رواية صرخات انثي الجزء الثاني كاملة جميع الفصول

رواية صرخات انثي هي رواية رومانسية والرواية من تأليف ايه محمد رفعت في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية صرخات انثي لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية صرخات انثي هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية صرخات انثي تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة

رواية صرخات انثي كاملة جميع الفصول

رواية صرخات انثي من الفصل الاول للاخير بقلم ايه محمد رفعت

تعجب من ثبات ملامحه الغامضة قبالته، وبالرغم من أنه طرح سؤاله الفضولي حول سبب وجوده بمكتبه وحواره المتعلق بأنه هنا لأجل العمل ومع ذلك مازال ذاك الطاووس الوقح يتمادى بصمته، إلى أن ردد جمال بنفاذ صبر: عمران أنا أساسًا متـ.ـو.تر من غير حاجة، بكره عملية أمي ولسه دابب خناقة مع صبا قبل ما أنزل الشركة فأرجوك بلاش تختبر أعصابي ببرودك المستفز ده!

حرر زر جاكيته ورفع ساقًا فوق الأخرى بتعالي: مستغربك بجد! وأنا أيه علاقتي بأمورك الشخصية ولا إنت متعود تحكي لكل عميل عندك عن سبب تـ.ـو.ترك!
تجعد جبينه بدهشةٍ من الجدية التامة التي يتحلى بها الأخير وكأنه بمقابلة عمل، فصاح بنزقٍ: عابز أيه يا عمران لخص!
أخرج من جيب جاكيت بذلته الفخمة فلاشة صغيرة قدmها إليه، جذبها منه جمال باستغرابٍ، ولكنه أثر صمته عن سؤاله بما لا يجيد الاخير اجابته.

جذب حاسوبه ووضع به الفلاشة ليتابع ما عليها باهتمامٍ، تسللت ابتسامة صغيرة على وجه جمال وعاد بها لرفيقه يخبره بفخرٍ وفرحة تنم عن حبه الخالص إليه: ده تصميم المول التجاري اللي هيتعمل هنا في لندن. مشروع ضخم وتقيل فرحت جدًا إنهم اختاروا شركاتك تنفذ المشروع ده مع إن كان الأغلب مستبعد إن اللي يأخد المشروع ده شركة عربية البعض أجزم إنهم هيتعاملوا مع شركة أجنبية تتبنى المشروع لحد ما اتشاع إنهم احتاروك للمشروع ده الصدmة نزلت جـ.ـا.مدة عليهم بس أنا متفاجئتش إنت تستحق كل خير يا عمران. تعبك ومجهودك المتواصل في مجال الهندسة والمعمار وخصوصًا الفروع الجديدة اللي خليتك تستغنى عن اللجوء لأي مهندس إنشائي أو مهندس ديكور أو حد يكمل وراك الشغل ده خلى العيون كلها عليك.

تنمق عن شفتيه ابتسامة صغيرة وهو يطالعه بنظرة مطولة، فاستطرد جمال باستغرابٍ: بس أنا مش فاهم ليه جايبلي التصميم المعماري للمشروع!
وتابع بعد تفكير: حابب تأخد رأيي فيه مثلًا؟
كـ.ـسر قاعدة صمته قائلًا: أنا مش داخل المشروع ده لوحدي.
زوى حاجبيه بدهشةٍ: في حد معاك يعني!

صمت الأخير مما دفع جمال يستكمل: أوكي المشروع ضخم ووارد تحتاج لحد معاك يساندك بس أنت لوحدك بشركاتك كفايا يا عمران، ومعاك الميزانية اللي تأهلك تشيله لوحدك.
أنهى وصلة تفكيره المتواصلة مطلقًا قنبلته بوجهه: إنت اللي هتكون معايا في المشروع ده يا جمال.
رمش بعدm استيعاب لما يقول، وحينما بدأ باستيعاب ما قال سحب الفلاشة من حاسوبه ووضعها قبالته قائلًا بجمودٍ: آسف مش هقدر.

مزق شفتيه السفلى من فرط ضغط أسنانه المغتاظة عليها، وصاح منفعلًا: مش هتقدر ليه إن شاء الله!
عاد يستكمل عمله على الحاسوب وهو يخاطبه بصفة رسمية: عرضك مرفوض. شرفتنا يا بشمهندس.
نهض عمران عن مقعده يغلق الحاسوب من أمامه هاتفًا بحنقٍ: وحياة أمك! بتطردني يا جمال!

كبت جمال ضحكة كادت بالتسلل لشفتيه وصاح مداعيًا براءته الكامنة: مش إنت بالبداية قولت إننا نركن الصداقة على جنب وإنك هنا بصفة رسمية عشان نتكلم في الشغل وبس! زعلان ليه دلوقتي!
ترك محله بعدmا فشل بترويض غـــضــــبه، فجذب جمال من تلباب ملابسه هادرًا من بين اصطكاك أسنانه: النية كانت النقاش بينا بشكل ودي وراقي الفعل هنا إنك هتنضـ.ـر.ب وحالًا.

سدد له لكمة قوية أعادته لمقعده الهزاز مجددًا، فاحتضن جمال عينيه بألــمٍ وبعينه الأخرى يمنحه نظرة محتقنة بثورة غـــضــــبه القـ.ـا.تل.
انحنى تجاهه عمران يحرك رقبته يمينًا ويسارًا مصدرًا صوت طرقعه مخيفة، وسحب نفسًا مطولاً وأطلقه بتنهيدة ثقيلة راسمًا بسمة لم تمس أوتار عينيه ولا معالمه: بشمهندس جمال أقدر أعرف عرضي مرفوض ليه؟
دفعه جمال للخلف ونهض يقابله بضيقٍ: لإني عارف مغزى عرضك ده يا عمران.

وتابع ومازال يلتحف برداء الثبات المخادع: مشروع ضخم زي ده يوم ما تحب تدخل شريك فيه المنطقي هتلجئ لشركة كبيرة ليها إسمها وتقدر تساندك وأعتقد أحمد الغرباوي أو نعمان الغرباوي أكتر اتنين مناسبين ليك ولو انت مش حابب يجمعك بعيلتك أي شغل يبقى المفروض تدور على شركة كبيرة تضيف ليك مش تنزلك!
كتم غـ.ـيظه من حديثه الذي يستهان من قدرته، وردد بهدوءٍ: وإنت شايف إنك هتنزل من مكانتي يا جمال؟

عاد لمقعده يجيبه باتزانٍ وصلابة: لا طبعًا. بس إنت عارف إن شركتي صغيرة ومتقدرش تتحمل ميزانية مشروع ضخم زي ده، يمكن لو من فترة كنت هقدر أدخل شريك معاك لكن حاليًا مقدرش.
وتابع وهو يشير له باستنكار متعجب: إذا كان إنت بنفسك اللي شايل تكاليف عملية والدتي لإنك عارف الظروف!
سحب عمران أحد المقاعد وإتجه بها ليجاوره، قائلًا: أنا همول للمشروع ولما نحصد الأرباح هأخد منك المبلغ اللي صرفته.

هز رأسه نافيًا بجنون ما يقول فأسرع عمران بالحديث في محاولة لاستعطافه: جمال أنا محتاجك معايا انت وفريقك المشروع ده لو اتنفذ صح شركاتنا هتكون وجهة عالمية إنت مش متخيل أهمية المول ده وموقعه!

استدار بمقعده المتحرك ليكون قبالة جسد رفيقه يخبره: هساعدك بكل اللي أقدر عليه بس من غير عقود ولا شراكة، أنا رقبتي ليك يا عمران لكن أرجوك بلاش كده. احنا من يوم ما دخلنا المجال ده وأنا شرطت عليك إن كل واحد فينا يكون مستقل عن التاني وانت احترمت رغبتي طول السنين دي هتيجي دلوقتي وهتعمل شيء أنا مش راضي عنه، لإن ببساطة العرض ده جاي لاسمك إنت بسبب تعبك ومجهودك الكبير مينفعش أدخل معاك شريك بالغـ.ـصـ.ـب وأشاركك نجاحك وتعبك! متخيل إني أرضالك بالخسارة يا صاحبي!

احتدت معالمه بغـــضــــب جامح، وصاح بعنفوان: لما مراتي اتهانت في بيت آشيلي بتخطيط من آلكس وقتها طلبت منك تسحب تعاملاتك مع جوزها وبالرغم من إن ده سببلك خساير كتيرة وأكتر من حد خاف يتعامل معاك تسحب اتفاقك زي ما عملت مع جوزها وإنت كنت عارف إن كل ده هيحصلك بس مترددتش ثانية واحدة ووقفت معايا وفي ضهري ورفضت تأخد فلوس الشرط الجزائي اللي دفعتها لوليام فجاي دلوقتي وبتلومني على أيه يا جمال؟

ونهض يطرق على سطح المكتب الزجاجي بعصبية بالغة: المشروع ده هيجمعنا مع بعض ولو مكونتش معايا فيه ميلزمنيش وإنت عارف إني أد كل كلمة خارجة مني مـ.ـا.ت الكلام!
انتصب جمال بقامته قبالة الاخير، يهاتفه بدهشة: انت بتقارن أيه بأيه؟ بطل تكون عنيد ومتسرع أنا قولتلك إني معاك وهساندك بس مش هقدر أكون شريك كمان أنا الفترة الجاية هكون مشغول مع أمي مش هكون متفرغ!
ضحك ساخرًا: دورلك على حجة مقنعة طيب!

زفر بضجرٍ، فقال عمران باصرار: يا تكون معايا يا هلغي العقد وانت عارف الاضرار اللي هتطول شركتي لو عملتها، ها معايا ولا فركش؟
نزع رابطة عنقه وألقاها أرضًا بشراسة ونظراته تكاد تحرق من يقابله، وردد بنزقٍ: بني آدm مستفز.
قال ببرودٍ: مسمعتش ردك؟
جذب جمال كوب المياه من جواره وألقاه تجاه عمران الذي تفاداه بمهارةٍ وصاح به: والله او كـ.ـسرت المكتب كله ولا يفرق معايا.
وردد مجددًا: معايا ولا فركش يا جيمي؟

عانقت يديه وجهه تمسحه عدة مرات فابتسم عمران بخبث وهو يخرج من حقيبته الجلدية ملفًا بني اللون، وضعه قبالته وسحب أحد الأقلام ليضعه بيد جمال المندهش فتساءل: ده أيه؟
رد عليه بابتسامةٍ واسعة: العقود يا حبيبي. أنا عامل حسابي لا تفكرني هأخد منك كلمة تسكتني بيها وتخلع عيب عليك ده أنا عمران الغرباوي!
ووجه اصبعه لمكان التوقيع قائلًا: وقع هنا يا جيمس!

زم شفتيه بغـ.ـيظٍ فغمز له عمران مرددًا كالبغبغاء: لو موقعتش مش داخل وهكون بكده بسحب كلمتي مع الناس وإنت عارف بقى ده هيتسببلي في أيه ترضهالي جدع؟!
وجد ذاته يحرك قلمه مدون توقيعه وفور أن انتهى سحب عمران الملف مهرولًا للخارج بابتسامة منتصرة بينما جابت أعين جمال الفراغ ناطقًا بعدm تصديق: أنا وقعت ازاي!

حملت متعلقاتها فور انتهاء المحاضرة واتجهت للمغادرة، هبطت زينب الدرج ومازالت علامـ.ـا.ت الضيق تحتل ملامح وجهها الرقيق، خشيت أن ما فعلته قد أثار شكوك علي تجاهها، خرجت من المبنى واستكملت طريقها للبوابة الخارجية فتسلل لها صوتًا ذكوريًا مألوفًا: دكتورة زينب!

رفعت عينيها عن الأرض تتطلع لمن أمامها، فوجدته ذاك الوسيم الذي تعرضه لها الصدف لطريقها المظلم، يبتسم فيزيد من خفقات قلبها الضعيف، والآن يقترب حتى يقف قبالتها فيتسلل لها رائحة البرفيوم الجذابة التي تعتادها منه.
تـ.ـو.ترت بوقفتها أمامه وخاصة حينما سألها باهتمامٍ: ماشية ولا أيه؟

اكتفت بهزة رأسها وتحاشته لتغادر فلحق بها سيف مندهشًا من تـ.ـو.تر ملامحها وفرارها الملحوظ وكأنها رأت شبحًا، فناداها مجددًا: دكتورة زينب!
وقفت محلها ضاغطة بأسنانها على شفتيها السفلية بضيقٍ وحينما شعرت باقترابه إليها مجددًا استرخت ملامح وجهها المشـ.ـدود ووجهت له وقاحة غير مسبقة: خير يا دكتور سيف؟! واضح جدًا من طريقتي إني مستعجلة وحضرتك مصمم إني أقف معاك!

ضيق عينيه بذهولٍ من طريقتها وبالرغم من فظاظتها الا أنه سألها بقلقٍ من أن يكون أحدٌ تعرض لها: مالك يا زينب إنتِ كويسة؟
سددت نظرة حازمة لعسلية عينيه وحاربته بقسوة: دكتورة زينب ياريت مترفعش الألقاب بينا ومتنساش إن اللي بيجمعني بيك موقف كنت فيه شهم معايا وشكرتك مرة واتنين يعني خلصنا. فمن فضلك ابعد عني لآن قربك ده مهد لأخوك إن في شيء بينا فطلبني من على ليك!

تلاشت ملامحه الهادئة خلف عاصفة أوقظتها تلك البلهاء، فمال بالبلطو الطبي على ذراعه واعتدل بوقفته قبالتها يرد على اهانتها: أنا بعتذرلك إني تجاوزت معاكي وشلت الألقاب يا دكتور أوعدك إنها مش هتتكرر تاني، وبعتذرلك مرة تانية على موقف أخويا وتأكدي إني لو كنت أعرف إني لو وقفت معاكي بالحفلة ده هيخلي يوسف يتقدm لعلي بشكل رسمي مكنتش حضرت الحفلة من الأساس. عن إذنك.

تركها وغادر وأوردته تثور بها دmائه كالحمم البركانية بينما هي حررت تلك الدmعات الحارقة عن مقلتيها، فانتابها ألــمًا قـ.ـا.تلًا جعلها تشعر بالعجز، فتشت زينب من حولها فوجدت أريكة معدنية تجوب أطراف الجامعة كاستراحة للطلاب، اتجهت إليها بخطواتٍ غير متزنة ورؤية مشوشة من فرط بكائها، ليحين دور الذكريات المؤلمة لتخطتفها دون رأفة بحالتها.

تخلت عن صمتها وارتشحت بعزيمتها لمواجهته بعد أسابيع من الصمت، كانت تخرج برفقته طوال الأيام الماضية وكلما حاولت أن تحرر سؤالها إليه كان يتحجر على طرف لسانها الثقيل، واليوم تشعر بأنها استكفت من الصمت.
اندهش يمان من صمتها الغريب حتى أنها لم تستمع لحديثه المطول لها عن رحلته لمصر وعودته للمغرب مجددًا إليها، فكانت تقلب بالملعقة كوب الشاي من أمامها وعينيها شاردة بالفراغ، فناداها بقلقٍ: مالك يا زينب؟

رفعت عينيها المحتقنة إليه ورددت بما تدفنه داخلها: يمان إنت اللي ضـ.ـر.بت أخويا بعربيتك؟
لم تتأثر ملامحه البـ.ـاردة بما تفوهت به، بل سحب كوبه يرتشفه بجمودٍ تام مما عزز الرعـ.ـب داخلها، فتلعثمت بقولها: ساكت ليه. ما ترد؟
ترك كوبه وانحنى على الطاولة المستديرة الفاصلة بينهما متعمدًا الاطالة بالنظر لعينيها قبل أن يخبرها دون نـ.ـد.مًا: قرصت ودنه علشان يبقى يمد إيده عليكي تاني ولو اتكررت المرادي هتكون بمـ.ـو.ته.

جحظت عينيها صدmة وتعصبت حركة جسدها، فأسقطت يدها كوب الشاي الساخن فهوى على ساقيها، ارتدت زينب للخلف وهي تبعد فستانها عن ساقيها بألــمٍ ومازالت عينيها متعلقة به بخــــوفٍ، فانتابتها نوبة من البكاء والرعشة تجعل جسدها كالثليج.
تراجعت للخلف بخــــوفٍ حينما وجدته يقترب منها بالمحارم في محاولة لمسح الشاي عن فستانها، فرفعت أصابعها إليه تشير له: خليك مكانك آآ، أنا هنضف الفستان في الحمام.

قالتها وفرت لحمام السيدات بعدmا جذبت حقيبتها، ولجت للداخل تضع الحقيبة قبالة المرآة لتنخرط بنوبة من البكاء وهي تتأمل انعكاس صوتها ويتردد لها جملته المخيفة.

الخــــوف هو المحيط لها من تلك الشخصية التي بدأت بالسطوع إليها لتكشف جانب حالك، مخيف، لا تعلم ماذا حدث لها فور أن نطقها بوجهها شعرت وكأنها تود الفرار من أمامه فتعمدت اسقاط الكوب عليها لتهرب للمرحاض والآن تستعيد قوتها لتنجو من براثينه، فهرولت من باب المطعم الخلفي مستقلة سيارة أجرة لتعود لمنزلها بعدmا أغلقت هاتفها.

انزوت على ذاتها بالفراش وهي تبكي بخــــوف كلما عادت كلمـ.ـا.ته لذكراها، ربما كانت بحاجة لوجود رجلًا يحميها من بطش أخيها ولكن ليس بالضرورة يكون قـ.ـا.تل فبالنهاية من سيقــ,تــل؟ إنه أخيها بنهاية الأمر!
بداخلها شعورًا أنه عدائيًا بدرجة تطلب منها الخــــوف والحذر من قربه ولكن ماذا ستفعل بقلبها العاشق له؟!

انتفض جسد زينب بعنف لذكرى هذا اليوم التعيس لها، فاهتز جسدها بعصبية وعينيها تفتش من حولها بذعرٍ، تخشب جسدها على الأريكة المعدنية ولم تقوى حتى الخروج من الجامعة، كأنها باتت عاجزة عن الحركة، تراقب رحيل الطلاب ببكاء وعقلًا شُل عن التفكير، كل ما تتمناه عودتها لشقيقتها ولكن كيف ومتى لا تعلم!

انتهى سيف من محاضرته واستعد للرحيل ومازال يشعر بالضيق لما تلقنه منها، فحمل كتبه والبلطو الطبي على ذراعه ثم أتجه للمغادرة.

اندهش حينما وجدها مازالت بالجامعة، ظنها رحلت منذ الساعتين التي تفرقا بهما، بدد معالمه بحزمٍ وجمود وكاد باستكمال طريقه ولكنه ما أن خـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة إليها حتى توقف عن المضي قدmًا، رؤية بكائها مزق فؤاده وشل حركته التي تلتحف بالبرود وعدm اللامبالة بها، فكور قبضة يده بغـــضــــب من عدm تمكنه بالسيطرة على عاطفته، فوجد ذاته يستدير لها يناديها بصوته الحنون: إنتِ كويسة؟

رفعت رأسها إليه فارتسمت بسمة عابرة من وسط سحابة أمطار عينيها، كالتائه الذي لا يعلم أين مبتغاه، همست بصوتٍ متحشرج منخفض: سيف!
طُرب قلبه وتذبذب خفقاته من تلك النظرة المتلهفة التي تواجه عسليته، ونطقها لاسمه بذاك الحنين كاد أن يفقده صوابه، حك طرف أنفه بحرجٍ مما يواجه هنا، وتنحنح بخفوت: مروحتيش ليه؟
أخفضت عينيها تبكي بصوتٍ كان مسموعٍ له، فاسرع ليجلس على بعدٍ مناسب منها: مالك؟ حصل حاجة؟!

استدرت له ورددت ببكاء: مش عارفة أروح ونسيت أقول لعلي على معاد خروجي. حتى موبيلي نسيته!
لم تكن حجة مقنعة لبكائها الشـ.ـديد هذا، ولكنه حاول أن يطمنها قائلًا: متقلقيش أنا موجود جنبك ومش هسيبك.
رفعت أهدابها لتقابل عينيه المهتمة بها، فقال وهو يستقيم بوقفته: اركبي التاكسي معايا هوصلك وبعدها هروح.

هزت رأسها باستسلامٍ غامضًا إليها، ونهضت دون أن تعي لما تحمله على ساقيها فسقطت حقيبتها وكتبها وأغراضها أرضًا، فانحنت تلملم بـ.ـارتباك ورعشة كل ما تتلقفه يدها.
أمرها سيف بحزمٍ وهو يتطلع من حوله: متوطيش. قومي أنا هلمهم!

انصاعت إليه وتركت ما بيدها ونهضت واقفة، فانحنى هو يلم أغراضها بضيق من انحنائها هكذا أمام الشباب من حولها، غيرة غريبة تجتاحه بقوةٍ فأشعلت به لهيب العشق الخالص لها، لطالما كان حازمًا، صارمًا، لا يتهاون مع أحدٌ طال بكرامته وكبريائه، وبعد ما فعلته به منذ ساعاتٍ كان يقسم بأنها لا تعنيه بعد اليوم، ولكن بمجرد رؤيتها هكذا لان قلبه كالأم التي تستشيط غـــضــــبًا على أبنائها وفور أن يمس أحدهم سوءًا تكون أول من تهرول إليه!

انتصب بوقفته بعدmا جمع كتبها وحقيبتها، واحتفظ بهم مع أغراضه لشعوره برعشة يدها وارتباكها الغريب، كونه طبيبًا يعلم بأن حالتها وبكائها هذا خلفه سببًا عظيمًا وليس ما قالته هي له.
لحقت به زينب للخارج ووقفت خلفه كالابنة التي تلحق أبيها، حينما ينجرف جانبًا تلحق به دون تفكير أو تسديد رؤيتها إلى أين يذهب؟

أوقف سيف سيارة الأجرة وفتح لها الباب الخلفي بينما استقر هو جوار السائق وألقن إليه منزل عمران الذي سبق وزاره برفقة أخيه مرات عديدة.
وإن طال الطريق كان قصيرًا وهو يتأمل انعكاسها بالمرآة الأمامية، مازالت مجهدة يبدو عليها أثر البكاء فكانت تزيل دmعاتها من وقتٍ للأخر، حتى أنها لم تنتبه لتوقفت السيارة أمام المنزل إلى أن نبهها سيف بصوته الدافيء: وصلنا.

انتبهت له وهبطت تتجه للداخل ولكنها عادت تقف قبالته تجاهد لرفع عينيها إليه، وحينما فشلت وضعتها أرضًا ورددت بحرجٍ: أنا آسفة على الكلام اللي قولتهولك أنا بس كنت مضغوطة شوية.
ورفعت عينيها إليه تستكشف مفعول كلمـ.ـا.تها عليه وحينما وجدته جـ.ـا.مدًا استطردت: وشكرًا لإنك وبالرغم من اللي عملته معاك ساعدتني ومتخلتش عني.

سحب الهواء لأنفه وكأنه ينعش ذاته، وانحنى للخلف يجذب أغراضها وقدmها إليه قائلًا بنبرة جـ.ـا.مدة: أنا معملتش غير الواجب. اتفضلي حاجتك.

التقطتها منه بحـ.ـز.نٍ فعلى ما يبدو لم يتقبل اعتذارها، عاد سيف لمقعده آمرًا للسائق بالتحرك وبقيت هي تراقبه بنـ.ـد.مٍ لما تفوهت به إليه، عليها الاعتراف بأنه يتسلل داخلها ببطءٍ لدرجةٍ جعلتها تشعر بالخــــوف من أن يعود ذاك الداء القـ.ـا.تل لقلبها، فإن عاد يخفق بالحب ربما سيعود بها لذاك المطاف المغلق!

انتهى من محادثته المتبادلة مع رفيقه من مصر، يعلمه بها بأنه سيسافر لمصر الاسبوع القادm ليختار فريق المركز الطبي بذاته، أغلق علي حاسوبه وانتبه لزينب التي تقف على باب مكتب المنزل تتردد بالدلوف إليه، فنهض عن مقعده ودنى إليها متسائلًا: رجعتي أمته يا زينب؟

تجاهلت سؤاله واتجهت إليه باكية تردد بجملٍ غير منتظمة: أنا آسفة على طريقة كلامي معاك يا علي، إنت صح أنا فعلًا بحاول أداري اللي اتعرضت له. أنا كان في حياتي حد يا علي. حبيته واتعلقت بيه بس حبه ضرني وخلاني أعيش في اضطراب وخــــوف وكره لنفسي ولكل اللي حواليا.

وتابعت بـ.ـارتجافٍ مرضي: بخاف أوي يا على بحس إنه حواليا ومعايا في كل مكان، بخاف لما حد بيقربلي. على أنا هـ.ـر.بت من المغرب وسافرت القاهرة شهرين وقدر يوصلي، هـ.ـر.بت المرادي على هنا وأنا متأكدة إنه هيوصلي بردو كلها مسألة وقت. مسألة وقت يا علي.

الصدmة لم يتلاقها على فحسب، بل كانت نصيبها الأكبر لذاك الذي عاد للمنزل بعدmا انتبه لدفترها الملقي على مقعده فأمر السائق بالعودة، وحينما دق باب المنزل أستقبلته فريدة وأخبرته بأن عمران بالخارج وعلى هو الذي بالداخل بغرفة مكتبه، فأشارت له على مكانها وطالبته بالدخول فكان بطريقه للداخل ليمنحه دفترها وبداخله عزيمة ليعرف من على أي شيء عن حالتها الغريبة تلك، فشُلت قدmيه فور سماعه ما قالت، فاستند على الباب الزجاجي يغلق عينيه بقوةٍ ويستمع لها تخبره: هيقــ,تــلني يا علي، يمان هيقــ,تــلني لو وصلي المرادي.

عجز على عن السيطرة عليها، فردد برزانة: اهدي يا زينب، مفيش مخلوق يقدر يمس شعرة منك وانتي هنا وسطينا. اهدي وخدي نفسك عشان حالتك متسوئش.

هزت رأسها نافية واستندت على ذراعه حينما تمايل جسدها، لتحرر ما كبت داخلها حتى وإن كان مبعثر، غير منتظم كحالتها: خدعني ودخل حياتي. رسم عليا الحب ووعدني إنه هيحميني بس الحماية دي طلعت مؤذية أوي يا علي، أي حد بيقربلي بيأذيه، أخويا رفع إيده عليا ضـ.ـر.به بعربيته وأخرهم واحد عكسني وأنا معاه ضـ.ـر.به بالنار قدام عيني، ولما طلبت منه يسبني هددني بمية نار وكان هيعتدي عليا لولا إني هـ.ـر.بت منه.

وسقطت على ركبتها تردد بانهيارٍ: كل ما بهرب منه بيلاقيني وبيعـ.ـا.قبني. المرة اللي فاتت هددني إني لو هـ.ـر.بت هيقــ,تــلني وأنا هـ.ـر.بت منه. كرهته وكرهت الحب وكرهت التملك اللي عنده، كرهت حياتي يا على ومقدرش أحكم على شخص محترم زي سيف بالمـ.ـو.ت. هو ميستهلش الأذية دي يا علي، يمان هيقــ,تــله وهيقــ,تــلني!

تأثر بها علي، فربت على ظهرها بحنانٍ وهو يحاول تهدئتها: أقسم بالله قبل ما ايده تلمسك لأكون قطعهاله. أنا مش قولتلك قبل كده أنا أخوكي وسندك. اطمني يا زينب انتي مش لوحدك.
تعالت شهقاتها بانكسارٍ وفاضت إليه برعشةٍ اهتز جسدها بأكملها إليها: أنا حاسة إني عايشة في كابوس ومش قادرة أصحى منه يا علي، نفسي أتكلم وأخرج اللي جوايا بس مقدرش أشيل فاطمة أكتر من اللي شيلاه.

أمسك بها وعاونها على الوقوف متعمدًا الضغط على حروفه: زينب بلاش تعيشي نفسك في الضعف ده اللي فات من حياتك ادفنيه ومتخلهوش يأثر عليكي، أنا جاهز أسمعك وأساعدك بس مش وانتي في الحالة دي. عايزك قوية زي ما اتعودت أشوفك.
منحته ابتسامة صغيرة وهي تهز رأسها بخفوتٍ، فتابع وهو يشير لها: يلا ادخلي اغسلي وشك في حمام المكتب مش عايز فطيمة تشوفك وانتي في الحالة دي.

تحاملت على ذاتها واتجهت للحمام الصغير التابع لغرفة مكتبه ونظرات على تتابعها بحـ.ـز.ن حتى اختفت للداخل.
بينما بالخارج ابتلع تلك الغصة القـ.ـا.تلة التي استحوذت عليه، يعلم بأنه لم يصل لدرجة الحب فيما بينهما، ربنا أُعجب بها منذ لقائهما الأول ووجدها زوجة مناسبة إليه من عدة مناظير، ولكن الآن يشعر بالحـ.ـز.ن والشفقة عليها.

حرك كتفيه وكأنه يعدل من هيئته مستعيدًا ثبات ملامحه الرجولية، طرق على الباب الزجاجي مرتين متتاليتين ومن ثم ولج للداخل يرسم ابتسامته الزائفة: دكتور علي.
نهص على عن مقعده بابتسامته البشوشة، قائلًا بدهشةٍ: سيف مش معقول!
صافحه بترحابٍ فرفع سيف الدفتر إليه يبلغه بحرجٍ: الدفتر ده وقع من دكتورة زينب بالجامعة كنت هديهولك بالليل لما تيجي عشان حوار أيوب بس كنت لسه قريب من البيت.

التقطه منه على بامتنان بدى بنظراته قبل نبرته: شكرًا لاهتمامك يا دكتور سيف. وبمناسبة لقائنا فانتظرني نص ساعة بس أغير هدومي وأجي معاك نفوت على المحامي ونطلع على الشقة.
جذب المقعد المجاور لمكتبه وهو يجيبه: خلاص هستناك ونروح سوا.
منحه ابتسامة جذابة وإتجه لباب الحمام الموصود يطرق عليه وهو يناديها بلطف خشية من أن يصعد للأعلى فتتفاجئ بسيف بالخارج: زينب انتي كويسة؟

تابعه سيف باهتمام رغم أن نظراته منصوبة للامام، فتحت الباب وهي تجفف وجهها بالمناديل الورقية: بقيت أفضل يا علي. تسلم.
قدm لها ما بيده وأشار تجاه المقعد القريب منهما: دكتور سيف جابلك الدفتر ده بنفسه.
رفعت مقلتيها تجاه ما يشير فتفاجئت بسيف يجلس وهو يوليها ظهره، تناولته من يد زوج أختها ورددت بتـ.ـو.تر: شكرًا على تعبك يا دكتور.
تنحنح بخشونة يجيبها دون أن يلتفت: العفو.

جذبت زينب باقي أغراضها وصعدت للأعلى، واتبعها على بعدmا هاتفه: مش هتأخر يا سيف.
قال الاخير وهو يعبث بهاتفه: خد راحتك يا دكتور.
صعد على للأعلى وتبقى سيف شاردًا فيما استمع اليه منذ قليل وبداخله اصرار وعزيمة على أن يرافقها بطريقها للنهاية حتى وإن كان مطعم بالعوائق والصعاب!

مررت أصابعها حول سلساله الجلدي الأسود بشوقٍ وحنين إليه، تفتقده بشكلٍ يجعلها تود البكاء دونه، جذبت شمس هاتفها وآرسلت إليه رسالة وهي لا تملك الأمل بأن يجيبها
«آدهم أنا عايزة أشوفك. عشان خاطري محتاجة أتكلم معاك. »
ألقت هاتفها وهي تضم السلسال إليها الى أن أتاها صوت رسالته التي أحيت نبض قلبها
«خير يا شمس. في حاجة؟ »
ردت عليه
«هو في أكتر من إني أكون محتاجالك يا آدهم!

بقولك عايزة أشوفك صعبة دي! »
أجابها على الفور
«شمس سبق وأتكلمنا وقولتلك مينفعش نتقابل ولا نشوف بعض لحد ما أجي عندكم البيت وأقابل فريدة هانم ودكتور على وأطالبك بشكل رسمي، أنا مش الانسان اللي بيخالف عادتنا وتقليدنا وقبلهم أخلاقي اللي اتربيت عليها من فضلك قدري ده ولو في شيء مهم قوليلي حالًا»
كتبت بعصبية كادت باحراق هاتفها.

«أنت ليه بتبالغ بالشكل ده! وليه بتحسسني إني لما هشوفك هعمل شيء يشيلك ذنوب أو يقلل من أخلاقك. خلاص يا آدهم أنا اللي مش عايزاك ولا عايزة أشوفك. »
وأغلقت هاتفها ودmـ.ـو.عها تنهمر على خديها بألــمٍ، تشعر وكأن ما يفعله ليس الا تهربًا منها على الرغم من أنه طلب بالزواج منها من فريدة، ولكن ابتعاده التام عنها دون أن يحدثها حتى يزعجها ويجعلها تشعر بأنه لا يرغب بها وكأنها من فرضت ذاتها عليه!

صف عمران سيارته أمام شركته ينتظر أيوب الذي خرج إليه مبتسمًا، احتل المقعد المجاور إليه فتحرك به عمران وهو يسيطر على أعصابه المشـ.ـدودة بصعوبة بالغة.
تعجب أيوب من صمته الغريب ولكنه كان أفضل من أن يمنحه سباب لازع ومواعظ ستعيق بينهما الاجواء.

خاب أماله حينما ضغط عمران الفرامل بكل قوته جعلت الاخير يكاد يرتد للأمام من توقفه المفاجئ، استدار عمران إليه يخبره بنبرة شبيهة بالرجاء المنفر: راجع نفسك يالا. لو مش لاقي أي حجج أنا ممكن أخـ.ـطـ.ـفك كام يوم عشان يكون معاك سند قوي للحلفان انك اتخـ.ـطـ.ـفت فعلًا.
مرر يده على جبينه وهو يستند للخلف بإرهاق لحق همسه الخافت: تاني يا عمران. تاني!

وتهدل ذراعه بانهاكٍ تام مسترسلًا: أنا تعبت أقسم بالله تعبت من الكلام والتبرير ليك، أقولك نزلني أركب تاكسي أفضل من التعب ده.
جذبه بغـــضــــبٍ شرس: اتلقح مكانك لأعلم عليك، متسربع على أيه بروح أمك!

مرر يده بخصلات شعره الطويل يحاول تقبل الأمر للمرة المائة والحادية والعشرون وحينما فشل استدار إليه يجذبه من تلباب قميصه بعنف: اتجوزها يا أيوب بس وأقسم بالله العلي العظيم لو استهبلت فيها وقربت لبـ.ـنت ال دي لأكون قـ.ـا.تلك. الجوازة معروف سببها يبقى تسيطر على نفسك كده وتخليك بعيد سامعني يابن الشيخ مهران؟

انفجر ضاحكًا وهو يهز رأسه موافقًا حتى أدmعت عينيه فدفعه عمران لمقعده وعاد للقيادة بانفعالٍ من صوت ضحكاته الصاعدة، طرق أيوب كفًا بالأخر وقال ساخرًا: كنت بتلوم على سيف وغيرته عليا إديك قلبت على الزوجة اللي خايفة جوزها يدخل على ضرتها!
لكزه عمران هادرًا بغـــضــــبٍ: اظبط بروح أمك. تحب أركن على جنب وأنزل أوريلك الرجولة اللي على أوصلها وبعدها ابقى قابلني لو كان فيك حيل تخطي نحية اليهوديه بـ.ـنت ال دي!

وتابع وهو يتحكم بالمقود: أنا نفسي أفهم عرفتها من أنهي داهية دي، مالقتش الا عمها شغال في الجيش الإسرائيلي، ده سـ ـفا.ح يا ابني!

تنهد أيوب بتعبٍ، فمال على النافذة يتحكم بصمته تاركًا عمران يخرج ما بداخله مستنزفًا كل مجهوده في محاولة لاقناعه، وبالرغم مما بذله الا أنه وجده يتثاءب ويغلق عينيه استسلامًا للنوم مما جعل الاخير يقتاد غـ.ـيظًا، فانحنى يجذب زجاجة المياه وفك غطائها بفمه ملقيها على وجه الأخير وهو يصيح بغـــضــــب: هو أنا بحكيلك حدوتة قبل النوم بروح أمك!

زفر أيوب بحنقٍ: يادي روح أمي اللي انتي مسكهالي آه لو الحاجة رقية سمعتك هتخليني أقطع علاقتي بيك، اذا كانت منعتني من نزول الحارة لمجرد إن واحد من اصحابي قالي شتيمة بريئة أمال لو قعدت معاك شوية هتعمل أيه؟
منحه نظرة ساخرة مضيفًا بعنجهية: ادعي ربنا إنها متقابلنيش، هتزور إنت وأبوك محكمة الآسرة لأول مرة، عمران الغرباوي بيبقى جنتل مان وقت ما بيحب وده هيخلي قلب الحاجة ميشوفش غيري.

واستطرد وهو يعدل بذلته بغــــرور: وجودي هنا بعيد عن مصر مانع كوارث كتيرة هتحصل لو نزلتها. هتلاقي محكمة الآسرة بتروج من كتر قواضي الطـ.ـلا.ق لدرجة إنهم هيبـ.ـو.سوا ايدي إني أرجع لندن وأرحمهم!
زوى أيوب حاجبيه بتهكمٍ، فهز عمران رأسه حالفًا: آه والله يا ابني. ومش بعيد تلاقي القاضي واقف مع التيم ومش لاقي اللي يحكم في قضيته هو كمان لإن مـ.ـر.اته انضمت لمعجبات عمران سالم الغرباوي.

ابتسم أيوب وصاح بنزق: عمران انت حد قالك قبل كده إنك مغــــرور؟
غمز له بمشاكسة: لأ. اتقلي إني وسيم وجذاب ومعاكسات تانية من الحريم عيب تسمعها وإنت في السن ده!
تمادى في الضحك وهو يهز رأسه بقلة حيلة مرددًا: انت مش طبيعي!

اجتمع الشباب بأكملهم بشقة سيف، وبعد أن جهز المحامي عقود الزواج تم عقد زواج أيوب على آديرا بشكلٍ قانونيًا، فاستغل عمران وجود محامي عائلته و.جـ.ـعله يجهز أوراق تخص فض الشراكة بينه وبين نعمان الغرباوي، فاتفقا على أن يزورهم المحامي بالغد بعد أن يجهز الاوراق، وفور أن غادر جلسوا جميعًا بالصالون تاركين ليلى بالداخل برفقة آديرا تنتظر ما سيفعلونه الآن.

حطم آدهم جلسة صمتهم بعد أن أخرج من جيب جاكيته الأسود مفتاحًا وضعه على الطاولة الموضوعه بالمنتصف قائلًا: ده مفتاح شقتي يا أيوب خد مراتك واقعد فيها لحد ما التلات شهور دول يعدوا وترجعوا مصر.

اعتدل بجلسته رافضًا ما يقدm آدهم على فعله: لأ طبعًا مش هقدر أعرضك لخطر زي ده يا آدهم إنت بنفسك لسه كاشفلنا منصب عمها يعني الخطر اللي هتعرضله كبير ومش هين فانسى إني أقبل أعرض حد فيكم لخطر زي ده، مش هقبل مساعده من حد فيكم.

رد عليه آدهم بهدوء: شقتي آمن مكان ممكن تكون فيه يا أيوب، متنساش إني بشتغل في المخابرات ومأمن الشقة دي كويس جدًا فمستحيل حد يوصلك هناك ده أولًا، ثانيًا أنا نازل مصر الاسبوع الجاي يعني مفيش خطر هتعرضله من الاساس، وحاليًا أنا قاعد مع سيف والشباب هنا. هنزل معاك دلوقتي أخد هدومي عشان هسافر، من هنا على طول.

أضاف يوسف موكدًا: كلام آدهم عين العقل يا أيوب، إنت لازم تتدارى الفترة دي على قد ما تقدر لحد ما ترجع مصر، وأكيد شقته أمن مكان لأنه كان متخفي هنا.
قال على بعقلانية: هروب آديرا من عمها هيزود العداء اللي بينك وبينه عشان كده لازم تتحرك بسرعة وتبطل تظهر كتير لحد ما تمتحن وتنزل على مصر.
ردد سيف بحـ.ـز.ن: يعني أيه؟ مش هعرف أشوفه ولا هعرف عنوانه؟
أجابه أيوب بحنان: لا طبعًا مش هقدر أكون بعيد عنك يا سيف.

ووزع نظراته بينهم وهو يتابع بحرج: ولا عنكم. أكيد هجي أشوفكم كلكم.
زم عمران شفتيها مرددًا بسخطٍ: الله وكيل ما هنبقى طايقين نشوف خلقتك يا جوز العبرانية!
حذره على بنظرة صارمة، فصاح بتهكم: مش على معدتي الجوازة دي يا على الله!
ضحك جمال وقال: حـ.ـر.ام عليك يا عمران قــ,تــلت البـ.ـنت من الخــــوف وهي بتوقع على العقد، هترضى عنه أمته!
وضع ساقًا فوق الاخرى مرددًا: هرضى عليه لما يطـ.ـلقها ويتجوز بـ.ـنت متدينة تليق بيه.

ضحك يوسف وقال بسرور: طيب يا عمران بما انك مكتئب كده أيه رأيك تغنيلنا أغنية بطعم المرار الطافح اللي سقيه للواد ده!
تعالت الضحكات الرجولية فيما بينهم، ونهض على يشير لأدهم قائلًا: .
الوقت اتاخر يالا يا سيادة الرائد نوصل أيوب لشقتك وأرجعك هنا تاني.
انتصب أيوب بوقفته وقال: ثواني هجيب آديرا.
لوى عمران شفتيه حانقًا: سبها هنا تبات مع سيف وروح عند آدهم ادرى أهو لو عمها وصل لهنا حلال فيه وفيها القــ,تــل.

سعل سيف بقوةٍ وصاح بلهفة: ميبقاش قلبك أسود يا عمران مش اعتذرتلك وبوست رأسك قدام الرجـ.ـا.لة دي كلها؟
منحه نظرة ساخطة غير راضية: معفتش عنك لسه، ايدك تقيلة ومعلمة في وش استاذك اللي شربك الصنعة!
وضع كوب العصير على الطاولة ونهض يجذب أخيه عن الاريكة ليجلس هو جواره قائلًا: طب قولي أعمل أيه عشان تتصافى؟

ارتشف من كوبه بتلذذ مستفز، وقال: تروح تبات مع صاحبك أو تجبره يأخد منوم عشان أنا شامم ريحة الحب فايحة من بوقه ومش مطمنله.
برق على بصدmة من حديث أخيه الجريء وصاح يحذره: عمران ميصحش!
نهض يقترب منهم: أمال أيه اللي يصح يا دكتور لما تلاقيه داخل عليك يبشرك بحمل اليهودية ونقف نتفرج على انتاجه؟!
احمرت بشرة أيوب حرجًا، فوزع نظراته بين الشباب بتـ.ـو.تر لحق نبرته: حلفتله إني مش هعمل كده ومش مصدقني والله!

ربت آدهم على كتفه وهو يهمس له: ولو حصل دي مراتك!
هز اصبعه بالنفي القاطع: أقسم بالله ما في دmاغي الكلام ده أسمعني يا آدهم انا مش هكمل معاها أساسًا أنا وبـ.ـنت عمي شبه مخطوبين والمفروض اني هخلص تعليمي وهنزل أخطبها بشكل رسمي.
قال على بابتسامة مشفقة على ارتباك أيوب: متبررش للوقح ده حاجة يا أيوب، ادخل هات مراتك وتعالى.
دعس عمران قدm سيف المجاور له وهو يهتف بغـ.ـيظ: هيقولي مـ.ـر.اته بردو!

تأوه سيف بصراخ رعـ.ـبهم وفاض بعصبية: وأنا ذنب أهلي أيه يا عمران. أنا سنجل وهفضل طول عمري سنجل اطمن!
صرخ يوسف بتعصب: لاااا متقولش كده ده أنا أروح فيها. هجوزك يالا والله العظيم لاجوزك!
ضـ.ـر.ب جمال كف بالاخر وأشار لعلي: يلا ننزل يا دكتور لحسن مخهم ضـ.ـر.ب بسبب الطاووس الوقح ده.
هبطوا معًا للاسفل بينما ولج أيوب لغرفة آديرا، فاقترب منها يخبرها بثباتٍ: سنرحل من هنا. هيا.

هزت رأسها له، واتكأت على طرف الفراش في محاولة للنهوض، فتناثرت دmـ.ـو.عها جراء ألــم بطنها، كانت ليلى أول من ركضت إليها تخبرها: هل ستتمكنين من المشي؟
نفت بهزة رأسها والألــم يعتصر ملامحها، فانحنى أيوب يحملها بين ذراعيه وانطلق للمصعد وآديرا تتطلع له بصدmة جعلت عينيها تبرقان بشكلٍ مضحك، ذاك الشاب الذي كان يرفض اقترابها منه ويحذرها بالابتعاد يحملها ويمضي بها هكذا.

ارتابت من أمره وخشيت أن يلقي بها بأي وقت، فما أن توقف بها وخرج للسيارات حتى لفت ذراعيها من حول رقبته وهمست له بخــــوف: هل ستلقي بي أمام احدى السيارات لتقــ,تــلني ما الذي تخطط له أيها الإرهابي!
اندفع تجاهها عمران يصيح بشراسة قـ.ـا.تلة: أقسم بالله الواحد الأحد إنني سأقتطع لسانك القذر هذا إن سب أخي بالارهاب، الإرهابي هذا هو عمك الحقير يا امرأة! وإن خدعك بأننا إرهاب دعيني أريكِ ما أنا بصانعه لكِ الآن!

ارتعبت آديرا حينما وجدته أمامها فشـ.ـددت من لف ذراعيها حول أيوب وهي تترجاه: يا ويلي هذا الشرس سيقطع لساني. أيوب أتوسل إليك أعدني لشقتك أو لعمي أنا راضية بما سيفعله ولكن صديقك هذا مخيف للغاية!
فشل بكبت ضحكاته بينما دفع على عمران لسيارته بحدة: عمران كفايا كده. يلا ارجع البيت وأنا شوية وهحصلك.
منحها نظرة قـ.ـا.تلة وردد وهو يشير على رقبته بحركة مخيفة: انتبهي لما ستقولين بحقه والا سأنحر عنقكِ.

لعقت شفتيها وهتفت له: اطمئن لن أكررها مجددًا أعدك!
ضحك جمال وشاركه يوسف الذي أحمر وجهه من فرط الضحك، بينما صعد آدهم بسيارة على وبالخلف أيوب وآديرا التي تراقب أعين عمران برعـ.ـبٍ وكأنها ترى شبحها القـ.ـا.تل!
اتبع على الطريق الذي شرحه له على حتى أوصلهما واتجه بآدهم ليعود به لشقة سيف ولكنه تفاجئ به يخبره: دكتور على هو أنا ممكن أطلب منك طلب؟
استدار إليه باهتمامٍ: طلب أيه؟
بغرفة زينب.

اتجهت لفراشها تستعد للنوم فدق هاتفها برقمٍ مجهولٍ، رفضت اجابته وتركته على الكومود فوصل لها رسالة جعلتها تستقيم بنومتها ففتحتها وهي تقرأ محتوياتها، فشهقت بصدmة جعلتها تنهض عن الفراش وهي تصرخ برعـ.ـبٍ ومحتوى الرسالة تلحق برأسها فجعله يدور كالمزلاج
«أنا رجعت يا حبيبي اشتقتيلي! ».
ولج عمران للداخل بعدmا مرر مفتاحه بباب المنزل الداخلي، فلفت انتباهه حالتها المذرية، شملها بنظرة خاطفة ودنى إليها يسألها بقلقٍ: أيه اللي مسهرك لحد دلوقتي يا زينب موركيش جامعة الصبح ولا أيه؟
أسرعت إليه تسأله بلهفةٍ التمسها عمران: علي. عايزة علي.
بالرغم من عدm تنساق جملتها وحالتها الغامضة الا أنه أجابها بهدوء: بيوصل واحد صاحبنا وزمانه راجع.
وسألها باهتمامٍ بالغ: في حاجة ولا أيه. قلقتيني!

ارتعشت أصابعها المُمسكة للهاتف حتى كاد بالسقوط عن يدها، فرفعت يدها إليه وهي تردد بتـ.ـو.ترٍ وارتباك: رجع، يمان رجع. هيقــ,تــلني هو وعدني إني لو هـ.ـر.بت هيقــ,تــلني!
تحفزت معالمه وانصاع لكلمـ.ـا.تها المهاترة، فالتقط عنها الهاتف وهو يشير لها: اهدي بس وفهميني مين يمان ده؟ وهيقــ,تــلك ازاي الدنيا سايبه بروح أمه!
أضاءت شاشة هاتفها من أمامه ليتفاجئ من رسالته الاخيرة يتبعها رسالة أخرى وصلت للتو.

«فاكرة انك هت عـ.ـر.في تهربي مني، انتي لو في أخر الدنيا هجيبك وهعـ.ـا.قبك يا زينب! »
حرر عُمران زر التسجيل وصاح بعنفوانٍ قاطعٍ: عقـ.ـا.ب أيه يابن ال لو دكر اظهر وشوف هعمل فيك أيه؟ وإبقى اتعب نفسك وإسأل عن عمران سالم الغرباوي كويس وتأكد إن أبويا مـ.ـا.ت قبل ما يربيني فلو باقي على روح سبايدرمان اللي جواك دي اظهرلي وأنا أوريك مين فينا اللي في وضع يسمحله بالتهديد يا و.

أبعد الهاتف وهو يراقب وصولها إليه، فتأكد من سماعه لرسالته وانتظر أن يجيبه وحينما لم يجيب عاد عُمران يسجل له تحت نظرات زينب المصعوقة من تحوله المفاجئ لشخصٍ أخافها هي شخصيًا وانطلق يستكمل: أيه يا دكر صوتك راح فين! كويس إنك قلبت دكر بط كبيرك يزغطوك في بوقك، بس عشان أنا راجـ.ـل وقد كلمتي هبعتلك عنوان بيتي اللي عايشة فيه زينب لو حسيت إن كلمة دكر بط هانتك ومست رجولتك تعالالي نتفاهم.

وقدm لها الهاتف مضيفًا: لو بعتلك حاجة تاني مع إني أشك ناديلي أنا مريح فوق.
التقطت منه الهاتف بفمٍ مفتوحٍ، واكتفت بهزة رأسها بخفة وهي تتابعه يغادر للأعلى مطلقًا صفيرًا متراقصًا بينما يده تلهو بمفاتيحه باستمتاعٍ.
دقائق استغرقتها واقفة جـ.ـا.مدة محلها هكذا لتفق على صوت علي القادm من خلفها: زينب بتعملي أيه هنا بالوقت ده؟

انتفضت بوقفتها بفزعٍ وأشارت له بعدm اتزان كلمـ.ـا.تها: يمان عرف مكاني وبعت هددني وعمران آ...
ابتلعت باقي كلمـ.ـا.تها بحرجٍ دفع على يتساءل بخــــوف من اندفاع أخيه: عمل أيه عمران!

قدmت له الهاتف ليتمكن من ايجاد الاجابة المناسبة لسؤاله المحرج، قرأ على مضمون رسائله، واستمع لفويسات أخيه ببسمة جعلته يشعر بالانتشاء، فقدm لها الهاتف قائلًا: عُمران مخلاش كلام يتقال من بعده. اطمني يا زينب ومتقلقيش مش هيمس شعرة منك زي ما وعدتك، يالا اطلعي نامي عشان تقومي لجامعتك فايقة.
هزت رأسها باسمة وغادرت للأعلى، بينما ردد على ساخرًا: مربي بلطجي أنا!

تسلل عُمران للداخل على أطراف أصابعه حاملًا بين يده جاكيته وحذائه الفاخر، فتحرر ضوء الغرفة بمكبس ريمـ.ـو.ت تحمله مايا بيدها قائلة بسخرية: مفيش داعي تتسحب يا حبيبي أنا صاحية.
ألقى ما بيده مزعنًا ثباته المخادع، فتهدلت شفتيه مبتسمة رغمًا عن جمود معالمه، واقترب يردد: حبيب قلب جوزه مش جايله نوم من غيره يا ناس!

زمت شفتيها ساخطة على محاولته الواضحة للضحك على عقلها: متحاولش يا عمران أنا زعلانه منك. النهاردة قولت إنك مش نازل الشركة فخمنت إنك حابب تقضي اليوم معايا ودلوقتي رجعالي وش الصبح!

حاوط وجهها بيده ورماديته تحتضنها رغمًا عن تباعد جسدها عنه، فاستند بجبهته على جبهتها يهمس لها: حقك عليا يا بيبي أنا مقصر معاكِ عارف. النهاردة كان كتب كتاب أيوب على البـ.ـنت اللي حكتلك عنها وانشغلت معاه وكنت أتمنى أعوضك بكره بس هكون مع جمال بالمستشفى عشان عملية والدته بعدها على طول هكون ملكك لوحدك أي مكان هتشاوري عليه هأخدك ليه وإنتي بين أحضاني، ها مرضي يا حبيب قلب عمران؟

زار ثغرها ابتسامة عـ.ـذ.باء وهزت رأسها إليه فضمها بكل قوته مرددًا بنبرة صادقة: كله يهون الا زعلك يا حبيب قلبي!
تعلقت به وهي تميل على عنقه دافنة ذاتها داخله، فاستغل فرصة بقائها داخله ليهاتفها بنبرة الغرام فتفاجئ بها تبتعد عنه وهي تشير إليه بخجل: لأ. أنا من ساعة اللي حصل أخر مرة وأنا مرعوبة. خليك بعيد أفضل.

زوى حاجبيه بدهشةٍ وجذبها إليه مجددًا يخبرها: نعمان غار في داهية وبكره واحنا في الشركة هنوقعله العقود وبعدها هنبه عليه معتش يورينا وشه تاني. وبعدين أنا مش عايزك تبعدي عن حـ.ـضـ.ـني بالشكل ده تاني يا مايا. معقول تكوني خايفة وانا معاكِ وانتي بين ايديا!
رفعت ذراعيها لتحتضنه فوجدته يبتعد عن الفراش بضيقٍ من تصرفاتها، واتجه لخزانته يبدل ملابسه بصمتٍ.
نهضت عن الفراش ولحقت به تناديه بدلالٍ: عُمران.

سدد لها نظرة محتقنة من رماديته ونزع عنه قميصه يتجاهل وجودها مما عزز غـــضــــبها فجذبته بقوة إليها مرددة بغـ.ـيظٍ: بناديلك يا بـ.ـارد!
تغاضى عن كلمـ.ـا.تها الأخيرة قاصدًا الانتقام منها، فغمز لها بمكرٍ: غريبة الكلمة دي متقالتليش من أي ست غيرك!
احتقن وجهها بغيرة ظاهرة مما أرضى غــــروره فانطلقت ضحكاته الرجولية تجلجل على احتقان معالمها لسوء فهمها لجملته وهذا ما راق له.

اندفعت إليه مايا بكل غـ.ـيظها تضـ.ـر.ب صدره بقوةٍ وتسدد له لكمـ.ـا.ت تحيط بصدره الصلب، انفصلت عنه ضحكاته وتبلدت معالمه مما دفعها للاستغراب، فسحبت يدها وراقبت ملامحه بدهشة.
رفع عمران يديه يحاوط جانب وجهها ومازالت الجدية تنحر ملامح وجهه المنحوت، ليخبرها بثباتٍ شعرت بأنه يجاهد به أمامها: مايا أوعي تمد إيدك عليا تاني لا بهزار ولا جد أنا مش عايز أذيكِ!

رمشت بعينيها بتـ.ـو.ترٍ وخــــوف، فضمها إليه وهو يخبرها بحنان: حبيبتي الهزار لو بدأناه بالضـ.ـر.ب والاهانة هيكون ده مفهوم حياتنا الطبيعي، أنا زي ما بحترمك وعمري ما مديت إيدي عليكِ إنتِ كمان لازم تحترميني يا مايا. أوعديني متعملهاش تاني.
هزت رأسها من بين أحضانه وهتفت بخجل من تصرفها الذي ضايقه لحدًا لم تتوقعه: أنا أسفة.
دفنها داخله وهو يهمس لها: وأنا كمان آسف لو كلامي ضايقك يا حبيب قلبي. وأدي رأسك أهي.

وطبع قبلة عميقة على جبينها جعلتها تبتسم إليه بحبٍ، فانحنى يحملها إليه وهو يردد بخبث: حبيب قلب جوزه قلبه قسى عليه وشكله كده لسه زعلان منه!
أشارت له نافية الا أنها عاد بها للداخل يجذبها للانـ.ـد.ماج برفقته بدوامة عشقهما التي سحبتهما بخــــوفها بترحابٍ.

ولج علي لغرفته فوجدها تجلس على الأريكة منـ.ـد.مجة بقراءة أحد الكتب بتركيزٍ تام، وما أن تخلل لها رائحة البرفيوم خاصته حتى أغلقت عينيها تسحب نفسًا بعبقه الخاص هامسة بعشقٍ: علي!

فتحت عينيها فوجدته يستند على الكومود، مربعًا يديه أمام صدره، يتطلع لها بحنينٍ عاشق، راق له شعورها به وتسلل رائحته التي بات يدmنها لأجل تعلقها وحبها الشـ.ـديد لها، فما أن نطقت إسمه حتى تبسم بجاذبيته الخاطفة، ودنى يستند على المكتب مرددًا بصوته الرخيم: مش قولنا ممنوع السهر يا فاطيما هانم! ولا الكتاب ده عمل اللي مقدرتش أعمله وخلاكي منجذبة ليه كل الوقت ده!

وانتصب بوقفته يسترسل بحـ.ـز.نٍ مصطنع: أنا شكلي كده هغير من الثقافة والكتب وأي شيء يلفت نظرك!
نهضت تلحق به وهي تغلق الكتاب قائلة بصوتها الهادئ: مش هقرأ تاني لو ده هيزعلك يا علي.
التفت لها ومازال محتفظ بأثر ابتسامته: لأ يا حبيبتي اعملي اللي يخليكِ مرتاحة وتأكدي إن ده هيسعدني.

ابتسمت واتجهت لطرف الفراش تنتظره لحين أن ينتهي من حمامه الدافئ، فخرج يجفف خصلات شعره الطويل لرقبته وهو يتفحص انعكاسها بالمرآة، فاتجه ليحتل مكانه قائلًا بنظرة دافئة: عايزة تقوليلي أيه وربكك بالشكل ده!
وكأنها كانت تنتظره أن يشعر بتـ.ـو.ترها كالمعتاد منه، فقالت: أنا خايفة يا علي. مش حاسة إني هقدر أنزل مع عمران ومايا بكره الشركة. خايفة يحصل شيء يحطني أنا وعمران في موقف محرج.
وزمت شفتيها بتيهةٍ: انت فهمني!

فرق ذراعيه وضمها إليه يخبرها بحنانٍ رزين: مفيش حد في الكون ده كله فهمك أدي يا فاطيما. بس أنا عايزك تتأكدي ان الخطوة دي مهمة ليكي، لازم تختلطي بالعالم الخارجي يا فاطمة مينفعش عالمك يتوقف عليا أنا بس. انـ.ـد.مجي مع مايسان وعمران وخليكِ متأكدة إنهم أهل ثقة وأكيد عمران هيقدر حالتك وهيأخد احتياطاته.

مالت برأسها على صدره وتعلقت به، اعتدل بمنامته وضمها إليه هامسًا بحبٍ: نامي يا حبيبتي بكره مستنيكِ يوم مهم. ومتقلقيش أنا جنبك ومعاكِ. مش هسيبك أبدًا يا فاطمة!
أغلقت عينيها باسترخاء وسرعان ما غفت بين ذراعيه فطبع قبلة على رأسها وأغلق عينيه هو الأخر باستسلامٍ.

رفعها عنه ووضعها على الوسادة بحذرٍ، ثم جذب التيشرت الخاص به يرتديه، سحب عُمران هاتفه وخرج لشرفة غرفته يحرر زر الاتصال ويرفع سماعته لاذنيه بترقب لسماع صوت المتصل به، فأتاه بعد دقيقة يجيبه بنعاسٍ مرهقٍ: عمران! خير في أيه!
أجابه بسخطٍ وهو يميل للسور الحديدي: أخبـ.ـارك يا عريس، أمورك تمام؟

اتاه صوته المتعصب: متصل بيا الساعة تلاتة الفجر تقولي أخبـ.ـارك! عمران انت عايز أيه أنا تعبان ومرهق ولازم أكون عند استاذ ممدوح الساعة 8الصبح!
واسترسل أيوب قبل أن يأتيه رد عمران الوقح: اطمن أنا نايم في أوضة لوحدي ومحصلش حاجة لإني ببساطة عمري ما هعملها ونفسي تصدق ده! الشباب كلهم مصدقيني وانت الوحيد اللي مصمم على اللي في دmاغك معرفش ليه؟!

استدار عمران يولي السور ظهره وهو يراقب زوجته الغافلة على فراشها بنظرة عاشقة، فاضت بنبرته الهامسة لأيوب: لآن محدش شايف النظرة اللي بتداريها جوه عيونك غيري، بتحاول تقنع نفسك إنك مبتحبهاش وبتنفر منها بس في شيء جواك بيثور عليك كل مرة وبيقولك إنها مالكة جزء منك إنت متعرفهوش، جواك شيء بينبهك بالعاصفة اللي جايلك تحاربك بكل قوتها وهتبان قدامها ضعفك وفقدان سيطرتك على قلبك ونفسك!

ببساطة فاهمك لإني خضت نفس التجربة قبل كده بس الفرق البسيط إن الانسانه اللي كنت بحارب نفسي عشان مكنش معاها كانت تستاهل وتستاهل أخوض علشانها معارك وحروب، لكن إنت معركتك خسرانه يا أيوب. صدقني يا ابن الشيخ مهران مينفعش!

تعمد تذكيره للمرة المائة والثلاثون بكناية أبيه ليعود عما سيختلق داخله، فهتف أيوب بجدية تامة: مفيش شيء جوايا ليها أكتر من إني بصون وعدي يا عُمران. أرجوك إفهمني أنا عمري ما حبيت قبل كده حتى بـ.ـنت عمي اللي المفروض في حكم المخطوبين عمري ما رفعت عيني وبصتلها مجرد بصة هتخليني مخـ.ـنـ.ـوق وأنا شايل الذنب ده بين ضلوعي، مستني اللحظة اللي تكون فيها حلالي بس كُلي ثقة إنها الانسانة المناسبة تكونلي زوجة تحافظ على عرضي وشرفي وأولادي فحتى لو قلبي مال لآديرا في يوم من الايام فمش دي الإنسانه اللي أمنها على حتة مني يا عمران فتأكد إني كأيوب هكون غيرك في حربك لإني مش هطلع منها خسران أنا بقدر أسيطر على نفسي ومشاعري كويس. إتربيت كده وعيشت كده وهمـ.ـو.ت كده!

ابتسامة مريحة شقت على شفتيه، فتنهد براحة غمرته وقال: ريحتني. روح نام عشان تكون فايقلي بكره أصل بصراحة مش هعديلك اللي عملته على خير، عشان تبقى تشيلها بعد كده بضمير يا عريس الغفلة!
وتابع بسخرية: متنساش قبل ما تتخمد تعقم نفسك كويس وبالذات ايدك ورقبتك اللي كانت لفة دراعاتها حوليها، وحسابنا يجمع بكره يا ابن الشيخ مهران!
وأغلق بهاتفه دون أن يودعه ومن ثم ولج لغرفته متوعدًا للأخر لحين رؤيته بالغد!

غردت الشمس بفستانها الذهبي تستقبل يومها الجديد بمحبةٍ ودفءٍ، اجتمعت العائلة صباحًا على مائدة الافطار، فاستغلت فريدة اجتماعهم وقالت: ابتدوا لموا الحاجات المهمة اللي هتحتاجوها لإننا هننقل بكره.
ردت عليها مايا وهي تلهو بشوكتها بطبقها: أنا جهزت هدومي امبـ.ـارح بالشنط لما حضرتك قولتيلي باقي حاجات عمران وده مش عارفة هننقلها ازاي محتاجين تريلا!

توقف عن مضغ طعامه وصاح متعصبًا: محدش يقرب من لبسي وساعاتي وجزمي أنا دافع فيهم نص ثروتي. عزلوا انتوا على بركة الله وسبيوني هنا مع خزنتي أنا عنيت لحد ما صممتها بالنظام اللي يريحني ويريح تنسيق لبسي!

ضحك أحمد حتى ظهرت غمازات وجهه وصاح بتهكم ساخر: وماله يا بشمهندس البيت هناك واسع ويكفي كل اللي يخصك ولو زعلان أوي على تصميم الخزنة بتاعتك تقدر تختار الجناح اللي يناسبك وصمم لنفسك مكان لهدومك زي ما تحب محدش هيمانع!
زم شفتيه بسخطٍ: هو أنا فاضي يا عمي! أنا ورايا مشروع ضخم داخل فيه أنا وجمال هيحتاج كل وقتي وطاقتي كلها.

ابتسم بحبورٍ ومحبة عظيمة: المول التجاري اللي بقى حديث كل شركات المعمار. حقيقي أنا فخور بيك يا عمران ومتحمس أشوفه بشكله النهائي.
منحه ايتسامة ممتنة لدعمه المتواصل إليه، بالرغم من أن نعمان الغرباوي من العائلة الا أنه يواجه نجاحه بكل حقد يمتلكه بينما بالمقابل يأتي عمه الحنون ويدعمه قلبًا وقالبًا.

قاطعتهما فريدة غاضبة بنبرتها المتعصبة: يعني أيه يا عمران! هنفضل في البيت ده علشان حضرتك خايف على لبسك وجزمك وساعاتك الغالية لتتبهدل!
وأزاحت منديلها الورقي عن تنورتها وهي تصيح بضيقٍ شـ.ـديد: أنا مش طايقة أقعد في البيت ده استحملت طول الفترة اللي فاتت لحد ما نلاقي البيت المناسب وخلاص أحمد لاقاه وفاضل اننا نمشي من هنا وللأسف مش هقدر أطلع من هنا لوحدي لازم كلكم تكونوا معايا!

نهض على مسرعًا إليها يقبل يدها بحنانٍ: اهدي يا حبيبتي عمران ما يقصدش حاجة احنا معاكي مكان ما تكوني، ومعندناش مشكلة نعيش في بيت تاني. ولو على حاجة عمران الغالية يقدر يأخد شوية هدوم ليه بشنطة صغيرة ويسيب باقي حاجته هنا لحد ما يفضى ويعمل غرفة مجهزة لحاجته زي اللي هنا ويبقى وقتها ينقل حاجته. الموضوع بسيط ومحلول مش كده ولا أيه يا عم الوقح؟

ترك الخبز عن يده وأسرع تجاهها بضيق من ذاته لما قاله، وردد بنبرة رخيمة هادئة: مقصدتش والله يا فريدة هانم. لو عايزانا ننقل حالًا معنديش مانع مدام ده هيريح حضرتك.
لانت معالمها ورفع يديه تحيط باليمني خد عمران وباليسري خد على مرددة بصوتٍ محتقن بالدmـ.ـو.ع: ربنا ما يحرمني منكم أبدًا.

وضمت كتفيهم بعناق ثلاثي جعل الفتيات يبتسمن بحبٍ، فاندفع احمد إليهم يبعدهما للخلف ويضم فريدة بتملكٍ مضحك، هاتفًا بمرحٍ: ايدك يالا منك ليه. مش كفايا السنين اللي اتعـ.ـذ.بتها وهي في حـ.ـضـ.ـن غيري جايين تكملوا على اللي فاضل جوايا من صبر!
تعالت ضحكاتهما الرجولية، وخاصة حينما ردد عمران بنزقٍ: شوف الراجـ.ـل اللي دبرنا خطط وعملنا اجتماعات عشان نجوزهاله!
وتابع بغمزة ماكرة: ماشي الله يسهلو يا عم.

وأشار لفاطمة ومايا: يلا نتحرك احنا علشان منتأخرش.
ابتعدت فريدة عن أحمد متسائلة باستغراب: واخد فاطمة على فين يا عمران؟
ضمت مايا فاطمة لها وأجابتها: هتنزل معانا الشغل من النهاردة يا فريدة هانم.

ابتسمت بفرحة لتأكدها بأن ما يفعله ابنها الصغير سيأتي بثماره لحالة فاطمة، ان تولت هي العمل بشركات زوجها بعد وفاته واكتسبت تلك القوة والرزانة من المؤكد بأنها ستحمل نفس الصفات التي هي بحاجة لها، أجلت حنجرتها قائلة بتمني: ربنا يوفقك يا حبيبتي، روحوا انتوا وأنا هأخد زينب وشمس ونلم الحاجات المهمة عشان بكره الصبح هنتحرك على طول.
وعلى ذكر ابـ.ـنتها التفتت من حولها تتساءل باستغراب؛
هي فين شمس؟

اجابتها وهي تهبط للاسفل بابتسامة شاحبة: أنا هنا يا مامي، صباح الخير.
اجابوها بودٍ فاتجهت لمقعدها وجذبت طبق الطعام تتناوله بآليةٍ، جذب على المقعد المجاور لها ومنحها نظرة متفحصة قبل أن يردد بخبث: بمناسبة اللمة الحلوة دي في خبر يخص شمس ولازم تعرفوه.
انتبهت له شمس باهتمامٍ حتى الجميع، فكانت زينب أول من تسائلت باهتمام: خبر أيه؟ انتي امتحنتي يا شمس والنتيجة ظهرت ولا أيه؟

نفت ذلك قائلة: أنا لسه مش امتحنت أصلًا.
ارتشف على من كوب قهوته بهدوء جعل عمران يردد بضيق وهو يتفحص ساعة يده: ما تنجز يا دكتور مش فاضيلك!
ترك الكوب وتطلع تجاه عمه ووالدته وقال: آدهم نازل مصر الاسبوع اللي جاي وطلب مني آنه يكتب الكتاب بعد بكره ويأخد شمس معاه تتعرف على والده وعيلته، وعايز الفرح بعد امتحانات شمس على طول يعني بعد شهرين. أنا قولتله هبلغ فريدة هانم وهرد عليك.

تلون وجهها بالأحمر القاني، واخفضت عينيها أرضًا تخفي تـ.ـو.ترها الشـ.ـديد، وتابعت رد والدتها وعمها، فكان أحمد أول من قال: والله الولد ده راجـ.ـل وبصراحه ابن اصول متربي على قيم مبقتش موجودة في شباب اليومين دول، أنا عن نفسي معنديش مانع طالما شمس بتحبه وهو بيحبها هنعوز أيه أكتر من كده؟!
واستدار لزوجته يتساءل بلطفٍ: ولا أيه رأيك يا فريدة؟

سحبت نفسًا مطولًا تمنع به دmـ.ـو.عها، ابـ.ـنتها الوحيدة ستغادرها بعد فترة زمنية محددة وبدايتها الزواج، ولكنها ستكون مع من أحبت وهي تعلم جيدًا فراق علاقة كانت تنعم بالحب بينهما، لذا قالت ببسمةٍ صغيرة: لو ده هيخليها تكون سعيدة فأوكي معنديش مانع.

اتسعت ابتسامة شمس بفرحةٍ، على الرغم من حـ.ـز.نها الشـ.ـديد منه ولكنه فجأها حينما طلب من عائلته أن تسافر برفقته للقاهرة، كانت حزينة لإنها بعيدة عنه وهو بنفس الدولة وما يزيد حـ.ـز.نها سفره لدولة أخرى فإن كان يصعب عليها رؤيته هنا فكيف ستتمكن من رؤيته وهو بعيدًا عنها.
اتجهت إليها فاطمة تضمها قائلة ببسمة جذابة: مبروك يا شمس. ألف مبروك يا حبيبتي.

ضمتها بكل ود لصدرها وردت عليها: الله يبـ.ـارك فيكي يا فاطيما تسلميلي يا جميلة.
لفت مايا ذراعها حول كتفيها قائلة بمشاكسة: مبروك يا شموسة. كان نفسك تنزلي مصر أهو حضرة الظابط هيخـ.ـطـ.ـفك مننا وهيحقق أمنيتك.
اخفت وجهها بكتفيها بخجل وهمست لها: ميرسي يا مايا.
ابتسمت لها زينب وقالت بفرحة صادقة: مبروك يا شمس ربنا يهنيكِ يا حبيبتي.
ابتعدت عن مايا وأحاطتها بسعادة: الله يبـ.ـارك فيكي يا زوزو عقبالك يارب.

ابتسم عمران وقال بمكر: عريسها موجود ومتقدm ومنتظر الرد.
اسبلت فاطمة بعينيه مندهشة: مين ده يا عمران؟
رد عليها وهو يتابع زينب المنكمشة بخجل: دكتور سيف أخو دكتور يوسف صاحبي، معاها في نفس الجامعة وفي اخر سنة وبصراحة ولد راجـ.ـل ويوسف مربيه تلاتين مرة وأنا كعمران صعب أرفضه بس نقول أيه لدكتور على الديمُقراطي قالك الرأي رأيها وأدينا مستنين!

رددت فريدة بلباقة: سيف شاب محترم جدًا بس ده ميمنعش إن زينب بنوتة زي العسل ومكسب ليه مش العكس يا حامي اصدقائك ونافش ريشهم جنب ريشك!
تعالت الضحكات فيما بينهم، فأشار عمران للفتيات: نكمل كلامنا بعدين يا فريدة هانم المهم ننجز علشان مش فاضي ورايا كذه حاجة لازم أخلصها قبل ما أروح لجمال المستشفى والدته هتعمل الجراحة النهاردة.
قالت بتمنى: ربنا يقومها بالسلامة، هبقى أروح معاك زيارة ليها بعد ما ترجع البيت.

هز رأسه بتفهمٍ والابتسامة الممتنة تجوب على وجهه، فانطلق برفقة مايا وفاطمة لسيارته قاصدًا شركته.

تركت فريدة ابـ.ـنتها برفقة زينب يجمعون الأغراض الهامة بجناحها واتجهت لغرفة علي، وجدته يضع شهاداته التقديرية ودروعًا حصد عليها بمراحله التعليمية بكرتونٍ متين، واستكمل وضع كتبه وأغراضه الشخصية حتى ملابس فاطمة وما يخصها، وما أن شعر بأنفاسٍ على قرب منه حتى استقام بقامته واستدار للخلف فوجدها تقف أمامه مرتبكة للغاية، أشار لها ببسمته الجذابة: فريدة هانم. اتفضلي.

منحته ابتسامة خافتة وولجت تغلق باب غرفته من خلفها، متجهة لطرف الفراش القريب من مكتبته حيث يحزم كتبه وأغراضه.
عادت تفرك أصابعها بتـ.ـو.ترٍ تسلل لنبرتها المهتزة: عايزة نبدأ من النهاردة ينفع؟
جذب المقعد الخشبي ووضعه قبالتها بحماسٍ: طبعًا، اتكلمي باللي حابه تقوليه.

استندت على عمود الفراش الخارجي وربعت يدها أمام صدرها تحيل بها ذكريات الطفولة، وبدأت بتحرر صوتها الرقيق: من لما كنت طفلة وأنا مكنتش لوحدي، كان حوليا أخويا وأختي الله يرحمها بس مكنش ده اللي مخليني محسش بالوحدة، السر كان في وجود أحمد جنبي، كنت بحس إنه بيكملني، كأننا روح واحدة في جـ.ـسمين. مفيش حلم حلمته مكنش هو فيه، حتى حلم شكلي بفستان الفرح زي أي بـ.ـنت كنت بتمناه بس وجنبي أحمد.

اتسعت ابتسامتها وهي تستطرد: أحمد مكنش بس ابن عمي وحبيبي. كان صديقي اللي محرم عليا يكونلي صديق. كان أبويا اللي بيخاف عليا وقت ما برجع متأخر أو بلبس لبس عريان، أمي الحنينه اللي بتنصحني أحافظ على نفسي ازاي وأهون على نفسي وقت زعلي حتى وقت مرضي. كان أختي اللي قادرة تفهم وتصون أسراري بدون ما تتعصب عليا وتقولي هبلغ ماما باللي عملتيه. كان حبيبي اللي بيوعدني إنه هيكون جنبي لأخر العمر وفجأة قطع وعده وسبني وحيدة.

مجرد تذكر ما خاضته جعل عينيها تدmعان مستكملة: حسيت إني كنت في دفا وفجأة بقيت بين التلج وجـ.ـسمي بيتجمد وعاجز يحس بأي شيء. احساس آنه اتخلى عني وبإرادته كان أبشع من كابوس قومت منه، كل اللي اتبقالي من حبيبي ساعة وبرفيوم خاص بيه وقت ما بشتقاله بضمهم ليا وبعدها بكره ضعفي اللي خلاني ألجئ ليهم وبحس إني أقذر ست. ست خـ.ـا.ينة بتخون جوزها وبتحن للماضي اللي كان حقها في يوم من الأيام، عشت في معاناة كل ما بفتكرها قلبي بيتلف حوليه شوك.

وتمعنت برمادية عينيه اللامعة بدmع رافض سقوطه وقالت بابتسامة: لحد ما جيت انت يا علي، كأنك كنت بتهون عليا كل اللي أنا عايشاه لوحدي. من أول ما شيلتك بين ايديا وأنا واثقة إنك هتكون ليا العوض عن كل ده، اتمنيت اسميك أحمد بس خــــوفت سالم يحس باللي كان بيني وبينه، خــــوفت أكرهك بسببه لإني مكنتش لسه أعرف الحقيقة.

وشردت بالفراغ وقد احتل وجهها كتلة من الجمود: طول عمري عايشة دور الست القوية اللي قادرة تتغلب على كل ظرف تتعرضله لحد ما اكتشفت اني كنت ضعيفة وساذجة لدرجة إن الانسان اللي عشت عمري كله في تأنيب ضمير علشانه طلع هو الأمهر في التمثيل، كان الشيطان اللي كان بيوسوس ليا إني بخونه لمجرد تفكيري في اللي فات. و.جـ.ـعني وداس على قلبي وكأنه كان بيملك الحق على حياتي ونفسي!

وتعمقت بالتطلع إليه وهي تردد بنفور: أنا بكرهه ومش مسامحاه يا علي، كان نفسي يكون عايش ويشوفني مع أحمد. كان نفسي يتأكد إنه منجحش يبعدنا عن بعض حتى لما كنت معاه كان قلبي مع أخوه. لما كنت بديله حقوقه الشرعية كنت بتكوي بالنار وأوقات كنت بوهم نفسي إني مش معاه مع أحمد!
أزاحت تلك الدmعة المتمردة على خدها وقالت وهي تتجه هاربة منه: هروح أشوف زينب وشمس خلصوا ولا لسه. ونكمل بعدين.
نهض خلفها يناديها: ماما!

توقفت عن الخطى وبقيت جـ.ـا.مدة محلها دون الاستدارة له، فدنى قائلًا: مكنتيش خـ.ـا.ينة كنتِ إنسانة عظيمة قدرت تضحي طول السنين دي كلها علشان أولادها. إنسانة بالرغم من عشقها الكبير لشخص اتمنتت تعيش معاه الا أنها حاربت وصمدت وافترقت عنه علشان تكون مع أولادها، صدقيني اللي فات ده مهما كان صعب ومؤلم بس قواكي وقوى علاقتك بينا لدرجة خلتنا مؤهلين لجوازك من عمي وإنكم بعد كل العوائق دي اتجمعتوا.

استدارت إليه باكية وهرولت لأحضانه كالطفلة الصغيرة التي تتخفى داخل حـ.ـضـ.ـن أبيها، طوفها على ودmـ.ـو.عه تهوى على خديه، يعلم بأنها مازالت تكبت الكثير بداخلها ولكن كونها قالت تلك الكلمـ.ـا.ت القليلة سيأتي البقية بعدها وستخبره بكل شيء.

ربت بحنان على ظهرها حتى ابتعدت عنه تمنحه ابتسامة صغيرة، وتركته وغادرت لجناحها تنفرد بذاتها قليلًا وتستجمع قوتها لتواجهه بباقي ما بداخلها ولكن أولًا ستعاون الفتيات لترحل من هذا المكان الذي يضيق عليها كلما استعابت ما فعله زوجها بها.
اتبعتهما فاطمة للداخل، فأشارت لها مايا للمكتب الذي يقابلها متسائلة بحماسٍ: ها أيه رأيك بقى؟

سلطت نظراتها على المكتب الفخم المقابل لها، لونه الأبيض زاد من راحتها، كان يحوي على حاسوب ولجواره هاتف أرضي، اتجهت للمقعد تحتله بابتسامة صغيرة، وأخذت تتفقد سلة الأقلام بانبهارٍ.
أحاط عمران كتف مايا التي تراقبها بفرحةٍ، وضمها لاحضانه مستغلًا انشغال فاطمة بتأمل مكتبها، وهمس لها: خلي بالك منها يا مايا وأكدي على حسام محدش يدخل المكتب هنا ولا يزعجها بأي شكل من الأشكال لحد ما على الأقل تأخد على المكان.

هزت رأسها بتفهمٍ وهمست له: متقلقش يا حبيبي هبلغه وهشـ.ـدد عليه. وأنا كمان هكون معاها ومش هسيبها.
طبع قبلة على جبينها وهو يردد بحبٍ: حبيب قلب حبيبك إنتِ!
وابتعد عنها يتحنح بخشونة ليلفت انتباه فاطمة: أنا هنا في مكتبي يا فاطمة لو عوزتي أي حاجة مايا موجودة وأنا هنا جنبكم لو احتاجتي حاجة متتردديش.
رددت بابتسامة مشرقة: حاضر.

غادر عمران لمكتبه فوجد المحامي ونعمان بانتظاره، منح نعمان نظرة منفرة واتجه يحتل مكتبه بكـبـــــريـاءٍ، ليجد الأخر يقابله بغلظة: ما بدري يا ابن فريدة مش عارف إن في معاد بينا ولا بتستهبل!
وضع قدmًا فوق الأخرى بتعالي وعدm مبالاة بحديثه، ووجه حديثه للمحامي متجاهلًا وجوده: جهزت الأوراق كلها يا مسعد؟
أكد له باحترامٍ: أيوه يا باشا.
تابع وهو يجذب حاسوبه يراقب مقابلاته لليوم: حطيت فيه الشرط اللي قولتلك عليه؟

أكد له مجددًا: أيوه. وتقدر حضرتك تتأكد بنفسك.
حمل عنه الملف يراقب ذاك البند المشروط بالعقد بينما يتابعهما نعمان بدهشة لحقت سؤاله: شرط أيه ده؟!
رفع رماديته المحتقنة يقابله بها وصاح بحزمٍ: بند من بنود العقد اللي هتوقع عليه بيقيدك عن بيع الشركة لأي شخص غريب، في حالة إنك عايز تبيع الشركة مسموحلك بشرط يكون الشخص ده من جوه عيلة الغرباوي.

وتابع بقوة صارمة: مهو أنا مش بعد كل التعب ده أقدmلك الشركة على طبق من دهب وتأخدها إنت وتديها للي لفة عليك زي الحية علشان توصل لهدفها.
انتفض بوقفته يصـ.ـر.خ بعصبية وجنون لمجرد تخيله بأنه انكشف أمره أمامه: تقصد أيه بكلامك القذر ده يا ابن فريدة!

بقى محله على مقعده يراقبه ببرودٍ: يا خال متخلنيش أشك في ذكائك! أنا من على الكرسي ده قادر أعرف كل كبيرة وصغيرة عن بلاويك السودة، بس اللي عايزك تعرفه إنك مش أول واحد هيلينا ترسم عليه دور الحب أبو أجنحه وردية، سبق وعملتها على تلات رجـ.ـال أعمال معروفين وأخدت اللي وراهم واللي قدامهم وإنت ما شاء الله مبقاش وراك اللي يتأخد منك غير الحنجرة والخيلة الكـ.ـد.ابة اللي واهم نفسك بيهم.

صرخ بانفعالٍ يخفي به تدهور موقفه أمام المحامي الذي يشهد اهانته بوضوح الشمس: اخرس قطع لسانك عيل قليل الرباية.
اتسعت ابتسامة عمران وحذره بمكر: أبويا الله يرحمه بقى مـ.ـا.ت وسبني أمانه في رقبتك وإنت اللي معرفتش تربيني يا خال كنت مشغول مع الراقصات.

واستطرد بغمزة وقحة: لو فاكر إن هيلينا هترجعلك شقاوة زمان تبقى غلطان دي هتأخدك لحم وترميك عضم يا خال ووقتها متجيش هنا تعيط زي النسوان لإن وقتها هتشوف وش تالت لعمران الغرباوي مصدفش ليك إنك اتقابلت فيه.
جذب العقد من يده ووقع عليه، ثم دفعه تجاهه يشير له: موافق على شرطك إمضي وخليني أغور من وشك.

سحب القلم يوقع وهو يهتف ساخرًا: وأنا اللي واقع في دباديبك أوي، إنت تلزق أي مكان تكون فيه يا خال، فلتصحبك السلامة في أي مكان تغور ليه!
وحمل العقد لمايا وقعته وعاد به يلقيه إليه مشيرًا لباب مكتبه: مش عايز أشوفك ولو صدفة. لما يتقرص ودنك وتخسر وقتها افتكر اني حذرتك ونبهتك.

منحه نظرة حاقدة وهتف له بوعيدٍ: هتدفع التمن غالي يا عمران، وديني لأنـ.ـد.مك على معاملتك وطريقتك معايا وساعتها هنشوف مين اللي هيبـ.ـو.س رجل مين.
منحه قبلة بالهواء وغمز له: مستنيك يا خال. ربنا يديك طولة العمر!
وفتح الباب يشير له: مع السلامة يا نعمان!

ارتدى مريال المطبخ على خصره وشرع بجلي الأطباق، ومن ثم اتجه ليقلب القهوة على نيران هادئة، وانحنى يجذب الملابس من المغسلة ومن ثم خرج للشرفة يقوم بفردها على الحبال الداخلية، وولج يضع الشطائر التي صنعها على الصينية ووضع القهوة، ثم اتجه لغرفة شقيقه يهزه برفقٍ: سيف، قوم يالا إنت مش مأكد على ليلى إنك وراك محاضرة مهمة!

جذب الغطاء على صدره العاري يخفي وجهه من أسفله وهو يهتف بانزعاجٍ: يووه يا يوسف بقى انت كل يوم الصبح تقلق منامي!
جذب الغطاء عنه وشمله بنظرة خاطفة جعلته يزوى حاجبيه: إنت نايم كده ليه مش خايف تأخد برد!
تطلع للغطاء الذي أصبح بيد أخيه فنهض على الفور يرتدي بنطاله بحرجٍ: أيه يا يوسف الله. مش عارف أخد راحتي في أوضتي كمان ما تعتقني لوجه الله!

ضحك ساخرًا من ذاك الذي يسرع بـ.ـارتداء ملابسه باحراجٍ، وردد: الله يرحم لما كنت بتعملها على روحك وأنا اللي كنت بحميك وآ.
كبت سيف فمه بصدmة مما تفوه به وترجاه بدهشة: آدهم هنا لو سمعك هيقول أيه، عايز تفضح أخوك يا يوسف!
ارتفع صوت ضحكاته وأخبره مازحًا: خلاص يا دكتور سيفو متزعلش. وبعدين ما أنت اللي صاحي تتدلع وأنا ورايا حالة ولادة عايز أروح المستشفى انجز قبل ما أروح لجمال!

جذب المنشفة واتجه لحمام الغرفة: اعتبرني لبست وجهزت، انزل انت.
لحق به مستندًا على باب المرحاض، وابتسم له وهو يناديه: سيف.
مرر فرشاة الاسنان لينظفها وهمهم له: مممم
ربع ذراعيه أمام صدره وقال: هتبقى عم قريب، ليلى حامل.
بصق المعجون من فمه واستدار له بابتسامةٍ واسعة وصاح: بجد يا يوسف؟
هز رأسه بتأكيدٍ فاحتضنه بقوة وهو يردد بفرحة: مبروك يا حبيبي ألف مبروك، ربنا يكملها على خير ويرزقك بولد صالح بـ.ـار بيك وبيها.

ضمه بحبٍ وطبع قبلة على كتفه بحنان، وفجأة دفعه للخلف وهو يتأمل قميصه بصدmة: بهدلت القميص الله يخربيت معرفتك. هنزل المستشفى ازاي دلوقتي يا حـ.ـيو.ان!
انفجر ضاحكًا وهو يتأمل بقايا معجون الاسنان على قميص يوسف الابيض، وقال بصعوبة بالحديث: خدلك قميص تاني من عندي.

رفع احد حاجبيه بنزقٍ، فحك سيف لحيته النابتة بتفكير: صحيح انك أعرض من فوق شوية عني بس إن شاء الله نلاقيلك حاجة تناسبك. أول ممكن نستعير من آدهم واحد هو هوجان في نفسه زيك كده.
قال من بين اصطكاك أسنانه: ادخل كمل اللي بتعمله وكُل واشرب قهوتك وانزل جامعتك بمنتهى الهدوء.
ووضع يده بجيبه يجذب مبلغ من المال يضعه بيده بقوة وكأنه يصفع يده قائلًا: اتفضل مصروفك.

واتجه للمغادرة وهو يحذره بشراسة: مش عايز ألــمح خلقتك النهاردة، القميص جديد وبالتكت بتاعه يا حـ.ـيو.ان.
فور مغادرته ضحك سيف وهتف يناديه: هتقاطع اخوك عشان الفميص يا جو!
فتح الباب الحديدي وولج يبحث عنه بمقلتيه المحتقنة إلى أن وجده يتفنن بأحد التصميمـ.ـا.ت ولجواره يجلس الاستاذ ممدوح يراقبه ببسمة هادئة، فما أن رأى من يقترب منهما حتى تساءل بدهشة: خير يا عمران؟

انتبه أيوب لنطق إسم رفيقه فاستدار للخلف فوجده يضع يديه بجيب سرواله الرمادي، ويمنحه نظرة النمر الواشك على افتراس فريسته.
ابتلع ريقه بخــــوفٍ غريبٍ يداهمه لمرته الأولى، فحتى مكانة أبيه لم تجعله خائفًا مثل الآن، اقترب منه عمران يستند على اللوح ويتأمل ما صنعه مبديًا عدm اعجابه بما فعله: مش بطال!

واستقام بوقفته وهو يخطو بين الرفوف الضخمة متمعنًا بها بنظرة غير مرضية، أتت بقوله: هو الأرشيف ده متنضفش من أمته يا أستاذ ممدوح التراب مالي الدنيا بشكل غير طبيعي!
سيطر الكهل المتحاذق على ابتسامته فهو يعلم ماذا يحاول تلميذه الأول بصنعه خاصة بعد أن قص له أيوب تفاصيل ما حدث بالأمس، فقال: مش فاكر والله يا بشمهندس. بس بتسأل ليه؟

قال وقد استقرت عينيه على أيوب المتأهب لما سيفعله ليعـ.ـا.قبه كما وعده: بقول إن ميصحش البشمهندس يشتغل وسط التراب والفوضي دي عشان كده لازم ينضف مكانه بنفسه لاننا مش بنسمح لأي حد يدخل أرشيف وسجلات الشركة ولا أيه يا أيوب؟

عبس بعينيه بضجرٍ، فلم يترك له عمران فرصة المناص بل جذب المجلدات الضخمة ووضعها بيده ومن ثم الأخر فالأخر حتى اختفى أيوب خلف طابق كامل من المجلدات جعلته يصيح بلهاثٍ: كفايا يا عمران مش قادر أشيل كل ده!
أتاه رده الساخر: شيل يا عريس والا إنت مبتقدرش تشيل غير الحتت الطرية!

ضحك ممدوح بعدm تصديق لما يحدث أمام عينيه، فتحرك أيوب ليضع ما بيده جانبًا ويعود لعمران يناوله المتبقي من المجلدات، وحينما انتهى قال وهو يطـــعـــنه بنظرة اخيرة: امسح الرفوف ورجعهم مكانهم زي الشاطر كده، ولما تخلص اطلع فوق لحسام هيفهمك هتعمل أيه لانك هتكون بدالي النهاردة طول اليوم.
كاد بالرحيل فجذبه أيوب بعدm استيعاب: مكانك فين! عمران أنا شاب جامعي وبتعلم لسه فبالله هكون مكانك ازاي متهزرش!

أخفض رماديته ليد أيوب الممتدة لجاكيته الباهظ فسحبها أيوب وهو يدmس شفتيه بغـ.ـيظٍ، فأجابه الاخير ببرودٍ: استاذ ممدوح معاك هيساعدك.
وتركه واتجه للمغادرة فأوقفه تلك المرة بمسكة يده وهو يخبره: طيب وجمال أنا عايز أكون موجود معاه في يوم زي ده.
منحه بسمة بـ.ـاردة وصاح؛
واجبك وصل يا عريس، ركز في المطلوب منك وبس.

وتركه وغادر وهو يشير للممدوح بتتابعه فما أن خرج خلفه حتى أغلق باب المكتب على أيوب ومال عليه يهمس له: استاذ ممدوح أنا عايزك تتوصى بأيوب، تفرمه من الشغل لدرجة إنه يرجع ميحلمش غير بسريره وبس ميجيش في دmاغه شيء غير إنه يريح جـ.ـسمه ويرجع هنا تاني، حضرتك فاهمني؟
ضحك ممدوح وهز رأسه: وصلت، بس خد بالك الولد معندوش نية إنه يقرب منها وأنا شايف الصدق في عنيه.

رد عليه بخــــوف صادق: الشيطان شاطر يا استاذ ممدوح ولو حصل هتبقى كارثة لو البـ.ـنت دي حملت منه، أرجوك ساعدني أنا خايف عليه. عصرت دmاغي عشان ألقى حل مش لاقي غير إنها تأسلم وده مستحيل.
ربت على يده بحنان: مفيش مستحيل على ربنا يا ابني. عمومًا اطمن أيوب بقى زي ابني وجوه عيني متقلقش.

ودعه بابتسامة صغيرة وغادر على الفور فعاد ممدوح للداخل فوجد أيوب يقف على الدرج الخشبي ينظف الرفوف وما أن رآه حتى قال متهكمًا: كان بيوصيك عليا مش كده!
ضحك وهو يهز رأسه فمال على الدرج يستند عليه بتعبٍ: والله ما أنا عارف بيعمل كده ليه. ده أنا لو عند أخ أكبر مني مش هخاف منه بالشكل ده!

بالاعلى.
تابعت مايا عمل فاطيما باهتمامٍ، عاونتها على تنسيق الملفات بشكلٍ اكثر احترافية، وحينما قدmت ملفها الأول قالت بإعجاب: الله عليكِ يا طمطم هو ده الشغل ولا بلاش.
ابتسمت لها بمحبة وقالت: بفضل الله ثم تواجهيهاتك يا بشمهندسة.

مالت تقبل جبهتها بحب: حبيبتي يا فاطمة والله أنا مبسوطة من وجود معايا أوي، كنت بحس إن هنا لوحدي وماليش حد ولما عمران قال إن صبا ممكن تنزل معايا فرحت بس الهبلة اتحججت بتعب الحمل وكنسلت الموضوع وأهو ربنا عوضني بسلفتي وأختي القمراية.
اختبرت فاطمة أحاسيس غريبة من ضمة مايا لها، فأحاطتها بابتسامة مشرقة وقالت: انتي اللي زي القمر وتتحبي يا مايسان ربنا يسعدك ويفرح قلبك الأبيض.

أغلقت مايا الحاسوب وقالت بحماس: حيث كده بقى فكك من الشغل وتعالي ننزل نتغدى في أي مطعم، في مكان هنا جنب الشركة بيعملوا بيتزا إنما أيه عجب، بينا؟
التقطت حقيبتها مشيرة لها بنفس مصطلحها: بينا يا ريسة!
تعالت ضحكاتها وشاركتها الاخرى ومن ثم هبطوا معًا للأسفل.
أوصل حسام الضيف الزائر للأسفل بعد أن هاتفه عُمران وأوصاه أن يُوصله للأرشيف بنفسه، فشكره بتهذبٍ: شكرًا يا بشمهندس.

رد عليه حسام باستحسان: أنا في خدmتك يا باشا.
وتركه وغادر بينما أكمل الضيف طريقه للأسفل حتى وصل للباب الحديدي، دفعه وأخذ يتطلع لذاك العالق على الدرج الخشبي بكتلة مجلدات ضخمة يرصها بانتظامٍ ويبدو الانهاك يشكل خرائطه على وجهه، فناداه بخفوتٍ: أيوب!
أطل من فوق المجلد يتأمل من يناديه، فابتسم وهو يناديه بلهفة: آدهم!
وهبط إليه مبتسمًا ومتسائلًا: بتعمل أيه هنا؟!

أجابه وهو يتفحص ملابسه المتسخة باستغرابٍ: جاي علشانك.
وسأله وهو ينفض الأتربة عن قميص بذلته: إنت أيه اللي بهدلك بالشكل ده؟!
أمسك أيوب يده ودفعه ليجلس قبالته على الطاولة الخشبية المتهالكة، قائلًا بتوسل: أبوس إيدك خلصني من عمران. من ساعة ما شافني نازل إمبـ.ـارح شايل آديرا وهو اتجنن، هالكني في الشغل وفاهم إنه كده بينتقم مني.

تمردت ضحكة رجولية على شفتيه جعلت الاخير يرتاب لامره متسائلًا بحيرة: بتضحك على أيه يا آدهم؟
استعاد اتزانه رغم احتفاظه ببسمته الجذابة وقال: مش بينتقم منك يابو قلب طيب بيهدك عشان لما ترجع بيتك ميكنش عندك أي نية شيطانية غير النوم والاسترخاء، فهمت حاجة؟
فرك أنفه بحرجٍ طفيف وهمس له: طيب وليه كل ده والله ما عندي نية لحاجة يا جدعان!

رفع يديه بغمزة مرحة: مصدقك يا عم الشيخ بس الطاووس الوقح عنده وجهة نظر محتلفة. حظك!
ضم شفتيه معًا بقوة وصمت قليلًا ومن ثم قال: طيب ما تلين انت دmاغه وتخليه يخف عني!
استند على الطاولة وهتف له متصنعًا الحـ.ـز.ن: كنت أتمنى يا أيوب والله بس كتب كتابي بعد بكره على أخته فلو أنا اللي اتدخلت هيسيبك ويستلمني أنا!
اعتدل بوقفته بابتسامة واسعة: بجد. هتتجوز يا آدهم؟

صحح له بابتسامة هادئة: كتب كتاب بس والفرح بعد امتحانتها ان شاء الله.
وضع يده على كتفه بسرورٍ: مبروووك يا عمهم. أهي دي الاخبـ.ـار اللي تفرح وسط الجو المترب ده.
رفع آدهم يده يشـ.ـدد على كتفه مثلما فعل وقال: عقبالك بس مع اللي تستاهلك.
ابتسم وهو يجمع شمل الحديث، فتابع آدهم بجدية: نستني كنت جايلك ليه.

وأخرج من جيب بنطاله ساعو رجـ.ـالية فخمة، قدmها له مشـ.ـددًا على حروفه: إلبسها ومتقلعهاش أبدًا يا أيوب على الأقل لحد ما ترجع مصر.
تناولها منه وتفحصها باستغرابٍ: ليه؟
نزع ادهم عنه ساعته ووضعها جانبًا، ثم وضع الاخرى بمعصمه قائلًا: انت بتقول انك بتعزني معزة كبيرة فوجود الساعة دي في ايدك هتأكدلي كلامك خصوصًا اني مسافر القاهرة الاسبوع الجاي.

انقبضت ملامح أيوب وفاضت بالحـ.ـز.ن، فأمسك يده وقال برجاءٍ صغيرًا في عهده الثاني: مينفعش تخليك هنا معانا.
ابتسم وهو يراقب مسكة يده وقال: والدي راجـ.ـل قعيد ومن بعد وفاة والدتي مبقاش ليه غيري. كل فترة بيكلمني وبيترجاني أرجع والمرادي مصمم إني أرجعله وشكله مريـ.ـض فعلًا. أنا وعدته ومقدرش أتراجع. خايف يجراله حاجة فذنبه يكون في رقبتي.
هز رأسه متفهمًا وردد بنبرة متحشرجة من الحـ.ـز.ن: ربنا يشفيه ويبـ.ـاركلك فيه.

أحاط كتفه بذراعه وقال بابتسامة جذابة: هنتقابل تاني يابن الشيخ مهران، وعد لما تنزل مصر هتلاقيني أنا اللي بستقبلك في المطار. هما كلهم تلات شهور هيعدوا بسرعة البرق. وبعدين الموبيل اخترعوه ليه؟

اتسعت ابتسامة ايوب وضمه إليه، فاحتواه آدهم ومازالت تعابيره مندهشة من الحب الاخوي الغريب المتبادل بينهما، لوهلة تمناه أن يكون ذاك الأخ الذي تمنى أن يمتلكه، كان دومًا حزينًا يتساءل لماذا ابقاه والديه وحيدًا دون شقيق أو شقيقة وحينما اشتد عوده علم بأمر تعب والدته وعدm قدرتها على الانجاب فتقبل الأمر واعتاد عليه، ودعه آدهم واتجه للمحامي يرتب أوراق عقد القران بعد أن تحدث على إليه وزف له موافقة عمه ووالدته.

بالمشفى.

وقف جمال جوار والدته يحبس دmـ.ـو.عه بتمكنٍ، ولجواره تقف زوجته عاجزة عن الحديث إليه أو حتى تهدئته، تعود الحاجة أشرقت لحديثها الباكي فتزيد من و.جـ.ـعه: وصيتي أخواتك يا جمال، لو جرالي حاجة حطهم في عينك يا ابني. أنا عارفة اننا تقلنا عليك وشيلناك فوق طاقتك. مصاريف علاجي وتعليم اخواتك وجوازتهم وعمرك مرة ما اشتكيت ولا قولت مش قادر، طول عمرك اللي في ايدك مش ليك يا حبيبي. عشان كده لو جرالي حاجه همـ.ـو.ت وأنا راضية عنك يا ضنايا.

انحنى تجاهها يقبل يدها الممتلئة بالمحاليل والأجهزة وردد برعشة باكية: متقوليش كده عشان خاطري يامه، هتخرجي والله وهتبقي زي الفل.
ربتت على خصلات شعره الفحمي بيدها الاخرى وقالت: ربنا يراضيك ويسعدك زي ما انت سبب سعادتي، ربنا يجبر بخاطرك زي ما انت جابر بخاطري أنا واخواتك يا حبيبي.
لم يحتمل سماع المزيد فبكى على يدها وهو يترجاها: كفايا عشان خاطري متو.جـ.ـعيش قلبي يامه.

طرقات باب الغرفة ومن ثم ولج ذاك البشوش بالورود، ليقترب منها يسيطر على حـ.ـز.نه لرؤيته انهيار رفيقه بحرافية، فهتف بمرح: مساءو فل على أجمل ست اتخلقت في الكون كله، شوفتي المرادي جبتلك ورد أحمر علشان ت عـ.ـر.في إن علاقتنا اتطورت من حب وتسبيل لمرحلة مينفعش فيها الحبيب!
استدار يقابل سيف بنظرة مشتعلة، اتبعها وابل من غـــضــــبه: هو انت كل ما تشوف خلقتي تسألني عنه! حد قالك إني المدام بتاعته بروح أمك وأنا معرفش!
زم سيف شفتيه بغـ.ـيظٍ وأشار ليوسف بحنقٍ: شوفت طريقته بالكلام يا يوسف وفي الأخر تقولي أحترمه!
ربت على كتف شقيقه وكأنه يواسيه، واتجه لعمران يخبره بنزق: خف على الواد شوية يا عم الوقح، أيه محدش عارف يكلمك!

كاد بأن يمنحه وابل من فظاظته فأسرع جمال يمسك بيديه وهو يخبره بسخريةٍ: والله ما هي ناقصة، قعدت تقولي بروح أمك لحد ما أمي روحها بتطلع جوه أهي!
وتابع بنبرة متوسلة تترجاه: خف على دكتور سيفو مالوش في كلامك الدبش ده. خليك الكبير العاقل يا عم الطاووس.
أحاطهم بنظرةٍ ساخرة شملت على الذي تجاهله واستكمل طريقه ليكون مجاور لجمال يسأله باهتمامٍ: الدكتور مخرجش من جوه؟

هز رأسه نافيًا وقد تسلل الحـ.ـز.ن إليه بنبرته: لأ لسه. بقالهم فترة جوه.
ربت على كتفه وهو يخبره: العملية دي بتأخد وقت كبير. ادعيلها يا جمال وخليك متفائل.
رفع رأسه عاليًا وردد بخفوت: يا رب متحرمنيش منها يارب!
جلس يوسف جواره هو الأخر وأحاط كتفه يشـ.ـد عليه: هتخرج وهتبقى زي الفل. أنا شوية وهدخل أطمن على الأمور بنفسي متقلقش.

اتجه سيف للأريكة المقابله إليهم فجلس يعبث بهاتفه في محاولة للوصول لأيوب بعد أن هاتفه للمرة الثامنة، فتهللت أساريره حينما أجابه تلك المرة فسأله بلهفة: أيوب إنت فين؟ وليه مبتردش على موبيلك؟
أتاه صوته حزينًا حتى وإن حاول اخفائه: معلش يا سيف كنت بكلم الشيخ مهران وبعدها سبت الموبيل. أنا كنت لسه هكلمك حالًا عشان أسالك انتوا في أنهي دور؟
سأله باهتمامٍ: انت فين دلوقتي؟
قدام البوابة تحت.

طيب خليك عندك متتحركش أنا نازلك.
وأغلق سيف هاتفه وأسرع للمصعد يحرر زر هبوطه الطابق السُفلي قاصدًا البوابة الخارجية، جاب الطريق ببصره فأهتدت مقلتيه على صديقه المستند بجسده على العمود الحجري المجاور للبوابة، فاتجه إليه يناديه بلهفةٍ: أيوب.
استقام الاخير بوقفته ليقابله بابتسامةٍ صنعها بحرفية لتخدعه ولكن صوته كان كفيل بعكس كل ما يمر به، فكان أول سؤال منه: مالك؟

تلاشت ابتسامته وتنهد بضيقٍ وهو يستدير للخارج، لحق به سيف ووقف بالجانب الأخير مستطردًا: الشيخ مهران قالك أيه مزعلك كده؟ متقوليش إنه عرف بموضوع جوازك من آديرا!
هز رأسه نافيًا وقد امتقع وجهه بحـ.ـز.نٍ مضاعف وهو يصرح له: أبويا حـ.ـز.نه بيزيد يوم بعد يوم يا سيف، ولحد النهاردة مش قادر يعرف مكانه ولا حد عارف يوصله. مش هاين عليه إنه يفرط في أمانة أخوه بالشكل ده!

رفع يده يربت بها على ظهره المنحي، وقد وصل إليه سبب حـ.ـز.نه، فقال: لسه بردو مش عارفين مكانه؟
أكد له بإيماءةٍ رأسه وقال بصوتٍ احتقن بالدmـ.ـو.ع: 5 سنين يا سيف! خمس سنين بندور في كل الاقسام ومش لاقينله أثر. والله العظيم مظلوم. يونس ابن عمي مستحيل يكون منهم يا سيف!

تهاوت دmعة عن فيروزته رغمًا عن كبريائه، فاحاطه سيف بين ضلوعه وهتف إليه: بس عشان خاطري. أنا مش بستحمل أشوفك زعلان تقوم توريني نفسك وإنت كده يا أيوب!

شكى له ذاك الظلم المستبد الذي تعرض له ابن عمه: ذنبه أيه يتأخد بالطريقة دي من شقته وقدام مـ.ـر.اته! ده معداش على جوازهم غير اسبوعين يا سيف! وكل اللي مسكوه عليه شوية أوراق ادثتله في المحل بتاعه ومن يومها لحد النهاردة محدش عارفله طريق! أنا مش عارف أساسًا إذا كان عايش ولا لأ...

واستطرد بلوعةٍ: وحشني أوي. عمري ما كان ليا أخ بس كنت معاه بحس إنه أخويا الكبير، كنت برتاح أوي لما بسمعه بيرفع الآذان لو الشيخ مهران كان تعبان، أقسم بالله إن يونس مستحيل يكون تبعهم وإن اللي حصل ده كان مقصود من الكـ.ـلـ.ـب ده.
أدmعت عينيه تأثرًا به، فزاد من احتضانه ومازحه قائلًا: خلاص يا أيوب، يا أخي قدر موقفي هغير عليك أنا من عمران ولا من سي يونس ده كمان!

تمردت ضحكة صاخبة منه، فلكزه سيف بمزحٍ: اضحك اضحك ما انتي خطابك كتير يا شابة!
ارتفعت صوت ضحكاته مجددًا وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا بقلة حيلة، تطلع سيف للرصيف البعيد عنهما وردد بدهشةٍ: مش ده آدهم!
استدروا معًا للسيارة التي تقترب منهما، فانخفض زجاج النافذة وأشار لهما آدهم بأن ينتظروه لحين أن يصف سيارته بچراچ المشفى ويعود إليهما.
غامت أعين سيف بشرودٍ فناداه أيوب باستغراب: روحت فين يا ابني!

وبسخرية استطرد: أيه غيران عليا من آدهم هو كمان؟!
قابله بنظرةٍ جادة للغاية وقال وهو يمسك يده كمن وجد المنقذ لعائقته: آدهم يا أيوب.
رمش بعدm استيعاب وقال: ماله آدهم؟
أوضح له بابتسامة واسعة: آدهم الاسم الحركي لعمر الرشيدي ظابط في المخابرات.

لوى شفتيه ساخطًا، وكأنه يخبره بما لا يعلمه، فاستكمل سيف: يا ابني افهمني، ابن عمك اتاخد من الأمن الوطني وانتوا بقالكم خمس سنين بتدورا عليه ومش عارفين توصلوا لحاجة، آدهم أو عمر الرشيدي يقدر بمنتهى السهولة يعرف طريقه!

اهداه لنظريته فتعلقت نظرات أيوب بآدهم الذي يقترب منهما على بعد مسافة منهما، فاستدار لسيف يحذره بصوتٍ منخفض: لا يا سيف أوعى تقوله حاجه، كفايا مشكلة آديرا اللي الكل بقى فيها معايا وأولهم آدهم اللي اداني شقته وواقف جنبي لحد دلوقتي. متقولوش حاجة من فضلك.
هز رأسه بتفهمٍ: زي ما تحب.
وقف أيوب جوار سيف ينتظرونه حتى قطع المسافة الطويلة ووصل إليهما، قائلًا ببسمته الجذابة: مساء الخير يا رجـ.ـا.لة.

أجابه سيف بابتسامة صغيرة: مساء الفل يا عريس، مبروك مقدmًا.
اتسعت ابتسامته وهو يجيبه: الله يبـ.ـارك فيك يا دكتور عقبالك.
رفع يديه يردد بمرح: اسمع منه بأقرب وقت يا رب قبل ما يوسف أخويا يفـ.ـضـ.ـحني في انجلترا كلها بدور الخاطبة اللي عايشيلي فيه ده.

ضحك آدهم وشاركه سيف الضحك بينما ظل أيوب مكفهر الملامح لا يرى أمامه سوى حديث سيف، يشعر بالقلق حيال ذلك الأمر، يعز عليه أن يكون مفتاح خلاص ابن عمه بيده ويعجز عن تقدmيه إليه، ولكنه لم يعتاد على أن يكون جشعًا بطلباته أو أن يستغل صداقاته لتحقيق ما يريد.

تفحصه آدهم بنظراتٍ غامضة، وقد أتت فرصته على طبقٍ من ذهب حينما دق هاتف سيف ولم يكن سوى يوسف يطالبه بالذهاب لأحد المطاعم واحضار بعض الشطائر والعصائر لإن الجراحة ستستغرق العديد من الساعات، فوضع الهاتف بجيب بنطاله الجينز وقال بتهكمٍ: لو عايزين تطلعوا اطلعوا أنا نص ساعة وراجع.
ألقى له آدهم مفاتيح سيارته وقال: خد عربيتي عشان ترجع بسرعة، احنا هنستناك هنا.

ابتسم له بامتنان واتجه لجراج المشفى يعتلي سيارة آدهم الذي ابتاعها منذ ساعات قليلة عوضًا عن سيارته القديمة التي لا تصلح سوى للبيع خردة.
أشار آدهم بيده لاحدى الاستراحات قائلًا: تعالى نقعد هناك عما يجي.
أومأ برأسه ولحق به، فجلس جواره صامتًا، شاردًا، والابتسامة الغامضة مازالت تزين فم آدهم إلى أن كـ.ـسر حاجز صمتهما قائلًا: قولي بقى أيه اللي سيف عايزاني أعرفه وإنت رفضت تقولهولي؟

جحظت أعين أيوب بصدmة، فاستدار إليه يمنحه نظرة مندهشة، إن تركه آدهم لدقيقة لظن بأن سيف قد هاتفه وأخبره ولكنه لم يتركهما معًا فكيف علم بذلك.
علي الأرجح بأنه قرأ ما يدور بعينيه فابتسم قائلًا: سيف مقاليش حاجة، أنا اللي قريت حركة شفايفكم وأنا بقرب منكم. وبصراحة فضولي جاني لما قريت إسمي اللي اتردد بينكم.
ودفع كتفه برفقٍ وهو يسأله باهتمامٍ: ها هتقولي؟

أخفض عينيه أرضًا بحرجٍ، والأخير يترجم كل حركةٍ ولو صغيرة تصدر عنه، فصاح بعصبية بالغة: جرى أيه يا أيوب إنت ليه محسسني إننا أول مرة نعرف بعض! أنا قولتلك ألف مرة انت زي أخويا الصغير لما تحتاج حاجة تقولي عليها على طول مش قاعد قدامي عامل شبه العيل الصغير اللي عملها على نفسه في أول يوم دراسي!
تطلع له أيوب بدهشة من تغيره المفاجئ، على ما يبدو بأن عمران الغرباوي ليس الوحيد بينهم الذي يحمل أعصابه على ريشة.

التقط آدهم نفسًا مطولًا وأطلقه هاتفًا برجاء: اتكلم بقى ومتعصبنيش أكتر من كده.
أجلى صوته بخشونة: ابن عمي مقبوض عليه من خمس سنين ومش عارفين ليه طريق، ولا عارفين هو عايش ولا مـ.ـيـ.ـت!
سأله باستفهامٍ: اتفبض عليه في أيه؟!

قابله بجلسته يخبره بحـ.ـز.نٍ عميق انتقل لآدهم تلقائيًا: بص يا آدهم والله العظيم أنا مبكدب عليك، ابن عمي ده مـ.ـيـ.ـتخيرش عني في شيء، شاب محترم ومتدين وفي حاله، اللي حصل ده أصلًا متلفقاله عشان يبعد عن مـ.ـر.اته ويطـ.ـلقها وده اللي حصل فعلًا مـ.ـر.اته من تاني شهر حبس ليه رفعت عليه قضية خلع وكسبتها واتجوزت الخـ.ـا.ين اللي حبسه.

حديثه كان مشتتًا و.جـ.ـعل الاخير غير ملم بالاحداث، فسأله بهدوء: تقصد إن اللي اتجوزته ده هو اللي اتسبب في سـ.ـجـ.ـن ابن عمك؟

هز رأسه يؤكد له ذلك، وقال باستفاضة: بص الموضوع ده قديم أوي، خديجة ساكنة عندنا في العماره اللي ورثها أبويا الشيخ مهران وعمي محمد الله يرحمه، فكانت شقتها في الدور الرابع بعد شقة يونس ابن عمي، الاتنين حبوا بعض من صغرهم وأبويا اتقدm بشكل رسمي لوالدتها عشان الكلام ميكترش في الحارة واحنا ناس متدينة، وقتها الست فوزية والدة خديجة اتكلمت مع عيلة جوزها على يونس وواحد من اعمامها اعترض، كان عايز يجوز خديجة لابنه عشان يضمن ان الاراضي الزراعية اللي ورثتها خديجة عن ابوها مترحش بعيد. عمل المستحيل هو وابنه عشان يوقف الجوازة دي بس معرفش.

وتابع بحـ.ـز.ن: كنا فاكرين ان بعد ما كتبوا الكتاب وفرحهم اتعمل إنهم هيتهدوا وهيسبوهم في حالهم، بس اللي حصل إن معتز ابن عمها وابوه حطوله في المحل بتاعه منشورات وأوراق تودي في داهية، وبلغوا عنه وآ...
هز آدهم رأسه واسترسل هو: اتهموه بأنه من الجماعة إياهم واللي زاد في الأمر أمر هو تدينه مش صح كده؟

حرك رأسه موافقًا لحديثه وقد تشكل الحـ.ـز.ن على معالمه بتأثرٍ، وقال: أبويا حزين وعاجز، بقاله خمس سنين بيروح من قسم لقسم وبيحاول يجيب أي وسطة، وبعد كل ده ميأسش مرة، عمي الله يرحمه كان عنده كانسر وقبل ما روحه تطلع للي خلقها وصى أبويا على ابنه الوحيد، وده أكتر شيء و.جـ.ـع أبويا حتى لو بيحاول يبنلي في التليفون إنه كويس بس أنا حاسس بيه وعارف هو حاسس بأيه بالوقت ده.

ابتسامة صغيرة شقت طريقها على ثغره، وقال بصوته الرخيم: إنت ووالدك عندكم استعداد تخسروا نفسكم قدام وعد وعدوته. كنت مستغرب إنت ازاي قابل تعرض نفسك لكل المخاطر دي عشان بـ.ـنت عبرانية بس دلوقتي عرفت إنك اتربيت على ايد انسان عظيم بيحترم الوعود وبيسعى ليها.

وربت على ساقه وهو يستطرد: اطمن يا أيوب. أنا نازل مصر الاسبوع اللي جاي أوعدك إني مش بس هوصل ليونس ابن عمك أنا هفتح قضيته من تاني وأنا بنفسي اللي هحقق فيها أنا وفريقي وهقدر بإذن الله أثبت برائته.
دنى منه متلهفًا: بجد يا آدهم؟
ابتسم وهو يردد بثقة: سيب الموضوع ده عليا واطمن مش هخذلك أبدًا. وإذا كان معتز ده اللي ورا الموضوع فأنا هوديه ورا الشمس هو واللي وراه. كله هيتحاسب وبالقانون!

اضطرت أسفًا للعودة لجناحها لتحضير ثيابها وأغراضها الشخصية بالحقيبة، وقفت فريدة مترددة على باب الجناح، حرمت على ذاتها الدخول إلى هنا بعد أن كشف لها أحمد حقيقة زوجها الشيطاني، والآن تعود إليه اجبـ.ـاريًا.

مررت باب الغرفة وولجت للداخل تحارب كل ذكرى مقززة تندفع إليها، تزاحم عقلها بتلك اللحظة حينما سُلطت عينيها على فراشها، فرأته ينهض عنها وهو يصيح بجمودٍ: «مش عارف أمته هتحسي بيا يا فريدة، انتي أيه لوح تلج! »
جملة اخرى لا تغيب عن ذكراها
«أنا بحاول أعمل كل شيء يرضيكِ ويسعدك بس الظاهر إنك عمرك ما حبتيني يا فريدة! ».

«عشان خاطري حسسيني إنك بتحبيني وعايزاني ولو لمرة واحدة يا فريدة، أنا لما بكون معاكي بكره نفسي لما بحسك بتنفري مني ومش طايقاني حتى لو لسانك منطقهاش كل حتة فيكِ بتقولها! ».

الآن ترى انعكاس لصورتها، دmـ.ـو.عها تحتضن وسادتها ويدها تضم الغطاء لجسدها المهتز من فرط احتباس البكاء، قلبها يتمزق ومازال يستغيث بمحبوبها، مذاق ذلك الألــم قـ.ـا.تل لدرجة جعلتها لا تريد أن تتذكره، فركضت بعيدًا عن مخضع تلك الذاكرة التي لا تحتوي معشوقها معها.
صعدت للطابق العلوي قاصدة غرفته، فتحتها وهي تناديه بهلعٍ، وكأن أحدًا يحجر ندائها عنه ليفرقهما من جديدٍ: أحمد!

لم تجده بفراشه مثلما تركته، فكاد أن يجن جنونها، عادت تصرخ مجددًا: أحمد!
ارتعب لسماع صوتها الباكي يناديه، فأغلق مياه الدُوش ولف من حوله المنشفة الكبيرة، خرج يهرول للخارج، فوجدها تناديه وهي ترتجف دون توقف، أسرع إليها يحاوط كتفيها باستغراب: فريدة!

التقطت أنفاسها على مهلٍ حينما رأته أمامها، وراحت تردد بتشتتٍ: شوفته تحت يا أحمد. كان بيلومني بمنتهى البجاحة، أنا كنت فاكرة إني هواجهه بمنتهى القوة بس محصلش يا أحمد. خــــوفت يفرقني عنك تاني. الو.جـ.ـع صعب ومستحيل هقدر أتحمله تاني. والله قلبي مش هيقدر يعيش الألــم ده مرة تانية، لو اتفرض عليا أعيشه هقــ,تــل نفسي!

انصدm من حالتها الغريبة، كانت تغفو جواره منذ قليلٍ ونهضت تخبره بأنها ستغتسل وستجهز حقيبتها الخاصة، تفاجئ بحالتها الغريبة تلك لمجرد دخولها للجناح!
حمد الله بأنهم سيغادرون هذا المنزل، فرؤيتها هكذا سيزيد فوق و.جـ.ـعه و.جـ.ـعًا لا يطاق، أفاق من شروده على توسلها المؤلم: متبعدش عني تاني يا أحمد. أرجوك متتخلاش عني!

ضمها إليه وهو يهدهدها كالطفلة الصغيرة، وردد بحبٍ: مالك بس يا حبيبتي؟ أيه جاب سيرة الفراق! بذمتك ينفع نتكلم عنه واحنا حاليًا بنأسس لحياتنا في مملكتنا الجديدة؟
ومرر يده على خصلات شعرها القصير وهو يخبرها: صدقيني لو أعرف إنك هتكوني بالحالة دي لمجرد دخولك الجناح مكنتش سبتك تدخليه من غيري.
وأبعدها وهو يخبرها بابتسامة جذابة: استنيني هنا هلبس هدومي وننزل مع بعض.

وبمرحٍ قال: ونشوف بقى شبح الأخ سالم ده هيطلعلك ازاي وحبيبك موجود ومعاه تعويذة العشق اللي هتحرق أعتى العفاريت والأشباح حتى لو كان مارد!
رحل عنها الاستياء وتمردت ابتسامة واسعة جعلته يبتسم بحبٍ، فانسحب يبدل ثيابه واتجه بها للأسفل يعاونها على حزم أمتعتها!

جلست على الفراش تراقب ما بيدها بوجهًا اصطبغ بحمرة الخجل، لا تعلم كيف فعلتها؟، فبعد أن انتهت من العمل صعدت برفقة مايسان بسيارتها، وتفاجئت لها تذهب لأحد محلات الملابس للسيدات، فاشترت لها قميصًا أبيض من الستان وصممت أن تقدmه لفاطمة التي رفضت وبشـ.ـدةٍ، ومع اصرارها أخذته منها ووقفت تراقبها وهي تشتري لنفسها من نفس المكان.

وضعته فاطمة لجوارها وهي تخبئ وجهها خلف يدها باحراجٍ، كيف ستفعل ذلك وهي لا تعلم كيف ستستقبل حالتها النفسية ما قد تخوضه برفقة علي، تخشى أن يزداد الأمر سوءًا فهي لا تحتمل أن تخوض حالة نفسية تزيد ما تواجهه، حتى وإن كانت على علم بأنه الوحيد القادر على التعامل مع حالتها.

تمكن منها الحـ.ـز.ن والضيق فبداخلها يرغب أن يمنح على حياة زوجية طبيعية مثل باقي الأزواج ورغمًا عنها تخشى خوض تلك التجربة التي قد تزيد من قسوة ما تحمله من ذكرياتٍ.
استدارت تجاه الفراش بعد أن اتخذت قرارها، فجذبت القميص واتجهت لحمام غرفتها تغتسل وقد عزمت أمرها بـ.ـارتدائه!

الساعات تمضي ومازال الشباب بأكملهم متراصون أمام غرفة الجراحه تاركين صبا تستريح بغرفة والدة جمال لحين خروجها، ومازال عمران ويوسف يلتصقون به على نفس الأريكة في محاولة لتخفيف حدة الأمور عنه، حتى أن يوسف أرغمه بتناول الطعام الذي أحضره سيف.
وعلى الأريكة الحديدية المقابلة لهم جلس على ولجواره آدهم، والأريكة المجاورة لهما حملت سيف وأيوب.

مرت عليهم ثلاثون دقيقة أخرى حتى خرج الأطباء تباعًا يُبشرونهم بنجاح الجراحه الحرجة، وأن الممرضات بالداخل يُهيئونها للخروج لغرفتها، أدmعت عين جمال فرحًا وأسرع يستقبل سرير والدته المتحرك بصدرٍ رحب ولجواره على الذي أشار له بضرورة التمهل بحركتها.

حمل عمران ويوسف طرف الغطاء وعلى وجمال فحملوها معًا لفراشها، وأسرعت صبا بتعديل ملابسها طابعه قبلة على جبينها ويدها، فهي لم تعاملها الا كأبنة وقد بادلتها الاخرى بأسمى معاملة الابنة للأم!
امتلأت الغرفة بالاطباء يعيدون توصيل الاجهزة إليها، ورفضوا وجود أحدًا بالغرفة لحين استقرار وضعها، فبقى جمال برفقتها وطلب منهم جميعًا بالانصراف فالوقت بات متاخرًا، وأمام اصراره رضخ الجميع.

اجتمعوا أمام بوابة المشفى يستعدون للرحيل، فمال يوسف على أذن آدهم يهمس له: حاول تبعد عمران وتلهيه شوية، محتاج أتكلم مع أيوب عن حالة آديرا ولو سمعني هيبهدلني أنا وهو.
ترددت عنه ضحكة رجولية مرحة، واكتفى بهزة رأسه، إتجه إليه يلف ذراعه حول كتفه يخبره بملامح جادة: عايزك يا عمران.
اتبعه عُمران ليميل على طرف الطريق في مقابلة الشباب بينما سحب يوسف أيوب جانبًا يسأله: طمني الجـ.ـر.ح عامل أيه؟

زوى حاجبيه باستغراب: جـ.ـر.ح أيه! آآه لو تقصد جـ.ـر.ح آديرا فأنا معرفش مشوفتهاش غير امبـ.ـارح وأنا بوصلها لأوضتها.
ازدادت دهشة يوسف، فتجعد جبينه وصاح به: أيوب إنت بتهزر مش كده!
وجذبه إليه يعاتبه بصدmة: أوعى تكون بتنفذ كلام عمران وبتتجنبها وهي بالحالة دي! يا ابني جـ.ـر.ح بطنها خطير وكتفها متصاب لازم تأخد ادويتها في مواعدها، إنت عايز تمـ.ـو.تها جوه بيتك وتجيب لنفسك المشاكل!

شعر بتأنيب الضمير، لم يكن يومًا من هؤلاء القاسية قلوبهم حتى يفعل ذلك بها، هو الوحيد الذي يحمل ذاك السر الخفي الذي تركه له صديقه الراحل، هو الوحيد الذي يعلم جنسية آديرا وقصتها المجهولة عن الجميع حتى عن عمها، فلا يملك حق القسوة على تلك الفتاة بأي شكل من الأشكال، يعلم بأنه سيعاني ليجعلها تفق على حقيقتها ولكنه لطالما كان صبورًا معطئًا.

ترى ماذا فعلت طيلة اليوم وهي بمفردها، اصابة بطنها وكتفها ستعجزها عن الحركة بالتأكيد فهل تمكنت من تناول طعامها وأدويتها؟
تركه أيوب وهرول لأول سيارة أجرة، أوقفها وصعد بها أمام أعين يوسف الحانقة، وسيف الذي استمع الحوار المتبادل بينه وبين أخيه.

حاور آدهم عمران بعدة أحاديث وعينيه تتابع يوسف كالصقر، وحينما اهتدت لرمادية عمران وجده يمنحه نظرة ساخرة انهاها بقوله الجريء: مالوش لازمة تعمل الحوار الفاكس ده علشان تطرقني، ما أنا عارف إن يوسف هيعمل تحقيقه الطبي مع أيوب فميستهبلش بروح أمه على المسا!
ضحك آدهم وردد مازحًا: طيب أيه اللي مضايقك بالظبط إنه قدر يقوله الكلمتين ولا انك وقفت معايا الكام دقيقة دول!

ابتسم وهو يغمز له بمشاكسة: أنا أقف معاك من غير أي حاجة يا باشا.
تلاشت ابتسامة آدهم بشكلٍ مقبض حينما وجد انعكاس ضوءًا أحمر يحيط بكتف عمران، فعلي الفور سحبه للأسفل وهو يصـ.ـر.خ بفزع: حاسب يا عمران!
انطلقت الطلقة النارية مستهدفة قلب غريمها، على أخر لحظة انتشلها بها آدهم لتلتصق الطلقة النارية بسيارة عمران مسببة انهيار لزجاج النافذة.

صعق الشباب الثلاث وكان أولهم بالاستيعاب على الذي هرول تجاه أخيه صارخًا بهلع: عُمرااان!
ومن خلفه ركض سيف ويوسف يحيطان بمن يجلس أرضًا جوار آدهم الذي يحاول الوصول لذاك المسلح فصاح إليهم محذرًا: محدش يقرب. ابعدوا.
وجذبهم جانبًا حتى اكتشف أمره فترك المسلح محله ولاذ بالفرار، انتصبوا جميعًا بوقفتهم فأسرع على لأخيه يسأله بلهفة: حصلك حاجة؟ وريني.

بحث بجسده والاخير يتمسك به بشفقة: على أنا كويس متخافش الرصاصة مصابتنيش آدهم شـ.ـدني.
ضمه على إليه بكل قوته بينما صاح يوسف بصدmة: مين ده وعايز يقــ,تــلك ليه يا عمران؟!
هز كتفيه باهمالٍ، فسأله آدهم بتخمين: إنت ليك عداوة مع حد.

أجابه وهو ينظم أنفاسه المتـ.ـو.ترة: أنا رجل أعمال يا آدهم، رصيدي في البنوك بيزيد مع الوقت وشغلي بيزيد بشكل يخليني عندي أعداء بعدد شعر رأسي، بس الجدير بالذكر إننا كلنا بـ.ـنتنافس بشرف في السوق، اللي يقدر يقدm جودة وسعر أفضل فمسبقش اني اتعرضت ولا مرة لمحاولة قــ,تــل.
تساءل سيف بدهشة: لو مش حد من شغلك أمال مين؟!
أجابه وهو يزيح جاكيته وجرفاته باختناق: أكيد الكـ.ـلـ.ـب اللي ييهدد زينب.

واتجه برأسه لاخيه يهتف: بعد رسالة امبـ.ـارح اللي وصلتله وده كان رده.
ردد آدهم بحيطةٍ: مهما كان اللي بينكم مدام لجئ للسلاح يبقى الشخص ده مش عادي ولازم تحذر منه يا عمران، عملها مرة مش هيتردد يعملها مرة تانية خد بالك.
ارتاب سيف لأمره الغامض، فقال بقلق: اذا كان ده رده عليك يا عمران هيكون رده أيه على زينب! الشخص ده مجرم خطير يا على لازم تخلوا بالكم.

استند على جسد السيارة وردد بتمعن: احنا استهونا بيه ولازم نرتبهاله صح!
وصل أيوب لشقة آدهم بوقتٍ قصير، هرول للداخل قاصدًا غرفتها، طرق على بابها وهو يناديها بقلقٍ زرعه يوسف داخله: آديرا!
لم يأتيه ردها فعاد يكرر ندائه مضيفًا: آديرا. هل أنتِ على ما يرام؟
وحينما لم يأتيه أي رد قال: سأدخل للغرفة الآن.

وبالفعل حرر مقبض الباب وولج للداخل يبحث عنها، فصعق حينما وجدها ملقاة أرضًا جوار الفراش فاقدة للوعي، وبقع الدmاء تحيط بطنها وكتفها.
أسرع إليها ينحني ويرفع جسدها إليه وهو يحركها بصدmة: آديرا ما بكِ؟
فتحت جفونها الثقيلة ببطءٍ فتمكن من رؤية التورم المحيط بهما من أثر البكاء، وبصوتها المبحوح همست: أيها الإرهابي هل تنتوي قــ,تــلي؟

وانهمرت دmـ.ـو.عها تلك المرة وهي تخبره بلومٍ: تركتني دون طعامًا أو ماءًا أتناول به دوائي وأنا عاجزة عن النهوض للبحث بالخارج، إن كنت تنفر مني لهذا الحد لما لم تتركني ألقى حتفي أمام باب منزل صديقك!
وأغلقت عينيها تستسلم للظلام مجددًا وهي تستكمل بعتابها: حتى الهاتف لم تتركه لي فكيف سأصل لك ولست أملكه!

وعادت تهسهس بكلمة أخيرة أضحكته رغمًا عنه: أيها الإرهابي أرجو منك أن لا تخبر صديقك المتوحش بأنني نعتك بها والا سينحر عنقي المسكين!
ساندها أيوب للفراش وجذب هاتفه يرسل برسالة ليوسف ببقع الدmاء المحيطة لكتفها وجـ.ـر.ح بطنها فأرسل له رسالة قصيرة
«غيرلها على الجروح وعقهما بسرعة قبل ما تلتهب ومتنساش الادوية مهمة جدًا لان فيها مسكنات شـ.ـديدة».

برق بفيروزته بصدmة مما طُلب منه، فخرج للمرحاض يبحث به عن عدة الاسعافات الأولية، حملها وعاد لغرفتها.
وقف أيوب قبالة فراشها يوزع نظراته بين العُلبة التي يحملها وبين بقع الدmاء المحيطة بأماكن جروحها، فجلس على الفراش يردد بـ.ـارتباكٍ: هعملها ازاي دي بس! ده عمران لو شم خبر مش بعيد يلفني في علبة هدايا ويبعتني مصر للشيخ مهران باعتراف بخط ايدي!

وعاد يتطلع لها وهي غائبة الوعي، فزفر هاتفًا بحنقٍ: وبعدين بقاا هعمل أيه؟!
أزاح عنها كنزتها برفقٍ، ويدها تتشبث بكتفيه تكبت صرخاتها، دmـ.ـو.عها تنهمر دون توقف، فهمس لها بصوته الحنون: تحملي قليلًا. سأنتهي سريعًا أعدك بأن ذلك لن يـ.ـؤ.لمك.
هزت آديرا رأسها إليه، ما تجهله هي بأنها أصبحت تكن له ثقة لم تضعها يومًا بعمها المخيف هذا، حمل أيوب القطنة البيضاء وغمسها بالمطهر ومن ثم مررها على جـ.ـر.حها برفقٍ، غمست أظافرها بكتفه وهي تصرخ ألــمًا.

أغلق فيروزته يحتمل إلتحام أظافرها الحادة بلحم كتفه مسببة له إصابة دامية، وكأنه تود أن يشاركها ألــمها، احتمل واستكمل ما يفعله حتى عقم جـ.ـر.ح كتفها الأيسر وفور أن انتهى وضع اللاصق الطبي ليضمن نظافة الجروح وعدm تلوثها.

جذب أيوب كنزتها الملقاة أرضًا ثم عاونها على ارتدائها مرة أخرى، وحملها للفراش لتحصل على راحة أكبر من بقائها على هذا المقعد، استدار ليغادر المطبخ فاعتدلت آديرا سريعًا حينما لاحظت بقع الدmاء الخافتة المحيطة بكتف أيوب من الخلف، ما أحدثته أظافرها الحادة كان محرجًا لها للغاية، فنادته على استحياءٍ: أيوب.
توقف عن استكمال طريقه واستدار لها فقالت بحـ.ـز.نٍ: آسفة لم أقصد أن أؤلمك.

خـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة لكتفه ثم قال وعينيه تتحاشى التطلع لها: لا عليكِ. أنا بخير.
وترك الغرفة وإتجه للمطبخ يعد لها عشاءًا سريعًا، فجذب الشطائر ومرر عليها بالسكين الجُبن وصنع لها كوبًا من الحليب ومن ثم عاد إليها يضع الصينية على الكومود ومن جوارها الأدوية والمياه قائلًا: تناولي طعامك ولا تنسي الدواء.

جذبت الصينية إليها تلتهم ما بها بنهمٍ جعله يشعر بتأنيب الضمير، غادر أيوب غرفته وإتجه لحمامه الخاص يغتسل ومن ثم فرض سجادته وأدى صلاته بخشوعٍ تام، وحينما انهاها جلس أرضًا منهمكًا، وكل ما يجوب خاطره أخر كلمـ.ـا.ت تركها له صديقه، السر الذي وضعه بين صدره وتركه ورحل بمنتهى البساطة!

زحف بجسده حتى وصل لخزانة صغيرة موضوعة بالغرفة، جذب منها حقيبته التي يرتديها على ظهره حينما يذهب للجامعة، فتحها أيوب وأخرج منها ذاك الدفتر المدفون بكتاب صديقه الخاص وأخر ما يتردد له سماع صوته ووصيته.

«أيوب حينما تشعر بأن آديرا قادرة على تقبل الحقيقة التي أخبرتك بها فسلمها ذلك الدفتر، وحينها سيكون أمامها خياران، أما أن تظل مستعمرة من قبل ذلك النَّجِسُ، وأما أن تسلك الطريق الذي سلكته أنا لألحق بمن ضحت بكل شيء لأجلي ولأجلها! ».

تشنجت يده على ما يحمله حينما فُتح الباب من أمامه وطلت آديرا منه، فدث أيوب الدفتر العتيق داخل الكتاب الخاص بصديقه وأعاده للحقيبة، بينما وضعت آديرا الصينية المتبقية بالطعام جانبًا وخطت إليه بخطواتٍ متهدجة تحتمل بها آلآم جسدها هاتفة بصوتٍ باكي: الكتاب الذي كنت تحمله يخص أخي! لطالما رأيته معه، أنا أريده من فضلك!
أعاد أيوب الحقيبة للخزانة وأغلقها مرددًا: ليس الآن.

استندت على الحائط واقتربت منه تتوسل إليه ببكاء: أرجوك أنا أريده. كان أخي يكتب به باستمرار، لعله ترك لي رسالة أو أي شيء!
استدار إليها يخبرها بهدوءٍ: سأعيده لكِ بالوقت المناسب. أعدك.
استسلمت أمام اصراره وهي تعلم بأنه لن يفعل الا ما يريد، فاستدارت لتغادر فإذا بها تحيط بالفراش بتعبٍ، دفعه ليمسك يدها، وعاتبها بضيق: ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟

رفعت رأسها إليه وهي ترى النفور والرفض بملامسته لها باديًا بعينيه، رجفة يده التي تساندها كلما اقترب كانت تؤلمها، وأكثر ما يوجـ.ـعها بأنها كانت تشعر بأنه مجبورًا على مساعدتها.
انهمرت دmـ.ـو.عها تباعًا وسحبت كفها عن يده وهي تستند على الحائط قائلة: رأيتك تدخل الغرفة دون أن تتناول طعامك فجيئتك ببعض الشطائر، ولكني سأخرج الآن وأعدك بأنني لن أزعجك أبدًا.

تعلقت بالحائط وتحركت لتعود لغرفتها فكادت بالسقوط لترنح خطاها، حاصر خصرها بذراعه يمنعها من السقوط، وقال: دعيني أساعدك. تحملك على جـ.ـر.حك سيـ.ـؤ.لمك بالتأكيد.
ابعدته مجددًا وحاولت بمفردها وهي تهتف باكية: ابتعد فحسب، أنا مستعدة لتحمل الألــم أهون من رؤيتك تنفر مني لتلك الدرجة.
تركته خلفها مشـ.ـدوهًا، شاردًا بكلمـ.ـا.تها وحـ.ـز.نها البادي على ملامح وجهها الأبيض، فأدركها تغادر الآن غرفته وتستند لتصل لغرفتها.

أسرع أيوب للخزانة، يجذب حقيبته مجددًا والتقط منها عُلبة قطيفة من اللون الأزرق، حملها وأسرع خلفها يوقفها: انتظري.
توقفت عن استكمال طريقها دون أن تلتفت إليه، فقال من خلفها: ألا تريدين الاحتفاظ بشيءٍ يُذكرك بأخيكِ؟
استدارت له بلهفةٍ، ورددت بسعادة: نعم بالطبع أريد ذلك.

قدm لها أيوب العُلبة، فاسندت جسدها للحائط ومدت يدها تلتقط العُلبة وتفتحها بتلهفٍ كبير، وجدت داخلها سلسال فضي اللون، ينتهي بزخرفة على شكل كلمة فشلت بالتعرف عليها، رفعتها إليها تلامس الكلمة باستغراب زوى تجاعيد جبينها وأيوب يتابعها باهتمامٍ، فتقابلت عينيها به وسألته بحيرة: بأي لغة كتبت تلك الكلمة؟
ابتسم وهو يجيبها: العربية.

رمشت بأهدابها الطويلة بدهشةٍ، فلماذا يترك لها أخيها كلمة عربية هل هي سرية ليجعلها مشفرة صعبة الفهم عليها، فماذا يقصد بكل ذلك؟
اهتدت برأسها لجنسية أيوب العربية، وسألته بنبرة رقيقة: هل تعرف تلك الكلمة؟
هز رأسه ببطءٍ، فقالت: أخبرني بها.
تمعن بالسلسال لثانيةٍ ثم قال لها: س، د، ن...
وبعد أن لفظ حروفها بالانجليزية نطقها لها بالعربية: سدن.
رددتها من خلفه بحروفٍ منكـ.ـسرة، تجاهد لنطقها صحيحًا: سداان، سن، سدن!

ابتسم وهو يراها تحاول جاهدة نطق الاسم الذي تجهل بأنه اسمها الحقيقي، ومع ذلك حافظ على جموده واتزان قامته قبالتها، ليستقبل سؤالها القادm: وما معناه؟
سحب نفسًا مطولًا وهو يخبرها بصدmة ستستقبلها الآن: إسمًا معناه خادmة الكعبة الشريفة.

ضيقت عينيها بعدm فهم لما قال، فاستفاض يخبرها: الكعبة المشرفة هي قبلة المسلمين في صلواتهم، وحولها يطوفون أثناء أداء فريضة الحج، كما أنها أول بيت يوضع في الأرض وفق المُعتقد الإسلامي، ومن مسمياتها أيضاً البيت الحـ.ـر.ام، وسمـ.ـيـ.ـت بذلك لأن الله حرم القتال فيها، ويعتبرها المسلمون أقدس مكان على وجه الأرض، فقد جاء في القرآن الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم.

?إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ 96?
صدق الله العظيم.
سرت رعشة مخيفة بجسدها وبدأت معالمها تنكمش بانزعاجٍ، فصاحت بانفعالٍ ظاهري: ولماذا قد يترك لي أخي شيئًا كذلك!
ادعى برائته الكاذبة ورفع كتفيه بحيرة: لا أعلم.
وبخبثٍ ماكر قال وهو يمد يده لينتشلها منها: إن كنتِ لا تودين الاحتفاظ بها لا بأس سأعديها للحقيبة مجددًا.

أغلقت عليها يدها وكأنه سيتنزع روحها منها، أخر ذكرى تركها أخيها تعني لها الكثير ولن يستطيع أن يأخذه منها: لا. سأحتفظ بها.
ووضعتها حول رقبتها أمامه فابتسم أيوب وتنهد براحةٍ، وحينما وجدها تستدير إليه رسم الثبات والهدوء فقالت: لعله كتب شيئًا بمذكراته يخص السلسال، فلتقدmه لي لأرى!

ابتسم على مكرها ومحاولتها لاستمالته لطلبها المتكرر، فقال بحزمٍ تحرر بخشونة صوته: انتهينا آديرا. أخبرتك بأنك ستحصلين عليها بالوقت المناسب. والآن غادري لفراشك واستريحي.

وتركها وغادر لغرفته يغلقها من خلفه ويتجه لفراشه يجذب كيسًا من البسكويت يتناوله ليسد جوعه، متجاهلًا طعامها الموضوع لجواره، يمـ.ـو.ت جوعًا ولا يمس طعامًا لمسته يدها، نعم يفعل ما يضطر لفعله ولكن إن تركت طريقها هذا ربما حينها سيتبدد داخله ظاهرة الاشمئزاز التي تنتابه دون ارادة منه!
طرق باب الغرفة قبل أن يطل بوجهه من خلفه متسائلًا ببسمة جذابة: حبيبة قلب أخوها صاحية ولا نايمة؟

اعتدلت شمس بفراشها وهي تخبره ببسمتها الساحرة: صاحية يا دكتور. اتفضل.
ولج على للداخل يستند على خزانتها الوردية وهو يمنحها نظرة حنونة، تتشبع من معالمها وكأنها ستفارقه غدًا.
وضعت شمس حاسوبها وكتبها على الكومود واعتدلت بجلستها تتساءل بدهشة: في حاجة يا علي؟

ربع يديه أمام صدره الصلب وأجابها: بحاول أشبع منك. مهو انتِ هتفارقيني مرتين مرة بعد كتب كتابك ومرة تانية بعد فرحك. بالمناسبة أنا اديت لآدهم جواز سفرك علشان يحجز تذاكر السفر للقاهرة الاسبوع اللي جاي، أنا كمان نازل بعدكم بيومين فربنا يصبرني بقى لحد ما أجيلك. ورجوعنا هيكون مع بعض لحد ما تمتحني وننزل كلنا عشان الفرح.

ابتسامة مشرقة اتسعت على ثغرها وهي تتخيل مرورها بكل تلك الاحداث مع حبيبها الذي احتل كل ذرة داخلها، وتمكن أخيها من رؤية حبه الذي فاق حد النخاع، فتنحنح ليجعلها تنتبه إليه، فقال: نامي بدري علشان آدهم هيجي ياخدك الصبح يجيبلك فستان كتب الكتاب.
وقبل أن تتفوه بحرف رفع يديه باستسلام: قولتله إن مفيش داعي بس هو اللي مُصر. هيكون عندك على عشرة الصبح.

واقترب إليها ينحني طابعًا قبلة عميقة على جبينها قائلًا: ربنا يفرحك باللي اختاره قلبك يا روح قلبي، متسهريش كتير نامي وارتاحي.
وتركها وأغلق بابها وهو يهتف: تصبحي على خير.
غادر على وتمددت هي على الفراش تحتضن ذاتها بفرحةٍ، ومن ثم نهضت ترفع جسدها وتقفز على الفراش مرددة بحماسٍ: هشوفه بكره!

انتظرته كثيرًا وقد تأخر الوقت، شيئًا ما بداخلها يخبرها بأنه ليس على ما يرام، جذبت مايا اسدالها ترتديه واضعة حجابها على شعرها الطويل بإهمالٍ، فصادف أن لحظة خروجها من الغرفة هي ذاتها اللحظة التي وطأت بها قدm عمران أخر درجات الدرج، فابتسمت فور أن رأته، أما هو فهاجمه شعورًا غريبًا ما بين الاشتياق إليها والخــــوف من فكرة خسارتها الأبدية.

ماذا إن لم ينقذه آدهم من مقتبل تلك الرصاصة؟ ماذا إن تمكن منه شبح المـ.ـو.ت فقبض روحه وغادر تلك الحياة؟ بالطبع كان سيفتقدها كثيرًا بل أكثر مما يتخيل، أسرع إليها عُمران يقطع تلك المسافة المتبقية بينهما وبحركةٍ واحدة ضمها إليه، يدفن رأسه بخصلاتها المنسدلة من خلفها.

قدmيه تتحرك بها للخلف حتى ولج بها لداخل غرفتهما فأغلق بابها من خلفهما، يتجه للفراش بها ومازالت رأسه تميل على كتفيها، رفعت مايا يديها تحتضنه وسألته بقلقٍ: عمران مالك؟
ذراعيه القويتيان يُحاوطانها بشـ.ـدةٍ، فألتمست حاجته لوجودها بالقرب منه، مسدت على ظهره بحنانٍ، فأحكم من عناقه وهمس في أذنها: متبعديش عني خليكِ جنبي، حُضنك بيريحني يا مايا!

قالها وهو يجذبها لصدره بقوةٍ ومال بها للفراش غير عابئ بحذائه وملابسه، أغلق عمران عينيه باستسلامٍ للنوم فتسللت عنه ونهضت تنزع عنه حذائه، وجذبت الغطاء تداثره بقلقٍ يعتريها تجاهه.
تمددت جواره واستندت برأسها على صدره تردد وعينيها تتأمل ملامح وجهه الرجولية: لأخر يوم في عمري هكون جنبك ومش هسيبك يا عُمران!

دخل غرفته وهو ينزع جاكيته وجرفاته باختناقٍ، خـ.ـطـ.ـف نظرة للفراش فوجده مرتبًا، اندهش على لعدm وجود زوجته فاتجه للحمام يتفحصه وناداها بقلقٍ: فطيمة!
فركت أصابعها بـ.ـارتباكٍ وتمتمت بخفوتٍ وهي تختبئ بالخزانة: أيه اللي خلاني أمشي ورا كلام مايا وألبس اللبس المحرج ده. أروح فين دلوقتي يا ربي!

أسرعت للجزء الخاص بملابسها تبحث عن مئزر لترتديه فطرقت على جبهتها بتذكرٍ: أنا لمـ.ـيـ.ـت هدومي كلها وبعتها مع حاجة فريدة هانم بالعربية أيه الغباء ده!
جابت عينيها خزانة على فوجدته يحتفظ ببذلة واحدة تركها ليرتديها بالغد وهو يستعد للذهاب للمركز الطبي، جذبت فاطمة جاكيت الحلى وإرتدته سريعًا، في نفس لحظة اقتحامه للخزانة فردد بلهفة: انتي هنا يا فاطيما وأنا آ...

ابتلع باقي كلمـ.ـا.ته حينما وجدها تقف قبالته بجاكيت تحاول اخفاء قميصها الأبيض الظاهر من خلفه عنه، كونها أردت أن ترتدي ثيابًا تريح نومها وإن كانت مغرية هكذا جعلته سعيدًا.
طال صمته ومازال يتطلع لها، فتنحنح وهو يستعيد صوته الهارب: إنتِ بتعملي أيه عندك؟

توزعت نظراتها لكل مكانٍ بالخزانة الا عينيه، فحك أنفه وهو يخفي ابتسامته لرؤيتها مرتبكة، خجولة أمامه هكذا، رنا إليها علي يجذبها بيده لتقترب منه وانحنى ليصل لقامتها الصغيرة، هامسًا بمكرٍ: لابسة جاكت البدالة بتاعتي ليه يا فطيمة؟
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ وقد تلون وجهها كحبات الكريز، فتلعثم قولها: بردانة.
ضيق رماديته بشكٍ، ولكنه أراد أن يمشي بكل خطواتها فقال: أفتحلك الدفاية؟

هزت رأسها تشير بالنفي، فمال عليها يخبرها: رجعتي في قرارك ليه؟ أنا مستهلش إنك تثقي فيا يا فاطمة؟
تعانقت المُقل ببعضها البعض، فسرى إليها رعشة احتلت وجدانها، فأجلت أحبالها الصوتية: أنا بحاول عشانك يا علي.
اتسعت بسمته وجذبها لصدره يهمس بحبٍ: وده كافي بالنسبالي يا روح علي!

تمسكت به وسحبت نفسًا مطولًا من رائحته، كأنها باتت بآدmانه كالمـ.ـخـ.ـد.ر، وقالت على استحياءٍ: ليه ازازة البرفان اللي بتحط منها مبتبقاش بنفس الريحة اللي بشمها أول ما بقربلك!
ضحك مصدرًا صوتًا وقال: لإني مش بحط من نوع واحد يا فاطمة.
وأحاطها بقوةٍ وردد لها بصوتٍ مبحوح تأثرًا بعاطفته: قولتلك كل ما تحبي تشمي البرفيوم بتاعي احـ.ـضـ.ـنيني أنا!

رفع ذقنها إليه ليقابل عينيها، وقال بمكرٍ: على فكرة أنا كمان بحب ريحة الشاور بتاعك بس بحاول على قد ما أقدر مبينلكيش عشان متفكرنيش برمي كلام للقرب فتغيريه!
جابهته بنظرة قوية وثبات فجأه: ما أنا عارفة عشان كده بأخد دُوش بيه دايمًا.
رفع حاجبه باستنكارٍ، فتعالت ضحكاتها بانتصارٍ تحققه عليه، لانت تعابير وجهه المشـ.ـدود وهو يراقب ضحكتها التي زادت من جمالها جمالًا، أصبحت كالفتنة التي تستنزف كل قوة داخله للصمود.

وجدته هائمًا بها فتوقفت عن الضحك وقابلته بنظرةٍ عاشقة، رفع على يده يحيط خدها وبحبٍ قال: ضحكتك تجنن! ابتسامتك تغوي القديس!
ودنى إليها يستند على جبينها وهو يستطرد بهمسٍ: وأنا بني آدm بيتمنى قربك يا فاطيما.
أغلقت عينيها بقوةٍ حينما سبقها على درب الغرام يطالبها بتتبعه، فحاولت أن تسرع بخطاها لتتمسك بيده، وجدته ينزع عنها جاكيته فتركته وهي تكاد تقــ,تــل من فرط الخجل.

حملها على للفراش، وتمدد جوارها متعمدًا أن يصل عينيه بعينيها، يحاول أن يجعلها ترى نظرات العشق الخامدة داخله، أصابعها تنغمس بين أصابع يدها، عاطفته توازيها فلم يسبقها بخطوةٍ لم تستعد لها بعد!

كان عطوفًا لينًا للغاية، يبرع بقراءة تعابير وجهها باهتمامٍ حتى إذا شعر بأي شيء يبتعد، يخشى أن تنتابها نوبة قـ.ـا.تلة وهي بين ذراعيه يقسم أنه إذا حدث حينها لن يسامح ذاته أبدًا، ولكنه يعلم بأنها مثله تريد أن تجمعهما علاقة عادية مثل أي زوجًا وزوجة، وكونه الرجل عليه أن يسبق بخطوته تجاهها، وكونه طبيبًا يعلم خطورة ما يقدm على فعله ولكنه يتمنى أن شهور علاجه لها تجني ثمارها، نجاح علاقتهما سيحقق نجاحه كطبيبٍ خاض مرحلة علاج كانت شبه مستحيلة.

تشنج جسدها بين يديه جعله يهمس لها بعشقٍ: بحبك يا فاطمة، بحبك!
استرخت وعينيها المترقرقة بالدmـ.ـو.ع تنـ.ـد.مج بنظرة عينيه الدافئة، وحينما وجدته يبتعد ليتركها وضعت يدها على صدره مستهدفة موضع قلبه، فابتسم وهو يتمم زواجه بها فعليًا وقولًا حتى باتت زوجة له بعد معاناة قضتها وقضاها هو برفقتها!

صمت الليل وتخفى بظلامه خشية من ضوء الشمس النافذ، تململت بفراشها بانزعاجٍ من صوت منبه الهاتف الذي أعدته للاستعداد للذهاب للعمل، فتحت عينيها فوجدته يغفو قبالتها ويده تحيطها بتملكٍ، ابتسمت فاطمة وهي تتأمله بحبٍ لدرجة جعلتها تتناسى كل شيءٍ، إلى أن استقبل هاتفها رسالة من مايا، فتحتها
«صباح الخير يا طمطم. يلا استعدي ربع ساعة وهنزل. »
برقت وهي تهمس بصدmة: هتأخر من تاني يوم!

أبعدت الغطاء عنها وهرعت لحمام الغرفة تغتسل وفور أن انتهت طرقت على جبهتها وهي تصيح بانفعال: نسيت أخد لبس معايا، أنا مالي كده!
قضمت أظافرها بعنفٍ، واتجهت تفتح باب الحمام، تتطلع تجاه الفراش فوجدته مازال يغفو بعمقٍ، نادته بخفوتٍ: علي، علي!
اعتدل بنومته على ظهره وفتح عينيه يردد بنوم: صباح الخير يا حبيبتي.

اندهش حينما لم يجدها جواره فاتجه ببصره للحمام فوجدها تختبئ وتخبره بصوت احتقن بخجلٍ قـ.ـا.تلٍ: معلش ممكن تفتح الشنطة اللي عندك وتخرجلي منها هدوم مناسبة للشركة، أنا اتاخرت ومايا بعتتلي.
منحها ابتسامة جذابة ونهض يتجه للحقيبة قائلًا: انتِ تؤمري أمر حبيبتي.

رفع الحقيبة يفتحها، بحث بين محتوياتها حتى انتقى بذلة نسائية من اللون البني، وسحب أغراضها الشخصية ثم اتجه إليها يقدm لها ما بيده، فقالت من خلف الباب: علي.
طرق على الباب باستغراب: أنا هنا يا فطيمة. افتحي خدي اللبس!
بحرجٍ عظيمٍ قالت: ممكن تغمض عينك؟
تمردت ضحكاته وبصعوبة يقمعها حتى لا يخجلها، فأغلق عينيه وقال: حصل.

اشرأبت من خلف الباب تتأكد من أنه يغلقها بالتأكيد وسحبت ما بيده وأسرعت بغلق الباب بوجهه بعنفٍ، فلم يقوى بالسيطرة على ضحكاته التي انفجرت فجأة مرددًا باستنكارٍ: حبك أيه في قفل الأبواب بوشي همـ.ـو.ت وأعرف!

واتجه لخزانته يجذب بذلته الوحيدة المتبقية، انحنى يلتقط جاكيتها الملقي أرضًا فعادت إليها ذكريات ليلة الأمس، ابتسم على ورفع جاكيته إليه يقربه لأنفه، أغلق عينيه بتلذذٍ حينما تركت رائحتها المنعشة أثرًا عليه.
خرج للغرفة ينتظر خروجها ليغتسل ويستعد ليومه المجهد، فما أن خرجت حتى ردد بانبهارٍ: ما شاء الله يا فطيمة زي القمر.

ارتبكت قبالته فأسرعت بلف حجابها واتجهت لباب الغرفة تهتف بتلعثمٍ مضحك: اتاخرت، أنا معرفش مكان الشركة، عمران ومايا هيمشوا ويسبوني. عملت المنبه بس انشغلت بيك ونسيت معاد الشركة.
لطـ.ـمـ.ـت شفتيها برفقٍ وهي تصيح بعدm تصديق: أيه اللي أنا بقوله ده!

ألقت كلمتها وهرولت راكضًا من أمامه فضحك من أعماق قلبه على ارتباكها البادي أمامه، فاتبعها حتى وصل لدربزاين الدرج يتأملها وهي تركض للأسفل بنظرات حالمة، رؤيتها اليوم بتلك الحيوية والنشاط يزيد من سعادته باتخاذ عمران قرار عملها، وحينما كان شاردًا أتاه صوتًا ذكوريًا من خلفه يردد
بقالي قرن معاك جوه البيت ده وأول مرة في حياتي أشوفك من غير قميص! بس تصدق طلع عندك عضلات بالرغم من إنك كسول ومبتلعبش رياضة!

استدار على للخلف فوجد عمران قبالته يتمعن به وكأنه لوحة فنية عرضت على أحد الحوائط، انتبه لكلمـ.ـا.ته فتطلع لذاته بدهشةٍ، كيف اتبعها للخارج دون أن يعي بأنه لا يرتدي سوى بنطاله الأسود.
أسرع على لغرفته بحرجٍ، ليس هو ذلك الفتى الجريء الذي يستعرض جسده طوال الوقت، حتى حينما يغفو لا يستغنى عن ملابسه العلوية تحسبًا لدخول شقيقته أو والدته أو حتى أخيه.

تعالت ضحكات عمران المشاكسة، فاتبعه وهو يصيح ساخرًا: بتخزى من أخوك يا دكتور!
أغلق على باب غرفته بوجهه وصاح به: وصل شمس لآدهم تحت وبطل وقاحة على الصبح يا عُمران!
اتسعت ابتسامته واتجه لغرفة شقيقته، طرق بابها وولج فصعق حينما وجد الغرفة بأكملها عبـ.ـارة عن مجموعة من الأَحْجِبَة والاسكارف، ومن بين تلك الفوضى تظهر شمس بالكد وهي تعقد الحجاب من حول رقبتها بقوة جعلتها تسعل بقوةٍ وتجاهد لالتقاط أنفاسها.

ركض عمران إليها يبعد عنها الحجاب من حولها وهو يصيح بدهشة: يخربيتك عايزة تنتحري يا بت!
التقطت أنفاسها اللاهثة وهي تجيبه بصعوبة: وحياتك أبدًا يا عمران. بحاول أتحجب بس الطرحة مش راضية تثبت!
جحظت عينيه صدmة، فوزع نظراته بين لبسها المحتشم والحجاب القابع بين يده ثم ردد بسخرية: بركاتك يا سيادة الرائد!

وتنحنح بخشونة يخبرها: وماله ده شيء يسعدنا كلنا بس إلبسي بعقل بذمتك عمرك شوفتي واحدة بتلف الحجاب حولين رقبتها شبه اللي لافة حبل المشنقة كده!
هزت رأسها بنفي، واتجهت للفراش تجلس عليه بـ.ـارهاق: هعمل أيه بحاول وفشلت.
وضع حقيبته الصغيرة على السراحة، وجاب الغرفة بعينيه حتى سقطت نظراته على اسكارف صغير أسود، فجذبه وألقاه بوجهها قائلًا: أعتقد ده بيتلبس الأول. بشوف مايا بتعمل كده!

التقطته منه بابتسامة واسعة، وقفت شمس أمام المرآة ترتدي ما بيدها، مسح عُمران على وجهه بعصبية: صبرني يا رب. أنا بحاول أكون محترم مع الناس بس هما اللي بيجرجروني للوقاحة ولساني الطويل.
واتجه إليها يجذبها من شعرها البني الطويل المنسدل خلف ظهرها من داخل الأسكارف هاتفًا من بين اصطكاك أسنانه: ده أيه يا بت ديل حصان!
وتابع بعصبية بالغة: ولا يكنش حجبتي النص القدmاني واللي ورا لسه مدخلش في أوكازيون التوبة!

برقت بعينيها بدهشة: مش المفروض الطرحة طويلة وهتدريه.
كور يده بشكلٍ جعلها تتراجع للخلف حتى صعدت على جسد السراحة: اهدى يا عمران مش كده الله، إنت اللي شكلك متعرفش في أمور الحريم هروح أشوف مايا أو فاطمة إبعد.
لحق بها وهي تهرول من أمامه: مشوا الاتنين يا فقر، روحي لزينب هتلاقيها في أوضتها لسه.

أمأت برأسها وهي تهرول لغرفة زينب تعاونها بـ.ـارتداء حجابها لأول مرة، بينما هبط عمران للأسفل ليستقبل آدهم بنفسه، فصافحه بابتسامة مشرقة: أهلًا يا كابتن، شرفتنا.
رفع أحد حاجبيه بدهشةٍ من طريقته الرسمية، فمال عليه عمران يخبره: عشان الرقابة بس، بره البيت هتلاقيني واحد تاني بس هنا فريدة هانم ممكن يحصلها حاجة!

ابتسم آدهم واحتل مقعده المقابل لعمران، فتسللت عينيه للدرج يود لو يلمح طيفها ليطفئ ظمأ قلبه، ابتسم عمران ساخرًا منه وصاح: متبصش كتير مش هتنزل الوقتي وراها معركة الله يعينها عليها.
اخفض ساقه واعتدل بجلسته يسأله: معركة أيه!
هبط على للأسفل مرددًا ببسمة جذابة: أهلًا وسهلًا سيادة الرائد. نورتنا
انتصب بوقفته قبالته يبتسم في حضرة ذاك الراقي: بنورك يا دكتور علي.
أشار للمقعد بتهذب: اتفضل. استريح.

جلس محله مجددًا بينما اختار عمران الجلوس على ذراع مقعد علي، وانحنى عليه يهمس له: ها مش هتقولي كنت طالق عضلاتك وخارج بيها ليه كده على الصبح؟

منحه نظرة تحذره وهو يرسم ابتسامة لآدهم الذي نجح بقراءة حركة شفاة عمران فاخفى ضحكته بتمكنٍ، وفجأة أتاته هزة شببهة بالزلزال الذي يحيط بالمبنى العتيق فلا يترك له أثر فور رؤيته لتلك الفاتنة تهبط الدرج محدثة صوتًا موسيقي بحذائها، برق لوهلة يستوعب بأنها ترتدي حجابًا لمرتها الأولى، حسنًا كانت فاتنة بكل ما تحمله معنى الكلمة، لدرجة جعلته يتساءل بـ.ـارتباكٍ: شمس؟

ضحك على وأكد له بإيماءة من رأسه، بينما ذم عمران شفتيه وصاح: اصلب طولك يا حضرة الظابط وإياك تفكر تستفرض بالبـ.ـنت وهي معاك، أنا مركب Gps يعني هتلاقيني معاك في أي مكان.
لكزه على بغـــضــــب: عمران الله.
كز على أسنانه وهو يخبره بضيق: مش موافق على الخروجة دي يا علي، معقول تسيبه ياخدها كده عادي ولوحدها. أنا هروح معاها!

استغل انشغال آدهم بتأمل شمس ومال عليه: ميصحش كده يا عمران، بكره هتكون مـ.ـر.اته وآدهم مش الشخص اللي تشكك فيه.
جذبه إليه يخبره بنفس وتيرته: افرض استغل الوضع وباسها ولا اتـ.ـحـ.ـر.ش بيها مهي هتبقى مـ.ـر.اته بكره بقى!
احتقنت نظرات على فدفعه للخلف بنفورٍ: مش كل الشباب وقحة زيك يا وقح!

وتركه يستشيط غـ.ـيظًا وإتجه لآدهم قائلًا: متتأخروش يا آدهم، ولما ترجعوا أبقى تعالى على الموقع اللي هبعتهولك في رسالة، لإننا هننقل من هنا حالًا والعنوان هبعتهولك.
هز رأسه متفهمًا، بينما صعد على للأعلى قاصدًا غرفة زينب بينما دنى هو حتى أصبح قبالتها يجلي صوته الهارب بصعوبة: دي أجمل مرة أشوفك فيها يا شمس، الحجاب مخليكِ جميلة بشكل مش طبيعي.

رفعت عينيها إليه تخبره بحـ.ـز.ن: ده اللي كنت عايزة أقولك عليه لما صدتني بالكلام.
تسلل الضيق لمعالمه فأزاح نظارته القاتمة ومنحها نظرة جعلتها لا تود إبعاد عينيها عنه: أنا آسف. صدقيني والله أنا بعمل كل ده علشانك وبسبب زعلك ده أنا خليت دكتور على يكتب كتابنا بكره عشان أكون معاكي بطبيعتي وأقولك على كل شيء دفنته جوايا للحظة ما تكوني حلالي يا شمس.
ارتبكت أمامه للغاية، فتمسكت بحقيبة يدها ورددت بتـ.ـو.تر: مش هنتحرك؟

أشار بذراعه نحو الباب: اتفضلي.
كادت بأن تتبعه فأوقفها عمران حينما جذبها لاحضانه فجأة بنظرات تتحدى آدهم المبتسم لذاك الطاووس الوقح بتحد، بينما يهمس عمران لشمس: لو قربلك رنيلي وأنا أجيلك، أوعي يستفرض بيكِ يا شمس.
ضحكت بصوتها الانوثي، فنهرها بحدة: مينفعش حد يسمع صوت ضحكتك غيري يا شمس.
تطلعت له شمس بعدm استيعاب ورددت بمزح: عمران مالك ده هيبقى جوزي!
قال بغـ.ـيظ: لما يبقى بقى!

وتابع ورماديته مازالت تتحدى عين آدهم: المهم متتأخريش ولو قالك حاجة كده ولا كده كلميني على طول.
اتسعت ضحكتها وهي تهز رأسها بخفة، واتبعت آدهم للخارج وعمران يلحق بها، فتح آدهم لها الباب الأمامي فلوى عمران شفتيه قائلًا بحنق: كنت ناوي أقعدها ورا بس يلا هسامح بس عشان الصحوبية اللي كانت بينا.
ردد آدهم بمزح: كانت! لأ والله فيك الخير يا عم الطاووس!

منحه نظرة ساخطة قبل أن ينحني ويحمل طرف فستان شقيقته الأزرق الطويل، ليضعه من خلفها على المقعد والحنان والحب يلمعان بحدقتيه تجاهها مما جعل آدهم يبتسم وهو يتابعه وللحق لم يشعر بالانزعاج منه أبدًا، لإنه بطبيعة مهنته يعلم بمكنون من أمامه وهو يرى حب عمران المبالغ به تجاه شقيقته الوحيدة لذا تركه كما شاء فلكلُ حقًا عليها. إن كان سيكون زوجها فهو أخيها!

ولج على للداخل حينما استمع لسماحها له بالدخول، فولج يردد بهدوء: صباح الخير يا زينب، عاملة أيه؟
انتهت من عقد حجاب اسدالها وردت عليه بابتسامة واسعة: صباح النور يا دكتور. أنا بخير الحمد لله وخلاص جهزت شنطي هغير هدومي وهنزل على طول.
ضيق حاجبيه باستغراب: والجامعة يا زينب؟
بـ.ـارتباكٍ اجابته: مش هروح النهاردة. مفيش حد مع فريدة هانم كلهم خرجوا فمينفعش أنا كمان مكنش معاها.

أشار لها بالجلوس، وهو يراقب وجهها المجهد وكأنها لم تغفو منذ سنواتٍ فقال: زينب متحاوليش تقترحي حجج وأعذار علشان متنزليش الجامعة، إنتي من ساعة ما رسالة الحـ.ـيو.ان ده وصلتلك وانتي بطلتي تنزلي، طيب وبعدين؟!
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ لمجرد ذكر اسمه أمامها، فردت بصوتٍ مبحوح: خايفة يا علي، لإني سبق وشوفت غـــضــــبه عامل ازاي، وبعدين ده تاجر سلاح مش فارق معاه لا حكومة ولا غيره.

استند بجسده على الطاولة المجوفة من أمامه وقال: معنى كده انك هتضيعي مستقبلك عشان خــــوفك منه يا زينب، طول مهو شايفك ضعيفة بالشكل ده هيستقوى عليكِ بكل ما فيه. أنا هسيبك النهاردة براحتك بس من بكره هتنزلي جامعتك تاني. واطمني أنكل أحمد كلم شركة حراسة وهيكون في عربية حرس معاكي في كل مكان لحد ما نوصل للبيه اللي بيهدد من بعيد وآ.

ابتلع باقي جملته، فكاد أن يخبرها بأنه تعرض لعمران ولكنه تراجع خشية من أن يحـ.ـز.نها، فنهض عن الأريكة وقال: هسيبك تغيري هدومك وهستناكي تحت متتأخريش علشان بمجرد ما فريدة هانم تنزل هنتحرك للبيت الجديد على طول.
هزت رأسها مجيبة: حاضر.

تركها وهبط للاسفل ينتظرهم، وأرسل رسالة لعمه يؤكد عليه أن ينتهي من أمر شركة الحرس بعدmا أخبره بالأمس عن تهديدات ذاك الأرعن لزينب وقد رأى أحمد أن الحل المناسب هو وجود حرس مُسلح لحمايتها فوافقه علي على الفور.
اتجه عمران بسيارته لشركته، فولج من بابها الرئيسي فوجد أيوب بانتظاره، ضيق جفونه بنظرة مرعـ.ـبة جعلت الاخير يرسم ابتسامة زائفة وهو يدنو منه: صباح الخير يا بشمهندس.

نزع نظارته السوداء وهو يمنحه نظرة مشتعلة، وهتف: نعم!
تنحنح بخفوتٍ: نعم أيه بقولك صباح الخير!
اقترب منه عمران وردد بنبرة منخفضة: عجبك كلام يوسف اللي قالهولك امبـ.ـارح صح!
ارتعبت نظرات أيوب تجاهه، فابتلع ريقه الجاف وهو يدعي عدm الفهم: كلام أيه؟
غيرتلها على الجـ.ـر.ح يا ابن الشيخ مهران!
ابتلع ريقه الجاف بصعوبة، ورفع اصبعه يشير له بتـ.ـو.ترٍ: عُمران أنا آآ...
هدر بانفعالٍ ونظراته الحادة تحيطه: ولا كلمة. ورايا!

زفر أيوب حانقًا، يلعن تلك الظروف التي أوقعت آديرا بطريقه وأوقعته هو بطريق عُمران الغرباوي، صعد خلفه للأعلى وولج لغرفة مكتبه.
نزع عنه جاكيته وألقاه لسكرتيره الخاص حسام ومن ثم ألقى إليه رابطة عنقه فتلقفها بصعوبة كادت باسقاطه فوق مكتبه، وعاد يفاجئه حينما قذف إليه ساعته الباهظة، التقطها بين يديه ولكنه فشل تلك المرة بانتصاب وقفته المذرية فسقط بها أرضًا وذراعيه تعلو بالساعة.

أشمر عُمران عن ساعديه ببسمةٍ مخيفة، فالتفت وجهه لحسام يخبره بنبرة لطالما كانت تخص القــ,تــلى المأجورين: كويس إنها منكـ.ـسرتش والا كنت هتشرف جنب أخوك الشيخ أيوب في خارجته النهاردة.
وانتقلت رماديته لباب الغرفة يستطرد بفحيح الأشباح: خد الباب في إيدك وإنت خارج. أي مقابلات أو اتصالات مهمة حولها لبشمهندسة مايا
. من الأخر مش عايز أي إزعاج يفصلنا أنا وابن الشيخ مهران عن طلعتنا.

جحظت أعين أيوب صدmة، وكأنه يستعد لتقطيع جسده بالمنشار الحاد، فمال على حسام الذي يوزع نظراته بينهما بقلقٍ، همس له أيوب يستجديه: متمشيش يا حسام!
رفع كتفيه بقلة حيلة وهرول للخارج، فتراجع أيوب للخلف حتى التصق بالمقعد الذي خلفه، فسقط أعلاه والاخير ينحني إليه ويصوب نظراته القاتمة تجاهه.
أجبر صوته على التحرر متسائلًا: في أيه يا عُمران؟ إنت هتتحول ولا أيه؟!

طرق على ذراعي المقعد وبانفعالٍ شرس قال: غيرتلها على الجـ.ـر.ح يابن الشيخ مهران! ويا ترى بقى أيه اللي نتج عن الفعل ده! اتكلم أنا سامعك!
أبعد رأسه للخلف وهو يشير له بخــــوفٍ غريب: أقسملك بالله محصلش أي حاجة. ولولا ان دكتور يوسف صاحبك اللي نبهني لخطورة اصابتها مكنت قربتلها نهائي!

أخذت أسنانه شفتيه السفلية يسحقها بعنفٍ يود أن يطول ذاك القابع أمامه، ومع ذلك استكمل أسئلته الطارئة: عملت أيه بعدها يابن الشيخ مهران؟

رفع ركبتيه للمقعد وكأنه سيهرول به من أمام ذاك االطاووس الوقح وراح يردد دون توقف: محصلش والله العظيم محصل. خد نفس عميق واستهدى بالله يا عمران عيب يا جدع تلميحاتك الوقحة دي. أنا سبق وقولتلك أنا شاب جامعي جاي هنا أدرس وأمتحن وأخد الشهادة وأرجع لأبويا الحارة، معنديش أهداف تانية فبالله إقلع الوش اللي يرعـ.ـب ده وسبني أمشي من هنا.

وتابع بنفس الوتيرة: هو كان يوم مش طبيعي يوم ما أخدني سيف أسكن معاه بشقته وهو نفسه اليوم اللي اسودت ملامحه يوم ما اتعرفت عليك مع إني اتعرفت على سيادة الرائد آدهم والبشمهندس جمال ودكتور على بس شهادة لله ناس محترمة وزي موج البحر الهادي إنت اللي مالكش كتالوج، زي السما شوية صافية وشوية مغيمة وفجأة يضـ.ـر.بها الرعد والبرق وكل العواصف!

ابتسم بخبثٍ مخيف وقال بجمودٍ تام وكأن ما قال لم يهز به شعرة: لو مش عايز عواصفي كلها تحضر هنا هتقول اللي حصل بالحرف والا مش هرحمك يا ابن الشيخ مهران.
لعق شفتيه الجافة وهو يرفع صوته الذي تخلي عنه: مآآ، حص، لش، محصلش!
صرخ به وقد تخلى عن كل هدوئه المخادع: انطق يا أيوب!

دفعه أيوب للخلف بقوةٍ جعلت الاخير يسقط على المقعد المقابل إليه وهو يصيح بعصبيةٍ: أكلتها وأدتها دواها وغيرتلها على الجـ.ـر.ح ورجعت أوضتي تاني ده اللي حصل تصدق أو متصدقش دي حاجة ترجعلك!
تعالت صوت أنفاسه المنفعلة بينما ارتسمت ابتسامة تسلية على ملامح وجه عمران واتجه ليحتل مقعده باسترخاء استراب له أيوب!

سحب القلم وأخذ يوقع بآلية تامة على الأوراق من أمامه وكأن الأخر لا وجود له، فردد أيوب بنزقٍ: أيوه يعني أفهم أنا من برودك اللي نزل عليك ده فجأة أيه؟!
رفع رماديته أيه ولف مقعده يهزه بتسلية، قائلًا: إني أخدت الحقيقة.
ولا كنت برغي فيه من الصبح كان أيه؟

ترك مقعده ونهض يلهو بالقلم وهو يشير إليه: علميًا الإنسان لما بيتعصب بيخرج الحقيقة كلها عمليًا أنا مصدقك من أول ما اتكلمت بس كنت حابب إديك عينة بسيطة عن اللي هيحصلك لو لعبت بديلك مع العبرانية!
حينما تهاجمك الدنيا بكل ما فيها، وتكـ.ـسر كل عزيمة تحليت بها، وحينما تجد ذاتك وحيدًا، بائسًا، تعتكف عن الحديث والشكوى حينما تصبح دون جدوى، حينها ستجد ذاتها تنحصر بجزءٍ صغيرًا يفترشه سجادة منظمة، وملابس نظيفة، وضوءًا كاملًا واقبالًا جميلًا يليق بالله عز وجل.

هي الآن ماسدة بين يديه، تبكي قهرًا وتفرغ كل ما بداخلها، خمسة سنوات مضت عليها ومازالت تدفع الثمن من عمرها الذي فنى فتقسم بأنها تخطت السبعون عامًا وإن كانت لا تتعدى الخامسة والعشرون، تجد سكينتها على سجادتها.
انتهت من صلاتها وجلست ترفع يدها وتردد بصوتٍ ذُبح فؤاده واحتقن بأوجاعها: يا رب لو كان حيًا يرزق هونها عليه وفك كربه وحبسه يا رب.

وتابعت ببكاء حارق وكأنها لا تحتمل نطق القادm: ولو كان مـ.ـيـ.ـت إرحمه وتقبله قبولًا حسن، يا رب لو كان عندك اجمعني بيه بعد مـ.ـو.تي يا رب.
انهمرت دmـ.ـو.عها تباعًا واهتزت يديها وهي تشكو بانهيار: حرموني منه يا رب. أخدوني منه وعـ.ـذ.بوني يا رب، فرقوني عن أكتر إنسان حبيته وطلبته منك في كل صلاة ليا. حرموني من حبيبي!، أخدوه مني وأخدوني منه يا رب.

ومالت على الحائط تبكي ويدها تكبت صرخاتها خــــوفًا من أن يستمع لها زوجها البغيض الغافل بغرفته، فنزعت حجابها تمسح به دmـ.ـو.عها الغزيرة وهي تهمس بضعفٍ: حقك عليا يا يونس، حقك عليا من ظلم الدنيا اللي شوفته كله يا نن عيني. كنت عاجزة يا يونس. معرفتش احاربه ولا أحارب أهلي. هو اللي أرغمني أرفع عليك قضية الخلع هو السبب اللي فصلني عنك يا حبيبي.

ورفعت يدها تحيط صدرها بموضع القلب، تطرق بها بقوةٍ: ده مـ.ـا.ت من بعدك يا حبيبي، مـ.ـا.ت ومبقاش له وجود من غيرك.
تعالى صدرها بانقباضٍ من فرط الانفعالات التي تخوضها، تخشب جسدها الهزيل فزعًا حينما شعرت بيد ممدودة على كتفها، فاستدارت للخلف بخــــوفٍ غادرها حينما وجدته صغيرها.
ضمته لها خديجة وهي تسنشق رائحته بقوةٍ، وتهمس له: أيه اللي صحاك من النوم يا حبيبي؟
أجابها الصغير فارس: ملقتكيش جنبي فخــــوفت.

رفعت رأسه إليها وهي تعزز من شجاعته: مفيش راجـ.ـل بيخاف يا فارس. قولتلك قبل كده لازم تتعود تنام لوحدك وتعتمد على نفسك.
ضمها الصغير وهو يتأمل دmـ.ـو.عها بقلقٍ، فتناست كل ما تردده وحاوطته بكل قوتها مرددة بخفوتٍ: عملت كل ده عشانك وعشانه. سامحني يا يونس!

تحشرجت أنفاسها بشكلٍ نبهها لزيارة أزمتها الصدرية المعتادة لها، حينما يزداد بها الحـ.ـز.ن والبكاء تزورها بحدةٍ وتواجهها بضراوةٍ، احتملت خديجة الآلآم واحتبست صوت أنفاسها المخيف عن ابنها، وضعته بفراشه وسحبت غطائه، وتسللت بخفة لغرفتها الرئيسية تبحث عن بخاختها لتنجو من اختناقها الذي يهاجمها.

وجدته يغفو على الفراش باستمتاعٍ مريـ.ـضًا بعدmا نجح بالمرة التي تفشل بعددها بالسيطرة على جسدها بعدmا يرضخها إليه بالضـ.ـر.ب المبرح كل مرةٍ، ارتجف جسدها بخــــوفٍ حينما تذكرت ما يفعله بها فسحبت كم الجلباب تخفي به آثار حروق جسدها البالغ واستكملت طريقها لدرج الكومود.

منحته نظرة منفرة قبل أن تسحب الكيس البلاستيكي تبحث بداخله عن بخاختها، فأصدر صوتًا أزعجه بمنامه فردد بفظاظة: اتهدي واتخمدي بدل ما أقوم أكمل على اللي باقي فيكي يا بـ.ـنت ال.
اعتادت سماع الاهانات المتكررة منه، فسحبت الكيس واتجهت للخروج، فشملها بنظرة محتقنة وادار ظهره هاتفًا: بخت تفطسي وأرتاح من قرفك إنتي وابنك!

تحجرت خطواتها على باب الغرفة واستدارت تختطف نظرة دامعة للمدعو زوجها، رغم أنه يعلم أنها تعاني من أزمة صدرية حادة إن انتابتها يومًا ولم تلجئ لجرعة البخاخ أو الأكسجين حينها ربما تغادر روحها جسدها المُنهك ومع ذلك يغفو براحةٍ وكأنها لا تعنيه بشيءٍ، تُجزم بأنه إن كان يعتني بجروٍ صغيرٍ لكان أبدى له تعاطفه الكامن.

سحبت أذيال الخيبة وإتجهت لغرفة ابنها مجددًا، تغلق بابها جيدًا، انزوت على الفراش المقابل لفراش صغيرها ترتشف البخاخ بقوةٍ كبيرة حتى هدأت أنفاسها واستعادتها رويدًا رويدًا، فارتخى جسدها كالمدmن الذي ارتشف جرعة من السموم فأرحته.

وضعت رأسها على الوسادة وارتخى جسدها يراحةٍ رغم عينيها الغارقة بالدmـ.ـو.ع، تشعر وكأن مفرش السرير الستان رغم نعومته بأنه خشن كالشوك، يزيد من جحيم جلدها المذري، تعيش هنا بذلٍ وإهانة، وخاصة خلف باب غرفة زوجها الموصود، بالداخل حيث يتم إهانته كأنثى تجرد من كل معنى الأنوثة، يعاملها بخشونةٍ وقسوة كأنها عاهرة أو فتاة ليل!

كل ما تنجح بفعله كل تلك السنوات أنها تحتبس صرخاتها بتمكنٍ خشية من أن يستمع ابنها الصغير لصوتها، صغيرها الذي اعتاد رؤيتها بملابس محتشمة للغاية تخشى ان يرى حتى ذراعيها المحترقة نهيك عن جسدها المشوه!

انهمرت دmعة خارقة على وجهها الأبيض، وهي تتذكره، حبيبها وزوجها السابق، تقــ,تــل ألف مرة وهي تضطر آسفة بنسبه بالزوج السابق، ذاك الذي آراها من الحب ما أروها، ضمها لأحضانه التي تفتقد حنانه إلى تلك اللحظة، ذاك الذي أقسم لها بأنه سيظل يعشقها حتى الرمق الأخير من حياتها.

تسعة وعشرون يومًا قضتهما برفقته، تسعة وعشرون يومًا انحفر ذكراهم داخلها، وكأن الجنة استقبلتها بين ذراعيها لتسعة وعشرون يومًا وبعدها لفظتها بكل ما فيها لجُهنم!
لاح لها ذكرى استحوذتها بداخلها.

ممكن تفهميني أيه اللي يستاهل عـ.ـيا.طك وحالتك دي! وفيها أيه يعني لو مجموعك مجابش الكلية اللي بتحلمي بيها!
قالها بصوته الحنون المهتم بكل صغيرة تشملها، رفعت عينيها الباكية إليه تخبره ببكاء: مستقبلي إتدmر يا يونس!
ضم شفتيه معًا يحتمل تألــم قلبه القافز بين ضلوعه، وردد بحبٍ وعينيه تجوب مكان جلوس والدتها: أنا مستقبلك يا خديجة!
وتابع بابتسامةٍ صغيرة: مش ده كلامك؟

أزاحت دmـ.ـو.عها وهي ترسم ابتسامة صغيرة على وجهها، فقال بإصرارٍ: بطلي تقابلي كل مشكلة تقابلك وكأنها نهاية العالم، مستقبلك عمره ما هيتدmر لو مدخلتيش الكلية اللي بتحلمي بيها، لو شوفتي ربنا سبحانه وتعالى أختارلك أيه كنت بكيتي وإنتي بتحمديه على إنه مفتحلكيش باب وراه مصاعب ومشاكل إنتي في غنى عنها، قومي اغسلي وشك واقعدي مع نفسك اختاري الكلية اللي هقدmلك فيها يا زينة البنات.

وعاد يخـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة لوالدتها ثم دنى منها ليصبح قريبًا يهمس بعشق: هو أنا مش صعبان عليكِ ولا أيه، شيدي حيلك في المذاكرة كده عايز أدخل دنيا. الحارة كلها تشهد إني صبرت عليكي صبر مصبروش واحد عازب.
وتابع ببسمة ساخرة: بذمتك حد أهبل يكتب كتابه على واحدة وهي في تالتة إعدادي ويقعد جنبها يستنى لما تأخد الجامعة؟

أزاحت دmـ.ـو.عها وهزت رأسها بضحكة أشرقت تعابيره الجذابة، فردد مبتسمًا: منحرمش من الضحكة الجميلة دي يا زينة البنات!
تعلقت خضرة عينيها بعينيه البنية، ويدها تمتد تحتضن كف يده فبرق بمُقلتيه وهو يراقب والدتها هادرًا بتحذيرٍ: مامتك يا خديجة!
وتحرك بجسده لأخر الأريكة، ففركت أصابعها بحـ.ـز.نٍ، تعلم بأنه وبالرغم من أنه زوجها الا أنه يحفظه من نفسه جيدًا، الظروف الذي تزوجها بها ترغمه عنوة.

كان يريد أن ينتظرها لحين أن تنتهي من دراستها وحينها كان سيعقد القران يوم زفافهما، ولكن اصرار عمها عن أن يزوجها ابنه دفعه ليعقد قرانها بعد ان وجده عمه الشيخ مهران حلًا صائبًا خاصة بأنها تسكن بعمارته فلا يريد لابن أخيه ولتلك الفتاة بأحاديث تنطلق على ألسنة الناس من حولهم.

وتنحنح بخشونة وهو يشير له مازحًا: يلا يا عيوطة قومي كده غيري هدومك وارتاحي، لما أنزل ألــم هيبتي اللي ضاعت وسط الصبيان في المحل وهما شايفين معلمهم بيجري شبه الأهبل وكل ده بسببك، واقف استناكي من ساعتها عشان تطمنيني وانتي راجعالي عينك ورامة وواخده في وشك قافش على فوق!
أشارت بكتفيها ببراءة مصطنعة: كنت زعلانه هعمل أيه؟

تنهد بقلة حيلة ونهض يتجه للخروج: هنزل أطمن على أيوب أشوفه عمل أيه هو كمان ما أنا ربنا إبتلاني بيكم. طلعتوا عيني طول فترة امتحاناتكم بجري من لجنة للجنة كأني بطمن على عيالي الصغيرين!
ضحكت بصوتها كله فتابع بمزح: ولا وقت ما تخرجولي انتِ وهو وتراجعوا الاسئلة قدامي آه لما بيطلع عندك حاجة غلط وأشوف وشك بيجيب مـ.ـيـ.ـت لون ببقى هتهور وأقــ,تــل أيوب في كل مرة بيقولك على حاجة غلط.

تعالت ضحكاتها وأحمر وجهها من فرط سعادتها بحديثه المرح، فانحنى تجاهها يهمس بجدية تامة: أنا بسببك يا هانم كنت بحرضه إنه لو حصل يعني واتهوروا ولأول مرة يحطوا الشباب مع البنات بلجنة واحدة كنت بقوله يغششك في أي إجابة تقف عليكي، مع إني كنت لسه ظرفه خطبة طويلة عريضه عن الغش وجيت عندك وقولته حلال. اتمسخر بيا بس هعمل أيه مراتي ولازم أبقى حنين عليها!

وضعت يدها على صدرها تخبره من بين ضحكاتها: معتش قادرة يا يونس اسكت!
ابتسم وهو يتابعها بنظرة هائمة، وردد بعشقٍ: كده هتفائل بيومي كله. وكل ما أشتاقلك صوت ضحكتك الجميلة دي هتواسيني لحد ما أشوفك تاني.

منحته ابتسامة هادئة، وعينيها تنطق له بحبه القابع داخلها، انتصب يونس بوقفته وقال: هنزل أشوف أيوب قبل ما أعدي على المحل، العمال مشغولين بتشطيب المحل الجديد ويافتة يونس الزيات بقت مسمعه بالسوق كله وخصوصًا العروضات اللي عملتها على الادوات الكهربائية.

وعاد ينحني قبالتها مستطردًا بغمزة مشاكسة: تصدقي بالله كل ما بينزلي أجهزة كهربائية جديدة أنقي لبيتنا كام حاجة وفي الأخر أخاف لوقت جوازنا يكونوا نزلوا حاجة أحدث عشان كده بحاول أتكى على الصبر حبتين لحد ما زينة البنات تخلص دراستها وتشاورلي بس أجهز البيت من مجاميعه.

تسلل الضيق لملامحها الهادئة فنهضت تقف قبالته وتخبره عاقدة الذراعين: يونس أنا قولتلك قبل كده مش عايزة اتجوز بالبيت اللي اشترته ده أنا عايزة أفضل هنا. شقتك تحت أهي واسعة وجميلة محتاجة بس تتشطب وهتبقى جنة.
زوى حاجبيه بدهشةٍ وصاح: عايزة تتجوزي في شقة قديمة! دي قيمتك عندي يا خديجة!

أصرت على حديثها قائلة: مالها الشقة يا يونس. إنت ورثت في العمارة دي زي الشيخ مهران وعيشنا وكبرنا فيها، كمان محلاتك فيها من تحت يبقى لزمتها أيه تبعد ونسكن في نص البلد أنا مرتاحة هنا وخصوصًا إن ماما هتكون ساكنة فوقي.
تهدلت معالمه باستسلام لاقناعها، يعلم كم هي عنيدة لذا رضخ لها بابتسامته الساحرة: عنيا يا زينة البنات اللي تعوزيه كله يحضر!

اتسعت ابتسامتها ورددت باستحياء وهي تهرب من نظراته: تسلملي يا حبيبي.
ابتلع ريقه بـ.ـارتباكٍ، ودنى إليها يهمس: قولتي أيه؟
تمعنت بعينيه الشبيهة بالقهوة التي تحتضن لوح من الشيكولا الساخن، وتجرأت بقولها العـ.ـذ.ب: حبيبي وجوزي وكل حياتي يا يونس.
اتسعت ابتسامته بشكلٍ عينيها لا تفارق وجهه، وقال: كتير عليا كل ده يا زينة البنات!
همست له ووجهها قد تشرب بحمرة الخجل: إنت اللي كتير عليا يا يونس!

وكأن جملتها قد أرهنت الزمان ليستجيب لها، انحرمت منه وألقت لأشباه الرجـ.ـال يريها الفرق المعهود بينه وبين محبوبها، ذاك الذي كان يسميها على لسانه وقلبه وهاتفه زينة البنات، وكانت تراه هو خير الرجـ.ـال، الآن انتهت بها قصة عشقهما الخالد بفراق وو.جـ.ـعًا لن يهون على قلب بشريًا احتماله!

بلندن.
اتبعت سيارة آدهم الموقع المرسل إليه حتى وصل إليه، فوجد على يفتح البوابة الحديدية البيضاء ويشير له بالدخول، فقاد سيارته للداخل وصفها بالچراچ الضخم التابع للقصر الفخم، هبط هو أولًا وأسرع يفتح لها الباب هادرًا بمزحٍ: شمس هانم.
ضحكت حينما ذكرها بمعاملته السابقة لها حينما مارس دور الحارس الشخصي باجتيازٍ، فحملت طرف فستانها وانحنت تردد بنعومة: كابتن آدهم.

تمردت ضحكته الرجولية بشكلٍ لفت انتباهها فوقفت تتأمله بسعادة، وقال لها يحذرها: أممم هعديها كابتن دي. بس ولو لمرة ناديني باسمي الحقيقي يا شمس!
أدلت شفتيها للأسفل بحـ.ـز.نٍ مصطنع: والله ما لايق عليك الا آدهم صدقني!
ابتسم وهو يدنو إليها هامسًا بصوته المغري: أقولك سر؟
هزت رأسها بتأكيدٍ، فقال: وأنا كمان.

وتابع وعينيه تشرد بالفراغ: والدتي الله يرحمها مكنتش بتناديني غير بيه. عشان كده حبيت الإسم وبستعمله أنا واللي حواليا في مصر. كلهم بينادوني بيه بس عند شخص واحد والكل بيناديني قدامه بإسمي الحقيقي عشان كده بنبهك من دلوقتي أنا في مصر قدام بابا أنا عمر مش آدهم.

رمشت بعدm فهم لحديثه الشبيه بالألغاز، فقال مبتسمًا: بابا وماما الله يرحمها اتخانقوا بعد ولادتي، كانت عايزة تسميني آدهم وهو مصمم إن لقب عيلته ميلقش بيها غير عمر الرشيدي. الظابط عمر الرشيدي زي ما طول عمره بيحلم، ومن هنا حصل انقسمـ.ـا.ت وخناقات فعاند وراح سجلني عمر وهي فضلت تناديني آدهم لحد ما في وقت من الاوقات كان بيحصلي لخبطة ومبقتش عارف أنا مين فيهم عمر ولا آدهم.

وتطلع لها بابتسامته الجذابة مسترسلًا: بس لما دخلت المخابرات اكتشفت إن دي نعمة. بتنقل بإسم حركي متقبله والاغلب عارفني بيه بس قدام بابا بمثل الدور اللي يراضيه خصوصًا إنه دايمًا بيلمس حبي الزايد لوالدتي الله يرحمها.

كونه يتحدث معها عن ادق أموره، بقائه برفقتها بعض الوقت بعد وصولهما، صبره معها وهي تتنقل من محلٍ لأخر حتى انتقت فستانًا يليق بحجابها الذي ترتديه لمرتها الاولى، كل تلك الاشياء جعلتها أسعد نساء العالم بأكمله، تتمنى أن يظل يتحدث وتراقبه بصمتٍ، فمالت على يدها تستند على مقدmة السيارة وتراقبه وهو يتحدث بصمتٍ تعجب له آدهم فنادها: شمس!
اعتدلت بوقفتها تهتف بحرجٍ: هااا، نعم!

قال وهو يتجه لصندوق السيارة ليجذب الفستان المغلف بعناية: إنتِ مش معايا خالص. شكلك تعبتي من اللف النهاردة.
لحقت به تراقبه وهو يحمل أغراضها بتريثٍ: لا أنا بس سرحت فيك شوية.
أغلق صندوق السيارة واستدار يسألها باهتمام: سرحتي في أيه؟
وضعت حقيبتها على كتفها وقالت بابتسامة عـ.ـذ.باء: حاسة إنك شخص مختلف عن آدهم الحارس اللي عرفته طول الفترة اللي فاتت.

فهم ما تقصده بحديثها، وقال برزانة: لإن اللي شوفتيه قبل كده كان بيقوم بشغله وبس. وسبق وقولتلك يا شمس تقربي منك كان من ضمن الخطة اللي حطناها عشان نوقع راكان بس اتقلبت ضدي وحبيتك.
وقطع المسافة المتبقية بينهما وهو يستطرد: بكره هتكوني مراتي على سنة الله ورسوله. هتقربي مني وهت عـ.ـر.فيني على طبيعتي. هحكيلك عن مشاعري وحبي الكبير ليكي. وإزاي قدرتي تحركي قلبي اللي كان مشغول ومش شايف أي بـ.ـنت حوليه!

وأشار لها بالخروج فاسندت يدها لصدرها، تربت على خفقاتها المتزايدة لحديثه، وعاونها بما تحمله ليقدmه لعلي الذي عرض عليه الدخول لرؤية المنزل من الداخل ولكنه اعتذر وأخبره بأنه سيراه بحفلة عقد القران غدًا، فوادعهما وغادر.

حمل باقة الزهور الحمراء بين يديه يقلبه وكأنه يتفحص ما يحمله، ثم عاد ببصره لمن يقف أمامه وتساءل بدهشةٍ رغم أنه أخبره منذ قليل: قولتلي الورد ده لمين ومن مين؟!
رغم غرابته ولكنه اعتاد عليه هكذا، فأجابه حسام: من دكتور على لمدام فاطمة.
عقد حاجبيه بشكلٍ مضحك وهتف: على أخويا أنا جايب ورد!
ورفع عينيه له يتساءل: متأكد يا حسام!

وكأن ما وضعه بين يديه قنبلة ذرية وليست باقة ورد بريئة، فوضع قبالته الظرف المطوي قائلًا: المندوب سلمنا الظرف ده كمان. ولإن حضرتك منبه علينا محدش يدخل مكتب البشمهندسة مايا جبتهم لمكتبك.
أشار بيده ومازالت رماديته تحيط الباقة بنظرة ساخرة: روح إنت، ومتنساش تسلم أيوب المبلغ اللي قولتلك عليه وتفهمه إن ده المرتب الاسبوعي ليه.

هز رأسه مؤكدًا، ولكنه لم يقمع فضوله فقال: بس الشركة ماشية بالنظام الشهري يا مستر عُمران!
رفع عينيه عن الباقة وسلطها إليه، وردد بعصبية: وإنت مالك دافع من جيب أمك!
جحظت عين حسام صدmة، فسحب عمران نفسًا طويلًا وردد: يا ابني الله يكرمك بقالك معايا هنا أربع سنين وعارفني لما بتعصب ببقى طور فبالله ما تحاول تعصبني لإنك عارف إن التداخل فيما لا يُعني أمك ده أول شيء بيعصبني!

وتابع وهو يمرر أصابعه على الباقة التي يحملها: يلا انصرف إنت بقى وسبني أشوف حكاية أخويا الدكتور المراهق أيه!
غادر من أمامه على الفور، فترك عمران الباقة على المكتب وأعاد ظهره لمقعده يتفحصه بنظرة شاردة، استند بذقنه على ذراعه قائلًا: الصبح طالعالي من غير قميص ودلوقتي باعتلها ورد وظرف مقفول!
وتابع ببسمةٍ خبيثة: شكل عِلوة دخل عش الزوجية!

انتهت أخيرًا من حسابات الملف المتبقى أمامها بـ.ـارهاقٍ، فلقد استنزف جهدًا عظيمًا منها، نهضت فاطمة عن مكتبها واتجهت لمايا تضعه من أمامها: شوفي كده يا مايا.
أبعدت عينيها عن شاشة حاسوبها لتراقب ما فعلته فاطمة بانبهارٍ، فاستقامت بوقفتها أمامها وقالت: ما شاء الله يا فاطمة والله بدون مبالغة إنتي شاطرة ودقيقة جدًا في حساباتك. حتى عمران لسه مورياه شغلك من شوية انبهر بيكِ.

وقبل أن تجيبها وجدت صوتًا ذكوريًا يقتحم حديثهما: حبيب قلبه جايب في سيرتي وشكله مشتاقلي وأديني جيت ألبي النداء!
صوبتله نظرة صارمة لوجود فاطمة ولكنه لم يبالي ودنى منهما، ووقف قبالة فاطمة يخبرها بابتسامة هادئة: كلامها صح يا فاطمة، أنا شوفت حسابات المشروع اللي اشتغلتي عليه امبـ.ـارح فأنا من دلوقتي هعتمد عليكي اعتماد كُلي، وهحتاجك الفترة الجاية جدًا.

سعادتها كانت تفوق حد الوصف، شعرت وكأنها بلحظةٍ أصبحت ذات قيمة، كانت ترى حياتها ساكنة دون جديد أو شيئًا يدعوها للحماس، كل ما بيومها يُذكر هو لقائها بزوجها الحنون، على ذكره الآن تلون وجهها بخجل وشوقًا لسماع صوته الغائب عنها طوال اليوم، بالطبع سيكون مشغولًا الآن بنقل بعض الأغراض للمنزل الجديد برفقة عمه ووالدته.
حانت من مايسان نظرة لما يحمله عمران بين يديه، فرددت بسخرية: جايبلي ورد يا مستر عمران؟

تأمل ما بيده ثم عاد يتطلع لها بنظرة أسقطتها بنبذ عشقه: الكون كله يحضرلك تحت رجلك يا حبيب قلبي بس الورد ده مش ليكِ.
ضيقت عينيها بنظرة تتحفز للانقضاض عليه، وببطءٍ شـ.ـديد قالت: أمال لمين يا بشمهندس؟
قدmه عمران لفاطمة وهو يسرع بالتبرير: من دكتور على الغرباوي لزوجته المصون.
وتابع وهو يخرج من جيب جاكيته الظرف: لأ وبعتلها جواب غرامي!

ابتسمت مايا بحماسٍ، بينما برقت فاطمة بدهشةٍ، حملت منه الظرف والورود ورددت بتلعثمٍ: ليا أنا!
اتجهت فاطمة لمقعد مكتبها بخجلٍ منهما، فلم يشاء أن يُخجلها فقال: لمي حاجتك انتي وفاطمة. عمي بعتلي وقالي لازم نرجع ضروري علشان نساعد معاهم. هستناكم في العربية تحت.

هزت رأسها بتفهمٍ وأغلقت حاسوبها ثم جمعت أغراضها لحقيبتها، بينما نزعت فاطمة طرف الظرف والتقطت الورقة الصغيرة تقرأ ما بها بعينيها وابتسامة عاشقة تزداد مع كل كلمة.

«كانت أجمل ليلة في عمري كله، كنت حاسس إني ملكت الدنيا كلها، قلبي من أول نظرة ضمك جواه ورافض يضم غيرك، بقيتي ساكنة في كل دقة من دقاته يا فطيمة، إني أوصل لقلبك ومشاعرك كان حلمي الأول ودلوقتي إن يكونلي ابن منك حلمي التاني وبفضلك بقى قريب يا فطيمة.
بحبك وحبك بقى علاجي النفسي من كل الضغوطات اللي بمر بيها.
علي، ».

ضمت الورقة إليها بكل حنان، وفرحتها لا تسع أحدٌ، لاحظتها مايا وهي تضع هاتفها ومتعلقاتها بحقيبتها فابتسمت لسعادتها وتمنت لها كل خيرًا صادق، وضعت الحقيبة على كتفها وتنحنحت لتفيق الأخرى قائلة: يلا يا فاطمة اتاخرنا على عُمران.

وضعت الورقة بحقيبتها ووضعت الورد بالمزهرية الموضوعة على مكتبها، ثم اتجهت إليها فهبطوا بالمصعد لعمران الذي تحرك بهما على الفور بعدmا انهى مكالمته مع جمال يطمئن على والدته التي استردت وعيها وبدأت تتلقى الأدوية بشكلٍ مكثفٍ.
بالقصر.

انتقل برفقتهم خادmتين سيواصلون العمل هنا، فحملوا أغراض شمس وزينب لغرفتهن القابعة بالطابق الثاني الخاص بالفتيات، اما الطابق الثاني فصمم على شكل جناحين كبيران جدًا لعلي وعمران، والطابق الأول بأكمله خصص لفريدة وأحمد.

صعدت زينب وشمس تعاون الخادmـ.ـا.ت بترتيب الاغراض وتبقى على بالأسفل جوار أحمد وفريدة يتناقشون بتزين القاعة الداخلية للحفل بالغد، فقال أحمد: متقلقيش أنا اتفقت مع شركة متخصصة هيجوا بكره على الساعة عشرة يعملوا ديكور وزينة بسيطة، لما يوصلوا بلغيهم باللي تحبيه.

هزت رأسها باستحسانٍ، واتجهت لعلي الذي يعمل على حاسوبه ومازالت حقائبه لجواره: ما تطلع يا على تريح فوق إنت تعبت معانا من الصبح. أو على الأقل خلي حد من الخدm يطلعلك شنطك.
وضع كوب قهوته جانبًا وأجابها ببسمة هادئة: هستنى عمران الأول يختار الجناح اللي يستريح فيه ويكون مناسب للخزانة اللي حابب يعملها.
إنت اعظم أخ في الدنيا كلها أقسم بالله.

قالها عمران الذي استمع لحديثه، فجلس على ذراع مقعد على كما اعتاد وقال: شوف أنا لو فضلت للصبح أقولك بحبك أد أيه مش هعرف.
وانحنى إليه يهمس بغمزة ماكرة: بس أيه حركات الورد الروشة دي، الظاهر إني استهونت بيك يا دكتور.
منحه نظرة حازمة فضحك وهو ينهض عن مقعده، بينما الأخر يبحث عنها حتى وجدها تدلف برفقة زوجة أخيه.

قاطع أحمد حديثهما حينما أشار لعلي على أحد غرف الطابق السفلي: دي أوضة مكتب نظمتهالك مخصوص يا علي، فيها مكتبة ضخمة لكتبك والأهم فيها شاذلونج عشان لو حبيت تعالج حد من العيلة ولا حاجة.
تهدلت شفتيه بابتسامة ممتنة، وراقب باب الغرفة بحماسٍ، فقال: شكرًا يا عمي، مكان زي ده هيريحني جدًا.
لوى عمران شفتيه بتهكمٍ وردد: طيب وأنا يابو حميد. مفكرتش تعملي ليه خزنة محترمة أنقل ليها ساعاتي وجزمي وكل شيء غالي عليا.

منحه أحمد ابتسامة هادئة، وردد: مكنتش أعرف إنهم غاليين عندك كده، أنا فكرتي عنك إنك بتحب الحديد والأوزان جدًا علشان كده عملتلك في الدور الرابع جيم متكامل بأجهزة رياضية أحدث من بتاعتك.
جحظت عين عمران بانبهارٍ، وسأله بعدm تصديق: قول بجد؟
هز رأسه بتأكيدٍ فهرول إليه عمران ينحني ويحمله من ساقيه فاستند بيديه على كتفيه بصدmة، والأخر يدور به هاتفًا بفرحة: إنت أحسن عم وجوز أم محصلش ولا هيتكرر في العالم كله.

انصدm على والفتيات حتى فريدة، بينما صاح احمد بغـــضــــب: ولد! نزلني!
نجحت فريدة بالتخلص من حالة صدmتها فرددت بحزمٍ: عمران!
جذبه على وخلص عمه منه قائلًا: أيه اللي بتهببه ده!
عدل أحمد جرفات بذلته السوداء وصاح بتهكم: بتستعرض عضلاتك علينا يا وقح! عارفين يا سيدي انك بتعرف تشيل أوزان ومش محتاجين اثباتات احنا!

نزع عنه جاكيته وجرفاته وتطلع للدرج بنظرة شقية، كأنه يستعد للصعود للرقص، وصاح بحماس: مش فاضي للرد دلوقتي، ورايا الأهم من أي حاجة، وقت اختيار الجناح المناسب لتنفيذ فكرة الخزانة اللي جاتني. لما أنفذها وأنزلها على حسابات السوشيل ميديا بتاعتي تقدروا تتابعوا القلبان اللي هتعمله أفكار البشمهندس عمران الغرباوي عن اذنكم!

وتركهم وصعد للاعلى ينتقي الجناح المناسب لتصميمـ.ـا.ته، بينما صعدت الفتيات لغرفة شمس يستعدون لحفلة الغد.

انتهت من ترتيب ملابسها بالخزانة، تلك الغرفة تكبر الاخرى بمساحتها، حتى شرفتها كانت واسعة تطل على حديقة القصر الواسعة، أغلقت زينب عينيها تستمتع بنسمـ.ـا.ت الهواء البـ.ـاردة التي تحيطها، توجهت للمقعد الهزاز القريب من السور، جلست عليه وأخذت تهزه برفقٍ حتى استجاب جسدها المنهك للنوم، كانت غفوة مخادعة تسحبها لذكرى قـ.ـا.تلة، تزيد من و.جـ.ـعها.

سئمت من انتظاره، مضت أكتر من ثلاثون دقيقة منذ أن ناداه أحد رجـ.ـاله، فاستأذن منها وغادر المنزل الذي أصر أن يحضرها إليه بحجة أن يريها أحدث المفروشات استعدادًا لزوجهما بعد أن وافقت أن يزور أخيها ليطلبها بشكلٍ رسمي.

راقبت زينب ساعتها باستياءٍ لتأخره، فخشيت أن يغـــضــــب أخيها إن تأخرت بعودتها، سحبت حقيبتها واتجهت للمغادرة، فما ان اقتربت من باب الخروج حيث مكان وقوف يمان مع أحد رجـ.ـاله، استمعت له يخبره: كله تمام يا باشا، فؤاد بيه استلم صفقة الاسلحة مننا على الحدود بنفسه وسلمنا شنط الفلوس.
هز يمان رأسه باستحسان وصاح: والكـ.ـلـ.ـب اللي زرعته الحكومة بينا عملتوا معاه أيه؟

لعق شفتيه باجرامٍ مخيف: تويناه يا باشا هو ومـ.ـر.اته وابنه عشان يبقى عبرة لمن يعتبر.
برقت بمقلتيها صدmة لما استمعت إليه، فتراجعت للخلف ورأسه يميل يسارًا ويمينًا بعدm تصديق، تراجعت للخلف وكأن هناك شبحًا يتقدm تجاهها، فارتطم ساقها بقدm الطاولة من خلفها وعلى الفور سقطت الأنتيكة مصدرة صوت حطام قوي، أتى يمان على أثره ليتفاجئ بباب الشرفة الخارجي مفتوحًا على مصراعيه.

ركض للطابق العلوي يناديها ويفتش عنها بالمنزل بأكمله، حتى قابل الرجل التابع إليه بالأسفل يخبره: الهانم كانت بتجري على بره ووقفت تاكسي وركبته.
شـ.ـدد من لكمته على درابزين الدرج بغـــضــــبٍ بعدmا تأكد له بأنها استمعت لحديثهما، وأمر فرارها الآن أمرًا كارثي لا ينذر بالخير!

أفاقت من نومها تسعل بقوةٍ، وتلتقط أنفاسها المضطربة بانهيارٍ، وكأن ما رأته يحدث أمام عينيها الآن، ذلك اليوم كان بمثابة صفعة تركت أثرها على خدها إلى هذا اليوم، خروجها من المنزل جعلها ممتنة بأنها مازالت على قيد الحياة.

تأكدت بأن الخــــوف الذي كانت تشعر به كلما كانت برفقته كان لسببٍ، نظراته الحادة التي تطل وقت غـــضــــبه، غيرته المـ.ـجـ.ـنو.نة، همجيته بالتعامل مع أخيها وذاك النادل الذي تطلع لها كل تلك الأفعال لا تنتج الا عن مجرم مختل بالفعل!

مر الليل بسكونه وأتى صباح اليوم المنتظر، استيقظ الجميع باكرًا وتجمعوا على طاولة الافطار ليبدأ من بعدها الجميع بأعمالهم الهامة، فجلست شمس جوار عمران ومالت عليه وهو يرتشف قهوته قائلة: مش هتغنيلي النهاردة؟
وضع فنجانه قبالته وردد باعتراضٍ: لا يوم الفرح هغنيلك وأرقصلك كمان. النهاردة No.
أمسكت ذراعه تترجاه بدلالٍ: بليز يا عمران. طيب غنيلي دلوقتي أغنية
النهاردة هكلم ابوكي، قالها وروحى راحت يانى.

قالى ايه خدودك كسفوكي؟!، لونهم برتقالي
قالى دة عيوني استنوكي. رديت روح جيب فستاني، اللي متزوق باللولي عقبال كل البنات.
ضحك على وأحمد المتابعان لها، بينما اشمئز عمران هاتفًا بحنقٍ: مبحفظش الأغاني الهابطة أنا!
برقت بصدmة: دي هابطة دي. أمال ليك في أيه؟!
خرجت مايا من المطبخ تحمل طبقًا وضع بداخله المسك الطبيعي: سيبك منه يا شمس وتعالي علشان نلحق نخلص.
رددت وهي تميل برأسها على كتف عمران: مش قبل ما يغنيلي.

تناول على شطيرة الجبن وأمره برفق: غنيلها يا عمران احنا عندنا كام شمس!
صوب له أحمد نظرة منزعجة مما يفعله وقال بمكر: رغم إن صوت الطاووس الوقح ده بيزعجني بس عشان خاطر عيون شمس نستحمله. غني يا وقح!
رفع فنجانه يرتشف المتبقي به مرة واحدة وكأنه يبتلع الخمر، وردد بخبث: شكلي كده مش هحارب نعمان لوحده، هترتاح إنت لما أقلب على عيلة الغرباوي كلها يا أحمد باشا!

تعالت ضحكات أحمد ومازحه وهو يضع قدmًا فوق الاخرى بتعالي: لو حاربت العيلة كلها قلبك ميطوعكش تعملها معايا.
ابتسم عمران وقد ارتسمت الجدية على معالمه، فنهض عن مقعده واتجه يحتضن احمد طابعًا قبلة على منبت رأسه باحترام: إنت الوحيد اللي لو وقفت قدام الدنيا كلها أنحني قدامك بكل احترام يا عمي.
ضمه أحمد إليه بحبٍ، وارتسمت ابتسامة مشرقة على وجه فريدة التي تقترب وهي تتابعهما بفرحةٍ.

وبعد قليل نهضت فاطمة وزينب يرفعون الزينة خلف مقاعد العريس والعروس، ومن جوارهما يقف على على الدرج يعلق الزينة بالمكان التي تشير له فريدة الواقفة بالأسفل بكل عنجهية، وخطواتها تترك أثرًا في نفس ذاك العاشق الذي يراقبها.

علي بعد منهم جلس عمران يعد الموسيقى بهاتفه على السماعة الخارجية واتجه لمايا التي تضع المسك على وجه شمس بعناية، وما أن تحرر صوت الموسيقى حتى ارتفع صوته العـ.ـذ.ب يردد: «قولي لأمك يابـ.ـنت
جاية الليلة اطلب ايدك
ولا بعمري عاقل كنت
وحياة الاله بريدك
عشتا بطول وعرض الدني
مابعمرو راسي بينحني
لما دخلتِ بعمري غِني
من عمري نشالله يزيدك»
وارتفع صوته مجددًا وهو يحمل مايا عن المقعد يطوف بها بين ذراعيه هاتفًا.

«أنا لما بحب بحن بجن
بهدm بحرق بقلب جن
الروح بغيباتك بتحن
بتنده وينك»
مال علي على مقدmة الدرج يتطلع لفاطمة التي رفعت رأسها عاليًا تقابل حـ.ـضـ.ـن عينيه الدافئ وصوت عمران يوثق عشق الدكتور على ومريـ.ـضته فاطيما
«أنا لما بحب بكفي بدربي بدوب بلحظة مني تقربي
بتضحك روحي بيفرح قلبي بضحكة عينك».

تركها عمران وإتجه لمقعد شمس التي تتمايل بفرحة وهي تستمع إليه، فانحني يضمها من ظهرها لصدره ورأسه مال على كتفها وهو يناغشها بكلمـ.ـا.ته
«بيك غلّى المهر كتير
فكرو بيغلى عليكِ الغالي
بيك عجزني ت يصير
عليا نجم وصولك عالي
لو فيي ألــماس بجيب
مابعمرو بيغلى عالحبيب
بيرخصلك عمري و بطيب
أنا دmي ومالي».

وإتجه تلك المرة لفريدة، مسك ذراعها بخفة ورقص بها ويده تدور بها لتستلقى على ذراعه الاخر مع انحناءة جسده برقي وطريقة آرستقراطية تعلمها جيدًا، فاءا بضحكاتها تعلو وخطواتها توازي خطواته وهو يغني بصوته الرخيم
«أنا لما بحب بحن بجن
بهدm بحرق بقلب جن
الروح بغيباتك بتحن
بتنده وينك»
«غمزيني بعينك ياروح
بغمزة ببيع الكون وهمو
ع أبعد دنيا منروح
بيرخصلك هالقلب و دmو
ميلي بخصرك صوبي ميلي.

تغنجي عليي تغميلي
ابني ع ذوقك سميلي
وعد تكوني وحدك امو! »
وعاد يردد بسمفونية عـ.ـذ.باء.
«أنا لما بحب بحن بجن
بهدm بحرق بقلب جن
الروح بغيباتك بتحن
بتنده وينك»
انتهى من اغنيته وانطلقت الصفقات المتحمسة من الفتيات، وبالاخص زينب التي قالت بانبهار: صوتك جميل أوي يا عُمران. غنتها أحسن من صاحب الاغنية نفسه.
استدار تجاهها وقال بابتسامة بشوشة: اعمليها بس وارتبطي وهغنيلك للصبح في فرحك.

تلاشت ضحكتها الواسمة وانغمست خلف ابتسامة بسيطة وايماءة من رأسها امتنانًا إليه.
هبط على من على الدرج الخشبي يشير للفتيات قائلًا: فضوا القاعة العمال وصلوا بره هيكملوا هما.
غادرت الفتيات للأعلى برفقة فريدة، فانقسموا ليستعدوا لارتداء ملابسهم.
جهز عمران طاولة ضخمة بالخارج أمر الخدm يتحضير مشعل ضخم للشواء، وقد جهزوا اللحوم منذ الصباح وبانتظاره.

مرت ساعات النهار طويلًا وأتى المساء، فانزوى كلا منهم بغرفته يستعد لارتداء ملابسهم.
انتهت مايا من ارتداء فستانها الذهبي وقد انتهت من حجابها وزينتها البسيطة، أما عمران فخرج من الخزانة ببنطاله فقط والوجوم يحتل ملامحه وهو يهتف بضيق: لازم أعمل الخزنة وأنقل حاجتي بسرعة مش واخد أنا على عدm النظام ده!
راقبته مايا بابتسامة ساخرة، وطالعت انعكاس صورته بالمرآة تخبره: هتتأخر كده يا بشمهندس.

زفر بمللٍ، وأعاد فتح حقائبه مجددًا يبحث عن قميصًا مميزًا لجاكيته الرمادي، انطلقت طرقات باب جناحهما تزف لهما وجود الطارق، فرددت مايا بصوتها الرقيق: ادخل.
ولجت شمس للداخل تحمل طرف فستانها الطويل وحجابها وهي تهتف بحماس: مايا، عايزاكي تحطيلي نفس الميكيب السمبل اللي كنتِ حطاه يوم حفلة افتتاح دكتورة ليلى.

جحظت بعينيها بصدmة وبرقت لعمران الذي انتصب بوقفته عن الحقيبة يحذرها بعدm الحديث ولكنه ما أن رفع يده حتى رددت كالبلهاء: مش أنا اللي كنت عملاه. عمران اللي كان عملهولي.
ألقى قميصه على الفراش هاتفًا بحنقٍ: أدي أخرة اللي يعمل حاجة للحريم!

رمشت شمس بعدm استيعابًا وتلقائيًا تحركت تجاهه، تقدm له حقيبتها المستديرة التي تخص أدواتها الخاصة، وقدmت له الحجاب، تناول عنها ما تقدmه ورفعه قبالتها بسخرية: ده أعمل بيه أيه ده كمان، أشنقك بيه بعد الميكب ولا أربط بيه لسان بـ.ـنت خالتك الطويل!
جذبت منه الحجاب ببسمة عريضة: sorry نسيت انك ملكش في لفة الطُرح
أشار له بسخطٍ على مقعد السراحه: اتلقحي عندك أما أستر نفسي وأجيلك!
رددت باستغراب: تستر نفسك ازاي!

أشار على صدره العاري وهو يهتف بمزحٍ مضحك: ملي عينك من العضلات عشان نفسك تتصد من شوال العضم اللي هتتجوزيه.
رفع حاجبها تتشـ.ـدق بعنجهيةٍ: مين ده اللي عضم، ده آدهم حبيبي طول بعرض بحلاوة بجمال بآآ.
كمم فمها بنظرة حانقة وبنزقٍ قال: عيب يا شمس. عيب تتكلمي كده قدام أخوكي يا حبيبتي. حتى لو الجثة اللي بتتكلمي عنها هتبقى جوزك كمان شوية.

هزت رأسها تطاوعه حتى لا تستفزه فيطردها من غرفته دون ان يضع لها الميكب، تابعتهما مايا وهي تكتم ضحكاتها بصعوبة، بينما حررها عمران وهو يخبرها بجدية مضحكة: اقتنعي إن مفيش راجـ.ـل في الدنيا كلها عنده امكانيات عُمران سالم الغرباوي. وده عشان متنصدmيش بس!
وغمز لها بغــــرورٍ: أخوكي عينة واحدة نزلت وقطعوا بعدها الكتالوج!

ربتت مايا على صدرها تستمحها بأن تسايره بالصمت وأن لا تستهدف عصبيته، فرددت شمس من بين اصطكاك أسنانها: يا حبيبي أنا عارفة ومتأكدة من ده. طب تصدق بالله أنا بتمنى يطلعلنا حالًا واحدة شبه اللي في الافلام الهندي وتقول لأ ده ابني مش ابنكم وتطلع مش اخويا واترجاك تتجوزني. مرضي كده يا عم؟
حك منخاره بانزعاجٍ ومن ثم ربع يديه حول خصره العاري: مش أوي كده!

وتركها واتجه للداخل مردفًا: هلبس وأجيلك نهيص في الألوان لحد ما نوصل للي عايزينه.
توجه للداخل يجذب قميصًا من الخزانة، ارتداه باهمالٍ وخرج إليها يجلس على طرف السراحة، اتخذ خمسة دقائق يتعرف على مستحضرات التجميل من أمامه.
مرر يده على خصلاته وهو يهمس: أشكالها اختلفت ليه كده!
اقتربت برأسها منه لترى ماذا يفعل: هو أيه اللي اختلف؟

أشار لها بانفعال: مكانك لو سمحتي محتاج أركز هنا! وبعدين أنا معرفش عملتها ازاي مع مايا صدقيني مكنتش متعمد أنها تطلع بالشكل ده.
وعاد يهمس وهو يدقق بوجهها وبالألوان التي يحملها: بشرتك أفتح من مايا يبقى نغمق اللون شوية، أممم، خلينا نـ.ـد.مج اللون البني مع اللون ده، لأ وحش.
وجذب الأخر ودmجه فاحتل ثغره ابتسامة رائعة، اقترب منها وبدأ مرددًا: استعنا على الشقا بالله.

اقتربت منه مايا فابتسم وهو يراها تركز بما يفعله وكأنها تسجل كورسًا مهمًا، وحينما توقف عن دmج اللون فوق عين شمس تطلعت له فوجدته يتأملها بنظرة أخجلتها، وخاصة حينما قال ورماديته تغمز لها: حبيب قلب جوزه شكله استعجل ومكيج نفسه وشكله حاسس بالنـ.ـد.م!
ضحكت وهي تؤكد له بإيماءة رأسها فقال وهو يمنحها قبلة بالهواء: ولا يهمك يا بيبي. حالًا اغسلي وشك وتعالي هخلص أختك وأزينك بإيدي انا ورايا أيه يعني!

ضحكت شمس وهتفت: عمران بما إنك مهندس وليك في تقنيات الألوان ينفع تختارلي لون مناكير كويس أحطه!
لزى شفتيه ساخطًا، وضـ.ـر.ب وجهها بفرشاة الحمرة: مفكراني البيوتي سنتر بتاعك، انتي تحمدي ربنا اني قاعد أضـ.ـر.ب الألوان وبحطلك، أنا أساسًا ماليش في الليلة دي، بس هعمل أيه قلبي الرهيف مش هاين عليه يزعلك وتفكري إني حطيت لحبيب قلبي وفكتني منك، واديني أهو بجتهد عشان أخرجلك شغل نضيف. سبيني بقا أركز!

منعت ضحكتها من الانفلات وتركته يعمل بتركيزٍ كما أراد.

بالأسفل.
اجتمع يوسف وجمال وسيف وآيوب، حتى صبا وليلى بالأسفل، ينتظر الشباب انضمام عمران إليهم ويحاول على بقدر الامكان التواجد برفقة أصدقاء عمران لحين ظهوره وأصبح سؤالًا واحد يتردد بينهم: أين عُمران؟!

أتاهم الرد يحلق فوق الدرج، حينما ظهر ببذلته الرمادية الجذابة، ممسكًا بزوجته بيده وبيده الاخرى شقيقته، هبطوا ثلاثتهم وسط نظرات انبهار الفتيات باطلالة شمس ومايا، والملفت بأنظارهن الدقيقة الميكب الرقيق والمتناسق لكلًا منهما.

بحثت عين شمس تلقائيًا عنه، فانفلتت شفتيها بانبهارٍ من ذاك الوسيم الذي ينتظرها بنهاية الدرج ممسكًا باقة ورد ضخمة من اللون الأبيض، يتألق بحلى سوداء اللون وقميصًا أبيض، تحوم من حوله جرفات سوداء، شعره مصفف بعناية وملامح اللون تتألق بشكل جذبها للغاية.
أما هو فكان يراقب تناسق الفستان الأبيض الرقيق حولها، حجابها الذي تركت أطرافه تنغمر من خلفها، زينتها البسيطة الذي زادت جمالها حد الفتنة.

انتهت خطواتها حتى أصبحت أمامه، قدm يده لها وتمهل بخطواته حتى تناسق خطواتها البطيئة بسبب طول الفستان.
استقروا معًا أمام المحامي، وأحمد يجلس قبالة آدهم، بينما على يجلس جوار شقيقته يضمها بابتسامة واسعة وهو لا يصدق بأن صغيرته باتت عروس.

لوهلة توقف عينيه على الدرج، فرأى فاطمة تهبط للاسفل برفقة زينب، ترتدي فستان من اللون السماوي، وترتدي حجابًا مماثل للونه، اتسعت ابتسامته وهو يطوفها بنظرة حنونة جعلتها تبادله البسمة، واتجهت لتجلس جوار صبا وليلى، ولجوارها زينب التي لاحظت اهتمام سيف برؤيتها وحملقته بها طوال الحفل.

وبعد أن انتهى المحامي من الاجراءات ووقع آدهم وشمس بـ.ـارك لهما زوجهما، فنهض آدهم وفاجئ الجميع بضمته القوية لشمس وقبلته التي أحاطت جبينها، وقبل أن تستوعب ما فعله حملها بين ذراعيه ودار بها وهو يهمس لأذنيها: سحلتيني من أول نظرة وخلتيني مش عايز غيرك. بحبك يا شمس.
وأوقفها بين ذراعيه فأمسكت به بقوة حينما شعرت بالدوار، لتقابل بابتسامة واسعة وهمس خجول: وأنا بحبك أوي يا آدهم.

ضمها إليه وردد بسعادة: خلاص بقيت ملكك وإنتِ كمان بقيتي ملكي يا شمس.
راقب عمران ما يحدث باستياءٍ ولكز على الذي يتابعهما ببسمة واسعة: هتفضل واقف ومُنشكح كده كتير!
مال عليه على يخبره بضحك: ده جوزها دلوقتي يا حبيبي، يعني بقت في عهدته فريح وروح سلم على أصحابك اللي متجاهلهم دول.
منحه نظرة ساخرة واتجه للمنصة الصغيرة قائلًا: استسلمت له بسهولة كده! بس أنا لأ!

واتجه ليفرقهما عن أحضان بعضهما البعض، ثم ضمها إليه وهو يمنح آدهم بسمة مستفزة قائلًا بمكر: معلش يا عريس ما أنا لازم أبـ.ـارك وأعمل الواجب بردو.
ابتسم له آدهم وأشار له بتفهمٍ، فاغتاظ عمران، كلما حاول مضايقته يفاجئه آدهم ببرودة أعصابه وتقابله الأمر، يُقسم أنه إذا كانت مايا تمتلك أخًا وغمسها بأحضانه مثلما يفعل لغمسه هو بأحضان المـ.ـو.ت.

بالأسفل. على طاولة الشباب.
انفجر جمال ضاحكًا وصاح لهم: عمران بيطلع نار من ودانه!
ضحك يوسف وردد: هيحط آدهم في دmاغه من دلوقتي!
سيف بضيق: صاحبكم ده مـ.ـجـ.ـنو.ن والله. بيغير على أخته من جوزها!
زم يوسف شفتيه وردد ساخرًا: ما بلاش إنت يا دكتور سي?و. أيوب متلقح جنبك أهو ويشهد!
انقشعت ملامحه بضيق بينما ضحك أيوب قائلًا: طلع عمران نسخه من سيف!
أضاف سيف بحـ.ـز.ن مصطنع: آدهم صعبان عليا أوي! عمران محدش يقدر يلاعبه.

رد عليه أيوب: لا حضرة الظابط باللي عمله من شوية بين أد أيه هو عاقل وراسي وهيعرف يحتوي عمران كويس متقلقش.
قال يوسف بمزح وهو يضـ.ـر.ب كف بكف جمال: محدش بيقدر يحتوي الطاووس الوقح اسالني أنا.
انطلقت الضحكات الرجولية فيما بينهم، حتى أدmها عمران حينما أشار لهم بتتبعه قائلًا: ورايا يا حلو انت وهو، علشان تبقوا تعرفوا تنموا عليا براحتكم!

اتبعوه للخارج بدهشة من حديثه، فصعقوا حينما وجدوه يقف جوار طاولة ضخمة من اللحوم ومشعل نار ضخم، أشار لهم ببسمة ماكرة: أنا بقول طقم البدل السودة دي حـ.ـر.ام تبوظ من دخان الشوي فأيه رأيكم تقلعوا الجواكت. متقلقوش وراكم اللي يساعدكم.
التفتوا للخلف فوجدوا الخدm بانتظارهم، نزع كلا منهم جاكيته وقدmوهم لهم، فعلقوا الملابس على المشجب بينما احتل كلا منهم مهمة.
صاح يوسف بتهكم: اانت عازمنا نأكل ولا نشقى بلقمتنا!

سعل جمال من رائحة الدخان وهتف: أنا غلطان اني سبت أمي وجيت أحضر الحفلة وأخرتها واقف أنش على اللحمة!
وضع سيف السيخ على الشواية وهو يلقي عمران نظرة غاضبة: وانت مقلعتش وجيت ليه تساعد يا عمران.
رفع كتفيه ببراءة مصطنعة: أنا أخو العروسة!
ردد على بسخرية بعدmا نزع عنه جاكيته ولحق بهم: على أساس انك عازب وواقف تصطادلك عروسة ولا أيه مش فاهم!

حانت منه نظرة للداخل وقال بخبث: لا وانت الصادق هوقع العريس. وأهو نجيبه يساعد.
كاد بتجاوزهم للداخل فوقف أيوب قبالته ممسكًا بالخضار والسكين، وقال بسخط: سيب سيادة الرائد في حاله يا عمران، سييه يتهنى مع عروسته واحنا شغالين بداله أهو. اتقي الله يا أخي!
ضيق جفونه بصدmة وأشار لذاته: أنا يتقالي اتقي الله ليه يا شيخ أيوب شايفني رايح أعزمه على ازازة خمرة!
وأشار بحدة: وسع من طريقي خليني أشوف شغلي!

اجتمعت الفتيات بالداخل تتبادلن اطراف الحديث، فانسدلت زينب من بينهن لرغبتها بالخروج للحديقة، خطت بالخارج وسط الأشجار والزهور باستمتاعٍ، لتخـ.ـطـ.ـف نظرات ذلك العاشق الذي ترك ما يفعله واتبعها دون ارادة منه.
تعثر طرف فستانها وكأنه علق بشيءٍ من أسفل قدmيها، فانحنت ترى ماذا هناك، تفاجئت بصندوقًا مغلق يخرج منه أداة حادة رفيعة للغاية انغرست بفستانها الازرق الطويل.

ابعدتها عنها وفتحت الصندوق بفضولٍ، فجحظت عينيها بصدmةٍ مما رأته بداخله لدرجة جعلتها تسقط أرضًا وتزحف للخلف وهي تصرخ بفزعٍ وبكاء دفع سيف بهرول تجاهها وانخفض يطوفها بذراعيه وهو يتساءل بهلع: في أيه؟!
عاونها على الوقوف أمامه ولكنها مازالت تصرخ بانهيار، فصاح بها: زينب مالك؟!
أمسكت بساعديه ويدها تشير للعُلبة بجنون: هيقــ,تــلني، يمان هنا، يمان هيقــ,تــلني!

تطلع تجاه العُلبة فاحتقنت معالمه بصدmة وغـــضــــب، فشعر بثقلٍ يُفذق على صدره، فاذا بها ترتمي عليه فاقدة الوعي، أحاطها بين يديه بإحكامٍ وهو لا يدري كيف سيعود للحفل بها هكذا، فإتجه بها للأريكة القريبة من حمام السباحة، ثم حمل المياه بيده ونثر بها على وجهها وهو يناديها بقلقٍ: زينب. افتحي عنيكي من فضلك!
وحينما لم تستجيب عاد يحمل المياه وينثرها مجددًا، هاتفًا: زينب سامعاني!
رددت ببكاء وشهقاتها لا تتوقف: سيف!

تصلبت أصابعه الحاملة لقطرات المياه وأكثر ما يسره سماعها تناديه حتى وإن لم تكن بواعيها الكامل.
استعادت زينب وعيها، فانتفضت على الاريكة تراقب المكان من حولها برعـ.ـبٍ، فترك ما بيده واتجه إليها يردد بهدوء: اهدي يا زينب، مفيش حد هنا.

عادت تتطلع للعُلبة التي تحمل قطة مذبوحة ووجهها مشوه بمياه نار، تراجعت لأخر الأريكة وهي تضم جسدها إليها وعينيها مازالت مسلطة على العلبة، فجذبها سيف ووضعها في صندوق القمامه المجاور لهما قائلًا: تلاقيها وقعت جوه الصندوق صدفة.

هزت رأسها نافية وقالت ومازالت تضم جسدها المرتجف: هو اللي عمل كده، لما هـ.ـر.بت مصر ووصلي هددني بمية نار إنه هيشوهني، وقالي لو هـ.ـر.بت تاني هيد.بـ.ـحني. هو اللي عمل كده علشان يخــــوفني، هيقــ,تــلني المرادي يا سيف، هيقــ,تــلني.
أشفق على حالها، فرفع بنطاله من ركبتيه وانحني قبالتها على قدmيه يتطلع لها بحنانٍ، ليفاجئها حينما قال: تتجوزيني يا زينب؟
استقرت عينيها التي تفتش بالارجاء عليه ورددت بصدmة: أيه؟

ابتسم وهو يشير لها بجدية تامة لا تناسب الموقف: أنا مستعد أحميكي منه يا زينب. أنا عايز أكون معاكي، عارف إن مستحيل يتولد بينا حب بالسرعة دي بس أنا برتاح لما بشوفك وحابب نكون مع بعض على طول.
نهضت عن الاريكة تشير له بجنون وكأن روحًا تلبستها، وراحت تهتف بتشتتٍ: هيقــ,تــلك يا سيف. إبعد عني، أي حد بيقربلي بيكون مصيره المـ.ـو.ت، إبعد يا سيف.

وركضت لتعود للقصر مجددًا فركض خلفها وهو يصيح بها: جاهز لكل ده يا زينب، صدقيني لو بقيت جنبك محدش هيقدر يأذيكِ.
وقفت محلها تستمع إليه وصوت بكائها يعلو دون توقف، فاستدارت تجاهه تقول ببسمة ألــم: تفتكر إني مش عايزة إنك تكون قريب وجنبي! بس صدقني مينفعش إنت متعرفهوش يا سيف، ده شيطان!
وتابعت وهي تتراجع للخلف: إبعد عني يا سيف علشان خاطري ابعد!
ارتدت برأسها للخلف بعينين تبرقين بصدmة، فابتسم آدهم وهو يراقبها بنظرةٍ تتفحص إنعكاس تأثير قربه منها، رمشت بأهدابها بعدm استيعاب، بينما تختلج أنفاسها داخل صدرها بفعل إرتعاش قلبها البريء، تقسم بأنها إن كانت بمفردها معه لفقدت السيطرة على مشاعرها التي نجح هو باختراقها باجتيازٍ.
ابتسم بمكرٍ على ما أحدثه بها وقال مداعيًا البراءة: مالك يا شمس؟ انتِ كويسة؟!

لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ ورددت ببطءٍ وكأن صوتها احتبس داخلها: إنت قليل الأدب يا آدهم!
تمردت ضحكاته الرجولية دون توقف، فرفع يده يزيح دmـ.ـو.ع عينيه التي تساقطت من فرط نوبة ضحكاته، وقال بحنكٍ خبيث: ليه بس يا حبيبي، مش كنتِ زعلانه إني مش بعبرك عن مشاعري وإني قليل الكلام.

خـ.ـطـ.ـف نظرة للقاعة الخارجية ودنى إليها يهمس جوار أذنها: قولتلك وقت ما تكوني مراتي. حلالي. إسمي موشوم جنب إسمك هعبرلك بالشكل اللي يأكدلك إني وقعت في عشقك من أول لحظة عيني حـ.ـضـ.ـنت عيونك. أنتِ كل دنيتي يا شمس!
رفع يده يحتضن خدها مستغلًا تركيزها الكامن على ما يقول، فوضع قبلة على جبينها واسترسل بنبرته الرخيمة: إنتِ شمسي اللي نورت عتمة ليلي!

وواصل في سبر أغوارها: شمس هانم الغرباوي أنا بعشقك ومستعد أخوض ألف معركة أمـ.ـو.ت فيها ألف مرة علشانك.
وأكمل بهمسٍ مغري: لإنك تستاهلي!

ارتبكت أمامه كالطفلة الصغيرة التي لا تجيد اختيار كلمـ.ـا.تها، كانت تظنه هادئًا، لا يحب الحديث كثيرًا، وها هو الآن يفاجئها بغرامه المدفون داخله لها، يجذبها لباحة الرقص على ترانيم عشقًا جعلت قلبه ضعيفًا لا يقوى على مجابهته، بينما يستكمل هو الطريق لكسب المعركة كاملة على قلبها المسكين: طلعت 26 مهمة على مدار تاريخي المهني مخسرتش أي عملية طلعتها. كان أول طريق فشلي هي اللحظة اللي شوفتك فيها وسمعت صوتك، وكملت باقي الطريق لما لفيتي من مكانك وبصيتي في عيوني!

كل مرة كنت بشوفك فيها كنت برتبك وبخاف أنكشف، مكنتش هقع لوحدي فريقي كله كان في خطر بسبب ظهورك ليا يا شمس!
جذبها إليه بقوةٍ لتلتصق بجلسته على الأريكة، مستطردًا بأنفاسٍ تحشرجت من كثرة مشاعره: صعب على أعدائي يكشفوا هويتي، اتدربت إني أكون محصن صعب حد يكتشف أنا مين؟ حتى لو حطوني على أجهزة كشف الكدب كلها مستحيل هيطلعوا مني بمعلومة. الا قدامك أنتِ!

حسيت إني بضعف قدامك، وجودي جنبك ومساعدتك طول الفترة اللي كنت فيها جوه قصر راكان كان بيعرضنا كلنا لخطر كبير وأنا كنت جاهز ليه علشان بس أشوف ابتسامتك. أقنعت اللي حواليا إني بتقربلك علشان ممكن استغلك توصلي لينا الملف والحقيقة إني استغليتك علشان أرضي قلبي!

مال يستند بجبينه على جبينها وعينيه تتمعن بحدقتيها الناطقة بعشقه: بحبك يا شمس. بحبك أكتر مما تتخيلي. أقسملك بالله العلي العظيم إن بعدي عنك طول الفترة اللي فاتت مكنش تقل مني عليكي ولا برود زي ما أنتي فاكرة. بعدي كان حفاظ عليكي وعلى قيمتك الغالية، بعدي كان عشان أصونك مني ومن مشاعري اللي بتتحرك أول ما بلمحك...

وتابع ببسمة ساخرة: قربك كان هيدmر شغلي ويكشفني لأعدائي فما بالك لو قربت وأنا كاشفلك حبي وهويتي. صدقيني بعدي كان خــــوف مني إني أضعف قدامك!
فتحت عينيها الخجولة إليه، ورددت على استحياءٍ: وأنا كمان بحبك أوي يا آ.
اسمي الحقيقي علشان خاطري!
بحبك يا عمر!
ضمها إليه وهو ينتهد بعاطفةٍ، يده تضم رأسها إليه، واليد الاخرى تدفنها داخله، سحبت نفسًا ثقيلًا يليه الأخر من رائحته التي تتسلل لها لأول مرة.

عطره كان هادئًا، لطيفًا مثل شخصيته، لا يفرد طاغيته الا حينما تقترب منه، لذا لم تشعر به الا وهي ساقطة بأحضانه.
فتح عينيه يستعيد وعيه من تلك الحالة التي ستفقده كل مهاراته حتمًا، فتنحنح وهو يبعدها عنه بلطفٍ: في حد جاي علينا.
وإتجه لمقعده المجاور للأريكة مسترسلًا ببسمة ساخرة: ومن خطواته المتعصبة دي أعتقد إنه عُمران.

برقت بدهشةٍ حينما انفلتت طرقات باب غرفة الضيافة، وطل رأس أخيها من خلفه يخبر الأخر بابتسامة مغتاظة: اطلع يا عريس. عايزك!
هز آدهم رأسه إليه ونهض ليغادر، فأوقفته حينما تمسكت بيده متسائلة بحيرةٍ: عرفت ازاي؟!
اتسعت ابتسامته ومال يهمس لها وعينيه لا تفارق باب الغرفة: تدريبي كان على إيد شخص خلانا نستخدm حواس الجن نفسهم. الشخص ده يبقى الجوكر!
دعواتك أقدر أكسب عمران لصفي لإنه شكله هيحل محل الحمى العقربة!

قالها وهو يودعها بغمزة ساحرة وقبلة طائرة بالهواء، فما أن أغلق الباب من خلفه حتى ارتمت على الأريكة تضم قلبها الخافق، هاتفة بدهشة: إنت بقيت خطر على مشاعري يا سيادة الرائد.
وتابعت وهي تزدرد ريقها بـ.ـارتباكٍ: هسافر معاه لوحدي ازاي ده؟!
وقف قبالته يمنحه ابتسامة هادئة، وسؤاله يتحرر على شفتيه: خير يا عُمران؟

ربع بديه بمنتصف خصره وهو يشمله بنظرةٍ تقيمية، ومن ثم صاح بمكرٍ: النهاردة عزمت الشباب على حفلة شوي على شرفك، وكلهم بلا استثناء واقفين برة بيحضروا المشواي في حين إن حضرتك قاعدلي جوه تحت التكيف ومش في دmاغك حد!

راقبه وهو يجوب الردهة ذهابًا وإيابًا ولا يتوقف عن الحديث، حرر آدهم جاكيته ووضعه على ذراعه ثم حل أول أزرار قميصه والطاووس مازال يراقبه بعدm فهم، فوجده يشير بيده تجاه الباب المؤدي للحديقة: وريني المكان وأنا أساعد.

ارتسمت ابتسامة انتصار على وجهه، فأشار له بتتبعه حتى وصلوا معًا للباب الخارجي، فأمسك آدهم كتفه يمنعه من الخروج ووقف قبالته: عُمران أوعى تفكر إني ممكن أغير على شمس منك أو من علي، أنا آه بحبها وبعشقها بس عمر ما حبي وغيرتي عليها توصل لاخواتها اللي ربوها، بالعكس الحنية اللي بشوفك بتعاملها بيها إنت ودكتور على بتفرحني وبتخليني سعيد جدًا من اختياري.

وضع عُمران يده بجيب سرواله القماشي ووقف يراقبه بثباتٍ قـ.ـا.تل، فتابع بابتسامةٍ واسعة: بتخيل شكل الحياة اللي هعيشها معاها لما ربنا يكرمنا بأولاد. بقى عندي ثقة كبيرة إنها هتقدر تزرع الحب اللي شافته بينكم مع أولادي. أنا ولد وحيد يا عُمران مكنش ليا لا أخ ولا أخت فمعنديش خلفية عن اللي بيكون بين الأخوات لكن شمس هتقدر تنقل اللي اتربت عليه لأولادي.

طال به الصمت وهو يستمع إليه، فحل يده جاذبًا جاكيت آدهم ووقف خلفه يعاونه على ارتدائه وسط نظرات دهشة الأخير، فقال: معناه أيه ده؟
ابتسم الطاووس الوقح وهو يجيبه: معناه بسيط. إني عفوت عنك يا سيادة الرائد، ارجع لمراتك واقعد معاها وأنا هكون بدالك.
ونزع عنه الجاكيت خاصته واتجه للخروج غامزًا له بمكرٍ: إنت لسه عريس ميصحش!

اتبعه للخارج والابتسامة تنجرف على شفتيه بفرحة انتصاره الأول، فوجد الشباب بأكملهم يعملون بجهدًا كبيرًا حتى علي.
جذب عُمران الكماشة الضخمة من جمال وأشار له بالتراجع عن الشعلة ليحتل هو محله، تراجع للخلف من شـ.ـدة الأدخنة، فترك الكماشة ونزع عنه قميصه ووقف عاري الصدر.
ضحك يوسف وصاح بصوتٍ مرتفع ليكون مسموع لمن يقف أمام صوت النيران: دي مش حفلة شوي دي حفلة استعراض عضلات الطاووس الوقح على الملأ!

شاركه جمال الضحك وأردف: استر نفسك يا عمران الحفلة كلها بنات متخليش البشمهندسة مايا تطلب الطـ.ـلا.ق النهاردة!
مسح أيوب بقايا الخضروات عن يديه وقال باستنكارٍ حينما وجد آدهم يجاوره: عملت بردو اللي في دmاغك وجبت العريس!
انتبه على لجملة أيوب فتطلع تجاهه فوجده يقف جواره، فقال بحرجٍ من تصرفات أخيه الطفولية: آدهم. متسمعش كلام الوقح ده وإدخل إنت لعروستك. احنا خلاص قربنا نخلص.

حرك يده يبعد رائحة الدخن عن أنفه وقال: عُمران طلب مني أرجع بس أنا اللي حبيت أجي أبص عليكم عشان لو محتاجين حاجة.
قاطع أحاديثهم ولوج سيف بملامح ممتعضة، فدفع قبالتهم صندوقًا مغلقًا، تابعه الجميع باهتمامٍ وكان أيوب أول من تحدث: إنت جايبلي هدية ولا أيه يا سيفو؟

توقفوا جميعًا عن اعداد الطعام وراقبوا سيف الذي تزداد معالمه حدة، فترك جمال ما بيده واقترب من الصندوق الموضوع بمنتصف الطاولات وكشف عن غطاءه، فاشمئزت ملامحه وتراجع للخلف وهو يحجب فمه بيده ولكنه لم يتمكن من الاحتمال فتقييء لذاك المنظر المقزز الذي رأه.
اتجه يوسف لأخيه يسأله باستغرابٍ وحدة لظنه بأنه يمزح بأمرٍ كهذا: ده أيه يا سيف فهمني؟!

رد عليه وهو يوزع نظراته بين على وعمران: الصندوق ده وصل لدكتورة زينب من يمان بيهددها فيه ببجاحة جوه بيتكم!
قال أيوب بحدةٍ: ازاي جاله قلب يعمل كده في حـ.ـيو.ان بريء! وكل ده ليه علشان بخــــوفها!

ترك عمران محله وأسرع إليه يلقي نظرة عن قرب، حتى على كان لجواره، كان الأمر محير للبعض ومفهوم للأخر، فتحرر آدهم عن صمته قائلًا: كونه إنه يبعت الصندوق ده في تاني يوم تنقلوا فيه هنا فده رسالة مباشرة إنه يقدر يوصلها في أي مكان تروحه.
واستطرد بوجومٍ قاس: اللي عمله مع عمران قبل كده ودلوقتي مع زينب بيأكد إن الشخص ده مش عادي ولازم نتعامل معاه قبل ما يأخد خطوة تانية يا دكتور علي.

سحب نظراته الغاضبة عن الصندوق وتطلع إليه يخبره: أنا فعلًا ابتديت أتحرك يا آدهم. وخليت عمي يطلب حراسة مشـ.ـددة من شركة معروفة هتوصل بعد بكره يحاوطوا البيت ومش هيفارقوا زينب.
جذب يوسف أحد مقاعد الطاولات وجلس يردد: مش كفايا يا علي. أكيد راجـ.ـل زي ده مش سهل وهيعمل حساب لوجود الحرس يعني ببساطة يقدر يتغلب عليهم.

جذب جمال مقعدًا وجاور يوسف قائلًا: المصـ يـ بـةإنه وصلها هنا وهي جوه البيت لو مكنش عمل كده كنت قولتلكم خلوها في البيت اليومين دول عما تشوفوا هتحلوا الموضوع ده ازاي!
ركل عمران الصندوق بعيدًا عنهم وصاح بعنفوانٍ: ليه فاكرها سايبة بروح أمه ده ميخدش في إيدي غلوة ابن ال، يظهرلي راجـ.ـل لراجـ.ـل وأنا أوريه مقامه.
جلس على وسحب عمران لمقعد مجاور له هاتفًا: عمران اهدى مش عايزين نلفت الانظار لينا.

تحرر سيف عن صمته حينما قال: الحل عندي أنا.
اجتمعت نظرات الشباب إليه باهتمامٍ، فتنحنح بخشونة: لو أنا ودكتورة زينب اتجوزنا يمكن يمل ويبعد عنها.
جحظت عين يوسف صدmة، فصاح بسرور: أقسم بالله كان قلبي حاسس إنك وقعت يالا. مدام طلبتها بلسانك هجوزهالك حتى لو خـ.ـطـ.ـفتها واجبرتها تتجوزك.
لكزه جمال بغـــضــــب: إتكن يا يوسف ده وقته بذمتك!

تنهد على بحـ.ـز.نٍ وصاح: ده مش حل يا سيف، شخص زي يمان عمل كل ده علشان يوصلها مش هيتقبل إنها تكون لغيره، فأنت كده بتحط نفسك في وش المدفع لإنه ببساطة زي ما قدر يضـ.ـر.ب نار على عمران لمجرد إنه شتمه وهدده يبعد عنها قادر يعملها معاك. فحاول تخليك بعيد عن الموضوع ده لحد ما نشوفله حل.
جلس آدهم جوار أيوب وقال: دكتور علي. أنا محتاج أتكلم مع دكتورة زينب. من فضلك ناديها.
لف برأسه لأخيه قائلًا: نادي زينب يا عمران.

نهض عن مقعده يجذب قميصه الأبيض، ارتداه بإهمالٍ وولج للداخل، يبحث عنها بين جلسة السيدات.
حضر الحفل بعض النساء الأجنبية ذات الطبقة الآرستقراطية، أغلبهن أتينا الحفل لأجل فريدة، خـ.ـطـ.ـف عُمران الأنظار فور دخوله من الباب الداخلي بقميصه المفتوح على مصرعيه وعينيه الرمادية التي تتنقل بين النساء، فأتى على مسمع فريدة قول احداهن: يا إلهي. من هذا الوسيم؟

زاغت الأعين تجاه من استحوذ على عقل تلك المرأة، فجحظت الأعين بفجورٍ اعتادوا عليه الغرب، فأستدارت فريدة تجاه ما يتطلعوا تجاهه فبرقت بغـــضــــبٍ، تركت الجلسة وأسرعت إليه تناديه بحزمٍ: عُمرااان!
تركز ببصره على والدته التي ترنو إليه كالعاصفة، تشير له بحدة: أيه اللي مدخلك هنا بمنظرك ده؟!
خـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة لقميصه ثم عاد يتطلع لها بدهشةٍ، وببساطة قال: كنت واقف قدام الفحم فأكيد مش هقف بالبدلة يعني!

شـ.ـددت على كلمـ.ـا.تها بغـ.ـيظ من بروده: إقفل قميصك يا ولد، الستات عينهم هتتقلع عليك!
شملهم بنظرة عابثة ويده تعيد غلق أزرر قميصه، وبوقاحه قال: ما أنا طول عمري خاطف أنظار جنس حوا كله أيه الجديد؟!
بحزمٍ صاحت: عُمران!
انحنى برقيٍ داهي: فريدة هانم!
وانتصب بوقفته ليفاجئها بقبلة وضعها على وجنتها هامسًا بمكرٍ: متحاوليش تقوليلهم إني ابنك لان محدش هيصدقك!

وركض من أمامها للأعلى تاركها تتطلع إليه بصدmة، حسنًا فمن سيصدق بأن ذاك الشاب الذي يفوق حجمها مرتين تقريبًا يكون ابنها الصغير! وبالرغم من أن الأغلب من أصدقائها يعرفه جيدًا الا أنها ارتبكت وتـ.ـو.ترت من الجمع الحاضر.
استدارت فريدة لتتجه لطاولتها فرفعت يدها تعيد خصلاتها المتمردة للخلف، فنفرت من رائحة يدها التي كانت تستند على صدر عمران فور انحنائه لتقبيلها.

قربتها فريدة لأنفها فوجدت رائحة البرفيوم الخاصة به عالقة بأصابعها، والمقبض لها بأنها شعرت بحاجتها المفاجئة لاستفراغ ما بداخل معدتها.
هرولت للحمام بتعبٍ، تفرغ ما بجوفها حتى انتهت، وقفت فريدة أمام المرآة الخارجية تعيد ترتيب خصلات شعرها ومكياجها البسيط، فاستندت على الحافة تردد بدهشة: أنا أيه حصلي!

واسترسلت بذهولٍ يجتاحها: أنا دايمًا كنت معجبة بالبرفيوم بتاع عُمران. أنا اللي كنت بطلبهوله مخصوص من فرنسا!
ورفعت رأسها تقابل انعكاسها بالمرآة وكفها يكبت فمها بصدmة: لأ، مستحيل أكون آآ، حامل!

صعد للأعلى يبحث عنها، فوجدها برفقة زوجته وزوجة أخيه، وزوجات أصدقائه، غـــضــــب عمران بصره وتنحنح بحرجٍ من وجوده بجلستهن الخاصة فقال: أنا أسف لو قطعت كلامكم. على عايزك يا دكتورة زينب تحت.
وقفت فاطمة جوارها تتساءل بقلقٍ: خير يا عمران في حاجة؟
أجابها على الفور: أبدًا، أعتقد الموضوع خاص بالجامعة بتاعتها.

ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ، ومع ذلك رسمت ابتسامة صغيرة ومسدت على كف شقيقتها: هروح أشوفه عايزني ليه وجاية يا فطيمة.
هزت رأسها بتفهمٍ وأشارت بابتسامة هادئة: طيب يا حبيبتي. متتأخريش القعدة مع دكتورة ليلى وصبا متتعوضش.
ابتسمت ليلى ورددت: والله انتوا اللي القعدة معاكم مـ.ـيـ.ـتشبعش منها.

ضحك عمران ومازحهن: لو القعدة عجباكم كده كنسلوا المرواح واقعدوا كام يوم غيروا جو، أهي تكون فرصة نرجع المتسلطين دول لايام العزوبية ويعرفوا قيمتكم كويس.
غمزت صبا بمكر للفتيات وقالت: طيب وليه ميبقاش العكس. نأخد البشمهندسة مايا عندنا ونعرفك قيمتها؟

ضمت يديها معًا ورمقته بنظرة تسلية، فانصدmت حينما انحنى يميل على كتفيها ويضمها إليه بكل تملك: مقدرش أعيش من غير حبيب قلبي، مش إنتي عارفة إني مقدرش أبعد عنك يا بيبي؟
أحمر وجهها خجلًا فتراجعت بمقعدها وهي تردد: عُمران!
غمز لها وتراجع متنحنحًا: يلا يا دكتورة؟
هزت زينب رأسها بخفة واتبعته للأسفل.

أغلق عينيه يقاوم ارتعاش قلبه داخل صدره العضلي، يشعر بخطواتها الرقيقة تقترب خلفه، استدار برأسه من فوق كتفه يراها تدنو منهم برفقة عُمران، يدها المرتبكة تجذب طرف ححابها المتطاير بفعل نسمـ.ـا.ت الهواء، فستانها ينحدر أطرافه من حولها كالأميرات.

أصبحت قبالته تقف على استحياء، عينيها مثلما اعتاد تهرب من لقاء مُقلتيه، أشار لها على بالجلوس على المقعد المقابل لآدهم وسيف الذي طلب منه آدهم أن يظل على الطاولة بينما عاد جمال ويوسف وأيوب يتابعون نضج اللحم على المشعل حتى لا تخجل من تجمعهم من حولها.

جلس عُمران جوار أخيه فبدأ آدهم بحديثه: دكتورة زينب أنا طلبت من دكتور على أننا نتكلم شوية لإن باللي عمله يمان ده النهاردة باين انه مش سهل. فمحتاج إنك تساعديني بأي معلومة ت عـ.ـر.فيها عنه.
فور أن ذكر إسمه ارتبكت بجلستها، أصابعها تفرك ببعضها البعض فوق الطاولة بشكلٍ ملحوظ، طال صمتها بشكلٍ أرضخ على ليناديها: زينب!

أجلت حلقها الجاف وهي تجاهد كلمـ.ـا.تها للتحرر: يمان بيتاجر في الاسلحة، وله علاقات بناس مسنودة هي اللي بتحميه ومخلياه ميعملش حساب لحد.
قدm لها آدهم ورقة بيضاء وقلم أسود: اكتبي اسمه كامل وكل اللي ت عـ.ـر.فيه عنه يا دكتورة. ومتقلقيش هنقدر نتعامل معاه.

جذبت الورقة ودونت ما طلبه منها آدهم ونظرات سيف لا تفارقها، فانفرد بصوته الرجولي يخبرهم: دكتور على الفترة الجاية هيحاول يظهرلها بأي شكل، لو الدكتورة هتنزل الجامعة يكون مع حضرتك ورجوعها معاك بردو. وجوه الجامعة سيف عينه هتكون عليها علشان كده خليته يقعد معانا ويسمع الكلام.
ابتسم بسعادة كونه سيتكفل بحمايتها، يقسم أنه سيفديها بروحه إن تطلب الأمر، فقال: متقلقوش طول ما هي جوه الجامعة هتكون تحت عنيا.

لكزه عُمران وفاه بعصبية: متسبلش بروح أمك!
كبت آدهم وعلى ضحكاتهما، تركت زينب الورقة وغادرت للأعلى على الفور.

وزع الشباب الأطباق على الطاولة الضخمة، وجهزوا أطباقًا للنساء، فحملهم على وصعد بما يحمله للأعلى، تناولت منه فاطمة الاطباق ومررتها لمايا وزبنب ليضعوا الاطباق على طاولة السيدات، بينما اجتمع الشباب بالاسفل، يتناولون الطعام بجوٍ من المرح والحديث المتبادل حتى ساعات الليل المتأخر فتفرقوا جميعًا لمنازلهم.

عاد أيوب لشقته، وإتجه لغرفته حينما وجد ضوء غرفتها مغلق فعلم أنها قد غفت، أبدل ثيابه وإتجه لمكتب غرفته الصغير، يضع من أمامه عدد من الكتب ليبدأ مذاكرته استعدادًا لامتحانات السنة الأخيرة من الجامعة.
انـ.ـد.مج بمذاكرته فأتاه رنين الهاتف يزعجه عن التركيز، رفع أيوب الهاتف مرددًا بدهشة: أيه اللي مصحيك لحد دلوقتي؟!

أتاه صوت سيف الهائم كالسكير: عيونها وألف آه من عيونها، بتحكي مليون حكاية وكأنها تراث أثري، قدامها أنا عاجز حتى إني أفتكر إسمي، وبكل بجاحة واقف قدامها بقولها اللي بينا مش حب إرتياح! لأ أنا بحبها ونفسي تكون ليا الزوجة اللي تساندني وتعفني عن كل الستات. أنا عايزها ليا يا أيوب!

رمش بعدm استيعاب لما يستمع إليه، فأبعد عنه الهاتف وهو يتفحص شاشته ليتأكد بأن من يحدثه هو سيف صديقه، عاد يضع الهاتف فاستمع إليه يردد: روحت فين يا أيوب. صاحبك عاشق وغرقان في عشقها!

عاد بظهره لمقعده وتنهد بضيقٍ: سيف أنا مش مبسوط باللي بسمعه منك، طول ما هي مش على ذمتك مينفعش تتكلم عنها بالشكل ده. ثم إنك بأي حق تدقق في لون عنيها وشكلها إنت طول عمرك بتغض بصرك أيه حصلك! عايزها تكون السبب ورا ذنوبك يا سيف ترضهالها؟
أجابه بكل لهفة حملها داخله: مرضاش ليها غير بكل شيء جميل إتخلق علشانها، بس غـ.ـصـ.ـب عني يا أيوب، عشقها دخل لقلبي غـ.ـصـ.ـب عني!

وتابع بحرجٍ مما سيقول: عارف لما شوفتها بتتنفض ومرعوبة وهي شايفة الصندوق كان نفسي أجري عليها وأضمها جوه حُضني. كان نفسي أطمنها يا أيوب، واتمنيت أشوف الكـ.ـلـ.ـب ده قدامي أقسم بالله كنت هعرفه مقامه ابن ال
منع ابتسامة كادت أن تصدح إليه، وردد بعدm تصديق: معقول اللي بيتكلم ده سيف!
رد عليه يجيبه: هو بغباوته بس بعد ما وقع في الغرام. أنا بحبها وعايزها يا أيوب.

ضحك ساخرًا: طيب وهي مش موافقة نعمل أيه بقى يا دكتور سيف؟
مازحه قائلًا: نخـ.ـطـ.ـفها وأكتب عليها غـ.ـصـ.ـب عنها يا بشمهندس أيوب
تعالت ضحكاته بعدm تصديق: ده إنت طلعت واقع لأقصى درجة وأنا معرفش!
رد عليه بهيام: واقع من الدور العشرين والله، من ساعة ما شوفتها النهاردة ومش جايلي نوم، الحمد لله إن يوسف وصلني وروح لو شافني بالحالة دي هياخدني أنا والمأذون واتنين شهود وهيعسكر عندها لحد ما تمل وتواقق.

قال أيوب بمكرٍ: بص يا معلم إنت علاجك عُمران سالم الغرباوي، اتصل بيه وهو يُظرفك كلمة بروح أمك المشهور بيها هيأتيك النوم من حيث لا تدري!
زفر بسخطٍ: ملقتش غير الطاووس الوقح. إنت عايز تخلص مني يا أيوب!
جذب الكتب أمامه وصاح بنزقٍ: بص يا عم الحبيب أنا بدأت مراجعة عشان الامتحانات قربت، فأقفل الله يكرمك خلينا ألحق أراجع أي حاجة قبل ما غيبوبة النوم تحضر.

تأفف بغـــضــــب: هقفل وأبقى قابلني لو سهرت. إنت أخرك نص ساعة وهيغمي عليك مكانك، سلام يا ابن الشيخ مهران.
أغلق الهاتف وابتسم رغمًا عنه حينما تردد إليه ذكرى قلبت عليه الحـ.ـز.ن لتجعل مُقلتيه تدmعان تأثرًا.

أيوب أنا تعبت، أنا بشيل هم امتحاناتك بسبب التكديرة السودة دي، فأرجوك أنا مش عايز مشاكل مع عمي، هريح هنا جنبك نص ساعه أصحى ألقيك بتكمل مذكرتك. فاهم.
قالها يونس باستعطافٍ لأيوب الذي يجاهد لفتح عينيه على مكتب غرفته، فهز رأسه يؤكد له بأنه سيلتزم بالتعليمـ.ـا.ت.
تمدد يونس بإرهاق على فراش أيوب، وقبل أن يغلق عينيه قال: متصحنيش الا لو حاجة وقفت عليك أو محتاج شرح حاجة.

هز رأسه وهو يتفحصه بمكرٍ، فما أن سقط يونس بنومه حتى ارتخى أيوب بجلسته، رافعًا قدmيه على سطح المكتب، ووضع الكتب فوق رأسه ليمنع ضوء الغرفة من أن يزعجه.
مرت خمسة وعشرون دقيقة حتى فتح يونس مُقلتيه الساحرة بانزعاجٍ، ففتحهما على وسعيهما بصدmة فور رؤيته يغفو هو الأخر.
انتفض عن الفراش يصـ.ـر.خ بغلظةٍ: أيوب!

سقط عن المقعد فزعًا، فأسرع الاخير إليه يجذبه من تلباب قميصه كاللص، وأعاده لمقعده وهو يدنو منه بنظراتٍ ملتهبة: بتستغفلني يا أيوب. عايز تزعل عمي مني!
وتابع ومازالت يده تقبض على مقدmة قميصه: ده أنا سايب شقتي يا حـ.ـيو.ان ونايم هنا معاك في اقامة جبرية، بقولك هريح نص ساعة أصحى ألقيك متخمد قبلي! عارف لو عمي دخل علينا هيعمل فيا أنا أيه!

تثاءب بنومٍ ومال برأسه يغفو على يد يونس مردفًا: معتش قادر يا يونس خلاص فصلت، سبني أنام كلها كام ساعة وهنزل الامتحان.
عاونه يستقيم بجلسته قائلًا: لا يا حبيب أخوك مش هقدر. إنت عارف الشيخ مهران بيقتحم الاوضة مرة واحدة مقدرش أواجهه كده. قوم شـ.ـد حيلك عما أعملك كوباية قهوة من صنع ايديا.

هز الأخير رأسه، وراقبه حتى خرج للمطبخ فضم الكتاب إليه وغفى من فوقه على سطح المكتب، مرت الدقائق حتى عاد يونس بصينية القهوة وبعض شطائر الجبن هاتفًا بحماس: سيحتلك الرومي في السندوتش الرومي زي ما بتحب. يلا يا بطل كمل مذاكرتك وآآ...
ابتلع باقي جملته بصدmة، فوضع الصينية على المكتب ورفع يده يهوى بها على رقبته صائحًا: انت ناوي على مـ.ـو.تي النهاردة يابن الشيخ مهران!

زفر أيوب بضيق: يا يونس حـ.ـر.ام. انت عارف إني في العادي بنام من 8 جاي تسهرني لتاني يوم الامتحان، سبني أنام قبل ما بابا يصحيني عشان صلاة الفجر والجو برد أهو وأنا مش قادر والله.
سحب يونس يده للفراش قائلًا بحنان: طيب تعالى اتغطى وأشرب قهوتك وهتسهر للصبح. أنا حتى عملت لنفسي قهوة عشان أسهر معاك.
تناول كلاهما القهوة وبعد دقائق غفى أيوب على كتف يونس وسقط رأس يونس فوق رأسه بعد أن غلبه النوم هو الأخر.

مرت ساعة كاملة وولج الشيخ مهران بجلبابه الأبيض الوقور ومئزره العسلي ليخبرهما باقتراب موعد الفجر، وكعادته يصطحبهما معه لفتح المسجد قبل حضور المصلين، فتفاجئ بيونس يغفو وهو يضم أيوب بين أحضانه كالطفل الصغير.
ابتسم الشيخ مهران وهو يتابعهما بحبٍ، ظل لدقائق يراقبهما ومن ثم تنحنح وهو يستعيد ثباته وصاح بخشونة: فوق منك ليه، الفجر قرب يأذن.

انتفضوا بفزعٍ حينما وجدوه أمامهما، فردد يونس بتلعثم: متقلقش يا عمي كله تمام.
ابتسم ساخرًا: .
لا مهو واضح، بقى أشـ.ـدد عليك إنك تذاكرله أدخل ألقيك منيمه في حـ.ـضـ.ـنك يا معلم!
منحه يونس نظرة معاتبه فردد أيوب بخفوت: آسف والله.
عاد يونس يتطلع لعمه قائلًا ببسمة واسعة: أيوب لسه مخلص مذاكرة وكان بيرتاح قبل صلاة الفجر، صدقني يا عمي أيوب جدع وشاطر اللهم بـ.ـارك، أنا واثق إنه هيرفع رأسك وهيحقق حلمه وحلمك.

ابتسم الشيخ مهران بحبٍ يحمله لابن أخيه والذي يعد ابنه الأول، فمرر يده على شعره الفحمي الطويل مرددًا بحب: واثق فيك قبل ما أثق فيه يا يونس.

وتابع بنبرة فخورة: زمان وإنت في تالتة ثانوي كنت خايف لتخذلني، خصوصًا إن مكنش في دmاغك غير التجارة وادارة محل اجهزة الكهربائية بتاع أبوك، خــــوفت متجبش مجموع حلو بس إنت كنت بطمني دايمًا وبتقولي أنا هنجح يا عمي وهجيب مجموع يشرفك وعلى وعدي اني هكمل تعليمي للأخر بس مش هشتغل غير في تجارة أبويا، وفعلًا طلعت راجـ.ـل وقد كلمتك دخلت كلية حاسبات ومعلومـ.ـا.ت ومع إن جالك تعين فيها كدكتور جامعة الا إنك رفضت ووقفت في محل أبوك.

وتابع بابتسامة صافية تشق تلك سنوات نجاح ابن شقيقه: لما سحبت فلوس ميراثك من البنك خــــوفت تضيعها منك في شيء يخسرك بس إنت طول عمرك شاطر وجدع، وأهو بفضل الله المحل الصغير بقى دكانين كبـ.ـار في بعض واسمك بقى يتعمله حساب في شارع النجار كله، وفي كلتا الحالتين رفعت راس عمك فوق يا يونس.

انحنى يقبل يد عمه واستقام يقبل رأسه الأبيض الذي يغزو الشيب كله، وهو يردد باحترام وحب: ربنا يخليك ليا يا عمي، أنا ماليش غيرك في الدنيا بعد أبويا الله يرحمه، وربنا يعلم إن أيوب ده أخويا الصغير.
ضمه إليه وهو يربت على ظهره بحنانٍ: عارف يا حبيبي، يلا اتوضى وهات أيوب وحصلني على المسجد.

مرر أصابعه على سبحته البيضاء واتجه للخروج وهو يستطرد: متتأخرش علشان انت اللي هتقيم الصلاة بدالي النهاردة، واخد دور برد وصوتي تعبان.
أشمر عن ساعديه وهو يهز رأسه بفرحةٍ: حاضر يا عمي، مش هتأخر.
وفور خروجه إتجه لأيوب يجذبه عن الفراش صارخًا به: قوووم بقى متجبلناش الكلام تاني!

عاد من ذكرياته بعينين دامعتين وابتسامة صغيرة على شفتيه، أغلق أيوب كتابه ونهض بتوضئ واتجه لسجادته، يصلي ويطول سجوده داعيًا له من كل قلبه، يلح على الله أن يفرج كرب ابن عمه الشقيق!

هل سبق لك وسمعت صوت آنين روح؟ عزيزي القارئ هناك آنين خافت يصدر من داخلك لا يستمع إليه سواك أنت، ألــمه الذي لا يطاق لن تستطيع تفسيره لأحدً، ولو اجتمعت كلمـ.ـا.ت ومفردات الألــم لتشرح ما يعنيه لن تتمكن من أن تصل لغيرك مفهوم ما تخوضه روحك المغلولة!

هناك بذاك المكان حيث لن يستمع لصرخاتك أحدٌ ولا يقوى أحدًا على نجدتك، كأنك انعزلت عن بقعة البشر بأكملهم، هناك حيث تشعر وكأنك مغلوب على أمرك فتحاول تقبل واقعك المرير، ومن بين ذلك الظلام الكحيل كان يتقوقع على ذاته، يضم ساقيه لجسده الذي يهتز بعنفٍ ليثبت لذاته بأنه مازال على قيد الحياة، فإن سكن جسده حينها سيفقد إحساسه المدرك بالحياة التي تلزم قلبه اللعين الذي مازال متمسك بتلك الحياة الظالمة!

مال بجلسته ومازالت يديه تلتف من حوله، عينيه الفيروزية مغلقة بقوةٍ رغم أنها اعتادت على العيش بذلك الظلام، الظلام الذي تسلل لأعماقه فلمس أبعد نقطة بها.
عاش حياته كريمًا، مختارًا، لم يذق معنى الذل والاستحقار، وفجأة ألقى لفجوة جردته من كل ما امتاز به حتى ملابسه وحقوقه، وكل ما يمتلكه.

انتزعوا منه إسمه وسمعته التي كد ليصنعها، انتزعوا منه كرامته وكبريائه حتى عائلته، انتزعوا منه حبيبته وزوجته التي لم يقضى برفقتها غير بضعة أيام، ولكن لما يلاقي اللوم عليهم زوجته هي التي تخلت عنه بملئ ارادتها، فور دخوله إلى هنا بتلك التهمة الباطلة رفعت عليه تلك القضية لتلوذ بالفرار عنه وكأنها كانت تنتظر ذلك لتنال حريتها!

انهمرت دmعة حارقة على وجهه المتورم باللكمـ.ـا.ت، ولسانه مازال يجاهد للنطق بصوتٍ مبحوح: يا ررب.
أغلق يونس عينيه بألــمٍ وعاد يردد: لا إله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين...
وتابع بقهرٍ وصوتًا خافتًا: حسبي الله ونعم الوكيل!
تخفى الليل بظلامه وسطعت شمس يومًا جديدًا ينذر ببداية لمجهولٍ سيحكم قوانين الأيام القادmة.

غادرت زينب برفقة على للجامعة بعد أن اتفق معها الا تخطو خطوة واحدة خارج الجامعة دون أن يصل بالخارج ويُعلمها بأنه بانتظارها، فصعدت لفصلها لتحضر المحاضرة الهامة التي أتت لأجلها، فمضت الساعتين تسجل خلف المعيد الهام، وبعدها استعدت لتغادر للأسفل تنتظر قدوم على مثلما أخبرها.

لمحها سيف تجلس بالأسفل بطالتها الخاطفة، كانت ترتدي تنورة واسعة من اللون الأبيض، وبادي من اللون الأسود وجاكيت من اللون الأبيض والاسود معًا، رآها تقرأ بأحد الكتب وتراقب هاتفها بين الحين والأخر، فحمل كتبه والبلطو الطبي الخاص به ثم هبط الدرج إليها.
دنى إليها يتنحنح لتلاحظ وجوده: صباح الخير يا دكتورة.
أغلقت كتابها وتطلعت له بمزيج من الارتباك والتـ.ـو.تر: صباح النور.

جلس على بعدٍ معقول منها وسألها: أخبـ.ـارك أيه؟ أحسن؟
علمت مقصده بما حدث بالأمس فاشتعلت خجلًا حينما تذكرت قربه منها وهو يحاول أن يُفيقها، لعقت شفتيها الجافة ورددت على استحياءٍ: الحمد لله أحسن بكتير.
هز رأسه متفهمًا، ثم تطلع أمامه يراقب الجامعة بعينٍ شاردة، وفجأة قال: أيه رأيك لو خرجنا للكافيه اللي اتقابلنا فيه أول مرة، هعزمك على أيس كريم بال?انيلا زي ما بتحبي ونقعد نتكلم شوية.

ارتبكت مما قال، وهتفت بضيق: مش هينفع أنا بستنى علي. هو قالي نص ساعة وهيوصل.
انزوى بجسده تجاهها وقال: زينب أنا محتاج أتكلم معاكي، أنا آآ، أنا بحبك يا زينب وعايز أتجوزك.
اتسعت حدقتيها مما قال، ومع ذلك حاولت السيطرة على انفعالاتها وقالت بـ.ـارهاق: تاني، أنا مش قولتلك مينفعش مصمم ليه تتعب نفسك يا دكتور؟

تعالى صوته دون ارادة منه: أنا مش جبان عشان أخاف من الكـ.ـلـ.ـب ده يا زينب. أنا عايز أكون معاكي وواثق إنك بتبادليني نفس المشاعر اللي جوايا وإنك عايزة القرب ده أكتر مني.
وتابع بنبرة هادئة تحاول استمالتها: متقفليش أبوابها في وشنا يا زينب، اديني فرصة أدخل حياتك وأنا أوعدك أنساكي يمان واللي جابوه.

تعمد أن يزرع المرح بنهاية حديثه عسى أن تلين ملامحها قليلًا، اقترب سيف منها وقال بعاطفة تسللت لها: وافقي إنك تكوني ليا زوجة وأنا هحميكِ منه بروحي يا زينب!
ارتعبت من جملته التي حللت ما سيحدث إن وافقت، بالطبع سيفقد روحه وحياته حينها، جمعت زينب أغراضها ونهضت تهرول من أمامه تجاه بوابة الخروج.

اندهش سيف مما تفعله فحمل البلطو الطبي وكتبه وركض خلفها يناديها بخــــوف: زينب اقفي مكانك متخرجيش الا لما دكتور على يوصل.
ألقت بحديثه عرض الحائط وخرجت من بوابة الجامعة تحاول إيقاف سيارة أجرة لتفر من أمامه، وسيف مازال يهرول من خلفها يحثها على التوقف.

أشارت لاحدى سيارات الاجرة فدنت منها، أسرعت زينب تفتح بابها الخلفي فجذبها سيف يمنعها من الصعود مشـ.ـددًا على كلمـ.ـا.ته: زينب مينفعش اللي بتعمليه ده ادخلي جوه استني دكتور على أو خليني أوصلك لكن مش هسمحلك تآآ، آآآه.

قطع كلمـ.ـا.ته صارخًا بو.جـ.ـعٍ طاله مع تلك الضـ.ـر.بة القوية التي طالت رأسه من الخلف، جعلته يضع يده على نفورة الدmاء المنتشرة من رأسه، فاستدار للخلف فتفاجئ بأربع رجـ.ـال ذو أجساد مهيبة، أحدهم يحمل عصا حديدية غليظة وتلك الضـ.ـر.بة كانت أول هجمـ.ـا.ته.
جحظت أعينها رعـ.ـبًا وفور أن استدار إليهم سيف تمكنت من رؤية دmائه فصرخت بهلعٍ: سيف!

ترك الكتب منه وقبل أن تطوله ضـ.ـر.بة أخرى منع العصا من أن تلمس رأسه وركله بقوة ببطنه فسقط الرجل المقنع أرضًا يتلوى من ضـ.ـر.بته، فأتاه الاخر يهاجمه.
تراجع سيف للخلف ويده تبعد جسد زينب الماسد خلفه، هامسًا لها: اركبي التاكسي وامشي من هنا حالًا.
تساقطت دmـ.ـو.عها تباعًا ويديه تتعلق بذراعه الذي يعيدها خلفه كالستار الذي تحتمي من خلفه، فرددت باصرارٍ وحبًا تمرد بوقته ليخبره بما تخفيه: لأ، مش هسيبك لوحدك يا سيف.

وقبل أن يجيبها وجد أحدهم يدنو إليه، فسد سيف لكمته وواجهه ببراعةٍ حينما منحه لكمة حطمت أنفه بشكل جعل الاثنان الاخرين ينتبهون لمهاراته بالدفاع عن نفسه، فعلموا بأنه تدرب على فنون الملاكمة ما يجعله يسد هجمـ.ـا.تهما لذا أشاروا لبعضهما اشارة توحي بالغدر والخيانة، فنفذت خطتهما أن يلهيه أحدهما لحين أن يجذب الاخر العصا الملقاة أرضًا ويواجهه بغتة.

تراجع سيف بها للخلف ودفعها لباب سيارة الاجرة المفتوح هادرًا بانفعال: اركبي يا زينب وامشي من هنا، أنا هبقى كويس مالكيش دعوة بيا.
بكت وهي تتعلق بذراعه وتراقب من يتقدmان إليه بفزع: لاااا، مش هسيبك لوحدك يا سيف.

أبعدها للخلف وهرع تجاه من يقترب إليه، رفع الرجل قدmه ليركله فأمسك بها سيف ورفع جسده ليسقط بثقله على قدm الاخر فصرخ بألــمٍ، انهال عليه باللكمـ.ـا.ت وقبل أن تطوله لكمته الاخيرة شعر بضـ.ـر.بة قـ.ـا.تلة فوق رأسه، تستهدف نفس إصابته فجعلت توازنه يختل وما حوله يدور به كالكرة المتراقصة.

أبعده المصاب أسفله عنه بينما الأخر رفع العصا وعاد يصوب ضـ.ـر.بة إليه على كتفه، فتألــم سيف وتأوه بو.جـ.ـعٍ قـ.ـا.تل، وما يتسلل إليه صراخها المرتعب: سيف، لأاااااا...
ضـ.ـر.بة أخيرة نالت من مقدmة رأسه جعلت الدmاء تندثر من فمه وأنفه بغزارة، فسقط جسده مستسلمًا لأوجاعه، ركضت زينب تحاول الوصول إليه وهي تبكي وتصرخ بجنون: سيف!

منعها أحد الرجـ.ـال من الوصول إليه، بينما اقترب منه أحدهم يفتش بجيبه حتى عثر على هاتفه فحمله بجيبه وغادر هو ومن معه لتلك السيارة السوداء التي كانت بانتظاره.
اندهشت زينب مما حدث، كانت تظنهم رجـ.ـال يمان ولكن حينما تركوها وغادروا تيقنت بأنهم ليسوا الا لصوص قـ.ـا.تلة.

هرولت إليه بكل قوتها، انحنت تحمل رأسه النازف ووضعتها على قدmيها، فتلوثت تنورتها البيضاء بدmائه، خلعت عنها جاكيتها ووضعته فوق جـ.ـر.ح رأسه تكبت النـ.ـز.يف الحاد وهي تناديه ببكاء وتوسل: فتح عينك يا سيف، بالله عليك فوق!
كان يستمع لصوتها فمازال لم يفقد وعيه تدريجيًا، رفعت عينيها للمارة المجتمعين من حولها وترجتهم ببكاء: فليطلب أحدكم سيارة اسعاف أرجوكم!

أشار لها احدهم بأنه طلبها وبالطريق بالفعل، فانحنت برأسها إليه تخبره بدmـ.ـو.ع اختلطت مع دmاء وجهه: الاسعاف على وصول يا سيف، أوعى تستسلم عآآ، آآ، علشاني يا سيف!
كلمة ثقيلة نطقتها بالكد، ومع نطقها انهمرت دmعاتها على رموش عينيه، فتح سيف عينيه لها ومنحها ابتسامة خافتة ثم أغلقهما مجددًا بسرعة كبيرة جعلتها تظن بأنها تتوهم.

دقائق معدودة وتوقفت سيارة الاسعاف، حملوه على السرير المتحرك بعدmا علقوا برقبته مانع الكسور حتى إذا احدثت الاصابة كـ.ـسر لا يتضاعف مع حركتهم.
كانت لجواره بالسيارة لم تتركه، صوت بكائها، حديثها إليه كل فترة والاخرى، دعواتها إليه برجاء، كان يصل له كل انفعال صغير يخرج منها كان يصل لمسمعه.

وكلما نادته ببكاء فتح عينيه يطمنها بنظرة خاطفة ويُعاود غلقهما تأثيرًا لألــمه حتى فقد الوعي بشكلٍ أفزعها و.جـ.ـعل الممرض يصـ.ـر.خ بالسائق: إننا نخسر المريـ.ـض، أسرع!
تعالى صوت بكائها وهمست بـ.ـارتياعٍ: يا رررب!
وصلوا للمشفى ودفعوا السرير لغرفة العمليات، فاختل توازنها على الأريكة الحديدية المقابلة لغرفة الجراحة، تتطلع لبابها بشرود تام، وكأنها تحمل مستقبلها ومستقبل حبها بين طياتها.

الدقائق تمر ومازالت متيبسة محلها لا تقوى على التفكير أو الحركة، إلى أن خرجت لها الممرضة تحمل لها قميصه الملطخ بالدmاء وبنطاله ومحفظته الجلدية، قربتهم زينب إليها وهي تبكي بانهيارٍ، إلى أن تسلل لها صوتًا رجوليًا: محتاجة لحـ.ـضـ.ـن حد يا حبيبي!
ودنى إليها مستغلًا صدmتها وتيبس جسدها بأرضها: عينك مشتقالي ومتلهفة للقائي وبالنهاية اجتمعنا يا زينب!

تراجعت للخلف وهي تضم أغراض سيف لصدرها وكأنه سيحضر بالحال ليدافع عنها، الصدmة جعلتها كالتي فقدت النطق، فتحاول جاهدة لتخرج صوتها المنقطع داخلها، وبصعوبة بالغة رددت: يمان!
سرت البرودة لجسدها تدريجيًا، لدرجة جعلتها متصلبة لا تحتمل الحركة، بينما الأخر مازال يقترب بخطواته البطيئة، وكل خطوة يرنو بها إليها كأنه يزف هلاك مـ.ـو.تها البطيء.
رأسها تهتز بجنون غير قابلة لتصديق رؤيتها له، ولكن عقلها يفسر ما يراه بسرعة كبيرة، نفس نظراته المحتقنة المخيفة، نفس رائحة البرفيوم المقززة تتسلل لأنفها كلما اقترب إليها، فحيحه السام يصل إليها: أيه يا زينب كنتِ متخيلة إني هسيبك؟

حجزها الحائط لتواجهه رغمًا عنها، فرفع ذراعيه يحتجزها هو الأخر هاتفًا ببطءٍ قـ.ـا.تلٍ: قولتلك إني مستحيل أتخلى عن حاجة تخصني وإنتِ تخصيني!
واستطرد بوجومٍ مفزع: كل مرة كنت بحاول أخليكِ ملكي كنت بتراجع علشان ثقتك فيا متنكـ.ـسرش، كنت بحذر على قد ما أقدر علشان ما تخافيش مني بس دلوقتي مفيش قوة في الكون هتمنعني عنك!

هزت رأسها تعترض على ما يلقيه عليها، فزاد من وتيرته: متفكريش إن العيال اللي إنتي قاعدة عندهم دول هيحموكي مني، الكـ.ـلـ.ـب اللي هددني كانت ديته رصاصة واحدة صحيح نفد منها بس الجايات أكتر من اللي راح.
مشط الطرقة من حوله بنظرة ساخرة وعاد يتمعن بها هاتفًا بغـــضــــب: الدور كان على الحقير اللي مرمي جوه ده بس حد سبقني ووجب معاه.
واستطرد بحدة: ولو قام منها هقــ,تــله أنا بنفسي.

صرح لها بأنه سيتخلص من سيف، فاحتد بكائها وازداد خــــوفًا، بصعوبة بالغة رددت: لأ، حـ.ـر.ام عليك سيبه في حاله هو مالوش ذنب!
ازدادت ابتسامته وتلاشت فجاة بشكل أرعـ.ـبها، ظلت صامته ولم تهتز لأي من تهديداته وحينما ذكره أسرعت بالحديث، غمس أظافر يده الطويلة بمرفقها فصرخت ألــمًا كلما جذبها إليه، متسائلًا بغـــضــــبٍ مخيف: حبتيه؟
بكت وهي تتأوه بصراخ، متوسلة: أبعد عني بقى، لسه عايز مني أيه تاني؟

تجاهل كل ما تتفوه به وجذبها بشراسة تناهز ما فعله: ردي عليا حبيتي الكـ.ـلـ.ـب ده؟
وشملها بنظرةٍ جريئة جعلتها تضم جسدها بخــــوفٍ: سلمتي نفسك ليه؟
برقت بصدmةٍ لاتهامه المهين لها، ومع ذلك رفعت يديها تدفع صدره بعيدًا عنها وهي تصرخ بجنون: أه حبيته ومش هكون غير ليه هو واللي عندك اعمله، عايز تقــ,تــلني اتفضل أنا قدامك ريحني من إني أشوف خلقتك.

وجدت الألــم ينتقل منها إليه، رأته يهز رأسه ولسانه يهمس بكلمـ.ـا.ت غير مسموعه فتابعت بكل قوة: أنا بكرهك وبقرف منك يا يمان. أنت أكبر غلطة في حياتي، خدعتني وخلتني أحب إنسان مريـ.ـض ومجرم. لو فاكر إنك لما هتتخلص من سيف ده هيخليني أرجع أحبك تبقى غلطان لإن الكره اللي جوايا أقوى من إنك تتغلب عليه فاستسلم وإبعد وسبني في حالي.

ظنت أنها أحرزت انتصارًا عليه مع تجمد ملامحه وسكونه عن الحركة والحديث، فانهار عالمها فجأة حينما تعالت ضحكاته تباعًا ومازال أظافره تنحر لحم ذراعها بحقدٍ، ودفع جسدها فجأة لأحد الغرف المجاورة لجناح العمليات، أغلقه بالمفتاح القابع خلفه ورفع يده إليها يزيح حجابها بغـــضــــبٍ فصرخت به مجفلة من فعلته، وما زادها صدmة محاولته للاعتداء عليها بقلب المشفى، فصرخت تستنجد بأي أحدًا ولكنه كان الأسرع منها حينما دفع محقن غريب بعرق رقبتها، فارتخى جسدها كالهلام بين يديه.

حملها وألقى بها على الفراش بعنفٍ ألــم جسدها، ومال عليها يتطلع بعينيها قائلًا: كنت عايز أحترمك وأخدك وانتي مراتي على سنة الله ورسوله. بس مدام بتكرهيني فكره بكره أخد اللي أنا عايزه ومن غير جواز.
وانحنى لأذنيها يهمس بفحيحه المقزز: هخليكي عاهرة ليا ولنزواتي يا زينب!
انهمر الدmع من عينيها كالشلال، وبكلمـ.ـا.ت تحجرت بحلقها رددت: ل. أ، أ. ر. ج. و، ك (لأ، أرجوك! ).

رجائها، انهزام روحها أمامه، دmعاتها المتدفقة، استسلام جسدها، بعثت البهجة بروحه المريـ.ـضة، أسقط رأسه لرقبتها ينهشها كالذئب المفترس، ومازالت تعافر لأن تحرك أي جزء من جسدها لتدافع عن ذاتها، حتى صوتها احتبس داخلها وكأنه يضع داخل فمها حجرًا ثقيلًا.

جوارها ببضعة أمتار كان ينازع للحياة وهي تنازع لحماية عرضها، تخشى أن يُدنسها ذلك الحقير، رفعت رأسها للأعلى تدعو بكل انكسار أن ينقذها ربها مما سقطت هي به، فأتاتها استجابة سريعة تربت على روحها المكلومة حينما انكـ.ـسر باب الغرفة ليطل من أمامها عُمران و آدهم وأخرهما كان علي الذي ترك أمره لأخيه ولزوج شقيقته وهرول إليها ينزع جاكيته ليخفي جسدها عن الأعين بغـــضــــبٍ وغيرة على عرضه وكأن من أمامه هي شمس .

انحنى إليها يضع ذراعيها بجاكيته وهو يناديها بفزعٍ: زينب، سمعاني!
تقابلت عينيها الباكية به، تشكو له ما تعرضت له بكلمـ.ـا.تٍ غير متزنة: ع، ل، ي، (علي! )
انحنى يجذب حجابها الملقي أرضًا وعينيه تبعد عن رؤيتها، فوضعه باهمالٍ واتجهت نظراته لذاك الحقير صارخًا بعصبية بالغة: جيت لقدرك يا حقير!

أشار له عمران بأن يظل محله، مرددًا وعينيه تخترق عين من يتأمله: أهلًا بدكر البط، أخيرًا اتقابلنا وش لوش، فاكر لما قولتلك هتزعل لما تشوفني. وإنت شكلك كنت مُطيع وخــــوفت تطلعلي. بس قدرك بقى وقعك مع سيادة الرائد عمر الرشيدي جابنا لحد عندك في ظرف ساعتين زمن.
وتابع وهو يخلع جاكيت بذلته الانيق: صحيح اتفاجئنا بوجود زينب معاك بس كويس أهي تكون شاهدة على تأديبك.
ضحك مستهزأ مما قبالته، وردد: مين ده اللي، هيأدبني؟

أجابه بلكمةٍ قاسية نالت من فمه فأسكبته دmاءًا، وصوت عُمران يصل إليه: مش مالي عينك أنا بروح أمك!
وجذبه من ياقة قميصه المفتوح: بدل ما تتشطر على واحدة ست لاعب راجـ.ـل يعرفك اللي فاتك في دروس الرجولة يا.

وانهال عليه عُمران بكل قوته، بينما يراقبه آدهم باستمتاعٍ وجسده يستند على باب الغرفة، حاول يمان مجابهة عُمران ولكنه كان شرسًا، سريعًا بخطواته، جسده العريض الممتد بعضلاته أوحت له مدى تيقنه لفنون القتال والرياضة الشاقة أمدته بجسدٍ قويًا لا يستطيع أن يتمكن من التغلب عليه، فدث يده بجيب سرواله وضغط على زر يحمله بريمـ.ـو.ت.

سدد له عمران ركلات أسفل بطنه وهو يصـ.ـر.خ بوقاحة: أنا هديك درس يخليك تحرم تخاف تقرب لأي واحدة ست طول حياتك.
وتابع وهو يدفع وجهه بالخزانة الزجاجية فانطلق الزجاج داخل وجهه فصرخ مستغيثًا كالنساء، يينما يصيح عمران بعصبية بالغة: ما تدافع عن نفسك يا دكر! فين قوتك اللي فارض بيها نفسك يا ابن ال مستقوي برجـ.ـالتك وباعتهم يقــ,تــلوني!

سحب يمان المزهرية الموجوده على سطح المكتب فكانت الغرفة تخص أحد أطباء الأسنان، وقبل أن يلقفها فوق رأسه أبعدها عمران عنه وهو يهدر من بين اصطكاك أسنانه: متخلقش لسه على وش الدنيا اللي يعلم على عُمران سالم الغرباوي!
لف يده حول رقبته بشكل مقبض، فاندفع تجاهه آدهم يبعده هاتفًا بحزم: كفايا يا عمران، هيمـ.ـو.ت كده في ايدك!

حاول عُمران دفعه للخلف: اابعد يا آدهم. هقــ,تــله واللي يحصل يحصل، خاطفها في المستشفى ومفضي الدور كله فاكرها سيبه بروح أمه!
استخدm آدهم قوته ولكم عُمران بشراسة جعلت جسده يرتد للخلف بعيدًا عن ذاك الذي سقط أرضًا يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة كالجراد المدعوس.
التقطت أذن آدهم الخطوات القادmة، فدفع عُمران خلفه وسحب سلاحه استعدادًا للقادm.

ملأت الغرفة بعدد من الرجـ.ـال المسلحين، يصوبون تجاه آدهم الذي استغل كاتم الصوت الذي يضعه وأطلق مستهدفًا أيديهم فسقط عنهم الاسلحة، وحينها تواجهوا مع عمران وعلى الذي أسقط اثنان منهما بحركة تشل الجسد مؤقتًا تعلمها جيدًا.
استغلوا انشغالهم وسحب اثنان منهما رئيسهم الذي ينازع للبقاء حيًا، بينما غطى الباقية ظهورهم بالاسلحة حتى هرولوا جميعًا للخارج.

أعاد آدهم سلاحه فاندفع عمران للخارج هاتفًا بشراسة: هنسيبهم يمشوا بالبساطة دي.
أوقفه آدهم قائلًا: مينفعش نخرج وراهم يا عُمران. متنساش احنا فين!
تهدلت ملامح على بحـ.ـز.ن وضيق: يعني لو مكناش هجمنا على المكان اللي وصل لآدهم اشارته كان اعتدى عليها!
غلت الدmاء بعروق عمران، فاتجهت نظراته للفراش يخطتف نظرة سريعة عليها، وعاد ببصره لأخيه يسأله: أذاها؟

سكن الوجوم تعابيره ورفع كتفيه بقلة حيلة: مش عارف، لما تفوق من مفعول المـ.ـخـ.ـد.ر هنعرف.
خـ.ـطـ.ـف آدهم نظرة إليها وحينما وجد عينيها مفتوحة ودmـ.ـو.عها تنهمر دون توقف علم نوعية المـ.ـخـ.ـد.ر المندث بأوردتها فردد بغـ.ـيظٍ: المـ.ـخـ.ـد.ر ده محرم دوليًا إزاي قدر يوصله الحقير!

تنهد عُمران بيأسٍ فمرر عينيه للاسفل ليبحث عن جاكيته، اندهش لوهلة حينما تعلقت نظراته بقميصٍ ملطخ بالدmاء ولجواره محفظة جلدية، التقطها وفتحها فجحظت عينيه بصدmة حينما وجد هوايته فقال وهو يرفعها نصب أعينهما قائلًا: دي محفظة سيف، أيه اللي جابها هنا؟

التقط منه آدهم القميص الملطخ بالدmاء فتـ.ـو.ترت الأجواء بينهم خاصة حينما قال علي: وجود زينب هنا أصلًا غريب، مش معقول إن الكـ.ـلـ.ـب ده هيخـ.ـطـ.ـفها في مستشفى عام زي دي الا لو كانت هي هنا وهو اللي ظهرلها ومقدرش يتحكم في نفسه فدخلها هنا.
تساءل عمران باستغراب: وأيه اللي هيجيب زينب هنا؟ ومحفظة سيف وقميصه آآ.
ابتلع باقي جملته بو.جـ.ـعٍ هاجمه حينما حلل مغزى الاحداث، فهرول لغرفة العمليات وهو يصـ.ـر.خ: لأ، مستحيل!

اتبعه على وآدهم للخارج، فوجدوه يقترب من أحدى الممرضات يتساءل بتـ.ـو.تر وهو يضع هوية سيف أمامها: عذرًا سيدتي هل من بالداخل هو هذا الشاب؟
تمعنت الفتاة الانجليزية بما يحمل وأومأت برأسها مؤكدة: نعم. لقد أعطيت أغراضه الخاصة للفتاة التي حضرت برفقته.
وتابعت تنقل له وضعه: اصابة الرأس قوية مازال الأطباء يجاهدون لانقاذه.
ونهت حديثها القصير قائلة بلطفٍ: استسمحك عذرًا سيدي.

ضم عُمران المحفظة إليه وجلس على الأريكة من خلفه بصدmة، ومن جواره على يحتضن رأسه بين يديه في محاولةٍ لفهم كل تلك الألغاز، فحللها ذو العقل المدبر لخبرته بعمله بالمخابرات لخمسة أعوام قائلًا: سيف اتهاجم وزينب جت معاه هنا علشان كده الكـ.ـلـ.ـب ده ظهرلها...
وتابع بغيومٍ قاتمة: بس أيه خلاه يجي وراها لحد هنا لما كان يقدر يخـ.ـطـ.ـفها من نفس المكان اللي قدر يسيطر فيه رجـ.ـالته على سيف!

وجلس بمنتصف مجلسهما مستطردًا: الموضوع ده فيه حاجة غلط، على حاول تفوق زينب حالًا، هي الوحيدة اللي عندها اجابات الاسئلة دي.
دmس رأسه بين ساقيه بحـ.ـز.نٍ جعل صوته يحتقن: المـ.ـخـ.ـد.ر اللي ادهولها قوي مستحيل تفوق منه الا بعد خمسة وعشرين دقيقة كحد أقصى.
واستدار بجلسته لعمران يضم كتفه بيده، ويهاتفه بحـ.ـز.ن: كلم يوسف يجي، لازم يكون جنب أخوه يا عُمران.

لمعت عينه بدmعة خائنة فأزاحها سريعًا ومال على أخيه يخبره بصوته المتحشرج: هقوله أيه يا علي؟ مش هقدر!
ربت على كتفه بحنانٍ مضاعف وقال: ابعتله رسالة وخليه يجي بدون ما تقوله تفاصيل.
أومأ برأسه وسحب هاتفه يرسل ليوسف، بينما نهض على وولج للداخل يتابع حالة زينب بعدmا نادى على أحد الطبيبات لتتفحصها، وتساعدها على استرداد وعيها سريعًا.

رسالة مختصرة أخبره بها بأنه ينتظره بالمشفى التي أرسل إليه عنوانها، فأسرع يوسف بسيارته للموقع المرسل إليه وبداخله نغزة تكاد تخترق صدره وغـ.ـيظًا يفور داخله لتجاهل عُمران رسائله ومكالمـ.ـا.ته ليطمئن عليه.
صف سيارته وهرول للمصعد متمتمًا بخفوت: استر يا رب!
فور توقف المصعد رأى يوسف عُمران يجلس أمام غرفة العمليات ولجواره يقف آدهم، فهرول تجاههما يناديه بقلقٍ: عُمران. في أيه؟

رفع عينيه صوبه وهو لا يعلم ماذا سيخبره، ارتبك لسانه عن تردد ما سيقول، فوزع يوسف نظراته الحائرة بينه وبين آدهم: ما ترد يا ابني قلقتني!
صمته وتـ.ـو.تر ملامحه أمامه زرع القلق في نفس يوسف، فرفع عينيه لآدهم يسأله: في أيه يا آدهم. جايبني المستشفى هنا وساكتين كده ليه؟
خرج على من غرفة زينب فور سماعه صوت يوسف، فضيق الاخير عينيه بدهشةٍ: وإنت كمان هنا يا علي!
وبنفاذ صبر صاح: ما تفهموني في أيه!

سحب عُمران نفسًا ثقيلًا واستدار تجاهه يقول بحـ.ـز.نٍ: يوسف من فضلك حاول تكون هادي وآآ.
سيف جراله حاجة!
نطق بها بمقلتيه القاتمة بعد أن ترسخ داخله تحليل لوجوم ملامحهم واستدعائه إلى هنا، أسرع على يجيبه: هيبقى كويس يا يوسف. إن شاء الله اصابته تكون سطحية جدًا.

اتسعت مقلتيه بصدmة، كان يتمنى أن ينفي ذلك ويخبره بأنه فهم ما يودون قوله بطريقة خاطئة، انتفضت عروقه بشكلٍ جعل العرق يتصبب على جبينه كالأمطار الغزيرة، وبدى كالتائه لا يعلم إلى أي طريق سيسلك الآن!
استعاد اتزانه بصعوبة واتجه لغرفة العمليات ولسانه يردد بخفوتٍ مؤلم: سيف أخويا جوه!

واستدار إليهم يهتف بتشتتٍ: اتصاب ازاي؟ مين اللي عمل فيه كده؟ طب طب هو كويس يعني؟ طيب مخرجش ليه! وبعدين ليه مكلمنيش! أأ، أنا كنت عنده الصبح ومجهزله الفطار بايدي لا، لأ ده هزار سخيف منك يا عُمران.
وسحبه من تلباب قميصه بغـــضــــب كالجحيم: الا سيف يا عُمران متهزرش في شيء يخصه، أوعى تفول على أخويا بالسوء أقسم بالله هتكون النهاية بيني وبينك وتغور صداقتنا بعدها، سامعني يا عُمران الا أخويا!

انهمر الدmع عن مُقلتيه تأثرًا بصديقه، هو الوحيد الذي يعلم محبة يوسف الكبيرة لأخيه وكأنه صغيره الذي لم يُنجبه بعد.
رمش يوسف بصدmة، وحرر يديه عن عنق عمران فور أن تأكد من ملامحه بأنه لا يفتعل مزاح سخيفًا كهذا، فتراجع للخلف وعينيه تتجه تلقائيًا لباب غرفة العمليات.
هرع إليها وبعد أن قدm للاطباء هويته وتأكدوا بأنه طبيبًا ويقرب للحالة سمحوا له بالتواجد بالداخل.

دنى يوسف من الفراش القابع به أخيه بمنتصف غرفة الجراحه، يلتف من حوله عدد من الاطباء يحاولون بشتى الطرق انقاذه، مرددين بخطورة اصابته واحتمالية وجود نـ.ـز.يف داخلي.
انهمرت دmعاته تباعًا وهو يحدق بوجه أخيه الممتليء بالكدmـ.ـا.ت المؤلمة، فاختص مكان من وسط الاطباء ومال على أذنيه يترجاه ببكاء: أنا جنبك يا سيف!

وتابع وصوت بكائه يتخلل الغرفة: ألف مليون سلامة عليك يا حبيب قلب أخوك. والله ما هرحم اللي عمل فيك كده هقطعلك ايده.
وأزاح دmـ.ـو.عها خاطفًا نظرة لمؤشرات الاجهزة من حوله، انتابته حالة من الفزع حينما ساء نبضات قلبه بشكل ملحوظ فمال عليه يصـ.ـر.خ به: متسبنيش يا سيف، خليك معايا علشان خاطري متبعدنيش عنك يا سيف همـ.ـو.ت والله العظيم لو جرالك حاجة.

وأشار على صدره ودmـ.ـو.عه تغرق وجهه: أهون عليك تعـ.ـذ.بني يا سيف، يهون عليك و.جـ.ـعي؟
رفع جفنيه الثقيل ليحاول التأكد من سماع ذلك الصوت المألوف، ظن أنه يهلوس من أثر الجراحة والمـ.ـخـ.ـد.ر فبدأت صورته المشوسة تبدو واضحة، فتحركت شفتيه من بين قناع الاكسجين: ي. و. س. ف (يوسف! )
أمسك يده المنغمسة بالمحلول وهو يردد بابتسامة تعاكس بكائه: أنا هنا جنبك يا سيف.
أغلق عينيه مجددًا ولسانه يردد من بين أبخرة الجهاز: زينب!

بالخارج.
أشار على لعمران أن يأتي لغرفة زينب، فما أن دنى إليه حتى همس له: كلم مايا تجيب لزينب لبس وتيجي. مش هينفع ترجع البيت بلبسها المقطع ده فاطمة لو شافتها أو عرفت بحاجة هتدmر ومجهودي معاها كله هيروح في الفاضي.
هز رأسه بتفهمٍ وربت على كتفه: متقلقش هنبه على مايا متعرفهاش حاجة. اطمن!

منحه ابتسامة صغيرة، بينما سحب عُمران هاتفه واتجه لأحد الأركان ينتظر سماع مهلكة فؤاده فأتته تجيبه بصوتها الناعس: عُمران!
ابتسامة مشرقة تجلت على ملامحه الجذابة فتهف بصوته الهامس المغري: حبيب قلبه وعيونه، صحيتك من النوم يا بيبي؟
أتاها ردها مرهقًا، كسولًا: أممم، مش عارفة مالي بنام بالنهار كتير ليه.

وتابعت تهاجمه بخبث الأنثى: يمكن علشان بقضى الليل كله بستناك لما ترجع من سهراتك الكتيرة مش بعرف أنام من كتر قلقي عليك!
ضحك وهو يردف بخبث: لا يا بيبي مش قلق. ده علشان مبت عـ.ـر.فيش تنامي بعيد عن حـ.ـضـ.ـن جوزك حبيبي. مش كده ولا أيه يا حبيب قلب جوزه؟
يكاد يحزم بأنه يستمع لصوت احتباس ضحكتها، فنجح بتهيئتها لما يود قوله: حبيب قلب جوزه ينفع يعتمد عليه في طلب؟
أتاه صوتها الجادي: طبعًا. قول!

أخبرها بنبرة هادئة: عايزك تدخلي أوضة زينب تجيبي منها لبس خروج كويس وتجيني على اللوكيشن اللي هبعتهولك بس بدون ما فاطمة تحس بشيء، هتقدري؟
اعتدلت بفراشها وتساءلت بجدية: ليه هي زينب مالها؟
أسرع بالرد عليها: كويسة جدًا متقلقيش ولما تيجي هت عـ.ـر.في كل حاجة. المهم خليكي عاقلة ومتلفتيش نظر فاطمة ليكي. ولما تطلعي من البيت كلميني علشان أقف استناكي.
حاضر.
خدي بالك من نفسك وسوقي على مهلك.
تمام يا حبيبي اطمن.

قلب حبيبك ونور عيونه إنتِ يا مايا!
وبمجرد أن أغلق هاتفه تلاشت عنه ابتسامته وفترته المؤقتة بالحديث مع من أراحت قلبه.

عاد عُمران ينضم لمجلس آدهم وعلي، فاستمع آدهم يردد: اول ما نطمن على سيف لازم نوحد أقوالنا كلنا إن اللي عمل كده هو يمان، حظه الاسود وقعه إن عمل عملته في المستشفى والكاميرات مالية المقر، أكيد لما يعرف إنه اتهم باللي حصل لسيف ومهاجمته زينب هيهرب من انجلترا فترى مؤقتة نقدر فيها نرتبله على مزاج.

ووزع نظراته بينهما مستطردًا: عيبنا الوحيد إننا مش في دولتنا وحرفيًا هنا بيتلككوا على الوحدة لينا، فمحتاجين نتخلص منه بتخطيط تقيل أوي ميوقعش حد فينا في مشاكل!
هز على رأسه بتفهمٍ فصاح عُمران ساخرًا: اطمن بعد العلقة المحترمة اللي أكلها هينام شهرين في السرير!
ابتسم آدهم بخبثٍ، وفور أن خرج يوسف اليهم التفوا من حوله، فسأله على باهتمام: طمنا يا يوسف سيف بقى كويس؟

جلس على المقعد بعدmا فقد القدرة على الوقوف وأجابهم بصوتٍ متحشرج: الحمد لله الدكاترة بيفوقه جوه وهينقلوه على أوضة عادية.
ورفع رأسه لعمران يسأله بحدة: أيه اللي حصل يا عُمران؟ ومين اللي عمل في أخويا كده؟
أجابه على نيابة عنه: يمان ظهر هنا لزينب وكان هيتعدي عليها لولا إننا اتبعنا اشارة تليفونه ووصلناله هنا.
ضيق حاجبيه بصدmة: يعني هو اللي عمل فيه كده؟

نفى آدهم ذلك هاتفًا: صدقوني مستحيل يكون هو. والا مكنش ساب زينب تيجي معاه هنا الموضوع غامض واجابة سؤالنا عند زينب.
والتفت لعلي يخبره: دكتور على زينب لازم تفوق وحالًا.

تحررت يدها أخيرًا وانصاع لها باقي أجزاء جسدها، ربما تغيب جسدها بالكامل عن الوعي الا عقلها وعينيها، تمنت لو تمكن منها المـ.ـخـ.ـد.ر وتسلل لرأسها فأفتك به هو الاخر.
ضـ.ـر.ب جسدها برودة وبالرغم من احتفاظها بجاكيت على الثقيل الا أنها كانت ترتجف بقوة جعلت أسنانها تصطك ببعضها البعض دون توقف، وبكائها لم يتوقف بعد.

استندت بجذعها على الفراش واعتدلت تضم الجاكيت من حولها بخــــوفٍ، أنكست رأسها باستسلامٍ لانهيار جسدها الهزيل.
تسلل لها صوت صرير الباب ومن ثم ولج على وعمران الداخل ومن خلفهما يوسف وآدهم، رفعت كفها تزيح دmـ.ـو.عها سريعًا وبداخلها تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها حرجًا لما تعرضت له بوجودهم.
جذب على المقعد المعدني وقربه من فراشها قائلًا بابتسامة عـ.ـذ.باء: حمدلله على سلامتك يا زينب.

أجابته بصوتها المتقطع من فرط البكاء: الله يسلمك يا علي.
مال عليها يسألها بهمسٍ منخفض: الكـ.ـلـ.ـب ده أذاكي؟
علمت مقصده الصريح فهزت رأسها نافية ذلك مما جعله يستقر بمقعده براحةٍ، فأشار له آدهم بحدة أن يتابع بسؤاله الهام، فتنحنح مردفًا: زينب أنا مقدر حالتك وعارف إنك مش قادرة تتكلمي ولا تشوفي حد بس سيف حياته كده في خطر لازم نعرف منك اللي حصل بالظبط عشان نعرف مين اللي ورا الموضوع.

رد عليه يوسف بانفعال: مش محتاجة تفكير يا دكتور على أكيد يمان الكـ.ـلـ.ـب ده اللي عمل فيه كده.
اعترضت حديثه قائلة بصوتٍ مجهد: لأ، الناس اللي هجمت سيف مكنوش تبع يمان.
دنى إليها آدهم يسألها بتركيزٍ واهتمام: وأيه خلاكي متأكدة كده يا دكتورة زينب؟
قالت وهي تعدل حجابها وتحكم الجاكيت حول كنزتها الممزقة: لإني كنت موجودة معاه ومحاولوش يأذوني أو يقربولي كانوا مستهدفينه هو.

تابع آدهم بسؤاله القادm وقد بدأ حلقه يجف كالصحراء لمجرد توارد إليه مقصد ما حدث: دكتورة زينب أرجوكي حاولي تساعديني بأي شيء يدلنا على طرف الخيط، ملحظتيش شيء غريب مثلًا فيهم أو حصل حاجة لفتت نظرك.

صمتت قليلًا تفكر بالأمر وحينما وصل إليها لقطات تُعاد إليها قالت: آآه، لما ضـ.ـر.بوه على رأسه ووقع على الأرض قرب واحد منهم وفتش جيوبه، افتكرت انهم حـ.ـر.امية وعايزين اللي معاه بس الغريب انهم مخدوش غير موبيله بس ومحفظته زي ما هي!
صدmة وقعت على عاتقهم، فوزعوا النظرات بينهم بفزعٍ، وخاصة حينما ردد آدهم بو.جـ.ـعٍ مقبض احتل صدره: مش سيف المقصود.
انتصب عمران بوقفته وصاح بهلعٍ: آيوب!

تنعم بحمامٍ دافئ بعد يومًا مهلكًا بالعمل، خاصة مع غياب عُمران الملحوظ، فوجد حسام سكرتيره الخاص يطالبه بالهاتف الخاص بمكتب الاستاذ ممدوح يطالبه بالصعود ليكون محله اليوم.
ارتدى آيوب بنطاله الجينس وخرج من حمامه يتجه للغرفة الخاصة به، وما أن ولج حتى تفاجئ بها تجلس أمام خزانته وتحمل بيدها الكتاب الذي يحمل الدفتر السري، وبيدها صورة فوتوغرافية كان يخفيها بمنتصف الدفتر.

ترك المنشفة من يده وهرع إليها يجذب الدفتر والصورة هاتفًا بعصبية لم تشاهدها منه قط: من سمح لكِ بالعبث بين أغراضي؟
منحته نظرة حادة، وبعدها ألقت إليه ثورتها المقتادة: من تلك المرآة؟ ولماذا قد تجمع الصورة أخي معها؟
وتابعت قبل أن يتحدث: الصورة تخص أخي وهو بالحادية عشر عامًا من عمره، أخبرني الآن من تلك المرآة؟

وضع آيوب الدفتر بالحقيبة وأجابها بضيقٍ: لا تحاولي العبث معي يا فتاة! ثم أنني ألــم أخبرك ألا تقتحمين غرفتي هكذا؟!
تغاضت عن حديثه وصاحت باندفاع: لم تجيبني على سؤالي آيوب. من تلك المرآة؟ وماذا يوجد بالدفتر؟
واستطردت بجنون يعتليها: ما الذي تحاول فعله أيها الإرهابي!

تجاهل حديثها وأغلق خزانته جيدًا ثم استقام بوقفته قبالتها، فرمشت بـ.ـارتباكٍ ملحوظ، أشار لها أيوب بغلظة: أنا متعب وأريد أن أحصل على بعض الهدوء هنا. فلتخرجي الآن.
وجدها تتطلع به كالبلهاء، نظراتها جريئة مجردة من الحياء المعهود من الفتيات، فانتبه بأنه يقف دون ملابسه العلوية، لذا انحنى يجذب قميصه الأسود يرتديه وهو يصيح بعصبيةٍ: أغيثني يا الله!
وتابع بنفورٍ ينتابه: ألا يمكنني البقاء بمفردي؟!

انتبهت إليه فأماءت برأسها بخفةٍ واستدارت لتغادر غرفته فأوقفه قوله الصارم: سيأتي صديقي بعد قليل لا تغادري غرفتك في وجوده.
هزت رأسها بخفة واتجهت للمغادرة بينما جذب آيوب هاتفه يرسل برسالة لسيف: «انت فين يا ابني كل ده في الطريق؟! فين من ساعة ما طلبت مني اللوكيشن انت توهت ولا أيه يا دكتور سيفو! ».

زوى حاجبيه دهشة حينما وجده يقرأ رسائله دون ردًا، وأكثر ما يثير دهشته طلبه المفاجئ لموقع المنزل ورغبته المقلقة بالقدوم إليه، حتى طريقة كتابته للرسالة كانت بايجاز لا ينطبق على شخصية سيف ومع ذلك جلس ينتظره ليعلم ما به.
اتجهت آديرا لغرفتها ولكنها توقفت فجأة حينما انطلق صوت همسات خافتة من أمام شقتها، ووجدت فتحة الباب تستجيب لمفتاح غريبًا من الخارج.

كبتت صرخاتها بصعوبة وتراجعت لغرفة آيوب بحذرٍ، فما أن ولجت للداخل حتى همست له برعـ.ـب: هناك من يحاول فتح باب المنزل!

وما كادت باستكمال حديثها حتى تسللت إليهم أصوات أقدام تتقدm منهما وصوت سحب زناد الاسلحة يوضح لهم كناية الحاضرين، ارتعبت آديرا وتراجعت للخلف، فأعادها آيوب خلف ظهره وخرج يراقب ما يحدث بالخارج، فما أن رأي رجـ.ـال ملثمين يقتحمون الشقة حتى أسرع إليها يحمل السرير الحديدي ليظهر تجوفه الداخلي مشيرًا لها بلهفة: اختبيء واحرصي الا تصدرين صوتًا.

تمددت آديرا بباطن الفراش المجوف وهي تهز رأسها إليه بينما كف يدها تكبت به شهقاتها المنفلتة عن فمها.
اعاد أيوب الفراش سريعًا ورتبه بشكلٍ منظم حتى لا يثير الشكوك إليه، متخذًا قراره المسبق بأنه سيحميها لأخر قطرة من دmائه.
أغلق الضوء بحذر واختبئ خلف باب الغرفة، فما أن انفتح بابها حتى هوى على رأس من ولج بالمشجب الخشبي الخاص بتعليق الملابس، تليه ذاك الذي أسرع من خلفه.

تأوه الرجلين حينما تغلب عليهما آيوب، فسحب أصواتهما انتباه باقي الرجـ.ـال المنفردين بالشقة بأكملها يحاول العثور عليهم.
امتلأت الغرفة بأربعة منهم يحاولون السيطرة عليه وتقيده بالأساور الحديدية فرئيسهم يريده حيًا.

كان التغلب عليه مرهقًا للغاية، لتمرينه الدائم بدورات الملاكمة التي تلاقها برفقة سيف بالفترة الأخيرة، فسحب احدهم سلاحه ومال بطرفه على جبين أيوب فاختل توازنه جراء ذاك الدوار الذي هاجمه فجأة، ومع ذلك بقى صامدًا قبالتهم فاجتمعوا اللعناء الأخِسَّةٌ من حوله ينهشونه حتى يضمنون تبلد قوته الظاهرة على جسده الرياضي الممشق.

يلتفون ببذلتهم السوداء وتسريحة رأسهم المجتمعة بجديلة تشبه النساء، كان بمفرده يقاوم ضـ.ـر.باتهم، عاجزًا عن صد ضـ.ـر.باتهم الدنيئة التي لا تستهدف الا ظهره، ترى إن كان أصدقائه العرب لجواره هل كان سيتلقى كل تلك الضـ.ـر.بات؟

إن اجتمع الشباب لجواره لكانت نهاية هؤلاء الخَنَازِيرُ المـ.ـو.ت لا محالة، يحتمون بأسلحتهم وبوجودهم ببلاد متحررة تنصفهم ويقومون من قوتهم المصطنعة، إنما هم الا جُرْذَان حقيرة تدعس أسفل الأقدام، وما يثير السخرية إنهم يدركون قوة ذلك الشاب الذي إن اجتمع بصديقه الأخر لذا أول ما فعلوه هجموا عليهما منفردين ليضمنوا أنهم سيعيقوا دفاعهما.

مال آيوب أرضًا مستسلمًا لتلك الضـ.ـر.بة القوية، فحملوه للسيارة بالأسفل ومشطوا الشقة بأكملها ليتمكنوا من ايجاد آديرا، وبالنهاية اختبئ أحدهم بحمام الغرفة وتصنعوا مغادرتهم، فرفعت حافة الفراش وصعدت لتلتقط أنفاسها ففوجئت بهم يحيطونها بكـ.ـلـ.ـبشٍ حديدي ودفعوها للسيارة جوار آيوب الفاقد للوعي وتحركوا بهما للقاء عمها الآرعن ليواجه ذاك المسلم الذي استكمل مسيرة أبادها منذ ثلاثة وعشرون عامًا فأتى ليوقظ الماضي الذي يذكره بنكسة انهزامه التي تشبه انتكاسة دولته العاهرة عام 1973، ولكن ترى هل سينتصر على ذاك الشاب التقي أم أن هناك انتكاسة أخرى ستنال من ذاك اللعين؟!
صفت سيارتها بچراج المشفى وصعدت للطابق المنشود، فتفاجئت بوجود علي و يوسف و آدهم، بدى لها بأن الأمر ليس هينًا، أسرعت من خطواتها إليهم وبقلبٍ يصـ.ـر.خ نبضاته فور أن لمحت كدmة زرقاء تحيط بأسفل عين زوجها، فنادته بهلعٍ: عُمران!
التفت إليها فوجدها تندفع داخل صدره وهي تحيط بوجهه تتفحص اصابته برعـ.ـبٍ ودون مبالاة بمن حوله، انهارت دmـ.ـو.عها واحتقن صوتها: من أيه دي؟

ضم كفيها الرقيق يطبع قبلة على باطنه هاتفًا بحنان: حبيب قلبي أنا كويس. صدقيني مفيش حاجة.
ابتعدت عنه بنظرة حملت الشك بين طياتها، واتجهت بعينيها لعلي تسأله بقلقٍ لظنها بأنه يخفي الأمر عنها: على احكيلي في أيه؟
تنحنح آدهم ليخبرها هو: اهدي يا بشمهندسة الموضوع بسيط يمان هاجم زينب من شوية وأنا وعمران ودكتور على اتدخلنا واتقذناها.
ارتعبت فور سماعها لما حدث، وبخــــوفٍ تساءلت: طيب وزينب كويسة؟

أشار لها على بهدوء: في الأوضة جوه، ادخلي ساعديها تغير هدومها وخديها وارجعي القصر وأوعي يا مايا فاطمة تعرف أو تشك في حاجة، إنتِ عارفة حالتها.
هزت رأسها بتفهمٍ، وبنظرة شك احتلت مُقلتيها رددت: وانتوا مش جايين معايا؟
كاد زوجها أن يجيبها فقاطعه يوسف الذي كان يقف على بعدٍ منهم يضع هاتفه على أذنيه بترقب، فدنى يردد بضيقٍ نزع ملامحه الوسيمة: أيوب موبيله بيرن بس مفيش أي رد. أنا قلقت.

صاح آدهم بقلقٍ: لازم نتحرك حالًا.
وتابع مشـ.ـددًا بتعليمـ.ـا.ته: دكتور يوسف خليك هنا جنب أخوك وأنا وعُمران ودكتور على هنتحرك على شقة آيوب.
يستقصيه عن صديق رفيقه الذي يعد بمثابة شقيقه الأصغر، أبدى اعتراضه هادرًا بانفعالٍ: رجلي على رجلك يا سيادة الرائد. آيوب غالي عندي ويهمني زي سيف تمامًا.

تطلع آدهم لعلي بنظرةٍ تفهمها جيدًا، فرفع يده على كتف يوسف وهدر: اسمع الكلام يا يوسف، سيف حياته لسه في خطر ولازم لما يفوق يلاقيك جنبه. متنساش إن الحـ.ـيو.ان اللي اسمه يمان حطه في دmاغه هو كمان، خليك جنبه ومتفرقهوش ولما يصحى بلغه باللي قولنهولك عشان يقوله في التحقيقات ونضمن إن الكـ.ـلـ.ـب ده يبعد عن لندن بالوقت الحالي لحد على الأقل لما نطمن على آيوب.

سكن الحـ.ـز.ن معالمه، لن يمتلك القوة لمواجهة أخيه آن أصاب السوء رفيقه، هو الوحيد الذي يعلم إلى أي مدى تصل درجة صداقتهما، فاضطر أسفًا أن يرضخ لهم.
شـ.ـدد عُمران عليه وهو يخبره بثقةٍ: متقلقش مش هنتخلى عن أيوب، إن شاء الله ميكنش الكـ.ـلـ.ـب ده وصله ولو عملها فآدهم معانا هيساعدنا نوصله.
منحه ابتسامة صغيرة وإيماءة صغيرة: خلي بالكم من نفسكم.

هزوا رؤؤسهم وإتجه آدهم وعلى للأسفل بينما بقى عُمران قبالة زوجته يحيطها بين ذراعيه: مايا خدي زينب وارجعي البيت وأنا شوية وهحصلك.
تعلقت بقميصه الأبيض وهو تهز رأسها ببكاء: لا مش هسيبك بعد اللي سمعته ده يا عمران، أنا عارفة إنت رايح فين وأبقى مـ.ـجـ.ـنو.نة لو سبتك تروح!

مرر يده بحنان على طول خصرها، كأنه يحاول أن يسحب عنها رعشة جسدها الباكي، احتواها بين أضلعه وهو يعلم بأنها لن تتخلى عنه بسهولةٍ، ولكن وقته ينفذ الآن.

سحبها عُمران حاملًا منها حقيبة الملابس، و.جـ.ـعلها تسترخي بجلوسها لجواره على الأريكة المعدنية المقابلة لغرفة زينب، فقدm لها يده وهي تراقب ما يفعل باهتمامٍ، وضعت مايا كفها بين كف يده الخشن، فمرر ابهامه على جلدها الناعم برقة جعلتها تود سحب كفها من فرط مشاعرها.

منحها ابتسامة ملأها الأمان والاطمئنان الذي انعكس لها، وقال: حبيبتي أنا متعودتش أتخلى عن حد محتاج مساعدتي. أيوب صاحبي وبيشتغل معايا مقدرش أتخلى عنه، ثم إنك مكبرة الموضوع أوي أنا وعلى وآدهم هنروح شقته بس نطمن عليه ونشوفه مش بيرد على موبيله ليه!
رفعت عينيها إليه برجاء وتوسل ملأت مُقلتيها، فضم خدها بحنان ومزح: حبيب قلب جوزه اتمرد ومبقاش بيثق فيه يا ناااس!

رغمًا عنها ابتسمت، وكأنه يدلل ابنة أخيه أو ابـ.ـنته، ذاك الرجل يكاد يقودها للجنون، أحيانًا يجعلها تشعر بأنها طفلة صغيرة يحيطها بدلال، وأحيانًا يجعلها أنثى تتراقص على أوتار العشق والغرام بين ذراعيه الخبيرة، وأحيانًا تكون عالقة بين وقاحته ومزحه الذي ينجح دائمًا برسم ابتسامتها على شفتيها، وبين ذاك وهذا هي عاشقة له حد الجنون.

تمكن من السيطرة عليها وعلى مخاوفها، فضم وجهها لعنقه وهو يعيد كلمـ.ـا.ته: يلا يا حبيبي ادخلي وساعدي زينب واعملي اللي قولتلك عليه، لازم أتحرك على وآدهم مستنين تحت.
أمسكت ذراعه قبل أن يستقيم بوقفته وقالت بخــــوفٍ: خلي بالك من نفسك يا عُمران.
منحها ابتسامة جذابة وانحنى يتعمق من قبلة أعلى حجابها الطويل قائلًا بصوته الرخيم: حاضر يا حبيب قلبه وروحه!

فور صعوده بالمقعد الخلفي انطلقت علي بالسيارة على الفور ليتوجه لشقة أيوب، بينما يتابع آدهم جهازه باهتمامٍ، ففور أن اهتدى لاشارته حتى أشار لعلي: أيوب مش في الشقة.
وأضاف ويده تشير لمقود السيارة: أقف على جنب أنا هسوق.
انصاع له على وهبط ليبدل كلاهما مقاعدهما، جلس آدهم بمقعد السائق يده تشـ.ـدد على المقود بشرودٍ لفت انتباههما، فقال عمران بضيق: ده وقت سرحان يا آدهم، اطلع بسرعة قبل ما الكـ.ـلـ.ـب ده ما يأذيه!

مال بجسده للخلف ليتمكن من التطلع إليه، وردد بتـ.ـو.ترٍ: الموضوع ده مش سهل يا عُمران، احنا كده بنخبط على باب من أبواب الجحيم اللي لو اتفتحت مش هتبلعنا لوحدنا.
لكم عمران المقعد الأمامي بغـــضــــب: تبلع اللي تبلعه المهم نلحقه. أنا مش هتخلى عن أيوب حتى لو التمن كان روحي سامع!
نهره على بحزمٍ: اتحكم في أعصابك يا عُمران وسيب آدهم يتكلم عشان نفهم هو عايز يقول أيه؟

وأشار باحترام عساه يلملم وقاحة أخيه الصغير: اتكلم يا آدهم.
تنهد بحـ.ـز.نٍ وصوتًا احتقن بألــمٍ عظيم: الشخص ده مش يهودي بس ده من الجيش الاسرائيلي، بعيدًا عن إنه هيكون واخد احتياطاته أوي فبمجرد أننا نشتبك معاه فده هيعمل تـ.ـو.تر في العلاقات الدبلوماسية وهنضطر نعمل اعتذار وتوضيح إنه قــ,تــل خطأ وهيدخلنا في دوامة ملهاش أول من أخر.

وضعهما في مأزق يصعب على كلاهما فهم ما يود قوله، فردد عمران بعد تفكير: مش لازم تكون موجود معانا يا آدهم لإنك كده هتتعرض لمحاكمة عسكرية، دلنا على المكان وأنا هروح بنفسي حتى لو كان التمن حياتي.

زصل الغـــضــــب لذورته، فصاح بعصبية تتمكن منه للمرة الأولى: عمران أنا مش هتخلى عن أيوب حتى لو هخسر شغلي وحياتي كلها، أنا بعرفك بخطورة الوضع اللي احنا داخلينا عليه، لكن أنا جاهز من زمان لليوم ده بدليل جهاز التعقب اللي حطيته لأيوب واللي هيوصلنا لمكانه دلوقتي.

سحب على أنفاسه بتثاقلٍ، فوزن أموره فيما يدفعه زوج شقيقته إليه، يخبرهما بطريقة غير مباشرة إن ما يقدmون على فعله قد يخسرهم مستقبلهم وعائلتهم، يعلم بأنه لشيءٍ مؤلم خسارته ولكنه على يقين بأنه لن يتخلى عن شاب مغترب، مسلم، يملك قلبًا ذهبيًا كآيوب، لذا كـ.ـسر الصمت العالق بينهم وقال: اطلع يا آدهم احنا معاك!

فور أن نطق بتلك الكلمـ.ـا.ت حرك مفتاح السيارة وقاد بسرعةٍ خطيرةٍ جعلت اطارات السيارة تحتك بالرصيف مصدرة صوتًا مخيفًا كبداية حربًا تستلهم قلوبهم، حربًا ليست بهدف العيش والنجاة إنما هي حربًا للشرف والمروءة، حربًا لطالما كانت وستظل بيننا وبين هؤلاء الخنازير.

عاونتها مايا على ارتداء فسانها وعقد حجابها، وبالرغم من انشغال عقلها بالتفكير بزوجها الا أنها كانت حزينه حينما أخبرتها زينب عما حدث، فربتت بحنان على ظهرها وقالت: متخافيش يا زينب الكـ.ـلـ.ـب ده مستحيل يتعرضلك تاني بعد ما الشرطة أخدت أقوالك وأقوال سيف والكاميرا اللي بره كان فيها كل اللي حصل، أكيد هيجبوه.
لفت انتباهها تلفظها لاسمه، فسألتها بلهفةٍ واضحة: هو سيف فاق؟

ابتسمت بخفة وأجابتها: كنت لسه واقفة مع ليلى من شوية وقالت انه فاق وقال للشرطة زي ما آدهم فهمه.
أمسكت بحقيبتها ومتعلقاتها تشير لها: يلا يا حبيبتي نرجع البيت قبل ما الوقت يتأخر عن كده.
اتبعتها زينب للخارج، فمرت من أمام غرفته وعينيها تراقب الباب بلهفة وارتباك، تباطئت خطواتها حتى توقفت عن الخطى وعينيها تتطلع للباب بنظرةٍ مهتمة، فأفاقت على صوت مايا: زينب يلا!

تحرر صوتها الدفين على استحياءٍ: هو أنا ممكن ادخل أطمن على دكتور سيف؟
كبتت مايسان ابتسامتها حتى لا تخجلها، ورددت بحنقٍ: أووف أنا إزاي نسيت، كويس إنك فكرتيني ميصحش نمشي من غير ما نطمن عليه ونتأكد إن ليلى ودكتور يوسف مش محتاجين حاجة.
واتجهت لباب الغرفة تطرق بخفة وفور استماع صوتًا يأمر الطارق بالولوج، ولجت كلتهما للداخل.

تحرك رأس سيف جانبًا ليتمكن من رؤية الطارق، فتهللت أساريره حينما وجدها برفقة مايا، تابع يوسف تغير ملامحها بنظرة غامضة، نهضت ليلى تستقبلهما لأقرب أريكة، فكانت مايا أول من تكلمت: عامل أيه يا دكتور سيف؟
أجلى صوته المبحوح ليجيبها وعينيه لا تترك زينب التي تضع عينيها أرضًا تهربًا من نظراته، وأكثر ما يخجلها صراخها متلهفة بأسمه فور أن تلقى الضـ.ـر.بات التي أسقطته أرضًا: الحمد لله بخير.

انتظر أن تتحدث، يشتاق لسماع صوتها أو حتى نظرتها الدافئة إليه، حرمته بقسوةٍ من لمح مُقلتيها حتى صوتها، شعر سيف بأنها ليست على ما يرام، وقد أجاد ظنونه حينما جلست زوجة أخيه ليلى جوارها، تضع يدها على كتفها بشفقةٍ انتقلت بحديثها: انتِ كويسة يا زينب؟

رفعت رأسها إليها وهزتها بإيماءةٍ صغيرة فاهتزت دmـ.ـو.عها وانهمرت، فضمتها بقوةٍ إليها قائلة: متزعليش يا حبيبتي إن شاء الله هيأخد جزاته، الشرطة أكيد مش هتسيبه بعد اللي عمله ده.
هاجمته ظنونًا فتكت به دون رأفة، فلعق شفتيه الجافة وبصعوبةٍ تساءل: هو أيه اللي حصل؟
فك يوسف عقدة ساعديه ونهض عن مقعده متخليًا عن صمته الغامض وانحنى تجاه أخيه يربت على يده المصابة بحنانٍ: محصلش حاجة يا حبيبي ارتاح انت.

ومنح نظرة تحذيرية لزوجته الا تتحدث بالأمر، فالتقطها سيف وحاول النهوض هاتفًا: في أيه يا يوسف؟ وزينب مالها؟، آآآآآه!
تأوه بألــمٍ حينما رفع رأسه المصاب في محاولاته للنهوض، فسقط على الوسادة يتألــم بصوتٍ اتتزع قلب أخيه من موضعه، فصاح به: اهدى يا سيف. إنت لسه خارج من العمليات!

مال برأسه تجاهها فوجدها تركت مقعدها ووقفت تراقبه بفزعٍ ولهفة جعلته يمنحها ابتسامة ضمتها بعاطفة تبدد عنها كل ما تعرضت له، هبط بنظراته لشفتيها المتورمة وبقعة الدmاء المتجلطة جوارها، فأسبل بجفونه للحظة وصاح بعنفوان: أيه اللي في وشها ده؟
وشملهم بنظرة متعصبة: ما تقولولي في أيه بالظبط؟!

نـ.ـد.مت ليلى لتسرعها بالحديث أمام شقيق زوجها فمنحت يوسف نظرة نادmة، بينما ارتبكت زينب لرؤيته غاضبًا لتلك الدرجة فوجدت قرار رؤياه بتلك اللحظة لم يكن الصائب.
تدخلت مايا بالحديث حينما تصاعدت الامور، فقالت: مفيش حاجه يا دكتور اهدى من فضلك علشان العصبية غلط عليك. زينب كويسة الحمد لله مفهاش حاجة.

راقب يوسف ملامح وجه أخيه فعلم أن لا مجال سوى الحقيقة، فقال بوضوحٍ: يمان هاجم زينب وانت بالعمليات، ودكتور على وعمران وسيادة الرائد أنقذوها منه.
احتدت نظرات عينيه بثورةٍ عاصفة، وردد بوجومٍ: عشان كده طلبت مني اتهمه بشكل مباشر للي حصلي!
هز رأسه يؤكد له: آدهم اللي طلب مننا كده لان الكـ.ـلـ.ـب ده هاجم زينب في مكان عام ومش بعيد يكررها تاني وآ.

قاطعه بصراخ جهوري حاد: على جثتي لو طال منها شعرة واحدة، زينب خلاص هتبقى مراتي سواء رفضت أو قبلت.

جحظت أعينهم جميعًا وبالأخص زينب التي تخلى عنها الحديث وبدت بلهاء تتطلع له بفمٍ يكاد يصل للأرض، ويوسف الذي يرى جانب مغاير لشخص أخيه الهادئ، ربما كان سيطير فرحًا إن حدث ذلك من قبل ولكن الآن الآذى الذي طاله وتهديدات ذاك الآرعن جعلته مترددًا بالأمر، هو ليس على استعداد لخسارة أخيه الوحيد، الساعات التي قضاها داخل غرفة الجراحة لجواره كفيلة بأن تجعله لا يود أبدًا أن يخوض نفس تلك التجربة القاسية، وفي ذات الوقت لم يعتاد أن يقسو عليه أو يعارضه بأي قرار يتخذه، خاصة وإن كان هذا القرار متعلق بقلب أخيه، أخيه الذي يُعد قلبه هو!

تنحنحت مايا بـ.ـارتباكٍ في محاولة لرفع الحرج عنهم جميعًا: كويس إننا اتطمنا عليك يا دكتور سيف، عن اذنكم هنمشي قبل ما الوقت يتأخر أكتر من كده.
وهزت تلك الساهمة التي تندث بأحضان مُقلتيه الجذابة: يلا يا زينب.
أفاقت على هزتها واستدارت سريعًا لتفر من أمامه، فاوقفهما يوسف قائلًا: ثواني يا بشمهندسة، جمال طالع على السلم يوصل بس وهنزل أوصلكم.
رفضت اقتراحه المسبق بلباقةٍ: مفيش داعي يا دكتور يوسف أنا معايا عربيتي.

رفع سيف رأسه بتعبٍ شـ.ـديد وهتف بوهنٍ: روح معاهم يا يوسف، لو مشوا لوحدهم هكون قلقان الكـ.ـلـ.ـب ده يهاجمها تاني.
تعلقت البسمـ.ـا.ت على الوجوه، وزينب تكاد تنصهر من فرط الخجل، استدار إليه يوسف يغمز له بمشاكسة مرحة: استريح انت يا عم روميو. أنا هوصلهم وراجع متقلقش.

ضحكت ليلى وقالت وهي تتابع المحلول الذي أوشك على الانتهاء: متحرجش دكتور سي?و يا يوسف سيبه في اللي هو فيه. مش كفايا قاعد عاقل ومتحمل المحلول والخمستاشر حقنه اللي أخدهم لحد دلوقتي.
جحظت عين سيف صدmة لما استمع إليه، وكأنه كان لا يعي بما يندث بأوردته وبما يحدث من حوله من أثر المـ.ـخـ.ـد.ر، فردد بتلعثم وتيهة: حقن! محلول!

قال كلمته الأخيرة وهو يراقب ما تفعله بذراعه ومن ثم انفجر صارخًا: لأ يا ليلى محلول لأاااا، شيليه بسرعة لأ!
ساد الجمع صوت ضحكات زينب المترددة بعدm تصديق لما يحدث، توالت دون توقف حتى أدmعت عينيها من فرط الضحك، ارتخى ذراع سيف عن نزع المحلول من يده ومال على وسادته بجسده المسترخي وعينيه التي تتابع ضحكاتها بهيامٍ وحبًا يزاحم قلبه في عُقر داره.

كبتت مايا ضحكاتها بتمكنٍ، وخاصة حينما ردد يوسف بسخرية: عرتنا الله يكسفك!
وأشار لهما قائلًا: اتفضلوا.
اتبعوه للمصعد الذي اندفع منه جمال يلتقط أنفاسه بصعوبة من فرط الصدmة التي تلاقاها، فصاح ليوسف بلهفة: في أيه يا يوسف؟ وسيف ماله؟!
ربت على كتفه بابتسامة ممتنة لحضوره إليه في أقل من خمسة عشر دقيقة: اهدى وخذ نفسك يا جمال، سيف كويس أنا كلمتك عشان تقعد معاه عندي مشوار مهم لازم أعمله.

وتابع وهو يشـ.ـدد على كلمـ.ـا.ته: خد بالك منه وأوعى تسيبه يا جمال.
هز رأسه بتفهمٍ وبشكٍ سأله: مين اللي عمل فيه كده؟
مال عليه يوسف يخبره: عم آديرا. خليك جنبه لما نشوف الحكاية هترسى على أيه. وأوعى تقوله اللي حصل مع أيوب أوعى يا جمال.
أكد له بتفهم: متقلقش روح مشوارك وأنا هستناك هنا.
منحه ابتسامة ممتنة ولحق بهما للأسفل، واتجه جمال لغرفة سيف ليكون جواره لحين عودة يوسف ليعلم منه التفاصيل بما حدث.

بمكانٍ مجوف كالصفيح، يحيطه الطلاء الأسود من الداخل والخارج كمحاولة تغطية عن كنايته، تغوص أعمدته بأعماق الأرض ومن فوقه الرصيف الاسمنتي المجوف، رائحة النفط تحيط بجوانب المكان من جميع الاتجاهات، والزجاج متناثر بكل زواية.

وعلى ذاك العمود كانت تستند بظهرها، ساقيها مضمومة ليدها برباطٍ قاسٍ، يجبرها على الجلوس بشكلٍ غير مريح، ومن أمامها ذاك الملقي أرضًا دون قيدًا حيث كان فاقدًا الوعي فلم يجدوا حاجة لتقيده، الدmاء تنهر من جانب رأسه ووجهه تحيط به بعض الكدmـ.ـا.ت.
استرخاء جسده باستسلامٍ هكذا ذبحها دون رأفة، ومع كثرة رجائها وندائها المتكرر له مازالت لم تستسلم بعد، فعادت لتناديه مجددًا: أيها الإرهابي أجبني من فضلك!

تدفق الدmع على وجنتها فنادته بحسرةٍ لظنه فارق الحياة: آيوب، هيا انهض لا تتركني بمفردي!
مجددًا تناديه ببكاءٍ: آيوب!
زحفت آديرا بصعوبةٍ حتى وصلت لجسده الملقي، فمالت برأسها على صدره تستمع لدقاته، فارتسمت ابتسامة سعيدة على وجهها حينما تأكدت بأنه مازال على قيد الحياة، فمالت برأسها تفرك على صدره وتناديه: آيوب، انهض آيوب.
عادت تحركه مرات متتالية وهي تترجاه ببكاء: أيها الإرهابي انهض الآن. أنا خائفة!

استجاب لتلك الدفعات المتتالية له من رأسها، فتأوه بخفوتٍ وهو يستعيد وعيه تدريجيًا، استند على ساعديه وجلس يراقب المكان ويراقبها بنظراتٍ مشوشة: أين نحن؟
سماعها صوته جعل الابتسامة تنبثق على شفتيها فرددت بعدm استيعاب: ايها الارهابي هل استعدت وعيك؟!

تطلع لها أيوب بصدmة، كانت الحبال تؤلم يدها وساقيها بشكلٍ مؤذي، جانب وجهها الأيسر متورم للغاية حتى عينيها وأطراف شفتيها، تحركت غريزة رجولته المنبثقة داخل أي رجلًا تجاه زوجته حتى وإن كان يبغضها حد الجحيم، فسألها بصوتٍ قاتمًا: هل لمسكِ أحدًا؟
هزت رأسه تنفي ذلك، وأضافت ببسمةٍ تهكم: صفعني أحدهم عدة مرات ولكنه لم يعتدي علي!

وأخفضت صوتها قليلًا تهتف بضجرٍ: ليته فعلها ولم يضـ.ـر.بني بتلك القسوة، لقد شوه وجهي الجميل!
اصطكت أسنانه غـ.ـيظًا من تلك المرأة المعتوهة، فجذبها يحل عنها ذاك الرباط، فحـ.ـز.ن حينما وجد حلقة من الدmاء تحيط بكفيها التي احتضنته تفركه ببكاء من شـ.ـدة الألــم.
اجتاز قلبه خــــوفًا من القادm، يتعامل مع أناس قد جردت قلوبهم من الرحمة، فإن لم يشفق بابنة اخيه كيف سيكون بقلبه الرحمة!

رفعت آديرا رأسها إليه وسألته ببكاء: لا أريد المـ.ـو.ت أيها الإرهابي!
مال للعمود القابع خلفه، استند عليه وأغلق عينيه مرددًا: كلنا سننالها يومًا، والآن إن قدر لي الله عز وجل لقائه فأنا مستعدًا لذلك.
زحفت إليه تخبره: ألا تخاف المـ.ـو.ت أيها الإرهابي؟
ابتسم وهو يخبرها: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وأنا أرغب في لقائه ولم أقصر يومًا في طاعته حتى أخشى ذلك اليوم.

وتابع وعينيه تتوجس بالمكان المريب من حوله: كل ما أتمناه أن يكون عملي صالحًا، ويتقبلني الله من الشهداء حينها سبدخلني جناته دون حسابًا.

تعجبت مما تستمع إليه، استرخائه التام وترحيبه بالمـ.ـو.ت، لم يكن أيوب شخصًا عاديًا بالنسبة لها، كل ما فعله منذ أول لقاءًا جمعهما حتى اليوم وهو غامضًا بالنسبة لها، تكفله بطعامها ومسكنها، غض بصره المستمر عنها، مساعدته له حينما تلقت طـــعـــنة من عمها، حتى بعد زواجه منها يحافظ عليها، لم يطمع بجسدها يومًا مثل بقية الرجـ.ـال حتى عمها القذر لطالما وجدته ينظر لها بطريقة مقززة، وإلى الآن مازال لجانبها يشاركها المـ.ـو.ت بصدرٍ رحب، بل وكاد أن يضحى بذاته حينما خبئها أسفل فراشه وقرر هو مواجهة رجـ.ـال عمها، والأكثر حيرة لها ثقة أخيها الكبيرة به لدرجة أن يضعها هي بامانته ويسلمه دفتره الخاص! أوليس بعد كل ذلك أهل للثقة؟

أغلق عينيه يجاهد ذلك الألــم الذي يحتل جبينه فتفاجئ بها تمسك يديه وتناديه ببكاء: أيوب.
فتح فيروزته وتطلع لها باهتمامٍ، فقالت ببسمة صغيرة تعاكس كل ما تختبره بتلك اللحظة: إن خرجنا من هنا على قيد الحياة هل ستقص لي عن دينك مثلما فعلت مع آران أخي؟
وعدلت سريعًا من خطأها: أقصد أخي محمد!

أشرق وجهه الجذاب بسعادةٍ جعلته يشعر بـ.ـارتعاش قلبه، ها هو على وشك أن ينجح بردعها عن ذاك الطريق و.جـ.ـعلها تختار اعتناق الدين الاسلامي دون ضغط منه، تركها ترى بعينيها الفرق، والآن تمد يدها له وتطالبه بأن يشـ.ـدد عليها وهو على أتم الاستعداد بعدm تركها، كاد بأن يجيبها ولكنه ابتلع كلمـ.ـا.ته فور أن تحرر الباب الحديدي الغليظ وولج للداخل عمها البغيض ومن خلفه رجلين باجساد ضخمة للغاية.

ارتجفت آديرا فور أن رأته يقف قبالتها، فتسللت بخفة لتستقر مجلسها خلف ظهر أيوب، محتضنة ظهره من الخلف بأصابع مرتجفة وبكاء خافت يصل لمسمعه تليه همسها المنخفض: سيقــ,تــلني!

رفع يده يشـ.ـد على يدها ومازالت عينيه تجابه ذلك الحقير بتحدٍ وقوة، فاقترب منه وهو يزيح نظارته السوداء ليرى نظارته المحتقرة، وردد بضحكة مخيفة: كنت أنتظر لقائك أيها السفيه! تحدتني بمرتك الأولى حينما سيطرت على آران اللعين والآن حان دور آديرا! أنت مختل مريـ.ـضًا تظن أنك ستنجو بأفعالك! والآن ستنال جزائك أيها ال اللعنة عليك وعلى دين.

بزغت عروقه غـــضــــبًا لم يزوره يومًا، يسب دينه بمنتهى الجراءة وما هو الا حشرة تحتمي خلف رجـ.ـاله، استقام أيوب بوقفته يواجهه وجهًا لوجه، وصاح بعنفٍ: اللعنة على الحثالة مثلك أيها الخنزير، هل كنت تظن بأنه سيرضخ لك وهو بالأساس مسلمًا!
وتابع بقوةٍ أزهلت الأخير الذي جحظت عينيه صدmة وخاصة حينما تابع باللغة العربية حتى لا تفهمه آديرا: كنت فاكر إنه مش هيعرف بحقيقتك القذرة! ولا افتكرت إن سرك اتدفن معاها!

ابتلع اليهودي ريقه الجاف بصعوبة بالغة وكأنه يبتلع النيران المشتعلة: إنت. آآآنت، تقول أيه!

ضحك باستمتاعٍ لرؤية الخــــوف ينهش حدقتيه: الحقيقة اللي كنت فاكر إنها عمرها ما هتتكشف، حقيقة إنك خـ.ـا.ين وحقير ومش مستبعد عنكم الغدر والخيانة علشان كده قــ,تــلت أخوك لإنه أسلم على إيد واحدة مسلمة حباها واتجوزها وهرب معاها منك ومن شرك، وبعد عشر سنين من جوازهم وصلتله وبعتله رسالة كلها خسة وندالة مثلت فيها دور الأخ النـ.ـد.مان واللي اشتاق لحـ.ـضـ.ـن أخوه، طلبت منه يقابلك وبرغم من إنه عارف شرك وخستك الا انه راح المكان اللي قولتله عليه وهناك قــ,تــله ودفنته بدm بـ.ـارد!

وتابع وهو يدور من حوله ونظرات التقزز تشمله: الخيانة دي من صفاتكم انتوا مش احنا، تخيل الاخ بيقــ,تــل أخوه بمنتهى البرود لا ومستكفتش قــ,تــلت مـ.ـر.اته واخدت أولاده حولت محمد لآران اليهودي وسدن لآديرا ولسه مستمر في كفرك ومتخيل إنك هتنتصر عليه حتى بعد مـ.ـو.ته لما تغير اسمائهم وديانتهم، بس اللي متعرفهوش إن ربنا إرادته فوق الكل، رجع الطفل اللي دنسته بوساختك لأصله والدور على آديرا وأنا سبب من الاسباب اللي هيرجعها لديانتها وأصلها غـ.ـصـ.ـب عنك وعين اللي يتشـ.ـددلك يا كـ.ـلـ.ـب!

ارتبك الخنزير أمامه، وتراجع للخلف يصيح باستنكارٍ: كيف تعلم كل ذلك؟ من أنت بحق الجحيم؟
اتسعت ابتسامته وهو يجيبه: أنا الجحيم بعينه. إن أردت اقترب وسألتهم بنيراني لحمك النجس!
تابعتهما آديرا بعدm فهم حتى ختم تهديده الصريح إليه، واستطرد ببسالةٍ وقوة: إن أردت قــ,تــلها فلتواجهني أولًا قبل أن تمسها!
استدار لرجـ.ـاله يأمرهما بجنونٍ ورعـ.ـب: ماذا تنتظران اقــ,تــلهما في الحال!

رفع احداهما السلاح تجاههما، فتراجع أيوب وأبعد آديرا خلف ظهره ليواجه فوه السلاح بنظرات أرعـ.ـبتهم جميعًا، بينما مال الاخر تجاه أذنه وهمس له بشيءٍ جعل نظراته تنخفض للساعة التي يرتديها أيوب بفزعٍ!

قاد آدهم السيارة متبعًا اشارة الهاتف، فاندهش حينما وجد سيارة تسد الطريق عنه، فتحكم بالفرام وبصعوبة بالغة تفاداها، دقق النظر فيما أمامه ليجدها سيارة من نوع رولز رويس بوت تيل Rolls-Royce Boat Tail، تضاء مصابيحها ومن مقدmتها يجلس شخصًا ملامحه غير واضحة.
في أيه يا آدهم؟

سؤال تمرد على لسان عمران الذي يتابع ما يحدث، نوعية السيارة واسترخاء صاحبها دفعت آدهم يخمن بكنايته، لذا قال بصرامة وهو يحرر حزام السيارة عنه: خليكم هنا. ثواني وراجع.
هدوئه بالحديث وخروجه بتلك الطريقة، جعلتهما يظنوه صديقًا له أو زميل يخص عمله السري، لذا جلسا يراقبون ما يحدث بترقبٍ.
اقترب آدهم من السيارة، وكلما اقترب تزداد صدmته واندهاشه وهو يراقب صاحبها بعدm تصديق.

كان متمددًا باسترخاءٍ على سطح سيارته الفاخرة، يتناول كوب قهوته وجسده يميل على زجاجها الأمامي، فما أن اقترب آدهم إليه حتى ارتشف المتبقي من كوبه ومن ثم ألقاه أرضًا على الرصيف باهمالٍ، حرك رقبته يسارًا ويمينًا بضجرٍ من مدة انتظاره لمرور سيارة الاخير، وردد ومازال على نفس وضعية استرخائه: الرائد عمر مصطفى الرشيدي الكام مهمة اللي طلعتهم ادوك ثقة غـ.ـبـ.ـية في نفسك لدرجة إنك تقوم بمهمة أكبر منك وبره مستوى تدريباتك!

ورفع رأسه المسترخي للخلف ليحدجه بنظرة ساخرة من زيتونية عينيه الساحرة: لولا أنك اتدربت على إيد الجوكر كنت شكيت أنك دخلت وسطينا بالوسطة!
أخفض آدهم عينيه أرضًا وأجابه بوقارٍ: يا باشا أنا آ...
ألجم لسانه حينما نهض عن سيارته بطوله الفارع وجسده الضخم الذي تمتد العضلات لصدره وساعديه القوي بفعل تمارينه القاسية، يواجه الاخير بنظرة محتقنة وبالرغم من جموح عاصفته الا أن صوته هادئ، بـ.ـارد: متقطـــعـــنيش وأنا بتكلم!

وتابع وهو يحوم من حوله كالوحش الواشك على التهام فريسته: حظك إن أنا اللي في انجلترا مش القائد بتاعك، وجودك هنا طول بالرغم من انتهاء مهمتك، اتحججت باصابتك رغم إنها متو.جـ.ـعش عيل صغير لسه داخل الجهاز جديد وقولنا ماشي نسيبه يتدلع المهمة اللي قام بيها تستحق إنه يرتاحله كام يوم، متفجئناش كتير بخبر جوازك رغم إنك المفروض تتجازى جاي دلوقتي وعايز تعرضنا لحرب إحنا مش جاهزين ليها!

تـ.ـو.ترت ملامحه أمام ذاك الذي انتشر صيته بالمخابرات المصرية، ذاك الذي سحق غريمه بأي حربًا تشمله، لا ينكر أنه كان من ضمن هؤلاء الضباط الذين يتمنون يومًا العمل معه أو لقائه، فخدmه الحظ وأوقع به مع الجوكر عوضًا عنه، لم يستاء كثيرًا ولكنه كان يود لقائه، وها هو الآن يقف وجهًا لوجه قبالة «الاسطورة رحيم زيدان»، من نجح بطمس صيته القوي على مدار تاريخه، لا يتهاون يومًا مع خصمه ولم يرأف بأحدٍ خارج عن القانون، فريقه يختاره بذاته رافضًا أي متدرب يحمل نقاط ضعف قد تخل بفريقه.

كـ.ـسر قاعدة الصمت قائلًا باحترامٍ ودقة اختيار كلمـ.ـا.ته: يا فنـ.ـد.م أنا عارف كويس أن اللي هعمله ده غلط بس أنا مش هقدر أقعد وأتفرج على الكـ.ـلـ.ـب ده وهو بيقــ,تــل واحد زي أيوب ده غير إنه آآ، إنه يكون صديق ليا. فمن فضلك حاول تفهمني.
استند على طرف السيارة وربع ساعديه أمام صدره يرمقه بشراسةٍ وسـ.ـخط: أمممم، شجاع إنت! بس للأسف غـ.ـبـ.ـي!

رفع عينيه إليه بعدm فهم لما يود قوله، فابتسم وردد: هو إنت فاكر إنك لما تقوم بمهمة زي دي بدون ما ترجع للقادة بتوعك ده هيعمل منك hero! (بطل)
واستطرد ونظراته تشمله بقوة وغـــضــــب: بالعكس ده هيخليك صيدة سهلة لكلاب زي دول هتنجح تدينا قلم وتفتخر بيه وبسبب غباء ظابط زيك هيقلل من شأننا ومن اللي وصلناله!

واستطرد وهو يحدجه بجمودٍ واصبعه يشير للسيارة الخاصة بعلي: إنت باللي بتعمله دلوقتي بتعرض نفسك واللي معاك وصاحبك المخـ.ـطـ.ـوف للمـ.ـو.ت!

ازدحمت أسئلته المندفعه بمقلتيه ومازال رحيم يقف قبالته ثابتًا، إلى أن قال بوجوم: المكان اللي واخدهم عليه وفاكر إن صاحبك موجود فيه منصوبلكم فيه كمين يا سيادة الرائد، لإن ببساطة مستوى تدريبك موصلش لدرجة تأهلك تقوم بمهمة زي دي، فأول غلطة ارتكبته كانت زراعة جهاز يخصنا في ساعة صاحبك بطريقة بدائية خليتهم يكشفوه ويمكن ده السبب اللي خلاوه عايش لحد دلوقتي عشان يعرفوا جهاز يخص المخابرات المصرية بيعمل أيه معاه!

رمش بعدm استيعاب حتى فقد القدرة على السيطرة على جسده فمال على سيارة رحيم يستند عليه، والاخر مازال يستقيم بوقفته، متابعًا: جهاز زي ده الأولى إنه يتزرع في أماكن معينة بالجـ.ـسم ومش أي حد يقدر يعملها!
واستمر بالحديث المتعصب: تاني غلطة عملتها إنك رايح بنفسك تشتبك معاهم وإنت متعرفش احنا بـ.ـنتعامل مع المواضيع الحساسة دي ازاي!

وبقوة وقسوة صاح: ودلوقتي أقدر أقولك ارجع باللي معاك وسيبنا احنا نتصرف وياريت ترجع مصر فورًا لانك متحول للمحاكمة يا سيادة الرائد!
اتجه رحيم لباب سيارته فلحق به آدهم يستجديه برجاء: هرجع وهعمل كل اللي حضرتك عايزه بس بالله عليك خليني أشارك معاكم. حياته في خطر ولازم نتحرك.
ترك باب سيارته مفتوح واستدار إليه يضيق زيتونته بحدة: إنت سمعت الأوامر فأنصحك تنفذها تفاديًا للعقوبة الاضافية اللي هتطولك.

تعالى صوت آدهم دون ارادة منه: بس ده صاحبي وأنا مستحيل هنزل وأسيبه!
استدار تجاهه بجسده وصاح بحزمٍ: ثابت يا سيادة الرائد!
قدm له التحية العسكرية بكل وقار: أفنـ.ـد.م.
وتابع بغـــضــــب قاطع: شكلك نسيت نفسك ونسيت إنت واقف بتتكلم مع مين؟! احمد ربنا إني قدرت أمنعك من الكارثة اللي كنت هتعملها وفوق كل ده لسه واقف بتضيع وقتي!

أخفض عينيه أرضًا وردد بأسف: بعتذر منك يا باشا. أنا فعلًا معنديش خلفية عن التعامل مع النوعيات دي من المهمـ.ـا.ت.
يبقى تبلغ القادة علشان تحمل الموضوع للي يستحقه!
قالها بضجرٍ، وبعدها تنهد وهو يتفرس ملامحه بهدوءٍ، فأشار له: مشي اللي معاك واركب.
تهللت أسارير آدهم فرحًا، فتساءل بسعادة: بجد يا باشا!

ابتسامة صغيرة زينت طرف شفتيه وهو يجيبه: الجوكر موصيني عليك ومهدي القادة عنك، بس خليك عارف أنا مش زيه لو غلطت في اللي هيتطلب منك هترجع مصر في تابوت!
هز رأسه بحماسٍ، وهرع لسيارة على ينحني للنافذة قائلًا: على خد عمران وارجع، أنا لازم اتحرك حالًا مع القائد، مينفعش تكونوا موجودين معانا لإن الموضوع سري.
صاح عمران بغـــضــــب: يعني أيه يا آدهم؟ اديني الجهاز وأنا هروح.

رد عليه وهو يتفحص سيارة رحيم: مفيش وقت يا عمران، أيوب اتنقل من المكان ده ومنصوبلنا كمين فيه، بعدين هفهمك أنا لازم اتحرك دلوقتي.
أشار له على بتفهم: روح انت وخلي بالك من نفسك، واحنا هنستناك في شقتك.
هز رأسه وغادر سريعًا لسيارة الاسطورة فتحركت به على الفور تعاكس الطريق الذي كان يتجه إليه.

أصدر الأمر بنقل أيوب وآديرا لمكانٍ أخر، فعارض أيوب الرجـ.ـال وسدد لكمـ.ـا.ت مهاجمة إليهم، أحاطوه وتمكنوا منهم، فأجبروهما على الصعود للسيارة والانتقال لمكانٍ أخر، وقد تسنى له فهم المغزى من وراء ذلك وخاصة حينما انتزعوا ساعته منه وأخرجوا منه جهاز التعقب، فعلم الآن لما أصر آدهم أن يرتديها طوال الوقت.

وضعوهم بأحد الغرف المنزوية بأسفل ذاك البناء التابع للموساد، كان مجهزًا بعدد من المسلحين، خُيل لهم بأنهم شياطين يتباهو بأن لا أحدًا يتمكن من السيطرة عليهم.
اندفعت آديرا تجاه أيوب تتمسك بقميصه المتهارى ببكاءٍ، ورجفة جسدها لا تتوانى عن الهدوء، شعر لوهلة بأنها ستترك الأرضية وستقفز على قدmيه من فرط رعـ.ـبها، وبالرغم من نفور جسده تلقائيًا من لمساتها الا أنه كان مشفق عليها.

استسلم لبقائها جواره هكذا وأغلق عينيه يسترخي مع ترديد أذكاره وبعض الأيات القرآنية، حتى وجدها تبتعد عن صدره وترفع رأسها إليه تسأله ببراءةٍ:
أيها الإرهابي ألــم تعد تنفر مني!
كبت آيوب ابتسامته وهمس ساخرًا: آه لو عُمران قفشك وانتِ مكـ.ـلـ.ـبشة فيا كده مش هيسمي عليا.
وتنحنح بخشونة وهو يجيبها بمراوغةٍ: آديرا هل تظنيه وقتًا مناسبًا للنقاش فيما بيننا، دقائق قليلة وسيعود عمك السفيه لقــ,تــلنا!

تعلقت بقميصه وتهاوت دmعاتها تذكره بكلمـ.ـا.ته التي لم يمر عليها سوى القليل: ولكنك أخبرته منذ قليل بإنك لن تتركه يقــ,تــلني وأنت حيًا.
هز رأسه بقلة حيلة منها، تلك الحمقاء لا ترى ما ينتظرهما، أجلى صوته المبحوح وردد: حسنًا سأتركه يقــ,تــلني أولًا قبل أن يقــ,تــلك هل أنتِ راضية عني الآن؟
زحفت بجسدها تجاهه وهي تراقب باب المخزن برعـ.ـبٍ، فرددت بهلعٍ: أيها الإرهابي هل تثق إن هؤلاء قادرون على انقاذك؟
زوى حاجبيه بتعجب: من!

اوضحت له: أصدقائك وهذا الشرس الذي كلما رأني هددني بأنه سينحر عنقي!
عاد لهمسه الساخر: يا ريت عمك يطلع ابن حلال ويخلص علينا بسرعة قبل ما عُمران اللي يوصلنا الله اعلم لو ظهر أنا هحميكي منه ولا من عمك ابن ال
تابعت ما يقول بعدm فهم فسألته باستفهامٍ: أيها الإرهابي ما الذي تُثرثر به!

زفر وهو يحرك رأسه بيأس وصاح بها ساخرًا: إن كنت أنا بما أفعله لحمايتك إرهابيًا بالنهاية فماذا أنعت عمك الحقير بعد ما فعله وسيفعله بنا؟

اختطف آدهم النظرات السريعة للاسطورة المنشود، كان يجلس جواره بثباتٍ قـ.ـا.تل وكأن لا أحدٌ يشاركه السيارة، يصنع لذاته هالة من الهدوء والــســكــيــنــة، وجهه حازمًا، مخيفًا بالرغم من وسامته، انتفض فزعًا حينما قال الاخير ومازالت عينيه على الطريق: لو مش هقطع لحظات تأملك فيا اسحب الجهاز اللي في التابلو وافتحه.

تنحنح الاخير بحرجٍ، وبالفعل سحب الجهاز وفتحه لينطلق صوتًا أنوثي لفتاة تتحدث بطريقة مخلة كالعاهرات: أووه بيبي هل اشتقت لي؟
جحظت نظرات آدهم لرحيم الذي يتابع قيادته بنفس هدوء معالمه، فتابعت الفتاة: أنا أتوق شوقًا لك. وانتظرك بكثيرٍ من الصبر. لا تتأخر والا احترقت من لوعة الانتظار، أتعلم أنا أفتقدك وأخشى أن يعود عمي باكرًا حينها لن أستطيع الجلوس برفقتك!

لا يصدق ما يستمع إليه وخاصة حينما قالت بميوعةٍ: أسرع فلم أعد أستطيع الانتظار!
فور نطقها بتلك الكلمـ.ـا.ت، أحتدت نبرة صوته: اربط حزامك.
عبس آدهم بعينيه بعدm فهم، فصاح رحيم بحدة: لو مش عايز تطير على الطريق ويحـ.ـضـ.ـنك الاسفلت اربط حزامك.
انصاع إليه وربط حزامه، فانطلق رحيم بسرعةٍ جنونية وبالرغم من ذلك كان متحكم بمقود السيارة متفاديًا ازدحام الطريق ببراعةٍ.

الآن علم آدهم شفرة الرسالة السرية من تلك الفتاة التي قد يظنها البعض عاهرة، ولكن ما هي الا رسالة سرية حل أول حروفها وكلمـ.ـا.تها ليردد بصوت سمعه رحيم: بتنبهك أنك توصل بسرعة قبل ما عم آديرا يرجع!
ابتسامة ساحرة اتشح بها: برا?و ابتديت تفهم!

ستة دقائق اضافية اتخذتها سيارة رحيم الحديثة حتى وصلت لمكانٍ يقرب العمارة المتهالكة، هبط آدهم واتجه ليقف قبالة رحيم الذي قال ببسمة مخيفة، وكأن الشيطان يمنحه فرصة للنجاة من براثينه: هتكون ظابط مميز لإنك جمعت في مهمـ.ـا.تك بين الجوكر والاسطورة وانت عارف ان ده نادرًا لما بيحصل!

وتابع وهو يرفع قدmه ليستند على عجلة السيارة: خاليني أحذرك للمرة الاخيرة المهمة دي مش سهلة فلو مش هتقدر تقوم بيها انسحب وسبني أنا ورجـ.ـالتي هنتعامل.
لم يكن أحمقًا ليفوت فرصة العمل مع الاسطورة ليكتسب مهارة ستضاف إليه بتاريخه المهني: أنا يكون ليا الشرف لو كنت مع حضرتك في مهمة واحدة، هنفذ تعليمـ.ـا.تك بالحرف، وإن شاء الله هكون عند حسن ظنك.

هز رأسه ببسمة هادئة وقال: كون إن مراد زيدان اللي مدربك ده مطمني يا عمر.
وتابع وهو يغمز له بمشاكسة: أقصد آدهم زي ما بتحب!
وارتسمت الجدية على ملامحه وهو يشير له على العمارة: صاحبك هنا في دور سري تحت جراشات العمارة، لازم تعرف إن المهمة دي صعبة لإننا مش هنتعامل بالسلاح ولا هنديهم الفرصة إنهم يستخدmوا سلاحهم.

استطرد يوضح لمن يواجه صعوبة بفهمه: خليك واثق إن محدش من الكلاب دول هيخرج حي، بس الذكاء هنا هيرجع للقضاء والقدر.
ضيق عينيه في محاولة لفهم ما يود قوله، فرفع يده لاعلى البناية مشيرًا: رجـ.ـالتي فوق مستنين مني اشارة عشان يبدأوا شغلهم. بمعنى أوضح يا سيادة الرائد صاحبك ومـ.ـر.اته لو مخرجوش من المكان ده بعد 14دقيقة من دلوقتي هيتنسفوا مع الكـ.ـلـ.ـب ديفيد عمها واللي معاه.

سأله بحيرةٍ وارتباك: لما حضرتك عايز تفجر المبنى مش عايزني ليه اتعامل بالسلاح!

ابتسم بسمة مخيفة، وفحيحه الخبيث يتحرر: مين قالك اننا هنفجر المبنى! قولتلك قبل كده احنا في وضع حساس ومستحيل هنتعامل بشكل يثير الشبوهات علينا، الموضوع هيبان انه قضاء وقدر، مثلًا حصل ماس كهربا أو أي حادث مالوش علاقة بتدخل انسان بس المهم في ده كله إننا نخرج بيهم من جوه من غير ما نشتبك معاهم ولا حد فيهم يتصاب أو يستخدm سلاحه، مش، عايزين البحث والتحليل الجنائي يمسك علينا غلطة وده شغل رجـ.ـالتي هما مستنين بس عشان نقدر نخرج بصاحبك وباللي معاه وبعد المدة اللي ادتهالك هيشوفوا شغلهم فهمت يا سيادة الرائد؟

هز رأسه يؤكد له ببسمةٍ فخر، كان يظن بأنه تمكن من معرفة كل صغيرة وكبيرة تجعله مستعد لمواجهة أي عدو، والآن يكتشف بأن موهبته لا تضاهي من حمل لقب الاسطورة عن جدارة!
أفاق من شروده على صوت رحيم يؤكد له: معاك 14دقيقة بس، لو مخرجتش بعدها اعتبر نفسك شهيد معاهم!
واستكمل وهو يشـ.ـدد عليه: اتحرك حالًا وأنا هكون جنبك هأمن الطريق وهحاول أشتتهم عنك لو اكتشفوا وجودك.

ودفع إليه قناع قماشي أسود اللون، ارتدوه وأشار له رحيم: جاهز يا سيادة الرائد.
هز رأسه يجيبه: جاهز يا فنـ.ـد.م!

اشارة معينة بأصابعه جعلته يندفع بحذرٍ شـ.ـديد للمبنى، مستهدفًا أحدى الأبواب بينما ولج رحيم من بابٍ أخر غير الذي سلكه آدهم، كانت مهمة شبه مستحيلة، كيف سيتعاملون مع أشخاص مسلحون دون أن سلاح أو حتى دون أن تنطلق رصاصة واحدة من أسلحتهم، ربما هي صعبة ولكنها ليست محالة بالنسبة لرجـ.ـال الصعاب الذين اعتادوا أن يحولوا المستحيل لممكنٍ.

اندفع آدهم للداخل بتمهلٍ قـ.ـا.تل، عينيه تدرس مكان رجـ.ـال ديفيد، وتستكشف المكان بحرصٍ شـ.ـديد، حتى سُلطت على رحيم المختبئ بالجانب المقابل له، يشير بيده على زواية بعيدة، اتجهت نظراته إليها فتفاجئ بوجود كاميرا.
عاد ببصره لرحيم فأشار له بأصابعه باشارة يعلمها جيدًا فالحديث بين فريق المخابرات يعتمد على لغة الاشارات، وفهم لغة الاعين بما يود القائد اخبـ.ـارك به دون حديث.

علم منه بأن هناك أربع كاميرات تحيطه، فانتبه إليهم، يتمكن كلاهما من السيطرة على الكاميرات بسهولة ولكن مهمتهم يتعمدون أن تبرز الكاميرات طبيعة الحدث حتى حينما يشهد تدmر المكان.

أشار رحيم لآدهم اشارات متتالية، على غرفة تكسل على طرف آدهم وغرفة تميل على طرف رحيم، ففهم بأنه يطالبه بالبحث عن أيوب بالغرفة المجاورة له وهو سيبحث بالغرفة التي تنحاز على جانبه، فهز رأسه وانحنى يتفادى الكاميرات حتى سلك كلا منهما الغرف.

زحف آدهم بحرصٍ وتمكنٍ، حتى وصل للغرفة، طوفها بنظرةٍ متفحصة خشية من وجود كاميرات بالغرفة، فتنهد براحةٍ حينما لم يجد أي كاميرات، فلم يستطيع السيطرة على ذاته واندفع تجاه رفيقه، يهزه بخــــوفٍ من رؤيته يغلق عينيه ويسترخي بجلسته بشكلٍ جعله يظنه فارق الحياة، فناداه بلهفةٍ: أيوب!
فتح عينيه بـ.ـارهاقٍ ومن ثم انتفض بجلسته فسقطت آديرا عن كتفه وفاقت من نومها هي الاخرى.
ردد بعدm استيعاب: آدهم! إنت وصلت هنا ازاي!

ضم وجهه بيديه بحبٍ، وجذبه بقوة لاحضانه هاتفًا بصوت اختنق بالدmـ.ـو.ع رغمًا عنه: الحمد لله إنك بخير. كنت مرعوب ليكون أذاك!
تعلق به بفرحة، فلم يتوقع أن يعرض ذاته لخطرٍ عظيم هكذا لاجله، وفجأة ابعده عنه وهو يشير: لازم نخرج من هنا حالًا. مفيش وقت يا أيوب.
وحذره باشارة حازمة: خليك ورايا وأوعى تعمل أي صوت لا انت ولا هي. في ناس معايا هتساعدنا بس لازم نخرج من هنا الأول.

هز رأسه بتفهمٍ، واستدار لآديرا المتعلقة به بخــــوف يخبرها: يريدنا أن نتبعه دون أن نصدر صوتًا يلفت انتباه رجـ.ـال عمك لنا.
أشارت له بتفهمٍ، فاتبع آيوب آدهم، اتبعت آديرا أيوب بخطواتٍ حريصة، حتى بات على الطرف الذي كان يحتله قبالة الاسطورة، فوجده بانتظاره، أشار له بأنه وجد أيوب وزوجته، فأشار الاخير له بسرعة الخروج من المكان.

كاد بأن يسلك الطريق الذي مر به فتفاجئ بوجود أحد الرجـ.ـال، لذا أبدل طريقه بطريقٍ أخر، اتسعت مقلتي رحيم حينما وجده يخطو لطريقٍ محفوف بالقنابل المزروعة، هؤلاء اللعناء يضرمون الخطط الخبيثة لحماية أنفسهم، فزرعوا قنابل بشكلٍ يستحيل تميزه.

حاول رحيم أن يحذره ولكنه تفاجئ ببراعةٍ آدهم بتميز أماكن القنابل، فكان يتحرك بخفة ويشير لهما بتتبعه، فاحتلت شفتيه ابتسامة فخورة بأخيه الجوكر المزعوم، لقد برع بتدريب أحد تلميذه بشكلٍ يستدعي الفخر.
نجح آدهم بالخروج بهما آمنين، فأشار لأيوب بهمس: خد آديرا وامشي من الطريق ده هتلاقي هناك عربية (رولز رويس بوت تيل Rolls-Royce Boat Tail) سودة خليك جنبها لحد ما أجيلك.
تمسك آيوب بيده بخــــوف: وانت يا آدهم؟!

أخبره بحزمٍ وصرامة: مالكش دعوة بيا، اسمع الكلام يا أيوب، روح أنا بستنى القائد بتاعي وهنرجع مع بعض.
هز رأسه إليه وغادر سريعًا، بينما اتجه آدهم للباب الذي ولج منه رحيم، فتعجب من تأخره، انحنى يتفحص المدخل فتخشب جسده فجأة حينما سُلط فوه السلاح على رقبته وصوتًا مقيتًا يتردد: يديك للخلف، انهض بهدوءٍ والا ستجد رصاصتي طريقها إليك!

انتصب آدهم بوقفته بهدوءٍ، ويديه تحيط رقبته، يحافظ على ثباته بكل طاقته ويستعد للمواجهة، وما أن استدار ليواجهه حتى تفاجئ برحيم يقف خلف الرجل، يثبت أصبعين من أصابعه على حنجرة الرجل والاصبع الثالث يحيط بأصبعيه بشكلٍ دائري، فجحظت عين الرجل وسقط قتيلًا دون أن تسقط منه قطرة دmاء واحدة!
حمله رحيم وولج به لداخل المبنى ثم أشار لآدهم: ورايا!

اتبعه للخارج فوجده يتفحص الطريق بنظراته الصقرية، حتى وجد سيارة سوداء تخص عم آديرا تعود لداخل المبنى، ارتسمت ابتسامته الشريرة على شفتيه وقال: كنت هزعل أوي لو الحفلة بدأت من غير الكـ.ـلـ.ـب ده!
ورفع يده للأعلى وبسطها بشكل مخيف، إشارة صريحه لرجـ.ـاله المترقبون لاشارته بأنهاء الأمر.

دقيقتين والثالثة كانت تضوي بصوتٍ لشرارة كهربائية نتجت احتكاك ضخمًا، اتسعت ابتسامة رحيم وهمس بمكر: بدأت الحفلة بس يخسارة من غير توابيت!
وتابع لخبث: الاغـ.ـبـ.ـية حاطين قنابل هتساعد معانا في الاحتفال شوفت أجمل من كده!
وأشار له قائلًا: يلا نخرج من هنا.

اتبعه لسيارته، فصعد لجواره بالامام وبالخلف أيوب وآديرا، انطلق رحيم مسرعًا وأخر ما يتثنى لهم رؤيته انهيار المبنى وسط شعلة هائلة من النيران المخيفة، التي تتحدى بعنجهيةٍ أن يخرج منها أحدًا على قيد الحياة.

غمر الصمت السيارة ومازال الفضول يغلب أيوب للتعرف على كناية ذلك الرجل المخيف، لاحظ آدهم نظراته بالمرآة الأمامية فابتسم بتهكمٍ على ما يصيبه من ذعر، وتابع الطريق حتى استقر بهم أسفل شقة آدهم التي كان يسكن بها أيوب.
هبط أيوب وآديرا، فأشار له آدهم: عُمران ودكتور على فوق بانتظارك، أنا شوية وجاي.
هز رأسه بتفهمٍ وصعد بها للأعلى ومازال مشـ.ـدوهًا لما حدث منذ قليل.
أما بسيارة رحيم.

استدار برأسه إليه ينتظر سماع أوامره القادmة، فقال: مساندتك ليا بالشكل المتقن ده هتسقط عقوبتك خصوصًا إني مش ناوي أتكلم عن أخطائك الغـ.ـبـ.ـية، هعتبرك لسه في فترة تدريبك لإنك ذكي وعجبتني.

ابتسم له آدهم بامتنانٍ، فتابع رحيم بجدية تامة: أنا ورجـ.ـالتي هنتابع الموضوع عن قرب مع إن اللي عملناه كان برفكت بس زيادة تأكيد، وعلشان نبعد وجوه الاتهامـ.ـا.ت عنه خصوصًا القرابة اللي بين ديفيد والبـ.ـنت لازم صاحبك ومـ.ـر.اته ينزلوا مصر في أقرب وقت، على الأقل لحد لما الموضوع يهدى.
هز رأسه بتفهمٍ، وقال: أيوب وآديرا هيسافروا معايا مصر على نفس الطيارة!
جاب الطرقة ذهابًا وإيابًا وهو يطرق كفًا بالأخر، الغـــضــــب والغـ.ـيظ يكاد يفجر أورداته، فزفر يوسف الجالس على الدرج جوار علي هاتفًا بسخطٍ: ما تترزع في أي مكان يا عُمران خيلتنا يا أخي!
اتجه للدرج الجانبي حيث مكان جلوسهما وهدر بانفعالٍ: انتوا جايبن الهدوء الغـ.ـبـ.ـي ده منين، بقالنا ساعتين قاعدين القعدة دي، ومفيش أي جديد، لا موبيل آدهم بيجمع ولا عارفين نوصل لأي خبر عن أيوب!

أجابه على وهو يحيط قدmيه بيديه بتعبٍ من تلك الجلسة الغير مريحة: يعني في ايدينا أيه نعمله يا بشمهندس!
ربع يديه بمنتصف خصره وشمل أخيه بنظرةٍ متفحصة: على هو إنت جايب برودة الاعصاب دي ازاي!
ابتسم وهو يجيبه بغموضٍ: جاتني من وقت ما آدهم نزل من عربيته يكلم الشخص اللي وقف بنص الطريق، ولو عرفت مين هو هتطمن وهتكون على ثقة إن أيوب راجع.
إتجه إليه مسرعًا بلهفة تتلألأ داخل رماديته: مين هو؟

اتجهت نظرات يوسف وعُمران المهتمة إليه، فأرضى فضولهما قائلًا: الاسطورة رحيم زيدان، أخو مراد زيدان الاتنين دول ظباط تقال في المخابرات وبالذات رحيم.
وتعمق بالتطلع لأخيه قائلًا: هو اللي أنقذ فطيمة من اللي اتعرضتله.
سكنت ملامح عُمران باطمئنان، أما يوسف فكان حديث على يعد كاللغز من أمامه، ما علاقة زوجته برجلٍ كهذا وما الذي تعرضت له بالتحديد؟

لم يعينه الأمر كثيرًا ولكن تضاعفت آماله بعودة آيوب، الثقة البادية على علي جعلت خــــوفه يهدأ تدريجيًا، جلس ثلاثتهم على الدرج الجانبي، حتى إلتقطت آذانهم صوت المصعد ومن بعده خرج أيوب و آديرا التي تتمسك بيده وآثار الذعر يستحوذ عليها.
آيوب!

تحرر نداء عُمران بلهفة جذبت انتباهه، فالتفت ليتفاجئ بهم يجلسون على الدرج قبالة شقته، ترك يدها وهرع إليهم، فضمه عُمران بقوةٍ ألــمت جسده المحتفظ بأثر اللكمـ.ـا.ت التي نالها، ولكنه احتملها بسعادة، واستمع له يهتف بفرحةٍ: الحمد لله إنك كويس وبخير، أنا كنت هتجنن لما عرفت باللي حصل. كنت خايف من اليوم ده والحمد لله إنه عدى ورجعت بالسلامة.

أغلق عينيه يستشعر حنان ضمته وحديثه الحنون، فوجد يد يوسف تمتد لتنتشله من بين ذراعيه هادرًا بمزحٍ: ما توسع خلينا نطمن على البشمهندس اللي موقع قلوبنا من صبحية ربنا.
وضمه يوسف بحبٍ مربتًا على ظهره: حمدلله على سلامتك يا بطل، لينا قعدة تفهمنا فيها اللي حصل.
أجابه وهو يبتعد عنه بفزعٍ ولهفة: سيف كويس! بعتولي رسالة من موبيله وصلوا ليه ازاي؟

لم يكن يريد أن يداهمه بما يشغله بتلك اللحظة، فأسرع على بالتداخل وهو يستقبله بابتسامة جذابة: حمدلله على سلامتك يا أيوب.
منحه ابتسامة واسعة ممتنة: الله يسلم حضرتك يا دكتور علي.
لف عُمران ذراعيه حول كتف أيوب وقال: هنقضيها كلام على السلم ولا أيه ما تفتح الباب بدل رمـ.ـيـ.ـتنا بره بالساعات بسببك يابن الشيخ مهران.

أخرج من جيب بنطاله المفتاح واتجه للباب يفتحه بترحابٍ: لا ازاي طبعًا، انا متأسف أوي على القلق اللي عيشتوه بسببي.
رد عليه على بلباقة: فداك المهم انك رجعت بخير!
أشار لهم بالدخول قائلًا: اتفضلوا.
ولجوا جميعًا وكاد بتتبعهم ولكن عقله أرشـ.ـده لشيءٍ مبهم، أين آديرا؟
راقب الطرقة بنظراتٍ متفحصة، وبحث جوار المصعد، التفت ليكمل بحثه فوجد عمران يقابله مستفهمًا: بتدور على أيه؟
أجابه بصدmة من عدm رؤيتها: آديرا!

ارتفع بصر عُمران تلقائيًا على الدرج العلوي، فتطلع إليه أيوب، فتفاجئ بها تختبئ خلف درابزين الدرج وتراقب عُمران بنظرةٍ مرتعبة، كأنها ترى وحشًا مخيفًا يهرب من أسطورة مظلمة تكاد تبتلعها.
وزع أيوب نظراته الحائرة بينهما، فوجد عمران يسحب نظراته الحادة عنها ويدلف للشقة بصمتٍ قـ.ـا.تل، فصعد للأعلى يناديها وهو يصيح بتهكمٍ: بربك يا فتاة ما الذي تفعلينه هنا؟!

ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة، فحملت طرف فستانها الممزق واستقامت بوقفتها قبالته، تهمس له ونظراتها المرتعبة تراقب باب الشقة: أأخبرت صديقك الشرس هذا بأنني نعتك بالإرهابي اليوم؟ صدقني لم أكن أقصد ذلك، حتى حينما تعلقت بك فعلتها لإنني أثق بأنك لن تترك عمي يقــ,تــلني، آآ، أنا أثق بك أيوب!
كلمـ.ـا.تها المرتبكة الاخيرة جعلته يبتسم وهو يردد: وهذا ما أريده سدن!

رمشت بعدm استيعاب وهتفت في محاولةٍ لنطق العربية: سداان! ماذا!
فرك أنفه بـ.ـارتباكٍ فمازال على عهده بعدm الضغط عليها لاستمالته لاعتناق الدين اجبـ.ـارًا، سيجعلها تخطو لعودتها رويدًا رويدًا، فتنحنح بخشونة: هيا. تعالي!
هزت رأسها نافية بذعرٍ: سأنتظر هنا لحين مغادرة ذلك المتوحش، أنت لا ترى نظراته لي وكأنه سيقــ,تــلني بأي لحظة!
وتابعت وهي تلعق شفتيها الجافة: أتعلم أنا أخشاه أكثر من عمي اللعين!

ضحك بصوته الرجولي الجذاب، وبعد محاولة من استعادة ثباته قال: ألــم تخبريني منذ قليلٍ بأنكِ تثقين بي؟
هزت رأسها تؤكد له، فمد كفه يطرحه لها: حسنًا، أنا هنا. لا بأس!
تعلق كفها بكفه، وهبطت خلفه للأسفل بحذرٍ، ولجت آديرا للداخل وما أن خطت قدmيها الشقة حتى سحبت كفها منه وهرولت للداخل وصفقت الباب بعنفٍ جعل يوسف يضحك: منك لله يا عمران مربي للبـ.ـنت الرعـ.ـب!

لم يعنيه أمرها من الأساس، فتابع أيوب الذي أغلق باب الشقة وإتجه إليهم، وسأله بلهفة: احكيلنا اللي حصل يا أيوب، وفين آدهم؟
رد عليه بحيرةٍ ظاهرة: اللي حصل كان غريب ومش مفهوم، آدهم تحت مع الشخص الغامض اللي انقذنا.

واستطرد بحماسٍ كالطفل الصغير: القائد بتاعه اللي خرجنا من جوه ده باين عليه إنه تقيل أوي، نظراته وشكله وهدوئه مخيف، طول ما احنا في العربية مفتحش بوقه بكلمة واحدة وفي لحظة خروجه من المكان اللي كنا محبوسين فيه المكان اتنسف في لحظتها وهو خارج ثابت ومرمش حتى!
وتابع بضحكة ساخرة وهو يجاهد لوصف الموقف: عارفين أبطال الأفلام الهندي الأوفر، لما تلاقي البطل خارج ببرود من وسط الانفجار!

ضحك يوسف بقوةٍ بينما ابتسم علي، أما عُمران فلم يستطيع السيطرة على غـ.ـيظه القابع بداخله، فنهض عن الأريكة يجذب أيوب من تلباب قميصه بعصبية اتبعت نبرته المرتفعة: بقى أنا قاعد همـ.ـو.ت من القلق عليك وعلى أعصابي من ساعتها وإنت راجع تحكيلنا عن بطولات الظابط اللي أنقذك، بروح أمك مش حاسس بالحالة اللي أنا فيها!

منع ضحكة كادت بالانفلات منه فرفع رأسه فوق يده المنكمشة على عنق قميصه وقال: طيب نقعد وهحكيلك طيب، أبو اللي يعصبك يا جدع!
ضحك يوسف مؤكدًا له: حذرتك قبل كده ألف مرة يا أيوب، متحاولش تخرجلنا الطاووس الوقح من مكانه، سيبنا نتعامل مع البشمهندس عُمران الراقي على قد ما تقدر.

دفعه عمران بغـــضــــب وعاد يحتل مكانه، ومازال الغـ.ـيظ يأجج أعصابه، يود أن يقتص من ذلك الحقير الذي اعتدى مرتين على أصدقائه، مرة نالها سيف والأخر أيوب الذي تضرر وجهه بشكلٍ ملحوظ.
ولج آدهم للداخل باستخدام مفتاحه الخاص، فانضم إليهم يهتف مازحًا: مساء الخير، أتمنى مكنش جيت متأخر!
أشار له أيوب بحماسٍ مضحك: تعالى يا آدهم احكيلهم على القائد اللي كان معاك ده محدش راضي يصدقني!

وضع مفاتيحه على الأريكة وجلس قبالتهم يقول بملامح جادة: أيوب إنت لازم ترجع مصر إنت وآديرا في أقرب فرصة، وجودك هنا الفترة دي مش في صالحك لحد ما الموضوع يتنسى.
اعتدل بجلسته بدهشةٍ، وصاح إليه: ازاي وامتحاناتي بعد شهرين ونص يا آدهم؟

رد عليه بهدوءٍ وحكمة: الباشا اللي طلب كده، متنساش إن الموضوع هيتحقق فيه بعناية والله أعلم إذا كان حد غيره عارف بموضوعك فيخدوها حجة ويلبسوك التهمة، انزل مصر وارجع تاني على امتحاناتك أسلم من كل ده، أنا هحجزلك معايا على نفس الطيارة اللي نازلة مصر.
ساد الصمت بينهم حتى قال على برزانة: آدهم بيتكلم صح يا أيوب وجودك هنا بالتوقيت ده خطر عليك وعليها.

تسلل الحـ.ـز.ن لملامح عمران، فتنحنح بـ.ـارتباكٍ: يعني مفيش حل تاني غير إنه يرجع مصر، خليه هنا وانا هحاول أمن ليه مكان كويس.
ابتسم آدهم وهو يقرأ تعابيره الحزينة لمعرفته بسفر أيوب المحتمل، وأجابه بثبات: ونضمن منين إن اللي حصل ده مـ.ـيـ.ـتكررش تاني؟ ده أمن حل صدقني، وبعدين دي فترة مؤقتة وهيرجع تاني.
واستكمل يوضح لهم خطورة الموقف: احنا خايفين من الكام ساعة اللي هيقضيهم أيوب هنا لحد ما يركب الطيارة فما بالك لو قعد!

وانتقلت نظراته لزوايا الشقة: الشقة دي معتش أمان بعد ما اتعرف مكانها.
أسرع عُمران بالحديث: خلاص لحد معاد الطيارة أيوب هيجي عندي في الملحق اللي جنب القصر، عمي أحمد لسه مكلمني من شوية وبلغني بأن الحرس اللي طلبهم وصلوا ومحاوطين البيت فكده هيكون في أمان لحد معاد سفره.
أجاد آدهم فكرته مناسبة فقال: خلاص يبقى أيوب يفضل عندك لحد ما نرتب للسفر.

رفع عينيه الدامعة إليهم وقال بصوتٍ محتقن: بس أنا مش عايز أسافر، أنا عايز أقعد هنا، مش هقدر أبعد عن سيف وعُمران.
واستدار برأسه تجاه الأخير يخبره على استحياء: ولا عنك يا آدهم، أنا مش هسافر!

استولى الصمت على المجلس، والحـ.ـز.ن يصل لدرجة لا تطاق، مزقه يوسف حينما قال بعقلانية: ده لمصلحتك يا أيوب. وإن كان عليهم فآدهم نازل معاك مصر على نفس الطيارة يعني مش هيبعد عنك يا عم، وعمران وسيف محلولة المكالمـ.ـا.ت الفيديو مفيش أكتر منها، كلمهم طول النهار والليل لحد ما ترجع تاني.

أزاح دmعة خائنة كادت بأن تفضحه، وهز رأسه بهدوء رغم تمزق قلبه من لوعة الفراق بينه وبين اصدقائه، فحطم على حـ.ـز.نهم ذلك حينما قال بسخرية تامة: بعيدًا عن الجو الشاعري اللطيف ده بينكم بس انتوا نسيتوا حاجة مهمة.
اتجهت أعين الثلاثة إليه بترقب، فاستكمل حديثه ببسمة واسعة: آديرا هترجع مصر مع أيوب ازاي؟ أو بالمعنى الأدق هتظهر قدام الشيخ مهران بأي صلة؟

لوى عُمران شفتيه ساخطًا: هيأخده بالاحضان وهيقوله يا فرحة أمك بيك!
ارتبكت معالمه وهو يتابعهم بنظرات صامته، وردد بعد فترة طويلة من السكون: لو اضطريت هكشفله الحقيقة.
رد عليه الطاووس الوقح ساخرًا: وأيه هي الحقيقة يا ابن الشيخ مهران! انك اتجوزت آديرا اليهوديه؟
هز رأسه ينفي مقصده المبطن وردد مصححًا: اتجوزت سدن المسلمة يا عمران!

جحظت أعينهم من صدmة ما تفوه به، فلم يستطيع أحدٌ ربط ما يقول، فسبقهم على وسأله: تقصد أيه؟ إنت مخبي أيه تاني يا أيوب؟
وضعت أمامها أصنافًا عديدة من الجبنٍ، وأخذت تبحث بين محتوياته بحيرةٍ، فتابعت تلك التي تقبع أمام شعلة النيران تنتظر ما ستحضره فنادتها بيأسٍ: شمس!
استدارت إليها تشير بيدها: هااا، يالا اديني الجبنه!
أشارت لها فاطمة بتذمرٍ: في أنواع كتيرة قدامي عايزة أنهي نوع؟!

اتسعت بسمتها الخبيثة، وأردفت: هاتيهم كلهم يا فاطيما، هعمل صوص جبن مشكل للمكرونة هيبقى تحفة.
وأشارت على البراد قائلة: طلعي انتي الاستربس واعمليه لحد ما أخلص.
ربعت يديها أمام صدرها وتابعت بدهشةٍ ساخرة: شمس الساعة داخلة على 11 وانتي واقفة تعملي مكرونة وفراخ!

وضعت الملعقة بفمها تستطعم مكونات الحليب الممزوج بالطحين، وفور أن استمعت لصوتها الساخر هرولت إليها تصيح: وطي صوتك فريدة هانم هتسمعنا دي ممكن تحرمني من الأكل اسبوع جاي عشان أخس الكام كيلو اللي هيزيدهم بعد الواجبة دي، وبعدين يا فطوم فيها أيه لما نقوم نص الليل نضـ.ـر.ب مكرونة واستربس وبانيه؟
جحظت عينيها صدmة: كمان بانيه! انتِ الجواز فتح نفسك على الأكل ولا أيه؟!

جذبت عُلبة الجبن واتجهت لتضع بالبشمل المخفوق هادرة بسخرية: هو فين ده، حبيبتي أنا اتجوزت واحد عامل زي العفريت بيختفي فجأة وبيظهر فجأة. أنا من ساعة الحفلة وأنا معرفش عنه حاجة!
وزادت من وضع الجبن الكيري قائلة بسخط: مفكرش يكلمني مرة. أنا خايفة أسافر معاه مصر ليسبني ويختفي!
وتابعت وهي تضع الملح: اللي مطمني إن على هيكون معايا.

تجهمت ملامح وجهها بحـ.ـز.نٍ، لا تعلم كيف ستظل تلك المدةٍ دونه، علي ليس زوجها فحسب، حسنًا هي تعشقه حد الجنون، سيطر على عاطفتها لدرجة جعلتها ترغب به!

لم يكن بأوسع مخيلاتها أن تمارس حياتها الطبيعية برفقته، وقد نجح هو بجعلها ترضخ له ولمشاعرها، ولكنه لا يعي بأنه بالنسبة لها كالهواء الذي يصعب على الإنسان العيش دونه، كيف تخبره بأنها حينما تلوث الهواء من حولها بفعل ما ارتكبه هؤلاء الجناة كان هو قناعها الذي مدها بالأكسجين النقي حتى تفادت كل تلك الغازات السامة!

تخيلها لفراقه عنها شعرت وكأنها تقف وسط وابل من الأمطار البـ.ـاردة وللغرابة شعرت بأنها ترتجف دون ارادة منها، فرفعت ذراعيها تضم ذراعيها بخفةٍ.
أفاقت على شمس التي تخبرها بدهشة: الباب اتفتح، شكل على أو عُمران رجعوا!
أزاحت مريول المطبخ واتجهت للرخام المجوف لتتمكن من رؤية القادm، فانزوى حاجبيها وهتفت بذهولٍ: مايا كنتِ فين انتي وزينب لحد دلوقتي!

انكمشت تعابيرها صدmة من وجود شمس وفاطمة بالمطبخ بهذا الوقت، فقد عادت للقصر برفقة زينب ويوسف الذي أصر أن يُوصلهما ولكن زينب كانت تشعر بضيق أنفاسها فور أن استقرت السيارة أمام القصر، فطالبتها أن تتجه بهما لمكانٍ منعش، فرضخت لها مايسان حينما وجدتها بحالة نفسية سيئة.
ارتبكت زينب حينما وجدت شقيقتها تقترب منهما وتتساءل باستغراب: كنتي فين يا زينب؟

ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ قـ.ـا.تل، وتطلعت تجاه مايا كأنها تطالبها بأن تنجدها، فطرقت حقيبتها على الطاولة القريبة وأسرعت لفاطمة تخبرها بتـ.ـو.تر: أنا كنت مخـ.ـنـ.ـوقة شوية يا فاطمة لاني اتخـ.ـنـ.ـقت مع عُمران النهاردة. فقولت أنزل أتمشى شوية بالعربية وأخدت زينب معايا.

تعلقت عين فاطمة بأصابع الكف البادية على وجه زينب والتورم الملحوظ، انتفض جسدها فجأة وتراجعت للخلف تضم قبضة يدها تستمد القوة لمواجهة كل ما يعتريها من بعض مشاهد الاعتداء عليها المتفرقة، فاستمدت قوة ومجاهدة كبيرة لنطقها المرتبك: أيه اللي في وشك ده يا زينب، قوليلي الحقيقة انتي كنتي فين؟

تمعنت بملامحها المتـ.ـو.ترة والمنفعلة، كطبيبة علمت بأن شقيقتها على وشك التعرض لنوبة قـ.ـا.تلة، انعكاس تعابير وجهها حركات أصابع يدها المتشنجة، حدة أنفاسها، لم تكن تعلم بأنها متضررة لتلك الدرجة، لذا استجمعت قوتها لتجيبها بهدوءٍ: مفيش يا فاطمة اتخانقت مع بـ.ـنت في الجامعة وزي ما انتي شايفة ضـ.ـر.بتني بالقلم بس الحمد لله مايا اتدخلت وحلت الموضوع وصممت تخرجني عشان أنسى اللي حصل.

واستدارت لمايا تحذرها بنظرة ثابتة: مفيش داعي انك تخبي عليها لإن الموضوع خلاص اتحل.
تنحنحت مايا وهي تدعي شعورها بالحرج ليمر الأمر، على فاطمة: أنا مكنتش عايزة أقلقها مش أكتر.
صاحت شمس بانفعالٍ وهي تندفع لتراقب اصابة زينب عن قرب: ودي مين المتوحشة دي، لازم تقدmي شكوة فيها للادارة يا زينب.
أكدت لها مايا بحزم: عملنا كده فعلًا والبـ.ـنت اعتذرت. الموضوع اتحل الحمد لله.

بخطواتٍ متـ.ـو.ترة اقتربت فاطمة من زينب، تراقب اصابة وجهها وأصابعها موضوعة بفمها تضغط عليها ببكاءٍ، وما أن اقتربت منها حتى ضمتها إليهل بحركة مرتبكة وبكت وهي تتساءل بصوتٍ مزق قلب مايا وشمس: بتو.جـ.ـعك؟
تعلقت بها زينب وهي تجاهد أن لا تسقط دmـ.ـو.عها، فرددت: لا خالص. أنا كويسة والله.

كانت تحمل بداخلها ألــمًا نازفًا لما حدث إليها، وما أن رأت حالة فاطمة شعرت بأنها تكتسب قوة يحيطها الخــــوف من أن تنتكس حالة شقيقتها، شـ.ـددت زينب من ضمها فهي لا تمتلك سواها، فقدت أبيها ولم يكن لدي شقيقها الأكبر ولا الأصغر حنان تجاهها، لم تعد تمتلك سواها وبالطبع لن تسمح أن تعود لظلمتها القـ.ـا.تلة، إن كانت تعرضت لجـ.ـر.حٍ بعنق السكين شقيقتها انغرس بداخلها السكين بأكمله!

أدmعت أعين شمس ومايا تأثرًا بهما، فقالت مايا بصوتٍ باكي: خلاص يا أوفر إنتِ وهي!
أزاحت شمس دmـ.ـو.عها بأصابعها وقالت بشهقاتٍ طفلة باكية: بطلوا عـ.ـيا.ط بقى الله. وأنا اللي سهرانه أعمل مكرونة وبانيه ومزاجي كان رايق قلبتوهالي نكد.
جذبت مايا قبعة البيجامة للأعلى هاتفة بحنقٍ: آه يا حقيرة مكرونة وبانيه من ورايا!
أجابتها سريعًا وهي تحاول تخليص ملابسها: عملت حسابك معانا يا طفسة بس آآ.

وسحبت نفسًا مطولًا من أنفها وهي تعيد كلمـ.ـا.تها: أيه الريحة دي!
ابتعدت فاطمة عن زينب واجابتها بضحكة صاخبة: المكرونة والبانيه اتحرقوا يا عروسة!
هرولت للمطبخ وهي تصرخ بصدmة: مكرونتي. فراخي، صوص الجبن المكس، أووووه لاااااا.
انفجرت الفتيات من الضحك، فأشمرت مايسان عن ساعديها وأشارت بمزح: بينا ننقذ ما يمكن إنقاذه أو نعمل غيرهم أنا بصراحة جعانه جدًا!
وصاحت وهي تهرول للمطبخ: هيا بنا يا فتيات!

اختلج السكون بينهم، ما قاله ليس هينًا بالمرةٍ، الجميع يجلس بصمتٍ قـ.ـا.تل، النظرات تحيل بهم وتجتمع لآيوب المتحفز لاي سؤالًا قد يُطرح، فكان عُمران أول من تحدث: يعني البـ.ـنت دي المفروض إنها مسلمة؟
هز رأسه يؤكد له، مال يوسف يستند على ساعديه: ازاي الأخ يقــ,تــل أخوه بالشكل البشع ده، وبعد ما أخد أولاده وكبرهم جاله قلب يقــ,تــل أخوها ويحاول يقــ,تــلها!

أجابه عمران ببسمة ساخرة: مستغرب ليه يا دكتور دول ولاد معندهمش ملة ولا ضمير.
تنهد على بحـ.ـز.نٍ، وأخفض ساقيه عن طرف الاريكة ليعتدل بجلسته متسائلًا بحيرة: طيب ليه مش عايز تديها الدفتر اللي سابه أخوها يمكن لما تعرف الحقيقة الموضوع يفرق معاها وتأسلم!
رد عليه آيوب بعقلانية ورزانة: لآني ببساطة مش عايزها تحس إنها مجبورة إنها تأسلم، عايزها تختار ده بـ.ـارادتها ووقتها هسبها تعرف الحقيقة.

وتابع بابتسامة جذابة: وبالمناسبة ده قرب يحصل لإنها واحنا مخـ.ـطـ.ـوفين قالتلي إنها عايزة تعرف أكتر عن ديني فده معناه إني قربت أوصل للي أنا عايزه.
ابتسم آدهم وأشار له باعجابٍ: مطلعتش سهل يابن الشيخ مهران!
تعالت ضحكاته الرجولية مرددًا بمشاكسةٍ: عيب عليك يا سيادة الرائد.

تعالت بينهم الضحكات الرجولية، ومن بينهم انطلق رنين هاتف يوسف فحمله وتطلع للمتصل وهو يقول بضيق: يا خبر أنا نسيت جمال خالص، أنا دبسته مع سيف في المستشفى كل ده.
برق آيوب بصدmة، وتساءل بقلقٍ: سيف في المستشفى بيعمل أيه؟
سيطر عليهم الوجوم، فانتفض بجلسته يردد بذعر: سيف حصله أيه يا دكتور يوسف؟
أخفض عينيه أرضًا بحـ.ـز.نٍ، فصاح منفعلًا: بسببي صح! أنا السبب!
وقف قبالته عُمران يمسك ذراعيه: اهدى سيف كويس وبخير.

غصته تزداد كلما تيقن بأنه السبب فيما أصابه، بالطبع تمكنوا منه ليحصلوا على الهاتف، انتفض بين ذراع عمران وهمس له باكيًا: عايز أشوفه يا عُمران!
ربت على ظهره بحنان وحـ.ـز.ن يغترفه: هاخدك ليه بس اهدى.
وأبعده عنه مشيرًا له: هتوصلها الأول للملحق وبعدين هنطلع على المستشفى.
وتابع وهو يخرج برفقة الشباب: هاتها وانزل.

ولج أيوب للغرفة فوجدها تغفو على الفراش بانهاكٍ وبنفس ثيابها، حركها برفقٍ وهو يناديها: آديرا. انهضي سنترك هذا المنزل.
نهضت بتعبٍ يهاجمها ورددت: إلى أين سنذهب؟
اتجه يجذب أغراضها بالحقيبة الموضوعة جانبًا، فخشى أن يخبرها بأنه من سيرحل برفقته هو نفسه صديقه الشرس الذي تهابه، فابتسم يجيب بخبث: سنذهب برفقة أحد أصدقائي، فالمكان لم يعد أمانًا.

هزت رأسها بخفوتٍ، ونهضت تحتضن كتفيها المصاب بتعبٍ تسلل لصوتها الهامس: أشعر وكأن هناك سكينًا يمزق كتفي.
استدار إليها يتفحص موضع الألــم، وقال: لنغادر الآن وحينما نصل تقومين بتغير الضماد.
نهضت عن الفراش فاحتدت أنفاسها فور أن شعرت بالأرض تتراقص بها، وتلقائيًا استندت على ذراعه هامسة له: أنا لست بخير أيوب. أشعر وكأن حوائط المنزل تدور من حولي!
أدmى شفتيه السفلية بضيق ومع ذلك ساندها حتى ولجوا للمصعد.

هبط بها أيوب للأسفل حيث تصطف سيارة يوسف وعُمران، فما أن رأته آديرا حتى تركت ذراع أيوب الذي يعد عكازها بعد يومًا متعب رأت به المـ.ـو.ت أكثر من مرة.
كبت على ضحكته بصعوبة، وأشار لأخيه: روح إركب مع آدهم وأنا هسوق أنا بدل ما البـ.ـنت يجيلها سكتة قلبية قبل ما نوصل.
أومأ له باستسلامٍ غريب، وتركهما وغادر لسيارة آدهم فتحرك به على الفور.

عاد أيوب يساندها حتى استقرت بالمقعد الخلفي واستقر هو جوار علي، اتجهت السيارتين للقصر، ففتح على الملحق لهما، وولج عُمران للداخل ليبلغ الخدm بوجود ضيوف بالخارج ليمدهم بما يحتاجوه.
ولج عمران المطبخ من الباب الخلفي، فوجد شقيقته تجلس برفقة زوجة أخيه وزينب يتناولون الطعام بجو من المزح والضحك، فابتسم وغض بصره مستكملًا طريقه لغرف الخدm الجانبية للمطبخ، فتفاجئ بزوجته تهدأ النيران وتراقب القدح.

جذبت مايسان الملعقة ورفعتها لفمها وهي تحرك شعرها للخلف حتى لا يسقط بالملعقة، تناولت ما تحمله وهي تهمس بإعجابٍ: أممم البشاميل بتاعي أحلى من بتاع شمس بكتير.
تمردت خصلة من شعرها للأمام فرفعته بضيقٍ، وهي تعود لتقليب المحتويات، شعرت بيدٍ تجمع خصلاتها وتضعها برباطًا انسدل طرفه على وجهها فتمكنت من شم رائحة البرفيوم العالقة به باجتيازٍ، أغلقت عينيها بقوةٍ ولسانها يردد دون ارادة منها: عُمران!

مال على كتفها يضمها إليه وهمسه المغري يصل لمسمعها: جنبك وقريب منك يا حبيب قلبي!

طمستها مشاعرها وقربه الخطر يقتحم أسوارها، تناست كل شيءٍ، حتى وقوفها أمام نار الموقود، مالت إليه تستجيب لحبه المطالب بقربها بعد يومًا قضاه وهو يجاهد السيطرة على اعصابه المشـ.ـدودة، استكانت على صدره وصوت اندفاع دقات قلبه لقربها يرضي طبلة أذنيها، فابتسم وهو يهمس لها بمكرٍ: الطبخة اللي اجتهدتي وبتتباهي بيها هتولع مع شرارة الحب يا بيبي!
رددت بعدm فهم: طبخة أيه!

مال بها يغلق الزر الألكتروني وهو يردد من بين ضحكاته: طيب خليني أنقذها لما تفوقي من سحر قربي!
برقت بصدmة وهي تستعيد ادراكها تدريجيًا، فدفعته للخلف وهي تراقب الجانب الخاص بطاولة الفتيات: عُمرااان أنت بتعمل أيه يا مـ.ـجـ.ـنو.ن، أختك ومرات أخوك بره!

منحه نظرة جريئة غير مبالية بما ذكر، وقال ويده تمتد لتعدل من جرفاته الذي يحتضن خصلاتها بتملك: كده عندك ليا اتنين جرفات، واحد اتخليت عنه عشان حبيب قلب جوزه يعرف يأكل من غير ما يتضايق والتاني أخدتيه مني يوم فرح علي.
وانحنى تجاهها يهتف بخبث: فاكرة اليوم ده يا مايا؟
ارتبكت وعينيها تتسع صدmة من تلميحاته الوقحة، فرفعت الملعقة تهدده بها: امشي يا عُمران. إمشي بدل ما أبهدلك بالبشاميل!

جذب الملعقة منها وتناول المعكرونة التي صنعتها ببطءٍ متعمدًا أن يهتف دون مبالاة بتعصبها: أمممم. لذيذة أوي.
وغمز لها بمشاكسة وهو يتابع طريقه: شيلي ليا طبق لحد ما أرجع. مش هتأخر عليكِ يا بيبي.
رفعت يدها تتحسس نبض قلبها المرتجف بحسرةٍ: هيمـ.ـو.تني في مرة من أفعاله وجرائته دي!

وزفرت بغـ.ـيظٍ وهي تلقي الملعقة من يدها، تنهدت بقلة حيلة وهي تجذب أحد الاطباق لتسكب لها، فعاد لها حديثه يتكرر بمخيلاتها فهتفت بدهشة: هو رايح فين تاني!
تجمعوا مرة أخرى قبالة باب القصر، فصعد عُمران بسيارة آدهم جوار أيوب بالخلف، بعد أن أقنع على بالبقاء والاسترخاء بعد يومه المجهد هذا، فولج للداخل وغادرت سيارة آدهم للمشفى ومن خلفها سيارة يوسف.

اتجه للدرج ليصعد للأعلى ولكنه توقف فور سماعه صوت ضحكات قادmة من المطبخ، اتجه للداخل باستنكارٍ من استيقاظ أحدٌ بوقتٍ هكذا، فابتسم وهو يردد بسخرية: دي العيلة كلها هنا وأنا مش واخد بالي!
صاحت شمس بحماسٍ: علي، تعالى اقعد عما أجبلك طبق.

جذب المقعد المجاور لفاطمة التي تزيح بقايا الطعام على فمها بحرجٍ، فراقب الموضوع على الطاولة قائلًا بصدmة: حد يأكل مكرونة والساعة داخلة على 12! شمس إنتي مش هتبطلي تعملي مصايب بليل دي.
اجابته بمزحٍ وهي تضع أحد الاطباق أمامه: الجوع كافر يا دكتور علي!
وتابعت بحنقٍ: وبعدين انت متضايق أوي ليه ما مراتك منسجمة معايا وعجبها الوضع.

ارتشفت فاطمة من كوب المياه بحرجٍ، فابتسم على وسحب شوكته يلتهم الطعام وهو يردد بحب: اللي يعجبها يعجبني بالإجبـ.ـار، ومستعد أنزل كل يوم بليل أطبخلها أنا بنفسي.
مالت شمس على الطاولة تستند على ذراعيها، ونظراتها تمر بينهما بمشاكسة: يا الله على الرومانسية والحب، أنا لو سمعت الكلام والحركات دي من عُمران مش هتفاجئ لكن دكتور على أخويا الهادئ الخجول مش قادرة!

وتابعت وهي تغلق عينيها بتنهيدة: صحيح الحب بيصنع المعجزات!
أفاقت على ضـ.ـر.بة خافتة أصابت أعلى رأسها وقولًا حازمًا: فوقي من أحلام العصر اللي انتي عايشاها دي وروحي هاتيلي مايونيز!
استقامت بوقفتها وهي تُتمتم بضيق: ماشي يا علي!
ضحكت فاطمة بصوتها كله، فمال عليها يسألها باهتمامٍ: زينب فين؟
ردت عليه وهي تراقب طبقها حتى تهرب من نظراته الحنونة: أكلت معانا ولسه طالعه من شوية.

وحينما تذكرت ما حدث لها قابلته بنظرة حزينة: كانت راجعه من برة وشها وارم وقالتلي إن ليها زميلة في الجامعة اتخـ.ـنـ.ـقت معاها ومايا راحتلها وحلت الموضوع، كنت عايزاك يا على تروحلها الجامعة وتشوف البـ.ـنت دي لتضايقها تاني أو تعملها حاجة.
وتمردت دmـ.ـو.عها وهي تخبره: أنا ماليش غيرها يا علي.

سحبها بأحضانه وربت على رأسها بحنانٍ وقلق من معرفتها الحقيقة، فقال: متخافيش يا حبيبتي أنا هروح معاها بكره بنفسي وهشوف الموضوع ده، المهم متزعليش نفسك.
رفعت رأسها إليه ومازالت قريبة منه: على أنا حاسة إن زينب فيها حاجة، بتحاول تخبي عني ومش راضية تقولي مالها بس أنا حاسة بيها والله.

وتابعت بانهيارٍ هزمه: نفسي أخدها في حـ.ـضـ.ـني وأحتويها بس مش عارفة يا علي، أنا أول ما شوفت وشها كده اتخشبت وافتكرت اللي حصلي وآآ، وخــــوفت أوي يكون اتعرضت للي أنا اتعرضت ليه، آآ. أنت مش فاهمني أنا أي عنف بشوفه بيفكرني باللي أنا شوفته.
خشى أن يتصاعد أمرها لنوبة قد تعيقه عن طريق تقدmه بما أحرزه، فربت على حجابها بحنانٍ وحب: اهدي يا فطيمة. كل ده من خيالك إنتي، مفيش حاجة من دي صح.

نفت ذلك باشارة متعصبة: لأ يا علي. صدقني أختي فيها حاجة بس هي خايفة تتكلم وتقولي علشان حالتي، إنت مشوفتنيش من شوية لما شوفتها حالتي كانت عاملة ازاي لدرجة انها خافت عليا ومكنتش حابة إني أشوفها بالوضع ده!

ضمها إليه بكل قوته وانحنى يقبل جبهتها، وهو يعمق نبرة صوته الرخيمة: خــــوفك عليها وخــــوفها عليكي ده شيء طبيعي يا فاطمة، مش معناه إنها بتحرص علشان تعبك، ثم إن مين اللي قالك إنك مريـ.ـضة؟! انتي بقيتي زي الفل ومبقتيش محتاجاني معاكي خلاص!
تعمقت بالتطلع إليه بنظرة متلهفة، فضم ذقنها بأبهامه وهو يستكمل بذكاءٍ: تفتكري لو بخدعك كنت هسيبك وانتِ تعبانه وهسافر مصر؟

أضاء الأمر بمُقلتيها، فقال بابتسامة جذابة: فاطمة انتي بقيتي كويسة من اللحظة اللي أخدتي فيها القرار إنك تكوني زوجة ليا.
اقتمع وجهها من فرط الخجل، فنهض وهو يقدm يده لها: الوقت إتاخر يالا نطلع.
أشارت تجاه المطبخ باستغراب: والمايونيز اللي طلبته!
جذبها بقوةٍ جعلتها تستند على صدره: مش عايز غير حـ.ـضـ.ـنك!

واتجه بها للأعلى تاركًا شمس تراقبه بنظراتٍ مغتاظة، فعادت إلى طبقها تلتهمه وهي تهدر بانفعال: أخوات أخر زمن الواد بيطرقني!
زفر جمال بغـــضــــب وهو يراقب هاتفه: أخوك مبيردش لييه، أنا غُلبت معاك ومفيش أي فايدة!
ضم يديه معًا أعلى صدره وهو يخبره ببسمة مستفزة: ولو جبتلي أبويا نفسه مش هأخد حقن بردو، فاستسلم بقى يا جيمي وفكك من الممرضات اللي هيخلونا نخسر بعض دول.

وزع نظراته المغتاظة بينه وبين فريق التمريـ.ـض المنصدmين من ذلك المريـ.ـض الملقب بالطبيب، فردد بحرج: أعتذر منكن صديقي الأبله لا يرغب بتناول الأبرة دون وجود أخيه، لقد هاتفته وعلى الأرجح هو على الطريق.
ضحك سيف وصاح وهو ينحني باحترام مضحك: حبيبي يا جيمي.
بالخارج.

وقف الشباب يتابعون الممرضات التي تخرج من الغرفة تباعًا بدهشةٍ، وما أن ولجوا للداخل حتى صاح جمال: يوسف إنت لبستني أخوك ومشيت! الدكتور المحترم مفرج علينا المستشفى من ساعتها، مش راضي يأخد لا حقن ولا محاليل أمال جايبنه هنا يهبب أيه!
ربت آدهم على كتفه بشفقةٍ: اهدى يا بشمهندس مش كده.
اتجه عُمران لفراشه يردد بسخرية: بقى كل المزز دي تعدي عليك ومفيش واحدة قدرت تغريك للحقنه!

هز رأسه بتأكيدٍ: بخاف من الحقن يا عُمران.
سيف!
نطقها أيوب الذي وقف يراقب اصابات جسد سيف بصدmة، فانتبه له الاخير وصاح بلهفة: أيوب! آه يا ندل المستشفى بتتملى وبتتفرغ عليا من ساعتها وإنت لسه فاكر تآآ...
ابتلع باقي جملته حينما اقترب أيوب منه فلاحظ الكدmـ.ـا.ت الزرقاء التي تملئ وجهه، فتساءل بفزعٍ: مين اللي عمل فيك كده؟
ووزع نظراته بينهم بشكٍ: الصبح أنا ودلوقتي أيوب!

وعاد يتمعن به هاتفًا بعدm تصديق: عمها وصلك! عشان كده أخدوا تليفوني!
مال عليه أيوب يحتضنه بقوة ألــمته، واستمع له يقول بحـ.ـز.ن: أنا السبب في اللي حصلك، قولتلك قبل كده إن الأذى هيطولك معايا.
ضمه إليه وقال بألــمٍ يعتصر رأسه: ولو فيها مـ.ـو.تي أنا راضي. بس المهم أنك متتأذاش يا أيوب.

جلس عُمران يضع ساقًا فوق الاخرى بعنجهيةٍ: لو خلصتم حلقة العشق الممنوع ده اترزع مكانك يا عم أيوب، مش ناقصين تقطيع في القلب والشرايين بكفايا اللي عملته فينا!
ابتعد عنه واتجه يجلس جوار آدهم بالاريكة المقابلة لعمران، فتساءل سيف بفضول: أيوه يعني أيه اللي حصل، دخلت وحـ.ـضـ.ـنت ومحكتليش عمل فيك أيه؟!

مرر عُمران يده على جبينه بتعبٍ، فلكزه بساقه الممتدة إليه: بكره يبقى يحكيلك واتكن يا سيف عشان وربي أطلق اللي في رأسي عليك.
تساءل أيوب ببعض الخــــوف: هو أيه اللي في رأسك يا عُمران؟
كبت آدهم ضحكاته ومال عليه يهمس له: كلاب صعرانه تقريبًا سمعته بيقولها تلاتين مرة!

ابتلع ريقه بـ.ـارتباكٍ ومال على آدهم يخبره بصوت منخفض: عُمران بيبقى مخيف أوي لما بيتعصب، كويس إنك جيت هناك لوحدك، لو كان جيه وقفشها مقربة مني كده كان هيضيع مستقبلي!

تعالت ضحكات آدهم بصوتٍ ملحوظ، فاعتدل رأس عمران المسترخي على المقعد ليمنحه نظرة جعلته يتنحنح مستعيدًا ثبات تعابيره، ومازالت أذنيه ملتصقة بفم أيوب الذي يعيد قول: عارف لو آديرا عرفت آنها في بيت عُمران مش بعيد تسلم نفسها وتقر على الجريمة اللي حصلت، هي في اعتقادها إنه بيت على وخدmنا الدكتور على لما هو اللي فتحلنا البيت وفضل معانا، عن صدmتها لما تعرف إنهم اخوات وانهم في بيت واحد!

ابتسم آدهم بينما يسترسل ايوب حديثه الهامس مستغلًا انغلاق أعين عمران واسترخائه على المقعد، بينما مازال جمال ويوسف يقفان بالخارج برفقة احد الاطباء للاطمئنان على صحة سيف: تعرف أنا نفسي بترعـ.ـب منه بس بحبه أوي والله! إنت مصدقني صح؟
استدار إليه يجيبه بضحكة ساخرة: مصدقك طبعًا يا ايوب ده أنت ناقص تدخل جوه ودني وتقولي الكلام فده اداني تأكيد أنك مـ.ـيـ.ـت في جلدك منه مش مرعوب بس!

ضحك أيوب وأشار مؤكدًا له، ثم قال ببسمة هادئة: أنا صحيح زعلان اني نازل مصر بكره بس فرحان إنك هتكون معايا.
وبـ.ـارتباكٍ سأله: آدهم هو أنا ينفع أفضل على تواصل معاك لما ننزل مصر؟
تبددت ابتسامته وأجابه بضيق: إنت كنت هتقطع علاقتك بيا يابن الشيخ مهران!
وبسخرية قال وهو يقلد نبرته: أمال أيه أنا بحس باحساس غريب من نحيتك وبشم فيك ريحة أبويا كنت بتتسلى بيا!
اتسعت ابتسامته وقال: خلاص هكلمك ونتقابل دايمًا.

ابتسم آدهم وأخبره بحب: مش بمزاجك يا أيوب هتقابلني غـ.ـصـ.ـب عنك وخصوصًا إني خلاص وصلت لمكان ابن عمك وهفتح القضية من تاني.
انتفض بلهفة: بجد؟
هز رأسه يؤكد له فكاد بأن يستفسر عما يقصده فناداه سيف بو.جـ.ـع: أيوب، تعالى هنا يا حـ.ـيو.ان أنا مش ملاحق ألــمك من جنب الخلق! جاي تزورني وتخفف و.جـ.ـعي ولا تحب وتضـ.ـر.ب صحوبية مع سيادة الرائد!

انفجر آدهم ضاحكًا وهو يضـ.ـر.ب كفًا بالأخر، بينما أسرع أيوب للمقعد القريب منه يخبره بضيق مصطنع: مالك بيا يا سيف مش شايفني متشلفط قدامك!
منحه نظرة ساخرة اتبعها قوله: وأنا قدامك أيه حاطط مكياج! انا اتدشملت بسببك مش واخد بالك ولا اللكمة اللي اخدتها ضيعت النظر!
ضحك رغمًا عنه وانحنى يربت على صدره كالطفل الصغير: معلش يا سي?و علقة تفوت وإن شاء الله متتكررش تاني.

رفع أحد حاجبيه باستنكار: معناه أيه الكلام ده، هتعقل وتبطل تحشر مناخيرك مع اليهود!
هز رأسه وأجاب: عقلت وتوبت بعد المرمطة اللي اتمرمطتها.
وانحنى يهمس له بصوتٍ يدعي البكاء الساخر: صاحبك اتمرمط واتحط عليه بالجـ.ـا.مد من عمها ابن الأ، شووفت كنت هشتم في ابتلاء أبشع من كده.
ضحك سيف ساخرًا: لا ده مش ابتلاء عمها ده من صحوبيتك مع عُمران الوقح.
ماله عُمران يا دكتور؟! مش هتلم لسانك ده بروح أمك النهاردة!

لفظ بها ذاك الغاضب بعدmا اعتدل بمقعده، ونهض يشير للاخر: هتيجي معايا ولا مشرف مع أبو لسان طويل!
معاك يا باشا بس اهدى كده وروق!
قالها أيوب وهو يراقب ملامحه بتـ.ـو.ترٍ، فولج جمال للداخل يشير لعمران: تعالى بره عايزك.
تركهم وخرج لجمال أمام الغرفة، فقال: عُمران أنا عارف إن الوقت مش مناسب للكلام ده بس اللي حصل النهاردة لازم تعرفه.
فرك رأسه المتعب وقال: اتكلم يا جمال أنا مش هسحب من على لسانك الكلام!

سحب نفسًا مطولًا وألقى قنبلته الموقتة: خالك جاني المستشفى النهاردة بحجة إنه بيزور والدتي وبصريح العبـ.ـارة كده هددني إني انسحب من مشروع المول التجاري لإنه عايز يدخل معاك فيه.
احتد الغـــضــــب برماديته بشكلٍ سافر، وصاح بعنفوانٍ: مشروع أيه ده اللي عايزني أدخله معايا شريك فيه، اتجن ده بروح أمه! وبيهددك إنت ليه خايف يواجهني بطمعه وجشعه مش جديد عليا!

راقب جمال الوجوه من حوله وصاح: احنا في المستشفى يا عمران ميصحش كده.
هدأت انفاسه المنفعلة تدريجيًا، وأضاف بعزمٍ: ماشي يا نعمان أنا وراك لما اجيب أخرك، وعلى رأي المثل العيلة اللي مفهاش صـ.ـا.يع حقها ضايع!
ارتعب جمال من رؤية ابتسامته المخيفة وسأله بـ.ـارتباك: ناوي على أيه يا عُمران؟
اتسعت ابتسامته وأجابه بفحيحٍ مخيفٍ: كل خير يا جيمي ده الخال بردو!

بالداخل.
بذل يوسف مجهودًا مضاعفًا حتى تقبل سيف أن يوضع بيده أبرة المحلول، فاضطر الأطباء أن يضعوا بالمحلول الآبر، فجأتهم ليلى حينما ولجت تحمل عمود معدني من الطعام، وضعته على الكومود وسحبت أحد الاطباق ومن ثم سكبت له قائلة: عملتلك شوربة خضار وبإيدي عشان تعرف معزتك يا دكتور سيف.
ابتسم وهو يشير ليوسف: سندني يا يوسف الريحة تجوع لوحدها وأنا واقع من الجوع.

عاونه يوسف حينما رفع السرير بريمـ.ـو.ت متحكم، فقدmت له ليلى الطبق وقالت ببسمة رقيقة: ألف هنا.
اشار لها يوسف وهو يضع الصينيه أمامه: أعملي طبق لأيوب يا دكتورة ليلى، وشوفيله مضاد للالتهابات للاصابات اللي في وشه.
تنحنح أيوب بحرج لتقززه من تناول تلك الشوربة: انا كويس يا دكتور يوسف.
ضحك باستهزاءٍ وأعاد ما قال: اديله طبق وشوفيله الدوا يا دكتورة.

هزت رأسها بطاعةٍ واتجهت إليه تناوله الطبق: اتفضل يا بشمهندس، هروح أجبلك من الدوا وراجعه.
تناوله منها مرددًا باحترام: شكرًا.
غادرت ليلى الغرفة وانشغل يوسف باطعام سيف، بينما ظل أيوب يراقب طبق الشوربة بأعينٍ منفرة، وحينما رفع رأسه لمن يجاوره وجده يحدجه بنظرة مهتمة وقال: كل، مستني أيه؟
ابتلع ريقه بصوت مسموع وكأنه سيتناول شيئًا سام وقال: بقرف منها يا آدهم!

ابتسم ومال عليه يهمس له: ما انت عملتهالي قبل كده واجبرتني أكلها!
راقب الطبق لقليل من الوقت وقال: لازم أكل الدكتورة ممكن تفكرني قرفان من أكلها بس أنا والله مش بحبها.
اتسعت ابتسامة آدهم وقال كأنه يعامل طفلًا صغيرًا: جدع. كل وخلص طبقك بسرعة قبل ما ترجع.
ابتلع سخريته وبدأ بنزع حبات البازلاء الخضراء(البسلة)، ووضعها على أحراف الطبق، ثم بدأ بتناولها، فقد كانت شهية للغاية.

تابعه آدهم باستغراب، وكأن نسخته تعيد ما يفعله، انتشرت طرقات باب الغرفة ومن بعدها ولجت ليلى واقتربت من أيوب لتقدm له الدواء، فحاول سحب البازلاء عن سطح الطبق سريعًا قبل أن تراه، ففجأه آدهم حينما جذبها ووضعها بفمه سريعًا يتناولها وملامحه تشمئز وهو يلوكها بنفورٍ.
تمعن به أيوب بصدmة وتناسى يد ليلى التي تقدmها له بالدواء، فنادته لتجذب انتباهه: الدوا يا بشمهندس.

انتبه لها فتناول الحبوب والمياه منها وشكرها بامتنان وما ان غادرت حتى جذب منه آدهم زجاجة المياه يتجرعها مرة واحدة ليقابله بنظرة ساخرة: شوفت عشان بحبك بلعت أيه؟
هز رأسه بابتسامة واسعة: مش متخيل أساسًا إنك أكلتها، إنت كنت بتشيلها يوم ما حطتهالك في الشوربة!
جذب المنديل يمسح فمه وأردف بتسلية: عد الجمايل يابن الشيخ مهران.
قاطعهما صوت الطاووس الوقح: هتبات هنا ولا أيه يا عم أيوب!

ودع آدهم وهرول سريعًا للخارج يصيح: أوعى تتعصب أنا في ديلك!
منحه نظرة ساخرة واتجه للمصعد فولج خلفه وهو يلوح لآدهم بيده فابتسم وهو يلوح له هو الاخر قبل ان ينغلق المصعد ويختفي بهما.

تراجعت بعيدًا عن الرخام الأسود المحيط لحوض الاغتسال بصدmة، يديها مضمومة على فمها، ولسانها ينطق دون توقف: مش ممكن! لأ مستحيل!
تراجعت فريدة حتى جلست على غطاء الحمام ومازالت نظراتها تحيط اختبـ.ـار الحمل الايجابي الموضوع جوار حوض الاغتسال.
اعادت خصلات شعرها للخلف ومازالت تحت تأثير الصدmة: لأ! ازاي ده حصل!
وتابعت ودmـ.ـو.عها تلألأت بحدقتيها: هقول أيه للأولاد! وشمس! شمس فرحها بعد كام يوم لا مستحيل!

اعتلت الصدmة ملامحها لدرجة جعلتها تعيد الاختبـ.ـار لأكثر من ثلاث مرات، وأكثر ما يهزمها بتلك اللحظة النـ.ـد.م والصدmة، نعم مازالت صغيرة تتمتع بجسدٍ ممشق، من يرآها لا يجزم بأنها قد أنجبت يومًا بفعل حفاظها على وزنها والرياضة المنتظمة ولكن كيف ستفعلها وأولادها بات كلًا منهما رجلًا على وشك استقبال خبر حمل زوجاتهما، وابـ.ـنتها على بعد أيامًا من زواجها!

ضمت فمها ومازالت تحاول الاستيعاب وبعصبية صاحت وهي تلقي الاختبـ.ـار بسلة القازورات: ازاي مأخدتش بالي!
وصل آيوب برفقة عُمران للقصر، فولج للملحق الخارجي واتجه لغرفة فارغة وغفى بها بتعبٍ، بينما صعد عُمران للأعلى واتجه لحمامه الخاص، انتعش بحمامٍ دافئ واتجه لفراشه بعد أن ضبط المنبه على وقت الفجر مثلما يعتاد.

مضت ثلاث ساعات حتى استيقظ، خرج للشرفة الخارجية يتفحص السماء ببسمة خافتة، ومن ثم عاد لجناحه يجذب سجادته الخاصة وحامل المصحف الخاص بمصحفه الكبير، وهبط للحديقة.
فرد سجادته ووضع حاملة المصحف جواره، أدى صلاته بخشوعٍ تام وحينما انتهى وقف يتمعن بالحديقة مستمتعًا بتلك الأجواء المحببة إليه.

جلس على سجادته يرتشف المياه وما أن استكان وسحب حاملة مصحفه الشريف وبدأ بالتلاوة بصوتٍ عـ.ـذ.بٍ خاشع، فردد آية استحضرته بكل ذرة داخله
بسم الله الرحمن الرحيم.
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا» (سورة المائدة).
صدق الله العظيم.

وتابع قراءته بصوته الخاشع إلى أن انتهى من وارده بشكلٍ متقن، حتى اتحنى يغلق مصحفه وقال بصرامةٍ دون أن بتطلع خلفه: هل ستمضين اليوم بأكمله وأنتِ تراقبيني؟!
انتفضت تلك المختئبة بين فروع الشجر العملاق، وكادت بالعودة وهي تلعن فضولها الأبله بالتنزه بتلك الحديقة الرائعة، فأسقطها قدرها بوجهة ذلك الشرس، فتعجبت حينما رأته يصلي مثلما يفعل أيوب.

ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة، وكادت بأن تفر راكضًا ولكنها وجدته يردد ومازال يلملم أشيائه الخاصة: كنت فظًا معكِ طوال تلك الفترة أعتذر عن ذلك.
أسبلت بعدm تصديق وخرجت من بين الأشجار تراقبه بنظرات مشككة، فوجدته يتطلع أرضًا أسفل قدmيها مثلما يفعل زوجها، فقالت بتيهةٍ: أنت تبغضني كثيرًا فلماذا تعتذر لي فجأة؟!

ابتسم بخبث، فبعد ما استمع له بالأمس من أيوب اكتشف أنه شابًا ذكيًا يستدرجها لقيم دينه دون اجبـ.ـارًا منه، ربما كان يمقتها كثيرًا لإنه يكره جنسية هؤلاء الذين يتسببون بما يحدث بأرض فلسطين، ولكن ما هون عنه سماعه لقصتها فأشفق عليها.
تنحنح عن صمته يخبرها وهو يتجه للمقعد المجاور للمسبح الضخم: ليس لسببٍ معين، أخطأت وإعتذرت وانتهى الأمر!

فركت أصابعها بـ.ـارتباكٍ وهي لا تعلم أتثق به أم تركض عائدة لآيوب مصدر أمانها، ولكن فضولها كان قـ.ـا.تلٍ، فاقتربت تبعد المقعد المجاور لطاولته لتكون على بعدٍ كبير منه، حتى تلوذ بالفرار الآمن إن تطلب الأمر.
منع ابتسامة ساخرة ارتسمت على محياه وانشغل بترقب المياه الصافية من أمامه ليعلم ما الذي تريده باقترابها هذا، فاتته تتساءل بفضول: رأيتك وأنت تصلي مثلما يفعل أيوب فاندهشت قليلًا.
رفع احد حاجبيه بذهولٍ: لماذا؟

أجابته بتلقائية مضحكة: أيوب يفعلها لذا هو خلوق للغاية وأنا أثق به كثيرًا وأنت تصلي مثله ولكنك لست مثله، أنت مخيفًا، آآ. أعني أنت سيئًا آآ، أنت آآآ...
واستطردت وهي تقبض على طرف المقعد: أعتذر ولكنك تخيفني للغاية.
تنهد واستند على ظهر المقعد: لا عليكِ، أنا أعلم ذلك.
عبست بحدقتيها صدmة: هل أنت على ما يرام سيدي؟
كبت ضحكته بصعوبة وقال بجدية مصطنعه: هل لي بسؤالك ما الذي تفعلينه خلف الشجرة؟

ردت تجيبه: رأيتك تصلي فتعحبت لذلك، أيوب يخبرني أن الصالحين لا يتركون صلواتهم وأنت شريرًا فاسقًا يا سيدي!
برق بغـــضــــب جعلها تتأهب لما هو قادm، ومع ذلك سيطر على غـــضــــبه وقال: وما الذي يدفعك للظن بأنني شرير فاسق يا امرأة؟
بتلقائية تتدعي البراءة اجابته: لانك كلما تراني تبرق بوجههي وكأنك ستتحول لأفعى سامة تعتصرني!
همس بسخط: يا ريت كنت اتحولت ولسعتك وخلصنا من خلقة أمك!

عاد ينظم أنفاسه ويستعيد قوته المهدورة، واعترف لذاته ان آيوب يبذل مجهودًا مع تلك الحمقاء يستحق كاسًا ذهبيًا اجلالاً له، وقال: ولكني لم أفعلها أليس كذلك؟
هزت رأسها تؤكد له صدق حديثه، فتابع ببسمة زائفة: اطمئني ديني لا يسمح لي بقــ,تــل أي نفس، الله عز وجل حرم علينا ذلك ومن يفعلها مصيره جهنم وبئس المصير، أنتِ رأيتي بعينيكِ أنني أودي صلاتي لأتقرب من الله عز وجل فلما عساني أرتكب ذنبًا عظيمًا كذلك.

رمشت تستوعب ما قال، وسألته باهتمام: هل يعني ذلك بأن الله سيحاسب عمي عما ارتكبه بحقي وبحق أخي؟
أكد لها: بالطبع كلنا سنحاسب عن أفعالنا، وعن المعاصي التي ارتكباها بالدنيا.
ألــم ترتكب معاصي يومًا؟
ابتسم ساخرًا وقد تقاذف إليه كل السييء الذي فعله بحياته: بلى، فعلت كل شيء تقريبًا. ولكني تراجعت عن ذلك حينما كشف الله عز وجل عن بصيرتي.
تابعته باهتمامٍ وتساءلت بلهفة: ومتي سيُكشف عن بصيرتي؟

التفت تجاهها وقد لمس ما بداخلها، فقال يطمنها: لا أعلم، ولكني أشعر بأنه سيحدث قريبًا، قريبًا جدًا.
اتسعت ابتسامتها بفرحةٍ وكأن الحياة فتحت ذراعيها وتلقفتها داخلها، فاعتدلت بجلستها وقالت بتحفزٍ: فلتخبرني إذًا كيف أعتنق دينك؟
وتابعت باستفهامٍ مهتم: هل يجب أن أذهب لمكانٍ محدد أو مقابلة أحدًا لفعل ذلك؟

كاد أن يجيبها حتى أستوقفهما صوتًا ذكوريًا يهتف بفزعٍ من بين أنفاسه اللاهثة بسبب ركضه السريع: آديرا أنتِ هنا! لم أترك مكانًا الا وبحثت عنكِ فيه.
وانحنى أيوب يستند على ركبته ليواجه موجة سعالها من فرط مجهوده، ومن ثم انتصب قبالتهما، يوزع نظراته بينهما بصدmة قد احاطته لحظة أدراكه فردد وعينيه تجوبهما باستنكارٍ: ما الذي يحدث هنا؟!

نهضت آديرا واتجهت إليه تخبره بحماسٍ: ذلك المتوحش ليس سيئًا بالمرة أيوب، لقد كان لطيفًا للغاية.
بالطبع لم ترى تلك الأعين الملتهبة من خلفها، فكانت نصب أعين أيوب، وما زاد صدmته حينما اتجهت لعمران مجددًا تسأله بحماسٍ صدm أيوب وأصابه في مقــ,تــلٍ: فلتخبرني الآن كيف أصبح مسلمة مثلكم!
أنا ذاك المغــــرور الذي عاش حياته بطولها وعرضها، أنا نفسه الشاب الوسيم المرغوب دائمًا من الفتيات، مظهري واهتمامي بجسدي الرياضي هما من أولوياتي، لا غالي وثمين لدي مثل خزانتي التي تمتلك أثمن الثياب ذات الماركات العالمية، أنا نفسه الذي برع بالهندسة وامتلكت رئاسة مقر الشركات الإنشائية التابعة لعائلتي وكنت على قدرٍ من الثقة لأكون من أصغر رجـ.ـال الأعمال المعروفين، أنا نفسه ذاك العاصي الذي ارتكب من الذنوب ما أثقلها، أنا ابن الطبقة الأرستقراطية حيث تجد الخمور مشروبًا رئيسي للحفلات المُقامة وبالرغم من وجود الطاهر والعفيف عن المحرمـ.ـا.ت بيننا كنت أنا الفاجر والفاسق الذي ارتكب كل شيءٍ مُحرم، أنا هو الشاب الوقح الذي انتزعت منه طفولته، كنت وحيدًا، يتيمًا، ولم أجد من يمسك يدي لبداية طريقي سوى أخي، ولكنني كنت بحاجة لوجود أب لجواري، أنا ابن فريدة هانم الغرباوي أهم نساء الوسط المخملي، وبالرغم من حبي الكبير إليها الا أن قلبي مازال يحمل لها عتابًا لها، أتعلمون لم أجدها يومًا تسحب يدي وتخبرني عن ديني!

قواعدها الخاصة والدقيقة تشمل اتيكت المظاهر الخارجية، نجحت بأن تجعلني رجلًا جذابًا، ملفتًا بملابسي الأنيقة وجسدي المفتول، وفشلت بأن تعصبني عن محرمـ.ـا.تٍ طمست حياتي وأحالتها لجحيمٍ، وها أنا الآن أحاط برحمة الله عز وجل، ليجعلني أرتد عن ذلك الطريق!

لحظة! كانت لحظة فقط من جعلتني أعود من غفلتي، لحظة فارقة سلخت حياتي المظلمة، على طريقٍ جعلني قريبًا من المـ.ـو.ت لأجد منارتي التي كنت غافلًا عنها، أقسمت بأنني لن أعود لتلك المعاصي مرة أخرى وسلكت طريق طاعته وأنا على ثقة بأنه سيغفر لي ذنوبي، وها هو يشملني برحمته ويختصني لأكون سببًا لاعتناق تلك العبرنية للدين الإسلامي، على الرغم من أن الحق الكامل يعود لزوجها. أيوب بن الشيخ مهران!

لحظات من الصمت كانت ثقيلة عليهم وبالأخص آديرا التي تنتظر متلهفة سماع ما سيخبرها عُمران به، متجاهلة صدmة أيوب واتساع حدقتيه المندهشة مما يحدث.
تخلى عُمران عن صمته أخيرًا متنحنحًا بخفوت: إعتناق الإسلام لا يشترط بالذهاب لمكانٍ أو لشخصٍ معين. جملة واحدة تعد بوابة العبور ولكن عليكي أولًا أن تكوني على ثقة تامة بقرارك وعن قناعة.

سبقتها لهفتها لسماع تلك الجملة المحفزة، وقلبها يحفزها بأنها ولأول مرة تفعل الصواب: أخبرني أيها المتوحش!
منحها نظرة عبرت بها ضيقه الشـ.ـديد كالسهم النافذ، تارة تلقب أخيه بالإرهابي ونصيبه الآن بذلك اللقب الذي كان سابقًا يروق له، حسنًا عليه التخلي عن غــــروره المعتوه قليلًا وردد بخشوعٍ تام: أشهد أن لا إله الا الله.

ابتلعت ريقها الجاف مستحضرة كل حروفها المهتزة في محاولةٍ لنطق العربية: أأشهد أن لاا إله آلااا الله.
تابع يحفزها على استكمال نطقها للشهادة حتى وآن كانت لغتها العربية ضعيفة: وأشهد إن محمدًا رسول الله.
تابعت بسعادةٍ غريبة تنبعث داخلها، وكأنها تتحرر من ظلام ليلًا قـ.ـا.تل لنهارٍ سطعت فيه الشمس كالبلور: وآآشهد أن مُحمد رسول الله.

أغلق أيوب عينيه بسعادة حررت دmعة من عينيه، شعر وكأنه على وشك البكاء من رحمة الله عز وجل، كان هو الأصلح لطريق اسلامها فكان الاختيار لعُمران، الطاووس الوقح، بات مشوشًا لا يعلم ماذا بين ذاك الفتى وبين الله عز وجل ليختصه بأخر شيء لا يصدقه العقل، فمن كان سيصدق أنها ستأسلم على يد أكثر شخص بغضته وكادت تقــ,تــل رعـ.ـبًا منه.

أفاق من غفلته على يدها التي تحيط كفيه، تسأله بحماسٍ وفرحة: أيها الارهابي هل أصبحت مسلمة الآن؟
اكتفى بهز رأسه وحينما شعر بأنه على وشك البكاء بينهما انسحب للجانب الاخر من الحديقة، جلس على المقعد باهمال يبكي فرحة كالصغير.
كاد عُمران بأن يتبعه ليرى ماذا أصابه؟ فأوقفته آديرا تسأله باهتمامٍ: ماذا على فعله الآن؟

سحب نفسًا مطولًا وكأنه يستمد طاقة غادرته منذ زمن بعيدًا: لست أنا جدير لتلك الخطوة آديرا. ولكنك الآن على وشك اللقاء بمن هو الأحق بذلك.
قوست حاجبيها بدهشةٍ: من تقصد؟
وتابعت بتخمينٍ: أيوب؟
هز رأسه نافيًا وببسمةٍ صغيرة قال ومازالت عينيه موضوعة أرضًا: الشيخ مهران والد أيوب. الآن أنتِ مسلمة ينقصكِ سماع كل شيء متعلق بالدين الإسلامي، أركان الإسلام، طريقة الصلاة، الزي الشرعي، كل ذلك سيكون من أصول تعليمه لكِ.

ابتسمت بسعادةٍ، قد راق لها اختياره لمرشـ.ـدها، فإن أعجبها خصال أيوب الطيب فمن المؤكد بأن والده سيكون المعلم الأمثل، لذا رددت بامتنانٍ: شكرًا لك.
واتجهت للمغادرة فما أن انخفضت عن الدرج القصير بين منطقة المسبح والحديقة حتى قالت بمرحٍ: أيها المتوحش. لست سيئًا كما أعتقدت!
وتركته وغادرت فهز عمران رأسه هاتفًا بحنقٍ: مصرة تخرجني عن شعوري بروح أآآ، استغفر الله العظيم ده أنا لسه كنت قدوة من شوية!

وقفت سيارة الأجرة قبالة باب القصر الخارجي، فهبط آدهم يحمل حقيبته من الصندوق الخلفي للسيارة، ورفع حاملتها ليجذبها خلفه للداخل، كان بطريقه لباب المنزل الداخلي فلمح أيوب يجلس على احدى الطاولات الخارجية.
رنا إليه وهو ينزع نظاراته الشمسية قائلًا بابتسامة جذابة: صباح الخير يا بشمهندس.

رفع أيوب رأسه صوب الصوت المسموع، فما أن رأى آدهم قبالته حتى أسرع بمسح دmعاته بخزيٍ، وخز قلب آدهم بضرواةٍ، فصعد الدرجات القليلة إليه هاتفًا بقلقٍ: آيوب!
وما أن أصبح قبالته حتى ألقى لهفته بسؤاله: إنت كنت بتعيط؟!
هز رأسه نافيًا وهو يلتفت يتفحص المكان وكأنه ينطق بجريمة ارتكبها للتو، فرفض الأخر الانطواء خلف كذبه السخيف وردد باصرار: أنا مش أعمى. مالك يا آيوب؟

تعمق بالتطلع إليه وهتف بسعادة التمسها الأخير: آديرا أسلمت يا آدهم.
اتسعت ابتسامته قائلًا: ما شاء الله. وأيه المتوقع يعني بعد معاشرتها لابن الشيخ مهران؟!
نفى ظنونه رافعًا كتفيه بحيرةٍ وكأنه مازال غير مصدقًا: مش بسببي، خليني أصدmك معايا وأقولك إن اللي ورا ده الطاووس الوقح.
رفع احدى حاجبيه بصدmة فعاد يؤكد بهزات رأسه متابعًا بدقة: عُمران سالم الغرباوي!

رمش آدهم بعدm استيعاب، لا يشكك بأخلاق عمران وانتمائه للدين، ولكنه الوحيد من بين الشباب الذي كان ينفر منها بشكلٍ مخيف، كيف ومتى فعلها؟
اتسعت ابتسامة آيوب الشامتة وردد: خدت الصدmة؟ اقعد جنبي يا حضرة الظابط نحاول نصدق الجملة اللي مش مصدقها من ساعه ما شوفتها على أرض الواقع!

انصاع إليه وجلس جواره، يتطلع كلاهما للامام بشكلٍ مضحك، الصمت يتراقص بينهما الى أن قطعه آدهم قائلًا باستغراب أتاه من حيث لا يحتسب: أيوه يعني ده يخليك تعيط زي العيل الصغير بالشكل ده!
تنهد بصوتٍ مسموع واستدار يقابله بجلسته قائلًا بتردد: آدهم أنا اتربيت في حارة شعبية، والدي رباني أنا ويونس ابن عمي تريبة ميري زي ما بيقولوا، لدرجة إنه كان بيختار معايا أصدقائي.

وبـ.ـارتباكٍ أضاف: اعتقد شخصية زي عُمران كان ممكن والدي يعترض إنه يكون له وجود في حياتي، لإن عُمران مختلف عننا. بس أعتقد إنه لو شافه زي ما أنا شوفته هيتبناه!
يشعر وكأنه فقد مهاراته كظابط مخابرات محترف، يقف أمامه عاجزًا عن فهم ما يود قوله، فسأله بدهشة: تقصد أيه يا آيوب؟

رد عليه بابتسامة صغيرة: قصدي إن عُمران يبان من بره أنه شخص آرستقراطي مغــــرور. وممكن من وقاحته تفكره إنه مدورها وبيرتكب كل شيء حـ.ـر.ام، بس لما تقربله هتلاقيه شخص عظيم محصلش يا آدهم.

وتابع وهو يتطلع للأمام بشرود: أيه المبهر إن ابن الشيخ مهران بيصلي وعارف ربنا. في حين إن واحد زي عمران اتولد في مستنقع كله مليان بالمحرمـ.ـا.ت وبالرغم من إنه انغمس فيها الا إنه خرج واقف على رجليه وصالب طوله. هو اللي اختار طريقه وغيره بكل ارادة وده صعب جدًا مش سهل إنك تعيش حياة سهلة فيها المعاصي سهلة وتبعد.
واستدار يقابل نظرات آدهم مؤكدًا له: هو المبهر يا آدهم، أنا بحمد ربنا إنه رزقني بصديق زي عُمران.

انهمرت دmعة خائنة على وجهه، فأزاحها ورسم بسمة تصاحب قوله المرح: هو بس يعدل من كلامه ويعتزل أسلوب البلطجة اللي جواه ده وهيبقى برفكت!
مازحه آدهم وصوت ضحكاته الرجولية تعلو دون توقف: لو عمل كده ميبقاش الطاووس الوقح!
لا يا خفيف هيبقى ليا كتالوج وأنا(قطعة واحدة one piece).

قالها عمران الذي يتكئ على الطاولة من خلفهما، انتفض آيوب بجلسته فسقط أرضًا وتراجع للخلف وهو يحدجه بذعرٍ، بينما مازال آدهم ساكنًا محله حتى أنه لم يكلف ذاته عناء الاستدارة لمقابلته، فهتف آيوب باستتكارٍ: آدهم. انت كنت عارف إن الوقح ده واقف!
انتصب بوقفته يضع يديه بجيوب جاكيته الاسود، متمتمًا بحنقٍ: مش كل شوية هقولك اني ظابط وأشرحلك اللي اتدربت عليه. بس ممكن نقول سبته يسمعك وانت بتعبر عن مشاعرك.

وتابع بغمزة مشاكسة: لحظة صفا قبل ما سي?و يلمحك!
وتركهما واتجه للداخل، فتحرك عُمران واحتل مقعد آدهم، واضعًا قدmًا فوق الاخرى، ومال بنصفه العلوي ليستند على ذراعه هادرًا بسخطٍ: والسيد الوالد يمانع صحوبيتنا في أيه يا ابن الشيخ مهران!

ابتلع ريقه بتـ.ـو.ترٍ، وكأنه تلميذًا سيعـ.ـا.قبه مدرسه، فتابع عمران بعنجهيةٍ: طب أيه رأيك إنك هتلاقيني في وشك، وهنشوف وقتها الشيخ مهران هيعمل أيه لما أقطع تذكرة العودة لانجلترا أما خليته يعمل مظاهرة في حارتكم مبقاش عمران سالم الغرباوي!
ترك الحديث وكأنه لا يعنيه ونهض إليه، يجلس جواره ويده تتعلق بذراعه كالطفل الصغير: بجد يا عمران هتجيلي مصر؟

ابتسم وهو يرى سعادته الكبيرة، فهز رأسه يؤكد له: لما على يسافر ويرجع علشان مينفعش أسيب والدتي والبنات لوحدهم.
عانقه بقوةٍ: هستناك تيجي عشان أعرفك على والدي وعيلتي. أنا أساسًا مش مستوعب اني هسيبك وهمشي.
ربت على ظهره بحنانٍ، وردد بسخرية: بالعكس انت هترتاح من وقاحتي وأسلوبي السليط معاك.

ابتعد عنه يواجهه قائلًا بصوتٍ جاهد ليخفي به بكائه: أنا مش بتضايق منك ولا بخاف من غـــضــــبك. أنا خــــوفي كله بيكون على زعلك يا عُمران. مبحبش أشوفك زعلان مني.
منحه ابتسامة هادئة، ومازحه وهو ينغزه برفقٍ: يالا خليك صريح وقول إنك بتخاف من عضلاتي وغشومية ايدي!

ضحك بصوته كله، وأجابه: على فكرة أنا بعرف أدافع عن نفسي كويس، لإن اللي متعرفهوش إن بعد العلقة المحترمة اللي أكلها سيف على إيد جاره المصري اللي إنت اتنشلته منها دكتور يوسف شـ.ـده من قفاه على مدرب ملاكمة وسيف حلف ما يروح لوحده شـ.ـدني معاه فاتعلمت كام حاجه تنفعني مع أمثالك!
هز رأسه ساخطًا: أمثالي أمممم.

وربت على ظهره بقوة اسقطت آيوب أرضًا عدة مرات: متخرجش المتوحش اللي جوايا بدل ما ترجع لأبوك متشلفط يا ابن الشيخ مهران!
أيها الإرهاربي!
رفعوا رؤؤسهما عاليًا تجاه شرفة الملحق الخارجي للقصر، فوجدوا آديرا تصيح وهي تشير بيدها لآيوب قائلة بصراخها الصاخب: أصعد قليلًا، أواجه مشكلة هنا!

مال عمران برقبته يمينًا ويسارًا بعصبية جعلت صوت طقطقة رقبته تجلد آيوب المرتعب، فمال عليه يهمس من بين اصطكاك أسنانه: أنا بحاول أسيطر على نفسي فوق المحتمل، فتطلع بمنتهى الهدوء اللي معنديش منه ذرة تقولها متنادلكش بالاسم ده تاني، والا هنسى معاهدة السلام اللي ما بينا وهرجع المتوحش اللي بتذم فيه تاني.

هز رأسه وهو يزحف للخلف، فتابع بغلظةٍ: متنساش تخليها تكتم بوقها وانتوا في المطار لإن لو نادتك بيه هناك هتشوف مصر في الأحلام يا سيدنا الشيخ.
وتركه وغادر وهو يتمتم بضيق: دي مش محتاجة الشيخ مهران دي محتاجة تروح الكُتاب!
تمسكت بحقيبته للمرة الرابعة كالطفلة الصغيرة التي ترفض ترك أبيها يذهب لعمله، فاستدار لها مبتسمًا: وبعدين يا فطيمة؟

ابعدت الحقيبة للخلف وكأنها تضمن عدm فراره، وقالت بعينين دامعتين: هو لازم تسافر؟ ما تبعت التذاكر للدكاترة مش لازم تسافر بنفسك يعني عشان تجبهم!
كبت ضحكاته داخله، وتنحنح ليبدو أكثر اتزانًا: مينفعش يا حبيبتي، لازم أنا اللي اختارهم بنفسي، وبعين الحكاية كلها يومين تلاته مش هتأخر يعني.
انفلتت شفتيها بصدmةٍ: يومين! هقعد من غيرك يومين يا علي!

اتسعت ابتسامته حينما وجدها تقلب شفتيها كالطفلة الصغيرة، وانفجرت بالبكاء وهو تهز رأسها نافية: لا مش هتسافر لأ...
وضمت الحقيبة الصغيرة لصدرها مسترسلة: أنا لسه تعبانه وعندي كلام كتير عايزة أحكهولك يا علي.

وأسرعت تضع الحقيبة بالخزانة وأغلقتها، ثم عادت إليه وهو يضحك بقوةٍ ادmعت عينيه و.جـ.ـعلته ينحني بوقفته، فقالت غير مبالية به: تعالى أقعد على الكرسي وأنا على الشاذلونج وأحكيلك عن حاجات كتيرة أوي. مش إنت دكتوري النفسي أنا تعبانه جدًا جدًا.
وسحبت كفه تضعه على جبينه قائلة باصرار: حتى شوف حرارتي!
انفجر ضاحكًا ورأسه يتحرك بعدm تصديق، يكتشف الآن جانب غامض من شخصية فاطمة، وللحق يستمتع كثيرًا بما يراه.

استند بذراعيه على كتفيها وقربها إليه يخبرها ببسمة جذابة: لولا السفرية دي مهمة وخصوصًا إن شمس مينفعش تسافر لوحدها كنت كنسلت أي سفارية تجيني مدى الحياة.

ظنته سيخبرها بأنه سيبقى لاجلها، فأبعدت ذراعيه عنها واتجهت للفراش تبكي بصوتٍ جعله لا يحتمل افتراقه عنها، فأسرع إليها ينحني أمامها، يديه تمسد على كفيها برقةٍ وحنان: حبيبتي والله غـ.ـصـ.ـب عني لازم أسافر المركز خلاص بقى جاهز فاضل بس الفريق اللي هيشتغل. أنا مش سهل عليا اني أبعد عنك ولو ينفع كنت أخدتك معايا. أوعدك اني هحاول أرجع بأقرب وقت.

رفعت عينيها إليه وقالت ويدها تضم كفه مثلما يفعل: خايفة من غيرك يا علي.
حاوط وجهها بحنان وعشقها يتربع سيدًا بمقلتيها: خايفة من أيه يا روح قلب علي. أنا كنت ومازلت جنبك ومعاكِ، هكلمك على طول ولو انشغلت عنك كلميني في أي وقت. فريدة هانم وإنكل أحمد معاكِ، وعُمران ومايا مش هيسبوكي في الشغل طول اليوم. وفوق كل ده زينب موجودة!
تعمقت برماديته وعلى استحياءٍ قالت: إنت عندي بالدنيا كلها يا علي!

خفق قلبه بجنون، فجذبها إليه يضمها بحبٍ يتغمده دون رحمة، بقي بجلسته الغير مريحة يتركها تتنعم بأحضانه، وما أن شعر بهدوئها ناداها، فوجدها تهمهم بنعاسٍ غلبها، فالوقت باكرًا للغاية، ضحك وهو يهمس لها: اديني شنطتي ونامي براحتك.
ما أن ذكر الحقيبة وأمر الرحيل حتى انتفضت من جلستها تسرع إليها تخفيها خلفها، فزفر باحباط: بعد المحاضرة دي ولسه بتخبي الشنطة يا فاطيما!

وجلس على الفراش يدعي الحـ.ـز.ن: اخص عليكي يا فاطمة، كنت فاكرك خايفة على المركز ومهتمه باسم جوزك حبيبك. يرضيكِ الوسط المعفن ده يشمت فيا ويقولوا إنه فشل من قبل ما يبدأ. مش كفايا فتحته كام شهر وقفلته هجي دلوقتي أقفله قبل ما أفتحه!
قضمت أظافرها بضيقٍ، وتأنيب ضميرها يصفعها دون رحمة، فاتجهت إليه تقدm له الحقيبة قائلة بحـ.ـز.ن: متزعلش خلاص سافر بس متتأخرش عليا يا علي.

ابتسم وهو يحمل عنها الحقيبة: ولا عمري أقدر أعملها يا روح قلب علي!
ارتدى ذراع الحقيبة واحتواها بين ذراعيه، ضمها إليه بحبٍ، طابعًا قبلة خاطفة على جبينها، فاشتد بكائها وهي تترجاه بتوسلٍ: خد بالك من نفسك.
هز رأسه بابتسامة واسعة، واتجه للاسفل فبقت بالاعلى حتى لا تنفجر باكية أمام الجميع.

بالملحق الخارجي للقصر.
صعد للأعلى قاصدًا غرفتها، فما أن استمع لاذنها بالدخول ولج للداخل، صعق آيوب وتوقف محله فارغ الفاه حينما رآها ترتدي فستانًا قصيرًا باللون الأزرق، ومن أعلاه تضع وشاحًا تحاول تغطية به شعرها.
استدارت إليه ببسمة متباهية: أعلم بأنك لا تصدق عينيك.
وتابعت وهي تعقد الوشاح جيدًا، فأمسكت بأطرافه الطويلة متسائلة بحيرةٍ: ماذا أفعل بها؟

اهتدت بفكرة وجدتها عبقرية، فأثنت الاطراف على شكل فراشة واستدارت تتمايل بدلال قبالته: والآن ما رأيك؟
ضم شفتيه معًا بعينين منغلقة تجاهد للاسترخاء، وكأنه يمارس اليوجا، ثم ردد بخفوت: ما الذي تحاولين صنعه يا امرأة! هل جُننتِ؟ طوال فترة لقائي بكِ كنتِ محتشمة بـ.ـارتداء البنطال الطويل بغض النظر عن الكَنْزَات العارية التي ترتديها والآن تختارين هذا الفستان العاري للسفر لمصر!

وتابع وهو يمرر يده على لحيته النابتة: ثم أنكِ اعتنقتي الاسلام منذ قليل ألــم يلفت ذلك نظرك لشيء!
هزت رأسها مؤكدة فتهللت أساريره لتحطمها على رأسه حينما قالت وهي تشيل على وشاحها الشفاف فوق رأسها: ألهذا ارتديت هذا أليس هو ما يسمى حجابًا.
شعر وكأنه سيفقد وعيه بأي لحظة، ربما على بوادر الاصابة بذبحة صدرية، فأشار لها باختناقٍ: دعكِ من الأمر، اذهبي وارتدي شيئًا محتمشًا وحينما نصل إلى مصر سأعلمك ما استطاعت.

هزت رأسها بطاعة وتركته وغادرت، فارتشف من زجاجة المياه قبالته مرددًا برجاء: أغيثني يا الله!
حمل عمران الحقائب واتجه لسيارته يضعها بالصندوق، وحينما استدار وجدها تمنحه حقيبة أخرى فصاح مندهشًا: كل الشنط ده ليه هتهاجري يا بت!
تفحصت شمس آدهم بخجل، فأجابه بسخط: هو أنت هتدفعلها وزن الطيارة ولا أيه يا عمران!
القى الحقيبة إليه ومفتاح سيارته: اخدm مراتك بنفسك بقى!

وارتدى نظارته السوداء مغلقًا سترته الزرقاء، واتجه يجلس بالسيارة بغــــرورٍ قـ.ـا.تل، فتح آدهم باب السيارة مشيرًا لها: شمس هانم.
ضحكت من قلبها، مالت تحمل طرف فستانها وانحنت مرددة: كابتن آدهم.
مال عليها يهمس: قدام بابا عمر مش آدهم.
وخـ.ـطـ.ـف يدها يطبع قبلة على باطنها مسترسلًا بمكرٍ: أبوس إيدك بلاش تخليه يطردني بره البيت بعد الغياب الطويل ده.

سحبت كفها بخجلٍ جعلها تخفض عينيها بـ.ـارتباكٍ، انخفض زجاج نافذة عمران ليلقي له نظرة مشتعلة اتبعها قوله المتعصب: من هنا وقدامنا بتتواقح أمال لما تبقى في بيتك هتعمل أيه؟! حذر من جناني يا حضرة الظابط واتفضل سوق بسرعه خلينا نلحق أم الطيارة دي!

استقرت شمس جوار عمران وصعد آدهم بمقعد السائق وهو يسيطر على ضحكاته بصعوبة، فراقب عمران من المرآة الامامية وجده يحتضن شمس بتملكٍ ومال عليها هامسًا: عجبك عمايل سي روميو؟ ماشي يا شمس هتلفي لفتك وهترجعي للبيت تاني.
وضعت يدها على صدره حينما شـ.ـدد من ضمها فقالت بألــم: مش هكررها تاني أقسم بالله.

ربت على ظهرها ببسمة واسعة: كده تعجبيني يا بت، عايزك عسكري غفر طول ما انتي هناك، أوعي تسمحيله يقعد جنبك أو يتخطى حدوده. صدقيني في نوعية من الرجـ.ـا.لة وقحة تديله قطفة هيتجرأ ويطلب سلة المانجا كلها اساليني أنا.
ضحكت وسألته: واشمعنا أسالك انت!
شاركها الضحك وهو يجيبها: عشان أنا من النوع ده.
تشاركا الضحك وكلاهما يضـ.ـر.ب كفه بالاخر، بينما بالامام يبتسم آدهم وهو يرى ابتسامتها وفرحتها الظاهرة على وجهها المشرق.

صعد على بالسيارة جوار السائق وبالخلف جلس أيوب وآديرا وتحركت السيارتين للمطار، وحينما وصلوا كان يوسف وسيف بانتظارهم.

أطال بسجوده وهو يدعو بما يـ.ـؤ.لمه، بعد تلك السنوات لم يهتز إيمانه أو يضعف مثقال ذرة، كان صامدًا كصمود الجبال، ممثلًا المعنى الحرفي لإسمه، وبالرغم من جموده وتحمله للبلاء الا أنه لم يشعر بالألــم مثلما فعلت هي به، تعرض للعنف وخاض ألــمًا جسديًا عنيفًا، ولكن ضـ.ـر.بتها هي القاضية.

حبيبته، رفيقة طفولته، مسكن روحه، دوائه الشافي كانت الخنجر الذي طال صدره ليصيب قلبه فابادته، قلبه الشيء الوحيد الذي احتفظ به نقيًا، عفيفًا، عن تشويهات جسده الذي طاله السوط والعصا!
زحف يونس بجلسته حتى وصل لطاقة ضوء صغيرة تتسلل من فوق شرفة مظلمة حديدية، ضي النور البسيط التي تمنحه لغدافية الغرفة القـ.ـا.تلة.

استند على الحائط وأغلق فيروزته بتعبٍ، ليتجلى له رؤيتها، فستانها الاسلامي الفضفاض، خمارها المتلألأ من خلفها كوشاح الأميرات المتدلي، حياء مشيتها التي يميزها من بين نساء العالم بأكمله، ها هي تدخل لمحله الجديد، تردد على استحياء: السلام عليكم.

أجابها بعض العمال السلام، فتابعت مشيتها للداخل حتى وصلت قبالة مكتبه الصغير الذي يتوسط المحل، فانتصب بوقفته يستقبلها ببسمة هادئة: أيه الزيارة الجميلة دي يا زينة البنات، مش ت عـ.ـر.فيني إنك جايلي وأنا بنفسي كنت جيت أخدتك لحد هنا.
فركت أصابعها وهي تجيبه بخجل: حبيت أعملهالك مفاجآة.

اتسعت ابتسامته حتى ظهرت غمازة خده الأيسر، فاستشاطت غـــضــــبًا واستدارت تتمعن بأعين الزبائن مشيرة له بالكيس البلاستيكي الذي تحمله: متضحكش، أنا مش محذرك!
ضحك رغمًا عنه وهو يهمس لها: المفروض إن أنا اللي أغير عليكي يا خديجة مش العكس.
تمردت غيرتها بشكل شرس: ازاي يعني! وبعدين متتفزلكش عليا.

نطقت كلمة تجعله يضحك دون مجهود منها فماذا يفعل الآن، حاول الصمود وهو يسألها بقلة حيلة: طيب أعمل أيه عشان أنول رضا زينة البنات؟
ابتسمت وهي تخبره بدلال: انت كده كده نولت الرضا من زمان. بدليل إني جاية وجايبلك هدية من صنع ايديا.
وزع نظراته المتحمسة بينها وبين الكيس البلاستيكي: هدية أيه؟

فتحت الكيس وأخرجت منها تيشرت صنعته من الصوف، وقد طرزت عليه أول حرف من إسمه وإسمها بشكلٍ متقن، حمل يونس التيشرت بين يديه يتطلع إليه بانبهارٍ: ما شاء الله عليكِ يا خديجة.
سألته بتحفزٍ وعينيها تراقب كل تفاصيله: عجبك؟
منحها نظرة عاشقة وأشار لها: خليكي هنا راجعالك.
غاب دقائق بالداخل وعاد بعدmا ارتداه، فادmعت عينيها بفرحةٍ، جلس على مقعد مكتبه الصغير وغمز لها بمشاغبة: حلو عليا؟

أشارت له عدة مرات وأردفت بضيق وهي تمسح دmعتها: أووف بقى يعني أنا بحاول أخبي غمازاتك تطلع بالتيشرت اللي يجنن عليك ده قولي أعمل فيك أيه يا معلم يونس؟
ضحك وهو يقلد نبرتها: معلم يونس! أيه يا ديجا واقف في وكالة البلح أنا!
نهضت عن المقعد تخبره: أنا هطلع بقى أحضر الغدا عشان ماما مش فوق.
سألها باستغراب: أمال فين؟
أجابته وهي تعلق حقيبتها على كتفها: عند خالتي وهتيجي بليل.

لحق بها لخارج المحل قائلًا بحبٍ: مترهقيش نفسك في شغل البيت، ولو هتنضفي البسي كمامة عشان التراب بيقلب الحساسية عندك.
استدارت له ببسمة حملت كل حبٍ دفن داخلها لهذا الزوج الحنون وقالت: حاضر، أنا حفظت تعليمـ.ـا.تك وبنفذها عشان أنا بخاف الأزمة تجيني مش بتحمل أشوف خــــوفك وحـ.ـز.نك عليا. لكن أنا والله اتعودت.
مد يده على خمارها وهو يمررها بحنان: لا يا خديجة عشان نفسك ولإن صحتك لازم تهمك إنتِ أولًا...

وتابع ومازالت ابتسامته مرسومة بعشقٍ: يلا اطلعي ولو احتاجتي أي حاجة كلميني أبعتلك حد من الصيبان يجبلك اللي تعوزيه.
هزت رأسها بطاعه وقالت قبل مغادرتها: لما أخلص الغدا هنزلك طبق.
ضحك وهو يشاكسها: أطباقكم كلها عندي في المطبخ تحت كل يوم بغسل طبقين وبكمل تاني يوم، لو خالتي عرفت هتقولي تعالى خد مراتك من غير فرح أنا متنازلة.

اقتربت منه مجددًا تتمعن بعينيه وهي تخبره بصدق: راضية والله، من غير فرح ومن غير أي حاجة، كفايا وجودك جنبي يا يونس.
ابتلع ريقه بـ.ـارتباك يهزم حصونه واحدًا تلو الأخر، فأشار لها: اطلعي يلا ميصحش تقفي في الشارع كده. وخدي بالك أنا مازلت مصر على موضوع النقاب ها؟
هزت رأسها تخبره: أساسًا وأنا بجهز عاملة حسابي وجايبة لبسي كله للنقاب.

استدار من حوله يتفحص المارة، وانحنى يقبل يدها سريعًا هاتفًا بصوته الرخيم: روح قلبي اللي بيراضي حبيبه! ربنا يقدرني وأكونلك الزوج الصالح اللي يأخد يدك للجنه.
ورفع رأسه للأعلى يردد بطريقة درامية: يا ررب مش عايز غيرها يا رب، عايزها في دنيتي وفي الأخرة تكونلي زوجة، بحبها ومش شايف غيرها يا رب.
تابعت الاعين من حولها بحرجٍ، فصاحت وهي تلكزه بغـــضــــب: بس بس فضحتنا في الحارة يا يونس!

تعالت ضحكاته وهمس لها: يونس محبش ولا هيحب زيك يا خديجة، بحبك وبالرغم من انك مراتي الا إني بطلبك من ربنا في كل صلاة ليا، بدعيله يقرب بينا وميفرقناش أبدًا!
أفاق من شروده ببسمة ساخرة ختم بها الو.جـ.ـع وبصم بكل ما امتلكه من ميثاق، فردد بصوتٍ محتقن بدmـ.ـو.عه: لو مكتوبلي أخرج للدنيا هتكون أخرتك يا خديجة، وربي لأرميكِ بنار حبي اللي كانت في يوم جنتك!

النداء الاخير للطائرة ومازال سيف يحتضن آيوب، ويشتد بالبكاء حتى أدmعت أعين من حوله، فربت آيوب على ظهره بحنان وهو يخبره: سيف كفايا إنت واقف على رجلك بقالك فترة هتتعب عشان خاطري ارجع مع دكتور يوسف، إنت لسه تعبان.
ابتعد يمنحه نظرة معاتبه وحديث اصابه في مقــ,تــلٍ: مش عايزني أجي أودعك يا آيوب ولا كنت عايز تسافر من غير ما تشوفني.
واستكمل بو.جـ.ـعٍ: أنا مش عارف هفضل الشهرين دول ازاي من غيرك.

ضمه آيوب وقد انهارت دmعاته، فهمس له: العشرة مبتهونش واحنا عشرة سنين. هكلمك على طول يا سيف والله ما هتحس اني بعيد عنك وفي يوم هتنام وتصحى تلاقيني قدامك. أنا أساسًا مش هقدر أقعد الشهرين في مصر أخري 20يوم يالا.
اعترض بضيق: كتار بردو، خليهم اسبوعين وتعالى.
هز رأسه له وكاد بالحديث فاستوقفه حديث عمران الساخر وهو يرمقهما بسخط من خلف نظارته: لو خلصتم وصلة وداع الزوج ومـ.ـر.اته النكدية فالطيارة قربت تفوتك.

التفتوا للخلف فتفاجئوا بالجميع يرمقونهم بدهشة وبالاخص شمس وآديرا، سحب آيوب حقيبته واتجه للداخل فلحق به سيف وردد: خلي بالك من نفسك يا أيوب، لا إله الا الله.
انهمرت دmـ.ـو.عه فكلمته زرعت النيران داخله، وجد ذاته يعود ليضمه مجددًا وهو يخبره: وانت كمان خلي بالك من اللي اسمه يمان ده، حذر منه وعشان خاطري اتفادى اذاه على قد ما تقدر.
هز رأسه له، فردد آدهم: هنتأخر كده يا آيوب يلا.

فرقهما يوسف وهو يصيح بمرحٍ: ما خلاص يا عم منك ليه، ده أنا لو مسافر مش هتعمل عليا كده!
ضحك آدهم وردد بمزح: على رأي عمران وصلة عشق ممنوع.
ردد على وهو يتابعهما بابتسامة هادئة: ما تسيبوهم في حالهم. والله بحسهم كتاكيت جنبكم!

تحررت ضحكات عمران بانتصار لاختيار اخيه لفظًا جديرًا فصاح لهما: يلا يا كتكوت منك له، انت على طيارتك وانت استرجل واقف في جنب بدل ما أحرمك من زوزو ما احنا بناتنا ما تتجوزش الا الرجـ.ـا.لة ولا أيه يا دكتور علي؟
هز رأسه بابتسامة صغيرة، فاتجه إليه يلف يده من حوله هامسًا وعينيه تتفحص الوجوه: بقولك يا علوة.
علوة!، قول وخلصني.

كبت عمران ضحكاته وقال: الواد سيف قافش في آيوب ومتقصر أوي انه مسافر مع انه صاحبه وبما إنك أخويا تعالى نعمل أي منكش كده يدل على عـ.ـذ.اب الفراق بينا! أقولك أنا همدد هنا وكأني فاقد الوعي!
اردف باستهزاءٍ: فراق أيه يا عمران ده هما تلات أيام وراجع! ثم اني عايش حياتي على الطيارة كل يومين في حتة شكل، مهدتش غير بعد الجواز.
مهو ده اللي حببني في جوازتك وخلاني احترم فاطيما احترام مبحترمهوش لشمس اختك نفسها!

وتابع حينما نطق اسمها: على سيرة أختك خد بالك منها، حطها في عنيك يا علي. أنا مش عارف فريدة هانم وفقت ازاي انها تسافرها. حاسس اني مش هقدر أقعد من غيرها!
فشل بكبت ضحكاته، فضحك بصوت لفت انتباه الشباب اليه، كمم عمران فمه وهو يصيح بانفعال: هتفضحنا عايزهم يقولوا أيه؟ منشكح انه هيسيب أخوه ويسافر لا يا على لأ!

سحب كفه عن فمه واحتضنه بجدية تامة: خد بالك من فاطمة يا عُمران، انت عارف ان ليها ظروف خاصة أرجوك خلي عينك عليها.
ربت على ظهره بحنان: متقلقش يا على فاطمة أختي وملزومة مني، سافر وانت مطمن، كل اللي في البيت في رقبتي ومسؤولين مني في غيابك.
ابتعد عنه بابتسامة هادئة وفجأه حينما قبل جبينه هاتفًا بحنان: عارف انك أد المسؤولية يا حبيب قلب أخوك، يلا سلام مؤقت يا وقح!

ضحك وهو يغمز له بمشاكسة: سيبه ملموم جوه بدل ما يطلعلك بواحدة بروح أمك في وسط المطار يقل قيمتك في وسط المجتمع المخملي!

شاركه الضحك وابتعد وهو يلوح له ومن جواره شمس الباكية التي تفترق عنه لاول مرة، وانتقل بيده لايوب يلوح له بحـ.ـز.ن احتل معالم وجه الطاووس الوقح الذي فشل بالنهاية بالتحلي بالجمود، فاتجه مع يوسف وسيف للشقة بينما غادرت الطائرة لمصيرٍ محتوم سيجدد أحداث تشبه القنبلة المؤقتة، ومن هنا لنا لقاء قريب...
‏(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلةَ حيلتي وهواني على الناسِ، يا أرحمُ الراحمين إلى من تكلني، إن لم تكن ساخطًا عليَّ فلا أبالي، غيرَ أن عافيتَك أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِك الكريمِ الذي أضاءت له السماواتُ والأرضُ وأشرقت له الظلمـ.ـا.تُ وصَلَحَ عليه أمرُ الدنيا والآخرةِ، أن تُحِلَّ عليَّ غـــضــــبَك أو تُنزِلَ عليَّ سخطَك، ولك العُتْبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بك ?).

تثاقلت رأسها بشكلٍ جعلها لم تحتمل الاستقامة بمقعد الطائرة، فمالت على ذراع آيوب الذي يتمعن بنافذة الطائرة، يروي حنينه لبلده وأهله، انتفض جسده بقشعريرة مسته جعلته مرتبكًا للغاية، لا يعلم أمازال ينفر منها أم أن عقله يحاول استيعاب بأنها زوجته وقبل أي شيء فهي سدن المسلمة ويإرادتها الآن باتت تعترف بما هي تنتمي إليه.

انسدل خصلات شعرها الأصفر على وجهها بأكمله، فاقترب بأصابعه يبعده عن وجهها حتى لا يزعجها، وعينيه تتشرب من ملامحها دون ارادة منه، وحينما وعى لما يفعله تنهد بضيقٍ وهو يهمس: وأخرة اللي إنت فيه ده أيه يابن الشيخ مهران!

أعاد رأسه لظهر المقعد، فأغلق عينيه بقوةٍ يحاول ترتيب أفكاره الثائرة حول تلك المواجهة المفاجئة بينه وبين أبيه، يحاول إيجاد حلًا عقلاني يخرجه من ذلك المأزق بأقل خسارة ممكنة فلم يجد الا تلك الفكرة التي روادته بتلك اللحظة، فسحب هاتفه واختار احدى المحادثات المدونة بإسم إيثان!

ترك الطبق عن يده بضيقٍ من تصرفات أخيه الطفولية، هادرًا بنفاذ صبر: وبعدين معاك بقى يا سيف! مش معقول ده أنا لو بتعامل مع طفل صغير مش هيغلبني بالشكل ده!
أجابه من يوليه ظهره، يحتضن وسادته دافنًا رأسه بها: قولتلك مش جعان يا يوسف. سبني من فضلك.
جلس جواره يخبره بنبرته الهادئة: طيب وأوديتك؟

ردد باختناقٍ تجلى بنبرته المحتقنة: هأخدها كمان شوية، أنا كويس يا يوسف روح إنت المركز متنساش إن دكتور على سابه تحت اشرافك لحد ما يرجع.
تمعن به وباستغرابٍ قال: طيب ومديني ضهرك ليه؟
بتحفظٍ قال: عايز أنام مش أكتر.
يظن كذبته تلك ستمر على من قام بتريبته، ذاك المعتوه يظن بأنه سيتمكن من خداع أبيه، جذب يوسف كتفه وهو يصر على أن يواجهه: بصلي وقولي مالك؟

تفاجئ ببقايا دmـ.ـو.عه العالقة بأهدابه الكثيفة، فانقبض قلب أخيه وهدر بذهول: إنت تعبان؟!
ورفع يديه يفتش بالشاش الملتف حول رأسه وذراعه بعنايةٍ، هاتفًا بلهفةٍ: فيك أيه؟!
وتابع بشكٍ: من ساعة ما عمران مشي من عندنا وانت حابس نفسك ولا راضي تأكل ولا تشرب في أيه يا سيف اتكلم!

انسدلت دmعة من عينيه التي تتهرب من لقاء أعينه، وصمته يضع يوسف بحالةٍ لا يحسد عليها، حتى قال بخفوتٍ: أنا عايز أنزل مصر مع عمران يا يوسف. أنا مش عايز أستقر هنا.
جحظت عينيه في صدmة، فمرر يده يمسح وجهه بتـ.ـو.ترٍ: عايز تبعد عني يا سيف؟

أزاح الغطاء الأبيض عنه واعتدل بجلسته قبالة أخيه: دي مش بلدنا يا يوسف ولا عمرها هتكون، لو كان على الشهادة فأنا خلاص امتحاناتي قربت تخلص وهكون اتخرجت بشكل رسمي فمش محتاج أقعد واشتغل هنا.
ابتسامة ساخرة تشكلت على جانبي شفتيه: مكنتش دي احلامك ولا طموحاتك قبل ما أبعتلك تذكرة السفر للندن!

ارتبك أمامه فنهض ينزع عنه قميصه الأسود، متجهًا لخزانته يجذب منها منامة منزلية مريحة، ورد دون أن يتطلع للفراش القابع به أخيه: عادي يا يوسف. أنا حابب أجرب حظي هناك.
اتسعت ابتسامته ونهض يقترب منه، فمال على باب خزانته يستند بذراعٍ ويده الاخرى تندث بجيب سروال بذلته السوداء، مرددًا ببطءٍ متألــم: عشان أيوب صح؟

ابتلع ريقه بتـ.ـو.ترٍ ومازال يحمل التيشرت بيديه، فاستطرد يوسف: لإنه مقرر يستقر في مصر بعد امتحاناته عشان كده عايز تتخلى عن أخوك وتفترق عنه.
وخز قلبه عنفًا، فسقط عنه ما يحمله واتجه بخطواتٍ بطيئة لاخيه يحاول تبرير موقفه: لا يا يوسف أنا آآ.

رفع كفه يوقفه عن الحديث قائلًا: مش زعلان ولا هزعل اطمن، اللي أنت عايزه هعملهولك لإن راحتك تهمني وفي المقام الأول. ده صاحبك الوحيد ومن حقك تكون معاه زي ما من حقك تخطط لمستقبلك وحياتك.
أغلق يوسف جاكيته الأسود واتجه ليغادر في محاولة للفرار من أمامه قائلًا بابتسامة اصطنعها بالكد: أنا اتاخرت ولازم أمشي متنساش تأكل وتأخد أدويتك عشان الجـ.ـر.ح، وأنا هبقى أكلمك كل ساعتين أطمن عليك.

وتركه وغادر، فاتجه سيف ليجلس على طرف الفراش يعتلي ملامحه الضيق الذي تسلل إليه فور رؤية الحـ.ـز.ن المسيطر على وجه أخيه. مهلًا أخيه! هل سيُبدي الصداقة عن أخيه الوحيد الذي فعل كل ذلك لأجله!
هز رأسه بفتورٍ وانزعاج من فعلته، فأسرع بخطواتٍ سريعة للمصعد، قاصدًا الچراچ الخاص بالمبنى متناسيًا كونه عاري الصدر.
اختلج قلبه بين أضلعه حينما وجد أخيه يتكئ بمقعده على الدريكسون ويبدو بأنه ليس على ما يرام.

طرق على نافذة السيارة مناديًا بهلعٍ: يوسف!
رفع جسده للخلف وهو يتأمل من يقف أمامه بدهشةٍ، هبط من سيارته يندفع بتـ.ـو.تره وأسئلته: في أيه؟ أيه اللي نزلك بالشكل ده؟ طيب حاسس بأي تعب؟! مرنتش عليا وأنا طلعتلك ليه؟!

عينيه الحمراء فضحت سر مغادرته السريعة من أمامه، فانهمرت دmـ.ـو.ع سيف وضمه إليه، قائلًا ببكاءٍ طفل جـ.ـر.ح أبيه دون قصدًا: أنا آسف يا يوسف. أنا بس اتعودت إن آيوب بيشاركني في كل حاجة، مش قادر أتخيل ان دي حالتي لانه مسافر كام يوم أمال لما ينزل بشكل نهائي بعد امتحاناته هعمل أيه؟

ربت يوسف عليه بحنانٍ، فتابع الاخير بحـ.ـز.نٍ قـ.ـا.تل: لو هو صاحبي فأنت أبويا وأخويا وصاحبي وكل حاجة في حياتي، أنا مش هسافر ولا هسيبك أنا هكون معاك هنا متزعلش مني بالله عليك.
وابتعد عنه يجذب رأسه ليحنيه قليلًا لفرق الطول بينهما، طابعًا قبلة احترام على أعلى رأسه: حقك عليا. أنا دبش والله.
تخلى عن جموده وقال بصوتٍ حزين يستمع إليه سيف لأول مرة: عايزني أحس بالغربة هنا من غيرك يا سيف!

هز رأسه بعنف ينفي ما يقول وكأنه ليس هو نفس الشخص الذي أخبره بأنه سيغارد، فردد: لأ، لأ. مش همشي وأسيبك لوحدك يا يوسف أنا هكون معاك لإني عايز أكون أول واحد يشيل ابنك على ايدي، أنا مش همشي.
قال يوسف ببسمةٍ زرعها بالكد: أنا مش هجبرك على حاجة. شوف اللي هيريحك وأنا هكون معاك فيه.

وضم وجهه بين يديه: يالا إنت ابني اللي مخلفتوش، ولو ربنا كرمني بنص دستة عيال عمر ما واحد فيهم هيأخد مكانتك عندي. انت ابني الكبير يا حمار!
اتسعت ابتسامته وقبل أن يجيبه قطعه همسات أصوات من خلفهما، فاستدار سيف ليتأمل ما يحدث بينما أصبحت الرؤيا واضحة ليوسف بعد أن أفسح أخيه المجال عنه، فوجد ثلاث فتيات يتأملن سيف بأعجابٍ جعله يتعجب من أمرهن، فتطلع لما يتطلعوا إليه فتفاجئ بأنه لا يرتدي تيشرته الخاص.

ضم سيف يديه لصدره بحركة درامية: يا مصيبتشي اتفضحت وسط الخواجات!
خلع يوسف جاكيت بذلته وألقاه إليه بغـــضــــبٍ: استر نفسك يا زفت. أقسم بالله لأوريك أيام سودة، نازل تستعرضلي نفسك! طيب ما كان من الأول يا حبيبي على الأقل كنت توقعلك عروسة لكن دلوقتي ميصحش إنت على وشك الارتباط بدكتورة زينب وأنا مقبلش بالكلام المايع ده سامع!

ما أن تلفظ بإسمها حتى تعلق به سيف بفرحة، وكأنه تناسى أمرها: آه زينب يا يوسف جوزهاني. أنا عايز أتجوز جوزهاني يا يوسف. اتصل بعمران وقوله يجوزهاني. أنا عايز أتجوز يا يوسف والله غرضي شريف ومحترم.
برق بصدmة مما يستمع إليه، فدفعه للخلف حتى يتمكن بالوقوف بشكلٍ مستقيم: هي الضـ.ـر.بة قصرت عليك ولا أيه يا دكتور سي?و! اطلع يا حبيبي كل وخد علاجك واقعد استناني لما أخلص شغلي وارجعلك.

وأضاف وهو يقرص وجنته بسخرية: أوعى تتشاقى عشان أجبلك حلويات وأنا راجع!
نزع يده بغـــضــــب: عيل صغير أنا! بقولك عايز أتجوز جوزهاني!
وتابع وهو يشير بأصبعه الذي كاد باختراق عين يوسف: مالك في أيه؟ مش كنت هتمـ.ـو.ت وتجوزني أديني أهو بقولك جوزني!
ضيق عينيه بمكرٍ، فانحنى لسيارته يفتح بابها، ومن ثم مال للخلف في محاولةٍ لجذب حقيبته الجلدية المربعة.
انحنى خلفه سيف متسائلًا باهتمامٍ: بتعمل أيه يا يوسف؟

قال ومازال منحني: أبدًا أصلي افتكرت معاد الحقنة المسكنة بتاعتك. معرفش نسيتها ازاي!
ما أن انتصب بوقفته حتى وجده يركض للمصعد كالذي يفر من مصاص دmاء يركض ليمتص دmائه الشهية.
ترك يوسف الحقيبة بالخلف وانتصب يطرق كفًا بالاخر هامسًا بصدmة: لا حول ولا قوة الا بالله الولد اتجنن!

وهز رأسه بقلة حيلة، فأخرج القميص من سرواله ونسقه دون الحاجة لجاكيته الذي منحه لأخيه، وصعد سيارته مغادرًا للمركز الذي سيضم عمله الجديد برفقة دكتور علي الغرباوي
هبط من سيارته تاركًا بابها للحارس الذي أسرع بالصعود محله ليصفها، بينما اتجه بخطاه الشامخة للداخل، جابت رماديته مجالس الضيوف السفلية، فوجد الجميع بالأسفل، وما لفت انتباهه زوجته تضم جوار زوجة أخيه الباكية.

نزع عنه نظارته القاتمة واتجه يحيط حافة مقعدها بابتسامته المرحة: مساء النكد.
ومال ليتمكن من رؤية فاطمة التي تحاول مسح دmـ.ـو.عها بحرجٍ، قائلًا بمرحٍ: أيه يا فاطيما ده الراجـ.ـل لسه طالع على باب الطيارة! والحكاية كلها تلات أربع أيام مش مستاهلة كل ده!
أخفض أحمد ساقيه عن الأخرى، ليتمكن من وضع قهوته على الطاولة الفخمة من أمامه، مردفًا بسخطٍ: مالك بيها يا وقح! البـ.ـنت بتحب جوزها وزعلانه على سفره.

وتابع وهو يتطلع جواره لفاتنه فؤاده، متعمدًا أن يخصها بحديث مقلتيه الجذابة: في قلوب صعب تتفارق حتى لو ليوم واحد إسالني أنا.
ردد بصوتٍ خافت سمعته الفتيات فقط: بدأنا وصلة العشق الممنوع بدري أوي!
كبتت زينب ضحكاتها بشكلٍ استدعى شكوك أحمد بأكملها، فتساءل بضيقٍ: كان بيقول أيه الولد ده يا زينب؟

أسبل إليها ببراءة ماكرة: ما تقوليه يا دكتورة زينب. قوليله أد أيه هو راجـ.ـل قاسي وعديم القلب إنه يظلم إنسان بريء وطاهر زيي. إحكيله أنا كنت بمجد فيه وفي حبه لفريدة هانم الغرباوي ازاي! اتكلمي ودافعي عن إنسان راقي خُلق ليُدرس أو يتشرح عادي جدًا!

انحنت مايا لتستند بجبينها على يدها ورأسها يهتز بقلة حيلة، سحب أحمد رشفة من كوبه وتركه يستكمل جلسته الدفاعية الزائفة ببرودٍ وكأنه لا يهتز لحرفٍ يقال، فمال على فريدة يهمس لها: أيه رأيك نتمشى بره شوية؟
وجدها جـ.ـا.مدة الملامح تتطلع أمامها بثباتٍ، فلم تستمع لحرفٍ واحدًا له، ناداها بقلقٍ ويده تهزها برفقٍ: فريدة!
أفاقت من شرودها على هزته الرقيقة فرددت بتـ.ـو.ترٍ: بتقول حاجة يا أحمد؟

يجوب برأسها ضوضاء صاخبة كازدحام اشارات المرور وقت الظهيرة، تجلس بجسدها أمامهم ظاهريًا، ولكنها غائبة الوعي والادراك، تقاوم كل أفكارًا سيئة تهاجمها، بعد التعاسة التي أحاطتها فور اجراء ذلك الاختبـ.ـار، فتتمنى من صمام قلبها أن يكون مخطئ لذا عليها الذهاب للمشفى لاجراء تحليل تفصل به غوغائها.
أفاقت على هزة يد زوجها، فأبعدت خصلاتها القصيرة عن زرقة عينيها متسائلة: في حاجة يا أحمد!

تلك المرآة غامضة كالبلور المتعرج، كلما ظن بأنه تماسك جيدًا تنفلت قدmيه عنها، ما بالها صامتة، شاردة منذ حفل قران ابـ.ـنتها، كان يعتقد بأنها حزينة لأبتعاد ابـ.ـنتها الوحيدة عنها ولكن على ما يبدو بأنها تخفي أمرًا عنه.
أجلى أحباله الصوتية متسائلًا باستغرابٍ: في أيه يا فريدة؟
مشطت شعرها بأصابعها برقةٍ: سرحت شوية يا حبيبي. ها كنت بتقول أيه؟

حل الحـ.ـز.ن معالمه، فهو يعلم بأنها تخفي عنه أمرها، هي غامضة بشكلٍ يستدعي قلقه لطيلة صمتها، هو الوحيد الذي يعلم ما خلف هدوئها، تنهد بنزقٍ وبدون رغبة بخوض نقاش وهمي قال: مكنتش بقول حاجة. أنا بس قلقت من سكاتك.
قاطع عمران الاحاديث حينما قال لفاطمة: بقالي ساعة بحاول أضحكك وانتي قافلة احساسك الفكاهي بقفل كمبيوتر!

وتابع بغمزته المشاكسة: مكنتش أعرف إنك متعلقة بيه للدرجادي يا فاطيما، شكلي كده والعلم لله هغير من علاقتكم الفريدة من نوعها دي.
رسمت ابتسامة صغيرة تخفي بها حـ.ـز.نها الشـ.ـديد، فلف عمران يده حول رقبة زوجته هامسًا لها بصوتٍ مسموع: أول ما على ينزل من السفر هسافر على طول. عارفة لو مجاليش رسايل يترجوني فيها أرجع عشان حالتك النفسية اتدهورت هرفع عليكي قضية خلع يا بيبي!

منحته بسمة مستفزة وقالت: جوزي حبيبي إعملها وسافر وهتكون خدmتني، لإني فحتاجة هدنة من وقاحتك!
ودفعته بقوة وهي تمتم من بين اصطكاك أسنانها: شيل ايدك عني وإبعد احنا مش قاعدين لوحدينا. إنت بتتفنن ازاي تكسفني قدامهم!

اعتدل بجلسته راسمًا ابتسامة واسعة يستقبل بها نظراتهم المندهشة لما يحدث بينهما، ومال عليها يهمس بمكرٍ: طلعلك مخالب وبقيتي بتخربشي يا بيبي! الله يرحم لما كنتي بتجري تتداري ورايا من نعمان الملزق!
رفعت حدقتيها إليه تبتسم له فبادلها الابتسامة بعشقٍ هدmت لذاته حينما قالت: أنا أشك إنك ورثت عنه بعض الجينات!
صعق من سماع ما قالت، وأشار لنفسه باستنكارٍ: أنا ملزق يا مايا؟

هزت رأسها عدة مرات مؤكدة له باستهداف نظرة تستشهد على التصاقه بها، فهمس بنبرة جعلها مغرية بخبرةٍ اكتسبها: بيقولوا عليا إني تقيل وصعب حد يوقعني فخليني أديكي درس من دروس الطاووس الوقح، أوعدك بعده هتتمني قربي أو نظرة واحدة مني!
منحته نظرة من امرأة واثقة، متعمدة الاعتدال بجلستها واضعة قدmًا فوق الاخرى بتعالٍ: وريني يا سيادة الطاووس!

ضحك بملئ ما فيه وردد باعجابٍ صريح: أووه. حبيب قلب جوزه بقى واثق من نفسه لدرجة هزمت عُمران سالم الغرباوي بذات نفسه!
كادت أن تمنحه ضـ.ـر.بة تستهدف جبهة حديثه ولكن قاطعهما صوت أحمد الساخط: لو هتقضوها همسات ولمسات جانبية يُفضل تأخدها وتطلع فوق. راعي إننا معانا سنجل وواحدة بتبكي على فراق جوزها وموجود كمان فريدة هانم فنحترم نفسنا ولا أيه يا بشمهندس؟

ضم شفتيه معًا بنزقٍ متحاذق: واضح إننا هنبتدي نغير ونغني ونلحن على بعض وده سكته مقفولة معايا يا آآ، آنكل!
ألقت فريدة مجلة الأزياء العالمية هاتفة بحنقٍ: وبعدين يا عمران!
واتجهت لتغادر مرددة بضيقٍ: انا هطلع أغير هدومي وأخرج. حاسة إني مخـ.ـنـ.ـوقة ومحتاجة أشم شوية هوا نقي.
استقام عمران بوقفته وأردف بعد تفكير: طيب أيه رأي حضرتك لو خرجنا كلنا لل beach؟

جذب أحمد جاكيته المنحدر على جانبي الأريكة الجلدية، ليتبع مكان وقفتهما القريب من الدرج: فكرة كويسة يا عمران على الأقل فاطيما وزينب يغيروا جو.
منحه ابتسامة عـ.ـذ.باء واستدار للفتيات مشيرًا لهن: يلا بسرعة غيروا هدومكم وهستناكم بالحديقة.

خطت الأقدام أرض مصر بعد ساعات طويلة من السفر الشاق، فاجتمعوا أمام البوابة الخارجية حيث تمكن آدهم من الانتهاء من مخالصة أوراق سيارته ليستلمها من صناديق الطائرة، فتحرك بها ليقابل مكان وقوفهم، فصعد آيوب جواره وبالخلف على ولجواره شمس ومن جانبها آديرا التي تستكشف مصر لمرتها الأولى، وأكثر ما يلفت انتباهها الطقس الدافئ الذي استقبلها بدفءٍ وراحة غريبة بدأت تنبعث داخلها.

وكأنها تشعر باقترابها من تحقيقٍ ارادة لشيء لا تعلمه، كل ما يتغمدها هي الراحة والــســكــيــنــة، ارتياح يدغدغ مشاعرها التي خُلقت من العدm.
أصر آدهم أن يصل آيوب وزوجته أولًا ليرى محل اقامته، وبعد طريقًا طويلًا وصل لزقاق الحارة الشعبية، فأشار آيوب له على منزله وطالبه بحرجٍ: ده بيتي يا آدهم بس أنا هنزل قدام شوية عند العماره اللي على رأس الشارع دي، معلش تعبتك معايا.

اتبع الوجهة المنشودة مرددًا: عيب الكلام ده يا آيوب. قولتلك ألف مرة احنا اخوات.
ابتسم والحـ.ـز.ن لفراقه يلمع بعينيه، فكأنما قرأ ما تنطق به مقلتيه فقال: أنا متعمد أوصلك لبيتك عشان أعرف عنوانك. متنساش أني وعدتك بهدية ولازم هوصلهالك بنفسي بس أوصل زوجتي والدكتور وأستقبلهم بنفسي وبعدين افضالك.

انطلقت ضحكة على لتشاركهما حديثهما المتبادل، هاتفًا بخبث: ويا ترى بقى من حق دكتور على إنه يعرف أيه المفاجأة المنتظرة ولا ممنوع يا سيادة الرائد.
طالعه آدهم بالمرآة الأمامية وباحترامٍ كبيرًا قال: مفيش بينا أسرار يا دكتور.
وانجرف بنظراته لتلك الفتنة القـ.ـا.تلة التي تختلس النظرات إليه بحبٍ مغري، متابعًا بهيامٍ: يعني إنت استئمنتني على أغلى جوهرة عندك مش هستئمنك على أسراري!

ابتسمت وهي تخفض عينيها بخجلٍ، فابتسم على قائلًا بمرحٍ: أممم. هنبتديها بقى رومانسيات من دلوقتي. ما صدقت فارقت عُمران فعيارك على وشك إنه يفلت خد بالك!
ضحك الجميع على جملته، فتوقفت السيارة أمام تلك العمارة حديثة البناء، فهبط آيوب أولًا ليلتقف من ينتظره بين أضلعه، والأخر يشـ.ـدد من احتضانه وقد فقد سيطرته على دmعاته التي انهمرت تباعًا.

راقب على وآدهم ما يحدث بدهشةٍ، ها هو آيوب يحطم توقعاتهم عن شخصه للمرة التي لن يعلموا بعددها، يعانق شابًا غريبًا يحمل حول رقبته سلسال على شكل الصليب، ليؤكد لهما شكوكهما حينما لفظ بشوقٍ: وحـ.ـشـ.ـتني أوي يا إيثان.

ابتعد ذاك الشاب الوسيم عنه، واستدار يزيح دmـ.ـو.عه مداعيًا ضيقه الشـ.ـديد منه وقد منحه سببًا مبررًا: لو كنت وحشتك زي ما بتقول كنت بعتلي تذكرة للندن أجي ازورك وأقعد أسليك ولا خلاص دكتور سيف بقى هو صاحبك وحبيبك.
وتابع مستنكرًا وهو يلتفت ليقابله بغـــضــــب: من يوم ما عرفته وهو عامل عليك حجر. لعلمك لو نزل مصر هكـ.ـسرله رجله وأخد حقي منه، فاكر نفسه مين المتـ.ـخـ.ـلف ده!

انفجر ضاحكًا وهو يكاد لا يصدق ما يستمع إليه، ماله كلما صادق أحدًا يريد أن يكون صديقه الوحيد، وها هو صديق طفولته ورفيق الحارة الشعبية، الشريك الملتصق بذكرياته يتمرد معترضًا على سفره المفروض ويلقي تهمته على سيف الذي إن علم بوجوده سيكون مصيره هو القــ,تــل لامحالة.

تنهد بقلة حيلة وهو يراقب ضحكات آدهم وعلى المكبوتة بصعوبة، وكلا منهما يستندان على جسد السيارة الأمامي باستمتاعٍ، إلى أن أشار له آدهم مازحًا: أنا عايز أعرف احنا بنعمل أيه هنا عشان نكون في الصورة بس؟
التقطت أعين إيثان هذان الغريبان، فتنحنح على بثباتٍ مضحك: حضرتك احنا منعرفهوش، احنا لاقناه مرمي على الطريق وتقريبًا في حـ.ـر.امية مقلبينه وكان محتاج توصيلة مش كده يا آدهم؟

أجابه مؤكدًا وهو يلمح نظرات إيثان الغاضب: هو ده اللي حصل بالظبط، وحالًا هترميله شنطه ومـ.ـر.اته ونخلع.
جحظت أعينه صدmة، وكأن احداهن ألقت على رأسه مياه الغسيل من الطابق العاشر كمعتداه، فأخذ يردد من خلفه بنبرة مهتزة: مـ.ـر.اته؟!
واستطرد وصدره يتسع كأنه سيلتهم الاخير: عشان كده طلبت مني أروقلك شقة في عمارتي! حققت كابوس أبوك وراجعاله بخواجيه يابن الشيخ مهران!

ضـ.ـر.ب بكفه جبهته بقلة حيلة، وصاح مسرعًا: اهدى وهفهمك فوق يا إيثان.
صاح بصوتٍ جهوري: تفهمني أيه بس، أنا كنت بعزك من معزة يونس صاحبي وأخويا. بعد ما اتسـ.ـجـ.ـن ظلم وأنا وأبوك بندير محلاته على أمل إنه في يوم من الأيام خارج فيلاقي مشروعه واقف على رجليه، وكل ما الشيخ مهران يعرض عليا إنه يكلمك عشان تنزل وتساعدني في الادارة كنت بعارضه وبقوله يسيبك تركز في مذكرتك وتحقق حلمك في الاخر راجعلي بخواجاية يا شيخ آيوب!

وتابع وهو يلف يده من حول رقبته بعنف: والرب أنا ما عايز أقل قيمتك قدام الناس المحترمة اللي جايبنك دول. فاطلع معايا نكمل كلامنا فوق.

طلت برأسها من نافذة السيارة فصعقت حينما وجدته يواجه شابًا يمتلك جسدًا كالمصارعين المتوحشين، لا تعلم لما خفق قلبها عنفًا مستطردًا ذكريات ما لاقوه معًا على يد رجـ.ـال عمها، فانطلقت كالرصاصة القـ.ـا.تلة من باب السيارة إليه، تبعده بكل غـــضــــب عنه وهي تصيح بشراسةٍ تفاجئ بها الجميع: ماذا تريد من زوجي أيها الحقير؟

وتابعت وهي ترفع حذائها ذو الكعب الرفيع: ابتعد من هنا الآن والا أبرحتك ضـ.ـر.بًا. ودعني أحذرك أنت لا تدري قوة الحذاء المستورد ففكر جيدًا قبل أن تقدm على فعل شيئًا أحمقًا مثلك!
صعق على وآدهم، حتى شمس التي تتابع ما يحدث بمللٍ، والنصيب الأكبر لآيوب الذي يرى شراسة آديرا الصادmة، بينما تحرك لسان إيثان ناطقًا بسخريةٍ: هي الخواجاية دي من بولاق يالا؟!

انكمشت تعابيرها بدهشةٍ، فاستدارت لآيوب تتساءل بحيرةٍ ومازالت تحمل حذائها باستعداد وضعية الهجوم: ماذا يقول؟ هل سبني هذا المصري للتو؟!
تدارك الأمر بصعوبة، فهز رأسه نافيًا ومن ثم تقدm يسحب منها حذائها ووضعها أمامها مشيرًا لها بحدة: بربك يا فتاة ما الذي تفعلينه؟ هيا ارتدي حذائك قبل أن يتجمع حولنا المارة!

ارتدته ومازالت تقابل نظرات حادة لذلك الإيثان الذي يبادلها بنفس الحدة والغـــضــــب، فتركهما وانطلق للسيارة قائلًا: هات الشنط واطلع إنت يا آدهم.
تساءل على باستغراب: هو إنت هتقعد هنا؟

نفى سؤاله موضحًا بـ.ـارتباكٍ: لا. أنا مش هينفع أخد آديرا معايا البيت والدي لو عرف بموضوعنا ممكن يجراله حاجة. عشان كده كلمت إيثان صاحب يونس وجارنا وطلبت منه يوضب شقة في العمارة بتاعته عشان آديرا. لحد ما على الأقل أقدر أمهد لبابا الموضوع.
هز على رأسه بتفهمٍ وشجعه بقراره: كويس إنك عملت كده.
وضع آدهم الحقيبتين أمامه ورفع كفه يصافحه قائلًا بمحبة: حمدلله على السلامة يا آيوب. خلينا على اتصال لحد ما أقابلك.

هز رأسه بابتسامة جذابة: هستنى منك مكالمة بمعاد الزيارة وياريت يكون معاك دكتور علي.
ابتسم على وأجابه: لو كنت فاضي مش هتأخر. بس أنا يدوب التلات أيام دول هيكونوا كلهم جري وسباق من مكان لمكان عشان أقدر أخلص ونرجع على طول أنا وشمس.
مال آدهم عليه يهمس له وعينيه تتابع شمس التي تتصفح هاتفها بالسيارة: ما تسيب شمس وتسافر إنت يا دكتور!
طب وامتحاناتها يا سيادة الرائد!

وتابع بخبثٍ مضحك: شكلي بطيبتي مش هنتفق مع بعض فأيه رأيك أسافر أنا وأبعتلك الطاووس الوقح تتشاور معاه عن الأمر ده.
ابتلع آدهم ريقه بصعوبة مداعيًا خــــوفه الشـ.ـديد: شنطها هتكون في المطار قبل شنطك يا دوك، مش بيقولك الشرطة في خدmة الشعب وأنا بقى تحت أمرك!
ضحك ثلاثتهم ثم دعوا آيوب للمرة الاخيرة، وانطلقت سيارة آدهم لطريق منزله.

حمل إيثان وآيوب الحقائب للأعلى ومن خلفهما صعدت آديرا، فاتجهت لاحد الغرف تنتظر آيوب كما أخبرها، بينما جلسا معًا في الصالون المجاور للشرفة الرئيسية، فأسرع إيثان بسؤاله المتلهف: عملت كدليه يا آيوب؟
تراجع بظهره ليحصل على جلسة مريحة، مرددًا بتعبٍ إلتمسه صديقه: حكاية طويلة أوي يا إيثان. أرجع بس البيت أخد دوش وأريح ساعتين وبعدها هحكيلك كل حاجة.

وتابع بصوتٍ مزقه الألــم والحنين: تعرف أول ما نزلت من العربية وشوفتك حسيت ان شوية وهشوف يونس. لانكم مكنتوش بتفارقوا بعض أبدًا.
وانهمرت دmعة من عينيه تقص و.جـ.ـعًا يخوضه منذ أن وطأت قدmيه الحارة: مش عارف هدخل بيتي ازاي وأنا مش شايفه فيه، أنا كنت شايل هم رجوعي عشان اللحظة دي يا إيثان. هيجيلي نوم ازاي وأنا شايف سريره اللي قصادي فاضي. هقدر أتحمل وأنا طالع البيت وشايف اسمه على يافطة المحل!

تربع الو.جـ.ـع وحل الوجوم على وجه الاخير، فأخبره بصوتٍ محتقن: مش لوحدك يا آيوب. محدش حاسس بالنار اللي قايدة جوايا. طول السنين دي بحاول أوصله أنا والشيخ مهران ومش عارفين نوصل لحاجة. أنا بقيت حاسس إني بدور على شيء وهمي مالوش وجود. بقيت خايف أصدق حقيقة إنه مـ.ـيـ.ـت مش عايش.

وتابع ببسمة حملت معاني الألــم من أوسع أبوابها: يونس على الرغم من تدينه عمره في يوم ما حسسني إني مسيحي أو نفر مني. كان بيتعامل معايا معاملة الأخ لأخوه وكل ما أنكشه يقولي المعاملة الحسنة اللي بينا أنا عمري ما هفرض عليك شيء. كنت بحترمه وبحب طريقة تفكيره.

واتسعت ابتسامته وهو يقص لآيوب بأعين بكت دmاءًا: من حبي فيه كنت بفضل طول رمضان أجهز واجبات وعصاير وننزل أنا وهو وقت الآذان نوزعها كلها، ولما يسبني وروح يصلي ورا الشيخ مهران في المسجد كنت بقعد قدام الباب أستناه عشان أديله وجبته وكان بيرفض يأكلها لوحده كنا بـ.ـنتقاسم فيها مع بعض.

تهاوت دmـ.ـو.ع آيوب دون توقف، فرفع إيثان ذراعه يمسح عينيه وهو يستطرد: أنا لسه بعمل كده لحد النهاردة يا آيوب بجهز واجبات وبوزعها وأنا بتمنى من قلبي إنه الثواب يروحله هو ويخرج من أزمته. وكل رمضان بعلق الزينة بنفسي قدام محلاته زي ما كان بيعمل بعمل على أمل لما يرجع ميحسش بالتغيير مع إن في غيابه كل شيء اتغير!

دفع إيثان الطاولة من أمامه وانهار باكيًا، وهو يحيط وجهها بساعديه، هادرًا بانفعالٍ: كل اللي حصله ده بسبب بـ.ـنت ال، اللي عملته معاه خلاني كرهت الحب والستات، مبقتش قادر أمن لواحدة ست، الغدر اللي شافه على ايدها بعد قصة الحب الاسطورية دي خلتني أخاف يا آيوب، كان عايش بيتمنى اليوم اللي هيتجوزها فيه. مفرحش حتى بشقته اللي تعب فيها. 15يوم بعد جوازه منه وابن عمها الحقير رتبله كل ده وحبسه وجيت هي وكملت عليه ورفعت قضية الخلع عشان تتجوز الكـ.ـلـ.ـب اللي اتجوزته.

ولطم صدره مستهدفًا موضع قلبه: قلبي كان بيتحرق عليه، أنا عارف إنه قوي وصبور بس بعد ضـ.ـر.بتها دي فأنا متأكد إن يونس مـ.ـا.ت في اليوم اللي عرف فيه باللي عملته.
واستدار بوجهه لآيوب المستند برأسه للخلف بانكسارٍ، يخبره بفرحةٍ وشمـ.ـا.تة: اللي مهونها عليا اللي بيحصلها.

ضيق عينيه بعدm فهم، فاستكمل إيثان بايضاح: كل يوم والتاني بتيجي لامها غـــضــــبانه. الكـ.ـلـ.ـب جوزها بيضـ.ـر.بها وبيهنها. بيخلص حق يونس منها، بتيجي تقعد اسبوع والتاني وبيرجعها بردو بعلقة قدام الحارة كلها.

جز على أسنانه بغـ.ـيظٍ وهو يقول: بس اللي قهرني إن مفيش حد بيتدخل بينهم وبيحل الا أبوك. الشيخ مهران! كأنه نسى الأذية اللي قدmتها لابنه الكبير. مبقتش استغرب منه لإني عاشرته وعارف إنه رباكم على عدm رد الأذية بالأذية. بحاول أفهمه إنها متستحقش المعروف بس مش سامع كلامي.
تحرر آيوب من صمته أخيرًا، فربت على ساقه بحنانٍ وأمل يوُلد داخله: انسى اللي فات وفكر في بكره. أنا واثق أن فرج يونس جاي وقريب أوي كمان.

واستقام بوقفته يتابع: خد شنطتي واستناني تحت وأنا خمس دقايق وهحصلك.
حرك رأسه بخفة وحملها واتجه للاسفل، وولج آيوب للداخل طارقًا باب الغرفة، وما أن استمع لصوتها يسمح له بالدخول، عرج للداخل فوجدها تتمدد على الفراش بـ.ـارهاقٍ.
منحته ابتسامة كانت غامضة إليه، لا يعلم ماذا أصابها منذ أن أعتنقت الاسلام على يد عُمران، طال صمته مما دفعها لتتساءل: أأبرحك ذاك المزعج ضـ.ـر.بًا؟

فشل بكبت ضحكة تمردت على وجهه الوسيم، فحك أنفه وهو يردد: آديرا إيثان صديقي وما حدث بالأسفل لم تكن مشاجرة بيننا إنما هو عناقًا رجوليًا، ولنقل أننا نحن المصريين حينما نشتاق للقاء أحدًا نعبر بطريقة مختلفة عنكم.
هزت رأسها بعدm اقتناع ورددت بعربية مضحكة: آيوب أنا عاوز أهرج (أخرج) وشوف مصر. من زمان نفسي شوفه.
رمش بعدm تصديق، وردد: منذ متى وأنتِ تتحدثين العربية؟

ضحكت وهي تخبره بمزحٍ: أنا لا أتحدثها ولكني كنت أحيانًا أتلصص على حديثك أنت وأصدقائك بالأخص ذلك المتوحش اللطيف!
ضحك بملئ ما فيه، فراقبت وجهه الضاحك بهيامٍ وكأنه بدأ يلقي سحره عليها، سيطر على ضحكته وقال وهو يدعي ثباته: حاضر يا ستي عيوني. هفرجك على مصر وهعمل معاكي الواجب كله بس أنا في حاجة عايز أقولك عليها.

انزعجت تعابيرها بعدm فهم لحديثه، فزم شفتيه ساخطًا على حماقته وصاح: أعدك بأنني سأخذك برحلة فريدة من نوعها ولكن على إخبـ.ـارك بأمرٍ هام.
هزت رأسها تصرح له الحديث، فقال: عائلتي لا تعلم شيئًا بخصوص زواجنا، فلا أريد أن أفاجئهم بأمرنا الا بعد أن أتحدث إليهم أولًا لذا أريدك أن تبقي هنا حتى أصرح لهم بذلك.

تجهمت معالمها حـ.ـز.نًا، ورددت بحسرةٍ: ولكنني كنت أتلهف للقاء والدك. لقد أخبرني المتوحش بأنه من سيمسك يدي لأول طريق الإسلام. وأنا أود ذلك، كنت أتأمل أن ألقاه فيخبرني عن دينكم.
تأثر لما استمع إليه لدرجة جعلته يبتسم بحبٍ تراه بمقلتيه لأول مرة، فرفع يده ببادرة جديدة عليه وضم جانب وجهها قائلًا برفقٍ: أعدك بلقاءٍ قريبًا به. ولكن دعيني أمهد له الأمر أولًا.

هزت رأسها بخفة وابتسامتها تقص سعادتها باقترابه منها لهذا الحد، سحب كفه متنحنحًا بتـ.ـو.ترٍ، ونهض مسترسلًا: سأغادر الآن. وربما أعود الغد.
وتركها وغادر على الفور، ليذهب برفقة إيثان للقاء والده الشيخ مهران
طاولة خشبية بيضاء تلتف من حولها المقاعد الفخمة، وضعت خصيصًا على الجسر الخشبي المتصل لمسافةٍ كبيرةٍ من البحر، والخضرة والأشجار تحيط من حولهم.

هنا حيث تجلس فاطمة جوار زينب تتبادلان الأحاديث بمرحٍ وسعادة ويتعمق الحديث بينهما لأول مرة، ومن قبالتهما مايا وفريدة وعلى رأس الطاولة أحمد الذي يتابع جهاز البورصة العالمية، بينما بالابتعاد عنهم قليلًا، وبالأخص بمنتصف البحر يقف عُمران على اللوح الطائر (الفلايبورد)، يتصل بخرطوم يصل لذاك السائق الذي يترك التحكم لعمران المستمتع بمغامرته المفضلة.

يتطاير باللوح أعلى المياه ومن ثم يصل علو الارتفاع لمسافة كبيرة، وينحني فجأة ليصل مرة أخرى للمياه.
تابعته الفتيات بخــــوفٍ، فكانت زينب أول من رددت: هو مش خايف البتاع ده يغطس في الميه؟
ابتسمت فريدة وتركت مجلتها، ثم أجابتها: متخافيش عُمران شاطر جدًا وبيعرف يتحكم فيه.
خـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة لزوجها وقالت: أنا كمان بحب أركبه جدًا، بحس إني زي الطير اللي في السما وبجرب احساسه وهو بيقرب من المية.

تعانقت نظراتهما بحبٍ، والصمت يتلاعب بينهما إلى أن تساءلت مايا باهتمامٍ: بجد يا فريدة هانم ركبتيه قبل كده؟
ابتسمت وهي تلتقط كوبها من الشاي الأخضر، هاجسها الاكبر للحفاظ على وزنها المثالي: أيوه ركبته مرتين قبل كده مع عمران بس من زمان أوي كنت صغيرة عن كده أكيد.

مال أحمد إليها يحتضن كفها برقةٍ أذابتها كقطعة شوكولا تستجيب للنيران: ومين قالك إنك كبرتي يا حبيبتي، إنتِ لسه زي ما انتي بالعكس أنا حاسس إنك بتصغري عن الأول.
وتابع وهو ينحني بقبلة على أصابعها: هتفضلي في نظري أجمل ست شافتها عنيا واتمناها قلبي.
ضحكت الفتيات وكلا منهن تميل بحلمية، افتقادًا لمذاق الحب المميز كحبهما، فاقت فريدة من شرودها بعينيه الرومادية، فسحبت كفها بخجلٍ.

اتسعت ابتسامة أحمد وتابع وهو يلتقط قطعة من الكعك: مش حابة تعيدي التجربة للمرة التالتة؟
رمقته بذهولٍ، وتسلل لها ابتسامة فرحة، ممتنة لوجود ذلك الرجل الذي يشجعها دومًا على فعل ما يجعلها سعيدة، محطمًا عوائقها التي تصنعها وتضعها أمام نفسها.
رددت وهي تنحني تنزع حذائها المرتفع: حابة جدًا.
انهت كلمـ.ـا.تها وهي تبعد مقعدها وتسرع لأخر الجسر الخشبي حافية، تشير بيديها وهي تنادي متلهفة: عُمران!

انتبه لها فاتسعت ابتسامته وهو يلبي ندائها، أسرع إليها يخـ.ـطـ.ـف يدها لتضع قدmيها أمام قدmيه، ويده تحيط خصرها، ارتفع بها عاليًا وهي تفرد ذراعيها وتغلق عينيها بقوةٍ، تاركة الهواء يحرك خصلاتها السوداء بدلالٍ.
تركت ذاتها لخوض تلك التجربة التي كانت بحاجة لها، راقبها الفتيات بصدmة وأخر ما يتوقعوه رؤيتها تشارك عمران اللوح الطائر المائي، وابتسامتها الواسعة تلك تجعلهم بحيرة من أمرها.

مالت فاطمة على زينب تهمس لها: مستحيل دي تكون فريدة هانم! حاسة إني مع الوقت بكتشفها من أول وجديد!
ابتسمت زينب وقالت وهي تراقبهما: ت عـ.ـر.في إني بحب علاقتها بعمران ده أوي، بحسه إنه بيتعامل معاها معاملة خاصة كده. مش معاملة الابن لأمه أبدًا. بيتعامل معاها كأنها أخته الصغيرة وده مخليني مستغرباه جدًا!

أجابتها وهي تسحب هاتفها لتراقب بلهفة رقم على عساه أرسل برسالة دون أن ترآها: دي شخصية عمران. صعب تكون مفهومة. بس المؤكد بالأمر إني برتاحله وبثق فيه جدًا، ويمكن ده اللي خلاني بحب شغلي!
ضمت مايا رأسها بتعبٍ، لا تعلم لما عاد لها هذا الصداع الصباحي والنفور المتكرر من الطعام، حاولت أن تستمد طاقتها من كأس البرتقال الموضوع من أمامها، فشعرت بأنها تحسنت قليلًا.

انتبهت لصوت عمران يناديها، فتطلعت تجاه الجسر الخشبي فوجدته يعاون فريدة على الهبوط ويشير لها قائلًا بخبث لم تلاحظه بنظراته الماكرة: مايا لو سمحتي اديني موبيلي.
انساقت وراء خديعته، فانطلقت حاملة الهاتف تقدmه له، فوجدته يقبض على كفها الحامل للهاتف ويقربها لنهاية الجسر، انقبض صدرها وجحظت عينيها بفزعٍ، فصرخت به وهي تتراجع للخلف بخــــوفٍ: عُمران لأ. انت عارف اني بخاف!

ضحك وهو يراقبها، تكاد تتمدد أرضًا لتفلت من يده، فردد لها بخبث: معقول معندكيش ثقة فيا يا بيبي!
جذبت يدها وهي تستجديه بعشقه: لو بتحبني سبني أنا خايفة بالله عليك!
وتابعت وهي تتأمل انغراس قدmيه بالمياه: آآ. انا أساسًا دايخة من الصبح. سبني!
ضيق رماديته الساحرة ومازال يراقبها باستمتاعٍ، فرفعها بسهولةٍ إليه وتابع بهمسٍ أربكها: حبيب قلبي خايف وهو في حـ.ـضـ.ـني؟!

وأشار لها وهو يسحبها إليه كالمسحورة بتعويذة قوية: حطي رجلك هنا وأنا همسكك متخافيش يا بيبي!
اتبعته وعينيها لا تفارق خاصته فابتسم بحبٍ لها، حتى ارتفع بها للأعلى فاستعادت وعيها تدريجيًا، فانطلق صراخها يجلل من فوق المياه هاتفة بتوسلٍ: نزلني يا عُمرااان، نزلني لأااا، يا فريدة هانم الحقيني قوليله ينزلني، لااااا، يا خالتووووووو، يا أنكل أحمد اتكلم بالله عليك!

تعالت ضحكاتهم جميعًا، ونهض أحمد يتجه لحافة الجسر يشير له: هاتها يا عُمران.
أشار له بالرفض وصاح بصوتٍ مرتفعًا ليصل إليه: مينفعش مراتي تكون جبانة!
صرخ الاخير وهو يتطلع للاعلى حيث المياه المتدفقة من اللوح: حـ.ـر.ام عليك البـ.ـنت خايفة!
تعلقت مايا برقبته فجعلته يقهقه ضاحكًا، وكل ما تردده: نزلني، نزلني!
تمسكت به بقوةٍ واستدارت لتقابله، فانحنى ووضع يديه أسفل ساقيها ورفعها إليه وفستانها ينحدر من خلفها.

مالت على صدره مغلقة العينين هامسة برجاءٍ: نزلني يا عُمران أنا خايفة.
أجابها ساخرًا: خايفة من أيه وأنا شايلك على قلبي؟ تحبي تطلعي فوق كتفي أضمن؟
تمسكت بالحبل الرفيع الخاص بالفانِلّة التي يرتديها وبتعبٍ هاجمها فجأة قالت: عُمران أنا دايخه أوي حاسة إني آآه...
مال رأسها على صدره مستجيبًا لأغمائها، ساحبة قلبه من خلفها، ظنها تخدعه ليهبط بها، فأخفض ساقيه واتجه للجسر الخشبي.

وضعها برفقٍ ونزع عنه الاربطة ليلحق بها على الفور، رفعها إليه وهو يناديها بفزعٍ: خلاص يا حبيبتي نزلنا. افتحي عينك يا مايا أنا آسف والله ما كنت متخيل إنك بتخافي للدرجادي.
نثر المياع على وجهها ولكنها لم تستجيب إليه، فصرخ برهبةٍ جعلت العائلة تنتبه إليه: مايا!
صف آدهم سيارته بالجراج الخاص بمنزله، فهبط مسرعًا يفتح الباب الخلفي مرددًا بنبرة حملت رسالة حبه المبطنة: شمس هانم.

منحته بسمة رقيقة جعلته يشعر بانتعاشة قلبه، حملت طرف فستانها الأزرق وهبطت بخفة تتبعه للباب الجانبي ومن خلفه على الذي يردد باحراجٍ: مكنش له داعي يا آدهم أنا حجزت سويت ليا أنا وشمس في فندق قريب هنا.
احتج لما يبرر له، وصاح باصرارٍ: فندق أيه اللي عايز تنزل فيه يا علي. هو إنت مش مديني ثقتك ولا خايف لمنقدرش نقوم بواجب الضيافة يا دكتور!
تعمق بالتطلع إليه وبيأسٍ واستسلامًا أردف: إنت عنيد.

أكد له بإيماءة من رأسه وابتسامة واثقة، وأشار له لباب الدخول: اتفضل يا دكتور.
باغته بنظرة تجابهه وبنفس اشارته قال: من بعدك سيادة الرائد.
تقدmه آدهم واتبعه على بعدmا لف ذراعه على كتف شقيقته بحنانٍ، صعدوا الطابق الأول من المنزل، حيث كان عبـ.ـارة عن ثلاث طوابق، وحديقة متوسطة الحجم، وعلى الرغم من أنها سكنت ب?يلا وقصرًا ضخمًا عن ذلك المنزل الا أن ذوقه الراقي جذبها منذ أن وطأت قدmيها عتبة المنزل.

اتجهوا للصالون الجانبي حيث كان مصطفى والده بانتظارهم على مقعده المتحرك، فما أن رأهم حتى فتح ذراعيه وهو يردد بصوتٍ متحشرج: عمر. ابني!
ترك الحقائب من يديه وهرع ينحني بقامته الطويلة ليكون على نفس مسافة أبيه يضمه بقوةٍ، والاخر يتشبث به وكأنه عناقهما الأخير، يعاتبه بدmعٍ أبي: كده هان عليك أبوك تسيبه كل المدة دي.

ابتعد عنه يرفع يديه يقبلهما معًا ومن ثم يعلو ليطبع قبلة على منبت شعره الأبيض: حقك عليا يا صاصا. ما أنت عارف إن المهمة دي كانت بالنسبالي حياة أو مـ.ـو.ت، حق ماما الله يرحمها كان دين في رقبتي ومكنتش هرتاح الا لما أخده. ناري مبردتش غير وأنا شايفهم سايحين في دmهم.

يعلم أنه عنيدًا لا يرضخ سوى للصائب من وجهة نظره، ولكنه بالنهاية سعيد لعودة حق زوجته الغالية، فربت عليه بحنان وقال: المهم انك رجعتلي يا حبيبي، كنت خايف أمـ.ـو.ت من قبل ما أشوفك.
أحاط وجهه بلهفة وألــم: بعد الشر عليك متقولش كده. أنا مبقاش ليا غيرك يا بابا.

واستطرد بمزحٍ وهو يدفعه بخفة: وبعدين بقى معاك يا لئيم جايبني من أخر الدنيا عشان تفاتحني عن جوازك وقصة حبك اللي معرفهاش يا شقي ودلوقتي بترسم عليا حوار الأب اللي طالب ابنه يبلغه الوصية. عليا يا صاصا؟!
لكزه وصوت ضحكاته يطربه ويطرب سماع على وشمس المتابعان لما يحدث بحبٍ تاركين لهما مساحة خاصة، إلى ان انتبه مصطفى لهما فقال بفرحة وعينيه تطوف زوجة ابنه: بسم الله ما شاء الله، دي أكيد شمس صح؟

أكد له آدهم ونهض يجذبها لتقترب منه: شمس ده بابا. تقدري تناديه بصاصا هيحبك أوي!
ضحكت برقةٍ ومدت يدها إليه قائلة على استحياء: اتشرفت بحضرتك يا عمي.
امتنع بوضع كفه بكفها وردد بحـ.ـز.ن مضحك: ده سلام بين الأب وبـ.ـنته بذمتك!
ولكز آدهم بعنف وهو يتابع: اشمعنا الواد ده يتأخد بالاحضان وأنا لأ! أين المساواة؟ أين العدل؟ أين الحكومة؟
ضحك آدهم وقال: الحكومة مرة واحدة! ميمشيش معاك الأمن القومي!

ارتبكت بوقفتها، لم تختبر يومًا شعورها بوجود أبًا يضمها لصدره، فاستدارت تجاه على الذي حرك رأسه لها، فانحنت تحتضنه بتـ.ـو.ترٍ.
ربت على ظهرها بفرحةٍ وقال: نورتي بيتك يا بـ.ـنتي.
ابتعدت تجيبه على استحياء: منور بوجود حضرتك يا عمي.
سألها بمرحٍ وهو يتمعن بها: انتِ جاية مع الواد ده لوحدك؟

اقترب على ليظهر بالصورة المنتقصة يصافحه بابتسامة جذابة وعلى نفس وتيرته المرحة قال: معندناش بنات تسافر لوحدها وبالذات مع ظابط خطير زي سيادة الرائد.
ضحك بعلو صوته وقال بفرحة كأنه أحرز هدفًا على ابنه: والله باشا، أبويا زمان علمني مثقش في اتنين لا في الحـ.ـر.امي ولا الظباط ومتسألنيش ليه!
ضحك على وسأله: طيب أثق في مين طيب؟

قال من وسط ضحكاته: جدد ثقتك في الظباط لو ابني عرفك على نفسه وهو بإسمه اللي مستعر منه لكن لو دخلك من صيغة الاسم التاني فاهدر كل ثقتك بالجيش والحكومة وبابني قبلهم!
ضحكت شمس بصخب فتلقت اشارة آدهم بالصمت والا تبوح بسره، ولكن على ما بدى بأن أبيه اكتسبها لصفه فقالت: خلاص يا عمي أنا كده فقدت الثقة في ابنك للأبد!

مال برأسه للخلف ليتمكن من رؤية آدهم، فمنحه نظرة اجتهد ليجعلها حازمة: كده يابن مصطفى الرشيدي بتستعر من اسمك ورايح تشبك الموزة بإسم أمك!
ورفع يديه للسماء سريعًا كأنه ملقن لاستكمال حملته كلما ذُكر إسمها: رحمة الله عليكي يا زبيدة!
واستدار يستكمل: ابقى خلي أمك تنفعك يالا!
ورفع يديه يردد: رحمة الله عليكي يا زبيدة. سامحيني يام عمر الواد ده مستفز!

سقطت شمس على أخيها من فرط الضحك وآدهم يفور غـ.ـيظًا، فأشار بيديه على الخادmة وهو يجاهد لاغـ.ـتـ.ـsـ.ـاب ابتسامة هادئة: اتفضل يا دكتور، مارينا خدي الدكتور والهانم لغرفهم أكيد تعبانين من السفر واتأكدي ان مش ناقصهم حاجة.

أشارت له باحترام واصطحبتهما للأعلى، فبقى آدهم بصحبة أبيه بمفردهما، سحب آدهم مقعدًا ووضعه أمام أبيه يطالعه بكل حبًا، والدفء يتسلل لنبرته الرخيمة: ها يا حبيبي أيه الموضوع الخطير اللي باعت تجبني من لندن عشانه؟
لأول مرة يختبر ذلك الشعور، وللحق كان أصعب ما قابله طوال حياته، تلك الدقائق التي استغرقتها لتستعيد وعيها جعلته يقــ,تــل ببطءٍ ساحق، عجزًا تام خاضه وهو تسترخي بين ذراعيه باهمالٍ.

فقد عقله وتفكيره الرزين بتلك اللحظة، فلم يلجئ لأي محاولة تعاونها على الافاقة تاركًا أمرها لعمه الذي يجاهد ليجعلها تستعيد وعيها ومن جواره تجلس فريدة الباكية على ركبتها جوار جسد ابـ.ـنتها التي قامت بتربيتها وأحبتها أكثر من ابـ.ـنتها ذاتها.

ومن جوارهما فاطمة وزينب يتابعن ما يحدث بخــــوفٍ وتـ.ـو.تر ساد الأجواء، ضم عُمران رأسها الماسد على قدmيه، يربت برفقٍ عليها وهو يناديها بصوتٍ تحرر عن مرقده أخيرًا: مايا. فوقي عشان خاطري!
فتح أحمد زجاجة المياه البـ.ـاردة التي قدmتها له زينب، سكبها بكف يده ومرره على وجهها برفقٍ وهو يناديها، فاستجابت له أخيرًا وفتحت عينيها بتمهلٍ وحذر، لتقابل وجوههم المتلهفة، ويدها تفرك جبينها بألــمٍ.

رددت فريدة بلهفةٍ، ودmـ.ـو.عها جعلت صوتها محتقن بو.جـ.ـعٍ: حـ.ـر.ام عليكِ يا مايا وقفتي قلبي!
مدت فاطمة يدها لتعاون فريدة على النهوض، فتحاملت بكل ثقلها على ذراعها مما دفعها لتسألها بقلقٍ: حضرتك كويسة يا فريدة هانم؟
هزت رأسها بنفيٍ ورددت بخفوتٍ ومازالت تستند على يدها: قعديني يا فاطيما.
عاونتها على الفور بكل محبة، ومن جوارها زينب التي أمسكت بيدها الاخرى، فوزعت فريدة نظراتها بينهما ببسمة غامضة.

أغلق أحمد زجاجة المياه وانتصب واقفًا يطالعها ببسمةٍ هادئة: حمدلله على السلامة يا مايسان.
وبمرحٍ قال: متخرجيش مع الواد ده تاني لإنه مش بس طاووس ووقح لا لإنه هيقــ,تــلك من جنانه في يوم من الأيام.
انتظر أن يجيبه عُمران الذي بالطبع لن يمرر حديثه مرور الكرام دون أن يشاغبه بردوده الوقحة، ولكنه مازال يحافظ على صمته بشكلٍ جعل القلق يتسرب لأحمد ولزوجته التي مازالت تتمدد أرضًا ورأسها على ساقيه.

شعر أحمد بأنه بحاجة للبقاء برفقة زوجته بمفردهما، فإتجه للطاولة البعيدة عنهما، فاستقامت مايا بجلستها حتى باتت قبالته تناديه بخــــوفٍ من صمته وشروده الغريب: عُمران!
مازالت عينيه مسلطة على المياه من أمامه بسكونٍ، رفعت كفها تقربها تضم كفه المسنود لساقه، تحيطه ومازالت تناديه باصرارٍ: عُمران مالك؟

رفع رماديته ليقابل نظراتها المهتمة لمعرفة ما أصابه، وجدته يرفع يديه ليحيط بوجهها وارتفع عنها قليلًا طابعًا قبلة أعلى جبينها ومن ثم خـ.ـطـ.ـفها بين ذراعيه بقوةٍ جعلتها تتآوه ألــمًا.
ربتت على ظهره بحبٍ، طال الوقت بهما وهو لا يتركها مما جعلها تشعر بخجلٍ عظيمًا، فهمست بتـ.ـو.ترٍ: عُمران احنا مش لوحدنا.

بدى وكأنه لم يستمع إليها، الرهبة من فقدانها جعلته بائسًا، عاجزًا، لا يشعر بشيءٍ الا تصلب جسده وتشتت مشاعره، وقلبه كالطحونة التي لا تتوقف عن الدوران.
انهارت مقاومة مايا وانتفضت ألــمًا جينما شعرت بشيءٍ ساخن يبلل رقبتها التي تمايل عنها الحجاب باهمالٍ، رمشت بعدm استيعاب من أنه بتلك اللحظة يبكي!

طاووسها الوقح يفقد صرامة شخصيته المحكمة أمام لحظاتٍ قليلة من إغمائها، تمسكت به وقالت باحتقانٍ: أنا كويسة يمكن بس علشان خرجت من غير ما أفطر، آآآ، أنا، آآ.
لم تجد ما يناسب قولهل بتلك اللحظة، فتشبثت بقميصه ورددت: أنا أسفة.
رفع أصابعه لكتفها، يزيح دmـ.ـو.عه عن مقلتيه قبل أن يواجهها، تخلى عن جلوسه بركبتيه واستقام بوقفته جاذبها أمامه، ثم إتجه بها للطاولة التي تضم عائلته.

جذب مفاتيح سيارته ومازالت يده تحكم مسكة يدها، وإتجه بها ليغادر فأوقفته فريدة المتسائلة بذهولٍ: رايح بيها فين يا عُمران؟
توقف عن الخطى وأجابها دون أن يستدير، تهربًا من أن يلاحظ أحدًا بأنه كان يبكي للتو: هنروح المستشفى نعرف سبب الأغماء ده.
مدت يدها الاخرى تتمسك بذراعه: أنا كويسة قولتلك اني مفطرتش عشان كده آآ.
قاطعها ووجهه يميل لمقابلتها: قولت هنروح المستشفى يعني هنروح!

شعر أحمد بخــــوفه الشـ.ـديد، فقال برزانةٍ: روحي معاه يا حبيبتي. يمكن يكون ضغطك وا.طـ.ـي أو عندك أنيميا فالأفضل نطمن عليكي.
هزت رأسها باستسلامٍ ولحقت به للسيارة، صعد لمقعد السائق وانطلق بها ويده تعبث بهاتفه حتى حرر زر الاتصال، واضعًا سمعته الحديثه على أذنيه، وما هي الا ثواني حتى سمعته يقول: إنت فين يا يوسف؟
خليك عندك أنا جايلك!

وألقى سماعته قبالته دون أن يضيف حرفًا واحدًا، مما جعل الخــــوف يتعمق داخلها، ليس ما يقلقها تشخيص حالتها القلق الأكبر كان عليه. على تلك الحالة الغامضة التي تستحوذ عليه بالأخص!
في أيه يا بابا، بقالك ساعة بتتهرب من إجابة سؤالي، أنا مش فاهم أيه اللي مخليك متردد تتكلم بعد ما كنت مُصر جدًا على نزولي من لندن!

ردد آدهم جملته بضيقٍ شـ.ـديد، بعد أن فشل في سبر أغوار أبيه، ولكنه كان مبهمًا لمرته الأولى، تنهد مصطفى بحـ.ـز.نٍ زحف كالوحش القـ.ـا.تل ملامحه الطيبة، فقال وهو يجاهد لرسم ابتسامة فشلت باخفاء حـ.ـز.نه: عمر أنا مش بخبي عليك حاجة بس أنا مش حابب نتكلم دلوقتي.
هز رأسه باحترامٍ وبالرغم من عدm اقتناعه تمسك بثباته: طيب يا حبيبي حابب نتكلم أمته؟
رد عليه بعقلانيةٍ: لما مراتك وأخوها يسافروا.

زوى حاجبيه بحيرةٍ، وتأكدت شكوكه أن ما يخفيه أبيه ليس بالأمر الهين: طيب أقدر أعرف ليه؟
حرك زر مقعده فتحرك به تجاه غرفته، اتبعه آدهم وهو يستمع له يخبره: مينفعش نقصر في استضافتهم هنا. ومينفعش كمان مع أول زيارة ليهم يحسوا بالخلافات بينا.
اتجه لفراش أبيه يجلس أمام مقعده بصدmةٍ: خلافات! للدرجادي يا بابا!

أخفض الأب عينيه للأسفل بانكسارٍ جعل آدهم يندفع أسفل قدmيه، يقبل يديه بحبٍ اندث بنبرته الحنونة: عمر ما في خلافات هتكون بينا في يوم من الأيام، أنا بس قلقان عليك ومحتاج أفهم مالك عشان أحاول أساعدك.
هز رأسه وعينيه تتهرب من لقاء خاصته، قائلًا بصوتٍ محتقن: أكيد هيجي الوقت المناسب وتسمعني، المهم دلوقتي تطلع تستريح إنت لسه راجع من سفر.

حـ.ـز.نه، انطفاء ملامحه، كل شيءٍ به يمزق قلبه هلعًا لما يخفيه، فأراد أن يرسم الابتسامة على وجهه قبل أن يتركه، فقال بابتسامة مرحة: يا درش لو عامل كل ده علشان تتجوز صارحني وأنا هنقيلك بنفسي.
تعالت ضحكات مصطفى، وقال وهو يزيح ما علق بعينيه: مش عارف أيه القناعة والثقة الغريبة اللي عندك من نحيتي دي إنت مش شايف حالتي! جواز أيه ده أنا محتاج أكتب كتابي على سرير مريح في المستشفى!

عاد يقبل يديه مجددًا، هاتفًا باحتجاجٍ: بعد الشر عليك متقولش كده، أنا مبقاش ليا غيرك يا بابا. إنت عيلتي الوحيدة اللي بمتلكها!
بعد نطقه لجملته الاخيرة انهمر الدmع المحتبس بأعين والده، فأسرع بمسحهم وصاح بصوتٍ جاهد لجعله مارحًا: بطل تمارس ذكاء المخابراتية ده عليا يا واد. ويلا قوم غير هدومك وسبني أريح شوية.

انتصب بوقفته يغادر وهو يخبره: ماشي يا درش بس اعمل حسابك من النجمة هتلاقيني عندك بروق الأوضة وهصحيك أحميك بإيدي زي زمان. والمرادي جبتلك شاور وكريمـ.ـا.ت إنما أيه!
ابتسم بمحبة وردد بحـ.ـز.نٍ: أهو أنا بستنى رجوعك علشان الدلع ده.
أشار له وهو يغلق بابه: تصبح على خير يا صاصا.
رد عليه بخفوتٍ: وإنت من أهل الخير يا حبيبي!

تحركت بسعادةٍ كبيرة جعلتها تصغر بالعمر عشرون عامًا، تعلم بأن اغلب نساء الحارة يجدون أمرها مضحك بأنها تمتلك شابًا جامعي، ومن بعمرها يكن أحفادهن بمثل عمر ابنها، فقد جنت ثمار صبرها بعد عشرون عامًا منحها الله عز وجل مكافآة ابنًا بـ.ـارًا كآيوب.

أسرعت الحاجة رقية بتنظيم سفرتها الصغيرة قبل عودة زوجها وابنها من المسجد لآداء صلاة المغرب، فقد تعمدت بصنع جميع أصناف الطعام الذي يحبه ابنها، وما ان انتهت حتى وجد زوجها يدفع باب المنزل مرددًا ببسمته البشوشة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قابلته بابتسامةٍ تناهز خاصته، وبحبٍ عظيم لبت سلامه: وعليكم السلام ورحمة الله.

جذبت المقعد للخلف لتستقبل ابنها الذي يتابعهما بابتسامة مشتاقة، استجاب لها وجلس بمقعده، فبدأت بسكب الطعام بطبقه وهي تردد بفرحةٍ: كل يا نور عيني، إنت راجع خاسس النص!
ضحك بصوتٍ مسموع وشاكسها: ليه يا حاجة هو أنا كنت في الجيش!

أشمر الشيخ مهران كم جلبابه الأبيض، ليشرع بتناول طعامه، فتابع حديثهما ببسمة ظهرت على شفتيه المحاطة بلحية وشارب أبيض ينم عن وقاره: براحة على الولد يا حاجة. سبيه يأكل براحته متضغطيش عليه بالشكل ده.

استدارت إليه بابتسامتها التي عرفت طريق قلب عشقها لسنواتٍ طويلة، وقالت بدهاء الأنثى الماكرة: لو غيران من اهتمامي بالواد أنقل مكاني للكرسي اللي جنبك وأكلك بايديا، بس لعلمك مش هتقوم الا لما تمسح الاطباق اللي قدامك كلها يا شيخنا ها قولك أيه؟
تعالت ضحكاته وهو يشير مبتسمًا: خليكي جنب ولدك الحيلة، أكليه وغذيه براحتك.
وأشار باصبع تحذير لأيوب: اسمع كلام ولدتك يا أيوب. مقدرش على زعل خير وصية رسول الله.

تعمق حبه الكبير بقلب تلك المرأة العجوز، فرددت بصوتٍ هامس: عليه أفضل الصلاة والسلام.
وعادت بوجهها لآيوب، فتناول ما تضعه وهو يشير لأبيه بأنه من المحال النفاد من بين يدي الحاجة رقية، فأشار له الاخير بقلة حيلة وعجزه التام عن مساعدته!

تمدد على بإرهاق على فراشه بعدmا ظل لثلاثون دقيقة يتحدث لفاطمة، وها هو الآن يحظى بفترةٍ راحة بعد رحلته الشاقة، استسلم للنوم سريعًا وبعد دقائق من غفوته القصيرة شعر بثقلٍ جاسمًا فوق رأسه، فتح عينيه بفزعٍ، تلاشى حينما وجدها تتطلع له بعينيها الواسعة وتخبره بوداعةٍ كادت باسقاطه ضاحكًا: مش عارفة أنام بالمكان الجديد ده يا علي.

مال على جانبه ولف ذراعيه من حولها قائلًا بضحكٍ أنفلت رغمًا عنه: وبعد الجواز هتأخديني أنام في النص ولا أيه النظام؟
ضحكت شمس ورددت بمزحٍ: مش هجي معاه هنا أصلًا. عايزيني يتجوزني ويعيش معايا في لندن أنا مقدرش أبعد عنك ولا عن عمران وفريدة هانم.

تحرك جسدها صعودًا وهبوطًا من فرط الضحك، وقال ساخرًا: هو لسه هيتجوزك! شمس حبيبتي انتي مش مستوعبة إنك خلاص بقيتي مـ.ـر.اته، يعني مبقاش فيها اختيارات والشجاعة الجريئة اللي بتتكلمي بيها دي.
وبعد وجهه عن رأسها ليمنحها نظرة مشككة من عينيه الشبه مغلقة: عُمران الوقح اللي مديكي الدفعة دي!

هزت رأسها عدة مرات تؤكد له، وأضافت كمن يبلغ باخلاص عن مجرم حكم عليه بالاعدام شنقًا: قالي أصدرله الوش الخشب بحيث مـ.ـيـ.ـتـ.ـحـ.ـر.ش بيا وأنا هنا في بيته.
صُدm علي وسألها بدهشة: عشان كده جاية تستخبي في حـ.ـضـ.ـني؟!
عادت تهز رأسها عدة مرات، فصاح باندفاع: خايفة من آدهم! ده شخص متربي سبعين مرة!
أغلقت عينيها تستجيب للنوم ورددت بتثاؤب: عارفة بس عُمران قالي الشيطان هو اللي مش متربي!

ربت عليها بحنانٍ وقد نجح بكبت ضحكاته مجددًا، فما أن استسلمت للنوم حتى همس بسخطٍ: هيعقد البـ.ـنت المتـ.ـخـ.ـلف ده!
زفرت بيأسٍ من اقناعه بأن يصلها للمنزل، صمم باصرارٍ أن يجعلها تنتظر بأحد غرف المركز الطبي الخاص بعلي، لحين أن ينتهي يوسف وأحد أطباء المعمل بفحص عينة الدm الخاصة بها.

نهضت مايسان عن الفراش بمللٍ، وفتحت باب الغرفة ثم خرجت تستكشف المكان بنظرة متفحصة، حيث كان يضم عددًا ضخمًا من الموظفين، يستعدون لاطـ.ـلا.ق افتتاح ضخمًا يليق بمركزٍ هام كذلك، وبالرغم من إنه لم يكن على أتم الاستعداد لاستقبال المرضى الا أن علي أطلق تعليمـ.ـا.ت حازمة بعدm قفل المشفى بوجه المرضى، حتى وإن لم يكن الفريق مكتمل وجاهز، يكفي العدد القليل الذي يتولى ادارته يوسف بنفسه.

خرجت مايا للطرقة الطويلة الفاصلة بين غرف المرضى بضجرٍ، ربعت ذراعيها ومضت بطريقها شاردة، فانفكت تكشيرة معالمها حينما رأت من تقف على بعد مسافة منها، اتجهت لها وهي تردد ببسمةٍ واسعة: صبا. مش معقول!
انتبهت لها صبا التي تجلس بالكافيه الخاص بنهاية الطابق، تحتسي كوبًا من العصير، التفتت للخلف فارتسمت ابتسامة كبيرة على ثغرها، لتقابل ضمتها بترحابٍ: مايا!
ابتعدت عنها تسرع يسؤالها الفضولي: بتعملي أيه هنا؟!

ردت عليها وهي تشير على أحد الغرف: أنا هنا مع حمـ.ـا.تي وجمال جوزي. أصل دكتور على صمم إنها تخرج من المستشفى اللي كانت بتعمل فيها العملية وتيجي تتابع هنا، فأنا بقعد معاها يوم وجمال يوم، بس لإن المركز جديد ولسه الافتتاح عليه بدري مش بلاقي حد غير الممرضين والفريق الطبي فبخرج اتمشى بالطرقة وبرجعلها تاني.
هزت رأسها بخفة وقالت: ربنا يعافيها وتقوم بألف سلامة.
رددت بتمني: يا ررب.

وسألتها بنظرة حائرة: وانتِ جاية مع البشمهندس عمران تتمي على الديكور ولا أيه؟
ضمت شفتيها معًا بضيقٍ، ورددت: أبدًا والله انا محبوسة هنا غـ.ـصـ.ـب عني مش بمزاجي.
برقت بدهشةٍ، فتابعت مايا توضح لها: خرجت النهاردة من البيت من غير فطار فدوخت شوية وحصلي اغماء. عمران شبه اللي مصدق وجابني هنا لدكتور يوسف سحب مني عينة دm وحاليًا منتظرين النتيجة ومصمم مرجعش البيت من غير ما النتيجة تطلع ويتكتبلي العلاج اللازم.

ابتسمت بهيامٍ، وكأنها تسمع أحد قصص الروايات الاسطورية: أممم طيب وانتِ أيه اللي يزعلك المفروض تكوني مبسوطة إنه بيحبك وخايف عليكي.
تنحنحت بخجلٍ: ايوه بس الموضوع مش مستاهل.
ردت عليها بابتسامةٍ هادئة: متقلقيش هتكون حاجة بسيطة متستهلش قلقه ولا تـ.ـو.ترك بإذن الله.
واستطردت وهي تتجه لغرفة والدة زوجها: هروح أبص على المحلول عشان لو خلص.
أشارت له بتفهمٍ واتجهت لغرفتها مجددًا.

ولجت لغرفتها فوجدته يغفو على الأريكة المقابلة لفراش والدته، اتجهت صبا إليه تهزه برفقٍ: جمال، جمال!
فرك عينيه يعافر آثار النوم الذي يداعبه: أيوه يا صبا. ماما صحيت؟
أجابته بملامح ممتعضة: لا لسه نايمة.
اعتدل بجلسته وتأكد من اعتدال ملابسه، وسألها باستغرابٍ: أمال بتصحيني ليه؟

وتفحصها بنظرة مهتمة: لو تعبتي ارجعي الشقة انتي وأنا هنام معاها النهاردة. كده كده أنا بشتغل من هنا في مشروع المول التجاري المشترك بيني انا وعمران فمبقتش أنزل الشركة زي الأول.
زمت شفتيها بضيقٍ: على فكرة هو ومـ.ـر.اته هنا.
هو مين؟!
صاحبك عُمران. أصله قلق على مـ.ـر.اته لانها كانت دايخه شوية فجابها بالعافـ.ـية عشان يطمن عليها لإنه قلقان جدًا، شكله بيحبها أوي.

قالتها بنزقٍ لتصل له مضمون كلمـ.ـا.تها المبطن، تنهد جمال بضيقٍ، وكل ما يحاول فعله هو التحكم بانفعالاته متحججًا بحملها وتغير هرموناتها، فقال بهدوء: ربنا يطمنه عليها.
وانحنى يجذب حذائه الأسود، يرتديه ومازالت نظراته مسلطة عليها، زفرت بنزقٍ: أنت رايح فين؟
بالرغم من أنه يحمل لها عتابًا قاسٍ الا أنه حاول أن يبدو طبيعيًا: هروح أشوف عُمران ويوسف وراجع. عن إذنك.

أغلق باب الغرفة واستند بجبينه على جسده، تراه حرم من لذة النوم والاسترخاء في سبيل الاطمئنان على صحة والدته، ومازال جميع من حولها يشغل عقلها، يعلم بأنها ليست بالحاقدة، ولكنها تفتقد من تعيش برفقته ما لا يستطيع فعله، جاهد كثيرًا ليقنعها بأنه ليس الرجل المدلل الذي تربى بين علية قوم الطبقة الآرستقراطية، وليس من يطـ.ـلق سرحات عشقه على لسانه بطـ.ـلا.قة، هو قليل الحديث كثير الفعل، يتمنى أن تخبرها أفعاله بحبها، ألا يكفيها أنه يخاف عليها ويتمنى أن تكون سعيدة دائمًا، حسنًا سيحاول أن يصبح رجلًا متملقًا يخبرها كلمـ.ـا.ت عـ.ـذ.باء ولكنه يخشى أن ينطق لسانه اللازع حديثًا ناعمًا مثل ذلك!

بالمعمل.
هز عُمران قدmيه وقد تشربت بشرته شرارة الغـــضــــب، فصاح بنفاذ صبر: ما تخلص يا يوسف!
التفت إليه يهاتفه بحنقٍ: أنا بحاول قدامك أهو. هعملك أيه ما أنا بقالي ساعتين بقنعك اني مش دكتور تحليل وماليش في الكلام ده مش مقتنع. اصبر خلاص جاك صديقي قرب يوصل.
وإتجه يجلس جواره على الأريكة التي اهتزت من أسفله لفرط حركة عُمران، طرق جمال باب المعمل وولج يردد بتسليةٍ: تجمعك يقلق من قبل ما أدخل.

وجلس بينهما يوزع نظراته تارة لعمران الصامت بغـ.ـيظٍ، وليوسف الذي يشير له بأنه يفعل قصارى جهده لينهي الأمر، وقال بضحكة شامتة: الليلة على أيه؟!
تمدد آيوب على فراشه وبصره متعلق بالفراش المقابل إليه، أدmعت عينيه بشوقٍ إليه، كان يغفو بطمأنينة فور عودة يونس من عمله ليحتل الفراش المقابل إليه.
تقاسما كل شيء، والآن باتت مقبرة دونه، كان يخشى العودة لذلك، والآن الأمر بات اجبـ.ـاريًا وعليه التعامل مع الأمر.

ضمت مصحفها الشريف لصدرها ودmـ.ـو.عها تنسدل على وجهها الشاحب، تتمكن منها الحسرة وتذيقها مرارة القهر والإنكسار، ها هي تختلي بغرفة ابنها كالمعتاد لها، فلا تشعر بالراحة الا جواره، أم الغرفة الثانية فلا تحمل كرهًا داخلها الا لها.

تعد لها باب من أبواب الجحيم، دخولها إليها أبشع كابوس يتردد لها من لحظة ولوج ذلك اللعين من باب المنزل، من خلف ذلك الباب الموصود لا يوجد شيء الا إهانة كـبـــــريـاء الأنثى داخلها، هناك حيث كرهت أنها خلقت أنثى!

خمسة عشر يومًا قضتهم برفقة معشوق طفولتها ومحبوبها، زرع داخل عقلها كيف يكون مسمى الحب؟ وبعدها قُذفت لأعناق جهنم، فوجدت نسخة معاكسة تمامًا ليونس، نسخة بعقل مريـ.ـض، يتلذذ بكـ.ـسر كبريائها قبل أن يُؤلم روحها المعـ.ـذ.بة.
وها هو يُفتح من أمامها، فاندثت سريعًا أسفل الغطاء تحتضن ابنها بخــــوفٍ وتحاول ادعاء النوم قدر ما تمكنت، الا أنه جذب عنها الغطاء وهو يناديها بغلظةٍ: قومي فزي. هتعمليلي روحك مـ.ـيـ.ـتة الوقتي!

رفعت خديجة نفسها عن الوسادة وأجابته برفقٍ وهدوء تحاول التحلي به: معتز أنا تعبانه ومش قادرة أتكلم. ممكن تطفي النور وتخرج.
منحها نظرة ساخطة، اتبعها وابل من السباب المهين وانهاه بجملته الساخرة: مش عايزاني أخدك في حـ.ـضـ.ـني واطبطب عليكي بالمرة! قومي واسمعي الكلام بدل ما أدبك هنا قدام ابنك ولا هيهمني.
صرخت بصوتٍ احتبس داخله القهر: إنت أيه يا أخي مش بني آدm! أنا مبصعبش عليك!

جذبها من خمارها لتقف أمامه، تقابل وجهه الكريه، وبغـــضــــب قال: أنا هوريكي أنا أيه وهنا قدام ابنك يا
استدارت تجاه الفراش فوجدت صغيرها فارس قد استيقظ وتمسك بغطائه يختبئ به باكيًا، نهضت خديجة مسرعة تمسك يد زوجها اللعين تترجاه ببكاءٍ: مش قدام الولد يا معتز. أبوس ايدك مش قدامه!

دفعها بقوةٍ أسقطتها على الحائط، ونزع عنه حزامه الجلد ليهوي بأول ضـ.ـر.بة على جسدها الممزع سابقًا من ضـ.ـر.باته، فصرخت بملء ما فيها وزحفت بكل قوتها لتحاول أن تخرج من الغرفة حتى لا تؤلم نفسية صغيرها الذي يكبت صراخاته خشية من أن يتلقى نفس المصير، الا أنه كان يجذبها من ساقيها ليلقي بها قبالة سرير الصغير متعمدًا تلقينها الدرس قبالة ابنها عن عمدٍ.

بكت وصرخت وترجت، توسلت عديم المروءة ان يرحمها، يرحم صغيرها الذي ينتفض جسده البريء لرؤية ذلك المشهد الدامي، فلم يعبئ بهما واستمر حتى استنزفت قوته فألقى حزامه أرضًا ووقف يمسح عرقه بلهاثٍ مفرط، ثم مال عليها يهمس بفجورٍ: ها تحبي نكمل كلامنا هنا قدامه ولا تقومي زي الشاطرة كده تغيري هدومك المقرفة دي؟
هزت رأسها مرددة بخفوت: هعمل اللي أنت عايزه بس سبني أهديه!

مرر نظراته على الصغير بكرهٍ، وتابع وهو يتجه للخروج: هستناكِ في اوضتنا لو اتاخرتي عن نص ساعه هرجع وأعيد اللي عملته تاني وقدامه. أصل شكل موضوع الضـ.ـر.ب بالحزام ده عاد كيف ليكي!
غادر من أمامها صافقًا باب الغرفة بقسوةٍ، فتمددت على الأرض تبكي بانهيارٍ وصوتها الخافت يتردد: حسبي الله ونعم الوكيل. ريحني منه يا رب.
أسرع الصغير إليها بعدmا تأكد من مغادرته، فضمها ببكاءٍ حارق: ماما!

انزوت بين ذراعيه الضعيفة، وكانت هي بحاجة لضمته أكثر مما كان هو بحاجة لها، لا تعلم كم ظلت هكذا وهو يبعد يده الصغيرة عنها خــــوفًا من أن تلامس اصابات ظهرها البـ.ـارزة بدmاءٍ تنسدل من لحمها الممزق.
ابتعدت عنه تتطالع عينيه بدقةٍ، عينيه الفيروزية التي تشابه أعين حبيبها ووريث قلبها الطاهر، تتفرس بملامحه بكل شيء حمله عن أبيه يونس!، سرها الأعظم الخفي والذي دفعت ثمن بقائه مكتمًا باهظًا للغاية.

مالت على ساق الصغير تبكي مجددًا وتردد بصوتٍ ضعيف هامس: يونس!
فتح عينيه وفرقهما باحثًا بين أرجاء الظلام عن هذا الصوت المنادي، لا يتوهم هو استمع لصوتٍ مكتوم يناديه وليس هذه المرة الأولى.
برق بحدقتيه بدهشةٍ، ورفع أصابعها يتحسس الدmـ.ـو.ع المنسدلة من فيروزته، بدى الذهول يشتت عقله، فكيف تنهمر دmـ.ـو.عه ويـ.ـؤ.لمه قلبه دون ان يبكي، كان منذ قليلٍ يغفو فمن أين أتت الدmـ.ـو.ع الآن!
عاد لمسمعه صوتًا أكثر ضعفًا يهمس: يونس!

استقام على قدmيه ودنى من صنوبر المياه المنزوي بأحد أركان الغرفة يتوضئ ويتجه لتلك البقعة، يتضرع لله عز وجل ويدعو من صمام قلبه أن يزيح البلاء عن ذلك الصوت المتؤلم، فهو اعتاد دومًا على أن أحلامه لم تكن الا رؤيا، فهو على يقينٍ بأن هناك من يستجديه ليدعو له وماذا يمتلك يونس الا الدعاء!

دقائق قليلة مضت ومازال عُمران وجمال يجلسان خارج القسم يتناقشان عن المشروع وخصوصًا بأن العمال ستبدأ العمل من الغد بشكلٍ رسمي، فشـ.ـدد عُمران عليه هاتفًا: خليك جنب والدتك وانا اللي هنزل مع التيم بكره. تابع كل حاجة على الفون وأول لما تخرج أبقى انزل معايا.
كاد أن يناقشه بقراره ولكنه توقف وعينيه مسلطة على يوسف الذي يقترب منهما حاملًا أوراق التحليل بين يده، فأسرع إليه عُمران يتساءل: طمني يا يوسف.

وجهه الحزين اجتاز دوره التمثيلي لدرجة جعلت عُمران يبتلع ريقه برهبةٍ جعلته لا يود سماع ما سيُقال، حتى ردد يوسف بشفقةٍ وحـ.ـز.ن: للأسف الشـ.ـديد آآ...
أمسك جمال كف عُمران بخــــوف، وصاح للاخير بضيق: ما تنطق يا يوسف إنت مش شايف حالته!
حرك كتفيه بقلة حيلة: الطاووس الوقح هيبقى أب.

ارتسمت ابتسامة واسعة على وجه جمال، بينما عبس عُمران بمعالمه في محاولة فهم مغزى الجملة التي لا تتفق مع تعابير وجه يوسف الصادmة، فسأله مجددًا عساه يتوهم: قولت أيه؟
أجابه جمال وهو يضمها بفرحة: هتبقى أب يا بشمهندس، ألف مبروووك.
احتدت عينيه التي تستهدف يوسف، فتراجع للخلف وهو يشير لجمال بخــــوف: أوعى تسيبه يا جمال.
دفع عُمران جمال بعيدًا عنه وهرع من خلفه يصـ.ـر.خ بغـــضــــبٍ: بتستظرف بروح أمك! تعالالي يا حيلتها!

سقطت السماعة المحاطة لرقبته، وصرخ به وهو يدور حول مكتب سكرتيرية الاستقبال: عيب يا عُمران هيبتي هتسقط وسط الدكاترة والمرضى!
أحاط الجانب الاخير ليمنع هروبه مرددًا باستنكارٍ: وقلبي اللي سقط من الدور العشرين ده مالوش صاحب!
وأشار بعنفوانٍ: تعالى بالذوق يا يوسف عشان أنا مش هحلك النهاردة.
أسرع للإتجاه الأخر صارخًا بضحك: اعقل يا وقح!
ابتسم بسخريةٍ وردد: أنا هوريك الجنون على أصوله.

وصعد فوق الطاولة الموازية لمدخل الاستقبال، ملقيًا بجسده إليه فبات قبالته، جذبه من قميصه بعنفٍ، فضمه يوسف وتعلق به قائلًا بجدية: مبروك يا حبيبي. ربنا يكملها على خير.
ربت على ظهره ببسمة صافية، فربت على ظهره مستطردًا بحماسٍ: يلا إطلع فرح البشمهندسة بالخبر ده.
ابتعد عنه يمنحه نظرة ساخرة: فلت مني بمزاجي ها! عشان خاطر الباشا اللي هيشرفنا على إيدك ده.

انتابته البشرة لما هو قادm، فامتعضت ملامحه بضجر: لا بقولك أيه بكفايا عليا أوي هرمونات دكتورة ليلى وغشومية جمال. مش نقصاك أبدًا!
عدل من قميصه بعنجهيةٍ: إنت بمجرد ما تكون الدكتور المتخصص عن حالة زوجة البشمهندس عُمران سالم الغرباوي فأنت كده دخلت تاريخ الطبقة الآرستقراطية من أوسع أبوابها.
لا يا سيدي متشكر أنا أبسط طموحاتي أدخل بيتنا بدري وأريح كام ساعة قبل استقبالي لحالات الولادة المتعسرة.

لوى شفتيه بتهكمٍ: لينا قعدة في شقة دكتور سيف حقنه تخص الموضوع ده، سلام.
تابعه وهو يغادر بدهشةٍ، فوضع يديه بجيوب البلطو الطبي هامسًا بقلة حيلة: شمتهم فينا ووصمتها بيك، ماشي يا سيف!

صعد عُمران للأعلى يبحث عنها بالغرفة التي تركها بها، فاندهش حينما لم يجدها، مر بالطرقة يبحث عنها فوجدها تخرج من غرفة والدة جمال برفقة صبا بعد أن اتبعتها لتقضي واجبها بالاطمئنان على صحتها، إتجه إليها يضمها إليه، ويقبل أعلى رأسها برجفة إلتمستها من كف يده، ارتعبت مايا من طريقته بضمها غير عابئ بمن يحيط به، وكلما حاولت الابتعاد شـ.ـدد من قوة ذراعيه وتحكمه بها، فهتفت بقلقٍ: هي التحاليل طلع فيها أيه يا عُمران؟

ابتعد عنها ومازالت يديه تحاصرها، فمنحها نظرة جعلتها مستعدة لاستقبال ما سيقول بصدرٍ رحب ظنًا من أن الفحوصات الخاصة بها ليست جيدة، ففاجئها حينما وضع يده على بطنها قائلًا بأعين غائرة بالدmعٍ: قريب هتبقي أحلى مامي يا بيبي!
وزعت نظراتها بين كفه المحاط لبطنها ولعينيه باستغرابٍ، فاتسعت ابتسامتها تدريجيًا وبصوتٍ مرتعش تساءلت: بجد؟

هز رأسه يؤكد لها، فاندفعت تلك المرة لاحضانه بـ.ـارادتها والأرض لا تسعها من فرط سعادتها، لتجده يستقبلها بفيضٍ من الدفء والعشق الذي يزداد فيما بينهما.

وهناك على بعد منهما من شاركتها الدmـ.ـو.ع، ولكنها كانت معاكسة لما تخوضه، تشعر بالحـ.ـز.ن على ذاتها، أثرت ردت فعله لاستقبال خبر حمل زوجته بها، لتقارن بين عُمران وزوجها جمال، كانت ملامحه عادية، يظهر بها الفرح ولكن ليس حتى بنصف السعادة التي تراها الآن بعينيها، تقارن كل شيء بأعين الاعتبـ.ـار، فرحته، حديثه، ضمته لزوجته غير عابئ بالمكان الموجود به ولا حتى بوجودها هي شخصيًا، اقنعت ذاتها بأن هناك فرقًا بينهما وأن الجدير لها بأن جمال لا يحبها!

تخفى الليل خشية من ضوء الشمس الساطع، وكأنها كالنيران ستحرق نضارة وجهه، فهبط من غرفته يتجه لمشواره الهام الذي تأجل لحين عودته لمصر، بعد أن وكل أحدًا مؤتمن للبحث حول ذلك الشخص، فاتضح له جُرم ما يحدث داخل ذلك المعتقل، فقرر ان يذهب للقائه بنفسه.
وصل آدهم خارج المعتقلات وبرتبته الخاصة وعلاقاته تمكن من الدخول، فقام بمقابلة صديقه، صافحه بحرارة مرددًا بود: أمجد باشا، ليك وحشة.

صافحه الأخير وعاتبه بلطفٍ: انت اللي مختفي يا سيادة الرائد. بس ما شاء الله مهاراتك ونجاحك واصل ومسمع وخصوصًا بعد مهمتك الأخيرة مع الاسطورة. الجهاز كله معلهوش سيرة غير سيرة المهمة اللي اتتفذت في زمن قياسي دي.

ابتسم وهو يخفي تـ.ـو.تره حول ذلك الموضوع ومواجهته مع قادته فور انتهاء فترة اجازته، فتنحنح مغيرًا مجرى الحديث: كلامنا على الموبيل كان مختصر ومفهمتكش. قولتلي إن اللي ورا حوار يونس مؤمن المقدm سند برهام.

أشار له بالجلوس أمام مكتبه، تاركًا مقعده وانضم للمقعد المقابل له يخبره بصوتٍ منخفض: ده اللي اكتشفته للأسف، من ساعة ما كلمتني بالتليفون وأنا بفتش وبدور لإن السجين اللي طلبت ادورلك عنه ملفه شبه مختفي، والزنزانة اللس مسجون فيها محدش بيدخلها غير سيادة المقدm والعساكر ببقولوا إنه مشـ.ـدد على تربيته بطرق تعذيب بشعة ومحدش فيهم قادر يتكلم أو يعارضه.
وضع قدmه فوق الاخرى وسأله بعد تفكير: ايه اللي إنت شاكك فيه.

رد عليه بصوتٍ شبه هامس: سند يبقى ابن خالة الشخص اللي إنت طلبت أعملك تحريات عنه.
طالعه بدهشة فأكد له مجددًا: ابن خالة معتز البنا اللي هو حاليًا يبقى جوز طليقة يونس. يعني الحوار متسبك يا باشا، سيادة المقدm خدm ابن خالته ولبس يونس التهمه ومكتفاش برميه في الحبس ده متوصي بيه هنا على الأخر.
قبض قبضته بغـــضــــبٍ كاد بتفجير أوردته، وقال وهو يهز رأسه ببسمة مخيفة: حظه الأسود حدفه في طريقي.

وتطلع إليه باهتمامٍ: أمجد ممكن أشوفه.
هز رأسه وهو يتجه به لخارج مكتبه، فاتبعه آدهم فأمر أمجد العسكري بفتح باب الزنزانة.
سئم وهو ينتظرها بالأسفل، مر بالطريق ذهابًا وإيابًا وعمه يتابعه ببسمةٍ ساخرة، فتنهد عُمران مرددًا بانزعاجٍ: حتى الأمهات بتأخد وقت في اللبس!
ضحك أحمد وقلب صفحة الجريدة قائلًا باستهزاء: على أساس إنهم بيندرجوا تحت بند سلاحف النينجا. مهي ست زي أغلب الستات يا دنجوان زمانك!

تأفف بضيقٍ وإتجه للمقعد يرتشف قهوته بنفاذ صبر، فانتبه لصوت حذاء انوثي يدق على درج القصر، استدار إليها ليجدها تخطو إليه بعنجهيةٍ، ترتدي بذلتها الزرقاء الأنيقة، شامخة رأسها كخطوات عارضات الأزياء.
رددت فريدة وهي تعدل ساعتها: أنا جاهزة يا عُمران. يلا عشان منتاخرش.

وقف محله يطالعها بنظرات محتقنة، يبدو وكأنه يصارع عفريته ليصرفه دون ان يتفوه بحماقةٍ، ولكنه لم يتمكن فحك لحيته وهو يردد بهدوءٍ زائف: الجيب ده مش قصير شوية يا فريدة هانم.
انحنت للأسفل تتأمل التنورة التي تصل لبعد ركبتها بقليل، واستقامت تقابل نظرات ابنها بغـــضــــب: إنت من امته بتتدخل في لبسي!

منع شيطانه الوقح من التطاول وردد باحترامٍ: العفو بس انا مش هتحمل نظرة أي راجـ.ـل لحضرتك وأنا جنبك فمن فضلك تغيري الجيب ده.
استفزها تحكمه الغريب لمرته الاولى، فصاحت بعصبية: انت ازاي تكلمني بالطريقة دي اتجننت يا ولد!

نهض أحمد عن مقعده مغلقًا جريدته، واتجه إليهما مقررًا التدخل أخيرًا، فمرر ابهامه على طول ذراعها بحنان: عُمران ميقصدش يقلل من احترامه ليكِ يا حبيبتي، هو غيور عليكِ ومن حقه. هو راجـ.ـل وفاهم نظرات الراجـ.ـل اللي زيه المفروض ده شيء ميزعلكيش وتسمعي لكلامه.

أخفضت بصرها للتنورة مجددًا تعيد تقييمها، فشعرت بأنه محقًا، طرأ لها مقارنة سريعة بينها وبين زوجات أبنائها المحتشمـ.ـا.ت، حتى ابـ.ـنتها المدللة لحقت بهن وباتت هي بمفردها، تنحنحت بحرجٍ لموقفها التي تخوضه لأول مرةٍ، فاستدارت عائدة لجناحها وعادت بعد قليل ترتدي تنورة طويلة تصل لاخر قدmيها.
لم يخرس لسانه الطويل أحدٌ يومًا، لطالما كان طويل اللسان، وقحًا، متفننًا بردوده البـ.ـاردة، ولكن ما نطقت به آشرقت جعلته يبرق لها بصمتٍ تام، لا يتقن حتى برسم بسمة زائفة على وجهه.
مازالت فريدة تقدm سلامها لجمال قبل أن تلحق بابنها، فولجت برفقته للداخل لتصل بالقرب من الفراش، فمدت يدها إليها وبرقةٍ رددت: حمدلله على سلامتك أشرقت هانم.

لوت شفتيها بتهكمٍ، ورددت بصوتٍ لم يكن مسموع الا لعُمران الجالس لجوارها على الفراش بصدmته المطولة: هانم! باينها بـ.ـنت ذوات!
ورفعت من صوتها تجيبها بنزقٍ: الله يسلمك. مكنش له داعي تتعبي نفسك وتيجي معاه. واجبك وصل!
اندهشت فريدة من طريقتها الغريبة معها ولكنها لم تعلق، حتى جمال طاله جزءًا من الدهشة والذهول من طريقة تعامل والدته الذي يشهده لأول مرة، فتنحنح يشير لفريدة بحرجٍ: اتفضلي يا فريدة هانم.

هزت رأسها بخفة وإتبعت اشارته فجلست على المقعد القريب من عُمران، فتدحرجت أشرقت لطرف الفراش وهي تسحب عُمران خلفها هامسة بحنقٍ: أيه الجراءة وقلة الأدب دي، لزقة في الواد قدامنا من غير خشى!
ازداد جحوظ أعين عُمران بشكلٍ مخيف، وكأنه ابتلع الكلمـ.ـا.ت وعلقت بفمه، استدعت حالته نظر جمال وفريدة التي كانت أول من تساءلت: مالك يا حبيبي إنت كويس؟

هز رأسه ومازال صامتًا، ليأتيه همس أشرقت: حبك برص يا بعيدة سيبي الواد لمـ.ـر.اته ولفي على حد غيره!
سعل عُمران بقوةٍ وكأنه يلفظ أنفاسه الاخيرة، فأسرع جمال إليه بزجاجة مياه مرددًا بقلقٍ: إنت مالك النهاردة؟

هز كتفيه اجابه عدm علمه بشيءٍ لما يحدث معه، فوجد أشرقت تميل عليه وتهمس له بحـ.ـز.نٍ: يا ابني أنا بحبك وبعزك زي جمال ابني متخليش العقربة دي تخرب حياتك، ده جمال لسه مفرحني بخبر حمل مراتك ويعلم ربنا فرحتلك من قلبي.
وتابعت وهي تعود لنظراتها المتفحصة بنظرةٍ تقيمية: هي صحيح حلوة وعينها زرقة، بس والله الجمال ما كل شيء، مراتك بردو جميلة وطيبة وبتحبك والله.

استجمع شجاعته الهادرة، وحشـ.ـد بحة صوته الهادرة ليهمس لها بصوتٍ يُسمع بالكد: دي فريدة هانم!
تشـ.ـدقت بنزقٍ: هانم على نفسها يا أخويا، النوع ده مبيتسماش عليه غير عقربة وخرابة بيوت!
ابتلع ريقه بـ.ـارتباكٍ وتمنى أن لا يكون حوارهما مسموع لوالدته، فردد بصعوبة بالحديث: فريدة هانم أمي!
جحظت عينيها بصدmة وعدm استيعاب جعلته يزيد من توضيح الأمور عساها تفهم ما يخبرها به: يعني لا تجوز ليا بأي شكل من الأشكال!

ازدادت صدmتها وانتقلت حالة عُمران إليها، رمش عُمران بشكلٍ مضحك وتابع بجدية مضحكة: أنا بحاول من ساعتها أقولك بس خايف عليكي، إنتي مهما كان لسه خارجة من عمليات!
تعلقت عينيها بفريدة التي بدأت تلاحظ ما يحدث بينهما، وعادت تتطلع لعُمران متسائلة بصوتٍ يجاهد للخروج: متأكد إنها أمك؟!
سؤالًا لا يجده منطقيًا من جميع الزوايا ولكنه أسرع بهز رأسه اجابة لها، فعادت بنظراتها إليها ولسؤاله مجددًا: عندها كام سنة؟

ابتلع ريقه بتـ.ـو.ترٍ من تعابيرها التي لا تبشر: 43 سنة.
اتسعت مُقلتيها صدmة فاشارت إليها باستنكارٍ: دي 43! دي أصغر منك إنت شخصيًا!

أخفض ذراعها واحتضنها سريعًا ليخفي ما يحدث عن والدته حتى لا تنتبه لاشارتها وهمس لها: مش كده يا شوشو فريدة هانم هتأخد بالها، وبعدين انتي عندك فقدان ذاكرة ولا أيه؟ فاكرة لما كنت عندك وقولتلك إنها بتمشي البيت كله على نظام غذائي ومبتسحملناش نأكل أكل فيه دهون لذا بستفرض بأكلك كأني عايش في معتقل.
هزت رأسها بتذكر فأكد لها مجددًا: ده المعتقل بعينه اللي كنت بكلمك عنه بقى!
سألته بهمسٍ خافت: هي مخلفتش غيرك بس؟

نفى ذلك موضحًا: لا على أخويا الكبير وفي شمس أصغر مني.
بصدmة أردفت: كمان! هي لحقت تخلفكم أمته يابني!
ضحك بشـ.ـدةٍ ومال لآذنيها يخبرها: اتجوزت قبل ما تكمل ال17 سنة. احنا عندنا كده البنات بيجوزها صغيرين!
حدجته بنظرةٍ جـ.ـا.مدة قبل أن تصدmه: ما أنا متجوزه عمك الحاج وأنا عندي 14سنة وقدامك أهو شبه برميل الطُرشي!

وتابعت بذهول وصدmة مستها قبل أن تطوله: وتاخد الكبيرة بقى أنا عندي 42 سنه يعني أمك اللي قدامي دي المفروض إنها أكبر مني بسنة!
وتعلقت عينيها بفريدة التي تتابعهما هي وجمال بذهول: طيب ازاي؟! دي مستحيل تكون حملت وولدت! طب بذمتك ذي هتبقى جدة ازاي!
إلتفت عُمران للخلف يقيم والدته بنظرةٍ سريعة، وكأنه أول مرة يراها وقال: مش عارف!
هزت رأسها هي الاخرى: ولا انا!

وابتلعت ريقها بتـ.ـو.ترٍ تخبره: بقولك أيه يا ابني إنت تبطل تخرج معاها عشان محدش يخوض في سيرتك والاحسن تشوفلها واد اين حلال وتجوزها.
ضحك بصوته كله وقال: هي فعلًا متجوزة عمي من كام شهر.
وأخرج هاتفه يقدmه لها قائلًا بمكرٍ: خدي شوفي صوره عشان تبقى صدmتك كاملة!

تناولت منه الهاتف تتفحص صورة أحمد الذي عاهدته شابًا يكبر ابنها بأعوامٍ بسيطة لشعيراته الييضاء القليلة التي تحاط بشاربه وشعره، فصدmها عُمران حينما أخبرها عمره الحقيقي، لذا قدmت له هاتفه قائلة بتعبٍ: كفايا كده عليا النهاردة. انا حاسة إني قلبي هيقف وهيدخلوني العمليات تاني.
تعالت ضحكاته وقال بصعوبة بالحديث: ألف سلامه عليكي يا حبيبتي.

ومد يده لوالدته قائلًا: طيب نستأذن احنا بقى ونبقى نعدي عليكم وقت تاني.
أمسكت فريدة بكفه وودعتها ببسمة جميلة: فرصة سعيدة أشرقت هانم.
وخرجت من أمامها ومازالت أعينها تبتلعها بدهشةٍ، فما أن اوصلهما جمال للخارج وعاد لها حتى تمسكت بيديه وسألته بفزعٍ: البت دي تبقى أمه ولا بيضحك عليا عشان مبلغش مـ.ـر.اته إنه ماشي على حل شعره! قولي الحقيقة!

فهم الآن ما كان يخوضه عُمران من صدmـ.ـا.ت طاعنه، حُلت شفرات حالتهما الغريبة منذ لحظة ولوج فريدة، فتنحنح بخشونةٍ: فريدة هانم تبقى والدة عُمران ودكتور على صاحب المركز ده.

لطـ.ـمـ.ـت صدرها بخفةٍ وتحلت بالصمت لساعة كاملة تفكر بالأمر، وجمال ينظف الغرفة ويتابعها بنظرة قلق إلى أن خرجت من قوقعة صمتها ونادته فأسرع إليها بلهفةٍ فوجدها تخبره بحزمٍ واصرار: اسمع أول ما انزل على مصر تكلمني دكتورة ريجيم وتحجزلي في جيم أنا مستحيل أقبل بالجـ.ـسم المفشول ده لازم أبقى موزة وسمبتيك زي فريدة هانم دي هي مش أحسن مني!

ومسكت ذقنها بحركة شعبية مردفة بخــــوفٍ: ده لو الحاج كان شافها كان رمى عليا يمين الطـ.ـلا.ق!
كبت جمال ضحكاته وقال: جيم أيه يا ماما بعد عملية القلب دي!
أصرت بقولها: هلعب رياضة يعني هلعب محدش هيحوشني عن الوزن المثالي بعد النهاردة!
واجهت فريدة عُمران بسؤالها المباشر: هو في أيه؟ ليه Mamy Jamal باين عليها الانزعاج من زيارتنا؟

كبت ضحكته بسيطرة تامة، واستدار إليها: لسبب بسيط جدًا إنها كانت فاكراني بخون مايا وجايب عشقتي أعرفها عليها.
رمشت بصدmةٍ وهي تحاول استيعاب تلك الجملة الغير مرتبة، فتابع عُمران ساخرًا: مهو يا حضرتك تكـ.ـسري قواعد الدايت بتاعتك يا تبطلي تخرجي معايا أنا أو على خــــوفًا على سمعتنا!
توقفت عن المضي قدmًا واستدارت لتقابله، مردفة بحاجبٍ مرفوعًا: طيب على أوكي لكن إنت والخــــوف على سمعتك من أمته؟

حك جبهته بحرجٍ، وبمزحٍ قال: عفى الله عما سلف يا فريدة هانم.
منحته ابتسامة جذابة وبحبٍ كبير قالت: أنا فرحانه بتغيرك وباللي بقيت عليه يا عُمران. عارف أنا عمري ما أنسى اليوم اللي فضلت فيه جانبي. كنت مذهولة ومش مستوعبة أن الشخص التقي ده هو نفسه عُمران ابني المشاكس.
ابتسم وهو ينحني يقبل كف يدها باحترامٍ، فربتت على خصلاته الطويلة بحنانٍ، وسرعان ما ابتعدت مردفة بمزحٍ: خليك بعيد عشان سمعتك يا بشمهندس.

انطلقت ضحكاته الرجولية بقوةٍ، وأشار لها بحركةٍ آرستقراطية راقت لها: فريدة هانم!
هزت رأسها بامتنانٍ وانطلقت تسبق خطاه حتى خرجت برفقته للاستقبال فتوقفت تخبره بمكرٍ: عُمران روح إنت لشركتك. أنا هفضل بالمركز شوية. عايزة أطلع على تصميم مكتبي وأشوف مايا نفذت اللي طلبته منها هي والفريق ولا لأ.
هز رأسه وقال: طيب يا حبيبتي لما تخلصي رني عليا وأنا هجي أوصلك.

ردت عليه ببسمة هادئة: متشغلش بالك بيا. هبقى أكلم السواق أو أحمد.
فهم رغبتها بالعودة برفقة زوجها، فمنحها وقتها الخاص دون ان يضيق عليها، فطبع قبلة على رأسها وأردف: زي ما تحبي، خلي بالك من نفسك.

أومأت براسها بخفة، فارتدى عُمران نظارته السوداء واستدار لينطلق لسيارته فتفاجئ بصبا تدلف من باب المركز، وعلى ما يبدو بأنها كانت تتبعه برفقة فريدة التي تعرفت عليها فور رؤيتها، فقد سبق لها رؤيتها حينما كانت بزيارتها الاولى برفقة جمال يوم الوليمة التي أعدتها مايسان وفاطيما.
وجدته يرنو إليها، وما أن أصبح قبالتها وضع عينيه أرضًا وقال بابتسامةٍ مرحبة: مدام صبا أزيك؟

منحته ابتسامة صغيرة وقالت: أنا بخير الحمد لله. دي فريدة هانم مش كده؟
هز رأسه وقال موضحًا: أيوه كنا فوق عند والدة جمال ولسه نازلين من شوية.
رن هاتفه فأطلع على اسم المتصل، فكان حسام سكرتيره الخاص فتنحنح هاتفًا: عن إذنك لازم أتحرك للشركة حالًا.
تنحت جانبًا وأجابته: اتفضل.
إتجه لسيارته قادها لشركته، وتبقت هي تتطلع عليه مرددة بحـ.ـز.نٍ: حتى أمه واقف يحـ.ـضـ.ـنها ويدلع فيها. الشخص ده أيه!

وتابعت صعودها للأعلى وعقلها شارد بالتفكير بمقارنتها حول رؤيته برفقة زوجته بالأمس وبما رأته الآن.
انتهى من مقابلة ادارة المشفى، ومر على زمائله بشوقٍ لأيام عمله بهذة المشفى، فإذا بهاتفه يزف له مكالمة معشوقته.
جلس على بالاستراحة الجانبية وحرر زر الاجابة مرددًا بابتسامةٍ مشرقة: صباح السعادة والجمال على أجمل قمر طل من لحظة ما فتح عيونه يستقبل نهاره!
وصل له صوت ضحكتها، وقالت على استحياء: وحـ.ـشـ.ـتني يا علي.

أغلق عينيه بقوةٍ وهمس: الرأفة بقلب على المسكين!
وتابع معاتبًا: هو أنا يعني كان لازم أسافر عشان أسمع منك الكلام اللي يوقع القلب ده!
أنا بحس إني مراهق لأول مرة يا فطيمة!
المشاعر اللي معشتهاش في مراهقتي وكنت بحس إني مختلف ومش طبيعي زي باقي الشباب جيتي إنتِ وأقمتيها حرب عليا وعلى كل مشاعر اتدفنت جوايا!

سماعه لصوت أنفاسها العالية كفيل بجعله يتخيل مظهرها والخجل يكتسح ملامحها، فابتسم وقال: سكتي ليه يا قلب علي؟
تنحنحت بخفوت: بسمعك!
تقبل خجلها بصدرٍ رحب وأبدل حديثه: إنتِ فين؟
ردت عليه: أنا تحت بستنى زينب بتلبس ونازلة، أصل أنكل أحمد أصر يوصلنا في طريقه. هي للجامعة وأنا للشركة.
سألها بدهشةٍ: ومايا فين؟
وصل له صوت ضحكتها وطربته بصوتها الخجول: أصل عُمران منعها تنزل الشركة تاني.
=ليه؟

آآ. أصلها أغمى عليها امبـ.ـارح وأخدها عملها تحاليل فطلعت حامل.
بفرحةٍ كبيرة تساءل: بجد؟
أكدت عليه وهو تلهو بحقيبتها بخجلٍ: آه. فرحتلها أوي. البيت كله سعيد بالخبر ده وبالأخص فريدة هانم.
ابتسم وهو يهمس لها بصوتٍ أربكها: عقبالك ما قلب علي. ساعتها فرحتي هتكتمل.
تنحنحت وأسرعت تخبره بـ.ـارتباكٍ: زينب نزلت. يلا سلام.

ولم تنتظر سماع وداعه لها وأغلقت سريعًا، فتعالت ضحكاته وهو يراقب شاشة هاتفه باستمتاعٍ، فبحث عن رقم شقيقه وحرر اتصاله ليبـ.ـاركه بذاته فأتاه صوته المتلهف يخبره: على حبيبي وحـ.ـشـ.ـتني أوي. كنت لسه حالًا هطلبك عشان أفرحك. أخوك هيبقى أب وهتبقى أنت عمو علي. جهز نفسك يا دكتور!
انطلقت ضحكاته الصاخبة إليه وصاح مازحًا: واحدة واحدة. خد نفسك وانت بتتكلم. ثم إن أخبـ.ـارك بقت قديمة أوي.

وتابع بغــــرورٍ: الخبر وصلني من بدري يا بشمهندس.
=أممم. العصفورة لحقت تبلغك!
أجمل وأحلى عصفورة بالكون كله. هتعارضني؟
=الله يسلهو يا دكتور! المهم أنا كنت هكلمك عشان أخد رأيك في حاجة بخصوص فاطمة.
اعتدل على بجلسته وسأله بجدية: اتكلم.

أتاه صوت عُمران الجادي يخبره بقلقٍ واهتمام: يوسف قالي إن مايا عندها مشاكل بسيطة يعني انيميا وضغطها وا.طـ.ـي ومحتاجه ترتاح عشان شهورها الأولى من الحمل، وبالتالي منعتها تنزل الشركة وفاطمة من النهاردة هتنزل لوحدها فمش عارف يا على هتقدر تتأقلم من غيرها ولا أيه. خصوصًا إنها هتكون بديلة مايسان وهتنزل معايا في بعض الاحيان للموقع. إنت رأيك أيه؟

تنهد براحةٍ فقد ظن بأن هناك أمرًا خطيرًا متعلق بصحتها، فقال بعدmا صمت قليلًا يستعيد ثباته: هي فاهمه وعارفة ده كويس، ومدام لبست ونزلت النهاردة من نفسها يبقى هي وثقت فيك وعلى فكرة ده كان باينلي من قبل ما أخد قرار السفر ويمكن ده السبب اللي خلاني أسافر وأنا مطمن، فطيمة بدأت تثق فيك وفي اللي حوليها من البيت يا عُمران وده في حد ذاته تقدm كبير في حالتها.

واستطرد بلهفة وتـ.ـو.تر: خد بالك منها وراعي حالتها زي ما وصيتك.
أجابه الاخير بوعدٍ صادق: متخافش يا علي. فاطمة عندي في غلوة شمس والله. متقلقش عليها طول ما هي معايا، وبعدين بقى إنت هتأخدني في دوكة ومش هتقولي أيه الرسالة اللي كلها تهديد دي؟
تذكر على رسالته التي أرسلها بالأمس إليه وصاح بوعيد: كويس إنك فكرتني. أنت أيه اللي مهببه في شمس ده يا وقح! البـ.ـنت مكنتش، عايزة تسبني أنزل للمستشفى ومرعوبة من آدهم!

ضحك بملئ ما فيه وقال: برا?و. حبيبة قلب أخوها اللي بتسمع كلامه دي تتشال على الراس وتستاهل العربية الجديدة اللي طلبتها.
=بقى كده! عُمران إنت عايز تخرب جوازة أختك؟
بالظبط كده.

وبضيقٍ قال: بصراحة يا على جوايا غيرة رهيبة معرفش سببها. إنت أزاي بـ.ـارد كده! شمس هتسبنا يا على مش هتعيش معانا تاني. مش هنعرف نشوفها كل يوم ولا نخدها في حـ.ـضـ.ـننا وتتدلع علينا وقت ما تعوز فلوس أو تتحامى فينا من فريدة هانم لما ترتكب غلطة، أنت ليه مش قادر تتخيل إن هيكون ليها حـ.ـضـ.ـن وسند غيرنا!

ضم مقدmة أنفه بقلة حيلة وهتف بحنقٍ: عُمران إتلم بعيد عن البـ.ـنت لحد ما أرجع وأعالجك يا حبيبي. لإن بعد اللي سمعته ده يؤسفني أقولك إنك مريـ.ـض نفسي!
أغلق الهاتف بوجهه ونهض ليتجه للخروج من المشفى بعدmا أنجز نصف مهمته باختيار عشرة أطباء ماهرون، فمر على الاقسام بطريق خروجه، حتى مر من أمام قسم النسا والتوليد.
أخفض عينيه أرضًا وتابع سيره ولكنه توقف فور سماعه صوتًا أنوثي يناديه: علي!

ألتفت خلفه فتفاجئ بها تقترب منه وعلى وجهها ابتسامة واسعة، غير مصدقة بأنها تراه أمامه، فرددت بسعادةٍ: مش مصدقة بجد إني شايفاك، إزيك يا على أيه نسيتني ولا أيه؟
ردد وهو يتطلع لها بدهشةٍ: يارا مش معقول!
ابتسمت إليه ورددت بسخرية: طبعًا ما انت مصدقت مروان خـ.ـطـ.ـفني منك فخدتها زعله ومبقتش بتسأل عليا، هان عليك العشرة والصداقة يا علي؟

تنحنح بحرجٍ لتذكر ذلك الجزء المتطرف من حياته، لا ينكر بأنه كان هناك مشاعر داخله تخصها، بالنهاية كانت خطيبته وستصبح زوجته، وحينما اختار قلبها مروان ابن عم الجوكر مراد زيدان(رواية الجوكر والاسطورة)، فتركها تعيش مع من أحببت وتخصص هو بالحالات التي كانت تعالجها يارا بإحدى المستشفيات النفسية، بعد طلبها منه بأن يكون محلها لانشغالها بالتجهيز لزفافها من مروان.

تذكر كيف كان يتألــم وحينها ظهرت فاطمة بحياته لتداويه وتجعله يقارن بين مشاعره تجاه يارا ومشاعر الحب الذي ولد داخله، فأصر وقت عودته إلى لندن أن ترافقه فاطمة لتكون حالته الخاصة بعد أن كانت الدكتورة يارا مسؤولة عنها.
أفاق من غفلته على صوتها المنادي: روحت فين يا علي؟
اعتدل بوقفته يجيبها بابتسامة هادئة: معاكي أهو. المهم طمنيني عنك.
وأشار بمرحٍ على بطنها المنتفخ: ولد ولا بنوتة هتورث موهبة مامتها الدكتورة.

ضمت بطنها بلينٍ وقالت: بنوتة. وعلى فكرة معايا ريان عنده سنتين ونص.
اتسعت ابتسامته وقال بفرحة صادقة: بجد؟
أشارت بيدها على من يخطو إليهما يستند على يد والده: أهو.
استدار على تجاه إشارة يدها فوجد مروان يقترب منهما بملامح منزعجة، كونه رجلًا يتفهم سبب ضيقه لذا طوال الفترة الماضية لم يحاول بأي شكل من الاشكال التواصل مع يارا، مع أنها كانت تحاول الحديث معه للصداقة والعشرة الطويلة بينهما.

قدmتهما يارا لبعضهما قائلة: مروان. شوف قابلت مين بعد السنين دي كلها. دكتور على الغرباوي فاكره؟
منحه نظرة مشتعلة وقال: من الأشخاص اللي مستحيل تتنسي.
ضم على شفتيه بحرجٍ، يحاول قدر الامكان التخفيف من حدة الاجواء فقال وهو ينحني ليداعب شعر الصغير: ما شاء الله تبـ.ـارك الله أيه الجمال ده كله.
وحمله إليه ثم طبع قبلة على وجنته، ثم قال: شكل مروان بالظبط. ربنا يحميه ويبـ.ـاركلكم فيه يارب.

وقدmه لفارس الذي التقطه منه يجيبه ببرود: تسلم، عقبالك!
أجابه بتمني: يا رب.
تفاجئت يارا بدبلته السوداء المحاطة لاصبعه فسألته باهتمام: إنت خطبت ولا أيه يا علي؟
ضحك وهو يتطلع لدبلته قائلًا باعتزازٍ غريبًا: اتجوزت، ومش هتصدقي مين.
بلهفةٍ قالت: مين؟ أكيد دكتورة من زمايلنا.
هز رأسه يبدد تخميناتها وقال: اتجوزت فاطيما يا يارا.

اندهشت وشاركها بدهشتها مروان الذي بدى أكثر راحة حينما سمع بأمر زواجه، فسألته يارا باستغراب: ازاي يا علي، إنت عارف حالتها كويس!
ابتسم وهو يجيبها بهيامٍ بسط لمروان ولها قصة عشقهما المختصرة: الحب دفعني وساعدني أعالجها، هي كمان استقوت بحبي ومسكت فيه بكل قوتها. هي كانت محتاجلي وأنا كنت محتاجلها أكتر من احتياجها ليا.

اتسعت بسمتها ونظراتها تحيط بزوجها بعشقٍ تدفق إليها حتى بوجود علي، ورددت بحبورٍ: إنه العشق يا دكتور علي. ما أنا سبقتك.
وعادت تطلع إليه تتساءل باهتمامٍ: طيب قولي أنت لسه بتشتغل في نفس المستشفى اللي كنا فيها بلندن ولا اتنقلت؟
عدلت من جاكيت بذلته وأجابها بثباتٍ: لأ. رجعت المستشفى بتاعتي وحولتها لمركز طبي لجميع التخصصات علشان كده أنا هنا في مصر بجمع الفريق الطبي بنفسي.

شجعته بفخرٍ: برا?و عليك يا علي، ربنا معاك ويوفقك يا ررب. والله لولا البلونة دي كنت سافرت وجيت حضرت الافتتاح بس إن شاء الله تتعوض ويكونلي زيارة ليك أنا ومروان والاولاد على اعتبـ.ـار ما سأكون ولدت. ولا أيه يا مروان؟
تلك المرةٍ رسم ابتسامة حقيقية بعدmا تأكد من اندراج العلاقة بينهما لعلاقة زمالة عادية، وصافح على بحرارة: أكيد طبعًا هنيجي ونهني، مبروك الجواز والافتتاح يا دكتور.

سعد على كثيرًا لتلقي تلك المصافحة المعبرة عن تلاشي صخور الماضي، فكم كان حانقًا على تصرفاته بالماضي ونزاعه التي وصل للتطاول بينه وبين ممروان فحينما تعقل وجد ذاته هو المخطئ ومن لم يخطئ جميعًا بشرًا ولسنا بملاكٍ بأجنحتين.
ودعهما على وغادر للسيارة التي تنتظره للعودة لمنزل آدهم والراحة تغمره وتحيط به لتلك المقابلة.

ولجت للجامعة بـ.ـارتباكٍ يحيطها، فبالفترة الماضية امتنعت عن الذهاب خاصة بعد ما حدث لسيف، وها هي تضطر للعودة بعد أن أخبرها أحمد بأن يمان قد هرب من لندن بعدmا اتهمه سيف بما أصابه، وتسجيلات الكاميرات الخاصة بها خدmت أقواله فخشي أن تكتشف الشرطة اعماله الغير شرعية لذا فر هاربًا.

أحاط كفها ذلك الخاتم المندث بسلسالها الذهبي، وبداخلها تشعر بذنب الاحتفاظ به دون معرفة صاحبه، فحينما كانت تنتظر أمام غرفة العمليات خرجت احدى الممرضات تقدm لها ملابس وأغراض سيف الشخصية، فلمحت ذلك الخاتم الفضي المحاط بفص أزرق كانت تراه بيد سيف على الدوام.

لا تعلم لما احتفظت به وطوقته بعقدها الذهبي ليظل يلازمها، والآن وجودها بالجامعة تشعر بأنها تحتاجه دونًا عن أي وقت، فكمشت يدها حول السلسال الطويل الظاهر من أسفل حجابها.
كانت بطريقها للصعود للطابق المخصص لفصلها، فما أن صعدت لمنتصف الدرج حتى وجدته يهبط للأسفل حاملًا كتبه وأغراضه.

تعالت خفقات قلبهما كالقرع، يجزم كلاهما بأن الأصوات كانت منصوبة للآدان ولجميع من بالحرم الجامعي، هبط سيف إليها ببطءٍ وبابتسامةٍ اهلكتها قال: عاملة أيه يا زينب؟
رمشت بتـ.ـو.ترٍ وأجلت أحبالها الصوتية بصعوبة: كويسة. الحمد لله.
وبترددٍ قالت وعينيها تشير لذراعه المحاط بالجبيرة: وإنت؟

هز ذراعه المصاب قائلًا بمزحٍ: أهو امتحنت بايدي التانية مع إن خطي مكنش يتشاف ولا يتفهم في ورقة الامتحان بس ماشي الحال. المهم نعدي السنة دي بقى.
وسألها بفضولٍ: أول مرة تنزلي الجامعة من بعد اللي حصل؟
هزت رأسها وردت بتـ.ـو.ترٍ: أيوه. عم دكتور على قالي إن الحارس اللي كان بيراقب يمان شافه بيهرب هو ورجـ.ـالته بعد ما اتهمناه باللي حصلك واللي عمله معايا قوى من الموقف.

بدى الانزعاج والضيق متوغلًا بملامحه وقال بحدةٍ: فلت منها ابن ال. بس مصيره هيرجع ووقتها هأخدلك حقك منه وقدام عينك يا زينب.
ارتبكت بوقفتها أمامه، مازال مصرًا أنها تخصه رغم رفضها له، وللحق بداخلها شعور يغمرها بالسعادة، فأشارت له بتـ.ـو.تر: عن إذنك زمان محاضرتي بدأت.
تابعها وهي تصعد للأعلى، وقبل أن تنجرف للطابق ناداها، استدارت له فوجدته يبتسم لها ويخبرها: هستناكِ تحت. خلصي وانزلي على طول.

كادت بالاعتراض فقال سريعًا: هعزمك على آيس كريم.
وتابع بغمزة أفتكت بصمودها: بال?اتيليا زي ما بتحبي.
حاولت الاعتراض أو الحديث فسبقها مجددًا: متقلقيش عما تخلصي محاضرتك هكون إستأذنت من دكتور علي.
وتركها وغادر ومازالت تقف محلها تتأمل الفراغ بصدmة من اتخاذه للقرار واصراره بتنفيذه وابلغها بأنه سيأخذ الأذن وكأنه يخبرها بأن لا عليها سوى الحضور!

صعد آدهم مبنى الجهاز، طالبًا بإصرار مقابلة الجوكر، فجلس بالمكتب الخارجي قبالة الساعة والنصف حتى وصلت الاوامر بالسماح له بالدخول لمكتبه.

طرق آدهم باب المكتب وولج للداخل بخطواتٍ بطيئة حتى وصل قبالة مكتبه، كان يستند بساقيه على المكتب، ويسترخي بمقعده بتعبٍ بعد انتهائه من التدريب، فتح زرقة عينيه يتأمل ذلك المرتبك بنظرةٍ مستمتعة، وردد بخشونةٍ وهدوء مخيف: شكلك مش لطيف وإنت واقف مرعوب ومهزوز قدام القائد بتاعك!
ونهض عن مقعده يلف من حوله حتى يقف قبالة آدهم متابعًا بحدةٍ: وأنا تلاميذي معلمتهمش يواجهوا أي مشكلة بالخــــوف والجبن!

ارتبك آدهم وبدى غير مستجيب الفهم لما يحدث، هل يواجه غـــضــــبه لما فعله بلندن أم ان هذا الغـــضــــب لرؤيته يخشى عقوبته؟!
طرق مراد على سطح مكتبه بقوةٍ ليفق آدهم من شروده على صوته الهادر: إنت جاي ليه طالما معندكش اللي تقوله!
ازدرد ريقه بحرجٍ: باشا أنا عارف إني غلطت وعرضت حضرتك لموقف محرج مع القادة بس مقدرتش أسيب صديقي محتاج لمساعدتي ومساعدوش حتى لو كنت شخص عادي كنت هساعده.

ضيق عينيه الزرقاء ومال يستند على حافة مكتبه، يتفحصه بنظراتٍ تجوبه من الأعلى للأسفل، وبعد صمتًا طويلًا قال: لو مكنتش ادخلت كنت شكيت في قدراتك!
رفع آدهم عينيه إليه بصدmة فوجده يبتسم له، مستطردًا بمكرٍ: رحيم حكالي على اللي حصل.
وتابع وهو يقابل مُقلتيه بنظرةٍ واثقة: واحد بتدريبك البسيط قدام الاسطورة وقدرت توازنه في المهمة الصعبة دي، ده يخليني أنا والقادة نثني عليك، انا نفس كنت فخور إنك من تلاميذي.

ورفع يده يربت على كتفه وهو يتجه لمقعد مكتبه بخطواته الواثقة: متقلقش تنفيذك للمهمة بالدقة والبراعة دي نفى عنك أي غـــضــــب.

احتل مقعده بهدوء لم يكن داخل ذلك الذي يتابعه باندهاشٍ، فابتسم مراد وقال بخبث لا يليق سوى بالجوكر مراد زيدان: عارف إن رحيم رعـ.ـبك مني ومن مواجهة القادة. خليني أقولك إن ده جزء من تدريبك أو بالمعنى الأوضح مينفعش أشوف ابني بيرتكب شيء يفوق قدراته وأقف أشجعه إنه يعيد نفس اللي عمله مع إنه مش غلط، هكتفي بس أنبهه أنه مينفعش يقوم بالتصرف ده الا لما يكبر ويكون عنده الخبرة الكافية اللي تخليه يقدر يتصرف من غير ما يرجعلي. فهمت يا عمر؟ ولا تحب أقولك آدهم زي ما بتحب؟

اتسعت ابتسامة آدهم بفرحةٍ، وكأن جبالًا مرسخة انزاحت عن كتفيه، فاندفع تجاه مراد الذي نهض يستقبل ضمته الرجولية والاخر يهتف بفرحةٍ: فهمت. فهمت يا باشا. وأوعدك هنفذ كل الأوامر زي ما تجيني.
ربت على ظهره بقوةٍ تليق بجسده الصلب: كده يبقى الدرس وصل. يلا متنشغلش عن عروستك وجهز فرحك ومتنساش تعزمني.
هز رأسه بسعادة واحترامًا لشخصٍ بمهارة الجوكر: أكيد طبعًا...

واسترسل بحرجٍ: أنا كنت جاي لحضرتك عشان أخد رأيك في شيء عرفته عن المقدm سند برهام، وأنا هيكون من الصعب اتدخل لحل موضوع زي ده.
أشار له بالجلوس قبالته وردد بوجوم: إنت ليه مُصر تدخل نفسك في حوارت مش بتاعتك يا آدهم؟

جلس قبالته يجيبه بحـ.ـز.نٍ: صدقني يا باشا ربنا سبحانه وتعالى اللي عمل كده عشان يرفع الظلم عن شخص بيعاني على إيده ومش بس هو في كذه سجين بيمارس عليهم طغيانه. الموضوع مش سهل ومحتاج لمساعدة حضرتك فيه.
أنصت له جيدًا فأشار له بضيقٍ لسماع من يعاني ظلمًا، أكثر ما يثير غـــضــــبه أن يستغل كل ذي منصب منصبه لفعل السوء لذا فمن المؤكد أن آدهم اختار الأنسب ليخلص يونس عن مظلمته!

خاب أملها، ظنت بأن الاختبـ.ـار المنزلي ربما يخالف ذمته والآن تحمل بيدها تقرير الفحص من المعمل الخاص بالمركز الطبي لابنها، يؤكد لها مئة بالمئة إنها تحمل بجنين.
وقفت فريدة تنتظر سيارة أحمد شادرة، عينيها تدmعان تأثرًا بما يخطر لها بفعله، هي تعلم بأنه ذنبًا فاضحًا ولكن ماذا بيدها تفعله!

تظن بأنها جريمة أن تحتفظ بجنينٍ وهي بذلك العمر، ابـ.ـنتها من المفترض ستزف عروسًا بعد أيامًا وابنها ينتظر جنينًا قريبًا، كيف ستواجه الجميع بذلك، وما صدmها الإن بأنها بنهاية الشهر الثاني من الحمل لذا عليها سرعة التحرك قبل أن يكبر حجم الجنين.
تناست ما تفكر به لحظة رؤيتها لسيارة أحمد تقترب منها فرسمت ابتسامة مصطنعة وصعدت جواره تفكر بتمعنٍ بما ستفعله.

تابعت فاطمة عملها بمهارةٍ، وشعور الأمان يروداها بوجود عُمران بمكتبه تاركًا الباب الفاصل بين الغرفتين مفتوحًا بينهما، كما ان سماحه لها بالعمل بمكتبها واطلعه على ما تنتهي منه كان يريحها كثيرًا.
انتهت من مراجعة حسابات الميزانية المتعلقة بالمشروع فاتجهت اليه تطرق الباب المفتوح، فرفع رماديته لها يشير: ادخلي على طول يا فاطمة.

هزت رأسها بخفة ووضعت الملف من أمامه، تخبره بصوتٍ بدى مندهشًا أو مصعوقًا: المشروع هيتكلف 78مليون دولار!
صدmة قولها جعلته يرفع عينيه عن الاوراق ويتطلع لها ببسمة ساخرة: طيب وفيها أيه؟
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ: هو إنت مسمعتش المبلغ كويس ولا أيه؟
أزاح نظارة النظر عنه وقال ببسمة مشاكسة: قوليلي يا فاطمة أنتي ت عـ.ـر.في إني ليا شركاء معايا في المعمار والشركات؟

هزت كتفيها بحيرةٍ، فقال موضحًا: أنا مش لوحدي. فريدة هانم شريك ب10في المية وشمس ب10 ومايا ب10في المية وعلى جوزك ب20في المية وإنتِ كمان شريكة ب10في المية اتنقالك الأسهم بمجرد ما بقيتي واحدة من عيلة الغرباوي.
وتابع بعنجهية مصطنعة: انا ليا الحصة الاكبر 40 في المية لأني انا اللي بدير وبكبر رأس المال عشان كده تلاقيني مغــــرور حبتين.
رددت بتلعثمٍ وضيق: أنا مش عايزة حاجة! آآ.

قاطعها بحزمٍ: مش بمزاجك يا فاطمة دي كانت وصية بابا اللي يرحمه لزوجاتنا. هو فرض وشيء مقدس بالنسبة لعيلتنا، فريدة هانم لما اتجوزت من بابا اتنقلها الأسهم بشكل تلقائي. زي ما تقولي ده نظام عيلتنا.
وتابع وهو يقدm لها الملف: المهم انا هعمل شيك بالمبلغ ولما يوصل نبدأ على طول بإذن الله.

هزت رأسها بصدmة تخيلها أن أحدًا سيحمل مبلغًا كهذا، فتابع بعدmا تذكر شيئًا هامًا قد يفيد أخيه بعلاج فاطمة: بقولك أيه يا فاطمة أنا بكره عندي عشاء عمل مع شركة ستون، هنروح أنا وجمال وهيكون في كذه حد من السكرتاريه. أيه رأيك تيجي معايا؟
صمتت قليلًا تفكر، ثم قالت على استحياءٍ: طيب ممكن أسأل على وأرد عليك بليل لما نرجع البيت؟
ابتسم باحترامٍ وقال: طبعًا. طبعًا تقدري ونص كمان.

ضحكت على طريقته بالحديث واستأذنت بالانصراف فعاد هو يتابع عمله بتركيزٍ، إلى أن ولج إليه حسام متجهمًا يخبره بخــــوفٍ: مستر عُمران.
زفر بمللٍ والتف بمقعده المتحرك: يا نعمين يا حسام! لخص بالقنبلة اللي ناوي ترميها في وش أمي!
أتاته القنبلة من خلفه تندفع تجاه المقعد المقابل له، يردد ببرودٍ يشبهه: ازيك يابن فريدة؟

أنصت لباب المعتقل يُفتتح من جديدٍ، ونفس الفلاش يضاء عليه، وكأنه يؤكد لها بعودة بصيص الأمل إليه رغمًا عنه، فتفرس بملامح من يقف أمامه وقال باستغرابٍ: رجعت تاني ليه يا باشا؟
انحنى آدهم إليه وقال بصوته الرخيم: يونس إسمعني كويس. إنت خلاص براءة ولو عايز تخرج معايا حالًا هخرجك بس ده أنا مش عايزه.

رمش باهدابه عدة مرات وردد بعدm تصديق: أخرج منين! يا باشا حاول تستوعب إن خروجي من هنا هيكون على القبر، صدقني مستحيل يسبني أخرج.
أمسك بيده وجذبه لينهض قبالته يصيح به بصوتٍ قوي: يونس فووق ومتفقدش إيمانك بربنا عز وجل، أنا هنا قدامك بقولك هخرجك وهأخد حقك ده وعدي ليك ووعد عمر الرشيدي دين في رقبته ليوم الدين. أنت متعرفش أنا مين ولا أقدر اعمل أيه!

وتابع والاخير يتطلع له بأعين دامعة لا تصدق سماع ما يقول: أنا مش ظابط عادي يا يونس، بقولك أنا واللي ورايا قدرنا في 24ساعه نثبت برائتك وخلاص مبقاش في شيء يدينك بس خروجك من هنا مش ده هدفي ولا اللي أنا عايزه.
أنا مش فاهم حاجة يا باشا؟
اوضح له ببسمةٍ ماكرة لا تليق الا بضابط تربى وترعرع على يد الجوكر المزعوم: يوم واحد يا يونس! يوم واحد هتستحمل فيه الألــم وبعده تخرج وإنت محقق انتقامك.

وصاح بصوتٍ كان كالسوط لذلك الهزيل: قولي عايز تخرج من هنا مزلول وعايش في عناء نفسي لحد ممـ.ـا.تك ولا عايز تنتقم وتشوف حقك بيرجعلك؟
انهمرت دmعة حملت معاني القهر من حدقتيه فصاح بصوتٍ مكلوم: هنتقم منه ازاي يا باشا ده رتبة كبيرة وأنا آآ.
قاطعه بعنف: عايز تنتقم ولا تخرج حالًا معايا؟

أخفض عينيه أرضًا ورفعها لذلك الملاك الذي هبط يحل عنه عقدته التي نغزته وجردته من كرامته وكبريائه ورجولته وردد باصرار: عايز حقي يا باشا!
ابتسم له آدهم وتابع بصوتٍ جهوري مخيف بخطته للقضاء على ذلك اللعين: يبقى تفوق وتسمعني كويس في اللي هقوله!
جلست بحـ.ـز.نٍ وضيق يتمرد على وجهها الأبيض، تمر بها الساعات ولم تيأس من انتظاره، تجوب الشرفة كل ساعة تقريبًا على أمل قدومه، عينيها متعلقة على باب الشقة بلهفة وحـ.ـز.ن.

لأول مرة تشعر بأنه يعني لها كثيرًا، اعترفت آديرا لذاتها بأن ما بداخلها لآيوب ليس مجرد شعورًا بريء، هي بالتأكيد تحبه!
انفرجت ملامحها فور أن استمعت لصوت طرقات باب المنزل، ركضت بسرعةٍ هائلة تفتح الباب وهي تهتف بسعادةٍ: آيوب!

تلاشت ابتسامتها حينما وجدت إيثان أمامها، منحها ابتسامة صغيرة وقال: آيوب ذهب مع أبيه للمسجد وطلب مني أن أصل لكِ هذا الطعام وأن أخبركِ بأنه لن يستطيع القدوم اليوم لإن عائلته قد أتت للترحاب به. ربما بالغد يستطيع الحضور.
غلبها الحـ.ـز.ن فالتقطت منه الأكياس وقالت بصوتٍ محتقن بالدmـ.ـو.ع: أخبره فقط أن لا ينساني هنا.

انتقل لإيثان حبها الكبير لآيوب فارتبك للغاية لشعوره بقدوم كارثة ستحل على ابن الشيخ مهران الذي عشقته فتاة أجنبية غير محتشمة، ولكنه برع في تزيف بسمة وقال: حسنًا سأخبره.
ورحل من أمامه، فحملت الاغراض ووضعتها على الأريكة ثم ولجت لغرفتها ترتمي على الفراش وتردد بخفوت: لا أريد شيئًا الا رؤيتك آيوب! ما حاجتي لتناول الطعام وإنت لست جواري تشاركني به!

وضعت الحساء على النار ووقفت تتابعه، حتى تسلل لها صوت زوجها الغاضب الذي يصيح بعنفٍ: إنتي يا فين المرهم اللي كنت جايبه الاسبوع اللي فات، هو إنتي وابنك القرد ده مبتسبوش حاجة في حالها أبدًا.
أغلقت خديجة النيران وهرعت إليه تشير له: ثواني وهجبهولك.
صفق باب الخزانة بغـــضــــبٍ، فاهتزت بقوةٍ جعلت جزءًا من ملابسها يسقط أرضًا أسفل قدmيه، فالتقطت عينيها شريط الدواء الملقي باهمالٍ.

سقط قلب خديجة وجحظت عينيها حينما انحنى يلتقط الدواء ويقربها منه، ومن ثم اقترب منها بأعينٍ حمراء كلهيب الجمرات يتساءل بهدوء قـ.ـا.تل: ده أيه؟
تعلم بأنه يعرف كنايته لإنه يلجئ له كثيرًا ليخفي أمر تعاطيه للسموم والمـ.ـخـ.ـد.رات التي يرتشفها فيلجئ لحبوب منع الحمل ليخفي عن دmائه تعاطيها أثناء أداء عمله الحكومي.
تراجعت خديجة للخلف وهي تشير له ببكاءٍ وخــــوفًا قـ.ـا.تلًا: آآ، أنا. آآ.

هوى على وجهها بصفعة ابادت الدmاء عن شفتيها من قوتها وصرخ بها بسباب بذيء: انتي أيه يا بقى انتي مش عايزة تخلفي مني أنا! ده أنا اشتريتك يا رخيصة، سترت عليكي وخدتك على عيبك وكتبت ابن ال باسمي عشان ميخدش عار أبوه والناس تعايره بأن ابوه في السـ.ـجـ.ـن واخرتها تحرميني من الخلفة طول السنين دي يا فاجرة يا.

وهوى عليها بصفعات متتالية وهو يصـ.ـر.خ بجنون: لسه بتحبيه ومش قادرة تنسيه يا بـ.ـنت ال أقسم بالله لاقــ,تــله وأقــ,تــلك انتي وابنك.
بكت وصرخت بانهيار: حـ.ـر.ام عليك بقى، طلقني وارحمني من اللي أنا فيه. معتش في شيء تاني هقدر أقدmهولك. طلقني واتجوز واحده تخلفلك الولد اللي انت بتتمناه لكن أنا بكرههك ومستحيل هقبل أخلف منك ولو حصل همـ.ـو.ت نفسي ومش هيهمني حد ولا حتى ابني اللي بتهددني بمـ.ـو.ته ليل نهار.

وبصرخٍ يفوق الاخر قالت: سمعت أنا بكررررهك وبقرف من نفسي بسببك!
جن جنونه فسحب حزامه وهوى عليها بضـ.ـر.بات قـ.ـا.تلة جعلتها تتمايل أرضًا فاقدة للوعي، فركلها بقوة وهو يصـ.ـر.خ: والله لأوريكِ يا زبااااالة. وهتشوفي.
غادر من امامها وتركها تغوص بدmائها، فشعرت بلمسات يد تحمل المياه لوجهها، فتحت خديجة عينيها المتعبة ببطءٍ فوجدت ابنها يحاول افاقتها وهو يبكي بخــــوفٍ.

استقامت بجلستها وضمته إليه مرددة بهمس: يا رب ارحمني يا رب، يا رب إحفظه ورجعهولي هو أملي الوحيد يا رب، هو اللي هيخلصني من عـ.ـذ.ابي، يا رب لو كان مـ.ـيـ.ـت فأقبض روحي واجمعني بيه ولو لمرة واحدة!
ونهضت تتكئ على الحائط بصعوبة، ثم جمعت جزء من ملابسها هي وابنها، وارتدت اسدالها وخرجت به من المنزل، تتحامل على نفسها بصعوبة، فسألها الصغير ببكاءٍ: هنروح فين يا ماما؟

انهمرت دmـ.ـو.عها تأثرًا، توفت والدتها ولم يعد لديها أحدٌ سوى الله، مشت جواره وهي تجيبه بانهيار: مش عارفة!
وجدت قدmيها تتبع طريق منزله، هو الوحيد الذي لم يرد بابه بوجه أحدٌ، طرقت خديجة باب منزل الشيخ مهران، وما أن انفتح الباب حتى استسلمت لغشاوتها وسقطت فاقدة للوعي، ليهدر بها من يقف أمامها بدهشة: خديجة!

انحنى آيوب تجاهها بصدmة من رؤية وجهها الملطخ بالدmاء، خرجت لمرتها الاولى دون نقابها على عجالة للنجاة بحياتها وحياة الصغير، وها هي تستسلم لغيمتها السوداء وقهرها الملازم لها بعد ان تفرقت عن محبوب طفولتها وأمانها الوحيد، يونس!
صعق من الحالة المذرية التي أصبحت عليها، وجهها مكدوم بقوةٍ وكأن زوجها كان بعركةٍ ذكورية مع رجلٍ يجابهه بنفس قوته الرجولية، إن كان البادي من وجهها أمامه هكذا ماذا عن جسدها؟!
منحها نظرة ساخطة وهي تحاول الاعتدال بين ذراعي والدته التي تحاول أن تساندها لغرفة آيوب فنطق ساخرًا: بقى ده الراجـ.ـل اللي اختارتيه وفضلتيه على أخويا!

رفعت خديجة عينيها الباكية إليه، ورددت بألــمٍ نساء كبت داخل أعتى قلوبهن ليتمسد بقلبها هي: ظلمت يونس لما حطيته في مقارنة مع أشباه الرجـ.ـال يا آيوب!
جحظت عينيه صدmة من جملتها التي شملت معنى مبطن جعله مرتعب حول شكوكه فيما يتعلق بها، تراجع للخلف وهو يتمنى أن لا يكون المفهوم الذي تسلل إليه صحيحًا، فاستدعى صوته الهادر يسألها: تقصدي أيه؟!

صرخت به رقية بانفعال: إنت لسه هتتكلم. اجري هات الدكتور بسرعة مش شايف حالة البـ.ـنت!
مالت خديجة على يد رقية ورددت بصوتٍ هامس وهي تشير على ابنها الذي يقف جوار باب المنزل ببكاءٍ: ابني يا حاجة رقية، ابني أمانة في رقبتك إنتِ والشيخ مهران.
ومالت على ذراعيها فصرخت رقية بفزعٍ بآيوب: هات الدكتور بسرعه يا آيوب.

امتعضت ملامحه رويدًا رويدًا وهو يتأمل من يجلس قبالته ببرودٍ يستفز كل خلية داخله، ألقى عُمران قلمه الأنيق على سطح المكتب باهمالٍ متسائلًا ببرودٍ يحاول التمسك به: خير يا نعمان باشا. أيه اللي حدفك علينا؟ ولا رجلك خدت على المطرح!

رفع قدmه فوق الأخرى بتعالٍ وأشعل غليونه الثمين يسحب أنفاسه ويطـ.ـلقها بوجه ذلك المحتقن ويجيبه: دي مقابلة تقابل بيها خالك! صحيح ما إنت ابن فريدة أكيد مفتقد لتربية راجـ.ـل يعلمك إزاي تحترم الأكبر منك.
احتجز وحشه الوقح داخله، فقد سئم أن يكون سليط اللسان وبعدها يتمزق نـ.ـد.مًا وعتابًا لما باح به، فقال بهدوءٍ وأسنانه تعتصر شفتيه: معلش بقى ما أنا زي ما إنت عارف يتيم الأب.

وبألــمٍ احتشـ.ـد بنبرته الثابتة قال: مكسبتش فيا ثواب وربتني إنت ليه يا خال؟
تلاشت ابتسامته المنتصرة ليحتضر شبحه الغاضب، فتغاضى عن سخريته وقال: أنا جيتلك بنفسي عشان أبلغك إني هكون معاك في مشروع المول التجاري اللي إنت داخله. أصلي ميخلصنيش إسمك يتهز لما يتعرف إنك داخل مع اللي إسمه جمال ده!

وتابع بعنجهيةٍ: الولد ده شكله غـ.ـبـ.ـي ومبيفهمش أنا سبق وحذرته وقولتلك ينسحب لكنه مُصر يكمل، تمسكه بالمشروع خلاني أصدق احساسي إنه مستغـ.ـبـ.ـيك ولفف عليك عشان مصلحته وإنت زي الأهبل سايبله اللجام وهو ساحبك بشطارة.
احتدت رماديته بغـــضــــبٍ قـ.ـا.تل، فضم شفتيه معًا يكبت لفظه النابي الذي كاد بالتحرر من عرين سبابه، فتحلى بجموده وقال مستنكرًا: هو بردو اللي مصاحبني مصلحة!

أخفض ساقيه وصاح بعصبيةٍ: قصدك أيه يابن فريدة؟ بقى دي أخرتها بدل ما تشكرني إني خايف عليك وجريت جري أحذرك منه!
لم يهتز به شعرة لعصبية الاخير وأجابه بنفس هدوئه: أنا ممنون جدًا لنصيحتك الغالية دي وعشان أنا أهبل وبريالة هسلمه أغلب المشاريع اللي أنا داخلها.
وبخبثٍ محترف قال: مهو مينفعش واحد عبـ.ـيـ.ـط يمسك مشاريع بالضخامة والأهمية دي لوحده لازم حد ذكي وملوع يسانده.

أصابه بسهامٍ واحدًا تلو الأخر، لدرجة جعلته يشعر وكأنه سيشتعل من فرط النيران، فصرخ بعصبية محتقنة: طب إسمع بقى يابن فريدة. أنا عملت بأصلي وجتلك أطلب منك ندخل شركة في المشروع والظاهر إني كنت غلطان لما فكرت أجيلك بالادب والاخلاق فاستحمل بقى الاسلوب الرخيص اللي هلعب بيه معاك. أوعدك أن في ظرف أسبوع المشروع ده هيكون تابع لشركاتي.

اتشح ببسمةٍ ثابتة أربكت من أمامه، وقال بثقةٍ ورزانة: عيب يا نعمان تهددني في مكتبي. ده إنت أكتر واحد عارف إن محدش بيقدر يقف قدام الطوفان لآن أول واحد بيحاول يحرك البوابة السد بيتقلب فوقه.

ونهض عن مقعده المحتفظ بجاكيت بذلته واتجه جالسًا قبالته على المقعد الذي يفصل بينهما طاولة قصيرة، ثم ردد بنظرات مشتعلة: من كام يوم رفضت اتعامل مع العملا اللي سحبوا عروضهم من شركاتك لمجرد انسحابي من إدارة الشركة الأم. كان ممكن أقبل بالعروض دي وأنا متأكد إنك بعدها كان هيتخرب بيتك بس أنا معملتش كده. مش عشان القرابة ولا لإني خايف من رد فعلك العبـ.ـيـ.ـط زي ما أنت متخيل!

رمش نعمان بتـ.ـو.ترٍ وخاصة حينما استطرد بصوتٍ قوي، واثق، ويده تشير على مقعد مكتبه المهيب: عشان أنا لما بقعد على الكرسي ده بتنافس بنزاهة وشرف، وموصلتش لكرسي مجلس الادارة من فراغ يا نعمان، أنا كنت في أولى جامعة وبنزل مع العمال أنفذ المشاريع بنفسي، أنا متقن أوي لحركاتك وبقولك لو هنقضيها تهديدات يبقى متزعلش من رد الفعل.

نهض عن المقعد يغلق زر جاكيته البني على بطنه السمين، وهدر بانفعالٍ: كده. ماشي يا عُمران والله العظيم لانـ.ـد.مك على وقاحتك وغــــرورك ده.
وتابع بنبرةٍ زلزلت الأخير وحشـ.ـدت جنونه: صحيح مايا حامل! مبروك عليك بس خليك حذر آآ...
نعمان!

ابتلع باقي جملته حينما واجه زئير أسدًا مخيفًا مازال يلتف حول ساقه أغلال تمنعه من إلتهام لحمه حيًا: أقسملك بالله يوم ما تفكر تلمح مراتي بطرف عينك بس أو أي مخلوق من عيلتي همد صوابعي في عينك أصفيها.
وألقى المقعد من أمامه بجنون يراه لأول مرة لدرجة جعلته يتراجع للخلف بخــــوفٍ: إنت أيه يا أخي شيطان! ليه مصمم تخرج أسوء ما فيا! يلعن أبو الفلوس والثروة والمنصب اللي تخليك و بالشكل ده!

فور سماع فاطمة لصوت صراخ عُمران هرعت لباب المكتب الفاصل بينهما، فوجدته يقف قبالة خاله يحاول تنظيم أنفاسه المسموعة بأنحاء المكتب، يحاول التشبث بجموده ولو للحظات يخرج بها ما كبت داخله، فقال بصوتٍ مرتعش رغم صلابته: إنت ينقصك أيه عن أحمد الغرباوي؟ هو عمي وإنت خالي، يعني المفروض إنت اللي تكون قريب لينا عنه.

وأشار لرأسه بألــمٍ: العقل بيقول إن اللي يطمع فينا هو عمي. لإن الثروة دي اغلبها راجع لأخوه وبالرغم من كده عمره ما طمع ولا حقد علينا، دايمًا كان جنبنا.

وتابع وقد لمعت دmعة خائنة بمُقلتيه: صحيح أنا تعبت كتير لحد ما كبرت اسمي رغم آني متعداش ال25 سنة بس اللي آنت متعرفوش إن اللي ساعدني وأخدني لاول الطريق كان عمي، كان بيساعدني بدون ما أعرف، أنا لسه بس من كام شهر عارف الحقيقة، اكتشفت إن هو اللي كان بيرشح اسم شركتي وبيدعمني بدون ما أعرف، هو شـ.ـد ايدي لاول الطريق وإنت عايز تقضي عليا وواقف بتهددني بمراتي اللي هي بـ.ـنت أختك يعني لحمك ودmك. وبتهددني بردو بابني اللي المفروض يكون في مقام حفيدك!

تحجر حلقه بمرارةٍ وخاصة حينما استطرد عُمران بو.جـ.ـعٍ: طول عمري بستغرب ليه بتكرهنا أوي كده، مسبتش حاجة الا وفكرت فيها! أنا زمان وأنا طفل كنت بفرح أوي اول ما بلاقيك داخل وبتحـ.ـضـ.ـنا حتى وأنا واثق إني أول ما هبص ورايا هشوف فريدة هانم. وعارف إنك بتأخد اللقطة قدامها عشان تبينلها انك حنين على اليتامى والجدير إنها تسلمك ادارة شركات سالم الغرباوي، وبالرغم من إنها منخدعتش وراك الا أنك مستسلمتش ولسه بتحارب لحد اللحظة دي.

وتنهد بضيقٍ وهو يسأله بسخريةٍ: مجاش الأوان إنك تستسلم بقى؟!
وأشار بيده إليه: أنا بس عندي عتاب أخير ليك. إنت كل خلفتك بنات ليه مفكرتش تكسبني لصفك وأكونلك الولد اللي اتحرمت منه؟
رمش بعينيه بصدmة، فتابع عُمران بضحكة صاخبة: أووه آسف أنا وقح وتقريبًا أكتر شخص إنت بتكرهه في حياتك طب وعلى يا خالي؟

رفع عينيه إليه فاستكمل عُمران بألــمٍ: على راجـ.ـل ومحترم وطول عمره بيعاملك كويس برغم افعالك ليه محاولتش تكسبه هو لصفك؟ ليه كارهنا أوي كده.

وصرخ به يخرج ما كبت بداخله منذ أن كان طفلٍ لا يتعدى عمره التاسعة: قولي أيه اللي يخلي شخص يحقد على طفلين أيتام! أيه اللي يخلي شخص يكره أطفال لمجرد إن باباهم سابلهم ورث وثروة كبيرة! أيه اللي يخليك تكون أعمى عن فريدة هانم اللي كانت بطولها ووراها تلات أولاد. ليه محاولتش تكون ليها الأمان والسند، ليه محاولتش تخدها في حـ.ـضـ.ـنك وتقولها متخافيش عيالك عيالي ومالك مالي...

وابتسم رغم انهمار دmعاته: بس إنت معملتش غير بالمقولة الاخيرة المال! بالرغم من إنك بتمتلك ثروة كبيرة إلا إنك أفقر خلق الله. وفي يوم هتكون ذليل ووقتها مش هتلاقي حد جنبك.
وضم يديه معًا له يخبره برجاء مؤلم: من فضلك متحاولش تظهر في حياتي تاني، أرجوك ابعد عننا وعني أنا بالذات عشان أنا مبقدرش أسيطر على لساني ولا أفعالي. فمش هسكتلك. بسببك أنا بقيت بكره نفسي في كل مرة بحاول أكون على مستوى وقاحتك!

وأشار لباب مكتبه بعنفٍ: اخرج ومتورنيش وشك تاني، وخليك على ثقة إن عُمران الغرباوي مش صيده سهلة عشان تدخل مكتبه وتهدده بأهله. خاف مني عشان أنا أبشع مخلوق وقت غـــضــــبه، خاف وإبعد يا نعمان والا أوعدك هخليك تحصل الأشراف من أجداد عيلة الغرباوي ووقتها مش هترحم عليك ثانية واحدة!

غادر من أمامه بخطواتٍ ثقيلة، وكأنه تلاقى لوح خرصاني فوق رأسه، فما أن أغلق الباب من خلفه حتى انحنى عُمران يلقي بذراعيه ما وُضع فوق مكتبه، لا يهمه حاسوبه، هاتفه، لوحات مشروعه، أوراقه الهامة، لقد تخلت عنه ثقته وقيادته، هو بالنهاية شخصًا عاديًا.

جلس باهمالٍ على مقعد مكتبه، يحاول موازنة أنفاسه، بداخله هاجس يحسه على أن يدmره وليريه ماذا سيتمكن من فعله أمام نفوذه؟ وأخرًا يعاتبه بصلة القرابة التي لم يتخذها ذلك الآرعن ضمن حساباته!
التقطت آذن عُمران صوت شهقات خافتة تسرى من نهاية الغرفة، رفع رماديته فتفاجئ بفاطمة تقف على أعتاب باب مكتبها الجانبي، الذعر والقلق يحتلان ملامح وجهها بتمكنٍ.

لعق شفتيه بـ.ـارتباكٍ من حالتها الغامضة، خشى أن تؤثر فيها حالته الهائجة، صوته الصاخب، دفعه للأغراض، بالنهاية مازالت غير متزنة نفسيًا، تنحنح عُمران وهو ينهض عن مقعده يلملم الاغراض الساقطة بحرجٍ: فاطيما. إنتِ هنا من أمته؟
فجأته حينما اقتربت منه تساعده بحمل الأغراض، وتعيد تنسقيها على مكتبه بهدوءٍ غريب اتبعته حتى بمغادرتها لمكتبه.

ألقى بثقل جسده المسكين على مقعد مكتبه الرئيسي، يضم مقدmة أنفه بعصبيةٍ من ظهوره بتلك الحالة أمامها، لقد وعد أخيه بأن يراعي حالتها النفسية والآن لا يعلم حتى ماذا أصابها؟ فقد غادرت صامتة ولم تنطق بحرف يطمئنه بأنها على ما يرام.
مرر يده على جبينه بتعبٍ، فداعبت أنفه رائحة القهوة التي يحتاج لها وبشـ.ـدةٍ في ذلك الوقت، أشاح يده ليتفاجئ بفاطمة تضع الكوب أمامه وتجلس على أحد المقعدين المقابلين له.

تناول عُمران الكوب وتناوله جرعة واحدة، وكأنه يرتشف دواء مسكن لو.جـ.ـعه القطعي، وما أن وضع الكوب للطبق حتى ردد ببسمة هادئة: شكرًا، كنت محتاجلها اوي القهوة دي في وقتها بالظبط!
واستند بجسده العلوي على المكتب يستحضر كلمـ.ـا.ته المشتتة: فاطيما انا آسف على اللي حصل من شوية آآ.
قاطعته حينما قالت بابتسامةٍ هادئة: أنا اللي بعتذرلك على دخولي المفاجئ. أنا سمعتك بتزعق فجيت عشان أشوفك وبصراحة اتصـ.ـد.مت من اللي سمعته.

وبتـ.ـو.ترٍ قالت: تسمحلي أقولك حاجة.
اعتدل بجلسته بجدية: أكيد يا فاطمة اتكلمي.
سحبت نفسًا طويلًا جعله يشعر بصعوبة ما ستلفظه بالنسبة لها، فقالت وهي تفرك أصابعها بطريقةٍ لفتت نظره: لما حصل معايا اللي حصلي ده وقتها كنت مهزومة وحاسة إني شبه الأموات.

انهمرت دmعة ساخنة على وجنتها ترافق قولها: حسيت إن مبقاش فارق معايا شيء. حتى نجاتي من المكان نفسه مكنش فارق معايا. بس أكتر شيء علم معايا بطلوعي من المكان ده كانت حاجة واحدة.
بحذرٍ تساءل رغم عدm رغبته بفتح حديثًا قد يتعبها: حاجة أيه؟

رفعت عينيها إليه تخبره بصوتٍ مهزوم: الغُلب والاستسلام، كنت مغلوبة على أمري ومستسلمة تمامًا إني هخرج من المكان ده لدرجة إني حسيتهم كائنات مخيفة صعب حد يقدر يتغلب عليهم، مبقتش أفكر ولا أتأمل في حد لإن أكتر إنسان كنت متأملة فيه بسببي أتأذى وإتحمل اللي أسوء من المـ.ـو.ت علشاني. كل ده ضعفني وخلاني أثق إن مفيش حد يقدر يهزمهم لحد ما إتبددت الفكرة دي كليًا لما شوفت بعيوني ناس أقوى منهم بيقضوا عليهم بمنتهى السهولة، وكانوا بيقعوا واحد ورا التاني قدام رجـ.ـا.لة ظابط من المخابرات إسمه رحيم زيدان.

وتنهدت وهي تستكمل: ساعتها استوقفني خلاصة لحياتنا، خــــوفي الكبير منهم خلاني أشوفهم شياطين صعب حد يقدر عليهم وببساطة جيه الأقوى منهم وهزموهم بمنتهى السهولة، عشان كده خليك واثق إن مهما كان تجبر وظلم اللي قدامك هيجي اللي هيتجبر ويدوس عليه، ده القانون والعدل اللي أكد عليه ربنا سبحانه وتعالى.

وبثقةٍ قالت: أنا واثقة إن هيجي اليوم اللي يجيلك فيه مزلول وهيفتكر كل اللي قاله وعمله. يمكن يبنلك نـ.ـد.مه ويعتذر ويمكن يكون مغــــرور بس الأكيد إنه القلم اللي هيفوقه هيفضل فكره طول حياته.

وابتسمت وهي تستطرد: عايزة كمان أقولك بطل تقول عن نفسك إنك وحش. لإن مفيش إنسان سيء هيشوف الوحش اللي جواه، على زمان قالي الشخص القوي هو اللي مـ.ـيـ.ـتهربش من الذكريات المؤلمة اللي جواه وبيحاول يتهرب منها. الشخص القوي بيواجه نقاط ضعفه بكل قوته. وانا من وقت ما عرفتك شايفاك واقف صامد ومعترف إنك كنت غلط وشايف الوحش جواك وعندك القوة تواجه اللي أخطئ في حقك وتقوله إنت غلط. فإنت مش شخص سييء أبدًا.

أسبل بدهشةٍ من سماعها، فاجلي صوته الراحل عن حنجرته وردد بصدmة: هو أنا ليه حاسس إن على أخويا اللي قاعد قدامي!
رددت بعنجهيةٍ ساخرة: من عاشر القوم بقى!
تفردت ابتسامته وتحولت لضحكة مسموعه، ونهض يشير لها: طب يلا نرجع القصر يا مدام على الغرباوي!
رفعت ساعة يدها إليها، وبدهشةٍ قالت: بس لسه ساعتين على المعاد الرسمي!

ارتدى جاكيته والتقط مفاتيح سيارته قائلًا بمرحٍ: أخوكي المدير وجوزك شريك وليكي نسبة محتاجة واسطة أكتر من كده أيه عشان تخلعي بدري!
هزت رأسها باقتناعٍ وعادت إليه بحقيبتها، فهبطوا الدرج واتجه لسيارته، وكعادته فتح لها الباب الخلفي فاستقرب به وهي تشكره بامتنانٍ.

زوجها، أحمد، عُمران. رجـ.ـال المنزل بأكملهم يحترمون ظرفها الخاص، فلم يضايقها أحدًا منهما يومًا وهو ما ساعد على كطبيبٍ بإعادة جزء من ثقتها. الأحترام والتفهم من رجـ.ـال عائلته والحب والاحتواء من زوجة أخيه وشقيقته ووالدته.
استجابت للطبيب الذي يجاهد لاستعادتها الوعي، تشعر بألــم بذراعها فتفحصته فوجدت الآبر الطبية ينغرس به، ويدها الأخرى يتشبث بها صغيرها ودmـ.ـو.عه تهبط دون أي صوتًا وكأنه اعتاد احتباس بكائه.

استمعت للطبيب يخبر الشيخ مهران بضيقٍ بدى لها: المفروض متسكتوش على اللي حصلها ده يا عم الشيخ مهران. لازم تقدmوا بلاغ فيه دي مش أول مرة أجي وأعالجها، لو ناويين تعملولها أنا هظبطلكم التقرير ومن دلوقتي.
أخفض الشيخ عينيه ومال برأسه تجاه فراشها وقال: القرار بايدها هي يا دكتور. أنا مقدرش أغـ.ـصـ.ـبها على شيء دي حياتها وهي حرة فيها.

تهاوت دmعاتها العاجزة بانهيارٍ، تتذكر الثلاث مرات التي أتت بهم لمنزل الشيخ مهران حينما اشتدت بها الآلآم وفاقت حد تحملها فأتى نفس الطبيب يعالجها، واستغرقت بمرتها الأولى قبالة الشهر لا تفارق الفراش ومرتها الثانية استغرقت خمسون يومًا، واليوم لا تعلم بعدmا انكـ.ـسر أضلاعها كم ستستغرق تلك المرة!

كان آيوب يقف أمام باب الغرفة يستمع بدهشة للطبيب، بينما خديجة مازالت شاردة بابنها، لقد نطقها صريحة بأنه سيقــ,تــل صغيرها، ابنها الذي ضحت بنفسها لأجل حمايته فإن كانت عودتها إليه ستشكل خطرًا عليه فما سيرغمها على العودة للجحيم.
خرجت من صمتها هادرة بقوة تعجب بها الجميع: جهز التقارير يا دكتور، هنقدm البلاغ والمرادي مش هتنازل عن حقي أبدًا!

دعمها الطبيب لشفقته الشـ.ـديدة عليها: ده الصح يا بـ.ـنتي. ده بني آدm همجي مكانه في السجون.
وإتجه ليغادر مرددًا: أستأذن انا يا شيخ مهران.
أشار له الشيخ واتبعه للخارج، فحدج ابنه بنظرة مندهشة من تسمره محله تاركًا والده يصطحب الطبيب للأسفل دون أن يطالبه بالبقاء والهبوط برفقة الطبيب هو، كان أمره غامضًا للشيخ مهران ولكنه تخلف عنه واتبع الطبيب للاسفل ليقصد احدى الصيداليات لاحضار الدواء.

استغل آيوب مغادرة أبيه ونادى والدته يخبرها بحدة: ادخلي يا حاجة قوليلها تلبس النقاب عشان عايز أتكلم معاها كلمتين.
جففت يدها بالمنشفة وقالت بحـ.ـز.نٍ: مالك بيها يا آيوب سبها في حالها يا ابني، بكفايا اللي جوزها عامله فيها.
شـ.ـدد بحزمٍ تعهده رقية لاول مرة: ماما من فضلك ادخلي نبهيها إني داخل والا مش هتبع الاصول وهدخلها حالًا.

هزت رأسها باستسلامٍ وولجت تخبرها، ثم خرجت تخبره: قولتلها. بس بالله عليك يا آيوب ما تزعلها البت غلبانه ومش حمل أي و.جـ.ـع. أنا هروح اكمل طبيخ وانت مطولش جوه عشان ميصحش. مش عايزين مشاكل مع أبوك.
اكتفى بتحريك رأسه لها، وطرق باب الغرفة فما أن استمع لآذنها حتى ولج قاصدًا فتح الباب على مصراعيه وإلتقط مقعد ووقربه من باب الغرفة ليكون هناك مسافة كبيرة بينهما.

طالعته خديجة من خلف نقابها، تنتظر ما سيقول بفضولٍ، انزاحت نظرات آيوب عن الأرض وتعلقت بالصغير، تجعد جبينه بشكلٍ ملحوظ وهو يدرس تفاصيل ملامحه بشكلٍ جعلها تضمه لصدره بخــــوفٍ، فابتسم ساخرًا وقد تأكدت شكوكه: شكله اوي على فكرة.
برقت بعينيها صدmة، ومع ذلك حافظت على ثبات نبرتها: شكل مين؟

أخفض وجهه للاسفل، ويديه تفركان بعضهما بقوةٍ، وردد بصوتٍ جهوري مخيف: يا رب الشكوك اللي في دmاغي متكنش صح. لآنها لو صح وخرج يونس من السـ.ـجـ.ـن هيقــ,تــلك؟
وبشكلٍ صريح صاح: ابن مين الولد ده يا خديجه؟

انهمرت دmـ.ـو.عها تباعًا وصوت بكائها جعل مُقلتيه تتسع بجنونٍ، فنهض عن مقعده يصيح بعصبية: انتِ أيه يا شيخة! معندكيش قلب! اتخليتي عن الانسان الوحيد اللي حبك وقدmلك كل شيء بدون مقابل، صدقتي عنه اللي اتقال وبعدتي عنه لمجرد انه اتحبس وانتي متأكدة إنه اتحبس ظلم. طـــعـــنتيه في نص قلبه وجاية دلوقتي بتكملي عليه!
وتابع بغـــضــــب كالجحيم قــ,تــل داخله طيبته وقلبه الناصع: بأي حق تنسبي ابنه لراجـ.ـل غيره؟! بأي حق!

الولد مكتوب بإسمه يا آيوب وأنا معايا شهادة الميلاد الأصلية يا ابني!

قالها الشيخ مهران المستند على باب الغرفة بعكازه، وبين يده يحمل حقيبة الأدوية، خطى لداخل الغرفة يضعه على الكومود البني واستقام قبالة ابنه المصدوم يخبره بقلة حيلة: اسمع يا ابني كلنا. خديجة دفعت التمن وأغلى من اللي دفعه يونس. الفرق بينهم إن ابني راجـ.ـل وقادر يتحمل اللي بيجراله ده لو كان عايش واللي قدامك دي ست عاجزة تدافع عن نفسها، بلاش تيجي عليها يا آيوب كفايا اللي شافته واللي شايفاه يا ابني.

ازدادت صدmـ.ـا.ته بشكلٍ جعل وقفته مهزوزة، فوزع نظراته بينهما وهي يحاول ايجاد سؤاله المناسب: آآ، إنت بتقول أيه يا بابا؟

بثباتٍ وعمق قال: الحقيقة يا ابني اللي عرفتها بعد طـ.ـلا.ق خديجة من أخوك، معتز خـ.ـطـ.ـف خديجة وطلع بيها عند دكتور شمال كان هيسقطها وهددها إنها لو متابعتش اجراءات الخلع هتخسر اللي في بطنها، حاولت تهرب أكتر من مرة ومعرفتش وبالنهاية استسلمت وقررت تحافظ على اللي في بطنها، ولما كسبت القضية نفذت اللي طلبه منها وقالت للكل إنها متقدرش ترتبط بواحد رد سجون، وطبعًت كانت صدmة ليا ولينا كلنا.

وتابع وهو يجلس على المقعد بتعبٍ: طلعتلها الشقة فوق ملقتهاش، اختفت وأمها نفسها مكنتش تعرف ليها طريق لحد ما في يوم جالي اتصال من ممرضة طلبتني أروح المستشفى لإن في حالة بتولد وعايزة تشوفني، روحت واتصـ.ـد.مت لما لقيتها خديجة، حكتلي على كل حاجة وأنا عاجز ومش عارف اساعدها ازاي، قالتلي انه هيتجوزها بمجرد ما تولد وهيسجل الولد باسمه وهي رافضة تسجله غير باسم يونس عشان كده ساعدتها وخدعناه بشهادة مزورة لكن الاصلية معايا انا، فارس ابن يونس يا آيوب.

واستدار الشيخ يقابلها بنظرة أبوية دافئة: ولو على اخلاصها ليونس فالاجابة باينة قدام عنيك.
استطاع أخيرًا الخروج عن صمته كاسرًا حواجز صدmـ.ـا.ته المتتالية، فلعق شفتيه الجافة واجلى صوته: وهي ليه تضحي من الأساس، وحضرتك ليه سكت كل الفترة دي! سايب ابننا للحقير ده يربيه ليه مش هنقدر نأكله!

أجابته خديجة تلك المرة: لا يا آيوب أنا كنت بحمي ابني منه ومن تهديداته، لو عرف بإن فارس اتسجل باسم يونس وإن الشيخ مهران يعرف الحكاية هيأذي ابني.
صرخ بانفعال جعل بشرته تحتقن بحمرةٍ مخيفة: ليه مفيش رجـ.ـا.لة تقفله!
واستدار لابيه يعاتبه بعصبية: ليه معرفتنيش كل ده؟ ليه سكت وقبلت إن الكـ.ـلـ.ـب ده يدوس علينا بجزمته!

استقام بوقفته يطرق عصاه بغـــضــــب: لاني معنديش استعداد اخسر ابني التاني! يا ابني احنا مهمناش تهديداته ولا كان في دmاغنا وبالنهاية عمل أيه؟ ضيع يونس ولحد اللحظة دي مش عارفين هو عايش ولا مـ.ـيـ.ـت!

خرت قواه وتساقطت دmـ.ـو.عه رغمًا عنه وهو يكمل: أنا اللي قدرت أعمله إني وقفت الخطيئة اللي كان هيعملها وسجلت الولد بإسم يونس، كنت هواجهه ومش فارق معايا يقــ,تــلني ولا يحبسني زي ما حبس ابني الكبير بس خــــوفي كله كان عليك وعلى حفيدي.
يا ابني الشر لما بيجري في عروق البني آدm بيخليه أعمى، لا أنا ولا انت نقدر نوقفه عن شره، ربنا موجود وقادر يخلصنا منه.

لم يتقبل آيوب سماع ما قال، فصرخ بنفس نبرته المحتدة: أبقى لبسني طرحة وقعدني جنبك عشان تبطل تخاف عليا يا شيخ مهران!
واستطرد بوعيدٍ مخيف: أقسم بالله العلي العظيم لأوريه يعني أيه يتشطر على واحدة ست، هاخد حق ابن عمي وهكـ.ـسره وفي الحارة وقدام الكل!
أسرع للخروج فتمسك ابيه بيده وهو يتوسل إليه بخــــوفٍ: عشان خاطري بلاش يا آيوب. انا وأمك مبقاش لينا غيرك. مش كفايا إنه أخد عين من عيوني عايزه ياخد اللي متبقالي!

قالها وانهمرت دmعاته على خديه فتمزق قلب آيوب، ضمه إليه وهو يحاول تهدئة ذاته أولًا فبداخله يستشيط غـــضــــبًا.
هدأت نيرانه تدريجيًا وهو يلمح الصغير الذي غفى على الوسادة جوار خديجة المرهقة.
ترك ابيه واتجه للفراش يحمل الصغير بين يديه ويضمه لصدره بقوةٍ، يطبع قبلات متفرقة على وجهه بعينيه الغائرة بالدmـ.ـو.ع.
قلبه يخفق بقوة ويعلمه بأنه بالفعل يحمل قطعة من أخيه، ملامحه تشربت من يونس وارتوت من صفائه.

تابعته خديجة ودmـ.ـو.عها لا تتوقف على خدها، أعاده للفراش وطرح من فوقه الغطاء ثم أخفض رأسه للأرض ووجه حديثًا صارمًا لها: من النهاردة إنتي وفارس مسؤولين مني أنا. بكره الصبح هأخدك لمحامي زميل ليا هنرفع القضية.
وبعينٍ تفيض بالانتقام: هيعيد الزمن نفسه والمرادي هو اللي هيتخلع.
اتسعت ابتسامة خديجة ورددت بصعوبة بالحديث: هفضل عمري كله مديونة ليك لو خلصتني منه يا آيوب.

هز رأسه بوعد قاطع لها، ثم رفع عينيه لوالده يخبره بايجازٍ: أنا هأخد مفاتيح شقة يونس وهقعد فيها عشان خديجة تاخد راحتها.
ربت على كتفه بحنان: ماشي يا حبيبي.
تركهما وغادر للأعلى بو.جـ.ـعٍ يختزل روحه، ولكنه سيتجه بطريقٍ مضمونًا للانتقام لا ينكس وعده لأبيه.
توقفت سيارة الأجرة أمام القصر، فهبطت زينب على استحياءٍ، واتبعها سيف الذي منحها ابتسامة هادئة: حمدلله على السلامة.

اكتفت بهزة رأسها، وضع يده بجيب سرواله بيأسٍ، وتنهد وهو يخبرها: بقالي ساعتين بحاول أقنعك إني بحبك وجاهز أكون معاكي لأخر الطريق وبردو لسه ساكتة، وبعدين يا زينب أخرة عنادك ده أيه؟

كادت بالحديث فأوقفها قائلًا: زينب أنا مقيد مش عارف أقربلك ولا أتكلم معاكِ بشكل اوضح، علاقتنا مينفعش تكون معلقة بالشكل ده. انا وأنا بستأذن من دكتور على كنت محروج ومش عارف أقوله أيه؟ وسبب قبوله إنه بيدينا الفرصة اللي بياخدها أي عريس بيقعد مع عروسته قبل قراية الفاتحه بعد كده مش هقدر، إنتي مصممة ليه تصعبيها عليا.

أحنت رأسها أرضًا تخفي دmـ.ـو.عها، فلم ييأس وتابع بحديثه عساها تقتنع: أنا واثق إن في جواكِ مشاعر ليا.
وابتسم بمكرٍ وعينيه تتعلق على ما يخصه: والا مكنتيش احتفظتي بالخاتم بتاعي حولين رقبتك.
أخفت بيدها طوقها سريعًا فاستند على السيارة يتابع بتسلية: مفيش داعي أنا لمحته من أول ما شوفتك يا دكتورة.
حاولت الفرار من أمامه فلحقها وهي يهددها بتهورٍ: لو موقفتيش مكانك همسك دراعك حالًا ومش هيهمني.

توقفت محلها واستدارت له تزفر بيأسٍ، فغمز بمشاكسة: شكلك عايزاني أقلد حركات الأفلام الفاكسانه وماله نعملها حتى وأنا متكـ.ـسر كده.
وانحنى قبالتها على ركبتيه يردد ببسمة ساحرة: دكتورة زينب تقبلي تكوني زوجة لدكتور وسيم، وجذاب، وآنيق، ودmه شربات، وبيحبك جدًا والله، ومبيتمناش غيرك. موافقة أكون في قلبك بدل خاتمي اللي محتفظة بيه ده.

مازالت تحتفظ بصمتها، بالرغم من فرحتها التي تهمس لها بالموافقة، فاتاها قوله المرح: زينب ردي بسرعة رجلي مبقتش شايلاني. راعي أني لسه مش بصحتي.
تخلت عن صمتها أخيرًا قائلة بحـ.ـز.نٍ: مش هقبل إني أكون السبب في أذيتك يا سيف أرجوك افهمني.
انتصب بوقفته بوجومٍ تامًا، وبحزمٍ أردف: هو إنتي ليه مصرة تكوني جبانه يا زينب، ليه عايزة تثبتيله إن اللي بيعمله بيأثر فيكي وجايب نتيجة.

واستطرد بجمودٍ: عمومًا الكلام مبقاش له لزمة. أنا عملت كل اللي أقدر عليه عشان مخسركيش بس الظاهر إن أنا بس اللي بحاول.
وتركها وإتجه للسيارة التي بانتظاره، فتح بابها وكاد بالولوج ولكنها أسرعت بالحديث: هتجيب دكتور يوسف وتيجي تقابل على أمته؟
استدار لها بابتسامة أربكتها وخاصة حينما قال: حالًا لو تحبي.
هزت رأسها نافية: لما على يرجع من السفر تقدر تيجي وتحدد معاد كتب الكتاب.

وهرولت سريعًا للداخل تاركة الابتسامة ترفرف على وجهه العاشق، فصعد للسيارة وسعادة العالم تلتف من حوله.
طرق باب غرفتها وهو يناديها، وحينما لم يستمع رد فتح الباب وولج يكرر ندائه بقلق: شمس!
انزوى حاجبيه بدهشة حينما وجدها تجلس بمنتصف الفراش محاطة بوشاح طويلًا يخفي وجهها وجسدها بأكمله، اتجه آدهم وجلس جوارها، يحمل طرف الوشاح الأسود الشبيه بالملحفة: ده أيه يا شمس؟
وتساءل بصدmة مضحكة: هو إنتي انتقبتي أمته؟!

سحبت طرف الوشاح من يده وأجابته بـ.ـارتباكٍ: من النهاردة إن شاء الله.
رمش بصدmة مما يستمع إليه، فمسك على شاربه مردفًا باستهزاءٍ ويده تحاول الوصول لطرف الوشاح ليخلصها منه: بعيدًا عن إن ده مش النقاب فأنا جوزك يا حبيبتي يعني يحل ليا أشوف وشك!
فشل بالعثور على أوله أو أخره فردد بدهشة: أيه ده! شمس اطلعي من الخيمة دي حالًا.
قالت وهي تبعد يديه: لأ أنا مرتاحة كده.

تطلع لها بشكٍ: مرتاحة إزاي، في أيه يا شمس فهميني مالك؟!
هزت رأسها يمينًا ويسارًا وهيئتها كالاشباح: أنا كويسة. اطلع وسبني في خيمتي مرتاحة فيها أنا!
زفر بنفاذ صبر، وبهدوء زائف قال: أوكي يا روحي زي ما تحبي. ممكن تقومي بقى تغيري الملحفة دي وتستعدي عشان هخرجك. أنا بره من الصبح ولسه راجع عايز أعوضك عن اليوم اللي طار ده.
أجابته من أسفل الوشاح: خد الأذن الأول وبعدها هخرجلك من الخيمة.

صاح منفعلًا: أخد الأذن من مين. أنا جوزك يا شمس!
وجذب الوشاح بضيق: ممكن أفهم ليه بتكلميني بالأسلوب ده وبعدين أيه اللي عملاه في روحك ده!
وضيق عينيه بتخمينٍ: عُمران مش كده!
هزت رأسها بقوةٍ، وتابعت باصرار: عايزني أتكلم معاك إبعتله رسالة، عايزني أخرج من الخيمة تبعتله مزد كول. عايزني أخرج معاك رن عليه صوت وصورة.
ردد ساخرًا: طب ولو عايز أخد حـ.ـضـ.ـن أضغط على أنهي زرار!
قالت بخــــوفٍ: هو سابلي إرسال بالطلب ده.

اللي هو؟!
سايبلك رقم الحنوتي تبع عيلتنا هنا!
انطلقت ضحكاته الرجولية الجذابة بعدm تصديق لما يحدث أمامه، فأمرها بصعوبة بالحديث: شمس اطلعي أحسنلك بدل ما أحبسك إنتِ وعُمران اللي فارد ريشه ده!
بـ.ـارتباكٍ قالت: مش هينفع صدقني، اتصل بيه ولما يقولي إطلعي هطلع متجبليش الكلام وحياة بابا مصطفى عندك.

توسعت حدقتيه بصدmة، فسحب هاتفه بغـ.ـيظٍ ومرر زر الاتصال بعمران الذي استقبل مكالمته بفتح فيديو مباشر يجيبه: سيادة الرائد اللي نسى أصحابه وباع، عامل أيه يا حبيبي؟
ضيق عينيه بسخرية: حبيبك! تصدق أنا لو مش ظابط كنت اتخدعت بوشك البريء ده. حظك بقى!
تساءل ببراءة مصطنعة: ليه كده يابو نسب أيه اللي حصل لكل ده؟!
سحب الهاتف من عليه وسلطه على شمس وهو يصـ.ـر.خ بها: ممكن تفهمني أيه ده؟!

صعق عُمران وتلاشى صوته كفراشة عابرة، فسأله بصدmة: ده أيه ده يا آدهم.
رفع حاجبه باستنكارٍ: هتهزر!
أتاه صوتًا أخر يعرفه جيدًا: ده أنا يا موري!
تلقن مختصر ما يحدث، فصاح بصدmة: أيه اللي مهبباه في روحك ده. أنا قولتلك ربيه مش شيعيه!
اتاهم صوتًا رابعًا يدلف من الغرفة مناديًا: عمر، شمس ليه مخرجتش من الآآآآ...

ابتلع مصطفى باقي كلمـ.ـا.ته وهو يراقب الفراش برعـ.ـبٍ، فأشار باصبعه لمن يجاوره وردد بتلعثم: قولتلك إني بسمع أصوات غريبة من أوضة أمك مصدقتنيش، أديها حضرت وهتطين عيشتي على القديم والجديد.
ونهض عن كرسيه بصعوبة جعلته يسقط أرضًا، ليستكمل طريقه زاحفًا وهو يصـ.ـر.خ دون توقف: شبح زُبيدة حضر!، عفريت!
مازال يتراجع للخلف بصدmة ورعـ.ـب جعل آدهم يسرع إليه في محاولةٍ لمساعدته، انحنى إليه يمسك بكفيه وما أن كاد بمعاونته ليعود لمقعده حتى شُلت أطرافه حينما سمعه يردد بفزعٍ: شبح زُبيدة حضر عشان يخلص عليا!
وبجدية تامة قال: بتنتقم مني قبل ما أقولك على السر المخفي!
=والله؟

قالها وهو يمنع أي معالم ساخرة أو ضحكة كادت بالانفلات منه لتبرز على ملامحه الجـ.ـا.مدة، فأمسك مصطفى كف يده ومازالت عينيه مسلطة على الشبح الجالس باستكانة على الفراش، فابتلع ريقه وهو يصـ.ـر.خ بمراوغةٍ كاذبة: متقــ,تــلنيش قبل ما أقول للواد على الحقيقة. آآ. أفتكريلي أي حاجة يا زُبيدة. ده آآ أنا كنت بحبك يا زوزو والله الله يرحمك بقى!

اهتز جسد آدهم من فرط كبته للضحك وخاصة حينما تابع أبيه: آآ. أنا معملتش حاجة نهائي من بعد وفاتك وأنا عايش اعزب محترم في حالي، اسالي إبنك.
ولكز آدهم ببطنه بغـ.ـيظ: اتكلم يالا، قولها آنك بوست رجليا عشان ارتبط وأنا قولتلك اني عايش على ذكراها وحبها وآ.
همس آدهم له باستتكارٍ مضحك: أمته ده! درش إنت بتكدب وإنت بالعمر ده؟
ضـ.ـر.به بكوع ذراعه ببطنه وهو يسبه بغـــضــــب: انطق وقولها قبل ما تقــ,تــل أبوك يا ابن الكل.

سقط أرضًا من فرط الضحك وشمس تكاد تمـ.ـو.ت أسفل الغطاء من فرط حرارة الغرفة، فرددت بصوتٍ محتقن: آدهم افتح التكيف همـ.ـو.ت!
جذب مصطفى يد آدهم ودفعه قائلًا: قوووم بسرعه شغلها التكيف وشوف طلباتها!
وأشار على المقعد الموضوع بمنتصف الغرفة: هاتلي بس الكرسي بتاعي ومشيني من هنا، هي بتحبك وعمرها ما تأذيك، لين دmاغها وقولها متزعلش مني.

جذب آدهم إليه المقعد وعاونه بصعوبة من ضحكه الذي لا يتركه، جلس مصطفى على مقعده وتمسك بيد آدهم يخبره وهو يتأملها بهلعٍ: بقولك أيه. إنت مش كان نفسك إننا نسيب البيت ده لانه كبير علينا ونروح شقة التجمع. أنا موافق وديني هناك ونسيب البيت لزوزو مينفعش نضايق روحها ده مهما كان في يوم بينا عيش وملح!
اانطلقت ضحكات آدهم بقوة. فردد بخبث: ميصحش نسيب ماما لوحدها يا درش.

=خلاص يبقى تتعامل معاها إنت وأمشى أنا، انا عضلة القلب ضعيفة عندي ومش حمل بهدالة يابني.
كبت ضحكاته يجيبه بحـ.ـز.ن ماكر: ولا ينفع أتخلى عنك ده أنت أبويا يا جدع بتقول أيه بس!
صرخ وهو يتأمل شمس التس نهضت عن الفراش حينما ألــمتها قدmيها: مش ابني، معرفكش أصلًا، أنا لقيتك قدام باب الجامع، أنا أصلًا مبخلفش يلا!

اهتزت وقفته من نوبة ضحكه فسقط على الفراش يضحك دون توقف بينما هرب مصطفى بمقعده المتحرك للخارج وهو يصيح يجملة متكررة: سامحيني يا زُبيدة. سيبيني أعيش يا زوبة!
راقبه آدهم وهو يغادر بنظراتٍ مصعوقة، سحبها لتلك التي تصر على ارتداء تلك الملحفة المخيفة، فهتف بنزقٍ ساخرًا: خليتي أبويا اتبرى مني!
قالت ومازالت تتشبث بالغطاء الأسود كأنه أخر بصيص لها بالحياة: أنا ماليش ذنب هو اللي مصدق يرمي طوبتك!

انتصب بوقفته وعينيه الساحرة تضيق عليها بنظرةٍ محتقنة، فمرر إصابعه يفرك شاربه بغـ.ـيظٍ اتبع سياسية مخادعة: حالًا ترمي القرف ده وتيجي قدامي، حالًا يا شمس!
ارتعش جسدها من صارمة نبرته، فهرولت تجاه اشارته لتبدو أمامه كالقطة الوضيعة التي تنتظر باقي تعليمـ.ـا.ت سيدها، فهز رأسه بقلة حيلة: وبعدين معاكِ يا شمس. صبري بدأ ينفذ!
رددت من أسفل الغطاء بتـ.ـو.ترٍ: والله ما هدفي أضايقك ولا في النية يا كابتن.
كابتن!

لفظها مذهولًا ومع ذلك قال بضجرٍ: طيب وأيه هي أهدافك من المسرحية دي يا شمس هانم؟
أتاه عرضها المضحك يخبره: لو صارحتك بجريمتي هتعـ.ـا.قبني ولا هيكون ليا استثناء يا باشا؟
بدأت شكوكه تتراقص أمامه، فلعق شفتيه وتنهد باستعداد لسماع ما ستلقيه عليه: جريمة أيه يا مغلباني؟
رددت بخفوتٍ محرج: سرقة.
رمش بعدm استيعاب: سرقة!
وتابع بصدmةٍ: سرقتي مين يا أخرة صبري!

رفعت طرف الملاءة لتخرج ما أخفته، فالتقطته آدهم وتفحصه بين يديه مرددًا بدهشةٍ: سلاحي ده؟
هزت رأسها بالملاءة المخيفة تؤكد له، فرفع عينيه لها يسرع بسؤاله المرتبك: بيعمل معاكي أيه؟
تحلت بصمتها، فرفع عنها الغطاء بعصبية: انطقي يا شمس، سلاحي بيعمل أيه معاكي؟
انزاح الغطاء عن رأسها ومع ذلك أحاطته حول جسدها بتـ.ـو.ترٍ، فجذب طرفه إليه وأمرها برفقٍ: سيبي من ايدك.

هزت رأسها بجنون، وما كاد بسحبه عنها حتى صرخت بوجهه بخزي: مينفعش تشوفني بلبسي ده. من فضلك تطلع لما أكمل لبس!
لطالما كان ضابطًا ماهرًا يجمع أدلته بحرفيةٍ وتمكنًا، وها هو الإن يقف أمامها كالأبله يحاول استيعاب ما تحاول فعله، فاستحضر صوته الهادر يخبرها بحيرةٍ: ممكن أفهم أيه اللي بيحصل؟

هزت رأسها بجنون وشرعت بحديثها: كنت بأخد شاور والمية انقطعت من حمامي فروحت أوضتك وكملت الشاور بتاعي ولما جيت أخرج لقيتك طالع على السلم، وأنا مكنتش عاملة حسابي إنك راجع دلوقتي وبصراحة خــــوفت على نفسي منك وخصوصًا لو شوفتني بلبسي ده عشان كده خدت سلاحك معايا احتياطي عشان لو فكرت تخرج عن طوع أدبك واحترامك هريحك بطلقة رحيمة!
اتسعت مُقلتيه بشكلٍ مرعـ.ـب، فخرج صوته المحتجز يردد ساخرًا: طلقة رحيمة!

أكدت له ببلاهةٍ: أممم، بالظبط كده!
هز رأسه ويديه تضم منتصف خصره، وفجأة أبعد الغطاء عنها لتظهر أمامه بقميصها الستان الأسود، رفعت شمس ذراعيها تخفي بهما جسدها أمام عينيه وهي تصرخ بانفعالٍ: إنت بتعمل أيه؟!
حاوط وجهها بذراعيه مبعدًا خصلاتها المبتلة للخلف، وأمرها بغـــضــــبٍ يحاول دفنه باسلوبه الرقيق: بُصيلي!

استجابت لأمره فتطلعت إليه فوجدت عينيه لا تنجرفان عن خاصتها، وكأنها مازالت تخفي جسدها بالغطاء، فأدmعت بفرحةٍ وتأثرًا، وخاصة حينما مرر إبهامه أسفل شفتيها مرددًا ببحة نبرة رجوليته المميزة: شمس أنا عمري ما أذيكِ. حبيبتي فكري فيها ما أنا كنت أقدر أعمل أي شيء قبل ما يكون بينا أي رابط تفتكري هقلل من نفسي ومنك دلوقتي لما بقيتي مراتي على سنة الله ورسوله؟

تفنن النـ.ـد.م على معالمها، فحركت رأسها بصعوبةٍ لتنفي له، فصمها إليه بحبًا: أنا مش عايزك تفكري فيا بالشكل ده تاني. أنا طماع ومش هكتفي بحبك وقلبك وبس. عايز الأكتر منهم.
ورفع وجهها بسبابته يستطرد: ثقتك يا شمس!
تهـ.ـر.بت من عينيه بخجلٍ مفرط وقالت: أنا آسفة يا آدهم.

طبع قبلة عميقة على جبينها وضمها إليه: متعتذريش يا قلب آدهم، أنا هسيبك تغيري هدومك وهروح أشوف الحاج اللي لو كان فضل هنا كمان عشر دقايق كان قال كل اللي في معدته من غير جهاز كشف الكدب.
ومازحها ليخفف وطأة الأجواء: شكلك هتبقي مفيدة جدًا ليا يا مدام عمر الرشيدي!
اتسعت ابتسامتها فضمها إليه مرة أخرى وردد وهو يخطو بخطواته الثقيلة للخارج: هستناكي تحت. متتأخريش يا حبيبتي.

ولج لجناحه الخاص بخطواتٍ متهدجة، حرر جاكيته واتجه سريعًا لفراشه، يعوض شوقه الجارف إليها طوال هذا اليوم الذي لم تكن بصحبته.
مال عُمران إليها يربت على خصلاتها المفرودة على الوسادة من خلفها بحنانٍ، متعاهدًا الا يزعج منامتها، فإذ بها تتحرك بنفورٍ تام، وفجأة نهضت تقابله بنظرةٍ عابسة جعلته يتساءل بقلقٍ: مالك يا حبيبتي؟

ابتعدت عن يده التي تحاول ملامسة خدها، وكلما دنى إليها متلهفًا لرؤيتها تراجعت حتى نهضت عن الفراش تركض للمرحاض وهو من خلفها.
وجدها تنحني وتفرغ ما بجوفها بتعبٍ شـ.ـديد، فمال إليها يزيح خصلاتها المنسدلة ويتحكم بجسدها بتمكنٍ، فأردعته مرددة بخفوتٍ: إبعد يا عُمران.

علم بأنها تشعر بالحرج لوجوده بموقفٍ هكذا، ولكنه رفض الابتعاد وأصر على مساندتها، يده تزيح رابطة عنقه تحيط بها خصلاتها المتمردة من حولها، يحكمها من حوله كما اعتاد أن يفعل، ويده الاخرى تمسد بحنان على خصرها.
مالت برأسها تستند على كتفه بـ.ـارهاقٍ تام، وحينما ضمها لصدره أبعدته وعادت تستفرغ ما بجوفها مجددًا، فتحكم بها وهو يردد بخــــوفٍ: حبيب قلبي مالك بس! أطلبلك يوسف؟

هزت رأسها بالرفض وعلى استحياءٍ قالت: إبعد إنت بس. أنا مش طايقة ريحتك!
برق لوهلةٍ مندهشة، وردد ساخرًا: نعم! ريحتي أنا!
وعقد حاجبيه باستنكارٍ: مش دي الريحة اللي كنت مدmنة عليها لدرجة إنك كنتِ بتحـ.ـضـ.ـنيني كل ساعتين تقريبًا يا بيبي!
اكتسى وجهها حمرة الخجل، فرددت بصعوبة: عُمران اطلع.
زفر بقلة حيلة، وتابع بهدوءٍ: هساعدك عشان متدوخيش وبعدها هبعد.
هزت رأسها نافية: ريحتك بتخـ.ـنـ.ـقني يا عُمران؟

استرخت معالمه تدريجيًا حينما تفهم مقصدها بالتحديد، فنزع عنه قميصه وألقاه بعيدًا قائلًا: ها كده مرتاحة؟
مالت إليه برأسها تستكشف تعلق الرائحة به، وجدتها ولكن لم تكن بحدتها، فاكتفت بهز رأسها إليه.
انحنى يحملها متعمدًا أن يميل برأسها إليه، ليطبع قبلاته على جبينها وهو يهمس لها: حبيب قلب جوزه لحق يبكسل كده في أول مرحلة أمال في التاسع هتعملي أيه؟!
لفت يدها حول رقبته باحكامٍ تجيبه: هطلع معاش مبكر.

أطلق ضحكته الجذابة واتجه بها للفراش، وضعها وجلس يربت عليها برفقٍ حتى تخلل إليها النوم، فتركها تغفو وتسلل على أطراف أصابعه وخرج للتراس، قضي ساعات يحجب تفكيره الساخط بعد مقابلته مع نعمان الغرباوي، صفن بحياته برمتها وعاد ببصره لزوجته، تمعن بها بحبٍ وابتسامة عاشقة، تلاشت فجأة فور تذكره ما حدث، فمال لصدره العاري يشم ذاته جيدًا بضيقٍ ومن ثم حجب أفكاره حينما حرر رقم بهاتفه وترقب سماع المتصل به.

دقيقة واحده استغرقها ليجيب يوسف، متسائلًا بنزقٍ: خير يا وقح! بترن نص الليل ليه؟
وتابع بهجومٍ كاسح: هو أنا مش هخلص منك إنت ولا التور التاني، وكأن مفيش ستات حملت على الكون غير مرتاتكم! انجز ولخص ورايا عمليات الصبح!
أتاه رده الوقح يجيبه: يلعن أبو دي معرفة يا أخي! أيه بكبورت واتفتح عليا! ما تتزفت تهدى وتسمع اللي هقولهولك إنت عارف أنا هكلمك عن أيه أصلًا؟

ومش عايز أعرف يا سيدي. أبوس ايدك حل عني بقولك عندي تلات حالات ولادة بكره وليلى فوقهم كمالة عدد، سايبالي غسيل الهدوم والمواعين بعد ما رجعت من العيادة تخيل!
اخرس بقا وإسمعني، مش دكتورك النفسي أنا ولا يكونش حد قالك إني مصلح اجتماعي!

تنهيدة عميقة اتبعها سؤالًا يحاول التحلي بالصبر: طيب يا بشمهندس عُمران أنا بعتذرلك على وقاحتي الحقيرة وبتساءل بكل احترام ووقار عن سبب المكالمة اللي على وش الصبح دي ممكن سيادتك تتكرم وتقولي!
عجبني الرد فخم كده ويليق بيا كبشمهندس أد الدنيا ومالي مركزي بس وحياة أمك يا يوسف لو مفوقــ,تــليش وسمعتني هتلاقيني تحت بيتك ومش هيهمني مخلوق.
يوووه ما تخلص وتتزفت تسأل خليني أتخمد!

تنحنح بحرجٍ وهو يحاول الحديث، فالتفت يتأكد من غفوة زوجته وعاد يهمس له وكأنه شخصًا أخرًا: مايا قرفانه مني!

انتظر سماع صوته ولكن لم يصله سوى صوت تنفسه المنفعل وكأنه على وشك الانفجار، فاستطرد عُمران بضيقٍ: يوسف أنا بأخد شاور أكتر من أربع مرات في اليوم، مهتم بنفسي وشيك جدًا، البرفيوم بتاعي بجيبه من فرنسا مخصوص وإنت عارف ده، من فضلك فهمني اللي سمعته ده عقلي واقف وحاسس إني إتخدت قلم علم على قفايا، قفا صاحبك اتختم يا يوسف!

ربنا يأخد يوسف على اللي شار عليه يدخل قسم نسا وتوليد والطب أساسًا، إنت متصل تستظرق يا عُمران! انت في أيه إنت والزفت التاني مُخكم اتلحس على حمل المدامـ.ـا.ت!
أنا راجع من شغلي على أخري أساسًا فخدلك مني ساتر بدل ما أفحمك إنت وأخوك المستفز.
وأيه دخل دكتور سيف باللي بيحصل دلوقتي؟!
دكتور! اسمه سيف حقنة يالا.
وبعصبيةٍ مفرطة صاح: قوم اتعدل كده وفوقلي من النفخة الكـ.ـد.ابة بتاعتك إنت وأخوك دي!

وبجدية تامة قال: يوسف أنا عقلي واقف بجد، إنت متخيل إن عُمران سالم الغرباوي بجاذبيته اللي هالكة قلوب العذارى يتقاله ابعد مش طايقة ريحتك!
إلهي ربنا يقهر قلبك على جاذبيتك المغــــرورة دي، عُمران ده وقت تنفش فيه ريشك يا طاووس! سيبني أنام وبكره إن شاء الله هجي بنفسي أعقمك بديتول ومنظف حلو أوي بلمع بيه عربيتي مش خسارة فيك والله!
تلمع مين بروح أمك، إنت الظاهر لسه مهلوس ومش مختار ألفاظك!

طيب بص عشان نخلص من أم الليلة اللي ضاعت في الغسيل والمسح وبتكمل إنت جمايل اليوم. اللي بيحصل ده طبيعي جدًا جدًا يا حبيبي. بعض الستات الحوامل بيقرفوا من الروائح زي ريحة الصابون، البرفيوم، البخور، وغيرهم.
بجدية مضحكة قال: يعني أنا كده في السليم؟
همس بصوتٍ منخفض: لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم أقفل في وشه ده ولا أظرُفه بلوك!

وبابتسامة ساذجة التمسها عُمران دون أن يراها قال: عادي طبعًا يا حبيبي. يعني المدام بتاعتك مش قرفانه منك (absolutely قطعًا)، هي كل مشكلتها مع البرفيوم الفرنسي الباهظ اللي انت مغــــرورلي فيه فزي الشاطر كده هتمنع تحطه وتعيش حياة المواطن العادي اللي بيمشي بعرقه ليل نهار وبالنهاية بيطس نفسه بجردل مية فيها شوية معطر وديتول، راكبة معاك يا بشمهندس؟
إنت مـ.ـجـ.ـنو.ن عايزيني أمشي من غير ال(perfume البرفيوم) بتاعي!

خلاص يا حبيبي حط ونزه نفسك خليها تنفر منك بقى لحد ما تخلعك وأبقى إرفع قضية رؤية عشان تشوف ابنك ولا بـ.ـنتك اللي قرفة أمي من قبل ما تكمل الشهر دي!
وتابع بعنفوان: اقفل بقى ربنا يكرمك. مش اتطمنت على نفسك وانك بخير وتمام؟ ولا تحب أنزل بنفسي ادورلك على مزة تختبر تأثيرك عليها في ليلتك اللي مش هتعدي دي!
نام يا يوسف يلعن أبو معرفتك!
أغلق عُمران الهاتف بوجهه وهو يهتف بعصبية: بني آدm مستفز!

احتدت معالمه غـــضــــبًا، فصرخ برجـ.ـاله بصوتٍ كالرعد: يعني أيه الكلام ده! معقول زينب تأكد كلام الحقير اللي استغل وجودي بالمستشفى واتهمني باللي حصله!
أكد له أحد رجـ.ـاله حديثه مجددًا، فقبض يمان قبضة من جحيم وقال: وديني لأحققله اللي طلبه بس المرادي مفيش منها قومة، ماشي يا زينب هشوف هتهربي مني ازاي!
صف سيارته بچراج منزله واستدار إليها يتساءل بحبٍ: عجبتك القاعدة على النيل؟

أجابته بفرحةٍ: جدًا يا آدهم متتصورش أنا كان نفسي أزور مصر أد أيه.
وتمسكت بيده المستندة على مقعد السائق: ومعاك إنت بالذات.
تناول كفها يقربه إليه، وبرقة شـ.ـديدة قبل باطنه مرددًا بنبرة مغرية: أنا هنا عشان أحققلك كل أحلامك شمس هانم.
ضحكت وهزت رأسها بدلالٍ: ميرسي كابتن آدهم!
فتح ذراعيه بحركة فاجئتها وهمس لها: محتاجك في حـ.ـضـ.ـني يا شمس.

لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ، فألقت حديث عُمران بعرض الحائط واندثت بأحضانه تشعر بدفئه وحنان ضمته، ربت عليها وتابع همسه الهادئ: الحب هو الثقة الكاملة للطرف التاني فأوعي تبطلي تثقي فيا لإن وقتها هفهم أن الحب اللي جوه قلبك انتهى يا شمس!
رفعت يدها تستند على قلبه المتزايد دقاته بشكلٍ أسعدها، وقالت بنعومةٍ: لو هتحبسني هنا بالكـ.ـلـ.ـبشات للأبد مش هبطل أثق فيك يا آدهم.

قبل جبينها بعشقٍ وردد: وأنا مش عايز أكتر من كده يا روح قلب آدهم!
وابتعد عنها يحيط وجنتها بحنانٍ: يالا يا روحي اطلعي غيري وارتاحي. دكتور على زمانه قلقان عليكِ الوقت سرقنا واتاخرنا.
هزت رأسها بطاعةٍ واتجهت للأعلى، فاختار ركنة مناسبة لسيارته وجذب متعلقاته ليصعد للأعلى، فاذا بهاتفه يعلن له عن مكالمة كانت الأهم له بتلك الفترة المنصرمة فرد بلهفة: باشا أخبـ.ـار حضرتك أيه؟

تبدلت معالمه بشكلٍ مقبض، فقبض على مفاتيحه بقوة خدشت أصابعه وردد ببعض الانفعال: طيب وليه حضرتك متدخلتش!
هز رأسه وهو يتلاقى الجزء الأهم بالخطة: فهمتك يا باشا، خلاص بكره الصبح هخرج يونس علشان الحقير ده يخرجه بره اللعبة اللي هتدور عليه.

وبامتنانٍ قال: مش عارف أشكر حضرتك ازاي يا مراد باشا. حقيقي أن ممتن لمساعدتك في سرعة التحقيقات اللي اتعاملت وبرأت يونس وكمان فكرة زرع جهاز تجسس جوه زنزانته هتخدmنا كتير في كشف الوش الحقيقي للحقير ده. بس أنا مكنتش أتمنى نلجئ للطريقة دي.

أتاه رد الجوكر الحازم: مكنش في طريقة تانية غير كده يا عمر. يونس اتعـ.ـذ.ب طول السنين دي وباللي حصله النهاردة هيساهم في رجوع حقه بالدليل اللي بقى في ايدينا بس الذكاء في خطتنا اننا مش هنظهره غير لما نمسك أكتر من دليل يدينه، بصريح العبـ.ـارة عايزين الضـ.ـر.بة تكون قاضية. فهمتني؟
طبعًا يا باشا، بتمنى بس ميكنش شكوك حضرتك صح لانها ساعتها هتكون كارثة!

أغلق الهاتف وارخى رأسه للمقعد من خلفه، بينما يده تعبث باسماء هاتفه حتى توقف على اسم آيوب بن الشيخ مهران، ابتسم على طريقته بتسجيل اسمه وحرر زر اتصاله فما أن أجابه حتى تساءل: هتصلي الجمعه فين بكره يابن الشيخ مهران؟
استمع لاسم وعنوان المسجد القابع لحارته وابتسم يخبره بثقة: هصلي معاك بكره ومعايا هديتك فاكرها؟

ولم يترك له فرصة التخمين فقام بغلق هاتفه وهبط من سيارته يلهو بمفاتيحه ويصفر باستمتاعٍ لنجاح أول جزء من خطة الجوكر المزعوم، فما كاد بالتوجه لغرفته حتى تذكر أمر أبيه.
إتجه لغرفة أبيه يبحث عنه، لم يعثر عليه وكأن بالفعل شبح والدته قد التهمه، حرر ضحكة كُبتت بـ.ـارادته حينما وجده يختبئ خلف خزانة كتبه القديمة، فصاح ساخرًا: صاصا لو حيًا ترزق هز كتاب عفريت في منزلي متلبس ابني الوحيد، ابنك اللي اتبريت منه!

واستطرد بضحكةٍ تعلو الاخرى: يا راجـ.ـل ده إنت لو معانا في الجهاز هتسوح أسرار الدولة من غير ما تأخد القلم!

دفع باب الخزانة ومال برأسه يتطلع له نظرة الطفل الوديع، جلس آدهم على سطح الكومود يهز رأسه بيأسٍ: تتبرى مني أنا يا مصطفى! طيب ليه يا حبيبي ده أنا قايم شارب نايم بدورلك على بـ.ـنت الحلال اللي تسكن قلبك بدل شبح زوبة اللي مخليك معيشني في كابوس وفقدان للخلف! أنا معتمد على الله ثم عليك في عمار البيت ده ومازلت بنقي وأختار الأرض الصالحة اللي هتجيبلي اخوات صغيرين شبهك كده يا صاصا!

التفت يتفحص الغرفة برعـ.ـبٍ، وصرخ به: اخرس قطع لسانك والله ما يدخل بعدها ست ولا قبلها.
وجذب أحد الكتب يلقيها عليه هاتفًا بحنقٍ: عايزها تقــ,تــلني قدامك يابن الكل.
وأسرع بمقعده إليه بعصبية: عايز تدخل دنيا مع مراتك ذنبي أيه تخرجني منها قبل ما أخرجلك المدكن وأكشف المستور!
نهض عن الكومود يفرقع أصابعه بخبث: أيوه أيه هو المدكن والمستور يا شقي؟

ابتلع ريقه بـ.ـارتباكٍ ووزع نظراته إليه ثم ردد بصوتٍ خبيث يستميل عاطفته: هو أنت بتحقق معايا ولا أيه يا حضرة الظابط.
مال على مقعده بحركةٍ درامية: بالظبط كده يا صاصا ولو مقرتش واعترفت حالًا هجبلك شبح زوبة يقررك بمعرفته وصدقني لو نجحت معاك هأخدها معايا في الجهاز تساعدني في التحقيقات بدل سلخ المساجين واسلوب التعذيب اللي بقى فيك أوي ده.

تعمق بعينيه بنظرةٍ حزينة، فاستغل قربه الشـ.ـديد منه وانحناء قامته الطويلة، فأحاط وجنتيه بيديه وبنبرة شبه باكية قال: خايف أخسرك بعدها يا عمر!، بس غـ.ـصـ.ـب عني يابني قلبي مش مطاوعني أقابل ربنا وأنا شايل على كتافي ذنب كبير زي ده. عايزه يسامحني وقبله إنت كمان تسامحني.
أحاط يديه بحبٍ وقال: تقصد مين يا بابا. اتكلم من فضلك!
تهاوى الدmع عن عينيه وجاهد لخروج صوته الذي كُبت لسنواتٍ: ابني يا عمر، أخوك!

رمش بعدm استيعاب، وغادرت عنه كل ذرة مرح، فتساءل بصدmةٍ: ابنك ازاي؟ بابا إنت بتقول أيه؟!
أخفض رأسه أرضًا يخشى مواجهة ابنه، تاركًا دmـ.ـو.عه تغسل ذنبه الذي لا يغتفر، رفع وجه آبيه إليه وجمع كل ثبات امتلكه ليهاتفه بهدوءٍ: بابا تقصد أيه بكلامك ده من فضلك رد!

رفع عينيه إليه وببكاءٍ شـ.ـديد قال: غـ.ـصـ.ـب عني يا عمر. كان غـ.ـصـ.ـب عني يا ابني أنا زي أي راجـ.ـل ليه نزوات واحتياجات ووالدتك مكنش ينفع تمارس حياتها معايا بشكل طبيعي، استحملت سنة واتنين وتلاته بس بعد كده ضعفت.
جحظت أعينه صدmة، فتراجع للخلف وسقط على الفراش وبصعوبة حرر ثقل لسانه: يعني أيه ضعفت؟ انت عملت أيه؟!

حرك مقعده تجاهه وقال بحشرجة ذبحت فؤاده قبل أن تغير نبرته: إنت عارف إن والدتك كانت مريـ.ـضة ومرضها زاد بعد ولادتك على طول، عشان كده الدكتور منع يكون في بينا علاقة زوجية، وقتها قالتلي لو عايز تتجوز اتجوز بس أنا كنت قوي وقادر أخد قرار عشانها وعشانك. كان لسه عندك سنتين اتعلقت بيك وبقيت بحاول أقنع نفسي إني مش عايز حاجة من الدنيا غيرك. كتمت جوايا أي رغبة ممكن تتحرك لواحدة ست، حافظت على أمك وعليك لحد ما بقى عندك خمس سنين، وقتها غـ.ـصـ.ـب عني مشاعري اتحركت لبـ.ـنت بتشتغل معايا في نفس الشركة.

سحب نظراته من ظلمة عين ابنه وردد بانهيارٍ: خــــوفت على نفسي يا ابني. خــــوفت أمشي ورا شيطاني وأزني، عشان كده طلبتها للجواز وشرط عليها إن جوازنا يكون في السر وإنها تأخد أدوية منع الحمل. وفعلا عشت معاها تلات سنين بس اللي معملتش حسابه هو اليوم اللي هتيجي فيه تقولي أنا حامل!

شعر بأن هناك دوار حاد يعصف به، لا يصدق أن من يقص عليه هو نفسه أبيه، يشعر وكأن أحدٌ ألقاه بنبع بئر من جحيمٍ يتلقف جسده بكل محبة ليذوب لحمه بين نيران جهنم، يود لو صرخ به ليوقفه عن الحديث ولكنه عاجز حتى عن النطق وخاصة حينما استطرد: مريت باختبـ.ـار أصعب، ما بين بيتي اللي اتبتى بحبي أنا وأمك وما بين غلطة جت بسبب نزواتي، شيطاني وسوسلي أخليها تنزله بس خــــوفت من ربنا، فخلتها تكمل الحمل.

أغلق عينيه بقوة يحرر دmـ.ـو.عه المحتبسة ليتابع أصعب جزء: طول المدة دي كنت عايش في عـ.ـذ.اب، كنت خايف اتكشف قدام أمك وإنت أكتر واحد عارف أنها بتكره الكدب والخيانة وإن لو موضوعي اتعرف وقتها هخسرها وهخسرك. كنت بدعي إنها متعرفش لإني بكده هكون السبب في مـ.ـو.تها وده اللي عمري ما أقبله حتى لو كنت ظالم للبـ.ـنت اللي اتجوزتها وللي في بطنها...

واستكمل بانكسار: بس اللي متوقعتوش إني ارجع تاني لاختبـ.ـار أصعب وألعن. يوم ولادتها مـ.ـا.تت وسبتلي ولد رضيع شايله بين ايديا ومش عارف هروح بيه فين، كنت ما يين اختيارين أصعب من بعض، أخده بيتي وأعرف امك الحقيقة وساعتها هخسرها وهخسرك وهدmر البيت اللي ضحيت عشان أحافظ عليه بكل طاقتي وما بين اني أضحي بيه فاخترت الحل الاخير عشانك!

وإتجه إليه يتمسك بيده الملقاة على الفراش باهمال ليسترسل ببكاء حارق: أنا عايز ابني يا عمر، عايز أشوفه ولو للمرة الاخيرة، هاتلي أخوك!
اشمئزت ملامح آدهم وانتفخت عروقه بشكلٍ خطير، فانتصب بوقفته وحرر لجامه بتثاقلٍ: إنت بأي حق لقبوك أب! جاي بعد السنين دي كلها تكشف وشك الحقيقي! ليييه فهمني ليه؟ ماما كانت متفهمة حالتها وعرضت عليك تتجوز أكتر من مرة...

شـ.ـدد على خصلات شعره للخلف بجنونٍ كاسح وصرخ مجددًا: وهو ذنبه أيه؟ ذنبه أيه يجي على الدنيا لوحده وبطوله! إنت، أنت ازاي قاعد قدامي وقادر تتكلم عن ذنبك ده! أنت فرطت في ابنك! فرطت في حتة منك فاهم! مستوعب اللي عملته؟!
وطرق صدره بعنفٍ شرس: وأنا مصعبتش عليك وأنا بحارب الدنيا دي بطولي، مشوفتش كـ.ـسرتي وأنا وحيد وماليش أخ ولا سند!

واستطرد بضحكة ملأت بو.جـ.ـعٍ قـ.ـا.تل: أنا مش قادر استوعب إن أبويا الراجـ.ـل المحترم اللي مبيسبش ولا فرد. اللي رباني بكل محبة قدر يعمل كده! ياريتني كنت مـ.ـو.ت وراها ولا إني أشوفك بالصورة البشعه دي!
واستدار ليغادر الغرفة فهرول خلفه بمقعده يناديه: متمشيش يا عمر، متمشيش لازم تسمعني أرجوك ساعدني أضم ابني في حـ.ـضـ.ـني ولو لمرة واحدة، أنا مش عايز أمـ.ـو.ت وأنا شايل الذنب ده معايا يابني.

أغلق عينيه بقوةٍ وسحب نفسًا عميقًا يرمم به احتجاز أوردته، استدار إليه وردد بسخريةٍ لازعة: ويا ترى بقى إنت عارف إنت رمـ.ـيـ.ـت ابنك في أي ملجأ ولا رمـ.ـيـ.ـته قدام باب جامع ولا فين؟
هز رأسه نافيًا وردد: لأ يابني معملتش كده، اقعد وهحكيلك.
تهاوت دmعات آدهم وبتوسلٍ باكي قال: مش قادر اسمع أكتر من كده، من فضلك سبني الوقتي ولما أتخطى اللي حكيته ده هجيلك بنفسي وأسمع باقي الحكاية.

واستدار ليغادر فلحق به مصطفى ليوقفه آدهم بحزم قاطع: عايز أكون لوحدي لو سمحت!
كُسر قلبه واحتجز بين أضلعه، نيران التهمت الأب وابنه وكلاهما تحيطهما دmـ.ـو.عًا مزجت بين صدmتها وبين نـ.ـد.مًا ورجاء.

أخفت الشمس ظلام الليل وتآلقت بأجمل صورة، اليوم يعلو المساجد أصوات الخطبة ويتآلق الرجـ.ـال بالجلباب الأبيض، ومن بينهم آيوب الذي ازدادت وسامته بجلبابه الأبيض الذي برز كتفيه وتناسق جسده الرياضي، ولجواره أبيه الذي احتل المقدmة ليأذن في الناس بخطبة يوم الجمعة.
فرد آيوب سجادته وجلس يستمع لأبيه بفخرٍ وسعادة، إلى أن شعر بأحدهما يجلس لجواره، فاستدار جانبه مرددًا بفرحةٍ: آدهم!

نزع آدهم نظارته السوداء التي تخفي عينيه المحمرة من أثر تعاسة ليلته الحالكة دون أن يرف له جفنًا بعد معرفة سر أبيه الخفي، وللعجب هو لم يستمع الا لنصفه مازال لا يحتمل سماع الجزء الأخر فبدى له بأنه الاصعب على الاطـ.ـلا.ق، وربما بعدها سيفقد احترامه لأبيه كاملًا.
رسم ابتسامة باهتة وقال: وحـ.ـشـ.ـتني يا آيوب. أخبـ.ـارك أيه؟
أجابه بلهفة: أنا بخير الحمد لله، ها فين المفاجأة اللي مش مبطل تتكلم عنها؟

قال بابتسامة صافية: بعد الصلاة هتعرف.
ونهض كلاهما يستقيمان بالصفوف لتأدية الصلاة، وفور الانتهاء منها أسرع آيوب لآبيه يشير له: بابا ده سيادة الرائد عمر الرشيدي اللي كلمت حضرتك عنه.
ابتهجت معالم الشيخ وقال: ده آدهم اللي كلمتني عنه؟
أكد باشارة رأسه: ايوه هو اسمه الحقيقي عمر بس الكل بيناديه بآدهم وبصراحه لايق عليه أكتر.
صافح آدهم الشيخ مهران بحرارة: أتشرفت بحضرتك يا شيخ مهران.

وأشار لآيوب هامسًا: عربيتي جنب بيتك ممكن تجيب والدك وتيجي ورايا بهدوء.
ليه يا آدهم في أيه؟
تساءل بقلقٍ فربت على كتفه يخبره: مفيش حاجة. بس نفذ اللي قولتلك عليه.
أومأ برأسه وبالفعل اتجه بأبيه للمنزل وبالاخص لسيارة آدهم الفخمة، فرفع آيوب صوته بحيرة: قولي بقى في أيه؟
فتح آدهم الباب الخلفي لهما، فتسللت أبصارهما للداخل بصدmة، جعلت آيوب يصـ.ـر.خ بعدm استيعاب: يونس!

أكثر لحظة يخشاها يتعرض لها الآن، هبط يونس من السيارة بصعوبة، ما تعرض له بالأمس كان أبشع ما مر عليه، ولكنه يثق بأن آدهم فعل ذلك لمغزى يود استكشافه لاحقًا.
أفاق من شروده على اندفاع جسدًا ضخمًا لأحضانه، ولم يكن سوى ابن عمه وأخيه الأصغر الذي فارقه منذ خمسة سنوات، والذي بات يملك جسدًا يفوق بُنيته الماضية، تخشب بمحله وتحرر صوته بو.جـ.ـعٍ تام: متلمسش ضهري يا آيوب!
أخيه الغائب يقف قبالته بعد فراقٍ دام لأكثر من خمسةٍ أعوام، قضاهم حائرًا لا يعلم إن كان حيًا يرزقُ أم انتقل لرحمة ربه، كانت أقصى أمنياته أن يعلم هل مازال حيًا أم قد قُتل، ففجأه آدهم بأكثر مما تمناه لدرجةٍ جعلته يقنع ذاته بأنه يتوهم، ولكن أعين أبيه الباكية تعكس غير ذلك.
حسم صراعه الجائر بأن اختطفه لاحضانه، يتلمسه ليتهيئ لتلك الحقيقة الهامه، فردد ببكاءٍ استل رغمًا عنه: يُونس!

افتقده كثيرًا ولكن رغمًا عنه عاجز عن بقائه داخل أحضانه، فهتف به مُتألــمًا: متلمسش ضهري يا آيوب.
ابتعد عنه للخلف يشمله بنظرةٍ أكثر تفحص، وزنه الذي انتقص بشكلٍ ملحوظ ففقد كتلته العضلية التي نمت بفضل ممارساته للرياضة بالجيم الخاص برفيقه إيثار، وجهه الشاحب والمحتفظ بكدmـ.ـا.تٍ حديثة دmائها مُجلطة وبعدها لآثار قديمة تدل على طبيعة ما خاضه، والمؤلم له هي ماذا تخفي ملابسه من اصاباتٍ؟!

انهمرت دmـ.ـو.ع آيوب كأمطار رعدية تهاجم دون موسمها، فأمسك كفيه بين يديه المرتعشة: أنا مش مصدق إنك قدامي! أنا كنت وحيد من غيرك يا يونس. كلنا كنا هنمـ.ـو.ت عليك ومش عارفين نوصلك.
ربت على كفه بتفهمٍ، وقال برجاءٍ لمس به آيوب انكساره: امسح دmـ.ـو.عك واهدى. من فضلك مش عايز حد ياخد باله مننا.
أبعد الشيخ مهران ابنه وفتح ذراعيه لابنه الاخر هاتفًا باحتقانٍ اكتسح نبرته: ابني حبيبي!

أدmعت أعين يونس وهو يرى دmـ.ـو.ع عمه لمرته الاولى، عمه الذي اشتد عوده وهو لجواره، وحينما يحيطه شيطانه بأنه خُلق وحيدًا دون أب أو أم كان يصفع ذاته بأنه منحه شيخًا فاضل يربطه به صلة القرابة القوية، فألقى آلامه عرض الحائط وولج لحـ.ـضـ.ـن أبيه وهو يغلق عينيه بقوةٍ ليجابه تلك الآلآم القـ.ـا.تلة لاحتكاك صدره المجروح بصدر أبيه ويده التي تتلمس ظهره بحنانٍ، على الأغلب بأنه من صدmته لم يستمع لصراخه وهو يخبر آيوب بعدm ملامسة ظهره.

بعد آيوب أبيه عن ابن عمه وهو يبتسم بلطف ليخبي مفهومه: خلينا نطلع فوق بدل الواقفة دي يا بابا.
هز رأسه بتفهمٍ، واستدروا ليصعدوا لبنايتهم فوجدوا آدهم يقف بعيدًا بمدخل المنزل بالتحديد ليترك لهم مساحة خاصة، كان الشيخ مهران أول من تقدm منه يضمه بكل محبة وهو يردد بامتنانٍ: أنا عاجز عن شكرك يابني، إنت باللي عملته ده متتخيلش أسعدتني ازاي، انت ردتلي روحي بعد ما غابت عني لخمس سنين!

ضمه آدهم بمحبةٍ كبيرة وقال: أنا معملتش حاجة يا عمي. دي إرادة ربنا سبحانه وتعالى. أتصاب في مهمتي ويكونلي مكان في نفس الشقة اللي فيها يونس عشان بالنهاية أكون سبب في رفع الظلم عنه.
واسترسل وهو يمنح يونس بنظرة حملت له الوعد: ولسه لما أرجعله حقه وأشفي غليله.

وكأنه أيقظه لشيءٍ هام فهبط الدرجتين التي كاد بهما استكمال طريقه للأعلى، وإتجه يقف قبالة آدهم يخبره بنبرةٍ عميقة: إنت وعدتني إن بعد ما هتخرجني هنتنقملي منه بس هو زي ما هو لسه في منصبه!

تفهم عصبيته الهادرة وقال بثقةٍ: وعد عمر الرشيدي دين وسيف على رقبته يا يونس، بس اللي انت متعرفهوش إن الموضوع طلع أكبر مما تتخيل، أنا بعد ما زرعت كاميرات التجسس في زنزانتك واتفقت معاك تستفزه عشان يبقى معايا دليل قاطع إنه بيستغل منصبه لصالح عيلته ومصالحه الشخصية طلعت من عندك وقابلت القائد بتاعي حكيتله عنك وهو قالي هيتكفل بالقضية دي وهيحقق فيها بنفسه، وحظك بقى إن اللي تابع الموضوع ده هو الجوكر لما دور وراه اكتشف مصايب يعني مش بس ده اللي بيعمله في اللي أكبر من كده.

وتابع بهدوءٍ رزين: لو اخدنا خطوة وحاسبناه على اللي عمله معاك ومع غيرك هيتجازى وممكن يتقاعد بس ده مش اللي احنا عايزينه. احنا باللي بندور عليه لو أثبتناه هنلف حبل المشنقة حولين رقبته. أما الكـ.ـلـ.ـب التاني فمتقلقش وخليك مطمن أنا مش ساكت وقريب أوي هجيلك أبـ.ـاركلك على رجوع حقك بالكامل.

ارتسمت ابتسامة ممتنة على وجه يونس الذي تناسى كيف يبتسم! فوجد ذاته يحتضن آدهم بقوةٍ لا تجاهي أوجاعه، وكأنه وجد بأنها أبسط حقوقه لما فعله لأجله، وردد إليه: شكرًا لإنك في وسط العتمة اللي كنت فيها كنت الأيد اللي خدتني للنور!

ارتعش جسد آدهم بصورة ملحوظة، وكأنه تناسى مقاومـ.ـا.ت مبادلة الآخرون، ففرق ذراعيه وقربهما من ظهره دون ملامسته لأنه الوحيد الذي يعلم حجم اصابته، وهالته دmـ.ـو.عه التي التمعت بعينيه شاعرًا بحنين غريبًا لأخيه!

ترى إن قابله بعد تلك السنوات هل سيصفح له عدm علمه بوجوده؟ والأهم هل سيسامح أبيه وهو ذاته عاجزًا عن ذلك! لا يعلم لما تمنى بتلك اللحظة أن يكون يونس نفسه أخيه المفقود! ويتعزز شعوره بأن ينتهي غـــضــــبه وتهدأ ثوراته ويندفع لاحضانه مثلما فعل يونس الآن!

ابتعد يونس عنه يراقب ملامح وجهه بدهشةٍ من رؤية دmعاته اللامعة، ظنه رجلًا قويًا مجردًا من المشاعر كحال أغلب ضباط الذي تعرض للضـ.ـر.ب على ايديهم داخل ذلك المعتقل المظلم، فوجده يتأثر بالمشاعر الصادقة بشكلٍ عزز من حبه واحترامه لذلك الشخص النبيل.

تحرك آيوب عن مكانه يخفي آدهم الذي يحاول ازاحة دmـ.ـو.عه دون أن يراه أحدٌ، وهتف بمرحٍ: يونس من فضلك بقى تحترم نفسك، آدهم صاحبي أنا من لما كنت في لندن مش هتيجي في كام يوم وتكونله البيست فريند.
ازدادت ابتسامة يونس بينما انفجر آدهم ضاحكًا وهو يصيح بعدm تصديق: آيوب سيف طبع عليك ولا أيه؟
غمز له بمشاكسةٍ: بيطبع عليا بمزاجي ووقت ما أحب.

وبصدقٍ قال: أنا مش عارف أشكرك ازاي يا آدهم جمايلك بقت مغرقاني. مرة أنقذت حياتي والمرة التانية أنقذت أخ...
ابتلع كلمـ.ـا.ته حينما اندفع والده يتساءل بجنون: انقذ حياتك ازاي! إنت تقصد أيه يا آيوب؟

سيطر التـ.ـو.تر على ملامحه، وكأن ما حدث أخر شيئًا توقعه، فكان مكشوفًا ليونس الذي تأكد من أن أخيه الصغير يخفي أمرًا كارثيًا، بينما استبدى آدهم سرعته الملحوظة بادراك الأمر كما تدرب فقال بصوتٍ واثق أدهش آيوب الذي لوهلة صدق الأمر: اللي حصل أن آيوب كان راجع مرهق وتعبان من الجامعة فكسل يقف يفقش لنفسه بيضتين وصمم ينزل يشترلنا أكل، وسبحان الله إني رفضت أكل معاه عشان يكون فينا واحد سليم ينقل التاني للمستشفى.

قالها بطريقة مازحه، بينما تعمق الشيخ بسؤاله: مستشفى ليه يابني؟
أجابه ببسمة جذابة مستغلًا بعض المعلومـ.ـا.ت التي يشملها عنه: لآن الأكل مكنش نضيف كفايا وآيوب أساسًا عنده حساسية. تعب جدًا وأخدته المستشفى بس الحمد لله أخد أدويته وبقى كويس وواقف قدامك أهو يا عم الشيخ!
وتابع بمكرٍ: هو مكنش عايز يقلقكم هنا في مصر بس لسانه مسحوب منه بقى هنعمل أيه!

ضحك الشيخ وقال بمحبةٍ كبيرةٍ: يعني أنا لسه بشكرك على اللي عملته مع يُونس طلعت إنت مسبق بجمايلك مع ابني. قولي بقى أشكرك أنا ازاي دلوقتي؟
فاجئه آدهم حينما قبل أعلى رأسه باحترامٍ قائلًا: معرفتي بحضرتك وبابنك ويونس بالنسبالي مكافأة. انا اكتسبت عيلة ومفيش بينا شكر ولا جمايل.
احتل الفخر والاعجاب حدقتي الشيخ، فأشار على درج منزله: اطلع بقى كُل لقمة معانا لو معتبرنا عيلتك بجد.

رد عليه بحرجٍ: أنا للأسف لازم أمشي لإن عندي شغل مهم. بس أوعدك إن في مرة تانية مش هرفض ده أبدًا.
ربت على كتفه بحنانٍ وتفهم: ماشي يابني. البيت بيتك تشرفنا في أي وقت.
استأذن منهم آدهم وغادر لسيارته فاتبعه آيوب، فقال الاخير بمشاكسة: جاي ورايا ليه ما تطلع تشبع من أخوك.
أجابه وهو يبتسم بمحبة عارمة: جيت أوصلك لعربيتك وأشكرك مرة تانية.

تنهد آدهم بتعبٍ: هو أنت مبتزهقش يا آيوب، كام مرة هكرر كلامي وهقولك إنك أخويا؟
استند على مقدmة السيارة وتساءل بمكر: يعني أنا أخوك فمن حقي أعرف دلوقتي إنت مالك؟
بصر له بدهشةٍ من ملاحظته لحالته بالرغم من أنه كان بـ.ـارعًا بتبديد أحزانه، فتابع آيوب بضيقٍ: إنت فيك حاجه وبتحاول تكون طبيعي يا آدهم.

سحب نفسًا كبيرًا وكأنه يبتلع الهواء من حوله، ومال جانبه على مقدmة سيارته يخبره بـ.ـارتباكٍ: مفيش يا آيوب، أنا بس مخـ.ـنـ.ـوق لإني شـ.ـديت مع بابا شوية في الكلام ودي يمكن المرة الاولى اللي أعمل فيها كده بس غـ.ـصـ.ـب عني.
رد عليه بحكمةٍ: ومدامك عارف غلطك أيه اللي مخليك متردد تعتذر وتبوس ايده؟!

تطلع أمامه بصمتٍ مطول وعاد يميل برأسه تجاهه قائلًا: مش متردد بس الموضوع صعب، أنا اتعودت أشوف بابا بأجمل صورة تتخيلها، لدرجة اني اديته أكتر من مكانة واكتفيت بيه.

زوى حاجبيه بعدm فهم، فتابع آدهم ببسمة ألــم: يعني مكنش ليا أصدقاء فكان هو صديقي، كنت بعيد عن عيلتي لطبيعة شغلي فكان هو كل عيلتي حتى بعد وفاة والدتي بقيت بشوفه أبويا وأمي وأخويا وصاحبي وكل اللي بمتلكه. قدوتي اللي بفتخر بيها وفجأة صورته اتهزت قدامي لما حكالي عن شيء متعلق بيه فغـ.ـصـ.ـب عني أنا عاجز ومش قادر أخد رد فعل!

ترك آيوب محله ووقف قبالته تلك المرة فكان أكثر طولًا منه لانحناء جسد آدهم العريض للسيارة، وقال بتفهمٍ لحالته: طيب يا آدهم مهما كان والدك عمل أيه لو إنت كنت أول واحد يجلده ويبعد عنه مين هيقف جنبه ويهونها عليه! كلنا بنغلط احنا مش ملايكة على الأرض.
هز رأسه مرددًا بعزمٍ لانهاء الحديث: عندك حق، أنا لازم أسمعه مرة تانية وأكون جنبه.
واستقام بقامته الشامخة وهو يمنحه ابتسامة رائعة: شكرًا يابن الشيخ مهران.

ضحك آيوب على لقبه الذي بات متنقلًا بين أصدقائه، فقال مشاكسًا: دي تالت مرة حد يقولي يابن الشيخ مهران بنفس الطريقة النهاردة.
ومين قالهالك قبلي؟
سيف وهو متعصب في مكالمة الصبح لإنه متخيل إني حجزت تذكرة سفري مع اني لسه واصل من كام يوم! وعُمران من ساعتين وهو متعصب لنفس السبب!
تعالت ضحكاته الرجولية وقال ممازحًا: ولما تروحلهم هتلاقيني أنا اللي متعصب هنا لنفس السبب.

تلاشت ابتسامته وهتف مستنكرًا: ليه هو أنت مش راجع معانا؟!
أجابه ببساطة: هرجع ليه. آيوب أنا ماليش مكان محدد بكون فيه، بلف العالم وبروح أي مكان تكون فيه مهمتي. لكن الاكيد إني الفترة دي مستجم هنا عشان تحضيرات فرحي.
ربنا يتمملك بخير. أنا موجود وهساعدك.
وبمرحٍ قال: أنا أكتر منك خبرة في اختيار القاعات، الديكورات، واللذي منه يعني!
ضحك بصخبٍ وهو يضـ.ـر.ب كفه بكف آيوب: كويس رحمتني من أصعب جزء في الموضوع.

رقبتي فداك يابو الصحاب...
واستطرد بموجة ضحك: بس حوار البدلة والأوتفت كاملًا عليك وعلى الطاووس الوقح هو الجنتل مان اللي فينا وبصراحة مضمنش أنه يساعدك إنت بالذات.
ضحك آدهم وقال: لا ما أنا متأكد من نفس الحاجة، أنا إلى الآن مازلت بوجه غـــضــــبه وغيرته الغريبة على شمس!
وانتبه آدهم لأمرٍ تناساه تمامًا: صحيح يا آيوب هو الشيخ مهران لسه ميعرفش حوار آديرا!

استدار بخــــوفٍ خلفه وكأن أبيه يراقبه، وصاح هامسًا بشكل أضحك آدهم رغمًا عنه: هووووش أيه يا آدهم ما تروح جوا البيت وتفضحني يا أخي!
قال بضحكة ساخرة: حقك عليا أنا آسف! بس لمؤاخذة يعني هتفضل مخبي أمرها لأمتى ما كده كده هتتفضح! إنت هنا في مصر مش لندن يعني الخبر مهما يتكتم هيتذاع في النهاية.

تنهد بحـ.ـز.نٍ شـ.ـديد وقال بتردد: بصراحة يا آدهم أنا كنت ناوي أقعدها في البداية عند إيثان لحد ما أقدر أمهد للشيخ مهران الحكاية بس انشغلت مع قرايبنا اللي جيهم يسلموا عليا وبعد كده في حوار يخص يونس وطليقته ودلوقتي هو رجع. لكن في شيء جوايا رافض نهائي مواجهة والدي إنت متتخيلش ممكن يحصل أيه لو عرف. كمان أنا حاسس إن مفيش داعي أعمل ده، أنا خلاص دوري انتهى، خلصنا من عمها وبقت في أمان فمالهاش لازمة تفضل على ذمتي.

برق بدهشةٍ: عايز تطلقها؟!
هز رأسه مؤكدًا، فتابع آدهم برزانة وتفكير: بس يا آيوب إنت جبتها هنا معاك لما تطلقها هي هتروح فين أعتقد إن هي دلوقتي مبقاش ليها حد غيرك!
زفر بضيقٍ وأجابه: مهو ده اللي مسكتني عن قراري، عايز أوفرلها سكن ومبلغ محترم تصرف منه ولحد ما أعمل ده سايبها على ذمتي عشان لو اضطريت أقابلها أو أزورها.
رفع أحد حاجبيه باستنكارٍ: عايز تفهمني إنك مشفتهاش من يوم ما وصلناها لشقة صاحبك؟!

أكد له دون أن يرف له جفنًا: أيوه. إيثان اللي بيوصلها الأكل والفلوس وطلبت منه كتير تشوفني بس أنا مشغول أو بصراحة مش حابب العلاقة تتعمق بينا بشكل يخليها تتعلق بيا خصوصًا إنها أسلمت ومحتاجه اللي يرشـ.ـدها للطريق فبحاول أفكر في طريقة تجمعها بالشيخ مهران عشان يساعدها بدون ما أظهر في الصورة.
ربت على كتفه بقوةٍ ومنحه الثقة: أعمل اللي تشوفه صح يا آيوب أنا عارف إنك حكيم وهتقدر توازن الامور...

وسأله بدقةٍ جعلت الاخير يندهش من عدm نسيانه لشق الحديث السابق: لكن قولي بقى حوار طليقة يونس ده أيه؟!
بالأعلى.
تناسى تمامًا وجود خديجة بداخل منزله، فوقف يتابع زوجته وهي تحتضن يونس ببكاء حارق، وعينيه مصوبة على غرفة آيوب بتـ.ـو.ترٍ قـ.ـا.تل، لا يود خسارة ابنه الأكبر مهما كان الثمن، ألا يكفيه ما تعرض له من عـ.ـذ.اب وقهرًا وما أصعب أن يُقهر الرجـ.ـال!

حاول تشتيت عقله مطمئنًا أن خديجة لا تتمكن من التحرك من فراشها لاضلاعها المنكـ.ـسرة، فحاول أن يكون صامدًا حتى لا يثير شكوكه مفضلًا متابعة حوار زوجته ويُونس.
كانت متعلقة به بقوةٍ، بعدmا عاد فقيدها الذي ظنته توفاه الله، فقالت ببكاء يشق الصدور: والله العظيم كان عندي ثقة في الله عز وجل إنه مش هيخذل قلب أم بتدعيله في كل صلاة، وبعظمته أستجابلي دعواتي وقر عيني بيك يا حبيبي.

قبل جبهتها ويديها معًا، لا يتناسى فضلها العظيم عليه، بفضلها لم يكن يتيمًا قط، كانت له أمًا يتحاكى عنها لألف سنة.
مسدت على شعره الغزير ورددت بحبٍ وحيرة لما قد تفعله لاجله فقالت: اقعد يا حبيبي هحطلك الاكل يارتني كنت أعرف إنك جاي كنت عملتلك وليمة.
بقى واقفًا محله وبصوتٍ متعب قال: معلشي يا أمي مش هقدر، عايز أرتاح وأكون لوحدي شوية. كنت هطلع على فوق على طول بس حبيت أشوفك وأطمنك عليا.

تمسكت بذراعه بعنفٍ والخــــوف يتغلغل حدقتيها، كأن الشرطة عادت لتسحبه عنها، فعاد لها نفس ذلك الشعور المقبض هاتفة باندفاعٍ: لأ يا يُونس مش هسيبك تبعد عننا تاني، سريرك جوه زي ما هو يا حبيبي.
ربت على يدها مرددًا بتوسلْ: معلشي أنا محتاج أكون لوحدي. وبعدين أنا شقتي فوقك ومش رايح في مكان بعيد عنك.

اتجه إليهما الشيخ مهران، ومرر يده على كتف ابنه بتفهمٍ: خلاص يابني اطلع ارتاح فوق ولما تفوق انزل نتجمع عشان في حاجات كتيرة تخص شغلك وفلوسك وايجار العمارة لازم تعرف كل اللي فاتك دي فلوسك بردو.
منحه نظرة عاتبته بقوة والتفت بجسده له يهاتفه بصوتٍ ارتفع عن هدوئه: فلوس أيه اللي بتتكلم عنها يا عمي! أنا مديون ليك بكل اللي امتلكه.

ابتسم ببشاشته الودودة وردد: لا يا حبيبي ده تعبك وشقاك. واللي لازم تعرفه إن محلاتك الصغيرة بقوا ما شاء الله أربع محلات ماسكين ناصية الحارة داير ميدور وإسمك منور عليهم، وكل أرباح تجارتك على ايجارات العمارة حطنهالك في حساب بنكي ما شاء الله عدي التمانية مليون جنيه وباقي فلوسك متدورة في رأس المال.
تفاجئ بما يستمع إليه وردد بحيرة: منين ده كله يا عمي ومين اللي دور المحلات وآيوب كان مسافر بيكمل تعليمه؟

أجابه بابتسامة واسعة فخورة باختياره لصديقٍ كان كالوتد بظهره: إيثان يابني ساب شغله وماله ومسك ادارة المحلات ورفض يأخد أي مليم لنفسه، دور الشغل من تاني يوم اتقبض عليك فيه وما شاء الله دmاغه وأفكاره في تسويق الانترنت ده خلت اسمك في حتة تانية.

واسترسل متعمدًا الضغط على حروفه: يعني يا حبيبي لو خارج وفاكر انك خسرت فلوسك وسمعتك فده مش صح لان كل اللي في الحارة عارفين اللي فيها وإنك اتحبست ظلم بسبب اللي معتز آآ...
قاطعه بو.جـ.ـعٍ وكأنه لم يحتمل ضـ.ـر.بة سوط أخر: بلاش تفتح سيرته ولا سيرة الخـ.ـا.ينة دي يا عمي، سبوني من فضلكم لوحدي مش عايز حد يطلعلي أنا لما هبقى كويس هنزل.
احترم رغبته وربت مجددًا عليه: زي ما تحب يابني المهم أنك وسطينا وبخير.

ابتسم ساخرًا على جملته الاخيرة، من يراه منتصب بوقفته يظنه على ما يرام، والفضل يعود لله ثم لذلك الآدهم الذي اخترع قوقعته، فقد أصر على أن ينعم يونس بحمامٍ دافئ ومنحه حقيبة بلاستيكة حملت قميصًا أسود وبنطالًا جملي ارتدهما عوضًا عن ملابسه الذي اهترت، وأزال عنه الاتساخ والقذارة التي علقت إليه من بقائه بذلك الحبس الممـ.ـيـ.ـت.

خرج يُونس من شقة عمه وصعد للطابق الثاني الخاص بشقته، تهـ.ـر.بت منه عينيه للدرج فكانت تلك الخائنة من وجهة نظره تسكن الطابق الثالث، كانت تمر عليه في ذهابها وعودتها، والآن تركت له أمقت الذكريات التي قد يحملها إنسانًا حمل يومًا عشقًا لها.
ولج لشقته سريعًا وكأنه يتهرب من آلامه فأتاه ألــمًا أعنف من السابق حينما أصبح بشقته التي تحمل جزءًا صغيرًا من ذكرياتهما.

خمسة عشر يومًا جعلهم جنة لها لتصفعه الإن بلهيب يبدأ بالتهام قلبه ويتسلل لجسده كالفيرس القـ.ـا.تل!
بينما داخل غرفتها، تسلل لها صوته فظنت نفسهل تتوهم سماعه، وحينما ارتفع نسبيًا انتفضت بالفراش، ساحبة ذراعها من أسفل رأس صغيرها النائم، وحاولت قدر الامكان الاستقامة بجلستها ولكنها تأوهت وتمددت بعجزٍ ومرضًا تام، هامسة ببكاء: يونس!

جاهدت مرة أخرى للنهوض فسقطت أرضًا محدثة صوت ضوضاء قوي ولجت لأجله السيدة رقية تهرع لمساعدتها قائلة بشفقة: يا قلبي عليكي يا بـ.ـنتي، قومي.
عاونتها لتتمدد مجددًا، فتعلقت بذراعها وسألتها ببكاء: أنا كنت سامعة صوت يونس. بالله عليكي قوليلي إنه عايش وإني مكنتش بحلم!
انهمرت دmـ.ـو.ع رقية تاثرًا وقالت: لا يا خديجة مكنتيش بتحلمي. يونس عايش وخرج النهاردة من السـ.ـجـ.ـن.

ارتسمت ابتسامة واسعة على محياها، وحاولت النهوض مجددًا وهي تردد بلوعة شوقها المحترق: خديني ليه يا حاجة رقية أنا عايزة أشوفه وآآ.
ابتلعت باقي جملتها حينما استيقظت من حلمها الجميل بمرارة ما فعلته به، من المؤكد بأنها أخر شخصًا قد يود رؤيته، فتهدل جسدها على الفراش مجددًا بانكسارٍ ودmـ.ـو.ع القهر ينهمر من عينيها.

مسدت رقية على وجهها بحنان وقالت: معلشي يا حبيبتي بكره هيعرف الحقيقة وهياخدك في حـ.ـضـ.ـنه، يونس طيب وقلبه مش أسود.
وتابعت تملي عليها تعليمـ.ـا.ت زوجها: اسمعي يا خديجة كنا لسه من شوية بـ.ـنتكلم أنا وعمك الشيخ وقال إنه مستحيل يسيبك تمشي من هنا، وبردو هو خايف يونس يشوفك فأنا هنقلك لأوضتي أنا وعمك الشيخ أمان عن اوضة آيوب، يونس عمره ما دخل اوضتي. فأنا عايزاكي لما يكون موجود هنا متتكلميش ولا تعملي أي صوت يا بـ.ـنتي.

هزت رأسها بطاعه ودmـ.ـو.عها تنهمر كالشلال: حاضر والله مش هعمل صوت بس عايزة اسمع صوته، خليه ينزل دلوقتي واتكلمي معاه عايزة اشبع من صوته بلاش ألــمحه لو هيعمل مشاكل.
همست ببكاء: يا حبيبتي اللي بتقوليه ده حـ.ـر.ام انتي لسه على ذمة راجـ.ـل تاني، بس متقلقيش آيوب وكلك صاحبه ومسك قضيتك وماشي في الاجراءات.
أغلقت عينيها بقوة وقهر يجتاحها واستدارت تجاه ابنها النائم، فالتفتت لها من جديد تتساءل: طيب وفارس؟!

أجابتها بابتسامة عـ.ـذ.باء وهي تمسد على شعر الصغير: مش هينفع نمنعه من الخروج ده مهما كان طفل. عشان كده هنظهره ليه وهنقوله ان ابن ناس قريبنا سايبنه هنا لأي حجة بقى هنرتبها يعني. وأهو فرصة يشوفه ويكون قصاده.
وسحبت الغطاء تداثره على جسدها وتخبرها: ارتاحي يا حبيبتي وبكره هنقلك للاوضة، متخافيش وارمي حمولك على الله عز وجل.
بوهنٍ رددت: ونعم بالله.

طرق آيوب باب شقة يونس مرات متتالية، فوقف يونس خلف الباب وردد بـ.ـارهاقٍ: وبعدين معاك بقى يا آيوب أنا مش منبه على عمي وقايله عايز أقعد لوحدي!
وتابع بانفعالٍ: ثم انك بقالك ربع ساعه بتخبط وأنا مطنشك مفتقدتش الأمل!
رد عليه بصوتٍ حزين: يُونس افتح. أنت عارف إني مش هنفذ اللي انت عايزه.
استند على الباب بجبينه وردد بتعب: عشان خاطري انزل يا آيوب أنا محتاج أكون لوحدي افهم بقى!

طرق بعصبية كادت باسقاط الباب، وصراخه الشرس يتحرر عن مرقده: خلاص اقفل براحتك أنا هبات هنا قدام الباب.
وبالفعل ترك آيوب الاكياس البلاستيكة جانبًا وجلس أمام باب الشقة، فزفر يونس بنزقٍ، وحرر المزلاج مرددًا بغـــضــــب: هتفضل طول عمرك عنيد واللي في دmاغك بتنفذه من غير ما يهمك كلام حد.
ابتسامة مشرقة تشكلت على وجهه الوسيم، ونهض يحمل الأكياس ويتجه للداخل بفرحة طفل سمح له والده بالذهاب لقضاء عطلة الصيف.

هز رأسه بيأسٍ، فيبدو أن السنوات الماضية لم تغير أحدًا سوى زوجته الخائنة، أغلق الباب واتبعه للصالون الفخم المجاور له.
فجلس مسترخيًا بصمتْ استفز آيوب الذي يحاول سحبه للحديث، فبدأ باقتراحه بتناول الطعام وحينما صده يونس لم ييأس فعرض صنع القهوة ولم يترك مشروبًا الا وعرضه عليه، فأطلق يونس زفرة حارة وقال بضجر: آيوب هتقعد تقعد وإنت ساكت مش بعامل طفل أنا!

قال بابتسامة اتشحت بالبرود قد ما تمكن: مهو أنا مش هتأقلم مع وضع الصمت اللي انت فيه ده، عايزك تتكلم وتفضفضلي وتقولي ناوي على أيه؟
رد عليه بـ.ـارهاق: مش ناوي على حاجة ولو كترت في كلامك هطردك بره ومش هيهمني تنام ولا تتقــ,تــل قدام باب الشقة!
هز رأسه وقد بدى أنه اقتنع بأنه غير مستعدًا للحديث، سحب أحد الأكياس البلاستيكة واقترب منه بتردد وارتباك لاحظه يونس فسأله بقلقٍ: ده أيه؟ وليه متـ.ـو.تر بالشكل ده؟

فتح الكيس من أمامه فظهرت المراهم الطبية والكريمـ.ـا.ت وبعض الادوية من أمامه، وبحـ.ـز.نٍ قال: أنا عارف إنك موجوع ومش هتقبل تشاركني أوجاعك بس أنا مش هسيبك كده، حتى لو رفضت هحطلك غـ.ـصـ.ـب عنك.
تعمق بالتطلع إليه، وازدرد ريقه بغصة ألــمته، فردد بصوتٍ محتقن: بلاش. بلاش عشان خاطري يا آيوب.
تألــم لألــمه ولكنه لم ييأس فقال بهدوءٍ: طيب هسألك سؤال لو أنا كنت مكانك كنت هتتخلى عني حتى لو أنا طلبت منك تبعد؟

ضم شفتيه معًا وكأنه يعتصرهما داخله، واستغرق مدة من التفكير، فلم يكن راضيًا لأن يرى أحدًا اصاباته وتوابع الظلم المستبد الذي إهانت به رجولته وجرد من كيونته دون رأفة.
كان يريد الاختلاء بذاته ليتخلص من ذكرياته واعتياد عينيه علة الظلم، كان بحاجة ليلملم جروحه فلا بأس إن حرر صرخاته أو بكى كالصغير، ولكن في حضرة أخيه حُرم حتى من ذلك.

تنهد يونس بو.جـ.ـعٍ وعاد يتطلع لآيوب الذي يتطلع له بنظراتٍ متوسلة الا يرفض معالجته لجروحه، فهز رأسه باستسلام ٍ، جعل الفرحة تشرق من جديد على وجهه، وقال: طيب تعالى مدد في الاوضة.
سحب كفه من يده وأجابه بغـــضــــب: لاااا، مش عايز أدخل الاوضة دي. ومن بكره تغيريلي عفش الشقة كله يا آيوب.
ربت على يده ليسترخى، فلا يريد خسارة فرصة معالجته، فقال: زي ما تحب، تعالى نروح أوضة الاطفال.

هز رأسه بخنوعٍ واتجه للداخل، راقبه آيوب وهو يتجه لاحد الأسرة، وبدأ في حل أزرار قميصه ببطءٍ وتردد واضح، حتى نجح أخيرًا بنزعه عنه.
جحظت أعين آيوب صدmة، وبدى على وشك فقدان كل محاولاته للثبات، قلبه يتمزق وفؤاده يُنتزع منه بقوةٍ لرؤية كل تلك الجروح التي أصابت جسد أخيه، ليته يتمكن من نهش لحم من فعل به ذلك.

بقى محله يحمل كيس الدواء وجسده يدور دون رأفة منه، خشى أن يلاحظه أخيه فاقترب وهو يجاهد لرسم ملامح عادية، تماسك لأصعب درجة ليضع ما بيده على صدره والأخر يغلق عينيه ويئن بصمتٍ.
وحينما جلس خلفه يعالج ظهره ترك آيوب العنان لدmـ.ـو.عه تتساقط لتغسل وجهه المحترق، بكائه على الرغم من إنه ليس مسموعًا ولكن شعر به يونس فقال ومازال مغلق العينين: انزل عيط تحت واتحسر على أخوك براحتك. بلاش قدامي عشان بالله ما ناقص.

اتجه للسرير المقابل له يخبره باصرار: مش نازل ومش هسيبك واللي عندك أعمله.
زفر بقلة حيلة وتمدد على الفراش يغلق عينيه: عايز أنام وبس يا آيوب.
نهض يجذب الغطاء لساقيه مراعيًا عدm لمس ظهره الذي تتركز به الجروح بكـ.ـسرةٍ عن صدره، وهمس له: نام ولو احتاجت حاجة ناديلي أنا جنبك.
هز رأسه وأغلق عينيه مجددًا محاولًا أن يحظى بنومة مريحة بعد أن حُرم من أن يحظو بقطعة حصير تمنع عنه رطوبة الأرض المتصلبة من أسفله.

في لندنٍ.
عاد لشقته ليبدل ملابسه سريعًا قبل غداء العمل الذي سيجمعه هو وعُمران مع أهم مساهم بالمشروع التجاري، مرر جمال يده بين خصلات شعره المشعث بإرهاق قد ذهق ملامحه، فقد قضى أيامه كُلها برفقة والدته، لم يتركها منذ خروجها من العمليات حتى هذا اليوم، ولولا أن وجوده برفقة عُمران هامًا للغاية لما كان اهتم بالذهاب.

أفتقد راحته ونومه المريح بمنزله وفراشه ولكنه تحامل لأجل والدته رافضًا تركها للممرضات، فكان هو من يتوكل باطعامها وأدويتها ومعاونتها بالذهاب للمرحاض.
أغلق باب الشقة من خلفه وعينيه تبحث عن زوجته، فوجدها تجلس أمام التلفاز، رسم ابتسامة هادئة وقال: كنت بدور عليكي في المطبخ ولما ملقتكيش قولت أكيد انك هنا.
منحته نظرة بـ.ـاردة وقالت: عادي يعني قولت أمدد شوية وأنا بتفرج على المسلسل.

وتساءلت وهي تقضم ثمرة التفاح أمامها: غريبة إنك راجع بدري النهاردة.
أجابها وهو يتجه لغرفة النوم: ورايا معاد مهم مع عُمران. غداء عمل.
وضعت طبق الفاكهة عن يدها ولحقت به تطلق إحدى شرارتها: يعني اليوم الوحيد اللي جته بدري من المستشفى هتخرج فيه؟
سحب أحد بذلاته الآنيقة وقال: يعني بمزاجي يا صبا ما قولتلك شغل مهم.

أصرت إليه بطلبها، وكأنها تتحجج لخلق المشاكل من العدm: طيب ما تكنسله وتيجي نخرج نتغدى برة في أي مكان حلو.
ارتدى بنطال البذلة ووضع حذامه من حول خصره قائلًا بنفس نبرته المتمسكة بالهدوء: مينفعش لازم أكون موجود معاه لإني شريكه. وبعدين عُمران مصمم أكون موجود.
ربعت يديها أمام صدرها وقالت بحقدٍ: مدام بتنفذ طلباته وبتعزه أوي كده بصله واتعلم منه.

توقف عن غلق أزرار قميصه، واستدار تجاه مكان وقوفها مرددًا بدهشةٍ: أتعلم منه! تقصدي أيه بكلامك ده؟
اندفعت بهجومها الضاري تلقي ما اعتمرها: قصدي تتعلم من معاملته الرقيقة لمـ.ـر.اته، تتعلم من طريقته بالكلام، حتى طريقة لبسه واستايله! اهتمامه بجـ.ـسمه وآ...
قُطعت صفعته جملتها، فاعتدلت بإيماءة وجهها وكفها يحتضن خدها، مرددة بصوتٍ مرتعش: بتضـ.ـر.بني يا جمال!

انفعلت أنفاسه المنطلقة من داخله، وصاح بغـــضــــبٍ ساحق: إنتِ بأي عين تقفي قدامي وتتكلمي عن راجـ.ـل غيري! وبأي حق تسمحي لنفسك تبصي وتدققي في شكله وجـ.ـسمه ولبسه أنا بجد مشفتش وقاحه أكتر من كده!

واستطرد بصراخ أرعـ.ـبها: أقسم بالله لانـ.ـد.مك على كل كلمة خرجت منك يا صبا. أنا زي ما أنا ومش هتغير لا عشانك ولا علشان أي حد، وبعدين إنتِ أيه مفيش ليكِ كاسر! بقى أنا طالع عيني في الشغل ليل نهار، ورافض إنك تقعدي مع أمي وقايم بكل طلباتها عشان واجب عليا أولًا وعشان عارف إنك تعبانه من الحمل، بعاني وشايل فوق طاقتي وانتي مقضياها مقارنات ومستحلة لنفسك تبصي لراجـ.ـل بصة زبـ.ـا.لة بالشكل ده وفوق كل ده جاية تتكلمي قدامي!

وتابع وهو يلقي المزهرية المتطرفة على الكومود، صارخًا: امشي من وشي مش طايق أشوفك.
وكأنها أفاقت من جنون غيرتها وحقدها لفضاحة ما ارتكبته، فاقتربت منه تردد بدmـ.ـو.عٍ غائرة: أنا آسفة والله ما أعرف قولت كده ازاي. أنا مبصتلوش أنا شوفته كذه مرة وعجبني استايل لبسه وطريقته مع والدته ومـ.ـر.اته وآ...
تتعمد أن تخرج أسوء ما فيه، فكور يده وصاح بانفعالٍ: اخرسي مش عايز أسمع حاجة.

ودنى إليها يردد وعينيه ترمقها باستحقارٍ: أنا صونتك وعمري ما رفعت عيني في عين واحدة في حين إنك مقضياها مقارنات بيني وبين رجـ.ـا.لة تانية، الظاهر إن طيبتي معاكي اديتك الجراءة إنك تتكلمي قدامي عن اللي جواكي فخليني أنا كمان أصدmك بشيء مكننش أتمنى أقوله بس عشان مقارنتك لشخصية عُمران تكون كاملة من كله.

واسترسل ببسمةٍ ألــم لخوضه بسيرة صديقه المخلص والأخ القريب لقلبه دونًا عن أشقائه: كنتِ هتقبلي إنك تكوني على ذمتي وأنا يكونلي علاقة بواحدة غيرك! كنت هتقبلي إنك تعيشي معايا في بيت واحد وأنا ليا أوضة بشاركها مع عشيقتي، كنتِ هتقبلي بكرهي ليكِ واهانتي ليكِ واجبـ.ـاري ليكِ تكوني موجودة في أي مناسبة احضرها وايدي في ايد عشيقتي!

جحظت عينيها صدmة ورفض تام لهذا التخيل فأضاف ببسمة ساخرة: مايا قبلت بده وده كان جزء من شخصية عُمران غير علاقاته السابقة، ودلوقتي بعد ما اتغير وبيعوضها عن اللي شافته بصيتلها في حياتها!
وجذب جاكيته وحذائه واتجه للخروج متغاضيًا عن قميصه المهمل، فلم يعد يحتمل البقاء معها بنفس المكان لأكثر من ذلك.

لحقت به وهي تناديه فاستدار يصيح بشراسةٍ: متنطقيش اسمي على لسانك. خليكي قاعدة هنا لوحدك لمقارناتك العظيمة، ويا بـ.ـنت الحلال مدام أنا مش مالي عينك ولا بمواصفات فارس أحلامك الخيالي واتصـ.ـد.متي بيا فأنا ميرضنيش تعيشي معايا معـ.ـذ.بة هديكي فرصة تعيشي مع راجـ.ـل غيري وعشان تعيشي حياتك بدون أي عائق هسيبك على ذمتي لحد ما تولدي، سبيلي الولد هربيه وروحي شوفي حالك مع اللي تتمنيه.

صعقت مما استمعت إليه فقالت ببكاء: انت بتقول أيه يا جمال! هتطلقني بالسهولة دي! هتبعد عني يا جمال!
منحها نظرة شملتها من رأسها لأخمص قدmيها، وخرج مسرعًا صافقًا الباب من خلفه، ولج للمصعد يستكمل ارتداء ملابسه واستند على المرآة يبتلع تلك المرارة المريرة، كيف تسمح لذاتها بالتطلع لرفيقه بتلك الدقة، كيف فعلتها وهي على ذمته!
خرج من المصعد لسيارته واتبع الموقع على هاتفه ليصل للفندق المنشود.

زفر بضيقٍ وهو يقف أمام عددًا ضخمًا من حقائب السفر الكبيرة، يتفحصهم بضيقٍ، وزمجرته المحتقنة تصل لزوجته القابعة بالفراش بتعبٍ، فنهضت تلحق به متسائلة بفضولٍ: مالك يا عُمران؟

استقام بوقفته يلتفت إليها مربعًا يديه بمنتصف صدره العاري المحاط بالمنشفة: مش عارف ألاقي هدومي! حقيقي أكتر شيء مزعج كان إني وافقتكم وجيت معاكم هنا بالبيت ده ولا لاقي أي وقت أصمم وأنفذ فكرة الرفوف اللي في دmاغي ولا هدومي مترتبة بشكل كويس!
كبتت ضحكاته بصعوبةٍ، مازال كما عاهدته يعشق ترتيب ملابسه وأغراضه بتناسق مثالي مريـ.ـض، فسألته وهي تتحلى بجدية زائفة: طيب قولي عايز تلبس أيه وأنا هساعدك.

جاب غرفة الملابس ذهابًا وإيابًا يجيبها بغـ.ـيظٍ: no way أنا مبعرفش ألبس على ذوق حد
حتى لو كان الحد ده إنتِ يا بيبي، أنا ليا ذوقي الخاص!
زمت شفتيها بسخطٍ: طيب والحل أيه دلوقتي!
خبط بكفيه على ساقيه: مش عارف يا مايا. كده هتأخر!
وأشار لها وهو يعود للحقائب يبحث بعناية: اتصلي بجناح على واتاكدي إن فاطيما خلصت لحد ما أحاول تاني أنقيلي شيء كويس.

هزت رأسها وابتسامتها تتسع، فاتجهت للفراش وجذبت هاتفها المسنود للكومود وطلبتها فأخبرتها بأنها استعدت بالفعل منذ ساعة كاملة والآن تنتظر عُمران الذي تأخر كثيرًا.
أغلقت الهاتف وزفرت هامسة بسخريةٍ ويدها تمسد على جنينها: أوعى تطلع لبابي هشفق على قلب مراتك من الغيرة من دلوقتي!

هبطت فاطمة تنتظر عُمران بالأسفل، فانتبهت لفريدة الجالسة بشرود وحـ.ـز.نًا غامضًا، اتجهت إليها تنحنح برقة لتلاحظها الاخيرة، فقالت بابتسامة راقية كحالها: فاطيما إنتِ خارجة؟
أمأت برأسها: أيوه رايحة مع عُمران غداء عمل. مصر إني أروح معاه بس بصراحة أنا مرتبكة.

أخفضت ساقها عن الاخرى ونهضت إليها مرددة باهتمامٍ وحنان: لازم يا فاطيما، خروجك وشغلك في حد ذاته هيمحنك القوة، وبعدين أنا عايزاكي كمان معايا في ادارة مركز على الطبي، هتكوني مسؤولة عن الحسابات وبكده هتساعديني. زينب كمان هتكون موجودة معانا فالموضوع هيكون لطيف وهيعجبك.
تحمست للغاية وكادت بأن تشكرها ولكن صوتًا رجوليًا، مشاكسًا صدح لهما: مش معقول يا فيري بتقصري على عقل موظفتي وشريكتي وبتغريها تكون معاكي!

وبدراما مضحكة قال: طيب وأنا مفكرتيش فيا! بس في اللحظة دي هقولك no way فاطيما تتخلى عني لإنها عارفة إن مايا مش هتقدر تنزل الشركة وهي تعبانه صح يا فاطيما؟
ابتسمت مرحبة بتمسكه بها، وقالت لتراضي الاطراف: خلاص أنا هفضل مع عُمران لحد ما مايا تولد وتقوم بالسلامة إن شاء الله وبعدها هشتغل مع حضرتك يا فريدة هانم لإني بجد متحمسة للفكرة من دلوقتي.

اتسع ثغرها بابتسامة رقيقة وقالت: تمام يا حبيبتي. يلا روحوا عشان متتاخروش.
غادر عُمران برفقتها، بعد أن اعتلت المقعد الخلفي، وصل بعد عشرون دقيقة للفندق المقام به الغداء، هبط مسرعًا من مقعده حينما وجد أحد العاملين بالفندق يمارس مهنته بفتح أبواب السيارات، فوضع يده على يده الواشكة على فتح باب فاطمة المرتبكة، قائلًا ببسمة جذابة: عذرًا، إليك مفاتيح السيارة.

وناوله المفتاح وابتعد يفتح بابها إليها، طُعمت نظراتها بالامتنان، وازدادت ثقتها بأنه لطالما لجوارها سيمنع أي سوءًا يحدث معها مثلما أخبرها زوجها الحبيب.
اتبعته للداخل حيث طاولة تتوسط المكان المحجوز أكمله لذلك الاجتماع، فكانت الطاولة ضخمة وتضم عدد لا بأس به من النساء والرجـ.ـال.

مشط عُمران الطاولة بعينيه، واختار، الجلوس بنهايتها رغم أنه سيكون المغزى الرئيسي للاجتماع، ولكن حرصًا منه أن يبعد زوجة أخيه عن الأعين، فسحب المقعد ما قبل الاخير وجلس عليه تاركًا لها الاخير حتى لا يجاورها أحدًا.
تعجب جمال من فعلته فترك مقعده ونهض يلحق به، فجلس جواره من الناحية الاخرى يهمس له بصوتٍ كان مسموع لفاطمة: أنا حجزتلك جنبي في أول التربيزة قعدت هنا ليه؟!

أجابه بايجازٍ: عشان فاطمة تكون مرتاحة في قعدتها.
هز جمال رأسه بخفوت، فسأله عُمران باهتمامٍ: طمني شوشو أخبـ.ـارها أيه؟ وحـ.ـشـ.ـتني أوي والله.
اتسعت ابتسامته وردد يخبره بأخر المستجدات: من ساعة زيارتك الاخيرة إنت وفريدة هانم وهي مُصرة تعمل دايت وتروح جيم!

طالعه قليلًا بدهشة انقلبت لموجة من الضحك، فشاركه جمال بتحفظٍ، بينما ردد الطاووس الوقح: طيب بلغها بقى إن أول ما تخرج من المستشفى تخصصلي يوم كامل هاجي أخدها وأرجعها بليل، وقولها إن الخروجة دي هتشكرني عليها أول ما ترجع مصر ويقابلها الحاج وقتها هيزيد عشقها ليا.
تقوست شفتيه وصاح بيأس من تغيره: ناوي على أيه يا وقح. أمي مش حمل دmاغك السم دي!

عدل من جرفاته الرمادي وأجابه بغــــرورٍ: كل خير يا جيمي. وبعدين لازم يكون عندك ثقة فيا شوية!
احتل حـ.ـز.نًا غامضًا عينيه وأجابه بنبرة عميقة: ثقتي فيك أكبر مما تتخيلها يا عُمران.
ترك كوب المياه الذي تجرعه بأكمله وقال بشكٍ: في أيه؟
تنحنح يجيبه بخشونة: في أيه بس ما أنا كويس أهو!
منحه نظرة متفحصة جعلت الاخير يتهرب منه، وصاح بعصبية لا تليق بهدوئه: بطل تبصيلي نظرة المحقق كونان دي!

تطلع أمامه وحرر جاكييه الأسود ليحصل على جلسة مريحة هادرًا بوعيدٍ: ماشي يا جيمس لك روقة بعد الاجتماع، هقررك بطريقتي!
حدجه الاخير بنظرىٍ مشتعلة وغير سياق الحديث حينما مال للامام قليلًا ليتمكن من رؤية زوجه أخيه، مرددًا بلطفٍ: إزيك يا مدام فاطمة. منورة الاجتماع.
رفعت مُقلتيها إليه، وبتـ.ـو.ترٍ ملحوظ لهما قالت: ميرسي.
عاد جمال بظهره للمقعد باستغراب من طريقتها الغامضة ولكنه لم يعلق وتابع الاجتماع باهتمامٍ.

ازداد عدد المتواجدين تدريجيًا، حتى احتل الصف المقابل لهم عدد منهم، ووضع الطعام ليتناولونه قبل بدأ الاجتماع.
نهض عُمران يجذب احد الاطباق، واضعًا أصنافًا متعددة من الطعام ووضعه قبالة زوجة أخيه حتى لا تضطر للوقوف والانحناء بجسدها أمام الرجـ.ـال الحاضرون برفقة السيدات، حتى المياه والمناديل الورقية وضعها، كأنما يصطحب معه ابـ.ـنته الصغيرة أو شقيقته شمس المعتادة منه على المعاملة الرقيقة تجاهها.

واستدار تجاه جمال فوجده غير عابئ بالطعام من أمامه، عقله شارد فيما حدث بينه وبين زوجته، فسأله بمزحٍ: عايز مساعدة! أغرفلك طبق ولا أيه نظامك؟
أشار له نافيًا: لا ماليش نفس.
جحظت عينيه بدهشةٍ، فترك الطبق من يده وجلس جواره باهتمامٍ: اتكلم يا جمال وقولي مالك بدل ما أقسم بالله أنيمك مكانك.
وبهمس مكبوت بغـ.ـيظه: مهو أنا مش هحايل في أمك طول القعدة انطق!

زفر بمللٍ منه، وبنزقٍ نافر قال: متخانق مع صبا يا عُمران ارتحت!
زم شفتيه ساخطًا: تاني! أقصد عاشر. إنت يابني آدm معندكش دm! راعي إنها حامل ومش حملك.
راقبه بصمتٍ فراقب الجمع وعاد يميل هامسًا ليتمكن من سحب الحديث من فمه: بص لو نرفزتك إن ريحتك مقرفة مثلًا فمتقلقش تقريبًا كل الحوامل كده. أنا اتاكدت من يوسف امبـ.ـارح!

منحه نظرة ساخرة، فحك لحيته النابته وعاد يخبره: طيب طلبت منك أكلة مش موجودة في لندن وقلبتها نكد عليك!
مال للأمام على الطاولة بقلة حيلة، فجذبه عُمران للخلف بعصبية كادت باسقاط المقعد ونهض يجذبه من رقبته صارخًا بانفعالٍ، متناسيًا وجوده بمكانٍ هكذا: بروح أمك قاعد تتدلع عليا، ما تنطق فيك أيه؟ مبقتش حمل أنا المناهدة كفايا قرف نعمان ومصايبه!
برق جمال بصدmة وصاح للاخير: عُمران إنت اتجننت الناس حولينا!

تهدل ذراعه عنه بحرجٍ شـ.ـديد وعاد لمقعده ببطءٍ راسمًا بسمة بالكد وردد: أعتذر لكم. اكملوا طعامكم نحن على ما يرام تمازحنا فحسب!
عاد الجميع لتناول طعامهم والاحاديث الجانبية فيما بينهم تغطي على المعركة الدائرة بين عمران وجمال الذي صاح بعصبية: عجبك كده!
أجابه بنزقٍ: مهو أنا مقدرش أقعد هادي وشايفك بالوضع ده وأنا أساسًا فضولي!

رغمًا عنها يصل لهما حديثهما، وجل ما يسيطر على تفكيرها اكتشاف جوانب غامضة من شخصية عُمران، حالها كحال من ينخدع كونه شخصية صارمة مخيفة، من ذو القساة قلوبهم، أعجبها اهتمامه برفيقه في اطار حوار عاديًا بينهما.
سحب عُمران طبق إليه ووضع به قطعتين من اللحم، غمس قطعة صغيرة بشوكته وقربها من جمال الذي تأفف بضجرٍ: ماليش نفس أحلفلك بأيه عشان تصدق! بلاش تحسسني إني المدام وقلقان على اللي في بطني من قلة الأكل!

ألقى الملعقة بطبقه وتركه من أمامه دون أن يتناول شيئًا هادرًا باستهزاء: وإنت تطول يا معفن!
وتابع يحذره باشارة منه: بلاش تستفزني يا جمال بدل ما أقوم أطربق تربيزة كفار الجاهلية دي فوق دmاغك!
ضحك رغمًا عنه فما أروع تشبيهه، حيث كانت تضم كميات طعام مبالغ به، فمال إليه يخبره بـ.ـارتباكٍ من رد فعله: عايز أسحب منك لقب الطاووس الوقح وأحطلك بعد إسمك سايكو بحيث تكون عُمران سايكو!

ضاق برماديته بنظرة ساخرة، وعدل من جاكيته بغــــرور وثقة: أنا لو دmاغي سايكو (مـ.ـجـ.ـنو.ن) زي ما بتقول مكنتش وصلت للمكان ده! أنا دmاغي ألــماظ حر واللي جايلي لحد مكتبي واثق كل الثقة إنه جاي المكان الصح.

كاد بأن يشاكسه جمال ولكن قطعه حديث الممولين، بالحديث بفخر عن المشروع الضخم المقام بمبالغ مُذهلة، وبعد حوار طويل شرع بفخر تعامله مع شركات عُمران الغرباوي لتنفيذ مشروعه، وبالاشادة إليه انطلقت وابل من التصفيقات والأعين تتجه إلى مكانٍ جلوسه، فأصبح مكان فاطمة بـ.ـارز للعلن، مما أزعج عُمران كثيرًا.

نهض من محله يشير لهم بكـبـــــريـاء وثقة اتبعت نبرته القوية: شكرًا لكم، ولكني لست المسؤول عن المشروع بمفردي، لدي شريكًا أخر يساندني.
وأشار لجمال معلنًا إسمه على ملأ من جمع كبـ.ـار رجـ.ـال الأعمال، لينال نفس النصيب من المدح والتصفيقات، فاضطر أن ينهض جوار عُمران بعد أن أرغمه بذلك.

مضت نصف ساعه ومازال النقاشات قائمة، ولكن أغلب الآعين تراقب مكان عُمران بعد أن كُشف عن هويته بفضول لرؤية ذلك المهندس الذي صنع لذاته صيتًا باهرًا، مما بدد الخــــوف والرهبة داخل أعماق الجالسة لجواره، ومازالت تحاول المحاربة.

رفعت رأسها فوجدت احد الرجـ.ـال الجالسون قبالتها يتمعن بها من رأسها لأخماص قدmيها، وكأنها عارية، اختلجها الخــــوف فمالت على عُمران تناديه على استحياءٍ وما أن أجابها حتى قالت بتـ.ـو.ترٍ: ممكن أخرج أستناك بره؟
كاد أن يتساءل عن سبب طلبها المفاجئ ولكن قطعه صوت نفس الرجل المحدق بها يردد بنظراته الجريئة: تعجبت من جلوسك هنا رغم أنك من أهم الحاضرون هنا وما أن جلست قبالتك حتى كشفت تلك الجوهرة الفاتنة تتخفى لجوارك!

وتابع وهو يلعق شفتيه بطريقة مقيتة لمن يفهم مغزاه: لحسن الحظ أن السيدة مايسان لم تحضر برفقتك والا لما حظيت برفقة تلك الحسناء!

لحسن حظها بأنها لا تجيد الايطالي مثلما يجيده عُمران وجمال، تصاعدت النيران من حدقتيه بشكلٍ مخيف، أخر ما يتوقعه الآن أن تطولها نظرات ذلك السفيه القذر، ومبالغته فيما يفعل لمجرد تأكيده بأنها ليست زوجته، انفجرت الدmاء من أوردته، فمال برأسه يسارًا ويمينًا مصدرًا صوت طقطقة مخيفة، ارتعب جمال من رؤيته كذلك، فأمسك معصمه المتعصب هادرًا: اهدى يا عُمران هو ميقصآآآ...

طاحت باقي جملته حينما قلب الطاولة التي تفصله عنه، وفي لحظة كانت يده تلتف من حول رقبة غريمه، يجذبه بقوةٍ ليواجه ذاك الجحيم المتأجج داخل رماديته الداكنة، وبصوتٍ جهوري أرعـ.ـب ذاك المعلق بين يديه: لانها ليست زوجتي هل يحل لك النظر لها بتلك الطريقة الوضيعة، حسنًا إليك مفاجآتي إنها شقيقتي وزوجة أخي أيها الوضيع!

أنهى كلمـ.ـا.ته وأسقطه أرضًا يطيحه بركلة قدmه بقوةٍ أمام أعين باقي الحضور المندهشون لما أصاب عُمران لمجرد كلمة وجهها لموظفته الخاصه، ارتعبت مما يحدث ودنت منه تتساءل بخــــوفٍ: عُمران في أيه؟
صرف عنه عفاريته ووقف إليها يمنحها مفتاح سيارته قائلًا بهدوء يحاول الالتزام به خشية من أن تصيبها أي نوبة: استنيني في العربية يا فاطمة. شوية وجاي.

هزت رأسها وغادرت على الفور لشعورها باضطراب يصيبها، رعشة يدها وجسدها أخافتها ان تهاجمها النوبة هنا وبرفقة شقيق زوجها، انهمرت دmـ.ـو.عها تباعًا وحاولت فتح سيارته بيدٍ مرتعشة أسقطت المفتاح أرضًا و.جـ.ـعلتها تجلس على الرصيف باهمالٍ.
فتحت فاطمة حقيبتها سريعًا تبحث عن هاتفها لتطالب أكبر هالة تمنحها الأمان والسكون، حررت زر الاتصال به ورعشتها تزداد تدريجيًا.

علي الجانب الاخر كان يجلس برفقة شقيقته بأحد المطاعم، بعد ان قام باصطحبها لقصر عائلة الغرباوي بالقاهرة، فتعالت ضحكاته بعدm تصديق لما تخبره به وأنهت حديثها بضيقٍ: متضحكش يا علي. كنت هعمل أيه يعني لو عُمران عرف إنه شافني كده! مش بعيد كان ركب على أول طيارة ونزلي أنا وآدهم.
أطلق ضحكاته الرجولية بحريةٍ، وصاح ساخرًا: طيب وبتحكيلي ليه لو مقتنعة إنك عملتي شيء غلط!

أجابته بتلقائية: لانك عاقل وجنتل في نفسك كده، متأكدة إنك هتقعد وتسمعني ونتفاهم لكن الطاووس الوقح ده دراعه اللي بيتفاهم!
ضحك مجددًا فابتسمت وتابعت لتزيد ضحكاته التي تسعدها: بس شكلي كان مسخرة لدرجة إن والد آدهم اتبرى منه وطلع جري من الاوضة مفكرني شبح مـ.ـر.اته!
سعل بقوةٍ وهو يرتشف عصيره من فرط الضحك، فقال بحزمٍ مصطنع: خلاص بقى هفطس منك كده يا شمس.

وأشار على طبقها الذي مازال كما هو بينما انتهى هو من طعامه: يلا خلصي أكلك عشان نتحرك. الوقت اتاخر ومينفعش ندخل بيوت الناس في مواعيد متأخرة.
هزت رأسها بتفهم وشرعت بتناول طعامها، بينما تلقى هو مكالمة زوجته، فنهض على الفور يردد: ثواني وراجع يا شمس. معايا مكالمة.
حركت رأسها بخفة فابتعد هو وفتح الهاتف يردد بحبٍ: حبيبتي كنت هكلمك أول ما أرجع على طول، ها طمنيني الاجتماع كان عامل ازاي؟

لم يستمع لصوتها، فقط صوت شهقات يتسلل لها، فردد بلهفة ممتلئة بالخــــوف: فطيمة! في أيه؟
لا رد يريح قلبه الثائر فعاد يتوسل لها: حبيبتي ردي عليا طمنيني إنتِ كويسة؟
ازدادت الشهقات مما دفعه لقول: ردي عليا يا فاطمة. طيب فين عُمران اديهوني أكلمه؟
أجابته برجفة صوتها المرتعش: جوه في الفندق.
التقط أنفاسه ببعض الراحة لسماع صوتها واستمر بأسئلته: طيب وانتي فين؟

قالت وهي تستند على السيارة: بره عند عربيته مش قادرة أفتح بالمفتاح وجـ.ـسمي كله بيرتعش. آآ، أنا خايفة يا علي!
كبت و.جـ.ـعه بتلك اللحظة وردد: من أيه يا قلب علي. فهميني أيه اللي حصل وليه عُمران سايبك عند العربية لوحدك؟
وقبل أن تتحدث قال: خلينا الأول نسيطر على الحالة اللي عندك قبل ما تقلب لنوبة، اهدي يا حبيبتي ونظمي نفسك، شهيق وزفير على مراحل.

اتبعت تعليمـ.ـا.ته نصيًا، لعدm رغبتها بحدوث ما يجعلها بموقف حرج، خمسة دقائق استغرقتهم حتى هدأت تمامًا، اتاها صوته الدافئ يتسأل بنبرة تعشق سماعها: أحسن؟
الحمد لله
قادرة تقفي؟
أيوه.
قومي واقعدي جوه العربية وافتحي المكيف عشان تكوني مرتاحة في الكلام.
نفذت ما أملاه عليها، صوته الحنون ذاته قد ساهم بتهدئتها عوضًا عن تمارينه الطبية، وما أن شعر بهدوئها قال: احكيلي اللي مضايقك؟

استجمعت شجاعتها للحديث دون بكاء: مش عارفة أنا كنت كويسة، وعُمران بصراحة كان مطمني، تصرفاته من بداية دخولنا لحد ما اختار مكان ورا عشاني، بس فجأة المكان بقى زحمة فحسيت بالخــــوف، وكمان معرفش أيه اللي، حصل فجأة عُمران اتنرفز ومسك واحد من اللي جوه ضـ.ـر.به جـ.ـا.مد.
ضـ.ـر.به ليه؟
معرفش أنا مش بعرف ايطالي يا علي.
طيب اهدي وكملي أنا سامعك ومعاكِ يا حبيبتي.

مفيش هو طلب مني أخد المفاتيح واستناه بره بس أنا لما خرجت معرفش ليه حسيت ان الدنيا بتلف بيا ومقدرتش أقف على رجلي فكلمتك على، طول.
ربط على الأمور وانتهت بشكٍ يراوده، فاحتجت أوردته باحتقانٍ غاضب، فمن المؤكد بأن أخيه لن يتطاول على أحدٍ بمجال عمله الا إذا تلصصت عينيه على نساء منزله، وقد طالت الآن فاطمة.

حافظ على هدوئه وقال بحب: كل ده طبيعي وعادي جدًا يا فطيمة، أما نرفزة عُمران فممكن تكون خلافات في شغله وهو مش من النوع اللي نفسه طويل.
واستطرد بحنان: أنا معاكي أهو ومش هسيبك الا لما يرجع وأطمن إنك رجعتي بخير.
قالت وهي تخفض نافذة السيارة المعتم لتتفحص القادm بوضوحٍ: عُمران جاي أهو. بس في واحد جاي ورا أعتقد ده اللي كان بيتكلم في الميك أغلب الاجتماع.

بقى علي على الهاتف، فاستمع لصوت فتح باب السيارة وعُمران يتحدث لها: هنتحرك على البيت على طول يا فاطيما، انتي كويسة؟
أجابته بـ.ـارتباكٍ من أن يكون لاحظ حالتها: أيوه.
أوقفه من هرع إليه يصيح باللغة الايطالية المفهومة لعلي الذي يستمع لكل ما يدور بفضل اقتراب عُمران للسيارة، يكاد يكون ملتصق بها: سيد عُمران أعتذر لك نيابة عن جيرمان، وأمل أن تقبل اعتذاري وتعود لمتابعة امضاء العقود.

أجابه بحزمٍ وصرامة مخيفة: أي عقدًا هذا! تناسى أي عقود تربطك بشركاتي إن بقى هذا القذر شريكك دانيال.
ارتعب الرجل وكاد بأن تصيبه إغماء، تطلع للخلف فاتتبه لجمال الذي يدنو إليهما فناداه باستنحاد: سيد جمال أرجوك أن تجعله يصفح خطيئة هذا الأحمق بالنهاية لقد اعتذر لك عما فعله.
صرخ باشتعالٍ يمزقه إربًا: أي إعتذار هذا. لقد تجرأ ذلك الأرعن وتطلع لزوجة أخي بوجودي!
لم يكن يعلم بأنها زوجة أخيك!

حتى وإن كانت أحد موظفيني كان سينال العقـ.ـا.ب نفسه.
أجلى جمال صوته الهادر يحدثه بالعربية: خلاص بقى يا عُمران ما انت بهدلت الراجـ.ـل وكـ.ـسرتله رجله لسه عايز تعمل أيه تاني!
جذب جمال تجاه سيارته القريبة من سيارة عُمران وقال: متتدخلش في الموضوع ده يا جمال، اركب عربيتك وروح لوالدتك اتاخرت عليها.

لم يكن دانيال يفهم ما يحدث بينهما، ولكن دفعة عُمران أكدت له طلبه بالرحيل، فأمسك يده يترجاه: من فضلك سيد جمال لا ترحل دون أن نصل لحل.
وتطلع لعُمران يخبره: أخبرني مستر عُمران ما الذي يُرضيك لفعله، أنا على استعداد لفعل أي شيء الا خسارتك!
حل الخبث بمُقلتيه، وارتكن على ظهر سيارته جوار نافذة فاطمة بالتحديد، يخبره بكـبـــــريـاءٍ: إن أصبح ذلك الحقير خارج شركاء المشروع ربما حينها أقبل بأن يسري العقد بيننا.

بدى دانيال مشتتًا، لا يعلم كيف يتخذ القرار، من ناحية أحد الشركاء الخمسة بالمشروع والناحية الاخرى عُمران سالم الغرباوي الذي تفنن ليقبل بمشروعه رغم أنه مشروعًا هامًا يتمنى أي شخص أن يكون المحظوظ بتولي مهمة تنفيذه.

كـ.ـسر قاعدة صمته وجمال يتابع ما يحدث بفضول لمعرفة ما يدور بعقله، حتى على يكاد ينفجر من الغـ.ـيظ من تصرفات أخيه، فحينما استمع لجمال يخبره بأنه كـ.ـسر قدmه وأوسعه ضـ.ـر.بًا شُفي غليله وهدأت انفعالاته، بل بات فخورًا بأنه أمن أخيه على زوجته، ولكن لا يرضى أن يخسر عُمران مشروعًا هامًا وضخمًا مثل ذلك، فلقد ذاع صيته بأكثر، من بلدٍ أوروبية وباتت وجهة مشرفة لعمران.

كـ.ـسر الصمت بينهم صوت دانيال يخبره بـ.ـارتباك: لا أريد خسارة تعاملاتك سيد عُمران ولكن أنا الآن عاجز، فهو شريكًا بنسبة ثلاثون بالمئة مثلي، ونحن الآن في عجلة من أمرنا للبدء في تنفيذ المشروع فإن فعلت ذلك سنضطر للانتظار حتى نجد شريكًا أخر يحتمل تلك النسبة ويدفع نفس المبلغ المتفق عليه.
بسمة انتصار ارتسمت على ملامح عُمران الغامضة، فسأله بشيءٍ من اللامبالاة: كم تقدر؟
مئة مليون دولار أمريكي.

انتصب بوقفته وقال بخبثٍ جعل على وجمال يرفعون القبعة لذلك الماكر: حسنًا دانيال لا يرضيني خسارتك وتأخير مشروعك، ولكن كما تعلم أنا لا اتهاون مع من يسيء لي لذا سأعوض خسارتك تلك بعرضي التالي، سأجد لك شريكًا بديلًا لذلك الحقير، عليك فقط فسخ العقود معه وأحضر عقودًا جديدة لمكتبي بالغد، ستجد المبلغ والشريك الجديد حاضرًا.
ومن هو؟

ظنوا جميعًا بأنه سيكون هو، ولكنه فجأهم جميعًا حينما قال بغموضٍ: أحمد الغرباوي. مؤكدًا سمعت عنه.
تهللت أسارير الرجل لنيله شريكًا مثل ذلك، من قادة وأثرى الطبقة الآرستقراطية، فردد بحماسٍ: حسنًا سيدي، غدًا سأحضر أنا والثلاث شركاء الاخرون.
هز رأسه وأجابه بجمود: غدًا سنكون أنا وفريقي بالموقع. ولكن إن خالفت اتفاقك أخشى مصارحتك بما سأفعله بك ربما لن نجد أمك حاضرة لعلاجك!

ارتعبت ملامح الرجل وهز رأسه بتأكيد فما أن غادر حتى انفجر جمال ضاحكًا، هاتفًا بعدm تصديق: يخربيت دmاغك السم دي يا وقح! أيه التخطيط السريع ده.
أجابه بصوتٍ مختنق: هو اللي بدأ يستحمل ابن ال. ولا بلاش عشان فاطمة متستحقرنيش لو شتمت.
ابتسمت وقالت بحرج: هو أنا مفهمتش أي حاجة من الحوار بس على فهم وعايز يكلمك.

قالتها وهي تقدm له الهاتف، انتفض بوقفته يعاتبها بـ.ـارتباكٍ: مش تقولي إنه على الفون يا فاطيما، يعني سمع كل ده!
هزت رأسها موكدة له، فضحك جمال وودعه قائلًا: اشوفك في الموقع بكره. سلام يا طاووس.
وتركه وغادر، فاستقل عُمران مقعد القيادة ووضع الهاتف على أذنيه يردد: حبيبي يا دوك، كده تطول في الغياب والقلب حـ.ـز.نان!
سيبك من الاسطوانة اللي مبتأكلش عيش دي، وقولي إنت ازاي تكـ.ـسر رجل الراجـ.ـل وتضـ.ـر.به بالوحشية دي؟

يعني أنت لو مكاني كنت عملت أيه وهو بيآ...
متوضحش مش عايز فطيمة تفهم حاجة. أنا معاك في اللي عملته ولو كنت موجود كنت هعمل أكتر من كده بس إنت في مكان مهم وحوليك ناس مهمين فبالتالي هيتاخد عنك أفكار وحشة هتضرك في شغلك يا عُمران وبعدين أيه الفيلم اللي عملته على الراجـ.ـل ده، أقنعتني من كلامك إنك عايز تكون انت الشريك وفجأة قولت على عمي!

عشان أنا مش فاضي لادارة مشروع ضخم زي ده بالرغم من إن أرباحه وهمية ومضمونة، وكمان عايز أرد جزء من جمايل عمك علينا يا علي.
ابتسم وهو يجيبه باحترامٍ: فخور بيك وبالرغم من إنك الصغير بس ساعات بتعمل حركات بتكبرك في عيني. بس مش في كل الاوقات لما الطاووس، الوقح بيحضر مبيحضرنيش أي احساس غير الغـــضــــب.
ضحك وهو يخبره: خلاص هطفشه ولا تزعل يا دكترة!
طيب اقفل يلا واتحرك عشان فاطمة ترتاح.
حاضر، سلام.

وأغلق هاتفه ثم ناوله لفاطمة وقاد عائدًا للمنزل بلهفة اللقاء بعمه وإجبـ.ـاره بالمشروع الذي سيعد له دجاجة تبيض ذهب.
بمنتصف الليل عاد آدهم لمنزله ظنًا من أن والده قد خلد للنوم، فلا يريد أن يواجهه الآن، يعلم بأنه سيتألــم إن رأه حزينًا.
فما كاد بصعوده الدرج حتى اتاه صوت أبيه من خلفه: هتقاطع أبوك يا عمر! خلاص قلبك قسى عليا!

سحب نفسًا طويلًا قبل أن يستدير له، فهبط إليه واقترب لينحني مقبلًا يديه وهو يردد بحـ.ـز.نٍ: عمري ما أقدر أقسى عليك يا حبيبي. هو أنا ليا مين في الدنيا غيرك!
انهمرت دmعات مصطفى بتأثرٍ وقال ببكاء: حقك عليا يابني. أنا حتى مخترتش الوقت الصح اللي أقولك فيه الحقيقة، على الأقل كنت رعيت وجود مراتك وأخوها. هيقولوا أيه لما يلاقوك كده.
ابتسم رغم ارهاق ملامحه واحمرار عينيه: أنا كويس. مفيش فيا حاجة.

ضم وجنته بيده وقال بلهفة وخــــوف: سامحتني يا عمر؟
ضعف قبالته وغزت دmعته الغالية وجنته، فتحرر صوته المحتقن: مش مهم أنا. المهم هو يسامحك يا بابا.
احنى رأسه للأسفل وانفجر بالبكاء، وبكل يأس حمله جذب كف ابنه يقبله وهو يصيح بتذلل: أبوس ايدك يا عمر تجمعني بيه قبل ما أمـ.ـو.ت. عايزه يسامحني يابني حتى لو هتذلل وأبوس رجليه.

جذب كفه بصدmة من فعل أبيه وصاح بألــمٍ: بتعمل أيه بس! حـ.ـر.ام عليك تزيد في و.جـ.ـعي. أنا معاك وهساعدك عشان أنا كمان محتاجله ولو رفض يسامحك أنا اللي هتذلل ليه لكن إنت لأ يا بابا. إنت غالي ومكانتك بالنسبالي فوق أي حد حتى لو كنت غلطان.
احتضنه مصطفى بحبٍ وردد ببكاء: مخرجتش من الدنيا دي غير بيك إنت يا عمر. إنت كنزي وابني الصالح اللي متأكد إنك هتكون بـ.ـار بيا بعد وفاتي.

قبل كف يده باحترامٍ وحب: بعد الشر عليك، ربنا يجعل يومي قبل يومك.
أزاح آدهم دmـ.ـو.ع أبيه وارتفع بجسده يطبع قبلة على رأسه، ثم دفع مقعده لغرفة المكتب لضمان عدm سماع أحدٌ حديثهما، وما أن ولج للداخل حتى سحب مقعدًا خشبيًا وجلس قبالته يسأله بكل ذرة اهتمام: قولي كل اللي تعرفه عنه. أي معلومة صغيرة هتفيدني، ومتخافش عليا أنا جاهز لسماع أي شيء، بس المهم تقولي الحقيقة عشان أقدر أساعدك، قولي أخويا فين؟!
ما أبشع أن يختبر المرء مرارة فقدان الثقة، وبالأخص حينما تمنحها لأكثر إنسانًا لم تتوقع منه الغدر، وها هو الآن قد أُصيب في مقــ,تــلٍ حينما طـــعـــنته زوجته بكل ما أوتيت من قوةٍ، في كل مرة كانت تضـ.ـر.به بكفها على قلبه النابض وتلك المرةٍ لم تكن رحيمة فانهت أمره بخنجرٍ تركته معلقًا بصدره، لا ينتهي عـ.ـذ.ابه بزجه للداخل ولا بسحبه للخارج!

ربما تختبر قلة من النساء أحاسيس الغيرة والحقد حينما يتحدث زوجها عن امرأة أخرى في وجودها، ولكن الذي اختبره كان نادرًا ومخيفًا لدرجة تحدت رجولته! زوجته الفاضلة تقف قبالته تخبره بكل جراءة عن مميزات صديقه وقوام جسده العضلي الممشوق! أي و.جـ.ـعًا يضاهيه الإن.

صف جمال سيارته قبالة المركز الطبي الخاص ب علي الغرباوي، ومال للأمام بجسده يعتصره جفونه بقوةٍ عنيفة، لم يكن يومًا ذلك الشاب المرفه، ترعرع بأسرة متوسطة الحال، حيث كد أبيه عناءًا ليدخله الثانوية العامة، بينما أتى دور والدته العظيمة فقامت ببيبع ذهبها بأكمله لتحقق حُلم ابنها بالسفر إلى انجلترا ومتابعة الدراسة في آحدى الجامعات الانجليزية.

يتذكر بوضوح انها كانت ترسل له من مال ميراثها الذي حرمه أبيه أن يُصرف بمنزله، فاحتفظت به بحسابٍ بنكي، وحينما احتاج ابنها للمال لم تتردد أبدًا بتحويل الاموال له شهريًا، لذا حينما تخرج من الكليةٍ لم ينسى جميلها عليه فيعمل بجدٍ واجتهادًا ليرسل لها كل شهرٍ مبلغ كبير يساهم في تعليم أشقائه وزواج شقيقاته، حتى وإن اضطر أن يُقصر بمصروفاته الشخصية ولكنه لم يبالي.

وفوق كل ذلك أضاف لذاته حملًا بسرعة زواجه ممن أحبها واختارها قلبه، وبعدها عاد للندن للعمل لأجلها، فلقد ازدادت مسؤولياته بشكل عجزه كليًا، فأتت تزيد و.جـ.ـعه وتطالبه بالسفر إليه بإلحاحٍ شـ.ـديد، لذا رضخ لها وأمن لها مسكنًا يليق بها ورتب أمره.

اتبعه أمر مرض والدته وغيرها من العوائق التي أثرت على شكله بطريقة جذرية، ربما أهمل ذاته وسط همومه وما يتحمله على عاتقه، إنما هو شابًا قد تغلب عليه العمر لمشقته فبدى شاحبًا كمن يجاهد لأخر أنفاسه وفوق كل ذلك ضـ.ـر.بته بمقــ,تــلٍ جعله ينهار وهو يشعر بأنه لن يستطيع أن يحتمل أكثر من ذلك.

ألقى جمال هاتفه بتبلو السيارة بعدmا وصل عدد رنين مكالمـ.ـا.تها للحادي والأربعون، وهبط من السيارة يصعد لغرفة والدته، فلقد تعمد أن يأتي متأخرًا حتى تكون قد غفت، لا يريدها أن تشعر بما يعانيه، يكفيها مرضها فلن يزيد فوق تعبها تعبًا.
ولج للداخل فتفاجئ بوجودها بالداخل، تركض إليه بأعينٍ منتفخة وصوتًا مبحوح: جمال أنا آسفة حقك عليا أنا آ...

رفع كفه أمام وجهها وعينيه تتابع والدته النائمة بسلامٍ، فسحبها لخارج الغرفة وصرخ بها: أيه اللي جابك هنا؟
قالت ببكاءٍ وهي تتمسك بذراعيه: بكلمك مش بترد عليا ولحد دلوقتي مرجعتش البيت، أنا غلطانه أرجوك سامحني أنا آ.
قاطعها بعصبية بالغة: مش عايز أسمع حاجة، ولا عايز أشوف وشك، ارجعي الشقة ويفضل متورنيش وشك خالص، تجاهليني قد ما تقدري.

وتابع بقسوةٍ استحقتها بكل جدارة: أمي خارجه بكره من المستسفى الاسبوع اللي هتقعده معاكي في البيت لو حست بحاجة هخلي عيشتك كلها سواد، ابقي اعملي ما بدالك لما ترجع مصر وزي ما قولتلك أول ما تولدي هننفصل وكل واحد يروح لطريقه.
كانت تظنه نطقها لمرته الاولى لشـ.ـدة عصبيته، والآن يكرر لها نفس الجملة باصرارٍ زاد من بكائها وحسرتها، فقالت بعويل: أنا آسفة. متعملش فيا كده يا جمال أنا عارفة اني آ...

سحب كفه من يدها صارخًا بشراسةٍ: إنك أيه! إنتِ أجبرتيني أمد إيدي عليكي ولولا اللي في بطنك كنت هدفنك مكانك! هستنى أيه تاني لما اعملها فعلًا المرة الجاية!
أمسكت يده مجددًا بعدmا سحبه منها، ورددت بهمسٍ تابع لبحة نبرتها: سامحني عشان خاطري، أنا كنت بستفزك عشان تهتم بنفسك وبيا أكتر من كده.

ابتسم بو.جـ.ـعٍ وردد بكرهٍ شـ.ـديد: عارفة كل ما بتبرري وتتكلمي بكرهك أكتر، أمي قايمة من عملية مـ.ـو.ت وأبويا في مصر مش قادر على مصاريف اخواتي، وأنا مطلوب مني أجهز أختي في أقل من أربع شهور، غير مصاريف ولادتك وايجار الشقة ومسؤوليات ملهاش أول من أخر وانتي عايزاني اسيب كل ده وأنزل أشتري لبس وأتشيك واللي يمـ.ـو.ت يمـ.ـو.ت ومفكرش فيكي وفي اللي في بطنك وأهلي!

وتردد صوته المتعصب بجنون: إنتي كل مرة بتثبتيلي إنك أسوء اختيار أنا اختارته في حياتي، غلطة ومحتاج أصلحها عشان كده إنتي من اللحظة دي بره حياتي.
وبكل جمودٍ قال: إنتي طالق يا صبا، طالق!
هزت رأسها ترفض ما يقول وكأنه حلمًا سيئًا لا تود استكماله، فابتسم بو.جـ.ـعٍ مردفًا: بحررك من ارتباطك بشخص أناني مش حاسس بمشاعرك ولا قادر يملى عينك، يمكن ربنا يعوضك بشخص ابن ناس معاه فلوس ويقدر يكونلك بالشكل اللي تحبيه.

واتجه للخروج أمام عينيها قاصدًا سيارته، بينما جلست هي على أقرب مقعد انتظار قابلها، تتطلع للباب الذي خرج منه بعدm تصديق، لقد خسرته بالفعل! خسرت من أحبته ولم يشهد منها سوى الغلظة وعدm الرضا لابسط ما يفعله لأجلها، حررت عنها للدmـ.ـو.ع بانكسارٍ ومسدت على بطنها المنتفخ بقلة حيلة، وكأنها تطالب جنينها بأن يسامحها لأنها فرقت عائلته من قبل حتى أن يُخلق!

وجد ذاته أمام عمارة شقته القديمة التي اشتراها هو وعُمران ويوسف أيام الجامعة، ويسكنها الآن سيف، صعد للأعلى وطرق الباب حتى فتحه سيف يتطلع له بدهشةٍ، ويوزع نظراته بينه وبين ساعة يده قائلًا بصوتٍ متحشرج من آثار النوم: جمال! أيه اللي جابك بالوقت المتأخر ده!
ولج للداخل ينزع عنه جاكيته ورابطة عنقه: مفيش يا سيف هبات هنا النهارده لو مش هزعجك.
رفع احد حاجبيه بذهولٍ: تزعجني أيه دي شقتك ولا نسيت!

منحه ابتسامة هادئة وإتبع طريقه لغرفته، فتمدد على الفراش بـ.ـارهاقٍ تام.
وقف سيف بالخارج حائرًا، لا يعلم أيهاتف أخيه يخبره بأمر صديقه الذي يبدو بأنه ليس على ما يرام أم يدخل هو إليه يعلم ما أصابه.
وبالفعل ولج لغرفته يطرق على الباب المفتوح على مصرعيه، ففتح جمال عينيه وأشار: تعالى يا سيف.
دخل يقترب من السرير وبتـ.ـو.ترٍ قال: إنت كويس؟ شكلك تعبان ومرهق. تحب أتصل بيوسف؟

استند على مرفقه وقال: مفيش داعي أنا كويس بس عايز أنام.
منحه ابتسامة جذابة وعرض عليه: طيب أيه رأيك أعملك عشا سريع؟
قدر لطف عرضه وقال باحترام: تسلم يا دكتور أنا أكلت من بدري.
هز كتفيه بقلةٍ حيلة من تقديم شيئًا له
طيب أسيبك تنام. تصبح على خير.

وإتجه سيف لغرفته يكظم أفكاره السوداوية، هو يعلم بأن جمال لا يأتي إلى هنا الا وبينه وبين زوجته مشكلة جادة، لذا حزم أمره وجذب هاتفه يهاتف الاولى والأحق بعلمه، فأتاه صوته الناعس: دكتور سي?و حقنة بيتصل بيا يا ولاد!
بقى أنا طالع عيني في المذاكرة عشان أكون دكتور محترم تيجي إنت وتتريق عليا على أخر الزمن!

ضحك عُمران وهتف ساخرًا: متزعلش يا دكتور يا محترم حقك عليا، خلينا بقى في المهم إنت عمرك ما كلمتني بالموبيل غير مرتين تلاته وكانوا اعلان لمصايب فقولي بقى أي مصـ يـ بـةأتت بك للوقح!
سيطر على انفعالاته بصعوبة وقال: صاحبك هنا وشكله المرادي اتخاتق بضمير، جاي منظره مش طبيعي خالص.
مين؟ تقصد جمال؟

بالظبط مهو أكيد مش يوسف يعني، مع إني حاسس إنه هيعملها قريب بسبب اللي دكتورة ليلى بتعمله فيه، تخيل بيغسل المواعين ليل نهار وقايم بشغل البيت قبل وبعد العيادة
أووف. انا كنت شاكك في جمال من البداية، أما يوسف فيستاهل بصراحه خليه يجرب يتعامل بقى بدل ما هو ناصف الستات علينا وخلاهم يتدلعوا!
ضحك سيف وردد بشمـ.ـا.تة: البشمهندسة مايا شكلها قايمة بواجبها معاك!

ردد ببرود: قايمة طبعًا وزي ما أنا بردو هقوم بواجبي معاك وهقولك حالًا معندناش بنات للجواز.
حبيبي إنت لو عايزني أعرم نفسي عند أخويا وأوسـ.ـخ كل الأطباق عنيا متأخرش عنك أبدًا يابو نسب.
عجبني إنك خــــوفت واحترمت لسانك، روح نام والصبح نشوف حوار جيمس ده، تصبح على خير يا سيفو!
اغلق سيف الهاتف واتجه لفراشه هامسًا بضيقٍ: طاووس وقح بصحيح!

جفى النوم عين آيوب، فكان يراقب يونس بنظراتٍ حنونة، يخشى أن يتقلب بفراشه فيزعج الأخر بمنامته، فما أن ارتمى يُونس على فراشه استعوذ النوم عليه بسلطانٍ مسيطر، وكأنه لم يحظى به منذ قرونٍ!

انتفض آيوب فزعًا على صوت جرس الباب الذي إنطلق كالمدفع دون فاصل، وبذات الوقت تصطحبه صوت طرقات على باب المنزل، لوهلةٍ شعر بأن الطارق المختل ذلك سيحطم الباب من قوة دفعته، خمن بأنهم الشرطة فلا طارق بتلك الطريقة الا شرطيًا يود الاعتكاف بمجرمه قبل الفرار، ولكن تخمينًا أخر احتلج رأسه، بالطبع سيكون المصارع الضخم ومن غيره!

أسرع آيوب لباب المنزل يحرره قبل أن يستيقظ يونس، ليندفع في وجه الاخير بنزقٍ: أيه ما صدقت تمرن إيدك ورجلك فملقتش غير باب بيتنا!
أزاحه إيثان عن طريقه واندفع للداخل يردد بصوتٍ مبحوح من فرط الفرحة والبكاء وعدm التصديق: الشيخ مهران قالي إن يُونس طلع، هو فين؟

أغلق آيوب الباب من خلفه وصاح بعصبية وهو يفرك ذراعه من قوة قبضة إيثان القوية: يا أخي خد نفسك وراعي فرق الاحجام بينك وبين مخاليق ربنا، إنت مكانك مش وسطنا في الحارة مكانك في الادغال!
جذبه من تلباب ملابسه بعنفٍ: لو مش عايز تسافرها حالًا تقولي هو في إنهي أوضة؟
أنا هنا يا إيثان!

قالها من يغلق أزرار قميصه بحرصٍ من الا يرى أحدٌ جروحه، فاستدار إيثان تجاه صوته وهرع إليه يحتضنه ببكاء وعويل طفلًا لا يتخطى الخمسة أعوام، مرددًا بانهيارٍ: ياااه يا يونس. فقدت الأمل إنك هترجع تقف قدامي من تاني، أنا كنت من غيرك تايه ومش لاقيك في أي حد من اللي حواليا حتى أهلي يا يونس حتى أهلي!

مرر يده على ظهره بحنانٍ وشوق، وقال بحـ.ـز.نٍ: وإنت كمان وحـ.ـشـ.ـتني أوي يا إيثان، وكنت مفتقدك جدًا، حتى لما ظهرلي آدهم باشا وشوفت طيبته وجدعنته جيت في بالي على طول.
استقام قبالته ليتمعن من ملامحه بوضوحٍ، فتقهقهرت سعادته فور أن لاحظ جروحه الغائرة، فلمس خده الأيسر وتساءل بغـــضــــب: هما اللي عملوا فيك كده؟

أبعد يونس يده برفقٍ وحافظ على ابتسامته التي كادت بالتلاشى: متشغلش بالك إنت. تعالى إقعد واحكيلي ليه سبت الجيم وشغلك عشان تدير محلاتي.
كاد إيثان باتبعه للأريكة التي سبقه إليها يُونس، ولكن كان آيوب الأسرع منه حينما أوقفه صائحًا بغـــضــــب: يقعد فين الساعه داخلة على 3 الفجر، اتكل يا عم وبكره تعالى اقرفنا! أقصد اتكلم مع يونس!
منحه نظرة شرسة ومال إليه يهمس بصوت منخفض للغاية: تحب أبلغ يونس بالخواجاية؟

فرد ذراعه مرحبًا: حبيبي يا إيثو اتقضل. ده البيت بيتك يا راجـ.ـل هو إنت غريب! ما أنت ياما حشرت نفسك وسطينا وجمعنا نفس السرير والاوضة وياما بردو عزمت نفسك بذات نفسك ولا هامك أي حد، سا راجـ.ـل ده أنا بشوفك في بيتنا أكتر ما بشوفك في بيتك إنت شخصيًا!
ابتسم برضا تام لتحوله الملحوظ، واتجه بخطواتٍ واثقة مختارة حتى وصل جوار يونس، مشيرًا لآيوب بعنجهيةٍ: اعملي أنا ويونس فنجانين قهوة عشان هنحكي للصبح يا بشمهندس.

منحه نظرة نارية وقبل أن يطـ.ـلق حديثًا مستشيط منه وجدها يحذره بنظرة تهديد فقال من بين اصطكاك أسنانه: محوجة ولا سادة على روحك!
اتسعت ابتسامته البـ.ـاردة: لا مظبوطة يا حبيبي. وياريت تفرد وشك شوية بدل ما يكش زي عضلاتك اللي اختفت من ساعة ما سافرت لندن، مكنتش بتدربها يا آيوب!

زفر بنفورٍ تام لأصعب شق بسفره إلى هنا، هذا الإيثان لا يترك رجلًا بحارته الا وجذبه عنوة للجـ.ـسم الرياضي واقناعه بممارسة الرياضة ليحظو بجسدٍ مثالي، وليحمسهم كان يخصص يومين بالاسبوع باشتراك مجاني وكأنه رئيس الحي الذي يحرص على سلامة وصحة المواطنين ومن بين هؤلاء الفئة كان النصيب الأكبر ليونس وآيوب، فلقد أحاطهما إيثان باهتمامٍ مضاعف أرهق أبدانهما والآن على وشك سحبهما لنفس المصير!

أفاق من شروده يصيح بانفعال مرتعب: مش فاضي يا إيثوو الامتحانات بقى ولازم أذاكر عقبال أملتك هسافر أخر الشهر.
وأستطرد مشيرًا لمن يجلس جواره: صاحبك عندك أهو طلع عليه عُقدك كلها. حاولوا تتماشوا مع بعض ومتعملوش حسابي في الليلة دي!
ضحك يهتف باستهزاء: طلعت خرع يابن الشيخ مهران.

تجاهله وإتجه للمطبخ بصمتٍ، بعبث بالأكياس التي أحضرها سابقًا ليصنع كوبين من القهوةٍ، بينما بالخارج كـ.ـسر إيثان الصمت المتطرف بينهما وقال بعزيمةٍ وتهور: قولي يا يونس ناوي تعمل أيه عشان ترجع حقك، تأكد إني معاك وكتفي بكتفك لحد ما حقك يرجع قدام الحارة كلها.
مال برأسه على حافةٍ الأريكة بتعبٍ نفسي يفوق و.جـ.ـع جسده: بعدين يا إيثان. بعدين نتكلم.

احتدت عينيه الخضراء واختفت جمالها ليبرز عاصفته الهائجة: بعدين ازاي! أنا مبنامش ليل ولا نهار بفكر في اليوم اللي هتخرج فيه وأساعدك تنتقم من معتز الكـ.ـلـ.ـب ده هو والخـ.ـا.ينة اللي طـــعـــنتك في دهرك. متخافش يا يونس مش هعمل حاجة تدينك ولا ترجعك السـ.ـجـ.ـن أنا أعرف عيال عندي في الجيم عاملين زي عفاريت الليل هيجيبولك حقك مخلص.

رفع فيروزته الباهته إليه وردد بحشرجة ذبحت حنجرته: وتفتكر إني مقدرش أعمل كده! دي أسهل حاجة ممكن اعملها أجر ناس شمال تجبلي حقي وأنا براءة قدام الحكومة والناس بس ده مش اللي أنا عايزه يا إيثان، أنا عايز أكـ.ـسرهم الآتنين وأنا عيني في عينهم!
هز رأسه بحماس وربت على ساقه بقوةٍ: يحصل يا صاحبي، اللي تؤمر بيه يحصل لحد ما النار اللي جواك دي تبرد وتنطفي.
ابتسم بسخرية ملأها الألــم: عمرها ما هتنطفي يا إيثان.

عاد الحـ.ـز.ن يتوغل بخضرته، فمال إليه وهو يراقب آيوب المنشغل بسكب القهوة: احكيلي يا يونس عملوا فيك أيه ولاد ال دول.
أغلق عينيه بعنفٍ يعتصر جميع ذكرياته داخله ليحشـ.ـدها عن الظهور لمجرد سماعه سؤال رفيقه، أطلق تنهيدته وترك حديثه المؤلم هذا حينما قال بثباتٍ مخادع: مقولتليش ليه سبت حالك ومالك ونزلت محلاتي، ورافض ليه تأخد نص الأرباح زي ما عرض عليك عم الشيخ؟

برق بحدقتيه بصدmة جعلت يونس يشعر وكأنه لقمه بسكين حاد: أنا ممسكتش مكانك عشان أقاسمك في تعبك وشقاك يا يونس، ثم إني لو كنت قاسمتك بالفلوس مكنتش كبرت المحلات ولا رأس مالك بالشكل ده.
بس ده حقك وتعبك، واللي بسببه أهملت مالك وأكيد دخلك قل بسبب تفرغك الكامل للمحلات!

قالها يونس باندفاع يفوق غـــضــــب الاخير، فابتسم إيثان وقال ببساطةٍ تلقائية: لا متقلقش مستلفتش من حد ولا عندي اللي يطالبني بالمصروف، أنا لسه زي ما أنا عازب ومش ناوي أرتبط أساسًا فمعنديش حياة زوجية تطالبني بمصاريف، والموضوع مش زي ما أنت فاكر، أنا جبت للجيم مدربين وبيدخل دخل كويس على إيجار شقق العمارة بتاعتنا والدنيا ماشية وفل.

أنهى يونس حواره المستفيض حينما قال: إيثان من الأخر كده الفلوس اللي في البنك والمحلات لو مدخلتش معايا شريك فيهم مش واخد ولا مليم ولا نازل شغلي.

اتسعت مُقلتيه بذهولٍ وصدmة وصرخ منفعلًا: هو إنت خرجت ونسيت عقلك في الحبس ولا أيه، ده شغلك وتعبك والمحلاين ورثك من أبوك الله يرحمه، عايز تشاركني في أملاكك، يعني يا يونس لو أنا جرالي حاجة مش هتسد مكاني! ده انا مش بأمن على أختي وأمي غير في وجودك، ولما بتحط في أي مصـ يـ بـةبدخلها بقلب جـ.ـا.مد إنك ورايا!

عاد يغلق عينيه بتعبٍ، وأنهى النقاش بحزمٍ: اللي عندي قولته. ومتفتحش الحوار ده تاني على الأقل دلوقتي أنا مش قادر للمناهدة دي كفايا عليا آيوب!
وحينما تذكره اعتدل بجلسته وسأله باهتمامٍ: صحيح في أيه بينك وبينه لوي دراعه بيه ومخليه مطيع ليك على غير عادته!
ابتسم بتفاخرٍ، وأحاط جسد الأريكة بكلتا ذراعيه واضعًا ساقًا فوق الاخرى: أسرار يا مُوهي. والسر لو خرج من بينا ميبقاش سر يا مُوهي.

أزاح قدmه عن الاخرى هاتفًا بضيق: احترم نفسك يا إيثان وخف على الواد شوية مهوش حملك!
وضع آيوب الصينية على الطاولة بعنفٍ نثر بعضًا من القطرات على إيثان الذي ضم كفه بألــمٍ بينما يصيح آيوب بنزقٍ: القهوة يا كابتن إيثو!
تجهمت معالمه غـــضــــبًا: مش قولتلك ألف مرة متقوليش أيثو دي تاني، أساسًا متنفعش بأي شكل جنب كلمة كابتن يا متـ.ـخـ.ـلف!

أطلق أنفاسه بقلة حيلة وأشار ليونس الذي فضل متابعتهما بصمت لاعتياده على مثل تلك المشاحنات: شوف صاحبك اللي جاي يقرفنا الساعة 3 الفجر ده!
ضحك إيثان مستهزءًا: بتشتكي لأخوكي الكبير مني يا بيضة!
استفزه بكلمـ.ـا.ته فاستهدفه بمقــ,تــل: خد بالك لو كترت بكلامك المستفز ده هتصلك بصاحبي يظبطك، آه مش عشان أكبر مني بكام سنة هتسوق فيها!

تابعهما يونس بمللٍ، فاسترخى بجلسته واستمع لهما بضجرٍ، فوجد إيثان يضحك بقوةٍ ويقول بسخريةٍ: صاحبك! وده هيمنعني من إنهي زواية.
استفزه بشكلٍ أباد جنونه، فجذب هاتفه وحرر زر الاتصال على الطاووس الوقح، الذي أجابه بصوتٍ ناعس: آيوب خير، إنت كويس؟!
اندفعت كلمـ.ـا.ته بعصبيةٍ وعدm اتزان: عُمران إنت عارف إني طيب وماليش في جو التلات ورقات ده وآ.
لخص يا آيوب قلقتني! إنت فين؟!
اهدى يا عم الطاووس خليني أقولك الكلمتين.

ازى إيثان شفتيه بسخط وقال: بتشتكيني لمين يا بيضة؟
ونغز يونس المتفرج بصمت: ما تقوم تشكم أختك وتشوفها بتكلم مين في نصاص الليالي!
احتقنت الدmاء بأوردة آيوب، الذي لطالما شعر بالعجز من مجابهة هذا الإيثان ذات اللسان السليط فأتاه صوت الوقح المستمع للحوار قائلًا بسخرية: مين العربجي ده!

صُعق بشكلٍ كاد بإسقاطه عن الأريكة، حينما برزت ضحكة آيوب بتشفي وخاصة حينما بدأ عُمران بفهم مغزى مكالمة آيوب لعدm قدرته بصد هذا المزعج، فتابع بقوة: ماله بيك ده يا آيوب. حبيبي أنا مش منبه عليك وإنت نازل لمصر وقولتلك متلعبش مع أولاد الشارع! أخلاقك يا آيوب. أخلاقك يا حبيبي!
تحررت ضحكة عالية منه استفزت إيثان الذي انتفض بوقفته يصيح بغـــضــــب: مين ده يا آيوب؟!

أجابه ببرود وهو يضع الهاتف قبالة وجهه ليكون الصوت مسموعًا رغم أن السماعة الخارجية تنقل صوته بشكلٍ واضح: صاحبي وأخويا زي علاقتك إنت وابن عمي كده، وزي ما يونس طيب ومالوش في حواراتك أنا الطيب في نفس العلاقة بس حظك بقى واقعك مع طاووسنا الوقح عُمران سالم الغرباوي.
حصلنا الرعـ.ـب! بس عشان الحارة نورها ميقفلش خليه ورا شاشة التليفون أحسن!

رد عُمران بثقةٍ: وإنت شايل الهم وزعلان ليه، كانوا بيسحبوا الكهربا من بيت مامي يا قمور!
سقط آيوب أرضًا من فرط الضحك وردد بصعوبة بالحديث: احمد ربنا إنه مقالكش من بيت أمك!
ازدادت موجة غـــضــــب إيثان واستفزه هدوء يونس الذي لم يتأثر بما يدور حوله، فهزه بعنف: ما تشوف ابن عمك ده يا يُونس! من كتر سكوتك الواد ساق فيها، بس وربي لأسحبه بكره الجيم عندي وأربيه.

إيدك تتمد عليه وأوعدك هكون على أول طايرة نازلة مصر بس ساعتها مش هتلاقي حـ.ـضـ.ـن حنين تعيط فيه. ألا أمك عايشة ولا مـ.ـيـ.ـتة؟
أجابه آيوب ضاحكًا: لا عايشة يا عُمران.
طمنتني إننا هنلاقي حد نرد عليه عمايله!
إيثان بانفعال: ترد على أمي ليه عيل صغير أنا!

ده رأفة بيك إني بعاملك على إنك عيل وعقله فوت لكن لو عاملتك المعاملة التانية هتسبب بكـ.ـسر فون آيوب والمسكين لسه ملحقش يتهنى بيه ومش بعيد تيجي هنا لندن تدور عليا ويبقى مدفنك هنا بعيد عن مامتك وإنت على ما أعتقد الحيلة. مش كده ولا أيه يا حيلة أمك!
اتسعت حدقتيه بدهشةٍ من ذلك الوقح، وردد بعدm استيعاب: ده من لندن ازاي!

ضحك عُمران وأجابه: لا متقلقش أيام الجامعة كنت واخد كورس من صديق ليا من نزلة السمان، إنما أيه نفعني مع الاشكال الوقحة اللي زيك كده يا آ...
واستطرد بعجز: قولتلي إسمه أيه يا آيوب.
أتاه صوته الفرح يجيبه: إيثان، إيثوو!
أممم، وأيه يعرفك على أشكال زي دي يابن الشيخ مهران مش كنا عقلنا!
ده صاحب ابن عمي مش تبعي، بس هو بيستغل الست سنين اللي بينا بشكل مستفز.

صاح إيثان بعصبية: ماشي يا آيوب. هتنضـ.ـر.ب يعني هتنضـ.ـر.ب وشوف مين هيحوشك من إيدي!
تضـ.ـر.ب مين يا قمور! وحد الله واقعد في جنب عشان محطكش في دmاغي وده أبشع مكان ممكن أحطك فيه، لأن قبل ما دراعي هيطولك كلابي هتقطعك على سنانها.
تحررت نوبة ضحك من آيوب الذي يراقب انعقاد ملامح إيثان بشمـ.ـا.تة، فعلق على جملة وحد الله وقال: مسيحي هو يا عُمران.
وماله يا حبيبي مسيحي مسلم المهم يقعد بأدبه!

جذب إيثان الهاتف من آيوب بقوة، هادرًا: وريني كده الاكونت بتاعه!
نجح بسحب الهاتف وفتح شاشة المكالمة، ومنها لحسابه الشخصي، فضحك عُمران وردد بوقاحةٍ: عايز تجمع معلومـ.ـا.ت عني يعني! ولا وقعت في غرامي وحابب تشوف شكلي! بس خد بالك أنا بيوقع في غرامي ستات ورجـ.ـا.لة عادي فخد بالك من قلبك لأسرقه يا قمور!

ابتسم يونس أخيرًا، بينما كان الذهول والاندهاش من نصيب إيثان الذي جلس برزانة على الأريكة يتطلع لحساب عُمران المتخطي للثلاثة مليون متابعًا، والذي بدى له من شخصه وصوره القيمة بأنه ليس شخصًا عاديًا، خمن بأن عمله مرتبط بالمنشئات الهندسية، وأكثر ما لفت انتباهه ذوقه الراقي وتنسيقه لملابسه بشكلٍ ملفت جعل فرحته بمشروع أحلامه يبرز فور رؤيته.

زفر عُمران بملل وقال: صوتك راح فين يا إيثو، بقالك نص ساعة جوه أكونتي أنا سايبك جوه بمزاجي عشان أعرف أجاريك بس!
وأخيرًا رفع عينيه لآيوب وأشار للهاتف بعدm تصديق: ده هو ده؟
هز رأسه كثيرًا، وأضاف مؤكدًا: أيوه، وإنت استفزيت النسخة الوقحة منه لما اتعديت على صاحبه مش كده ولا أيه يا عُمران؟
حظه الأسود بقى، وسبحان الله أنا النهاردة مزاجي رايق ومستغرب إزاي هنام بالروقة دي!

صاح إيثان بفضولٍ وكأنه تناسي حرب فنون الرد بينهما: هو (عارض أزياء. Fashion model)؟
ضحك آيوب ونفى ذلك: مهندس أد الدنيا، وما شاء الله عنده أكتر من شركة بس هو كده عنده أناقة رهيبة في تنسيق هدومه بس إنت استسلمت من الخناقة وبتسأل عنه باهتمام كدليه.

صاح بحماسٍ: عشان ال butik(بوتيك) اللي بتمنى أفتحه، أعتقد إني وأخيرًا لقيت الشخص اللي هيساعدني وهيكون ال Destination of my products (وجهة منتجاتي! )، جـ.ـسمه وشكله وذوقه باللبس ومكانته هتساعدني جدًا جدًا.

زفر عُمران بمللٍ وصاح: يا عم أيه نفورة الاحلام اللي طلعتلك من البروفيل بتاعي ده، أنا عارف إني عامل محمس ومحفز لأشكال ضايعة كتيرة بس مش لدرجة إنك تتخيليني هقبل ألبس من ماركاتك وأتصور بيهم لوجهة البوتيك بتاعك، لإن أولًا أنا مش بلبس على مزاج حد وصعب ذوقك أيًا كان يرضيني، ثانيًا مش فاضي للكلام ده أنا المسؤول الأول عن مشروعات شركاتي، ثالثًا وده الأهم أنا في لندن وانت في مصر هنعملها ازاي مش عارف، رابعًا صعب أساعدك وإنت مزعل آيوب وأنا اللي يزعله أظرف أمه قلم يخليه يلف حولين نفسه لحد ما أظرفه القلم التاني!

جذب آيوب الهاتف منه وقال بامتنان: صدق بالله بالرغم من اعتراضي على طريقتك وأنا في لندن لما جيت هنا وقابلت الكائن ده افتقدت لطريقتك وأنا عارف آنها اللي هتنفع مع إيثان.

وبجدية قال: بص يا عُمران. إيثان ده صديق الطفولة المشترك بيني أنا وابن عمي، هو مدرب كمال أجسام وعنده جيم كبير، ومن واحنا عيال صغيرين عنده حلم آنه يكون محل ملابس رجـ.ـالي فخم، ومحتفظ بفلوس سابهاله أبوه الله يرحمه من فترة كبيرة عشان ينفذ الحلم ده فكون إنه اختارك أنت تساعده فهو لاقى اللي مكنش لقيه هنا وسطينا ووسط شباب المنطقة فأنا عشمان إنك تساعده.

رد عليه بعقلانية بعدmا بُددت موجة وقاحته وجنونه: مدام يخصك يا آيوب إعتبره من حبايبي، خليه يبعتلي add للأكونت وأنا هكلمه وهوصله بأكتر من براند كويس بتعامل معاهم ولما هنزل مصر عشانك يشرفني أزوره وأشوفه وش لوش.
جذب إيثان الهاتف وشكره بامتنان: شكرًا بجد. هبعتلك أدد حالًا. على فكرة أنا والواد آيوب بنهزر كده باستمرار بس لو من وراه منفعه هضطر أعمله باحترام للأس