن، بكرهك وعمري ما هسمحك...
نظر لانهيارها بعيون زائغة وبقايا ضميره ينهش به يخبره أنه بفعلته تلك قد يخسرها للأبد لذلك برر قائلًابنبرة مهزوزة متلجلجة:
رهف، انا مكنش قصدي...
لتدخل ثريا آمرة إياه بحده:
مش وقته الكلام ده امشي البِنية مش طايقة تشوفك
=يا خالتي انا مكنش قصدي هي اللي استفزتني وقتها و...

كاد يستأنف تبريره المقيت وكعادته يحمل تلك المسكينة عبء ما حدث لولآ أن ثريا قاطعته بحدة وبنبرة صارمة:
اخرس ومتفتحش بؤك ومن النهاردة تنسى أن ليك خالة والمسكينة دي ذنبها في رقبتك و ربنا اسمه العدل وهينتقملها منك علشان انت خسيس و متستاهلش ضفرها.

مرر يده بخصلاته وهو يشعر بأن الدmاء تغلي برأسه ويعجز عن التفكير ليمنح انهيارها نظرة مطولة وشيء من بقايا ضميره ينهش به فلم يتوقع في أسوء كوابيسه أن يتوصل به الأمر لهنا. ليسعفه عقله العقيم ويتدخل شيطانه كعادته ويبرر له أنها هي من استفزته و.جـ.ـعلته يفقد سيطرته على ذاته لذلك الحد الذي جعله يتسرع ويدفعها دون أن يفكر في عقبات للأمر.

قطع تفكيره تكرار نضال وهو يحاول جاهدًا أن يسيطر على حالة تشنج جسدها كي يوخزها بإبرة المهدئ ولكن كان الأمر عسير عليه فكانت نظراتها الكارهة مصوبة نحو ذلك المقيت وتصرخ بحرقة لا مثيل لها:
قولت طلعوه بره علشان تهدى
كان يود أن يعترض من جديد لولا أن ثريا زجرته وحثته على المغادرة ليهز رأسه بمسايرة ويقول وأحد أفراد الأمن يقبض على ذراعه:
تمام همشي بس برضو مش هت عـ.ـر.في تخلصي مني يا رهف وهرجعلك تاني.

دفعه اثنان من أفراد الأمن للخارج فلم يقاومهم بل تركهم يسيروا به خارج المشفى دون أي مقاومة وكأنه هو من طمح بالهروب وقد ساعدوه دون أن يشعروا
بينما هي خار جسدها ومقاومتها تدرجيًا مع تسربل العقار الطبي بوريدها وتهدلت جفونها ساقطة في حالة من السبات المؤقت
وعنـ.ـد.ما اطمئن الجميع عليها اجتمعت سعاد ب نضال بمكتبه وهي تنوي أن تتخذ إجراء رادع لذلك المقيت كي تحمي ابنة عمها من بطشه.

يالهوي هي حصلت جيبلي نسوان البيت يا محمد
قالتها شهد بتسرع عنـ.ـد.ما سحبها محمد لأحد الغرف الجانبية بعدmا دلف ب ميرال من باب شقتهم وترك الصغيرة هي من تستقبلها
كتم محمد فمها بكف يده كي لا تتفوه بالمزيد ناهرًا إياها بحده:
انا قولت مـ.ـجـ.ـنو.نة، نسوان مين يا شهد عيب عليكِ هو اخوكِ بتاع الكلام الفارغ ده اهدي علشان أفهمك
اومأت له بعيون متسعة وما أن زحزح يده عن فمها قالت بتسرع دون تفكير:.

تفهمني ايه، اوعى تكون ضارب ورقتين  عـ.ـر.في وجاي هنا لأ البيت ده طاهر وهيفضل طول عمره طاهر
نفخ محمد أوداجه وباغتها بقرص اذنها قائلًا بغـ.ـيظ وهو يجذبها منها:
اتكتمي الله يخرب بيتك ايه اللي بتقوليه ده
تأوهت بقوة وجذبت راسها كي يفلت اذنها قائلة بألــم:
ودني هتطلع في ايدك وبعدين اعملك ايه ما هي ملهاش تفسير غير كده
أجابها بنبرة جدية وهو يخفف ضمة أنامله على أذنها شيء فشيء:
لأ ليها بس اتهدي واسمعي وشغلي عقلك الأول.

هزت رأسها تحثه على تركها وكتمت بيدها فمها كي تقنعه أنها ستستمع له، ليتنهد هو ويترك اذنها ويقول بنبرة هادئة حاول أن يخفي بها ارتباكه:
دي بـ.ـنت الراجـ.ـل اللي شغال عنده
دmاغك مترحش لبعيد كل الحكاية أنها كانت عايزة تشوف طمطم وتتعرف عليكِ
تساءلت شهد بحاجب مندهش:
وهي تعرفنا منين؟
أجابها محمد وقد بدأ الارتباك يسيطر عليه:
كنت واخد بـ.ـنتك الملاهي وكانت معانا...
شهقت شهد بتفاجئ وقالت ببسمة واسعة:.

يعني دي ميرال اللي البت طمطم حكتلي عليها طب ما تقول كده من الصبح
أومأ لها بتأكيد وأضاف برجاء محسوس:
علشان خاطري يا شهد استقبليها كويس ورحبي بيها وبلاش جنانك ده
تنهدت شهد وأجابته وهي تضيق عيناها:
من عيوني يا اخويا انت تأمر بس لو طلعت معوجة ومناخرها في السما هكرشك أنت وهي و طمطم ذات نفسها
هز رأسه بلا فائدة وقال مشاكسًا وهو يسحبها من مؤخرة ملابسها كي تستقبل ضيفته:.

لا من الناحية دي انا مطمن، انجري بقى قدامي يا مـ.ـجـ.ـنو.نة اتأخرنا عليها وعيب كده.

عاد كما اخبرته والدته وهو يستغرب لمَ طلبت منه ذلك الطلب الغريب في ذلك التوقيت بالذات ولمَ أصرت عليه بالهاتف أن يظل بجوارها، لمَ قالت له أنها بحاجته الآن! فمنذ متى وهي تكون بحاجته هي لم تلقِ بال له من الأساس وإن كانت تفعل لم تكن ارتكبت تلك الأفعال المشينة بحق والدته وبحقه،.

تنهد بعمق عنـ.ـد.ما تناهى إلى مسامعه صوت بكاءها وأخذ يجول بعينه في محيط المنزل يبحث عنها ليزفر بقوة كي يمهد ذاته لأحد حيلها التي يظن أنها تفتعلها كي تؤثر عليه وتجعله يحيد عن قراراته ويتبع الصوت وصولًا لمرحاض غرفة والدته استغرب ما الذي أتى بها هنا ولكنه طرق على الباب وقال بجمود أصبح يتقمصه بالآونة الأخيرة معها:
نادين اخرجي؟ انا عارف انك بتمثلي وعارف انك أنتِ اللي خليتي أمي تكلمني.

لثوان سكت صوت نحيبها وظن أنه نجح في كشف حيلتها وقبل أن يدرك الأمر كاملًا اتاه صوت فوضى بالداخل لم يخمن مصدرها وقبل أن يستكشف الأمر بنفسه فتحت هي الباب برأس مطرقة وحاولت أن تتخطاه، نظرة خاطفة بالداخل لأرضية المرحاض كانت كفيلة أن تجعله يجن جنونه ويظن كونها كان تود أن تلحق بنفس مصير والدتها ليهرول خلفها يجذبها من ذراعها صارخًا بحدة:
كنتِ بتحاولي تعملي ايه؟

حمت وجهها بذراعها الآخر تخــــوفًا أن تنال أحد صفعاته وهزت رأسها كونها لم تفعل شيء، وغر قلبه عنـ.ـد.ما فعلت ذلك وكم لعن ذاته كونه جعلها تخاف بطشه لهذا الحد فحقًا هو الأن نادm كونه شيد بيده عائق أخر يجعلها تتحامل عليه وتنفر منه، ليبتلع غصة مريرة بحلقه وتتهدل ملامحه و ينظر لها بعيون اندثر جمودها و تسربل بها الدفء من جديد حين ترك ذراعيها وتسأل:
امال علب الدوا اللي في الأرض دي ايه؟

انزلت يدها بترقب ثم أجابته بنبرة مختنقة وبعيون منكـ.ـسرة واهنة تفر منها دmعات متباطئة:
عندي صُداع وكنت بدور على حاجة تضيعه بس ملقتش، ولما أنت خبطت العلب وقعت من ايدي على الأرض.

الإنكسار الذي كان يظهر جليًا على هيئتها وعيونها الدامية التي تأكد كون بكائها استمر لوقت كبير وغير مفتعل و.جـ.ـعل قلبه يتوسله كي يعود ل لينه ويرأف بها، وقبل ان يصدر منه كلمة واحدة كانت تتحرك بتؤدة مبتعدة عنه وهي تمسد جبهتها وتسير نحو غرفتها،
ليتنهد هو تنهيدات عميقة مثقلة ويرفع نظراته لأعلى وكأنه يناجي ربه كي يعينه على نكبة قلبه.

أما هي فبعد عدة دقائق كانت تجلس على طرف فراشها وهي تشعر بالخزي من ذاتها بعدmا رأت بأم عيناها كيف أصبح يشكك بكل افعالها بسبب غباءها، نكست رأسها وأغمضت عيناها تتوسل ذلك الألــم أن يحل عنها ولكن كان يشتد ويشتد لدرجة انها وجدت دmعاتها تفر متألــمة معها، يده الممدودة جعلتها تنتبه لوجوده معها بالغرفة فقد رفعت نظراتها الباكية إليه حين صدر صوته ذات البحة المميزة الذي يزعزع ثباتها قائلًا:.

جبتلك حبوب مُسكنة هتريحك وعملتك قهوة...

هزت رأسها بأمتنان وتناولت الحبوب اولًا من يده ووضعت اثنان منها بفمها ثم ارتشفت بعدها الماء، اخذ هو الكوب من يدها حين انتهت ثم أعطاها قدح القهوة لترفعه هي على فمها ترتشف منه بضع رشفات صغيرة مستمتعة فكم اشتاقت القهوة الممزوجة بالحليب من صنع يده، بينما هو توجه يغلق ستائر الغرفة كي يكبح حدة الضوء عن عيناها ويساعدها على تخطي الألــم ثم ذهب واغلق نور الغرفة وقبل أن تصيح وتذكره انها تكره الظلام وتكره أن تكون بمفردها به شعرت به يجلس خلفها على طرف الفراش ويده أخذت طريقها لمؤخرة عنقها يدلكها بحركات دائرية حسيسة تعرف كيف تصل لمراكز الألــم، بينما هي أغمضت عيناها بقوة واستسلمت لمحاولته في مساعدتها ورغم أن الصُداع مازال يفتك بها إلا أن لمساته الحانية جعلتها تستجمع شجعتها وتهمس بأسمه بنبرة مغلفة بالاحتياج جعلت طبول قلبه تقرع من أجلها:.

يامن...
لم يمنحها فرصة لقول شيء بل قاطعها بنبرة حانية مطمئنة افتقدتها منه بشـ.ـدة:
ششششش متتكلميش، مش وقت كلام وحاولي ترخي اعصابك هتبقي أحسن.

هزت رأسها بطاعة جعلته يتنهد تنهيدة ثقيلة محملة بالكثير وهو يستمر بما يفعله إلى أن سَكن الألــم وحل محله الطمأنينة التي عبرت عنها دون كلمـ.ـا.ت حين تراجعت بجسدها حتى جعلته يلتصق بجذع الفراش ومالت برأسها على صدره العريض تود أن تستمع لدقات قلبه كي تتأكد كونها مازالت تنتمي لها، ثم تشبثت به بقوة وانكمشت بين أحضانه وكأنها مازالت تلك الطفلة الصغيرة صاحبة الضفائر الطويلة التي كلما فعلت كارثة او افتعلت شيء خاطئ تفر إليه وتستنجد به وكأنها كانت لا تدرك مسبقًا كونه هو مأواها الحصين ومصدر أمانها وأدركت ذلك الآن فقط، بينما هو دون حاجته لأسبابها فكان دائمًا وابدًا يعشق ذلك الشعور التي منحته اياه الأن دون مجهود منه كالسابق فطالما كان يتعمد أن يرهبها كي يناله منها، ولكن بعد أن حمت وجهها اليوم وتخــــوفت من بطشه أقسم أنه لن يرهبها بعد الأن ولن يقسوا عليها مرة أخرى مهما فعلت سيتركها هي من تقرر كل شيء فإن أرادت ملجأه تأتي له كما حدث الأن بكامل ارادتها.

كانت ساهمة وكأنه أتى بها لعالم موازي لا يمت لعالمها بشيء فكانت نظراتها منبهرة تتأمل كل شيء بتمعن شـ.ـديد بدءٍ من منطقتهم الشعبية التي تضج بالضجيج إلى كل ركن تقع عيناها عليه بمنزلهم المتواضع فكان الأثاث والفرش رغم بساطته إلا انه اشعرها براحة غريبة ودفء لم تشعر به قط بقصر أبيها
ما تاكلي يا ميرال ولا اكلي مش عجبك.

قالتها شهد وهي تقدm لها الطعام بحفاوة كبيرة و بترحاب اشعرها بالألفة وانتمائها لحيث يكون.
لتبتسم بأمتنان و تنفي برأسها وتقول بعفوية:
لا ابدًا يا شهد، يسلم ايدك الأكل طعمه حلو أوي أنا كنت فاكرة محمد بيبالغ لما قالي أكلك حلو بس بصراحة طلع معاه حق
تنهدت شهد وقالت بمحبة خالصة لأخيها الذي يجلس بجانبها وهي تربت على يده المسنودة على الطاولة:.

ده قلب أخته ومليش في الدنيا غيره وعلطول كده طالع بيا السما ورافع من روحي المعنوية
تناوبت ميرال نظراتها بينهم وبين يد شقيقته التي تستقر فوق يده وكم تمنت أن تكون محلها فهي تقسم إن فعلت وتشبثت بها لن تفلتها مداد الدهر ولكن متى، وكيف، وهو يتجاهل كافة تلميحاتها ويتعامل معها بثبات غريب حتى جعلها تظنه متلبد المشاعر و بلا قلب،.

كانت تتطلع له أثناء شرودها بطريقة جعلت شهد تشعر بالريبة منها وخاصةً عنـ.ـد.ما وجدت شقيقها يرتبك ويدعي انشغاله بالطعام حين قالت:
محمد جدع وراجـ.ـل بجد يُعتمد عليه ربنا يخليكم لبعض يا شهد وميحرمكوش من بعض ابدًا
اجابتها شهد بمجاملة تحمل رسالة مخفية بين طياتها:
يارب يا حبيبتي، ويرزقك بأبن الحلال اللي بتتمنيه.

اندثرت بسمتها لثوانِ و تعلقت عيناها به وكأن كافة امنيتها تختصر عليه، بينما هو شعر بانقباض قلبه عنـ.ـد.ما خيل برأسه انتماءها لرجل آخر ليحتج قلبه بين احشائه صارخًا عنـ.ـد.ما منحته تلك النظرات الناطقة التي تزلزل قاع قلبه وتطيح به ورغم انه قاوم وجاهدًا ذاته كي يخفي ما يختلج بداخله ولكن عينه آبت أن تتهرب منها ككل مرة بل أخذت مداد من بحر عيناها جسر طويل المدى كي يروي قلبه الذي اصبح يهيم بها.

دام تشابك نظراتهم لثوان معدودة قبل أن تدس شهد بفمه ملعقة ممتلئة بالأرز قائلة:
كُل يا حبيبي دي مش اكلتك
تفاجأ من فعلتها لا والأنكى أنه غص بالطعام وسعل بقوة على آثارها، لتشهق ميرال وتناوله كوب الماء الموضوع أمامها ويتناوله ويرتشف عدة رشفات منه بينما شهد هبت واقفة تضـ.ـر.ب على ظهره بقوة قائلة:
يالهوي يارتني ما نطقت باين عليا حسدتك
زجرها محمد كي تكف عن مزاحها وابعدها عنه منزعج:.

يا ستار عليكِ خلاص بقيت كويس وبطلي هزار البوابين ده كُنتِ هتمـ.ـو.تيني
لوحت شهد بيدها وجلست قائلة وهي تغمز له بعيناها:
يعني ده جزاتي كنت هتروح في شربة ميه قولت ألحقك
هز رأسه بلا فائدة فهو يعلم ماذا تقصد بحديثها لذلك زجرها وقال ببسمة متوعدة تعلم ما يحل بعدها:
خلاص يا شهد حصل خير بَطلي رغي وكُلي وسيبي الضيفة تاكل
بدل ما أقسم بالله هعلقك زي ما بعلق بـ.ـنتك في النجفة.

قهقت الصغيرة بينما تراجعت شهد ومطت فمها وأنبته وهي تدعي الحـ.ـز.ن:
كده يا حمود اختك حبيبتك تهون عليك تهزقها قدام المفعوصة دي
حانت منه بسمة مشاكسة وقال بحنان اخوي يكفي العالم أجمع وهو يميل يقبل جبهتها:
لا متهونيش طبعًا ده انتِ تاج راسي يا ام الاوزعة
امتعض وجه الصغيرة واعترضت وهي تربع يدها بنزق طفولي:
يوووه أنا مش اوزعه
رفع حاجبيه وقال مشاكسًا وهو ينهض:.

حقك عليا يا ام نص لسان، انا شبعت هقوم اعملكو كوبيتين شاي كُشري أنما أيه عجب
أيدته شهد بينما هي تساءلت بكل عفوية:
شاي وكُشري طب ازاي بتحط بدل السكر عدس و رز
قهقه بكامل صوته وشاركته شهد وحتى الصغيرة مما جعلها تشعر بالحرج الشـ.ـديد وتقول متلعثمة:
هو يظهر انا فايتني كتير، مش كده!
اجابها هو مشاكسًا:.

كده، بس معذورة أصلك من كوكب تاني بس هفهمك وامري لله هو مش كُشري بالمعنى الحرفي هما سموه كده علشان بيتحط الشاي والسكر وبعدين يتحط عليهم الميا المغلية على البـ.ـارد كده من غير ما يغلوا مع بعض لكن طعمه شاي عادي زي بتاعكم
أومأت له بتفهم بينما الصغيرة عقبت في لماضة:
ده انتِ باين عليكِ ابيضة خالص يا طنط ميرال ومت عـ.ـر.فيش حاجة
برقت عين ميرال وعاتبتها بلطف عفوي وهي تقرصها من وجنتها:
حتى انتِ يا طمطم ده أنا بحبك.

مطت الصغيرة فمها وهبت تجلس على ساقيها وتتعلق بعنقها قائلة بتضامن عاطفي:
وانا كمان بحبك، لتؤشر على محمد وتستأنف بخفة:
هو أبو رجلين طويلة ده هو اللي وِحش وبيغلس علينا كلنا
ضيق عيناه بغـ.ـيظ وتقدm من جلستها قائلًا وهو يقبض على منكبيها و يرفعها لأعلى تزامنًا مع شهقة ميرال ومحاولتها التمسك بها وبين صراخ شهد:
تعالي بقى مين ده ابو رجلين طويلة يا اوزعة يا ام نص لسان ده أنا ساكتلك من الصبح.

ردت طمطم بشجاعة ليست بمحلها:
أنت يا حمود يا حبيبي أبو رجلين طويلة ومفيش في البيت أطول منك
اعتلى حاجبيه بشقاوة وسار بها رافعها لأعلى بيد وبالأخرى أخذ يدغدغها بها لتقرقر هي ضاحكة وترجوه كي يتوقف بينما هو قال مشاكسًا وبسمته مازالت تزين وجهه:
هتقولي حرمت ولا اعلقك بدل النجفة
لتصيح الصغيرة مستسلمة:
حرمت، حرمت مش هعمل كده تاني
لينزلها وتفر لأحضان ميرال من جديد قائلة:
برضو رجليك طويلة.

قهقهوا جميعًا على مشاغبتهم سويًا
بينما ضـ.ـر.ب هو كف على آخر متمتًا بغـ.ـيظ:
ماشى يا طمطم الكـ.ـلـ.ـب مش هسيبك غير لما اقصرلك لسانك ده، بقى انا رجليا طويلة، ولا التانية اللي بتقولي عدس ورز وبتقولي فايتك كتير ده فاضل شوية وتقولي متنساش الكمالة وبتزعل لما بقولها أنتِ من كوكب تاني.
عن زعل يتحدث هو! كل ما في الأمر أنها لا توده دائمًا يشعرها باختلافها عنه لذلك بررت وهي تدثر طمطم بأحضانها:.

انا من نفس الكوكب بس أنت اللي ليك مصطلحات غريبة بحاول أفهمها
كاد أن يرد لولآ أن شهد قاطعته:
خلاص يا محمد وهي هتعرف منين كلامك ده بَطل و روح اعمل الشاي ومتنساش القرنفل
هز رأسه بشكل درامي وقال وهو مازال محتفظ ببسمته المشاكسة:
أمري لله انا هروح بس حقنٍ للدmاء وعلشان خاطر الحلو.

انفجروا ضاحكين على دعابته أما هي فكانت تعلم انه يقصدها هي بالحلو لذلك كانت تشعر بسعادة عارمة كونها لأول مرة ترى ذلك الجانب المشاكس من شخصيته مما جعلها تهيم بأثره دون قصد
غافلة عن عيون شهد التي لاحظت ما يفيض من نظراتها وكم تمنت أن يكون حدسها صادق نحوها فقد أحبتها كثيرًا وراقها تواضعها وعفويتها الصادقة في التعامل معهم.

كان في حالة من حالات الصراع النفسي تارة يعاتب ذاته على ما بدر منه بحقها وتارة يغشم حاله انه لم يخطأ وما حدث كان رد فعل لاستفزازها فهو لم يتعمد بتاتًا ما حدث ولكن عقله العقيم تناسى حديثها و مواجهتها الصريحة له بقناعتها التي تبدلت حتى حديث ذلك الطبيب له لم يعطيه اهتمام و هيأ له أنها سوف تتفهم أعذاره من أجل استقرار أطفالهم فهناك يقين راسخ داخله يخبره أنها مازالت تعشقه وسيصعب عليها تخطيه رغم ادعائها عكس ذلك.

زفر حانقًا دخان سجارته التي لا يعلم عددها لليوم واستند بجذعه على أحد الارائك التي تتوسط ردهة منزله وقد قرر أن يبيت عليها اليوم ويفر من منار فلا ينقصه دلالها وحقًا لم يكن بمزاج راق كي يتودد لها او يراضيها الآن فعقله يضج بالكثير واخر ما ينقصه هي لتشتد مداهمة تلك الحرب الطاحنة برأسه وتكاد تفتك به، ويقرر أن يذهب في الغد بحجة أن يطمئن على أطفاله ويتسأل اين يمكثون أثناء تواجدها بالمشفى ويحاول أن يؤثر عليها ويقنعها بأعذاره وهو يعتقد أنها ستغفر له كما تفعل على الدوام عنـ.ـد.ما يقنعها انه لم يتعمد الأمر.

غافل كون الحريق الذي انشبه بقلبها ألتهم كل شيء بأحشائها له ولم يتبقى حفنة واحدة كي تتشفع له.

عاد بها لقصر أبيها دون أن تتفوه بشيء طوال الطريق فقط بسمة هادئة تعتلى ثغرها وهي تتذكر تفاصيل يومها معه فلأول مرة تنعم بدفء اسري وترى ترابط صادق مفعم بالمحبة بهذا الشكل وكيف تفعل وهي ربيت وحيده وبين اسرة مفككة لم تحظى ابدًا في كنفهم بالاهتمام والدفء والسَكينة التي شعرت بها بمنزله البسيط. انتشلها من شرودها صوته الأجش:
وصلنا يا ميرال.

رفعت نظراتها له بتيه قبل أن تلحظ توقف السيارة بها أمام بوابة القصر لتجلس بزاوية المقعد كي تكون بمواجهته وتقول بإمتنان:
شكرًا على اليوم الحلو ده بجد انبسطت معاكم اوي
هز رأسه ببسمة هادئة ثم تمتم بتلقائية:
فعلًا كان يوم حلو و شهد اتبسطت انها اتعرفت عليكِ أصل من يوم الملاهي و طمطم مبطلتش كلام عنك
اتسعت بسمتها وهمست بعفوية شـ.ـديدة بعدmا تذكرت ذلك اليوم الذي طبع في ذاكرتها للأبد:.

ياه اليوم ده كان حلو بشكل، تعرف إني عمري ما هنساه ابدًا
أَيدها بحركة من رأسه بينما هي استأنفت
بنبرة صادقة مفعمة بمكنون قلبها:
أي حاجة بشاركك فيها بتبقى مميزة بالنسبالي و أي حاجة ليها علاقة بيك لازم احبها حتى أختك وبـ.ـنتها حبتهم جدًا و كنت مبسوطة معاهم وكأني اعرفهم من سنين واتمنيت لو كُنت بـ.ـنتمي ليك زيهم يا حمود.

تلجم لسانه عنـ.ـد.ما خصته بذلك اللقب المحبب على قلبه وابتلع ريقه بحلق جاف لم يصدق أن تلميحها له أصبح أكثر وضوحًا بهذا الشكل، أتظنه غـ.ـبـ.ـي لهذا الحد! لا هو ليس كذلك فقد غرق بها منذ الوهلة الاولى ولكنه كان يجاهد كي يبدو عكس ذلك ولكن الآن تداعت عزيمته على الأخير ولم يبقى بها ذرة ثبات واحدة فلو عليه كان يود أن يصرح الآن ويعلن للعالم أجمع كونها هي من زلزلت قاع قلبه ونسبت ملكيتها له، ولكن ماذا يفعل إن تفوه بمشاعره ستكون بمثابة وعد صريح لها ولم يتعود أن ينقض الوعود وكيف لا يفعل وتلك الفوارق اللعينة تعيقه وتحيل بينه وبينها.

أما هي فقد اصابها إحباط من عدm رده فكم ودت لو صرخت الآن بوجهه وأخبرته أنها لا تطيق حالة التلبد التي هو عليها ولكن خشيت ردة فعله فماذا لو لم يبادلها حقًا! هل سيظل صديقها كما يطـ.ـلق على تقاربهم أم ستخسره حينها! حقًا هي تخشي أن تفقده لذلك تتعمد أن تلمح له وتنتظر ليبادر هو
ولكن يا ترى إلى متى سيدوم انتظارها
تنهدت تنهيدة مُسهدة بضجيج مشاعرها ثم قالت والإحباط يحتل معالم وجهها:
تصبح على خير يا حمود.

لم تنتظر أن يجيبها وتدلت من السيارة لتجد
زوجة ابيها تتربص بهم و تقف تربع كتفيها اعلى صدرها وتنظر لهم نظرات حادة مشتعلة أثناء اقترابها من موضع السيارة متسائلة بخبث:
كنتِ فين وراجعة منين ولا هو علشان باباكِ مشغول بتستغلي الوضع وعايشه حياتك
قلبت ميرال عيناها واخبرتها بسام فأخر شيء ينقصها هي:
ملكيش دعوة بيا لو سمحتي واظن بابي بنفسه قالك قبل كده متدخليش في اللي يخصني.

قبضت دعاء على ذراعيها قائلة بحدة ما أن حاولت ميرال تخطيها:
تعالي هنا عيب لما تسيبني وتمشي وانا بكلمك
نفضت ميرال يدها وصاحت بغـ.ـيظ وهي تسير للداخل بخطوات واسعة:
قولتلك ملكيش دعوة بيا
كان يشاهد ما يحدث من جلسته خلف الموقد ولكنه لم يشأ أن يتدخل فتلك الصفراء لا يروقه طريقة حديثها بتاتًا ويغشى أن يزلف لسانه معها
ولكن لسوء حظه أنها بادرت بفتح باب السيارة وقالت بنبرة آمرة استفزته:
انزل وقولي الهانم دي كانت فين؟

تدلى من السيارة وهو يلعن ذلك الموقف الغـ.ـبـ.ـي الذي وضعته به، فماذا يخبرها الان أيخبرها انها كانت بمنزله! لا بالطبع لن يفعل بل حاول ان يتصنع الجهل قائلًا:
انا سواق مش دادة حضرتك وكل اللي بعمله إني استناها في المكان اللي بتقولي عليه لكن معرفش بتروح فين
اعتلى حاجب دعاء بغـ.ـيظ وحذرته:.

اسمع أنا مش مرتحالك واظن أمرتك قبل كده توصلي كل تحركاتها بس أنت طنشت وانا صابرة عليك بس علشان اختك لكن قسم بالله لو ما تكلمت وقولتلي الهانم دي بتعمل ايه من ورانا لكون طرداك وقاطعة عيشك
جز على نواجذه بقوة كي يتحكم بلجام نفسه ولكن كان الأمر ليس بيسير عليه فقد وجد كـبـــــريـاءه يصـ.ـر.خ قائلًا دون أي تفكير بعقـ.ـا.بات شيء:.

قولتلك قبل كده الأرزاق على الله يا هانم وبعدين انتِ مش ولية أمرها ولو في حاجة أنا بنفسي هبلغ فاضل بيه ابوها
اغتاظت من حديثه وهدرت:
بس أنا مرات باباها ومن حقي...
لأ مش من حقك، انتِ مش أمها بلاش تعيشي دور مش بتاعك يا هانم...
قاطعها هو بحمئهةٍ ودفاع مستمـ.ـيـ.ـت جعلها تهدر بتعالي وهي تستشيط غـ.ـيظًا منه:
انت واحد وقح وانا غلطانة إني عطفت على أمثالك أتفضل أنت مطرود واستغنينا عن خدmـ.ـا.تك وياريت متورناش وشك تاني...

استغفر ربه بسره ثم قال وعينه يشتعل بها الغـــضــــب:
ت عـ.ـر.في لو مكنتيش واحدة ست أنا كنت عرفت ارد عليكِ
شملته بنظرة متدنية وقالت باشمئزاز وهي تؤشر بسبابتها صعودًا وهبوطًا على هيئته:
انا اللي غلطانة إني عملت قيمة لأمثالك
جز على نواجذه بقوة فلأول مرة يتعرض لموقف مشابه فقد تم اهانته والتقليل منه بشـ.ـدة حتى أنها أشعرته بمدى ضئالته، لذلك رد بحمئةٍ شـ.ـديدة وبدmاء حامية:.

امثالي يا هانم اللي مش عجبينك كنتِ انتِ واحدة منهم ياريت متنسيش اصلك وإذا كان على الشغل يغور مبقاش يلزمني اصلًا
ليخرج مفتاح السيارة ويفتح التابلوه الخاص بها يخرج رخصتها ثم بكل كـبـــــريـاء وعزة نفس ناولها إياهم قائلًا بنبرة قوية اجفلتها:
شكرًا لعطف سَعادتك الله الغني يا هانم...
ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يغادر ويقرر أن لا عودة من جديد بعد إهانته فحديث تلك الصفراء له كان بمثابة صفعة قوية ليعرف حجم ذاته.

ورغم صرخات قلبه بعدm ترك من ملكته إلا أنه أخذ يقنع ذاته أن ما حدث كان صائبًا ولابد أن يبتعد فتلك الفوارق الطبقية بينهم اسوارها عالية يصعب عليه تخطيها لذلك لايجب أن يغشم حاله اكثر ويغرق بها دون أمل.

استيقظ في صباح اليوم التالي بمزاج عكر للغاية فأخذ حمام دافئ يساعد عضلاته المتشنجة وأعصابه المشـ.ـدودة على الاسترخاء وحين انتهى لف خسره بأحد المناشف العريضة.

ثم خرج لينتقي ملابس له كي يذهب ل رهف كي يبرر فعلته، ولكن عنـ.ـد.ما فتح الخزانة لم يجد شيء بها مما أثار حنقه للغاية و.جـ.ـعله يصيح بأسمها ولكن لم يأتيه رد لذلك خطى نحو غرفة نومهم وما أن فتح بابها وجدها تسقط في سبات عميق ولم تلقِ بال لشيء، وكزها بغـ.ـيظ قائلًا:
منار فين هدومي؟
تأففت هي اثناء نومها وسحبت الوسادة تضعها على وجهها قائلة والنعاس يسيطر عليها:
افففف بقى عايزة انام بتصحيني ليه.

احتدت نبرته وقال بحده وهو ينزع الوسادة عنها:
قومي وكفاية دلع فين هدومي؟
تأففت من جديد ولوحت بيدها بلامبالاه واخبرته:
يوووه لسة في الشنط
بيعملوا ايه في الشنط لسه مش المفروض يترتبوا في الدولاب
نفخت هي أوداجها وقالت وهي تنفض الغطاء عنها كاشفة عن ذلك القميص النبيذي الذي يكشف منحنياتها ببزخ أمام عينه أثناء جلستها الموحية وكأنها توريه ما فات عليه عنـ.ـد.ما تركها بالفراش وحدها:.

ده مش شغلي انا يا سُونة ده شغل الخدامة وأنت لغاية دلوقتي مجبتليش حد اعملك ايه يعني
لم يكن بمزاج يسمح له أن يلق بال لهيئتها، بل استغرب حديثها وقال وهو يعقد حاجبيه:
افنـ.ـد.م، أنتِ مراتي و ده شغلك وبعدين خدامة ليه انا متعودتش إن يكون حد غريب وسط بيتي ويقيد حريتي
تنهدت ثم قالت بعتاب وبنبرة متصنعة تدعي الحـ.ـز.ن:
انت مش بتحبني ومش بتفكر في راحتي، وبعدين مش كفاية مزعلني ومنكد عليا وانا لسه في شهر العسل.

قالت آخر جملة وهي تخفي وجهها وتتصنع البكاء مما جعله يزفر حانقًا و يجاورها مبررًا:
انا مش ناقص نكد واللي فيا مكفيني وبعدين انا جوزك مفهاش لو امتصيتِ غـــضــــبي واتحملتيني
رغم تبجحه حتى في تبريره ولكنها تداركت الأمر بدهاء بعدmا ازحت يدها عن وجهها وراحت تجلس بين ساقيه هامسة بنبرة باكية:
انا مش بحب العنف اوعدني متكررش اللي حصل ده تاني و تزعلني منك انا بحبك يا سُونة.

قالت أخر جملة وهي تحاوط خصره وتستند برأسها على صدره العاري فما كان منه غير أن يشملها بذراعيه قائلًا:
خلاص حقك عليا
هز رأسها على صدره وهمست من جديد ولكن بنبرة مغوية وهي تعبث بأناملها المطلية بين شعيرات صدره:
خلاص سامحتك، اصلك وحـ.ـشـ.ـتني اوي يا سُونة ومش قادرة وانت بعيد عني
ابتلع ريقه بتـ.ـو.تر وامسك يدها العابثة بين قبضتيه قبل أن تضطره أن ينجرف معها وتحجج قائلًا:.

انتِ كمان يا قلب سُونة حشـ.ـتـ.ـيني و  بس أنا لازم انزل علشان عندي مشوار مهم
خرجت من بين يديه واعتلى حاجبيها بتساؤل:
مشوار ايه إن شاء الله
أجابها وهو يحاول أن يبدو ثابت في رده كي يقنعها:
هروح اشوف الولاد واطمن عليهم ومش هتأخر.

التوى ثغرها وزفرت قائلة:
ماشي بس متتأخرش عليا علشان بتوحشني
أومأ لها ونهض من جانبها هادرًا:
طب انا هروح اشوف فين الشنط وانتِ حضري الفطار
نفت برأسها واخبرته بلا مبالاة:
انا مش بحب افطر لو انت عايز اعملك ساندوتش أنا هكمل نوم
قالتها وهي تتمدد من جديد وتواليه ظهرها ليزفر هو حانقًا ويتوجه للغرفة كي يفض الحقائب ويرتدي ملابسة وإن انتهى اتاه صوت جرس الباب وتلاها خبطات قوية عليه جعلته يهرول متوعدًا:.

في ايه يا اللي بتخبط ما براحة...
ابتلع باقي صراخه بجوفه عنـ.ـد.ما فتح الباب و وجد اثنان من العساكر يرتدون الزي الرسمي ويقفون أمام باب منزله وقبل أن يسأل ماذا يريدون بادر واحد منهم قائلًا بنبرة قوية اجفلته:
أنت حسن طايل
جف حلقه واجابه بعيون زائغة:
ايوة أنا في ايه...
أجابه العكـ.ـسري برسمية شـ.ـديد وهو يباغته ويقبض على ذراعه ويسحبه للخارج:
اتفضل معانا عندنا أوامر بظبطك وإحضارك للقسم فورًا.
لا بأس بقليل من الحـ.ـز.ن في مقابل أن تتخذ قراراً صحيحاً تبني عليه حياتك، أحياناً تكون القرارات القاسية هي السبيل الوحيد لواقع أفضل و حقيقي، الوقت يعالج كل شيء و يهدm كل شيء، حتى الذكريات الجميلة و أنبل العواطف تمـ.ـو.ت و يحل محلها نوع من الحكمة البـ.ـاردة التي تجعل كل شيء يهدأ
أحمد خالد تـ.ـو.فيق.

كانت متحمسة للغاية لرؤيته حتى أنها لم تعطي أهتمام لتناول الفطور مع أبيها وزوجته رغم إلحاحه عليها بل كانت كل ما توده هو أن تراه وتنعم بصُحبته، تجهمت معالم وجهها عنـ.ـد.ما لم تجده بداخل السيارة ينتظرها فأخذت تبحث عنه بمحيط حديقة القصر لعله هنا أو هناك ولكن بلا جدوى لتقرر أن تسأل الحارس عنه قائلة:
هو محمد مجاش النهاردة؟
هب الحارس من موضعه أمام البوابة وأجابها:
لا ياهانم محمد أمبـ.ـارح شـ.ـد مع ست دعاء و مشى.

تقلصت معالم وجهها وقبل أن يكمل حديثه كانت تهرول للداخل من جديد هادرة بنبرة هجومية لزوجة ابيها:
انتِ اللي طردتيه مش كده ازاي تاخدي قرار زي ده من غير ما ترجعيلي
رمقتها دعاء ببسمة متشفية وكادت ترد لولآ تدخل فاضل بمحاولة بائسة منه أن يهدأ روعها:
اهدي يا بـ.ـنتي متعصبة ليه كده؟
كادت ميرال تجيبه لولآ أن دعاء
سبقتها قائلة بنبرة تحمل خبث مقيت بين جنباتها وهي تدعي عليه كي تجعل عودته مستحيلة للعمل مرة آخرى:.

السواق ده أنا اللي مشغلاه وأظن إني أنا برضو اللي مشيته مش فاهمة فين المشكلة وبعدين الولد ده وقح وقل أدبه عليا وكان لازم اطرده
دافعت ميرال باستمـ.ـا.تة عنه:
محمد مش قليل الأدب واكيد أنتِ اللي استفزتيه وبعدين هو من يوم ما جه هنا وهو شغال معايا وانا مرتاحة معاه ليه تمشيه
تكاثرت الشكوك برأسها من دفاعها عنه وحمئتها الغير مبررة بالمرة بالنسبة لها، لتنظر لها نظرة مطولة كي تسبر أغوارها وتقول وهي تضيق عينيها:.

ومالك متعصبة كده ده حتة جربوع لا راح ولا جه وميستاهلش حمقتك دي كلها يا ميرال
استنكرت ميرال بإنفعال:
محمد مش جربوع ومش من حقك تقللي منه أو من أي حد كلنا بشر زي بعض
نفخت دعاء أوداجها وزجرت زوجها الذي كان يتابع بصمت مقيت حوارهم المحتد وكأنه كان ينتظر أشارتها كي ينوب الرد عنها بما اقنعته مسبقًا:
مفيهاش حاجة يا ميرال وبعدين دعاء عندها حق الولد غلط وكان لازم تطرده...
أنت بتصدقها يا بابي دي كـ.ـد.ابة...

ميرال عيب كده واعملي اعتبـ.ـار ليا وبعدين لو عايزة سواق خلاص عم مؤنس خلصت اجازته وهيرجع الشغل يبقى يوصلك ويجيبك
اعترضت هي:
بس أنا كنت مرتاحة مع محمد يا بابي
تنهد فاضل وهو يطالع ساعة يده وينهض كي يغادر:.

ياريت متكبريش المواضيع وتديها أكبر من حجمها لو مش عايزة مؤنس خلاص اللي يريحك وانا معنديش مشكلة أنك ترجعي تسوقي تاني بنفسك عربيتك في الجراچ من يوم ما بتوع الصيانة رجعوها وهي مركونة ابقي خديها لو حابة، أنا اتأخرت على الشغل وعندي اجتماع مهم لازم امشي.

ذلك أخر ما قاله قبل أن يضع قبلة على وجنتها ويغادر بخطوات متعجلة تاركها متسمرة بأرضها تطالع آثاره بنظرات متخاذلة متسائلة إلى متى سيظل يتحيز لزوجته ويتحامل على رغباتها؟
لتختم دعاء الموقف بخبث لا مثيل له وهي تقترب تربت على ذراعيها بأهتمام زائف تدعي أنها تريد مصلحتها:
اوعي تسمعي كلام ابوكِ وترجعي تسوقي بنفسك أنتِ سواقتك متهورة خالص وانا بخاف عليكِ اصبري يومين واجبلك سواق احسن منه.

نفت ميرال برأسها واخبرتها بنبرة مستنفرة:
ابعدي عني أنا مش عايزة حاجة منك...
غادرت هي بينما دعاء حانت منها بسمة شيطانية وهسهست بوعيد:
يظهر أن في حاجات فايتاني يا ميرال ومعرفهاش عنك بس ملحوقة ومسيري أعرف وساعتها لو اللي في بالي كان صح يبقى يا ويلك مني انتِ والجربوع بتاعك.

كان يسير برفقة العساكر بمضض شـ.ـديد يعترض على معاملتهم العنيفة معه ويستغرب لمَ يشعرونه أنه قبض عليه بالجرم المشهود لتوه، فكان يسستشيط غـ.ـيظًا ولم يكف عن سخطه وعجرفته طوال الطريق عنـ.ـد.ما يأمره أحد العساكر بالسير دون مماطلة حتى كانوا يجروا به او يدفعوه من ظهره وكأنه كالدابة التي تجر كي تلقى مصيرها المحتوم.
أمشي من سكات احسنلك قولنالك هتعرف كل حاجة من حضرت الظابط سليم بيه الكومي.

قالها أحد العساكر وهو يدفعه داخل مكتب
ذلك الضابط الذي يجلس خلف مكتبه بكل عنجهية ووقار بتلك البِنية الضخمة والملامح القاسية التي تجعل كل من تسقط عينه عليه يرهبه بشـ.ـدة فأقل ما يقول عنه إن هيئته مرعـ.ـبة تبث الرعـ.ـب في النفوس وبالفعل ذلك ما حدث عنـ.ـد.ما سقطت عين حسن عليه حين أدى العسكري التحية وقال برسمية:
تمام يا فنـ.ـد.م تم ضبط و إحضار حسن طايل زي ما أمرت ودي بطاقته.

قالها وهو يضع أثبات الشخصية الذي أخذه منه مسبقًا على مكتبه
رفع سليم نظراته الثاقبة إليه وتناول أثبات الشخصية وأشار للعسكري بالانصراف بينما حسن
ابتلع ريقه وهو يرى نظراته المرعـ.ـبة تكاد تخترقه وقال:
ممكن افهم انا هنا ليه؟
شبح بسمة متغطرسة ظهرت على فم سليم وتلاها قوله بحدة أجفلت الأخر:
مكنتش عايز تشرفنا ولا أيه يا حسن!
قال أخر جملة بحاجب مرفوع بترقب جعل حسن يبتلع ريقه ويجيبه بشجاعة مصطنعة:.

أنا معترضتش بس أكيد في غلط انا مش مجرم ومعملتش حاجة واللي حصل معايا ده مش قانوني وأنا مش هسكت
قالها بإنفعال استفز سليم و.جـ.ـعل الجحيم يستعر في حدقتيه حين قال بنبرة حادة واثقة بثت الرعـ.ـب بالآخر:
مش هتسكت! هتعمل إيه مثلًا أحب اعرف؟
زاغت نظرات حسن من عنجهيته ونظراته المرعـ.ـبة التي تحمل تحذير مبطن فما كان منه غير أن يتراجع في الحديث قائلًا:
أنا من حقي اعرف جبتوني ليه هنا انا معملتش حاجة.

حانت من سليم بسمة متهكمة وسـ.ـخر قائلًا بكل عنجهية:
جبت ورا بس ماشي هعديها بمزاجي وهجاوبك، في محضر تعدي متحرر ضدك من السيدة رهف حسين بتتهمك فيه أنك اتعديت عليها واتسببت في إجهاضها يعني هتشرفنا شوية.
أبتلع رمقه بحلق جاف واتسعت عينه بذهول لم يستوعب كلمة واحدة مما تفوه به ولكن سليم أكد حين بدء في نقل بياناته إلى ذلك الورق أمامه ثم تساءل بعدها برسمية شـ.ـديدة كي يدون أقواله:
س: ما هو قولك فيما هو منسوب إليك؟

كاد يستأنف لولآ أن الآخر قاطعه وهو
ينفى برأسه ويقول بنبرة غير مستوعبة ويبتسم بسمة مقيتة ليست بمحلها:
أنا مش مصدق اكيد فيه حاجة غلط انا معملتش حاجة ومجتش جنبها دي هي اللي سرقتني
زفر سليم بنفاذ صبر وهدر محذرًا:
خلي بالك كل كلمة هتقولها هتتحاسب عليها وياريت ترد على أد السؤال وبس
استنكر حسن وقال بإندفاع:
أنا كمان عايز حقي ولازم تسمعني انا وهي كان حسابنا مشترك وسحبت الفلوس و...

كاد أن يسترسل بتفاصيل أكثر لولآ أن سليم قاطعه بحده وبرسمية بالغة:
القانون لا يحمل المغفلين يا بيه وبعدين مدخلنيش في مواضيع فرعية مليش فيها أنا سألتك سؤال محدد وتجاوب عليه
أيه قولك فيما هو منسوب إليك؟
كرر سؤاله مرة أخرى ليصر حسن على موقفه كونه لم يفعل شيء وحين انتهوا من أخذ اقواله قال سليم وهو يؤشر له:.

تعالا امضي والتحريات هتثبت من فيكم صادق ومن هنا لوقتها هتشرفنا في الحبس لغاية ما تتعرض على النيابة وتحقق معاك
حبس ايه أنت بتخرف مستحيل يحصل رهف مستحيل تسـ.ـجـ.ـني وبعدين انا معملتش حاجة...
كان يتحدث بهستيرية وبنبرة منفعلة وهو يشعر أنه على حافة الجنون يحاول تبرئة ذاته ولكن سليم لم يتحمل بطبيعته الملولة وضـ.ـر.ب على سطح المكتب ضـ.ـر.بة قوية أخرست الآخر، وتلاها صراخه به بنفاذ صبر:.

هو مين اللي بيخرف أنت هتتصاحب عليا يا روح أمك، ابقى وفر كلامك ده لما تتعرض على النيابة ومن هنا لوقتها تبلع لسانك ومسمعش صوتك.
انحصر الحديث بحلقه و وقف ينظر له بنظرات زائغة غير مستوعبة
ليصيح سليم بعدها بصوت جهوري رج الجدران بإسم أحد أمناء الشرطة:
يا مطاوع
هرول مطاوع إلى داخل مكتبه ليأمره سليم بنبرة صارمة للغاية:
غوره من وشي و خدوه على الحبس.

حاول حسن الاعتراض من جديد بينما كانت قبضة مطاوع رادعة له فكان يجره جر.
بينما سليم جلس خلف مكتبه وتناول أحد سجائره يشعلها ثم تناول هاتفه ينقر على شاشته برقم أقرب أصدقائه وإن أتاه الرد قال:
حصل و الراجـ.ـل ده شكله بجح وعينه يدب فيها رصاصة وأنكر بس متقلقش هيتعمل معاه الصح يا دكتور الحريم
اتاه الرد متبوع بصوت قهقهة من الطرف الأخر:
يا دي النيـ.ـلـ.ـة هو أنت بتعايريني يا سليم
أجابه سليم بخشونة:.

اعملك ايه ما أنت دون عن التخصصات كلها اخترت تخصص مهبب شبهك
شبهي، بسم الله ما شاء الله عليك ثابت على وضعك مبتعرفش تزوق الكلام ابدًا
وازوقه ليه انا مبحبش النحنحة زيك
نحنحة كمان! لا يا عم انا هقفل أحسن بكرمتي
كرمتك في ذمة الله من زمان اساسًا بلاش تعيش الدور
قهقهوا سويًا وبعدها أتاه سؤال الطرف الآخر عابثًا كعادته:
ماشي نتكلم جد شوية بقى وقولي أيه أخبـ.ـار ورق العنب الملفوف؟

نفرت عروق سليم وصاح بعدm رضا من سخريته المبطنة التي تمس أموره الشخصية:
نضال اظبط ومتخليهاش تخرب عليك عارف لو كنت قدامي كنت عرفتك تمامك
متتحمقش يا صاحبي انا كنت بناغشك بس
طب يلا انا مش فضيلك وعندي شغل سلام.

أغلق الخط معه وقبل أن يستأنف سليم عمله حانت منه بسمة عابرة محملة بالحنين وهو يتذكر تلك الفاتنة التي أسرت قلبه واستطاعت أن تروضه لها ببرائتها فمهما حاول أن ينكر الأمر إلا أنه حقًا أشتاق لها ولكل شيء بمدينته.
بينما عند الأخر كان يهاتف سعاد ويخبرها أن تطمئن ابنة عمها أن ذلك المتبجح سينال جزائه على أتم وجه.

كان يجلس على أحد الارائك المريحة بغرفة مكتبه يسترجع كل ما حدث بينهم وتلك الحالة المزرية التي كانت عليها وهو يلعن ذاته ويلومها كونه هو من أوصلها لذلك، طرق على الباب انتشله من شروده ليعتدل بجلسته ويأذن لوالدته بالدخول
لتتقدm ثريا منه وهي تحمل قدح ساخن وتمد يدها به قائلة:
الشاي يا حبيبي
أبتسم وشكرها وهو يتناوله من يدها ويهم بالأرتشاف منه:
يسلم ايدك يا امي
ربتت ثريا على كتفه وجاورته متسائلة:.

قولي اتكلمتوا في حاجة
عقد حاجبيه وأجابها:
لأ كانت تعبانة ومتكلمناش ليه بتسألي
هزت ثريا رأسها بتفهم وأدركت كونها لم تقص عليه أي شيء بعد لذلك مهدت له قائلة بتريث:
عايزاك تسمعني وتركز معايا علشان هحكيلك على اللي سمعته منها ويمكن لما تعرف تعذرها و تنسى وتسامح كل اللي حصل وتبدأ صفحة جديدة.
تنهد بعمق ووضع ما بيده على الطاولة الصغيرة أمامه وتأهب قائلًا:.

مش فاهم أيه اللي جد دلوقتي علشان تقوليلي الكلام ده بس هسمعك
ردت ثريا:
هقولك يا حبيبي على كل حاجة بس اوعدني أنك تسمعني للأخر
أومأ لها كموافقة ضمنية لحديثها بينما هي استرسلت وقصت عليه كل ما استمعت له من حديث دار بين نادين وصديقتها وما اتهمتها به بعدها.

أخذت سيارتها من الجراچ ثم انطلقت بها بسرعة جنونية إلى منزله بعدmا يأست أن تهاتفه ولم يجيبها وما أن وصلت طرقت باب شقته عدة طرقات وإن فتح الباب لها لم تمهله وقت للتفاجئ وهدرت قائلة:
أنت إزاي تمشي من غير ما تقولي
ابتلع غصة مريرة بحلقه وأجابها بكـبـــــريـاء شامخ:
كان مستحيل استنى دقيقة واحدة بعد اللي مرات ابوكِ قالته
أومأت له وأخذت تلملم خصلاتها قائلة بتـ.ـو.تر:
طيب خلينا ندخل ونتكلم.

برر قائلًا دون أن يفسح مجال لها لتفوت للداخل:
شهد و طمطم مش هنا ميصحش تدخلي
اومأت له بتفهم وقالت بنبرة آسفة:
محمد انا معرفش هي قالتلك ايه بس أنا بعتذر بالنيابة عنها حقك عليا أنا وارجع الشغل
نفى برأسه واخبرها بعزة نفس أبية:
مبقاش ينفع يا ميرال
عقدت حاجبيها واعترضت:
ليه، محمد علشان خاطري أنا هقنع بابي وارجع الشغل وملكش دعوة بيها أنت عارف أنها بتتعمد تضايقني وبس.

أغمض عينيه بقوة يلعن ذلك المرتجف بين اضلعه وأجابها بقرار قاطع صدmها:
صدقيني مبقاش ينفع كده احسن ليا وليكِ
نفت برأسها واخبرته بعيون غائمة:
محمد متعملش فيا كده أنت وعدتني و قولتلي مش هسيبك مهما حصل
= أنتِ مبقتيش محتجالي وبقيتِ أحسن، ومع ذلك لو احتاجتي أي حاجة هتلاقيني تحت أمرك
تقلصت معالم وجهها وتمتمت بجنون وبأعصاب تالفة:
أنا لو محتاجة حاجة هيبقى أنت يا محمد.

اضطربت أنفاسها وهي تقاوم رغبتها في البكاء واستأنفت بتحشرج وعيناها تتوسل عيناه:
أنا محتجالك جنبي ويمكن يكون اكتر من الأول
رغم أن كل ما يصدر منها أعتصر قلبه ولكنه تحامل على نفسه كي يبدو ثابت أمامها فلابد أن يوقف تلك الفوضى التي يخشى من تبعاتها الأن ويصرح بقناعاته:
انا حتة سواق كان شغال عندك بلاش تديني أكبر من حجمي وبكرة هتنسي إن كان ليا وجود أصلًا.

هزت رأسها وباحت له بكل عفوية وبثقة متناهية وهي تصوب نظراتها الراجية داخل عمق عيناه:
أنا عندي استعداد انسى كل حاجة إلا أنت، انت الحاجة الوحيدة اللي عايزة افتكرها وعمري ما هسيبها تضيع مني
أنا مش هعرف أعيش من غيرك علشان خاطري أرجع الشغل وخليك جنبي.

رقص قلبه بأعترافها وبدلًا أن يسعد هو بذلك تهدلت معالم وجهه واحتل الحـ.ـز.ن عينه فياليته يستطيع فكل ما يحدث حوله ينبهه أن لا سبيل لهما، لذلك قال بثبات وبنبرة متلبدة تخالف ضجيج قلبه ودوافعه الأصلية:
مش هينفع يا ميرال اعفيني طلبك ده صعب وعمري ما هقدر أرجع بعد ما اتهنت
تمسكت بذراعه بحركة تلقائية راجية جعلت عينه تتركز على موضعها ثم توسلته من جديد بنبرة مهزوزة ضائعة تنم عن مدى حاجتها له:.

علشان خاطري انا، هو انا مستهلش تتنازل علشاني، ومستهلش تكون جنبي، وجدت الرفض مازال بعينه لتصرخ بجنون وكأن فاض بها الكيل من تبلده:
أنت أزاي مش حاسس بيا...
وهن صوتها وارتعش وهي تستأنف بصدق نابع من صميم قلبها:
-أنا ب
اسكتي.

كادت أن تصرح بمشاعرها لولآ أنه قاطعها بنبرة متماسكة صامدة للغاية كي لا يجعلها تزيد أنين قلبه أكثر فهو يشعر الأن بعجز شـ.ـديد يقيد كافة حواسه ويمنعه أن يسايرها فذلك الحاجز الطبقي اللعين بينهم يستحيل تخطيه لذلك يجب أن يؤد ذلك العشق الوليد بمهده:
متكمليش وبلاش تصعبيها عليا...
ولو زي ما بتقولي يبقى دي مشكلتك لوحدك متحملنيش ذنبها.

لو كانت الكلمـ.ـا.ت تقــ,تــل لكانت سقطت الآن طريحة بأرضها، فقد شعرت بدوار يلفح رأسها حتى انها تمسكت بإطار الباب بملامح باهتة كساها حـ.ـز.ن بَين أعتصر قلبه و.جـ.ـعله يلعن ذاته وقلة حيلته ربما للمرة الألف بعد المائة حين همست بنبرة متخاذلة لا مثيل لها:
ياه للدرجة دي؟
لم يمنحها فرصة لتعاتبه بل ود أن يبتر الحديث كي لا تخور ارادته ويضعف أمامها:.

ميرال لو سمحتي أنا معنديش كلام أزيد من اللي قولته ياريت تقدري موقفي وتحترمي رغبتي وتتفضلي بقى علشان ميصحش وقفتنا كده
نظرت له نظرة مطولة مؤنبة ثم قالت:
همشي يا محمد ومتقلقش أنا متعودة أنت مش اول حد يخذلني
ركضت من أمامه باكية لاترى شيء أمامها حتى أنها لم تلحظ شهد و طمطم أمام البناية بل كانت كل همها أن تبتعد عن هنا وتلملم فتات نفسها...

بينما هو كان يسند جبهته على زجاج نافذته ينظر لآثار سيارتها بعيون غائمة وبقلب منفطر يأن من شـ.ـدة الألــم.
قولتلها ايه يا محمد
قالتها شهد بعدmا دلفت لتوها من باب الشقة، ليغلق عيناه بقوة يعتصرها ثم يمسح على وجهه قائلًا بعقلانية:
قولتلها اللي مفروض كان يتقال يا شهد
عاتبته شهد قائلة:
بس البـ.ـنت شكلها بتحبك بجد ليه تعمل كده كنت عطيت نفسك فرصة وحاولت علشانها
نفى برأسه وقال ببسمة يائسة منعدmة الأمل تعلو ثغره:.

فرصة ايه اللي بتتكلمي عنها يا شهد بصي حواليكِ وانتِ ت عـ.ـر.في أن أي فرصة ليا معاها معدومة أنتِ مت عـ.ـر.فيش ابوها مين ولا ساكنة في قصر شكله ايه مهما حاولت وكافحت عمري ما هوصل لربع المستوى اللي معيشها فيه
وبعدين أنتِ عارفاني وعارفة أني عمري ما كنت ندل ولا بلعب ببنات الناس
يبقى على ايه هعلقها واعشمها بكلام مش هيقدm ولا هيأخر، كده أحسن ليا وليها يا شهد وبلاش تلومي عليا لومي على الظروف والحظ ولومي على الفقر.

وساعتها هت عـ.ـر.في أن الحب رفاهية متخلقتش للي زي
لم تقتنع شهد بحديثه وعارضته قائلة بمنطق يفوق واقعية منطقه:
الحب ميعرفش فوارق يا محمد ولو هي بتحبك هتتمسك بيك و هتقصر عليك الطريق وأنا شايفة أنها بتحبك وده واضح زي الشمس من نظراتها وكلامها عنك وبعدين محدش ليه سُلطة على قلبه أنت كمان بتحبها يا محمد متكابرش واعترف...
زادتها عليه وعرت الحقيقة الكامنة بداخله أمام نفسه حتى أنه أجابها بإندفاع دون ذرة تردد واحدة:.

ايوة بحبها بس غـ.ـصـ.ـب عني، أفهميني وبلاش تتحاملي عليا
تنهدت شهد بضيق وقالت معاتبة:
أنا مش بتحامل عليك أنا عايزة أفوقك قبل ما تضيعها من ايدك
وتعيش العمر كله بذنبها و هتنـ.ـد.م أنك محاولتش علشانها، اللي عملته ده هروب وانا متعودتش عليك جبان اخويا اللي زرع جوايا المبادئ والقيم متعودتش منه أنه يهرب من مشاكله طول عمره بطّل في نظري وعارفة ومتأكدة انه مش هييأس وهيجاهد ويعافر علشان اللي بيحبها تكون ليه.

حاول أن يدافع عن ذاته من جديد قائلًا بواقعية بحته:
أنا مش جبان يا شهد بس الظروف اقوى مني
عارضته شهد من جديد:
متحججش بالظروف، الظروف أحنا اللي بنخلقها علشان نبرر ضعفنا، انا لما اتجوزت فايق كان صنايعي ومش متعلم وانا كان معايا شهادة ومع ذلك لما اتقدmلي أنت بنفسك قولتلي أن الفلوس مش كل حاجة وإن الأهم منها الأخلاق والأصل الطيب والحب
لتختم حديثها وهي تربت على كتفه:.

هون على نفسك يا خويا ومتكابرش محدش بيهرب من نصيبه وخلي عندك
عشم في ربنا وربك كريم ما بينساش حد وقادر يجبر بخاطرك
ونعم بالله يا شهد
لتتركه وتدلف لأحد الغرف بينما هو كان يزفر أنفاسه دفعة واحدة يحاول أن يستعيد رباط جأشه ويفكر مليًا فقد تمكنت شقيقته من جعله ينظر للأمر من منظور أخر ربما سيغير كافة قناعته فيما بعد.
فهل ياترى سيكون الحب سلاح رادع ليحطم تلك الأسوار العالية أم سيسحق ويصبح ركام تحت انقاضها.

كانت تفر من كل شيء بالنوم وكأن ليس لديها المقدرة على تخطي الأمر وتبديد كل قناعتها بيوم وليلة.
رائحة عطره المميزة أنتشلتها من سباتها و.جـ.ـعلتها ترفرف بأهدابها لثوان قبل أن تستفيق بالكامل وهي تظن أنه يهيأ لها أنه يجلس على مقعده المعتاد وينظر لها ولكن أتى صوته ذات البحة المميزة ليؤكد لها:
مش كفاية نوم!

حانت منها بسمة غير مستوعبة وهي تتأمله من رقدتها فكم اشتاقت له و لكل شيء كان يفعله بالسابق وحرمها منه الآونة الأخيرة بفضل أفعالها التي حين تذكرتها الآن اندثرت بسمتها وقررت أن تفر هاربة بادعائها للنعاس:
لأ مش كفاية وعايزة أنام...
كونه يعلمها عن ظهر قلب تفهم تهربها ولذلك اقترب من فراشها وجاورها قائلًا وهو يزيح بيده خصلاتها القصيرة ويضعها خلف أُذنها:
متعودتش عليكِ جبانة.

همست بعيون مغلقة وبرأس مطرق ينم عن خزيها من نفسها:
أنا مش جبانة بس حاسة إني ضايعة ومتلغبطة
تنهد تنهيدة مثقلة وأَذرها بنبرة حانية لأبعد حد:
أنا معاكِ، ومهما كنتِ متلغبطة وضايعة عايزك ت عـ.ـر.في إني هفضل جنبك وإني برة التوهة دي؛ أنا نقطة ثابتة في ارضك
فرت دmعة من عيناها ولم تستطيع أن تجاري ذلك الإهتمام والحنو البالغ الذي رغم أنها بأمَسْ الحاجة له إلا أنها أصبحت تشعر أنها لا تستحقه بسبب أفعالها.

شملها هو بدفء عينه الذي عاد من جديد وأخذ يمسح بإبهامه على وجنتها كي يزيح دmعاتها، بينما هي تمسكت بكامل يده ووضعتها على وجنتها وهمست بنبرة واهنة، منكـ.ـسرة يحفها النـ.ـد.م:
آسفة، والله آسفة، أنا مستحقش اهتمامكم ولا أي حاجة عملتوها علشاني أنا بعترف إني كنت غـ.ـبـ.ـية.

زفر هو حانقًا وكم شعر بغصة مؤلمة تحتل حلقه ليباغتها بجذبه لها من ذراعيها ويجعلها تستقر بين أحضانه و يدثرها بين ثناياه وكأنه يريد أن يتقاسم معها ما تشعر قائلًا:
أنتِ فعلًا غـ.ـبـ.ـية بس بطلي عـ.ـيا.ط أنتِ عارفة أن دmـ.ـو.عك بتقــ,تــلني
زاد نحيبها من تأكيده للأمر وهي بين احضانه لدرجة أن بدل أن يجعلها تكف عن نحيبها تضامن معها وغامت عينه تأثرًا بها.

فقد دام عناقهم لعدة دقائق إلى أن توقف نحيبها واستعادت رباط جأشها، ليهمس بعدها وهو يأخذ نفس عميق من عبق خصلاتها:
أنا لازم أسافر اسكندرية النهاردة واحتمال أرجع بليل
خرجت من بين يديه واعترضت بهزة من رأسها، ليبتسم هو ويكوب وجنتها مقترحًا:
أيه رأيك تيجي معايا، يعني بقول آن الآوان أنك تشوفي الشغل ماشي ازاي هناك وفرصة تغيري جو
هزت رأسها دليل على موافقتها، بينما هو قال بإهتمام بالغ قبل أن ينهض:.

طيب تقلي هدومك علشان الجو هناك اسقع من هنا
كانت تتيه بأثره وبذلك الدفء الذي حاوطها به وكم أرادت أن تخبره أنها أدركت أخيرًا أن لا ملجأ لها سواه ولا تريد أن تنتمي لشيء عداه ولكن رغم كل شيء كان مازال هاجس يأن برأسها ويحثها أن لا تبوح الآن
فمازالت بقايا تلك القناعات تؤثر بها غافلة أن بعد سفرتها معه سوف تقــ,تــلع بيدها كافة هواجسها وقناعاتها البالية من جذورها.

وقف بملامح مشمئزة نافرة في زاوية ذلك المكان الموحش ذات الرائحة العطنة التي امتزجت بأنفاس المساجين المجبولة برائحة العرق الكريه الذي يثير الغثيان وخاصًة أن المكان لا يتمتع بتهوية جيدة سوى تلك الفتحة الصغيرة المغطاة بأسلاك حديدية تسمح بدخول القليل من الهواء، فحقًا كان الجو خانق لدرجة أنه كان يصعب عليه التنفس ورفض الصمود أكثر فقد طرق على ذلك الباب الحديدي الذي زج منه وصرخ مستنجدًا:.

خرجوني من هنا أنا معملتش حاجة، بتخـ.ـنـ.ـق ومش عارف اتنفس، حد يفتحلي الباب ده ه ه ه ه ه الريحة مقرفة خرجوني من هنا...

نهره أحد الأمناء من خلف الباب:
اهدى يا مستجد وشوية وهتاخد على المكان كلها كام ساعة والنهار يطلع
نفى برأسه وهو يشعر انه قاب قوسين أو أدنى أن يفقد صوابه،
ليقترب أحد السـ.ـجـ.ـناء منه ويقول بنظرات إجرامية متفحصة:
جرى ايه يا زُمل مـ.ـا.تنشف كده ما كلنا في الهوا سوا، دي شكلها أول سابقة ليك وعلشان كده مستغرب المكان.

زاغت نظرات حسن وأجابه بنبرة متقززة مستنفرة وهو يشعر أن الدوار لعين سيطر عليه و شعور الغثيان يكاد يفوق قوة احتماله:
بقولك ايه يا بتاع أنت ابعد عن وشي انا قرفان و متنيل مش طايق نفسي ومش فايق اتكلم مع امثالك
نمت بسمة شيطانية على فم الآخر وهدر مستهزئًا وهو يوجه حديثه لأتباعه:
يظهر أن المستجد ملوش فيها يا رجـ.ـا.لة ولازم نعمله تشريفة تليق بيه وتعرفه مين أمثالي
جعد حسن معالم وجهه وقال بإنفعال:.

تشريفة أيه؟ اللي هيفكر بس يلمسني هوديه في داهية
قهقهوا الرجـ.ـال من حوله وأخبره أحدهم:
هو في داهية اكتر من اللي احنا فيها...
ليقول شخص أخر متوعدًا:
كل المستجدين لازم يتعلم عليهم علشان ميعرفوش يرفعوا عينهم في كُبـ.ـارتنا وبصراحة أنت اللي لعبت في عداد عمرك وتستاهلها.

تراجع حسن عدة خطوات للوراء وهو يشعر بتعنية شـ.ـديدة ولكن رغم ذلك كانت يحاول أن يتماسك ويتوجس خِيفة من ردود أفعالهم وعنـ.ـد.ما ضاق الحصار وكادوا يتكالبون عليه تقلصت معدته وطردت كل ما بجوفه على الأرض مما جعلهم يسخرون منه وتتعالى اصوات ضحكاتهم، أما هو فكان يشعر انه يحتضر فكان ينحني يتمسك بمعدته وكأنها حتى هي كانت تتآمر عليه وتدفعه أن يتقيأ روحه مع عصارتها.

فبأشارة من أحدهم كان يستغلون ما أصابه بدفعه بقوة جعلته يسقط طريح وسط ما نتج عنه فكان عاجز عن مواجهتهم حتى أو التصدي لهم نظرًا لكثرة عددهم وكونه يشعر أنه ليس على ما يرام ابدًا فكانت حالته مذرية للغاية أثارت غثيان كل من كانوا يشمئز هو منهم، حتى أنهم ابتعدوا عنه وعن ما خلفه باصقين عليه وتاركينه يشعر بمهانة لا مثيل لها.
اتخذ من الفشل سلما للنجاح ومن الهزيمة طريقا الى النصر ومن المرض فرصة للعبادة ومن الفقر وسيلة الى الكفاح ومن الالام بابا الى الخلود ومن الظلم حافزا للتحرر ومن القيد باعثا على الانطـ.ـلا.ق.
مصطفى السباعي.

كان يحتضن يدها طوال الطريق وأثناء قيادته للسيارة وكأنه يطمأنها بطريقته أنه لن يفلتها مهما حدث، بينما هي كانت تسترق له النظرات كل حين وأخر وهي تشعر براحة عارمة فهو كما عاهدته يساندها دون طلب وكأنه يسكن احشائها وعلى دراية تامة برغباتها وأحتياجتها
أكثر من نفسها.

فقد استغرق الطريق لهناك أكثر من ساعتين إلى أن وصلوا إلى ذلك الفرع الضخم الذي ينتمي لتلك المجموعة التي يديرها، صف السيارة وترجل منها ببسمة هادئة وفتح الباب لها قائلًا بحركة مسرحية اضحكتها:
حمد الله على السلامة يا مغلباني نورتي مطعمك
تدلت من السيارة وهي تضم سترتها بأحكام على جسدها حين هبت تلك النسمـ.ـا.ت البـ.ـاردة، ثم قالت بإنبهار وهي تطالع المكان من الخارج:.

واو بجد المكان تحفة يا يامن أنت عدلت فيه، أزاي بقى حلو كده أنا بقالي سنين مجتش هنا
أومأ لها وأخبرها بزهو:
أومال انتِ فاكرة يامن العشري بيلعب ده انا لسة هبهرك لما تشوفي المكان من جوه
أبتسمت بسمة واسعة وهو يحتضن من جديد كف يدها ويسير بها للداخل، فحقًا كانت منبهرة بكل شيء فكان المكان ضخم للغاية ذات ثلاث طوابق لكل طابق ذوق خاص يشع بالرقي والفخامة.

وأثناء مشاهدتها لساحة المكان رحب بهم أحد العاملين قائلًا بحفاوة:
أهلًا يا نادين هانم والله المكان نور بأصحابه
أومأت له نادين ببسمة مجاملة وهي تستغرب كيف علم هويتها وكانت ستمرر الأمر مرور الكرام وتبرر أن يامن هو من أخبره بقدومها ولكن تفاجأت أن كل العاملين يعلمون من هي مما أثار حفيظتها و.جـ.ـعلها تميل على أُذنه متسائلة:
هما عرفوا منين إني نادين الراوي صاحبة المكان
حانت منه بسمة حانية وأخبرها مشاكسًا:.

وهل يخفى القمر
يامن بَطل رخامة وجاوبني
حانت منه بسمة مشاكسة وأدعى عدm معرفته ودعاها بحماس:
تعالي افرجك على بقية التعديلات.

أومأت له وسارت معه بجولة سريعة وحين وصلت للطابق الثالث فغرت فاهها وجحظت عيناها مما رأت فكان محيط المكان مفعم بأضاءة هادئة تبعث الراحة للعين وتتزين الطاولات بالشموع وصوت موسيقى كلاسيكية ناعمة تنتشر بأجوائه مما جعل بسمتها تتسع شيء فشيء وهو يخبرها أن ذلك الطابق يطـ.ـلق عليه العاملين طابق العشاق وقبل أن تعبر عن مدى روعة المكان تجمدت نظراتها وتيبست قدmاها وهي ترى صورة لها بعرض الحائط محاطة بأنوار خافتة تتركز عليها بطريقة رائعة تخـ.ـطـ.ـف الأنظار.

أخذ الأمر ثوانِ عدة تستوعب ثم همست بشـ.ـدوه تام:
يامن ده أنا...
تنهد هو تنهيدة مُسهدة وأجابها وهو يشـ.ـدد على يدها ويشملها بدفء عيناه:
اه أنتِ يا مغلباني كنت لما باجي هنا بتوحشيني وبفضل أَعد الثوانِ علشان أرجعلك، وصورتك كانت بتصبرني وتهون الوقت عليا لغاية ما أرجع واطمن قلبي بقربك.

غامت عيناها تأثرًا به بحديثه فكم لامت ذاتها على تجاهلها لتلك المشاعر الصادقة التي تفوح من افعاله وقد كانت بكل جبروت منها تتجاهلها بل وتتخذ منها نقطة لضعفه، انتشلها هو من دوامة أفكارها حين حضر رجل في العقد السادس من عمره ويدعى حلمي وهو من ينوب بإدارة المكان في غياب يامن:
أهلاً يا يامن بيه المطعم نور بس أنا عاتب على حضرتك ليه مبلغتناش أن نادين هانم هتشرفنا كنا فرشنا الأرض ورد.

ابتسمت هي بمجاملة بينما يامن هدر بجدية:
معلش تتعوض يا حلمي وكويس أنك جيت عايزك تقعد مع نادين وتفهمها الشغل ماشي إزاي وخلي بالك هي مش هدلعكم زي و كلها ايام وهتبقى مكاني.
بهتت ملامحها لثوان قبل أن يقول حلمي:
تحت أمرك يا يامن بيه بس والله هتقطع بينا واتعودنا عليك
أبتسم يامن وأجابه بمشاكسة:
والله وأنا ما هصدق أرتاح منكم ومن مشاكلكم اللي مبتخلصش...
قهقه حلمي بينما استأنف يامن:.

الحق لازم يرجع لصحابه هما أولآ بيه
أيده حلمي:
عند حضرتك حق بس اوعدنا كل ما تنزل اسكندرية تزورنا
أومأ له يامن واكد قائلًا:
أكيد يا راجـ.ـل يا طيب
طيب تأمرني بحاجة تانية
اه بلغهم في المطبخ يجهزولنا غدا وبعد كده عايزك تجبلي ملفات التوريدات أراجعها وياريت لو تبعتلي المحاسب على المكتب
أومأ له بطاعة بينما هي ما أن غادر همست بترقب:
هو انت بتتكلم ليه كده كأنك هتسبني لوحدي.

نفى برأسه وأجابها بثقة وهو يسير بها لأحد الطاولات القريبة:
وقت ما تحتاجيني هتلاقيني وبعدين متقلقيش الحج حلمي مش هيسيب صغيرة أو كبيرة غير وهيفهمهالك بس الأول ناكل علشان نعرف نشتغل
نفخت أوداجها وهي تجلس على أحد المقاعد فليس ذلك مغزاها من السؤال فكانت تريده أن يخبرها أنه سيظل معها حينها ولكنه لم يتطرق قط لذلك مما جعلها تصاب بحالة من الذعر المستتر رفضت أن تعبر عنه.

حتى أنها ظلت ملازمة الصمت أثناء تناولهم للطعام أما هو فلم يحاول أن يفرض عليه حصار الحديث بل كان كل ما يفعله أنه يدس بفمها ويضع بطبقها كل ما تطوله يده بحنو شـ.ـديد واهتمام فائق.
وبعد الكثير من الوقت الذي مر عليها كانت تشعر.

بالضجر الشـ.ـديد حين استفاض مساعده وأخذ يشرح حيثيات العمل وحقًا لم تستوعب حرف واحد مما حاول أن يوصله لها فكان عقلها وحتى نظراتها منشغلة بذلك المنكب على تلك الملفات على بعد خطوات قليلة منها وكم حمدت ربها أن الآخر أنتهى بعد أن صرع رأسها وغادر المكتب لتظل هي ثابتة على تلك الأريكة التي بزاوية بعيدة بمكتبه تراقب معالم وجهه الصارمة والجدية لحد كبير اثناء مناقشتة مع العاملين بسير العمل وإعطائهم أوامر قاطعة بتنفيذها وكم لامت ذاتها سابقًا حين اتهمته بسوء إدارته وقللت من شأنه، لم تمر دقائق وأنشغل مرة آخربمراجعة الأمور المالية مع المحاسب المسؤول عن ذلك، فكان يعمل دون كلل وبمثابرة غريبة جعلتها لا تستطيع أن تزيح بعيناها عنه ولكن هو لم ينتبه لها بل كان يصب كافة تركيزه على ما يفعله.

انصرف المحاسب من المكتب بعد وقت ليس بقليل ابدًا أشعرها بالملل، بينما هو رفع رأسه وأخذ يدلك عنقه بأرهاق بَين واصبح جلي على وجهه مما جعلها تنهض وتقترب منه مستندة على حافة المكتب في مواجهته قائلة:
أنت بتتعب اوي مكنتش فاكرة الشغل صعب كده وبعدين ده شغل فرع واحد أومال بتعمل أيه في الفروع التانية وازاي عارف توفق بينهم كده.

حانت منه بسمة هادئة وهمس بدفء بعدmا أزاح الأرهاق عن وجهه وتمسك بيدها يدثرها بين راحتيه:
ولا يهمك كله يهون علشانك يا مغلباني.

تأملته بنظرات نادmة تشعر بالخزي من ذاتها و تلعن تشكيكها به كونه يطمع بها وينسب أملاكها له كما كانت تعتقد، ولكن قد حدثها مساعده عن مثابرته التي رأتها بأم عيناها لتوها، وعن كونه يبذل مجهود خرافي كي يصبح ذلك الصرح بهذا الشكل الرائع والمشرف وكم وبخت ذاتها حين ادركت أنه رغم مجهوده إلا أنه لم ينسب شيء لذاته بل أخبر كل العاملين أنه ليس المالك الأصلي بل أنه يديره فقط والأغرب أن جميعًا يعلمون كونها هي مالكته.

سرحتي في أيه؟
أنتشلتها جملته من شرودها مما جعلها تحاول نفض تلك الأفكار التي تؤلمها وتشعرها بالخزي من نفسها ثم أبتسمت بسمة باهتة لم تصل لعيناها وطلبت أول شيء جاء بخاطرها:
أنا عايزة أروح أشوف البحر
أومأ لها ببسمة دافئة و وعدها بذلك قبل عودتهم.

أما عن صاحبة الفيروزتان فقد ظلت ملازمة غرفتها وقد قررت أن تعود لعُزلتها من دونه فكانت تشعر بحـ.ـز.ن لا مثيل له تبكي تارة، وتارة أخرى تنعي حظ قلبها فقد خذلها أكثر شخص لم تتوقع منه ذلك، وكيف تفعلها وهو مالك قلبها صاحب المواقف الرجولية الحاسمة التي شكلتها من جديد وأصلحت فسادها، فحقًا لا تستوعب إلى الأن كونه تخلى عنها بتلك السهولة وصرح بطريقة غير مباشرة انه لا يكن لها المشاعر؛ فماذا عن نظراته الحانية التي كانت تفيض بلأهتمام وماذا عن مؤازرته لها في أشـ.ـد أوقاتها وماذا عن أفعاله، ونصحه، واحتواءه، وتحفيزه، ومشاكسته الحثيثة لها.

حقًا تشعر أنها على حافة الجنون من تناقضه وكم حاولت أن تجد تفسير لكل ذلك ولكن دون جدوى، فكان صراع محتد يقام برأسها ولا تستطيع ردعه حين تعالى رنين هاتفها بنغمة تخصصها لرقمه وعندها كفكفت دmعاتها وهرولت بلهفة عارمة تتناول هاتفها وهمست بصوت مازال يحمل أثار البكاء:
محمد...
أتاه الرد من الطرف الأخر مخالف لكل توقعاتها:.

أنا شهد يا ميرال أنا خليت طمطم تاخد منه التلفون بحجة اللعب علشان أكلمك وبصراحة أنا عندي علم باللي حصل بينكم
أفتكرتك هو
هو حالته صعبة يا ميرال من ساعة ما مشيتي وهو قافل على نفسه ومش عايز يتكلم
هو ليه بيعمل فيا كده يا شهد أنا بحبه والله بحبه ومش هعرف اعيش من غيره
هقولك بس عايزاك توعديني بحاجة الأول...

كانت تشعر بالتشتت والضياع في آن واحد فكيف لتلك القناعات والهواجس التي عششت بداخلها لسنوات أن تندثر بيوم وليلة وتدرك كونها جميعها بالية، حقًا الأمر يصعب عليها تصديقه او استيعابه دفعة واحدة فمن ناحية والدته التي لم تخدع ابيها كما اعتقدت وتزوجته برغبة من والدتها ومن جانب أخر علمها بمرض والدتها واستسلامها وكون كافة الخلافات التي كانت تدور بينها وبين أبيها جميعها كانت لأجل أن تخضع للعلاج وليس كما اعتقدت هي، أما هو فقد أدركت كونها كانت تتحامل عليه هباءٍ وتتجاهل مشاعره وعطائه ولا تقدر احتوائه لها في سبيل ذلك الأنتقام اللعين الذي لامحل له من الصحة وكم لعنت ذاتها على غبائها فاليوم اقــ,تــلع كافة قناعاتها وأثبت لها دون قصد أنه لن يطمع بها ولا بأموالها بل أن أملاكها عبء ثقيل على كاهله.

كان ذلك ما يدور برأسها وهي تجلس بجواره تتأمل على مداد بصرها مياه البحر الهائجة التي تشابه ثورة دواخلها، بينما هو كعادته احترم صمتها واراد أن يعطيها مساحتها الخاصة ولا يتطفل عليها فقط كان يجاورها يستمتع بتلك اللفحات البـ.ـاردة التي تثلج قلبه المولع بها رغم كل شيء، فنعم اندثر غـــضــــبه وحاول أن يتناسى كل ما مر به معها سابقًا فوالدته أخبرته بدوافعها ورغم أنه كان يود أن يعاتبها بشأنها ولكنه فضل أن تبادر هي عنـ.ـد.ما تكون مستعدة لذلك، وبالفعل توقعه كان بمحله حين همست هي:.

كُنت عارف أن أمي هي اللي طلبت من مامتك تتجوز أبويا
تناول نفس عميق وأجابها:
اه كنت عارف
لتعاتبه هي:
وليه مقولتليش...
نظر لها وقال بنبرة رغم ثباتها ولكنها استشفت بها عتاب خفي:
علشان عمري ما جه في بالي أن تفكيرك يوصل بيكِ لكده ولا كنت اتخيل انك تظني في أمي ظن سوء رغم كل اللي عملته علشانك
زاغت نظراتها ونكست رأسها وبررت وهي تشعر بالخزي من ذاتها:
بس أنا مكنتش أعرف بمرض أمي ومكنتش اعرف بالتفاصيل دي كلها.

لتغمض عيناها بقوة وتوضح دوافعها قائلة:
أنا كل حاجة كانت مفروضة عليا وأولهم فراق أمي، وسكوت ابويا، حتى أنت كنت مفروض عليا علشان كده كرهت حياتي ونقمت عليها واتمردت عليكم
لتتنهد بتثاقل وتضيف سبب خزيها مسبوق بدmعاتها:
بس طلعت غـ.ـبـ.ـية وظلمتكم و عارفة انكم كرهتوني وعمركم ما هتسامحوني ابدًا.

كانت تتحدث ومع كل كلمة دmعة حارقة تهطل من عيناها وهي حقًا تلعن غباءها وتنـ.ـد.م على كل افعالها المخزية، بينما هو وقف مواجه لجلستها وكوب وجهها قائلًا بنبرة حنونة متفهمة لأبعد حد:
ششششش اهدي دmـ.ـو.عك بتقــ,تــلني يا نادين، انسي وارمي اللي فات ورا ظهرك وافتحي صفحة جديدة مع نفسك وإذا كان على أمي هي بتحبك ومش زعلانة منك ومهما عملتي مش هتكرهك علشان محدش بيكره ولاده.

رفعت عيناها الباكية له وتساءلت بترقب شـ.ـديد وبقلب يرتجف بين جنباتها ترقبًا لإجابته:
وأنت؟
تنهد تنهيدة محملة بتلك المشاعر التي تجيش بصدره ثم تناول يدها و.جـ.ـعلها تستقر على موضع خافقه وكأنه أراد يطمئنها أن دقاته مازالت تناجي بإسمها وتنتمي لها ثم قال بنبرة دافئة مفعمة بالحب بثت بها السَكينة:
اللي يحب ميعرفش يكره ومبيعرفش غير يسامح، وقولتلك قبل كده أنتِ الروح لروحي يا نادين و وجودك هو دليل حياتي.

حانت منها بسمة متألــمة من بين دmعاتها وهي تشعر أن ذلك الحب الذي يفيض من عينه و يشع من حديثه هي ليست جديرة به ولا تستحقه بالمرة، فيكفي أنها تذكرت ذلك اللعين طارق وما أقدmت عليه في سبيل انتقامها وهواجسها الواهية لذلك همست بخزي من ذاتها وبنبرة مرتعشة واهنة يحفها النـ.ـد.م:
بس انا مستهلش حبك...
انا مستهلش حاجة ابدًا، يارتني مـ.ـو.ت مع أمي ولا كُنت عملت كده فيك وفيا.

لم يتوقع انهيارها لذلك الحد واستغرب كثيرًا إصرارها كونها لا تستحق حبه، ولكنه لم يكن أمامه غير أن يهدأ من روعها ويحاول تهدئتها، فقد حاوط بكفوفه وجنتها وثبت نظراتها الباكية عليه وقال بنبرة رغم صرامتها إلا أنها كانت مغلفة بأحتواء لا مثيل له:
بعد الشر عليكِ إِياك أسمعك تقولي كده تاني
نكست نظراتها ولم تستطيع مواجهته، ولكنه باغتها صارمًا وهو يثبت رأسها لأعلى كي يرى عيناها بوضوح:.

بصيلي، وبطلي عـ.ـيا.ط أنتِ قوية وعمري ما هسمحلك تضعفي وانا جنبك، أنتِ مش وِحشة ومش معنى أنك غلطتي تبقي متستهليش كلنا بنغلط ومحدش معصوم من الغلط وكلنا نستاهل فرصة تانية، أنا كمان غلطت و عايزك تسامحيني كنت غـ.ـبـ.ـي عمري ما حاولت اعرف سبب نفورك مني وكرهك لأمي وكان كل اللي شاغلني ازاي اكبح تمردك واقف قصاد عنادك ومجاش في بالي ان ممكن يكون ليكِ دوافع وكل اللي بتعمليه ليه سبب، أنا بجد آسف لو اتعمدت اخــــوفك واهددك بس صدقيني كان غرضي أخليكِ تتمسكِ بوجودي جنبك وتحسسيني إني الوحيد القادر على حمايتك، وآسف كمان علشان خليتك تخافي مني.

اندثر نحيبها وظلت تطالعه بنظرات مغلفة بالحب وصافية لا تحمل أي ضغينة لأسبابه التي عددها، ليستأنف هو حديثه بنبرة واهنة متألــمة تنم عن أن ما سيصرح به أكثر شيء لا يتمنى حدوثه:
بس اوعدك عمري ما هكرر أخطائي تاني ولا هفرض نفسي عليكِ والقرار لسة بإيدك وأنا عارف أنك تقدري تتخطيني وتبدئي من جديد.

وضعت كفوف يدها على يده التي تحاوط وجهها وقالت بمشاعر توقف عقلها أخيرًا عن إنكارها و قرر أن يجعلها تبوح بها بقناعة تامة:
أنت فعلًا غـ.ـبـ.ـي، علشان مقدرتش تفهم إني كُنت بعاند نفسي وبكابر علشان مستسلمش لحبك أنت كنت السبب في الحرب اللي كل يوم تقوم جوايا بين عقلي اللي رافض سيطرتك وسُلطتك عليا وبيدور على أي طريقة يتمرد بيها عليك وبين قلبي اللي عصاني و حَبك.

كان يستمع لها بملامح مشـ.ـدوهة غير مستوعب كونها تكن له المشاعر وتعترف الآن بكل طواعية بحبه فكان الأمر يصعب عليه استيعابه؛ لذلك تساءل بترقب:
قولتي أيه؟
أجابته بصدق وبنبرة حالمة مغلفة بالمشاعر وهي تمرغ وجهها بكف يده كالقطط بوداعة:
لو كان الزمن رجع بيا تاني كنت هختارك أنت، أنا بحبك يا يامن بحبك.

دmعت عيناه وكاد يظن انه يهيأ له، ولكن نظراتها الصادقة التي تفيض بالحب جعلته يتيقن من كون الأمر ليس من نسج خياله فكان يشعر انه لامس السماء من شـ.ـدة سعادته حتى أن قلبه كان يرفرف بين أضلعه كالطير الذي أطلقوا سراحه احتفالًا بسلام موطنه.
فما كان منه غير أنه جذبها إليه واحتضنها ثم قبل أن تبادله هي عناقه حملها عنوة وظل يدور ويدور بها صارخًا بكل ما يعتمل بصدره من مشاعر جياشة غير عابئ للناس من حوله:.

ياه أخيرًا أنا مش مصدق يا قلب يامن قوليها تاني وتالت ورابع عايز اسمعها، أنا عايز الدنيا كلها تسمعها معايا
أبتسمت هي تلك البسمة الآسرة التي طالما أوقعته بها وقالت عنـ.ـد.ما توقف عن دورانه دون أن يجعل قدmيها تلمس الأرض وقد شـ.ـدد على عناقاها أكثر حتى شعرت أنه يود أن يدفنها بين ثناياه:
بحبك يا مـ.ـجـ.ـنو.ن
قلبي هيقف ياعالم قالت بتحبني، نادين بـ.ـنت الراوي اعترفت وقالت بتحبني، بتحبني أنا.

كان يتحدث بجنون وبنبرة هستيرية وكأنه فقد صوابه من شـ.ـدة سعادته فقد نال لتوه تلك الكلمة التي ستحرر قلبه الأسير وتجعله يطـ.ـلق العنان لتلك المشاعر الجامحة التي كان يكبح الكثير منها كي لا يتحايل على مشاعرها، بينما هي تشبثت به وهي تشعر بشعور رائع لا يضاهيه شيء قط.

فكانت لحظات حالمة مفعمة بالرومانسية جعلتهم يهيمون بها متناسين كل شيء غير عابئين بتجمهر المارة حولهم و تعالي الهمهمـ.ـا.ت بينهم، ولكن عنـ.ـد.ما لاحظت هي همست وهي تخفي وجهها بعنقه:
فضحتنا يا مـ.ـجـ.ـنو.ن
أنتِ لسة شوفتي جنان ده أنا هبهرك، ليفصل عناقه لها وينزلها دون أن يفلت خصرها ويقول بصوت جهوري وبطريقة درامية جعلهتا تود أن تنشق الأرض وتبتلعها من شـ.ـدة الخجل:
بلاش سوء نية يا جماعة والنعمة مراتي، محدش يفهمني غلط.

تعالت ضحكات كل من كان يحيط بهم فمنهم من تمنى لهم صلاح الحال ومنهم من أخذ يتمنى لهم السعادة الدائمة ومنهم من كان يصور ما حدث تخليدًا لذلك المشهد الفريد.

فقد أخفت وجهها بكتفه من شـ.ـدة الحرج حين تمسك بيدها ورفعها لفمه يلثمها وكأنه أراد أن يكلل تلك اللحظة الحالمة لتطبع بذاكرتهم للأبد قبل أن يصحبها ويغادر المكان بينما هي كانت تحمد الله كونه منحها فرصة أخرى كي تبدأ من جديد وأزال تلك الغشاوة عن عيناها فتقسم أنها لن تستسلم لشيطانها مرة أخرى فقد أدركت أخيرًا أن خطيئتها لم تكن بريئة ولم تكن مبررة كما كانت تعتقد بل كانت أَثمة ويتوجب عليها أن تتوب عنها وتطلب الغفران من ربها قبل أن تودي بها وتجعلها تخسر أكثر شخص يعني لها و لا تتمنى خسارته.

أما عن ذلك الساخط صاحب الحالة المذرية فقد مر عليه الليل بصعوبة بالغة لدرجة أنه كان يشعر أن حتى الوقت يتأمر عليه ويرفض أن يمر، ولكن حين اتى الصباح ومر عليه أربع وعشرون ساعة كاملة حمد ربه كونه سيرى النور مرة أخرى، وقبل ترحيله إلى النيابة كي يتم التحقيق معه استغل تلك المكالمة التي يمنحها روح القانون للمحتجزين وهاتف يامن كي ينجده ويجلب أحد ينوب بالدفاع عنه ولكن لم يتمكن من التواصل معه لذلك اضطر أن يهاتف منار ويخبرها بما حدث ويطلب منها أن تبعث له محامي كي يؤازره ويلحق به لسرايا النيابة وبالفعل بعد يوم طويل بين تحقيقات وإجراءات روتينية استنفذت طاقته بالكامل تم إخلاء سبيله بضمان محل إقامته لحين النظر بالقضية التي حدد لها جلسة بعد شهر من تاريخه.

فقد عاد لمنزله بملامح منهكة يجر أذيال الخيبة خلفه حين استقبلته منار حانقة:
ممكن أعرف انت ازاي تخبي عليا حاجة زي دي
لم يجيبها بل كان يطالعها بعيون غائرة متخاذلة يستغرب كيف تناست أن تتسأل عن حاله أولًا قبل ان تغدقه بتلك الأسئلة المقيتة خاصتها لذلك همس بعتاب وبنبرة لائمة:
طيب مش تطمني عليا الأول يا منار
قلبت عيناها و تأففت قائلة باستخفاف وبلا مبالاة ذكرته بمواقف مشابهة:
افففف هيكون حصلك إيه يعني!

كادت تقترب منه ولكن اقشعر وجهها ووضعت يدها على فمها قائلة بتقزز وبنبرة مشمئزة جعلته يود أن تنشق الأرض وتبتلعه بجوفها:
يععععع إيه القرف ده ريحتك بشعة...
كان يظن أنها ستتلهف عليه ولكنها نفرت منه ولم تكلف ذاتها حتى أن تتصنع الأهتمام من أجله لذلك تحرك بخطوات وئيدة متخاذلة وقال بصوت منهك وهو يتخطاها للداخل يقصد المرحاض:
اعمليلي حاجة تريح معدتي وياريت تحلي عن دmاغي وتخليكِ بعيدة عني انا أصلاً مش فايقلك.

دبت هي الأرض بغـ.ـيظ وغمغمت ما أن أغلق باب المرحاض:
ماشي يا سُونة بتتشطر عليا أنا، كنت اتشطر على المسهوكة السُهونة بتاعتك اللي رمتك في الحبس.

عاد بها بعد ليلة حالمة لم يكن في ابعد خيالاته أن تكون بتلك الروعة وأن يحظى بتلك الكلمة التي أحيته بها، فقد أطفئ المقود ونظر لها وهي غافية بجانبه بنظرات متمعنة عاشقة ثم همس ببحة صوته المميزة وهو يزيح بأنامله خصلاتها التي تدلى على وجهها:
نادين وصلنا حمد الله على السلامة
رفرفت بأهدابها حين وصلها همسه وردت بنبرة ناعمة تحمل أثر النوم:
الله يسلمك يا يامن.

حانت منه بسمة ماكرة وتساءل بمشاكسه وبعيون مُسبلة:
يامن حاف كده
قصدك إيه مش فاهمة
يعني مفيش حبيبي، روحي، قلبي، عشقي، أي حاجة من الحاجات اللي كنت بسمع عنها دي وهمـ.ـو.ت واجربها
نكست رأسها بخجل وضحكت تلك الضحكة التي استعادت رونقها من جديد وأصبحت أكثر فتنة من ذي قبل وهمست:
أنت اكتر من كل دول ومفيش كلمة هتديك حقك
تهللت اساريره بشـ.ـدة و هتف بخفة أضحكتها:
ياريتك ما نطقتي قلبي حاسس بيه هيقف حتى شوفي...

سحب كف يدها ووضعه موضع خافقه لتشعر هي بصخبه تحت يدها وتقول:
بعد الشر عليك يا حبيبي
باغتها مشاكسًا وهو يشـ.ـدد على كف يدها الذي مازال يستقر على صدره:
حبيبي، يالهوي عليا وعلى اليوم اللي مش هيخلص غير وهو جايب أجلي
سحبت يدها وهدرت بخجل وهي تقطم شفاهها:
بَطل رخامة بتحرجني ويلا ننزل
علشان نقفل البوابة باين عليه عم مُسعد نام ونساها
نفى برأسه وقال بعيون مُسبلة تهيم بليل عيناها وبتنهيدات مُسهدة اربكتها:.

نادين طول عمري مؤدب مش كده! واظن انك تشهديلي بده وعمري ما فرضت عليكِ حاجة
أومأت برأسها تؤيد حديثه وهي تستغربه بينما هو أكمل بنبرة عابثة وعينه لاتحيد عن غايتها:
أصل اللي هعمله دلوقتي ملهوش دعوة بالاحترام واحتمال يخليكِ تغيري رأيك
وقبل أن يصدر أي شيء منها كان هو ينقض على شفاهها يقبلها قبلة حالمة، متمعنة، بنهم شـ.ـديد ينم عن تلك المشاعر التي يشعر بها تثقل قلبه وتكاد تقضي عليه إن لم يعبر عنها.

استجابت هي له وبادلته قبُلته بحالمية شـ.ـديدة حتى أنها كانت تضم رأسه بأناملها وتعبث بين خصلاته البُنية بحركات صدرت تلقائية منها ورغم ذلك أهلكته و.جـ.ـعلته يود أن يلتهمها
فدام تلاحم شفاههم لوقت ليس بقليل قبل أن تفصل هي قبلته وتهمس بأنفاس متلاحقة بالكاد تستطيع تنظيمها:
مـ.ـجـ.ـنو.ن...
مرر إبهامه على شفاهها بزهو وهمس بأنفاس ثائرة وهو يتفرس بها بنظرات متيمة:.

عايزك تتعودي على الجنان علشان مفيش حاجة هتقدر تحجمني وتخليني اخبي مشاعري بعد النهاردة
حانت منها بسمة باهتة لم تصل لعيناها فقد ذكرها حديثه في تلك السنوات التي اهدرتها بتمردها عليه، فحقً كانت غـ.ـبـ.ـية بكل ما تحمله الكلمة من معنى فكيف كانت غافلة عن ذلك الشعور الرائع بقربه وعن تلك السعادة الغامرة التي تنعم بها الآن.
وبعد جلد ذاتها لعدة ثوانِ همست وهي تكوب وجنته بنبرة نادmة:.

هتغير يا يامن وأوعدك هنعوض كل اللي ضاع مننا بس أنت ساعدني واوعدني أنك مش هتسبني مهماحصل
نفى برأسه وكأن ما قالته هو المستحيل بعينه وقال بكل إصرار دون لحظة تردد واحدة وهو ينزل كفوفها ويضع قبلة حانية على منهم:
اسيبك، ده أنتِ روحي يا نادين حد يسيب روحه
نمت بسمة هادئة على ثغرها وعقبت بنعومة:
ربنا يديمك ليا يا حبيبي
تحمح هو يجلي صوته وكرر مشاكسًا:
حبيبي تاني، لأ كده كتير عليا وأنا بصراحة مش ضامن نفسي.

قالها وهو يميل برأسه من جديد عليها ولكنها دفعته بدلال قائلة:
لأ كفاية فضايح النهاردة ويلا ندخل البيت قبل ما حد من الجيران يشوفنا.

توقف عن عبثه بمضض شـ.ـديد فمازال لم يرتوي ويقسم أنه لو استمر لأخر العمر لن يكتفي منها بينما هي أبتسمت تلك البسمة الآسرة التي تأسر قلبه وتدلت من السيارة فما كان منه غير أن يتبعها غافلين عن تلك العيون القاتمة التي كانت تتربص بهم من بادئة وصولهم وظل صاحبها يتوعد لهم بأشـ.ـد الوعيد.

صباح يومً جديد يحمل بين طياته الكثير لذلك العقلاني الذي لم تغفل عينه لدقيقة واحدة منذ ما حدث فقلبه يأن بين أضلعه ولم ينفك عن التفكير بها منذ الأمس وكم ناجى الله كي يرأف بها وبقلبه الذي ينتمي لها رغم قناعاته.

فكان بمزاج عكر للغاية حين حاولت شقيقته تقنعه بأن يعمل على أحد سيارات الأجرة التي يملكها جارهم بشكل مؤقت إلى أن يجد عمل بأجر أفضل فما كان منه غير الموافقة وبالفعل اليوم هو أول يوم له وقبل أن يخرج بالسيارة من منطقهم وجدها تقف أمامه وتلوح بيدها كي يتوقف، تجمدت نظراته لوهلة لايستوعب كونها تغاضت عن حديثه الرادع لها بلأمس وظهرت أمامه من جديد ورغم أن قلبه ارتعش أحفالًا لرؤيتها إلا أن ملامحه ظلت صامدة حين توقف وصعدت هي بجانبه قائلة باقتضاب دون أن تنظر له:.

عايزة اروح عين شمس لو سمحت
استغرق الأمر منه بضع ثوانِ كي يستوعب ما تحاول أن تفعله ولكنه فشل في فهمها لذلك هدر متسائلًا:
بتعملي ايه هنا يا ميرال مش اتكلمنا امبـ.ـارح
تنهدت بعمق واجابته بكل إصرار وبنبرة مقتضبة:
مقتنعتش، واتفضل وصلني علشان متأخرة وعندي محاضرات
ضـ.ـر.ب كف على آخر وقال بسـ ـخـــريــة مريرة:
أنتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة رسمي
رفعت منكبيها وردت دون لحظة تردد واحدة:.

قول اللي أنت عايزه قول إني معنديش كرامة وقول كمان إني فرضت نفسي عليك وعلى بيتك وعلى حياتك بس انا مصدقت لقيتك وعمري ما هفرط فيك، وبعدين أنت قولت أن دي مشكلتي لوحدي بس الحقيقة أن دي مشكلتك أنت لأنك قولتلي قبل كده إني اتحب وإن كل اللي معرفوش يحبوني العيب فيهم مش فيا وانا اتعودت أصدقك.

نعم قال ذلك مسبقًا وهو لا يحيد عن رأيه فياليتها تعلم أنها أصبحت تسري بدmائه سريان الدmاء ولكن ماذا عن قلة حيلته ولذلك عليه أن يثبت ويدعي عدm الفهم كي لا يفتضح أمره:
يعني إيه مش فاهم؟
زفرت في ضيق من تلبده الذي مازال يصر عليه واعتدلت بجلستها وقالت وهي تضم حقيبتها إلى صدرها وكأنها تستمد منها القوة لكي تظل على إصرارها ولا تيأس ثم قالت:.

يعني تسوق وتوصلني من سكات و اعمل حسابك انك هتلاقيني مستنياك هنا كل يوم
ومتقلقش شغل العداد بتاعك وهحاسبك زي الزباين العادية
مرر يده على وجهه وقال بكل عقلانية:
اللي بيحصل ده غلط وأنتِ مش مدركة الوضع كويس
أجابته هي بثقة استمدتها منه مسبقًا وبنبرة تقطر بالإصرار:
لأ مدركة وعارفة الوضع اللي أنت تقصده كويس يا محمد ومش فارق معايا حاجة وعندي استعداد أقف قدام الدنيا كلها علشان تفضل جنبي.

حديثها لم يبدو منطقي له ولم يستوعبه عقله لذلك قال بنبرة صدرت منه حادة بعض الشيء:
أفضل جنبك بصفتي أيه؟
كانت تشعر بمعاناته وتشعر بتلك الحرب الضارية التي تقوم داخله وكونها تعلم أنه مازال متمسك بمنطقه وقناعاته الراسخة إلا أنها حاولت أن تؤثر عليه قائلة:
مش لازم نحط مسمى لقربنا، خليه اللي بينا مش مشروط وأنا عمري ما هتحامل عليك ولا هفرض عليك حاجة، وعلشان خاطري أدي فرصة لقلبك يقرر بالنيابة عنك...

نظر لها نظرة عميقة مطولة ورغم ذلك التشتت التي رأته في عينه إلا أنها كانت تشعر أن خلف ذلك التردد شيء يعنيها ويكنه لها فما كان منها غير أن ترسل له بفيروز عيناها نظرات مطمئنة مفعمة بالإصرار جعلته يهمس بتنهيده مثقلة وهو ينظر لأعلى يناجي ربه كي يلهمه الصواب:
حـ.ـر.ام عليكِ يا ميرال أنتِ بتصعبيها عليا
جاوبته وهي تلامس ذراعه بحركة عفوية لم تتعمدها ورغم ذلك زلزلت دواخله و.جـ.ـعلت عينه تغرق ببحر عيناها:.

صدقني أنت اللي بتصعبها على نفسك وعليا انا مش فارق معايا حاجة غيرك...
إصرارها وتمسكها به جعل بصيص من الأمل يتسربل لتلك القناعات ويزعزع ثباتها، وعندها تذكر حديث شقيقته بشأن السعي من أجلها و أدرك أن تمسكها به لذلك الحد سيدعمه ويجعله يفعل المستحيل كي يكون جدير بها؛
لذلك قرر أن لا ينهك نفسه بالتفكير أكثر فهو يعلم ما عليه فعله:
أنتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة وجنانك ده معرفش هيودينا على فين.

أبتسمت وعيناها تهيم به ثم قالت بإصرار عظيم نابع من تلك المشاعر الجارفة التي تكنها له:
مش مهم هنروح على فين المهم أننا نبقى مع بعض وتتمسك بيا زي ما أنا متمسكة بيك.

تنهد تنهيدة مُسهدة وأتسعت بسمته وهو يشملها بأهتمام وفيض عيناه وكم تمنى حينها أن يبوح بما يختلج بقلبه لها ولكنه منع ذاته فلن يصرح ويعطي ذلك الوعد الصريح منه إلا إذا كان جدير به وفي استطاعته مجابهته والتصدي لكافة عقباته بينما هي كانت تشعر بحالة من السلام النفسي غير عادية فلولا محادثة شهد لها بالأمس وحديثها عن مخاوفه وتلك القناعات الراسخة التي يتمسك بها لم تكن تعلم فيما يفكر ولم تكن تشعر بتلك المعاناة التي تدور برأسه، فحقًا هي لا تكترث كونه لم يبوح لها بمكنون قلبه فيكفيها أنها ترى ذلك في عيناه وفي كافة أفعاله، فهي تعشقه ولا سبيل لها من دونه لذلك يتوجب عليها أن تحترم تلك القناعات الراسخة بداخله، فقد شعرت بموافقته الضمنية لها كي تظل بجواره وذلك كافي لها بل أكثر من كافي كي تشعر بالراحة والأمان.

كأس يتبعه أخر حتى أصاب بحالة من الثمالة يرثى لها وكأن تلك الطريقة الوحيدة التي تلهيه كونها جعلته اغبى رجل على وجه الأرض، فمنذ تلك الليلة المشؤمة وهو يكاد يجن كي يتواصل معها ولكن لم يحدث ذلك حتى صديقتها الذي اضطر أن يسايرها كي تطمأنه عنها لم تريحه بل عاملته بطريقة فظة للغاية استفزته ولكنه صمد كي لا يجعل الشُبهات تحوم حوله، ولكن اليوم وكعادته في الآونة الأخيرة كان يقف أمام منزلها بصورة متوارية على أمل رؤيتها والاطمئنان عنها؛ وبالفعل حالفه الحظ ووجدها تعود برفقة الأخر وياليته لم يراها بأم عينه حينها وهو يقبلها داخل السيارة، يقسم حينها كان سينقض عليه وهو يظن أنه يتودد لها و يرغمها على ذلك ولكن لصدmته حين أمعن النظر داخل السيارة وجدها هي تبادله بكل طواعية مما جعل شيطانين الأرض جميعًا تتراقص أمام عينه وهو يدرك انها كانت تتلاعب به لذلك حاك شيطانه برأسه خطة جهنمية سوف تطيح بعدوه اللدود وتجعلها تأتي راكعة تحت قدmه كي يرضى بها بعد أن يتخلى عنها الأخر.

خير يا صاحبي في أيه جيبني على ملا وشي ليه؟
قالها فايز وهو يجاوره على أحد المقاعد العالية التابعة لذلك البـ.ـار العريض بأحد الأماكن الليلية التي يجتمعون بها، زفر طارق حانقًا وأخبره بشر:
عايز منك خدmة
أجابه فايز برحابة:
أنت تأمر يا طارق قولي عايز أيه؟
هقولك بس الأول عايزك تراقبلي ميرال وتعرفلي مصاحبة مين وايه أراره
استغرب فايز وقال متهكمًا:
ميرال إشمعنا أنت حنيت ليها ولا ايه؟

نفى طارق برأسه وأخبره بعيون قاتمة تقطر بالخبث:
لأ، بس في دين قديم ولازم يسد و ميرال هي حلقة الوصل اللي هتقضي على نادين الراوي.
المرأة التي تسرق عقل الرجل أذكى من التي تسرق قلبه لأن الرجل لديه ألف قلب وعقل واحد
ديستـ.ـو.فيسكي.

بعد مرور اسبوعين.

كان هو بحالة يرثى لها فبعد ذلك اليوم المشؤوم الذي باته بالحبس وهو يتوافد عليه الكوابيس المرعـ.ـبة كل ليلة وقد ساءت نفسيته لدرجة كبيرة وخاصًة كونه لم يستطيع بشتى الطرق أن يجدها بعد ما حدث ولا يعلم شيء عن ابنائه مما جعله يكاد يفقد صوابه ويشعر أن شيء كبير ينقصه، ورغم أن الأخرى تحاول أن تحتل تركيزه بشتى الطرق إلا انه يشعر بفتور غريب نحوها، حقًا يستغرب ذاته فمن كانت سابقًا لا يلقِ لها بال ولم يهتم بها يوم؛ أصبحت هي محور أفكاره الآن فقد أصبح لايفعل شيء سوى التفكير بها وكيف أصبحت بعد خسارتها، ورغم أنه يحمل سخط عظيم تجاهها كونها صَعدت الأمر ولكنه يكاد يجن ويطمئن عليها وعلى أطفاله، ولكن كعادته تدخل شيطانه وبرر له انها تثير أعصابه وتثأر لكبريائها لا أكثر بفعلتها وسوف تعود وحينها سيتمكن من التأثير عليها فمازال يكمن بداخله هاجس كونها لا تستطيع العيش دونه وسوف تتفهم اعذاره ككل مرة وتعود إليه وحتى أنه توقع انها ستتنازل عن ذلك البلاغ اللعين الذي سيتسبب في مقاضاته. حقًا التفكير كان ينهكه بشـ.ـدة لدرجة انه أهمل عمله و جعل أحد العاملين ينوب عنه في كل شيء على أمل أن يجدها ويضع حل لمعضتله معها.

ولكن إلى الآن لم يحدث ذلك مما جعله في مزاج عكر طوال الوقت وتثور ثائرته من أقل شيء وبالطبع الأمر لم يعجبها بتاتًا لذلك اعترضت قائلة وهي تقف أمامه وتتخصر بجسدها:
هو أنت هتفضل في الحال ده لأمتى إن شاء الله أنا زهقت
أجابها بنفاذ صبر وهو يطفأ سيجارته التي لا يعلم عددها لليوم بالمنفضة:
ابعدي عني يا منار أنا مش ناقصك
لوحت بيدها وردت متهكمة:.

كل ده بسبب المسهوكة بتاعتك أيه يعني لما أختفت شوية هي بتعمل كده علشان تغـ.ـيظك شوية وهترجع دي حركات ستات بايخة وأنا عارفاها
تنهد بضيق وأجابها بثبات حاول أن يتقمصه وثقة ليست ابدًا بمحلها:
عارف أنها هترجع هي أَجبن من أنها تهرب بولادي، هي بس بتكدني علشان كنت سبب في خسارة اللي في بطنها بس ملحوقة هتروح مني فين مسيرها ترجع
لوحت بيدها وقالت باستخفاف مقيت:.

يوووه بقى خلاص اللي حصل حصل وبعدين مراتك دي مملة أوي ومكبرة الموضوع وعطياه فوق حجمه، وبعدين دي المفروض تحمد ربنا علشان البيبي نزل بدل ما يبوظ جـ.ـسمها و تعاني مع الوَش والزن والمسؤولية و و.جـ.ـع دmاغ.

ظل لثوان قتامة بُنيتاه متعلقة بها بملامح جليديدة لا تنم عن شيء، ولكن بداخله كانت المقارنات تطرح لتنهكه أكثر فأكثر فكل مدى ويكتشف أن شتان بينهما، يعلم أن ذلك سر اعجابه بها في بادئة الأمر فكان يظن أنه سيرضي غــــرور ذاته ويجد الكمال الذي طالما طمع به ولا ينكر كونها ارضت ذلك الذكر الذي بداخله واشبعت رغباته الجامحة ولكن لمَ يشعر بالفتور الأن تجاهها فهل فعلًا احبها كما ادعى وأخبر الجميع، حقًا لايعلم اجابة لسؤاله فكل ما يشعر به هو الخواء.

طال شروده ولم يعجبها الأمر فهي تعلم انه يفكر في الأخرى لذلك حرضته بنبرة تقطر بالخبث:
إنت هتفضل ساكت كده المفروض تلاقيها و تخرب الدنيا على دmاغها علشان البلاغ الزفت اللي قدmته ضدك
زفر بضيق ورد وهو يمرر يده بين خصلاته الفحمية:.

أنتِ ناسية أنهم مضوني في القسم على عدm تعرض وبعدين هلاقيها فين دي من يوم اللي حصل وهي فص ملح وداب ومش عارف اوصلها لا هي ولا بـ.ـنت عمها حتى الولاد مش بتوديهم مدرستهم ومسبتش حد غير وسألته عليهم وسبت رقمي مع كل المحلات اللي حولين البيت علشان لو ظهرت يكلموني وبرضو مفيش فايدة.

قلبت منار عيناها من سيرة تلك الخبيثة التي خربت عليها مخططها وعكرت صفو حياتها التي كانت تتخيلها ستكون أكثر رغدًا عن ذلك الوضع المقيت الذي سئمت منه ومن مماطلته واعذاره الواهية لها فهي تشعر بسر خطير خلف تصرفاته تلك لذلك قررت أن تستغل أسلحتها الأنثوية كي تسبر أغواره وها هي تجلس على ساقيه وتتعلق بعنقه قائلة بنبرة مغوية ماكرة:.

متقلقش يا سُونة هترجع هتروح فين يعني أنت بتقول أن ملهاش حد، وبعدين سيبك منها بقى وخليك معايا أنا ذنبي أيه تنكد عليا
أنا زهقت يا سُونة أنت طول الوقت سرحان وقاعد لوحدك ومش معايا خالص وكل ما أطلب منك حاجة تقولي بعدين وأنا مش متعودة منك على كده أنا كنت اللي بشاور عليه بتجبهولي أيه اللي حصلك!
زفر بسأم من محاولتها الشتى التي أصبحت تصيبه بالضجر في بعض الأحيان وقال بمسايرة:.

حاضر يا منار أوعدك هنفذلك كل طلباتك بس اديني شوية وقت اشوف حل للمصيبه اللي الهانم التانية وقعتني فيها
عقدت حاجبيها وهبت واقفة تربع يدها اعلى صدرها قائلة بعتاب يغلفه بعض الإنفعال:
نعم وأنا مالي وبعدين أنت بتحجج بس علشان مش عايز تجبلي حاجة، انا بجد مصدومة فيك مكنتش فاكرة انك هتبقى بخيل كده، ده من ساعة ما حطتلي المبلغ التافه ده في الفيزا بتاعتي قبل ما نتجوز مطلبتش منك أي حاجة.

حانت منه بسمة ساخرة على تبسيطها للأمور فذلك المبلغ التافه التي ذكرته الأن يعد ثروة لأحدهم، ولكن ماذا يفعل كان مغيب تحت وطأة رغبته فتبًا لذلك الشيطان اللعين الذي عبث برأسه حينها
يووووه انت هتفضل ساكت كده أنا متأكدة إن في حاجة وأنت مش عايز تقولها، ده حتى الشغالة أنا اللي عطتها مرتبهاومصروف البيت كمان، وحتى شغلك الموظفين قالبين عليك الدنيا ومسؤول الشئون المالية اتصل اكتر من مرة.

زفر حانقًا من إلحاحها المقيت الذي لا ينقصه بتاتًا وقال:
مفيش زفت مخبيه عنك وياريت تحلي عن دmاغي أنا مش فايقلك
قالها بنفاذ صبر و بملامح صارمة اغاظتها و.جـ.ـعلتها تتأفف قائلة:
أفففف بقى انا زهقت منك ومن طريقتك دي، مش دي الحياة اللي كنت متخيلاها معاك
هب واقفًا بعدmا ثارت ثائرته وقبض على رسغها قائلًا من بين أسنانه:
بقولك ايه ده اللي عندي وبلاش تستفزيني علشان انا مش طايق نفسي ومضمنش ممكن اعمل ايه.

نظرت له نظرة قوية غير خاضعة وردت وهي تجذب يدها من بين قبضته بكل ثقة:
هتعمل ايه يعني أنت متقدرليش على حاجة، ولو فاكرني شبه المسهوكة بتاعتك هسكتلك واحط كرامتي تحت رجلك تبقى غلطان
زمجر غاضبًا من تصديها له ومجابهتها له كلمة بكلمة:
اخرسي و مترديش عليا و متجبيش سيرتها وابعدي عن وشي
رشقته بنظرات متوعدة وقالت قبل أن تكف عن المجادلة:
هبعد يا سُونة بس صدقني أنت اللي هتخسر.

لم يكن يريد أن يحتد بينهم الحوار لهذا الحد ولكنها من تستفزه بفضولها وتلك الأسئلة اللعينة التي لا يود أن يخوض بها.

فهو على يقين تام إن علمت بشأن أخذ رهف لماله لن تصمت وسوف تهزأ منه وتقيم قيامته لذلك كان يتعمد أن يخفي عنها إلى الأن، فقد تجاهل ما قالته كعادته وأخذ يفكر في تلك الألتزامـ.ـا.ت التي تثقل كاهله فكيف سيتمكن من الإيفاء بها وهو صفر اليدين لا يملك قِرش واحد في حسابه المصرفي فلولا انه وجد مبلغ بسيط في خزنة شركته لم يكن يعلم كيف كانت ستمر تلك الأيام القليلة عليه، فكان يشعر أن رأسه تكاد تنفجر من كثرة التفكير يحاول جاهدًا إيجاد حل وفي أسرع وقت قبل أن يسوء الأمر أكثر.

طرقات على باب غرفتهم قطعت تفكيره ليسمح للخادmة بالدخول وفور دلوفها للغرفة قالت:
في واحد مُحضر من المحكمة عايز حضرتك يا بيه
شحب وجهه وهرول إلى الأسفل وقد تبعته منار وما أن قابله قال ذلك الشخص برسمية شـ.ـديدة:
استاذ حسن طايل ياريت توقع على استلام الاعلان ده
نابت هي عنه السؤال:
إعلان إيه ده؟
أجابها وهو يناوله القلم كي يوقع بالاستلام:
قضية طـ.ـلا.ق للضرر من قِبل السيدة رهف حسين.

لاحت على ثغرها بسمة متخابثة أخفتها سريعًا، بينما هو كانت الصدmة حليفته فقد شحب وجهه أكثر وزاغت نظراته وشعر بالصقيع يداهم اطرافه التي تحكم بها بصعوبة كي يضع توقيعه على الورق فكان يشعر بالأرض تميل به ولا يستوعب كونها مقتته لهذا الحد الذي يجعلها تريد مقاضاته والطـ.ـلا.ق منه في آن واحد، فيقسم أن آخر شيء كان يريد أن يتوصل له هو خسارتها!

أما عن رهف فيبدو أنها لا تشاركه تلك الرغبات الساذجة بل اتخذت قرار قاطع لا رجعة فيه وكيف يكون؛ وقرارها نابع من مستنقع الأفعال المشينة و الخذلان الذي أغدقها به تحت وطأة تلك الخطايا التابعة لفعلته.

هو مش انا قولتلك متجيش واقعدي في البيت ذاكري امتحاناتك قربت
قالها محمد معاتبًا بعدmا باغتته ككل يوم وصعدت إلى سيارة الأجرة التي يعمل عليها قبل أن ينطلق بها من منطقتهم
لترد هي عليه ببسمة مشاغبة مفعمة بالحياة:
حاولت ومعرفتش وبعدين اعمل ايه يعني وحـ.ـشـ.ـتني يا حمود
مـ.ـجـ.ـنو.نة اقسم بالله
طيب وايه الجديد ما أنا عارفة وبعدين متحاولش تنكر أن جناني ده بيعجبك
حانت منه بسمة واسعة وعقب على مشاكستها ومنغاشتها اللطيفة:.

للأسف ما باليد حيلة
اتسعت بسمتها ثم طلبت بحماس:
طيب يلا بينا انا جعانة وعايزة أفطر فول من على العربية.

رفع أحد حاجبيه وقال مشاكسًا:
أنتِ داخلة على طمع بقى وشكلك هتضـ.ـر.بيلي اليوم ومش هشتغل بالتاكس
مطت فمها وتسائلت بترقب:
هو أنت زهقت مني يا محمد
زفر بقوة وأجابها وهو يشملها ببندقيتاه:
ميرال أنا عمري ما اقدر ازهق منك بس ده أكل عيشي ولازم احترم الراجـ.ـل اللي أمني عليه واديله حقه
تنهدت بضيق واعتدلت بجلستها ثم قالت بعدm رضا:.

أنا مقولتش حاجة بس بصراحة الشغل ده مش عاجبني وأنا كتير قولتلك أكلم حد من معارف بابي يشوفلك شغل غيره وأنت بترفض
مسد جبهته بأبهامه وسبابته وطفر بواحدة من تلك القناعات التي يرفض أن يتنحى عنها:
أنتِ عارفة أنا برفض ليه، واظن قبل كده وعدتيني أنك مش هتفرضي حاجة عليا
اعترضت وهي تجلس بزاوية المقعد كي تراه بوضوح:
يا حمود ما أنت دايخ على شغل غيره ومش لاقي، فيها أيه لما اساعدك!

ميرال خلاص قولتلك مش هقبل بأي مساعدة منك وياريت تقفلي الموضوع ده نهائي
قالها بعزة نفس أبية و بكامل صوته الأجش ولم يعي أنه أجفلها و.جـ.ـعلها تنظر له نظرات معاتبة ألــمت قلبه و جعلته يلعن ذاته ويدرك الموقف معتذرًا بسرعة متناهية:.

آسف، والله آسف مكنش قصدي اتعصب عليكِ بس أنتِ عارفة رأي في الموضوع ده علشان خاطري يا ميرال بلاش نتكلم فيه تاني انا قدmت الsv في كذا شركة ولغاية دلوقتي محدش رد عليا بس أنا مش هيأس وهدور تاني وتالت ورابع على شغل وإن شاء الله هلاقي.

لامس صدق أسفه شغاف قلبها وكونها تشعر بتلك الحرب الضارية المقامة داخله ألتمست له الأعذار ولكن ليته يصدق أنها لا تكترث لدوافع حربه بل كل ما تكترث له، هو؛ لذلك تفهمته وردت بنبرة هادئة وهي تضع يدها على يده المسنودة بجانبه:
إن شاء الله يا حمود واوعدك طالما بيضايقك الموضوع ده مش هتكلم فيه تاني وخليك متأكد إني هفضل معاك لو لأخر العمر.

تعلقت عينه بموضع يدها وكم اراد أن يعانق أناملها الآن ويخبرها أنه ايضًا لن يفلتها، ولكن ليتها هي ايضًا تستوعب أن تلك القناعات الراسخة بداخله لاتجيز هذا، ولذلك يقسم أنه سيفعل المستحيل ليكون جدير بها وحينها لن يسمح لشيء أن يكبح تلك المشاعر المتأججة والمكبوتة بصدره عنها، يأست أن يجيبها ومن نظراته لموضع يدها تفهمت ما يدور برأسه لذلك ربتت على ظهر يده بحركة حثية مطمئنة جعلته يرفع نظراته ويغوص في بحر عيناها بنظرات تعلم ما يفيض منها رغم صموده وعدm بوحه بها ولكنها كانت كفيلة أن تجعلها تنعم بذلك الآمان التي لطالما كانت تبحث عنه، طال تشابك نظراتهم لبضع ثوانٍ قبل أن يتدارك هو ذاته ويزيح عيناه عنها بقليل من الارتباك وحينها زفرت هي واعتدلت من جديد بجلستها قائلة بنبرة مشاكسة كي تلهيه عن تلك الأفكار الطاحنة برأسه:.

طيب يلا بقى انا مـ.ـيـ.ـتة من الجوع يا حمود متبقاش بخيل وكمل جميلك
تنهد تنهيدة مُسهدة بضجيج قلبه وحانت منه بسمة هادئة اختطفت قلبها حين قال:
حاضرأمري لله لما أشوف أخرتها معاك يا حلو.

لملمت خصلاتها ببسمة خجولة بفضل ذلك الإطراء المحسوس منه بينما هو أنطلق بها كي يلبي رغبتها، غافلين عن تلك السيارة التي تتبع خطاهم منذ عدة أيام وذلك الشخص بداخلها الذي رفع هاتفه للتو ونقر رقم من وكلته بذلك يخبرها بكل التفاصيل ويؤكد لها أن كافة ظنونها بمحلها تمامًا.

أيام مرت عليها بصعوبة بالغة بعد خسارتها فكانت صبح وليل تنعي حظها وتلعن حياتها حتى كادت تجف دmعاتها ولكن مع مرور بضع أيام استعادت رباط جأشها و استوعبت تدريجيًا أن تلك ارادة الله وحتمًا أن هناك حكمة خَفية وراء خسارتها؛ لذلك رضت بما كتب لها واحتسبته عند الله. فربما حدث ذلك لينتشلها من سباتها ويجعلها تثور لكبريائها قبل أن تهدر سنوات أخرى مغيبة تحت وطأة رجل مثله.

رهف وبعدين معاكِ هتفضلي سرحانة كده كتير
قالتها سعاد كي تحفز رهف التي كانت ساهمة طوال الوقت بعد ما حدث وكأنها بعالم منعزل لا يمت لعالمهم بشيء، تنهدت رهف ببسمة باهتة و طمأنتها:
هبقى كويسة يا سعاد متقلقيش عليا ومتستهونيش باللي مريت بيه ولسة أثره فيا
نفت سعاد برأسها و واستها وهي تجلس بجوارها وتربت على يدها:.

والله مش مستهونة بيه، أنا عارفة أن اللي حصل صعب عليكِ بس لازم تقوي نفسك علشان ت عـ.ـر.في تاخدي حقك وتقفي على رجلك من تاني
أومأت رهف بعيون أصبحت فارغة لا شيء يسكنها سوى الحـ.ـز.ن ثم اجابتها:
متقلقيش مبقاش ينفع أضعف تاني واتهاون في حق نفسي أصل الضـ.ـر.بة اللي مبتمـ.ـو.تش بتقوي يا سعاد وأنا لازم ابقى قوية علشان خاطر ولادي
تنهدت سعاد وقالت بتشجيع:.

طب يلا قومي ألبسي علشان نخرج الولاد انا لما صدقت ولادي الاندال رجعوا من عند حمـ.ـا.تي وعايزة اخرج معاهم قبل ما الاجازة تخلص
نكست رهف رأسها وهمهمت معتذرة:
آسفة يا سعاد بوظتلك أجازتك ولخمتك معايا في مشاكلي وخليتك انشغلتي عن ولادك.
زفرت سعاد ونهرتها قائلة:.

أنتِ بتقولي أيه احنا أخوات يعني مفيش بينا الكلام ده ده انا بحمد ربنا اني نزلت في التوقيت ده علشان ابقى موجودة معاكِ وإذا كان على الولاد فمتقلقيش عمـ.ـا.تهم وجدتهم غرقوهم فُسح وخروجات
أبتسمت رهف بإمتنان عظيم لها بينما هي استأنفت قائلة:
يلا بقى الله يخليكِ قبل ما صاحبتك الزنانة ما تيجي وتو.جـ.ـع دmاغنا وتستعجلنا
همهمت هي بدفاع:.

هي سارة زنانة بس جدعة كفاية أنها عطتنا مفتاح الشاليه بتاعها وخلتنا نقعد فيه طول الفترة اللي فاتت وجوزها هو اللي قام بكل إجراءات القضية
أيدتها سعاد:
الحمد لله أن جوزك ما يعرفهاش أوي ولا يعرف تفاصيل عنها وبعدين أنا معاكِ هي جدعة بس ده ميمنعش انها زنانة يا رهف ده أنا دmاغي بتورم لما بشوفها
ابتسمت رهف بينما استأنفت سعاد وهي تنهض تفتح خزانة الملابس تنتقي بعض الملابس لها:.

بس عايزة الحق أنا شايفة أنها صح، يعني لو سمعتي كلامها ونزلتي اشتغلتي معاها في المكتب بتاعها الشغل هيساعدك تتخطي المرحلة دي من حياتك وهيرجع حماسك وثقتك في نفسك
تنهدت رهف تنهيدة مثقلة وأجابتها:
سارة كتير كانت بتلح عليا زمان بس أنا كان عندي أولاويات تانية أنا وعدتها بس الأول أنا محتاجة شوية وقت أرتب حياتي من أول وجديد
عقدت سعاد حاجبيها وتساءلت وهي تقترب و تجاورها من جديد:
بتفكري في أيه؟

زفرت هي نفس ثقيل من على صدرها وقالت بصمود قوي رغم هشيم دواخلها:
لازم أرجع مش هفضل هربانة منه ولازم اوجهه ده غير أن الولاد لازم يرجعوا للدراسة كفاية الوقت اللي ضاع
نفت سعاد بعدm اقتناع:
إزاي بس يا رهف وافرضي اتعرضلك و أذاكِ تاني ده انا كنت شايلة هم حضورك جلسات المحكمة تقوليلي هرجع وأوجهه انا مش موافقاكِ ابدًا
حانت من رهف عابرة وأخبرتها بقوة نشبت بداخلها بعد نكبتها:.

متقلقيش عليا مفيش حاجة ممكن تأذيني اكتر من اللي عمله فيا، وبعدين انا اخدت حذري منه وهو مش غـ.ـبـ.ـي علشان يورط نفسه تاني معايا
هزت سعاد رأسها واقترحت:
خلاص نبقى نشوف شقة بعيد ويكون هو ميعرفش عنوانها أَأمن
نفت رهف برأسها وأخبرتها بصمود غريب وإصرار أغرب:
لأ انا هرجع البيت اللي اتربيت فيه واعيش هناك أنا والولاد أنتِ عارفة إني بحب الشقة وبرتاح فيها، ده يعني لو معندكيش مانع.

لأ طبعًا ده بيتك، لتتنهد وتضيف وهي تربت على كتفها:
رغم خــــوفي عليكِ بس مفيش قدامي غير إني ادعيلك، دي حياتك أنتِ وليكِ مطلق الحرية فيها وأنا بثق فيكِ ومتأكدة انك هت عـ.ـر.في تتصرفي وتاخدي قرارات صح وهتقدري تتخطي كل اللي فات.

أبتسمت رهف وأخبرتها بإمتنان وهي تحتضنها:
مش عارفة من غيرك كنت عملت أيه يا سعاد ربنا يخليكِ ليا.

أما عنها فقد اندثرت هواجسها وقناعاتها تمامًا ولم يتبقى شيء منها سوى ذلك النـ.ـد.م الذي يفتك بها وتحاول جاهدة التكفير عن أخطاءها تجاهه وتجاه والدته وكم لامت نفسها كونها كانت غافلة عن كل تلك السعادة والدفء التي تنعم به الأن، فبعد تلك الليلة الحالمة التي طبعت بذاكرتهم للأبد تغيرت معاملتها له بنسبة كبيرة فقد اصبحت تطيعه بكل شيء بلا نقاش، وتتفهم خــــوفه عليها بكل طواعية، حتى أنها اعتذرت من ثريا وأبدت نـ.ـد.مها فما كان من ثريا غير أن تتفهمها وتلتمس لها الأعذار وترشـ.ـدها إلى الصواب وتؤكد لها أنها مهما فعلت ستظل ابـ.ـنتها التي تربت على يدها، فكان الأهتمام والحنو الذي يغدقوها به جعلها تلعن ذاتها في اليوم ألف مرة كونها اهدرت كل ذلك الوقت وهي مغيبة تحت وطأة انتقام واهي وشكوك بالية ليس لها أي اساس من الصحة إلا برأسها.

أما عن صاحب الناعستين الدافئة فقد أصبحت بسمته لا تفارق وجهه بتاتًا من حينها وكأنه وجد ضالته بعد سنوات شقاء فكان في أوج سعادته وهو يلحظ تغيرها الجذري معه ومع والدته فذلك المنزل الذي كان يضج دائمًا بالمشاحنات والضجيج أحتله السلام أخيرًا واصبح الحب هو من يسوده.

فحتى هو كان له مبادرة في ذلك التغير حين غير سياسته السابقة معها بعد أن أخذ عهد على ذاته أنه لن يرهبها مرة أخرى فبعد اعترافها الصريح له أطمئن قلبه وسَكن بين أضلعه ولم يعد بحاجة لهذا، فقد أصبح يشاركها تفاصيل يومه ويتلهف لردود أفعالها، يتحين الفرص كي يشاكسها و يستمتع بخجلها، وكما وعدها لم يفرض عليها أمر فقد سمح لها ان تذهب لجامعتها وقد أعاد لها هاتفها وابتاع لها جهاز لوحي أخر حتى أنه أهداها سيارة أخرى احدث موديل بنفس لونها المفضل ولكنها فاجأته عنـ.ـد.ما قالت له انها لاتريد أي شيء سواه، فلم تجربها حتى بل كانت لا تخطوا خارج باب البيت إلا برفقته هو، فحتى جامعتها أعرضت عن الذهاب لها وهاتفها لم تقم بفتحه إلى الآن، لاينكر أن الأمر اشعره بالغرابةقليلًا كونه مخالف لطبيعتها ولكنها كانت تؤكد له أنها لاتريد شيء أن يشغلها عنه وتريد أن تعوض كل ما فاتها معه وبقربه.

فهمتي يا مغلباني ولا في حاجة تانية واقفة معاكِ
قالها هو حين انتهى من شرح أحد المواد التي تطوع بتدريسها لها. بينما هي كانت بعالم موازي تهيم به قائلة:
فهمت يا حبيبي
ابتلع ريقه وزاد وجيب قلبه من ذلك اللقب التي اصبحت تمنحه اياه وقال وهو يهيم بليل عيناها:
يالهوي عليا وعلى حبيبي اللي بتطلع منك أنتِ عايزة تجيبي أجلي يا نادين مش كده
نفت برأسها مستنكرة وقالت وهي تضع يدها على وجنته تتحسسها ببطء ممـ.ـيـ.ـت:.

بعد الشر عليك يا قلب يا نادين بلاش علشان خاطري تقول كده تاني
أبتلع ريقه ببطء تحت وطأة اناملها التي تكاد تفقده ثباته وأومأ لها بهزة صغيرة من رأسه، ثم رد ببحة صوته المميزة التي تعشقها:
أنتِ أزاي كده أنا مش مصدق أنك هي!

حانت منها تلك البسمة المهلكة خاصتها التى لطالما اوقعته بها وأخبرته بقناعات جديدة اكتسبت