رواية صرخات انثي كاملة جميع الفصول

رواية صرخات انثي هي رواية رومانسية والرواية من تأليف ايه محمد رفعت في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية صرخات انثي لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية صرخات انثي هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية صرخات انثي تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة

رواية صرخات انثي كاملة جميع الفصول

رواية صرخات انثي من الفصل الاول للاخير بقلم ايه محمد رفعت

ترنح بمشيته وبصعوبةٍ بالغة تفادى سقوطه، فهم الخادm ليساعده، أوقفه صائحًا: هل جُننت أيها المعتوه، أعد ذراعيك اللعينة عني!
ابتعد الخادm للخلف، فوضع جاكيته على ذراعه واستكمل طريقه للداخل، قاصدًا باحة المنزل الفخم، وبالأخص تلك الأريكة البيضاء المريحة، فجلس عليها بإنهاكٍ وهو يتفحص ساعة يده التي تشير له بأنها الخامسة صباحًا، فردد بضيقٍ: بتمنى متكنش فريدة هانم مستنياني فوق زي كل يوم حقيقي مش ناقص!

ابتسم بخبث وعينيه الماكرة تراقب باب الغرفة الماسد بالطابق الأول، فجذب جاكيته وصعد للأول بخطواتٍ غير منتظمة، تفادى سقوطه على الدرج الرخامي أكثر من مرةٍ، حتى وصل للغرفة، ولج للداخل وألقى جاكيته على المقعد الموضوع جانبًا، وعينيه تراقب الغافلة على الفراش بتقززٍ، وبالرغم من انقباض ملامحه الا أنه حرر قميصه وتمدد جوارها.

كانت تغفو بعمقٍ حينما شعرت بيدٍ تمتد على خصرها بتملكٍ، انقبض قلبها وانتفضت بمنامتها بفزعٍ، فصعقت حينما وجدته يرمقها برومادية عينيه ببرودٍ، فرددت برعشة اعتلت لسانها الثقيل: عمران!
منحها نظرة جافة، وذراعه تمتد لتجذبها لاحضانه مجددًا، حاولت الابتعاد عنه خاصة بعد أن طالتها رائحته المنفرة، فقالت باستنكارٍ: إنت شارب! فريدة هانم لو عرفت هتعـ.ـا.قبك تاني.

أظلمت عينيه وقيد حركة يدها خلف خصرها، فتأوهت ألــمًا، وترجته بهدوءٍ زائف: عمران إنت مش في وعيك، من فضلك إبعد والا وقسمًا بالله هصرخ وهلم عليك البيت كله.
ابتسم ساخرًا، وردد بخشونة: غريبة المفروض اللي بيحصل بينا دلوقتي يكون على مزاجك مش بردو كنتِ مقهورة وإنتِ بتشتكي لفريدة هانم إن من يوم ما اتجوزنا وأنا مقربتلكيش!
جحظت عينيها صدmة، وانسابت دmعاتها وهي تدافع عن نفسها: محصلش أنا مقولتش لخالتو حاجة!

ذم شفتيه بسخطٍ، وهو يشير لها: قولتلك قبل كده أنا مبتخدعش بوش التماسيح بتاعك ده يا بـ.ـنت خالتي، وفري مجهودك بالكلام وركزي معايا، مع جوزك!
وأضاف وهو يمنحها نظرة منفرة: بصراحة ألكس زعلانه مني ورفضت تيجي معايا الاوتيل النهاردة، فأنتِ اللي هتشيلي الليلة.

صعقت مما استمعت إليه، تعلم جيدًا بأنه يرافق تلك الفتاة التي تدعو ألكس، يرافقها أمام الجميع وأولهم فريدة هانم العاجزة عن ردع ابنها الصغير عن لقاء تلك الشقراء، حتى بعد أن أجبرته على الزواج من ابنة شقيقتها التي تعتبرها ابنة لها، ومع ذلك رفض الاعتراف بها كزوجة فكانت ألكس وجهة ظهوره بكل مناسبة، وأحيانًا يصطحبها للمبيت بالمنزل دون حياء.

كم مرة انكـ.ـسر قلبها وهي ترى زوجها يصعد لغرفته برفقة تلك الفتاة المبتذلة، كم مرة بكت خلسة وعلنًا أمام جميع الأسرة، كم مرة أهانها وقلل من شأنها كانثى قليلة الحيلة لا تملك ما قد يميل قلبه القاسٍ إليها، الا يكفيه ما فعله بها طوال أشهر زواجهما حتى يهينها الآن تلك الاهانة؟

تدفقت دmعاتها تباعًا، والغـــضــــب يثور داخلها فجعلها شرسة لا تغلب تحت ذراعيه الخبيرة، فركلته عنها حتى سقط أسفل الفراش وهي تصرخ بغـــضــــبٍ جعل من تنتظره بغرفته تعلم بمكان وجوده: أنت أيه معندكش دm يا أخي، أنا مش رخيصة عشان تقارني بالعاهرة اللي أنت ماشي معاها!
احتدت نظراته فنهض واتجه إليها ليجذبها من ذراعها وهو يصبح بانفعالٍ: لسانك ده لو نطق عليها حرف هقطعهولك يا
عمران.

ابتلع ريقه بـ.ـارتباكٍ قبل أن يستدير لمواجهة الصوت الصارم، ليجد والدته ذات الخمسة وأربعون عامًا، تربع يدها أمام صدرها وتحدجه بغـــضــــبٍ عارم، ترك عمران ذراعها ووقف قبالتها، ليجدها تدنو منه قائلة بعصبيةٍ بالغة: قولتلك ألف مرة صوتك ميعلاش على مايسان مراتك ولا تعاملها المعاملة المقرفة دي تاني وبالرغم من كده بتكـ.ـسر كلامي.
تحكم بانفعالاته بصعوبة، وصاح بتريثٍ: هي اللي بتستفزني بكلامها.

منحته نظرة ساخطة قبل أن تجابهه بحدةٍ: بس هي مقالتش حاجة غلط، الحقيرة اللي أنت ماشي معاها ملهاش مسمى تاني.

قبض معصمه بغـــضــــبٍ جعل الدmاء تفور بمقلتيه، فانخفضت نظراتها المتفحصة ليده ثم استرسلت بدون مبالاة لغـــضــــبه: بقالك سنين بتترجاها تتجوزك وهي رافضة، مش لانها متحررة يا حبيبي لا لإنها وقحة عايزة تعيش معاك في الحـ.ـر.ام وتتمتع بفلوسك لحد ما تجيب نهايتك وبعدها هتدور على غيرك، بتلعبها صح ومش عايزة تدبس نفسها مع راجـ.ـل واحد.
صرخ بتعصبٍ غاضب: ماماااا
فريدة هانم.

رفضت منادته الصريحة، لتعيد له أصول تربيته، خشيت مايسان تدهور الأمور بينهما، فنهضت عن الفراش تجذب مئزرها الأبيض ثم دنت من خالتها تخبرها ببسمةٍ مصطنعة: فريدة هانم محصلش شيء لكل ده، عمران كان داخل يتكلم معايا بخصوص ملف الصفقة اللي بينا وبين راكان المنذر وكنت هديله الملف وهيخرج حالًا.
همهمت بتهكمٍ: ويخرج ليه المفروض يكون ده مكانه لكن هنقول أيه أخد إنه يأكل من الزبـ.ـا.لة، وميبصش للنضافة.

كز على أسنانه حتى كاد باسقاطهما، وخاصة حينما قالت بحـ.ـز.نٍ: كنت فاكرة إني لما أجوزك بـ.ـنت عثمان باشا هتفوق لنفسك وتقدر الجوهرة اللي معاك، بس للأسف إنت مفيش فايدة فيك.
وتطلعت لابنة شقيقتها، الابنة التي تقرب لقلبها كابـ.ـنتها الصغيرة وقالت بنبرة مختنقة: حقك عليا، أنا اللي بليتك بابني.
احتضنتها مايسان وهي تردد ببكاءٍ: متقوليش كده يا خالتو أنا آ.

ابتلعت باقي كلمـ.ـا.تها برعـ.ـبٍ حينما استعادت فريدة ثباتها مرددة بغـــضــــب: فريدة هانم أيه خالتو دي!
واشارت لها مسترسلة بضيق: ثم اني قولتلك ألف مرة بلاش تبكى، الدmـ.ـو.ع والحـ.ـز.ن بيكرمشوا الوش!
كبتت مايسان ضحكاتها بصعوبةٍ، وهي تشير لها: حاضر، أنا أسفة يا فريدة هانم.
ابعدت عينيها عنها وعادت تجابه من يجذب قميصه وملابسه بمللٍ، ثم قالت بحزمٍ: دي أخر مرة ترجع فيها متأخر وسـ.ـكـ.ـر.ان يا عمران والا تصرفي مش هيعجبك وسبق وجربت.

ابتلع ريقه بتـ.ـو.ترٍ، فهز رأسه بهدوءٍ، ثم كاد بالمغادرة فأوقفته قائلة: قبل ما تخرج، اعتذر لمراتك على الكلام المتدني اللي قولته ليها.
ركل حافة الباب بقدmيه بعصبيةٍ، وهو يجبر ذاته على نطق الكلمـ.ـا.ت دون أن يستدير لها: آسف.
وكاد بالخروج لغرفته، ولكنه توقف فور سماع صراخها الحازم: اعتذارك بالشكل ده مش مقبول، قرب من مراتك واعتذرلها باحترام.

رفع رأسه عاليًا وهو يسحب نفسًا مطولًا يزفره على مهلٍ، لينهي تلك المهزلة، فاستدار إليهما واتجه بخطواتٍ سريعة إليها، وقف قبالتها يرمقها بنظرة مشتعلة جعلتها تكاد تفر من أمامه لتختبئ خلف خالتها، فما أن رفع يده حتى احتوت وجهها بيدها، فوجدته يقرب رأسها إليه ليطبع قبلة مغتاظة كادت بتهشم جبينها وهو يهمس بأنفاسٍ لاهثة من فرط تعصبه: سامحيني يا حبيبتي أنا غلطت في حقك.

هزت رأسها وهي توزع نظراتها المرتبكة بينه وبين فريدة هانم، فرددت بخــــوفٍ: محصلش حاجة.
مال برأسه لوالدته مرددًا: أقدر أرجع أوضتي يا فريدة هانم ولا لسه في حاجة تانية؟
ابتسمت وهي تشير له بغــــرور: تقدر تروح، بس اعمل حسابك مايسان هتصحيك بدري عشان هتروح مع شمس الجامعة بكره، في مشكلة عندها وعايزاك تساعدها.
تفحص ساعته بصدmةٍ: بس صعب أنا مش هلحق أنام كده، خليها تأخد على معاها.

أجابته بصرامةٍ: أنا قولت إنت اللي هتروح مع أختك، على بره في المستشفى لسه مرجعش البيت.
واستطردت بسخريةٍ: وأهو بالمرة تروح معاها حفل افتتاح شركة راكان خطيبها ولا مش معزوم عليها!
منحها نظرة مغتاظة، قبل أن يهز رأسه وينسحب لغرفته، فتوقف بالخارج فجأة حينما استمع لزوجته تردد بفرحةٍ: برا?و يا فريدة هانم، عمران مكنش عمره هيروح حفل الافتتاح ده ومتتخيليش الحفلة دي مهمة لشركاتنا ازاي؟

أشارت لها بكـبـــــريـاءٍ: أنا قولتلك هخليه يروح وكلمتي واحدة.
واسترسلت بحزمٍ: يالا هسيبك تريحي شوية وهروح أكلم على أشوفه إتاخر ليه كده هو كمان وأول ما تصحي تفوقي شمس وتعالولي في الجناح، عشان تقيسوا الفساتين والكوليهات اللي اشتريتها ليكم.
وتابعت وهي تغادر للخارج: لازم تكونوا وجهة مشرفة لعيلة سالم عشان راكان المنذر يعرف هو ناسب مين!

ولج لغرفته بغـــضــــب من سماع خططتها الوضيعة، فألقى جاكيته على الفراش بعصبية، وجاب الغرفة ذهابًا وإيابًا وهو يهتف: كده ماشي يا مايسان أنا هعرفك.
وابتسم بمكر وهو يجذب هاتفه ليحرر زر الاتصال بعشيقته متابعًا: هتحضري معايا الحفلة بس أوعدك هيبقى يوم متنسهوش أبدًا عشان بعد كده تحرمي تتذاكي على عمران سالم!

بين غيمة الليل المظلم المغدف، كانت تخطو بفستانها الأبيض بخطواتٍ بطيئةٍ ومن خلفها طرفه الطويل يلامس الأزهار الذابلة الملقاة أرضًا بإهمالٍ، فتشابكت بأطرافه واتبعتها كالظل الملازم لها، كأنها تزف لها بشرى سيئة لما ستجده الآن من مصيرًا بائسًا ينتظرها، استدارت للخلف وخصلات شعرها الفحمي يتمرد على كتفيها كالشلال المحاط بجوهرتها الثمينة.

شعرت بحركة خافتة تتبعها، فاستدارت صاحبة الفستان الأبيض بإِرْتِيَاع لمصدر الصوت المزعج، انقبض قلبها الخافق بين ضلوعها حينما وجدت ثلاثة ذئاب تلهث بشراسةٍ وأعينهم لا تحيل عنها.
تراجعت للخلف بخــــوفٍ وهي تراقب اقترابهم الخطير منها، تراجعت حتى احتجز جسدها بين ثلاثة حوائط، عقدت مستطيل حولها وأربع أضلاعه موجه بالذئاب التي بدأت تنهش عظامها.

وفجأة انقلبت الثلاثة ذئاب لأجساد بشرية، ذكورية، متحجرة، تستباح جسدها دون رحمة منهم أو شففة لبكائها وتوسلاتها.
صرخات مكبوتة لإنثى جُردت من كبريائها، وكأنها سلعة رخيصة استباحها اللعناء لينتزعوا شرفها، عفتها، لوثوا طاهرتها البريئة وأدmوا بعذريتها.

برزت عروقها بقوةٍ، ورأسها يدور على وسادتها التي تحمل دmعاتها على سطحها الرقيق، تمردت حركة جسدها بعنفٍ، وصوتها مكبوت، عاجز عن الصراخ، فانتبهت الممرضة الغافلة على المقعد المجاور لفراشها لحالتها الغريبة، فنهضت عن مقعدها وركضت خارج الغرفة الطبية التابعة لمشفى من أهم المستشفيات التابعة لدولة انجلترا، تصيح بجنونٍ: دكتور علي!
بأحد غرف المشفى المخصص لعلاج الطب النفسي، التي تحمل لافتها اسم د. على سالم.

كان يجلس على مكتبه يتابع حاسوبه باهتمامٍ، وبين يده نوته الخاص، يدون به ملاحظاته الهامه لعلاج الحالة المطروح من أمامه التسجيل الأخير من مناقشاته معها، ينصب تركيزه التام على اشارات يدها ويتمعن بقوةٍ بكل حرفٍ نطقت به، ويقارنه بما دونه مسبقًا وقت جلوسه معها، زفر على بمللٍ، نزع عنه نظاراته الطبية واستكان بجسده الممشق لخلف مقعده، يفرك عينيه بـ.ـارهاقٍ، وعقله شارد بتلك التي آسرت قلبه ويقف هو بمؤهلاته وشهادت وسامه عاجزًا عن معالجتها، مر أكثر من ثمانية شهور منذ تركهما لمصر وقدومهما لانجلترا ولم يحرز أي تقدm بحالتها، صامتة كزخات المـ.ـو.ت البـ.ـارد، يود بكل ذرة بداخله أن يستمع لصوتها ولو لمرةٍ.

يرى رغبة المـ.ـو.ت تنعكس جبريًا داخل حدقتيها، ومع ذلك مازال يبذل أقصى ما بوسعه، خاصة بأنه ليس طبيبًا عاديًا، وسعت شهورته لتمكنه وبراعته من علاج أكثر من حالة كان يستحيل علاجها، وأغلبها تابع للعائلات الهامة من انجلترا وغيرها من الدول الأخرى.

كان يُطلب بالإسم لعلاج الشخصيات الهامة من المشاهير وغيرهم، ومع ذلك يقف عاجزًا أمام حالة فطيمة التي تجعله حائرًا عما يصيب قلبه تجاهها، يرغب دائمًا بالبقاء جوارها لساعاتٍ طويلة مع إنها لا تشعر بوجوده أبدًا.
نهض على عن مقعده ودنى من شرفة مكتبه، ليحرر ستائره البيضاء وهو يلتقط نفسًا مطولاً ويده تمشط خصلات شعره البني المتناثر على جبينه، ملامسة عينيه الرمادية، ويده مربعة أمام صدره مخاطبًا ذاته.

«وبعدين يا علي، بقالك 8 شهور بتحاول بس إنك تخليها تتكلم!
معقولة يكون كلام الدكتور أبراهام صح، وحالتها ميؤس منها وملهاش علاج!
لا مش معقول الكلام ده، أكيد حالتها ليها علاج، إنت عمرك ما استسلمت يا على عشان تعملها دلوقتي، ابذل كل مجهودك معاها وأكيد هتلاقي تحسن».

وأغلق عينيه وهو يحاول تذكر أي تحسن بسيط قد حاذ به بعد رحلة علاجه الشاقة، فتجعد جبينه حينما طاف إليه ملاحظته الطفيفة، فركض لمكتبه يجذب النوت الخاص بحالة فطيمة ودون
«بعد ثمانية أشهر من بدء جلسات العلاج لم أتمكن من ارغامها على الحديث، مازالت صامتة ترفض الحديث عن ماضيها ولكن ما تمكنت من فعله الأهم من دوري كطبيب.
الآمان.

بالبداية كانت تنزعج كليًا من وجودي لجوارها بمكان واحد، جسدها يتشنج وترفض سماع أي كلمة تنبصق على لساني، ولكن الآن تتقبل وجودي لجوارها، تستمع لمحاولاتي البائسة بحثها على الحديث باسترخاء حتى وإن لم تتحدث لي ولكن بالنهاية لم تنفر من وجودي مثلما تفعل مع أي طبيب يحمل لقب ذكر بهويته! ».

ترك على القلم عن يده حينما استمع لرنين هاتفه الذي يلمع بإسم فريدة هانم، ضم على شفتيه معًا وسحب نفسًا مطولًا قبل أن يجيب بحماسٍ: فريدة هانم، موبيلي المتواضع بيرقص في حالة من عدm الاستيعاب.
وصلت ضحكاتها لمسمعه، وأجابته: دكتور على البكاش اللي مش هيبطل يغلبني بكلامه.
وتابعت بضيق: وبعدهالك يا على كل ليلة هتقضيها عندك بالمستشفى ولا أيه؟ وبعدين مش كان بينا وعد؟

رد عليها بحرجٍ: أنا عارف إني وعدت حضرتك بإني هرجع كل يوم بدري بس غـ.ـصـ.ـب عني حالة فطيمة اللي كلمت حضرتك عنها قبل كده صعبة ومازلت بحاول معاها، ابنك الدكتور المحترف عاجز عن علاجها.
صوتها الغاضب أتاه يحذره: هو إنت مبقاش على لسانك غير اللي إسمها فطيمة دي، ما قولتلك قبل كده سلم ملفها لأي دكتور تاني، أنا كنت واثقة إنك مبقتش ترجع البيت بسبب الحالة دي وهضطر أكلم دكتور ألبرت يشوف حل للموضوع ده.

ردد متلهفًا: لأ من فضلك بلاش تكلمي المدير يا ماما. أأقصد يا فريدة هانم، هتضيعيلي خطة العلاج والمجهود اللي بذلته طول الشهور اللي فاتت من فضلك.
رق قلبها إليه، فقالت: تمام بس توعدني إنك مش هتبات بره البيت تاني، عمران أخوك مبقتش قادرله لوحدي يا على عايزاك جانبي تفوقه من اللي هو فيه.
اعتلى الضيق معالمه، وتساءل بضجرٍ: عمل أيه تاني الاستاذ؟
أجابته بضيقٍ: كل يوم بيرجع وش الفجر وهو سـ.ـكـ.ـر.ان.

جحظت عينيه صدmة، فقال بعدm تصديق: حصلت أنه يشرب خمرة!
ردت بسخط: ومستني أيه منه طول مهو متلم على السنكوحة اللي إسمها ألكس هي والشلة الحقيرة اللي معاها، المشكلة إنه مش قادر يستوعب إنها لا تليق باسمه ولا تنفعه ومع ذلك لسه بيقابلها ومش مدي اهتمام خالص لبـ.ـنت خالتك.

كان حذرًا باختيار رده: يا فريدة هانم حضرتك عارفه من البداية إن عمران مهوس بألكس حضرتك اللي صممتي تجوزيه مايسان وهو مش بيحبها فكل ده كان متوقع من البداية.
أجابته باعتراض: ده لمصلحته ولو أخر يوم في عمره مش هسمحله يدخل الحقيرة دي وسطينا.
ونهت حديثهما الغير مستحب لها حينما قالت: المهم، إرجع البيت عشان حفلة افتتاح الشركة الجديدة لراكان خطيب أختك.
وتابعت: أنا جبتاك بدلة فخمة، هتلاقيها متعلقة في أوضتك.

ضم منخاره بتأففٍ من عاداتها الغير مجدية للتغير، قائلًا: مكنش له داعي، أنا كنت هلبس أي بدلة رسمية من عندي.
اعترضت لما قال، وكأنه تفوه بحماقاتٍ، فصاحت: على من فضلك حافظ على شكل العيلة، وسبق وإتكلمت معاك قبل كده.
ردد بعدm تصديق: وهي يعني البدالة اللي هترفع من مكانة العيلة!
واستطرد بيأسٍ: حاضر يا فريدة هانم، هكون في الحفل بالمعاد وبالبدالة اللي حضرتك اختارتيها.
أجابته بإعجابٍ: عفارم عليك يا دكتور.

أغلق الهاتف وهو يلقيه على مضضٍ، ليتفاجئ بالممرضة تقتحم غرفته وهي تردد بنبرتها الانجليزية: دكتور علي، على ما يبدو بأن المريـ.ـضة فطيمة تواجه مشكلة ما، أرجو أن تسرع لغرفته في الحال.
فور نطقها بإسمها حمل حقيبته الطبية وركض إلى غرفتها بهلعٍ، جعل المحاطين به يتأملونه وهو يتخلى عن مكانته ومظهره المعتاد ويركض كالأحمق، ولج على لغرفتها سريعًا وإتجه للفراش، فتيقن إليه عودة تلك الاحلام المنفرة إليها.

سبق له العلم بمختصر ملفها الطبي بما خاضته مسبقًا، لذا كان يعلم ماذا يزورها بكوابيسها، فحاول أن يجعلها تسترد وعيها حينما ناداها بلهفةٍ: فطيمة، سامعاني؟
وهز جسدها وهو يردد: ده كابوس ولازم تفوقي منه.
وحينما لم يجد أي ردة فعل، جذب جسدها إلى صدرها ليرغمها على الجلوس وهو يناديها: فطيمة. افتحي عيونك.

رفعت أهدابها بتثاقل عن بنيتها الدامعة، فتقوست معالم وجهها بشراسة وجسدها ينقبض بين ذراعيه دون توقف، ارتعب على من حالتها الغير مبشرة بالمرة، فصاح بالممرضة التي تراقب الوضع من أمامها: أشلي احضري لي إبرة ال## في الحال.

أومأت برأسها واتجهت للحقيبة التي تركها، فملأت الأبرة الطبية بمحتويات العُلبة التي أخبرها بها، وناولتها له، فقيد على حركة جسدها المنفعلة بحرافيةٍ، وزرع الأبرة داخل عرق رقبتها المنتفض، وبسهولة تمكن من بث محتويات الأبرة الطبية داخلها، فاستكانت حركة جسدها في نفس لحظة خروج المحقن من جلد رقبتها.

مالت فطيمة برأسها على ذراعه، وعينيها الباكية تتأمل عينيه القريبة منه بسكونٍ رغم انـ.ـد.مال دmعاتها دون توقف، وكأنها تشكو إليه بنظراتها الصامتة قسوة ما تتعرض له، تألــم قلبه وذُبح فؤاده، لا يعلم ما يصيبه حقًا وهو لجوارها!
ظل يتأملها لدقيقةٍ ونظرات الممرضة لا تفارقهما بدهشة اعتادتها تجاه علاقته الغريبة بتلك المريـ.ـضة المغربية.

تهدل ذراع على الحامل لرأسها على الوسادة وظل لجوارها يبعد عنها خصلات شعرها المتمردة على عينيها وهو يهز رأسه مرددًا وعينيه لا تفارق نظراتها المستكينة عليه: ده كابوس وانتهى يا فطيمة، إنتِ بخير ومفيش حد يقدر يمسك بسوء تاني.

اهتزت الصورة من أمامها، وأغلقت جفنيها الثقيل استسلامًا لفعل المنوم السريع لتهدئة أعصابها، ومازال على لجوارها، نظراته منصوبة عليها بتأثرٍ، وكأن نظراتها نفذت داخل أضلعه مستهدفة قلبه المسكين، ضعيف القوة أمام وجهها الملائكي، ومشاعره التي حملها لها منذ لقائهما الأول بمشفى القاهرة!

تململت بنومتها بانزعاجٍ حينما قبضت ذراع مايسان على ذراعها وهي تحاول افاقتها مرددة: يوه بقى يا شمس، كل يوم تطلعي عيوني لما تقومي!
واسترسلت بمكرٍ وهي تتجه للباب: أنا كده هروح أنادي فريدة هانم تيجي هي تقومك بنفسها.
فتحت بنيتها بصدmةٍ، وتخلت عن غطاءها وعروستها اللعبة التي لا تتركها، وهي تصيح برعـ.ـبٍ: لا تفعليها مايا، انظري لقد استيقظت.

ضحكت وهي تراقبها تركض لحمام الغرفة، فلحقت بها تقف على باب الحمام، فرأتها تغسل وجهها بسرعةٍ، هزت رأسها باعجابٍ: شكلي كده عرفت كلمة السر اللي هستخدmها معاكِ كل يوم.
وأشارت لها قبل أن تبتعد: متلبسيش هدومك، فريدة هانم بنفسها جابتلك فستان وشوية والخدm هيوصلوهولك.
تهدلت معالمها بضيقٍ ملحوظ: بس مامي ذوقها مش بيعجبني يا مايسان.

وقفت أمام المرآة تعدل من حجابها الفضي، وكنزتها السوداء لتجيبها ومازالت ترتب حجابها: لو عتدك الجرءة روحي وبلغي فريدة هانم بكلامك غير كده فأنا مش هقدر.
ازاحت شمس عن شعرها الأسود المنشفة، وهي تجيبها بسخرية: لن أفعلها بالتأكيد، على أي حال سأرتديه مرغمة مثل ذهابي للحفل الممل الذي لا أرغب بالذهاب إليه.

واسترسلت ببعض الألــم الذي تسلل لزوجة أخيها: ومثل الزوج المثالي الذي إختارته لي فريدة هانم، كل شيء هنا يحدث دون رغبة مني.
تحركت مايسان بعيدة عن المرآة، فجلست جوارها واضعة يدها على ساقيها وبحنان قالت: شمس حبيبتي، عايزة أقولك حاجة وإفهميها كويس، فريدة هانم مش أنانية هي بتختارلك الأصلح والأفضل ليكي راكان شخص محترم وبيحبك ولو عايزة رأيي هقولك إنتِ كده كده مفيش حد في حياتك فخلاص اديله فرصة وأكيد هتحبيه.

زفرت بضيقٍ وقالت: هحاول أديله فرصة مع إني مش طايقاه!
انتهى على من عمله، فوضع الحاسوب الصغير بحقيبته السوداء ثم جمع دفتره والأوراق، نزع عنه البلطو الطبي واستعد للمغادرة فإتجه للدرج، وتوقف فجأة والبسمة تطوف به، أراد أن يودعها قبل مغادرته المشفى، لقائه المستمر بها لا يشبع عينيه التي ترغب بالتطلع لوجهها الهادئ، برائتها الطاغية عليها.

طرق على الباب فانتبهت الممرضة التي تهم للمغادرة إليه، هز رأسه بتحية مختصرة إليها وهو يستكمل طريقه للمقعد المقابل لفطيمة الجالسة على الفراش وعينيها تهيم بالفراغ بشرودٍ، أوقف على الممرضة قبل خروجها حينما قال بعصبية وهو يجذب الحجاب الملقي جوارها بإهمالٍ: أخبرتك كثيرًا بإن فطيمة مسلمة، من فضلك لا تتركيها دون حجابًا مجددًا.
زمت الطبيبة الانجليزية فمها بسخطٍ، ومع ذلك ردت ببسمة سخيفة: حسنًا.

قالتها باقتضابٍ وغادرت، فجلس على مجددًا وعلى وجهه ابتسامة ساحرة، يراقب تلك التي تهيم بالفراغ بجمال عينيها وانتظام أنفاسها، فقال وقلبه يخقق إليها: تعبتيني معاكي يا فطيمة، بقالي 8شهور بحاول معاكِ وبردو مفيش أي نتيجة.

زوى حاجبيه باستغراب لحق نبرته: أنا كنت فاكر إنك لما تيجي هنا هتتحسني، اللي مستغربه بجد إني وأنا في مصر سمعتك بتغني قبل كده في المستشفى، وكنتي بتتكلمي مع الدكتورة يارا وحالتك كانت بتستجيب ليها.
واسترسل وهو يتساءل بحـ.ـز.نٍ: معقول حالتك اتدهورت لما أنا اللي مسكت ملفك!

لم يرمش لها جفنًا وكأنها لم تسمعه من الأساس، فابتسم وهو يقول بصوته الرخيم المحبب لها: متقلقيش أنا مش جايلك دلوقتي عشان نبدأ جلستنا أنا كنت راجع البيت وحبيت أعدي عليكي.
وتابع وعينيه لا تتركها: أقولك سر.
خـ.ـطـ.ـف نظرة متفحصة حوله قبل أن يقترب بمقعده لها وهو يتابع بهمس: أنا برتاح أوي لما بشوفك، بحب الهدوء والــســكــيــنــة اللي بحس بيهم وأنا جانبك.
وردد بمرحٍ: مش عارف مين فينا الدكتور المعالج هنا أنا ولا إنتِ!

ضحك بصوته الرجولي الجذاب، ورفع يده يتابع ساعة يده، فأسرع بالنهوض وهو يشير لها: يا خبر إتاخرت جدًا، فريدة هانم هتعلقني على سور البيت، ده لو بوابته اتفتحت ليا أساسًا.
واسترسل بمزحٍ: فريدة هانم دي تبقى والدتي.
واتجه للخروج ثم عاد يميل للفراش وهو يغمز لها: سر تاني هقولهولك فريدة هانم مبتحبش حد يقولها ماما لازم فريدة هانم عشان حياتنا تستمر مع إن إسمها مكتوب في شهادة الميلاد إنها أمي بس هي مش مقتنعة بده.

وغادر على الفور، ليته انتظر دقيقة واحدة ليرى البسمة التي تركها على وجه التي البائسة التي مازالت تحارب الذئاب التي تنهش لحمها المهتري!

فور خروجهما من الجامعة، تحرك بهما عمران للحفل وهو يراقب هاتفه ببسمة ماكرة، أقسم على رد الصاع إليها، وجودها بالشركات لجواره لا يرغب به لإنه يعلم بأنها تصل كل شاردة وواردة لوالدته، عدل عمران المرآة ليتمكن من رؤيتها جيدًا، فوجدها تتحدث مع شقيقته شمس الجالسة لجوارها، فاستكمل طريقه حتى وصل بهما لمقر الحفل الصباحي، هبط برفقتهما، جاذبًا بوكيه الورد من صندوق السيارة، ثم أشار لشقيقته: يلا يا شمس، ادخلي.

هزت رأسها وتركتهما وولجت للداخل تبحث عن راكان لتكن لجواره بمناسبته، بينما انتظرته مايسان لتدخل معه فوجدته مازال يقف بالخارج، تساءلت بدهشة: مش هندخل ولا أيه يا عمران؟
منحها نظرة كراهية، قبل أن يُحقر من شأنها: إنتِ فاكرة إني هدخل الحفلة معاكي إنتِ!

جحظت عينيها بصدmةٍ وهي تحاول تحليل حديثه المبطن، فدنت منه وهي تردد بذهولٍ: أوعى تقولي إنك هتجيب الحـ.ـيو.انة دي وتظهرها قدام الصحافة والتلفيزيون، دي كانت خالتي راحت فيها!
وضع يده بجيب جاكيته وجذب العلبة الزرقاء القطيفة وهو يجيبها: ومش بس كده، جايبلها خاتم ألــماظ تمنه فوق ال30مليون دولار.

غرس سهمًا قـ.ـا.تل بصدرها، فكادت دmعاتها بالانسدال على وجهها، ومع ذلك قالت بثبات: عمران الحفلة كلها رجـ.ـال أعمال مينفعش تبان قدامهم بالشكل ده، صدقني أنا خايفة عليك وعلى مكانتك وسطهم أ.
أعاد العُلبة بجيب جاكيته، وقال ساخرًا: والله مكانة شركاتي دي تخصني لوحدي، ولا تكونيش فاكرة إن العشرة في المية اللي كاتبتهملك فريدة هانم بعد الجواز هيدوكي الحق إنك تشوفي نفسك من ملاك الشركات.

قبضت على حقيبتها الفضية بقوةٍ، ومازالت تحاول التحكم بانفعالاتها، فقالت: سبق وقولتلك ألف مرة إني مش عايزة حاجة، ومستعدة أتنازلك عنهم حالًا.
وتابعت بقسوة لتسترد حق كرامتها المهانة: إنت الظاهر اللي بتنسى ونسيت أنا أبقى مين وبـ.ـنت مين؟

دنى منها فتراجعت للخلف حتى اصطدm جسدها بالسيارة فباتت محاصرة به، تطلعت لعينيه الرمادية بـ.ـارتباكٍ وحبًا تجاهد بدفنه داخلها، واتجهت لشفتيه التي تردد بحنقٍ: فلقتيني بابوكي وبنسبك العظيم يا بـ.ـنت الأكابر.
ومال لرقبتها يهمس باستحقارٍ: ما كنتِ اتجوزتي واحد من شركاء أبوكي ورحمتيني من البلاء ده.

تهاوت دmعتها رغمًا عنها، فابعدتها عن وجهها، وهي تردد بثبات: عمران لما نرجع بيتنا هني براحتك، دلوقتي خلينا ندخل قدام الصحافة وبلاش تنفذ اللي في دmاغك، فريدة هانم ممكن تعـ.ـا.قبك لو اتسربلك خبر مع البـ.ـنت دي.
وتابعت وهي تبتلع خصتها المؤلمة: جوه إبقى أقف مع الهانم بتاعتك براحتك.
راقب ثباتها الغريب بدهشةٍ، ومع ذلك ردد بسخرية: خايفة عليا من عقـ.ـا.ب فريدة هانم ولا خايفة الصور توصل لعثمان بيه أبوكي!

منحته نظرة شملت الألــم بين طياتها، فتجاهلته واستقامت بوقفتها متجهة للداخل، لحق بها عمران ومازال يحاول العثور على عشيقته.
وجدته يقف برفقة رجـ.ـال الأعمال، فتصنعت بسمتها الرقيقة ودنت منه تناديه على استحياءٍ: راكان.
استدار لها بقامته الطويلة، وهو يعدل من جاكيت بذلته الزرقاء، ليردد ببسمةٍ هادئة: أووه بيبي!
وضمها إليه وهو يشير للرجـ.ـال المحاطين به: أحب أعرفكم، شمس هانم خطيبتي.

قابلتهم ببسمةٍ مجاملة وايماءة رأسها، مرت الدقائق عليها ومازالت تقف جواره، تجده مشغول بالحديث برفقة رجـ.ـال الاعمال عن المشروعات والصفقات القادmة، مثلما اعتادت منه حينما يزور قصرهم، يقضي الوقت برمته برفقة أخيها عمران بالحديث عن الأعمال، شعرت شمس بالملل، فمررت أعينها على مراسم الحفل بنفورٍ، فلمحت سلم رفيعًا جذب انتباهها، لاحت على شفتيه ابتسامة تسلية، فتسللت للبوفيه الموضوع، ثم جذبت منه طبقًا به خبز التوست، والتقطت النوتيلا الصغير الموضوعة جانبًا، وتسللت للدرج الصغير المؤدي للأعلى، لا تعلم بأنه يسوقها لقدرها المحتوم!

ترك راكان الجمع فور رؤيته لعمران وزوجته، فاتجه إليهما يرحب باحترامٍ: عمران باشا منور الحفلة.
احتضنه عمران وهو يهنئه قائلًا: مبـ.ـارك يا وحش السوق.
رفع حاجبيه باستنكارٍ: هنيجي فين جانبك.
وتابع بمزحٍ: بنحاول نتعلم منك احنا لسه بنبتدي على الهادي.
تعالت ضحكاتهما، ليقطعها صوت مايسان الرقيق: ألف مبروك يا استاذ راكان وأن شاء الله تكون فتحة الخير لحضرتك.

منحها ابتسامة واسعة، وهو يشير لها بامتنانٍ: مايسان هانم أشكرك، حقيقي تشريفك هنا النهاردة ده شرف ليا.
رد على استحياء: الشرف ليا أنا.
وتساءلت باستغراب وهي تتفحص القاعة: أمال فين شمس؟
استدار حوله وقد تذكر أمرها: كانت هنا من شوية.
بزغت عينيها صدmة، حينما أحاطت تلك الأفعى بزوجها، تضع القبلات الجريئة على خده وعنقه وهي تردد بمياعةٍ: افتقدتك عزيزي.
لف ذراعه حولها بفرحةٍ وهو يردد: كنت واثق أنكِ ستأتين.

رمش راكان بعينيه بدهشةٍ، من رؤيته لتلك الفتاة تحتضن عمران بتلك الطريقة الفاضحة أمام زوجته، وعلى ما يبدو له ادراكها للأمر مسبقًا، لم يعنيه الأمر كثيرًا فتلك الامور المعتادة بين طبقة رجـ.ـال الأعمال، فانسحب من بينهما حينما وجد على يدلف من باب القاعة، أسرع إليه يرحب به: دكتور على مش معقول إنك أخيرًا خرجت من قوقعتك الطبية وجاي تحضر معانا الحفلة!

ضحك وهو يضمه ليهمس له بحنق: مجبور والله يا ابو نسب، دي أوامر فريدة هانم ولازم تتنفذ ما أنت عارف.
تعالت ضحكاته بعدm تصديق لما تفوه به، فتابع على وهو يتفحص الجمع: أمال فين عمران وشمس؟

أشار له على الطاولة التي جمعت أسرته، فتركه وولج للداخل ليتفاجئ بمايسان تجلس على الطاولة بمفردها وعينيها تجوب من يقف بالبعد عنها يحتضن عشيقته ويضمها لجسده بطريقة مخجلة، دنى منها فما أن رأته حتى أزاحت دmـ.ـو.عها وهي ترسم بسمة صغيرة مرددة: علي!
جلس قبالتها يتأملها بحـ.ـز.نٍ، فقال وهو يقدm لها علبة من المناديل: امسحي دmـ.ـو.عك يا مايسان، الكـ.ـلـ.ـب ده ميستهلكيش.

وردد وهو يتابع أخيه: بس متقلقيش أنا هعرف ازاي أوقفه عند حده هو والزبـ.ـا.لة اللي معاه دي!
بأعلى سطح الشركة.

جلست على السور الخارجي، تضع النوتيلا على الخيز وتتناولها بتلذذٍ، قدmيها ترفرف بحرية واستمتاع، خصلات شعرها المموج تتطاير من خلفها وضحكاتها تتناثر دون توقف وهي تقص موقفها المضحك لرفيقتها، فقالت وهي تقضم قطعه من الخبز: اهدائي قليلًا جومانه، ماذا عساني أفعل بالأسفل، راكان الأحمق لا يجيد سوى الحديث بما يخص الشركات، ليته يعلم بأنني لا أطيق رؤية وجهه الساذج.

انكمشت تعابيرها بغـــضــــب لحق نبرتها: بربكِ يا فتاة، تعودين لاسطوانة رجل الاعمال الناجح الوسيم أنا لا أراه وسيمًا!
وأغلقت الهاتف وألقته جوارها وهي تردد: هحجزلك كرسي جنب فريدة هانم، عشان تحكوا طول النهار عن الطبقة الآرستقراطية!
أيه ده إنتي بتتكلمي عربي!

صعقت حينما اقتحم صوتًا ذكوريًا عالمها المثالي، فاستدارت للخلف تراقب من يقف خلفها، لتجده شابًا جذابًا يرتدي حلى سوداء اللون، شعره بني غزير مصفوف بحرافيةٍ وكأنه قضى نهاره بتصفيفه، عينيه سوداء قاتمة كسواد الليل المخيف، اقترب منها وهو يحاول منع ضحكاته بالوصول إليها، وخاصة وهو يتفحص ما بيدها، فقال وهو يشير بعينيه: في نوتيلا على وشك!

حاولت ازاحتها بيدها فسقط الطبق منها، رفعت يدها الاخرى تزيح بها فسقطت عنها النوتيلا، انفجر ضاحكًا على هيئتها، فاقترب منها وهو يشير: خليني أساعدك.
وانحنى يجمع ما سقط عنها ومازالت تراقبه عن كثبٍ، فقالت بـ.ـارتباك: أنت سمعت كلامي كله؟
رفع عينيه إليها وهز رأسه مبتسمًا، ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر وتساءلت بحماقة: هتقول لحد؟

قدm لها النوتيلا وصمته يطول به ويقلقها، إلى أن قال بثبات: إنتِ عندك حق الجو تحت ممل، خليكي هنا مع النوتيلا.
وتركها وكاد بالمغادرة، فاوقفته قائلة: استنى عندك، مقولتليش إنت مين؟
استدار إليها ليطوفها ببسمةٍ هادئة، قبل أن ينطق: أنا آدهم الحارس الخاص براكان باشا ودراعه اللمين.

انفلت فمها أرضًا، فتعالت ضحكاته مجددًا، فدنى إليها وهو يتفحص ملامحها الملائكية بنظرة خاطفة، قبل أن يهمس لها باحترامٍ: أنا مشوفتكيش ومسمعتش حاجة، متقلقيش يا شمس هانم.
منحته ابتسامة رقيقة، ورددت بتشتتٍ: أنا بشكرك. بس أنا فعلا بشوف راكان ده شخص بـ.ـارد ومعقد.
اصابته نوبة ضحك مجددًا، تخلى عنها فور سماعه رنين هاتفه، فرفعه وهو يحاول جاهدًا السيطرة على ضحكاته مرددًا: أيوه يا باشا، دقايق وهكون عندك.

وتركها وكاد بالمغادرة ولكنه استدار ليخبرها: أنا كمان نظرتي ليه شبه نظرتك.
وغادر تاركًا بسمة ساحرة مرسومة على شفتيها، فضمت النوتيلا إليها وهي تردد بعينين ترمشان دون تصديق: معقول أكون لقيت فارس أحلامي!
بالأسفل.
تعلقت عينيها بالخاتم الالماسي بعدm تصديق، فتعلقت برقبته وهي تردد بعدm تصديق: أووه حبيبي. شكرًا لك.
ابتسم وهو يهمس لها بجراءة: لا. اشكريني حينما نصبح بمفردنا بغرفتنا، أشتاق لكِ ألكس.

أمسكت يده وغمزت له: فلنذهب اذًا.
توقف عن تتبعها حينما أوقفه علي، ليصبح في مواجهته، لعق عمران شفتيه بـ.ـارتباك وهو يردد: علي
وزع نظراته الغدافية بينه وبين تلك الفتاة التي ترتدي ثيابًا شبه عارية من أمامه، غض على بصره عنه ليسلطها على أخيه، آمره بنبرة قطعية: عايزك. تعالى معايا حالًا.
ابتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ، وردد بصوتٍ منخفض: بس آآ...
قاطعه على بحزمٍ: قدامي يا عمران، بدل ما صوتي يعلى قدام الناس.
دنت ألكس من عمران تتحسس صدره بطريقة تقزز منها على للغاية، وقالت بدهشةٍ: ما الأمر عمران؟

حاول عمران إبعادها عنه وهو يتابع نظرات أخيه القـ.ـا.تلة، فهمس لها: انتظريني بالفندق ألكس، سألحق بكِ بعد قليل.
هزت رأسها على مضضٍ، وتركتهما وغادرت، فاحتل ثغرها ابتسامة تسلية فور رؤية زوجته تجلس على الطاولة القريبة منهم، فاتجهت وجذبت المقعد المقابل لها، تشنج جسد مايسان فور رؤيتها لها تجلس قبالتها، فصاحت بانفعالٍ: من سمح لكِ بالجلوس هنا.

دنت بجسدها من الطاولة وهي تخبرها بمياعةٍ: ستعتدين رؤيتي بأي مكانٍ يزوره عمران.
تهجمت معالم وجهها بصورةٍ ملحوظة، فوضعت ألكس ساقًا فوق الأخرى لتتعمد أن تريها ساقيها البيضاء العارية من أسفل الهوت شورت المقزز الذي ترتديه، مسترسلة: هيا مايسان عليكِ تقبل وجودي بحياة زوجك، استسلمي لتلك الحقيقة.
زوت حاجبيها بتهكمٍ: حقيقة إنكِ وقحة وعاهرة رخيصة.

تعالت ضحكاتها بشكلٍ صدm مايسان التي تأملتها بتقززٍ، وكأنها معتادة لسماع تلك الكلمـ.ـا.ت البذيئة، تعمدت ألكس أن تنهض وتجلس قبالتها على الطاولة لتستمع لما تقول جيدًا: لا، حقيقة إن عمران لن يقترب منك ما دmت أنا بحياته، بربك كيف سيراكِ وعينيه لا ترى سوى جمالي.
وجذبت سيجارًا تضعه بفمها وهي تستكمل بتحدٍ: اقترب اليوم الذي سيجردك به عمران من زواجك أعدك بذلك.

ونهضت من على الطاولة وهي تسحب به حقيبتها لتغادر، فتفاجئت بها تجذبها لتقف أمام عينيها، لتخبرها مايسان بتحدٍ وقوة لم تغادر شخصها القوي أبدًا: وأنا أعدك بأنني لن أترك زوجي لعاهرة وضيعة مثلك، لا تنتظري هذا اليوم عزيزتي، لآنه إن أتى ستكونين إنتِ المجردة ولست أنا.
وتركتها مايسان وغادرت تحت نظرات ألكس المشتعلة، فرددت بحقد: لنرى من منا سينتصر بالنهاية.
بالقرب من مقر شركة راكان المنذر.

وقف قبالته يصيح بغـــضــــب جعل عروفه بـ.ـارزة للغاية: خلاص مش لاقي حد يوقفك عند حدك يا عمران!
رفع رأسه إليه وقال بهدوءٍ: أنا معملتش حاجه يا علي، فريدة هانم اللي أجبرتني أتجوز مايسان بـ.ـنت خالتك وأنا مبحبهاش هعمل أيه يعني؟
رمقه بنظرةٍ ساخرة، اتبعها رفع يده يشير له: تزني وتشرب خمرة ده اللي تعمله!
لعق شفتيه بتـ.ـو.ترٍ وقال بتلعثمٍ: ألكس رافضة ترتبط بيا، إنت عارف إن ديانتنا مختلفة وآآ.

جذبه من تلباب جاكيت بذلته وهو يصيح بانفعالٍ: أنت جنس ملتك أيه! واقف قدامي بكل بجاحه تبرر وساختك، إنت عارف مصيرك أيه!
وتابع وهو يحتد من مسكته: أنت نسيت هنا دينك يا عمران ونهايتك هتبقى أبشع مما تتخيل، إبعد. إبعد عنها وعن الشياطين اللي حوليها.

وابتعد عنها وهو يحاول التماسك عن عصبيته، زفر بغـــضــــبٍ مما يفعل وعاد يقف قبالة أخيه الصغير، يربت بحنان على صدره ويعدل من جاكيته الغير مهنـ.ـد.م بفعله، وقال بهدوءٍ: يا عمران إفهم مفيش حد في الكون كله يستاهل إنك تعصي ربنا وترتكب كبائر زي دي، بص حوليك وشوف ربنا كارمك بأيه وأنت غافل عنه، شوف نجاحك في شغلك، والزوجة الصالحة اللي ربنا رزقك بيها، امسك فيها بايدك وسنانك وخليها تطلعك بعيد عن القرف اللي إنت بقيت عايش فيه ده.

رفع رماديته الشبيهة لاخيه إليه ليرى دmعته المستكانة داخله، وكأنه يخبره شيئًا تفهمه علي، وقال: أنا مش هفرض عليك تعيش معاها زي فريدة هانم، بس أنا مش عايزك تظلمها معاك لو مبتحبهاش طلقها وسبها تعيش حياتها مع شخص تاني يديها اللي إنت مقدرتش تدهولها.
أجابه بحـ.ـز.نٍ: وتفتكر إني محاولتش أعمل كده يا علي، حاولت بس فريدة هانم هددتني إني لو طلقت مايسان هتحرمني من الورث ومن كل حاجة.

وتابع وهو يتجه للشجرة القريبة منه، يتكأ عليها بتعبٍ يضـ.ـر.به نفسيًا، فالتقط نفسًا ثقيل واستدار يخبر أخيه: لما أنت كنت في مصر أنا أصريت أطلقها عشان أنهي العـ.ـذ.اب اللي معيشها فيه ده، بس ماما عـ.ـا.قبتني وأخدت مني الكريدت كارت وسحبت مني العربية وكل حاجه بمتلكها.
واسترسل بقلة حيلة: مكنش في قدامي حل تاني، بضغط على مايسان بكل قوتي عشان هي اللي تقف قدامها وتطلب الطـ.ـلا.ق.

ضحك ساخرًا وهو يشير له باستحقارٍ: قصدك بتهنها وبتدوس على كرامتها، كرامة مراتك اللي هي المفروض كرامتك.
حاول تبرير ما يفعله حينما قال: عايزني أعمل أيه يعني!

صاح بعصبية بالغة: تخليك راجـ.ـل ولو لمرة واحدة في حياتك، تقف قدام ماما وترفض الجوازة دي، ولو حرمتك من الفلوس والأملاك في داهية المهم بلاش تعصي ربنا بعلاقتك القذرة دي وبظلمك الكبير لانسانة بريئة ملهاش ذنب غير إنها بتحبك من وإنتوا عيال صغيرين وأنت أعمى عن حبها ليك.

واسترسل وهو يمنحه نظرة أخيرة: إنت ماشي في طريق كلها معاصي بداية من الخمرة للبـ.ـنت اللي انت ماشي معاها. صدقني يا عمران إنت مش أد غـــضــــب ربنا عليك.
وتركه وغادر على الفور، تاركه يعيد حساباته التي تنتهي جميعًا فور رؤيته لتلك الملعونة.

خرجت مايسان تنتظره جوار سيارته والدmـ.ـو.ع مازالت تختم على وجهها، لا تعلم لماذا تحمل الحب له بالرغم من الكراهية الواضحة بعينيه لها، مازالت تفتقده. تفتقد تلك الليالي التي كانت تقضيها بانتظار هبوطه لمصر برفقة والدته كل عامٍ، كيف كان يبتسم فور رؤيتها ويقضي أغلب الأوقات برفقتها، كان لا يفترق عنها أبدًا، تاركًا الجميع يظنون بأن بينهما قصة حب عظيمة نهايتها الزواج المتوقع، وحينما حدث ذلك تفاجئت بوجود تلك الفتاة بحياته، وكأنه شخصًا أخر غير ذاك الذي كانت تلتقي به كل عامٍ، ترسخ داخلها بأنه كان يستغلها بالفترة التي يقضيها بمصر، ولكنه لم يسبق له بأن تعدى عليها مرةٍ، كان يعاملها برفقٍ وحبًا ينبع داخل عينيه، أزاحت دmعاتها حينما وجدت على يدنو منها ليشير لها: يلا نرجع البيت يا مايسان، شمس راكان قال هيوصلها.

رفضت الانصياع إليه مرددة بتصميم: أنا جيت مع جوزي وهرجع معاه.
أغلق باب سيارته وعاد يقف قبالتها، قائلًا بعدm تصديق: بعد اللي عمله جوه ولسه عايزة تركبي معاه!
تدفقت دmعاتها على وجنتها، فابعدتها عنها وهي تخبره بصوتٍ منكـ.ـسر: أحسن ما أسيبه يروحلها.
رمش باهدابه تأثرًا بها، فهمس بصوتٍ حزين: غـ.ـبـ.ـي ومش مقدر الجوهرة اللي معاه.
ورفع من صوته يخبرها وهو يعتلي سيارته: لو حصل حاجة كلميني.

اكتفت بهزة بسيطة من رأسها، وتوجهت لتقف جوار سيارة عمران حتى خرج فوجدها تنتظره، وضع يده بجيب بنطاله وتساءل بضيقٍ: مركبتيش مع على ليه؟
ردت عليه بثباتٍ قـ.ـا.تلٍ: أنا مجتش معاه عشان أرجع معاه!

سحب نفسًا مرهقًا وأشار لها بالصعود باستسلامٍ، تحركت بآليةٍ تامة لتجلس جواره، فخيم السكون عليهما طوال الطريق، تكبت هي بكائها بحرافيةٍ اعتادت عليها ويفكر هو بحديث أخيه، حتى توقف بها أمام المنزل، انتظرته يهبط ولكنه بقى بمقعده فعلمت بأنه يوصلها وسيغادر على الفور، لم تتمكن مايسان اخفاء دmعاتها طويلًا، فتحركت يدها المرتشعة تقبض على معصمه المتعلق بالقيادة، انتبه لها عمران فلف وجهه إليها، فاندهش حينما وجدها تتطلع له بعينان باكيتان، وصوته الشاحب يردد: بلاش تروحلها يا عمران، بلاش تكـ.ـسرني بالشكل ده كل يوم، أنا لسه عندي أمل إنك هتسيب كل ده وترجعلي.

تألــم قلبه القافز بين ضلوعه، لا ينكر بأنه كان يكن لها حبًا في وقتٍ مضى من حياته، ولكن فور ظهور ألكس بحياته منذ ثلاث سنواتٍ وهو لا يرى سواها، وكأن مايسان لم تزور قلبه في يومٍ مضى، طال صمته ووصلت لها إجابته، فسحبت يدها عنه وخرجت من السيارة على الفور.

انهال عمران بجسده للامام وهو يواجه كل ما يعتريه من ألــمٍ مبالغ به، سئم من حياته ومما يواجهه بمفرده، فحسم أموره بإنهاء عـ.ـذ.ابه وخــــوفه الشـ.ـديد من الله عز وجل، حرك المفتاح ليقود سيارته من جديد متوجهًا للفندق، تاركها تراقبه من الشرفة بانهيارٍ تام، جعلها تجلس أرضًا متعلقة بالستائر التي تكبت بها صراخاتها. صرخات أنثى تعافر لاسترداد حبيب طفولتها الغائب خلف فترة مراهقة لا تود تركه أبدًا.

صعود مايسان لغرفتها ومغادرة عمران زرع الشكوك داخلها، فصعدت لغرفة ابنها تطرق بابه وحينما استمعت لآذنه ولجت للداخل، فوجدته يبدل ملابسه، منحته فريدة نظرة متفحصة قبل أن تتساءل بحدةٍ: إنت راجع تاني المستشفى يا علي؟
منحها ابتسامة جذابة، ودنى منها يطبع قبلة على جبينها ويدها مرددًا بحبٍ: مساء الجمال كله على أجمل قمر بالكون كله.

كعادته ينجح بنثر السعادة على وجهها، ابتسمت وهي تردد بنفاذ صبر: دكتور على البكاش إنت لحقت تقعد معايا عشان تلبس وترجع تاني.
اتحه لخزانته يجذب حذائه الأسود، فجلس على حاملة الأحذية يرتديه وهو يجيبها: هعمل أيه بس يا فريدة هانم لازم أرجع عشان عندي كام كشف مهم النهاردة، مقدرش أعتذر للأسف، بس وعدي مازال مستمر هرجع بدري.
هزت رأسها وهي تشير له: عفارم عليك.

اخفى بسمته على كلمتها المعتادة، التابعة لعهد مضى ومع ذلك تمعن بنظرته المحبة لها، شعرها القصير المرتب حول وجهها، فستانها الآنيق، وحذائها ذو الكعب العالي الذي إعتاد رؤيتها ترتديه أينما كانت، حتى ولو بالمنزل، عينيها العسلية المزينة بالكحل الأسود وبشرتها البيضاء الصافية.

أحيانًا يشعر وكأنها شقيقتها الكبرى وليست والدته بالمرةٍ، مازال حتى تلك اللحظة يتقدm إليه عدد من الرجـ.ـال لخطبتها، فضحك رغمًا عنه حينما تذكر كيف كانت تغـــضــــب وتثور وخاصة حينما كان يخبرها على بأنه ليس معترضًا آن أردت الارتباط.
كعادتها تعيد عليه حساباتها الدقيقة حول تضحيتها بالزواج في سنٍ مبكر، وبالأخص بعد وفاة والده كانت حينها تبلغ الثلاثون من عمرها.
أفاق من شروده على صوتها المنادي: روحت فين يا علي!

تنحنح بحرجٍ: مع حضرتك.
عادت تكرر ما قالته مجددًا: سألتك اللي إسمها ألكس حضرت الحفلة؟
سحب عينيه عنها بـ.ـارتباكٍ، وادعى انشغاله بتصفيف شعره، مرددًا: مخدتش بالي.
احمرت عينيها، فنهضت عن الفراش وتوجهت للخروج قائلة: ردك وصلني.

انتهى الحفل أخيرًا وانتهى دورها المثالي بالوقوف مع خطيبها المزعوم بحفلٍ هامٍ هكذا، انتهت شمس من تناول طعامها، فجذبت منديلًا ورقيًا تجفف فمها قائلة بضجرٍ: راكان أنا كده أتاخرت، خلينا نمشي بقى.
ابتلع ما بفمه قائلًا وهو يلتقط مناديلًا ورقيًا: أوكي يا بيبي، هنتحرك حالًا.
انطلق رنين هاتفه الذي لا يكف عنه، فأشار لها بحرجٍ حينما وجدها تتأفف بغـ.ـيظٍ: معلشي، ثواني وراجعالك.

وتركها تجلس على الأريكة التابعة لمكتبه السفلي، وابتعد يجيب على هاتفه، ابعدت شمس الطاولة القصيرة عنها ونهضت تتمشى بالخارج بضيقٍ شـ.ـديد، فتحت الباب الزجاجي بالطابق الأرضي ووقفت تتنفس الهواء المنعش ببسمةٍ ساحرة، فتحت عينيها على مهلٍ لتتفاجئ بالحارس الشخصي يقف على بعدٍ منها، لاح على وجهها بسمة صغيرة، فخـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة على راكان الذي مازال يتابع حديثه الذي لا ينتهي، ثم تسللت للخارج بعدmا خلعت حذائها حتى لا يستمع راكان لصوت خطواتها.

خطت على أطراف أصابعها حتى وصلت للحديقة الخلفية للشركة حيث كان يقف آدهم منشغلًا بتأمل هاتفه، ليفق على صوت صفيرًا منخفض وصوتًا انوثي رقيق: كابتن.
رفع عينيه إليها، فتفاجئ بها، ابتسم آدهم وهو يرد بتهذبٍ: شمس هانم.
رفعت طرف فستانها وتسللت بعيدًا عن المياه الرطبة المحاطة للأرض الخضراء، حتى وقفت جواره، رمش بدهشةٍ وهو يراقب قدmيها دون حذاء، ولكنه لم يعلق وعاد يراقب ما ستقول.

اتسعت ابتسامتها وهي تربع يدها أمامه، وعلى ما يبدو تشتتها وحيرتها بما ستفوه، فقالت بعد صمتًا: أنا كنت عايزة أشكرك أنك مقولتش لراكان حاجة، وأكد عليك من تاني أنك مسبقش إنك شوفتني فوق.
تطلع لها بغموضٍ، ومازال يقف بثبات يزيد من جموده، ظنته سيتحدث بالأمر فقالت برجاء: بليز مش تقول لراكان حاجة، لحسن ممكن يقول لفريدة هانم وهتبهدلني.

اخفى بسمته وردد باتزانٍ قـ.ـا.تلٍ: أنا بعتذر بس مش فاهم تقصدي أيه، دي أول مرة أقابل حضرتك وش لوش يا شمس هانم.
بدت كالبلهاء تحاول فهم ما يقوله، فانفرجت شفتيها بضحكة واسعة ولفت اصبعها: آيوه آيوه فهمتك، إنت بتمثل من دلوقتي.
ضحك بصوته الرجولي وهو يهز رأسه: بالظبط كده.
رفعت إبهامها له: برا?و، استمر على كده.
اتجهت لتغادر ومن ثم استدارت لتخبره: شكل كده هيكون بينا أسرار كتير يا آآ. آآ.

انقطعت كلمتها حينما تهاوت قدmيها بالمياه الرطبة فكادت بالسقوط أرضًا، وكان ذراعه الصلب الأسرع لمساندة خصرها المرن، تعلقت شمس تلقائيًا برقبته، في نفس لحظة استكماله لجملتها: آدهم، إسمي آدهم.

قالها وعينيه هائمة بعينيها، وجهها الملائكي اختطفه وكأنها تملك تعويذة سحرية تشـ.ـده بها، رفرفرت بجفنيها وهي تتأمل عينيه عن قربٍ، ذاك الغريب الذي اختطفها منذ أول نظرة وأول لقاء، انتبه آدهم لراكان الذي يتقدm منهما، فاستقام بوقفته جاذبها لتقف أمامه، وتراجع خطوتين للخلف واضعًا يده خلف خصره المستقيم
لعقت شمس شفتيها وهي تحاول تهدئة أنفاسها اللاهثة، وما زاد ريبتها وجود راكان الذي تساءل: في أيه؟

أجابه آدهم وعينيه الثاقبة تحيطه: شمس هانم كانت بتتمشى بالحديقة، واتكعبلت في طرف الفستان وكانت هتقع.
ابتسم راكان وربت على كتفه بفخرٍ: إنت مش بس منقذي المخلص يا آدهم، شكل هتكون المنقذ الرسمي لافراد عيلتي كلها.
طـــعـــنه آدهم بنظرة غامضة، يخفي من خلفها دوافعه الحقيقية، ومع ذلك اختطف بسمة ثابتة وهز رأسه بخفةٍ.
اخبره راكان: اتصل بالسواق يجيب العربية عشان نوصل شمس هانم.

رفع آدهم هاتفه ليردد باقتضاب لمن يجيبه: هات العربية قدام الشركة يا حامد.
استدار راكان تجاهها، فشملتها نظراته، فردد بدهشةٍ: شمس فين الشوذ بتاعك؟!
حكت جبينها بتـ.ـو.ترٍ، فاحنى آدهم رأسه ضاحكًا خشية من أن يرأه أحدٌ، بينما تلعثمت بردها: آآ. أنا بس كنت حابة أجرب النجيلة عندكم في الشركة ناعمة ولا خشنة.
برق راكان بدهشة، فتمادت بثقتها بالحديث: دي نقاط مهمة متخدش بالك إنت منها، الستات دقيقة جدًا.

أحمر وجه آدهم من فرط كبته للضحك، بينما رفع راكان يده لصدره ليشير لها: اسندي لما نوصل للشوذ بتاعك عشان نخرج.
وما أن طوفت ذراعه حتى تحرر رنين هاتفه للمرة الألف، راقب راكان الشاشة فابتعد وهو يشير للخلف: آدهم.
اقترب منه ليجده يهمس له: ساعد شمس هانم، معايا مكالمة مهمة.

احتل آدهم مكانه، فاحنى يده لصدره، ارتبكت شمس وهي تستند بيدها على ذراعه، ثم تحمل طرف فستانها باليد الاخرى لتتفادى الحشائش المبتلة، تلون وجهها بخجل، وقلبها ينبض تأثرًا لقرب ذاك الغريب منها، انتهت مسافتها القصيرة حينما وصلت للحاجز الرخامي، فحملت طرف فستانها وصعدت عليه، تركها آدهم وكاد بالتراجع، لتوقفه كلمـ.ـا.تها: شكرًا يا كابتن آدهم.
ابتسم مجددًا، وقال دون أن يلتفت لها: العفو يا شمس هانم.

غادر من أمامها تاركًا قلبها يكاد يركض من خلفه، ولجت شمس للداخل ومازالت بسمتها لا تفارقها، فارتدت حذائها وخطت للخارج بفرحة لم تشعر بها يومًا، صعدت بالسيارة بالخلف جوار راكان الذي مازال يتابع حديثه بالهاتف طوال الطريق حتى لحظة هبوطها من السيارة، وذاك الأمر لم يزعجها تلك المرةٍ، كل ما يشغلها هو ذاك الحارس. آدهم.

صف على سيارته أمام المشفى، فصعد للأعلى حاملًا باقة الزهور البيضاء ببسمةٍ بشوشة، كعادته كل يومٍ لم يتجه لمكتبه كانت غرفتها أول وجهة له، طرق الباب وحرر مقبضة على الفور، فتلاشت ضحكته تدريجيًا حينما وجد أمامه آرثر، أحد الأطباء الذين تم تعينهم منذ فترةٍ صغيرةٍ، وما لفت إنتباهه امتقاع ملامح فطيمة بشكلٍ ملحوظ.
دلف على حتى بات قبالته، فتحرر من صمته بسؤالٍ تحرر بعصبيةٍ: ماذا تفعل هنا؟

تلبس رداء الثبات قبالته، ليجيبه ببرود: ماذا يتوجب على الطبيب فعله!
رده الفظ دفع على ليردد بنفس وتيرته: أنا الطبيب المسؤول عن علاج فطيمة، لا يحق لك التواجد هنا.
ابتسم ساخرًا، مردفًا: سمعت إنك مسؤول عن حالتها منذ ثمانية أشهر ولم تتحسن حالتها، ربما أنا الأجدر بعلاجها دكتور علي.
وتركه وقبل أن يغادر من باب الغرفة قال: فكر جيدًا بالأمر.

منذ لحظة قدومه للمشفى وهو يضعه بخانة منافسته الرخيصة، وأخر ما توقعه على أن يسخر منه بتلك الطريقة، وضع على باقة الزهور على الكوماد المجاور لفطيمة، ثم جلس على المقعد المجاور لها باهمالٍ.
أزاح نظارته الطبية عنه وهو يفرك مقدmة أنفه بضيقٍ شـ.ـديد، لأول مرة يعجز عن علاج أحد حالاته، وليكن صادقًا مع نفسه فطيمة تهمه كثيرًا ربما لذلك يرغب بشـ.ـدةٍ أن تعود لحالتها الطبيعية.

استدارت بوجهها للكوماد تتأمل الزهرات ناصعة البياض ببسمةٍ رقيقة، اعتادت على شم تلك الرائحة العطرة كل صباحٍ فور ولوج على لغرفتها، ممتنة لحمله كل يوم باقة زهور مميزة إليها، غامت معالمها فور أن سُلطت عليه، ليتها تعلم الحديث بالانجليزية لتعرف ماذا ضايقه هذا الطبيب؟
انتبهت له يستقيم بجلسته تجاهها وهو يجاهد لرسم بسمة صغيرة، وردد بصوته الرخيم: صباح الخير يا فطيمة.

وحرر غطاء قلمه، ثم جذب النوت ليبدأ قائلًا: النهاردة هنحاول نرجع مع بعض لذكرياتك، أكيد في طفولتك كان في موقف حلوة كتير يا فطيمة، والحلو إنك مش هتتكلمي عن حاجة تضايقك.
وتابع تعابيرتها باهتمامٍ، ولم يحصل على أي رد فعل إيجابي.
أغلق على دفتره ثم اقترب بجلسته إليها يخبرها بانهاكٍ: فطيمة سكوتك ده هيضرك أكتر مش هيفيدك في شيء، أنا مازلت بحاول معاكِ وبتمنى تساعديني عشان أقدر أساعدك وأعالجك.

وتابع برجاءٍ غريب: من فضلك حاولي تساعديني، اتكلمي واحكيلي عن اللي مريتي بيه ده هيهون عليكي كتير.
تحررت دmعة على خديها جعلته زفر باختناقٍ، فاتجه للشرفة يحرر ستائرها، مستندًا بجسده على العمود المجاور للشرفةٍ، اطال بصمته ثم قال بعد سكونه: شكل دكتور آرثر صح، أنا فشلت أعالج حالتك وهو أولى بيكِ مني.
وغادر الغرفة وعلامـ.ـا.ت الحـ.ـز.ن والاستسلام تغدو وجهه دون راجع.

فور نطقه لتلك الكلمـ.ـا.ت اعتدلت فطيمة بجلستها وعينيها تبرق بصدmة مما استمعته، فهزت رأسها بجنون وهي ترفض حقيقة ابتعاده عنها، ابتلعتها حالة من الصرع فتشنج جسدها من جديدٍ مما جعل الممرضات تهرول للداخل إليها.
وقف أمام غرفته القابعة بالطابق الثالث والأربعون بالفندق يلتقط أنفاسه بانتظامٍ، وكأنه يستعد لما سيخوضه بالداخل، يستند بيده على الحائط في محاولة لتقوية نفسه التي ستضعف فور رؤيتها.

ولج عمران للداخل باستخدام بطاقته، ليجدها تجلس على الفراش بقميصٍ مغري قصيرًا، وبيدها كأس من المحرمـ.ـا.ت التي كانت السبب بادmانه لها، وفور رؤيته نهضت عن الفراش تسرع إليها مرددة بصوتٍ مغري: حبيبي هل عدت!
انطوت داخل احضانه وهي تهمس له: اشتقت لك كثيرًا.

ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وهو يقاوم رغبته التي بدأت بالتحرك لها فور رؤيتها، فرفع يده عنها وهو يحاول ابعادها مرددًا: ألكس، هناك أمرًا هامًا أود إخبـ.ـارك به أولًا.
رفعت رأسها عن صدرها ويدها تعبث بذقنه الغير حليق: لا أريد سواك.
دفعها عنه برفقٍ مصرًا على طلبه: ألكس من فضلك.
ابتعدت عنه وهي تراقب ملامحه المهمومة باستغرابٍ: ما بك عمران، أخبرني.

جلس على الأريكة وهي من جواره، ضم شفتيه معًا قبل أن ينطق: لا أرغب في ارتكاب معصية أخرى، أريدك أن تقبلي عرض الزواج مني.
زمت شفتيها بسخطٍ لعودته لنفس الحديث الممل، فاتجهت لزجاجة الخمر تسكب منه بكأسها: بحقك يا عمران هل عدت لحديثك هذا مجددًا، أخبرتك سابقًا إني لا أريد الزواج، ولا أحبذ سماع تلك التفاهات المتعلقة بدينك المتسلط.

احمرت عينيه غـــضــــبًا فنهض عن الأريكة يصـ.ـر.خ بحدةٍ: تأدبي بالحديث ألكس والا اقــ,تــلعت عنقك.
خشيت أن تسوء الأمور بينهما، فهرولت إليه تردد بخداع نبرتها المغرية: أعتذر لك، لا أقصد اهانتك ولا إهانة ديانتك، ولكني سئمت من تكرار حديثي لك، أنا لا أريد أي قيود عمران، والزواج بالنسبة لي أكبر قيد.

وتلك المرة لم تترك له فرصة المناص منها، حيث حررت أزرر قميصه وبدأت تتقرب منه بطريقتها المقززة، هامسة باغراءٍ: أنا أرغب بك، دون أي قيد. وأعلم بأنك تحبني مثلما أحبك.
وتابعت وأنفاسها تلفح رقبته: هيا عمران دعك من تلك الترهات. أفتقدك حقًا.

أغلق عينيه بقوةٍ تأثرًا بها، فانساب خلف مشاعره الخائنة التي استسلمت لها للمرة الرابعة، كل مرةٍ يعترض وكانت تنجح بعد عدد من المحاولات بالحصول عليه، ويعود بعدها يؤنب نفسه ويبتعد أشهر عديدة حتى تنجح باغوائه مجددًا، ولكنها تثق بإن سقوطه وخضوعه لها سيكون مؤكدًا حتى وإن بقى عامًا دون لمسها!

هرع على لغرفتها ليجد عدد من الاطباء والممرضات يجتمعون داخل الغرفة لتعسر حالة فطيمة، ابعد من بطريقه ليصل للفراش فوجدها تتشنج بعنفٍ ونظراتها تحيط بمن حولها بذعرٍ، فردد بلباقةٍ: أعتذر منكم جميعًا، ولكن وجودكم هنا يثير ريبتها، من فضلكم.
خرج الجميع الا آرثر صمم البقاء ليتابع الحالة بفضول، أراد باصرار متابعة حالتها ولديه رغبة بتحقيق الانجاز الذي فشل به علي، يتخيل نجاحه الساحق بعد علاج حالة فطيمة.

سلط نظراته عليه فوجده يدنو منها وهو يشير لها بكلمـ.ـا.تٍ عربية فشل آرثر بفهمها: فطيمة اهدي، مفيش حاجة. كلهم خرجوا.
فور رؤيته بدأت في الاسترخاء، وعينيها لا تتخلى عنه، فالتقط اذنيها صوت هذا الدخيل التي بات منفرًا لها، حينما قال آرثر: أعتقد بأنها تحتاج لأبرة مهدئة.
أجابه على بغـ.ـيظٍ من بقائه رغم طلبه الصريح من الجميع بالخروج: لا تحتاج لها، بدأت بالاسترخاء بالفعل.

زم آرثر شفتيه وهو يخبره بلطفٍ مصطنع: دكتور على أنت لا تجيد التعامل مع الحالة، أرجوك دعني أجرب أعتقد بأنها ستتحسن إن حاولت.

صمت على وشرد قليلًا، نظراته العاجزة المسلطة على فطيمة جعلتها تسترجع حديثه الأخير، فخشيت أن يترك له أمرها مثلما خمنت، استقام على بوقفته واستدار ليكون قبالة أعين آرثر، موليًا لها ظهره، فاحتقن وجهها وكأنه يغادر عنها ويتركها من خلفه، انقبض قلبها فتحرك جسدها بعنفوانٍ فلم تجد سوى وسيلتها الوحيدة للنجاة.

رفعت فطيمة يدها المرتشعة لتقربها من يد علي، فتمسكت بيده بقوةٍ جعلت جسده يتصلب صدmةٍ وببطءٍ استدار ليجدها تجلس على الفراش ويدها تتمسك به، وما زاده صدmة فوق صدmته حينما ناطحت آرثر بنظرة قـ.ـا.تلة ورددت بحروفٍ ثقيلة، وكأن صوتها كبت لألف سنة: دكتور على هو المسؤول عن حالتي!
فور خروجه سحبت فطيمة يدها عن يد على بخجلٍ شـ.ـديد، ودmست وجهها أرضًا بحرجٍ لما فعلته، لجئت لصمتها مرة أخرى، ولكن تلك المرةٍ لم يسمح لها على بذلك، فجذب المقعد وقربها منها وهو يردد بعدm تصديق: بقى أنا بقالي 8شهور طالع عيني معاكِ يا فطيمة عشان بس تتكلمي ويجي آرثر المغفل يخليكي تتكلمي في دقيقتين!

اختطفت بسمة صغيرة على شفتيها تمكن من رؤيتها بوضوحٍ، فابتسم تلقائيًا وهو يراقبها، وردد مازحًا: بتضحكي! شكلك شايفاني أنا المغفل مش هو صح. لإنك قدرتي تخدعيني طول الفترة دي.
رفعت عسليتها إليه لتمنحه نظرة حزينة، تسلل عمقها لنبرتها المرتجفة: سكاتي هاد المدة كاملة حيت ما بغيتش نتكلم على اللي داز عليا أ دكتور علي
(سكوتي طول المدة دي لإني مش حابة أتكلم عن الماضي يا دكتور علي).

حقق نقطة بسجله الطبي، وها هي تستجيب للحديث بعد رحلة عناء منه، لذا لن يفوت فرصته، فبدأ بالحديث بإحكامٍ وبحسن اختيار ألفاظه بعد معاناة لفهم نبرتها المغربية: بالعكس يا فطيمة الماضي عمره قصير وبيتنسي، بس قبل ما يتنسي لازم ندوي جـ.ـر.حه الأول عشان نقدر نكمل ونبدأ من جديد.

ضمت شفتيها معًا بقوةٍ جعلت أسنانها تنغرس فيهما، وقالت بلسانٍ ثقيل: داكشي اللي داز عليا ماشي قصة حزينة غنبكي عليها عامين و لا تلاتة و ننسى، اللي فات غيبقا معايا واجعني و ضارني لاخر حياتي.

ضيق عينيه بعدm فهم تلك المرة، فاستغنت عن نبرتها المغربية وقالت باللهجة المصرية المعتادة لسماعها من مراد ومن الطبيبة يارا المسؤولة عن حالتها سابقًا فقالت: اللي فات من حياتي مش قصة حزينة وهبكي عليها سنتين تلاته، اللي فات و.جـ.ـع هيدوم معايا لأخر عمري.
رد عليها بلهفةٍ: وأنا جاهز أشاركك الو.جـ.ـع ده يا فطيمة.

رفعت عينيها إليه بـ.ـارتباكٍ، فتنحنح بحرجٍ وهو يعدل من نظاراته الطبية موضحًا مقصده: فطيمة أنا الدكتور المسؤول عن حالتك، من فضلك سبيني أقوم بشغلي وأحاول أساعدك، بلاش تحكمي عليا بالفشل بدون محاولة.
وتابع ببسمةٍ هادئة: ولا عايزة الجوكر يزعل مني ويقول عليا دكتور فاشل وإن الدكتورة يارا أشطر مني.

ابتسمت فور سماعها عن مراد وقالت: مراد ده شخص عظيم، بالرغم من كل اللي اتعرض ليه بسببي ومازال جانبي وحابب يساعدني، بس مش قادر يستوعب إن اللي اند.بـ.ـح بسكينة تالمة مستحيل يرجع للحياة من تاني.
سكن الألــم رماديته، ومع ذلك تساءل بهدوءٍ: قوليلي يا فطيمة، إنتي اتعرفتي على مراد زيدان ازاي؟

التقطت نفسًا مطولًا استسلامًا لرغبته المستمـ.ـيـ.ـتة بالنبش حول ما يـ.ـؤ.لمها، فبدأت بالحديث بو.جـ.ـعٍ يخترقها رغم تلك البسمة الزائفة على وجهها: في اليوم ده خرجت الصبح مع خطيبي، كنا بنحضر للجواز، ويومها طلبني نخرج ونتكلم شوية، لبست وروحت مع والدي عشان أقابله بس وإحنا في الطريق بابا عربية بابا عطلت.

انهمر الدmع على وجنتها وهي تحاول استرداد حديثها، فجذب على دفتره سريعًا وفتح هاتفه يسجل به ما تقول لعدm استطاعته بالعودة لمكتبه ليحضر حاسوبه والمسجل الخاص بالمرضى، بالطبع لن يخسر تلك الفرصةٍ ليعود ليحضر ما يحتاجه.

كان بحاجة لسماعها تقص عن أي شيءٍ متعلق بماضيها، رغم أنها يعلم اختصارًا شاملًا لحالتها من ظابط المخابرات المصري مراد زيدان، المسؤول عن نفقة علاجها بشكلٍ كاملٍ، ويباشر كل فترة بالسؤال عنها(سلسلة الجوكر والاسطورة)، استرسلت فطيمة حديثها ودmـ.ـو.عها بدأت تدmعان بحدقتيها، فقالت: بابا نزل وطلب مني أقعد في العربية لحد ما يدور على أي ميكانيكي أو شخص يساعده، بس بعد نص ساعه اتفاجئت بعربية بتقرب مني، ونزل منها شابين كان باين عليهم إن وراهم شيء مخيف، ولما قربوا واتاكدوا إن مفيش حد معايا في العربية هاجموني.

ورفعت عينيها إليه وهي تخبره بدmـ.ـو.ع: محستش غير بقماشة بيضة على وشي وبعدها فقدت الوعي ولما فوقت لقيت نفسي في مكان شبه صندوق كبير جوه طايرة، ومكنتش أنا البـ.ـنت الوحيدة اللي جواه.

جحظت عين على بصدmةٍ، لم يتوقع سماع هذا، هل يتم تهريب النساء على متن طائرة بكل تلك البساطة، هؤلاء ليسوا الا شياطين لعينة مثلما وصفهم مراد له، هدأت نيرانه قليلًا فبالفعل تم القضاء على تلك المافيا بواسطة الجوكر والاسطورة سابقًا، لذا حثها على الاسترسل وهو يسألها بنبرته الهادئة: وبعدين يا فطيمة، اتكلمي.

استكان ظهرها للوسادة من خلفها، فانسدل حجابها رغمًا عنها، عينيها لم تكن تعي سوى الشرود بالفراغ، وهي تكمل له: اخدونا مكان غريب، ريحته وشكله مقبض فوق ما تتخيل.
وابتسمت ساخرة رغم صراخ تعابيرها بألــم: كان بيتقسموا الغنايم فيه، بيعينوا البنات وبيشوفوا مين فيهم اللي تنفع لشغلهم.

وابتلعت ريقها القاحل بمرارة ما وجهته، فقبضت بأصبعها على الغطاء المفرود على جلبابها الأبيض الخاص بالمشفى وهي تخبره بوحعٍ استشافه من حديثها: كلنا خضعنا للكشف العذري على إيد دكتورة شكلها مخيف، واللي كانت مننا لسه عذراء كانوا بياخدوهم في عربية لمكان روحت فيه من ضمنهم.
واستكملت ودmـ.ـو.عها لا تتوقف: لإن بالنسبالهم ليهم تمن أعلى.

وانفجرت بالبكاء الحارق، تاركة دmعة رجلًا عزيزًا تلمع داخل مقلتيه تأثرًا بو.جـ.ـعها، لم يسبق لها التأثر هكذا برفقة مرضاه، لا تلك الفتاة بالطبع ليست عادية بالنسبة له، ترك على مقعده ونهض يحمل منديلًا ورقيًا، قدmه لها فتناولته عنه بامتنانٍ.

زاد من لطفه حينما سكب من زجاجة المياه كوبًا لها، تناولته فطيمة جرعة واحدة تسد به نيران صدرها المشتعلة، فعاد يجلس قبالتها وتلك المرةٍ رفض الضغط عليها، بل تساءل بلهفةٍ بعد دقائق فاصلة: أحسن دلوقتي؟

هزت رأسها على استحياءٍ من حديثها الحساس والمخجل له، بالنهاية هو رجل ولكنها لا تعلم لما تشعر بأنها تود سماع نصائحه وتلقي له ما خاضته من رحلة قاسية، عادت تستكمل له: البيت اللي روحناله بعد كده كان فيه جنسيات مختلفة من البنات، أنا من المغرب وكان في هناك بنات من العراق ومصر وبنات كتير أغلبهم من العرب، نسبة قليلة اللي كانت أجنبية.

وتابعت له: اللي عرفته بعد كده من مراد إن كل بـ.ـنت ليها دخلتها، اللي منهم بيبتزوها بشريط فيديو مصورينه ليها، واللي بيغروها بالفلوس، واللي بيستخدmوا عليها العنف عشان تكمل، واللي ببهددوها بخـ.ـطـ.ـف حد من أهلها، بالنهاية كلهم بياخدوا فترة لحد ما يتعودوا على الشغل المهين ده، وأنا كنت من البنات الجديدة اللي لسه داخلين المكان، وحظي وقعني مع مراد.

وأزاحت دmعاتها بمنديله الورقي وهي تخبره بانكسارٍ: كل يوم قضيته بالمكان ده كنت بمـ.ـو.ت فيه بالبطيء، عيني كانت على باب الأوضة ومستنيه لحظة دخول أول شخص هيد.بـ.ـحني، كنت بدعي ربنا كل يوم أن اليوم ده ميجيش غير وأنا مـ.ـيـ.ـتة.
وتمعنت بتطلعها إليه وهي تقول: حاولت انتحر معرفتش، كنت كل ما بحاول بلاقيهم فوق رأسي، لحد ما اتاكدت أن الاوضة دي فيها كاميرات مراقبة.

استدار عنها يزيح بإصبعه دmعة كادت بأن تفضحه أمامها، لا يود أن تصل شفقته وحـ.ـز.نه لها، ذاك الطريق مفروض لأطباء الطب النفسي، عاد يدون بمذكرته ملاحظة طفيفة تنبع عن ألــمها الشـ.ـديد عما خاضته ببداية رحلتها.

فراقبها وهي تخبره باهتمامٍ عن أصل سؤاله المبدئي عن علاقتها بالجوكر مراد زيدان فقالت: وفي اليوم اللي الباب اتفتح فيه كان مراد أول شخص يدخله، حسيت إن الدنيا بتضيق عليا، وخاصة لما لقيته بيقرب مني، بس كان بيعمل كده عشان الكاميرات، وقدر إنه يخدعهم أنه بيقربلي، وبعد كده اتفاجئت بيه بيقولي انه ظابط من المخابرات وإنه جاي المكان ده هو وظابط معاه عشان يقبضوا على شبكة الدعارة الدولية دي، وطلب مني أني أساعده عن أي معلومـ.ـا.ت تقدر تفيده.

واسترسلت بحماس لاخبـ.ـاره: ساعتها حسيت ان ربنا سمع دعواتي وهيخلصني من الذل والمهانة اللي كنت هتعرض ليها، مترددتش وساعدته ووعدني إنه هيرجع وهيساعدني أخرج من المكان ده من غير ما حد يلمس شعرة مني، وفعلًا كان أد وعده ورجع من تاني بس المرة دي كانوا كشفوني وعرفوا ان أنا اللي ساعدته فحبوا يكافئوني على الخيانة دي.

وتابعت ببسمةٍ ساخرة: لفوا حزام ناسف حواليا عشان يبدوا المكان اللي ممكن يكون دليل عليهم، وبالرغم من كده مراد رفض إنه يخرج من غيري، وساعدني أخوه رحيم زيدان وقدرت اخرج من المكان ده من غير ما حد يمسني.

سحبت نفسًا مطولًا تستعيد به قوة تكمل له الجزء الاخر من رحلتها القاسية فقالت: مساعدات مراد منتهش معايا لهنا، رجعني المغرب لاهلي وكان ليا أخ بكل ما تحمله الكلمة، حسيت إني بأخد فرصة من تاني بوجود مراد، رجعت لخطيبي ولحياتي وكان مراد على تواصل مستمر معايا ومع أهلي، ووعدني انه هيحضر فرحي وهيزفني لعريسي.
وانهمرت دmعاتها وهي تردد ببسمة: كان بيعتبرني زي أخته وحسيت منه بده فعلًا.

ابتسم على وهو يجد نقطة هامة قد تعاونه برحلته الشاقة، فدون بنوته مراد زيدان البداية لتماثل فطيمة الشفاء، رفع على عينيه لها بانتظارها أن تستكمل، ولكنه تفاجئ بها صامتة تبكي تأثرًا، فسألها بريبة: وبعدين؟
امتعضت ملامحها بألــمٍ برز حينما قالت بحشرجة تلاحق نبرتها المبحوحة: ابتدينا نجهز لفرحي بأسرع وقت، لإن طبعًا الفترة اللي اختفتها خلت الناس تتكلم عني، فكان الحل أني اتجوز بأقرب وقت.

وبسخريةٍ أضافت: كنت فاكرة إن ده كمان رغبة خطيبي، مع إنه كان فرحان برجوعي الا أنه طلب مني طلب بشع رجعني لكل اللي عشته من تاني.
سألها باستغرابٍ: طلب منك أيه؟
تساقطت دmـ.ـو.عها وهي تردد بتلعثمٍ: طلب مني أروح معاه لدكتورة تأكدله أني لسه شريفة بحجة إن والدته وأهله اللي حابين يطمنوا، رجع يوجـ.ـعني زي ما اتو.جـ.ـعت ومريت بتجربة أبشع من اللي قبلها.

وأغلقت عينيها وهي تردد بشهقاتٍ قـ.ـا.تلة: حتى أهلي اجبروني أروح معاه لان للاسف دي فرصتي الوحيدة اني اثبت للناس إني رجعت من المكان ده نضيفة ومحدش لوثني.
وتشنج جسدها وهي تصرخ بو.جـ.ـع: جبروني أرجع اتهان من تاني عشان حاجة كانت خارجة عن ارادتي، وكإني لو كنت خسرت شرفي ورجعت ليهم كانوا هيرفضوني!

وجد على بإن الجلسة الاولى تندرج لمسمى خطيرًا بتشنج جسدها الملحوظ، فأغلق النوت، ونهض يخبرها: خلاص يا فطيمة كفايا كده النهاردة وبكره نكمل.
اكتفت بهزة بسيطة من رأسها ولم تترك له مجال الحديث، تمددت على الفراش بأنهاكٍ نفسي وجسدي، أسرع على بحقنها بورديها لتهدأ قليلًا من انفعالاتها، فتقبلت الأمر وغابت بنومها سريعًا.

ترك جسده يخضع لجلوس مقعده القريب منها، لينزع عنه نظاراته الطبية وهو يزيل الدmعات العالقة بأهدابه هامسًا بعصبيةٍ تطيح بخطيبها السابق: حقير!

غادرت الشمس ساحة السماء تاركة للقمر البزوغ في ليله القاتم، ومازال غائبًا عن المنزل منذ أمس، جابت فريدة الردهة ذهابًا وإيابًا وبيدها الهاتف تحاول الوصول إليه للمرة العاشرة ولكن دون جدوى، تابعتها شمس الجالسة على الأريكة تتابع دروس جامعتها على حاسوبها الوردي، فتركته جوارها ونهضت تقترب منها مرددة بقلقٍ: مامي بليز اهدي، عمران دايمًا كده بيتأخر بره ومش بيرجع غير بمزاجه وحضرتك عارفة كده.

ألقت فريدة الهاتف عن يدها ثم جلست على المقعد تبعد خصلاتها القصيرة عن عينيها، وقد تمكن منها الارهاق: أعمل أيه بس معاه عشان أغيره، مفيش أي شيء جايب نتيجة معاه.
واستندت بيدها على ساقيها متكئة بجلستها للأمام: أنا ادتيه حتة من قلبي مايسان. كنت فاكرة إن الحب الطفولي اللي بينهم هيقدر يبعده عن الطريق ده بس للأسف أنا مجنتش حاجة من اللي عملته.

حـ.ـز.نت وهي تستمع لوالدتها، فجلست جوارها وهي تربت بحنان على ظهرها وتخبرها بـ.ـارتباكٍ: متزعليش عشان خاطري.
ابتسمت فريدة وهي تتطلع لابـ.ـنتها الصغيرة، فقالت بنبرةٍ لم تعتاد منها سماعها: أبوكِ سابني وأنا في عز شبابي، وساب وراه ثروة كبيرة الكل كان طمعان فيها، اتحدف عليا رجـ.ـا.لة العيلة عشان يتجوزوني بحجة إنهم يحموا المال اللي مش هتصونه واحدة ست.

واسترسلت بألــمٍ قـ.ـا.تل يذبح فؤادها: رفضت. رفضت أرتبط بأي حد واعتمدت على نفسي، اشتغلت وتعبت لحد ما كبرتكم، نسيت نفسي ودفنت حياتي.
وتابعت وهي تتعمق بعينيها الواسعتان: كنت أوقات بحتاج لوجود حد جنبي، بس حتى أختي الوحيدة مـ.ـا.تت بعد وفاة جوزي بسنتين، وسابتلي بـ.ـنتها أمانة في رقبتي.
وشـ.ـددت بحبٍ أمومي: مايسان بـ.ـنتي أنا يا شمس أنا اللي ربتها وكنت جنبها لحظة بلحظة.

ونهضت وهي تتطلع لقصرها الفخم من حولها لتردد بغـــضــــبٍ مخيف: البيت ده بيتها، ومستحيل هسمح للحقيرة دي إنها تأخد مكانها.
واستدارت تجاهها تؤكد لها: أنا اللي يقرب لأولادي أنهش لحمة، ومايسان دي ضي عيوني.
وتابعت بقهرٍ: أنا بتو.جـ.ـع وأنا واقفة بالنص بينها وبين ابني ومش عارفة أجبلها حقها. بس عندي أمل كبير أنها هتغيره!

عاد على للمنزل مثلما وعد والدته، فصعد لغرفته وجذب ثيابه ثم دلف لحمامه، ترك على المياه تنسدل على جسده دون راجع، وحديثها يقتحمه فيثير غـــضــــبًا داخله، وعاطفة تدفعه للعودة وضمها داخل أحضانه، ترك الدُوش يفرد مياهه على خصرها ومال يستند على الحائط، ومازال يجابه عقله بتبرير حقيقة شعوره تجاه تلك الفتاة!

لمع عقله بفكرةٍ خطرت له، فجذب المنشفة ولفها من حوله، ثم خرج يبحث عن هاتفه، أخذ ما يقرب الخمسة دقائق حتى عثر على رقمه، فرفع الهاتف وهو يترقب سماع صوته الرزين الذي أتاه بعد ثواني: دكتور علي.
ابتسم وهو يردد بوقارٍ: مراد باشا.
انتفضت نبرتها قلقًا فليس معتادًا على إتصاله الغريب: فطيمة كويسة؟
أسرع يطمنه: بخير متقلقش، أنا بس كنت محتاج مساعدتك.
أتاه صوت الجوكر الهاتف باهتمامٍ: أعتبر موضوعك منهي لو في إيدي.

إعجب بثقته برده الصارم، وقال بوضوحٍ: فطيمة أخيرًا وبعد الشهور دي كلها اتكلمت، والنهاردة كان أول جلسة علاج ليها، وفي الحقيقة يا مراد من خلال كلامي معاها قدرت ألــمس مدى احترامها وحبها الكبيى ليك، يعني لو في وسيلة تواصل بينك وبينها أظن هيسهل الموضوع جدًا.
أجابه بترحابٍ: أنا أعمل أي حاجة عشان فطيمة ترجع لطبيعتها ولو اتطالب الأمر هسافرلك انجلترا من بكره لو تحب.

رفض موضحًا له وجهة نظره كطبيب متخصص: لا، أنا حابب في البداية يكون في اتصالات بينكم لإني مش ضامن هيكون رد فعلها أيه لو شافتك وش لوش خصوصًا إنها لسه في البداية.
تفهم الجوكر وجهة نظره، وأبدى تضامنه الكامل معه: زي ما تحب، المهم إنها تتحسن وترجع زي الأول.
استغل على مكالمته الهامة مع مراد زيدان، فبدأ بطرح سؤاله قائلًا: طيب كنت حابب أسالك عن شيء.
اتفضل.

جلس على الفراش وأسند هاتفه إليه وهو يجذب نوته ليردد: تاني مرة فطيمة اتخـ.ـطـ.ـفت فيها وتم الاعتداء عليها فعليًا، الفترة اللي قضتوها انتوا الاتنين مع العصابة دي كان في أي حوار ما بينكم يعني فطيمة كانت بتتكلم؟

مجرد تذكره تلك الفترة العصيبة التي مر بها بحياته، أظلمت حدقتيه وود لو عاد بحياته ليقتص منهم بدلًا من أخيه رحيم زيدان، ولكنهم بالنهاية لاقوا حتفهم بما يستحقوه، فسحب نفسًا مطولًا قبل أن يجيب: أيوه كانت بتكلمني، وقتها الكلاب دول كانوا بيحقنوني بالمـ.ـخـ.ـد.رات وهي كانت حاسة بالذنب لانهم ضغطوا عليها وكانت سبب لرجوعي للمكان ده من تاني.
دون على ملحوظة هامة، وعاد يسأل من جديدٍ: طيب بعد خروجكم؟

أتاه صوته الذكوري المتعصب رغم هدوئه: للأسف كنت تحت تأثير المـ.ـخـ.ـد.رات ومقدرتش أكون جنبها في الوقت ده، رحيم أخويا اللي كان جنبها، لحد ما استرديت صحتي وفوقت من تاني.
قابلتها؟
مرة واحدة وكانت حالتها متدهورة ومبتتكلمش نهائي.

أكد عليه على بعدmا استوعب نقطة كان يشك بها: مراد بعدك عن فطيمة بعد خروجكم من الحبس ده كان سبب من الاسباب اللي خلها تفقد الأمان، على ما أعتقد بعد أول جلسة مكنش ليها تعارف كامل بأخوك يعني بالنسبالها شخص غريب، يمكن ده كان بداية إنها بقت كارهة تشوف أي راجـ.ـل خاصة بعد الاعتداء اللي تم عليها.
يمكن.

وبرجاءٍ قال: من فضلك يا على اهتم بفطيمة، بتمنى في اليوم اللي تسمحلي فيه بزيارتها تكون واقفة على رجليها واستعادت صحتها.
أجابه وهو يمنحه وعدًا قاطعًا: هيحصل إن شاء الله متقلقش.
وبلطفٍ قال: بعتذر إني أزعجتك في وقت متأخر زي ده، تصبح على خير.
رد بإيجازٍ ووداعة: أنا تحت أمرك في أي وقت يا علي.
أغلق الهاتف فور انتهاء مكالمته، ونهض لخزانته يرتدي ثيابه ليغفو بعمقٍ بعد عناء شهور النوم المتقطع.

اتخذت قرارها بعد أن قضت ليلها بأكمله تفتكر فيما ستفعله، باكية تحتضن جسدها، ضعيفة في خلوتها بينها وبين ذاتها، قوية فور خروجها من باب غرفتها، تبدو كالحديد القوي الذي لا يهاب شيئًا كاسر، وهي بالحقيقة هاشة، خاوية.

حملت مايسان الحقيبة الفارغة ووضعتها على الفراش، ثم جذبت الملابس من الخزانة ووضعتها داخلها ودmـ.ـو.عها لا تتركها، وضعت حدًا لمعاناتها تاركة من خلفها حساباتها المعقدة حول حـ.ـز.ن خالتها لقرارها هذا، يكفيها تحمله طوال الخمسة أشهر الماضية من زواجهما.
قلبها يئن. كفى ألــمًا، كفى قهرًا، كفى إهانة ولوعة، كفى تحمل الهجر والكراهية. كفى!

أغلقت حقيبتها وهي تزيح دmـ.ـو.عها، واتجهت للسراحة تضع حجابها فوق فستانها الأسود وهي تتفحص ساعة الحائط لتتأكد بأن الوقت متأخرًا، لتضمن المغادرة ليلًا دون وداع أحدًا، لا تريد لخالتها أن تلين قلبها مجددًا.
جذبت حقيبتها وجمعت جواز سفرها وما يخصها، فقاطعها رنين هاتفها الموضوع على الكوماد، أسبلت عينيها بدهشة بالمتصل بتلك الساعة المتأخرة من الليل، فما أن رفعت الهاتف حتى همست بعدm تصديق: عمران!

بقيت ساكنة بوقفتها، لا تعلم هل تجيبه أم لا، ولكن الغريب بالأمر أنه بتصل بها، والأغرب ذاك الوقت المتأخر، كادا مايسان باجابته ولكن ما فعله جعلها تلقي الهاتف على الفراش وتعود لتستكمل استعدادها للرحيل، فتـ.ـو.ترت حركتها وعينيها لا تترك الهاتف المتروك على الفراش، فرددت لذاتها: لا يكون في حاجة، عمره ما اتصل بيا بوقت زي ده!

انتصر قلبها عليها، فرفعت الهاتف إليها وبقيت صامتة تتلصص لما سيقوله هو، فارتجف جسدها فور سماع صوته الواهن يردد: مايسان.
نبرته كان مقلقة للغاية، وبالرغم من ذلك ادعت برودها: خير يا عمران نسيت حاجة حابب تقولها.
ابتلعه الصمت قليلًا ثم قال بإنهاكٍ شـ.ـديد: أنا تعبان أوي يا مايا، مش قادر أسوق خايف. آآ، خايف أعمل حادثة وأقابل ربنا وأنا سـ.ـكـ.ـر.ان وكلي ذنوب. خايف من مقابلته.

واسترسل دون توقف: خــــوفت أكلم على هيتنرفز لو شافني بالحالة دي، وأكيد فريدة هانم هتعـ.ـا.قبني لو لجئت ليها، ملقتش غيرك.
رددت بلهفةٍ ضـ.ـر.بت خفقات قلبها المتسارعة: أنت فين أنا جيالك حالًا.
ابتسم وهو يجيبها بتعبٍ ومازال جسده ملقى على الجزء الأمامي للسيارة: مش عارف أنا فين!
جذبت حقيبتها وهرولت للخارج وهي تردد لاهثة: ابعتلي اللوكيشن وأنا دقايق وهكون عندك، أرجوك خليك في العربية متنزلش. آآ، أنا مش هسيبك.

ارتعش جسده فور سماع تلك الكلمة التي أبقيته أمانًا قليلًا، فأرسل لها موقعه قبل أن يغلق عينيه مستسلمًا للنومٍ المؤقت.

وقفت تراقب سواد الليل الكحيل برهبةٍ، ومع ذلك تغلبت على خــــوفها الغريزي واندفعت تجاه سيارتها، حبه القابع بقلبها كالظل الساكن للجسد مدها بالقوةٍ جعلتها غير واعية لمخاوفها تلك، فصعدت لسيارتها وحررت بريمـ.ـو.تها حاجز البوابة الخلفي لتنطلق بسرعة البرق وهي تتفحص الهاتف من أمامه، تتبع الاشارة، يكاد قلبها يتوقف أكثر من مرةٍ وهي تتخيله يخالف ما قالت ويقود بذاته فيصطدm بأحد الحافلات، فرددت بانهيارٍ: يا رب قصر طريقي ووصلني ليه!

كادت بأن تنقلب السيارة بها أكثر من مرةٍ، تفادت أكثر من حادثٍ حتى وصلت للإشارة المتبعة، ظهرت سيارة عمران من أمامها، وجدتها معاكسة للطريق لا يفصله عن الجسر الفاصل بين الرصيف والمياه سوى خطوات معدودة، وكأنه تفادى سقوطه فعليًا.
تبلدتها الغيوم فور تخيلها بأن السوء قد أصابه بالفعل، فخلعت حزام أمان السيارة وهرولت تناديه بصراخٍ متلهفًا: عمران.

طرقت على باب السيارة في محاولة لتفحصه من عبر النافذة القاتمة، وجدته يتحرك بصعوبة، ففتح الباب مرددًا وهو يرفع جفنيه بتثاقل: مايا. جيتي لوحدك في الوقت ده!
مالت بجسدها تجاه السيارة تستند على حافتها العلوية، وهي تجاهد ألا تفقد وعيها من فرط حالة الذعر التي خاضتها منذ قليلٍ.

تابع عمران انقباض صدرها وصوت أنفاسها المسموعة، فمال بجسده على التابلو متفوهًا بـ.ـارهاقٍ: أنا شرحلك حالتي قبل ما تخرجي من البيت، مالوش داعي العـ.ـيا.ط على حالتي البائسة، روحيني أنا تعبان ومش قادر.
استمدت قوتها وانحنت إليه تعاونه على الخروج من السيارة، أخفضت ساقيه أولًا بعيدًا عن المقعد، ثم لفت ذراعه حول رقبتها، فخرج صوتها يهمس من فرط الحركة: اتحمل عليا يا عمران لحد عربيتي.

أتكأ عمران على باب السيارة حتى نجح بالوقوف، فاختل توازنه من أثر الدوار، كاد بالسقوط لولا يدها التي تركزت على صدرها بقوة.

وزع نظراته بين يدها اللامسة لقلبه ويدها الاخرى التي تحيطه، ليرفعهما لعينيها، زوت حاجبيها بدهشةٍ حينما وجدت عينيه متورمة ومازالت تحتفظ بأثر بكائه، تمزق نياط قلبها فور تخيلها إنه كان يبكي منذ قليلٍ، أرغمت قدmيها على التحرك به لسيارتها، وبصعوبةٍ نجحت بفتح باب السيارة، فارتمى باهمال على مقعدها.

حاول رفع قدmيه ولكنها لم تستجاب إليه، الا حينما رفعتهما إلى السيارة، وقالت قبل أن تنحني: هجيب مفاتيح العربية وحاجتك وجاية.

هز رأسه دون اكتثار، فأغلقت باب السيارة ثم أسرعت لسيارته، جلست محله تجذب مفاتيح السيارة، ومن ثم جذبت هاتفه ومحفظته الملاقاة بالمقعد المجاور له، وكادت بالخروج لولا أن لفت انتباهها تلك الزجاجة الملقاة أرضًا بالسيارة تحمل بقايا الخمر، ألقتها مايسان من النافذة بغـــضــــب، وغادرت سريعًا بعد أن أغلقت الباب.

اتجهت مايسان للسيارة فتوقفت حينما وجدت عمران يجذب المناديل المبللة الموضوعة بسيارتها ويمسح شفتيه ورقبته بتقزز واضحًا، اندهشت من فعلته، فتوقف حينما وجدها تصعد لمقعد سيارتها واستعدت للمغادرة.
لزم الصمت بينهما جلبابه حتى مزقه عمران الذي يرتكن بجسده على نافذة السيارة: هترجعيني البيت لفريدة هانم تعـ.ـا.قبني.

أسبلت بعينيها الباكية تأثرًا برائحة البرفيوم النسائي الذي يفور منه، وقالت وهي تدعي انشغالها بالطريق: هنروح شقة بابا اللي هنا، مفتاحها معايا.
أغلق عينيه باستسلامٍ لنومه المرهق، ولم يفق الا على هزات يدها وصوتها المنادي: عمران وصلنا.

هبطت مايسان واتجهت إليه فعاد يحتمل عليها حتى وصلت بها للمصعد، فوضع رأسه على كتفها وهو يشعر بأنه على وشك فقدان الوعي بأي لحظة، أمسكته مايسان بألــمٍ، جسدها الرفيع لا يحتمل جسده الممشق ومع ذلك حرصت بالا تتركه، تفحصت المصعد حتى صدح بالطابق الثالث عشر، فخرجت برفقته حتى وصلت للشقة، فشلت مايسان باستخراج مفتاحها، فقالت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة: عمران المفتاح في الشنطة حاول تجيبه.

منحها نظرة مشوشة، فجذب حقيبتها المعلقة بذراعها وعبث بها بنصف عين، وجد ما يريد فقدmه لها، وعلق حقيبتها بذراعه بشكلٍ أضحكها رغمًا عنها، فانقطعت بسمتها فور أن همس: إنتِ واخده في الشنطة جواز سفرك ليه؟
تجاهلت سؤاله ودفعته للداخل، فأشار لها بتعبٍ على الأريكة: خليني هنا معتش قادر اتحرك.
رفضت معللة: أوضة النوم قريبة متقلقش.

انصاع لها حتى ولجت به لأحد الغرف الجانبية، عاونته ليجلس على الفراش، وجذبت الغطاء إليه فأبعده عنه وعاد ليجلس مجددًا وهو يردد بنفورٍ غريبٍ: هأخد شاور الأول.
تعجبت من أمره، فمنذ قليل أخبرها بأنه لا يحتمل والإن يرفض الراحة، ومع ذلك لم تعترض، عاونته مايسان بصعوبة تلك المرة بعد أن اشتد التعب به للغاية، فكان يئن وهو يردد بهمسٍ ساخرًا: أنا تعبتك معايا بس ده دين وبتردهولي.

حدجته من هذا القرب الخطر بنظرة استغراب، فقال: فاكرة واحنا صغيرين كنت دايمًا بشيلك على كتفي.
قست نظراتها تجاهه، فكاد أن يختل توازنه فرفع يديه معًا حولها، شعر بأنه سيسقط لا محاله ولكنه وجدها تسانده بكل قوتها، فاتبع خطاها لحمام الغرفة قائلًا بعاطفة غريبة تهاجمه: عمري ما كان ليا أصدقاء مصريين غيرك، كنت بستنى كل أجازة عشان أنزل مصر وأسمعك وانتي بتحكيلي عن دراستك وحياتك.

وابتلع ريقه بمرارةٍ تلثم لسانه ومازال نفوره يزداد: كان نفسي علاقتنا تفضل كويسة على طول يا مايا.
وتمعن بالتطلع لفيروزتها: يمكن لو كانت سابتني أختارك بـ.ـارادتي مكنش شيطاني وزني إني مغـ.ـصو.ب عليكي وإنك مش اختياري.
انهى حديثه بسعالٍ قوي جعلها تنتفض برعـ.ـبٍ من حالتها الغريبة، وبرعـ.ـبٍ قالت: عمران مالك؟!

احتمل ليصل للمرحاض، فدفعها للخلف وسقط يتقيء بتعبٍ شـ.ـديد، وكأنه يصارع المـ.ـو.ت، بكت مايسان وهي تتأمله عاجزة عن مساعدته لا تعلم ماذا ستفعل؟
تركته وركضت للخارج ثم عادت بالهاتف تشير له: أنا هتصل بعلي.
جلس أرضًا على السجادة القريبة من حوض الاغتسال، يصـ.ـر.خ بصرامةٍ آمرة: أووعي تعمليها.
وجذب المنشفة يجفف فمه ورأسه يستند على الحائط بـ.ـارهاقٍ: أنا بس تقلت في الشرب.

خرجت عن طور هدوئها بانفعالٍ: وبتشرب ليه مدام بتتعب منه!
فتح رماديته يسلطها بنظرةٍ إليها، وبسمة ساخرة تعج بما يخفيه: كنت بحاول أنسى قذارتي بس للأسف منستنيش.
وتابع بفتورٍ: كل مرة بخرج فيها من عندها بكون كاره حياتي، قربها في البداية بيكون مغري وبعد كده بقرف من نفسي وجـ.ـسمي، بقرف من كل شيء وبكرهها هي شخصيًا. بعاند وببعد وبرجع تاني أضعف وأقرب.

برقت بعينيها الباكية إليه، زوجها المصون يقص لها عن لياليه مع عشيقته بجراءة، ودت لو صفعته ليفق من مستنفع قذارته ولكن ما يهدأ اتفعالاتها حالته المذرية واعترافاته الغريبة بأنه ينفر من فعلها.

شرودها، صمتها، جعله ينتبه لما تفوه به، فرفع ذراعه يقبض على يدها لتفق محنية رأسها له لتراه يردد ورأسه تترنح ليدها: متبعديش. خليكِ جنبي يا مايا. ارجعيلي الصديقة اللي كانت بتهون عليا كل شيء، متكونليش الزوجة اللي بتعاتب وبتجلد أخطائي.
وضم يده حول ساقيها مستكملًا بصوت مختنق بالعبـ.ـارات: متسبنيش، أنا محتاجلك.

تهاوى الدmع فوق وجنتها فرفع يدها بآلية تامة تمررها بين خصلات شعره الفحمي، وكأنها تؤكد له وجودها، أزاحت دmـ.ـو.عها قائلة بجمودٍ: لو مش قادرة تعالى ريح وبكره إبقى خد الشاور.
رفض الخروج ونهض بصعوبة ليتجه للجزء المخصص للدوش، فنزع عنه جاكيته وقميصه المتسخ وحرر المياه لتندفع فوق جسده تمتزج بدmـ.ـو.عه بعد ارتكابه لذاك الذنب الفاضح.

جلست مايسان على الفراش ليتحرر صوتها المكبوت ببكاءٍ عالي، لا تعلم ماذا تفعل لتتحرر من علاقته السامة، كلما حاولت اتخاذ موقف حازمًا يردعها شيئًا أقوى مما سبقه، ازاحت عنها دmـ.ـو.عها فور رؤيته يخرج من الحمام ومازال يتمايل بمشيته، أسندت ذراعه حتى وصل للفراش، فجذبت الغطاء عليه وكادت بالابتعاد فوجدته يتشبث بذراعها وهو يردد بإلحاح: خليكِ جنبي.

قبضت على فستانها بتـ.ـو.ترٍ، ولكنها رضخت له بالنهاية، تمددت مايسان لجواره لتجده يغفو بعمقٍ والانهاك يبدو عليه، فحدثت ذاتها وعينيها لا تفارقه: حيرتني معاك يا عمران!
دق رنين هاتفه المجاور لفراشه، فرفع ذراعه يتحسس الكومود حتى وصل لهاتفه، فحرر زر الرد ووضعه على أذنيه وهو يردد بنومٍ: أيوه.
أتاه صوتًا يجيبه: جمعتلك كل المعلومـ.ـا.ت عن شمس سالم يا آدهم باشا!

اعتدل بنومته وبسمة خبيثة تحيط بيه، ليمنحه الآذن مرددًا: سامعك، اتكلم.

حملت الأغراض من بواب العمارة، وعادت للمطبخ تضع الأغراض على الصينية المستديرة، وكوب القهوة الذي انتهت المكينة من صنعه ثم توجهت للغرفة بـ.ـارتباكٍ، لا تعلم ماذا سيكون رد فعله بعد افاقته. وتذكر ما قاله بالأمس، توقفت مايسان أمام باب الغرفة حينما وجدته يجذب هاتفه الذي لم يكف بالرن منذ الصباح ومازال يتجاهل الرد على المكالمـ.ـا.ت، والآن يلقيه على الفراش بغـــضــــب، انتبه عمران لها تدنو منه، فوضعت الصينية على الطاولة القريبة منه قائلة بنبرة تحاول جعلها جافة: افطر واشرب قهوتك عشان تنزل الشركة قبل ما فريدة هانم توصل هناك.

وكادت بالمغادرة فأوقفها حينما ناداها: مايا.
وقفت محلها تبتلع ريقها بتـ.ـو.ترٍ، وخاصة حينما وجدته يدنو منها مرددًا بحرج: أنا أسف، بسببي خليتك تخرجي من البيت في وقت متأخر ومن ورا ماما وتقلت عليكي امبـ.ـارح أنا بجد بعتذر.
أبعدت عينيها عنه وقالت دون النظر إليه: محصلش حاجة. بس ياريت مترجعش للقرف ده تاني.
قال باصرار: مستحيل. بعد اللي عشته امبـ.ـارح مستحيل هشرب الزفت ده وآ.

قاطعه رنين الهاتف مجددًا، فزفر بغـــضــــبٍ وهو يتأمل المتصل، فألقاه مجددًا وتلك المرةٍ تسنى لها رؤية إسمها على الشاشة ألكس.
خشيت أن يمسك بها وهي تلقط ما بيده فتوجهت للخروج وهي تخبره: أنا غسلتلك القميص والجاكت، هجبهملك تلبسهم.
فور أن تأكد من ابتعادها قليلًا، جذب الهاتف يسجل رسالة صوتية سمعتها من تقف بالخارج.

«ألكس علاقتنا انتهت هنا، إن كنتِ تحبيني مثلما تدعين ستقبلين الزواج بي، ما حدث بالأمس لن يعاد مجددًا، استهزائك على ديني، تقربك مني بتلك الطريقة لن يحدث الا بالزواج، أعدك تلك المرة إن رفضتي الزواج مني سأطردك خارج حياتي للأبد. »
قال كلمته الأخيرة وهو يلقي الهاتف على الفراش، مرددًا بنـ.ـد.مٍ: مش هرتكب الذنب البشع ده تاني لو أخر يوم في عمري.

انتبه عمران لها تقف قبالته حاملة القميص والجاكت، دنى منها عمران وهو يحاول قراءة ملامحها إن كانت استمعت لمكالمته، ارتدى عمران القميص ومن ثم الجاكيت قائلًا: تسلم ايدك.
وحمل القهوة يرتشفها مرة واحدة، ثم قال: مش يالا ننزل الشركة قبل ما ماما تروح تفتش عننا هناك.

هزت رأسها بآلية تامة واتجهت للسراحة، جذبت حجابها وارتدته ثم حملت الحقيبة واتابعته للاسفل، فقادت سيارتها وهو لجوارها شاردًا بما حدث بالأمس وبالأخص بمساعدتها له بالرغم مما يفعله.
كانت بطريقها للجامعة حينما صدح صوت عجلات السيارة لتتوقف من بعده عن الحركة، مما جعل من تقودها تهبط وهي تتأمل ما يحدث بصدmةٍ، فركلتها وهي تصيح بضيق: مش وقتك خالص، أنا كده هتأخر على المحاضرة.

بحثت شمس بعينيها في محاولة للبحث عن سيارة أجرة، فلفت انتباهها سيارة سوداء تدنو منها، حتى توقفت قبالتها، ليهبط منه بقامته الطويلة قائلًا ببسمة هادئة: محتاجة مساعدة يا شمس هانم.
ارتسمت ابتسامة تلقائية على وجهها، ورددت بتذكرٍ: آدهم، كابتن آدهم!
اليوم خاص باحتماع رؤساء مجلس الادارة، وبالرغم من أهمية الإجتماع الا أنه كان شاردًا، عينيه مسلطة على المهندس الذي يتابع شرحه باستفاضة على شاشة الانجازات المطروحة من أمامهم، بينما يستكين عمران على ذراعه الساند على حافة المقعد المتحرك، يسحب عينيه تارة عن المهندس الذي يشير له بإعجاب لما يبديه بالمشروع القادm وفي الحقيقة لم يستمع لأي حرفًا قاله من الأساس، وتارة أخرى يسحب عينيه لمن تجلس على يمينه تتابع العمل بجديةٍ تامةٍ.

خيمتها نظرة عميقة من رماديته، لم تنتبه لها مايسان لانشغالها بتدوين بعض الملاحظات الهامة المتعلقة بالمشروع الجديد التابع للشركة، انتبهت لصوت المهندس المنادي: عمران باشا حضرتك معايا؟

انتبه الجميع لعمران وكذلك مايسان، استدارت إليه فاندهشت حينما وجدته يتطلع لها بشرودٍ، لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ من نظرات الموظفين حولها، وضحكات الموظفات الحالمة بتفاصيل قصة حب نابعة بينهما، على عكس ما يحدث، فنادته على استحياءٍ وهي تعدل حجابها: عمران!

لم ينتبه إليه، فمررت قدmيها من أسفل الطاولة لتلكزه بقوةٍ، جعلته يرتد بجلسته متأوهًا بألــمًا ليس كإفاقته على ما يحدث حوله، اعتدل بجلسته وتنحنح بخشونة، اتبعت أوامره الصارمة: كمل يا بشمهندس سامعك.
ابتسم وهو يخبره مازحًا: أنا خلصت يا فنـ.ـد.م!
التقطت عينيه الهمسات الجانبية بين موظفينه، فنهض عن مقعده الرئيسي وهو يشير لهم بحزمٍ: ولما أنت خلصت لسه قاعدين هنا ليه، كل واحد يروح يشوف شغله!

جمعوا أوراقهم وغادر الجميع والابتسامة تشق الوجوه، فحك عمران لحيته بحرجٍ مما فعل، وخاصة حينما وجدها مازالت تجلس محلها وتطالعه بدهشةٍ، سحب جاكيته عن مقدmة المقعد وغادر من الباب الجانبي لمكتبه، فجلس على مقعده وهو يمرر يده على جبينه هامسًا بضيقٍ: ناقصة هي!

وجذب أحد الملفات الموضوعة جواره ليجبر ذاته على التركيز بالعمل دون التفكير بليلة أمس، فاستقبل هاتفه رسالة نصية جعلته ينصب اهتمامه فور رؤيتها تخص ألكس، فتح الرسالة ليجدها تدون له.

«ألــم تمل من الحديث عن زواجنا! حسنًا عمران سأثبت لك حبي الشـ.ـديد لك، أنا موافقة على الزواج بك ولكن شرطي الوحيد أن تتخلص من زواجك الأول، فإن كنت تحترم دينك أنا أيضًا أحترم ديني، وديني يمنعني بالزواج من شخص متزوج، ولأعلمك بالأمر لا ينبغي لك الزواج إن قبلت أنا زواجك».
استفزته رسالتها، فعبث بأزرر هاتفه يجيب.

«بربك ألكس، ألا تريني أحاول فعل ذلك منذ أشهر! فريدة هانم ترفض طـ.ـلا.قي من مايسان، والإ حينها سأخسر المال وكل ما أملك! »
ليته كان لجوارها ليتمكن من رؤية فزعها وخــــوفها على المال السبب الوحيد لتعلقها به، فوصلت رسالتها إليه بعد خمسة عشر دقيقة، بعد تفكيرها الميمون بالأمر
«إترك لي الأمر، أعدك بأنني سأجعل والدتك تتوسل لك لتطلقها. »
تجعد جبينه بدهشةٍ وراح يتساءل
«كيف ذلك؟! ».

وصلته رسالتها ففتحها بلهفة
«لا تهتم عزيزي، أريدك أن تترك لي أمر تلك المعتوهة سأهتم بها. »
اغتظم غـ.ـيظه لسماع لفظها البذيء، فترك هاتفه ورفع يديه لوجهه بتعبٍ من تلك الحلقة الدائرية التي يدور بها، انطلق رنين هاتف مكتبه، فتفحصه وهو يردد بسخطٍ: مش وقتك يا فريدة هانم!
ولكنه اضطر يحمل السماعة ليجيب بامتعاضٍ: صباح الخير.
أتاه صوتها مفزوعًا، مقبضًا، يستمع له عمران للمرة الأولى: عمران.

انتفضت حواسه فتساءل بقلقٍ: ماما إنتِ كويسة؟
رددت بـ.ـارتباكٍ وتخبط بكلمـ.ـا.تها الغير مرتبة والغير مسبق لها: مايسان مش في أوضتها، في شنطة على سريرها لمة فيها هدومها. باينها سابت البيت. مايسان سابتني، مش عارفة هتكون راحت فين، دور عليها وشوفها فين أنا عايزة بـ.ـنتي يا عمران!
أجابها سريعًا وملامح الخــــوف مرسومة على معالمه تأثرًا بسماع والدته بتلك الحالة: متقلقيش يا حبيبتي مايا هنا معايا في الشركة.

وصل إليه أنفاسها التي عادت تنتظم بعد عناءٍ، وبصوتٍ مهزوز قالت: بجد يا عمران ولا بتضحك عليا. طيب سمعني صوتها.
شفق عليها، يعلم جيدًا ماذا تعنى مايسان لوالدته، فحمل سماعة الهاتف اللاسلكي، وأجابه بهدوءٍ: حاضر خليكِ معايا.
ودلف من الباب الجانبي لغرفة الاجتماعات، فوجدها مازالت تجلس محلها تراجع أوراقها، قدm لها عمران الهاتف قائلًا بثباتٍ: فريدة هانم.
التقطت منه الهاتف تجيب ببسمة ساحرة: صباح الخير يا ديدا.

انكمشت تعابيرها وهي تستمع إليها، وخاصة من مراقبة عمران لها، وكأنه يحاول تحليل تلك الاحداث، فقالت بتلعثم: لأ، أنا بس كنت بجمع الهدوم اللي مش محتاجاها وزاحمة الدولاب عندي، لكن أنا هسيبك وأروح فين، ده أنا حتى كنت هرجع بدري النهاردة عشان أروح معاكِ الجمعية.
أتاها صوته المتلهف يخبرها: سيبي اللي في إيدك وتعالي حالًا، أنا من الخضة مش قادرة أتلم على أعصابي وشكلي كده هعـ.ـا.قبك على اللي عملتيه ده.

رددت بمزحٍ رغم تجمع الدmعات بمقلتيها: عقـ.ـا.ب أيه بس، لا أنا جاية مسافة الطريق بإذن الله.
وأغلقت الهاتف ثم قدmته لعمران، وانحنت تجمع متعلقاتها تحت نظراته المتفرسة، فقطع صمته حينما قال: إمبـ.ـارح كان معاكِ جواز سفرك وفريدة هانم بتقول إنك كنتِ محضرة شنطتك.
رتبت الأوراق بمجلد واحد قائلة ببرود: وده يخصك في أيه؟
مال بجسده ليستند على جسد الطاولة الزجاجية: يعني أيه يخصني في أيه؟ انتي ناسية إنك مراتي؟

ضحكت ساخرةٍ وتجاهلت التطلع إليه: لا مش ناسية، بس اللي فاكراه إنك مش معترف بجوازنا وبتحاول بكافة الطرق تنهي العلاقة دي.
ابتلع ريقه بـ.ـارتباكٍ وبقى يتابعها بجمودٍ مصطنع، حملت مايسان حقيبتها واستدارت لتكون قبالته، فقالت بألــمٍ: أنا حياتي مش هتتوقف على العلاقة السامة دي يا عمران، أنا عايزة أكمل حياتي مع الشخص اللي يقدرني ويحبني من قلبه.

وفتحت الباب الزجاجي وقبل أن تغادر منحته ابتسامة رقيقة وهي تخبره: متقلقش لما أرتبط بانسان تاني مش هنسى إنك كنت صديق طفولتي وهكونلك الصديقة دايمًا حتى لو أنت كنت رافض الاعتراف بده.
واستكملت بتسليةٍ: المواقف اللي بـ.ـنتعرضلها في حياتنا هي اللي بتورينا احتياجنا بيكون لمين؟
وودعته بنفس البسمة الواثقة: مع السلامة يا عمران.

وتركته مقيدًا محله، يتطلع للباب الذي يتراقص من خلفها لشـ.ـدة دفعها له، شعر بالاختناق يجوبه من حديثها الذي أيقظ غـــضــــبه وحنقه الشـ.ـديد، مجرد تخيله أنها برفقة رجلًا أخرًا غيره جعلت الدmاء تتصاعد بأوردته بشراسةٍ.
حرر عمران جرفاته باختناقٍ، فعاد لمكتبه يجذب مفتاح سيارته، وغادر وهو لا يعلم لأي وجهة سينطلق!

منحها ابتسامة صغيرة رغم ثبات نظراته، ليخـ.ـطـ.ـفها لعجلة القيادة المركونة على الرصيف، رفع حاجبه بتمعنٍ اتبع نبرته: الظاهر إنك كالعادة محتاجة مساعدة.
رفعت كتفيها بقلةٍ حيلة: الظروف اللي بتعمل فيا كده، لكن أنا بسكوتة وقلبي أبيض والله متحملش كل اللي بيحصلي في حياتي ده.

قهقه ضاحكًا وهو ينزع عنه جاكيته الأسود، وأشمر عن ساعديه ليجذب من صندوق سيارته المعدات اللازمة ليبدل عجلة سيارتها، رفع آدهم السيارة باستخدام الحامل ومن ثم شرع بتبديلها بأخرى كان يحملها بسيارته.
راقبته شمس باهتمامٍ وهو يعيد ربطها، وقالت بحرجٍ حينما وجدته ينظف يده المتسخة بالمناديل بصعوبةٍ: كان نفسي أساعد بس للأسف مينفعش فستاني هيتوسـ.ـخ.

ابتسم وهو يراقبها تشير لفستانها، وكأنه جوهرة ثمينة وتنحنح وهو يلقي منديله: ولا يهمك، أنا خلاص خلصت، هلم الحاجة بس.
رددت بامتنانٍ لما فعله: شكرًا يا كابتن.
ضحك بصوتٍ مسموع، وقال وهو ينحني يجمع أغراضه: العفو يا شمس هانم.
علي رنين هاتفه فوضع الأغراض عن يده ثم رفع شاشته إليه، فأجاب بخشونة اعتلته: أيوه يا باشا.
تجهمت معالمه تدريجيًا بصورة لفتت انتباه شمس التي راقبته باهتمامٍ لمعرفة ماذا هناك؟

أسرع آدهم لسيارته، ففتح بابها الخلفي وهو يبحث عن شيئًا كان مبهمًا لشمس، فجحظت عينيه صدmة مما رأه، وقبل أن تستوعب ماذا أصابه، وجدته يجذب يدها مرغمًا إياها على اتباع خطاه، فهرول بها بعيدًا عن السيارتين، والاخيرة تتساءل بدهشةٍ: في أيه؟

دفعها أدهم لمقاعد الانتظار المصفوفة على طرف الطريق، فأرغمها على الجلوس أرضًا، ليحني جسده من فوقها ويديه من أعلاهما في تأهبٍ صريحٍ لمواجهة ما سيحدث، رفعت شمس وجهها إليه تتساءل برعـ.ـبٍ من هيئتها: آدهم في أيه!
أتاها دوي الأنفجار الخاص بسيارته، ضاربًا سيارتها المجاورة للأخرى، فصرخت برهبةٍ وتمسكت بقميصه وهي تصرخ: أيه اللي بيحصل جاوبني!

رفع رأسه من خلف حافة المقعد يراقب الطريق بتمعنٍ، فتفاجئ بسيارتين تقترب من سيارته المتفحمة، عاد يختبئ من جديدٍ، وما يهاجمه بتلك اللحظة اكتشافهم بقائه على قيد الحياة.

المعركة الآن غير متكافئة بوجود شمس برفقته، لا يرغب في إيذائها بسبب عمله المفروض عليه، إن كان بمفرده كان ليقف شامخًا بساحة الحرب متباهيًا بقوته بالقتال، ولكنه من المؤكد لن يحتمل خسارة حياة أحدٌ بسببه، ماذا وإن كانت تلك الفتاة التي بدأت تعرف طريقها لقلبه!
جابت عينيه ذاك الطريق المنجرف خلف أعواد الخضرة الضخمة التي تسد الطريق عن المياه، فأخرج سكينًا صغيرًا مما جعلها تردد بذعرٍ: أنت هتعمل أيه؟

وتابعت وعينيها تراقب السيارات التي خرجت منها رجـ.ـالًا مسلحين: ومين دول!
أشار لها بأن تخفض صوتها، ليهمس لها بحذرٍ: اهدي يا شمس، خليني أعرف أتصرف قبل ما يلاحظوا مكانا لإنهم لو وصلوا لينا أوعدك هيكون يومنا الأخير.
صعقت مما استمعت إليه، وابدت اعتراضها الفوري: وأنا مالي، إنت شكلك اللي مزعلهم بالجـ.ـا.مد ذنبي أنا أيه؟

ضحك وهو يراقب ملامحها المذعورة بتسليةٍ، فصاحت بعصبيةٍ: وطي صوتك مش بتقول هيعرفوا مكانا! وبعدين أنت ليه دايمًا منشكح كده حتى في المواقف اللي مينفعش حد يبتسم فيها!
رد عليها وهو يغمز لها بمشاغبةٍ: بستقبل مـ.ـو.تي بنفس بشوشة.
ردت باجتياجٍ: استقبله انت براحتك أنا لسه صغيرة وفي بداية حياتي.

أشار بالسكين خلفه: حاولي تقنعيهم بده، يمكن وقتها يفكروا يمشوا ويسبوا وراهم شاهدة لطيفة على جريمتهم البشعة اللي هيرتكبوها مع الشخص اللي علم على قفاهم مرتين.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ، فحاولت ادعاء قوتها الزائفة: وأنت بتتنيل تديهم بالقفا ليه يا عم إنت!
تمردت ضحكاته الرجولية بشـ.ـدةٍ ومازالت تشير له بخــــوفٍ، فقال: آسف بس إنتِ جاية تنكتي وإحنا بنمـ.ـو.ت حضرتك!

وتابع بخبث وهو يحاول نزع الغاب عن طريقهما: يعني ده جزاتي بدل ما تشكريني إني حمـ.ـيـ.ـت حياة راكان باشا خطيبك من الكلاب دول زعلانه إني علمت عليهم!
زوت حاجبيها بدهشةٍ: يعني الناس دي عايزة تقــ,تــلك عشان كنت بتحمى راكان منهم؟
هز رأسه بتأكيدٍ وهو ينزع أخر الغاب المصفوف، لوت شفتيها وهي تهمهم بتريثٍ: يا أخي كنت سبتهم يخلصوا عليه وخلصتني من بروده وتقل دmه.

تطلع لها بعدm تصديق وخار ضاحكًا، فرفعت كفها تكبت ضحكاته وهي تردد برهبةٍ: اطلع اضحك بره قدامهم وسبني أعيش!
غادرته ضحكاته وهامت عينيه بقربها الشـ.ـديد منه، يدها التي تلامس شفتيه ونظراتها المرتعبة، ارتبكت شمس من نظراته الجذابة تجاهها، فسحبت كفها بـ.ـارتباكٍ لمسه آدهم فابتسم وهو يتابع عمله ببراعةٍ، وما أن انتهى حتى أشار لها: يلا.

هزت رأسها وانحنت على يدها تزحف حتى وصلت إليه، فمدت رأسها داخل الفجوة التي صنعها، ثم عادت إليه سريعًا تخبره بذعرٍ: ده طريق للبحر!
أكد بإشارة رأسه، وردد وهو يطالعها بتسليةٍ: عندك حل تاني؟
لعقت شفتيها وهي تخبره بتـ.ـو.ترٍ: بس أنا مش بعرف أعوم!
ابتسم وهو يخبرها: متقلقيش يا شمس أنا معاكِ.

زادتها كلمـ.ـا.ته ارتباكًا فوق ارتباكها، فرددت بتشتتٍ: كلمة متقلقيش دي بتقلق أساسًا، ثم أنك ما صدقت ونازل من الصبح شمس شمس، أمال فين هانم اللي كنت بتقولها!
وأشارت باصبعها تعترض: لا أوعى الموقف ده ينسيك إني خطيبة راكان البـ.ـارد اللي بتشتغل عنده أنا مسمحلكش.

سيطر على ضحكاته بصعوبةٍ وهو يشير بيديه كأنه يرحب بالملكة: آسف شمس هانم، ممكن لو سمحتي تدخلي بسرعة قبل ما الحـ.ـيو.انات اللي بره دول يعرفوا مكانا ووقتها هتنزف في شوال واحد لراكان باشا خطيبك!
لعقت شفتيها برعـ.ـبٍ: بتخــــوفني ليه يا عم!
ومرت لداخل الفجوة التي تحيطها الحشائش مرددة بضجرٍ: كان يوم مالوش ملامح لما وافقت ارتبط باللي اسمه راكان ده.

زحف من خلفها مبتسمًا، فأحاط الفجوة بالحشائش لتخفي محلهما، تفادت شمس فستانها الذي كاد بأن يسقطها بالمياه، فتمسك بها آدهم بقوةٍ جعلتها تعود لطريقها من جديد حتى وصلوا لنهاية الطريق المؤدي على الرصيف الأخر، هبط آدهم أولًا فمد ذراعه مشيرًا لها: هاتي ايدك.
تفحصت المسافة بينها وبين الرصيف بتمعنٍ، وليده الممدودة فعادت تختبيء خلفه الحشائش وهي تخبره: هستنى هنا لحد ما يمشوا وهطلع.

أجابها بنفاذ صبر: متبقيش جبانة يا شمس إطلعي!
فتحت الحشائش لتطل عليه من جديدٍ، قائلة بغـــضــــب: أنت بتتخطى حدودك يا كابتن، مش كفايا العربية اللي اتفحمت على الطريق!
واسترسلت بغـ.ـيظٍ: لأ وأنا اللي كنت فرحانة إنك موجود وبتساعدني عشان ألحق المحاضرة، لا لحقت محاضرة ولا العربية سلمت!

مرر يدها على وجهه بغـــضــــبٍ، مازال مكانهما غير آمنًا بالمرة، وهي غير مدركة لخطورة الموقف، وكأنه يحاول أن يلين رأس إبنة شقيقته البالغة من العمر اثنا عشر عامًا، فقال من بين اصطكاك أسنانه: شمس الموضوع خطير من فضلك خلينا نمشي من هنا وفورًا، وإن كان على عربيتك فأنا هعوضك صدقيني.
عادت تطل له من خلف الحشائش تخبره بغـــضــــب: أنا مش بقبل عوض يا كابتن، ثم أنك متعرفش أنا بـ.ـنت مين ولا أيه؟

أدنى شفتيه بأسنانه وصاح بها: مش وقته الكلام ده بقولك الناس اللي بره دي لو وصلولنا هيصفونا!
اعترضت محتجة: يصفوك أنت أنا مالي بالليلة دي!
ضيق عينيه بنظرةٍ مستهزئة فأشار لها بخبث: أوكي أنتِ صح، عشان كده ههرب أنا وهسيبك تداري ببوكيه الورد اللي أنتِ قاعدة جواه ده، مع السلامة يا شمس هانم.

جحظت عينيها في صدmةٍ حينما وجدته يشرف على الابتعاد عنها، فصاحت بهلعٍ: أنت سايبني ورايح فين، يا آدهم، كابتن آدهم استنى، طيب مش خايف من راكان البـ.ـارد يعـ.ـا.قبك انك سبتني ليهم.
لم يعيرها انتباهًا، فصاحت بصوتٍ أعلى: طيب استنى تنتاقش طيب.

صعقت شمس حينما استمعت لصوت طلقات نارية تجوب مياه البحر، بعد أن اكتشف الرجـ.ـال أمر السيارة فارغة، فظنوا بأنه هرب للمياه، أمرهم كبيرهم باطـ.ـلا.ق الرصاص الحي على المياه حتى يصبوه في مقــ,تــلٍ.
كادت بأن تلقي ذاتها من خلفه غير مبالية بما سيصيبها لبعد المسافة، فوجدته يسرع ليتلقفها بين ذراعيه، ارتجفت شفتيها وهي تردد بخــــوفٍ: بيضـ.ـر.بوا نار، شكلهم فعلًا ناس خطيرة
لوى شفتيه بتهكمٍ: والله؟!

داعبت شفتيها ابتسامة ساحرة فور تسلل رائحة الزهور إليها، فتعلقت عينيها على باب الغرفة تلقائيًا تستعد لرؤيته، طرق على الباب ثم طل بجاذبيته الخاطفة: صباح الخير فطيمة.
ابتسمت فور رؤيته يتقدm لينزع زهور الأمس، ومن ثم وضع الزهور الجديدة بال?ازة القريبة منها، فجلس على المقعد المقابل لها قائلًا: يا رب تكوني النهاردة أحسن؟

بقيت صامتة كحالها وابتسامتها لا تفارقها، فتقوست معالمه هاتفًا بضيق: لا احنا اتخطينا مرحلة الصمت من إمبـ.ـارح تقريبًا ومش مستعد إنك ترجعيلها تاني.
وعبث بحدقتيه مرددًا: هنعيد من تاني.
ضيقت عينيها بعدm فهم، فوجدته يخرج من غرفته ويعود بالطرق مرة أخرى، مكررًا: صباح الخير يا فطيمة.
صاحبتها ضحكة رقيقة: صباح النور دكتور علي.

تهللت أساريره واتجه ليقف قبالتها يكشف عن ساعديه وكأنه على وشك الاستعداد لشيءٍ هامٍ، فقال: بصي أنا جاي النهاردة وعندي نية تامة إني هنزلك الحديقة، ترفضي بقى تقبلي قراري صدر وأمره نافذ.

منذ ثمانية أشهر تجلس بتلك الغرفة، ولم تحبذ يومًا مغادرتها، بداخلها رفضًا تامًا للاحتكاك بأي رجلًا، مجرد تواجد أي طبيب بغرفتها كان يثير اشمئزازها، لولا وجود على لجوارها، فقالت بإصرارٍ: مابغيت نشوف حتى واحد، انا كنخاف فاش كنكون وسط ناس كتيرة، عافاك خليني هنايا احسن.
(مش جاهزة أشوف حد، أنا بخاف لما بكون وسط ناس كتير، من فضلك خليني هنا أحسن).

فاقت رغبته اصرارها فقال: لازم تخرجي يا فطيمة، وجوك هنا طول الوقت هيضرك مش في صالحك.
وقال بهدوءٍ: متخافيش هكون جانبك وجاهز لأي رد فعل.
زوت حاجبيها بعدm فهم، فوجدته يخرج إبرة طبية من جيب بنطاله، فأشارت له بهلعٍ: لاا مابغيتش نضـ.ـر.ب ليبرة.
(لأ مش عايزة أخد حقن! )
أعادها على لجيبه بابتسامةٍ ماكرة: يبقى تسمعي الكلام.

هزت رأسها بطاعةٍ، ونهضت عن فراشها تبحث عن حذائها، ارتدته فطيمة ولفت طرف حجابها من حولها ووقفت قبالته قائلة بحرجٍ: أنا جاهزة.
فتح باب غرفتها وخرج وهي تتبعه بخطواتٍ مترددة، لفت انتباهها الطابق القابع به غرفتها، يغمره اللون الأبيض النابع عن صفاء العين، وبالرغم من الهدوء الشامل للمكان الا إنه لم يخلو من المارة، سواء من الاطباء أو المرضى، وكأنه هي بمفردها التي تحبس ذاتها بغرفتها.

ابتسم على وهو يراقبها من طرف عينيه تتابع المكان باهتمامٍ، هكذا ما أراد أن تختلط سريعًا بالبيئة المحاطة بها.
استدارت فطيمة تتفحص المكان ولم تنتبه لتوقف على عن الحركة، فارتطمت به وكادت بالسقوط لولا يده التي تشبثت بها وصوته الدافئ يصل لها: خلي بالك يا فطيمة، بصي قدامك.

ارتجف جسدها الهزيل، وتلقائيًا دفعته بعيدًا عنها، وأنفاسها تعلو بعنفٍ، منحها على ابتسامة هادئة لم تغادره وقال مازحًا وهو يشير على المصعد: آسف إني وقفت فجأة، بس مش هينفع ننزل كل المسافة دي.
انفتح باب المصعد، فأشار لها بالدخول، وزعت نظراتها المرتبكة بينه وبين المصعد، صحيح أنها تراه أمانها ولكن بخروجها معه تختبر شيئًا لم تختبره من قبل، والآن أعليها البقاء معه بمفردها داخل المصعد!

استمدت فطيمة قوتها الزائفة حينما وجدته يناديها بدهشةٍ: فطيمة إنتِ كويسة؟
أومأت برأسها وهي تلحق به، ففور انغلاق الباب حتى اهتز جسدها وتسلله البرودة، اضطربت أنفاسها رويدًا رويدًا وهي تراقب مكان وقوفه، فابتعدت لأخر زوايا المصعد.
تفهم على حالتها لذا بقى ثابتًا، لم يعير ما يحدث أي اهتمامًا قد يضايقها، هو بالنهاية ليس شخصًا عاديًا، هو طبيبٍ نفسي يحلل تصرفاتها ويعلم بماذا تفكر؟ ولماذا تشعر؟

كان احترافيًا بالتعامل معها، فلم يبدي أي اهتمام لوقوفها بعيدًا عنه ولم يتساءل عما يصيبها ليقلل من تنفسها هكذا، توقف المصعد فخرج أولًا وهو يقول دون النظر إليها: وصلنا.

لحقت به للخارج، فوقفت تتطلع للحديقة بنظرةٍ انبهار، طافت حدقتيها كل ركنٍ بها، لم تكن كبيرة ولكنها منسقة بزهور ترآها لأول مرة، تملأها عدد من الطاولات، وعدد من المرضي المرتدون لنفس لون جلبابها، أشار لها على على الطاولة القريبة منهما متسائلًا بلباقةٍ: تحبي نقعد هنا؟
اكتفت بإيماءة من رأسها، فاتجه للطاولةٍ ثم جذب المقعد ليشير لها بالجلوس، فجلست وهي تردد على استحياءٍ: شكرًا.

جلس على قبالتها، مستندًا على الطاولةٍ بجسده العلوي عليها، ليسحبها من دوامة تشتتها: شوفتي بقا إنك سايبة الجمال كله تحت وقاعدة حبسة نفسك فوق.
تكلفت بسمة على شفتيها، وعادت تتطلع من حولها بفضولٍ، متجاهلة حديثه عن مداخل الحديقة ووصفه الدقيق عن كل مكانٍ بها، ابتسم على حينما تأكد بأنها لا تصغي لحرفٍ واحدٍ مما يقول، فردد بصوته الرخيم: فطيمة!
عادت برأسها إليه، ورددت بحرجٍ: بتقول حاجة يا دكتور؟

استند على يده وتابع بنفس بسمته: كنت بقول حاجات بس الظاهر إن جمال الحديقة خـ.ـطـ.ـفك مني.
ابتسمت وهي تخبره: المكان فعلًا جميل أوي.
بداخله يهمس دون توقف مفيش في جمالك!
وتنحنح قائلًا: شوفي بقى، عشان سمعتي الكلام هكافئك بالرغم من إنك غلبتيني.
تساءلت باستغرابٍ: مكافأة أيه!

أخرج على هاتفه ثم حرر زر الاتصال بعدmا فعل السماعة الخارجية، فتابعته باهتمامٍ لمعرفة مقصده، زف إليها صوتًا رجوليًا مألوفًا لمسمعها: دكتور علي، إزيك.
ابتهجت للغاية، ورددت بلهفةٍ: مراد!
فطيمة، أخيرًا سمعت صوتك!
وتابع بحماسٍ: طمنيني عاملة أيه؟
اتسعت بسمتها وهي تجيبه: أنا كويسة الحمد لله، أخبـ.ـارك إنت أيه؟
بخير بفضل الله. المهم إنتِ عايزك تفوقي كده وتستردي صحتك، والأهم إنك تسمعي كلام دكتور علي.

ابتسم على وأشار باصبعيه للهاتف: سمعتي.
أجابته بلطفٍ: حاضر. أنا بجد مبسوطة أوي أني اتكلمت معاك.
وقريب هاجي بنفسي أزورك بس عشان ده يحصل لازم تخفي وتكوني أحسن عشان أخدك في إيدي على مصر وأعرفك على حنين وبناتي مرين ومارال هيتجننوا عشان يشوفوكي.
ببسمة مشرقة قالت: ما شاء الله، ربنا يبـ.ـاركلك فيهم وتفرح بيهم يا رب.
اتاها صوت ضحكاته ومن بعدها سخريته بالحديث: بتدعي عليا أني أكبر، ماشي يا فطيمة مكنش العشم!

شاركته الضحك وتحدثت بصعوبةٍ: قولي الدعوة اللي تحبني أدعهالك وأنا أدعي.
رد عليها بجديةٍ تامة: مفيش عندي شيء أتمناه غير إنك تقومي بالسلامة.
تمعنت ببسمتها وهي تردد بهمسٍ: يا رب.

تبادلا الحديث حتى أغلق مراد معها على وعد بأنها ستجاهد لتلقي خلفها الماضي بما يحمله من آهات قـ.ـا.تلة، كانت مكالمة الجوكر لها في الصميم مثلما توقع علي، فقد تبدلت فطيمة من حالٍ للأخر، فجلس يراقبها خلسة وكلما أمسكت به عينيها ادعى انشغاله بمراقبة هاتفه، حتى أخرج لها دفترًا صغيرًا وقلمًا مرددًا: أنا هسيبك تقعدي لوحدك شوية في الجمال ده، وعايزك تدوني بالدفتر ده ذكريات جميلة لسه فاكراها لحد النهاردة عن طفولتك.

جذبت الدفتر منه ببسمةٍ هادئة، ففتحت أول صفحاته لتتفاجئ بأنه يدون فاطيما بأول صفحاتها، فرفعت عينيها إليه وقالت: انا اسمي فاطمة بالالف و لكن في المغرب كنقولوا فاطما و لا فطيمة
و انا انا دارنا كيقولو لي فطيمة.
برق بدهشةٍ، فجذب الدفتر يمحي إسم فطيمة ويكتب فاطمة، وأعاده لها وهو يسألها: يعني أناديكي فاطمة ولا فطيمة؟
أجابته ببسمة صغيرة: الاسم اللي يعجبك و تبغيه عيطلي بيه.

ردد بتيهةٍ: ما تكلميني مصري ينوبك ثواب!
تعالت ضحكاتها وهي تعيد ما قالته: الاسم اللي يعجبك ناديلي بيه.
هز رأسه باقتناعٍ: اتفقنا.
علي!
صوتًا ذكوريًا اقتحم جلستهما، فرفعت فطيمة رأسها تجاه هذا الشاب الذي يملك ملامح مشابهة لعلي، ابعد مقعده ونهض يردد بدهشةٍ: عمران!
جابت عينيه الفتاة التي يجلس برفقتها، وقال دون أن يحيل عينيه عنها: روحتلك مكتبك قالولي إني أكيد هلاقيك مع فطيمة!

وتابع بمرحٍ: وكل ما أسأل حد يقولي نفس الجملة لدرجة إني بقى عندي فضول أشوفها.
وتابع وهو يشير بعينيه إليها: هي دي بقى فطيمة؟
بدى الارتباك يجوب ملامحها، فأجبر على رسم بسمة متكلفة على وجهه وهو يسحب عمران بعيدًا عن مقعدها مرددًا: ده عمران أخويا الصغير يا فطيمة، هو بس مشاكس حبيتين وداخل على هزار على طول.
صحح له مفهومه الخاطئ: أنا بني آدm عشري وقلبي أبيض والله.

سحبه على مشيرًا بيده للممرضة التي جلست محله، بينما اتجه بعمران للطاولة القريبة من فطيمة، جلس قبالته يتساءل بقلقٍ: خير يا عمران.
لفظ أنفاسه بصوتٍ مسموع، واستكان على سطح الطاولة بنصف العلوي، مجاهدًا لخروج كلمـ.ـا.ته: على إمبـ.ـارح كنت سخيف أوي معاك فأنا، آآ، آسف على اللي حصل إمبـ.ـارح مش عايزك تزعل مني إنت أخويا الكبير وآ.

قاطعه على ببسمته الهادئة: عمران مفيش داعي إنك تكمل كلامك، أنا مزعلتش منك ولا عمري هزعل، أنا زعلي كله عليك وعلى الحالة اللي أنت حاطط نفسك فيها.
مرر يده بين خصلات شعره التي تناثرت بفعل الهواء العليل، ثم قال بفتورٍ: علي، إمبـ.ـارح قولتلي أطلق مايسان وأسيبها لغيري يعوضها ظلمي.
هز رأسه بتأكيدٍ لتذكره ما قال، فلعق عمران شفتيه مضيفًا بـ.ـارتباك: وقتها حسيت إني شوية كمان وهضـ.ـر.بك.

احتدت نظراته بغـــضــــبٍ، فأسرع يبرر له: مايسان النهاردة قالتلي نفس جملتك حسيت اني هقــ,تــلها بردو.
وتابع بضجرٍ ينتابه: على أنا مبقتش عارف أنا عايز أيه، فجيتلك تعالجني من الحالة النفسية اللي أنا فيها دي.
ذم شفتيه بضجرٍ، ثم قال: إنت اللي حاطط نفسك في الحالة المرضية دي يا عمران.

بجديةٍ تامة أجابه: أنا عقلي مشتت ومش قادر أشوف شيء، بس اللي أنا قررته إني مستحيل هغـــضــــب ربنا تاني يا علي، وقولت لألكس الكلام ده مستحيل هسمح لنفسي أعيش حالة الخــــوف والرعـ.ـب والاشمئزاز اللي بكون فيها.
ضم يده بمقدmة أنفه يحاول تهدئة إنفعالاته، لا يرغب أبدًا بالاندفاع بحديثٍ متهور قد يفقده أخيه، فقال باتزانٍ: عمران أنا عايز أسألك سؤال وتجاوبني عليه بصراحة.

هز رأسه وتابعه باهتمامٍ، فاقترب على من الطاولة ثم قال وعينيه تقابل عينه: لما حصل بينك وبينها علاقة كانت مرتها الأولى؟
مسح بيده وجهه، وكأنه لا يود اجابته لمعرفته ما سيقول أخيه ومع ذلك ردد باقتضابٍ: لأ.
ألقى الكرة بملعبه، فقال بثبات: وهتأمن تديها إسمك يا عمران؟
سيطر على غـــضــــبه القـ.ـا.تل، وقال بتعصبٍ واضح: ألكس اتغيرت من وقت دخولي لحياتها يا علي، وبعدين الحب مش اختيار، ولو كان بإيدي كنت أكيد اختارت مايسان.

زفر بمللٍ من الوصول لحل ينهي معضلة أخيه، فصاح بتريث: يعني إنت عايز أيه دلوقتي ألكس ولا مايسان؟!
تنحنح وهو يجلي أحباله الصوتية: الاتنين. عايزهم الاتنين.
جذبه من تلباب قميصه بعنفٍ: وحياة أمك!
تلفت حوله وهو يحاول تحرير ذاته مرددًا: على عيب الناس حولينا، وبعدين لو فريدة هانم سمعتك بتقول الكلام ده هيجيلها سكتة قلبية!

تفحص الأوجه من حوله، وحينما وجد الجميع يراقبون ما يحدث بينهما تركه متمتًا: قوم امشي من هنا يا عمران، بدل اللي ما عملتهوش امبـ.ـارح هعمله النهاردة وقدام الناس.
حمل مفاتيح سيارته وهو يشير له: طيب يا حبيبي همشي أنا دلوقتي ولما تهدى وتعقل كده بالتعامل مع المرضى بتوعك أبقى أجيلك.
واستدار عمران يشير له بمزحٍ: بنصحك تشوف دكتور نفساني هينفعك أوي في شـ.ـدة الاعصاب اللي أنت فيها، سلام.

أوقف عمران رنين هاتفه، فوقف على مسافة من أخيه يجيب ومازالت الابتسامة على وجهه: أيوه أنا عمران سالم. خير؟
اكفهرت معالمه وهو يصيح بصوتٍ مرتفع: عربية أيه وإنفجار أيه، أنت بتتكلم عن مين؟!
هرول على إليه يتساءل بقلقٍ: في أيه يا عمران؟
وجده يهمس بصدmةٍ وهو يبعد هاتفه عنه: شمس!
جذبه على ليقف قبالته يصيح: مالها شمس؟!

وضع النادل العصير على الطاولةٍ، فشكره من يتابع مسح قميصه الأبيض المتسخ بالمناديل المبللة، بينما تراقبه الاخيرة بصمتٍ، فجذبت كوبها بعدmا انهت رسالتها بـ.ـارسال إسم المطعم المتواجدة به لعلي، وارتشفت الكوب عله يزيح مرارة حلقها، ومازالت تخـ.ـطـ.ـف النظرات إليه، فتحررت عقدة لسانها السليط قائلة باستهزاءٍ: بقالك ساعة بتمسح قميصك وبيحاول يقنعك أنه مش هينضف وإنت مازلت مصر!

ابتسم آدهم واستمر بتجفيف صدرك المتسخ بسواد السيارة، قائلًا بخبث: ده طبعي مش بمل بسهولة.
رمشت باهدابها وهي تتابعه، وقالت ضاحكة: خليه كده على الأقل تبقى محتفظة بالبقايا الأخيرة من عربيتي المرحومة.
تعمق بالتطلع لعينيها وقال ببسمة واثقة: على فكرة عجلة عربيتك عطلت بفعل فاعل.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباك، ودنت منه تتساءل بخــــوف: قصدك أيه؟ هما اللي عملوا كده عشان يقــ,تــلوني!

تمردت ضحكاته الرجولية، فنفى ذلك مرددًا: لأ مش للدرجادي.
التقطت أنفاسها براحة غادرتها حينما استطرد: أنا اللي عملت كده.
برقت بعينيها بصدmة: إنت! طب ليه؟

ترك آدهم المنديل عن يده ثم مال برأسه إليها يهمس: كانت نيتي أشوفك على الطريق وأقف أصالحلك العربية وبعديها تعزميني في مكان على قهوة، أو على الأقل تخدي رقمي وتشكريني حاجة شبه الأفلام كده بس صدقيني مكنتش أعرف إن الكلاب دول مش هيلاقوا غير الوقت اللي هقابلك فيه ويهاجموني.
توقف عقلها عن استيعاب ما يخبرها به، فتساءلت بعدm تصديق: مش خايف أقول لراكان أنك بتحاول توقعني؟

اتسعت بسمته وهو يجيبها دون مبالاة: أنا مبخافش من حد يا شمس.
وبجديةٍ تامة تناقض نبرته قال: إنتي نقية وتتحبي بجد عشان كده هقولك إبعدي عن راكان يا شمس، ميستهلكيش.
كادت بسؤاله لماذا يخبرها تلك الكلمـ.ـا.ت؟ ولماذا يحاول التقرب منها، فقطعها صوت أخيها المنادي بلهفة: شمس.
التفتت تجاه مصدر الصوت، فوجدت أشقائها، ضمها على إليه بلهفةٍ وأبعدها وهو يتفحص جسدها بنظرةٍ متفحصة: طمنيني حصلك حاجة؟

هزت رأسها نافية وقالت وعينيها تجوب آدهم: خرجت من المكان بفضله.
تركزت نظراتهما عليه، فتعرف عليه عمران فقد رأه أكثر من مرةٍ برفقة راكان، فقال: مش إنت آدهم الحارس الشخصي لراكان.
نهض عن مقعده يشير له بهدوءٍ، فصافحه عمران بامتنان: مش عارفين نشكرك ازاي حقيقي جميلك ده مش هننساه أبدًا.
أجابه وهو يسحب جاكيته الموضوع على المقعد: مفيش داعي للشكر يا باشا ده واجبي.

رد عليه على ومازال يحتضن شقيقته: ربنا بعتك بالمكان ده بالوقت المناسب.
وتساءل بفضول: بس ازاي ده حصل، فهمني.
خـ.ـطـ.ـف آدهم نظرة سريعة لشمس قبل أن يجيبه بذكاءٍ: في الحقيقة أنا السبب في اللي حصل، عربيتي سخنت ودخنت بشكل مخيف، وقفتها ونزلت أشوف في أيه فلقيت الامور ساءت وعلى وشك إنها تنفجر. وللأسف كانت شمس هانم عربيتها عطلانه وعلى بعد قريب مني، فنبهتها للموضوع وبعدنا عن المكان والحمد لله مفيش حد اتأذى.

ردد على وهو يطبع قبلة على جبينها: الحمد لله، أنا روحي راحت لما جت المكالمة دي لعمران لو كانوا اتصالوا بالبيت كانت فريدة هانم جرالها حاجه.
ربت عمران على ظهر شمس بحنانٍ: جت سليمة الحمد لله.
ابتسمت شمس وهي تنصاع لذراعه التي تتلقفها بعيدًا عن على لاحضانه هو، فهمس لها عمران بتسليةٍ: فريدة هانم هتعـ.ـا.قبك بحرمان دائم من العربيات طول حياتك.
منحته نظرة ماكرة: مين اللي هيقولها؟!

رفع يده ببراءةٍ: أنا مش هتكلم في سبيل أنك متفتحيش بوقك ولا تفتني عليا في أي كارثة جاية هرتكبها، علوى اللي جنبك ده اللي لسانه فالت أمني عليه بس للأسف مالوش لوية دراع ولا حاجة تساوميه عليها.
راقب آدهم حديثهما ببسمةٍ هادئة وخاصة حينما صاح على بحزمٍ: أنا مش جبان زيكم. عمومًا لينا بيت نتساوم فيه.

واستدار يقف قبالة آدهم، يصافحه من جديد وتلك المرة عينيه تقابله وجهًا لوجه، فقال وهو يضيق نظراته تجاهه: هو أنا ليه حاسس إني شوفتك قبل كده، على ما أعتقد بمصر!
لم تتلاشى بسمة آدهم وأجابه بثبات: جايز، أنا نزلت مصر أكتر من مرة يمكن حالفني الحظ إني قابلتك ولو حصل واتقابلنا تاني هنكون عارفين بعض.
ابتسم لرتابة حديثه وقال بوداعةٍ: إن شاء الله. بشكرك لتاني مرة.

ودعهما آدهم ووقف يراقبها وهي تصعد برفقة على للباب الخلفي من سيارة عمران، فما أن صعدت حتى طلت عليه بنظراتها عبر النافذة، كأنه تودعه على استحياء، تاركة البسمة تشـ.ـدو على وجهه الجذاب.
وضعت المال على الطاولة، فتلقفه الشابين الجالسان من أمامها، لتؤكد عليهما وهي تنفث دخان سيجارها: ستفعلان ما طلبته منكما غدًا بحفل ليام وإميلي.

وعادت تكرر تنبيها الحازم: واحرصا على أن تنجزان مهمتكما والا لن أدفع لكم دولار واحد بعد الآن.
ووضعت يدها بحقيبتها تخرج لهما صورة الفتاة وبطاقة دعوة، ثم ألقتها على الطاولة أمامهما وهي تستطرد: تلك هي بطاقة الدعوة لدخول الحفل، وغدًا ستكونان بالموعد المحدد وستنتظران مني إشارة.

هز رؤسهما وغادروا معًا، بينما نفثت هي دخانها وهي تردد ببسمةٍ استمتاع: حسنًا مايسان فلنري من منا ستنتصر بتلك المعركة، أنا أم أنتِ!
اندهش حينما لم يجده يتابعهما للداخل، فبحث عنه حتى وجده يسرع لسيارته مجددًا، تعجب على من خروج عمران بهذا الوقت، فترك شمس تستكمل طريقها للخارج ثم عاد أدراجًا ينادي: عمران.
كاد باجتياز البوابة الخارجية للمنزل حينما استمع لصوت أخيه، اقبل إليه يتساءل: مش طالع ولا أيه؟
أحكم غلق جاكيت بذلته الآنيقة حينما داهمه التيار البـ.ـارد وقال: بقالي فترة مشوفتش الشباب هروح الشقة يمكن أشوف حد فيهم.

دث يده بجيب بنطاله وهو يشمله بنظرةٍ متفحصة: الشقة عند أصحابك يا عمران، مش الفندق.
أكد له سريعًا: على أنا وعدتك مش هرجع للقرف ده تاني صدقني.
قال وهو يعود للداخل: أتمنى. بلغهم سلامي لحد ما أقابلهم.
رفع جسده عن الأرض ليحتل سيارته المكشوفة: يوصل يا مان.

قاد عمران سيارته ليصل بعد أقل من ثلاثون دقيقة للعمارة السكنية الراقية، صفها بمحاذاة الطريق وصعد للأعلى يلهو بمفاتيحها وهو يدندن بصفارته الهادئة، حتى وصل للطابق الخامس من المبنى، دث مفتاحه وولج للداخل مبتسمًا، متلهفًا للقاء أصدقائه المقربون، بحث بالغرف أولًا وهو يتمنى لقاء أحدهما، فانتبه للنور المضاء بالردهة، أسرع إليها فتهللت أساريره وردد: جمال!

استدار بمقعده القابل للحركة، فمنحه نظرة خاطفة ثم عاد لجلسته يرتشف كوبه لأخره بجموحٍ، صعق عمران مما رآه فاجبر ساقيه على تتبعه رغمًا عن تثاقلها، أصبح الآن قبالته لا يفصلهما سوى طاولة البـ.ـار المطل على كورن مشروبات القهوة وغيرها، فحمل الزجاجة الموضوعة أمامه بعدm استيعاب: إنت جبت دي منين؟
ابتسم من يحتضن رأسه الثائرة بصداعٍ قاسٍ، وقال: أكيد يعني كنت هلاقي جوه أوضتك.

جذبه عمران بقوةٍ كادت باسقاط جسده المترنح: من أمته يا جمال وإنت بتشرب القرف ده، ده إنت كنت بتعنفني لو بتشوفه معايا، أيه جرالك؟
أزاح ذراعه عن قميصه وعاد يستند على البـ.ـار ساكبًا كوبًا ويلتهمه غير عابئًا بنظراته ولا بقميصه المبتل، وكأنه ينتقم من نفسه هنا، كز عمران على أسنانه بغـــضــــبٍ، فأبعد الزجاجة لأخر البـ.ـار وصاح بعنفوانٍ: كلمني هنا، من أمته وإنت بتشرب القرف ده؟

ابتسم وهو يجيبه: من النهاردة، ولو نساني اللي بواجهه هدوام عليه زي ما إنت بتداوم عليه عشان تنسى مشاكلك.
مرت يده بخصلات شعره بتعصبٍ شـ.ـديد، فسحب مقعد مجاور له وجلس يخبره بهدوءٍ: كنت بضحك على نفسي يا جمال، السُكر مش حل للي بنواجهه، كفايا التقزز وكره النفس اللي هتحس بيه بعد ما تفوق ومفيش حاجه هتتسنى.

ابتلع ما بكوبه وقال ببسمةٍ صغيره رسمت على وجهه الحنطية مستنكرًا: مش مصدق انك اللي بتتكلم، ما ياما بذلنا أنا وأخوك مجهود كبير معاك عشان تبطل، جاي دلوقتي توعظني!
اتجهت نظراته البنية لهاتفه الجانبي الذي يعاد للرنين مجددًا، فجذبه جمال وأغلقه نهائيًا، ثم عاد يرتشف الكوب ببرودٍ، وزع عمران نظراته بين حالة رفيقه والهاتف، ثم تساءل: إنت اتخانقت مع صبا تاني؟
ضحك وهو يجيبه ساخرًا: قصدك عاشر ومليون!

استمر بحديثه ليعلم ما به، فقال: ليه حصل أيه؟
لف المقعد ليكون مقابل إليه: الست هانم من الفضى اللي بقى عندها هنا بقت بتشك فيا، مفكرة إني بعرف واحدة عليها، وكل يوم بتفتش في موبيلي.
وتابع ببسمةٍ حملت حـ.ـز.نًا وألــمًا رغم تعمده الاستهزاء: ده غير اسطوانة كل يوم عن تضحيتها العظيمة إنها سابت أهلها ومصر وجت عاشت معايا هنا في انجلترا، شايفة نفسها بطلة ولازم أقدر انجازاتها!

وتجرع ما بكوبه وهو يشير له: متعرفش إن لولا وجودي هنا وتعبي ليل نهار في الشغل مكنتش قدرت أحقق كل اللي وصلتله ولا كان باباها قبل بالجوازة دي من الأساس.

وتابع بغدافية جعلت دmعاته تبرز بحدقتيه: متعرفش أنا موجوع أد أيه وأنا عايش هنا بقالي سبع سنين متغرب عن أهلي عشان أقدر أكونلها الزوج المناسب والابن اللي يقدر يتحمل مسؤولية أبوه وأمه، متعرفش إني بمـ.ـو.ت ألف مرة وأنا بعيد عن عيلتي ونفسي أكون معاهم بس السنة اللي هفكر فيها أنزل مصر هي اللي هقرر أخوض رحلة العجز قدام مصاريف علاج والدتي ودراسة أخويا الصغير، وجهاز أختي، وأكون عاجز عن طلبات بيتي، وأنا مش جاهز أتحمل كل ده يا عمران.

تدفقت دmعة خانت صموده المزيف وهو يبتسم بتهكمٍ: لما خلصت أوراقها من سنة كنت فاكرها جاية تشيل عني وتشاركني وحدتي، فرحت وأنا بتخيل حياتي معاها، وكنت متحمس أرجع شقتي ألقى حد مستنيني، متحمس أرجع لحياة مريحة ألقى فيها أكل بيتي واهتمام بلبسي مقفش أنا أعمل أكلي لنفسي وأكل لوحدي.

واستدار برأسه إليه يخبره بضحكةٍ مهزومة: مكنتش أعرف إني هفتح و.جـ.ـع جديد ليا فوق أوجاعي، وإني هتمنى ساعات الشغل تطول عشان مرجعش البيت لنكدها.
تفحص كوبه الفارغ بضجرٍ واستمر بحديثه: طلعت معاك حق يا عمران لما سبت مراتك وبصيت على واحدة تشوف مزاجك من غير ما تقلب حياتك نكد.
وناوله الكوب يشير إليه: فرغلي كأس.

جذب عنه عمران الكوب وألقاه أرضًا بكل قوته، ثم رفعه من تلباب قميصه صارخًا بعصبية: فوق يا جمال، القرف ده لو دخل حياتك هيدmرك، أنا غلط وحياتي كلها غلط، مش عايزك تكون زيي خليك نضيف زي ما أنت.
ترنح جسده بتعبٍ، فتمسك به عمران دون الافلات عن حديثه: مشاكلك مع مراتك تافهة وتتحل، شاركها و.جـ.ـعك هتحس بيك.

ومنحه نظرة ساخطة وهو يتابع: ثم أنك اللي بتديها الفرصة لده، أيه اللي مقعدك هنا لحد دلوقتي، سيف قالي إنك بتبات هنا بقالك فترة ما طبيعي إنها تشك فيك!
مال برأسه على كتف عمران، مغلق عينيه بـ.ـارهاقٍ: أنا تعبان أوي يا عمران.

ضمه عمران بحـ.ـز.نٍ شـ.ـديد، لا يستوعب إن صديقه المثالي يترك طريقه المستقيم وينجرف للمحرمـ.ـا.ت فجأة، بعدmا كان يقضي يومه ينصحه بالابتعاد عن المشروب وعن ألكس اللعينة، كان ينفر من حديثه تارة ويحاول الاستماع له تارة أخرى.
يشعر دائمًا بأنه النسخة الشبيهة بأخيه علي، لذا كان سببًا منطقيًا لحب على لجمال، ودوام صدقاتهما طوال تلك السنواتٍ.

تحرر باب الشقة من جديدٍ، فاستمع عمران لخطوات تقترب منهما، ألقى المفتاح جانبًا ونزع عنه جاكيته وهو يتفحصهما بنظرة ساخطة اتبعت نبرته المرحة: جمال في حـ.ـضـ.ـن عمران، لأ قلبي الكبير مرحب بالأفكار المنحرفة.
وإتجه بقامته الممشقة للأريكة، مضيفًا: في البلد دي نتوقع أي حاجة حقيرة!
دفع عمران جسد جمال للمقعد مجددًا، ثم اتجه ليجلس جواره مرددًا باستغرابٍ: أيه جابك إنت كمان دلوقتي يا يوسف؟

سحب نفسًا طويلًا ورفع ساقيه ليستند بهما على الطاولة الزجاجية: مفيش رجعت البيت متأخر كالعادة، فالمدام قالتلي هتلاقيك كنت عند صحابك المقاطيع، ومن هنا لهنا قالتلي روح بات عندهم يا دكتور يا محترم.

حل وثاق قميصه وهو يتابع: بس كده فاتصلت بسيف أخويا أعرف منه مين من المقاطيع فيكم موجود عنده، قالي إنه بره الشقة بيجيب شوية طلبات وميعرفش مين فثكم مشرف عنده النهاردة، فجيت أبص وبيني وبينك زهقت من الخلقة اللي متعود أشوفها كل يوم.
قال كلمـ.ـا.ته وهو يشير على جمال الملقي رأسه على الطاولة.
رد عليه عمران بضيق: البيه سايب بيته بقاله فترة ومقضيها هنا.

هز رأسه قائلًا: عارف عارف يا حبيبي، ما أنا بجبله الأكل كل يوم وبتعـ.ـا.قب بتتضيف الشقة من سيف، بيقولي ورايا امتحانات ومش فاضي لهلس صحابك.
اختنق عمران فحرر جرفاته ونظراته لا تغادر جمال بحـ.ـز.نٍ، بينما تركزت نظرات يوسف المتفحصة له، فسأله: هو نام هنا ليه ما يقوم يدخل أوضته.
التقطت عينيه زجاجة الخمر الموضوعة جانبًا، فزفر بسخطٍ: خمرة تاني يا عمران، إنت مبتحرمش!

سدده بنظرةٍ حادة، فابتسم ساخرًا: أنا لسه داخل قدامك من شوية، واتفاجأت بالبيه أخد مكاني.
جحظت عينيه في صدmة حقيقية، فاعتدل بجلسته المريحة وهو يردد بعدm تصديق: إنت تقصد مين؟
انتصب واقفًا بدهشةٍ: لأ. جمال مستحيل يعمل كده!
وأسرع إليه فأبعده عن الطاولة بعصبيةٍ بالغة: قوووم فوقلي.
دفعه جمال وعاد يلقي برأسه على الطاولة من جديد، مرددًا: بعدين يا يوسف، سبني.

اشتعل الغـــضــــب بمقلتيه، فبحث عما يعاونه بافاقته، فسحب الاناء الممتليء بالثلج، ودفعه إليه بأكمله، انتفض جمال بجلسته وصاح: إنت غـ.ـبـ.ـي يالا، بقولك تعبان وجـ.ـسمي كله مكـ.ـسر تحدفني بالتلج!
طرق على صدره وجذبه ليقف أمام عينيه الملتهبة: أقسم بالله يا جمال لو متعدلت لادفنك هنا، سيف كان بيشتكيلي منك بس أنا متوقعتش إن أمورك توصل لهنا.

فتح عينيه وهو يجيبه بمزحٍ: ليه يا دكتور كنت فاكر حالتي هتكون أخرها أيه يعني، ما أنا سبق وحكيلك.
تماسك الأ يطيح به، وقال برزانةٍ: يا جمال أي اتنين متجوزين طبيعي إن يكون بينهم مشاكل في بداية حياتهم، دورك هنا إنك متهربش، تواجه وتبرر مش تزيد الامور طين وتسبها لعقلها وشيطنها يأكدلها ظنونها.

وأشار للزجاجة بتقززٍ: وفوق كل ده تسكر، بتغـــضــــب ربنا عشان بتواجه مشاكل سستم طييعي ودائم في حياة كل البشر يا جمال، جاوبني ساكت ليه؟
وضع عينيه أرضًا حرجًا منه، فأشار باصبعه بتحذيرٍ: دي أول وأخر مرة تعملها، سامعني؟
هز رأسه بتعبٍ جعل جسده يترنح بوقفته غير واعيًا لما يصيب معدته من ألــمًا لا يطاق، فاستتد على صدر يوسف: أنا تعبان أوي يا يوسف، بطني بتتقطع.
أجابه ساخرًا: من القرف اللي بلبعته.

وأشار لمن يراقبهما: اسنده معايا ندخله أوضته، لما أشوف أخرتها معاكم أيه؟
أحاطه عمران من جانبه الأيمن، خاطفًا نظرة سريعة إليه، وقال: فوق يا جمال، لازم ترجع بيتك عشان مشاكلك مع صبا متزدش.
مال بجسده على الفراش، فجذب يوسف الغطاء وداثره جيدًا، وعدل من ملابسه الغير مهنـ.ـد.مة، ليحك أنفه وصوت أنفاسه اللاهثة تعلو: مرمطة في العيادة وهنا.
ضحك عمران على مظهره المضحك، وصاح: ورايا يا دكتور الحالات المتعثرة.

حرك كتفيه يعدل من قميصه بغــــرور: دكتور يوسف أيوب من أكبر دكاترة النسا والتوليد، وبتنازل وبتواضع وبعرف اشكالكم المعتوهه، وبتعـ.ـا.قب من حرمي دكتورة ليلى أيوب بالطرد لشقة المقاطيع وعادي وزي الفل.
جذبه عمران من تلباب قميصه بعنف: إنت هتحكيلي قصة حياتك لخص في إم الليلة دي.

تعالت ضحكاته الرجولية بقوةٍ، ولحق به للخارج، فجلس كلا منهما على الأريكة، لاحظ يوسف تسلل الحـ.ـز.ن لمعالم عمران، فقال وهو يهم لصنع القهوة: مالك قالب وشك ليه إنت التاني؟
تـ.ـو.ترت معالمه، فنهض واتبعه ليستند على البـ.ـار وبتلعثمٍ قال: يوسف أنا آ، آآ...

ضيق عينيه الثاقبة إليه، فرفع الكوب الفارغ وملعقة السكر إليه: ولآ. أنا بخاف من الداخلة دي، أقسم بالله لو قولتلي حاجة تنكد لاقــ,تــلك إنت والحـ.ـيو.ان اللي جوه ده، أنا لسه خارج من ولادة طبيعية متعسرة وخلقي في مناخيري. فانجز وإرمي المصـ يـ بـةاللي بتحاول تلقيها في وشي من ساعة ما شوفت خلقتي.
وجذب هاتفه وهو يهدده: اتصل بدكتور على أقرره ولا هتتكلم.

خشاه عمران فجلس على المقعد بـ.ـارتباكٍ، طرق على كتفه ليجذبه نصفه العلوي فوق الطاولة الرخامية الفاصلة بينهما: انطق ياض هببت أيه إنت التاني؟
رفع رماديته بتـ.ـو.تر إليه، وردد: أنا غلطت مع ألكس.
فلته ببطءٍ وعينيه المغتظمة بغـــضــــبه لا تتركه، فتحرك لمكينة القهوة بصمتٍ كان قـ.ـا.تلًا لمن يتابعه بترقبٍ لسماع ما سيقول، فاتبعه والحرج يشكل على معالمه، فحاول تبرير أخطائه: يوسف أنا آآ...

قاطعه حينما استدار بحركته الشرسة ليصـ.ـر.خ بعصبية: إنت حقير ومبتحبش غير الوساخة زي العاهرة الرخيصة اللي غلطت معاها.

رسم وجهه أرضًا تأثرًا بكلمـ.ـا.ته، فشـ.ـدد يوسف على شعره بقوة كادت باقــ,تــلاعه، ثم سحب كوبه وجلس على مقعد البـ.ـار مرددًا بعدm مبالاة: خسارة فيك النصايح اللي في النهاية مش هتعمل بيها، إعمل ما بدالك يا عمران، إسكر وازني وإغـــضــــب ربنا بكل الكبائر واقعد ابكي واندب واستنى لحظة عقـ.ـا.بك وإنت عارف وواثق إنها جاية.

اتبعه للمقعد المجاور له، فجذبه ليجلس قبالته، يراقبه وهو يرتشف قهوته بجمودٍ، فحاول استعطافه: يوسف أنا حاولت والله، بس صدقني أنا لما بشوفها قدامي بضعف ومبقدرش أتحكم في نفسي.
طـــعـــنه بنظرة قـ.ـا.تلة: حـ.ـيو.ان تقصد، ما هو الحـ.ـيو.انات هي اللي مبيكنش عندها دارية بالامور ولا التحكم بالذات.

ولعق بلسانه شفتيه يخفي ابتسامته الخبيثة التي تحررت من خلفها مكيدته: بقولك أيه يا عمران، ما دام إنت كده كده هتطلق مايسان، فأنا شايفها مناسبة لدكتور سيف أخويا، إنت عارف بقى إننا هنا في انجلترا صعب نلاقي عروسة عربية أدب وأخلاق وجمال وآ...

كممت لكمته كلمـ.ـا.ته فاسقطته عن المقعد، نهض يوسف وهو يزيح الدmاء النازف عن شفتيه ببسمة راضية، بينما انتصب الاخير بوقفته وصرخ بعنفوان: متحاولش يا يوسف صدقني هنسى الصحوبية والعيش والملح اللي بينا وهدفنك حي هنا.

منحه ابتسامة ساخرة، وجلس يستكمل قهوته ببرودٍ، وحينما انتهى من الكوب لف رأسه تجاه ذاك الثائر فجأة وقال: لما شتمت ألكس وقولتلك أنها عاهرة ورخيصة متعصبتش ولا اتحمقت عليها كده، ولما كلمتك بالحلال وبالاصول على بـ.ـنت خالتك اللي مش طايقها عرق الرجولة نقح عليك أوي، مش غريبة؟
ابتلع ريقه وهو يترنح جراء تمعن كلمـ.ـا.ته المصوبة لكل ذرة داخله، فتراجع للخلف بتأثرٍ، جعله يرتبك: آآ، أنا، الوقت إتاخر لازم أرجع.

أشار بيده وهو يعود للتطلع أمامه بكل هيبة ورزانة: اهرب يا عمران، اهرب من حقيقة مشاعرك واجري ورا شيطانك اللي هيدmرك.
فتح عمران الباب ومازالت نظراته منصوبة على رفيقه، وحينما استدار ليغادر وجد سيف قبالته، يخلع حقيبة ظهره وهو يوزع نظرات متفحصة بينه وبين أخيه الجالس على بعدٍ منهما وشفتيه تنزف الدmاء فتساءل بشكٍ: اتخانقتوا تاني ولا أيه؟!

أتاه رد أخيه يوسف يجيبه: حمدلله على سلامتك يا دوك، تعالى اشجيني إنت كمان بمصايبك مانا خلاص هقلب تخصصي لطب نفسي ومحلل هنا.
وأضاف وهو يشير لعمران الشارد على باب الشقة كالتمثال: استضيف دكتور على يومين هنا للمقاطيع دول يا عمران، يمكن يحل مشاكلهم ومشكلتك.

ودعه بنظرة حارقة قبل أن يصفق الباب، هاربًا، مبتعدًا، نازحًا عن اختراق تلك الكلمـ.ـا.ت لقلبه المشتعل، قاد سيارته بجنون ومازالت كل الاحاديث تختلط إليه تجعله يبدو كالأبله.
توقف فجأة عن القيادة، وارح جسده للمقعد وهو يفكر جديًا منح زوجته فرصة، عسى بقربها يصل لباب الخروج من المتاهةٍ اللعينة.
دق هاتفه للمرة التي تجاوزت الثامنة، ففتحه وهو يجيب: أيوه يا فؤاد، محتاج حاجة!

استمع للطرف الأخر بعنايةٍ، فلم يكن سوى السائق الخاص براكان، اوقف آدهم السيارة بقوةٍ جعلت عجلاتها تحتك بالرصيف بصوتٍ مقبض: لأ، أوعى تعملها يا فؤاد.
ولف عجلة قيادته ليعود أرداجًا وهو يكرر لمسمعه: متتصرفش نهائي، أنا راجع.
وأكد بحزمٍ: اسمع كلامي ونفذه، أنا كلها دقايق وأكون عندك متتصرفش من دmاغك فااااهم.

وألقى هاتفه يساره وضغط بسرعته حتى وصل ل?يلا راكان بعد خمسة عشر دقيقة، فأسرع للجانب الخلفي حيث كان يقف السائق فؤاد بانتظاره، فما أن دنى منه حتى جذبه بعيدًا عن نطاق الحرس، فقال الأخير وقد برز الغـــضــــب بعروقه المتصلبة: البت معاه جوه يا باشا، أنا مش هقدر أسيبه يعملها حاجه وأقف أتفرج.
كز آدهم على أسنانه وردد بنظرة تحذيرية قـ.ـا.تلة: إنت اتجننت عايز تضيع تعبنا طول الشهور دي في لمح البصر.

ردد باستنكارٍ لما يقوله: يعني أيه يا باشا هنقف كده ونسيبه يعمل عملته الوس
تقابل حاجبيه المنزوي غـــضــــبًا، وبصوتٍ حازم صاريح: سيطر على أعصابك واتحكم بعقلك.
جابهه بعندٍ: أنا آسف يا باشا مش هقدر.
وأخرج سلاحه وهو يسحب زناده للاستعداد، فجذبه آدهم ليقف قبالة شرارته متفوهًا بصرامة: ده أمر مباشر مني يا حضرة الظابط.
أدى تحيته العسكرية وهو يردد بوقارٍ: الأمر نافذ.

وتركه وغادر وعينيه تلمع بالدmع، استعطف قلب آدهم، فجذبه وهمس له: متقلقش أنا هخلص البـ.ـنت دي بدون ما ننكشف.
وتابع وهو يشير: هانت وهنجيبه راكع تحت رجلينا.

وتركه وأسرع بالتواجه للداخل، متعمدًا الطرق أكثر من مرةٍ على الباب حتى لا يطرق له فرصة افتعال أي شيءٍ، وبالفعل فتح راكان باب غرفته وبيده زجاجة الكحول، رفع آدهم نظراته المتقززة ليصل لوجهه، ورسم بصعوبة بسمة خاطفة وهو يردد: اللي حسبته لقيته عثمان الحقير حطيلي قنبلة بعربيتي، كان عايز يخلص مني عشان يوصلك.
برق بعينيه بدهشةٍ: قنبلة!

هز رأسه مؤكدًا، وتابع بقص التفاصيل إليه، خاصة بما تخص شمس، فأسرع متلهفًا: طب وشمس جرالها حاجة؟
أجابه ويده مضمومة على الأخرى: اطمن يا باشا شمس هانم بأمان، أنا مستحيل كنت هسيبها تتأذى.
راح على وجه راكان بسمة واسعة، وهمس وهو يطرق على عضلات صدر آدهم: برا?و يا وحش، ده المتوقع منك، إنت متعرفش لو جرالها حاجة كنت هخسر إزاي.

وتابع وهو يرتشف كحوله اللعين: البت دي من عيلة كبيرة أوي، مركز ونسب يليق باسمي ويخلينيا نتابع شغلنا من غير ما نلفت النظر لينا، وبالأخص كمان عمران أخوها، شركاته وعلاقاته تقدر تفيدنا لو جرينا رجله معانا.
وعاد من أرض أحلامه يبتسم لمن يطـــعـــنه بثبات قـ.ـا.تل: أنا مش عارف أشكرك ازاي، من يوم ما ظهرتلي وانت ملاكي الحارس اللي في دهري وقدام كل شر أتعرضه.

همس آدهم بصوتٍ خبيث منخفض: أنا ملاك مـ.ـو.تك اللي هقبض روحك وأرجعها لقفصها.
انتبه آدهم من شروده على كلمـ.ـا.ت راكان: أطلب مني اللي تحبه وفورًا هلبيهولك.
اتسعت بسمة مكره، فغامت عينيه على المقيدة على فراشه البـ.ـارز من خلفه، فضحك راكان وهو يلتفت لما يتطلع إليه، وعاد يرتشف من الزجاجة ببسمة دنيئة، فأشار له: اعتبرها ملكك، أنا مجتش جانبها بقالي ساعة بحاول معاها بس بـ.ـنت ال مستقوية عليا عشان سـ.ـكـ.ـر.ان.

وخرج من الغرفة وهو يغمز له: عارف إنها مش هتأخد معاك غلوة، أكلم أنا واحدة من البنات إياهم.
راقبه آدهم بنظرة مستحقرة، فما أن اختفى من الرواق حتى بصق خلفه مرددًا: كـ.ـلـ.ـب.
ثم ولج للداخل، فصعق حينما وجدها طفلة لا تتعدى عمرها السابعة عشر، مقيدة على الفراش بشكل يمزق القلب، وجهها متورم من فرط الكدmـ.ـا.ت التي تلقتها، أبعد جاكيته ليجذب خنجره، فأشارت بعينيها الباكية وهي تترجاه: لا تفعل أرجوك.

أغلقت عينيها بقوةٍ ظنًا من إن نصل السكين سيصل لعنقها، فصعقت حينما وجدته يحرر الحبال المقيدة لها، فعاونها على الوقوف وإتجه بها للباب الخلفي هامسًا بشفقةٍ: إركضي سريعًا إن رغبتي بالنجاة.

فور إنتهاء كلمـ.ـا.ته هرعت وكأنها تهرب من شبح مـ.ـو.تها، بعدmا حررها ذاك الملاك الذي يبدو مخيفًا من نظراته الثاقبة وخطاه الواثق، ولكنه فجأها بأنه لا يريد أن يكون سجانها العتي بل أراها جانبًا أخرًا لشهامة رجلًا يجابه دناءة الأخر في الوقت ذاته.

استند بجسده على أحد فروع الشجرة بالحديقة، بعدmا فشل بالنوم، فهبط يتمشى بحديقة المنزل، زفر على بمللٍ وكاد بالتراجع، فلفت انتباهه تلك الجالسة على الأريكة هائمة بضوء القمر بسكونٍ، اقترب منها ببسمته الجذابة، واقتحم صوته الرجولي عالمها الهادئ: لسه صاحية؟
انتبهت له مايسان، فمنحته ابتسامة هادئة: مجاليش نوم قولت أنزل اشم الهوا النقي ده.

مال بجسده يستند على حافة الاريكة الخشبية، متسائلًا بتهذبٍ: تتضايقي لو شاركتك القعدة اللطيفة دي.
ربعت قدmيها وتنحت لأخر الأريكة: يا خبر يا علي، هتضايق منك إنت!
وأشارت بيدها: اتفضل يا دكتور.
ابتسم وجلس قبالتها يرفع عينيه للقمر الصافي بتلك الليلة الهادئة، واركن رأسه لحافتها، قائلًا بهيامٍ: منظر رائع، ينقصه بس فنجان قهوة وموسيقى هادية.
ضحكت وهي تخبره بمزحٍ: جيت في جمل! اديني ثواني.

وتركته وعادت بعد قليل حاملة للقهوة، التقطتها منها بحرجٍ: تعبتك معايا، حقيقي شكرًا.
ومالت بجسدها تجذب حاسوبها وتشغل أغنية هادئة لام كلثوم: وادي الاغاني، مش حرمينك من حاجة يا دكتور.
ارتشف من قهوته، وأشار بتلذذٍ: الله، تسلم إيدك يا مايا بجد حاجة تعدل المزاج.
واسترسل مازحًا: يا بخت عمران الغـ.ـبـ.ـي بيكِ.

احتلاها الحـ.ـز.ن، فزمت شفتيها بسخطٍ من ذكره، ولكنه أتاح له الفرصة للحديث عنها، فقالت: على أنا عايزة أطلق من عمران، ومش عارفة أقول أفاتح خالتي ازاي بالموضوع ده، إنت عارف أد أيه بيعصبها.
مال بجسده واضعًا الكوب على الطاولة، ثم قال بجدية تامة: عارف. مشكلة ماما إنها متعلقة بيكِ جدًا يا مايسان، شايفاكِ بـ.ـنتها وصديقتها اللي مقدرتش تكون في حياتها في يوم من الأيام.

هزت رأسها وخانتها تلك الدmعة: أيوه بس أنا موجوعة أوي يا علي، إنت مش عارف أنا بحس بأيه وأنا شايفة حياتي كده معاه.
برر لها نظرته الغير منصفة: لا عارف وحاسس بيكِ يا مايا، بس صدقيني إنتِ اللي محتاجة يكون عندك قوة لمواجهة أي حد قدام قرارك، متسمعيش لخــــوفك يقصر عليكي، ودافعي عن قراراتك بكل قوة.

واستطرد مازحًا: أجلي موضوع طـ.ـلا.قك ده لبعد مشكلتي يمكن الثورة اللي هعملها مع فريدة هانم تديكي دروس تقوية في اللي جاي.
اكتفت برسم بسمة صغيرة، وتساءلت باهتمامٍ: ثورة! ليه خير يا دكتور؟
خـ.ـطـ.ـف نظرة متفحصة من خلفه، وكأن لصًا كمش به: أصل أنا وقعت. والواقعة كانت مع بـ.ـنت بعيدة عن الطبقة الآرستقراطية اللي فريدة هانم مش بتناسب غير منهم.
جحظت عينيها دهشة، وتساءلت بفضول: بجد، مين دي إحكيلي!

ربع قدmيه والتفت إليها، وكأنه كان يود الحديث عن أمرها مع احداهما، زارته تلك البسمة بافتتاحية حديثه عنه، وعينيه تلمع بعشقٍ صاريح تغلغل داخلها، اعتلاها الحـ.ـز.ن فور ذكر على لقصة فاطيما المؤلمة، وترقبت فور انتهائه.
انتظر على حديثها، الا أنها إلتزمت الصمت لدقيقة، وكأنه تواجه صدmة كبيرة، وعادت تتطلع إليه من جديد بعدmا اعتدلت بجلسته: على إنت مش بس هتقوم ثورة إنت هتشعل نار هتأكلنا كلنا.

ولعقت شفتيها بخــــوفٍ قـ.ـا.تل: دي فريدة هانم هتقوم الدنيا متقعدهاش لو اكتشفت قصة حبك دي.
وبـ.ـارتباكٍ استكملت: أصل الموضوع مش موضوع نسب العيلة وبس لا ده يخص اللي أتعرضت له وده طبعًا مالهاش تتحاسب عليه لإنه خارج عن ارادتها يبقى إنت اللي لازم تخاف منها يا علي!

أجابها بحدةٍ وثقة: ميفرقش معايا، أنا مش بتجبر على شيء يا مايا، ومازلت مصمم علة رأيي ومنتظر لما فطيمة تتعالج وتتقبل وجود حد في حياتها ساعتها هكونلها الحد ده.
جاهدت برسم بسمة صغيرة على وجهه، وبنقاء قلبها دعت له رغم احتراق روحها على نفسها التي تعافر جوار رجلًا لا يشعر بعاطفتها تجاهه وبين أخيه الذي يود تحدي العالم بأكمله لأجل تلك الفتاة: ربنا يجمعها بيك في الخير يا علي.

وأكدت عليه: لازم تعرفني عليها، عندي فضول أشوفها أوي.
ابتسم وهو يميل إليها هامسًا: أوعدك هعرفك عليها بأقرب وقت.
هزت رأسها بسعادةٍ: مع إني خايفة عليك من اللي جاي، بس اختك جانبك وهتساندك وتحارب معاك يا علي.
ابتسامة ممتنة تمردت على شفتيه: طول عمرك بتأدي واجبك تجاهنا كلنا على أكمل وجه يا مايا.

تهـ.ـر.بت منه عساه لا يرى دmعاتها، فعادت تدندن مع الاغنية بشرودٍ، وذراعها يفرك بالأخر برعشة سرت لجسدها لسوء الجو، لاحظها على فأشار لها جادًا: شكلك بردانة، خلينا ندخل عند الدفاية.
هزت رأسها نافيًا، وباصرارٍ قالت: أنا عايزة أقعد هنا شوية.

لم يفكر مرتين، نزع عنه جاكيت بذلته وأحاطها به جيدًا، وكأن من أمامه هي شمس شقيقته الصغيرة، ابتسمت مايسان لحنانه المعتاد، فرفعت عينيها لتقابل وجهه القريب المنحني بجسده لها وقالت: شكرًا يا علي.
لم ترى أعين ذاك المتسمر بالوقوف بالقرب منهما، يراقبهما منذ دقائق، فاستشاط غـــضــــبًا وهو يجدهما يتبادلان الحديث منذ فترة وابتسامتها التي لم يراها برفقته يومًا تزدهر بوجود شقيقه.

والآن يشق صدره ويبتلع ما بداخله النيران وهو يراه يلف جاكيته من حولها، وجوده جوارها بهذا القرب بحد ذاته جعله على وشك الانفجار حيثما يقف.
انتصب على بوقفته وعينيه تجوب الهواء الذي يكاد يلتهم اجسادهما، فقال برعشة شفتيه: إنتِ شكلك متأثرة بإم كلثوم وعايزة تقضي الليل وسماه في الجو اللي مالوش ملامح ده، وأنا بصراحة ورايا شغل ومعنديش استعداد اخد لطشة برد، فخليكي هنا مع أم كلثوم، وتصبحي على خير.

انفجرت ضاحكة حتى أدmعت عينيها، فراقبته وهو يسرع للداخل، رافعة صوتها الضاحك: وإنت من أهله يا جبان.
وما أن تأكدت من رحيله حتى حررت حجابها، ويدها تغوص بخصلات شعرها الطويل، وتمددت على الأريكة واضعة رأسها على كتفها المرتدي لجاكيته، خصلاتها تستجاب للهواء فترفرف من حولها مثلما أردت.

أغلقت مايسان عينيها ومالت برأسها ومازالت شفتيها تدندن باستمتاعٍ، ولم ترى ذاك المحترق الماسد أمامها، كز عمران على شفتيه فلف يده حول معصمها وأجبرها على الوقوف قبالته.
انتفضت مايسان فزعًا، وبدأت ملامحها بالاسترخاء وهي تشاهد من يجرأ على لمسها، هدأت حدة انفاسها ورددت بصوتٍ هامس مغري له: عمران! خضتني!
ردد من بين اصطكاك اسنانه الهائلة للسقوط: تحبي أناديلك دكتور على ياخدك في أحضانه عشان الخضة.

برقت بعينيها بعدm استيعاب لما يقول: إنت بتقول أيه؟!
رفع يده يحيط بذراعيها، متعمدًا إيلامها وهو يصـ.ـر.خ بعنفٍ: الا أخويا يا مايا بلاش، عشان أقسم بالله هقــ,تــلك لو فكرتي تكرهينا في بعض ويكون هو اختيارك التاني الرابح هنا.

شعرت وكأنها صماء لا تستمع إليه، عينيها تراقب شفتيه وهي تصرخ بنطق اسم علي وآذنيها تصرخ بسماعها الصريح له، بدت كالصنم بين يده، وأخر ما التقطته: لو دي لعبتك فأنا طـ.ـلا.ق مش هطلق، هسيبك كده زي البيت الواقف لا تطولي ناري ولا، جنة غيري.
ورفع اصبعه يشـ.ـدد بنظرات قاتمة: بحذرك لأخر مرة الا أخويا، سامعة.
لم تشعر بذاتها الا وكفها يصفعه بنفس قوة غـــضــــبها، وصوتها العاجز يتحرر: اخرس يا حـ.ـيو.ان، على ده أخويا!

واسترسلت بو.جـ.ـعٍ يخترق أضلاعها: يا ريته كان اختياري وكنت إختياره مكنتش اتعـ.ـذ.بت العـ.ـذ.اب اللي شايفاه معاك ولا عشت كل يوم في كـ.ـسرة ومهانة.
وبقسوةٍ صرخت: يلعن أبو القلب اللي حبك يا أخي.

مازال رأسه مائلًا انصياعًا لصفعتها والصدmة تحاط به، لم تجرأ أي أنثى طـــعـــن رجولته مثلما فعلت تلك الفتاة، كور يده بقوةٍ جعلتها بيضاء كاللوح الثليج القارس، راقبته مايسان بخــــوفٍ خاصة بعلمها بأن عمران شرس صعب المراس، عمران ليس بالمتهاون بحقه أبدًا.
ابتلعت حلقها المرير بازدراء فور أن أتجهت رماديته القاتمة إليها، فتراجعت خطواتها للخلف بهلعٍ تربص بمعالمها فور تعثر قدmيها بحافة حمام السباحة.

استعدت لمصيرين كلاهما أبشع من الأخر، الأول مواجهة ذاك الأسد الجامح وثانيه سقوطها بتلك المياه التي تحاطها طبقة من الثليج استجابة مرحبة لتلك الاجواء القارصة.
تراقص جسدها بالهواءٍ، ففصلتها مسافة قليلة عن ملامسته للمياه، رفعت مايسان عينيها لتجده يمسك يدها بتحكمٍ، وقوة غـــضــــبه مازالت ساكنة حدقتيه، خشيت أن ينتقم لجـ.ـر.حها الصريح لرجولته فيسقطها أرضًا.

وزعت نظراتها بتيهةٍ برماديته المقتادة بالنيران وبالمياه البـ.ـاردة، فتحررت كلمـ.ـا.تها بتثاقلٍ عزيزٍ: متسبش إيدي يا عمران.
كلمـ.ـا.تها الواضحة له أثارت مشاعره بريبة بددت غـــضــــبه تدريجيًا، ألــمه رؤية الخــــوف القابع بعينيها منه ومن مصيرها المنتظر، جذب عمران يده المتمسكة بها بقوةٍ جعلت جسدها كالورقة المترنحة بالهواء العتي، فسقطت على الأريكة من خلفها، وقبل أن تستوعب ما فعله للتو وجدته يدنو منها، ينحني إليها بجسدها.

سال لعابها ذعرًا فزحفت للخلف حتى وصلت لأخر الأريكة، ومازال يلاحقها بخطاه البطيئة الواثقة، وجدته ينزع عنها جاكيت على بعنفٍ كاد أن يهشمها، فلعب عقلها لما يحاول فعله بعد أن أذاقته من فنون الغيرة رغمًا عنها، فصرخت به: عمران إنت بتعمل أيه؟
أزاح ذراعها والآخر، فخشيت ما تردد لها، لتعود لصراخها المهدد: أقسم بالله لو قربتلي لأصرخ ولا هيهمني فريدة هانم هتعـ.ـا.قبك بأيه المرادي، إبعد عني أحسنلك!

زاد ذُعرها حينما سدد لها نظرة قـ.ـا.تلة، وانتصب بوقفته يزيح عنه جاكيت بذلته بعصبية كادت بتمزق أزراره وانتزعها، ليلقيه بوجهها جاذبًا جاكيت على ومتوجهًا للداخل بصمتٍ ممـ.ـيـ.ـتٍ.
هدأت أنفاسها رويدًا رويدًا، وهي تجده يدلف داخل المنزل، وضعت يدها على صدرها تتلامس فرط نبضات قلبها الثائر، واشتعال وجنتها من قربه القـ.ـا.تل، ويدها الاخرى ترفع جاكيته الموضوع على جسدها بإهمالٍ.

رغمًا عنها استجابت شفتيها لبسمة صغيرة، غيرته كانت بادية كسطوع الشمس في ليلٍ مخيف، مجرد رؤيتها ترتدي شيئًا يخص رجلًا غيره تمرد طابعه الشرقي دون ارادة منه، ومع ذلك خشي تركها بالثليج دون غطاء يداثرها، عساها تمرض بعد ازاحة الجاكيت عنها.
ضمت مايسان جاكيته وهي تستنشق رائحة البرفيوم الخاصة بها تطوف بما تركه من خلفه، وحملت بين ذراعيها بعنايةٍ وكأنها تحمل قطعة من المجوهرات، وتمددت على الأريكة بهيامٍ.

كان يقرأ بكتابه باستمتاعٍ حينما انفتح باب غرفته، ليظهر من أمامه أخيه وبيده جاكيته الخاص، ولج عمران للداخل واضعًا الجاكت على المقعد وبآلية تامة تحرك للفراش، رفع الغطاء وتمدد جواره، ثم استكان برأسه على ساق أخيه المندهش مما يراه، فترك كتابه ومرر يده على ظهر أخيه بقلقٍ: عمران إنت كويس؟
تمسك به أكثر وعينيه تلتمع بالدmع آبية السقوط، صمته زاد من قلقه فقال: عمران مالك؟

أتاه صوتًا محتقنًا يجيبه: خايف أخسرك في يوم من الأيام يا علي.
رفع رأسه إليه، فاعتدل عمران بجلسته مواجهًا أخيه وجهًا لوجه، فتماسك وهو يردد: أنا عايز مايسان يا علي.
رمش بعدm استيعاب لما يحدث عنه، فضـ.ـر.به بخفة على جبينه مرددًا بضحك: إنت توهت في الأوضة ولا أيه يالا، داخلي أنا وبتقولي الكلام ده ليه ما تروح لمراتك!

ولف وجهه بين يده بنظرة متفحصة: أوعى تكون شربت تاني، هعلقك من رقبتك المرادي أنا مطمن إنك كنت مع جمال ويوسف.
واعتدل على بجلسته يتساءل: إنت كنت فين يا عمران إنطق!
تعجب من بروده بالحديث، وعدm تطرقه لما يخص زوجته وكأنه لم يستمع لحديثه من الأساس، ما يشغله عودته للخمر ولتلك اللعينة، فاندث بأحضانه والآخر يضمه باستغرابٍ لحالته الغامضة، فردد بخــــوفٍ: عمران مالك متقلقنيش عليك!

ردد إليه بنـ.ـد.مٍ: أنا حقير فعلًا زي ما يوسف وصفني.
ضمه على مازحًا: قول كده بقى الدكتور يوسف اداك الطريحة اللي هي، وجاي أصالحكم على بعض، خلصانة يا حبيبي أنا لما أشوفه هحلك الأمور.

صمت ولم يبرر له، تركه يظن الأمر خاص برفيقه، فكيف سيواجهه إن علم ظنونه التي تلاشت لحظة تمعنه بحدقتيه الصادقة، انحنى عمران ليعود بوضع رأسه على ساق على من جديد، فمرر على يده بخصلات شعره البني بحنانٍ، وردد بمرحٍ: خدلك يومين دلع بعد كده حـ.ـضـ.ـن أخوك هيبقى ملك لزوجته المصون.
رمش عمران بعينيه باستغرابٍ، فاستدار بجسده ليقابله متسائلًا: تقصد أيه؟
وخمن ببسمة هادئة: إنت رجعت ليارا يا علي؟

ضحك وهو يجيبه ساخرًا: دكتورة يارا خطيبتي السابقة اتجوزت وزمانها على وش ولادة يا عمران!
اعتدل عمران بجلسته وهو يستفهم بلهفة: يبقى حب جديد صح؟
هز رأسه مؤكدًا، فاتسعت بسمة عمران بحماسٍ: طيب احكيلي بتخبي عني!
نفى ذلك موضحًا: عمري ما خبيت عنك حاجة، الموضوع وما فيه إني مكنتش متأكد من مشاعري وكمان علاقتنا هتبقى شبه محال.
رفرف باهدابه بعدm فهم: ليه؟
التقط على نفسًا مطولًا قبل أن يجيبه: عمران أنا بحب فطيمة.

جحظت عينيه صدmة وهو يحاول تذكار الاسم المردد لولا أنه رآها بنفس اليوم، ومع ذلك تمنى أن يكون مخطئ ففاه: فطيمة اللي أنا شوفتك قاعد معاها واللي المستشفى كلها جايبك سيرتها وسيرتك! يعني مكنوش بيبالغوا!
لم يترك له عمران فرصة الحديث، واستكمل بهمسه المنخفض: مش دي البـ.ـنت اللي كنت دايمًا بتتكلم عنها طول الشهور اللي فاتت هي اللي تم الاعتداء عليها.

هز رأسه مؤكدًا له بحـ.ـز.نٍ، فصاح عمران به بعد فترة صمته: لأ يا علي، فريدة هانم مش هتسكت دي، دي ممكن تقوم قيامتك!
تمدد جواره مستندًا بيده أسفل رأسه، عينيه شاردة بسقف غرفته: مستعد أتحاسب وأتحداها بكل قوتي، بس فطيمة تتقبل حبي وده صعب يا عمران.

واستكمل وعين عمران المندهشة لا تفارقه: لأول مرة أحس بالو.جـ.ـع ده، المفروض إني كطبيب متأثرش بالكلام اللي أسمعه من المريـ.ـض وأكون مركز لكل حرف بحيث أقدر أساعده، لكني وأنا جنبها عاجز. عاجز وبتمنى أساعدها بدون ما أسمع عن اللي اتعرضتله لإني بحس بخنجر بيقطع لحمي وبتمنى أرجع الماضي وأقــ,تــل أي حقير جـ.ـر.حها ومسها.

وبصوتٍ مختنق استطرد: بتمنى أكون أول راجـ.ـل ظهر في حياتها، وقتها مكنتش هسبب كـ.ـلـ.ـب يمس شعرة منها، يا ريت لو أقدر أخدها بين ضلوعي وأخبيها عن كل اللي اتعرضتله يا ريت!
رمش بعينيه وهو يستمع إليه بعدm تصديق، فصاح: إنت مش بتحب ده أنت عاشقان وواقع من الدور الفوق المية!

ابتسم وهو يشير له بهيامٍ: عنيها فيها حاجة غريبة، بتشـ.ـدني لدرجة مببقاش عايز أفارقها، مجرد ما عيوني بتلمح غيرها بشيل نفسي ذنب كبير، مع إني نظراتي ليها أكبر ذنب، غـ.ـصـ.ـب عني مجبور أبعد لإني أكتر حد عارف حالتها.
وسُلط رماديته لاخيه وهو يخبره بألــمٍ: عمران أنا الدكتور الخاص بفطيمة وعارف ومتأكد إني مش هواجه حرب مع فريدة هانم بس، الحرب هو فوزي بقلب فطيمة الأول قبل كل شيء.

وتابع بعين شاردة: فطيمة شايفة فيا الآمان والــســكــيــنــة وده طبيعي لإني جنبها بصفتي الدكتور علي، مش قادر أخد أي خطوة تخليني أجزم إنها حابة الأمان مع على نفسه.
ارتسمت بسمة خافتة على وجه عمران، فتمدد جوار أخيه وردد بحبٍ: بتمنى تقدر تحصل على حبك وتعيش حياة مثالية لإنك تستاهل يا علي.

لف رأسه للوسادة ليكون قبالته: وإنت كمان الحياة المثالية مع الزوجة اللي تستاهلك على بعد منك خطوات وإنت من غبائك بتضيع كل شيء منك.
لف عمران رأسه لأخيه وأجابه: بحاول يا علي، بس المرادي عندي ارادة قوية مرجعش للقرف ده تاني.

واستقام بوجهه مربعًا يده أسفل رأسه مثلما يفعل أخيه، وردد بعزمٍ: مش جاهز أرجع أعيش نفس التجربة البشعة، احساس كره النفس والتقزز والخــــوف من المـ.ـو.ت وأنا شايل ذنوب كبيرة زي دي مش هقدر أعيشه من تاني.
أغلق على عينيه باستسلامٍ لنومه وهو يهمس: نام يا عمران، ومتقلقش أنا جانبك ومش هتخلى عنك أبدًا.
مال برأسه إليه مبتسمًا وسرعان ما لحق به هو الأخير.
أشرقت الشمس بردائها الذهبي لتعتلي عرشها بيومها الجديد.

أفاقت سيدة المنزل ترتدي ترنجها الرياضي لتمارس رياضتها المعتادة كل صباحٍ، فجلست على السجادة الصغيرة الخاصة بها تتأمل ولاديها، هبط على برفقة عمران والضحكات لا تفارق الأوجه، ومن خلفهما لحقت بهما شمس تردد بضجرٍ: طبعًا عاملين تحبوا في بعض ونسيتوا إن آ.

ابتلعت كلمـ.ـا.تها حينما وجدت والدتها تراقبهم من الأسفل وهي تتمرن، فدنت منهما تضع يدها على كتف كلا منهما وهي تهمس: نسيتوا أن حد فيكم لازم يوصلني الجامعة معيش عربية أنا، اتفحمت والله.
ضحك على وهو يهمس بنفس مستوى صوتها: معلش تتعوض، عمران أخوكي هيوصلك، صح يا عموري.
جز على أسنانه وهو يؤمي برأسه باستسلامٍ، فتابع على بخبثٍ: بالمناسبة لو فريدة هانم شمت خبر هتحرمك من الجامعة.

وتركهما وهبط للأسفل، مرددًا ببسمته البشوشة: صباح الجمال على سيدة الرشاقة والجمال كله.
اعتدلت بانحنائها وهي تجيبه ببسمةٍ هادئة: أهلًا بالدكتور البكاش اللي مش محافظ على صحته وبطل يلعب رياضة معايا زي كل يوم.
حك أنفه بضجرٍ، فابتسم عمران ساخرًا وهو يشير له: هاتلك سجادة واقعد جنب مامي اتدرب ونشط الدورة الدmوية يا دكتور.
مامي في عينك قليل الأدب ومنحط.

قالتها فريدة بغـــضــــبٍ جعل على يقهقه ضاحكًا، وعاد يجيبها: آسف يا حبيبتي اليومين دول بس مشغول مع كام حالة كده، لكن وعد في يوم الاجازة هتلقيني مستنيكِ تحت من الفجر.
واقتبس قبلة على خدها مستأذنًا بالمغادرة لتأخره، وكذلك فعل عمران وشمس ولحقوا به.
تعجب عمران حينما وجد على الذي يتحدث عن تأخره يقف بحرجٍ بداخل زواية المنزل، فسأله باستغرابٍ: رجعت ليه مش بتقول متأخر؟!

تنحنح وهو يردد وعينيه أرضًا: الظاهر كده إن مايا نامت بره وشكلها مش لابسه الحجاب، اطلع ظبط الدنيا بحيث متتحرجش لو عديت.
تصلب جسده وهو يستمع لأخيه الذي يرفض مجرد لمح طيفها في حين إنه من فرط غيرته كان ليطـــعـــن به بالأمس، أفاق على هزة يده المتعصبة: بقولك متأخر هتخرج ولا أنادي شمس اللي اختفت دي!

هز رأسه بخفةٍ، وخرج بخطاه المتثاقل للخارج، اقترب من الأريكة فازدرد لعابه تأثرًا برؤيتها غافية كالملاك، وفوق كل ذلك تحتضن جاكيته بقوةٍ، للحظة ود لو كان هو بدلًا من جاكيته، ود لو يطول قربها منه، ينتابه فضول عن شعوره إذا كانت معه زوجة شرعًا، يود القرب بشكلٍ مستمـ.ـيـ.ـت وخطيرًا لمشاعره التي باتت تخـ.ـنـ.ـقه بتلك اللحظة.
زاد عمران من نخفيف حدة جرفاته على عنقه، وبصوتٍ هادئ رقيق ناداها: مايا.

فتحت عينيها تدريجيًا لتبدو صورته غير واضحة، فبدت تتحرك بنومتها وكأنها على فراشها الوثير، كادت بالسقوط أرضًا أسفل قدmيه لولا ذراعيه المتملكة لخصرها.
فتحت عينيها على وسعيها، ورددت بخــــوفٍ: عمران! أيه اللي جابك أوضتي!
ابتسم بسخطٍ، وعاونها على الوقوف ثم وضع يده بجيب بنطاله: إحنا في الحديقة حضرتك وجنب الpool تحديدًا.
وتابع وعينيه تجوبها: إنتِ ازاي تنامي في البرد ده؟

أجابته وهي تلف رقبتها بتعبٍ: معرفش نمت ازاي.
انحنى عمران يلتقط حجابها المتساقط ومده لها يشير: إلبسي، على عايز يخرج.
تناولته منه بـ.ـارتباكٍ وارتدته بإحكامٍ أسفل نظراته، كاد بالتحرك من أمامها ولكنه عاد يخبرها: هروح الشركة أخلص حاجة مهمة وهقابلك في حفلة عيد زواج ليام وإميلي، متنسيش تاخدي كادو مميز لإن الصفقة الجاية مع شركاتهم مهمة.
هزت رأسها بتفهمٍ: عارفة وبالفعل اختارت عقد ألــماظ شيك لإميلي.

لطالما لم تفوتها أي تفاصيل خاصة بالعمل، منحها بسمة صغيرة وحمل حقيبته السوداء بيده وتحرك ليغادر فأوقفته وهي تدنو منه: عمران.
استدار لها فوجدها ترفع يدها على استحياء: الجاكت بتاعك.
رفع عينيه ببطءٍ لها، ليغمز بمشاكسة: خليه في حـ.ـضـ.ـنك يدفيكِ.
وتركها تصطبع بحمرةٍ خجلها واتجه للداخل ينادي بضجرٍ: شمس كل ده بتعملي أيه، صدقيني همشي!

خرجت تهرول من الداخل وهي تجر اذيال الخيبة، لتقف قبالتهما، فتساءلت مايسان باستغراب: في أيه، اتخانقتي مع فريدة هانم؟
ردت بحـ.ـز.نٍ وعينيها تتوزع إليهما: رفضت تديني فلوس عشان قولتلها إن عربيتي في التصليح.
ومالت لاخيها تهمس له: أمال لو عرفت إن مفضلش للعربية بقايا هتعمل فيا أيه!
تعالت ضحكاته الرجولية، فحاوطها بذراعه وهو يضمها إليه: ولا يهمك يا حبيبتي، الكاريدت كارد بتاعي تحت أمرك.

وقدmه لها، فصرخت بحماس وهي تلاقي ذاتها باحضانه فارتد درجات الدرج حتى كاد بالسقوط بها وهي يردد من وسط ضحكاته الساحرة لمن تراقبه: يا مـ.ـجـ.ـنو.نة هغير رأيي ومش هوصلك للجامعة.
ابتعدت وهي تستوعب كلمـ.ـا.ته، فرددت بذعر: الجااااامعة محضرتش ولا محاضرة امبـ.ـارح.
وركضت لسيارته تشير له: يالا يا عمرااااااان.
منحها نظرة أخيرة والابتسامة مازالت على شفتيه، ثم غادر خلف شقيقته ليتحرك بسيارته للجامعة أولًا.

طرق على باب غرفتها، فقالت والابتسامة تحلق على وجهها: ادخل يا دكتور علي.
طل بوجهه متسائلًا: عرفتي منين إني علي!
أجابته فطيمة ببسمةٍ هادئة: من ريحة الورد!
وضعه على بالمزهرية وهو يردد بغــــرور: على حد بقى أنا بقيت مميز وسهل ت عـ.ـر.في قربي!
احمر وجهها خجلًا، فسحب على المقعد المقابل لفراشها، ثم جذب دفتره ليبدأ متسائلًا بخفةٍ: تحب نبدأ منين؟

ولج عمران لمكتبه الخاص بعدmا أكد على السكرتير الخاص باحضار ما يلزم الصفقة الأخيرة لآن لديه حفل صباحي هام بعد ساعتين من الآن، ورفع سماعته يؤكد له: متحوليش أي اتصالات أو مقابلات النهاردة.
وأغلق الهاتف مجددًا، ليعمل جاهدًا حتى ينتهي مما يفعله، فتفاجئ بباب مكتبه يُدفع لتظهر من أمامه بملابسها القصيرة المغرية، نهض عمران عن مقعده ليجد سكرتيره يشير لها بغـــضــــب: من فضلك سيدتي آ.

قاطعه عمران باشارة يده فخرج على الفور، لتبقى تلك التي تقترب من مكتبه مرددة بدلال: عمران اتصلت بك مرارًا ولم تجيبني، هل أنت بخير عزيزي؟
ابتلع ريقه واستمد نفسًا كأنه يبتلعه بخــــوفه، وأشار لها: اجلسي ألكس.

تعمدت اثارته بحركاتها الخليعة وبالرغم من ذلك سحب نظراته عنها وجلس على مقعده ساندًا بيديه على الطاولة بهدوءٍ جعلها تتساءل: ما بك عمران، لقد تحدثنا وانتهى الأمر ومع ذلك تتجاهل مكالمـ.ـا.تي، ظننتك ستهاتفني للذهاب معك حفل إميلي وليام أنت تعلم بأنها صديقتي ولكنك لم تفعل ما الأمر؟

طرق بقلمه على مكتبه بهدوءٍ اتبع رزانة نبرته: ألكس أنا لا أتخلى عن كلمتي كوني رجلًا شرقيًا كلمته عهدًا، أريد الزواج بكِ لما حدث بيننا مسبقًا ولكنتي لن أتخلى عن زوجتي المصرية.
رمشت بعدm فهم لحديثه الغامض فبدى واضحًا: لن أطلق مايسان.
عبثت بعينيها بغـــضــــب قادح ورددت وهي تلعق شفتيها: والدتك تريد ذلك أليس كذلك؟

هز رأسه نافيًا: تلك المرة أنا الذي يريد التمسك بزوجتي ألكس، لقد فعلت الكثير لأجلي وأنا أرغب برد دينها.
نهضت بعصبية بالغه لحقت طرقها العنيف على مكتبه: حسنًا عمران من اليوم فصاعد لا أريد رؤيتك، أنا أعلم أنك كالعادة تقول تلك الكلمـ.ـا.ت وتعود لي سأدعك الآن وأنا واثقة بإن عودتك قريبة.

جلس على مكتبه ببرودٍ التمسته تلك التي كادت بالخروج من المكتب، فخشيت بأنها على وشك فقدانه تلك المرة، فما أن ولجت للمصعد حتى دونت رسالة لرجليها
«لا تنسى سنلتقى بعد ساعة بالحفل، أريدك أنا تفعلها بنفسك أنت ورفيقك وأعدك بإنني سأدفع لك 20000ألف دولارًا مقابل ذلك! ».
انتهت من محاضراتها وخرجت تحمل حقيبتها بملامح منزعجة، لا تبدو سعيدة بفكرة صعودها لسيارة أجرة للعودة لمنزلها، اعتادت على قيادة سيارتها الحبيبة وعدm مفارقتها لها.
خرجت شمس وعينيها تبحث عن ضالتها لتستدعي سيارة، فتخللها صوتًا ذكوريًا مألوفًا يناديها: آنسة شمس.

خفق قلبها بشراسةٍ، وبسمتها الرقيقة ترسم قبل أن تستدير لصاحب الصوت، فبللت شفتيها واستعادت اتزان أنفاسها قبل أن تستدير له، فوجدته يقف قبالتها بثباته الجذاب، يتطلع لها بعينيه التي تخيم على ضوضاء الصباح، لتسحبها لهدوء الليل الساكن من حولها.

بدى مختلفًا بزيه الغير رسمي، لم يكن يرتدى بذلته كالمعتاد، تآلق ببطال من الجينس وقميصًا أسود اللون، يبرز تفننه بالقتال للحصول على جسدٍ منحوت كذلك، لطالما كانت تراقب عمران وهو ينازع برياضته العنيفة ليحافظ على قوامه الممشق، على عكس على الذي يمقت الرياضة ومشتاقتها، فكان يميل لقراءة الكتب بأغلب الأحيان، ومع ذلك حفاظه على أكله الصحي منحه جسدًا رفيعًا ولكنه لا يمتلك جاذبية عمران والتي تمنتها شمس بفارس أحلامها الذي يفصل من أمامها الآن.

دنى آدهم منها، فاكشفت شفتيه عن بسمة هادئة: عاملة أيه بعد ليلة إمبـ.ـارح؟
وتابع بمرحٍ وهو يراقب تجهم معالمها كمن ذكرها بذكرة تبغضها عمرًا بأكمله: أعصابك تمام ولا خلاص مبقتيش تفكري في الخروج من البيت بعربيات تاني!
علقت حقيبتها على كتفها بعدmا مدت ذراعها داخلها لتنحدر على خصرها، وهدرت بانفعالٍ: إنت جاي تقلب عليا المواجع يا كابتن!

وطوفته بنظرة شملته باستخفافٍ: بدل ما أنت جاي تهزر على الصبح روح شوف الباشا بتاعك ليعرض لاغتيال تاني ويبقى ريح وإرتاح.
ضحك بصوتٍ جعلها تراقب المارة من حولها بترددٍ، بالرغم من وجودهما ببلدًا متحررة لا يعني أشخاصها ماذا يحدث بالطريق العام الا أنها قالت بتـ.ـو.ترٍ: مينفعش أقف معاك كده، عن إذنك.
لحق بها بخطواتٍ متأهبة لتتباعها إينما ذهب، فتوقفت فجأة وهي تنفخ بضيقٍ، وواجهته: إنت جاي ليه يا كابتن آدهم.

وحذرت باصبعها الممدود: ومتقوليش صدفة والكلام الأهبل اللي ميدخلش عقل عيل صغير ده.
أشمر آدهم عن ساعده وحرر ساعته وهو يراقب الوقت بمكرٍ: لأ طبعًا أنا عارف إنك بتخرجي 11وربع.
ارتبكت عينيها أمام هالته الواثقة، ورددت وهي تبتلع لعابها: إنت بترقبني!
هز رأسه موكدًا ببسمةٍ هادئة، ودث يده بجيب بنطاله ليخرج مفتاح وقدmه لها، وزعت نظراتها بينه وبين ما يحمله متسائلة: ده أيه؟
أجابها بنبرته الرخيمة: مفتاح عربيتك.

وأشار بعينيه على السيارة التي تقف على بعدٍ منهما، رفعت شمس نظارتها الشمسية عن عينيها، وبرقت بصدmةٍ جعلت فاهها يتدلى للأسفل بعدm تصديق، وأسرعت تتأكد مما تراه إن كانت لم تراها تشتعل وتنفجر بالهواء لظنتها سيارتها بالفعل، خـ.ـطـ.ـفت نظرة لأرقام لائحتها لتؤكد لذاتها إنها ليس هي رغم تجمد عينيها، وقالت وهي تستحضر كلمـ.ـا.تها الهاربة: إنت ازاي قدرت تآآ.

قاطعها بحزمٍ مرن: مش مهم المهم إنها شبهها بالظبط وده مش هيعرضك لعقـ.ـا.ب فريدة هانم.
سحبت نظراتها إليه بصعوبة، وبتردد قالت: مش هقدر أقبلها، على أخويا قالي هيشتريلي عربية والموضوع شبه محلول.
أكد لها وهو يقطع المسافة القصيرة بينهما: أنا كنت السبب في اللي حصل لعربيتك ومن حقي أعوضك.

ومد يده بمفتاحها مجددًا إليها، فوجدت ذاتها تتناوله منه دون وعي، وفجأة تمردت تعابيرها المشاكس وصاحت: بص بقى أنا مش مرتاحالك يا كابتن، امبـ.ـارح تعترفلي إنك اللي اتعمدت تنيم عجل عربيتي وتقولي ابعدي عن راكان، والنهاردة ظاهرلي بعربية وخايف عليا من عقـ.ـا.ب والدتي إنت أيه حكايتك بالظبط؟
كبت بسمته الخبيثة ورفع يده للأعلى باستسلام بريء: أنا! ماليش أي حكاية.

احتدت نظراتها إليه وهددته بشراسةٍ: طب على فكرة بقى أنا هتصل حالًا براكان وهقوله على اللي بتعمله ده.
وفتحت حقيبتها تبحث عن هاتفها، لتجد يده ممدودة لها بهاتفه الذي تحرر منه صوت راكان: أيوه يا آدهم.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباكٍ، وهي تعود للقاء عينيه الواثقة من جديدٍ، ومازال يقف بشموخٍ يقدm هاتفه لها، غير عابئًا بمن يصيح باسمه ويردد للمرة العاشرة: آدهم، ألووو. سامعني!

رفع الهاتف نصب عينيها وهو يكتم المكالمة ليخبرها: الفون يا شمس هانم.
تحرر صوتها الخافت بحرجٍ: مش خايف؟
اتسعت بسمته فأغلق المكالمة وهو يجيبها: مبخافش الا من اللي خلقني.

وضع هاتفه بجيب بنطاله وهو يمنحها بسمةٍ تجعل قلبها يقرع كالطبول، وخاصة حينما همس لها بصوتٍ منخفض بعض الشيء: أنا آسف مكنش قصدي أزعجك بكلامي، بس صدقيني مش هرتاح غير لما تقبلي العربية وقتها هحس بالراحة إني على الأقل متسببتلكيش بأي مشكلة، كفايا عليا عـ.ـذ.اب ضميري لما بفتكر حالة الخــــوف اللي عرضتك ليها آمبـ.ـارح بسببي.
منحته ابتسامة ترسم بعفوية، وعلى استحياءٍ قالت: شكرًا يا آدهم.

راقب عينيها بتمعنٍ، واختصر بسمته وهو يلتفت من حوله بتـ.ـو.ترٍ يهاجمه للمرة الأولى بحضرة تلك الفتاة التي بات يعتني بها فوق مهامه، فقال: هسيبك عشان متتاخريش على البيت وأشوفك مرة تانية.
ولاها ظهره وكاد بالمغادرة، فرفعت يدها وهي تهمهم بتيهةٍ: آآآ، آآ.

سحبت كلمـ.ـا.تها وهي تحمد الله بأنه لم يراها، فلا تعلم أي كلمـ.ـا.ت كانت ستردد، هي بالتأكيد لا تحمل أي كلمـ.ـا.ت تجذب به طرف الحديث المنهي بينهم، تفاجآت به شمس يقف عن طريقه ويستدير برأسه لها مبتسمًا: أنا كمان مش عايز أمشي بس للأسف ورايا مشوار مهم. أشوفك بعدين يا شمس هانم.

جحظت عينيها صدmة من فهم مشاعرها وما يدور بداخلها دون رؤيتها أو سماع كلمـ.ـا.ت صريحة منها، اصطبغ وجهها حرجًا وهي تجده يمر من جوارها بسيارته، فأسرعت لسيارتها وكأنها تتهرب منه وهي تعنف ذاتها: هيقول أيه عليا دلوقتي!

قادت شمس السيارة، لتتفاجئ بسيارته تتبع نفس طريقها، ولو لم يكن أمامها لظنته يتبعها، رآها آدهم بمرآة السيارة الأمامية، فخفف من سرعته حتى بات يقود على محاذاتها، فمال بجسده يفتح نافذة السيارة رافعًا صوته: مين بقى اللي بيلاحق مين دلوقتي؟
أخفضت نافذتها وأجابته وعينيها لا تفارق الطريق: هو إنت كاتب الأسفلت باسمك ولا أيه يا كابتن؟
قهقه عاليًا: لا بس على ما أعتقد مش ده طريق البيت!

خـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة له وبررت ببسمة هادئة: الباشا اللي بتشتغل معاه مأكد عليا أروح حفلة عيد زواج ناس أنا معرفهمش.
رفع حاجبه بدهشةٍ: تقصدي حفلة ليام وإميلي؟
هزت رأسها مؤكدة له، فغمز لها ومازال يتفادى السيارات ليبقى على محاذاتها: يبقى طريقنا واحد وونس طول الطريق!

بدأ الحفل وازدادت أعداد المدعوون بالحضور، نخبة من أهم رواد الصناعة والتصدير، أغلبهم من جنسيات غير عربية ونادرًا بتواجد عدد من العرب، ساد الحفل عددًا ضخمًا من الفتيات المرتديات لثياب عارية، والكؤؤس محملة بعدد مهول من الخمور قلة من لعصائر لبعض الناس الممتنعة عن شرب المحرمـ.ـا.ت بين هؤلاء، ومن بينهم كانت تقف ألكس بفستانها الأزرق القصير، وشعرها القصير المصبوغ بالبرتقالي بعد أن انتهت اليوم من صنعه استعدادًا للحفل، تلتهم كوبها وعينيها تبحث عن بين الوجوه عن أبطال قصتها المدmوجة داخل عقلها المريـ.ـض المحدد لطوائف خطتها المدبرة.

وكانت أول أفرادها صديقتها إميلي بعد أن اتفقت معها مسبقًا، ووافقتها على الفور لعنصـ.ـر.يتها المندثة داخلها تجاه أي عربي، ولكنها مرغمة على تواجد عدد منهم لمراكزهم الهامة التي تخضعهم لهم مزللين.
اقتربت منها ألكس تميل على آذنيها هامسة وعينيها لا تفارق بوابة المنزل البيضاء: أصابني الخــــوف من تأخرهما الملحوظ، أخشى أن لا يحضران وتنتزع خطتي بأكملها.

خـ.ـطـ.ـفت تلك السيدة الثلاثينية بصرها إليها، ورسمت ابتسامة واسعة وهي تشير لها بمكرٍ: خاطئة ألكس لقد وصلت عائلة السيد عمران بالفعل.
اتجهت عينيها تلقائيًا للبوابة بلهفةٍ، فاعتلتها بسمة شيطانية مخيفة فور رؤيتها لمايسان تدلف برفقة عمران بفستانها الأبيض الطويل المحتشم، وحجابها المتدلي من خلفها، وكأنها عروس تزف لعريسها!

راقبتهما جيدًا فوجدته يستأذن منها ويغادر ليقابل رفيقه جمال الذي استقبله بالاحضان، بينما استكملت مايسان طريقها باحثة عن آميلي، فما أن رآتها حتى دنت منها تقدm هديتها باحترامٍ وبسمة بشوشة: عيد زواج سعيد إميلي.
اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبت بسمة فاترة على شفتيها وهي تجيبها: أشكركِ عزيزتي.
وأشارت بيدها على الطاولة القريبة منهم: تفضلي بالجلوس.

انتبهت مايسان لمن تجاورها بوقفتها، فاغتظمت معالمها غـــضــــبًا، ظنًا منها إن عمران كعادته لا يستغني عنها بحفلاته الهامة، فلحقت إشارة إميلي بالجلوس، وجلست تترقب انضمام شمس لها بصبرًا لا يطاق.
جلس عمران برفقة جمال الذي يتهرب من التطلع بعينيه بحرجٍ، فابتسم لمعرفته ذاك الشعور جيدًا، فربت على يده الممدودة على الطاولة وهو يخبره: مفيش داعي يا جمال، أنا عارف إنك مش هتعملها تاني، ولا عمرك هتشرب القرف ده.

تنحنح بجلسته وهو يؤكد له: أنا مكسوف من نفسي يا عمران، مش قادر أوري وشي ليوسيف، إنت عارف إنه بيخاف على سيف أخوه أوي هيكون وضعه أيه وهو شايفني بسكر قدامه، الولد صغير ومينفعش يشوفني كده.
تلبسه الألــم، فزاغت عينيه بالفراغ وهو يردد بنـ.ـد.م: أنا السبب، أنا اللي دخلت القذارة دي بيت يوسف، بس مش هتتكرر تاني.
اتسعت بسمة جمال وبفخرٍ قال: لو عملتها تبقى راجـ.ـل بصحيح.
أكد له: هيحصل بإذن الله.

وتابع بسؤاله وهو يتابع تلاشيه لهاتفه مجددًا: إنت لسه مصالحتش صبا بردو؟
ألقى الهاتف جانبًا وارتشف عصيره بهدوءٍ: لأ وشكلنا كده مش هنتصالح أبدًا.
ووضع الكوب وهو يسحب جسده للطاولة هامسًا: ولولا الصفقة المهمة اللي بيني وبين ليام مكنتش جيت الحفلة المملة دي من أساسها، بس مش هطول شوية وهخلع عند سيف، النهاردة يوسف قايل إن الدكتورة ليلى محضرلنا محاشي وكفتة من اللي قلبك يحبها.

ضحك بصوتٍ مسموع، وأكد عليه: معاك وش، شوية وهخلع معاك نفس الخلعة.
التفت جمال لطاولة مايسان البعيدة عنهما، وربت على يد عمران: طيب روح إقعد مع مراتك متسبهاش لوحدها ميصحش كده.
ود بالنهوض ولكنه فضل البقاء برفقة جمال حينما وجد ألكس تحاول الاشارة له كل دقيقة، ففضل البقاء بعيدًا عنها، لا يريد أي شيء ينزع حالة الــســكــيــنــة المؤقتة بينه وبين زوجته.

تناول عمران المقبلات من أمامه وهو يتفرس ملامح جمال الذي يقرأ رسالة وصلت لهاتفه، فأغلقه من الزر الجانبي وهو يردد من بين اصطكاك أسنانه: وأدي أم التليفون هددي نفسك بقى!
أبعد طبق المقبلات عنه، وسحب مقعده ليدنو من رفيقه مرددًا بجدية: جمال إنت كده بتدmر حياتك، مش كده اهدى وإرجع بيتك اقعد مع مراتك واتناقش معاها بهدوء.

سحب جمال المقبلات بكمية يدس بها غـ.ـيظه وغـــضــــبه الشـ.ـديد: قولتلك دي فاضية ودmاغها رايقة بالبلدي كده مورهاش حاجة غيري، فتعمل أيه تتفنن في إنها كل يوم تطلعلي عيب شكل.
انفجر عمران ضاحكًا، وقال بصعوبة بالحديث: بسيطة شوفلها شغل، إنت مش بتقول إنها معاها كلية حاسبات ومعلومـ.ـا.ت يبقى سهل تشتغل!
وتابع حينما تآلقت فكرته: شغلها عندك في الشركة هتفيدك وهتنشغل عنك إسالني أنا!

خـ.ـطـ.ـف بسمة ساخرة: مـ.ـجـ.ـنو.ن أنا عشان أجيب النكد لنفسي لحد الشغل كمان، أهو ده اللي ناقص!
تحلى بصمته لدقيقةٍ ثم قال: خلاص خليها تشتغل مع مايسان بشركاتي، أنا كده كده محتاج لناس عندهم خبرة في الحاسبات، وفوق كل ده هتسحب مع مايسان اللي طالع عينها وسط الموظفات الأجانب.
ضم شفتيه بحيرةٍ من اتخاذ أمرًا كذلك، ففاه بـ.ـارتباكٍ: بس آآ.

قاطعه بحزمٍ بعدmا وجد الحل الأمثل لمشكلته: صدقني ده الحل، اختلاطها مع الناس اللي هنا هيفيدها جدًا، ومش هيخليها تحس بالوحدة، وهتحل عنك بردو يا سيدي أنا عارفك مبتحبش الرغي ولا الاسئلة الكتير فالليلة دي مقاسك.
هز رأسه باقتناعٍ: خلاص لما أرجع بليل هكلمها في الحوار ده وأشوف.
ورفع يده لكتفيه بامتنانٍ: مش عارف أشكرك ازاي يا عمران، بجد نجدتني من قنبلة الاكتئاب دي!

تمردت ضحكاته مجددًا، وبات مازحًا: يا ابني مش دي صبا اللي حفيت عشان تتجوزها، حبك راح فين؟
لوى شفتيه بتهكمٍ وكأنه يذكره بما مضي ولم يعاد إليه، فسحب رشفة من كوب عصيره، قائلًا: كانت كريزة بعد الجواز بقت كئيبة!

تفحص على النوت الصغير ببسمةٍ هادئة، يقرأ الآن مواقفها الايجابية بحياتها، يدفعها لرؤية ما تحتفظ به داخل ذكرياتها، يدفعها تلامس حقيقة أنها تحوي الذكرى القاسية واللطيفة بآنٍ واحدٍ، وحينما انتهى من القراءة قال وعينيه منصوبتان عليها: شوفتي إن جوانا حاجات كتيرة حلوة حتى لو فيها الوحش!
ابتسمت بمرارة تجرعتها بكلمـ.ـا.تها: أنا الوحش عندي أكتر من الذكريات الحلوة اللي تتعد على الأيد يا دكتور.

خلع نظارته الطبية وتطلع لها يخبرها: حتى لو الحلو قليل يا فطيمة اتمسكي بيه ومتسوفيش غيره.
انهمرت دmعتها الصريحة على خديها، فازاحتها وتمعنت بالتطلع له قائلة بجراءة وقوة لم يراها منها قط: دكتور على أنا اد.بـ.ـحت من تلات كلاب أكثر من مرة، قــ,تــلوني بالحيا وسابوني أنازع وعقلي مش مستوعب اللي حصلي، سابوني بدور زي المـ.ـجـ.ـنو.نة على أي حاجة أقــ,تــل نفسي بيها بس مكنش في حاجة حوليا غير الضلمة وعـ.ـذ.اب الضمير على مراد.

وجده طريقًا سلسًا للخوص داخل رحلتها من جديد، وبالرغم من أن النيران تلتهمه هو أولًا قبل أن تصل له، الا أنه استكان بجلسته وهو يحافظ على أنفاسه الهادرة داخل قفصه بانفعالٍ وكأنه يركض لمسافاتٍ وداخله يهمس: اهدى يا علي، إنت في الأوضة دي كدكتور وهتقوم بواجبك على أكمل وجه، مشاعرك وو.جـ.ـعك ارميهم على جنب.
تنحنح وهو يجلي حلقه: أخر مرة اتكلمنا فيها كان عن خطيبك.

وابتلع غصته المؤلمة وردد بحروفٍ طاعنة: بعد ما خضعتي لكشف العذرية أيه اللي حصل بعد كده يا فطيمة؟

أغلقت جفنيها بقوةٍ جعلت دmعها يتدفق بصمتٍ، وكأن أحدًا يتنزع قدmيها المثبتة على الدرج الخشبي ويجذبها للقاع من جديد، فقالت وهي تسترد انفاسها الثقيلة: عديت الموقف وكل حاجة عشان أهلي، وابتدينا نحضر للجواز، بالرغم الألــم اللي كان جوايا الا إني حاولت أتخطاه وأركنه جنب اللي مريت بيه في سبيل اني كويسة ومحدش مسني وده هو وأهله اتاكدوا منه، بس اللي مكنتش أعرفه إني اتحررت من سـ.ـجـ.ـن صغير لسـ.ـجـ.ـن أكبر ولجلادين أبشع.

وازاحت دmـ.ـو.عها بقهرٍ وهي تردد: خـ.ـطـ.ـفوني تاني بس المرادي كانت مختلفة، كانوا عايزين الملاك اللي ساعدنا وهربنا من المكان القذر اللي كنا فيه.
وسلطت عينيه له وهي توضح له: كانوا عايزين مراد، عشان بـ.ـنتقموا منه ومن اللي عمله بالشبكة الدولية اللي محدش قدر يكتشفها.

واستطردت بصوتٍ مرتعش: عـ.ـذ.بوني وهدودني بأختي لو مطاوعتهمش هيقــ,تــلوها هي وعيلتي، مكنش قدامي أي حلول تانية اضطريت أخضعلهم واتصلت بمراد وطلبت منه يجيلي على العنوان اللي بعتهوله، كان نفسي أصرخ في نفس المكالمة وأحذره إنه يسمع كلامي وفي نفس الوقت كان جوايا أمل إنه يقدر يخرجني المرة دي كمان من غير ما حد يمسني، بس أحلامي اتدmرت في كل مرة اتعدوا فيها عليا، والبشع إنهم مرحموش مراد، كانوا بيحقنوه بالمـ.ـخـ.ـد.رات لحد ما بقى مدmن.

وتابعت وهي تزيح عنها دmـ.ـو.عها: احساس الذنب كان هيقــ,تــلني وأنا شايفاه بالحالة دي، مراد شخص قوي وعزيز كان صعب عليه المهانة اللي عاشها ونظرات عينه كانت كلها غـــضــــب لعجزه إنه يدافع عني، لدرجة خلتني أتاكد إن خروجي أنا وهو شبه مستحيل، فهـ.ـر.بت من المواجهة، سكوتي كان هرب ليا من كل شيء، من الو.جـ.ـع والقهرة وكـ.ـسرة النفس، كل يوم بشوفهم في حلمي وهما بينهشوا لحمي، وأنا عاجزة عن إني حتى أصرخ وأتو.جـ.ـع.

واسترسلت وجسدها ينتفض من فرط البكاء: الأيام اللي فضلتها هناك كانت بالنسبالي 100000سنة، كل يوم كنت بتجلد لما أسمع صوت الباب بيتفتح وبدعي إن روحي تفارقني.

وضمت ساقيها لها وهي تستند برأسها عليهما: كنت بتوسل ليهم كل يوم عشان يقــ,تــلوني بس دmـ.ـو.عي وصراخي كان بيخليهم مبسوطين أكتر، أنا ناري مبردتش وأنا شايفة رحيم أخو مراد بيتقم منهم وبيقــ,تــلهم قدامي، نار لسه مبردتش لحد اللحظة دي، أنا أوقات بكره نفسي وبحملها ذنب اللي حصل، بحملها ذنب عجزي.
أغلق عينيه بقوةٍ أدmت تلك الدmعة التي انسدلت على خديه لأول مرة، وصوته المختنق بالعبرات يهاتفها برجاءٍ: كفايا. كفايا يا فطيمة!

رفعت عينيها إليه بصدmةٍ، لم تستوعب مدى تأثره الشـ.ـديد بحديثها، دmعة الرجـ.ـال عزيزة وها هو يضعها متخبطة أمامه، لا تعي لماذا تأثر لتلك الدرجة التي جعلته يترك نوته، هاتفه، سماعته، كل شيءٍ ويهرول لخارج الغرفة بانفاسٍ متحشرجة، راقبته بشرود وصدmة مازالت تبتلعها.

نهض عمران ليستقبل راكان الذي يسرع إليه برسميةٍ تتلقفها أعين الصحافة، بعد أن انتشر خبر ارتباط شقيقة عمران سالم براكان مثلما أراد، فمال عليه يهمس وابتسامته المصطنعة تغزو وجهه المرتفع بكـبـــــريـاءٍ: فين شمس؟
منحه نظرة ساخرة لعنجهيته التي لم تتركه بعد، وقال: أكيد على الطريق متنساش إن المكان بعيد.

هز رأسه متفهمًا، واتبعه للداخل والنقاش المتبادل يخص تجارة عمران وإلقاء راكان أول حبال خطته الدانيئة بعرضه الشراكة الصريحة بالصفقة القادmة بينه وبين عمران الذي أجابه بمهنيةٍ: شرفني مكتبي في أي وقت نتكلم أفضل في التفاصيل.

هز رأسه بانتصارٍ وابتسامته الشيطانية تغادره رويدًا رويدًا لتنقلب للدهشة حينما وجد شمس تقترب منه بملابس عادية لا تليق بحفلٍ كذلك، ضرمت مخططاته بالظهور برفقتها أمام الصحافة، لتنتشر اخبـ.ـار نسبة المشرف بين زيجات رجـ.ـال الأعمال، أسرع إليها بخطواتٍ سريعة يمنعها من التواجد لعرضة الصحافة، وعنفها بعصبية استمع لها آدهم الذي يهم بالاقتراب: أيه اللبس ده؟ بتهزري صح!

رمشت بعدm فهم، وادعت برائتها: ماله لبسي، مريح ورقيق جدًا.
كز على أسنانه بحنقٍ: يعني إنتِ مش عارفة إنك جاية حفلة زي دي يا شمس، هتظهري إزاي كده جنبي قدام الصحافة.
أجابته ببرودٍ ونظرات مستشاطة من طريقته بالحديث: والله أنا رفضت أحضر الحفلة دي من البداية إنت اللي صممت آني أحضرها ده أولًا، ثانيًا بقى ودي الأهم أنا كان عندي محاضرات مهمة ومكنش عندي الوقت اللي أرجع فيه البيت وأغير هدومي.

اقترب منهما عمران يتساءل باستغراب وعينيه تجوب وجوهمها: في أيه؟
التفت له راكان بجسده وصاح بانفعالٍ: بذمتك يا عمران ده لبس تظهر بيه خطيبتي قدام الصحافة ورجـ.ـال الأعمال جوه!

وضع يده بجيب بنطاله ليبجبه بجمودٍ وصرامة مخيفة: خد بالك من كلامك كويس يا راكان، واعرف إنت بتتكلم بإنهي طريقة بدل ما أفهمها تقليل من إختي وأرمي خاتمك في وشك وقدام الصحافة اللي عاملين ليك هوس دول عشان بعد كده تعرف حدودك وأخرك في الكلام.

ارتعب راكان من نبرته وخشي أن تضرم مخططاته هباءًا فقال بلطفٍ: مقصدتش حاجة يا عمران أنا عارف كويس أنا مختار بـ.ـنت مين، بس الحفلة ليها فساتين ولبس معين ما أنت عارف، ثم إني بعتبرها مراتي ومسؤولة مني وشكلها أكيد من شكلي.
واستدار لشمس التي ترمقه بغـ.ـيظٍ وقال: أنا آسف يا حبيبتي مقصدتش شيء، ولو عمران باشا يسمحلي أخدك لأي أتليه نشتري فستان سريع ونرجع عشان لازم أعرفك على كذه حد مهمين.

رفعت عينيها لأخيها فوجدته يهز رأسه بخفوتٍ لتتبعه، فما أن استدار راكان ووجد آدهم حتى ردت روحه وانتشت ابتسامته، فأشار له: آدهم.
أنهى آدهم اتصاله ودنى منهما يتساءل: خير يا باشا.

ابتعد به راكان عن نظراتها المحتقنة، ومال عليه يهمس بغـــضــــبٍ: خد شمس لأي أتليه شيك اشتريلها فستان قيم وكوليه غالي من الآخر عايزك مترجعهاش ناقصها حاجة إنت عارف الحفلة دي مهمة لينا أد أيه، ليام وإميلي معارفهم مهمين لينا خصوصًا الفترة الجاية.
حك أرنفة أنفه يخفي تعصبه وصاح: أنا ماليش في أمور الحريم دي يا باشا، فستان أيه اللي أجابه!

أكد عليه ومازال يرسم بسمته الساذجة لتلك التي تحاول الاستماع لحديثهما: اتصرف يا آدهم، وشوفلها حد يحطلها ميكب إنت مبتغلبش.
زوى شفتيه تهكمًا: حد قالك إني ساحر!
وأضاف بتحفزٍ: اللي بتطلبه ده أساسًا لا يمت للاسلحة والقــ,تــل والحراسة والاكشن ده بشيء، صدقني لو حاجة تانية هقدر أفيدك لكن آآ...
أوقفه حينما أخرج الفيزا إليه: اتصرف يا آدهم قبل ما نتفضح باللبس اللي هي لابساه ده!

وتركه وغادر ومازال آدهم يقف محله، يضم ذراعيه لخصره بانهاكٍ، هامسًا: المهمة دي جابت أجلي، أقــ,تــله وأقصر وقتي ولا أصبر لما أوقع اللي وراه وأهو كل بثوابه!
رفع آدهم هاتفه يستدعي فؤاد واتجه يقف قبالة شمس، فما أن تأملها حتى هرولت عنه كل طاقة غـــضــــب سكنته، فابتسم وهو يشير لها على السيارة التي وقفت قبالتهما: شمس هانم. اتفضلي.

منحته نظرة غاضبة ومازالت يدها تضم صدرها وقدmيها تهتز بعصبية واشيكة على قــ,تــل من يقابلها، فصعدت للخلف وهي تبرطم: كان ناقصني راكان الاهبل ده كمان!
كبت ضحكاته فأغلق باب السيارة الخلفي وأتجه ليستقر جوار فؤاد الذي تلقى تعليمـ.ـا.ته بالتحرك، بينما يتابعها آدهم من مرآة السيارة الأمامية، يبتسم وهو يرآها تكاد تشتعل من الغـ.ـيظ والغـــضــــب، لا يعلم لما تألــم لأجلها.

رغم تفاهة الموقف الا أنه كان يتابعها باهتمامٍ، يود بأي طريقة يتحدث إليها ليخرجها عن صمتها الذي بات مقلقًا له، ولكن وجود فؤاد يعيقه عن فعل أي شيءٍ سيجعله يخسر هيبته السرية المعتادة بين فريق عمله السري المحاطين به بكل جانب، التزم الصمت حتى هبط معها لأحد المحلات الفخمة المعروفة، فولجت برفقته للداخل ووقفت تربع يدها ومازال الغـــضــــب يحاط بها.

دنى منها آدهم فابتسم وهو يمازحها: أنا عارف إن البنات بتاخد أربع خمس ساعات على ما تجهز فمتوقع بقى عما تنقي اللي إنتِ عايزاه وتلبسي هيكون تقريبًا الليل ليل والحفلة انتهت.
استدارت إليه لتتفجر عما كانت تحتسبه طوال الطريق: أأنا لا عايزة ألبس فساتين ولا أحضر حفله ولا أشوف خلقة الباشا بتاعك من الاساس أنا عايزة أروح.

لم يخسر حكمته بحل تلك المواقف أبدًا، إن تمكن من تفكك القنبلة المؤقتة بالظلام، واستخدام اسلحة مدmرة كتلك التي يتدرب عليها بالجهاز الأمني، الا يستطيع تحقيق الانصاف لتلك الانثى، قلص مسافته منها ورفع الفيزا إليها وهو يشير بمكرٍ: أنا بقول نسمع كلام الباشا أفضل، ونختار الفستان الشيك الغالي عشان نشرفه حتى لو هنصرف نص رصيده ونقهر قلبه المهم نتألق زي ما هو عايز ولا أيه؟

ارتسمت بسمة شيطانية على شفتيها، فاستدارت له بسعادة غريبة: عندك حق أنا هخليه يقول حقي برقبتي ويجري على فريدة هانم يبـ.ـو.س رجليها إني أرمي دبلته في وشه.
تعالت ضحكاته لسماعه أحلامها البعيدة على البعد عن محاربة ذاك الشيطان فقال: راكان مش هيتنازل عنك بسهولة، إساليني أنا.
رمشت بتـ.ـو.ترٍ، وازدردت لعابها بـ.ـارتباك: يعني أيه؟
تعمد تجاهل سؤالها، واتجه لاحد الفساتين الموضوعة بزواية مخصصة، وأشار: أيه رأيك في ده؟

تفحصته جيدًا فوجدت قصته تليق بها، كان يضيق بالاعلى ويهبط باتساعٍ بعدة طبقات تحوي الفراشات الفضية، تحيط به جوهرة بدت ثمينة للغاية، عادت خطوتان للخلف لتكن جواره بالتحديد: بس ده شكله غالي جدًا جدًا يا آدهم، إنت مالي إيدك من غـــضــــب راكان ده ليقــ,تــلني.
قهقه ضاحكًا وهو يجيبها: هحميكي متقلقيش.
شاركته الضحك ورددت ساخرة: ليك حق تضحك، ده أنا بشوفك وبتكلم معاك أكتر ما بشوفه هو شخصيًا!

قالت كلمـ.ـا.تها غير واعية لمن يتمعن بها بشرودٍ، خفق القلب وتمرد من لجامه ليتبعها دون ارادة منه، تنحنح بحرجٍ حينما انتبه لشروده وتحرك للعاملة يقدm لها الفيزا ويخبرها بحمل الفستان للأعلى لتتمكن شمس من ارتدائه، وبقى هو بالأسفل ينتظرها.

لف ظهره يتأمل المارة من خلف الزجاج الشفاف المحاط بالمحل، ينتظرها تهبط للاسفل، مرت ثلاثون دقيقة ومازال يقف محله حتى إنتبه لصوتها اللاهث القادm من الدرج القابع بمسافة منه: آدهم.
استدار وليته لم يفعل، سقط أخر حصن امتلكه، وأوشك الأمر لخطورة يعلمها جيدًا، يكاد بفقدان أكثر ما تمرن عليه، التحكم بالنفس أمام أي أنثى تحاول اغرائه، وفعلتها تلك دون عناء منها.

تحكم بذاته وهو يدنو منها، فوجدها تهبط للاسفل بتعبٍ شـ.ـديد، لتشكو له: الفستان ده تقيل أوي!
ضحك وهو يغمز ماكرًا: طبعًا مش مدفوع فيه نص مليون دولار.
جحظت عينيها صدmةٍ، ورددت وهي تستند على درابزين الدرج المعدني: ده كتير أوي يا آدهم، لأ خليني أشوف حاجة تانية بدل ما آ.
قاطعها بخبث: يعني مش عايزة تنتقمي من راكان المتغطرس ده اللي طول الطريق بتهري وبتنكتي في نفسك بسبب كلامه.

لاح لها ما فعله، فقبضت على معصمها وهي تستكمل طريقها للأسفل قائلة: ادفع يا آدهم وميهمكش.
انتظر مرورها ولحق بها، فتمكن رؤية فتحة ظهر الفستان وإن كانت صغيرة، فتنحنح وهو يشير لها: شمس.
توقفت وهي تتفحص ما قدmته العاملة لها من أدوات تجميل باهظة للغاية، فاستدارت إليه تتساءل: ده أيه ده كمان؟
زوى شفتيه وكأنه على وشك بترهما: هو اللي طلب إنك تحطي.

اعادتهم ليد العاملة وهي تخبره بغـــضــــب: مش هحط حاجة ولحد كده وكفايا هو مش واخدني فرجة للناس سعاته!
ابتسم وهو يردد بنبرة حنونة: اهدي وبلاش تعصبي نفسك، ولا يهمك اللي إنتي عايزاه إعمليه.

وتركها تكمل ارتداء حذاء الفستان المرتفع، وتعدل من خصلات شعرها أمام المرآة المطولة، فتوقفت حينما وجدت انعكاس صورته بالمرآة، يقف خلفها بالتحديد ويدنو منها، لتجده يضع من حولها شال رقيق من اللون الأسود، هامسًا جوار أذنيها: الفستان مكشوف شوية خليه عليكِ أفضل.
وتراجع وهو يشير لها بالتقدm، سحبت قدmيها بتـ.ـو.ترٍ مما فعله، حتى فتح باب السيارة.

خـ.ـطـ.ـفت شمس نظرة أخيرة إليه قبل أن تعتلي المقعد الخلفي، بينما صعد آدهم جوار فؤاد مبتسمًا كلما وجدها تراقبه بالمرآة، وعينيها لم تتركه أبدًا.
كانت تتمعن بهاتفها وهي تراقب رسالة شمس التي توضح لها ما فعله راكان، وأخبرتها بأنها ستستغرق وقتًا لتصل للحفل، أعادت مايسان الهاتف لحقيبتها بمللٍ من الحفل الذي تجلس به بمفردها، فبحثت عنه بعينيها وسط رجـ.ـال الأعمال، ولكن خاب أملها حينما لم تتمكن من رؤيته.

لا يقف هنا، عمران بالخارج.
قالتها تلك الشمطاء التي تدنو منها، فكزت باسنانها على شفتيها السفلية وهي تردد: أووف.
ثم قالت بعصبية بالغة: ماذا تريدين مني ألــم أحذرك من الاقتراب مني!
تعمدت اثارت غـــضــــبها بصوت ضحكاتها، وانحنت لجلستها تهمس لها بفحيح أفعى قـ.ـا.تلة: اعتادي وجودي مايا، لقد وافقت اليوم على زواجي من عمران بشرط أن يطـ.ـلقكِ، ووعدني بأنه سيجد حلًا يرغم والدته على الموافقة.

وتجرعت النبيذ وهي تشير لها بحقد: أخبرتك بأنني من سينتصر هنا.
وقبلتها بالهواء وغادرت تاركة من خلفها عينيان غائرتين لا تستوعبان ما استمعت إليه، وما يعاد لها الآن ما الذي سيفعله عمران ليجبر خالتها على الموافقة، ماذا تقصد بالتحديد؟

لم تحتمل مايسان البقاء بعد سماعها ذلك، فجذبت حقيبتها وهمت بالرحيل في نفس لحظة اقتراب إميلي تبعًا لخطتها، اصطدmت بها عن عمدٍ ليسقط عصير الفراولة على فستان مايسان الأبيض فاتنزع لونها بنجاح، متعمدة أن يصل العصير لنصفها السفلي بانحناءة جسدها الهايل لسقوطها الزائف.
إدعت إميلي فزعها الشـ.ـديد، وجذبت المناديل الورقية القريبة من الطاولةٍ وهي تردد: أعتذر منكِ مايا، نهضتي عن مقعدك فجأة ولم أنتبه لكِ.

التقطت منديلًا تحاول به ازاحة الاتساخ العميق عنها وهي تشير لها باحترامٍ: لا عليكِ، أنا التي كان ينبغي عليها الحذر.
مالت إميلي عليها تخبرها بصوتٍ منخفض وكأنه يعنيها أمرها كثيرًا: اصعدي معي للأعلى، اغتسلي وسأحضر لكِ فستانًا من ملابسي
اعترضت على ذلك بتهذبٍ: لا بأس، سأغادر على الفور.

أبدت موضحة رأيها وهي تشير بيدها للخارج: لا ينبغي لكِ المغادرة هكذا أمام أعين الصحافة، وفوق كل ذلك لن أسمح لكِ بالمغادرة، الحفل لم يبدأ بعد.
وحينما لمست تـ.ـو.ترها، مدتها بأمانها الزائف: لا تقلقي سأختار لكِ فستانًا واسعًا ليس عاريًا مثلما ترغـ.ـبـ.ـين.
أومأت باستسلامٍ فبالنهاية لن تتمكن من المغادرة بفستانها الذي طغاها اللون الأحمر من تجاه ساقيها فباتت أمورها أكثر حرجًا.

صعدت معها لأحد غرف الطابق العلوي بخجلٍ، لتجدها تفتح باب الحمام مشيرة لها: اغتسلي وسأحضر لكِ فستانًا أخر.
شكرتها مايسان على استحياءٍ: لا أعلم كيف أشكرك على هذا المعروف إميلي، الأمر مخجل برمته.
ردت عليها ببسمتها الشيطانية: أووه مايا أنتِ لا تعلمين ماذا تعنين لي، والآن اعطيني فستانك سأقدmه للخادmة تنظفه لكِ إن وددتي العودة به مجددًا.

قالتها بمكرٍ وهي تفتح يدها لها، وبالرغم من الحرج الشـ.ـديد الا أنها ولجت للحمام ونزعته عنها لتقدmه لمن تلقفته وابتسامة الشر تنبع على وجهها، لتغادر الغرفة قائلة لمن بداخل الحمام: سأعود بالفستان حالًا.
وحينما أغلقت باب الغرفة أرسلت رسالتها لألكس، وبدورها أرسلت للرجلين وحثتهما على بدء تنفيذ مخططها.

أرهقتها قدmيها من فرط البحث عن زوجة أخيها بين المدعوون، أكد لها عمران منذ وصولها برفقة آدهم بأنها بالداخل، بحثت عنها كثيرًا ولم تجدها على أي من الطاولات بالداخل، تخشى أن يعثر عليها راكان مجددًا فيجذبها لتقف برفقة رجـ.ـال الطبقة المخملية المملة.

رفعت شمس هاتفها في محاولة للاتصال بها، فاستمعت لصوت هاتفها قادm من مكانٍ مجاور لها، اتبعته حتى وصلت لطاولةٍ فارغة تضم حقيبة مايسان، فاعادت الاتصال بعمران الذي أجابها ممازحًا: لحقت أوحشك.
اتاه صوت شمس المرتبك: عمران أن قلبت الحفلة كلها على مايسان ملقتهاش، حتى شنطتها لقيتها على التربيزة!
رد عليها بهدوءٍ: يمكن واقفة مع حد من صديقاتها أو بالحمام يا شمس.

اجابته بقلق وهي تجلس على الطاولة: ممكن، عمومًا هستناها هنا.
أغلق عمران هاتفه وأعاده لجيب بنطاله لينتبه لتلك التي تحاوط رقبته وهي تهمس بصوتٍ مغري: مرحبًا أيها الوسيم.
أبعدها عمران وعينيه تتلصص على من حوله بخــــوفٍ، ازداد حينما رمقه جمال الواقف بصحبة احد رجـ.ـال الأعمال بنظرة حازمة، فصاح بها: بربك ألكس ماذا تفعلين؟!

حاولت أن تجعل شفتيها المصطبغة بطلاءٍ باللون الأحمر تلامسه الا أنه شـ.ـدد على معصمها بغـــضــــبٍ، ليخبرها من بين اصطكاك اسنانه: اكثرتي بالشراب ألكس.
وضعت رأسها على صدره، ويدها تتحسس صدره، فأزاحها بنفورٍ: الناس يرقبون ما تفعلينه، كفى!
أجابته وهي تحاول البقاء بأحضانه: وإن يكن، دعهم يراقبون غرامنا عمران، اليوم سأحررك من تلك العلاقة اللعينة، سأقدm لك خلاصك الأخير من تلك الساذجة المصرية.

جحظت عينيه صدmة مما يستمع، وقد بدأ عقله بالعمل على الخيوط المدروسة من أمامه. حديثها بالأمس عن خطة سترغم والدته على أن يطـ.ـلق مايسان، شمس التي أخبرته بعدm وجود زوجته بالحفل، وحديثها الآن!
أبعدها عمران عنه بقسوةٍ جعلت ذراعيها تلتهب من فرط تمسكه العصبي ليدها، وبنبرة كالجحيم تساءل: ماذا فعلتي بحق الجحيم! أخبريني ماذا فعلتي؟ أين مايسان؟ أين زوجتي؟!

تخبطت وتشتت بمن يقف أمامها، وكأنه شخصًا أخر، سال لعابها من فرط الرعـ.ـب، فابتلعت ريقها وهي تردد: إهدأ حبيبي، ألــم كنت تعاني من وجودها بحياتك!
أنا سأحررك الآن، سيلتقط لها بعض الرجـ.ـال المتسأجرون صورًا وهي برفقتهم وحينها ستجبرك والدتك على تركها.
دارت الأرض به، فشعر بأنه سيسقط لا محالة، رمش في محاولةٍ لاستيعاب ما تقوله، فخرج صوته هادئًا يعاكس نيرانها المقتادة داخل صدره: تبًا لكِ، سأقــ,تــلك ألكس.

وركض للداخل بسرعةٍ، حتى تفادى اسقاط الخادm الحامل لصينية الكؤؤس، ركضت ألكس حوله، جذبته وهي تصرخ بعصبيةٍ: ما بك عمران، هل جُننت؟
رفع يده ليهوى على وجهها بصفعة اسقطتها أرضًا وهو يفوقها بصوتٍ عنيف: سأعود لمحاسبتك لاحقًا، أعدك بأنني سأعود.

وهرول للداخل مقتحمًا المنزل، في محاولة للعثور عليها، صعد عمران للطابق العلوي فجحظت عينيه حينما وجد فستانها ملقي بسلة القمامة القريبة من الدرج وعلى ما بدى له من بعيدٍ بأنه يحمل الدmاء!
انتظرتها مايسان لأكثر من ثلاثون دقيقة ولم تعد حتى الآن، بقيت محتبسة بالداخل بقميصها القصير بخــــوفٍ هاجمها في كل مرةٍ فتحت الباب ولم تجدها بالغرفة، نادتها كثيرًا ولم يجيبها أحدٌ، فهمست برعـ.ـبٍ: هي نسيتني هنا ولا أيه!

وزفت بغـــضــــبٍ شـ.ـديد: حتى موبيلي مش معايا!
زارتها سعادتها المهاجرة فور سماعها لصوت أقدام تقترب بالخارج ففتحت الباب تتفحص عودة إميلي، تلاشت ابتسامتها ذعرًا حينما وجدت رجلين يتتسلان لداخل الغرفة، واحداهما يحمل كاميرا بيده ويشير للأخر بالتقدm مردفًا بصوتًا شبه هامس: إبحث بالداخل لم تخبرنا هي بأي غرفة، تأكد من تلك الغرفة وسأبحث بالغرفة المجاورة لها.

أشار له وهو يخرج محقنًا من جيبه: ملأتها بالمـ.ـخـ.ـد.ر حتى لا يستمع لصوتها أحدٌ.
تراجعت مايسان للخلف بصدmةٍ، ويدها تكمم فمها الواشك على الصراخ، فأغلقت ضوء الحمام بحذرٍ وتسللت للكايبنه الخاصة بالدُوش، تجلس أرضًا محررة باب الحمام من الداخل وتاركة باب الكابينه مفتوحًا حتى لا يشك بوجودها.

ارتعبت وحافظت على أنفاسها بصعوبة حينما تحرر باب الحمام ومن بعده الضوء، فولج للداخل يلقي نظرة متفحصة، وخرج بعدها يصيح لرفيقه: ليست هنا.
فور انغلاق باب الغرفة هرولت راكضًا لتغلق باب الحمام من الداخل وسقطت من خلفه تبكي بقهرًا وكل ما يحاوطها بتلك اللحظة جملتها
«عمران وعدني بأنه سيتخلص منكِ؛»
هل قصدت بأن زوجها الحبيب أراد أن يلوث شرفها؟!
أليس شرفها هذا هو شرفه هو الآخر؟!

كيف يسلمها بيده لهؤلاء الرعناء؟ أيفعل ذلك لأجل أن يحصل على سببٍ مقنعٍ للطـ.ـلا.ق دون أن يخسر المال والممتلكات!
تحلياتها مزقت نياط قلبها، فتحولت يدها لتضـ.ـر.ب فمها بقوةٍ ألــمت أسنانها و.جـ.ـعلت شفتيها تنزف بقوةٍ، لا تعلم أتضـ.ـر.ب ذاتها لتكف عن البكاء حتى لا يستمع إليها أحدٌ، أم من شـ.ـدة القهر والمهانة التي تخوضها الآن وبالأخص بخطته التي حرصت على تجرديها من كبريائها بلا رحمة!

حمل عمران فستانها وهرع للغرف كالمـ.ـجـ.ـنو.ن وهو يناديها بصوتٍ جريح مذبوح: مايا.
تمزقت احشائه كلما بعدت مسافته بينه وبينها، فحرر الباب المقابل له بعنفٍ جعل الرجلين المستمرين بالبحث يرتعبون من نظرات ذاك الراجـ.ـل.

هبطت نظرات عمران تدريجيًا الكاميرا المحمولة ولهيئتهما فاستكشف أمرهما دون عناءٍ، فلم يدري بذاته الا وهو ينقض عليهما كالأسد الذي طـــعـــن بمخالب صغيرة أصابته بو.جـ.ـعٍ جعله يخرج زمام غـــضــــب على نملة تمر من جواره مرور الكرام.
انبصق الدmاء من فم هذا المقيد أسفل جسد عمران القوي، فاستغل الاخير انشغاله به وتأوه على ذراعه المكـ.ـسور وهرول للأسفل سريعًا، فدفعه الاخير وهرول من خلف صديقه.

اتكأ عمران على يده وهرول من خلفهما، متبعًا الشرفة الخارجية، وقد صدق حدثه حينما وجدهما يخرجون من الباب الرئيسي، فانتبه لمن يقف على بعدٍ منه، فصرخ آمرًا: آدهم، إمسك الكـ.ـلـ.ـبين دول متخلهمش يهروبوا.

أحاطهم آدهم ورجـ.ـاله بمهارةٍ وقيدوهما أرضًا جوار سيارات حراسة راكان، وانتظر آدهم هبوط عمران ليعلم ماذا فعلوا هؤلاء ليجن هكذا، لم يسبق له التعرف عليه عن قربٍ ولكنه يعلم بأنه مسالمًا لا يخوض حياة تعج بالشر مثلما يفعل راكان فيحتمي بالحرس طيلة الوقت!

ركض عمران بالطابق الثاني في محاولة لايجادها، وصراخه باسمها لا يهديء، يكاد أن يسقط بنوبة قلبية من فرط حالة الهلع التي يخوضها الآن، لا يود تخيل السوء وأن أيدهما القذرة أحاطت زوجته.
مال على الحائط يلكم ما تتلقفه يده وهو يتذكر رؤيته لفستانها الملقي بالخارج فانهال عليه ألــمًا جعله يلقي جرفاته أرضًا وهو يردد برعشةٍ: لأ، مستحيل يكون حد لمسها. لأ.

وهرع للخارج يبحث بأخر غرف الطابق، فلفت انتباهه ضوء الحمام المفتوح، والظل القادm من أسفل بابه، كان واضحًا لعينيه بأنها تجلس من خلفه، شهقاتها المكبوتة تصل إليه، ارتعبت نظراته، فجاب الغرفة ذهابًا وإيابًا في محاولة للسيطرة على ذاته أولًا.
واتجه ليطرق على الباب مرددًا برعـ.ـبًا يسبقه: مايسان، افتحي الباب.
لم يأتيه أي ردًا منها، فقال وهو يعصر قبضته: افتحي من فضلك خليني اتطمن عليكِ.

واسترسل بحدة: أنا ضـ.ـر.بتهم ومش هخلي حد يقربلك، افتحي الباب ده.
شهقاتها هي التي تزف إليه فتستهدف ما تبقى منه، مال عمران بجبهته على الباب يحاول باستمتاتة ترويض شيطانه الذي يدفعه لتحطيم الباب، فقال بحـ.ـز.نٍ مقهر: طب حد قربلك؟

تحرر صوتها أخيرًا، ببحته المؤلمة: مكنتش أعرف أنك بالحقارة دي، ازاي تعمل فيا كده وأنا عرضك وشرفك وكل ده ليه عشان فريدة هانم متحرمكش من الميراث والثروة، أنت أحقر إنسان أنا شوفته في حياتي يا عمران.

لكم الباب بقوةٍ جعلتها ترتد ألــمًا، وصرخ بجنونٍ نافيًا تهمتها التي تبيد رجولته: انتي مـ.ـجـ.ـنو.نة بتقولي أيه! أنا مكنتش أعرف حاجة يا مايا، وأول ما عرفت جتلك جري، أنا مش حقير للدرجادي إنتِ مراتي واللي يمسك أكله بسناني مهما كان اللي بينا وفوق كل ده بـ.ـنت خالتي.
وارتكن بجسده على الباب وهو يتوسلها: أرجوكِ افتحي الباب خليني أطمن عليكِ، مش عايز أكـ.ـسره هتتأذي وأنتِ وراه!

تعالى بكائها بانكسارٍ، شعور عدm الأمان والثقة يجابهان قلبها الضعيف، تخشى أن تسلمه ثقتها فيطـــعـــنها بمنتصف قلبها، فاستدارت متكأة على الباب وهي تهمس له بضعف: عمران.
أجابها بلهفة وهو يود أن يخلع ذاك الباب الفاصل بينهما: معاكِ يا مايا ومش هسيبك يا حبيبتي، ولا هخلي حد يلمس شعرة منك أوعدك بس افتحي طمنيني عليكي.

نكزته بقسوة حينما قالت: مشيهم عشان خاطري بلاش تسلمني ليهم يا عمران وأنا هخلي خالتو تقبل بطـ.ـلا.قنا من غير ما تحرمك من ميراثك، أرجوك يا عمران متعملش فيا كده أنا مستحقش منك كده.
رفع يده يححب و.جـ.ـع صدره القافز بين أضلعه تأثرًا من حديثها، يحق لها ظن السوء به، لم يمنحها السعادة يومًا لم يقربها منه لتكتشف شخصيته وتعلم ماذا يفعل وما الذي لا ينطبق لشخصيته.

أزاح عمران دmعة خائنة فرت من عينيه، أزاحها وهو يجيبها بصوتٍ زرع صدق العالم بأكمله به: مش أنا اللي عملت كده يا مايا، أقسملك بالله ما أنا الراجـ.ـل اللي يسمح لمخلوق يبص لمـ.ـر.اته بعين!
وتابع بصوت محتقن بالدmـ.ـو.ع: أنا مش وحش أوي كده، والله ما أنا، أنا هجبلك حقك من الكلاب دول، كرامتك من كرامتي يا مايا، افتحي الباب ده.

نهضت عن الأرض تقدm يدها المرتشعة للباب بترددٍ، فمالت برأسها فوق الباب بجبينه المقابل لجبينه من الخارج، تخشى أن تفقد أخر أملها بالنجاة.
التقطت نفسًا مطولًا قبل أن تحرر المزلاج، وتبتعد بخطواتٍ مرتعبة للخلف، تضم جسدها العاري ليدها، ولج عمران للداخل فأسرع إليها يتفحصها بأعين تجوبها بلهفةٍ، انهمرت دmعة منه وهو يراها تراقب الباب برعـ.ـبٍ من دخول أحدًا، رعـ.ـبًا من أن يكون خائنًا غير موثوق به.

ضمها إليه بقوةٍ، يخبأها بين ضلوعه مرددًا بو.جـ.ـعٍ: أنا لوحدي يا مايا متخافيش.
زال جليدها، فتعلقت بجاكيته وانهمرت باكية، وكأنها تزيل أوجاع تراكمت منذ زمنٍ بعيد، بكت حتى جلس بها على السجادة المفروشة من أسفل قدmيهما، يحتوي جسدها بجاكيته، وهمس لها: أنا آسف. أوعدك اني هطربق الدنيا فوق دmاغهم ودmاغ أي حد كان له علاقة بالموضوع ده.
ورفع ذقنها إليه وهو يسألها: أيه اللي حصل؟ وفستانك فين؟

أجابته وهي تتحاشى التطلع إليه خجلًا من قميصها القصير التي تجلس قبالته به، فقالت: إميلي اتخبطت فيا ووقعت العصير على فستاني، وصممت أغير هدومي ولما طلعت هنا أخدت فستاني تنضفه وقالتلي هتجبلي حاجة ألبسها ومن وقتها مرجعتش.
غامت عينيه القاتمة بقسوةٍ، فاحتضن خديها يضمه لصدره وعينيه تتطلع للفراغ، وصاح بعنفوان: يا ولاد ال.

نهض بها عمران لتقف من أمامه، فنزع عنه جاكيته وهو يشير لها: خليكي هنا، هجبلك فستانك وراجع.
وتركها وكاد بالرحيل فتمسكت بمعصمه تردد بخــــوفٍ: متسبنيش لوحدي يا عمران هيرجعوا تاني.
حاوط وجهها بذراعيه قائلًا بحـ.ـز.ن: محدش هيرجع تاني، الكلاب دول تحت مع آدهم وحرس راكان لسه حسابهم معايا تقيل بس أحاسب اللي جوه الأول، هوريهم مقامهم اللي نسوه.

وتركها وغادر ليعود بعد قليل بفستانها المتسخ، واتصل بشمس بخبرها بالصعود، عاون عمران مايسان المرتشعة بـ.ـارتداء فستانها وجذب الجاكيت ليلفه من حولها ليحجب بقعة العصير عن الأعين.
كاد جسدها بالتراجع للخلف من فرط ما خاضته منذ قليلٍ، أسندها عمران وخرج بها ليجد شمس قبالتهما، تتطلع لمايسان بصدmة، فهرعت اليها تتساءل: مايا أيه اللي عمل فيكي كده؟!
سلم يدها لشمس وتحرك وهو يخبرها: هاتيها وتعالي ورايا يا شمس.

استندت على يدها حتى هبطت للأسفل، ليجد حالة من الهرج والمرج بعدmا لاحظ الجميع ما يحدث بين حرس راكان والرجـ.ـالين، وانتهى بهبوط عمران للأسفل ليقف قبالة ليام وعيونه تخترق بسهامها زوجته، ومن بعدها صاح بصوته الرعدي: جمال حالًا تلغي كل تعاقداتك مع الكـ.ـلـ.ـب ده وأنا هعوضك عن الخساير مهما كان التمن.
أسرع إليه جمال يراقب حالته الغير مهنـ.ـد.مة بدهشة ازدادت حينما خرجت مايسان بحالتها تلك، فغلت عروقه لمجرد تخمينه الأمر.

تابعهم الجميع بدهشة وعدm فهم لنبرتهم العربية، ليصبح جمال لمن يراقبه: عذرًا سيد وليام أسحب اتفاقي المسبق بشركتك، فلتعد كل اتفاقنا لم تحدث من الأساس.
ردد بفزعٍ: ماذا حدث سيد جمال؟
تحرر صوت عمران وعينيه تمر بين الحضور: السيدة إميلي أرادت أن تهين زوجتي بمنزلها بالاتفاق مع عاهرة رخيصة وعلى الأحرى ظنت بأنني لن أكشف أمرها.

واستكمل وراكان وآدهم يقتربان منه لمحاولة فهم ما يحدث بالتحديد: ظنت بأنني سأسمح لها بأن تهين زوجتي. زوجة عمران سالم ربما عقوبتي ستجعلها لا تنسى ما فعلته اليوم هي وزوجها، أعلن اليوم بالحفل هذا بأن من يتعاون بعمله مع شركات هؤلاء اللعناء سيواجه عمران سالم بذاته.
جذبته ألكس لتجابه غـــضــــبه بحقد: هل جننت عمران أتفعل كل ذلك لأجل تلك الفتاة ال...

بترت كلمـ.ـا.تها حينما هوى مجددًا بصفعة جعلتها تسقط بالمسبح القريب منه والجميع من حوله يراقبون ما يحدث بصدmة، وخاصة حينما انحنى يحمل مايسان وهو يشير لراكان غير عابئًا بتوسلات اميلي واعتذاراتها: هات شمس وتعالى ورايا.

عاونها راكان على الهبوط من خلف أخيها، لينسحب آدهم وجمال من خلفه، ليجتمعون بالخارج بعدmا وضعها جوار شمس بالسيارة، فقال جمال باستغرابٍ: ما تفهمنا يا عمران أيه اللي حصل خلاك تشن الحرب على وليام ومـ.ـر.اته؟!
رؤيته لها تنتفض بين أحضان شقيقته داخل السيارة أججت نيرانه، فلم يبالي بمن يلتفون به في محاولةٍ لمعرفة سبب غـــضــــبه الجحيمي هذا، تركهم وإندفع تجاه سيارة آدهم المصفوفة جانبًا، ويتجمع من حولها رجـ.ـاله، فتح عمران باب السيارة الخلفي واندفع يكيل اللكمـ.ـا.ت القـ.ـا.تلة للرجلين وصرخاتهما تغدو مقبضة لمواجهةٍ هذا الجريح.

جذبه جمال وهو يصـ.ـر.خ به: كفايا يا عمران هيمـ.ـو.توا في إيدك! بلاش تودي نفسك في داهية إنت عارف القوانين هنا.
دفعه عمران بركلته للخلف، وبعدائيةٍ شـ.ـديدة صاح: إبعد يا جمال، هقــ,تــلهم واللي يحصل يحصل.
جذبه راكان وهو يحاول أن يهدئه، متسائلًا بفضولٍ: طب فهمنا بس أيه اللي حصل وحقك هيرجعلك!

لم يكترث لحديثهما، وكأنهما نسمة هواء عابرة لا تلامس جبهة الوحش العتي الذي يهاجم بشراسه فريسته، فتدخل آدهم على الفور حينما وجد الأمور تزداد سوءًا، فنجح بضخامة جسده بإبعاده عنهما متفوهًا باحترامٍ رغم موقفه: يا باشا اهدى دول ميستاهلوش، أنا هخلي واحد من رجـ.ـالتي يربيهم وبدون ما يكون لحضرتك علاقة بالموضوع، متنساش إنك ليك إسمك وتصرفاتك دي متنفعش.

خدmهما آدهم حينما أبعده عن السيارة، فاستغل جمال الفرصة ووضع يده على كتف عمران يسترسل ما بداه آدهم: إسمع الكلام يا عمران، وأهم أخدوا جزاتهم واللي يستاهلوه.
وأشار برفقٍ وهو يتابع اتقباض صدر عمران المختلج أنفاسه بعصبيةٍ بالغة: ارجع البيت عشان مدام مايسان شكلها تعبانه، وقابلني عند سيف، يوسف متصل بيا ومأكد عليا نروحله، أنا هفوت على الشركة ونص ساعة وهحصلكم.

هز رأسه بهدوءٍ، وتطلع لراكان ببعض الحدة: فريدة هانم متعرفش بحاجة من اللي حصلت هنا يا راكان من فضلك.
أجابه باستغرابٍ من طريقة حديثه، وكأنه طفلًا صغيرًت سيهرول ليقص ما رآه: أنا بشوفها فين أصلًا.
سحب نظراته عنه لآدهم مرددًا بامتنانٍ: شكرًا يا آدهم، لولاك كانوا الكلاب دول هربوا.
أحنى رأسه قليلًا وأجابه: معملتش غير الواجب، المهم إنك تهدي نفسك وتتصرف بحذر الحفلة مليانة صحافة.

منحه ابتسامة صغيرة قبل أن يتجه لسيارته، وحينها توجهت شمس لسيارتها لتتبعهما للمنزل، مودعة بعينيها ذاك الذي يرتكن بجسده على سيارته وعينيه تصرخان بالوداع رغم جمود وصلابة جسده.

اهتز مقعده استجابة لحركة جسده المتعصبة، ويده تضغط على الجزء المتحكم بسن القلم مرات متكررة، وكأن صوته المزعج يريح عصبيته التي تكاد تقــ,تــل كل هدوء منحه لذاته بفضل عمله الشاق، أطبق بشفاه على الأخرى في محاولاتٍ بائسة للسيطرة على أعصابه، لم يبقى بالغرفة ضوء يرشـ.ـده لضالته بعدmا أغلقه لرغبته بالبقاء بالظلام.

لم يمل ببقائه هكذا منذ ساعتين، عاجزًا عن تخطي تلك الأحاسيس والعاطفة التي تدفعه للتوجه لغرفتها وضمها إليه، يعتصرها بقوة بين ضلوعه، يزيح كل و.جـ.ـعٍ خاضته يومًا، وإن كان عاجزًا مكتف الأيدي أمام استماعه لتلك المأساة فيخوض نفس المعانأة في محاولته ليتوقف عن فعل ما يرغب به.
انطلقت دقات خافتة على باب مكتبه جعلته يردد ومازال يستكين بجلسته: تفضل بالدخول.

فتحت باب غرفته، وولجت للداخل بخطواتٍ مرتبكة، متـ.ـو.ترة، لم تصل لحركة جسدها فحسب بل لحقت صوتها الرقيق: دكتور علي.
فتح عينيه لهفةٍ وعدm استيعاب من سماع صوتها ووجودها بغرفة مكتبه، ابتسامة مرحبة تحررت على شفتيه فانحنى يحرر ضوء الغرفة بالريمـ.ـو.ت ليتأكد من أنه لا يتوهم.
نهض على عن مقعده مرددًا ببسمة ساحرة: فطيمة! مش معقول أنك نزلتي وجيتيلي مكتبي.

وتابع مازحًا على حالته المريـ.ـضة التي تستدعي الاهتمام الطبي: شكلي من كتر ما بقيت بفكر فيكِ بقيت بتوهم وجودك في كل مكان أروحه حتى مكتبي!
تلألأت جوهرتها الباسمة، ودنت منه ترفع ما بيدها: نسيت موبيلك ومش مبطل رن.
رمش بعينيه بحرجٍ، بالفعل لم يتوهم وجودها، تناوله منها على ثم وضعه دون اكتثار على الطاولة، ليوقفها قبل أن تعود: فطيمة استني أنا عايز أتكلم معاكي.

التفتت إليه بحـ.ـز.نٍ ظنًا من أنه يود النبش بما حدث: مش قادرة أتكلم تاني في الموضوع ده يا دكتور على من فضلك.
منحها ابتسامة جذابة وهو يبرر: متقلقيش مش ده موضوعي.
وإتجه للطاولة البلاستكية البيضاء، فجذب مقعدًا وجلس وهو يشير لما يقابله: اتفضلي.

ابتلعت فطيمة ريقها بـ.ـارتباكٍ، ومع ذلك اتجهت لتعتليه بخفوتٍ، لتجده صامتًا يتطلع لمعصمه ويده تلهو بالساعة التي يرتديها، تمكنت من الشعور بربكته وتردده الصريح بما يود قوله، لذا انتظرته حتى يجد وقته المناسب للحديث، ولم تقاطع صمتهما المطول.
رفع عينيه لها ثم قال بصوتٍ محتقن يخفي و.جـ.ـعًا عظيمًا: أنا عارف إن اللي عشتيه وفات من حياتك ده صعب ومـ.ـيـ.ـتنساش بس أنا مش عايزك تفكري فيه وتحاولي تخرجيه من حياتك.

كادت بأن تزجره بغـــضــــبٍ، أكدت عليه مسبقًا بأنها لا تود الحديث على الأقل بالوقت الحالي، ولكنها صمتت حينما استرسل ونظراته الغريبة تحيطها: من أول يوم شوفتك فيه حسيتك مختلفة عن الكل، كنت كل ما بقربلك قلبي بيتعلق بيكِ وبيتألــم عليكِ، عيونك فيها و.جـ.ـع بيجلد روحي، لدرجة إني اتمنيت أقابلك وأكونلك أول راجـ.ـل في حياتك. اتمنيت أغيرلك الفكرة البشعة اللي اترسخت جواكِ بسبب الكلاب دول بما فيهم خطيبك.

لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ، فقدت قدرتها على جسدها، على لسانها، على مشاعرها المنساقة من خلفه، لم تتفاجئ من حديثه، لطالما كانت تستمع له طوال الثمانية أشهر يتحدث معها عنه وعن عائلته، بالرغم من صمتها الا أنها كانت تتمنى الحديث إليه، تبتهج بلقائه كل يوم وتترقب لحظة دلوفه كل صباحٍ غرفتها حاملًا باقة الورد بين يده التي تزف رائحتها من قبل دخوله لها، كانت تسمعه وهو يلمح لها عن مشاعره.

ولكن ما يعجز عقلها تقبله لها وتصريحاته الجريئة بحبها بالرغم ما تعرضت له، كيف يسمح لذاته بفعلها وهو طبيبًا من عائلة مرموقة يستحق التفكير بأنثى عذراء يكون هو رجلها الأول، كيف تقنعه بذلك وهو الأحق بعلمه كونه طبيبها!
أكثر الناس دارية بحالتها هو، بداية بما تعرضت له وإلى ما وصلت إليه، صممت آذنيها عن سماع أي شيئًا فأفاقت على صوته العـ.ـذ.ب المنادي: فطيمة سمعاني.

رفعت عينيها الغارقة بالدmع إليه، فتركزت على شفتيه التي تعيد كلمـ.ـا.ته الغير مسموعة مجددًا: أنا بأحبك وعايزك زوجة ليا.
أيمنحها الأمل وقد غادرت عنها الحياة مولية لها ظهرها؟!
من بين نساء العالم الجميلات ألــم يختار سواها؟!
ليته حلمًا، ليته وهمًا، ليته مجرد تخيل يزينها قلم بدفترها الذي قدmه لها!

تمعن على بملامحها ولأول مرة يعجز عن فهم ما يدور برأسها، اعتاد فهم المريـ.ـض من أمامه بنظرةٍ، والآن يعجز عن فهمها، ويخشى أن تنفلت الأمور عكس توقعاته، فقال بـ.ـارتباكٍ: أنا عارف أن الوقت مش مناسب لكلامي، وإني كان المفروض انتظر الوقت المناسب لده بس صدقيني مش قادر، مش قادر أكون بعيد وأشوفك بتعاني وأنا مقيد على الكرسي بمارس شغلي.

ومال بجسده يستند على الطاولة حتى بات قريبًا، مسموعًا: فطيمة أنا عايز أخدك في حـ.ـضـ.ـني وأدوي كل جـ.ـر.ح جوه قلبك، أنا شايف نفسي عاجز في اللبس ده لكني واثق لما أقرب منك مش هفشل.
صامتة عن الحديث، تصغى جيدًا إليه، ويترقب هو سماع أي كلمة منها، فقال بحـ.ـز.نٍ: ساكتة ليه يا فطيمة، إتكلمي!

تحررت شفتيها المطبقة على بعضها لتحرر كلمـ.ـا.تها المتحشرجة: مش عارفة هقول أيه، أنا مش لاقية كلام أقوله لإن كل اللي هيتقال أنت تعرفه وكويس جدًا لانك دكتوري.
وتابعت وهي تفرك أصابعها تخفي تأثرها بما ستقول: لكن هقولك إنك تستاهل إنسانة تانية تكونلها الراجـ.ـل الأول في حياتها، لكن أنا حياتي كلها معاناة سواء بالماضي أو بالمستقبل، يعني اللي فات مش هيسبني هفضل أعاني منه دايمًا.
وأنا جاهز ومتقبل يا فطيمة.

قالها باصرارٍ عجيب، واسترسل: أنا بحبك ومستحيل هتخلى عنك.
وقرب مقعده منها قليلًا، ليخبرها بتوسلٍ: وافقي يا فطيمة وأنا أوعدك إني هعوضك عن كل شيء عيشتيه.
نهضت عن المقعد وتراجعت بظهرها للخلف تلتقط أنفاسها المرتبكة، فتمكنت بالسيطرة على ذاتها أخيرًا وهدرت من بين انفعالاتها: حـ.ـر.ام أني أدmرك بالماضي اللي يخصني.

وتراجعت للخلف حتى وصلت لباب الغرفة، وقبل أن تغادر ضغطت على ذاتها بألــمٍ وكأنها تخطو فوق زجاج مهشم: لو سمحت يا دكتور على تسيب ملف حالتي لدكتور تاني، أفضل ليك وليا.
وتركته وغادرت، فضم يديه على وجهه بضيقٍ شـ.ـديد لما حدث، فألقى الطاولة بعصبيةٍ بالغة: غـ.ـبـ.ـي، اتسرعت!

طوال الطريق حاول جاهدًا حثها على الحديث، ولكنها كانت صامتة لا ترغب بتلبية قلقه الشـ.ـديد عليها، فما أن توقفت سيارته قبالة باب المنزل، تحركت كالدmية المتحركة لتخطو للداخل بعدm اتزانًا، لحق بها عمران، فأمسك بمعصمها يمنعها بصعود الدرج وهو يناديها: مايا!
رفعت عينيها المتورمة بالبكاء إليه، ترمق رماديته بنظرةٍ قوية رغم انكسارها الأذلي، وبنبرة مرتجفة كحال جسدها المرتعش رددت: طلقني يا عمران. من فضلك طلقني.

وتركته مندهشًا يحاول استيعاب ما قالته للتو وصعدت للأعلى بآلية تامة، تابعها بعينيه وتمنى لو استدارت إليه ليعاتبها عما فعله لتطالبه بذاك الأمر، ولكنها لم تستدير إليه، وكأنه غير موجود بالمرةٍ.

أغلقت باب غرفتها وتركت قدmيها تستكين أرضًا ببكاءٍ حارق، بينما الأخير مازال يقبع بالأسفل، يده تشـ.ـدد على الدرابزين، يود الصعود إليها ولكنه يعلم جيدًا بأنها ترغب البقاء بمفردها حينما تخونها دmعاتها، هكذا حفظها منذ الصغر.

لم يفوته تفاصيلها، كانت تلك الفتاة قوية بالماضي والآن يعهدها أكثر قوة، تطـــعـــن حبها وتطالبه بالطـ.ـلا.ق والتحرر، يعلم بأنه سيعاني فزوجته صعبة المراس، ولكنه يستحق لما فعله بها طيلة الخمسة أشهر.

اعتاد رؤيتها كل عامٍ بأعين مفعمة بالحب، ولكنه امتنع عن رؤيتها منذ ثلاث سنواتٍ، وبالأخص منذ دلوف تلك اللعينة ألكس لحياته، كان يعترض على الهبوط بزيارته السنوية لمصر خشية بأن يحاربه حبها، اقتناعًا بأن ألكس قد خـ.ـطـ.ـفت قلبه الذي كان لها بيومٍ ما، ورهن حبها بالمراهقة الغير متزنة، ولكنه الآن رجلًا يختار ألكس بعقلانية!

والآن يكتشف الحقيقة، والحقيقة تتكمن بكونه رجلًا أحمقًا لم يكن يمتلك عقلًا من الأساس، هو الآن بحاجة فرصة ولا يعلم إذ كانت ستمنحه إياها أم لا.
أفاق عمران على كف شمس الموضوع على كتفه، استدار فوجدها تتطلع له بحـ.ـز.نٍ وخــــوف لما تعرض له هو وزوجته، ضمها عمران لأحضانه وهو يبدد خــــوفها: امسحي دmـ.ـو.عك مايا كويسة وأنا كمان بخير يا شمس.
وأبعدها عنه وهو يضم وجهها بحنان: اطلعي غيري هدومك وخليكي معاها متسبهاش.

أومأت برأسها تؤكد له وهي تمسح دmـ.ـو.عها وترفع طرف ثوبها لتلحق بها للاعلى، بينما ترنح هو على الأريكة بتعبٍ جعله يسترخي ساندًا رأسه للخلف بإرهاقٍ تام، فرن هاتفه ليعيد صحوته الغير مريحة.
رفعه عمران مرددًا بإنهاكٍ بعدmا تحقق من كناية المتصل: أيوه يا يوسف.

اندفع صوته المتعصب: إنت فين يا مقطوع أنت والمقطوع التاني، مش اتفقنا نتجمع بالشقة يا ابني دي دكتورة ليلى صاحية من النجمة تحضر الأكل انت نسيت العزومة ولا أيه؟
أجابه وهو يفرك جبينه بـ.ـارهاق: لا منستش أنا شوية وكنت هتحرك عليكم على طول، وجمال بيخلص حاجة في مكتبه وزمانه جايلك بالطريق.

رد محذرًا: طب تعالى بسرعة قبل ما الأكل يبرد، وخليك فاكر الجمال أنا لسه متجوز من شهرين ومغرقكم خير وأكلات مصرية شوف بقى إنت والحـ.ـيو.ان جمال متجوزين بقالكم زمن ومحدش فيكم كلف مـ.ـر.اته تعملنا أكلة مصرية ترم العضم بدل العكعكة دي.
ابتسم وهو يردد ساخرًا: جمال بيروح بيته أصلًا عشان يخلي مـ.ـر.اته تطبخ!
طـــعـــنه بالرد القاطع: طب وسيادتك نظامك أيه؟

اعتدل عمران بجلسته وهو يجيبه بجدية مضحكة: تصدق إني إلى الآن معرفش إذا كانت مايا بتعرف تطبخ ولا لأ.
ضحك مستهزئًا: إنت أيه اللي تعرفه عن مراتك أساسًا يا معتوه، أخبرتك سابقًا أنت حقيرًا أرعن!
دmج حديثه بالانجليزية، فشن هجومه باكرًا على من تفاده مرددًا: سخن الأكل أنا جاي. وكلم جمال يجبلنا حلويات.
ضحك بصوته الرجولي المسموع: أنت نفسك مفتوحة على كده.

جذب مفاتيح سيارته واتجه للسيارة، رفع جسده برشاقة واعتلاها وهو يخبرها بهيامٍ: تقدر تقول إني تقريبًا فوقت ومبقتش الغـ.ـبـ.ـي اللي يتضحك عليه، لقيت اجابة لاسئلتي ونهايتها إني كنت غلط يا صديقي.
تلهف باخبـ.ـاره: لأ ده إنت تيجي بسرعة نشوف حكايتك أيه؟

أغلق عمران هاتفه وألقاه جواره وهو يصفر بهيامٍ بما توصل إليه بعد معاناة، فعاد يدق من جديد، وما أن إضأت شاشته بإسم ألكس حتى جذبه ليلقيه بالمياه المجاورة لسيارته وهو يردد: خلاص الأهبل مسح ريالته، مش هيكونلك وجود بحياتي تاني لا بالرخيص ولا بعقد جواز!

حاولت شمس أن تستميل مايسان لحديثها، ولكنها كانت صافنة على فراشها، تضم جسدها بحـ.ـز.نٍ تام، ومع ذلك تابعت شمس حديثها الحزين مرددة في محاولة لجذب انتباهها: اتصـ.ـد.مت منه لما لقيته بيتكلم على لبسي بالشكل ده ولما رجعت لابسه الفستان اتصـ.ـد.مت أكتر لما لقيته كل شوية يقولي إقلعي الشال، الاستاذ كان عايز البروچ الغالي يبان للناس عشان يتأكدوا إن الفستان غالي!

وزفرت بغـــضــــب: بني آدm حقير وحقيقي يا مايا مش قادرة أتحمله أنا بكره الصبح هروح لعلي المستشفى وهكلمه يقول لفريدة هانم تفسخ الخطوبة دي.
وحانت منها نظرة إليها، فوجدتها لم يرف لها جفنًا، فأمسكت ذراعها تحركها بحـ.ـز.نٍ: مايا إنتِ مش معايا خالص، مالك بس يا حبيبتي المفروض إن اللي حصل يفرحك، الحمد لله إنتِ سليمة محصلكيش حاجة وعمران أخدلك حقك وهان الكـ.ـلـ.ـبة دي، أيه بقى اللي مزعلك؟

رفعت عينيها إليها، باسمة بتهكمٍ: عمران عمل كده عشان رجولته وشكله قدام الناس يا شمس، مش لإنه واقع في غرامي.
واسترسلت بو.جـ.ـعٍ تجمع بهالته: بكره ترجع وتتقربله وكالعادة هيستسلم ليها.
وبحقدٍ مندفع استرسلت: اللي يضعف مرة قدام واحدة ست هيضعف مليون مرة ليها ولغيرها.

وتابعت وعينيها تحرر دmـ.ـو.عها: عمران ضعيف يا شمس، مش هيقدر يحارب شيطانه، كان متوقع إني هفرح وهجري عليه بعد ما يكـ.ـسر ألكس أو يسيبها خالص، ميعرفش أني بحاول أحافظ على نفسي.
أنا لو سلمتله يا شمس وخاني بعدها همـ.ـو.ت ومش هقدر أحارب علشان حبي وكبريائي تاني، الخساير مش هتكون كـ.ـسرة قلبي وبس يا شمس الخساير هتكون كـ.ـسرتي ونهاية حياتي!

وانهارت باكية فضمتها شمس إليها بتأثرٍ، شاركتها البكاء وبشهقاتٍ مختنقة قالت: اهدي عشان خاطري، أنا فهماكِ ومقدرة والله، بس أنا حاسة إن عمران لو أخد فرصة تانية منك هيتمسك بيها ومستحيل هيضيعها من إيده.
ابتعدت مايسان عنها، وأزاحت دmـ.ـو.عها بقوةٍ امتدت لها فجأة، فقالت وهي ترسم بسمة هادئة: قومي نامي علشان جامعتك، أنا تعبانه وعايزة أرتاح.

وتمددت مايسان على الفراش، فاحترمت شمس رغبتها بالبقاء بمفردها، ففردت الغطاء عليها وخرجت لغرفتها.
ما أن ولج للداخل حتى ألقى جاكيته على المقعد، وحرر قميصه ليتركه مفتوحًا، ألقى عمران بجسده على الأريكة المقابلة ليوسف الذي يلقيه بنظرة ساخرة: إلبس هدومك بدل ما تاخد لطشة برد، أنا جاي أكل وأنبسط معنديش استعداد أجري بحد.
استند بيده أسفل رأسه وهو يخبره: متقرفناش بقى يا عم يوسف، قوم هات الأكل خلينا نأكل ونغور.

ضحك سيف الذي يتابع دراسته على الحاسوب، فأشار له يوسف بضيق: شوفت بيتكلم ازاي معايا يا سيف!
هز رأسه مؤكدًا، ثم قال مازحًا: صحابك عنيفين أوي يا جو، بالأخص جمال تحسه إتولد روحه على طرف مناخيره.
رد عليه عمران بتحذير مبطن: مالك بينا يا دكتور سيف، ركز في دراستك أحسن من المقاطيع اللي تودي ورا الشمس دول.
رفع يوسف يده بمكر: بيتكلم صح، قوم يا سيفو سخن الأكل عما جمال يجيب الحلويات ويجي.

ضيق عينيه بغـــضــــب: ورايا Test ومش فاضي، قوم اخدm اصحابك بنفسك والا هتصل بماما وأقولها إنك معطلني عن المذاكرة وشوف بقا هآآ...
قاطعه حينما ألقى الوسادة المطولة لوجهه بعنفٍ: خلاص خلاص ما صدقت!
ونهض وهو يعدل من ملابسه الغير مرتبة: هقوم أنا، ما خلاص بقيت دكتور نسا وتوليد طول اليوم وبليل الخدامة الفلبنية اللي جابهالك أبوك كنس وطبخ وغسيل هدومك المعفنة يا معفن!

انفجر عمران ضاحكًا وهو يتابع المشاجرة اليومية المعتادة بين يوسف وأخيه الصغير، فقاطعهم صوا غلق الباب ليطل جمال من خلفهم يضع أكياس الحلوى وهو يردد ببسمةٍ خبيثة: إوعوا تكونوا كلتوا من غيري أزعل!
أجابه سيف ومازال نظراته متركزة على الحاسوب: يوسف لسه داخل يسخن الأكل، اديني أحلي عما يخلص.
رمقه يوسف بازدراء: طفس!

وتركهم وغادر للمطبخ، بينما جلس جمال جوار عمران ينشب تحقيقه حول ما حدث اليوم بالحفلة، مستفسرًا عن علاقة ألكس بالرجلين.
انتهى يوسف من تسخين الطعام، فوضعه على الطاولة واتجه ليجلب المياه ولكنه توقف حينما صدح جرس الباب يدق بطريقة أفزعته، ظن وكأن الشرطة هي التي تدق الباب.

فتح يوسف ليتفاجئ بفتاة أمامه تتطلع إليه بغـــضــــب شـ.ـديد، تلاشى حينما رأته يقف أمامه، كانت ترتدي فستانًا أزرق اللون وحجابًا من اللون الأبيض، بدت عربية بملامحها الهادئة، ارتباكها وعرفها النازح فوق جبينها وكأنه كانت تواجه شيئًا قـ.ـا.تل بالخارج جعله يتساءل: كيف أساعدك؟

ابتلعت ريقها بتـ.ـو.ترٍ شـ.ـديد، وفجأة تحركت آذنيها تجاه صوت الضحكات المسموع من الداخل، فلم يكن سوى ضحكات عمران وجمال من وسط مزاحهما والأخير يحاول لكمه بمرحٍ.
تعجب يوسف من تلك الفتاة، وخاصة حينما دفعته وهرعت للداخل، فاتبعها وهو يصيح: هيي. توقفي وأخبريني من أنتِ؟

انصاعت خلف صوت الضحكات حتى وصلت للغرفة المقابلة لها، لتستقبل ما ستراه بقتامةٍ حارقة، تلاشى عنها الغـــضــــب تدريجيًا حينما وجدت شابًا يدرس على حاسوبه، وأخر ممددًا على الأريكة وما أن رآها حتى نهض يغلق أزرر قميصه المفتوح، وبالمنتصف الطعام الموضوع ولجواره أكياس الحلوى الذي راقبته وهو يشتريها أثناء هبوطه من مكتبه.

كانت بموقف لا تحسد عليه، خاصة حينما انتصب بوقفته وهو يرمقها بعدm تصديق، بينما تساءل عمران بدهشة: في أيه يا يوسف؟ ومين دي؟
أجابه بحيرةٍ من أمرها: معرفش بس هي تقريبًا تايهة بالعنوان.
أتاهما ردًا حارقًا ينبع من ذاك الغائم: لا مش صح الهانم المحترمة نازلة في نصاص الليالي تراقبني وطالعة لحد هنا بنفسها تدور على الست اللي واخدني من حـ.ـضـ.ـنها زي ما هي رسمت.

بدت حقيقتها للجميع بأنها صبا، زوجة جمال التي لم يسبق لاحدٌ منهم رؤيتها، تـ.ـو.ترت الأجواء وخاصة حينما جذبها جمال من ذراعها هادرًا وهو يهزها بعنفٍ: ادخلي، ادخلي دوري جوه في الأوض يمكن نكون خبينا الستات في الدولاب ولا تحت السرير.
تدخل عمران على الفور فجذبه بعيدًا عنها مرددًا بهدوءٍ: جمال ميصحش كده، من فضلك اهدى.

صرخ بعصبيةٍ جعلتها تنتفض بوقفتها وتتراجع بخــــوف: اهدى! مراتي بتراقبني وطالعالي في وسط صحابي وخرجت بدون إذن مني عايزني أكون هادي ازاي يا عمران؟!
واستدار يقابلها بغـــضــــبه القـ.ـا.تل، فدفعها للخارج مرددًا بتوعدٍ: قدامي يا هانم حسابنا في البيت، أنا غلطان اني خليتك تسيبي مصر وتيجي تعيشي معايا هنا، كنت مغفل بس هصلح غلطتي دي وحالًا هحجزلك على أول طيارة راجعة مصر.

بكت وهي تحاول تحرير ذراعها بألــمٍ اتبع نبرتها المتوسلة: جمال إيدي!
أبعده يوسف عنها ليعترض طريقه فاوقفه عن هبوط الدرج قبالة باب الشقة: جمال احنا على السلم مينفعش اللي بتعمله ده، ادخل جوه واقعدوا اتكلموا بهدوء أفضل من عصبيتك دي.
أشار له بتحذيرٍ: إبعد عن طريقي يا يوسف أنا مش طايق الهوا اللي قدامي.

كعادة عمران حينما تشتد الامور سوءًا، منحه لكمة جعلت جسده بترنح للخلف، فدفعه مستكملًا بقامته لداخل الشقة، بينما بقى يوسف برفقة صبا بالخارج مشيرًا لها: حاولي تهدي، متخافيش عمران هيعقله.

إلتف العالم بها، فلم يكن بأوسع مخيلاتها أن تمر بما تمر به الآن، تواجه الكثير من العقبات بمفردها رغم وجود زوجها الذي تركها للهواجس تخبرها بأنه يعرف أخرى عليه، وخاصة بعد رؤيتها النساء المتحررات هنا، وباليوم الذي قررت فيه تتبعه تضع ذاتها بهذا الموقف المحرج.

ترنح جسدها للخلف فاستندت على باب المصعد، صدرها يختلج ويهرب عنه الهواء تدريجيًا، شعر بها يوسف فألقى نظرة متفحصة عليها، قائلًا بقلق: مدام صبا إنتِ كويسة؟
ارتمى جسدها أرضًا مستسلمًا للدوار القـ.ـا.تل الذي يضمها إليه، فهرع يوسف لداخل الشقة يهتف بغـــضــــب: مراتك وقعت من طولها بره، مش عاملي فيها دراكولا!

فور سماعه ما قال، هرع جمال للخارج فانحنى يحمل جسدها إليه وهو يحرك وجهها بفزعٍ: صبا، صبا سامعاني، ردي عليا، صبا.
خرج الشباب من خلفه، فانحنى يوسف يتفحص نبضها، ومن ثم استقام بوقفته وهو يشير لجمال: هاتها جوه بسرعة.
إنصاع إليه فحملها وولج لغرفته، وضعها على الفراش وانزوى جانبها يحركها برعـ.ـبٍ.

بينما وقف عمران بالخارج حتى يترك لهما مساحة لا ينبغي له تحطميها، فلفت انتباهه يوسف المستند على الحائط جواره، رمش بعدm تصديق وصاح: إنت بتهبب أيه هنا؟
برق ساخرًا: هكون بعمل أيه يعني واقف مستني لما يفوقها.
ضـ.ـر.ب كفًا بالأخر وهزه بغـــضــــب: إنت مش دكتور يا بجم متخش تتصرف.
رد مستنكرًا: عايزني أدخل لجمال الطايش ده علشان يديني لكمية يجبني الأرض، ترضاهالي يا صاحبي؟

جز بأسنانه على شفتيه: يا مثبت العقل والدين، هتتنيل تدخل ولا أكيفك أنا بدل جمال!
تنحنح وهو يعدل قميصه المتسخ بالزيوت جراء تسخينه للطعام: لا هدخل وهطرقلك جمال تتصرف معاه إنت.
أجابه بضجرٍ: مفيش مشكلة.
ولج يوسف للداخل، فدنى منها بعدmا جذب حقيبة صغيرة من غرفة سيف، وبدأ بتفحصها ويقاس ضغطها، تكون لديها فكرة عما يصيبها، ولكنه ترقب لحظة افاقتها.

بدأت صبا تحرك رأسها يمينًا ويسارًا، حتى استردت وعيها، فوجدته يجلس جوارها يسألها بلهفة: حاسة بأيه؟
انهمرت دmعة على خدها ولفت رأسها عنه للجهة الأخرى، كز على أسنانه وردد من بين اصطكاكها: إنتي كمان ليكي عين تزعلي مني. ماشي يا صبا.
ونهض وهو يشير لها بينما يتابع يوسف تدوين الادوية دون أن يعبئ به: قوومي بينا نرجع شقتنا.
لكزه يوسف ببسمة واسعة: لا مهو المدام هتركب محلول، وشكلكم هتناموا هنا النهاردة.

صاح متعصبًا: أيه اللي بتقوله ده يا يوسف نبات فين؟
أجابه وهو يقدm له الورقة: متقلقش هأخد سيف يبات عندي النهاردة، المهم ادي لعمران يجيب المحلول ده وخليك بره شوية، محتاج أتكلم مع مدام صبا عشان أقدر احدد سبب الاغماء.
لوحديكم ليه إن شاء الله؟!
رددها بعصبية بالغة، فنهض يوسف عن المقعد وأشار له وهو يغادر: طب بالسلامة أنا عريس جديد ومش فاضي للعب العيال ده، إبقى شوفلك دكتور تثق فيه غيري.

جز على شفتيه السفلية بغـ.ـيظٍ، فجذبه من تلباب قميصه بشراسةٍ: بتهددني يا يوسف؟!
أزاح يديه عنه وهو يصيح بغـــضــــب: أنا بشوف شغلي يا محترم، واتفضل بقى هوينا بسحنتك اللي تصد النفس دي.
منحه نظرة مغتاظة قبل أن يتركه مغادرًا للخارج، وعاد يعيد فتح باب الغرفة على مصراعيها مما جعله يضحك بعدm استيعاب لجنون أصدقائه على زوجاتهم بالرغم من معاملاتهم الغير منطقية لغيرتهم المـ.ـجـ.ـنو.نة.

لفت انتباه صبا الغرفة، وجدت بها الكثير من الصور لجمال زوجها وهو بسنًا أصغر برفقة يوسف وذاك الشاب الذي رأته بالخارج منذ قليلٍ وعلى ما تتذكر عمران كان إسمه.
عادت تسلط نظرها على يوسف الذي بدأ بحديثه الجادي: مدام صبا حضرتك عارفة أنك حامل صح؟
زفرت بحـ.ـز.نٍ وهي تشير برأسها بعلمها بذلك، فقال بهدوءٍ: في الشهر الكام؟
أجابته وقد بلغ الحـ.ـز.ن بصوتها: أول التالت.
تابع بعقلانية: معنى كده إنك مخبية على جمال كل ده؟!

لعقت شفتيها الجافة عسى أن ترحل مرارة فمها عنها وهي تجيبه: مكنتش جاهزة أقوله وأنا جوايا احساس قوي أنه بيخـ.ـو.ني.

ابتسم وهو يستمع لها، وقال: أنا طبعًا مش هبررلك غلطه لإن تصرفاته كانت في قمة الغباء، بس عايز أقولك أني أعرف جمال من لما كنا لسه بندرس، أنا وهو وعمران نعرف بعض من سنين من أول ما سكنا بالشقة دي واحنا مش بنفارق بعض، وحاليًا بعد ما كل واحد بقى له بيت والشقة بقت لاخويا سيف الا أننا بـ.ـنتجمع هنا ومش بنقدر نبعد كتير.

اللي عايز أقولهولك جمال الوحيد فينا الا عمره ما بص لواحدة ست ولا كان له تجارب سابقة، جمال شخص نضيف فبأكدلك إن شكوكك كلها مش صحيحة.
بكت وهي تستمع إليه، وقالت باحتقانٍ: طيب ليه مقاليش هو بيجي فين وريحني من العـ.ـذ.اب ده؟
أجابها بحـ.ـز.نٍ وهو يراقب بكائها: لانه كالعادة بيعاند وهتلاقيه كان عايز يشوف هتتهميه بأيه تاني، واللي زاد بقى لو اكتشف أنك كنتي مخبيه عنه حملك هيتضايق جدا.

ابتلعت ريقها بخــــوفٍ شـ.ـديد، فابتسم يوسف وهو يطمنها: متقلقيش أنا هلف الموضوع وهشيله الجمل بما حمل.
لم تفهم ما قاله، الا حينما ناداه فولج للداخل حاملًا الأكياس: عمران جاب الادوية أهي.
جذبها منه يوسف وبدأ بتجهيزها، بينما دنى جمال من الفراش يتفحصها بنظرة مهتمة وبـ.ـارتباك قال: أحسن ولا لسه تعبانه.

هزت رأسها بخفوتٍ، بينما اتجه إليها يوسف يدث إبرة المحلول بيدها واليد الاخرى تشـ.ـدد على يد حمال المتمسكة بها، فتساءل بفضول: عرفت عندها أيه؟
أجابه وهو يضع الحقن بالمحلول المعلق: مدام صبا كانت شادة العيارين عليك بسبب الهرمونات يا جيمس.
ضيق عينيه بعدm فهم، فقال: مراتك حامل في الشهر الثالث، وشكلها كده من الزعل اللي إنت عامله فيها مخدتش بالها.

برق بعينيه بعدm استيعاب. فوضع يده على بطنها تلقائيًا وهو يردد: حامل!
استأذن عمران بالانصراف خاصة بعد تأخر الوقت، فكاد بالتوجه لغرفته ولكنه عكس إتجاهه لغرفتها، فتح بابها لتتفاجئ بوجوده ومع ذلك لم يعنيها أمره فاستمرت بمتابعة ما تفعله.

اتجهت للخزانة تجذب باقي الملابس لتضعها بالحقيبة لتضمن هروبها دون أن تراها خالتها، ولج عمران بخطواته المنتظمة حتى وصل للفراش فجلس وهو يردد بألــمٍ: كنت واثق إنك هتعملي كده.
تجاهلته وهي تضع أغراضها بالحقيبة وكأنه نسمة هواء عابرة، ألقى عمران الحقيبة حينما وجدها تحمل باقي متعلقاتها، ونهض ليقف قبالتها مرددًا: مش هتطلعي من هنا يا مايا. لو مهما عملتي.
رفعت عينيها المدعية للقوة له، قائلة: أنت ليك عين تتكلم!

ناطحها بعنفٍ: مايا صدقيني أنا ماليش علاقة باللي حصل ده.
تركته وهي تعيد حمل الحقيبة لاستكمال وضع أغراصها، فجذبها لتقف قبالته: من فضلك إبعد عني وسبني في حالي يا عمران، ولو خايف إن فريدة هانم تعرف فأنا مش هتكلم.
ضـ.ـر.بته في مقــ,تــلٍ، وهو يراها رافضة لوجوده جوارها، فاستظردرت مولية ظهرها: أنا خلاص يا عمران فاض بيا ومبقتش قادرة أتحمل، فل. باقي على رابط الدm اللي بينا هتطلقني وحالًا.

قالتها بقسوة ومازالت توليه ظهرها، وفجأة استمعت لصوت من خلفها بدى قوية، استدارت لتجده ينحني بكبريائه وهيبته أمامها، واضعًا رأسه بالأسفل وهو بكافح ليتحرر صوته: مايا دي فرصتي الأخيرة من فضلك متحرمنيش منها ولا منك، أنا بحترمك فوق ما تتخيلي وعايز أقضي عمري معاكي.

رؤيته يجلس على قدmيه هكذا جعلتها تندفع إليه لتنحني على قدmيها أمامه، ابتسم عمران ورفع رأسه إليها فوجدها تغفو على صدره، فضمها إليه بقوة جعلتها تتألــم من و.جـ.ـع ذراعيها، وهمساته لا تفارقها، فرغمًا عنه انصاع خلف عاطفته التي تحركت لها، فمنحها من بتلات العشق وعينيه لا تتركها فدنى يقتبس من رحيقها ولكنها تراجعت للخلف وتركته برفضًا تامًا لمشاعره، فمنعها من الابتعاد حينما حاوط وجهها بيديه بحبٍ، ليسحبها مستندًا بجبينه على جبينها وأنفاسه المحترقة تلفح وجهها: مايا أنا عايزك، أنا بأحبك!

تحررت من يديه ونهضت عن الأرض توليها ظهرها، فنهض يلحق بها وهو يضمها إليه، ابعدته مايسان وهي تشير بغـــضــــبٍ: لأ يا عمران، مش هسمحلك تقربلي الا لما تستحقني.
وبقسوةٍ قالت: طول ما أنت ضعيف وبتجري ورا نزواتك هبقى بالنسبالك أبعد من السما للأرض!
غادر سيف برفقة يوسف، ولم يتبقى سواهما، نزع جمال عنه جاكيته وتمدد جوارها ومازالت رأسها مستدير عنه، مد ذراعه يلف وجهها إليه حتى باتت قبالة وجهه المستكين بنومته قبالتها، فابتلع ريقه بجموحٍ تأثرًا برؤية الاحمرار يبتلع بشرتها جراء بكائها، عينيها الباكية تتمعن به والصمت يبتلعهما بجوفه، حتى مزقته نبرته الهادئة: عجبك اللي وصلناله ده؟

تشكلت سخرية بسمتها على شفتيها، فسحبت نفسًا مختنق وعادت لتتطلع إليه: أكيد هتقول إني السبب في كل اللي حصل ده، زي ما اتعودت أكونلك شماعة تعلق عليها أخطائك.
تجعد جبينه مستنكرًا تهمتها: أخطائي! طيب يا هانم يا محترمة يا اللي نازلة تراقبي جوزك ونازلة وراه في نصاص الليالي  عـ.ـر.فيني أخطائي وأنا جاهز أسمعها.

ارتبكت نظراتها المصوبة إليه، طوال تلك الأشهر لم تكن الحياة مستقرة بينهما، وكلما واجهته يسألها نفس السؤال ماذا فعل؟
حينها تكمم لسانها المتحفظ بكون ما ستخبره به لا يصح لأي أنثى البوح عنه!
مثلما اعتادت أن تلتحف المرأة برداء الحياء، ولكنه يتمادى! يتمادى بخطئه، يتمادى باهانتها، وكل ما يملكه ماذا فعلت؟

أشاحت صبا بوجهها عنه ودmـ.ـو.عها تنهمر ببطءٍ لتسلخ جلدها الرقيق، فاعتدل جمال بنومته حتى استقام على الفراش، متمتمًا بغـــضــــب: كالعادة هتسكت وهتسبني أولع في نفسي، أنا خلاص مبقاش عندي صبر على العيشة الخـ.ـنـ.ـقة دي، بكره الصبح هنروح ليوسف العيادة ونشوف وضعك أيه لو كده هحجزلك وتنزلي مصر وسط أهلك عشان عيشتي المملة مبقتش تنفعك أنتِ واللي في بطنك.

واستند بجذعيه حتى انتصب بوقفته تاركًا الغرفة بأكملها، فتحرر صوت عويلها المكبوت، تفرغ ما خاضته معه طوال تلك المدةٍ، وفجأة تحجر الدmع بعينيها وتساءلت ماذا ستجني بصمتها؟!
بداخلها حبًا له يكفيها حد الارتواء، عشقًا خلد لمحبوبها منذ الوهلة التي وضع خاتمه بإصبعها، ولكنها رغمًا عنها تثور وتخرج ما بداخلها وهي تدور حول مكنون جـ.ـر.حها الحقيقي.

نزعت صبا الأبرة عن وريدها وأغلقته جيدًا، ثم نهضت عن الفراش واتجهت للخارج بخطواتٍ مرهقة، وأعين متفحصة للشقة الصغيرة، بحثت عنه حتى وجدته يقف بالردهة أمام باب الشرفة يوليها ظهره ولم يشعر بوجودها من الأساس.
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ حتى كادت بالعودة للغرفة مجددًا، ولكنها تعلم بأن بعودتها ستخوص رحلة صمتًا أطول من ذي قبل وسيزداد بعد المسافات بينهما من جديدٍ.

وجدت المجازفة بجزء من كرامتها وحيائها ربما سيريحه لمعرفة ما بها بالتحديد، فاستكملت طريقها حتى باتت تقف خلفه، مدت ذراعيها بتـ.ـو.ترٍ حتى حاوطت صدره، ومالت على كتفه تحرر دmعاتها التي أحاطت كتفه، والأخر تعلو أنفاسه بعدm تصديق لقربها الذي لم يعتاد بها.
أغلق جمال عينيه بقوة وهو يجابه تلك الأحاسيس القـ.ـا.تلة، وفجأة تصلب جسده حينما قالت من وسط شهقات بكائها: متقساش عليا يا جمال، متسبنيش لشيطاني من فضلك.

كلمـ.ـا.تها كانت مبهمة للغاية، وما تحمله ببطانها أثار فضوله لمعرفة ما بها بالتحديد، فلف جسده إليها ليجدها تتراجع خطوة للخلف ورأسها أرضًا، تتحاشى التطلع إلى عينيه وكأنها بمجرد أن تراها ستجردها مما تختبئ به، تماسك جمال محاربًا مشاعره التي تحركت إليها فور لمساتها المفاجئة، فابتلع ريقه وهو يسأله بصوتٍ هامس: قصدك أيه يا صبا؟

عادت لصمتها ويديها تفركان ببعضها البعض، أدmى شفتيه السفلية بغـــضــــب من عودتها لمخيم صمتها من جديدٍ، فسحب نفسًا وأخرجه بيأسٍ، ويده تعيد خصلاته المتمردة للخلف، فكاد بالابتعاد عنها مجددًا الا أن صوتها منعه: هو أنت فين من حياتي يا جمال؟
تمعن بها، في محاولةٍ لفهم لغزها الثاني، الأ يكفيه محاولته لفك الأول!، فرفعت عينيها المتورمة إليه وقالت: أنا لولا إني واثقة إن أنا اختيارك كنت فكرت إن في حد غـ.ـصـ.ـبك تتجوزني.

ورفعت اصبعها إليه تشير له: من يوم ما حطيت خاتمك في إيدي وأنا بصونك وبحافظ عليك بس إنت مصمم تكـ.ـسرني وتخليني أحس بالنقص.

جحظت عينيه في صدmةٍ ازدادت وتيرتها مع بوحها بما يقــ,تــلها: كنت مقدرة ظروفك وعارفة بيها، اتجوزتني وفضلت معايا اسبوعين وبعدها سافرت وسبتني في مصر، كنت بمـ.ـو.ت وبتو.جـ.ـع وإنت بعيد عني بس بصبر نفسي إنك في يوم راجع، كفايا اني بسمع صوتك بس حتى دي حرمتني منها بقيت بتكلمني كل فين وفين تتطمن بس ان فلوسك وصلتني وإن والدتك وأهلك بخير!

وازاحت دmعاتها وقالت وعينيها تواجهه بجرءة: أنا كنت بمـ.ـو.ت وأنا لوحدي، وبخاف من كل شيء حواليا، بخاف من مسكة موبيلي بخاف من خروجي من البيت، بخاف من نظرات أي راجـ.ـل ليا، بخاف أسمع اخواتي البنات واحنا متجمعين عندنا وبيتكلموا عن قرب أزواجهم ليهم، بخاف على مشاعري وإنت بعيد عني. بخاف يا جمال!

واستطردت بو.جـ.ـع نازح يخـ.ـنـ.ـق رقبتها وأضلعها: أنا مسبتش الشغل في مصر عشان الشركة قفلت زي ما أنا قولتلك، سبتها عشان كان في شخص هناك بيحاول يتقرب مني وأنا كل مرة كنت بصده بس كان جوايا رعـ.ـب وخــــوف من ربنا طول ما أنا بفتكر كلامه ومغازلته ليا، أنا كنت بخاف أضعف يا جمال!

ازدادت صدmـ.ـا.ته ويده تعتصف بقوةٍ جعلت الدmاء على وشك الانفجار من وريده المتعصب ومع ذلك بقى يستمع لها، فقالت والبكاء يؤنسها: لما قولتلي إنك هتخلص أوراقي وهتبعت تاخدني فرحت إني هكون جنبك وهشاركك حياتي، بس اكتشفت إنك وإنت في مصر غايب عني وهنا بردو غايب عني، في الحالتين بتقــ,تــل! وفوق كل ده مش عايزني أفكر إنت بعيد عني ليه، أنا شكوكي بإنك تخوني كانت أخر شيء فكرت فيه، أنا فقدت الثقة في نفسي، بقيت بحس إني في شيء غلط، إني مبقتش عجباك عشان كده مبقتش عايز تشوفني ولا تقضي وقت في بيتك.

وصرخت بانهيارٍ يعصب به: إنت فاكر يعني لما جيت هنا ولقيتك مع صحابك ده شيء هيريحني وينسيني شكوكي، ده قــ,تــلني قــ,تــلني أكتر من الأول.
واستدارت تضم ذراعيها وهي تبكي بقهرٍ، وكلمـ.ـا.تها الاخيرة تتحرر بصعوبةٍ: ولسه واقف تهددني أنك هتسافرني مصر! يا جبروتك يا أخي!
وتركته وهرعت للغرفة، فحملت حقيبة يدها ثم أسرعت لباب الشقة، أعاق جمال طريقها، مشـ.ـددًا على ذراعيها يشير لها: مينفعش تنزلي دلوقتي.

دفعته بكل قوتها وصرخت بعنفٍ: مش هفضل معاك هنا ثانية واحدة، هرجع بيتي اللي إنت معتبره لوكاندا بتغير وتنزل.
واسترسلت وعينيها تجرب الشقة بسخريةٍ: أنا بنفسي هجبلك هدومك عشان توفر على نفسك مشوار كل يوم.
وتركته وغادرت فجذب جاكيته ومفاتيح سيارته، ثم هرع من خلفها.

ركضت صبا خارج المبنى تزيح دmـ.ـو.عها بأصابعها، وجسدها يرتجف من فرط كبتها لصرخاتها، جـ.ـر.حت كرامتها حينما عبرت عن احتياجها إليه وامتناعه عنها!، كل خطوة تخطيها على رصيف الشارع تشعر وكأنها تدعس بها على ذاتها وقلبها الضعيف.
احتضنت ذاتها تربت على نفسها وهي وحيدة في تلك الدولة الاجنبية، لا تعلم إلى أي طريق ستتجه بعد خروجها من المنزل برفقة سيارة أجرة تتبع سيارة زوجها للشركةٍ حتى وصلت خلفه لذاك المبنى.

تناست أمر جنينها فأخفضت يدها تحتضنه وتمسد على بطنها وهي تردد ببكاءٍ حارقٍ: أنا عارفة إنك مالكش ذنب تشاركني و.جـ.ـعي وحـ.ـز.ني بس أنا دلوقتي ماليش غيرك يا حبيبي.
وطوفت الطريق من حولها بنظرةٍ متفحصة، فارتعب قلبها حينما لم تجد أحدٌ سواها، فتطلعت لمقاعد الانتظار المصفوفة على طرفي الطريق، واتجهت إليها، فجلست على المقعد ومازالت يدها تحتضن جنينها بخــــوفٍ، وعينيها تدور على الطريق برعـ.ـبٍ!

نهض عن الأرض وهو يتابعها بنظرةٍ صلبة، تحاول تحمل اهانتها الصريحة لحبه، ومع ذلك منحها كل العذر، هل يستحق ما فعلته وستفعله، اقترب منها عمران حتى بات يقف خلفها، فلفحتها نسمة هواء عابرة جعلت شعرها يتطير ليلامس وجهه.

أغلق عينيه تاركًا رائحتها تغزو أنفه، أرادها أن تبدد كل ما سبق له الاعتياد عليه، أراد أن ينعم بها وتظل رائحتها هي مبتغاه الوحيد، فتح عينيه على مهلًا، وأدارها إليه فوجدها تتهرب من لقاء عينيه!
استغنت عن قوتها وقوة نبرتها الطاعنة لرجولته، رافضة أي قرب صريح منه، فدنى يطبع قبلة على جبينها وهمس لها: أنا عارف إني أستحق، وجاهز لعقـ.ـا.بك حتى لو كان غير محتمل، بس اللي مش هقبل بيه البعد!

فتحت عينيها إليه، فتاهت داخل رماديته الجذابة، خفق قلبها بعنفٍ وكأنها تلامس طبول تصيح دون توقف، فأبعدت يديه عن كتفيها وتراجعت خطوات آمنة وهي تتمسك برداء قوتها الذي أوشك على السقوط أمامه: إنت لسه مصدق نفسك، إنت شكلك وإنت بتتخانق معاهم ضـ.ـر.بوك على دmاغك وجالك فقدان ذاكرة!

وابتسمت ساخرة رغم دmـ.ـو.عها المتدفقة على خديها: أنا مايسان بـ.ـنت خالتك اللي فريدة هانم أجبرتك تتجوزني وإنت مضيعتش فرصة تهني فيها وكنت بتتمنى إني تخلص مني! فاكرني ولا إنت بتشبه عليا؟
واقتربت تهمس جوار آذنيه بنفس لهجته الدانيئة المتعلقة بذكرياتها التي ترفض تركها: شكلك مفتقد العاهرة بتاعتك وجاي هنا عشان تتسلى!

وتراجعت وهي تحدجه بسخطٍ، ويدها تتجه اشارتها لباب غرفتها: اطلع بره يا عمران ومتتخطاش حدودك مرة تانية معايا، أنا صبري نفذ معتش عندي اللي يخليني أنجبر أخضعلك، كنت فاكرة إني برد جزء بسيط من جمايل خالتي عليا بموافقتي بجوازي منك واستمراري فيه.
وبحـ.ـز.نٍ شـ.ـديد استطردت بما يـ.ـؤ.لمها: كنت شايفها عاجزة وأملها كله فيا إني أقدر أغيرك، بس للأسف أنت عمرك ما هتتغير ولا أنا ولا غيري هيقدر يفوقك.

قست نظراته تجاهها، أتمحي حبها إليه الآن وتنسب بقائها لهذا السبب، وخر قلبه بوهنٍ، فكـ.ـسر تعليمـ.ـا.تها ودنى حتى بات قريبًا حد هلاكها، فأحاط وجهها بيديه وهو يستهدف عينيها: بصي في عنيا وقوليلي أنك مبتحبنيش!
مالت برأسها اعتراضًا للقائه الاجبـ.ـاري، فتمسك برأسها مستقيمًا من أمامه وهو يتابع بتعصبٍ: بصيلي وقوليلي إنك متمنتيش في يوم قربي!

تصلبت نظراتها وردد لسانها: لأ يا عمران متمنتش، أتمناك ازاي وأنا شامة فيك ريحة الخيانة والزنا! أنا حتى لو بحبك مش هقدر أديك الفرصة دي لأن لو خنتني بعدها همـ.ـو.ت.

ابتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ وبديه تتحرر عنها، فاخفضت عينيها تبكي أمامه، دارت عينيه بالغرفة، فسقطت على مصحفها الوردي الموضوع على الكومود المجاور لفراشها، تركها واتجه إليه فحمله بين يديه وعينيه لا تفارقه، ثم هم إليها ليضع يده عليه وعينه مسلطة بها: أقسم بالله عمري ما هرتكب الذنب ده تاني ولا هيكون في حياتي ست غيرك.
التقطت منه القرآن الكريم وهي تبعده بغـــضــــب: حـ.ـر.ام اللي بتعمله ده، أنت فقدت عقلك!

كان عاجزًا لا يعلم ما يفعله ليجعلها تثق به، ففرك جبينه بألــمٍ وقد خرت قواه تدريجيًا، تسرب له فكرة جعلته يجذب حقيبة يدها، ليجذب منها جواز سفرها، أسرعت مايسان إليه تراقب ما يفعله باستغراب: إنت بتعمل أيه؟
وضعه بجيب بنطاله ثم حملها بين ذراعيه ليتجه بها لغرفته وساقيها تندفع بعصبية بالغة: نزلني واخدني فين؟ بقولك نزلني!

وضعها على فراشه برفقٍ وقبل أن تصب عليه غـــضــــبها قال: هتسمعيني وبدون ما أتعصب، سفر وخروج من هنا وطـ.ـلا.ق انسي مش هيحصل، وإنتِ أكتر واحدة فهماني وعارفة أني عنيد وطايش وممكن أعمل اللي ميخطرش في بالك، أنا هسيبك تتخطي اللي حصلك النهاردة والضغوطات اللي أنا كنت السبب فيها، هديكي كل الوقت بس وأنتي معايا وقدام عيوني.

زحفت للخلف حتى وصلت للوسادة ولحافة الفراش ومازالت نظراتها تتوزع عليه بـ.ـارتباكٍ، فتركها واتجه للاريكة الموضوعة بنهاية الغرفة، ربعها لتصبح فراشًا صغيرًا وتمدد عليه وهو يخبرها: نامي واطمني أنا مستحيل هعمل شيء إنتي رافضاه، أنا مش حـ.ـيو.ان!

راقبته مايسان باستغرابٍ، بالرغم من الغـــضــــب المشتعل داخلها الا أن الأمر يروق لها، تمسكه بها حرصه على بقائها برفقته حتى لا تهرب بعيدًا عنه، قسمه بأنه لا يقترب من أنثى غيرها بالرغم من ارتكابه ذنبًا الا أنه هدأ من ثورتها.
راقبته مايسان حتى غفلت عينيه، فتمددت على فراشه وعينيها لا تفارفه، تراقبه ببسمةٍ هادئة حتى غفاها النوم هي الاخرى.

أخرج جمال سيارته من الچراچ الخاص بالمبنى، وقادها باحثًا عنها كالمـ.ـجـ.ـنو.ن، اختفى أثرها من أمامه وكأنها لم تتركه منذ خمسةٍ دقائق فقط، ترك سيارته بمنتصف الطريق وهبط يبحث بالجانبين من الطريق، وحينما لم بجدها صعد للسيارة متوجهًا لشقته وقلبه يكاد يتوقف من الخــــوف عليها.
فتح بمفتاحه الخاص وولج للداخل فقابلته عتمة حالكة أكدت لها عدm وجودها ومع ذلك هرع للغرف يناديها بفزعٍ: صبا!

كل غرفة ولجها ولم يجدها بها كان يزداد دوار رأسه، هي غريبة هنا بالمعنى الأوضح ليس لديها سواه هو، شـ.ـدد على خصلات شعره بعصبية وهو يهمس بخــــوفٍ جنوني: روحتي فين يا صبا؟!

وجذب هاتفه يحاول الوصول إليها وهاتفها يرفض استقبال مكالمـ.ـا.ته كأنه يعـ.ـا.قبه عما فعله بها هو الآخر، جذب مفاتيحه وغادر صافقًا الباب من خلفه بقوةٍ كادت باسقاطه، عاد لنفس الطريق وتلك المرةٍ يبحث بعناية وعينيها تدmعان بالدmع الساخن، كلمـ.ـا.تها لا تتركه لتسفح جسده المرتعش فأصبح لا يسيطر على مقود سيارته من فرط ارتباكه.

هبط جمال من السيارة وجلس أرضًا على الرصيف مستندًا برأسه على يديه وهو يحارب تخمينه بأن سوءًا قد مسها هي وجنينها، ربما أقدmت على الانتحارها فما استمع إليه منها يؤكد المعاناة التي خضتها بسببه.
ارتفع رنين هاتفه الملقي على تابلو سيارته، فنهض إليه سريعًا، جلس جمال على مقعده باهمال فور رؤيته اسمها، فحرر زر الاجابة يردد لها بلهفة رغم تباطئ نبرتها التي تشق التقاط أنفاسه المهتاجة: صبا انتي فين؟

أتاه صوت بكائها ورعشتها التي نقلت إليه: جمال بالله عليك تعالى أنا خايفة أوي، أنا مش عارفة أنا فين آآ، أنا همـ.ـو.ت من الخــــوف، متسبنيش هنا لوحدي وحياة أغلى حاجة عندك أنا ماليش حد هنا غيرك.
تحررت دmعته واستكان رأسه خلف مقعده بطـــعـــنة مريرة، فابعدها عن وجهه وقال بثباتٍ مخادع: إشرحيلي مكانك ومتخافيش هجيلك على طول.

ردت عليه وهي تتلفت حولها: أنا مشيت من الشارع اللي جنب العمارة اللي كنا فيها، آآ، أنا في مكان شبه الاستراحة وفي جنبي مكان شبه الماركت وجنب بنزيمة.
تمكن من التعرف للمكان، شغل سيارته وقادها بسرعة ومازال يده تقبض على الهاتف وعينيه مرتكزة على الطريق، صامتًا لا يتحدث وكأنه يجاهد لإن يظل ثابتًا حتى يصل إليها.

صوت أنفاسه المضطربة تصل إليها فتمنحها الأمان بأنه لم يغلق الهاتف بعد، فنادته وهي تستكين على العمود الحديدي المجاور لها: جمال متتأخرش عليا. آآ. أنا بردانه!
أغلق عينيه بقوةٍ ومازال يلتحف بالصلابة والثبات، وصل جمال للمبنى التابع لشقته المشتركة مع يوسف، وانجرف للشارع الجانبي مثلما أخبرته، قاد لدقائقٍ حتى وصل للمكان الذي وصفته، فترك الهاتف وهبط من السيارة يبحث عنها باستراحات الحافلات.

سقطت عينيه عليها، فوجدها تستكين وهاتفها لآذنيها ومازالت تتحدث إليه، تضم جسدها المرتعش بضعفٍ، هدأ من انفعالاته فهو حقًا لا يريد أن يؤذيها يكفيه ما أخبرته به، فاستكمل طريقه حتى وقف أمامها.

نهضت صبا إليه باسمة وهي لا تصدق وجوده، عينيه الحمراء تصلب جسده جعلتها ترتبك، وخاصة حينما تركها واتجه لسيارته يقودها ليصبح من أمامها بصمتٍ جعلها تنخضع للمقعد المجاور له بهدوءٍ، فأعاد القيادة متجهًا لشقتها، وطوال الطريق الصمت يحجرهما، وقفت سيارته فهبطت منها أولًا وصف هو سيارته ولحق بها، فما أن ولج للداخل حتى وجدها تغفو على الفراش بثيابها وتلف الاغطية من حولها.

نزع عنها الغطاء ثم جذب راسخها يجبرها على النهوض، خشيت أن يصفعها لما فعلته ولكنها وجدته يضمها إليه بقوةٍ لم يفعلها يومًا، تخشبت ذراعيها ولم تعلم كيفية التعامل مع وضعه؟

وبصعوبة بالغة أرغمت يديها على وضعهما على ظهره، فزاد تمسكًا بها، تحررت دmعاتها فأفرغت ما منعته عليها وبكت بصرخات أو.جـ.ـعته، انهارت ببكائها داخله ولم يمنعها بذلك، بل شـ.ـدد من ضمه لها وكأنه يود أن يمزق كل عائق وضعه بينهما يومًا، تشبثت به يدها وكأنه أخر أمل لنجاتها، ودmـ.ـو.عها تنهمر على رقبته وكتفه، فجلس بها على طرف الفراش.

مرت نصف ساعة ولم تهدأ انتفاضة جسدها بين ذراعيه، ولم يحاول أن يهدءها، تركها تخرج ما بها خشية من أن لا يصيبها السوء، يكفيها كبت ما يزعجها طوال تلك الاشهر، فما أن شعر بها تستكين أخيرًا على صدره، فمسد على ظهرها وهو يجاهد لخروج صوته، فقال بتلعثمٍ: حقك عليا يا صبا أنا غلطت وغلطي كبير، متعودتش أشيل حد معايا في همي وغـ.ـصـ.ـب عني خليتك جزء منه.

رفعت عينيها إليه بدهشةٍ من حديثه، زوجها غامضًا للغاية، لم يسبق لها سماعه يقص لها عن حياته، حتى أصدقائه وعمله، طالعته باهتمام وجده بحدقتيها، فرفع إبهامه يزيح عنها دmـ.ـو.عها وهو يخبرها بحـ.ـز.نٍ يتعمق داخله: الدنيا مضيقة عليا أوي يا صبا، ماما محتاجة عملية في أسرع وقت والدكتور اللي ماسك حالتها مازال بيأكد عليا بيها كل ما بتروح تتابع عنده، وأنا عاجز يا صبا العملية مكلفة جدًا، لو دفعتها مش هيكون عندي رأس مال للشركة ولا هقدر أكمل في مصاريف تعليم أخويا ولا جهاز مها أختي فرحها متحدد على أخر السنة، أنا عاجز بين اختيارات كلها أبشع من بعض، لو الشركة وقعت مش هقدر ابعتلهم فلوس كل أول شهر ولا هقدر أكمل مصاريف الادوية، فكرت إني أستلف المبلغ من يوسف أو عمران بس مقدرتش أنا متعودتش أطلب حاجة من حد ولا أستغل صداقتي بيهم!

برقت له بصدmةٍ من تحمله كل تلك الأعباء بمفرده، أين كانت مما يواجهه، رفع جمال عينه إليها يستطرد بنـ.ـد.مٍ: مهما كان اللي بواجهه صعب مكنش ينفع أعاملك بالشكل ده وأنسى واجباتي تجاهك.

وتابع وهو يحاوط يديه بوجهها وابتسامته الجذابة تنير وجهه الحزين: بس والله بحبك وفضلتك عن مسؤولياتي، خــــوفت تضيعي مني عشان كده اتقدmتلك على طول ومقبلتش استنى لما أعدي بكل اللي بمر بيه ده، مكنتش أعرف أنك هتتأثري بمشاكلي، حتى لو مكنتش بتكلم، أنا آسف يا حبيبتي.
هزت رأسها ترفض سماعها لاعتذره، وقالت ببكاءٍ وصدmة: كل ده مخبيه جواك وبتواجهه لوحدك يا جمال، أنا اللي آسفة أنا اللي أنانية.

جذبها لاحضانه مجددًا وهو يهمس بصوته الخافت: لأ يا صبا أنا اللي غلطت ولازم تسامحيني.
وطبع قبلة على جبينها وهو يخبرها بصدقٍ: أوعدك إني هعوضك عن كل ده ومش هفارق بيتي تاني.
ورفع وجهها إليه مقتربًا منها بمشاعره المتمردة على عاطفته، فضمته بشوقٍ برحيقها ليغردهما عش غرامهما معًا بعد أن سقط السد المحاط بهما أخيرًا.

قاربت الساعة على الثالثة صباحًا ولم تتمكن من النوم بعد، مازالت جالسة على فراشها تسند ظهرها للوسادة وعينيها هائمة بالفراغ، تتذكر ما حدث معها بمقارنة تذبحها.
وجدته يدنو منها ويده موضوعة على خصرها بجراءةٍ لم تحبذها شمس مطلقًا، فكانت ترسم بسمة مصطنعة بوجوه من أمامها وتلتفت إليه بين الحين والأخر مرددة: راكان إبعد لو سمحت مينفعش اللي بتعمله ده.

منحها بسمة صغيرة ودنى يهمس لاذنيها بانفاسه التي اشمئزت منها: أيه اللي عملته يا بيبي، أمال لو مكناش عايشين في انجلترا!
وتابع وهو يجذب الشال الأبيض المغطي لجسدها العلوي، بضيقٍ: ثم أيه القرف اللي أنتِ لابساه ده، عايزة تداري على جوهرة من الالماس بشال رخيص زي ده!
جحظت مما فعله، فتطلعت للشال الملقي أرضًا بصدmةٍ، ومنحته نظرة صارمة اتبعها حديثها المستنكر: أيه اللي عملته ده الفستان دهره مكشوف!

نفث دخان سيجاره الثمين، قاصدًا أن يطولها: وماله يا بيبي، هو حد هيسيب الجوهرة وشكل الفستان اللي هياكل منك حتة وهيبص على دهرك!
غامت الاجواء من حولها فبدت ترى ذاتها وسط سحابات تحوم بها، تطلعت له وهو يتبادل حديثه مع اصدقائه وكأنه لم يقترف شيئًا بها، فألــمها قلبها لما هو قادm إليها، ترنح لها موقف آدهم حينما أحاطها بالشال الأبيض ليخفي ظهرها في حين أن ما يسمى خطيبها يريدها عارية أمام رجـ.ـال الطبقة المخملية!

تلقائيًا بحثت عينيها عنه بعيدًا وسط رجـ.ـال راكان، وجدته يستند على السيارة ويتحدث لهاتفه، وفجأة رآها تتطلع له بأعين باكية!
أخفض آدهم هاتفه عن آذنيه بدهشةٍ من أمرها، لهفته واهتمامه كانت تنبع بحدقتيه التي تتابعها، انسحبت شمس عن طاولة راكان مبتعدة لركن متواري عن الأعين، فجذبت المقعد وجلست تحتضن وجهها على الطاولة.

لفحتها نسمة هواء عابرة جعلت جسده يرتجف مفتقدًا للشال الذي تركه راكان أسفل الأقدام، ترقرقت عينيها بالدmع وفاضت بما يزعجها، وفجأة احتضنها الشال من حولها، وحينما استدارت كان أملها بأن نخوته أيقظته فعاد إليها، ولكن عادت لتتفاجئ بآدهم يقف قبالتها، فتحرك ليجلس على المقعد المقابل لها متنحنحًا بحرجٍ لاقتحامه جلستها المنفردة: تقريبًا وقع منك.

ورددت بمرحٍ وابتسامته لا تفارقه: وتقريبًا بردو إنك بتهربي من الحفلات المملة يا أما فوق السطوح يا بره!
حدجته بنظرة جـ.ـا.مدة لا توحي بالنيران المشتعلة داخلها، فترقبها آدهم بقلقٍ فشل باخفاءه، فسألها بشكلٍ مباشر: مالك يا شمس حصل حاجة؟
أجلت أحبالها المبحوحة من فرط البكاء: الباشا بتاعك شاف إنه ماليش داعي أبقى محبكاها بالشال، الظاهر إنه عايزني أكون فرجة لصحابه.

تجهم تعابيره بغـــضــــبٍ إلتمسته حتى وإن بدى هادئ، رزينًا، فأعاد ظهره لخلف المقعد قائلًا: متزعليش هتلاقيه متقل حبتين بالمشروب.
وتابع بهيامٍ بها وبكلمـ.ـا.ت دقيقة: مفيش حد يستاهل دmعة من عيونك يا شمس حتى لو كان راكان، متسمحيش إنه يفرض عليكي شيء حتى لو مش حابة تكوني هنا، خدي عربيتك وإرجعي البيت متخلهوش يفرض وجودك بمكان ولبس مش حباه.

عادت من شرودها بدmعاتٍ لم تتركها، وبسمة صغيرة مدونة على شفتيها، خلفها فارس أحلامها وجوارها شخص مفصل بمقاس خاص صنعته فريدة هانم!
رفض العودة للمنزل وفضل البقاء بمكتبه، يكاد رأسه ينفجر من شـ.ـدة الصداع الذي يهاجمه، يحاول جاهدًا الاسترخاء حتى وإن رفض جسده لنصائحه الهامة.

نهض على وإتجه لغرفتها، لا يعلم ما الذي ساقه إليها بذاك الوقت، فقد اقتربت الشمس بموعد اشراقها ومازال النوم يخاصمه، فتح على باب غرفتها واستند بجسده على بابها يتأملها بحـ.ـز.نٍ، كان يريد فرصة واحدة يخفف بها آلامها ولكنها رفضت حتى التفكير بالأمر، نفث ما بداخله وهو يهم بالمغادرة، فأوقفه تأوهاتها المرددة بنومتها، اتجه على لفراشها فوجدها تحارب كوابيسها والعرق يتصبب على جبينها بغزارة.

دmعاتها لا تفارق وسادتها وأصابعها منغرسة بغطاء الفراش بعشوائيةٍ، هرع على للكومود الطبي المجاور لها، فجذب الأبرة يحقنها بالمهدأ وتوقف فجأة حينما تذكر حالة الفزع التي تنتابها فور رؤيتها لها، فجذب الأقراص البديلة وسكبها بكوب ملئ نصفه بالمياه، ثم هزها برفقٍ وهو يناديها: فطيمة، فوقي.
لم تستجيب له ببداية الأمر، فهزها مرة أخرى حتى استجابت له، فوجدتن يقدm لها الكوب وهو يحثها برفقٍ: اشربي.

تناولت ما بيده باستسلامٍ تام، حتى شعرت بـ.ـارتخاء عضلاتها المنقبضة، فوضع على وسادة من خلفها وتركها تهدأ من انفعالاتها رويدًا رويدًا، حتى سكنت تمامًا، فقال ببسمةٍ هادئة: مرضتش أديكي الحقنة واستبدلتها بأقراص عشان بس ت عـ.ـر.في غلاوتك عندي.
ابتسمت رغمًا عنها على كلمـ.ـا.ته، ولزمت الصمت حتى وجدته يعتدل بجلسته قائلًا: لسه مصرة على دكتور غيري؟
وتابع بمزحٍ: مكنتش أعرف أني رزل وتقيل عليكي أوي كده.

تملكها الخجل وهـ.ـر.بت منها الكلمـ.ـا.ت، فكيف ستخبره بأنها لا تجيد الأمان الا في حضرته، كيف تخبره بأنها تنتظره كل صباح بلهفةٍ، كيف تخبره بأنها تغار على الزهرات التي يحضرها لها كل صباحٍ فتود أن لا تلامسها أيد الممرضات ولا أحدٌ سواها.
ربع يديه وهو يتراجع بظهره للمقعد، مستندًا برأسه على طرفه، وقدmيه مسنود على أخر الفراش، قائلًا بشرود: كان نفسي تديني فرصة أثبتلك فيها حبي يا فطيمة.

وعاد يتطلع إليها فوجدها بدأت تستجيب للمهدأ فتحارب جفنيها الثقيل باستمـ.ـا.تةٍ، مال على بجسده على الكومود، ومازال يردد بهمسٍ خافت: أنا عارف إن الموضوع صعب عليكي بس دي الحقيقة أنا بحبك وجاهز أخوض معاكي الحرب اللي بتهربي منها.
وتابع وعينيه بدأت باستجابتها للنوم بـ.ـارهاقٍ: وحتى لو رفضتي حبي هفضل جانبك.
واستسلم للنوم الدافئ الذي هاجمه على الطاولة فأغلق عينيه باسترخاءٍ تامٍ.

مع اشراقة صباح يومًا جديدًا، انتفضت بنومتها حينما استمعت لصوت والدتها المتعصب تناديها: شمس قومي كلميني.
استقامت بجلستها وهي تفرك عينيها بنومٍ يداعب حدقتيها الناعسة: خير يا مامي في أيه؟
جلست فريدة بكنزتها السوداء المنسقة على بلوزة بيضاء وحزامًا من الجلد يطوق خصرها، رافعة شعرها المصبوغ للأعلى، لتحدجها بنظرة مشككة قبل أن تطرح سؤالها: أيه اللي حصل إمبـ.ـارح في حفلة إميلي؟

انقشع لون بشرتها الصافي، وتلعثمت حروفها: مآآ، آآ. محصلش حاجة، حضرتك بتسألي ليه؟!
أظلمت حدقتيها وطرقت على الكومود بغـــضــــبٍ: متكذبيش عليا يا شمس، تالا هانم كانت في الحفلة مع جوزها ولسه قافلة معايا حالًا وقالتلي على اللي عمران عمله في إميلي وألكس الحقيرة، وقالتلي كمان أن مايسان كانت طالعة معيطة وأنا واثقة إنها مستحيل هتتكلم وهتحكيلي شيء، فانطقي وقوليلي أيه اللي حصل إمبـ.ـارح بالظبط وبدون لف ودوران!

انكمشت بانزعاجٍ حينما تناثرت قطرات من المياه البـ.ـاردة على وجهها، فتحت مايسان عينيها بانزعاجٍ، فوجدته يبتسم متعمدًا أن تتساقط المياه من شعره عليها، انتفضت بمنامتها وتراجعت للخلف وهي تصيح به: إنت بتعمل أيه؟
ابتسم وهو يجفف شعره بالمنشفة المحاطة برقبته قائلًا ببرود: خــــوفت تروح عليكي نومة والنهاردة ورانا اجتماع مهم ولا نسيتي؟

ابتلعت ريقها بـ.ـارتباك، فابعدت نظراتها عنه محذرة إياه: متقفش قدامي كده تاني احترم نفسك.
قهقه ضاحكًا وهو يغادر لخزانته فارتدى بنطاله وخرج يزرر قميصه الأسود مشيرًا لها بحاجب مرفوع: إنتِ لسه هنا؟!
ذمت شفتيها بغـــضــــبٍ: ما أنت جبتني هنا بالبيجامة هخرج لاوضتي ازاي وعلى بره؟!
عقد جرفاته مرددًا بغمزة مشاكسة: على في المستشفى خدي راحتك.

أزاحت الغطاء عنها ونهضت على استحياء، فاتجهت لغرفتها سريعًا وأبدلت ثيابها لفستانٍ باللون الأسود، وحجابًا مطرز بفراشات من اللون الوردي، انتهت وهبطت للأسفل فوجدت خالتها بانتظارها وعلى ما يبدو من وجه شمس الواقفة خلف مقعدها بأن هناك أمرًا مخيفًا.
نهضت فريدة عن المقعد وأسرعت إليها تتساءل وعينيها تفترسها: مايا حبيبتي، إنتِ كويسة؟
وتفحصت جسدها بأعين تسعى لاخفاء دmعاتها: حصلك حاجة؟!

ارتعبت فور تخمينها معرفة خالتها بما حدث لها، وخــــوفها الأكبر على عمران، الذي وصلت خطوات حذائه للأسفل، فأصبح أمامهم يردد ببسمة هادئة: صباح الخير يا فريدة هانم.
تركت فريدة يد مايسان واتجهت لتقف قبالته، تضم ذراعيها لصدرها وعينيها تشتعلان بغـــضــــب جعله يسحب أنظاره لشمس التي تترقب ما يحدث ببكاء جعله يتأكد من ظنونه، فقال بخشونة: أنا أخدت حقها من الكلاب دول وأولهم ألكس.

خرج صوتها هادئ غير المعتاد: حق! الزبـ.ـا.لة اللي إنت كنت بتتحداني عشانها كانت عايزة تدmر بـ.ـنتي ووقف تقولي حق!
وقطعت مسافتهما حتى باتت قبالته: تعرف يا عمران أنا كنت فاكرة إن كل اللي بعمله ده هيجيب فايدة وهتتغير بس الظاهر كده إني جيت على بـ.ـنتي بزيادة أوي عشان بني آدm حقير زيك ودلوقتي حالًا هتطلقها أنا مش هسمحلك تضيع مايسان يا عمران مش هسمحلك.
وصرخت بعصبية هزت أرجاء المنزل: ارمي عليها يمين الطـ.ـلا.ق وحالًا.

ارتعش جسدها بعنفٍ وكأن ساقها مرنة لا تصلح لتحملها، لحظة قاسية خاضتها ولكنها تلبست بالصمت لرغبتها بمعرفة اجابته الصريحة، ها هي خالتها تحرره من العلاقة التي ود الخلاص منها، نقلت نظراتها إليه وبداخلها رعـ.ـبًا من سماع اجابته.

انتقل عمران ليجابه والدته ورماديته لا تحيل عنها، صمته الطويل جعل فريدة تتطلع له بدهشةٍ وخاصة حينما مد يده بجيب جاكيته ليخرج منها عدد من الكريدت كارت ومفاتيح، فتح عمران كف والدته ليضعهم بها قائلًا بثبات: أنا مش عيل صغير عشان تجوزيني وتطلقيني بمزاجك، المرادي مش محتاجة تهدديني بشيء، أنا صحيح تعبت في الاسهم الخاصة بشركات بابا الله يرحمه بس هقدر بشركتي أحقق اللي حققته من تاني...

واخفض عينيه وهو يخبرها جملته الاخيرة: أنا مش هطلق مراتي لو انطبقت السما على الأرض، عن إذنك يا فريدة هانم.
وتركها وغادر على الفور، فاستدارت مايسان تراقبه ببسمة ارتسمت على شفتيها رغم الدmـ.ـو.ع التي خانتها، حتى فريدة اعتلى وجهها ابتسامة مريحة زارتها بعد عناء، والآن باتت مطمئنة بأن هنالك أملًا باكتمال علاقة ابـ.ـنتها مايسان بابنها العنيد المشاكس.

عادت الذئاب تحيط بها من جديدٍ، تمزق فستان زفافها الأبيض لتعري جسدها للأعين، توسلت لهم بتركها ويدها الهزيلة تحاول ستر جسدها عن أعينهم، ولكنها لا تمتلك القوة لمحاربة تلك القوة الذكورية، نهضت فطيمة وهي تصرخ بفزعٍ: لأ.
انتفض على بنومته الغير مريحة، فهرع إليها مرددًا بقلقٍ: فطيمة، متخافيش ده كابوس.

استدارت برأسها إليه، لم تصدق أنه ظل لجوارها من الأمس حتى الآن، فأمسكت بيده دون وعي منها ووضعت وجهها الباكي على باطنها، ورددت بلهاثٍ مقبضٍ: علي!

رقص قلبه طربًا لسماع إسمه دون ألقاب حاملة منها، ازدرد ريقها الجاف وهو يجاهد تـ.ـو.تر حركة جسده الذي يرفض التفاعل معها لخطيئة الموقف، لا يود أن يبعدها عنه يود ضمها ولكن لا يجوز له فعل ذلك، بالرغم من عشقه وفرحته العارمة الا أنه كان قويًا فسحب يده منها وجلس محله من جديدٍ وهو يشير لها: اهدي يا فطيمة كل ده كوابيس ملهاش وجود غير في دmاغك أنتِ بس.

بدأت أنفاسها تهدأ رويدًا رويدًا، فاعتدلت بجلستها وهي تراقبه على استحياء، ضم ساقيه لبعضهما وهو يتفحص ساعته، ثم قال بمكرٍ: ها يا فطيمة لسه عايزة تغيري الدكتور؟
أخفت عينيها عنه، وهزت رأسها نافية دون أن تريه حدقتيها، فابتسم وهو يهمس: يعني هتديلي فرصة؟
تطلعت له تلك المرة بعجزٍ تام: بس آآ.

قاطعها بحدةٍ فجأتها: لو موفقتيش عليا هتجوزك غـ.ـصـ.ـب عنك كفايا بقى شهرين تعارف في مصر و8شهور بانجلترا لسه عايزة عشرة أطول من كده.
لعقت شفتيها وتـ.ـو.ترت حركة جسدها وهي تخبره بحياء: خايفة تنـ.ـد.م على قرارك ده.
ردد مستنكرًا: أنـ.ـد.م! فطيمة إنتِ مش فاهمه أنتي بالنسبالي أيه عشان كده أنا عذرك.
تهـ.ـر.بت منه مجددًا وهي تسترسل: هيحصلك مشاكل مع عيلتك بسببي.

جذب المقعد حتى دنى من الفراش متفوهًا: أنا جاهز لأي شيء علشانك، ثم إن محدش له عندنا حاجة، المهم إحنا اللي عايزيه أيه!

ولج عمران لمكتبه بغـ.ـيظٍ يعتليه لما تفعله والدته، ألا يكفيه ما يمر به حتى يجدها بوجهه كالبركان الثائر، استعاد تنظيم أنفاسه وجذب الملفات الموضوعة من أمامه يحاول العمل بتركيزٍ، صب غـــضــــبه القـ.ـا.تل على عمله فظل طوال اليوم يعمل بمكتبه حتى غادر الجميع ولم يتبقى سوى السكرتير الخاص به ومايسان التي مازالت بمكتبها، فجلس يعمل على أخر ملف بعدmا أبلغ العامل بصنع كوبًا من القهوة إليه، فتسلل لمسمع عمران أصواتًا مزعجة أمام مكتبه، فنهض عن مقعده وفتح بابه ليتفاجئ بوجودها بالخارج تود الدخول والسكرتير الخاص به يحاول إيقافها، تقوس حاجبيه بغـــضــــبٍ وانطلق صوته الرعدي: ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟!

تركت ألكس السكرتير واتجهت إليه تخبره بقناع دmـ.ـو.عها الزائف: عمران هناك شيئًا هامًا أريد الحديث معك به.
أغلق عينيه بقوة وهو يهدأ الوحش القابع بداخله، لا يرغب باثارة اللغط حوله بمكان عمله، لذا قال بهدوء مصطنع: تفضلي للداخل.
ولجت ألكس للداخل ببسمة انتصار وكأنها على وشك السيطرة عليه من جديدٍ، بينما أشار عمران للسكرتير: غادر أنت جاك.

انصاع إليه وجمع أغراضه وتوجه للمغادرة لتخلوا القاعة من أمامه فتسنى له رؤية مايسان التي تقف على الباب الخارجي بصدmة من وجود ألكس، بعدmا كانت تستعد للرحيل، فمنحته نظرة منكـ.ـسرة قبل أن تتجه مكتبها.
نفخ بضيق وولج للداخل ليكن بمواجهتها، فهدر بانفعالٍ: يا لكِ من وقحة، كيف امتلكتي الجرءة للقدوم هنا بعد ما فعلتك؟!

رمشت باهدابها ليتساقط عنها دmـ.ـو.ع الأفاعى، فأمسكت معصمه الصلب وهي تتحدث ببكاء: عمران حبيبي لقد أخطأت بحقك، أعتذر لك حقًا، لا أعلم ماذا أصابني كنت أريد أن تتخلص منها حتى يتسنى لنا الزواج.
سحب ذراعه منها وأنفضه وكأن مسه قذارة جعلته مشمئزًا، فغام بعينيه بمكرٍ ساخر: هل سبق لي الحديث عن أمر زواجنا لا أتذكر ذلك؟
جحظت عينيها صدmة، فرددت بصعوبة بالحديث: ماذا دهاك عمران؟ أولست أنت الذي تريد الزواج بي؟

وضع يده بجيب بنطاله ليجيبها ببرود: كنت ذاك الأبله والآن انتهى كل شيء وأوله لقائنا، لا أريد رؤية وجهك القبيح مرة أخرى.
وحدجها بنظرةٍ ثاقبة وهو يقول بانتشاءٍ: بشأن الليالي المقززة التي قضتيها برفقتك سبق لكِ أن تقضيتي حقها.
واستدار مولياها ظهره في نفس لحظة دخول العامل بالقهوة، فانتظر حتى وضعها على سطح مكتبه ثم قال وعينيه تبعد الستائر عن الشرفة الزجاجية: والآن غادري، ولا أريد رؤية وجهك مرة أخرى.

اشتعلت غـ.ـيظًا لما استمعت له، فملأها الحقد والكره الشـ.ـديد وحسرة فقدان المال، نقلت نظراتها لقهوته الموضوعة على مكتبه بنظرة شيطانية، وفتحت حقيبتها مستغلة أنه مازال يولياها ظهره، فجذبت القنطر الصغير بحقيبتها، ووضعت بضعة قطرات ثم غادرت على الفور وهي تردد بهمس شيطاني: إن لم تكن لي لن تكون لغيري عمران!

جابت غرفة مكتبها ذهابًا وإيابًا، لقد أقسم لها بأنه لن يرتكب تلك الفاحشة مرة أخرى، إذًا لما سمح لها بالدخول لمكتبه، قضمت أظافرها بغـــضــــب، واتجهت سريعًا لمكتبه حينما لم تعد تتمالك أعصابها، دفعت مايسان مكتب عمران فوضع قهوته التي ارتشف منها القليل، ليبتسم مرددًا باستغراب: مايا إنتِ لسه هنا!
طافت عينيها المكتب بنظراتها المحتقنة بالغيرة والغـــضــــب، فأعاد ظهره للمقعد وهو يجيبها مبتسمًا بتسلية: طردتها متقلقيش.

ارتبكت من حديثه وجلست قبالته على المقعد الجانبي مرددة وهي تعدل من طرف حجابها دون اكتراث: وأنا يهمني في أيه موجودة ولا لأ، أنا كنت آآ.
راقبها وهي تبحث عن حجة لبقائها حتى تلك الساعة المتأخرة باستمتاعٍ، فنهضت وهي تجذب حقيبتها: أنا فعلًا اتاخرت ولازم أمشي عن اذنك.
وقف وهو يشير لها ببسمته الجذابة: مايا استني أنا كنت بآآ.
ابتلع كلمته متأوهًا بألــمٍ فجأه بحدته: آآه.

التفتت مايسان إليه بلهفةٍ، فوجدته يرتد لمقعد مكتبه ويده تتمسك بجبهته بألــمٍ، هرعت إليه تناديه بهلعٍ: عمران مالك؟!
رد عليه وهو يرسم بسمة صغيرة: الظاهر إني ضغطت على نفسي في الشغل النهاردة.
علي رنين هاتف مكتبه، فضغط على الزر الاوسط وهو يجيب دون رفع السماعه: ألو.
أتاهما صوتها الشامت تجيب: أرى أنك مازلت على قيد الحياة، أوه بيبي كم كنت أشتاق أن أضمك لصدري قبل أن ترحل عني.

جحظت عين مايسان بصدmة جعلتها ترتد للخلف لتستند على الحائط ويدها تكبت فمها الواشك على الصراخ، بينما راقب عمران الهاتف وما يحدث معه باستغرابٍ، وبصعوبة تحدث: ماذا تقصدين؟
أخبرتها بضحكاتها الساخطة: هل أعجبتك القهوة؟ كانت لذيذة أليس كذلك؟
وأغلقت الهاتف وصوت ضحكاتها تغدو أعلى من سابقتها، تحرر صوت مايسان بصعوبة وهي تردد من بين بكائها الحارق: عمران، لأ.

اجتاحه ألــمًا عظيمًا يحتل بطنه، حرارة تطوف ببشرته، فنزع عنه جرفاته وفتح أزرر قميصه وهو ينهج كمن كان بسباقٍ، أصعب ما يـ.ـؤ.لمه أن يلقى حتفه أمامها، وكأنه كتب عليه العـ.ـذ.اب عليها بمحياه وممـ.ـا.ته.
تلبس بسمة صغيرة مخادعة وهو يشير بيده لها: أنا مشربتش القهوة كلها.
استجابت لاشارة يده فدنت منه وهو يستكمل: أنا كويس متقلقيش.

أمسكت يدها المرتشعة بكف يده، وهي تردد بـ.ـارتباك: آآ، أنت شربت منها، آإ، أنت لازم تروح المستشفى بسرعة، آآ. أنا، آآنا. آسفة أنا، أنا.
حاوط وجهها بيده وقد احمر وجهه من فرط حرارته، حتى عينيه اصبحت بلون الدmاء، جاهد عمران لخروج كلمـ.ـا.ته الثقيلة: كان نفسي أعوضك عن كل أذى اتسببتلك فيه، سامحيني يا مايا، سامحيني أنا كنت مغفل ومستحقش حبك ده.

صرخت به وهي تبتعد عنه كليًا: لأ، لأ، إنت مش هتسبني، مش هتسبني يا عمران لأ.
حاول النهوض عن مقعده وهو يراها تتراجع للخلف وتصرخ بجنون، خطى إليها بخطواتٍ غير متزنة ويده تحيط ببطنها المشتعلة، هامسًا بتعبٍ: مايا.

سقط عمران أرضًا بعدmا قطع نصف المسافة بينها وبين مكتبه، رؤيتها لعزيزها المغــــرور متمدد أرضًا جعلها تعود لارض الواقع، فهرعت إليه تسند رأسه إلى ساقيها، تشبث بها عمران حتى استقام بجلسته قبالتها فعاد يهمس لها بو.جـ.ـعٍ: مايا. سامحيني يا حبيبتي سامحيني.
هزت رأسها نافية وهي تصرخ مجددًا ببكاء منفطر: مش هيجرالك حاجة، همـ.ـو.ت يا عمران. آآآ، أنا بحبك.

اغلق عينيه وهو يستند على كتفها هاتفًا بهمسٍ ضعيف: عارف، ومستحقش حبك ده.
وأغلق عينيه وهو يتأوه كلما ازداد به الألــم، فاسندت جسده للاريكة، وأسرعت لهاتفه الموضوع على المكتب وهي تردد بانهيار: علي، هكلم علي.
وبصعوبة بالغة حررت زر الاتصال به ويدها تكبت شهقاتها محاولة عدm التطلع له حتى لا تتـ.ـو.تر بما تبقى لديها لانقاذه، اتاها صوت على الذي يظن أخيه المتصل: عمران أخبـ.ـارك؟

علي. إلحقني يا علي، عمران، عمران شرب سم كانت في القهوة، على أرجوك عمران بيمـ.ـو.ت.
مايا إهدي وفهميني عمران ماله؟!
ببكاء قالت: عمران شرب سم يا علي، وحالته صعبة مش عارفة أتصرف ازاي أنا لوحدي معاه في الشركة، أرجوك.
بالرغم من صدmته الطاحنة ولكنه اجابها سريعًا: حاولي تخليه يرجع اللي شربه يا مايسان وأنا دقايق وهكون عندك متقلقيش.

وأغلق الهاتف سريعًا ليهرع إليهما بعدmا طلب الاسعاف لتكن بطريقها لاخيه وقلبه يكاد يتوقف من فرط الرعـ.ـب.
صنعت مايسان محلول من الملح، وأسرعت تجاه عمران الجالس أرضًا، تضع الكوب على فمه وترجته ببكاء: عمران إشرب ده عشان خاطري.
فتح عينيه بصعوبة وهو يتطلع لما تحمله، فحاول ابتلاعه وما أن ارتشفه حتى أفرغ ما بمعدته، واستلقى أرضًا ينازع بضعف، ومازالت تتمسك به باكية متوسلة: عمران حاسس بأيه؟

فتح رماديته الداكنة وهو يجاهد لالتقاط أنفاسه، فلم يستطيع اجابتها تلك المرةٍ ودفن رأسه بعنقها، مغلق العينين بإرهاقٍ، رفعت مايسان رأسه إليها ونادته بفزع حينما وجدته ساكنًا: عمران، لأ متسبنيش يا عمران.
استند بجسده على الاريكة وصوته المتقطع يصل لمسمعها بصعوبة: غـ.ـصـ.ـب عني يا مايا. غـ.ـصـ.ـب عني يا حبيبتي، أنا آسف.
إسود العالم من حولها، فراقبته بصدmة وهو يغلق عينيه وإتكأت على معصمها على وقفت.

دنت مايسان من مكتبه وعينيها مسلطة على نصف القهوة الموضوعة بالفنجان، دmـ.ـو.عها تموج على وجهها دون توقف، فخـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة لعمران المستند برأسه على طول ذراعه الممدود على جسد الاريكة الجلدية، ورفعت الكوب إليها تبكي بصوت ازداد عن مستواه فجعل عمران يجاهد لفتح عينيه باحثًا عنها جواره حتى وجدها قريبة من مكتبه تحمل هلاك مـ.ـو.تها بين يدها.

ارتعبت نظراته وهو يحلل ما تفعله أمام عينيه، فجاهد ليخرج صوته الهزيل: مايا. لأ، أوعي تعمليها.
عادت لتتطلع إليه لتخبره ببكاء: مقدرش أعيش من غيرك.
حاول النهوض ليمنعها فاختل توازنه وسقط أرضًا ومع ذلك لم ييأس زحف حتى وصل إليها ليترجاها بخفوتٍ: أنا كويس سيبي الكوباية عشان خاطري، بلاش أنا محتاجك جنبي.

وامسك بيدها يجذبها حتى جلست على قدmه فأمسك عنها الكوب وأسقطه أرضًا واحتضنها بقوةٍ وهو ينازع للرمق الأخير، ذراعيه تعتصرها، يجاهد حتى لا يفقد وعيه فتفعل شيئًا جنونيًا بنفسها.

كان يعلم بحبها مسبقًا، ولكنه لم يعلم بأنها تعشقه لتلك الدرجة التي تجعلها تضحي بذاتها لأجله، شـ.ـدد عمران من ضمها حتى استكان على رأسها فثقل جسده عليها، لدرجة بدت هي التي تحمله وليس هو، تنفست مايسان ببطءٍ وتحاول أن تجبر ذاتها على التطلع إليه، فرفعت وجهها إليه فوجدته يسقط أرضًا فاقدًا للوعي، فتحررت صرخاتها التي رجت جسد على المندفع للداخل: عمران!
سكن جسده بين يدها، بعدmا فشل بمحاربة الأغماء الذي أحاطه بقوةٍ، فاستسلم بين يدها وأخر ما يسكن أذنه صوت صراخها ولوعة قلبها بإسمه، احتضن مايسان وجهه بيدها، فلطمه برفقٍ وهي تصرخ ببكاءٍ حارق: عمران، لأ متسبنيش يا عمران من فضلك.
رفع على يده بصعوبة يحرك باب مكتب أخيه الزجاجي، فكـ.ـسر تصنم جسده وركض إلى أخيه يتفحص نبضه، فعاون الممرض على حمله على السرير المنتقل، فأسرعوا به للمصعد.

استدار على إليها فوجدها مازالت تجلس أرضًا والصدmة تجعلها لا تشعر بأحدٍ، لسانها لا يكف عن ترديد نفس الجملة: عمران متسبنيش!
انحنى على إليها بشفقةٍ، فقال: مايا قومي معايا.
رفضت الانصياع إليه وأبعدت يده عن ذراعها، وعادت تكرر نفس كلمـ.ـا.تها وكأن عقلها مغيبًا عن الواقع تمامًا، جذبها على بقوةٍ جعلتها تنصاع إليه، فوقفت ترتجف من أمامه ودmـ.ـو.عها لا تكف عن الزوال.

كونه طبيبًا يعلم بأنها على بوادر إنهيارها، حالتها لا تطمن بالمرةٍ، انشطر قلب على خــــوفًا على أخيه وزوجته التي ترنح جسدها فاقدة الوعي بين ذراعيه، فحملها وهرع للأسفل، قاصدًا سيارته ليتبع سيارة الإسعاق للمشفى، ولسانه لا يغفل عن ذكر الله والدعاء لاخيه بالنجاة.

لم يفارق منزله منذ الأمس، قضى يومه بالكامل برفقتها، في محاولةٍ لتعويضها عما فعله دون قصدًا منه، فمقت ذاته بعد أن تبادلا الحديث طوال اليوم ولحظات جمعتهما أثناء تحضير الغداء، حرم ذاته من نعيمٍ مقدر له فلم يشعر بأنه تزواج الا اليوم، وها هما الآن يشاهدان فيلمًا ويتناولان الذرة سريعة التحضير (فشار)، ويضمها لصدره بمرحٍ لخــــوفها من أحداث الفيلم الرعـ.ـب، فترجته بدلالٍ: إقلب يا جمال عشان خاطري أنا بترعـ.ـب من الأفلام دي.

ضحك وهو يجيبها ساخرًا: هتفهمي إنتي الدmاغ دي ازاي البنات ملهمش في العنف أخركم مسلسل تركي حلقة طبيخ أو مسلسل هندي من اللي ميدخلش عقل عيل في كيجي وان!
لكزته بغـــضــــب فتفادها وهو يضمها بتملكٍ وصوت ضحكاته الجذابة تزرع بسمتها دون تردد، فتوقف وهو يقربها إليه هائمًا بعينيها التي قبض عليها تتأمله بنظرةٍ سحرته، اختطف بضعة لحظات خاصة بهما ليقاطعهما صوت هاتفه الموضوع على الطاولة من أمامه.

ضيق عينيه باستغرابٍ وهو يتفحص الوقت، مرددًا بدهشة: غريبة إن يوسف بيتصل بالوقت ده!
وجذب الريمـ.ـو.ت يخفض مستوى التلفاز، ثم رفع الهاتف يجيبه: أيوه يا يوسف خير في حاجة؟
راقبته صبا باهتمامٍ وخــــوف حينما تحولت ملامحه الهادئة لأقرب لصدmة جعلتها تهمس له بقلقٍ: في أيه يا جمال؟
انتفض بجلسته وهو يصيح بهلعٍ: أمته حصل الكلام ده؟
انتظر لسماع ما يقول بعنايةٍ، وأجابه وهو يركض للغرفة: ابعتلي عنوان المستشفى أنا جاي حالًا.

أسرعت صبا من خلفه، فوجدته يجذب ملابسه من الخزانة ويرتديها على عجلةٍ من أمره، حتى كاد بالتعثر وهو يرتدى بنطاله، فسألته بتـ.ـو.ترٍ: جمال في أيه؟
رد عليها بحـ.ـز.نٍ جعلها تلتمس حبه الشـ.ـديد لاصدقائه: عمران نقلوه على المستشفى، بيقلوا حالة تسمم.
وزرر قميصه بعشوائية ثم جذب مفتاح سيارته ومتعلقاته ليتجه للمغادرة وهو يلقنها بتعليمـ.ـا.ته: اقفلي الباب عليكي كويس، وأنا هبقى أكلمك على الفون.

وقفت خلف الباب تراقبه وهو يتجه للمصعد، فرفعت صوتها إليه قبل أن ينغلق باب المصعد: ابقى طمني يا جمال.
هز رأسه لها وهو يكمل ارتداء جاكيته بالمصعد، فركض لسيارته ليتبع عنوان المشفى المرسل إليه من قبل يوسف.

ركض به فريق التمريـ.ـض لغرفة الجراحه، فأسرعت ليلى التي وصلت للتو بعد اتصال يوسف بها، فوجدته يقف خارج غرفة العمليات جوار علي، فما أن رآها حتى ركض إليها يخبرها بخــــوفٍ: عمران يا ليلى عشان خاطري إبذلي أقصى ما بوسعك عشان تنقذيه.
ربتت على يده بحنانٍ وحـ.ـز.نٌ يتغلبها: متقلقش يا يوسف، خير إن شاء الله.
ولجت لداخل الغرفة راكضة فاتبعها على الذي استعد بالتعقيم ليتبعها هاتفًا: من فضلك يا دكتورة ليلى أنا مش هسيب أخويا.

اكتفت بإشارة صغيرة له ثم هرعت للداخل لتبدأ بتفحص نبضه وتهييء عمران للتدخل الجراحي إن لزم الأمر.
بينما بالخارج يجلس يوسف على المقعد ورأسه ساكنًا بين يديه، فتفاجئ بجمال يرنو إليه بأنفاسه اللاهثة: يوسف طمني على عمران.
أشار إليه ورأسه يعود للأسفل بحـ.ـز.نٍ: لسه محدش خرج من جوه.
جلس جواره هامسًا باختناقٍ: مش هيجراله حاجة، هيقوم إن شاء الله.
رفع عينيه للأعلى وهو يردد بصوته المحتقن: يا رب.

إنت بتقول أيه، لأ مستحيل ده يحصل أكيد في حاجة غلط أتاكد؟
قالها راكان بصدmة استحوذت على معالمه فجعلته أقرب للاصابة بذبحة صدرية، ومن حوله رجـ.ـاله عاجزون عن التدخل بأمره، فما أنا وضع راكان سماعة الهاتف حتى سأله رافاييل شريكه الخفي: ما الأمر راكان، ماذا حدث؟
مال بجسده ليستند على المكتب من أمامه باهمالٍ، وهو يحرر كلمـ.ـا.ته الثقيلة: حجزت الحكومة المصرية على شحنة الأدوية بالميناء قبل دخولها.

جحظت عين الأخير، فصرخ بعدm استيعاب: اللعنة! إن علم الرؤساء بما حدث سنهلك جميعًا، لا تنسى راكان هذه الشحنة الثالثة التي يتم تصديرها خلال هذا العام، لن يقبلوا بخسارة تلك المبالغ الطائلة عبثًا.
وتابع مستنكرًا لما يحدث: وأين رجـ.ـالك الذين يعملون داخل الميناء ما لي لا آراهم، ولماذا تدفع لهم إن لم يقومون بمهامهم؟

جذب الكوب الفارغ وأشار لأحد رجـ.ـاله فسكب له من الخمر، ليتجرعه مرة واحدة ثم ازاح العالق بشفتيه وهو يردد بحقدٍ: رجل من رجـ.ـالي أكد لي بأن هناك ظابط مصري هو المسؤول عن كل ما يحدث.
رفع حاجبيه باستغرابٍ: من هذا؟
أجابه باحباطٍ وهو يسند يديه لجبينه: لا أعلم ولكنه ليس سهلًا بالمرة، يحارب أي شخصًا يورد أدوية فاسدة داخل مصر، حاولت أن أصل لأي معلومة إليه ولكني فشلت حتى بمعرفة إسمه الحقيقي!

امتعضت معالم رافاييل حتى بدى، وكأنه على وشك قــ,تــله: هل تخبرني بأنك عاجز بالكشف عن شرطي حقير يدmر ما فعلناه بعد تلك السنوات! إن كنت عاجز فلتترك لنا مهمة البحث عن رجلٍ أخر يكون منفذنا داخل مصر غيرك!
ابتلع ريقه بتـ.ـو.ترٍ من ازعام الآخر لضعفه وعدm قدرته على التصدي لذاك الشرطي، فقال: سأكتشف من يكون وأعدك بأنني سأقــ,تــله بيدي!

رُسمت بسمة ساخرة على وجه من يراقبهما من الخارج، فتسلل للخارج قبل أن يكشف وجوده أحدًا، ومضى بطريقه لغرفته القابعة بالطابق الأول من المنزل الخارجي بفيلا راكان، فألقى بثقل جسده على الفراش مرددًا بمكرٍ: وريني هتكشفني إزاي وأنا جنبك وسابقك بعشر خطوات!

واستند آدهم برأسه على ذراعه مطلقًا صفيرًا باستمتاعٍ لما يدور من حوله، وهمس بوعيدٍ جعل حدقتيه السوداء أشـ.ـد قتامة: هانت ورقبتك هتبقى تحت رجليا إنت واللي وراك!

الساعات تمضي ومازال قلبها عاجزًا عن الخفق، عينيها المتورمة معلقة على باب الغرفة، بانتظار أي بصيص أملًا يمنحها الــســكــيــنــة، قدmيها تؤلمها بشـ.ـدة وعلى وشك أن تفقد قدرتها على حمل جسدها المترنح، ومع ذلك صمدت قدر المستطاع، اقترب منها جمال وأشار برفق على الأريكة المعدنية القريبة من باب الغرفة: مايسان مينفعش اللي بتعمليه بنفسك ده، ريحي رجلك شوية على الأقل لحد ما يخرج وتطمني عليه.

هزت رأسها بنفيٍ، وباصرارٍ قالت: مش عايزة أقعد، أنا كويسة.
انضم يوسف إليه في محاولةٍ لاقناعها: اللي بتعمليه ده غلط وهيضرك، اهدي عشان صحتك، وبعدين على لسه مطمنا من شوية المفروض تكوني اهدى من كده.
رضخت إليهما بقلة حيلة، فتحركت لتجلس على طرف الأريكة ومازالت عينيها تراقب الباب بدmـ.ـو.ع تغرق وجهها، فما أن انفتح حتى هرولت إليه.

نزعت ليلى الكمامة عن فمها ثم قالت ببسمة هادئة: الحمد لله حالته مستقرة، وشوية وهيتنقل في أوضة عادية.
ضمت مايسان صدرها وكأنه تربت على قلبها النازف، وسألتها بلهفةٍ: طب ممكن أدخله؟
لفت يدها من حولها وهي تحاول أن تطمنها: مفيش داعي، دكتور على جوه معاه وشوية وخارج.
وأحاطتها ليلى وهي تشير لها على غرفتها: ادخلي انتي بس يا مايا ريحي شوية عشان حالة الإغماء اللي عندك متتكررش تاني.

وأشارت ليلى للممرضة التي أتت إليها، فأخبرتها برسمية: اذهبي بالسيدة مايسان لغرفتها، اجعليها تتناول طعامها ودوائها.
أومأت الممرضة في طاعة، واسندتها لغرفتها القريبة من ردهة المشفى، وحينما تأكد يوسف من رحيلها سأل زوجته بشكلٍ صريح: طمنيني يا ليلى، عمران كويس فعلًا؟

ارتسم الحـ.ـز.ن على معالمها فهي تعلم ماذا يعني عمران له، فاستمدت نفسًا مطولًا وهي توزع نظراتها بينه وبين جمال المترقب لسماع ما ستقول، ثم قالت: مخبيش عليك يا يوسف السم اللي أخده خطير بيوقف خلايا المخ والجـ.ـسم كله في أقل من نص ساعة، حظه الكويس إنه مشربش غير كمية قليلة، وكمان مساعدة مايا له بأنه يطرد اللي شربه قلل من الخطورة، بس أنا مقدرش أجزم إنه متضررش غير لما يسترد وعيه، ولو لقدر الله حصل شيء فهيكون بشكل مؤقت لإن الكمية مكنتش كبيرة.

وتابعت برزانة وهي تتابع الدmعات اللامعة بعين زوجها: خلينا منسبقش الاحداث ونستنى لما يفوق.
رفع جمال يده على كتف يوسف وردد: متقلقش عمران قوي وهيعدي منها.
هز يوسف رأسه بخفةٍ، وعاد يتساءل باهتمامٍ: على عرف الكلام ده؟
أجابته بتأكيدٍ: مقدرتش أخبي عنه شيء خصوصًا إنه كان معانا جوه لحظة بلحظة.
وتابعت ببسمة هادئة رسمت على وجهها الأبيض: دكتور على شخص متفهم ودكتور شاطر وعارف إزاي يسيطر على مشاعره.

قاطعهم صوت الباب مجددًا، ليجدوا على يدفع السرير المتحرك برفقة الممرض، فأسرع يوسف وجمال إليه، عاونوه حتى نقلوه معًا لغرفته، فأسرعت ليلى والاطباء بغرس الأبر والأجهزة لجسده المرتخي بين أيدهم باستسلامٍ.

تحرك على لأقرب مقعد قابله بالغرفة، فألقى بثقل جسده وعينيه الباكية لا تفارق وجه أخيه الصغير، ابنه الذي لم ينجبه بعد، على الصامد القوي ليس كذلك إن مس الأذى أفراد عائلته، لا يعلم ماذا سيفعل إن علمت والدته بالأمر.
دنى جمال من السرير، فما أن رأى صديقه هكذا حتى انهمرت دmعاته وصاح بشراسةٍ: أكيد الزبـ.ـا.لة دي ورا اللي حصل خصوصًا بعد اللي عمران عمله فيها يوم الحفلة.

انتبه على لحديثه، فنهض عن مقعده وأسرع إليه متسائلًا: تقصد أيه يا جمال؟
استدار إليه يخبره بحـ.ـز.نٍ: ألكس يوم الحفلة كانت عايزة تدmر العلاقة بين مايسان وعمران، فاتفقت مع اتنين رجـ.ـا.لة يعتدوا على مايسان وتصورهم، وعمران عرف باللي كانت ناوية تعمله بهدلها قدام الناس وقالها تبعد عنه، أكيد هي اللي سممته.
احتدت معالمه غـــضــــبًا، فردد من بين انفاسه المختنقة: حق أخويا مش هسيبه حتى لو كنت في قبري.

وجذب هاتفه ثم خرج يتصل بمسؤول الأمن داخل الشركة، وطالبه بفض تسجيلات الكاميرات وبالأخص مكتب عمران، بينما قام بابلاغ الشرطة التي أتت على وجه السرعة لتحقق بالأمر، استنادًا على شهادة جمال والاطباء وأخرهم بالتسجيلات المطروحة من أمامهم والتي ظهرت به ألكس وهي تضع السم بقهوة عمران، وعلى الفور تحركت الشرطة للقبض عليها.

الليل يجوب بسواده الأفق ومازالت بغرفتها يغادرها النوم تاركها تعاني بمفردها، عينيها الزرقاء تجوب خزانتها بنظرة تحمل الحنين لما يخترق قلبها، حاولة جاهدة البقاء والابتعاد عما بوسوس لها قلبها ولكنه بالنهاية انتصر بمعركتها الخاسرة، فنهضت بآلية تامة تغلق باب غرفتها جيدًا، ثم فتحت خزانتها لتجذب صندوقها الذهبي العتيق.

لامسته فريدة بأصابعها المرتجفة، ويدها تمر على تفاصيله بعنايةٍ وكأنه تحفر داخلها ألف ذكرى، حتى تحرر رافعته، تطلعت لما بداخله بأعينٍ لامعة بالدmـ.ـو.ع، ومع محاولاتها بعدm البكاء الا أنها فشلت كعادتها بحجبها، يكفيها ارتداء قناع جمودها الزائف بالخارج، هي الآن ضعيفة أمام ما تحمله من أوجاع ممسدة بذكرياتها القابعة بيدها.

حملت تلك الزهرة التي أحاطها الزمان فجعلها جافة كجفاء قلبها، مررت يدها عليها وهي تتذكره، رسمت صورة إليه في نفس لحظة لامسها للزهرة، وفجأة انتفض جسدها بعنفٍ حينما ضـ.ـر.بتها كلمـ.ـا.ته التي لا تتركها.
«قصتنا نهايتها كانت في اللحظة اللي طالبك فيها أخويا سالم يا فريدة، إنتِ دلوقتي محرمة عليا حتى لو رفضتيه مستحيل هيكون في شيء بيجمعني بيكِ»
ذكرى أخرى هاجمتها وكل ما يتردد لها سماع جملته بصوته الغائب.

«فوقي من الوهم ده، لا أنا ولا إنتِ هنقدر نواجه العيلة، متنسيش إن جدك ممكن يقــ,تــلك لو شك بس إنك ممكن تسببيله العار. »
مالت على الفراش وهي تكبت آذنيها وخاصة حينما رأت أخر مشهد جمعهما، تذكرت كيف كانت تتوسل إليه وهي تردد ببكاءٍ: أحمد إنت كده بتقــ,تــلني، أرجوك متتخلاش عني، حارب علشاني أنا مش هقدر أقف قصاد بابا وجدي لوحدي، أنا محتاجة إنك تكون معايا وجنبي.

منحها نظرة أخيرة من عينيه الدامعة قبل أن يوليها ظهره بكل كـبـــــريـاء: الست اللي عين أخويا تيجي عليها تبقى محرمة عليا.
جلدتها كلمـ.ـا.ته واخترقت سهام قلبها النازف، استمدت قوتها من العدm ولحقت به حيث محل وقوفه، لترسم بسمة باهتة وبسخرية قالت: هو فين أخوك ده، يعرف أيه عنك وعني!

وتابعت بصراخ أنثى ذُبحت على يد من عشقته من طفولتها: أخوك طول عمره عايش في انجلترا ميعرفش عني حاجة، وأول ما افتكر إنه له أهل نازل وعينه عليا وبدل ما تعمي عينه اللي جت عليا بتتنازل عني بمنتهى البساطة كده يا أحمد، فين رجولتك وفين حبك وغيرتك عليا!
أغلق عينيه بغـــضــــب عصف داخله قبل أن تتشربه بشرته، فقال من بين اصطكاك أسنانه دون أن يستدير لها: امشي من هنا يا فريدة، أنا مش عايز أذيكي بايدي!

هزت رأسها وهي تجيبه بحقد: ماشي يا أحمد، همشي وهوافق على أخوك.
وتابعت بكرهٍ شـ.ـديد: بس أقسم بالله لأكـ.ـسرك وهخليك تتمنى المـ.ـو.ت كل ثانية هكون فيها جنب أخوك، هدفعك تمن السنين اللي قضتها كلها في حبك، هدفعك تمن انتظاري للحظة اعلانك لحبنا قدام جدك والعيلة، هدفعك تمن ضعفك وهروبك، تمن استسلامك وتخليك عني وبكره تشوف.

وغادرت تاركته من خلفها يبكي حتى سقط أرضًا يلتاع من فرط ألــمه، ليته أخبرها الحقيقة وترجاها بأن تتزوج أخيه ربما حينها لن تمـ.ـو.ت باليوم ألف مـ.ـو.تة، ربما ظل قلبها على قيد الحياة.

تدفق الدmع على وجنتها ويدها تكبت شهقاتها خشية من أن يستمع إليها أحدًا، ذكرياتها قـ.ـا.تلة حد النخاع، لدرجة لا تستطيع بها تذكر ما مضى، كل ذكرى تذبح فؤادها وبالأخص بتلك الايام التي قضتها بعد خطبتها من سالم، كانت تحاول بكل طاقتها أن تثير غيرة حبيبها، عله يعود لرشـ.ـده ولكنها كانت تعود بـ.ـنتيجة معاكسة لما تنتظره، كانت هي من تتألــم وليس هو، وما زاد الأمر الا تعلق سالم بها وتحديد يوم زفافهما على وجه السرعة، بعد أن قرر أن تنتقل للعيش معه ومع باقي أفراد العائلة بانجلترا.

حملت فريدة بأصابعها المرتعشة ساعة رجـ.ـالية موضوعة بين أغراض الصندوق، وزجاجة من البرفيوم رفعتها نصب عينيها الباكية لتجوبها لذكرى أسوء يوم بحياتها بأكملها، نثرت البرفيوم على يدها، وقربته لانفها بتأثرٍ، أخر مرة قامت باستخراج محتويات الصندوق منذ خمسة عشر عامًا، وكل فترة تقوم بشمه يكون على فترات متباعدة بعد عدة معارك تخوضها مع ذاتها فتبتعد أعوام وحينما تنتصر تعود للصندوق الذي قذفها الآن لتلك اللحظة، لحظة انتهائها من زينتها وارتدائها فستانها الأبيض، لحظة ركضها لغرفته فولجت خفية من الشرفة بعد أن طالبت الجميع بدقائق تنعزل بها مع ذاتها.

ولجت تبحث عنه بلهفة، فوجدته يقف بشرفته يتكئ على الاريكة المقابلة له وعلى ما يبدو كان يبكي!
صوت أنفاسها العالية جراء ركضها جعله يستقيم بوقفته، لا يريد أن يستدير، يخشى أن يصدق حدسه وتكون أمامه، فتحرر صوتها ليحطم مرآة حقيقته حينما نادته باكية: أحمد.

استدار للخلف ببطء لينغز قلبه دون رحمة وهو يرأها من أمامه بفستانها الأبيض الذي حلم رؤيتها به يومًا تزف إليه، ابتلع ريقه الجاف بمرارةٍ وادعى الجمود لمرته الاخيرة، هاتفًا بخشونة: أيه اللي جابك هنا؟!
الجفاء كان طريق التعامل معهما منذ أخر لقاء وأخر قسم منحته إياه، كانت كل مرة تتصنع سعادتها برفقة أخيه وهو يعلم بأنها تقتص منه، وبين قرارة نفسه يتمنى أن تظل تدعي سعادتها لتحاول قمع و.جـ.ـعه.

دنت منه فريدة قـ.ـا.تلة بداخلها كل ذرة كـبـــــريـاء داخلها، وسقطت أرضًا تتمسك بساقه وتردد بانهيارٍ زلزله: متعملش فيا كده يا أحمد، أنا مقدرش أكون لراجـ.ـل غيرك، أنا حبيتك إنت وأتمنيتك إنت، أبوس إيدك أتكلم ودافع عن حبنا، أحمد أنا لو حد تاني قربلي غيرك همـ.ـو.ت نفسي، أرجوك إتكلم.

كور يده بقوةٍ واستمد عون أنفاسه، فانحنى يجذبها لتقف أمام رمادية عينيه، ثم قال بصوتٍ شبيه للباكي: فات الأوان يا فريدة، اتقبلي الأمر الواقع إنتِ دلوقتي بقيتي مرات أخويا.
تمسكت بذراعيه القابضة عليها ورددت ببكاء: لا يا أحمد لسه معانا وقت، تعالى نهرب عشان خاطري.

جحظت عينيه صدmة مما استمع إليه، فنهرها بشـ.ـدة: انتي مـ.ـجـ.ـنو.نة يا فريدة نهرب فين، مكنتش أعرف انك انانية ميهمكيش غير نفسك وبس، مفتكريش في سمعة العيلة بعد اللي بتفكري فيه ده، مفكرتيش في أختك! مفكرتيش في اخواتي!
وتركها وهو يشير لها بالخروج: اطلعي من أوضتي ومن حياتي كلها وانسيني، انسي إن ليكِ ابن عم اسمه أحمد، إنسيني يا فريدة.

تفادت سقوطها أرضًا ونهضت تتأمله بنظرة محطمة، فقالت بصوتها الخافت: إنت كده حكمت عليا بالمـ.ـو.ت يا أحمد، والله العظيم لو خرجت من الباب ده همـ.ـو.ت.

زاح عنه قناع جموده، فتهاوت دmعاته على وجهه فرأتها لأول مرة وتمعنت بتطلعها إليه عساه يتراجع عن قراره، دنى منها بخطواته البطيئة حتى أصبح قبالتها، فقال بصوته المحتقن من الدmـ.ـو.ع: ارحميني يا فريدة، كفايا عليا كل ده كفايا أرجوكِ، عشان خاطري اخرجي من هنا ومتبصيش وراكِ، انسيني وانسي أي وعد كان بينا، متزرعيش الكره بيني وبين أخويا من فضلك.

وتابع وقد انهمرت دmعاته على خديه: إنتِ أكتر واحدة عارفة الحساسية اللي بينا لاننا مش من نفس الأم أي قرار هتحصل دلوقتي هيتقال إني بأخد حق أمي منهم، من فضلك بلاش أنا ما صدقت إن اخواتي مصطفى وإيمان يعيشوا عيشة طبيعية مش هحرمهم من حقوقهم عشان انانيتي.
تحجرت دmعاتها بعينيها وهي تتطلع إليه مهزومًا، ضعيفًا، يترجاها بأن تنساه وتمضي برفقة أحضان رجلًا غيرها!

جابهته وهي تصيح بقوة جعلته يتابعها بدهشة: موافقة أطلع من هنا واتجوز أخوك وأعيش حياتي بس عندي شرط واحد يوم ما تخلى بيه أنا هخلى بوعدي ليك.
بالرغم من مرارة ألــمه الا أنه تساءل بفضول: شرط أيه؟
تابعت رماديته بنظرة محبة لكل تفاصيله واجلت صوتها مرددة: هتعـ.ـا.قب وهتحمل مقابل أنك تعيش حياتك كلها لوحدك من غير جواز، موافق؟

ترقبته بصبرًا واهتمامًا، توقعت رفضه التام لشرطها المحال، وحينها ستملي شروطها الاخرى، ولكن خاب أملها حينما ابتسم وهو يجيبها: أنا مستحيل هخليكي تعيشي الو.جـ.ـع اللي أنا بعيشه دلوقتي يا فريدة، فاطمني مش هرتبط بأي ست على وجه الأرض.
انزلقت دmعاتها تدريجيًا لسماع كلمـ.ـا.ته، أيعشقها بتلك الدرجة التي تجعله يخشى أن تخوض و.جـ.ـعًا بزواجه بأخرى ويحتمل و.جـ.ـعه الآن وهي تفارقه!

انسحبت الكلمـ.ـا.ت عن لسانها واستدارت عنه واقفة تتطلع لباب الغرفة وكأنه باب مصيرها الأسود، وقبل أن تخطو للخارج عادت إليه راكضة لاحضانه، فبقى متخشبًا أمامها لا يقوى على رفع ذراعيه بالرغم من حاجته لعناقها.
فهمست إليه بدmـ.ـو.ع: احـ.ـضـ.ـني لأخر مرة يا أحمد.
انصاع إليها فرفع ذراعيه يحاوطها باكيًا بتأثرٍ، وفجأة ابعدها بخــــوف، من طفولتهما يخشى أن يلمس يدها، يحافظ عليها أكثر من حياته، والآن ينجرف خلف شيطانه!

ابتعدت عنه واتجهت لمغادرة غرفته وقبل أن تخرج اتجهت للسراحة، فمدت يدها وهو يراقبها، فوجدها تجذب ساعته والبرفيوم الخاص به ثم هرولت من أمامه وكلما ابتعدت سحبت روحه من خلفها، فسقط على المقعد يبكي وهو يصـ.ـر.خ بو.جـ.ـعٍ: يا رررب!

أغلقت فريدة صندوقها وعينيها يملأها الكره، فاعادته لمحله وكأنها تحمل شيئًا منفرًا، ثم عادت لفراشها وهي تبعد هاتفها الذي يحمل رسائله المعتاد لمراسلتها كل فترة، وهي تردد بجحود: اتعـ.ـذ.ب وإتألــم يا أحمد بحق و.جـ.ـعي وقهري عمري ما هسلملك ولا هريح قلبك.

وتابعت ويدها تجذب الصورة الموضوعة على الكومود التي تحمل مايسان وشمس، فقالت وعينيها تراقب مايسان بشفقة: مكنتش عايزاكي تعيشي اللي عيشته يا مايا، بس الحمد لله النهاردة حسيت بالأمل عمران فعلًا بيحبك زي ما توقعت، وبكره هيشوف ده بنفسه وهينـ.ـد.م على معاملته ليكي بس وهو معاه فرصة يقدر يصلح بيها أخطاءه وهتقدري تتقبلي ده، المهم انكم بالنهاية مع بعض!

النهار على مشارفه ومازال يجلس على مقعده جوار أخيه، ينتظر أن يستعيد وعيه بلهفةٍ وخــــوف، لم يمل من مراقبته ولم يغفو له عين، يخـ.ـطـ.ـف إليه نظرة ويعود لزوجة أخيه الغافلة على المقعد المجاور إليه بعدmا رفضت رفض قاطع تركه، كان يخشى أن يحدث لها سوءًا فحينما يجدها تتنفس بصورةٍ طبيعية يجلس باستقامةٍ، فتلصص له صوت همهمة تصدر من عمران، فنهض وإتجاه إليه، ينحني على شفتيه ليستمع ما سيقول، فناداه بصوت واهن: علي.

أجابه بحماسٍ لاستعادته وعيه: أنا جانبك يا عمران سامعني!
هز رأسه وحاول فتح عينيه الثقيلة، راسمًا ابتسامة صافية: حاسس بيك من لما كنت بالعمليات.
طبع قبلة على جبينه ويده المتشابكة بالأبر مرددًا بصوته المتقطع من فرط كبته للبكاء: كده تعمل في أخوك كده، أنا كان هيجرالي حاجة، ربنا اللي عالم أنا واقف على رجلي ازاي؟
أعاد غلق عينيه بتعبٍ، ولسانه يردد: حقك عليا، أنا اللي عملت كده في نفسي لما سمحت لواحدة آآ.

قاطعه بحزمٍ: بلاش تتعب نفسك بالكلام عن الرخيصة دي، الشرطة مسكتها وبيحققوا معاها، مستحيل هتخرج منها بسبب التسجيلات اللي قدmناها.
منحه ابتسامة متشفية وقال: تستاهل.
ربت على كتفه وهو يجذب الغطاء لصدره العاري: ارتاح وبكره هنتكلم.
وكاد بالتراجع لمقعده، ولكنه عاد يخبره بحـ.ـز.نٍ: عمران إنت لو حاسس نفسك كويس هصحي مايا تطمنها عليك لإن حالتها صعبة أوي ورافضة تروح أو ترتاح، نايمة على الكرسي هنا ومش راضية تتحرك.

حاول رفع رأسه ليراها ولكنه لم يتمكن، فرفع على السرير بالقابض المتحكم به، فتمكن من رؤيتها جيدًا، راقب معالمها بنظرة حزينة طـــعـــنها الألــم بنبرته: كانت عايزة تشرب السم ورايا، كل مدى بكتشف إني كنت حـ.ـيو.ان ومغفل.
ابتسم على ومازحه باشمئزاز: قولنالك وأنت مصدقتش.
وأشار وهو يتجه إليها بلهفة: هصحيها. هتفرح أوي.
وإتجه إليها علي، فناداها عن قرب: مايسان، مايا.

حركت رأسها بإنزعاجٍ، حتى بدأ عقلها بالاستيقاظ لمكان وجودها، فانتفضت بجلستها وهي تردد بهلعٍ: أيه يا علي، عمران جراله حاجة؟
ابتعد عن مرمى بصرها لتتمكن من رؤية زوجها وهو بجيب: مهو زي القرد أهو يا بـ.ـنتي استهدي بالله.
اتجهت نظراتها إليه، فابتسمت رغم الدmعات المتدفقة من حدقتيها مرددة بفرحةٍ: عمران!

وهرعت إليه تحتضنه وقد تحرر بكائها، ضمها بذراعه الأيمن، فحاول جاهدًا رفع ذراعه الأخر ولكنه لم يستجيب لحركته رغم حركته الخافتة تحت مراقبة على إليه وقد تسنى له معرفة ما سيواجه أخيه بالبداية، فانسحب بهدوءٍ تاركًا لهما مساحتهما الخاصة.
تنهيداتها كانت تضـ.ـر.ب صدره بعنفٍ وشراسة، فهمس لها بتعبٍ: مايا بصيلي.

استجابت له فرفعت وجهها إليه، فوجدته يبتسم لها وقال بأنفاسٍ ثقيلة: أنا كويس فبلاش تتعبيني بدmـ.ـو.عك دي عشان مش خاطري.
وحذرها بصرامة جاهد لها من وسط سعاله: والا هنادي على يروحك.
هزت رأسها بخــــوفٍ: لأ خلاص.
وأزاحت دmعاتها، فرفع عمران الغطاء وهو يشير لها: اطلعي هنا جنبي.
تلفتت حولها بتـ.ـو.ترٍ: بس على آآ.
قاطعها وهو يجاهد نومه المستجيب للمسكنات: متقلقيش على مش هيدخل علينا.

انصاعت إليه لحاجتها بالبقاء جواره، فوجدته يضمها لصدره فاحتضنته بقوةٍ ألــمت جسده الذي استجاب للنوم سريعًا.
سطعت شمس يومًا جديد، فتسلل ما حدث لعمران لفريدة وشمس والجميع، فأسرعوا للمشفى ومن خلفهم راكان الذي يصطحب آدهم بأي مكان يذهب إليه خشية من أن يتعرض له أحد من منافسيه بعد أن سبق له الدفاع عنه كثيرًا، فاجتمعوا بغرفته جميعًا بحضور يوسف وجمال وسيف.

جلست فريدة على المقعد القريب من فراش ابنها تهدر بغـــضــــب: ازاي ده كله يحصل لابني ومحدش فيكم يكلمني، جاوبني يا علي؟!
رد عليها بهدوءٍ: كنت خايف على حضرتك، فاستنيت لما اطمنت عليه وأهو الحمد لله بخير وربنا لطف بينا.
انفلتت أعصابها بصراخ: ده مش مبرر، أنا مش هعدهالك يا على سامعني!
ومسدت على يد عمران وهي تتساءل بثباتٍ زائف: عمران يا حبيبي طمني حاسس بأيه؟
أجابها ببسمة هادئة: أنا كويس يا حبيبتي متقلقيش.

ربت جمال على ساقه بحنان: شـ.ـد حيلك كده، مش واخد عليك بالوضع ده.
أضاف يوسف ممازحًا ليخف حدة الاجواء بين على ووالدته: عمران شكله كده زهق من خلقنا فقالك أجي أريح هنا يومين تلاته فكره إننا هنسيبه، لمينالك الشلة وهنقضيها هنا لحد ما تقول روحني أنا بقيت زي الحصان.
ضحك وهو يشير له: ماشي يا يوسف بكره تشوف.
دنى راكان منه فوضع باقة الزهور على الكومود مرددًا برسمية متعجرفة: سلامتك يا عمران.

منحه ابتسامة صغيرة مجاملة، بينما تعلقت عينيه بآدهم الذي قال ببسمة بشوشة: حمدلله على سلامتك يا عمران باشا.
ابتسم له بامتنان: الله يسلمك يا آدهم تسلم.

أمسكتها عينيه وهي تتهرب من نظرات راكان إليها، فتسللت للخارج بخفةٍ ظنًا من أن لا أحدًا يراها، فتسلل من خلفها فوجدها تتجه للكافيه الخاص بالمشفى، فجلست على المقعد بحـ.ـز.نٍ تام، نظراته أصبحت تسبب لها اشمئزاز، كانت تود إخبـ.ـار على بأن عليها الانفصال عنه سريعًا، ولكن ما حدث لعمران غير مخططاتها.

فاقت شمس على صوت احتكاك المقعد المقابل لها، تطلعت أمامها فوجدت آدهم يجلس قبالتها ببسمته الهادئة مرددًا بنظرة ماكرة: حسيتك هتنسحبي من جوه وفعلًا شكي كان بمحله.
تعمقت بنظرتها المشتتة إليه، ورددت بحيرةٍ: إنت عايز مني أيه يا آدهم؟
زوى حاجبيه باستغراب: أنا!
استندت بذراعيها على الطاولة وهي تجابهه بقوةٍ: متحاولش تتهرب من اجابة سؤالي.

ونهضت وهي تجذب حقيبتها لتخبره قبل مغادرتها: خليك بعيد عني يا آدهم أنا بسببك بقيت بكره خطيبي ومش شايفاه أساسًا.
نهض قبالتها مربعًا يديه أمام صدره يرد ساخرًا على اتهامها: ملقتيش شمعة لغـــضــــبك وكرهك ليه غيري!
ودنى منها ومازالت تقف قبالته مندهشة من حديثه: بالنسبة لسؤالك فاجابته مش محتاج أتهرب منها يا شمس، سبق وقولتلك إني مبخافش من مخلوق على وجه الأرض.

وانحنى يهمس لاذنيها: إجابة سؤالك هي أني من أول ما عيني وقعت عليكي وجوايا مشاعر مشلتهاش في قلبي لواحدة ست قبل كده.
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ، فمنحها ابتسامة هادئة متابعًا بحديثه: وواثق إن في مشاعر ليا جوه قلبك بتحاولي تداريها كل مرة بقابلك فيها بس عيونك فضحاكِ يا شمس!
وتركها شاردة بكلمـ.ـا.ته وبمصرحته الجريئة وغادر على الفور.

نهضت عن فراشها وأسرعت لنافذة غرفتها تترقب البوابة الرئيسية الخاصة بالمشفى بلهفةٍ وخــــوفٍ، لأول مرة يغيب عن رؤيتها هكذا، المساء قد شارف على قدومه ولم يأتي حاملًا للزهور ككل صباح، ارتعبت فطيمة وبدى عقلها يصور لها أشياءًا كثيرة، كتركه لها وتخليه عن دوام علاجها مثلما طلبت منه.

تهدلت دmـ.ـو.عها دون توقف، كانت تطالبه بالبعد وهي الآن تلوم نفسها وتكاد بصفعها لما فعلته، طوال تلك الشهور كان قبالتها، صباحًا مساءًا، لم يغيب عن عينيها كل تلك المدة.
انتبهت للممرضة التي تنظف الغرفة من حولها، فاتجهت إليها تسألها بلهفةٍ: عذرًا، كنت أود سؤالك أين الدكتور على لم آراه منذ الصباح؟
أجابتها الممرضة بنزقٍ: لا أعلم ربما مشغول مع حالات أخرى.

واستكملت عملها متجاهلة وجودها تمامًا، فجذبت مقعدها قرب الشرفة وجلست تراقب الطريق بلهفة انتظار الصغير لعودة والده!
استجابت مايسان لفريدة وشمس وعادت برفقتهما للمنزل لتغير ملابسها المتسخة، فما أن ولجوا للمنزل حتى صعدت الفتيات للأعلى، بينما اتجهت فريدة للخادmة التي تشير لها على الصالون باشارة أن هناك ضيوف بانتظارها، فاتجهت إليها متسائلة باستغراب: مين؟

أتاها صوت كان محبب لقلبها بيومٍ ما يجيبها: أنا يا فريدة.
التفتت خلفها، فبرقت بعينيها بدهشةٍ ولسانها يهمس بعدm تصديق: أحمد!
من قال إن الفراق يقــ,تــل حب أحاطته الذكريات بالكراهية، حتى وإن شاب الجسد بقى القلب صبيًا مرهفًا، بالرغم من بعد المسافات ورغبتها بالابتعاد، ولكنها والله ضعيفة لا تتمكن من محاربة لقائه!
وإن تغير وجهه قليلًا فمازال يحتفظ برمادية عينيه التي تقــ,تــلها رويدًا رويدًا، وبالرغم من جمود ملامحها باستقباله المعتاد بحياتها بالسنوات الأخيرة ولكن داخلها قلبها يقرع كدفزف حربًا تنشب عليها!

ترك كوب قهوته على الطاولة الرخامية من أمامه، ثم نهض يقترب إليها ببسمةٍ شوقٍ تذبح فؤاده، عينيه وآه من عينيه تكاد تناشـ.ـدها بعتاب لا يزيدها الا و.جـ.ـعًا!

وبكل خطوة دنى بها إليها كان يقذف لها ذكرى تلو الاخرى لدرجة جعلتها لا تتمناه يقترب أكثر من ذلك، ملامحه الهادئة الجذابة، شعره البني المحاط ببعض الخصلات البيضاء، هالته التي مازالت تحيطه بعد ذلك العمر، قبضت على قلبها بنيران عاصفة وقالت بجمودٍ: أيه سر الزيارة الغريبة دي ومن غير ما تسيب خبر إنك نازل انجلترا!

مازالت كما هي، حادة اللسان رقيقة الشكل، تغرد نظراتها و.جـ.ـعًا يذكره بالماضي ما دام حيًا، تنحنح وهو يجيبها بخشونةٍ: مش محتاج إذن عشان أجي بيت أخويا يا فريدة هانم.
علمت بأن الحديث يتجه لمسارًا حاد بينهما، فأشارت للخادmة وهي تمنحها حقيبتها: اذهبي إنتِ الآن.

وما أن رحلت حتى استدارت إليه مدققة بمعالمه، مثقلة نطقها للكلمـ.ـا.ت: لا محتاج تستأذن لإن ده مبقاش بيت أخوك خلاص، أخوك دلوقتي عند اللي خلقه واللي عايش في بيته مـ.ـر.اته وأولاده.
سحب نفسًا مرهقًا، بالرغم من اعتياده على معاملتها البـ.ـاردة الا أنه قد سئم بالفعل، فقال بصوته الهادئ المتعب: وبعدهالك يا فريدة، هتفضلي كده لحد أمته؟

تعلم جيدًا ما يقصده بحديثه، وبالرغم من ذلك ضمت يديها لصدرها ورددت بفتورٍ: كده اللي هو ازاي يعني؟
تمرد عن رزانته حينما صاح بها غاضبًا: فريدة احنا مبقناش صغيرين لعنادك ده، فوقي العمر بيجري وأنا لسه جنبك بواجه عـ.ـا.قبك!

وزفر بضجرٍ مشيرًا بيده في محاولةٍ لاعتذاره عن صراخه الحاد مستطردًا بهدوءٍ: أنا اتحرمت من إني ارتبط ويكونلي أولاد ومازلت محافظ على وعدي ليكي يا فريدة، بس خلاص مبقتش عارف مطلوب مني استحمل أد أيه، أنا بقى عندي 45سنة مبقتش صغير لكل ده.

استدارت تخفي عينيها عنه، لتجيبه بجحود وهو تعدل جاكيته الرمادي الشبيه للتنّورَة الطويلة التي ترتديها بأناقةٍ: سبق وقولتلك قبل كده أن من اللحظة اللي سالم مـ.ـا.ت فيها إني حليتك من وعدك.
واستدارت توجهه بقوةٍ شرسة: يعني من 15سنة كنت تقدر ترتبط وتعيش حياتك، أنا مضـ.ـر.بتكش على ايدك وطلبت منك تستناني!

قبض قبضة يده بشكلٍ مخيف ومع ذلك لم يرف لها جفن، فمرر يده بين خصلاته بانتظام قـ.ـا.تل، ثم دنى ليصبح قبالتها فقال وعينيه تجوه الفراغ لا تقوى على التطلع لها عن قربٍ: مبحبش أشوفك بتكدبي ولما ببصلك مبشوفش بعيونك غير الكدب.

واسترسل وتلك المدة يحدجها بقوة تناهز قوتها ويده تشير للمنزل: من 15سنة جيت المكان ده ووقفت قصاد العيلة كلها وطلبتك للجواز وانتِ رفضتيني بدل المرة ألف مرة، وكل ده ليه؟، ليه يا فريدة جاوبيني ليه قلبك بقى بالقسوة دي! مكفكيش السنين دي كلها بتعـ.ـا.قبيني مكفكيش و.جـ.ـع في قلبي، لسه عايزة تمـ.ـو.تي جوايا أيه تاني؟

تحررت عن رداء ثباتها المخادع، فصرخت بجنون أنثى مجروح قلبها، لا يعرف طريق شفاءه منذ أعوامٍ: و.جـ.ـعك ميجيش نقطة في و.جـ.ـعي، لسه لحد النهاردة مش قادرة أنسى وأنا بتوسلك توقف جوازتي، لسه فاكراك وإنت بتقدmني بإيدك لأخوك، قلبي موجوع منك بشكل عمري ما هقدر أوصفهولك، كل ليلة قضتها في البيت ده كانت عـ.ـذ.اب ونار بتحرقني.

ورفعت اصبعها تشير للدرج المؤدي لغرف النوم: كل يوم كان بيتقفل عليا باب واحد معاه كنت بتكوي وبتمنى المـ.ـو.ت كل ما كنت بشوفه هو اللي جنبي على سريري مش إنت!
تلألأت عينيها لتنفجر بدmـ.ـو.عها المتحجرة، مشيرة برأسها باعتراض متعصب: لا يا أحمد مستحيل هسامحك، ولا هسمح انك تدخل حياتي وتدmرني تاني.
وبسخرية اعتلت بسمتها قالت: مش بعيد لما أديك فرصة تانية أعجب حد من أصحابك المرادي وألقيك بتسلمني زي ما عملتها قبل كده.

فريدة.

طـــعـــنت رجولته بكل ما تحمله معنى الكلمة، جعلته يرمقها بعصبيةٍ بالغة، كل لقاء بينهما يجمعهما نفس العتاب، لا تمل من ذكر الماضي له على مدار تلك السنواتٍ، فخرج عن طور هدوئه حينما صاح بانفعالٍ: إنتي ليه متخيلة إنك الوحيدة اللي كنتي بتعاني! فاكرة إني كان عندي رفاهية الاختيار! أنا كل ثانية كنت بفكر فيها إنك معاه كنت بتقــ,تــل، كل لحظة كانت بتجمعنا مناسبة عائلية كنت بتمنى أتعمي ومشوفكيش معاه، انتي مـ.ـو.تي مرة أنا مـ.ـو.ت ألف مرة وخصوصًا لما كان بيجيني خبر حملك.

برقت بحدقتيها غاضبة تجاهه، ظنًا من أنه سيخوض بكرهه أولادها، فوجدته يخبرها بأعين دامعة: متقلقيش أنا كنت فاكر زيك كده إني هكرههم، بس لما شلت على بين ايديا مكنش في عيوني غير الحب والحنان ليه، كنت بضمه ليا وبحاول أشم ريحتك فيه، كنت بتمنى إنه يكون مني وإسمي هو اللي ورا اسمه.

واستدار يوليها ظهره يذيح دmعة كادت بفضح ضعفه أمامها، فوجدها تصفق بيدها وهي تدنو لتصبح هي بمقابلته لتشير له ببسمة ساخرة: برا?و ابتديت اقتنع إنك الضحية فعلًا، ده أنا شكيت إن أنا اللي دوست على قلبك وروحت اتجوزت أخوك غـ.ـصـ.ـب عنك!
واسترسلت باستهزاء: ما كله كان بالاتفاق يا أحمد باشا ولا نسيت؟

ابتسم بجابهه برأسه المصلوب وجسده الممشق، واضعًا يده خلف ظهره وهو يجيبه برتابةٍ: لا منستش يا فريدة، بس إنتِ اللي شكلك نسيتي إن أحمد اللي حبتيه عمره ما كان أناني، أحمد اللي اختارتيه حبيب من طفولتك كان جواه شرخ كبير وو.جـ.ـع بيطارده كل ما بيشوف أخواته بيعانوا لمجرد إن أبوه كان بيتسلى في فترة اجازته اللي بيقضيها بمصر فقرر يتجوز واحدة يقعدها مع والده عشان تسليه وقت ما يسيب انجلترا، أحمد اللي حبتيه كان بيدفع تمن إنه ابن الزوجة التانية وعاش عمره كله يدفع التمن ده، حتى بعد ما مرات أبوه اكتشفت بجوازه، فقررت تعيشه هو واخواته في معاناة أكبر ولولا وجود جدي كان زماني أنا واخواتي في الشارع، وبعد السنين دي كلها يحسن سالم العلاقة دي ويبتدي اخواتي يعيشوا عيشة طبيعية أجي بانانيتي وأقف واتحداه!

تدفق الدmع على وجنتها لتجيبه بقسوة: لا تسلمه حبيبتك!
دفنت وجهها بين يديها تذيح دmـ.ـو.عها، والتقطت أنفاسها وهي تخبره بجمود: مبقاش له لزمة الكلام دلوقتي، خلاص اللي فات مستحيل هيرجع، وسالم دلوقتي بين إيدين ربنا.

ورفعت عينيها إليه تخبره بألــمٍ: متجنيش على روحك بالانتظار يا أحمد، أنا معملتهاش وأولادي صغيرين معنديش الجرءة أعملها وهما رجـ.ـا.لة وعلى وش جواز، اخرج من هنا اتجوز وخلف وعيش حياتك، إنت مش كبير أوي وألف ست تتمناك.
رنا إليها بانفاسه اللاهثة من فرط غـــضــــبه المكبوت: مش عايز غيرك، إنتِ عندي بكل ستات الدنيا كلها يا فريدة! قلبي رافض ينبض لغيرك! كل حتة جوايا عايزاك إنتِ!

وبرجاء مرهق قال: من فضلك إرحميني من الأثم اللي عايش فيه بسببك!
وتابع في محاولته البائسة: على وعمران بيحبوني وبيحترموني هيتفهموا الموضوع ومحدش هيعارض الجواز ده صدقيني.
انهمرت دmعاتها وهزت رأسها مجبرة لسانها على الحديث ببكاء: إنت ليه مش عايز تفهمني، أنا مش عارفة أثق فيك تاني يا أحمد؟

وإتجهت لأقرب مقعد تجلس عليه حينما انهارت قوتها، فبكت بانكسارٍ جعله يتابعها بصدmة من سماع كلمـ.ـا.تها، ليته مـ.ـا.ت قبل أن تطـــعـــنه بكلمـ.ـا.تها القـ.ـا.تلة.
تزيد من و.جـ.ـعه مجددًا وقد سئم منه الألــم وفاق حد تحمله، أغلق عينيه بقوة يحاول محاربة ما يعتريه بتلك اللحظة من أن لا يندفع تجاهها ويضمها إليه، ولكنه ليس بحاجة لارتكاب هذا الذنب يكفيه أثمه الأعظم بالتفكير بها!

انحنى على الطاولة يجذب علبة المناديل الورقية، ثم اقترب يضعها جوارها، فسحبت منه تجفف دmـ.ـو.عها، بينما اتجه للاريكة المقابلة لها، يجلس بهدوء رزين وكأنه لم يحاورها بما يـ.ـؤ.لمه منذ قليلٍ، فحرر زر جاكيته بذلته وإتكأ على ساقيه ناظرًا للأسفل وهو يسألها بجمود ارتدى قناعه: أخبـ.ـار الاولاد أيه؟ هما فين من ساعة ما جيت مشفتش حد منهم؟

وضعت ساقًا فوق الأخرى، واستعادت جلستها تجيبه: عمران في المستشفى وعلى معاه، وشمس فوق في أوضتها.
برق بعينيه بدهشة مما استمع إليه، فقال: في المستشفى ليه، أيه اللي حصل؟ وليه مبلغتنيش!
أجابته وهي تتحاشى التطلع إليه: ألكس حاولت تسمه بعد ما حاول يبعد عنها.
واستكملت وعينيها تشرد بالفراغ: هو كويس دلوقتي الحمدلله.
استقام بوقفته يغلق زر جاكيته متلهفًا: في مستشفى أيه أنا هروحله.
عمي!

صوتًا غامضًا اقتحم مجلسهما، فاتجهت نظرات أحمد إليه، مرددًا ببسمته الجذابة وهو يفتح ذراعيه إليه: على حبيبي وحشني أوي.
مال على برأسه على كتفه يحجر نظراته الساهمة، وحينما أخرجه أحمد من احضانه منحه ابتسامة رسمها بالكد وهو يجاهد ما يعتريه الآن، فأجلى صوته بصعوبةٍ: وإنت كمان وحـ.ـشـ.ـتني أوي، بتمنى السفرية المرادي تكون طويلة لإن الوقت اللي بنقضيه مع حضرتك مـ.ـيـ.ـتشبعش منه.

ربت على كتفه بحنان وهو يخبره: اطمن عندي شغل هنا مش هيخلص الا بعد كام شهر، لإني هفتتح فرع لشركتي مع مؤسسة كبيرة هنا.
كانت نظرات على مبهمة تجوب والدته تارة وعمه تارة أخرى، لدرجة جعلته بتساءل بقلقٍ من صمته الغريب: على إنت كويس؟
ضم مقدmة أنفه وهو يخرج زفيره: أنا بس منمتش كويس، هطلع أخد شاور وهرجع لعمران الدكتورة كتبتله على خروج بليل.
هز رأسه بتفهمٍ، وقال: اطلع خد شاور وفوق وأنا هرجع الاوتيل هغير وهحصلك.

اعتلاه الضيق وفاض به: المرادي مش هسمحلك تنزل بأوتيل يا عمي، وسبق ونبهت على حضرتك أكتر من مرة ومعرفش سبب اصرار حضرتك إنك تفضل باوتيل وبيتك موجود.
اتجهت عينيه لفريدة التي انقشعت معالمها غاضبًا، فخشى أن تعود للشجار بينها وبين على كالمعتاد حينما يصر بجلوسه هنا، فقال برزانةٍ: معلش يا على سبني براحتي، أنا برتاح في الاوتيل.

تلك المرة كان مصر اصرارًا غريبًا، فقال وهو يدنو من الدرج: مش هيحصل، هطلع حالًا أغير وأجي مع حضرتك تجيب الشنط قبل ما نروح المستشفى.
وتركه بتطلع لأثره وصعد للأعلى، فدmت فريدة شفتيها بغـ.ـيظٍ مما يحدث لها، ولكنها لم تكن تحمل طاقة الشجار والحديث يكفيها كل تمر به بداية من يومها العصيب.

وجدها أحمد صامتة مستكينة على غير عادتها، فدنى يجلس جوارها وهو يهمس بصوته المنخفض: متقلقيش هقنعه واحنا في الطريق ومش هخليه يعمل كده.
رفعت عينيها إليه بـ.ـارتباكٍ إلتمسه برفرفة جفونها، فجاهدت لخروج كلمـ.ـا.تها الثقيلة: ل، لأ. تعالى اقعد هنا، آآآ، أنا محتاجة لوجودك الفترة دي.
وسرعان ما بررت حديثها وهي تنهض من جواره: عمران مشاكله كترت وأنا وعلى مبقناش قدرين نحل معاه، هو بيحترمك وأكيد هيسمع منك.

نهض ليقف على محاذاتها، مرددًا بفرحة وكلمـ.ـا.ت تنبع من صمام قلبه: أنا جنبك ومستحيل أتخلى عنك لأخر نفس خارج مني، وقولتلك قبل كده يوم ما تحتاجيني هتخلى عن دنيتي كلها عشانك يا فريدة.
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر، جعلها تتهرب من أمامه مرددة بتلعثمٍ وهي تتجه للمصعد: عن إذنك. هطلع أشوف شمس.

ابتسم وهو يراقب دلوفها للمصعد، فمنحها نظرة أخيرة قبل أن ينغلق الباب بينهما، فصعدت عينيه عليه وهو يصعد بها للطابق الثالث، فابتسم هامسًا: اهربي على قد ما تقدري أنا مش بمل ونفسي أطول مما تتخيلي!
ألقى بجسده أسفل الدوش مستخدmًا المياه البـ.ـاردة عوضًا عن الساخنة بمثل هذا الطقس، عل تلك البرودة تشل عصبة تفكيره.

فتح على عينيه على مصرعيها وهو ينهج بصعوبة أسفل المياه، ليردد بصدmة مازالت تستحوذ عليه: معقول عمي وماما!

أغلق عينيه بقوة تحرر تلك الدmعة التي أججت حدقتيه، يتذكر كيف جلدته سماع حديثهما دون قصدًا منه، بعدmا استأذن بالانصراف من المشفى ليبدل ملابسه ويخبر مايسان بأن تحمل ملابس نظيفة لعمران بعد أن أكدت الدكتورة ليلى خروجه، فما أن ولج الداخل حتى سمع صراخ والدته القادm من غرفة الصالون، وكلما خطى لمعرفة ما أصابها كانت تتوقف قدmيه غير قادرًا على استكمال طريقه صدmة مما يستمع إليه، وخاصة حينما فاض عمه بما كبت داخله.

كان يشك بأن هناك شيئًا يخفيه عمه وراء نظرات حنانه له ولوالدته، وظل سبب عذوبيته لتلك السنوات السر الأعظم بين طوائف العائلة، والجميع يجزم بأن هناك سيدة تحتل قلب عمه الغالي، وها هو الآن يعلم عن تلك السيدة ما يجعله يئن و.جـ.ـعًا!

لم يرفض قط أن ترتبط والدته مجددًا خاصة بأن أبيه توفى وتركها صغيرة للغاية تحتمل مسؤولية ثلاث أطفال بمفردها، تذكر كيف تقدm لخطبتها أبناء عم أبيه حتى أخوه الشقيق القابع هنا بانجلترا ولكنها رفضت الجميع، وبالرغم من انزعاجه صغيرًا الا أنه تمنى من كل قلبه أن تقبل عرض زواج عمه أحمد حينما طالبها بذلك.

الوحيد الذي تمناه أبًا له، ولكن مع رفض والدته تيقن بأنها لا تود الارتباط مجددًا، ومع ذلك كلما تقدm أحدٌ لخطبتها كان يحاول اقناعها بذلك معللًا بأن لا تشعر نفسها بذنب مسؤوليتهم فلم يعدوا أطفالًا صغارًا.
خرج على من الحمام متجهًا لخزانته بآلية تامة، فجذب الملابس يرتديها شاردًا فإن كان لا يحتمل لوعة حب فطيمة لعامٍ واحد كيف تحمل عمه كل تلك الأعوام!

بالطبع إنه لعاشق وقد فاق عشقه ما استشهدته قصص العشق بالاساطير، يعلم بأن ثمة و.جـ.ـعًا داخله تجاه أبيه الذي عاش مع امرأة كان قلبها لاخيه ولكن ما فائدة العتاب والافتراضات لقصة انتهت منذ أعوام.
أغلق جاكيته الجلد الأسود، ومشط شعره وهو يردد باصرار: أنا اللي هجمع بينكم من تاني، وعد!

وضعت هاتفها جانبًا بعدmا قامت بوضعه صامتًا أمام نظرات والدتها المتفحصة لها، والاخيرة تمرر عينيها ببطءٍ عليها في محاولةٍ لفهم ما يحدث مع ابـ.ـنتها الصغرى، فعاد الهاتف يضيء من جديد حتى وإن كان صامتًا، فلمحت فريدة اسم المتصل والاخيرة تنهي الاتصال، فقالت بشكٍ: إنتِ اتخانقتي مع راكان؟
هزت رأسها نافية، فعادت فريدة لسؤالها من جديدٍ: طيب ليه مش بتردي على مكالمـ.ـا.ته؟

ابعدت شمس غطاء الفراش عنها، ثم زحفت حتى وصلت لاخر الفراش تخبرها بتـ.ـو.تر: مامي أنا مش مرتاحة لراكان ولا قادرة أحبه ولا أتقبله في حياتي، حساه مختلف عني ومفيش بينا حاجة مشتركة وآ.
قاطعتها فريدة بصرامةٍ: كل ده قدرتي تحدديه من شهر خطوبة!

ونهضت عن الفراش تصيح بها بعصبية كانت تشتعل داخلها قبل الصعود لها: بلاش دلع وكلام ماسخ، إنتِ مش هتحكمي عليه من 30يوم! أنا فاهمه وواعية أكتر منك ومتأكدة من اختياري، راكان شخص لبق ومناسب جدًا ليكي.
وجذبت هاتفها الموضوع على الكومود تعيد فتحه، ثم قدmتها لها بغـــضــــب: دلوقتي حالًا هتكلميه وهتعتذري عن عدm تقديرك لمكالمته ومش عايزة أسمعك بتقولي الكلام العبـ.ـيـ.ـط ده تاني، سامعة؟

هزت رأسها وهي تكبت دmعاتها بصعوبة، ففتحت الهاتف تجيب على رسائله تحت نظراتها المراقبة، لتخبرها بعد دقائق من محادثته: عايزني أتغدى معاه بره.
هزت رأسها تخبرها وهي تتجه للخزانة: ردي عليه إنك موافقة، وتعالي أختارلك لبسك اللي هتروحي بيه ما أنا عارفاكي ذوقك بقى في النازل!

تحررت تلك الدmعة عن عينيها وراقبتها وهي تتفحص الملابس بخزانتها بنظرة مقهورة، فنهضت بصعوبة تلتقط ما وضعته والدتها على الفراش ودلفت للمرحاض تبدل ثيابها بجمود اعتادت عليه كلما أمرتها بشيء!
كده أحسن؟

سأله جمال وهو يحاول أن يعدل السرير الطبي لعمران الذي أشار له بخفة، بينما جذب يوسف الطاولة البيضاء يضع الطعام من أمامه قائلًا: يلا اتغدى عشان معاد الأدوية، مش عايزين دكتورة ليلى تتضايق مننا الله يبـ.ـاركلك العملية مش ناقصة.
أضاف جمال بفزع: كله كوم وغـــضــــب دكتور على كوم، هيحبسنا في العباسية، كل ياض خلص كل الأكل مش عايزين مشاكل مع دكاترة الوسط.

ابتسم وهو يراقبه يقرب ملعقة شوربة الخضار منه، فمال برأسه جانبًا بتقزز: مبحبش الأكل ده قولتلكم كذه مرة، اقــ,تــلوني ومتأكلونيش خصار ني!
دفع يوسف الملعقة بطبق الشوربة حتى وقعت محتوياتها على الصينية واضعًا يديه بمنتصف خصره بنفاذ صبر: وبعدين بقى، ده ناقص ارقصلك عشان تأكل؟!
أبعده جمال للخلف وهو يتحكم بضحكاته بصعوبة: طب وسع كده إنت يا جو وسبني أحاول معاه.

وزع عمران نظراته الساخطة بينهما، مرددًا: تحاول معايا! انتوا ليه محسسني إني عيل صغير خفوا عليا وارجعوا شغلكم أحسن!
جذب يوسف جاكيت بذلته ليضعه على ذراعه وهو يشير بشراسة: تصدق إني غلطان، ده أنا سايب حالة ولادة قيصرية وجاي أبص عليك يا حقير.
ضحك بصوته الرجولي، ونظراته تحيط بجمال المبتسم متسائلًا: وإنت سايب أيه إنت كمان؟
استند بذراعيه على جسد الاريكة باسترخاء: لا أنا مخلص شغلي وفاضيلك.

انتهى يوسف من ارتداء جاكيته، ودنى من عمران يتساءل بجدية: ساعتين وراجعالك، مش عايز حاجة أجبهالك وأنا جاي؟
هز رأسه ببسمة صغيرة: خيرك سابق يا حبيبي، تسلم.
ربت على ذراعه بحبٍ وكاد بالمغادرة حينما وجد زوجته تدلف للداخل بردائها الطبي، وحجابها الأبيض الذي زاد من جمال بشرتها النقية، فتراجع للخلف وهو يغمز بمكر: أنا بقول أقعد معاك النهاردة يا عمران شكلك تعبان ومحتاج لوجودي جنبك.

قهقه ضاحكًا وهو يتابع بسمة ليلى التي اتجهت لتفحص عمران متجاهلة إياه، ووجهت حديثها لعمران: خلي صاحبك يروح يشوف شغله يا بشمهندس احنا موجودين ومش محتاجين لخدmـ.ـا.ت دكتور النسا والتوليد!
ردد جمال مازحًا: يا رب تتحرج وتمشي شكلك مبقاش له ملامح!
ذم شفتيه ويده تمر على لحيته الكثيفة موجهًا حديثه لجمال بينما عينه تقصدها: ماشي يا جيمس مصيرك تقع في إيدي ويجمعنا بيت واحد بعد الدوام.

ردد عمران بحزمٍ ضاحك: بره يا متـ.ـحـ.ـر.ش بدل ما أطلبك الآمن.
تعالت ضحكاتهم جميعًا، فأشار لهم يوسف وغادر على الفور، وما أن تأكد عمران من مغادرته حتى تطلع لها قائلًا بثباتٍ: صارحيني يا ليلى أنا متقبل كل شيء متقلقيش.
ارتبكت أمامه وكذلك فعل جمال، فتابع ببسمته الهادئة وعينيه لا تفارق ذراعه الأيسر: أنا مش حاسس بايدي ورجلي من امبـ.ـارح ومازلتي بتقنعيني إن ده بسبب تأثير المـ.ـخـ.ـد.ر، وأنا بحاول أصدقكم كلكم بس آ.

قاطعته ليلى حينما قالت: مسألة وقت يا عمران لحد ما السم ينطرد من جـ.ـسمك بشكل نهائي، يعني ممكن بعد مداومة الجلسات ايدك ورجلك الشمال تتحرك بعد اسبوعين وممكن أقل إن شاء الله، فمتقلقش.
هز رأسه بتقبل، وهو يخبرها ببسمة صغيرة: شكرًا ليكِ يا دكتورة، تعبتك معايا.
أجابته بحـ.ـز.ن: تعب أيه بس، ده انت زي أخويا، كفايا معزتك عند دكتور يوسف إنت وجمال.

رد عليه وقد استكان بعينيه على جمال الذي يضع الوسادة من خلفه: ربنا يديم الود بينا.
وقفت سيارة على أمام المنزل، فهبط لصندوق السيارة يجذب الحقائب بعدmا عاد برفقة أحمد مجددًا للمنزل، هبط أحمد خلفه يعاونه بحمل الحقائب فاعترض على باحترامٍ: أنا هطلعهم لوحدي يا عمي، اتفضل حضرتك بالعربية وأنا دقايق وراجعلك.
منحه ابتسامة لطيفة واتجه للسيارة مثلما طلب منه، لينطلق على به للمشفى.

شعر أحمد بأن هناك أمرًا ما به، صمته كان غير طبيعيًا بالمرة، فاستدار بجسده تجاهه ثم قال بريبة: مالك يا علي؟ من ساعة ما ركبنا العربية وإنت ساكت طول الوقت، طمني إنت كويس؟
منحه بسمة صغيرة، ليكبت داخله هذا الو.جـ.ـع الغير مبرر، فقال وعينيه مصوبة على الطريق: أنا بخير والله، بس اللي حصل لعمران ملخبط دنيتي شوية.
هز رأسه بتفهمٍ، وابتسم وهو يسأله باهتمامٍ: طيب وفاطيما أخبـ.ـارها أيه؟

ذكره لاسمها استرده شوقه الهائم بها، لم يراها منذ الأمس وها هو الآن يمتنع عن الذهاب للمشفى لحاجة أخيه إليه، خرج من شروده وهو يخبر صديقه الجيد بسماع مشاعره دون كللًا أو ملل: صارحتها بحبي وعرضت عليها الجواز.
زوى حاجبيه بدهشةٍ: مش حاسس إنك أخدت الخطوة دي بدري شوية؟!

تفادى الطريق لينحدر للجانب الأخر، فتوقف عن القيادة محررًا حزام الآمان من حوله: حسيت إني مقيد يا عمي، محتاج أكون موجود جنبها أكتر من كده، أنا عايزها جنبي. عايز أعوضها عن كل اللي شافته ومش قادر غير لما تكون مراتي.
ابتسم وهو يراقب العشق يظلل بجناحيه على ابن أخيه، فتغاضى عن تلك النقطة بنقطة أخرى: طب وردها كان أيه؟
التفت إليه بحـ.ـز.ن جعله يقود سيارته مرة أخرى مرددًا بنزقٍ: عايزة تغير الدكتور.

تمعن أحمد به قليلًا ثم انفجر ضاحكًا بشكلٍ جعل الاخير يضحك، ليشاكسه من بين ضحكاته: الحب عـ.ـذ.اب ولوعة وحيرة يا أبو حميد.
اسند رأسه للنافذة ليثيره ساخرًا: وأيه كمان يا عبد الحليم يا حافظ!
لعق شفتيه يخبره بمكرٍ: مش ناوي تقولي بقى مين الصاروخ الجوي اللي مكـ.ـلـ.ـبشك طول السنين دي كلها ومخلية الصحافة مالهاش سيرة غير أحمد غانم الاربعيني الأعزب!
احتدت نظراته إليه، ليردد بصرامةٍ: ولد!

ضحك وهو يشير له بإبهامه، فصاح الاخير: نسيت اني عمك وليا احترامي ولا أيه! شكلك كده يا دكتور هتقلب على عمران المشاكس وده مش معتاد منك.
أجابه على الفور مدعي البراءة: بتشبهني بعمران! ظلمتني يا عمي، ده أنا عفيف ومحترم وصاين نفسي لبـ.ـنت الحلال!
علي كده بقى أنا سلطان العفة والعفاف!
رمش بعينيه بصدmة، فعاد يتطلع إليه وفجأة انفجر كلاهما من الضحك.
بالمشفى.

طرقت الباب وحينما استمعت لصوته يأمرها بالدخول ولجت مايسان للداخل، استقبلها ببسمته الجذابة فارتبكت وهي ترفع الحقيبة إليه: جبتلك الهدوم زي ما طلبت من علي.
ودنت تضعها على الفراش، ثم اشارت بخجل: تحب أساعدك تخش تغير بالحمام ولا أخرج وتغير هنا.
ذم شفتيه بمكرٍ: مش عارف، بس أنا مش قادر أحرك ايدي ورجلي الشمال بحركهم حركة بسيطة.

وصمت بخبث يفكر في حلٍ لتلك المعضلة: خلاص اخرجي ناديلي واحدة من الممرضات تيجي تساعدني.
وأضاف ببسمة واسعة تفنن بجعلها عاطفية: في ممرضة اسمها آشيلي برتاحلها ايدها خفيفة فيفضل تكون هي.
احتدت عينيها بنظرة لو كانت حية لكان في عداد مـ.ـو.تاه الآن، فاتجهت للحقيبة تجذب بنطاله والتشرت الصوف للفراش، ثم جذبت الجاكت تعلقه على ظهر المقعد.

أزاحت عنه الغطاء وعاونته على الاستقامة بجلسته ممددًا قدmه خارجه، ورفعت يدها تحاول فك زر قميصه، ارتجفت يدها أمامه وكأنها تحاول ارغام ذاتها على السرقة وإرتكاب المحرمـ.ـا.ت.
ابتسم عمران وهو يراقبها باستمتاعٍ، احداهن خلعت توب الحياء فكانت تتقرب منه بطريقة مخجلة، والأخرى زوجته حلاله تخشى أمامه وكلما تعلقت عينيه بها يصطبغ وجهها كالحمرة!

وللأمانة يروق له حيائها فيشعر بأنها ثمينة غالية، غير تلك الرخيصة التي جعلته يكره ذاته بعد كل خطيئة جمعتهما.
رفع عمران يده يثبتها على أصابعها المرتجفة وعينيه تعانق خاصتها مردفًا بشفقةٍ على ارتباكها الظاهر: خلينا نستنى على أفضل.
تنفست الصعداء وغادرها تورد بشرتها، فحملت الملابس للمشجب القريب من الباب، وعادت تسأله بحدة وهي تدعي انشغالها بترتيب ملابسه: هتستنى على فعلًا ولا أناديلك آشيلي؟

اعتدل بجلسته بعناءٍ، فمنحها نظرة ماكرة قبل أن يضحك بصخبٍ، فازدادت غـــضــــبًا وهي تراقبه يستهزأ بها، فاستغل قربها منه ليجذب يدها، ارتبكت مايسان للغاية، وحاولت سحبها منه فوجدته ينحني طابعًا قبلة رقيقة على أصابعها هامسًا ورماديته لا تحيل عنها: أنا أقسمتلك بكتاب الله يا مايا!
سحبت كف يدها منه بـ.ـارتباكٍ، فتراجعت للخلف وهي تردد بتـ.ـو.ترٍ: آآ، أنا، آ.

استدارت وهي تحاول إيجاد ما ستقوله لتتهرب مما فعله، فراقبها بانتشاء صدح بهمسه الساخر: مفيش داعي أنا مقدر حالتك ووعد مش هعمل شيء يكسفك تاني.
هزت رأسها، فقال باستغراب: طب خلاص بصيلي بقى.
التفتت إليه بخجل فاتسعت بسمته وتمدد يتطلع لها بهدوء جعل قلبها لا يهدأ، فتمنت لو اخبرته أن يكف عن كل شيءٍ يفعله حتى نظراته تلك!

طرق الباب ومن ثم دفعه على ليطل من خلفه أحمد الذي أسرع لعمران المتفاجئ بوجوده وبفرحة يستقبله: عمي!
ضمه أحمد إليه مربتًا بحنان على ظهره: ألف سلامة عليك يا حبيبي.
ومال لأذنيه يهمس بصوت غير مسموع الا له: شوفت أخرة الشمال!
كبت ضحكاته وهو يؤكد له ساخرًا: شوفت واتعلمت درس مش هيتنسى.
ابتسم وهو بـ.ـنتصب بوقفته موجهًا حديثه لمايسان: إزيك يا بـ.ـنتي عاملة أيه؟

أجابته ببسمة واسعة: أنا الحمد لله بخير يا عمو، حمدلله على سلامة حضرتك.
اكتفى بإيماءة بسيطة بينما قال على وهو يتفحص ملابسه: إنت لسه مغيرتش!
تلقائيًا تطلع إليها فوجدها تفرك أصابعها خجلًا من سؤاله، فأخبره بمزحٍ: مبتكشفش على حد غير أخويا أنا حر يا جدع.
تعالت ضحكات أحمد، ففتح ذراعه لمايسان وهو يشير لها: طب تعالي نخرج احنا يا مايا ونسيب على يستر أخوه آآ. أقصد يلبسه.

اتبعته مايسان للخارج، فجذب على البنطال والتيشرت إليه، ثم شرع بتبديل ملابسه ببسمة خبيثة: مدخلش عليا حوارك ده، إنت وقح وما بتصدق تستغل الفرص.
رفع ساقه بالبنطال استجابة ليد أخيه وأجابه: محبتش أكسفها، دي شوية كمان وكان هيغمى عليها من الكسوف!
وضحك وهو يستطرد بمزحٍ: عجبني إنها مصرة متخلنيش أنادي مزة من المزز الاجانب وصممت تساعدني وبالنهاية انت اللي لبستها.

رفع ذراعه بحذر والحـ.ـز.ن يعتلي معالمه، فحاول الا يبدي له شيئًا حتى انتهى، فجذب الجاكيت يحاوطه به، ثم منحه فرشاة الشعر والمرآة والبرفيو الخاص به.
حاول عمران جذبها بيده اليسري وحينما رفعها بثقل جعله ينهج بصعوبه جذبها بيده الاخرى قائلًا بوجوم: تفتكر كلام دكتورة ليلى صحيح والمسألة فعلًا هتكون كام يوم!

استمد ثباته ليقف قبالته مؤكدًا: عمران بلاش تشغل دmاغك بالتفكير باللي حصل، فكر إن ربنا نجاك من المـ.ـو.ت وإنك حي، دكتورة ليلى كلامها مظبوط الجرعة اللي اخدتها نسبتها بسيطة وده اللي نجدك.
أراد أن يغير مجرى الحديث، فأشار له وهو يهم بالنهوض: طب إسند خلينا نمشي من هنا.

أمسكه على جيدًا فخطى لجواره للخارج فأسنده أحمد من الجهة الاخرى، بينما فتحت لهم مايسان باب المصعد ومن ثم باب السيارة الخلفي لتستقر جواره بالاخير.
وقفت خارج المطعم بترددٍ، تود أن تهرب لمكانٍ تبقى به بمفردها، لا تعلم ماذا يصيب قلبها؟

كل الذي تعلمه بأنها لا تحبذ التواجد مع هذا السمج، سحبت شمس نفسًا مطولًا قبل أن ترفع طرف فستانها وتصعد الدرجات المتبقية برشاقة تتناسب مع جسدها، فولجت لداخل المطعم تبحث عنه بعينيها، فتفاجئت بالمكان لا يحوي سواه، فعلمت بأنه حجز المطعم بأكمله لغدائهما وبالرغم من انزعاجها الشـ.ـديد الا أنها استعادت ثباتها، وجدته يجلس على أحد الطاولات الفخمة كعادته يعبث بهاتفه، زفرت بمللٍ واستكملت طريقها إليه، فما أن رآها حتى نهض يجذب لها المقعد مدعيًا لابقته بالتعامل معها.

جلست شمس بهدوء مستندة على يدها وعينيها تجوب المكان من حولها، تبحث عنه وسط أوجه الحراس، تجهمت معالمها حينما لم تجده من بينهم، وكأنها فقدت ضالتها فجأة، ظهوره يهون لها تواجدها جوار ذاك المستبد.
أفاقت على صوته المتساءل للمرة الثانية: شمس إنتي معايا؟
تنحنحت بحرجٍ: معلش سرحت شوية، كنت بتقول أيه؟
قدm لها القائمة ببسمة خببثة: بسألك تحبي تأكلي أيه، بس شكلك مش معايا خالص.

التقطت منه القائمة، وتفحصتها بأعين شاردة لا ترى ما أمامها، ودت لو سألته بشكل واضح أين آدهم؟
فقالت وهي تدعي عدm مبالاتها: هو مفيش حد هنا غيرنا ولا أيه؟
رد عليها ببسمة زرعت القلق إليها: وده أفضل شيء عشان نتكلم براحتنا.
وتابع بنظرة شك أحاطته: من ساعة حفلة إيملي وأنا حاسس إنك متغيرة ومبقتيش تردي على مكالمـ.ـا.تي، فهميني في أيه يا شمس؟

جذبت كوب العصير من أمامها ترتشفها بتـ.ـو.ترٍ، واندفعت تخبره: أيوه زعلانه منك ومش متقبلة اللي عملته.
أيه اللي عملته؟!
ردت بقوة وجراءة: راكان أنا مبحبش الخـ.ـنـ.ـقة اللي إنت مصمم تحطني فيها، ماليش في الحفلات دي ولا في قاعدتهم.
وتابعت ومازالت ترمقه بغـــضــــب: زائد إنك لازم تتقبلني زي ما أنا، مش فرض عليا ألبس اللي تحبه وتختاره، أنا مش هطلع من تحكمـ.ـا.ت فريدة هانم لتحكمـ.ـا.تك.

تفاجئ بما قالته وخصوصًا بحديثها عن الحفلات وغيرها مما تعد روتين أساسي بحياته، فلعق شفتيه بمكرٍ وداخله يأجج مقولة أن يستدرجها حتى تصبح زوجته وحينها سيعلمها ما يجب فعله، فتنحنح بخشونة: أنا مكنتش أعرف إنك زعلانه أوي كده بس أوعدك مش هعمل اللي يزعلك تاني.

اكتفت برسم بسمة صغيرة، وابتعدت عن الطاولة بجسدها لتسمح للنادل بوضع الطعام، وشرعت بتناوله لتتهرب من حديثه خاصة بعد أن أغلق هاتفه وتفرغ لها حينما تأكد ان هناك ما يضيق صدرها منه.
وحينما فرغوا من طعامهما، وضع راكان مبلغًا طائلًا من المال واتجه بها للخارج، فخفق قلبها سريعًا فرحة حينما وجدت آدهم يقف بالخارج جوار احد سيارات الحرس، يتبادل الحديث برفقة فؤاد السائق الخاص لراكان.

هبطت خلفه ففتح لها راكان الباب الخلفي ومازالت تقف مقيدة، تنتظر أن يستدير ليمنحها بسمة الهادئة وترحابه المعتاد بينهما، ولكن ما صدmها بأنه صعد جوار فؤاد بالامام غير عابئ بجلوسها برفقة راكان بالخلف.

وجدها تتطلع إليه بالمرآة الامامية فابتسم بخبث وهو يتابع بروده، فاشغل ذاته بتأمل الطريق وحركة سيارات الحرس من أمامهم وخلفهم، وفجأة ضـ.ـر.بت السيارة الامامية لصفهم بالنيران فاشتعلت مصدرة انفجار دوى المكان بأكمله وقبل أن يستوعب ما يحدث احاطهما سيارات يملأها الرجـ.ـال المسلحين من كل مكان، صرخت شمس بفزع بينما صاح راكان وقد هبط عن مقعده لاسفل السيارة: في أيه يا آدهم؟

جذب سلاحه من تابلو السيارة يجيبه وهو يقفز خارجها: أكيد النمساوي حابب يواجب بعد اللي حصل لرجـ.ـالته.
ورفع سماعته يصيح برجـ.ـاله: أمنوا عربية الباشا.
وفور انتهائه اجتمع حولهم عدد من الرجـ.ـال الخاصين بآدهم يردون ضـ.ـر.ب النيران بحرافية، بينما أسرع آدهم يفتح الباب الخلفي يعاونها للهبوط مرددًا: متقلقيش يا شمس هانم هنخرجك من هنا حالًا.
تلقائيًا تمسكت بيده وهي تترجاه برعـ.ـب: أنا مش عايزة أمـ.ـو.ت من فضلك روحني.

أشار لها برفقٍ وهو يتجه بها لزقاق جانبي، وحينما ضمن إنها تختبئ خلف أحد الأعمدة السكانية عاد يجذب راكان ويتحرك به وسلاحه مسلط على المسلحون، فأوصله لها وعاد لينضم لرجـ.ـاله، فتابعته شمس بصدmة وخــــوف عليه، وفجأة شعرت بيد تكمم فمها وتحرر سلاح حاد على رقبتها لتنفلت صرخاتها دون توقف، مما دفع آدهم يركض صوبها صارخًا: شمس!

الساعات تمضي دونك كالأعوام، وعقرب الوقت لا يتوقف عن افتعال ثورته وكأنه يحسب البعد بالمسافات، والهواء أصبح كالثليج وكأنك سحبت خلفك الدفء والأمان، وقلبي يا حبيبي يصـ.ـر.خ طالبًا ضمة عينيك وعاطفة هواك!
جفاها النوم دونه، لم يفعلها يومًا وتخلى عنها، انقبض قلب فطيمة، فلجأت للصلاة كلما احتد بها الألــم، فرددت بصوت محتقن وبكائها ينسدل على سجادة صلاتها: يا رب متبعدهوش عني أنا ماليش غيره!

ونهضت تلقي التحيات وسلمت جالسة على سجادة صلاتها تبكي دون توقف، فبرقت بعينيها بصدmة حينما تسلل لها صوته الرجولي العميق: عمري ما أبعد عنك يا فطيمة، مش هيفارقنا غير المـ.ـو.ت وهيكون يومي قبل يومك.
بلعت ريقها بصعوبة وهي تستدير للخلف ببطء فوجدته يجلس على المقعد القريب منها، خرج صوتها هامس بخفوتٍ: علي!
تواجدهم بذلك المكان هدفهم هو راكان والذي كان يعلم هوايتهم الحقيقية بعدmا تسرب إليهم خبر القبض على شحنة الأدوية الفاسدة، خشية من أن يكون تم كشفه للحكومة المصرية، الخلاص منه الآن هو الحل الأمثل، وخاصة بعد رفضه مقابلة الرجل الذي يعلوه، توقع آدهم ذلك ولكنه افترض بأن ما يحدث من الممكن أن يكون تابع لرجل الأعمال النمساوي بعد أن ناطحه راكان بسوق التجارة، هكذا ما يخبره به راكان، فكان يرفض الحديث عن أموره المشبوهة أمام آدهم فلم يصل لمرحلة الثقة الكاملة به.

أمن آدهم ابتعاد راكان وشمس عن تبادل الرصاص الحي، وعاد ينضم لرجـ.ـاله، فتفاجئ بعدد من السيارات يحاوطونهم من جميع الاتجاهات، فخرج كبيرهم على ما بدى وقال وهو يشير لرجـ.ـاله بخفض الاسلحة: لا نريد سفك الدmاء هنا، جئنا لنصطحب السيد راكان لمقابلة رئيسه، وإن لم يخضع لمطلبنا ستسفك الدmاء هنا إن أراد.

تأكدت ظنون آدهم كليًا، لم يخص الأمر مخضع رجـ.ـال الأعمال بل رد فعل للشحنة التي تم تصديرها بالميناء، لاحت على شفتيه بسمة ماكرة، فإن أراد راكان اخفاء عمله القذر عنه حتى بعد تقربه الشـ.ـديد إليه في محاولة لدفعه بالوثوق به والحديث عن عمله المتخفي الا أنه كان حريصًا للغاية، وقد أتته فرصته على طبقٍ من ذهب.
أشار لمن يترقب رد فعله وقال: انتظر هنا سأعود.

وترك الرصيف وانجرف لليابسة تجاه مكان اختباء راكان، فأشار رئيس الحرس الاجنبي لرجلين من رجـ.ـاله بتتبع آدهم بحرصٍ لا يجعله يشعر بهما.
وقف آدهم قبالة راكان المتخفي خلف أحد الأعمدة السكنية، فما أن رآه حتى خرج يسأله برعـ.ـبٍ: عملت أيه يا آدهم، خلصت عليهم؟
ادعى برائته خلف قناع خبثه اللئيم: عددهم أكبر مننا يا باشا منقدرش نشتبك معاهم.
رد بعصبية قبضت عروق رقبته: يعني أيه الكلام ده هتسبهم يقــ,تــلوني!

وضع سلاحه خلف ظهره، ثم اقترب يخبره بمكرٍ مستلذًا برؤية الخــــوف ينهش معالمه: كبيرهم أكدلي إنهم مش هيأذوك بيقول أن في رئيسه عايز يقابلك، وفعلًا شكلهم مش جايين وناويين شر.
وضيق جبينه ببراءة وخــــوف: هو إنت تعرف الناس دي مين يا باشا، أنا افتكرتهم تبع النمساوي بس الظاهر إنهم تبع حد تقيل، لو تعرفهم قولي يمكن أساعدك!

ابتلع ريقه بتـ.ـو.تر شـ.ـديد، فأزاح رباطة عنقه وبدأ يزيح حبات العرق المتصلب على جبينه، هامسًا بهلعٍ: دي خدعة عايزين يتخلصوا مني بعد ما اللي حصل.
تساءل بهدوءٍ وقد وصل لعتبة مبتغاه: حصل أيه؟
آدهم!
صوتها الانوثي تحرر مستغيثًا بمن يقف على بعدٍ منها، استدار آدهم وراكان للخلف فتفاجئوا بأحد الرجـ.ـال يحمل سكين مصوبًا على رقبتها، وكان هو أول من استنجدت به بالرغم من وجود خطيبها المزعوم!

ارتعب راكان حينما رأى مكانه قد كُشف لهؤلاء، فتراجع للخلف مستغلًا انشغال آدهم بما يحدث وهرول للاعمدة من جديد، بينما تقدm آدهم مشيرًا بيديه للرجل وبهدوء قال: دعها في الحال، سبق وأخبرت كبيركم بأنني سأعود بالسيد راكان، لذا من فضلك دعها ولا تؤذيها.

رفض الانصياع إليه وأشار للرجل القابع من جواره، فهرول للرصيف يستدعي كبير الحرس الذي عاد برفقة مجموعة من رجـ.ـاله يراقب ما يحدث، فقال بضجر: أجدك تضيع وقتك في محاولاتك انقاذ تلك السيدة، وللعجب لم تعني للسيد راكان تركها واختبئ دون أن يهتم بها!

تمردت عين آدهم غـــضــــبًا، وكلما راقب نظراتها المذعورة وتوسلاتها إليه بإنقاذها رغم صمتها الشـ.ـديد كان يكور قبضتيه بقوةٍ على وشك أن تفشل مخططاته للكشف عمن يفوق راكان قوة ومكانة داخل تلك المافيا اللعينة، ولكن حينما يتعلق الأمر بها فليذهب كل شيئًا للجحيم!

صوب إليه نظرة قوية، وبتحدٍ لم يكن حاضرًا من البداية قال: اخرس واسمعني جيدًا، إن أردت النجاة أنت ورجـ.ـالك فأمره بتركها في الحال والا سأعد باقي جثمانك لرئيسك محمولًا بأكياس بلاستكية.

انفجر الرجل ضاحكًا وهو يتابع تجمهر رجـ.ـاله حول ذاك الشجاع بأسلحتهم من جميع الاتجاهات، ومع ذلك يتفنن بالحديث، وقبل أن تنتهي ضحكته الساخرة وجد رجـ.ـاله الخمس يقعون أرضًا حينما انحنى آدهم ممررًا ساقه بشكل دائري يلامس الارض فاصيب اقدامهم، وبلحظة أخرى جذب الاسلحة الملقاة أرضًا، ونهض يحدج من أمامه بنظرة واثقة ويده تتحرر على الزناد بشكل دائري مستهدفًا اقدامهم ليحول الصمت لصرخات مقبصة جعلت شمس تغلق عينيها صدmة ورعـ.ـب من ذاك الذي تستنجد به!

تلاشت ضحكاته وتراجع خطوات أقرب للسقوط بهلعٍ حينما عاد السلاح يسلط على ضوءه الأحمر على جبينه، فاجلى آدهم صوته قائلًا: والآن ستستمع لي جيدًا، ستأمر ذاك الأرعن بتركها وإن لم تفعل ستعرف رصاصتي طريقها إليك.
ازدرد ريقه بصعوبة بالغة، فرفع اصبعيه يشير للاخر بترك السكين عن عنقها، وما أن فعل حتى هرولت شمس تختبئ خلف ظهر آدهم ويدها تشـ.ـدد على جاكيته برعـ.ـبٍ.

رفع كبير الحرس يده للاعلى استسلامًا للسلاح المنصوب أمامه، فترك رجـ.ـاله الرصيف وهرولوا لبقعتهم فور سماع صوت الرصاص الحي، فأمرهم بذعر: تراجعوا سيقــ,تــلني!
وعاد يتطلع لنظرات تلك الشرس ثم قال ببسمة يرسمها بالكد: أرى أن تلك السيدة تعني لك أكثر من السيد راكان نفسه لذا هاك عرضي، ستغادر برفقتها بأمان ولتتركه لنا.

عند سماعه لتلك الكلمـ.ـا.ت تحرر الجرذ من مخبأه فخرج يشير لآدهم بخــــوف لا يعتلي سوى النساء: لا يا آدهم اوعى تسلمني ليهم، دول هيمـ.ـو.توني.
وزع آدهم نظراته الصامتة بينهما، يقع على عاتقه خيران كلاهما أبشع من الاخر، ما بين فشل مهمته المكلف بها منذ أشهر وذاك ليس بقاموس ملفه الثري بانجازه أي مهمة عمل بها، وما بين تلك الهزيلة التي تتشبث بجاكيته فتسري رعشتها لقلبه وكأنها تزلزل كل ذرة تمردت على الاعتراف بحبها داخله!

وفوق كل ذلك رأى قسمه الصريح بالا تتدخل عواطفه ومشاعره تجاه عملًا سيخدm الشعب المؤكل بحمايتهم، مازال يتذكر أخر شحنة من أدوية السكر والضغط كم خلفت عدد من الضحايا بسبب هؤلاء اللعناء فجعلته يتراجع عن منصبه السري بالجهاز ويختار السفر والعمل بذاته دون زرع رجـ.ـالًا، والآن عليه الاختيار.

التقط نفسًا مطولًا وزفره على مهلٍ وهو يستعيد ثقته وشراسته بالحديث، فإن إلتمسوا ضعفه من المؤكد سينتهي الامر بثلاثتهم هنا، فقال: أنا من سيصدر الأمر هنا لذا إليك ما سيحدث، شمس هانم ستغادر الآن وسنذهب أنا والسيد راكان برفقتك وإن أرادت أن نخوض تلك الحرب لا مانع لدي ولكن قبل أن يخطو رجـ.ـالك خطوة واحدة سأنتزع رأسك برصاصتي.
صرخ به راكان بصدmة: إنت بتقول أيه يا آدهم!

تجاهله وتابع وعينيه تشير لمكان الرصيف العلوي: فلنتظر خلفك، رجـ.ـالي يحاوطون الجزء العلوي يترقبون اشارتي حينها ستصبح أنت ورجـ.ـالك بعداد المـ.ـو.تى.
صمت الرجل قليلًا يفكر بالأمر من جميع الاتجاهات، فقال بهدوءٍ: حسنًا لك ذلك.
هز رأسه باستحسان وأمره: فلتخبر رجـ.ـالك باخفاض أسلاحتهم.

أشار لهم بالفعل، فترك الجميع أسلحتهم وفي تلك اللحظة استدار آدهم لمن تتمسك به، فمنحها مفتاح سيارته وهو يشير لها بحزمٍ: خدي عربيتي وامشي من هنا حالًا يا شمس.
تناولت منه المفتاح بيد مرتجفه وعينيها الباكية لا تفارقه، فقالت بـ.ـارتباكٍ: طب وإنت، وآآ إنتم!
صرخ بها بحدة وصرامة خشية من أن يطولها الأذى: امشي حالًا يا شمس ومترجعيش هنا، حالًا.

هزت رأسها وهي تهرول لخارج بقعتهم راكضًا حتى وصلت لسيارة آدهم، صعدت إليها وتحركت بها بعيدًا عن طريقهم تحت مرمى الانظار المتبادلة عليها، فما أن ابتعدت حتى تحدث كبيرهم: ها قد نفذنا ما أرادت، هيا لنذهب الآن.

استدار آدهم تجاه راكان الذي يحدجه بنظرات قـ.ـا.تلة، فصرخ بعصبية بالغة: إنت أكيد مـ.ـجـ.ـنو.ن يا آدهم ازاي تعمل كده وكل ده ليه! ما تغور شمس في داهية إنت ناسي ان العلاقة دي كانت لشكلي العام بالطبقة المخملية، مش على حساب رقبتي يا آدهم!

أجابه بحكمة تجاهد لعدm اثارة ريبته: يا باشا افهمني، الناس دي شكلها مبتهزرش وبعدين أنا قولتلك اني قاريهم وقاري دmاغهم، هما مش عايزين الأذية ليك، وبعدين ما أنا هكون معاك ومش هسيبك ولسه عند وعدي أفديك بروحي!
ابتلع ريقه بتـ.ـو.تر وهو يتطلع للسيارة التي بانتظارهما للصعود، وعاد يتطلع إليه ليخبره بخــــوف: الناس دي مبتهزرش يا آدهم وأكيد ممكن يتخلصوا مني خصوصًا بعد اللي حصل.

سأله مجددًا وهو يصعد جواره بالسيارة التي تحركت بهما على الفور: هو أيه اللي حصل، وأيه طبيعة الشغل اللي بينك وبين ناس خطيرة زي دي صارحني يا باشا علشان أقدر اساعدك؟
أجابه بتـ.ـو.ترٍ: أنا هحكيلك على كل حاجة.

دعواتها لم تكل أبدًا، يومين كانوا بمثابة عامين بالنسبة لها، تضرعت لربها طالبة برجاء الا يبتعد عنها، رغمًا عنها تجده الأمان والــســكــيــنــة لها، رغمًا عنها تحتاج لدفء وجوده، والآن هل تتخيل وجوده لجوارها بهذا الوقت المتأخر!
نهضت فطيمة تحمل سجادتها، فاستدارت تجاه الصوت المحيط بها، فوجدته يجلس على المقعد يراقبها ببسمة هادئة، عاد لسانها يردد دون دارية منها: علي!

لأول مرة يستمع إسمه دون نسب أي ألقاب قبله، شعر بأن عاطفته تقذفه بمنطقة ستعد الاخطر لمشاعره على الاطـ.ـلا.ق، فاستقام بوقفته قبالتها وببسمته الجذابة قال: على المحظوظ اللي ربنا بعته في الوقت ده عشان يسمع بودنه دعواتك وحـ.ـز.نك على غيابي.
رمشت بـ.ـارتباكٍ، فاتجهت لفراشها تضع السجادة على طرفه: آآ، أنا آآ.

لحق بها حتى بات خلفها، فاستدارت لتكن بمواجهته قائلة بحـ.ـز.ن متعصب: جاي ليه يا دكتور، مش حضرتك سلمت حالتي لدكتور تاني؟
لم تزيح كلمـ.ـا.تها ابتسامته، بل فاض بنبرته الحنونة: ولا عمري أقدر أعملها، أنا بقالي يومين مبجيش المستشفى.
أحمر وجهها حرجًا، فازدادت ربكتها وتهـ.ـر.بت من لقائه مجددًا فاتجهت للشرفة تحيط عينيها الحديقة السفلية.

لحق بها علي، فاختار الوقوف على بعد مسافة آمنة منها وهو يحاول استكشاف معالمها حينما يقول: جيت من شوية أستأذن من المدير لاني مش هعرف أجي الفترة الجاية.
فور نطقه بما قال إلتفتت إليه سريعًا بلهفةٍ جعلت عينيها تلمع، فرددت بصوتٍ متحشرج: ليه؟
يعلم بأنها مازالت تحارب ذاتها، مازالت تكابر مانعة أن تفرض عليه معاناة قد اختصت هي بها، ولكن الأمر لن يزيده الا اصرارًا، فقال: أخويا تعبان ومحتاجني جنبه.

واتجه للاريكة القريبة، يحتلها وعينيه لا تفارقها: فقولت أعدي عليكي قبل ما أرجع البيت.
هزت رأسها بتفهمٍ رغم دmـ.ـو.عها المتدفقة والتي تحاول جاهدة إخفاءها، فتحرر صوتها يفـ.ـضـ.ـح بكائها: يعني حضرتك مش راجع المستشفى تاني؟
صمت قليلًا يفكر بما قدmه له أخيه دون أن يعلم، فأخفى ابتسامته الخبيثة وهو يجيبها: لا مش هرجع غير لما يرجع يقف على رجله من تاني والله أعلم ده هيحصل أمته!

اهتز صوتها الذي يجاهد بخروجه كخروج روحها: ربنا يشفيه ويطمنك عليه.
انحنى يجذب المقعد القريب منه ليضعه مقابله، ثم أشار لها: اقعدي يا فطيمة.

عبثت بحجاب اسدالها الطويل بـ.ـارتباكٍ، ومع ذلك مضت لتجلس قبالته، لتجده يتطلع لها بصمتٍ ثم قال: ليه بتكابري يا فاطيما، قلبك ملان بالحب وعيونك فضحاكِ، ليه مصرة تلوثي أفكارك بكلام مالوش أي منطق، أنا اللي اختارتك وأنا اللي طلبتك للجواز وأكيد مخدتش القرار ده في يوم وليلة، أنا عارف أنا عايز أيه كويس واللي عايزه هو إنتِ.

كادت بالحديث فعارضها حينما احتدت نبرة صوته: مفيش حد أدرى بحالتك أكتر مني يا فاطيما فأنا عارف كويس اللي حصل واللي بيحصلك، عارف وراضي ومستعد أحارب معاكِ لحد ما تستعيدي نفسك من تاني.
أخفضت عينيها عنه فبكت بصوت وصل لمسمعه فمزقه بنجاح لم تتعمده هي، فهمست بخفوت: مالكش ذنب تخوض معايا الرحلة دي، صدقني هتنـ.ـد.م، أنت تستحق بـ.ـنت كويسة وتكون آ.

انتصب بوقفته يصـ.ـر.خ بوجهها بعصبية جعلتها ترتد للخلف بخــــوف: مش أنت اللي هتكرري المناسب ليا يا فاطيما، أنا مش عيل صغير وواعي لاختياري، أنا مستني منك كلمة واحدة وصدقيني عمري ما هنـ.ـد.م ولا هديكي فرصة إنك تنـ.ـد.مي.
واستكمل بو.جـ.ـعٍ قاطع: فاطيما أنا بحبك وعايزك ومتقبلك زي ما أنتِ حتى من قبل ما أعالجك.

جز على أسنانه بغـ.ـيظٍ من صراخه، فعاد يتحدث بهدوءٍ وعقلانية: أنا مش عايز أضغط عليكي عشان كده اعتبري فترة غيابي عن المستشفى هدنة كويسة للتفكير.
ومنحها بسمة صغيرة تكبت الآلآم البادية برمادية عينيه: تصبحي على خير يا فطيمة.

وإتجه ليغادر المشفى بانكسار يحتل معالمه حينما فشل مرة أخرى بأن تتقبله، فاتجه لباب غرفتها حرره ووقف على عتبته يراقبها على أمل أن تستدير إليه وتخبره موافقتها، ولكن ازداد ألــمه حينما وجدها مازالت تجلس على المقعد ساهمة بالفراغ من أمامها، فقال برجاءٍ إلتمسته بنبرته الحزينة: خلي بالك من نفسك.
وغادر للمصعد على الفور، فاستند على المرآة الداخلية للمصعد وضـ.ـر.ب بقبضته الجانب المعدني مرددًا بغـ.ـيظٍ: ليه!

ابتعد وهو ينظم تنفسه تدريجيًا، لم يعتاد رؤية انهياره، اعتاد بأن يلتحف بالقوة والثبات، فجذب نظارته الطبية يرتديها مرة أخرى بعدmا فرك عينيه المتألــمة، وفور توقف المصعد خرج ليجد الطقس قد ازداد سوءًا، فبدءت الأمطار تهبط بقوتها المعتادة، أسرع على تجاه الچراچ يستقل سيارته، فخرج بها متفاديًا رزاز الامطار بمساحة السيارة الأمامية.

وقف قبالة مبنى المشفى يترقب أن تخف حدة الأمطار ليتمكن من القيادة، فمال بجسده على الدريكسون بتعبٍ.
فزاحمه ببقعة أحزانه صوتًا خافتًا على نافذته الزجاجية، اعتدل على بجلسته يحاول رؤية من بالخارج، فلم يستطيع من تزاحم مياه الأمطار، فأخفض النافذة الزجاجية حتى تسنى له رؤية من بالخارج.
فاطيما!

تراقص لسانه بنطق حروف إسمها، فابتسم حتى أدmعت عينيه تأثرًا برؤيتها باكية من أمامه، وعلى ما بدى من اهتزاز صدرها وإلتقاط أنفاسها بأنها ركضت للأسفل بسرعة أرهقتها.
فتح باب سيارته وهبط يقف قبالتها والامطار تعصف بأجسادهما، وعينيه لا تحيد عن المياه التي تتسلل على عينيها فامتزجت بدmعاتها، فقدت قدرتها على الحديث، فلا تعلم بماذا ستخبره لذا أثرت الصمت ودmـ.ـو.عها لا تتوقف.

توقف الزمان من حولهما ولم يبقى سواهما، الجميع يختبئ من غـــضــــب المياه عداهما، الحب يمنح أجسادهما طاقة غريبة لتواجهه بعسليتها والآخر برماديته الداكنة، وفجأة وجدته يبتسم وهو يرنو لها وصوته الرخيم يرفرف فرحة: أوعدك إنك عمرك ما هتنـ.ـد.مي على قرارك ده يا فاطيما، هحطك جوه عيوني وهعوضك عن كل ثانية اتو.جـ.ـعتي فيها، مش هعاملك كزوجة هعاملك زي الملكة طلباتك مجابة وأوامر، دmـ.ـو.عك دي مش هتكونلها مكان على وشك من النهاردة. أوعدك!

ورفع اصبعه للسماء مسترسلًا: السما مفتوحة ووعدي ليكِ دين في رقبتي لأخر العمر.
خفق قلبها بقوةٍ وكأن انذار خطر مشاعرها وصل بها لأبعد نقطة، فأخفضت عينيها على استحياءٍ، وخاصة حينما نزع عنه جاكيته ودنى ليرفعه على حجابها ليحجب عنها المياه التي أغرقت اسدال صلاتها الرقيق، فتحرك بها حتى وصل لمقعد السيارة الجانبي إليه.
لعقت شفتيها وهي توزع نظراتها بينه وبين السيارة بتـ.ـو.تر، لا تعلم ماذا ستفعل؟

مازالت تشعر بالريبة من البقاء برفقة أي بشر يحمل جنس ذكر، وبالرغم من الأمان الذي يتسرب لها بوجود على ولكن لم يتخطى تلك الدرجة التي تهيأها للصعود برفقته بالسيارة والذهاب لمكان سيجمعهما بالتأكيد!

طالت بوقفتها ومازالت تحاول اخفاء ما يعتلي أفكارها، لا تعلم بأنه كطبيب يدرس حالتها بشكل أكبر احتمالية بزواجها من شخصٍ عادي، فقال ببسمة هادئة: متخافيش احنا هنخرج من هنا على أقرب مطعم، هنتكلم وهناك هتقابلي حد من العيلة كان نفسها تشوفك أوي.

بالرغم من الفضول الذي انتباها لمعرفة هذا الشخص الا أنها اكتفت بهزة رأسها وصعدت للمقعد، يكفيها عشرتها الطويلة له، على لن يغدر بها أبدًا، ليس كباقي الرجـ.ـال المستذئبون، هكذا طمنت ذاتها حتى هدأت تمامًا.
أغلق على باب السيارة واستكان بالبعد عنها، رأته فطيمة يتحدث عبر الهاتف والسعادة تتقاذف من وجهه وعلى ما بدى لها بأنه يقص موافقتها لنفس الشخص الذي ستلقاه بعد قليل!

سعدت للغاية لسماعها هذا الخبر المفرح، فقالت بسعادة: ربنا يفرح قلبك يا على انت طيب وتستاهل كل خير، أنا هلبس وهجيلك حالًا وهجبلك مفتاح شقة بابا تقعد فيه لحد ما تشوف هتعمل أيه مع فريدة هانم.
وتابعت بصدق نابع من داخلها: والله أنا لولا حالة عمران كنت جيت قعدت معاها بنفسي.

استمعت لما قال وأغلقت مايسان الهاتف بسعادة، فاستدارت لتجده مازال غافلًا، فخرجت لغرفتها واتجهت للخزانة تجذب ملابسها وترتديها مسرعة، وقبل أن تهبط للأسفل اتجهت بحرج لاحد الغرف، فطرقت على بابها وترقبت أن يُفتح بابها.
فتح أحمد الباب وهو يجاهد لفتح عينيه بنومٍ، فردد بلهفة: مايا! عمران كويس؟!

أشارت له تطمنه: كويس الحمد لله، أنا بعتذر أني أزعجت حضرتك بس جالي مشوار مهم ولازم أنزل وقلقانه أسيبه لوحده، لو ممكن حضرتك تبقى تبص عليه.
أغلق مئزره جيدًا وخرج يغلق باب غرفته مرددًا بقلقٍ: مشوار في الوقت المتأخر ده!
أجابته سريعًا وهي تتفحص ساعة يدها: الساعة 11 مش متأخر أوي.
وتابعت بتوضيح: أنا مش هتأخر، وهرجع مع علي.

هز رأسه بهدوء فلم يريد أن يتطفل لمشوارها الذي لم تخبره عنه، وتوجه لغرفة عمران قائلًا ببسمته الهادئة: روحي مشوارك وأنا هنام جنبه النهاردة.
منحته بسمة مشرقة وهي ترد عليه: شكرًا يا عمي. عن إذنك.
أشار لها بنفس ابتسامته وولج لغرفة عمران ليتمدد جوار بتعب ينتابه لعدm راحته بعد رحلة سفره المرهقة من مصر لانجلترا.
بينما بالغرفة القريبة منه.

مازالت تحاول الوصول لابـ.ـنتها، فالوقت تأخر للغاية ولم تعد بعد، ألقت فريدة الهاتف من يدها بغـــضــــبٍ، وصفقت يد بالأخرى وهي تردد بغـ.ـيظٍ: أتاخرت ليه لحد دلوقتي!
وزفرت بضيقٍ وهي تحاول تخمين سبب تأخيرها الغريب، فاتجهت لغرفة على عساه يتمكن من الاتصال بها أو براكان، فتفاجئت بالظلام يبتلع الغرفة، حتى فراشه كان مرتبًا بطريقة أوحت لها بأنه مازال بالخارج، فلم تجد السبيل سوى اللجوء لابنه الاصغر.

اتجهت فريدة لغرفة ابنها، فولجت للداخل بعدmا فعلت أنارة الغرفة، كادت بايقاظه ولكنه توقفت محلها بصدmةٍ حينما وجدته يتمدد جوار إبنها، ارتبكت بوقفتها وتراجعت بضعة خطوات للخلف، كأنها تود الهروب للخارج لتحجب عينيها عن التطلع لملامحه الوسيمة، انتظام أنفاسه وهدوئه الشـ.ـديد، تود أن تكتم صدى صوت قلبها الذي يود القفز عن أضلعها.

لوهلة تخيلته زوجها ومن جوار ابنهما!، ولكن الحقيقة حتمًا مو.جـ.ـعة، وأكثر ما ألــمها طوال تلك السنوات وراثة ابنائها الشباب لون العين الرمادي بالرغم من أن زوجها لم يكن كذلك، فكلما ردد أحدٌ أمامها بأنهم يحملون نفس لون عين عمهم كانت تشتعل غـــضــــبًا، كانت أحيانًا لا ترغب بتأمل على وعمران فكلما رأتهم تذكرته قبالتها!

ابتلعت فريدة ريقها واستعادت ثباتها، فوقفت أمام المرآة تتأكد من انهدام مئزرها الذي يخفي بيجامة نومها الخفيفة جيدًا حتى إن استيقظ جراء ايقاظها لعمران تكون محتشمة أمامه.
واتجهت تهز صدر ابنها منادية بخفة: عمران.
تململ بمنامته على هزة يدها الخافتة، همهم بانزعاجٍ: ممم...
رفعت من صوتها قليلًا: فوق يا عمران.
فتح أحمد عينيه ليتفاجئ بها تحاول إيقاظ عمران، فجلس باستقامة قائلًا بنومٍ: فريدة! في حاجة ولا أيه؟

تحاشت التطلع إليه وقالت بنبرة واجمة: مفيش شمس كانت مع خطيبها واتاخرت بالرجوع، هخلي عمران يتصل بيه ويشوف اتاخروا ليه؟
راقب برودتها بالتعامل معه بهدوء، وقال بضيق وهو يراقب عودتها لتحريك عمران: طيب براحة على الولد، أنا هصحيه.
وبالفعل ناداه أحمد برفقٍ حتى استجاب إليه فعاونه على الجلوس بوضع وسادة خلفه، فردد باستغراب: عمي حضرتك كنت جنبي! أمال فين مايا أنا قبل ما أنام كانت جنبي هنا!

بدى مرتبكًا لا يعلم ماذا يخبره، فقال بتلعثم: هتلاقيها في أوضتها!
ردت فريدة بقلق: لا مش في أوضتها أنا لسه جاية من عندها.
انتفض عمران بفزعٍ: مش معقول تكون سابتني كده وهـ.ـر.بت على مصر زي ما كانت عايزة تعمل قبل كده!
حينما تطور الأمر، قال نافيًا: لا يا عمران هي آآ...
تطلعت إليه لتهاتفه بحدة: مخبي أيه يا أحمد!
زفر بضيق لحق نبرته: بصراحة مايا جتلي وقالتلي أخد بالي من عمران لانها عندها مشوار مهم.

نهضت عن الفراش تصيح بغـــضــــب: مشوار مهم فين بالوقت ده!
أجابها بهدوء: معرفش بس قالتلي هرجع مع علي!
ضمت يدها لرأسها وصرخت بانفعال: هو في أيه بالبيت ده، شمس لسه مرجعتش لغاية دلوقتي ومايا محدش عارف راحت فين وازاي هترجع مع على وعلى مرجعش البيت لحد دلوقتي!
اعتدل عمران بجلسته بصعوبة وهو يتساءل بدهشة: شمس مرجعتش لسه!
أكدت له وهي تستعيد مطلبها الرئيسي: اتصل براكان واساله، لانه مش بيرد عليا وتليفون شمس مقفول.

والتقطت أنفاسها بعنف وهي تستطرد: أنا هيجرالي حاجة.
نهض أحمد واتجه أليها بخــــوف: طيب اهدي بس مفيش حاجة هتتحل بشـ.ـدة أعصابك دي.
وأشار لعمران قائلًا: اتصل الأول براكان وبعد كده نشوف مايا.
هز رأسه وجذب هاتفه يحاول الوصول لراكان، وبالرغم من رنين هاتفه الا أنه لم يجيبه من الاساس، فأعاد الاتصال به وحينما لم يجيبه اتصل بآدهم ولكن دون جدوى، فألقى الهاتف جواره وهو يردد بغـــضــــب: مبيردش لا هو ولا الحارس بتاعه.

تجرد عنها ثباتها الصارم وصاحت برعـ.ـب: يعني أيه، بـ.ـنتي راحت فين؟!
رد عليها أحمد وهو يجذب مئزره الشتوي على الفراش يرتديه: أنا هروح لراكان البيت أشوف في أيه وهبقى أبلغكم.
وتركهما وهرول للخارج فلحقت به فريدة تجيبه بتـ.ـو.تر شملها: أنا كمان هغير هدومي وهجي معاك.
أجابها بعدmا وصل لغرفته: مفيش داعي يا فريدة خليكي انتي جنب عمران وأنا لو وصلت لشيء هبلغك.

هزت رأسها بهدوء وقالت برجاء: بسرعة يا أحمد من فضلك، قلبي هيقف من الخــــوف عليها.
إلتفت إليها وقد ألــمته كلمـ.ـا.تها فقال تلقائيًا: سلامة قلبك.
ارتبكت للغاية، فتنحنحت وهي تشير على باب غرفة ابنها: آآ، هشوف عمران.
أومأ برأسه ببسمة جذابة، فأغلق الباب من خلفها وشرع بتبديل ملابسه ليغادر سريعًا.

انتابها عـ.ـذ.اب من جحيم، فأجج لها ضميرها صورًا مقبضة لما سيحدث، وخاصة بعد تضحية آدهم ليفديها من مـ.ـو.تة كانت واشيكة في حين ذاك الاحمق كان يختبئ خــــوفًا على ذاته، ولتكن صادقة لم يعنيها أمره كثيرًا بل كانت تتمنى لو تخلصوا منه.

خــــوفها كان ينبع تجاه ذاك الحارس، بطل أحداث قصتها التي يسترسلها القلم كلما تلاقت به، منذ بداية ظهوره بحياتها وهو ملاكها الحارس، كل موقف احتاجت المساعدة كان هو أول من قدm لها العون لدرجة جعلتها تتمناه أن يكون خطيبها عوضًا عن ذاك الجبان، لذا أعادت اتجاه السيارة لتلحق بهم بحذرٍ، وها هي الآن تقف على بعد قريب من المكان الذي دلف إليه راكان وآدهم وهؤلاء الرجـ.ـال، ولا تعلم ما الذي ينبغي عليها فعله بالتحديد، فجذبت هاتفها لتبلغ الشرطة بالأمر، ولكنها تفاجئت بهاتفها نفذ شحنه وأصبح دون جدوى!

قيدوه على المقعد البعيد عن مرمى اجتماعهم، بينما جلس راكان على أحد المقاعد المقابلة لذاك الذي يرتشف من النبيذ الأحمر بتلذذ وكأنه لا يعنيه ارتكاب مثل تلك المحرمـ.ـا.ت، فنفث دخانه غليونه باستمتاعٍ يجوبه بنظراته تجاه ذاك الذي على وشك البكاء من فرط الخــــوف، فقال بسخرية: إن كانت تخشاني لتلك الدرجة لما قمت بتجاهل طلبي بلقائك بوقاحة!

ابتلع راكان ريقه بصعوبة وهو يجاهد لخروج كلمـ.ـا.ته: سامحني سيدي، خشيت أن تعـ.ـا.قبني على ما حدث بمصر.
وأخذ يبرر لنفسه سريعًا: أنا لا ذنب لي بما حدث، هناك ظابط مصري يعبث خلفنا وينصب شباكه لنا.
منحه نظرة قـ.ـا.تلة قبل أن يهدر بانفعال: هل نسيت ما وكلتك به، أنت مسؤول عن توصيل تلك البضاعة من الميناء، وبدالًا من القيام بعملك تجلس وتخبرني ترهات ستجعلني أقــ,تــلك بيدي بأي لحظة.

ارتعب لمجرد سماعه تهديده، فهرع لمقعده يجلس على قدmه وهو يقبل يده بذل جعل آدهم يمقته بنظرة مستحقرة: لا سيدي أرجوك لا تفعلها، أعدك بأنها لن تتكرر مجددًا.
تابعه بنظرة انتشاء، فنفث دخانه بوجهه وهو يشير له ببرودة: حسنًا سأمهلك فرصة أخيرة، وإن فشلت سأنحر عنقك بنفسي!

هز رأسه بعشوائية وكأنه لا يصدق بأنه وجد فرصة صريحة للبقاء على قيد الحياة، فنهض ماريو عن مقعده تاركه مازال ينحني إليه، ثم خطى لأخر القاعة ليقف قبالة آدهم المقيد على المقعد، فابتسم بتسلية وهو يشير باستهانة: هل هذا الذي وُكلته بحمايتك! أراه عاجزًا عن حماية نفسه حتى!

ضحك آدهم بصوته الرجولي مما جعل ابتسامة ماريو تتلاشى باستغراب، وخاصة حينما قال: أنا الآن أحترم النقاش المتبادل بين رئيسي وبينك لذا أجلس هنا بهدوء، وإن منحني الآذن حينها لن يروق لك الأمر!
احتدت نظراته تجاهه وخاصة حينما قال باستهزاء: لست من النوعية التي تنحني لأحدٌ بحياتها قط.
تحرر صوته المتعصب مناديًا: راكان.
هرع إليه مرددًت ورأسه ينحني في طاعة: سيدي.

قال ساخرًا ومازالت عينيه تراقب ذاك الشرس: امنحه الآذن لنرى ما لديه وهو مقيدًا هكذا!
سحب نظرة محذرة تجاه آدهم الذي لم يراه من الاساس فمازال يناطح ذاك الواقف قبالته، تاركًا زر جاكيته يسجل بكاميرته الخفية وجهه جيدًا للسلطات.
طال الصمت فصرخ ماريو بتعصب: هيا أمره بذلك الآن.
تحرر صوته المرتجف قائلًا لآدهم: لك ذلك.

اتسعت ابتسامته الماكرة، فرفع جسده للأعلى بعنفٍ جعله يترنح للخلف فانخلعت مقدmة المقعد، فأخفض الحبل من أسفل ليفك وثاقه بشكلٍ فاجئ من يقف أمامه.
أخرج رجـ.ـاله أسلحتهم وأحاطوا آدهم الواقف بثقة يتابع من أمامه، بينما ردد كبير حرس ماريو بتـ.ـو.تر: احترس سيدي هذا الرجل خطيرًا للغاية، أسقط أربعة من رجـ.ـالنا وكاد باستكمال فعلته وكأنه لم يفعل شيئًا!

ابتسم آدهم وردد باستهزاء: ايوه زي ما سمعت من أختك كده احترس عشان محزمش وسطك بطرحة!
ضيق حاجبيه بعدm فهم: ماذا قال للتو؟
ازداد تـ.ـو.تر راكان وصاح به: آدهم هيقــ,تــلونا مكانا اهدى!
تجاهله للمرة الثانية وقام بترجمة ما قال: أخبرتك بأن تنتبه لنصيحة رجلك الشهم وتحترس غـــضــــبي، وأنا أعدك الا أتركك وحيدًا بقبرك الذي سأصنعه لك، سأضع رجـ.ـالك معك ليكونوا ونسًا لك، وحينها ستتذكر شهامة المصريين وكرمهم!

ابتسم ماريو وهو يتابعه بإعجاب انقلب إليه بعدmا كان متعصبًا، فدنى منه وهو يقف بنظرة ذات مغزى: اسمع يا فتى، سأعقد معك صفقة لن تكرر مطلقًا، إن قــ,تــلت رجـ.ـالي ستصبح الرجل الأقرب لي، سأحيطك بالمال وكل ما تريد.
جحظت أعين رجـ.ـاله بصدmة، مما يستمعون إليه حتى راكان نفسه.
اقترب آدهم المسافة المتبقية بينهما ليردد بنظرة تحدي: لست فتى، أنا رجلًا سيحرص أن يلقنك أنت ورجـ.ـالك دروسًا عن رجولة وشهامة العرب.

واسترسل ببسمة ماكرة: أما عن عرضك السخي فأنا أقبل نصفه الأول، لم أكن عبدًا لصبيك حتى أصبح عبدًا لك.
وفور انتهائه من حديثه اشتبك معهم على الفور، تاركًا راكان يفتح فاهه صدmة بينما يراقبه ماريو ببسمة تسلية، فدنى الاخير منه يهمس له: سيدي أرجوك أوقفه سيقــ,تــل رجـ.ـالك!
قال بعدm مبالاة وهو يشعل غليونه: لا أريد رجـ.ـالًا ضعفاء أمثالهم.

واستدار بوجهه إليه يخبره ببسمته: عليا الاعتراف إنك قمت باختيار الرجل الصحيح لحمايتك أيها الوغد!
كانت تحيط الناس من حولها بنظرة مرتبكة، بالرغم من أن المكان لم يكن بالمزدحم، فحاولت اخفاء تـ.ـو.ترها بتناول الشاي الساخن الموضوع من أمامها تهربًا من نظرات على المبتسم إليها، وفجأة تسلل لمسمعها صوت أنثوي يردد بحماسٍ: علي.

كانت فتاة على ما بدى لها بأوائل العشرين من عمرها، ترتدي فستانًا بسيطًا من اللون الأسود فضفاض، على حجابًا من اللون الأزرق، وجهها بشوش بقدر جعلها تبتسم وهي تراقبها.
اتجهت نظرات مايسان لها، فتساءلت باهتمامٍ: دي فاطمة صح؟
أجابها على ببسمة حب لمن تقف قبالتهما: ناديها فطيمة.
قدmت يدها في دعوة ترحاب لها: كان نفسي أتعرف عليكي من زمان يا فاطيما، أنا مايسان.

هزت رأسها وهي لا تجيد اجابتها من شـ.ـدة ارتباكها، فأشار لها علي: مايسان تبقى بـ.ـنت خالتي ومرات أخويا الصغير يا فطيمة.
تحرر صوتها أخيرًا: أهلًا بيكِ.
سحبت المقعد المجاور لها وجلست جوارها، تخبرها بلطفٍ: ما شاء الله قمر، أنا قولت كده بردو إن مش أي بـ.ـنت توقع دكتور علي.
تعالت ضحكاته الرجولية لتصل كلمـ.ـا.ته لها: أيوه ادخلي علينا بحواراتك، ده اللي بأخده منك.
واستطرد بجدية: قوليلي يا مايا ماما سألتك راحه فين؟

ردت عليه ببسمة فخر: محدش شافني وأنا جاية غير أنكل أحمد.
عبثت معالمه ضيقًا، متسائلًا: وعمران!
أكدت له باشارة رأسها، فقال بتذمر: مكنش ينفع تنزلي بالوقت ده من غير ما تستأذنيه يا مايا!
راقبت فطيمة حوارهما باهتمام، فاجابته مايسان: كان نايم يا على وإنت عارف إنه مكنش بيعرف ينام بالمستشفى فمحبتش أقلقه لكن لما هرجع ان شاء الله هقوله.
أماء برأسه وسألها بجدية: جبتي المفتاح؟

أخرجته من حقيبة يدها قائلة: عيب يا دوك ودي حاجة تتنسي!
وقف على يشير لهم وهو يضع مبلغًا من المال على الطاولة: طيب يلا نتحرك لإن الوقت أتاخر.

أمسكت مايسان يد فطيمة وخطت جوارها تتهامسان بصوتٍ منخفض، بينما صعد على بمقعد القيادة يترقب صعودهم بالخلف، ليتحرك بهم للمبنى، بينما يهاتف مدير المشفى لأمر فطيمة حتى لا تحول المشفى للهلاك ظنًا من إنها هـ.ـر.بت منها، فأخبره بأنه سيتزوج بها وسيقوم بعلاجها بنفسه، فلم يواجه صعوبات بذلك لتكفله أمرها كاملًا بأمرٍ من مراد زيدان شخصيًا.

راقب رجـ.ـاله الملقون أرضًا ببسمة شيطانية مخيفة، ورفع حدقتيه له يحاول استمالته للمرة الأخيرة: متأكدًا من رفضك للعمل معي.
رمقه بنظرة ساخطة قبل أن ينحني ليجذب جاكيته الملقي أرضًا ثم اتجه لراكان يسأله بنفور: هتيجي معايا ولا هتخليك مع فرقع لوز ده.
رفع راكان عينيه لسيده، فسأله بتـ.ـو.تر: سأغادر يا سيدي، هل من أمرًا أخر؟

تركهما واتجه لمكتبه فجلس باسترخاء قائلًا: دعه يغادر بمفرده ولتبقى هنا أريدك بأمرٍ هام لا أريد لأحدٍ سماعه غيرك.
حدجهما آدهم بسخرية لحقت نبرته: وكأنني أهتم!
وغادر وهو يستطرد لراكان: هبعتلك فؤاد ياخدك أو يمكن فرقع لوز اللي جنبك ده يوصلك لإن تقريبًا رجـ.ـالته بح!

وغادر وابتسامة المكر تحيط به، تعلم أن يسبق عدوه بخطوة، فتوقع أن يطالبه ماريو بالمغادرة لينقاش أمر الشحنة القادmة مع راكان بمفردهما لذا كان الأسراع حينما تصنع انحناء جسده ليجذب جاكيته الملقي أرضًا وقام بزرعة جهاز التصنت بمعدن الطاولة القريبة منه.

أطلق صفيرًا مستمتعًا وهو يرتدي جاكيته ويحرك كتفيه بانتشاء، فخرج من المبنى يبحث بعينيه عن وسيلة مواصلات تعاونه على العودة لفيلا راكان حيث يقطن، وإذ فجأة يعلو صوتًا يناديه كان سهلًا بالتعارف عليه
آدهم.

استدار للخلف وهو يقنع ذاته بأنه يتوهم سماعه، برق بحدقتيه صدmة حينما هبطت شمس من سيارته وركضت تجاهه، فالتفت حوله يراقب أن رآها أحدًا، وهم إليها يصـ.ـر.خ بعصبية: شمس إنتِ بتعملي أيه هنا؟ أنا مش طلبت منك ترجعي البيت!
انهمرت دmعاتها المعاكسة للابتسامة الواسعة على شفتيها، فسألته بلهفة وكأنها لم تستمع لاسئلته: إنت كويس؟

راقبها بدهشةٍ، فتابعت بحيرة مما ستخبره به بتشتتٍ: أنا مقدرتش أمشي، فمشيت وراكم وفضلت هنا مش عارفة أعمل أيه؟
ورفعت هاتفها إليه كأنها تشكو له: حتى موبيلي فصل شحن معرفتش أكلم الشرطة ولا أعمل أي حاجة.
منحها ابتسامة تعمقت داخلها، وقال بصوته الرخيم: ممكن تهدي طيب.
وتابع وعينيه تشير على المبنى المجاور له: متقلقيش راكان كويس، كان سوء تفاهم وراح لحاله.

زوت حاجبها لتتمرد بعصبية شبيهة للجنون: ما يولع الجبان القذر. مستخبي شبه الستات وسايبهم يخـ.ـطـ.ـفوني وهو مش همه غير نفسه وبس.
راق له تعصبها وبالرغم من قراءته لمشاعرها بوضوحٍ، الا أنه ادعى الفضيلة: طيب راجعه تاني ومعرضة نفسك للخطر ليه وهو مش فارق معاكي!

أزاحت دmـ.ـو.عها بغـ.ـيظٍ من طريقته، تعلم بأنه يود أن ترددها صريحة، ولكنها مشتتة لا تعلم ماذا تفعل، وبالرغم من أنه لا يربطها براكان سوى خطبة الا أنها أحيانًا تشعر بالذنب لمجرد تفكيرها بآدهم، فيزيد من أمورها هو الآن!
ألقت شمس مفاتيح السيارة إليه وقالت بغـــضــــب وهي تبتعد عنه: أنا غلطانه إني رجعت عشان خايفة عليك، خد مفاتيحك أهي أنا ماشية.

التقط المفاتيح وهرول خلفها يناديها ضاحكًا: طب استني طيب هوصلك، الحتة هنا غريبة عنك.
اكملت طريقها دون أن تستدير إليه: مالكش دعوة بيا ارجع للباشا بتاعك.
راقبها آدهم ببسمة جذابة، فصعد لسيارته وقادها حتى بات يقودها بنفس مستوى خطاها، فقال وهو يراقب الطريق بحذر: شمس بطلي جنان وإركبي.

لم تعيره انتباهًا واستكملت طريقها بخطوات سريعة، متعصبة، وكأنها ستتمكن من الفرار منه، فأسرع من قيادته قائلًا: خلينا نتكلم من فضلك.
رفضت الانصياع إليه فزفر بنفاذ صبر، وقاد السيارة ليكـ.ـسر الطريق من أمامها، ففتح الباب المجاور لها مهددًا إياها بصرامة: هتركبي ولا أنزل أشيلك وأدخلك العربية بالعافـ.ـية.

بللت شفتيها بلعابها وهي تتفحص الطريق المظلم من حولها بخــــوفٍ، وبالنهاية انصاعت إليه وولجت للسيارة تجلس جواره، فابتسم وعاد للقيادة بصمت.
كظمت غـــضــــبها بصعوبة، تود البقاء ساكنة أطول فترة ممكنة ومازال الأخير يراقبها ببسمة تسلية، فقال: اتكلمي باللي عايزة تقوليه بدل ما يجرالك حاجة من الغـ.ـيظ اللي جواكِ ده!
اتجهت بجسدها إليه وقالت بتـ.ـو.تر: آدهم أنا بقيت متأكدة إن راكان ده شمال، وخصوصًا بعد اللي حصل النهاردة.

ترك مراقبة الطريق وتطلع إليها: أنا حذرتك قبل كده وقولتلك إبعدي عنه.
تجهمت معالمها، وفاهت: ماما مش مقتنعة غير إنه شخص مناسب ليا وأنا بحاول أقنعها بس أعتقد بعد اللي حصل النهاردة ده هتغير رأيها.
ترقب لوهلة قبل أن يخبرها: مفيش داعي يا شمس، متقوليش حاجة، قريب جدًا والدتك هتقتنع جدًا، لإن راكان هيكون انتهى خلاص.
زوت حاجبيها باستغرابٍ: تقصد أيه؟
وبدى عقلها يعمل سريعًا، فرددت: هتقــ,تــله!

قهقه ضاحكًا، وأضاف مازحًا: لو إنتِ بتكرهيه أوي كده عيوني هخلص عليه.
شملها الحـ.ـز.ن والألــم، فقالت باصرار وغـــضــــب ثائر: نزلني، وقف العربية.
وزع نظراته بينها وبين الطريق: أيه اللي حصل بس؟!
صرخت بعنف وكادت بفتح باب السيارة وهو ينطلق بسرعته القصوى: بقولك وقف العربية والا هحدف نفسي.
أمسك راسخها وثبته جيدًا ويده الاخرى تهدأ من سرعته قائلًا: طيب طيب اهدي، هركن على جنب.

وبالفعل هدأت سرعة السيارة حتى وقفت تمامًا، فاستدارت تجاهه تخبره قبل هبوطها: أنا هتوقع أيه منك، ما أنت بتشتغل معاه يعني أكيد إنت شبهه في كل شيء.
وهبطت لتجده يسرع خلفها فسد طريقها وهو يقول: أنا مش شبهه ولا عمري هكون شبهه يا شمس.
ارتبكت من قربه منها، فتراجعت للخلف وهي تردد بخفوت: من فضلك سبني أمشي، أنا مبقتش قادرة لكل ده، الظاهر إني كنت غلط لما قبلت بالخطوبة دي وغلطت لتاني مرة لما حبيتك.

ابتسم ومازال يدنو منها ليوقفها عن الهرب للطريق، فقال: غلطي فعلًا، بس حبك ليا مكنش غلطة.
ابتلعت ريقها بـ.ـارتباك، فتراجعت بظهرها للخلف وهي تهز رأسها برفض: لا غلطة وغلطة كبيرة كمان، إنت مجرم زيك زيه يا آدهم.
وبتـ.ـو.تر قالت: آآ. أنا شوفتك وإنت بتضـ.ـر.بهم بالنار إنت انسان مش طبيعي، آآ. أنت مجرم.

قالت كلمـ.ـا.تها الاخيرة وكادت بالركض فجذبها بقوة جعلتها تصطدm بالسيارة من خلفها، لتنحول نظراتها إليه بهلعٍ جعلته يعيد خصلاته المتمردة للخلف بغـــضــــب، فسيطر بصعوبة على أعصابه وهو يراها تتأمله بخــــوف ويدها تحتضن حقيبتها، فهمس لها: شمس أنا ظابط مش مجرم.

برقت بعينيها بدهشة، فتابع قائلًا: أنا هنا عشان أقبض على راكان الكـ.ـلـ.ـب واللي وراه وإني أكشف هويتي الحقيقية لحد دي ليها عقوبة وبالرغم من كده ارتكبتها عشان مشوفش النظرة دي في عيونك.
وإتجه يفتح باب سيارته بهدوءٍ رغم سخرية نبرته؛
هتركبي ولا أطلعلك جواز سفري عشان تتأكدي!

تطلعت له بصدmة، وتحركت بآلية تامة للمقعد مجددًا، فصعد جوارها يقود والغـــضــــب لخيانة مهام عمله يجوب على معالمه، من لم يستطيع كشفه أتت تلك الفتاة وفعلتها!
شعرت شمس بأنه على وشك الانفجار بأي لحظة، وبالرغم من ذلك لم تتراجع عن سؤاله: هو راكان بيتأجر في أيه؟
منحها نظرة خاطفة قبل أن يعود لتأمل طريقه صامتًا من جديد، فعادت تسأله: سلاح ولا مـ.ـخـ.ـد.رات؟

زفر بنفاذ صبر، فلكم المقبض وهو يصيح: يا بـ.ـنتي اتقي الله متعودتش أسرب أسرار الشغل، دي كده خيانة!
منعت تلك الابتسامة من السطوع، وقالت ببراءةٍ مصطنعة: متخفش سرك جوه بير مدفون ملهوش قرار، أنا حتى مش هحكي لمامي على اللي حصل لحد ما تقبض عليه وتخلصني منه.
ابتسم رغمًا عنه ولزم صمته حتى منتصف الطريق، خـ.ـطـ.ـف نظرة إليها فوجدها تكتف ساعديها أمام صدرها بحـ.ـز.نٍ جعله يقول: راكان بيهرب لمصر أدوية فاسدة.

جحظت عينيها صدmة، فاستطرد بألــم تشعر به بنبرته لأول مرة: أنا موجود هنا بانجلترا مخصوص عشان أقبض عليه وعلى اللي وراه مع إن ده مش تخصصي، بس زي ما تقولي كده له عندي تار ومش هيبرد غير وأنا شايفهم راكعين تحت رجليا.
انجرفت بجلستها تجاهه، وازدردت ريقها بصعوبة بالغة وهي تقول: أوعى تكون متجوز وقــ,تــلوا مراتك ولسه بتحبها وجاي تنتقم والجو ده، أقسم بالله هطلع على راكان أقوله حقيقتك ولا هيهمني!

انفجر ضاحكًا وهو ينفي تهمتها مردفًا: لا أنا مش مرتبط متقلقيش، انتي أول واحدة قلبي ارتبط بيها.
احمر وجهها خجلًا فحاولت أن تقلب مسار الحديث، فقالت بحيرة: طب تار أيه؟
سيطر الحـ.ـز.ن على معالمه وبدى كأنه على وشك البكاء، ولكنه تماسك وهو يحرر جملته: أمي يا شمس، مـ.ـا.تت بسبب جرعة الانسولين المغشوش اللي أخدته.

أدmعت عينيها تأثرًا، فبكت وهي تراقب تعصب يده على حركة مقود السيارة، وأنفاسه التي تصل لمسمعها، فقالت بحقد: طيب ومستني أيه ما تقبض عليه.
ابتسم ساخرًا: مش بالبساطة دي، راكان ما هو الا كـ.ـلـ.ـب بيتحرك باشارتهم، اللي وراه هما اللي تاري وتار بلدي معاهم.
واسترسل بوعيد: بس خلاص هانت وأمسك الاوراق اللي راكان مخبياها ووقتها هكشفهم كلهم.
رمشت بحيرة وتساءلت: يعني طول الفترة دي كلها معرفتش تاخد الاوراق دي.

أجابها وهو يبطيء من سرعة سيارته رويدًا رويدًا: دورت في خزنة مكتبه وبالبيت بتاعه ملقتش حاجة، بس مازلت بدور وأكيد هوصل للملف ده ووقتها هتكون نهايته.
ابتسمت وهي تراقبه بحب ينبع بعينيها، فرددت: هيحصل، ربنا أكيد مش هيضيع تعبك.
التفت إليها يمنحها بسمة جذابة وهو يشير لها: إن شاء الله يا حبيبتي، وساعتها هتلاقيني عند فريدة هانم بطلبك للجواز وواثق إنها مستحيل هترفضني.

تلاشت بسمتها باستحياء، فغمز بعينيه بمشاكسة: حمدلله على السلامة شمس هانم.
لم تستوعب كلمـ.ـا.ته الا حينما التفتت فوجدت ذاتها قبالة منزلها، ففتحت باب السيارة وهبطت، ثم انحنت على النافذة الخاصة بمقعده بعدmا استدارت تخبره ببسمتها المشرقة: شكرًا على كل حاجة عملتها علشاني يا آدهم.
راقب ابتسامتها الرقيقة بحب نبع داخل حدقتيه، وهمس بصوت مغري: عمر، إسمي الحقيقي عمر!

استقامت بوقفتها وغادرت وهي تصيح بضحكة: هناديك آدهم لحد ما أتعود، باي.
راقبها حتى ولجت للباب الخارجي لمنزلها، مرددًا بابتسامة ساحرة: مع السلامة.

عاد على برفقة مايسان للمنزل بعد أن أوصل فطيمة للشقة وتأكدت مايسان من أنها لا تحتاج لشيءٍ، فما أن ولجوا للداخل حتى وجدوا فريدة تجوب الردهة ذهابًا وإيابًا وعلامة الذعر تخطو على وجهها، وعلى المقعد يجلس أحمد يحاول تهدئتها وعلى ما يبدو من ملابسه أنه كان بالخارج، فما أن استدارت حتى وجدت على ومايسان قبالتهما ومن خلفهما ولجت شمس، فصرخت بعصبية بالغة: أنا عايزة أعرف انتوا كنتم كلكم فين لحد دلوقتي!

تململ بنومته بانزعاجٍ، ففرد ذراعه يحتضن زوجته فتفاجئ بعدm وجودها لجواره، استقام جمال بنومته وجذب التيشرت الملقي أرضًا يرتديه وهو يناديها: صبا!
خرج من الغرفة يبحث عنها فوجدها تجلس بالشرفة وجسدها متكئ على السور الحديدي، بدت له شاردة حتى أنها لم تشعر بوجوده، انحنى جمال لمستواها فضمها طابعًا قبلة حنونة على خدها: حبيبي قاعد سرحان في أيه بنص الليل؟

ابعدت يدها عنه بخجلٍ، ورددت بتلعثم: مفيش آآ، أنا مكنش جايلي نوم بس آآ. هدخل أنام حالًا.
منعها من النهوض، وجذب المقعد المجاور لها ليضعه قبالتها، وقال بحـ.ـز.نٍ: مالك يا صبا من يوم خناقتنا دي وإنتِ متغيرة مع إني معتش بنام بره البيت ولا بتأخر بالرجوع!
أخفت عينيها من لقاء عينيه، فرفع ذقنها يجبرها على التطلع إليه، متسائلًا بلهفة: أنا عملت حاجة زعلتك مني؟

رددت بزعل انتابها: مهو ده اللي مزعلني إنك بقيت مهتم بيا جدًا، فحاسة إني فرضت نفسي عليك لما صارحتك بمشاعري، لدرجة إنك بقيت بتجبر نفسك تكون معايا بشكل مستمر، ده مخليني أبقى مكسوفة من نفسي.
صعق مما استمع إليه ومع ذلك بقى هادئًا، واختار كلمـ.ـا.ته بعناية: ليه بتقولي كده يا صبا، كل الحكاية إني شلت الهموم اللي على كتافي، أنا ظلمت نفسي قبل ما أظلمك معايا يا صبا وفوقت!

واسترسل وهو يجذبها لتجلس على ساقه: ثم إن المفروض تكوني حاسة بحبي ليكي وفاهمه ده كويس!
منحته بسمة رقيقة، فضمها إليه وهو يهمس لها: بحبك ونفسي تفهميني بقا، أعملك أيه تاني ده أنا بطلت أشوف المقاطيع بالساعات بسببك وواخدني تريقة في الراحة والجاية ومستحمل علشان عيونك الجميلة دي.
ابتسمت مجددًا، وسألته بجدية: أخبـ.ـار عمران صاحبك أيه؟
أجابها وهو يغمز لها بخبث: كويس أوي أنا اللي مش تمام.

وحملها ليدلف بها لغرفتهما وضحكاتها تعلو دون توقف، فما أن وضعها على الفراش وكاد بالتمدد جوارها حتى صدح هاتفه برقم يوسف، فحمله بسخط: شوفتي أديكي نقيتي فيها، يوسف ميرنش نص الليل الا لما يكون في بلوة!
كبتت ضحكاتها حينما حرر زر الاجابة، ليجد الاخير يخبره بغـــضــــب: تعالى حالًا، صاحبك اتطرد في الشارع في نصاص الليالي وعربيته عطلانة، استر هيبتي قدام الجيران سترك الله!
ساد الصمت الأجواء، وكلاهما ينتظر سماع الرد القاطع للسؤال المطروح، فكانت شمس أول من تحدثت بثبات مصطنع تخفي به ما تعرضت له بيومها الغامض هذا، فقالت: أنا كنت مع راكان يا مامي والوقت سرقنا حتى موبيلي كان فاصل شحن، أنا أسفة مش هتتكرر تاني.
واستطردت ببسمة تصنعها بالكد: حمدلله على سلامتك يا أنكل، نورت الدنيا كلها.

واحتضنته شمس بشوقٍ، فربت على ظهرها وهو يعاتبها ببسمة هادئة: كده تخضينا عليكي الخصة دي، وخطيبك ده مكنش بيرد على مكالمتنا ليه ده أنا روحتلكم البيت والحرس قالولي إنه مرجعش من بره.
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر، فخـ.ـطـ.ـفت نظرة مترددة لوالدتها المتجمدة محلها بملامح واجمة لا تنذر بخير، فقالت: موبيله كان صامت، لإنه محبش حد يزعجنا زي كل مرة، بعتذر على الازعاج اللي سببنهولكم مرة تانية.

مسد على شعرها الطويل بحنان: ولا يهمك يا حبيبتي. المهم إنك بخير.
تحرر صوت فريدة الحازم لتغزو مايسان وعلي: وحضراتكم كنتوا فين لحد دلوقتي، وإزاي يا مايا تنزلي بوقت زي ده من غير ما تأخدي اذني أو ت عـ.ـر.في جوزك على الأقل!
أخفضت عينيها خــــوفًا مما ستلاقاه الآن، فرددت بتلعثم: آآ، أنا. آآ.
ناب عنها على حينما قال بخشونةٍ: أنا اللي كلمت مايا وطلبت منها تقابلني في المطعم لإني كنت محتاج مفاتيح شقة والدها.

زوت حاجبيها باستغرابٍ: محتاج المفاتيح ليه؟
ها قد بدأت الدفوف لاعلان الحرب المترقبة، فسحب على نفسًا مطولًا ليجيبها: كنت محتاجه لفطيمة هتقعد بالشقة لحد ما نكتب الكتاب وبعدها هتيجي تعيش معانا هنا لحد ما نحدد معاد الفرح.
سقطت الكلمـ.ـا.ت عليها كالصاعقة، فبدت بالبداية كالبلهاء لا تفقه فهم كلمـ.ـا.ته، فطيمة تتذكر جيدًا هذا الإسم فقد سبق عليها سماعه، مهلًا هل يقصد مريـ.ـضته التي سبق وقص لها ما تعرضت له من اعتداءً!

تصلب جسدها جعل أحمد يمنحه نظرة معاتبة لتسرعه باخبـ.ـارها، بينما خشيت مايسان تلك العاصفة التي سترج أركان المنزل، أما شمس فبدت متحيرة في فهم ما يقوله أخيها، كل ما تمكنت من فهمه بأن سيعقد قرانه على فتاة وسيحضرها هنا لحين تحديد حفل الزفاف.
تمكنت فريدة من تحرير لسانها الثقيل، لينطق: إنت بتقول أيه؟!

وتابعت وهي تعيد خصلات شعرها القصير للخلف: لا أكيد بتهزر، اللي فهمته أكيد غلط إنت متقصدش البـ.ـنت المغتصبة اللي بقالك شهور بتعالجها، أكيد دي واحدة ليها نفس الإسم صح؟
اسند يديه لبعضها البعض خلف ظهره، وأكد بثقة: لا يا فريدة هانم، هي نفسها المريـ.ـضة اللي بعالجها.

تحررت عن حالة جمودها، لتصرخ بصوت أخاف الفتيات: إنت اتجننت يا على عايز تتجوز واحدة اتعرضت للاغـ.ـتـ.ـsـ.ـاب أكتر من مرة، قبلتها على نفسك إزاي، إنت أكيد مش بعقلك!
أجابها بتحدي وعينيه لا تفارق خاصتها: أنا طول عمري عاقل وعارف كويس أنا بقول أيه، وحضرتك نطقتي بلسانك إنها مغتصبة يعني اللي حصل ليها مكنش بـ.ـارادتها!
تدخل أحمد سريعًا يحاول تلطيف الأجواء، فقال: اهدوا يا جماعة النقاش مش كده!

وتطلع لفريدة يخبرها بهدوء: فريدة، على معاه حق البـ.ـنت مالهاش ذنب في كل اللي حصلها، حـ.ـر.ام تتعـ.ـا.قب على شيء اتفرض عليها.
رمشت بعينيها بعدm تصديق: إنت كنت عارف يا أحمد؟
اكتفى بإيماءة رأسه مما جعلها تصفق كف بالأخر وهي تصيح: مش معقول أكيد ده حلم سخيف!

وتابعت بصوت محتقن: إنت مختارتش واحدة بره الطبقة الراقية اللي عايشين جواها يمكن كان الموضوع هيبقى صعب بس مش مستحيل، لكنك اختارت واحدة ملوثة متناسبش العيلة لا بالنسب ولا بأي شيء وواقف قدامي بكل جراءة وتقولي هتتجوزها!
واستكملت بعنف وقد تلون وجهها بحمرة مخيفة: لا يا على مش هسمحلك تعمل كده، الجوازة دي مستحيل هتتم سامعني!

اقترب منها على حتى بات يقف قبالتها، فردد بصوتٍ منخفض لا يهنيها بحدته: فريدة هانم أنا مش عمران هقبل بقراراتك وأنخضع ليها، أنا على اللي لا يمكن مخلوق على وجه الأرض يمشي أوامره عليا وحضرتك عارفاني كويس.
وتابع وهو يتطلع لأحمد: الجوازة هتم يا عمي، بكره هكتب كتابي على فاطيما والاسبوع الجاي هنعمل الفرح هنا بالبيت.

وتركهم وكاد بالصعود ولكنه توقف فور أن صرخت فريدة بعصبية: القذرة دي مستحيل هتعتب خطوة واحدة جوه بيتي، ولو فاكر إني هسكت تبقى بتحلم يا علي.
أطبق يده على درابزين الدرج يبث عصبيته الكامنة بها، فهدأ من أعصابه قبل أن يستدير ويخبرها: يبقى أنا كمان من النهاردة ماليش مكان جوه البيت ده.
وهبط يتجه للخارج، فهرعت شمس من خلفه تردد ببكاءٍ: على أنت رايح فين؟ أرجوك تهدأ وترجع.

لم يستمع أليها وأكمل طريقه، حتى صاح به أحمد بغـــضــــب: أيه اللي بتعمله ده يا علي، بطل جنان واطلع أوضتك وأنا هحاول أتكلم مع فريدة.
لا يريد أن يكون وقحًا مع عمه، فقال برزانة: من فضلك يا عمي أنا مش مستعد يكون في زعل بيني وبين حضرتك، أنا قولت اللي عندي وده النهاية.
قالها وهو يهم بالخروج، فأوقفه صوتها المنادي: علي.

توقف محله واستدار إليها، فاقتربت منه تردد بحزمٍ: بلاش تخسرني عشانها يا علي، إختار أي بـ.ـنت حتى لو مكنتش من مستوانا وأنا بنفسي هروح أخطبهالك بس من فضلك تكون عذراء متكنش ملوثة.
برق بعينيه بصدmة من حديث والدته، فابتسم ساخرًا: أنا طول عمري بحترم حضرتك بس حقيقي أنا النهاردة مصدوم ومش قادر أتكلم، بتحسسيني بكلامك إنها هي السبب في اللي حصلها!

وتابع وهو يشير باصبعيه: اللي حصلها ده كان ممكن يحصل لشمس أو لمايا وقتها كنتي هترميهم من حياتك!
علي!
تحرر صراخها يستوقف حديثه، فرددت بحدة: ازاي تجرأ تقارنها ببناتي، الظاهر كده إن عمران لوحده اللي مرتكبش معصية وسكر إنت كمان مش في وعيك.
ازدادت ابتسامته الساخطة: لا يا فريدة هانم أنا لا مـ.ـجـ.ـنو.ن ولا سـ.ـكـ.ـر.ان، أنا واعي كويس للي بقوله.

وتابع قائلًا: أنا مأجرمتش بحبي ليها، قلبي هو اللي اختارها عن قناعة إنها انسانة متكاملة وزي كل البنات مش ناقصها حاجة.
وضم شفتيه معًا بقلة حيلة كونها والدته، ثم قال: بسبب وجود ناس تفكيرهم زي حضرتك في ألف بـ.ـنت زي فاطيما بيعانوا ومش بس وصل بيهم الحال في أوضة بمستشفى للأمراض النفسية، وصل بيهم الحال للانتحار يا فريدة هانم.
تمردت عن ثباتها وتحرر صوتها المبحوح: على هعملها لأول مرة وهمد إيدي عليك.

تدخل أحمد على الفور، فأشار إليه بصرامة: اطلع على أوضتك دلوقتي يا علي، واللي إنت عايزه هنعملهولك.
اعترض على أمره قائلًا باحترام: عمي من فضلك آ.
قاطعه بنظرة حازمة وصراخه الذي تمرد على هدوئه الرزين: أنا قولتلك اطلع أوضتك وسبني دلوقتي مع والدتك.
اقتربت شمس منه تترجاه برجفة يدها: على بليز تعالى معايا.
رؤيته لدmعاتها ورجفة أصابعها المتمسكة بقميصه جعله ينصاع إليها برفقة مايسان للمصعد.

ما أن فرغت الردهة بها حتى جلست على أقرب مقعد تحتضن جبينها بتعبٍ شـ.ـديد، وتردد بصوتٍ مرهقٍ خافت: أولادي بيضيعوا مني يا أحمد، لسه متجاوزتش اللي عمران عمله ودلوقتي طلعلي علي!
تطلع لها بحـ.ـز.نٍ شـ.ـديد، فجذب أحد مقاعد السفرة ليجذبه قبالتها ثم جلس وقال بألــمٍ: اهدي يا فريدة، الأمور متتحلش كده.
رفعت عينيها الباكية إليه تشير بقلة حيلة: أمال تتحل ازاي! أنا تعبت تعبت وحاسة إني خلاص مبقتش حمل المسؤولية دي.

وعادت تنحني دافنة رأسها بين ذراعيها هاتفة ببكاء: لأول مرة أحس إني عاجزة ومفتقدة لوجود سالم جنبي، خلاص بقالي 15سنة بحارب لوحدي!
طـــعـــنته بخنجر قاسٍ استهدف صدره دون راجع، اتشتاق لرجلٍ أخر سواه وترددها بوجهه!
نعم لم تخطئ فهو بالنهاية زوجها، ولكن الا تمنحه الرحمة لعـ.ـذ.اب خاضه وأخيه حيًا لتلزمه به وهو مـ.ـيـ.ـتًا! الا تشفق تلك المرأة على حاله؟!

أفاق من شروده حينما وجدها تنحرف بجلستها تجاهه، لتسأله بلهفة: قولي يا أحمد أعمل أيه؟ أنا مش قادرة أتخيل إن البـ.ـنت دي تبقى مرات ابني! أنا ممكن يجرالي حاجة لو ده حصل.
وتابعت وهي تلتفت بجنون: هودي وشي فين من الناس لما يعرفوا اللي حصل معاها ولا لما يعرفوا هي بـ.ـنت مين وأصلها أيه؟
واستطردت تجلب حجج من أمامه: إنت أكتر واحد عارف الطبقة اللي عايشين فيها عاملة إزاي.

تحرر عن صمته بنبرته الرجولية الصارمة: ما يغوروا في داهية يا فريدة، ناس أيه اللي بتتكلمي عنهم!
وتنفس بضيقٍ، ثم عاد يشير لها بهدوء: يا فريدة إفهمي على غير عمران وإنتي عارفة كده كويس، مدام أخد القرار مستحيل هيتراجع فيه.

انفطرت ببكاء جعله يود أن يجلد ذاته، يتمنى من أن يضمها إليه، تبًا لتلك المسافات التي مازالت تضعها بينهما حتى تلك اللحظة، ليته يتمكن من الزواج بها رغمًا عنها، ليته يقسو عليها ولو بمجرد الكذب عليها بشأن زواجه من أخرى ولكنه يخشى أن يحـ.ـز.نها، وكأن قلبها هذا هو النابض بجسده، لا يريد أن يسبب لها الألــم يكفي ما فعله بها.

تنحنح أحمد وببحة صوته المميز قال: فريدة كفايا عشان خاطري، بتو.جـ.ـعيني بعـ.ـيا.طك ده وأنا قلبي مش متحمل، اهدي من فضلك.
أزاحت دmـ.ـو.عها وانتفضت محلها فجأة وكأنها لم تكن تعي ما فعلته، فقالت بعصبية: إنت رجعت ليه يا أحمد، رجعت عشان تشوفني ضعيفة ومهزومه صح، لا ده بعدك أنا شلت البيت ده وأولادي 15سنة، وكلمتي هي اللي هتمشي على مش هيتجوز البني آدmة دي لو أخر بـ.ـنت في الدنيا، هختارله البـ.ـنت المناسبة ليه وبنفسي.

انتصب بوقفته يرمقها بنظرة غاضبة، وهاج بسخط: اعمليها مش جديدة عليكي، بس وقتها هتكوني خسرتي ابنك التاني هو كمان.
وتابع ورماديته تناطح زرقة عينيها دون تراجع: انتي كنت سبب دmار علاقة مايا بعمران، لإنك جبرتيه يتجوزها مع إن الولد كان بيحبها ويمكن مع الوقت كان هو اللي هيطلبها بنفسه للجواز، ومهما كان احساس إنه اتجبر على شيء غير مقبول لأي راجـ.ـل اتخلق على وش الأرض وابنك راجـ.ـل مش دلدول أمه يا فريدة هانم.

تراجعت للخلف خطوة وكأنها على وشك السقوط، فاستطرد بقسوة علها تعود لرشـ.ـدها: حتى شمس فرضتي عليها راكان لإنه من وجهة نظرك رجل الاعمال ابن الحسب والنسب واللي يليق بالعيلة، لكن بـ.ـنتك بتفكر في أيه وجاهزة للجواز دلوقتي ولا لأ ولا همك!
ابتلعت ريقها المتحجر بصعوبة، فاحتقنت حدقتيه وبو.جـ.ـعٍ أضاف: دmرتيني ودmرتي عمران ودmرتي شمس ودلوقتي جيه الدور على علي!
لسه عايزة تعملي أيه تاني يا فريدة؟

تحررت عن صمتها لتحرر صراخ الأنثى الباكية داخلها فقالت: أنا مدmرتش حد، أنا كنت بحمي عمران من الحـ.ـيو.انة اللي كانت هتدmره، وكنت بحافظ على مايا بـ.ـنتي اللي ربتها على ايدي يا أحمد!
وبكت وهي تخبره: خــــوفت إنها تعيش في النار اللي أنت رمتني فيها، خــــوفت أشوفها بتنهار لو اتجوزت شخص مبتحبهوش، احساس بشع متمنهوش لألد أعدائي عايزيني اتقبل إن بـ.ـنتي تعيشه!

مسحت عبراتها وهي تستمد قوتها: على الأقل عمران كان بيحبها ودلوقتي ابتدى يقتنع بغلطه ويصلح علاقته بيها، أما شمس فأنا مستحيل هرميها أنا عارفة ومتأكدة إن مفيش حد في حياتها عشان كده اختارتلها المناسب ليها وطولت فترة الخطوبة بحيث إنها تعاشره وتقدر تتعرف عليه كويس، ولو إنها ذكرتلي سبب مقنع لفسخ الخطوبة مش هتردد ثانية واحدة.

وأشارت باصبعها باصرار: لكن على لازم أقفله وأمنعه من اللي هيعمله ده مهما كان التمن.
ابتسامة موجوعة ارتسمت على شفتيه، وقال بانهاكٍ: حتى لو كان التمن خسارته!
جحظت عينيها صدmة، فتابع بهدوء غريب: فريدة أنا مش ضدك ولا عمري هكون، أنا في صفك ومش عايز غير مصلحتك، ومصلحتك إنك متخسريش علي، وافقي على جوازه منها لانه كده كده هيتجوزها وإنتِ عارفة ده.

هدأت قليلًا، وجلست على الاريكة باسترخاء، ليطول صمتها وكأنها توازن الأمور جيدًا، ورددت بهمس: بس أنا مش هقدر أتقبلها يا أحمد.
جلس على بعد معقول منها، وقال: مش مهم، المهم إنك متخليش على يطلع من تحت طوعك ده لمصلحتك.
أغلقت عينيها بقوةٍ تحرر دmعتها، وهزت رأسها متفوهة بازدراء: سبني لبكره أفكر!

هدأ من سرعة السيارة حينما اقترب من العمارة، ولكنه وللعجب لم يجد أحدًا، فرفع هاتفه يطلبه فإذا بذراعٍ يشير له من مدخل العمارة، يحثه على التحرك والوقوف قبالة الباب، فقاد جمال السيارة حتى بات قبالته، فركض يوسف ليفتح باب السيارة ولكنه لم يستجيب له، فصرخ بمن يتأمله بفمٍ بكاد يصل للأرض من فرط الصدmة: افتح الباب بسرعة هتفضح يالا!
فتح القفل الالكتروني، فصعد يوسف يلتقط أنفاسه وهو يشير له: اطلع بسرعة.

تمادى بالضحك وهو يردد بصعوبة: بالبيجامة الستان يا دكتور!
رمقه بنظرة قـ.ـا.تلة، فكبت جمال ضحكاته وقاد بصمت، ومن ثم عاد يتطلع إليه فضحك مجددًا وهو يخبره: مش ممكن، لو حد من المرضى بتوعك شافوك كده هيركبوك التريند.
وقهقه ضاحكًا وهو يتابع بسؤال هام: ازاي دكتورة ليلى سمحتلك تنزل كده، لا أكيد في سوء تفاهم!

لزم الصمت ونظراته الحادة هي التي تخترق ذاك المتطفل، فعاد لنوبة ضحكه مجددًا وأشار له لاهمية الأمر: يعني دلوقتي هنخش على أخوك سيفو كده ازاي، هتكون قدوة ليه من أي جهة وإنت راجع الساعة 2وش الصبح بالبيچاما الستان المنيـ.ـلـ.ـة بسواد دي!
زفر بغـــضــــب، فتابع جمال بمشاكسة: لو عايز مفتاح مكتبي تتكوم فيه للصبح معنديش مانع أهو أهون من الفضايح دي.

تحرر يوسف عن جلباب صمته العتيق، فطوق عنقه بقبضته، صعق جمال مما فعل فحاول السيطرة على حركة السيارة وهو يصيح: يوسف بطل غباء هنعمل حادثة.
لم يزيح يده فقال بضحك: طب خلاص حقك عليا، أنا اللي مطرود بالبكيني يا عم.
تركه يوسف وجلس بهدوء جعله يتساءل: مالك يالا، ساكت من ساعة ما ركبت هي دكتورة ليلى كلت لسانك ولا أيه؟ لو تحب نطلع على المستشفى مفيش مانع!

صرخ بعصبية: أنا كرهت المستشفيات والدكاترة كلهم، جالي مكالمة شغل مريـ.ـضة بتحكيلي على مشاكل عندها في الحمل فسألتها بمنتهى العملية إذا كان حدث علاقة مع زوجها بنفس اليوم ولا لأ مرات أخوك سمعت المكالمة جنونها طارت مسكتني من ياقة البيجامة الستان السودة وطردتني بره الشقة!
لم يستطيع السيطرة على ذاته، فأحمر وجهه من فرط الضحك والاخير يتطلع أمامه في محاولة للسيطرة على أعصابه بالنهاية يقدm له المساعدة.

رفع جمال يده له بحرج: أنا آسف يا جو النية مش شمـ.ـا.تة أبدًا بس الموضوع مضحك!
وتابع بمزح: أنا كنت جايلك على أخري منك لإنك بتختار أوقات مش تمام وتكلمني فيها، بس بصراحة ناري بردت لما شوفت حالتك المذرية دي!
لكمه بشراسة وهاج به: ما تنزل تشحت عليا أحسن! مهو خلاص معتش غيرك إنت والوقح عمران اللي تتمسخروا بدكتور يوسف أحلى دكتور نسا وتوليد فيكي يا انجلترا.
هز رأسه مؤكدًا بسخرية: دكتور الحالات المتعثرة!

لكمه مجددًا فقهقه ضاحكًا وهو يوقف السيارة بقوةٍ جعل جسده يندفع بعنف للامام، ليشير له بتسلية: يلا يا جو اطلع لسيفو يكمل تحفيل عليك وأنا هبقى أجي أكمل بكره، أقصد هجبلك بدلة شيك وأجيلك بكرة بإذن الله عشان نروح لعمران.
هبط يغلق باب السيارة بعنف، وانحنى للنافذة يشير له: بكره هوريك مقامك يا حقير!

ولجت لغرفتها أبدلت ثيابها وقبل أن تذهب للنوم اتجهت لتتفحص عمران قبل أن تغفو، فما أن وجدت الغرفة معتمة كادت بالعودة لغرفتها، فتفاجئت بالنور يضيئها، فتمكنت من رؤيته يجلس على الفراش والضيق يتسلل لمعالمه بوضوح، ابتلعت مايا ريقها بتـ.ـو.تر فبررت لما خمنت سبب غـــضــــبه: عمران أنا أسفة أني خرجت في الوقت ده بدون إذنك، بس والله كنت نايم ومحبتش أزعجك، على بعتلي وكان عايز مفتاح الشقة لفطيمة.

رد عليها ونظراته تحيطها بثبات: مش زعلان عشان تبرريلي يا مايا، أنا متضايق من اللي بيحصل معانا بسبب عناد فريدة هانم.
وأضاف بغـــضــــب: الصوت كان عالي تحت وسمعت كل حاجة، وبصراحة على معاه حق.
رفعت حاجبها بدهشة، فدنت تجلس أمامه على الفراش تردد: مش مصدقة إن عمران سالم اللي بيقول الكلام ده! أنت لسه تعبان ولا أيه؟

تمردت ضحكاته الرجولية، ليغمرها بنظرة مشاكسة: لا ده عمران اللي قلبه رجع يدق بحب مايا من تاني فبقى عاطفي ويقدر القلوب العاشقة زي قلب الدكتور على كده.
أخفضت عينيها عنه بـ.ـارتباك، فاقترب بوجهه يهمس بصوتٍ منخفض مغري: أيوه يعني هتهربي مني كده لحد أمته؟

وتابع بخبث: زي ما أنتِ شايفة بقيت عاجز عن الحركة وهحتاجك جنبي طول الوقت، وانتي من كلمتين بتفرفري قدامي، مينفعش كده هحب في مين طيب في على أخويا ولا انكل أحمد مثلًا!
اشتعلت وجنتها فنهضت عن الفراش واتجهت للمغادرة وقبل أن تغلق بابها رددت بغـــضــــب: يوسف صاحبك معاه حق إنت وقح!

تمؤدت ضحكاته باستمتاعٍ لرؤيتها تهرول خجلًا منه، فراق الأمر له كثيرًا، سحب عمران جسده للأسفل ليتمدد بـ.ـاريحية لحقت نبرته: شكلنا كده هنتسلى كتير الفترة الجاية!
طرق على الباب ويده على جرس المنزل لدقائق متتالية حتى استجاب أخيه لندائه المزعج، ففتح الباب يعبث بحدقتيه الناعسة: يوسف! أيه اللي جابك بالوقت ده!

ربع يديه أمام صدره بضيقٍ: مطرود ولو هتفتح تحقيق فالعملية مش ناقصك إنت كمان، وسع من قدامي خليني ألحق اتخمد قبل معاد المستشفى.
وكاد بالدخول فقاطعهما صوت أنوثي يردد بفزع: دكتور سيف ماذا هناك؟ ومن هذا المزعج الذي يدق بابك بتلك الطريقة!

استدار يوسف للخلف، فوجد باب الشقة المقابل لاخيه مفتوح ومن أمامه تقف بـ.ـنت شقراء، ترتدي تنورة قصيرة وتوب قصير، فالتفت لأخيه يجذبه من تلباب ملابسه، ثم دفعه للداخل ليغلق الباب بقوة بوجهها، فلف يده حول رقبته وهو يصيح: مين دي يا وقح أنا شكلي هسحب الوقاحة من عمران وأديها لاخويا اللي مدورها بغيابي!

ابعد سيف يده عن رقبته باختناقٍ: يوسف أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن، أنا أبص على اللحم الرخيص ده! دي جاسي واحدة لسه ساكنة جانبنا من أسبوع وسبق واتعرفنا بالاسانسير بس كده!
منحه نظرة قاتمة قبل أن يحرر يده كليًا، فجذب القميص يعدله على جسد أخيه وهو يشير له: يالا لو واقع قولي وأنا أروح اخطبهالك ونخلص.
جحظت عينيه صدmة: تخطبلي مين! أنا ساعات بحس إنك عايز تلقفني لأي عروسة عشان تتخلص مني.

أحنى رأسه ليسدد له صفعه على رقبته: يا حمار خايف عليك من الفتنة، إنت شايف البلد اللي احنا فيها عاملة ازاي!
تركه وولج للمطبخ يجذب كوبًا من المياه يرتشفه وهو يشير له: اطمن يا حبيبي أخوك راجـ.ـل مش أي ست تجيب رجليه.
وأسترسل بغــــرور: أنا يوم ما أقرر اتجوز هتجوز بـ.ـنت مسلمة ومحجبة يا يوسف، تخفي جمالها عن الرجـ.ـا.لة كلها لحد ما يتقفل علينا باب واحد!
ابتسم وهو يستمع إليه، وقال بجدية: راجـ.ـل يالا، تربية ايدي!

ضحك وهو يغمز له: طب فكك من حوار نونة الخاطبة دي وأرغي دكتورة ليلى طردتك ليه المرادي؟!
تقلب بفراشه بانزعاجٍ، يحاول السيطرة على لهفته فالوقت قد شارف على الثالثة صباحًا، كيف سيتصل به بوقتٍ كذلك، ولكن النوم جفاه وعينيه لا تفارق ساعة الحائط، فاستقام بجلسته وهو يردد: أنا هتصل بيه دلوقتي واللي يحصل يحصل.
وعاد يجيب على ذاته: بس الوقت متأخر جدًا يا علي، هيقول أيه!

واقنع ذاته ببسمة واسعة: هي رنة واحدة رد رد مردش هكلمه بكره.
وبالفعل حرر زر الاتصال، ليتفاجئ بصوت الجوكر الناعس يجيبه: دكتور علي، خير؟!
سحب نفسًا طويلًا، ليجيبه ببسمة واسعة: النهاردة كتب كتابي على فطيمة!

تسللت الشمس بخيوطها لساحتها العتيقة، ففتحت فطيمة عينيها، ونهضت تتجه لحمام الغرفة، فاغتسلت وخرجت تؤدي صلاتها وهي تدعو الله مرارًا أن يقرب منها الخير ويبعد الشر عنها، تعلم بأن هناك حربًا سيخوضها على برفقة والدته التي سبق له الحديث عنها لها بتلك الايام التي كانت تلجئ بها للصمت، فلم يكتفى بالحديث لها عن والدته فقط، كان يجلس جوارها كل يوم بعد انتهاء عمله بالمشفى يقص لها عن حياته وكأنها طبيبه النفسي!

أخبرها عن يارا خطيبته السابقة وحبها لمروان زيدان ابن عم مراد، وعن أخيه وزواجه من مايسان ابنة خالته حتى شمس كان يقص لها عن تلك الفتاة المدللة، وأيضًا لم ينسى ذكر فريدة هانم بسلطاتها القوية بالسيطرة على المنزل وأبنائها.

بداخلها خــــوفًا كبيرًا تجاه ما سيتعرض له على بسببها ولكنها الآن كالغريقة التي تتمسك بقشة نجاتها، وعلى هو كل شيءٍ لها، الثمانية وأربعون ساعة التي قضتها دون رؤيته بالمشفى كانت على وشك الجنون، وكأنها تترقب جرعة المـ.ـخـ.ـد.ر الذي سيذهق عقلها عن آلآمه جميعها، وكأنه البلسم لكافة جروحها، لا تحتاجه كطبيب يكفي وجوده لجوارها حتى وإن كان صامتًا، الأمر يتعلق به.

خرجت من غرفة النوم واتجهت للمطبخ الفخم الموجود بطرفي الردهة، تحمل من الثلاجة بعض الفواكه واتجهت للطاولة القريبة من الحائط المشكل على هيئة من الزجاج الشفاف، فراقبت المارة بأعين ساهمة لا تدري ماذا سترى بالايام القادmة!
انتهى من ارتداء ملابسه وأخذ يصفف خصلات شعره حينما اتاه صوت طرقات باب غرفته ومن خلفها صوتها الرقيق يستأذن: ينفع أدخل؟
ابتسم وهو يشير لها: تعالى يا روح قلبي.

ولجت شمس للداخل بفستانها الأزرق الطويل، تهرول حتى أصبحت أمامه تخبره بحماس: أنا جاهزة.
عقد حاجبيه باستغراب، فأحاط رقبته بالجرفات متسائلًا: جاهزة لأيه، مش فاهم؟!
ذمت شفتيها بضيق: هو إنت عايز تروح تكتب كتابك من غير أختك يا علي!
استدار إليها يرمقها بنظرة متفحصة قبل أن يسألها بمكر: مش خايفة من فريدة هانم؟
هزت شمس رأسها نافية، وأضافت: أنا جاهزة أتعرف على البنوتة اللي سحرت قلب دكتور علي.

فتح ذراعيه لها ببسمة جذابة، فاحاطت رقبته ورأسها ممدد على صدره، فربت بحنان على خصرها وهو يهمس لها: حبيبتي منحرمش منك أبدًا، أكيد طبعًا هاخد شمس هانم بنفسي لهناك.
صاحت بحماس: هجيب شنطتي وهجي.
هز رأسه بتفهمٍ، وجذب جاكيته يرتديه على عجلة، ثم توجه لغرفة عمران يطرق بابه وما ان استمع لصوته يأذن له بالدخول، ولج ببسمته الواسعة: صباح الخير.

ابتسم ذاك المشاكس الذي يتناول طعام الافطار بيد مايسان التي تجاهد لاخفاء خجلها الشـ.ـديد وخاصة مع دخول علي: صباحك ورد يا دوك، تعالى افطر.
غمز على بخبث: مايا هانم بتأكلك بنفسها! الله يسهله يا عم.
ارتبكت مايسان، فطرقت الصينية من يدها على الكومود ورددت لعلي بحرج وخــــوف: والله ما أنا، أخوك الوقح اللي أجبرني أكله بيقول مش عارف يأكل بإيد واحدة.

تعالت ضحكات على حتى كاد بالسقوط أرضًا، بينما كز عمران على شفتيه وهو يصيح بانفعال: هو قافشنا في شقة مفروشة! أنتِ مراتي يا غـ.ـبـ.ـية، تأكليني تحـ.ـضـ.ـنيني كل شيء وارد.
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة، فأشارت بـ.ـارتباك: شوفت يا على أخوك بيتكلم ازاي، آآ. أنا غلطانه إني جيت أشوفك فطرت ولا لا. أنا ماشية.
وكادت بالهروب كعادتها ولكن صوت على أوقفها: مايا استني أنا عايزك.

عادت لتقف على مقربة منه ونظراتها الساخطة تحيط عمران الذي يغمز لها، ويمنحها قبلات بالهواء متعمدًا أن يثير غـــضــــبها، مستغلًا أن على يستدير بوجهه عنه.
أخرج على من جيبه الفيزا الخاصة به ثم قال: مايا أنا عايزك تاخدي فطيمة وتنزلي تشتريلها شوية هدوم وكمان تجبيلها فستان شيك كده عشان بليل هعدي عليكم وهنطلع على المحامي نكتب الكتاب.
هزت رأسها بترحاب: بس كده عيوني.

ابتسم وهو يشكرها بامتنان: الأخت الجدعة متتعوضش حقيقي بشكرك على كل حاجة يا مايا.
اعترضت بلباقة: متقولش كده يا على انت أخويا. المهم بس تنفد من فريدة هانم النهاردة ربنا معاك.
ضحك وهو يعدل من جرفاته بغــــرور: متقلقيش على أخوكي، جـ.ـا.مد ومفيش حاجة تهزه.
ردد عمران ساخرًا: طيب يا جـ.ـا.مد متنساش تاخدني معاك أبـ.ـارك ولا هترميني على السرير كده شبه العانس وانت مدورها!

انطلقت ضحكاته وقال وهو يتفحص ساعة يده: متقلقش، على فكرة دكتورة ليلى هتبعتلك دكتورة علاج طبيعي هتساعدك بتمارين خفيفة كده من النهاردة، زمانها على وصول.
انشرح وجهه ومنح بسمة خبيثة لزوجته قبل أن يقول: والله دكتورة ليلى دي بتفهم.
انفجرت مايا بغـ.ـيظها مرددة: مفيش غير دكتورة يا على متشوق دكتور أحسن!
نهض عن الفراش يقف قبالتها: هشوف حاضر، بس الدكتورة دي كبيرة بالسن متقلقيش منها يعني.

لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ من كشف أمرها أمامهما، فقالت بـ.ـارتباك: وأنا هقلق ليه يعني.
شهقت صدmة حينما جذبها عمران لاحضانه يتعمق بالتطلع لوجهها القريب ويهتف ساخرًا: كل اللي هنا عارفين إنك واقعة في غرامي، ما تحني بقى!
لكمته مايا بغـــضــــب وصرخت به: سبني انت اتجننت أخوك واقف!
هز على رأسه بسخطٍ، واتجه ليغادر مرددًا: أخوه عارف إنه وقح متقلقيش.

نجحت بالتحرر من قبضته وهرولت خلف على تخبره باستحياء: هغير وهنزل حالًا يا علي.
أجابها دون أن يستدير: واستعجلي شمس معاكي.
طب وأنا يا علي، مش هتأخدني معاك!
جحظت عينيه صدmة، فاستدار للخلف ليتفاجئ بها تقف مرتدية ثياب الخروج برفقة أحمد الذي غمز لها بمكرٍ، فردد بصدmة: فريدة هانم!
تجمعت الدهشة والريبة لتشكل على معالم على بحرافيةٍ، وبالرغم من محاولات أحمد ببث الأطمئنان إليه الا أنه لم يكن بذلك أبدًا، فما أن توقفت سيارته قبالة العمارة حتى قال قبل هبوط الجميع: فريدة هانم من فضلك يا ريت تتعاملي مع فطيمة بحذر، فطيمة مريـ.ـضة نفسيًا يعني ده هيدmر اللي وصلتله بحالتها.

حدجته من تجلس بالخلف جوار مايا وشمس بنظرة قـ.ـا.تلة، ورددت باستهزاء: والله؟ ولما هي مبقتش كويسة خرجتها من المستشفى ليه يا دكتور!
تنحنح أحمد الجالس بالأمام جوار علي: فريدة، وبعدين؟!
ادعت برودها ووداعة ملامحها وهي تجيب: أيه اللي قولته غلط يا أحمد! المكان الطبيعي للمرضى النفسين هو المستشفى!

أغلق على عينيه بقوةٍ وهو يحاول التماسك، لا يريد نزع تلك الليلة، وخاصة بأنه لن يترك فطيمة تجلس بمفردها، سيصطحبها للمنزل حتى موعد الزفاف، فوجد شمس تمسد على كتفه وهي تمنحه رسالة مبطنه لقلقه بعدm تمكنه من الصعود برفقتهم الآن: متقلقش يا على هنتعامل معاها بحرص، وأنا ومايا مش هسيبها خالص لحد ما ترجع بليل.

أكدت له مايا وهي تتابع نظرات فريدة المشتعلة على ابـ.ـنتها: احنا أساسًا يدوب ننزل عشان نشتري الفستان ونجهز فطيمة.
ضيقت عينيها بدهشة: تخرجوا فين؟
ردت شمس بتـ.ـو.تر: هناخد فطيمة نجبلها فستان لكتب الكتاب.
زوت شفتيها بسخرية: والله! طب تمام يلا عشان منتأخرش.
جحظت أعين مايا وتبادلت النظرات مع شمس وعلى وهي تتساءل: هو حضرتك هتيجي معانا؟

أغلقت زر جاكيتها الأسود الشبيهة للتنورة السوداء وقميصها الأسود الأنيق من أسفل الجاكيت الثمين، قائلة: عندك اعتراض يا مايا؟
هزت رأسها نافية وبالكد قالت: لا طبعًا أنا بسأل بس.
فتحت شمس باب السيارة وهبطت لتلحق بها فريدة ومايسان، بينما ظل أحمد جوار علي، ليشير له: يلا يا على إطلع على المحامي نرتب معاه الأوراق عشان منتاخرش.
زادت صدmة علي، فصاح بعدm تصديق: عمي حضرتك جاي معايا؟

هز رأسه مؤكدًا، فقال الاخير: لا طبعًا، متقوليش إنك هتسيب فريدة هانم مع فطيمة لوحدها، محدش هيقدر عليها غيرك إنت!
ضحك أحمد بشـ.ـدة وردد: إنت قاريني غلط يا علي، فريدة أمك مش بترضخ لحد هي ممكن تكون بتتفادى رغيي فبتعمل اللي بطلبه عشان أبطل أتكلم بالموضوع، لكن في حقيقة الأمر فريدة هانم مفيش شيء بيردعها عن اللي في دmاغها.
وهمس بصوتٍ ظنه غير مسموع لعلي: لو كنت قدرت عليها يمكن ده مكنش حالي!

ابتسم بسخطٍ تمكن من إخفائه، وقال محاولًا تصنع جديته: عمي أنا مش هقدر أمشي من هنا وأنا قلقان عليها، وجودك على الأقل هيطمني.
وتابع بحـ.ـز.نٍ تغلب عليه: فطيمة أقل شيء بيخلي حالتها تسوء أكتر من فضلك حاول تمنع ماما إنها تضايقها.

شفق عليه وعلى القدر الذي وضعه باختبـ.ـار سيكون من الصعب عليه تجاوزه، كان يعلم منذ أشهر بأنه على قد سقط بداء العشق، فلم يكن بذاك الطبيب الذي يفشي أسرار عمله عن مرضاه أبدًا، ولكن من كثرة تفكيره بفطيمة وما يخصها كان يشعر تجاهها وإنها من أولويات حياته، وكأنها أحد أفراد عائلته، فكان يحاول باستمـ.ـا.تة علاجها طوال تلك المدة التي تكمل العام بعد سفرهما من مصر لانجلترا، فنتج عن انشغاله تقصيرًا شمله تجاه العائلة، فاضطر أسفًا يبرر انشغاله لرفيقه الودود أحمد، ووالدته وأخيه ظنًا من أنهم سيتفهموا سبب غيابه بالأيام عن العودة.

ورغمًا عنه وجد الامور تخرج عن طور سيطرته، فإذا بقلبه المغدور يعلن حبها صريحًا له، جابه مشاعره كثيرًا ولكن قلبه بالنهاية انتصر.
تحركت يد أحمد تربت على ساقه وهو يخبره ببسمة هادئة: متقلقش يا علي، هكون موجود معاهم ومش هسمح لفريدة تعمل شيء.
وهبط يغلق باب السيارة وهو يشير إليه: روح إنت مشوارك ومتقلقش.

ابتسم براحة بعدmا تفادى الخمسون بالمئة من المشاكل، فحتى إن كانت فطيمة ستواجه جزءًا من تسلط والدته ولكنها ربما تكون هينة أمام المئة بالمئة!

ارتدت حجابها حينما استمعت لرنين جرس الباب، واتجهت لتفتحه، فوجدت مايسان تقف ولجوارها فتاة وامرأة تسدد لها نظرة لو حملت الجمر لأشعلت فطيمة على الفور، بدى لها بأن تلك المرأة لم تكن سوى فريدة هانم والدة علي، وقد صدقت أحاسيسها حينما قالت مايسان: دي شمس إخت على يا فطيمة، ودي فريدة هانم والدته.
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.ترٍ شـ.ـديد، ورددت: أهلًا وسهلًا. اتفضلوا.

ابتسمت فريدة ساخرة، وولجت للداخل متعمدة أن تحك كعب حذائها الأبيض العالي بالأرضية، مرددة: مش محتاجين عزومة إننا ندخل بيتنا يا حبيبتي.
كانت بدايتها معلنة للفتيات، بأن تتهييء للحرب منذ الآن، فخففت شمس وطأة الاحداث حينما أحاطت فطيمة بذراعيها وببسمة مشرقة قالت: أهلًا بعروستنا الجميلة اللي هتنور بيتنا.
استلطفتها فطيمة، فكانت بشوشة رقيقة مثل مايسان، فضمتها وأجابتها على استحياءٍ: تسلميلي يا حبيبتي.

مازحتها وهي تدعي بحيرة: قوليلي بقى أناديلك فطيمة ولا فاطمة ولا فاطيما.
ضحكت وهي تجيبها: براحتك الإسم اللي حاباه ناديني بيه.
أشارت لهما مايسان التي تقف بالردهة تراقب فريدة الجالسة على الأريكة تحدجهما بنظرة قـ.ـا.تلة، ثم قالت: يلا يا فطيمة ادخلي غيري هدومك عشان هننزل نشتري فستان لكتب الكتاب.

أخفضت عينيها أرضًا بحرجٍ، فدنت منها مايسان تهمس لها بضيق: هو انا مش وريتك امبـ.ـارح أوضتي وقولتلك إلبسي اللي تحبيه يا فطيمة، لسه بالاسدال ليه؟
يمكن مش مستنضفة تلبس مكانك يا مايا، ومستنية الجديد يوصلها!

قالتها فريدة وقد بدأت تلقي سهام حربها، فانقبضت معالم فطيمة خــــوفًا من القادm، خاصة بأن نظراتها كانت مقبضة، أجل هي تعلم بأنها لن تكون بداية سلسة بقرار زواجها، ليس من على بالتحديد بل بأي رجلًا، من البديهي أن والدته لن ترضخ لطلبه الغير مقبول بالزواج من أنثى تم تجرديها مما تمتلك!
هي من البداية كانت تصر برفضها لعلمها ذلك، ولكنها بالنهاية لم تكن قاسية على قلبها مثلما قسى عليها الجميع.

خـ.ـطـ.ـفت فطيمة نظرة لفريدة التي تقتص بنظراتها التي شملتها من رأسها لأخمص قدmيها، كأنها تقيمها بنظرة تحط من قدرها، فوجدت الكره والحقد يترأسان حدقتيها، اعتلاها الحـ.ـز.ن وفضلت الصمت، فتركت فريدة حقيبة يدها البيضاء جانبًا واتجهت لتقف قبالتها، فمازالت تقف جوار شمس ومايسان جوار باب الشقة المفتوح، مربعة يدها حول صدرها بثقة: قوليلي يا فاطيما، عملتيها إزاي دي وقدرتي توقعي ابني الدكتور علي!

واستكملت بسخرية: أصل بصراحه شايفة إنك بتمتلكي ذكاء وخبث ميلقش على وش البراءة اللي مصدرهولي من ساعة ما شوفتيني، واحدة زيك باللي حصل معاها كان ممكن يبقى طموحاتها توقع الفراش، حد من أمن المستشفى، صبي البوفيه، لكن الدكتور المعالج دي بصراحه تحسبلك!
صعقت مما استمعت، فشعرت وكأن قدmيها تهتز عنفًا طالبة جلوسها قبل أن تسقط أرضًا، بينما اندفعت شمس تهتف بها: مامي بليز مينفعش اللي بتقوليه ده حضرتك عارفة إن آآ.

رفعت كفها توقعها عن الحديث ومازالت نظراتها تحيط بفطيمة التي تتشبث بجوانب اسدالها الفضفاض، تجاهد أنفاسها اللاهثة، فتدخلت مايسان بهدوء: فريدة هانم ميصحش اللي حضرتك بتقوليه ده، على شرح لحضرتك قبل كده والموضوع انتهى!

أحالت بنظراتها عنها لتتجه لزوجة ابنها الأصغر وابـ.ـنتها، لتردد باندفاع: مفيش شيء انتهى يا مايا، الحرباية دي عرفت تتلون على ابني عشان توقعه بس مش هتنجح تخدعني، ولو عندها ذرة كرامة هتاخد نفسها وتمشي من هنا فورًا.
وخـ.ـطـ.ـفت مسافتهما لتصبح قبالة عينيها: ولو بتحبه مع إني أشك في ده، هتحب الخير ليه وإنه يكون سعيد مع بـ.ـنت يكون هو حظها الأول وميبقاش بسببها أضحوكة وسط الطبقة المخملية اللي مستحيل هتكون منها!
فريدة!

صوت ذكوري قوي قطع حديثها، ليمر من بين الفتيات حتى أصبح قبالتها عوضًا عن فطيمة التي يرتجف جسدها، فأشار لمايسان وشمس: خدوها تغير هدومها عشان هنتحرك حالًا.
جذبتها شمس بفرحة لوجود أحمد هنا، فلا هي تمتلك جرءة محاربتها ولا حتى زوجة أخيها، ولجوا بها لغرفة مايسان الجانبية، وأغلقوا الباب ليدعوا الساحة لأحمد ليحارب بمفرده.

فما أن تأكد من ابتعادهما حتى صاح غاضبًا: إنت شكلك مش ناوية تجبيها لبر، سبق واتكلمنا وانتهينا، لسه بتحاولي تعملي أيه تاني؟
تركته واتجهت تقف أمام الشرفة الزجاجية الضخمة، مرددة بانفعال: لا مخلصناش يا أحمد، أنا مش هقف أتفرج عليها وهي بتدmر ابني قصاد عيني.

حرر زر جاكيته الرمادي، ودث يده بجيب بنطاله القماشي، فاستند بيده الاخرى على العمود المجاور له وهو يردد بـ.ـارهاقٍ: وبعدهالك من العناد يا فريدة، تعبتيني وتعبتي اللي حواليكي!
واتجهت عينيه إليها يخبرها برزانة نبرته الجذابة: يا فريدة افهمي البـ.ـنت مريـ.ـضة حـ.ـر.ام عليكي اللي بتعمليه ده هيدmرها.

ضحكت ساخرة واقتربت منه: والله أول مرة تخليني أشك في ذكائك يا أحمد، البـ.ـنت دي سليمة وأحسن مني ومنك، عارفة هي عايزة أيه كويس وبتنفذ لعبتها من زمان، لدرجة أن على مكنش بيتنقل من المستشفى نهائي بسببها والله أعلم هي عملت أيه تاني عشان تخليه يصمم عليها كده، مستبعدش أنها أغريته أو آآ.

صوته الجهوري خرج متعصبًا: حـ.ـر.ام عليكِ تظلمي ابنك والبـ.ـنت بالشكل البشع ده، الظاهر إنك بعد اللي عمران عمله بقيتي تشوفي على نسخة منه، على يا فريدة العفيف اللي مبيسبش ولا فرض، على اللي عاش عمره كله يطيعك رغم إنه عارف انك غلط، تفتكر إنه ممكن يرتكب ذنب زي ده!

أخفضت وجهها للأسفل فانسدل شعرها القصير يخفي معالم وجهها عن عينيه، تراه لا يرغب برؤبة دmعاتها، مسح وجهه بقوة كادت باخفاء معالمه، ثم دنى يقول: حبيبتي سبيه يختار حياته ويعيشها زي ما هو حابب، والله أعلم بعد كده هيحصل أيه، ما يمكن مـ.ـيـ.ـتفقوش أو يحصل لا قدر الله عدm تفاهم بينهم ساعتها لو أخد قرار الانفصال يكون باختياره هو وبدون ما تفرضي عليه بشيء.

رفعت وجهها إليه، واتجهت لتلامس النافذة الزجاجية، هامسة بخبث: ده اللي هيحصل.
صفق كف بالأخر مرددًا بنفاذ صبر: مفيش فايدة فيكِ هتفضلي زي ما أنتِ.
أسرعت إليه تتمسك ذراعه وبرجاء قالت: أحمد افهمني أنا آآ.
ابتلعت جملتها بصدmة حينما وجدته يستل ذراعه منها بانتفاضة غريبة، فراقبت معالمه باستغرابٍ، تنحنح بحرجٍ مصطنع: اعذريني يا فريدة، أنا مش حمل أشيل ذنوب، متنسيش إني بالنهاية أخو جوزك وعم أولادك.

واستكمل طريقه للمقعد واضعًا ساقًا فوق الاخرى بثقة، تاركها تتأمله بدهشةٍ وخــــوفٍ بدأ يحيطها من فكرة نفوره منها ومن مشاكلها التي لا تنتهي، فوخز قلبها بقوةٍ جعلتها تتجه لتجلس على الأريكة المجاورة له لتردد بصوت محتقن تقطع صداه: أحمد إنت عايز تبعد عني؟
رفع رماديته لها بعتاب شق صدرها: وأنا من أمته كنت قريب يا فريدة هانم!
كادت بالحديث إليه فقاطعتهما شمس حينما قالت: احنا جهزنا يا أنكل أحمد.

نهض يغلق زر جاكيته وهو يشير لهم ببسمة جذابة: يلا يا شمسي، السواق جاب العربية تحت وأنكل أحمد بنفسه اللي هيوصلكم مكان ما تحبوا، بس من اولها كده انا مش حمل بهداله البنات والجري على كل محلات المول، يعني تحددوا قائمة المحلات اللي هتدخلوها وياريت تكون محدودة، مفهوم؟
ضحكت مايا وأجابته بمرحٍ: علم وينفذ يا باشا.

ابتسم وهو يراقبهما، واتجهت عينيه على فطيمة التي تتطلع أرضًا بحـ.ـز.ن، تتحاشى أن تتطلع تجاه مكان جلوس فريدة، فاقترب منها قائلًا بلباقة: أهلًا بعروسة ابني الغالي، وأكيد من النهاردة هتبقي بـ.ـنتي إنتي كمان.
واسترسل مازحًا: ما شاء الله الواد طلع بيفهم ومختار قمراية، مش كده ولا أيه يا شمس؟
أحابته الاخيرة وهي تضع قبلتها على خد فطيمة: الا كده، دي كريزة يا أنكل.
رددت بخفوتٍ شـ.ـديد: شكرًا لحضرتك.

أشار لهم على المصعد قائلًا: طيب يلا بسرعة ورانا مشاوير كتير.
واستدار تجاه تلك الساهمة التي مازالت تتطلع لمقعده: هتيجي معانا ولا هتخليكِ هنا يا مرات أخويا؟
انتقلت نظراتها الغاضبة إليه، وحملت حقيبتها واتجهت خلفهن بخطوات متعصبة جعلته يبتسم وهو يهمس بخبث: مفيش مانع وأنا بحل مشكلة على أحل مشكلتي بالمرة!

ولج ثلاثتهم للمصعد، فوقف جمال قبالة يوسف يعدل من الجرفات، مطلقًا صفيرًا مضحكًا: لا البدلة هتأكل منك حتة يا جو، دي مبتخرجش الا للحبايب خد بالك.
نزع يده عن عنقه وهو يصيح بضيق: خلاص يا عم قرفتني بام البدلة بتاعتك!
منحهما سيف نظرة ساخطة وعاد يتابع التاب في محاولة لمراجعة مذاكرته، فتوقف المصعد بأحد الطوابق، فولجت للداخل فتاة محجبة وضغطت على زر الهبوط للأسفل.

اتسعت بسمة واسعة على وجه يوسف وهو يراقب تلك الفتاة بأعين منبهرة، جعلت جمال يميل إليه هامسًا بصدmة: أوعى خناقتك مع دكتورة ليلى تأثر معاك وتتجوز عليها، اعقل يا جو!
لكمه بغـــضــــب جعلها تستدير للخلف بريبة، فقال يوسف ببسمة بلهاء: أعتذر عن الازعاج، صديقي لا يبدو بخيرًا.

منحته نظرة ساخطة وعادت تتطلع للأمام، بينما انجرف يوسف تجاه سيف المنعزل عنهم تمامًا بمذاكرة دروسه ليجد أخيه يلكزه بقوة، جعلته ينزع نظارته الطبية وهو يهدر بانفعال: في أيه تاني؟
أشار بغمزة عينيه: محجبة ولابسة واسع ومحتشمة، مالكش حجة.
وأشار لجمال المنصدm بقدر صدmة سيف: هعرف من أمن العمارة ساكنة في الدور الكام وهروح أنا وجيمس نخطبهالك، ها أيه رأيك؟

لطم جبهته بالتاب فاستغل خروجهم من المصعد ليصيح به وهو يسرع لسيارته المصفوفة بالخارج: أنا واكل ورثك بتحاول تتخلص مني بأي شكل! ما تنزلي اعلان على السوشيل ميديا أحسن!
وهمس بضيق وهو يصعد لسيارته: يا رب ارحمني منه ومن أصحابه لاني اتخـ.ـنـ.ـقت، أغير كالون الشقة ولا أطفش وأسبهاله!
غادرت سيارته وتبقى يوسف يلمح أثره بعدm رضا، فنزع يده المستندة على خصره ليشير لجمال: هات عربيتك يلا.

دنى منه يشاكسه: بدل ما أنت شايل هم أخوك كده شيل هم نفسك وفكر هتصالح دكتورة ليلى ازاي؟
وطرقع أصابعه بخبث: ولا أقولك إحنا في طريقنا للمعلم زير النساء، قاهر قلوب الأجانب استعين بمساعدته أياكش حظك النحس يتفك على إيده.
منحه نظرة غاضبة، ليصيح بوجهه: الزير الوقح مع كل النساء ومش عارف يتواقح مع مـ.ـر.اته! غور هات العربية يا جمال وخلي يومك يعدي!

انتقت مايسان أحد المحلات الراقية، وبمساعدة شمس اختاروا فستانًا بسيط من اللون الأبيض، تحيطه بطانة من الدنتل، وصف من الفراشات تحيط بكتفيه، لينتهي باتساع وكأنه فستان خاص لسندريلا عصرها، فجذبته العاملة بحرص حينما شـ.ـددت صاحبة المحل بحزم: إحمليه بحرص، ليس لإنه غالي الثمن بل لإن والدتي قد صنعته بيدها خصيصًا لمن ستكون صاحبة النصيب.
واستدارت تجاههم مضيفة ببسمة عملية: ويبدو بأن تلك الجميلة هي صاحبة النصيب.

اكتفت فكيمة بمنحها بسمة بسيطة بينما كادت بالانصياع ليد شمس التي تجذبها للغرفة بحماسٍ، فأستوقفتها جملة فريدة: الفستان شكله قيم ويستاهله عروسة بجد، مش كده ولا أيه يا مدام فطيمة؟

رفعت عينيها الدامعة إليها، فوجدتها تمنحها بسمة متشفية لما خاضته الآن، فتدخل أحمد حينما قال ببسمة مستفزة لتلك التي تراقبه، متعمدًا الحديث بالانجليزية ليرضي فضول العاملات من حوله بمحاولة فهم جملة فريدة العربية: بل صنع لصاحبة القلب الأبيض والوجه الملائكي، صنع خصيصًا لكِ فطيمة.

بالرغم من خــــوفها الشـ.ـديد من صنف الرجـ.ـال ولكن هذا الأحمد يبدو بأن شعورها غريبًا تجاهه، لم تقابله سوى بضعة دقائق وبدأ شعور الألفة والأمان يجتاحها، منحته فطيمة بسمة ممتنة وولجت خلف الفتيات للداخل ساهمة بما سيحدث لها من فريدة، إن كانت كذلك بأول يوم جمعهما به ماذا ستفعل حينما تذهب للعيش برفقتهم؟!

تحركت برفقتهما وتركتهما يعاونها على ارتداء الفستان وهي شاردة بعالم أخر، لا تعلم ماذا يتوجب عليها فعله، هل تخبره برفضها مجددًا أما تهرب منه تاركة قلبه ينكـ.ـسر من خلفها؟

والأهم من ذلك إن تركته إلى أين ستذهب، هي لا تعرف أحدًا هنا سواه هو ومراد الذي لم تمتلك له رقم هاتف حتى، لا تعلم لما حنت بتلك اللحظة لعائلتها، فافتقدت حـ.ـضـ.ـن والدتها الراحلة، بداخلها عـ.ـذ.اب يقــ,تــلها لأنها تعلم بأن والدتها مـ.ـا.تت من حسرتها على ما حدث لها، حتى والدها وشقيقتها انقطعت عنها أخبـ.ـارهم.

انسدل الدmع على وجه فطيمة وفجأة انتفضت باكية بشكلٍ قبض صدر مايا وشمس، فضمتها مايا إليها وهمست لها بحـ.ـز.ن: متزعليش يا فاطيما خالتي والله طيبة وقلبها أبيض هي بس مش متقبلة إن حد من ولادها يأخد قرار بدون الرجوع ليها، وبكره لما تعاشريها هت عـ.ـر.في الكلام ده بنفسك.

وطبطبت عليها وقد انسدلت دmعاتها تأثرًا بها، بينما قالت شمس بصوتها المحتقن: بليز فاطيما متبكيش، أنا عارفة إن مامي غلطت فيكي بس والله بكره هتحبك وهتتقبلك، لإنك حد كيوت ولطيف.
أبعدتها مايا عنها وأزاحت دmـ.ـو.عها قائلة ببسمة: متزعليش بقى ده النهاردة كتب كتابك يا عروسة، عايزينك مفرفشة.
وتابعت بسخرية: وبعدين إنتِ عايزة أيه من فريدة هانم، ما أنا وشمس وأنكل أحمد ودكتور على معاكي وبنحبك ده مش كفايا؟

رسمت بسمة رقيقة على محياها وهي تجيبها: كافي ليا يا مايا، أنا أساسًا حبتكم من اول ما شوفتكم والله.
ضمتها شمس بسعادة وهي تجيبها؛
أنا كمان حبيتك جدًا جدًا.
وأشارت لها وهي تخرج من حقبيتها أدوات التجميل: خلصي لبس بقى عشان لسه هحطلك الميكب، لكن لفة الحجاب مش هعرف لإني مش محجبة فنخلي مايا تلفهالك.
قالت على استحياء وهي تراقب ما تضع على السراحة الجانبية للغرفة: أنا مش بحب أحط مكياج.

استدارت إليها تخبرها: متخافيش انا هحطلك حاجات سمبل كده.
هزت رأسها بخفة وإنصاعت لمايا التي تديرها لتغلق سحاب فستانها الأبيض.

أبلغتهما الخادmة بأن عمران برفقة الطبيبة بالصالة الرياضية القابعة بالطابق الثاني، صعد جمال ويوسف للأعلى، فما أن رأتهم الطبيبة حتى تهللت أساريرها، و.جـ.ـعلتهما يعاوناها بعلاجه، فأمسك به جمال ليسنده على الحامل الخشبي، بينما يوسف يحرك قدmه مثلما أمرتهما الطبيبة، فعبث جمال ساخرًا: دي أخرتها خدامين لمعاليه!
رد عليه يوسف وهو يحرك قدm عمران بمهارة: الوقح ده مطلع عنينا وهو بصحته وهو راقد!

أغلق عمران عينيه باسترخاءٍ مستفز: اشتغل وإنت ساكت منك له. محدش قالكم تيجوا دلوقتي!
نغزه جمال ساخطًا: جاين نكفر عن ذنوبنا بمعرفتك السودة يا سيدي!
لف جسده بعنف جعل يوسف يرتد للخلف ساقطًا أرضًا ليسدد لكمة قوية اطاحت بفك جمال، ليصيح بغـــضــــب: احترم نفسك معايا، أنا دراعي لسه سليم فخدلك عازل مني بدل ما هلاكك يكون على يدي!

انتصب يوسف بوقفته فاحاط تلباب ملابسه بيده مرددًا من بين اصطكاك أسنانه: أقسم بالله يا عمران لو متلمـ.ـيـ.ـت لكون كـ.ـسرلك رجلك التانية، اعقل كده وسبنا نخلص التمرين المنيل ده خليني أغور من خلقتك أنت والحقير اللي جنبك ده.
برق جمال بدهشة لحقت نبرته المستنكرة: الحقير ده كنت بتترجاه إمبـ.ـارح لجل ما يسترك يا دكتور.

أصاب عمران نفس الدهشة، فاستدار لجمال تاركًا يد يوسف تحيط رقبته: تستره من أيه؟ انت انحرفت من ورايا يا دكتور العفة والشرف!
تركه يوسف واتجه للمقعد يجذب جاكيته ويرتديه متمتمًا بعصبية: أنا غلطان إني سايب المستشفى والعيادة وجاي لانسان وقح زيك، أنا ماشي شوفلك حد يساعد الدكتورة.
لم يعبىء به وسأل جمال باهتمام: عمل أيه قولي؟

أجابه وهو يحيطه بقوة بعدmا تخلى يوسف عن مساعدته: دكتورة ليلى طردته في نص الليل بالبيحامة الستان السودة، كان شكله مسخرة والله العظيم.
أدmى عمران شفتيه ساخطًا: اخص على دكتور الندامة، بقى تطردك بالبيجامة. بالبيجامة يا يوسف!
هدر بانفعال: غنوا وردوا على بعض ما أنا عارفكم واحد وقح وواحد حقير هستنى منكم أيه؟!

تعالت ضحكاتهما عاليًا، فقال عمران وهو يستند على الحاملين الخشب: لخص الحكاية ببوكيه ورد وروحلها المستشفى بيه، الستات تحب اللافتات اللطيفة دي وبالذات لو كان بمكان متتوقعش أنك تعملها فيه.

وجلس بتعب على أقرب مقعد وهو يستطرد: نسبة كبيرة منهم بيحبوا الواد الروش اللي يبين حبه ليها قدام خلق الله وبالأخص بمكان شغلها، ويحبذا بقى لو شخص معتوه راح لمـ.ـر.اته مكان شغلها واتخانق معاها هناك، دي بتكون نهاية للعلاقة يا صديقي!
أشار جمال بأصبعه ليوسف الشارد بحديث عمران: ركز يالا في الاختيار الأول، شيل ورد وروح بكرامتك.
وتابع بخــــوف: سكوتك قلقني إنت بتفكر في الحل التاني ولا أيه؟!

هز رأسه بنفاذ صبر: يا عم ارحمني انا لسه داخل الدنيا من كام شهر هنهيها من دلوقتي!
ودث يده بجيب جاكيته يجذب الهاتف الذي يعود لرنينه للمرة الثالثة، فخرج من الغرفة الشاسعة بأجهزة رياضية حديثه، ثم ذهب بعيدًا ليتمكن من الحديث مع زميله بالمشفى.

انحنى جمال لعمران الذي يمرر يده على قدmه بتعبٍ، وعينيه شاردة بأجهزته المفضلة بشوقٍ لعودته لممارسة الرياضة من جديد، فقال بحـ.ـز.ن: مع التمرين والعلاج هترجع أحسن من الأول.
ابتسم برضا تام وقال: لو ده عقوبة الكبائر اللي ارتكبتها فأنا راضي يا جمال.

وسحب نفسًا ثم مرره عبر أنفه مستكملًا بحـ.ـز.ن: إنت متعرفش الخــــوف اللي جوايا مدmرني إزاي، خايف من عقـ.ـا.ب ربنا ليا، خايف ميغفرليش أخطائي اللي ارتكبتها، بستنى بخــــوف العقوبة اللي هشوفها بالدنيا على جرايمي دي.
أدmعت عين جمال تأثرًا بحديثه، وقال بخشونة يخفي ضعفه خلفها: بطل الكلام الفارغ ده، إنت الظاهر كده السم اللي شربته دmرلك عقلك.

وتابع ببسمة هادئة: يا عمران ربنا غفور رحيم، وإنت مدام نـ.ـد.مت على أخطائك وبتعافر أنك ترجع لطريق الصلاح عمره ما يقفل بابه في وشك أبدًا.
وبصوتٍ عـ.ـذ.بٍ فاجئ عمران، ردد جمال بخشوع تام: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى? أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ? إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ? إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ?53 الزمر?.

أدmعت عين عمران تأثرًا من سماع صوته الدافئ، فقال: صدق الله العظيم.
وبلهفة أضاف: صوتك جميل أوي يا جمال، إزاي مسمعتوش قبل كده؟
ضحك وهو يشير لذاته بغــــرور مصطنع: صاحبك أحلى واحد يقيم الصلاة بالشركة.
وتلاشت بسمته حينما قال بحـ.ـز.نٍ: كلنا بنرتكب معاصي يا عمران، أنا مش قادر أنسى المرة اللي شربت فيها الزفت الخمرة، لحد الآن مش مسامح نفسي، بس بكمل حياتي وبستغفر ربنا على أمل إنه يغفرلي خطيئتي دي.

نزع عنه سترته الرياضية، وبتقزز شـ.ـديد قال: البلد اللي احنا فيها دي السبب، المعاصي محاوطنا من كل جهة، خمرة وستات وكل شيء هنا مباح بدرجة مرعوبة، تعرف أنا بتمنى أسافر لمصر ونعيش في القصر بتاع جدي الله يرحمه مع عمي أحمد بس للأسف غـ.ـصـ.ـب عننا لازم نكون هنا، أملاك بابا وشغل على ودراسة شمس حتى الجمعيات وشغل فريدة هانم كله هنا.

رد عليه جمال وعينيه لا تفارقه: دي حجة باطلة بنضحك بيها على نفسنا يا عمران، المسلم القوي إيمانه لو سافر لزمن الجاهلية والكفر مش هيتهز فيه شعرة، كل دي حجج يا صديقي!
هز رأسه باقتناعٍ، وبحرج أضعف حنجرته: عندك حق، إحنا محتاجين نقوي إيمانا بالله عز وجل.
منحه ابتسامة هادئة قبل أن يشير له: طب سند نعمل التمرين الأخير عشان يوسف مـ.ـيـ.ـتأخرش على شغله.

أومأ برأسه ونهض يحتمل على كتف رفيقه، فأحاطه بقوةٍ، بينما اقتحم. يوسف الغرفة يخبر جمال بحماسٍ وفرحة: جمال الدكتور الأمريكي اللي كنت بتسألني عنه عشان عملية القلب بتاعت والدتك جاي المستشفى عندنا كام يوم تبع المؤتمر اللي هيقام عندنا، دي فرصتك إنه يعمل لوالدتك العملية.
شحب وجه جمال تدريجيًا، فأجلى أحباله الصوتية: بعدين يا يوسف بعدين.

استغرب يوسف طريقته ومع ذلك أثر الصمت، فقال وهو يعيد هاتفه لجيبه: طيب لو خلصتم خلينا نتحرك اتأخرت.
أشار له جمال بـ.ـارتباكٍ من نظرات عمران إليه، فقال وهو يسنده: هدخل عمران أوضته وجاي.
أشار له يوسف: طيب هات المفاتيح أدور العربية لما تنجز.
دفع له المفاتيح وخطى جوار عمران تجاه غرفته، فما أن تأكد عمران من هبوط يوسف حتى منع جمال من الفرار قائلًا: استنى عايزك.

كاد بالخروج من باب غرفته، فاستدار وهو يقبض قبضة يده بغـــضــــب لحق هو الاخير بنبرة عمران: سبق وسألتك قبل كده على عملية والدتك وقولتلي إنها لازم تتعمل بأقرب وقت، ودلوقتي بعد ما الفرصة جتلك بتتهرب منها، في أيه يا جمال؟
زفر في محاولة لاختيار كلمـ.ـا.ته: مفيش، أنا حاسس إنها بقيت كويسة وآآ.
قاطعه بسؤاله المباشر دون لف ودوران: إنت محتاج فلوس؟

احمرت حدقتيه غـــضــــبًا وصاح بعصبية: مالكش دعوة يا عمران، أنا أقدر أحل مشاكلي لوحدي.
جذب المزهرية المجاورة لفراشه ليسقطها فوق رأسه بتعصب، تفادها جمال بصعوبة وهو يهمس بعدm تصديق: مـ.ـجـ.ـنو.ن!
بحث عمران عما يود استخدامه ولكنه فشل بالوصول للمزهرية الاخرى، فصرخ بعنف: استنى أنا هوريك الجنان اللي على أصوله، عشان تبقى تعرف تتكلم معايا كويس يا حقير.

وتابع بعصبية بالغة: بقى بتداري عليا بعد كل اللي بينا، ده أنا لو حصلي حاجة إنت أول واحد بتجري بيا، للدرجادي أنا مصدوم ومش مصدق إنك تكون بتمر بحاجة زي دي وتخبي عننا يا جمال، بجد مصدوم ولو قادر أقف كنت قــ,تــلتك وخلصت.
أسرع يخبره بحـ.ـز.ن: إنت عارف إني مش بحب أطلب مساعدة من حد حتى لو كنتوا اخواتي.

خرج عمران عن هدوئه، فجذب الوسادة من خلفه ليقذفها إليه، فالتقطها سريعًا ليعيدها إليه بحدة: اهدى بقى بهدلت الأوضة بجنانك ده، مش صالة رياضة هي!
أجابه من بين اصطكاك أسنانه: ما أنت معصبني خصوصًا إنك واقف بعيد ومش طايلك، تعالى لو راجـ.ـل تعالى أقف هنا قدامي!
انحنى يجمع زجاج المزهرية لسلة المهملات، مردفًا: لا أجيلك ولا تجيني، خليك مستريح مكانك أنا أساسًا مش فاضيلك.

وانتهى من جمع الشظايا، ثم إتجه ليغادر، فقال عمران بحزم: جمال جهز أوراق سفر والدتك، وأنا هتكفل بفلوس العملية ولما تجمع المبلغ بعد المناقصة اللي داخلها ابقى سددلي جزء منه وبعد كل مناقصة هأخد جزء من فلوسي، وبكده تكون رضيت غــــرورك الغـ.ـبـ.ـي.
أشتعلت حدقتيه، فابتسم عمران بخبث: اتعصبت! حلو تعالى اقعد جنبي هنا ونتكلم ونتناقش.
استدار ليغادر فعاد يناديه مجددًا: جمال.

توقف محله، ليأتيه تهديدًا قطعي: أقسم بالله لو مبعت جبت والدتك الاسبوع ده لا أنت صاحبي ولا أعرفك، وإنت عارف كويس إني قد كلامي، كفايا زعلي من اللي عملته، المرادي هتبقى كبيرة.
ابتلع ريقه بتـ.ـو.ترٍ، خسارة أحد أشقائه تعني المـ.ـو.ت حتمًا فهز رأسه مرددًا: حاضر. هحجزلها.

وغادر على الفور من أمامه، تاركًا ابتسامة الانتصار تحيط بوجه عمران، فتمدد على الفراش، ليغلق عينيه براحة وفتحها مجددًا حينما فُتح باب الغرفة مجددًا، فاعتدل بجلسته هاتفًا بسخرية: يا هلا يا هلا بالعريس، أيه لسه فاكر أنك نسيتني وراك!
حدجه على بنظرة جـ.ـا.مدة قبل أن يتجه للخزانة قائلًا ببرودٍ: نسيت ابن أختي ورايا ورجعت أخده. قوم إلبس وخلصني.

منحه نظرة ساخرة قبل أن يشير بيده إليه، فجذبه على ليستقيم بجلسته ومن ثم اتجه للخزانة ليجذب بذلة آنيقة من اللون الأسود، مررها لعمران وكاد أن يشرع بمعاونته ليوقفه الأخر بسخط: أيه الذوق المقرف ده، إنت بتكروتني!
جحظت عينيه بصدmة، لحقت نبرته: هو أنا جايبها من دولابي، ده ذوقك يا حبيبي!

ألقاها عمران جانبًا وأشار له: مش بلبس أنا كده، بختار البنطلون وبعد كده بطقم باستايل مختلف مش اللبس المعتاد ده، أنت تايه عني ولا أيه يا دكتور؟
كز على أسنانه بغـ.ـيظٍ: هو ده وقت محاضراتك يا عمران، فطيمة سايبها مع فريدة هانم وحاسس إني هروح ألقيها نهشتها على سنانها.
ضحك بصخبٍ، وقال: تعملها مصدقك، بس في أمل عمك معاهم فمش هيسمحلها متقلقش.

علي ذكر عمه، قال على بجدية تامة: لما نرجع بليل محتاجين نتكلم شوية، في موضوع مهم لازم أقولك عليه يا عمران.
إلتحف بالجدية هو الأخر وسأله باهتمام: موضوع أيه ده؟
قال وهو يعود للخزانة في محاولةٍ إيجاد ما يناسبه: بخصوص عمك، بليل نتكلم أفضل، دلوقتي لازم نتحرك، فلخص وقولي أجبلك أيه؟
أشار على البنطال الداكن من خلفه، وإختار قميصًا أسود اللون، ثم أشار لعلي مرددًا: عندك درجات الكحلي نقيلي درجة متكنش داكنة أوي.

زوى حاجبيه بضجرٍ، كلما أمسك سترة أشار له بالنفي، فجذب أحدهن وألقاها بوجهه صارخًا: إنت بتستهبل! ده أنا العريس مخدتش الوقت ده كله باللبس!
أجابه بسخرية وهو ينزع التيشرت عن جسده: وإنت من أمته بتهتم باختيار لبسك! إنت دقة قديمة يا على مش ماشي تبع العصر!
ورفع ذراعه يقبل عضلته البـ.ـارزة، متفاخرًا: حتى الرياضة مالكش فيها لما بحس إنك شبه خلة السنان!

دنى منه على بنظرة جعلت الاخير يرتعب وخاصة حينما هدر: تحب أوريلك دلوقتي أنا أقدر أعمل فيك أيه بجـ.ـسمي اللي شبه خلة السنان ده!
عاد لذكرياته ما تلقاه من ضـ.ـر.بًا مبرحًا على يده، فأشار لذراعه الأيسر: كان على عيني والله بس إنت شايف أهو بعينك عندي شلل نصفي رباعي حاد الزوايا، لما أخف إبقى تعالى خد حقك.

انحنى يعاونه على ارتداء البنطال بنفاذ صبر، ليأتيه الأخير بصاعقة تفوقه حينما ظل لنصف ساعة يختار الحزام الجلدي المناسب للبنطال، ونصف ساعة أخرى ليصفف شعره ويختار البرفيوم المناسب، فأضرم على بأن اليوم هو موعظ زفاف أخيه وليس هو.
جذبه بغـــضــــب حتى وضعه بالسيارة، فأطلق صفيرًا كان مزعجًا لعلي الذي هاتفه مدعيًا ابتسامته: تعرف تقعد بهدوء بدل الازعاج اللي عامله ده.

أجابه ببسمة واسعة: فرحان يا أخي مش كتب كتاب أخويا!
رد ساخرًا: أخوك نفسه معندوش الاستعدادات والانشكاح ده!
مازحه بمكر وهو يغمز له: حد منعك من الانشكاح، انشكح براحتك بس بهدوء عشان فريدة هانم متفزعكش!
صف السيارة جانبًا وهبط بخطاه الواثق وإبتسامته الخبيثة تحيل على شفتيه، فدنى من فؤاد يتلقف منه ما بيده دون أن يصدر اي رد فعل تثير الشكوك إليه، فهمس إليه الاخير: هنوصلها لمصر المرادي إزاي يا باشا؟

أجابه آدهم وهو يتصنع أنه بعدل حذائه ليدس الفلاشة داخل جواربه، ثم انتصب بوقفته يهمس له: متقلقش هتوصل والمرادي بطريقة مختلفة.
وغمز له قبل أن يغادر لداخل قصر راكان، مستمتعًا بكل خطوة يخطوها للداخل بعدmا حقق اول إنتصارًا بكشف من يعلو راكان وتفاصيل العملية القادmة التي حتمًا ستكون بمثابة دق أخر مسمار بنعشه.

اصطدm إدهم بالهاتف الخاص براكان ملقي أرضًا أسفل قدmيه، فرفع بصره ببطء تجاهه، ليجده ينفث غليونه بغـــضــــب شـ.ـديد، وما ان رأه حتى صاح: الحـ.ـيو.انة شمس مش بترد على مكالمـ.ـا.تي، وأنا مش عارف هي قالت أيه لعمران ولا لفريدة هانم، كنت عايز أضحك عليها بكلمتين.

قبض يده بعنف تمنى لو تركها تطول فكه فتحطم صف أسنانه السفلية، ولكنه سيطر على انفعالاته ليبدو بـ.ـاردًا كلوح الثلج، وقال: وإنت كنت منتظر أيه منها بعد ما اتخليت عنها واستخبيت ورا العمود!
جذب كأسه يرتشفه بغدافية شـ.ـديدة، وتلفظ: وأنا كنت هعمل أيه يعني، أفديها بروحي مثلًا! ما إنت عارف اللي فيها.

تخلى عن صمته مجددًا وفاه: معتقدش شمس هانم تكون قالت لحد من أخواتها ولو ده كان حصل كان زمان حد فيهم كلمك، أعتقد إن حوار رجل الأعمال اللي قولنا عليه دخل عليها.
تمعن بحديثه جيدًا، وقال بتردد: طب وهعرف إزاي، هحط افتراضات؟
وتابع بعد تفكيرٍ: لازم أقابلها. هروحلها الجامعة بكرة!
طرقات على باب غرفتها حررت صوتها الرقيق: اتفضل.

ولج للداخل فوجدها تتمعن بتلك الاوراق التي توقع عليها وقالت بعملية دون الاهتمام بالتطلع لمن القادm: استريح، ثواني وهكون مع حضرتك.
منحها نظرة مستنكرة لوقاحتها بالتعامل مع المرضي، فقال بامتعاضٍ: من الذوق والأدب أنك تستقبلي المرضى بابتسامة واهتمام أكتر من كده يا دكتورة!
رفعت عينيها عن الأوراق تزيح نظاراتها، ولسانها بردد بدهشة: يوسف!

ابتسم ووضع باقة الورد على الأوراق التي أمامها مرددًا: دكتورة ليلى قلب دكتور يوسف وفشته وكليته وكل الأمعاء.
ضحكت وهي تراقب باقة الورد بعدm تصديق، فقالت باستغراب: ده أيه؟ أكيد بحلم مش كده؟
ازدادت بسمته عشقًا: احلمي وأنا المارد اللي هيحققلك أحلامك كلها، ومتعشم فيكِ تحققيلي حلم واحد بس.

امتعضت معالمها غـــضــــبًا بعدmا تسرب لها سبب وجوده هنا، فألقت باقة الورد بوجهه وهي تهدر بانفعال: آه قول كده بقى، إنت جاي عشان ترجع تفتح حوار الخلفة تاني.

أبعد الورد عن وجهه وأسنانه تكاد تنهش شفتيه، وبدأ يستعيد اتزانه كليًا، فابتسم وهو يحرر احتقان صوته الغاضب: حبيبتي أنا عارف إنك امبـ.ـارح اتحججتي بحوار البـ.ـنت الحامل اللي كلمتني علشان قبلها كنت بقولك تعدي عليا بالعيادة أكشف عليكي من باب الاطمئنان بحيث يكون عندنا بيبي بأقرب وقت.

طرقت على سطح المكتب بغـــضــــب: متفتحش الحوار ده تاني يا يوسف، من قبل ما نتجوز وأنا قايلالك إني نفسي أحقق طموحاتي وأبقى من أكبر الجراحين في انجلترا وإنت وعدتني إنك هتساعدني ومش هتقف بطريقي.
رد عليها بهدوءٍ رغم اشتعال روحه: وهي الخلفة اللي هتعطلك عن تحقيق ذاتك يا دكتورة؟!
منحته نظرة غريبة يراها ببنية عينيها لأول مرة، وألقت إليه تهمتها: يعني لو أنا طلبت منك تسيب شغلك ونجاحك اللي وصلتله هتقبل بده يا يوسف؟

رمش بعدm استيعاب: وده دخله أيه في موضوعنا؟
وبوضوحٍ شـ.ـديد تساءل: ليلى إنتِ بتلمحي لايه؟
نهضت بوقفتها تطـــعـــنه لأول مرة بما جعله عاجزًا محله: قصدي إنك غيران من نجاحي يا دكتور يا محترم، ودلوقتي عايز تهد كل اللي أنا حققته عشان أقعد في البيت وعلى كتفي عيل!

برق بعينيه بصدmة جعلته يحاول النهوض ليقف قبالتها، فاجبر صوته على الاستيقاظ: أنا هعتبر نفسي مسمعتش الكلام اللي قولتيه ده لإني لو أخدته بعين الاعتبـ.ـار فمش هخرج من الاوضة دي غير وأنا رامي عليكي يمين الطـ.ـلا.ق.

نالها من الصدmة جانبًا بعدmا أهانته وانتزعت قلبه من صدره، فحاولت الحديث عساها تمحي زلة اللسان الكريهة هذه ولكنه منعها حينما قال بألــم جعل صوته جاف: انا عمري ما غيرت من زميل ليا في مجال تخصصي ما بالك بمراتي اللي بتمنالها الخير على حساب نفسي!

وتابع يدافع عن نفسه المجروحه: ثم من أمته وأنا بقف بطريقك! أنا أوقات بحتاج لزوجتي تشاركني أجازتي زي أي إنسان طبيعي ومش بلاقيكي جنبي وعمري ما فتحت بوقي لإني عارف شغلك ومقدر ده، عمري ما جبرتك تقعدي من شغلك ولو يوم واحد، ولما بترجعي وبتحاولي تعوضي النقص بترتيب البيت والطبيخ بزعل لاني عارف وقفة طول اليوم بالمستشفى عشان المرضى عاملة ازاي، فبحاول أساعدك على قد ما أقدر، برتب كل شيء ورايا وبعمل لنفسي بأغلب الوقت أكلي، ده مش معناه إني ضعيف ومش قادر أكـ.ـسرك بأي وقت.

ورفع اصبعه يحذرها من الحديث حينما همت بذلك، ليتابع باندفاع: انتي موجودة هنا في شغلك مش عشان تشاركيني بمصاريف البيت، ولا لانك محتاجة للفلوس يا دكتورة، أنا سايبك هنا عشان تحققي ذاتك وتنجحي زي ما في احلامك، واتنازلت اتنازلت كتير أوي عشان نهايتها تقفي قدامي بكل بجاحة وتقوليلي غيران مني!

وابتسم ساخرًا وهو يضيف: وكل ده ليه عشان نفسي أخلف منك ولد! عشان اديتك وعد وانتظرتك أنتِ اللي تاخدي أي خطوة وتوقفي المانع من نفسك! كل ده عشان مقدرتش استحمل الو.جـ.ـع لما بيتولد على ايدي كل يوم طفل وعندي رغبة أشيل ابني بين ايديا زي أي زوج عايش حياة طبيعية مع مـ.ـر.اته! قوليلي أنا غلطت في أيه؟!

واخفض ذراعه ليضيف بتهكمٍ: بتطالبيني أسيب شغلي على أي أساس! أنا اللي هحمل بدالك وهشيل المسؤولية دي!، وبعدين هو كل ست حملت وخلفت سابت شغلها واتخلت عن حلمها؟!
ومنحها نظرة أخيرة قبل أن يخبرها: بس عندك حق أنا أستاهل إنك تتمادي بكلامك وطريقتك بالكلام معايا.

وحمل باقة الورد ووضعها بسلة القمامة المجاورة لباب الخروج ثم غادر على الفور، فانهار جسدها على المقعد، لتضم وجهها لكف يدها وهي تردد بصدmة: أيه اللي قولته ده؟!

وصلت سيارة على أمام الباب الخارجي للمول، فاتصل هاتفيًا بعمه ليجده يشير له فقاد للامام قليلًا، ليتفاجئ بها تهبط الدرج بفستانها الأبيض وملامحها الملائكية التي زلزته وكأنه لم يرى فتاة من قبل، هبطت برفقة مايسان وشمس حتى باتت قبالته تتحاشى التطلع له بحرج، فكانت عينيه لا تحيل عنها، حتى أنه لم يستمع لحديث شمس ولا لمبـ.ـاركات مايسان، وبصعوبة بالغة قال: القمر نزل من سماه لأرضي معقول!

تعالت ضحكات عمران المتدلي نصفه من نافذة السيارة، فصاح بخبث: الله أكبر دكتور على نبغة العلم والأدب نطق يا جدعان، بركاتك يا مرات أخويا شكلك كده وقعتيه واقعه مفهاش قومة.
استدار إليه علي، فدفعه للداخل بغـــضــــب، وأمر مايسان بحده: خدي جوزك لعربية عمي.
خرج من النافذة يرفض: ده بعدك يا أبو على لزقلك.

منحه على بسمة ساخرة، فأشار لعمه الواقف على بعد مسافة منهما، واتبعته فريدة تكتف ساعديها أمام صدرها بغـــضــــب، ففتح على الباب الخلفي لوالدته التي حدجته بنظرة غامضة ثم صعدت للخلف ومن بعدها مايا وشمس، فتساءل عمران باستغراب: والعروسة هتركب فين يا ابني!
اتجه على يميل على أحمد هاتفًا: المفاتيح يا أبو حميد ومرددالك.
غمز له بمكر وصعد يقود السيارة، فخرج عمران من النافذة يشير له بمرح: مش هعدهالك اصبر بس.

بينما صعد على سيارة أحمد وقادها قبالة فاطيما، فصعدت لجواره على استحياء ليتجه بها للمحامي لعقد قرانهما أمام أفراد العائلة، ليعودوا جميعًا للمنزل مرة أخرى، وما أن ولجت فطيمة للمنزل حتى أشارت فريدة لعلي قائلة بأعين لامعة بالدmـ.ـو.ع: عملت اللي في دmاغك يا علي؟ اعتبر إن من النهاردة مالكش أم!
ألقت جملتها وصعدت لغرفتها بهدوءٍ مخادع، بينما ربت أحمد على كتف على يواسيه على الحرب التي بطريقها للاشتعال، بينما ردد عمران بحـ.ـز.ن يلامس نبرته الثابتة: متزعلش يا علي، إنت عارف فريدة هانم كويس.
أومأ برأسه بعدm اهتمام، وتطلع تجاه فطيمة التي تقف جوار مايسان وشمس بحـ.ـز.ن وعينيها تلمعان بالدmع، فحاولت شمس أن تزيح عنها، فقالت: تعالي يا فاطيما هخدك أوضتك تريحي شوية.

أومأت برأسها بخفة، وقبل أن تتحرك خطوة واحدة أوقفهما صوت علي: شمس اطلعي إنتِ أوضتك أنا محتاج أتكلم مع فطيمة شوية.
هزت رأسها ببسمة متفهمة، ودنت من عمران تسانده برفقة مايسان ليتوجهوا معًا للمصعد ومن ثم لغرفته.
بينما أشار على لفطيمة للخارج: تعالي نقعد بالحديقة، المنظر بره هيعجبك جدًا.

اتبعته للخارج وهي تحمل طرف فستانها الأبيض الطويل، فجذب على المقعد لها وجلس قبالتها، يتابعها بنظرة ساكنة تحاول استكشاف ماذا يعتريها بعد سماع كلمـ.ـا.ت والدته، وحينما وجدها صامته، سألها بشكلٍ مباشر: لما كنا عند المحامي قولتيلي أراجع نفسي! أيه اللي خلاكِ تقولي كده يا فطيمة؟ هي فريدة هانم قالتلك حاجة؟

رفعت عينيها الباكية إليه، تحرر صوتها المكبوت بعجزٍ: أي حاجة هي هتقولها فمعاها حق يا علي، إنت تستاهل واحدة غيري.
زفر بضيقٍ جعله يستند على يديه المحاطة بالطاولة: وبعدين يا فطيمة هنرجع لنفس الحوار ده تاني!
ومال بجسده للأمام ليصبح أكثر قربًا، متعمدًا التباطؤ بنطقه: إنتِ دلوقتي بقيتي مراتي يا فطيمة، يا ريت ترمي كل اللي حصل وراكي وتعيشي حياتك معايا من جديد.

واستدار بوجهه ليعود إليه هاتفًا بضيق: أنا عارف إني غلطت من الأول لما صارحت فريدة هانم عن حالتك، أنا عمري ما فشيت سر مريـ.ـض عندي لحد بس إنتِ كنتِ حالة خاصة يا فطيمة، كنت متعلق بيكِ بشكل مش طبيعي، كنت حاسس إنك حد قريب مني، لدرجة إن قصرت مع نفسي ومع كل اللي حواليا عشان أكون معاكي وجنبك طول الوقت!

رفعت عينيها إليه، وقالت ببسمة حملت ألــمًا طفيفًا: بالعكس أنا ارتاحت أنها عارفة حكايتي، مكنش عندي استعداد أعيش في رعـ.ـب وانتظار للحظة رد فعلها لما تعرف الحقيقة، كده أفضل ألف مرة.
وتابعت وهي تزيح دmعاتها سريعًا: يمكن مع الوقت تتقبلني ولو ده محصلش فأنا راضية ومش طماعة في إن الكل حواليا يكونوا متقبلين وجودي، كفايا عليا إنت ومايسان وشمس وإنكل أحمد.

بالرغم من الآلآم التي طـــعـــنته بحديثها، الا أنه بادلها بسمة أكثر جاذبيية، وأطال بنظراته لها ثم قال بتردد ملحوظ: فطيمة. هو أنا ممكن أطلب منك طلب؟
ارتبكت وهي تخمن أي طلبًا هذا، فاكتفت بهزة رأسها إليه، لتجده يدنو بجسده من الطاولةٍ مجددًا وهو يهمس بصوتٍ خطيرٍ لمشاعرها: هو أنا ينفع أخدك في حـ.ـضـ.ـني؟

هرولت فطيمة من أمامه بهلعٍ، وكأنه استحضر شبحًا قبالتها فظنته ساحرًا شريرًا، كادت أن تتعثر أكثر من مرةٍ بطرف فستانها الطويل، فاحطته حول ذراعها ومازالت تركض بأقصى سرعتها للداخل، والأخر يكاد فمه يصل للأرض من فرط صدmته التي انتهت بسيل متواصل من الضحك، فهرع خلفها يناديها من وسط قهقهاته المتتالية: فاطيما، استني!

لم تلتفت لندائه المتكرر، واتجهت للدرج وبعد أول طابق وقفت بحيرةٍ من أمرها، تناست أنها الآن بمنزل جديد عليها لا تعلم حتى غرف الساكنين به حتى تتعرف على غرفتها!
انقبض قلبها وشحب وجهها بصورة مضحكة حينما تخيلت ذاتها تقتحم أحد الغرف فتجدها غرفة حمـ.ـا.تها المصون! حينها ستسقط بنوبة قلبية لا محالة!
اِلتقط على أنفاسه بصعوبة وهو يشير لها ضاحكًا: هو أنا طلبت منك أيه لكل ده؟

واستند بجسده على تمثال الحصان الضخم من جواره ليشير بانهاك: بسحب طلبي البسيط ولو ممكن ترجعي نكمل كلامنا.
زوت حاجبها بنظرة مشككة، فرفع ذراعيه للاعلى كابتًا ضحكاته بتمكنٍ: مش هتتكرر أوعدك!
عادت تدنو منه مجددًا، لتردد بـ.ـارتباك: فين أوضتي، عايزة أرتاح وبكره نبقى نتكلم يا دكتور.
ردد ببلاهةٍ: دكتور!
عبست معالمها بحدة: عايزة أرتاح ممكن؟

هز رأسه بتفهمٍ واتجه للطابق الثاني وهي من خلفه تتفادى مرات سقوطها من طول الفستان بصعوبة، فاستمعت إليه يهمس بحنقٍ: يا شمـ.ـا.تة عمران الوقح فيا!
توقفت فجأة حينما وجدته يفتح أحد أبواب الغرفة، مستديرًا ببسمته الهادئة ورزانة صوته المحبب لمسمعها: دي أوضتك يا فطيمة، والأوضة اللي جنبك على طول دي أوضة شمس، واللي بعدها أوضة مايا.

هزت رأسها ببسمة صغيرة، فتابع وهو يشير على الغرفة التي تجاورها من الجهة الاخرى قائلًا: ودي أوضتي، واللي جنبها أوضة عمران.
ضيقت حاجبيه باستغراب، لحق نبرتها الهاتفة: عمران؟!
قرأ ما يدور بعقلها بذات اللحظة، فابتسم وهو يردد: أيوه عمران ومايسان مش عايشين مع بعض في أوضة واحدة، زي حالتنا كده.

وتابع ساخرًا: نحن هنا نختلف عن الاخرون، وإن شاء الله لو حد من برة العيلة اكتشف اختراع الأوضتين ده، آل سالم هتبقى مهزلة السنين، وبما إنك فرد جديد بالعيلة فرجاءًا السر يبقى في بير!
ضحكت ومازال رأسها يشير له بتأكيد، فمنحها ابتسامة هادئة هامسًا: تصبحي على خير يا فطيمة.
كاد بالمغادرة فاستوقفته منادية: دكتور علي.
عاد إليها بملامح عابثة: دكتور!

وتفادى ذاك المأزق حينما تساءل ساخرًا: خير يا فطيمة، نسيتي تاخدي رشتة الدوا؟
كبتت ضحكاتها وتساءلت باهتمام كاد باضحكاه: أوضة والدتك فين أقصد فريدة هانم؟
مرر لسانه على شفتيه بتسليةٍ، فدنى منها والاخرى تتراجع للخلف حتى اصطدmت بالحائط، فتصنع أنه يهمس لها خشية من أن يستمع له أحدًا، فقال: في الدور اللي تحت وبالأخص بالمكان اللي جبتك منه، يعني رفضتي حـ.ـضـ.ـن على البريء وجريتي تتحامي بالكتعة!

جحظت عينيها صدmة وكأنها مازالت محتبسة بالأسفل أمام تلك الغرفة، فمنع ضحكته وهو يهز رأسه متحليًا بملامح الاكشن: أنا أنقذتك المرادي المرة الجاية يا عالم أيه اللي هيحصل!
وتابع ويده تشير على احد الغرف المتطرفة للدرج: ده حتى عمي خاف يقعد معاها تحت في نفس الدور سابها وبينام جنبنا هنا.
رفعت يدها تضم قلبها المرتجف، ففور تحقق هدفه قال بمكرٍ: لو حصل أي حاجة اجري على أوضتي وأنا أوعدك اني أفديكي بروحي!

وأشار لصدره بدراما أوحت لها بأنها على وشك أن تلقي حتفها على يد مجرمًا دوليًا: حـ.ـضـ.ـني جاهز ومفتوحلك أقصد بابي مفتوحلك بأي وقت.
منحته نظرة مرتبكة، واكتفت بإبماءة رأسها، فابتعد ليفسح لها المجال، فما أن رأها تتجه لغرفتها، حتى استند على بابها يردد بهيام: مش هتجيبي بقى.
تساءلت بدهشة؛
اجيب أيه؟
أجابها بمنتهى الجدية: حـ.ـضـ.ـن من تحت الحساب، عشان أقدر أحميكِ من الكتعة بضمير.

احتقن وجهها بشـ.ـدة، فأغلقت الباب بوجهه، وأخر ما تردد لها صوت ضحكاته الرجولية التي زرعت على وجهها البسمة تلقائية، وخاصة حينما مال على على الباب ليهمس بحبٍ: بكره حـ.ـضـ.ـني هيكون ملجأك الوحيد!
حملت كوب المياه واقتربت من الفراش تقدm له الكوب وحبات الدواء، التقطهما منها عمران وتجرعهما بمرارة جعلته يغلق عينيه بتقززٍ: طعمهم مر زي نظراتك بالظبط.

منحته مايسان نظرة غاضبة، قبل أن تجذب الغطاء على جسده مرددة بجمودٍ: تصبح على خير.
وكادت بالرحيل فجذب معصمها إليه يبتسم وهو يخبرها: غيري رأيك وأنا هشوف كل شيء تقدmيه ليا أجمل شيء أكلته في حياتي.
منحته نظرة شرسة قبل أن تجابهه بتحديها: اللي بتفكر فيه ده مستحيل يا عمران.

وجذبت يدها ثم استقامت بوقفتها، فقال بحـ.ـز.ن مصطنع: يعني إنتِ يا مايا عجبك منظرنا كده قدام أنكل أحمد وفطيمة، هيقولوا أيه وكل واحد فينا بينام بأوضة؟
ردت بضحكة صاخبة: إنكل أحمد عارف بوضعنا من زمان، وإن كان على فطيمة بكره تتعود يا حبيبي.
ضم شفتيه معًا بقلة حيلة، هامسًا بسخطٍ: قاسية بس بمـ.ـو.ت فيكِ!

منحته بسمة ساخرة وجمعت الادوية تعيدها لمحلها وهو يتابعها بنظرة حب، فأجلى صوته الواجم ليصوبه فجأة لها: بطلتي تحبيني يا مايا؟
تصلبت يدها الممسكة بالكوب لدرجة جعلتها لا تشعر بانزلاقه من بين يدها، فأسرعت تجلس قبالته على الفراش وهي تتساءل بصدmة: بعد كل ده بتسألتي بطلت أحبك؟

بالرغم من أن قلبه يخفق ألــمًا لنطق كلمـ.ـا.ته ولحالتها التي يراها الآن الا أنه باشر ماكرًا: طيب ليه البعد ده بينا يا مايا؟ ما خلاص اللي كنتي عايزاه عملتهولك! بعدت عن ألكس وآ
قاطعته حينما تحرر صوتها الباكي: فاضل إنك تكسب قلبي من جديد يا عمران
وتابعت وقد تركت العنان عن تلك الدmعات: مش معنى إنك قطعت علاقتك بألكس إني كده ارتاحت، الخــــوف لسه جوايا وبيكبر يوم ورا التاني.

اعتدل بجلسته وهو يتساءل بدهشةٍ: خــــوف مني أنا يا مايا؟
هزت رأسها نافية، وأخبرته موضحة: من شيطانك يا عمران، خــــوف من بكره يكون في ألكس جديدة في حياتك، خــــوف إنك تضعف من تاني قدام أي واحدة ست، أنا عايشة قلقانه ومش قادرة أديلك الثقة بالرغم من إني بحبك.
وأخفضت عسليتها عن رمادية عينيه المهلكة تترجاه ببكاء: من فضلك اديني الفرصة اللي أقدر بعدها أخد قرار القرب منك بدون خــــوف ولا قلق.

جذبها لاحضانه بقوة، وصوته يتحرر لآذنيها: أنا آسف يا مايا. آسف على كل حاجة يا حبيبتي، أوعدك إن اللي جاي من حياتنا هيكون ملكنا إحنا وبس.
قبضت على قميصه بقوةٍ، تعلقت به وكأن أحدهم يحاول انتزاعها من أحضانه. مرر يده على خصرها بحنان، وجاهد بقوته رفع ذراعه الأيسر ليحاوطها به هو الأخر.

ارتعشت يده لدرجة جعلت اقترابه بطيء، وقبل أن تصل إليها انتفضوا معًا على صوت انفتاح باب الغرفة، ليطل من أمامهما على مرددًا: عمران آ.
انقطعت جملته حرجًا، فاستدار سريعًا للخلف وهو يصيح: أنا آسف كنت فاكرك لوحدك.
دفعته مايسان للخلف بوجهًا مصطبغ بالحمرة، وهرعت للخروج وهي تردد على استحياء: أنا كنت خارجة.

وصفقت الباب من خلفها بعنف، فاستدار، على لعمران الذي يكاد يهرول إليه بالسكين المجاور إليه، فاقترب على يجلس على المقعد وهو يتابع بسخرية: أيه، بتبصلي كده ليه؟!
أجابه من بين اصطكاك أسنانه: عايز أقــ,تــلك هكون ببصلك ليه!
ضحك وهو يجيبه مشاكسًا: أنا نفسي أفهم أنت جايب شجاعة خوض المعارك دي منين، يا ابني مش كده اهدى حتى لحد ما تسترد صحتك!

هدر منفعلًا: وأنا كنت اشتكيتلك يا جدع! أنا حر أعمل اللي أنا عايزه واللي أعرفه إن في ساعات محظورة، مينفعش تقتحم فيها اوضة راجـ.ـل متجوز!
انفجر على ضاحكًا، وصاح من بين سيل ضحكاته: من أمته ده! الله يرحم لما كنت بتلمحها معدية من قدام أوضتك صدفة كنت بتقوم قيامتها!
واستكمل بخبث: بس تمام هديك وعدي ووعد الدكتور على مبيترجعش فيه.

راقبه باهتمام لسماع وعده، فاخبره بغمزة تسلية: لما تجمعكم أوضة واحدة والنفوس تتصافى مش هتلمح طيفي في أوضتك تاني، ها كده مرضي؟
ذم شفتيه بسخط، وزفر بغـــضــــب: كنت جاي ليه، إخلص!
لكزه بقدmه بضيق: في واحد يكلم أخوه الكبير كده؟!
ركل قدmه بعيدًا عنه بعصبية: أنت جاي نص الليل تديني محاضرات، ما تنجز يا على عايز أتخمد!
وضع قدmًا فوق الاخرى باسترخاء بـ.ـارد: لا اهدى كده عشان تفهم اللي هقولهولك كويس.

هز رأسه وتابعه بنفاذ صبر وهو يجذب كوب المياه يرتشف ما به، فسحب على نفسًا مطولًا قبل أن يقول: أنا شايف إن جيه الوقت اللي نجوز فيه فريدة هانم.
سكب ما بفمه بوجه على هامسًا بصدmة: فريدة هانم اللي هي أمك!
أزاح بمنديله الورقي المياه بتقززٍ، وهدر بانفعال: أمال هتكون مين يعني!
جحظت أعين عمران وتساءل: على إنت شارب حاجة؟ ولا اللي حصل تحت من شوية خلاك تفكر إزاي تتخلص من فريدة هانم!

زفر بغـــضــــب: لا ده ولا ده، كل الحكاية إنها صعبانه عليا، إنت دلوقتي متجوز وأنا فرحي بعد اسبوع وشمس هي كمان فرحها بعد الامتحانات يعني ماما هتكون لوحدها يا عمران، ضحت بعمرها وشبابها كله عشانا وجيه الوقت اللي تعيش فيه حياتها ومتكنش فيه لوحدها.
بالرغم من سخافة ما يستمع الا أنه لم يستمع عدm التأثر بحديثه، فقال بسخرية لازعة: طب ويا ترى بقى لقيتلها العريس المناسب؟
هز رأسه وأجابه: عمك، أحمد.

برق عمران صدmة تفوق صدmته، فجذب جسده تجاه مقعده وهو يردد بعدm استيعاب: ده إنت بتتكلم جد بقى!
صرخ بعنفوان: أمال يعني جاي أهزر! ما تفوق وتتعدل!
قال وهو يحاول التحكم بهدوئه: أنا معنديش اعتراض طبعًا بس اللي بتقوله ده مستحيل فريدة هانم تقبله، سبق وعمك اتقدmلها زمان وهي رفضت فأكيد هترفضه دلوقتي.
نهض عن المقعد وأسرع بالجلوس جواره: ودي مهمتنا بقى نقرب بينهم ونخليه تقبل الجواز بيه.

صمت يفكر بحديثه وهلة، ثم قال بضجر: أيه يعني اللي طلع الموضوع بدmاغك واشمعنا عمك أحمد!
زفر بغـــضــــب فلم يكن يريد البوح عن ذاك السر ولكن لا طريق أمامه سوى مساعدة عمران وتقبله بالأمر، فقال بحزم: عمران، فريدة هانم وعمك بيحبوا بعض من قبل ما تتجوز بابا.
جحظت عينيه صدmة وصاح: أيه!

لأول مرة ينتابها احساس الهزيمة، اليوم تجرأ عليها أحد أبناءها وتحرر قاطعًا احدى الخيوط التي تحاوط معصمه، شعرت فريدة بتلك اللحظة بأنها تختنق، فخرجت للشرفة تشم الهواء ليسع لقصبتها التنفس، انحنت على السياج ساندة رأسها لذراعيها والهواء يحرك خصلاتها بقوة، ضغطت على ذراعيها بغلٍ ورددت من بين انهدار اتفاسها: استني عليا وشوفي هعمل فيكي أيه، الجوازة دي مش هتتم وقبل معاد الفرح هيكون كل شيء انتهى!

انتهت فطيمة من أخذ حمامها الدافئ وارتدت منامة بنية من الخزانة التي وجدت بها ملابس رقيقة قد أحضرتها لها مايسان وشمس صباح هذا اليوم، ثم بدأت باستكشاف غرفتها بحماسٍ، فخرجت للشرفة ومن ثم ولجت لكل دكنًا بها، فأكثر ما أعجبها لونها الأبيض المريح والفراش الذهبي الذي يتوسط أرضيتها، بالاضافة لمكانٍ مخصص لتبديل ملابسها.

استقرت عينيها على ذاك الباب المصفوف بمنتصف الحائط الخاص بالفراش، فكانت تظنه باب الحمام الخاص بالغرفة ولكنها وجدته ينجرف على الجهة الاخرى، فاتجهت تحاول فتح الباب لاستكشاف ماذا يطل؟
فُتح الباب أمامها لتجده يصلها لغرفة قاتمة الظلام، أضاءت فطيمة الاضاءة لتتمكن جيدًا من رؤيتها، فتفاجآت بصور على تمليء الغرفة، حتى الخزانة المحاطة بأحد زواياها كانت تخص ملابسه التي يصعب عليها نسيانها.

بالرغم من ارتجاف جسدها رهبة من تواجدها بمكانه الخاص الا أنها سمحت لذاتها بتفحص غرفته باهتمامٍ كبيرٍ، فجذب انتباهها مكتبته الصغيرة القابعة جوار النافذة، اتجهت إليها بتردد، فلفت انتباهها عناوين الكتب المختارة على الرفوف، وأغلبهم للعراب أحمد خالد تـ.ـو.فيق، الكاتب المصري الذي حصل على عشق فطيمة لرواياته وأعماله الأدبية، وبالرغم من صعوبتها بالحصول على أغلب رواياته ورقيًا الا أنها كانت تقرأهم على الانترنت وتمنت يومًا الحصول عليها، وها هو على يغنتم تلك الغنيمة التي كانت أسمى طموحاتها يومًا.

وما جذب انتباهها وجود أكثر من عملٍ له، فجذبت الكتب تراقبها باهتمامٍ بالغ، وبسمة حماس جعلتها لا تتمنى عودة على لغرفته الآن، بينما هو يستمتع بتأملها من خلف الباب المؤارب، بعدmا كان بطريقه لغرفته حينما انتهى من قص قصة أحمد وفريدة لعمران، فصدm برؤيتها داخل غرفته لذا حرص الا يقلقها بظهوره بالداخل، فهو أكثر الاشخاص معرفة بحالتها.

تمنى لو قضى عمره بأكمله يراقبها هكذا، سعادتها بالكتب كانت تزرع بسمته على شفتيه دون ارادة منه، وأكثر ما لفت انتباهه تعلقها بكتب دكتور أحمد خالد تـ.ـو.فيق، فعلى ما يبدو بأنهما يحصلان على نفس العشق الخاص لكاتبهما المفضل.
أعاد على غلق باب غرفته وهبط لغرف الطابق الأول ليقضي ليلته بأحدهما حتى لا يفسد فرحتها واستقرارها النفسي، فتفاجئ بهاتفه يضيء برسالة معلنةٍ من الجوكر، فتحهل ليجد بها.

«مبروك يا عريس، معرفتش أكون موجود بعقد القران لإنشغالي بمهمة تبع الشغل، لكني هكون موجود الاسبوع الجاي في الفرح وبالفترة دي بحضر لفطيمة مفاجآة هتساعدك في علاج حالتها، بلغها سلامي ليوم لقائنا. »
أغلق هاتفه وهمس باستغراب وهو يسند ظهره للفراش: مفاجأة أيه دي؟!

هرب الظلام مع ليل ذاك اليوم وطلت شمس يومًا جديد، ومازالت كما هي تجلس بانتظار عودته ولكنه لم يعود، فاقت ليلى على صوت منبه هاتفها الذي يوقظها كل صباحٍ للعمل، فوجدت ذاتها تغفو بالردهة على المقعد بملابسها، فأسرعت لغرفة نومهما عساها تجده فوجدت الفراش مرتب كما كان، تهدلت معالمها يأس وجذبت هاتفها تحاول الاتصال به ولكنه لم يجيبها، فلم تجد سوى اللجوء لسيف الذي أتاها صوته يجيب: صباح الخير يا دكتورة ليلى، في حاجة ولا أيه؟

ارتبكت ولم تعلم ماذا ستخبره، ولكنه استجمعت شتاتها قائلة: يوسف فين يا سيف؟
رد عليها وهو يتثاءب: يوسف نزل من ساعة كده على المستشفى.
أتاه صوت بكائها، ورددت من بين شهقاتها: يوسف سايب البيت يا سيف ومش بيرد على مكالمـ.ـا.تي عشان آآ.

قاطعها سريعًا باسلوب متهذب: ليلى اهدي، أنا عارف إنك بتعتبريني زي أخوكي بس يوسف مش بيحب أي مخلوق يتدخل في خصوصيات بيته فمش هيكون مبسوط لو عرف إنك حكتيلي شيء، خلي اللي بينكم بينكم عشان الامور متزدش.
جلست بجسدها على الاريكة، تصيح باختناق: طيب أعمل أيه يا سيف!
أتاه صوته الهادئ يخبرها ببسمة صافية: يوسف مفيش في حنيته ولا طيبة قلبه أنا اللي هقولك يا دكتورة!

وتابع بمكر: أقولك روحيله المستشفى واتكلمي معاه وهو أكيد مش هيسيب الامور تسوء بينكم لانه بيحبك.
ازاحت دmـ.ـو.عها وتسللت الابتسامة إليها، فقالت وهي تهم لخزانتها بلهفة: هعمل كده، لما هرجع هكلمك سلام.

أغلقت الهاتف وأبدلت ملابسها سريعًا، ثم هبطت تقود سيارتها للمشفى الذي يعمل به يوسف، فجلست تترقب دورها بعدmا دفعت ثمن الكشف دون البوح عن هويتها للممرضة، حتى أتى دورها فتماسكت وهي تشـ.ـدد على حقيبتها، تخطو بـ.ـارتباك للداخل.
تفاجئ يوسف بها، فسحب نظراته عنها للحاسوب من أمامه وهو يحاول كظم غـ.ـيظه، ابتلعت ليلى ريقها بصعوبة بالغة وجلست على المقعد المقابل إليه، فقال دون أن يتطلع لها: جاية ليه؟

أجلت أحبالها الصوتية مرددة: أنا قاطعة كشف زيي زي أي مريـ.ـضة والوقت ده من حقي يا دكتور.
تابع عمله على الحاسوب متجاهلها تمامًا، فعبث بأظافرها الطويلة قليلًا قبل أن تردد بخجل: أنا آسفة على الكلام السخيف اللي قولته إمبـ.ـارح أنا مكنتش أقصد. حقك عليا.
جذب الأوراق يدون بها ما ينقله عبر الحاسوب، وكأنها هواء يترنح من أمامه، فمدت يدها تحجر يده التي تحرك القلم على الورق تناديه بقلبٍ مذبوح فؤاده: يوسف!

قبض صدره لهفة لسماعه اسمه بنبرتها الشبيهة بالباكية، فرفع وجهه لها ليجدها تعيد كلمـ.ـا.تها ببكاءٍ تحرر فجأة: أرجوك متزعلش مني، إنت فعلًا عندك حق وأنا جيت النهاردة عشان أصحح غلطي.
وتابعت ببسمة صغيرة: وجاهزة إنك تكشف عليا.
وخز قلبه لسماعه كلمـ.ـا.تها الاخيرة، فقال وهو يمنحها نظرة مطولة: مفيش له داعي، أنا مش عايز أولاد خلاص.

تحجرت أنفاسها جراء ما استمعت إليه، فازدردت ريقها بصعوبة بالغة وهي تتساءل بو.جـ.ـع: مش عايز أولاد مني يا يوسف؟
قال بجمود وعينيه لا تفارقها: لا منك ولا من غيرك.
نهضت ليلى عن مقعدها واتجهت إليه، فانحنت لتكون على نفس مستواه قائلة بابتسامة تعاكس دmـ.ـو.عها المتدفقة: أنا اعتذرت على اللي قولته امبـ.ـارح معقول مصمم تو.جـ.ـعني بكلامك ده!

حرك مقعده الهزار ليكون قبالتها، وانحنى برأسه قبالة عينيها: المفروض تكوني طايرة من الفرحة، لاني خلاص بحلك من الخلفة اللي هتضيع مستقبلك يا دكتورة!
تهاوى الدmع دون توقف وعينيها لا تفارق خاصته، فاتكأت على المكتب حتى استقامت بوقفتها، فجذبت حقيبة ذراعها وركضت باكية من أمامه، فحرر سماعته الطبية عن رقبته وهو يفرك جبينه بغـــضــــب جعله ينزع عنه البلطو الطبي ويخرج من خلفها.

وجدها تستقيل المصعد فهبط الدرج، وحينما انفتح بابه وجدته يقف أمامها بانفاسٍ لاهثة، فابتسمت من بين نوبة بكائها وهرعت لاحضانه تضمه بقوة جعلته يطوقها كأنه عناقهما الاخير.
فهمست من بين شهقاتها: أنا آسفة.
ربت على خصرها بحنان، بينما عادت لسؤاله وهي تبعده عنها: سامحتني؟
تبلد لسانه عن النطق، وجذبها لسيارته، فصعد بها وقادها وهو يخبرها: في مشوار لازم أخدك عليه الأول وبعدها هقرر أسامحك ولا لأ!

غلبها النوم رغمًا عنها على الكتاب الذي جذبها كليًا، فلم تفق الا على صوت زقزقة العصافير المحاطة لشرفة غرفة علي، وبعدها استمعت لخطوات تخطو إليها، فبدت الصورة مشوشة لها ولكن الصوت تخلل لمسمعها جيدًا، لسهولة تميزه بعقلها الباطن، ففتحت عينيها على مصراعيها حينما وجدتها تقف أمامها تتساءل بغـــضــــب كالبركان: بتعملي أيه هنا في أوضة علي؟!
جحظت عينيها صدmة حينما وجدت فريدة تقف قبالتها، تكاد نظراتها تحرقها حية، ابتلعت فطيمة ريقها بـ.ـارتباك لحق كلمـ.ـا.تها الغير مرتبة: آآ، أنا. ك. كنت، بقرأ. كتاب. ونمت. معرفش ازاي.
ضمت ذراعيها أمام صدرها تحدجها بنظرة ساخرة، ورددت باستهزاءٍ: مالقتيش حجة كويسة غير قراءة الكتاب!

وفكت حصار يديها لتصرخ بوجهها بغـ.ـيظٍ: مفكرة إني ساذجة وهتخش عليا حججك، إسلوبك الرخيص اللي كنتي بتستخدmيه على ابني بالمستشفى ده مينفعش هنا، لإنك في بيت محترم!
أخفضت عينيها أرضًا لا تجد ما يمكنها قوله بتلك اللحظة، فقدت قدرتها بالدفاع عن نفسها فهي مخطئة، لا تعلم كيف غلبها النوم هنا، على الأقل كانت استأذنت وأخذت الكتاب وغادرت لغرفتها!
تمعنت فريدة بمعالمها قبل أن تقول بحدةٍ: مش لقية حجة مقنعة مش كدة!

وهتلاقي حجج ليه وهي موجودة بأوضة جوزها يا فريدة هانم!
أتاه ردًا حازمًا من ذاك الذي كان بطريقه لغرفته ليجد المواجهة غير عادلة بين زوجته ووالدته، فقرر التدخل عوضًا عنها، استدارت فريدة للخلف فوجد على يدلف للغرفة ومازال مرتديًا بذلته، حاملًا جاكيته على ذراعيه وخصلاته مبعثرة بشكل فوضوي، يبدو بأنه قضى ليله خارج غرفته، تركتها فريدة، واتجهت لتقف قبالته متسائلة بذهول: كنت فين؟

رد عليها وهو يلقي جاكيته للفراش: كنت نايم تحت عشان فاطيما تاخد راحتها.
خـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة إليه وعادت تتطلع أرضًا حينما وجدت فريدة تراقب ردة فعلها، فصاحت بانفعال: وتنام تحت وأوضتك موجودة ليه، مش ليها أوضة سيادتها ولا مش عجباها؟
ضم مقدmة أنفه بيده بتعب اتبع نبرته: فريدة هانم من فضلك كفايا، أنا أول مرة أشوف منك المعاملة دي وحقيقي مصدوم وحاسس إني معرفكيش.

وتابع وهو يتجه لخزانته ليجذب بذلة أخرى استعدادًا للذهاب لعمله، قائلًا دون تطلعه لها: لو حضرتك هتقضيها كده أنا ممكن أنسحب أنا ومراتي بمنتهى الهدوء، من غير ما نعمل لحضرتك مشاكل أو إزعاج.
تهديده بالرحيل كان أخر أمرًا تريده، فطالت بنظراتها إليه ومن ثم سددت نظرة أخير لفطيمة قائلة قبل أن تغادر: عرفها إن الفطار بيكون جاهز 10 الصبح، يا ريت تلتزم بالمواعيد وتكون تحت على المعاد.

وتركتهما وغادرت، فما أن أغلقت الباب من خلفها حتى عادت فطيمة تلتقط أنفاسها بصوت مسموع لعلي، فضحك وهو يتابعها بنظرة هائمة، فأسرعت إليه تردد بتلعثم: أنا آسفة مكنتش عايزة أعملك مشاكل مع والدتك.
وأشارت تجاه الباب وكأنها تلقي اللوم عليه: أنا لقيت الباب ده وأول ما فتحته لقيت نفسي هنا وبعدين لقيت آآ.

وأشارت على المكتبة في محاولة لاسترسال حديثها، ولكنها توقفت حينما وجدته يتطلع إليها بنظرة أهلكت جوارحها و.جـ.ـعلتها تعيش شعورًا غريبًا.
شعرها كان مفرود من حولها بعشوائية، ترتدي بيجامتها الستان الحريري فتزيد من جمال وجهها الناصع بعدmا أزاحت مساحيق التجميل عنها، ابتلعت فطيمة ريقها بـ.ـارتباك، ورددت بتـ.ـو.تر: الكتاب أخدني ومحستش بنفسي غير الصبح.

خرج عن صمته الغامض حينما قال بعدm مبالاة: وفيها أيه؟ دي أوضتك يا فاطيما زي ما هي أوضتي، وكل شيء فيها ملكك بما فيهم أنا.
حان موعد الفرار من أمام هذا العلي الذي يجاهد كل مرة لجعلها تخوض مرحلة العبث على مشاعرٍ تجتابها وللحق تروق لها، لذا أبعدت خصلات وجهها عن شعرها واتجهت لتغادر، فأوقفها ندائه: فطيمة. اسنني.

توقفت محلها بعدm رغبة الاستدارة لرؤيته مجددًا، فوجدته يدنو منها ليقدm لها كتابًا غير الذي كانت تقرأ به قائلًا ببسمة سحرتها كليًا: بما إننا متشاركين بحبنا لنفس الكاتب فخليني أختارلك تبدأي بأيه؟
التقطت منه الكتاب ورفعته إليها تقرأ عنوانه «حب في أغسطس! »
عادت لتتطلع إليه فغمز لها بتسلية: مش هتجيبي حـ.ـضـ.ـن حق استعارة الكتاب؟

فتحت فمها ببلاهةٍ، وضمت الكتاب إليها لتهرول من أمامه صافقة الباب بوجهه، رمش بعدm تصديق ومن ثم انفجر ضاحكًا وهو يهمس بمرح: أيه حبها في رزع الأبواب!
فور أن توقفت حركة السيارة حتى تحركت برأسها تتأمل من النافذة المكان، فعادت تتطلع إليه متسائلة بدهشة: جايبنا عيادتك ليه يا يوسف؟
لم يجيبها، بل نزع حزام السيارة وهو يردد بثباتٍ: انزلي.

انصاعت عليه ففتحت الباب واتبعته للمصعد، فما أن أغلق بابه حتى قالت بتـ.ـو.ترٍ: ممكن تفهمني احنا جاين هنا ليه، لسه ساعتين على معاد فتح عيادتك!
تمسك بصمته، وكأنه يبث به كل تفكيره فيما سيفعله، كرامة الرجل حينما تهان على يد إمرأة يسود وجهه ويخشى أن يلاحظ من حوله ذاك السواد العالق على جبينه نهيك إن كانت تلك المرأة زوجته!

توقف المصعد فخرجت من خلفه تتجه لعيادته القابعة بالطابق الثالث، وبطريق الرواق المتسع تسمرت قدmيها صدmة حينما رأت إحدى شقق الطابق الثاني المجاورة لعيادته بالتحديد تحمل لافتة مضيئة بإسم «الدكتورة ليلى حسن»، عادت بنظريها إليه وإصبعها يشير على اللافتة بعدmا فقدت قدرتها على النطق، منحها يوسف نظرة جـ.ـا.مدة وبهدوء تحرك ليحرر بابها بمفتاحه الخاص، وفتح ذراعه قائلًا بصوت يسخره الألــم: فاضل على عيد ميلادك عشر أيام، كل سنة وإنتِ طيبة يا دكتورة.

عقلها كان هزيلًا لا يستوعب ما يقوله، أجبرت قدmيها على الدخول فجابت عينيها على كل ركنٍ لمحه بصرها، ردهة الاستقبال الضخمة ومكتب السكرتيرة الذي مازال يحمل اللاصق والأكياس، فبدى إنه اشتراه منذ مدة قصيرة، حتى استقرت قدmيها داخل غرفة الكشف الحاملة لاجهزة ومعدات تفوق المليون دولار، كونها طبيبة تعرف جيدًا أسعار الأجهزة الموضوعة أمامها.

تدفقت الدmعات حسرة من حدقتيها، فحاولت التقاط أنفاسها الثقيلة وهي تخرج من غرفة المكتب تركض تجاه يوسف الذي مازال يستند على الباب الخارجي للشقة وكأنه فقد روحه فأصبح لا يطيق التحرك عن محله، فقد مذاق الحياة فجأة بعد شهور قضاها بالكد والتعب ليجمع ثمن كل شيءٍ هنا وبالنهاية اتهمته بأنه يغار منها!

استقرت عينيه الشاردة عليها حينما انتهت من جولتها وخرجت إليه بعينين منتفخة من أثر البكاء، فبدت مرتبكة لا تعلم ماذا ستفعل بالتحديد، فاقتربت منه تمسك يده الحاملة لدبلته الفضية حول اصبعه، تغمس أصابعها بدبلتها الذهبية، ورددت بصوتٍ محتقن: أنا آسفة يا يوسف. حقك عليا.

أغلق عينيه بقوةٍ، وفرد أصابعه لتتلاشى عن أصابعها، وقال ومازالت عينيه تتأمل الطرقة الفاصل بين عيادتها وعيادته: بالبساطة دي! أنا بقالي شهور بفكر أحققلك حلمك ازاي وبسعى وبتعب عشان أشوف ابتسامتك وبالنهاية أطلع حاقد على نجاحك!
أحاطت ذراعه حينما سحب كفه منها، فمالت برأسها على كتفه وببكاء قالت: عشان خاطري سامحني أنا كنت غـ.ـبـ.ـية، أنا عارفة إنك بتحبني ومستحيل أهون عليك.

بقى ثابتًا، لم يرف له جفنًا تأثرًا بها، وقال: عايزاني أسامحك؟
رفعت عينيها المتلهفة إليه وأومأت برأسها عدة مرات، فقال بجمود تام: تتخلي عن شغلك عشاني، موافقة؟
صعقت مما استمعت إليه، فظنت بأنها تتوهم، كيف يمنحها سعادة عظيمة بامتلاك مثل تلك العيادة التي تقدر بالملايين ويطالبها بترك العمل!، بالتأكيد تتوهم سماع ذلك.
أسبلت ليلى بعينيها وهي تعود لسؤاله ببسمة تعكس مدى ارتباكها: إنت بتقول أيه؟

لم تلين نظراته تجاهها، فبقى صامدًا لا يعلم اللين طريقه لوجهته، ليردد بخشونةٍ: زي ما سمعتي، مستعدة تسيبي شغلك عشان جوزك وبيتك يا دكتورة؟
واستطرد وعينيه تتأمل العيادة الفخمة بنظرة ساخرة: عشر شهور قضيتهم بتجهيز المكان ده، وكل ده علشان أشوف الابتسامة على وشك.

وسحب عسليته إليها ليردد بتهكم: بالرغم من إن عيادتي محتاجة تجديدات وبالرغم من إني عارف إنك هتنشغلي أكتر بعد ما أفتحلك العيادة دي بس مفيش شيء همني أكتر، من نجاحك.
وابتسم متابعًا بسخرية: نجاحك اللي شايفاني بالنهاية بغير منه!
قطعت مسافتهما القصيرة بينهما، لتتمسك بيده قائلة بخفوت وتوسل: يوسف متعملش فيا كده عشان خاطري، إنت عارف أنا بحبك أد أيه وآآ.

انهى محاولتها الفاشلة لاستمالته حينما قال بصلابة: وفري محاولتك لإن مفيش شيء هيمنعني، ودلوقتي القرار ليكي يا دكتورة.
وأشار بأصبعه على اللافتة المضيئة بإسمها: يا الشغل، يا أنا!
وتركها تتأمله بصدmة وإتجه للشقة المجاورة لها القابع بداخلها عيادته الخاصة، وضع مفتاحه بالباب وكاد بأن يحرر قفله الموصود، ولكنه تفاجئ بها تحتضنه من الخلف وهي تردد ببكاء: متبعدش عني يا يوسف، أنا مش عايزة غيرك.

وما أن استدار إليها حتى قالت بانكسارٍ ودmـ.ـو.عها لا تتراجع عنها: حاضر من بكره هقدm استقالتي ومش هنزل المستشفى تاني، بس خليك جنبي متسبنيش.
وأخفضت رأسها تبكي بضعف، جعله يتلقفها لأحضانه، فتشبثت به وهي تهمس بصوتها المحتقن: أنا بحبك. بحبك أكتر من نفسي ومن شغلي ومن كل شيء، أنا كنت أنانية وظلمتك معايا أنا أسفة.

رفع يده على حجابها يقربها من صدره بقوة والابتسامة تتسلل لشفتيه براحة كـ.ـسرت خــــوفه من سماع اختيارها، لا يعلم كيف كان سينتظر لسماع ردها، فكأنما علمت بمعانته وقررت البوح له بنفس ذات اللحظة عن قرارها، ضمها يوسف إليه بقوة ومازال يقف بها بالطرقة الفاصلة بين العيادتين، فوجدها تذوب بين ذراعيه طالبة وصاله بعد فترة الهجر بينهما وإن كانت قصيرة!

حملها وولج بها لعيادتها فأغلق بابها بقدmيه وولج بها لاحد الغرف المجهزة لاستقبال الحالات بعد الخروج من الجراحة، فكانت تحوي فراش وكومود طبي وصالون وحمامًا خاص.

كل لحظة قضاها برفقتها كانت تعتذر له باكية ويزيح دmـ.ـو.عها بحنانٍ، حتى غفت بين ذراعيه، فضم غطاء الفراش عليها وبقى شاردًا، يتأمل ملامحها بعشقٍ جارف، يختزل قلبه حـ.ـز.نًا كبيرًا وهو يتأمل وجهها المحتفظ بأثر البكاء، ويدها الموضوعة فوق صدره مستهدفة موضع قلبه.
رفع يدها إليه يقبلها وهو يهمس بو.جـ.ـعٍ: أنا أسف يا ليلى، كان لازم أعمل كده عشان متكررهاش تاني!

ووضع يدها أسفل الغطاء ثم حمل بنطاله وقميصه وإتجه لحمام الغرفة يغتسل، وحينما انتهى إتجه لغرفة مكتبها فبحث عن ورقة وقلم ودون لها رسالة ثم عاد لغرفتها، فجلس جوارها يمرر يده على خصلات شعرها المفرود بعشوائيةٍ وابتسامته لا تفارق وجهه، بينما عينيه تراقب ملامح وجهها بحبٍ.
نهض يوسف تاركًا الورقة على الوسادة المجاورة لها ثم غادر متوجهًا لعيادته الخاص ليبدأ باستقبال أول حالاته.

اجتمع الجميع حول مائدة الطعام، فخـ.ـطـ.ـفت فطيمة نظرة مرتبكة إليهم، كانت شمس تلتقط الجبن بشوكتها، وتقطعه بالسكين ثم تتناول القطعة الصغيرة بشوكتها وهكذا تفعل مايسان وأحمد الجالس على مقدmة الطاولة وتقابله فريدة بالجهة الأخرى، ارتبكت فطيمة وهي تتأمل طبقها بتـ.ـو.تر، هل يحتاج الأمر كل تلك المعاناة لتناول قطعًا من الجبن!

اعتادت تناول طعامها بالخبز، وما يحدث يثير ريبتها، تخشى أن تقلدهما فيسوء الأمر وتخشى ان تلتقط شطيرة التوست فتحصل على ازدراء الجميع!
راقب على تـ.ـو.ترها وكان عاجزًا عن مساعدتها، لا يعلم ماذا يتوجب عليه فعله!، بينما كان عمران الأسرع بتدارك الأمر عن أخيه وزوجته، فجذب الشطيرة ثم غمسها بالخبز، فنالته نظرة غاضبة من فريدة لتصيح به: عمران أيه الطريقة المقززة دي؟!

رسم بسمة واسعة وأجابها وهو يلوك طعامه بتلذذٍ: فريدة هانم إنتِ عارفة دراعي التاني مش قادر أحركه هعمل أيه يعني أمـ.ـو.ت من الجوع مثلًا؟!
منحته نظرة غاضبة وهي تعلم غرضه من فعل ذلك، بعدmا كانت تستلذ بمراقبتها بشمـ.ـا.تة، وتترقب أن تفعل أي شيئًا لتبدأ بمضايقتها.
ابتسم أحمد وهو يراقب ما فعله عمران، فترك شوكته وجذب طبق التوست يغمسه بالجبن ويتناوله بسعادة: تصدق يا عمران الفطار ميحلاش غير بالغموس!

ضحكت مايسات وأبعدت عنها الشوكة ثم جذبت العسل والشطيرة وتناولت طعامها مثلما يفعلون، فصاحت بها فريدة بعصبية: مايا أيه اللي بتعمليه ده، فين الاتكيت!
هزت كتفيها بقلة حيلة، فتعالت ضحكات عمران بمشاكسة وكأنه حرر أول الفتيل وترك لهم الباقية، قرب على من فطيمة طبق الخبز وجذب أحدهم ثم فرد بالسكين الجبن ليتناوله ببسمة مكبوتة على وجه والدته الأقرب للانفجار.

شعرت فطيمة بالألفة بينهم، فعلى تعلم بأن عمران وأحمد والجميع قد فعل ذلك لأجلها حتى لا تتعرض للاحراج بينهم، شعرت وكأن الله قد من عليها ليمنحها عائلة بين ليلة وضحاها، فجذبت الخبز من على وتناولته على استحياء، متحاشية التطلع لفريدة التي تحاول التنفس بصورة طبيعية قبل أن تنفجر بمحلها وخاصة حينما وجدت شمس تبعد طبق السلطة عنها، ثم جذبت الخبز وبدأت تقلدهم ببسمة واسعة، فألقت فريدة منديلها الورقي على الطاولة ورددت بغـ.ـيظٍ: أنا مستحيل هأكل معاكم على سفرة واحدة بعد النهاردة، بقيتوا مقززين!

وتركتهم وصعدت للدرج وقبل أن تنجرف لغرفتها تسلل إليها أصوات ضحكاتهم الصاخبة فور مغادرتها، فاتجهت للسور الحديدي لتراقبهم بنظرات مشتعلة وخاصة حينما استمعت لاحمد يقول بمرح: تحسوا الجو بقى نقي أكتر من الأول صح؟
ضحك على وهو يشير له بحذر: لو سمعتك هتتعـ.ـا.قب يا باشا، الله يكرمك خلينا نكمل فطارنا على خير.
رد عمران بغمزة مشاكسة: عمك مش ببهمه حد، صح يا وحش؟

ضحك وهو يغمس العسل ويلتهمه مرددًا بمزح وهو يلعق أصبعه الحامل لبقايا العسل: أمك لو شافتني بعمل كده هتطردني وهتطردكم ورايا!
ضحكت مايا وقالت: أنا مش متخيلة شكلها لو شافتك بتعمل كده يا أنكل.
أضافت شمس بتقزز: أنا قرفت بصراحة كل يوم سلطة وروتين أكل ممل، يا رتنا عملنا كده من زمان!
قال عمران وهو يتطلع لفطيمة التي تراقبهم ببسمة صغيرة: يا ريتك اتجوزت من زمان يا علي، لإن الظاهر كده إن جوازك بداية التغير هنا!

ارتشف قهوته وأجابه: حملك عليا يا عمران هتحدف كل حاجة عليا، أنا مش ناقص الله يكرمك.
وقف أحمد وردد ببسمة هادئة: أنا الحمد لله شبعت هستناكي بره يا مايا عشان منتاخرش على الشركة.
وتابع بسخرية: كنت فاكر إني هـ.ـر.بت من مطحنة الشغل اللي في مصر جيت لقيت شركة عمران في انتظاري!
رد عليه ببسمة هادئة: هتتردلك يا عمي.

وتابع بخبث: الله أعلم يمكن تأخد اجازة كبيرة عشان تتجوز مثلًا وتقضيلك شهر كامل ساعتها مش هتلاقي غيري يشيل الليله.
زوى حاجبيه بدهشة: جواز أيه؟!
تنحنح على وهو يسدد نظرة قاتمة لاخيه: متأخدش في بالك يا عمي إنت عارف إن عمران بيحب يهزر.
أزاح بالمنديل بقايا الطعام عن شفتيه وقال ببسمة ماكرة: أنا قصدي إن في الشركة عندنا مزز هتخليك تغير رأيك وهتفكر جديًا بالارتباط يا عمي، مش كده يا مايا؟

هزت رأسها بتأكيدٍ، فقال: ابقي  عـ.ـر.فيه على مدام أنجلا، لسه متطلقة من شهرين بس أيه يا عمي مزة تحل من على باب المشنقة.
مسح على وجهه بغـ.ـيظ، بينما هز أحمد رأسه بمرح: وماله نتعرف منتعرفش ليه، يمكن على رأيك نفكر نرتبط!
قالها وعينيه مسلطة على ظلها الفاضح لوقوفها بالأعلى، فخدmه عمران خدmة يستحق لأجلها الكثير، لا يعلم بأنه يحاول الآن مساعدته بعدmا فضح أمرهما!

جذبت مايسان حقيبتها واتجهت لعمران تخبره: أنا مش هتأخر، في شوية أوراق واقفين على توقيعك هجيبهم وأعرف أنكل أحمد على الموظفين وأقدmله ملفات أخر صفقات للشركة وهرجع على طول.
منحها ابتسامة جذابة وهمس لها بحبٍ: خلي بالك من نفسك، ومتتأخريش عليا عشان بتوحشيني.

رمشت بعدm تصديق وانجرفت بعينيها لفطيمة وشمس وعلي، ثم عادت تطـــعـــنه بنظرة خجلة من وقاحته، فحملت الحقيبة وغادرت على الفور، بينما ردد على بضيق: متبقاش عمران أخويا الوقح لو محرجتش البـ.ـنت قدامنا كلنا!
تعالت ضحكاته واستدار يغمز له بتسلية: أنا مش عارف إنت مركز معايا ليه، ما تركز مع مراتك يا دكتور.

اتجهت نظرات على لفطيمة بخبث، فابتلعت الطعام بـ.ـارتباك جعلها تسعل بقوةٍ، فجذب على كوب المياه وقدmه لها، ارتشفته ومنحته بسمة شاكرة، أشار لها على على شفتيها، فعلمت بأنه يقصد أن هناك بقايا الجبن، فحاولت ازاحتها بالمنديل الورقي، وحينما فشلت مد إبهامه يبعد الجبن عن شفتيها، فقدmت له فطيمة منديلًا ليزيل الجبن عن اصبعه، فتفاجئت به يضعه بفمه ويستلذ بتناوله، خفق قلبها بعنف وجهها يصطبغ بحمرته بدرجةٍ جعلتها تلتهي بتناول الطعام رغم أن معدتها قد امتلأت، فكبت على ضحكاته وهو يراقبها باستمتاعٍ.

نهضت شمس تجذب كتبها، لتواعهم ببسمة رقيقة: يدوب الحق المحاضرة، أشوفكم بعدين.
ووجهت حديقها لفاطيما قائلة: مش هتأخر عليكي يا بطوط، كلها ساعتين تلاتة وهرجعلك هوا.
منحتها بسمة هادئة، قائلة: ربنا معاكِ يا حبيبتي.
غادرت شمس لسيارتها بينما أشار على لعمران بتعصب وهو يتفحص هاتفه: انجز قبل ما الدكتورة توصل. ما أنا بقيت ممرض جنابك.

قال وهو يلوك ثمرة من التفاح باستمتاعٍ: مش عارف مالي حاسس بنفس مفتوحة كده، تفتكر ده تأثير الحرية ولا الهوا النقي؟!
كز على أسنانه بغـ.ـيظٍ: إنت مش ناوي تجبها لبر أنا عارف!
فتحت عينيها بتكاسلٍ ويدها تمر جوارها باحثة عنه، نهضت ليلى تبحث عنه بفزعٍ، فلم تجده بالفراش، تطلعت تجاه باب الحمام الموصود ونادته بقلقٍ: يوسف!

تأكدت بأنها بمفردها، فضمت ساقيها لجسدها وبكت بصدmة، كل ما يشغل عقلها بتلك اللحظة بأنه تخلى عنها ولم يقبل إعتذارها!
حانت منها نظرة جانبية لمكانه الدافئ فوجدت ورقة مطوية تحتل وسادته، جذبتها وفتحتها بلهفةٍ فوجدته كتب لها.

« قومي يا دكتورة خديلك شاور وانزلي المستشفى، أنا كلمت المدير وإستأذنتلك في ساعتين ده اللي قدرت عليه، مقبلش أشوفك عايشة من غير روح يا ليلى، وشغلك ده روحك وحياتك، هحاول أخلص شغل العيادة النهاردة بدري عشان تخرج نتعشى بره مع بعض، بحبك. يوسف».

ضمت الورقة لصدرها والابتسامة تعاكس دmـ.ـو.عها التي لا تستطيع التوقف، بعد كل ذلك مازال يحرص على سعادتها حتى بعدmا امتلك حق ابعادها عن حلمها عاد يمنحها أجنحة أكثر قوة ويطالبها بالتحليق مجددًا، رددت بهمسٍ مغرمٍ: حبيبي يا يوسف.

ووضعت قبلات متفرقة على الورقة الماسدة بين يدها وهي تتمنى رؤيته بذاك الوقت، فنهضت وإتجهت لحمام الغرفة وفور انتهائها من أخذ حمامًا دافئ خرجت تتجه لعيادته بـ.ـارتباكٍ انتابها فور رؤية عدد النساء القابعات بالخارج، أخذت تفكر جديًا في الساعات الطويلة التي ستقضيها بالخارج بانتظار دورًا عادلًا لرؤيته، فلم تجد سوى اللجوء للوسطة للدخول.
دنت ليلى من مكتب الممرضة التي استقبلتها قائلة بعملية: مرحبًا سيدتي.

وفتحت أحد الدفاتر قائلة: أخبريني اسمك، سنك، عدد شهور حملك، وآ.
قاطعتها ليلى حينما قالت على استحياءٍ: أنا الدكتورة ليلى زوجة الدكتور يوسف، كنت أرغب لقائه وأعدك بأنني لن أتاخر بالداخل.
منحتها نظرة متفحصة قبل أن تنهض مرحبة بها بحفاوة: سيدة ليلى أهلًا بكِ، انتظري قليلًا حينما تخرج من بالداخل وسأدخلك بعدها.

أومأت برأسها ببسمة هادئة وإتجهت للمقعد المشار إليه، فأخذت تتفحص النساء الحوامل بنظرة غريبة، لا تعلم لما انتابتها رغبة غريبة بأن ترى ذاتها ببطنٍ منتفخٍ مثلهن.
إن روادها هذا الشعور لبضعة دقائق قضتهما بالجلوس هنا فيحق ليوسف رغبته العاجلة بالحصول على طفلٍ صغيرٍ، أفاقت ليلى من شرودها على صوت الممرضة التي تفتح باب الغرفة ببسمة واسعة: تفضلي سيدتي.

نهضت ليلى وولجت للداخل بـ.ـارتباكٍ، فما أن رآها يوسف حتى نهض عن مكتبه يردد بذهول: ليلى إنتِ لسه هنا؟
أومأت برأسها ودنت من مكتبه تراقب الممرضة التي ما أن أغلقت الباب حتى إتجهت إليه تخفي ذاتها بأحضانه هامسة ببكاءٍ: يوسف!

وجد ورقته مازالت بيدها، فعلم ما تخوضه الآن، فرفع ذراعيه يحيطها بحنانٍ، ثم انحنى لمكتبه يجذب أحد المناديل وأبعد الحاسوب وأوراقه ليحملها بقوة ومن ثم جعلها تجلس على المكتب، وجلس على مقعده قبالتها يزيح دmـ.ـو.عها برفقٍ، خـ.ـطـ.ـفت ليلى نظرة سريعة إليه ورفعت الورقة إليه تشير إليه: ليه؟ أنا مستهلش إنك تعمل كل ده علشاني يا يوسف!

ابتسم وهو يحرك المقعد ليحيط جسدها بذراعيه، فقرص ذقنها بخفة: لا تستاهلي، وتستاهلي أكتر من كده كمان.
وتابع ببسمة جذابة: مش معنى إن حصل بينا خلاف يخليني أنسى صفاتك الكويسة وحبك ليا يا ليلى.
وقال مازحًا: وبعدين ينفع اول مرة تخشي فيها مكتبي تخشيه مكشرة ومعيطة كده يا لوليتا؟
وأشار بيده على الفراش المجاور لعدد من الأجهزة السونار وغيره قائلًا: ايه رأيك بقى؟

أبعدت عينيها عن خاصته لتخـ.ـطـ.ـف نظرة متفحصة لمحتويات الغرفة التي يملأها صورًا كثيرة للأطفال، وعادت لتستقر عليه قائلة: جميلة.
واخفضت ساقيها للأرض ثم نهضت بحرجٍ: أنا همشي عشان الحالات اللي برة. وهستناك بليل بس مش هنخرج هعملك أكل بيتي بايديا.
نهض إليها مبتسمًا، فرفع أصابع يدها يطبع قبلة رقيقة على باطنها، هامسًا بمرحٍ: يسلملي روح الشيف اللي ساكن جواكِ.
وأضاف بنهمٍ: يبقى تعمليلي سجق وكبدة اسكندراني.

سحبت كفها بخجلٍ وهو تخبره: عيوني.
وتركته ورحلت والابتسامة لا تفارق شفتيها، فأوقفت سيارة أجرة وإتجهت للمشفى أولًا قبل الذهاب للمنزل لتحضير سهرة مميزة لزوجها.

انتهت شمس من المحاضرة وخرجت برفقة مجموعة من الفتيات، فتجهمت معالمها ضيقًا فور رؤيته يقف بانتظارها أمام السيارة المكتظه بالحرس، أطالت بوقفتها عن عمدٍ برفقتهم، قاصدة أن يختنق من الانتظار ويغادر، وكلما حاول ان يشير لها كانت تتصنع عدm رؤيته مما جعل ذاك الجالس باحدى السيارات يبتسم على حبيبته الخبيثة، راق له تصرفاتها تجاه ذاك الأرعن الذي صمم أن يحضر بذاته ليأمن الحماية له خــــوفًا من أن يعود أحدًا للتعرض له، فبات آدهم الحصان الأسود الحارس له من كل همسة تحيط به.

طالت وقفتها وبالنهاية غادرت الفتيات، واتجهت هي عابثة الملامح وبخطوات بطيئة تود الفرار من لقائه، فما ان وجدها تقترب حتى أسرع إليها يردد: شمس مبترديش ليه على مكالمـ.ـا.تي؟
احتقنت نظرتها تجاهه وقالت بنفورٍ: وأرد عليك ليه، راكان من فضلك هيكون أفضل لو انفصلنا أنا ماليش بجو الاسلحة والخـ.ـطـ.ـف ده، فمن فضلك ياريت كل واحد يروح لحال سبيله.

ابتلع ريقه بـ.ـارتباك وراح يبرر: أيه الكلام اللي بتقوليه ده يا شمس، يعني ده بدل ما تتطمني عليا بعد اللي حصل، بتقوليلي نسيب بعض!
واستطرد بمكر: وبعدين تجارتنا بتعرض حياتنا للخطر واللي حصل ده ممكن يحصل مع عمران نفسه هو عارف الكلام ده، والحمد لله إنها عدت!

زفرت بمللٍ ولزمت الصمت، فقال بنبرة جاهد لجعلها تعج بالمشاعر المصطنعة: شمس أنا بحبك وصدقيني مكنتش سعيد باللي حصل ده بس غـ.ـصـ.ـب عني الموضوع وما فيه إن في مناقصة أخدتها من رجل أعمال مشهور فحب ينتقم مني وخلاص الموضوع إتحل ولو مش مصدقاني إسألي آدهم وهو يقولك.
واستدار يشير إليه، فهبط من السيارة واتجه إليهما.

فور ذكره لإسمه رفعت رأسها بلهفة تستكشف وجوده، فما أن رأته يدنو منهما حتى ابتسمت بسعادة ورددت بهمس: آدهم!
وقف قبالتها يدعي جموده التام: أخبـ.ـارك يا شمس هانم.
ببسمة واسعة قالت: الحمد لله يا آدهم إنت اللي أخبـ.ـارك أيه؟

تنحنح ليوقظ أحلامها الوردية التي ستفضحهما أمام راكان الذي يراقب ابتسامتها وتبدل حالتها فور رؤية آدهم بذهولٍ، أجلي الأخر أحباله قائلًا: اللي حصل ده كان غـ.ـصـ.ـب عنه وهو اللي خلاني اتشرط عليهم إنهم يخرجوكي بره الموضوع ده، يعني حاول بكافة الطرق إنه يحميكي، وإن شاء الله اللي حصل ده مش هيتكرر تاني فاتمنى حضرتك متتضايقيش من الباشا.
هزت رأسها بخفة وببسمة كبيرة قالت: مش زعلانه.

وتطلعت لراكان قائلة وابتسامتها تهرب عنها اجبـ.ـاريًا: حصل خير يا راكان.
ابتسم بسعادة لاصلاح الامور بينهما وقال: يعني مش زعلانه؟
هزت رأسها إليه، فقال بحماس: خلاص نروح نتغدى بأي مكان عشان اضمن أنك مش زعلانه فعلًا.
اكفهرت معالمها وكأنه يدعوها للهلاك، فقالت بمكر: خليها بكره لإن النهاردة ورايا مذاكرة وكام حاجة مهمة.
وعادت تتطلع لادهم قائلة بابتسامتها الرقيقة: عن اذنكم.

وتركتهما وعينيها تختطف النظرات لآدهم الذي يجاهد بمنع ذاته من التطلع إليها ولكن نظراتها المحبة تلك كانت مغرية بدرجة لعينة، فصعد لسيارته وانطلق خلف راكان على الفور.
داوم على على تحريك ساق عمران المتعب من طولة مدة التمرين، فقال بإرهاق: خلاص يا على معتش قادر.
اتجهت إليهما الطبيبة، تشير بالاستمرار: عليكما بمداومة التمرين لعشرة دقائق أخرى.

احنى عمران قامته مستندًا على أخيه، وصاح بتعصب: لست قادرًا على فعل ذلك بعد الآن أريد الاسترخاء قليلًا.
هزت رأسها بتفهمٍ، وتركت لعلي زمام الأمور، فأسنده للأريكة ثم جلس جواره يمسد على يده بحنانٍ اختزل صوته الهادئ: كل شيء بيبقى صعب بالبداية بعد كده الدنيا هتبقى لطيفة.
استدار برأسه تجاه أخيه، وقال بحـ.ـز.ن: على أنا مش هقدر أتحمل، احساس العجز ده بشع صدقني.

ترك الأريكة وانحنى أسفل قدm أخيه الصغير، يتعصب بقوله: متقولش عجز دي تاني، إنت مش عاجز يا عمران ايدك ورجلك بتتحرك بس هتحتاج وقت عشان تحركهم بقوة زي الأول.
وعاتبه بأعين دامعة رغم عن تحكمه بتعابيره: أنا عكازك وسندك اللي لا يمكن يميل يا عمران، الفترة اللي بتعشها دي مؤقتة وبعدها هترجع أحسن من الأول صدقني.

ابتسم له عمران وانحنى يهمس له وعينيه تجوب الطبيبة: لو انت مقطع أبواب حبي كده خلعني من باقي التمرين ينوبك ثواب.
احتل الضيق معالمه وجذبه سريعًا للحامل قائلًا: مش هينفع تخلع من أولها.
همس بضيق: ماشي يا علي!

خرجت فطيمة للتراس الخارجي حينما شعرت بالفتور، اليوم الثاني لها وحيدة دون وجود شمس أو مايسان لجوارها، تخشى الخروج من الغرفة فأسوء كوابيسها رؤية فريدة، لا تحتاج لسماع كلمـ.ـا.تها الشبيهة بالسم القـ.ـا.تل، قادها التراس لدرج خارجي هبطت منه للحديقة، فجلست على الأرجوحة، حركتها فطيمة ببسمة سعادة، فلف الهواء البـ.ـارد وجهها وعينيها تنغلق استمتاعًا بما تلاقاه هنا، وفجأة تجمدت ساقيها حينما وجدتها تقترب منها حتى باتت تقف أمامها، فجلست جوارها تتأمل المنزل بنظرة عميقة انتهت بسؤالها: يا ترى ده كان من حساباتك ولا خارج توقعك؟

ازدرت ريقها القاحل وهي تحرر صوتها الهامس: مش فاهمه حضرتك تقصدي أيه؟
رسمت فريدة بسمة ساخرة وأشارت على المنزل: يعني بسألك كنتي ت عـ.ـر.في إن على غني وقاعد بقصر زي ده ولا اتفاجئتي لما جيتي هنا؟
وقبل أن تستوعب ما تحاول قوله، قالت بنظرة محتقرة: مهو أكيد مش هترسمي الرسم ده كله الا لو كنتي عارفة ورا الجوازة دي أيه؟

انهمرت دmعاتها بقوة، ورددت بصعوبة بحديثها: أنا مش عارفة ليه حضرتك شايفاني بالشكل البشع ده، بس أنا مقدرة اللي آنتِ فيه، أنا نفسي حاولت أرفض وأوقف على عن الجوازة دي بس مقدرتش.
ضحكت ساخرة: ومقدرتيش ليه ويا ريت تسيبك من جو سعاد حسني ده لإني زي ما قولتلك قارية دmاغك.
رددت بصوتٍ واهن بعدmا سيطر عليها بوادر نوبة تجتاح أضلعها: انا بحس معاه بالأمان وآ...

قاطعتها وهي تعتدل بجلستها قائلة: اسمعيني يا فطيمة وأوزني كلامي كويس، أنا مستعدة أشتريلك بيت بإسمك وأحولك 2مليون دولار في سبيل إنك تطلبي الطـ.ـلا.ق وتخرجي من حياة على للأبد.
جحظت عينيها صدmة فحاولت بشتى الطرق اجبـ.ـار لسانها على الحديث، فأشارت لها فريدة: احسبيها كويس وإبقي بلغيني ردك.

وتركتها واتجهت للداخل تاركة من خلفها قلبًا يتمزق دون رحمة، اخترقت الآلآم رأسها بشكلٍ جعلها تئن و.جـ.ـعًا، فشعرت بأنها على وشك الاغماء بأي لحظة، لذا اردت الصعود لغرفتها قبل أن يرى أحدًا حالتها تلك.
صعدت فطيمة الدرج الجانبي حتى وصلت لشرفة غرفتها، فما أن ولجت للداخل حتى تفاحآت بعلي يبحث عنها بالغرفة بفزع اهتدى فور رؤيتها، فدنى منها متسائلًا: كنتي فين يا فطيمة، قلقتيني عنك!

رفعت يدها تحجب بها آلآم رأسها، وفجأة تلاشت محاولتها المستمـ.ـيـ.ـته وسقط جسدها فاقدًا للوعي أمام عينيه، فهرع إليها صارخًا: فاطيما!
جسدها الهزيل لم يعد قويًا ليحتمل كل تلك الضغوطات، خرت قوتها وباتت ساقيها ضعيفة لحمل جسدها، تعلم بأنها ستخوض معركة ضد فريدة، ولكنها والله لا تمتلك النية من الأساس، ألا يكفيها ما تواجهه، ألا يكفيها ما يقلق منامتها ويكـ.ـسرها كل يومٍ، بل كل لحظة، عساها تدرك بأنها أنثى محطمة تلاشت صرخاتها وتبخرت، فلم تعد تمتلك صوتًا ولا حياة.

جاهد على ليجعلها تسترد وعيها، ولحظه لم يمتلك بمنزله أي من معداته الطبية، أو حتى الدواء الخاص بها، فأسرع لغرفته وجذب زجاجة الرفيوم الخاصة به ونثر على كفه، ثم حملها لصدره وهو يقرب يده من أنفها وصوته القالق يناديها: فاطيما، سامعني!
بدأت الرائحة النافذة تكـ.ـسر حاجز ظلمتها، والأروع من ذلك بأنها تعلم تلك الرائحة جيدًا، فهمست إليه: علي.
ابتسم وهو يجيبها: جانبك وطوع أمرك يا قلبي!

فتحت عينيها لتجده يتأملها ببسمةٍ هادئة، يده تتمسك بيدها وذراعه يلتف من حولها، جلست باستقامة على الفراش وأبعدته عنها وهي تتساءل على استحياءٍ: هو، آآ. أيه اللي حصل؟
مط شفتيه بسخطٍ وقال: المفروض مين فينا اللي يسأل، أنا ولا إنتِ؟
وتابع بنظرة شك أحاطت تلك التي تتهرب من لقاء رماديته: كنتِ فين يا فطيمة، وأيه اللي حصلك وخلاكي راجعة بالشكل ده؟

أخفضت عينيها تبكي بصمتٍ، مما جعله يشك بما حدث، ليس أحمقًا بالنهاية لن يمسها أحدًا هنا بالسوء الا والدته، جز على أسنانه بغـــضــــب، فانتفض عن الفراش مرددًا: أكيد فريدة هانم!
وأسرع للخروج من الغرفة ليواجهها تلك المرةٍ بشراسة تفوق هدوئه، الا أن جسده فقد قدرته على الانصياع لأوامره فور أن تمسكت فطيمة بيده وقالت باكية: لأ يا علي، بلاش تكبر المشاكل بينكم، أرجوك بلاش تخليها تكرهني أكتر من كده. عشان خاطري.

استدار إليها بعدm تصديق، تترجاه لأجل والدته التي لم يعنيها حالة تلك المسكينة، كان يعلم بأنه سيواجه معاناة طاحنة معها ولكن كان بداخله شعورًا يعاكس الأخر بأنه ولربما تتعاطف مع حالتها الصحية.

هدأ من روعه أولًا قبل أن يحاوط وجهها الباكي، ليته يحيطها بأربع حوائط ويمنعها من أن تختلط بأحدٍ سواه، ليته يملك كل أسرار سعادة العالم بأكمله ليمنحها إليها عن طيب خاطر، أزاح على دmعاتها وقال بحـ.ـز.نٍ: دmـ.ـو.عك بتجلدني وبتتحسسني بالعجز، فلو مش عايزاني أنزل ليها حالًا بلاش تعيطي!
هزت رأسها بلهفة وأزاحتهما عن وجهها، فمنحها ابتسامة جذابة من بلسم شفتيه، ونادها: فطيمة.

الويل لقلبها الضعيف حينما يستمع لصوته المنادي، يطحن عضلاتها الهاشة من فرط دقاته العنيفة، أسبلت إليه بـ.ـارتباكٍ فقال: لو حابة إننا نمشي من هنا ونشتري شقة نعيش فيها أنا معنديش مانع.

صمتت قليلًا تفكر بالأمر، نعم ستحصل على راحة مثالية بعيدًا عن فريدة، ولكنها ستخسر عائلة تحيطها بحنان مثل شمس ومايسان والعم أحمد وعمران التي لم يسبق لها التعامل معه خــــوفًا من أن تجتاحها التشنجات القـ.ـا.تلة لجسدها، ولكنها لمست حنانه واحترامه لها من الموقف الصباحي لهذا اليوم مما جعلها تتغمد بالراحة تجاهه، وبعيدًا عن ذلك إن أطاعت على بما يريد حينها ستتأكد فريدة بأنها أخبرته بعرضها وأرادت أن تسوء الامور بينها وبين ابنها لذا ستزيد من كرهها واضطهادها إليها، فأجلت صوتها الرقيق: لا أنا مرتاحة هنا.

تنهد على بضيقٍ، تلك الحمقاء لا تعلم بأنه يستطيع سماع صوت تفكيرها الطاحن بينه وبين ذاتها، ليس لكونه طبيبًا نفسيًا ماهرًا، لكونها تعد محور حياته الاساسية فبات يفهم كل حركة تصدرها حتى إشارات عينيها!
أراد أن يبدل الحديث الخانق بينهما، فسألها باهتمامٍ: خلصتي الكتاب؟
هزت رأسها نافية، وأجابته بحماس: لسه، بس ممكن على بليل أخلصه.

ابتسم وهو يتأمل ابتسامتها التي يفتقدها، ثم قال: خلصيه وادخلي المكتبة خدي غيره. أنا هنزل الصيدلية أجيبلك أدويتك لأني نسيت خالص الموضوع.
أشارت إليه بهدوء فإتجه للمغادرة، وقبل أن يصفق باب غرفتها قال بمزحٍ وهو يغمز لها: جهزي نفسك علشان لما أرجع هنكمل جلساتنا، متفكريش إنك خلاص لما بقيتي مراتي هتنفدي من جلسات دكتور علي!
وجدها مطيعة تهز رأسها لكل أمرًا يخبرها به، فابتسم وهو يطالبها: هتحني وتديني حـ.ـضـ.ـن؟

جحظت عينيها صدmة وركضت تجاهه، فتهللت أساريره ظنًا من أنها ستمنحه ضمة تشفي صدره، فوجد ذاته يحتضن باب غرفتها المغلق بقسوة بوجهه عوضًا عنها، فتمردت ضحكاته عاليًا وردد بصعوبة: ماشي يا فطيمة، الأيام بيننا!
بالأسفل.

استمرت مايسان بالعمل برفقة أحمد فور عودتهما من الشركة، فقدmت له عدد من الملفات الهامة، وحملت البعض منها ثم نهضت تخبره: دول الملفات اللي حضرتك طلبتهم يا أنكل، ودول اللي واقفين على توقيع عمران، هطلع أخليه يوقعهم وهتصل بحد من الشركة يجي يأخدهم.
هز رأسه بتفهم وعينيه مشغولة بقراءة الملف من أمامه، وحينما شعر بخطوات حذاء يعلم صاحبته جيدًا قال بمكرٍ: بقولك يا مايا.
تراجعت عن الدرج متسائلة: أيوه.

قال بحماس وأعين لامعة: اتصلي بمدام أنجلا خليها هي اللي تيجي تاخد الأوراق، متنسيش إنها ملفات مهمة ولازم نختار حد ثقة وآمين ولا أيه يا بـ.ـنتي؟
تعالت ضحكاتها، وبالرغم من عدm معرفتها بقصته مع خالتها الا أنها قالت بترحاب لظنها بأنه على وشك السقوط بحب تلك الموظفة: حاضر، هخليهم يبعتوها هي، أي أوامر تانية يا أحمد باشا؟
منحها ابتسامة خبيثة ورد باستحسان: والله ما حد فاهمني بالبيت ده أدك.

منحته بسمة مشرقة قبل أن تكمل طريقها للأعلى، فاستوقفها صوت فريدة الحازم: رايحة فين؟
تلاشت ابتسامتها بشكلٍ ملحوظ، وبجفاء قالت: في أوراق عمران لازم يوقع عليها.
وكادت باستكمال الدرج للأعلى، ولكن يد فريدة كانت الاسرع أليها أوقفتها وهي تتساءل بذهول: مالك يا مايا؟ بقالك فترة بتعامليني بالشكل ده ليه؟

انخفضت درجتين لتصبح أمامها، فقالت بحـ.ـز.ن لمع بدmعاتٍ بريئة: لإني مصدومة فيكِ يا فريدة هانم، طريقة معاملتك لفاطيما و.جـ.ـعاني أوي، ومخليني مش قادرة أستوعب إن اللي قدامي دي هي نفسها الست اللي ربتني وأخدتني في حـ.ـضـ.ـنها بعد وفاة أمي، ولا الحنان اللي عاملتيني بيه ده كان لإني بـ.ـنت أختك، ويمكن لو كنت مرات ابنك بس كنت هلاقي نفس معاملة فاطيما.
صاحت بانفعال: أيه الهبل اللي بتقوليه ده!
ده مش هبل يا أمي دي الحقيقة.

قالها على بابتسامة ممتنة لزوجة أخيه التي بادلته نفس الابتسامة واستكملت طريقها للأعلى، بينما هبط على ليقف على نفس الدرجة التي تحمل فريدة، منحها نظرة حزينة وقال: انا مش عارف إنتِ قولتي أيه لفطيمة خلاها تفقد الوعي بالشكل ده بس صدقيني لو حصلها حاجة هتكوني خسرتي على ابنك للأبد.

وتابع بنفس نبرته المنكـ.ـسرة: بالرغم من كل اللي بتعمليه معاها الا أنها رفضت تقولي اللي حصل بينكم، فاكرة إنها بكده مش هتكبر المشاكل بينا، بتمنى تقدري اللي عملته يا فريدة هانم.
وتركها محلها وغادر بصمت بعدmا قابل عمه المنشغل بالعمل ببسمة صغيرة، بينما وقفت هي تتطلع لأعلى وتهمس بحقد: حرباية وعارفة تتلوني بمية لون.

مازالت تصر أن ما تفعله فاطيما ليس الا لتنال شفقة على وتكسبه لصفها، مع أن الحقيقة تبرهن صلاح القول بأنه بالفعل يحبها وينحاذ إليها، ليست تلك المعركة التي ستجعل الكفة الاخرى الرابحة، مازالت تحارب لشيءٍ قد حدث بالفعل!

هبطت فريدة للأسفل، فجلست على المقعد واضعة ساقًا فوق الأخرى، تراقب أحمد بنظرة مشتعلة، جعلته يمنحها نظرة طـــعـــنها بالذهول الكاذب، وببراءة سألها: مالك يام علي؟ بتبصيلي كأني قـ.ـا.تلك قتيل على المسا ليه؟
استفزتها بمنادته الغريبة، فقالت بغـــضــــب: يا تناديني فريدة هانم يا متنادنيش من الاساس.
منحها بسمة بـ.ـاردة، وعاد يتطلع للملف من أمامه ببرود: أوكي، مالك يا فريدة هانم؟ حلو كده؟!

ازداد غـ.ـيظها ورددت من بين اصطكاك أسنانها: متستفزنيش يا أحمد.
رفع رماديته لها وتنهد بيأسٍ: أنا مش فاهم إنتِ فيكِ أيه بالظبط؟
وانتصب بوقفته يجمع الاوراق وحاسوبه قائلًا: هطلع أكمل فوق أحسن، أنا مش حمل مناهدة كفايا فرهدة الشغل!
وقفت تحرر غـ.ـيظها: استنى هنا رايح فين؟
وبغيرة تمردت رغمًا عنها قالت: ولا حابب تقابل مدام أنجلا فوق في أوضتك، مش لسه بدري على الخطوة دي؟

أخفى بسمته بتمكنٍ، واستدار إليها بعدmا ارتدى قناع جموده بحرفية، ارتبكت فريدة أمامه وقالت توضح له ببعض التـ.ـو.تر: يعني لسه في خطوبة وبعد كده جواز.
هز رأسه وهو يشير لها جادًا: عندك حق، بس أنا قلقان لإن أنجلا لسه خارجة من علاقة فاشلة مش عارف بالوقت الحالي هتقدر تدي نفسها فرصة تانية ولا لا.

انقبض قلبها لسماع ما قال، ظنته سيعترض على حديثه، سيبرهن بأنها تخطئ ظنها، وللعجب لم تجد بعينيه أو بحديثه أي مجالًا للمزح، كان جادًا بتعابيره ونبرته مما دفعها لسؤاله: حبيتها يا أحمد؟

سؤالًا ألــمها قبل أن يتحرر على لسانها، إن كانت تستعيد ثباتها لكانت منعته من الخروج فأي حبًا هذا الذي سيولد من لقاء عابر مضى منذ ساعات قليلة بشركة عمران، ولكن الغيرة تصيب العاشق بحماقة تجعله لا يرى قبالته سوى نيران تأكل قلبه دون رحمة.
احتقنت عينيه وقال بكـبـــــريـاء يلملم به جـ.ـر.ح كرامته المهدورة: ميخصكيش.

واستدار ليتجه للمصعد فتفاجئ بها تنحني للطاولة وتجذب السكين المدسوس وسط طبق الفاكهة، وإتجهت إليه تجذبه من جاكيت بذلته بقوةٍ جعلت الحاسوب والأوراق تسقط منه أرضًا فانصدm حينما وجدها توجه سكينها لعنقه ونظراتها تواجهه بشراسة وغـــضــــبٍ جعلها تصرخ: أقسم بالله أقــ,تــلك وأقــ,تــلها لو فكرت تعملها يا أحمد، أنا مش هبلة ولا عبـ.ـيـ.ـطة عشان أصدق إنك وهبت قلبك اللي مفيش حد قدر يدخله من سنين لواحدة لسه شايفها من كام ساعة، أنا عارفة أنت بتعمل ده كله ليه!

تعمق بالتطلع لعينيها اللامعة بالبكاء رغم ثباتهما عن الخروج عن مخضعها، غير مبالي بالسكين الموضوع على عنقه، قال بصلابةٍ: هعملها يا فريدة، أنا مش هعيش وأخرج من الدنيا دي وأنا لوحدي وبطولي، كفايا.

وتابع بنظرة احتلت كرهًا وغـــضــــبًا يجابه خاصتها، جعلها تسحب يدها عنه رويدًا رويدًا والصدmة تجعلها لا ترى أمامها: كفايا تكوني أنانية ومبتفكريش غير في نفسك، أيوه أنا مستحيل هيسكن قلبي ست غيرك، بس مستعد أعيش مع واحدة تملى حياتي وتحسسني إني راجـ.ـل.
واستطرد ببسمة طـــعـــنتها بكل قوته: والله أعلم يمكن مع الوقت أحبها وأتعلق بيها.

واستمد أنفاسه وتابعها وهي تتراجع للخلف بصدmة، كلما ألقى إليها كلمـ.ـا.ت جديدة كأنها تركلها بعيدًا عنه: اللي واثق منه إني مستحيل هقبل بظلمك تاني، مستحيل هعيش لوحدي في قصر كبير بيخـ.ـنـ.ـقني بعد النهاردة، وإنتِ هنا عايشة وسط اولادك ومش حاسة بعـ.ـذ.ابي ولا بو.جـ.ـعي طول السنين دي كلها.

أخفضت عينيها أرضًا تكبت دmـ.ـو.عها قدر الامكان، فوضعت سن السكين بيدها الاخرى تقبض عليه بكل قوتها حتى استجاب لحمها الرقيق لنصله الحاد فتناثرت الدmاء بكثرة أسفل قدmيها على أرضية الرخام الأبيض، وزع أحمد نظراته المندهشة عليها.

حالتها كانت غريبة له بشكلٍ استدعى قلقه، وخاصة حينما وجد الألــم الجسدي والنفسي يسيطران على عينيها المنغلقة، فأخفض بصيرته ليدها فانتفض بمحله، هرع إليها يبعد السكين عن يدها وهو يصـ.ـر.خ بها: إنتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة!

أبعد السكين عن يدها وجذب المناديل الورقية يحاول بها كتم الدmاء المنسدلة، ومازالت تتابعه بنظرة خالية من الحياة، بينما هو يجاهد لوقف نـ.ـز.يفها، فقال وهو يكبت المناديل بيده: الدm مبيقفش، تعالي معايا نروح لأي دكتور.
جذبت يدها منه وقالت ببرود يناهز بروده: ميخصكش.
وتركته واتجهت للمصعد فلحق بها وهو يصـ.ـر.خ بانفعالٍ: بطلي عند يا فريدة ايدك بتنزف.

ضغطت على زر الطابق الأول وضمت يدها إليها، قائلة: روح شوف شغلك وحياتك وإبعد عن أنانيتي.
وصل المصعد للطابق فتركته وولجت لجناحها وهو يتبعها دون ارادة منه، لا يود تركها بتلك الحالة أبدًا.
ولج أحمد لجناح أخيه للمرة الأولى، فسبقته خطاها لحمام غرفة نومها تجذب عُلبة الاسعافات الأولية، بينما تبلدت خطواته فور أن لمح فراشها، صورتها برفقة أخيه الموزعة بأرجاء الغرفة وبالأخص تلك التي تقابله أعلى الفراش.

كانت تبتسم بها بسعادة جعلته يدقق النظر بو.جـ.ـعٍ، يقنع ذاته بتلك اللحظة بأنه فقط من كان يعاني، وتمكنت تلك الجالسة على الأريكة القريبة منه من فهم سبب شروده، فلفت على يدها شاش أبيض، وإتجهت لتكون قريبة منه، تتطلع للصورة برفقته وشق صوتها مسمع قاعته الصامتة: دلوقتي فاكر ان سر الابتسامة دي وراها حب وراحة وسعادة إنت اتحرمت منها صح؟

بالكد تمكن من سحب عينيه ليتطلع بها إليها، فوجدها تتطلع للصورة وهي تردد: الضحكة دي سببها الخيانة.
ضيق عينيه باستغرابٍ: خيانة أيه؟!
التفتت إليه وهي تخبره ببسمة ألــم: كنت بعتبر نفسي عايشة معاك إنت.

وتابعت بحرجٍ تنطق بجريمتها التي تأنبها: أحمد أنا كنت عايشة مع أخوك وعقلي وقلبي معاك إنت، كنت كل هدية بجبهاله بختارله الحاجة اللي كنت إنت بتحبها، بطبخ نفس الأكل اللي بتحبه، حتى البرفيوم كنت بجبله نفس النوع اللي بتحطه عشان أحس إني عايشة معاك إنت.
وأخفضت عينيها أرضًا تردد ببكاءٍ: كل لحظة كانت بينا كانت معاك إنت مش معاه! أنا كنت خـ.ـا.ينة حتى في أحلامي!

وتابعت وهي تجلس على حافة فراشها: مستكترة على نفسي أعيش معاك بعد كل اللي عملته، أنا لازم أتعـ.ـا.قب.
انهمرت دmعة على خده وهو يتابعها، فمالت بجسدها للوسادة تجذب من أسفلها صورته ونزعت عنها سلسال ترتديه تخرج له صورته، وتلك المرة رفعت عينيها إليه تواجهه: إنت معايا في كل ثانية يا أحمد.
اقترب منها فتراجعت للخلف وهي تترجاه: لا أرجوك متقربش، كفايا الذنب اللي أنا شايلاه لحد النهاردة.

وتابعت وهي تضم السلسال إليها بو.جـ.ـع: عيش حياتك يا أحمد، أوعدك إني مش هقف في طريقك بالعكس أنا بنفسي اللي هخطبهالك بس من فضلك اختار الانسانة اللي تستاهلك متختارش أي واحدة بدافع الانتقام مني.
ابتسم من وسط سيل دmعاته، وردد ببحة صوته: مش كنتِ هتقــ,تــليني انا وهي من شوية!
صمتت قليلًا تفكر بالأمر، وقالت بحيرة: مش ضامنة ردة فعلي وقتها، بس سبها للوقت ومتشغلش بالك غير بالعروسة.

هز رأسه باقتناع، فدث يده بجيب بنطاله وهو يتطلع لباقي الجناح بصمتٍ قطعه حينما قال برزانته: أنا خلاص اختارت وقررت.
ودنى ليستند بقدmه على الاريكة المتطرفة بنهاية الفراش ليكون على محاذاة طولها: هتجوزك يا فريدة برضاكِ أو غـ.ـصـ.ـب عنك، وفرحنا أخر الشهر ده حضري نفسك.

وتركها وغادر ومازالت متصنمة محلها وفمها يكاد يصل للأرض من فرط صدmتها بجراءته الغير معتادة، فاغـ.ـتـ.ـsـ.ـبت بسمة صغيرة على شفتيها وأزاحت دmـ.ـو.عها بخجل أعاد صباها وجدد أفراحها المنتهية!
طرقت باب الغرفة مرتين وحينما لم تستمع لصوته يأذن لها بالدخول فتحت باب غرفته وولجت تناديه بقلقٍ: عمران!

بحثت عينيها عنه حتى وجدته يجلس بالشرفة الخارجية للغرفة، فعلمت بأنه لم يستمع لها، اقتربت حتى بقيت خلف مقعده تتأمله ببسمة هادئة انقلبت لتـ.ـو.تر فور نطقه دون الاستدارة لها: قربي، هتفضلي واقفة عندك كتير؟
دنت منه وهي تتطلع بدهشةٍ انتقلت لسؤالها: عرفت منين، أنا بقالي ساعة بخبط على الباب؟!
رفع عينيه لها وقال بنظرة تحوم عاطفته بها: قلبي بقى يحس بوجودك.

ابتسمت ساخرة ودنت منه تنحني، لتضع على قدmه الملفات، قائلة: الأوراق دي واقفة على توقيعك يا بشمهندس.
تمعن بعينيها طويلًا، وكأنه يبحث عن ضالته بعد غيابًا ونظراته غامضة لدرجة ألــمت قلبها، فرددت بتـ.ـو.تر: مالك؟
انفلت ببسمة صغيرة تحمل تعاسته: مخدتش على قعدة البيت، أنا مكنتش بلمح أوضتي ولا سريري غير على وقت النوم يا مايا.

لم تتمكن من حجب دmعاتها المتأثرة به، فرفعت يدها تحيط جانب وجهه النابت بلحيته، لمستها جعلته يعيد النظر إليها ببسمة عاشقة، وخاصة حينما قالت بصوتها الرقيق: عمران اللي فات من عمرك كله كانت مرحلة سيئة، خدت فيها قرارات متهورة وبعدت فيها عن ربنا، لو فكرت كويس هتلاقي ربنا بيحبك عشان كده أدلك فرصة تانية والفرصة دي لازم تستغلها كويس.

واستكملت ببسمة حب: الوقت الفاضي اللي عندك ده المفروض تفكر باللي فات من حياتك واللي جاي، صلي واتقرب من ربنا، مش يمكن تعبك ده ابتلاء عشان ربنا وحشه صوتك وإنت بتدعيله على سجادة الصلاة وبتقوله يا رب!

وتابعت بحماس: ربنا بيعز عليه عباده وبيديهم أكتر من فرصة عشان يبعدوا عن المعاصي، لمس فيك نـ.ـد.مك وعزمك على البعد عن معصيته فمدلك إيده وإنت مينفعش ترجع عن عزيمتك يا عمران، صلي واتقرب من ربنا ولو حسيت إنك مخـ.ـنـ.ـوق طلع مصحفك اللي أراهنك مش بتفتحه غير كل رمضان.
وأخفضت يدها لموضوع قلبه تؤكد له: صدقني ده وقتها هيرتاح.

رفع يده يحيط بيدها الطابعة لموضع قلبه، فرفعها لفمه ملمسًا إياها بقبلته التي لامست أصابعها، تركت مايسان قدmها تستند أرضًا واحتضنته بحب جعله يغلق عينيه طاردًا كل احاسيس الاكتئاب والحـ.ـز.ن خارجه، أحاطها بقوةٍ وهمس بما ينتاب أضلعه: بحبك.
ابتسمت وهي تردد على استحياء: وأنا كمان بحبك.

ابعدته ورتبت حجابها جيدًا، ثم رفعت القلم نصب عينيه لتخبره بـ.ـارتباك وهي تلهي ذاتها بتفحص الملفات التي سقطت أرضًا منه: امضي على الملفات بسرعة أنكل أحمد هيترفز مني في أول يوم شغل معانا.
جذب الورقة ووقع الأوراق وعينيه تخـ.ـطـ.ـف النظرات إليها، فحملت الملفات وإتجهت للمغادرة ليوقفها سؤاله الغامض: بت عـ.ـر.في تطبخي؟
رمشت باستغراب، واستدارت توجهه بحيرة: أيوه، ليه؟!

تطلع أمامه ببسمة هادئة جعلتها تعود أدراجًا، لتقف قبالته من جديدٍ: بتسأل ليه؟
وبمزحٍ قالت: عايز تجرب أكلي يا بشمهندس؟!
لعق شفتيه الجافة وقال ببعض الحرج: بصراحة بقالي فترة واعد جمال ويوسف إني هعزمهم على أكل بيتي، وإنتي عارفة طبعًا فريدة هانم ملهاش في نوعية الأكل دي، فبقول يعني هتبقى فكرة لطيفة لو عزمتهم هنا بكره، أهو يقضوا معايا اليوم بدل ما أنا قاعد كده.

أشارت له بفرحةٍ حملتها داخلها بأنه يطالبها بمسؤولية هكذا، وإن كانت ستفعل شيئًا بسيطًا مثل ذلك لاسعاده بالطبع لن تتأخر، فقالت بحماس: اتصل بيهم حالًا واعزمهم وأنا اوعدك إني هشرفك بكره قدامهم وهتشوف.
وضعت الملفات عن يدها وأخذت تردد وكأنها تتحدث مع ذاتها: أنا هنزل السوبر ماركت اجيب اللي هحتاجه بس الأول لازم أحضر القايمة باللي هطبخه وهحتاج ليه.

راقب حماسها ببسمة جذابة، لا يعلم إلى أي حد سيصل عشقها داخله، تحرر صوته أخيرًا فقال: بالنسبة للملفات والشكل وأنكل أحمد اللي هيتضايق؟
خـ.ـطـ.ـفت نظرة سريعة للملفات الموضوعة على المقعد بحـ.ـز.ن ثم قالت ببسمة معاكسة: الشغل يستنى، أي شيء في الدنيا يستنى لو الموضوع فيه تحدي لقدرات الست بالمطبخ.

وأشارت له ومازال يتابعها ببسمة جذابة: عن أذنك بقى يدوب ألحق أرتب نفسي، بفكر أخد فطيمة معايا أهو انجدها ساعتين من فريدة هانم.
ضحك عاليًا وتطلع لها بعدm تصديق، فقال مستهزءًا: ده من أمته ده؟ مش معقول مايا معارضة لفريدة هانم عشان خاطر مرات أخويا اللي لسه داخلة البيت من يومين!

جذبت المقعد البعيد منهما وقربته منه، جلست مايسان واحتلت الجدية معالمها، فقالت بحـ.ـز.ن: بصراحة يا عمران أنا مش مع خالتي بطريقة معاملتها مع فاطمة، البـ.ـنت حـ.ـر.ام اتعرضت لحاجات كتيرة مفيش مخلوق يستحملها على وجه الأرض، وكونها ك ست المفروض تقدر و.جـ.ـعها وتحتويها، أنا مندهشة من طريقتها الغير مفهومة معاها، إنت مشفتهاش وهي بتكلمها يوم كتب الكتاب والخــــوف الكبير هو يوم الفرح قلبي مش مطمن للي هيحصل.

لأول مرة يجمعهما حوار مماثل لما يحدث بين أي زوج وزوجته، ابتهج لمسار حياتهما الجديد، ويزداد تأكدًا كل مرة بأنه يحصل على فرصة تستحقها تلك الفتاة ليعوضها عما فعله، فرفع يده يربط على كفها بحنان: متخافيش على فطيمة يا مايا، على راجـ.ـل وقادر يحميها حتى من أمي نفسها.
هزت رأسها والابتسامة تتسع على وجهها، وانتفضت فجأة وهي تشير له بغـــضــــب: ورايا حاجات كتير لازم أعملها، عن إذنك.

وهرولت للخارج ثم عادت إليه تشير باصبعيها معًا بطريقة جعلته يتراجع برأسه للخلف وهو يتساءل بخــــوف مصطنع: أيه؟!
قالت وهي تشير مجددًا: عندي طلبين...
هز رأسه والابتسامة لا تتركه، فقالت: الأول تكلم على تقوله إني هأخد فطيمة معايا.
مال بوجهه متسائلًا: والتاني؟
أضافت بحماسٍ وهي تشير على المقعد: إنك تتصل بنفس التليفون بردو تخلي أنكل أحمد يبعت حد من الخدm يأخدله الملفات لاني ورايا شوبنج وحاجات كتيرة جدًا، سلام.

وهرولت من أمامه بسرعة كبيرة جعلته يراقبها وصوت ضحكاته تصل الغرفة بأكمله، فصاح إليها بحذر: على مهلك يا مـ.ـجـ.ـنو.نة مش هتلحقي توصلي لتحت هتتقلبي على السلم ومش هقدر أشيل وأنا بالوضع ده.
واعتدل بجلسته يهمس بمكر: مع إنها كانت هتبقى فرصة تشجع على الانحراف!
اقتحمت مايسان غرفة فطيمة وبحثت عنها، فاندهشت حينما وجدت الغرفة فارغة، فنادتها: فاطمة!

تفاجئت بها تزحف من خلف مقعد الصالون الجانبي بابتسامة واسعة، جعلت الاخيرة تردد بصدmة: أيه اللي مقعدك كده؟
منحتها نظرة مرتبكة قبل ان تجيبها: بصراحه افتكرتك فريدة هانم.
تطلعت لها بعدm استيعاب وتشاركا الضحك، فغمزت لها مايا بمشاكسة: ولا يهمك انا هخلصك من القعدة هنا وهخدك معايا المول نجيب شوية حاجات. ها جاهزة؟

انتابها الحماس والفرحة وهرعت للخزانة تجذب ملابسها وتسرع إليها كأنها ستبدل رأيها، فتعالت ضحكاتها وهي تراها ترتدي فستانها وحجابها بأقل من خمسة دقائق، فقالت مازحة: يا قلبي يا بـ.ـنتي ده أنتي طلعتي عايشة في حبس.
ضحكت الاخيرة وهي تشير لها: يلا نخرج.
وتوقفت فجأة بتـ.ـو.تر لحق بنبرتها بحرجٍ: طب وعلي؟ أنا مخدتش إذنه!
ابتسمت وهي تضمها بذراعها: متقلقيش عمران هيكلمه.

وبرقت بعينيها فجأة وهي تشير للشرفة: دي عربية شمس، بينا نلحقها بسرعة أهي نبدسها في السواقة طول الطريق.
وجذبت يدها وركضت بها تجاه المصعد والاخيرة تلحقها وصوت ضحكاتها لا يتوقف، فنجحت مايسان بزرع الضحك على وجهها بعد فترة كبيرة، وخاصة حينما قصت لها على الطعام الذي ستحضره لاصدقاء زوجها وقالت: أيه رأيك لو عملتي معايا بكره كم صنف كده مغربي نزين بيه السفرة.

لمعت عينيها بشغف وقالت: كسكس مغربي وكعب غزال وبسطيلة.
هزت مايسان رأسها وأخذت تتساءل عن نوعية الطعام ومكوناتهم، فمضوا طريقهما للخارج يتناقشان دون توقف حتى وصلوا لشمس، فجلسوا بالمقعد الخلفي لتربت مايا على كتف شمس تخبرها: ما تركنيش اطلعي على أقرب ماركت على طول.
رددت الاخيرة بـ.ـارهاق: ماركت أيه انتي عمرك دخلتي مطبخ يا بـ.ـنتي عشان تنزلي الماركت!

أجابتها بهيام؛
عمران عايز يأكل أكل مصري وأنا طبعًا ما عليا الا السمع والطاعة.
غمزت بمشاكسة: يا عم المطيع، ماشي عنيا بس ده اكرامًا لفطوم اللي اول مرة تركب معايا.
ابتسمت فطيمة حينما مالت عليها مايا: أهو عرفنا نطلع منك بحاجة!

عاد على من الخارج فصعد لغرفة عمران بعدmا وضع الأدوية بغرفتها، فوجد أخيه يتابع الحاسوب ويعيد صياغة الملفات باستخدام يده اليمنى ببراعة جعلته يصفر باعجابٍ: هو ده البشمهندس المجتهد اللي ميقفش عند حاجة، ده اخويا الصغير العنيد.
منحه عمران بسمة هادئة ثم قال مازحًا: أيه يا دكتور رجعت ملقتش العروسة قولت تطلع رومانسياتك عليا ولا أيه؟

سحب ابتسامته وجذب المقعد يجلس قبالة فراشه مرددًا بغـــضــــب: منحرف ووقح مفيش فايدة فيك!
تعالت ضحكاته الرجولية، وردد بصعوبة بالحديث من بين سيلها: لا عايزك تروق وتفوقلي بكره عامل عزومة على اكل مصري ومغربي إنما أيه يستاهل بوقك.
زوى حاجبيه بدهشة: أكل مغربي!
هز رأسه مؤكدًا: فطيمة بنفسها هتعمل الأكل، عشان تعرف اخوك واصل لفين!

سحب جسده للامام وتساءل بجدية: لا فهمني وبالتفاصيل أنا أي حاجة خاصة بفاطيما أحب أكون فيها دقيق!
عادت ضحكاته ترنو، فصاح بعدm تصديق: أنا بفرح أقسم بالله، اتدري ليش؟ لان فاطيما سحبتك من رداء الاستقامة والعفاف للوقاحة وبالنهاية تقول إني وقح!
كاد بأن يوجه اليه حديثًا سام فأوقفه ذاك الذي اقتحم الغرفة مرددًا بجمود تام: كويس إني لقيتكم انتوا الاتنين.
ازدرد على ريقه بتـ.ـو.تر، وتساءل: خير يا عمي؟

منحهما نظرة توزعت بينهما ثم قال: أنا وفريدة هنتجوز.
ابتسم عمران وهمس بنزقٍ: شكلها هتحلو!
اختنقت أنفاسه واحتسبت داخله بعد ما حدث، رؤية دmائها تقطر أمام عينيه جعلته يشعر بانكسار بكل عظمة يمتلكها، وقف بشرفته ينحني على السور الحديدي المحاط بها، والهواء يحرر خصلاته الفحمية المزينة ببعض الخصلات البيضاء، أغلق عينيه بقوة ورغمًا عنه انفلت ببسمة هادئة حينما تذكرها وهي ترفع السكين على رقبته وتهدده بشراستها التي مازالت تمتلكها حتى بعد مرور كل تلك السنوات، فعاد بذكرياته لاحدى المشاهد التي تمرد بها جنونها باجتيازٍ.

صعد لغرفته بعدmا انتهى جده من الحوار المتبادل بينهما، كانت تستحوذ على اهتمامه بعدmا تركت الصالون فور سماع جده يعرض عليه عروسًا من الطبقة المخملية التي تليق بعائلة الغرباوي، فلم تطيق سماع المزيد ونهضت للاعلى على الفور.

أغلق أحمد الباب من خلفه وخلع جاكيته ليلقيه على الأريكة باهمالٍ، وما ان استدار ليتجه لحمامه الخاص حتى تراجع للخلف وهو يتفادى تلك المزهرية التي كانت بطريقها لاحتضانه، فسقطت شظاياها أسفل قدmيه ومازال يتطلع للأرض بصدmة جعلته يرفع عينيه لتلك التي تستعد برمي الأخرى تجاهه!
تراجع للخلف وهو يشير لها بعدm تصديق: تاني يا فريدة تاني!

لم يعنيها كلمـ.ـا.ته وصوبت إليه ما تحمله فإنحنى للأسفل بسرعةٍ جعلت المزهرية تعبر لمرآة السراحة، فانهار زجاجها أرضًا، ابتلع ريقه بصوتٍ مسموعًا، وصاح بها وهو يحمي وجهه مما تحمله تلك المرة: يا مـ.ـجـ.ـنو.نة أنا عملت أيه عشان تهاجميني بالشكل ده! أنا زيي زيك إتصدmت من كلامه وزي ما سمعتي رفضت!

كزت على أسنانها بغـ.ـيظٍ جعل صوتها يبدو مخيفًا وهو يتحرر من بين انيابها: إنت اللي مديله الفرصة إنه كل شوية يجبلك عروسة شكل والموضوع شكله على مزاجك يا أحمد باشا.

خشى أن تفلت الأنتيكة الباهظة التي تحملها بين يده، وللحق لا تعنيه بأنها ثمينة بل ما يعينه بتلك اللحظة هو خسارة وجهه الوسيم التي تنتوي تلك الحمقاء تهشيمه تحقيقًا لتهديدتها السابقة بأنها ستشوه ملامحه حتى لا تقبل أي فتاة الارتباط به، فدنى منها ومازال منحني في محاولة بائسة للحديث: طيب اهدي يا حبيبتي، ارمي اللي في إيدك ده وخلينا نتكلم بالعقل!

رفعت حاجبيها مستنكرة لجملته وقالت: أي عقل ده يا ابن الغرباوي! إنت شكلك عاجبك عروض الجواز اللي كل يوم جدك يجبهالك، عايشيلي دور زير النساء وعايزه يأكل عليك!
ضيق رماديته بصدmة، وردد ساخرًا: زير نساء! ده جدي هيتجنن من حالة البرود اللي أنا فيها عشان كده عامل نفسه خاطبة عشان مـ.ـيـ.ـتأكدش الخــــوف اللي جواه من نحيتي!
عبثت بعدm فهم: خــــوف أيه؟

انتصب بوقفته قليلًا ومازال الخــــوف مما تحمله بيدها يعتريه، ليجيبها: إنتِ مش ملاحظة إننا عندنا في العيلة الشباب بيتجوزوا صغيرين في السن، أنا حاليًا بالسن الصغير ده وبالنسبلهم عديت السن المقرر للجواز، وده مدي انطباع سييء لجدك عني لدرجة أنه بقى معين ناس تراقبني جوه الشركة عشان نفسه يتأكد إني ليا أي علاقات نسائية، عايز قلبه يرتاح من الشكوك اللي بيتراوده نحيتي!

عاد لنفس لغزه من جديد، فسئمت بنفاذ صبر: شكوك أيه؟!
حك جبينه بحيرة من إيصال المعنى الضمني لحديثه المحرج، فنفخ بغـــضــــب: متشغليش بالك إنتِ، ارمي اللي في إيدك بس واهدي ابوس إيدك مبقتش عارف أوجه الدادة نعمـ.ـا.ت لما بتشوف الاوضة كل يوم الصبح، بقت مصدقة عني إني ملبوس وبكـ.ـسر في الأوضة، مش كفايا اللي جدك والعيلة واخدينه عني بسببك لسه هيترمي عليا ابتلاءات أيه تاني!

منحته نظرة ساخرة، وقالت: والله بايدك تحل كل ده، انزل لجدك حالًا وقوله أنا عايز أتجوز بـ.ـنت عمي.

برق بعينيه بدهشةٍ من خوضها نفس الحوار دون ملل، فراقب ما تحمله فوق كتفها بتـ.ـو.ترٍ، ورفع يده يحمي وجهه وهو يقول بتعصب فشل بالسيطرة عليه: عايزاني أنزل لجدك أقوله أنا عايز اتجوز بـ.ـنت عمي أم ضافير اللي لسه في تانية ثانوي وإنتِ أكتر واحدة عارفة شرع الغرباوي البنات متتجوزش الا لما تخلص تعليمها الشباب اللي بيتسحلوا من أول سن ال17، شكلك كده عايزة تضحي بيا!

اكتظم الغـــضــــب على تعابير وجهها، فبدت أكثر خطورة، فشـ.ـددت من ضغط يدها لتقذف تجاهه الانتيكة، ارتطمت بذراعه قبل أن تلامس الحائط من خلفه فتلاحق بالضحايا السابقة لها.

ضم أحمد ذراعه وتأوه بألــمٍ وهو يسب الحب على ذاك اليوم الذي نبض قلبه لها، وذاك ما جعلها تغوص بعصبيتها فجذبت زجاجات العطر الخاص به واستعدت لمهاجمته من جديد، فصاح بانفعال: يا فريدة مينفعش اللي بتعمليه ده، صدقيني أنا عايز أتزفت أتجوزك من دلوقتي بس اصبري حتى لما تدخلي الجامعة!

لم تهتم لحديثه وصوبت تجاهه أول زجاجة، فأسرع أحمد يحتمي بالمقعد المذهب الخاص بالسراحة، ليتفادى كل ضـ.ـر.باتها التي لم تنجح باصابته ولكنها كانت تسقط محطمة جوار الاجزاء الأخرى المبعثرة بالغرفة، فأطبق يديه فوق أذنيه من شـ.ـدة الضوضاء وهو يهمس بغـــضــــب: الله يلعن أبو اليوم اللي حبيتك فيه يا متهورة! أنا مش متخيل حياتي معاكي بعد الجواز هتكون عاملة أيه؟!

انتهت معركتها حينما بدأت تخوض سلامها النفسي بعدmا انتهى كل شيء مصنوع من الزجاج حولها، فلم يعد هناك ما تتمكن باستخدامه، لذا جلست على فراشه بحـ.ـز.ن.
مد رقبته من خلف المقعد يطمئن لهدوئها اللحظي، فتنهد بأملٍ، وخرج يتسلل بحرصٍ الا يصطدm قدmيه بالزجاج حتى وصل إليها فسألها ببسمةٍ واسعة: أحسن دلوقتي؟
هزت رأسها بيأسٍ، فجلس على بعدٍ منها وهو يقول بنفس الابتسامة: الحمد لله.

منحته نظرة طاعنة قبل أن تعود لتتطلع أمامها بهدوء، فقال وهو يشاكسها كعادته: بحبك وإنتِ هادية وعاقلة كده لكن لما بتتجني ببقى نفسي أصرف نظري عن الحب ده وعن معرفتي بيكِ من الأساس.
وتابع مازحًا: تخيلي كده يا حبيبتي لو سكنا في عمارة وعملتي اللي بتعمليه ده هيبقى الوضع أيه؟ سكان العمارة هيزفونا لجدك بلبس البيت!
لم يستطيع أن يجعل الابتسامة تزرع على وجهها المحبب لقلبه، فقال بجدية تامة: مالك يا فريدة؟

اتجهت بعينيها اللامعة بالبكاء إليه، تردد بصوتٍ محتقن: خايفة يا أحمد، حاسة إن ممكن جدك يفرق بينا بيوم من الأيام.
ضيق عينيه بذهول: ليه بتقولي كده؟
هزت رأسها وقد غدى البكاء يتمكن منها: معرفش، مجرد إحساس.

ابتسم وهو يخبرها بنبرة صوته الرخيم: معتقدش إنه يعمل حاجة ممكن تزعلني في يوم من الأيام، متنسيش إنه هو اللي رباني طول السنين دي، أنا ماليش حد في الدنيا غيره هو واخواتي، أنا عارف أنه متأثر باللي مرات أبويا عاملاه فيه وحرمانه من سالم مأثر عليه، خصوصًت إنه من وقت وفاة بابا مبقاش ينزل مصر ولا يزوره بس اللي واثق فيه إنه بيعزني وطلبي له في يوم من الأيام هيكون مجاب.

ورفع يده يضعها على كف يدها المستند على الفراش ليحاول أن يطمنها: جدك مش هيستخسرك فيا يا فريدة ولو عملها أنا كفيل أتحداه وأتحدى عيلة الغرباوي كلها عشانك.
وتابع بمرحٍ: مع إني أشك أنه يرفض ده ما هيصدق إني أقوله إني كنت بحب وهتجوز!

تغاضت عن مزحه، وتمعنت بعينيه وقالت: أوعدني.
بأيه؟
منفترقش أبدًا.
أوعدك لأخر العمر إنتِ وبس اللي هتكوني في قلبي، وعمري ما هكون لغيرك في يوم من الأيام.
بحبك يا أحمد!

فتح رماديته اللامعة بالدmـ.ـو.ع التي تحررت على خده، فأزاحها عنه واتجه بقوة لم يمتلكها من قبل لغرفة عمران وها هو الآن يقف قبالتهما بعدmا صرح لهما برغبته بالزواج من فريدة، ومازال الصمت يجوب الأجواء، تقابلت نظرات عمران وعلى بحيرةٍ من أمره، عمران لا يعلم أيخبرهما بالقرار فحسْب أم يطالبهما بإعلام والدته بعرض زواجه.

أما على فكان يراقب صديقه المقرب في محاولة بائسة لفهم ما يحدث معه بتلك اللحظة، كيف قرر الخروج عن صمته فجأة دون أي مقدmـ.ـا.ت بالطبع هناك شيئًا حدث هو لا يعلمه.
سحب أحمد نفسًا مطولًا يحاول به التهيئة لوابل الاسئلة التي سيتواجه إليه بتلك اللحظة، ولكنه تعرض لصدmة جعلته يبرق لذاك الذي نطق ببسمة واسعة وهو يعود لمتابعة عمله على الحاسوب ببرود: مبروك يا عمي، ألف مبروك.

ضيق رماديته تجاه على الذي يتابعه بهدوء هو الأخر وكأنهما كانا يتوقعان ما يفعله الآن، فعاد يتمعن بعمران الذي قال باهتمام: بس قولي فريدة هانم وافقت ولا إنت عملت أيه؟
وتابع بمرحٍ وهو يغمز له بخبث: أنا شعلتك بداية النار بمدام أنجلا وشكلك استفدت من الطعم كويس أوي، عفارم عليك يا رأي مامي هانم.

تغاضى أحمد عما يقوله عمران، وأتجه لذاك الصامت فتحرر صوته بشكٍ اعتراه لحديثه السابق الحامل لمغزى ما يحدث الآن: إنت كنت عارف يا علي؟
استقام بوقفته قبالته، وهو يحاول إيجاد ما سيقوله بحضرته، وبالنهاية قال باستسلامٍ: سمعت الكلام اللي كان بينكم بدون قصد يوم ما كان عمران بالمستشفى و كنت راجع أغير هدومي بس متضايقتش يا عمي بالعكس اللي ضايقني هو فراقكم عن بعض طول السنين دي.

أخفض أحمد عينيه للأسفل بحرجٍ، الموقف حساس برمته، اقترب على منه ثم قال ببسمة هادئة: أنا عارف إن فريدة هانم عنيدة وشرسة بس واثق إنك هتقدر عليها يا عمي.
ودنى أكثر وهو يهمس له: أنا وعمران كنا هنساعدك علشان نرجعلك حبك بس إنت سبقتنا وده عجبني.
رفع عينيه له وقال ببسمة حزينة: كنت خايف من اللحظة اللي هواجهكم بيها بطلبي للجواز للمرة الأربعين وخصوصًا بعد العمر ده مكنتش أعرف إنكم عرفتوا القصة من بدايتها.

وابتلع ريقه بـ.ـارتباك وهو يتساءل: يا ترى كان نظرتك ليا أيه يا على لما عرفت إني بعت حب عمري وإنت واخدني قدوة ليك؟
تابع عمران حوارهما باهتمامٍ، فترك الحاسوب وراقب رد على بتـ.ـو.ترٍ، انساق الحديث لطرفٍ خطير بينهما، فلم يعد مجال المزح يليق به، راقب أحمد رد على بلهفة، فخـ.ـطـ.ـف على نظرة لعمران وصفن بكلمـ.ـا.ت عمه، ليضع ذاته بنفس تلك المقارنة الصعبة!

ماذا إن أحب عمران فطيمة وأرادها زوجة له؟ هل كان سيقف عدوًا بوجه أخيه من أجل حبه؟!
وما يقــ,تــله بتلك اللحظة ان أحمد لم يكن شقيق الأب والأم لأبيه، وهو يعلم بالعداوة التي سرت بالعائلة حينما تم كشف أمر زواج جده من امرأتين فحصل عمه وأخواته على ظلمٍ كان باينًا للجميع، وبعدmا انحل الأمر بين والده سالم وعمه أحمد حينها هدأت العاصفة بين العائلة وعاش الجميع حياة طبيعية حتى تلك اللحظة.

لم يكن الأمر سهلًا بالمرة، وطيلة فترة صمته كانت مدركة لهما بذلك، فأجلى صوته أخيرًا حينما قال: اللي عملته كان تضحية عشان عيلتك بس كان أنانية بالنسبة للانسانة اللي حبيتك وأتعشمت فيك يا عمي.
ابتسم وهو يستمع لرأيه الحكيم، وقال: صح يا علي، عشان كده هقدmلك نصيحة زي ما انت متعود تسمع مني.

راقبه باهتمام فقال أحمد: متبعدش عن اللي بتحبها حتى لو كان ده تمنه مـ.ـو.ت كل اللي بتحبهم، لإن مـ.ـو.ت قلبك ومشاعرك هيكون أصعب من و.جـ.ـع فراقهم ألف مرة.
لمعت عين على بالدmع حينما تسلل له مضمون ما خاضه أحمد من ألــمٍ قـ.ـا.تلٍ، وخاصة حينما قال ببسمة تعاكس ألــمه: أقولك سر وتصونه؟

هز رأسه بتأكيد، فانحنى أحمد يهمس بأذنيه كلمـ.ـا.تٍ جعلت الاخير يبرق بصدmة، فاستقام أحمد واتجه بعينيه تجاه عمران الذي يتابعهما بفضول، وقال: كمل شغلك يا بشمهندس.
وتركهما ورحل ومازالت نظرات على تتابع مغادرته بصدmة جعلت عمران يناديه بقلق: علي.
عاد يناديه حينما طال صمته: علي!
التفت إليه فتساءل عمران بـ.ـارتباك: كان بيقولك أيه؟!

تغاضى عن سؤاله وهرع خلف عمه للخارج، وقبل أن يتجه لغرفته وجده يقف أمام بابها ينتظره بابتسامة تسلية، وكأنه كان يضمن بأنه سيتبعه بعدmا ألقى له تلك القنبلة، فردد بتلعثمٍ: اللي حضرتك قولته جوه ده، إزاي!
وضع يده بجيب بنطاله وانحنى قبالة وجهه يخبره باستفهامٍ ماكر: إنت كنت فاكرني هتخلى عن حبي بالسهولة دي! اللي قولتهولك كان السبب الأساسي اللي خلاني أعمل كده.

صمت ولم يجد كلمـ.ـا.ت تعبر عن صدmته، يحاول أن يجد سؤاله المنطقي القادm ليطرحه على من يراقبه، وقبل أن يصل لمبتغاه وجد هاتفه يضيء برقم زوجة أخيه، فرفعه قائلًا وعينيه مازالت تطارد عمه بذهول: أيوه يا مايا.
تجهمت معالمه بصورة ملحوظة، فقال: خليكي معاها وأنا جاي حالًا.
وأسرع تجاه الدرج فلحق أحمد به متسائلًا بقلق: خير يا علي، في حاجة؟

هز رأسه نافيًا وهو يجيبه باحترام: موقف بسيط حصل مع فطيمة ومايا محتاجاني أكون موجود عشان خايفة تتأثر بيه، هبقى أطمنك بالفون متقلقش
وتركه وأكمل بخطاه للخارج مسترسلًا: لينا حوار تاني وطويل يا عمي.
ابتسم الاخير مرحبًا به: مستنيك بأي وقت يا دكتور!
واستدار ليتجه إلى غرفته، فوجد الخادmة تقف خلف تخبره: السيد عمران يريدك بغرفته سيدي.

تنقلت بين حوامل الملابس ببسمة رقيقة، بدت راضية عن قرارها بعدm الدخول مع مايا وفاطمة لشراء ما يلزم الطعام، وتوجهت إلى الطابق الثاني لاستكشاف كولكشن الفساتين الجديدة لهذا العام، فجذبها اللونين الأحمر والأسود، بدت حائرة بينهما، ورددت بصوتٍ منخفض: مش لو كانت مايا معايا كانت ساعدتني في اختيار اللون!
عندي فضول أشوفك بالأسود.

ووصل الصوت الذكوري ليكون أمام عينيها يستكمل حديثه ببسمة مهلكة: أكيد هيكون مميز عليكِ!
رددت بابتسامة واسعة: آدهم.
اتسعت بسمته وأخفض وجهه قليلًا كأنه يحيي الملكة: شمس هانم.
ارتبكت أمامه وتلفتت من حولها كأنها تخشى وقوفهما، بحثت عما ستقوله بتلك اللحظة فلم تجد سوى سؤاله: بتعمل أيه هنا؟
اقترب آدهم منها ثم قال بنظرة غامضة: جاي عشانك يا شمس.

انتبهت لما سيقول باهتمام، خاصة وهي تتأمل ثباته الغامض، فقطع صمته قائلًا: إبعدي عن راكان الفترة دي يا شمس، عشان اللي حصل ليكي قبل كده مـ.ـيـ.ـتكررش تاني.
زوت حاجبيها بدهشة: تقصد أيه؟
أجابها ومازالت الإبتسامة تشرق على شفتيه: المرة اللي فاتت اتعرضتي لمحاولة الخـ.ـطـ.ـف دي بعد ما الشحنة اتمسكت بالمينا، أخاف بعد اللي هعمله يتكرر نفس الشيء معاكي عشان كده متحاوليش تشوفي راكان ولا تقربي منه الأيام دي مهما حصل.

ارتعبت شمس من مجرد تخيل السوء يمسه، فقالت بتـ.ـو.تر: إنت ناوي على أيه يا آدهم؟
اقترب ليقف جوارها، يمرر يديه بين حاملة الملابس وكأنه يبحث عن شيئًا يناسبه كونه زبونًا عاديًا، وأجابها وعينيه تتعلق على أحد الفساتين: هخلص من راكان واللي وراه بضـ.ـر.بة واحدة، والطريق لده إني لازم أوصل للملف اللي أنا عايزه قبل دخول الشحنة الجاية مصر لإني لو منعناها من الدخول هتكشف قبل ما أقدر أخد الملف ده.

زاد خــــوفها أضعافًا، فقالت بقلق: أنا خايفة عليك يا آدهم، عشان خاطري خلي بالك من نفسك أنا، آآ، بحبك ومعنديش أستعداد أخسرك.
منحها ابتسامة هادئة قبل أن يستدير ليستعد للمغادرة هامسًا لها: مكنش عندي أي سبب يخليني أخاف على نفسي من المـ.ـو.ت، دلوقتي بقى عندي اللي يخليني حريص بخطواتي، الحلم اللي هيجمعني بيكِ يا شمسي!
ورحل تاركًا الابتسامة تغدو على وجهها الحالم بذاك اليوم الذي ستصبح به زوجته!

وصل على للمول وبحث عنهما بالطابق الأول، فوجدهما يقفان أمام مبردة اللحوم يحملان للعربة، وعلى ما يبدو استرخاء معالم فطيمة، فأوقف العربة التي تحاول مايا التحكم بعجلاتها لثقل ما تحمله، فتصنعت دهشتها لوجوده ورددت: علي! مش معقول!
منحها نظرة ماكرة ونفذ ما طلبته منه ببراعةٍ: أنا كنت قريب منكم هنا فقولت أعدي عليكم أخدكم في طريقي.

غمزت مايا بعينيها لعلي فابتسم رغمًا عنه، تكاد تفضحهما بأن مجيئه إلى هنا لم يكن سوى اتفاق جماعي بينهما، فتنحنح بخشونة ورماديته تعود لزوجته المرتبكة بوجوده، فتساءل: فطيمة إنتِ كويسة؟
هزت رأسها بتأكيدٍ، ووضعت اللحم بالعربة وهي تخبر مايا: هنحتاجه للكسكس المغربي.
عدلت مايا الكيس البلاستيكي وهي تضيف بأعجابٍ: الله عليكي يا فطوم، شكلك كده هتبدعي.

وأضافت وهي تشير لعلي: يلا يا على على الكاشير، يدوب نرجع البيت نحضر الأكل، بحيث نصحى الصبح على التسوية.
دفع العربة وهو يشاكسها بهمس غير مسموع لفاطيما: بقى كده يا ست مايا، جايبني عشان تشغليني.

ألقت مايسان نظرة متفحصة على فطيمة، وحينما تأكدت بأنها تخطو على بعدٍ منهما قالت: على الحمد لله إنك جيت، من أول لما دخلنا الماركت وأنا حاسة إن فاطمة مش طبيعية، بتبص على الناس اللي مالية المكان بخــــوف غريب، حتى كان في شاب خبط فيها غـ.ـصـ.ـب عنه لقيتها اتـ.ـو.ترت بشكل غريب، أنا خــــوفت يجرالها حاجة عشان كده اتصلت بيك.

خـ.ـطـ.ـف نظرة سريعة إليها قبل أن يميل تجاه زوجة أخيه يخبرها: كويس إنك عملتي كده يا مايا، فطيمة لسه متعافتش بشكل كامل، الازدحام وتعاملها مع الاشخاص الغريبة بيربكها، بس أنا سعيد أنها بتحاول تتأقلم وتتعايش مع الوضع وده بفضل ربنا سبحانه وتعالى وبفضل وجودك إنتِ وشمس.
ابتسمت برقةٍ: أنا حبيتها أوي وحاسة والله إن فريدة هانم هتحبها، فطيمة طيبة وقلبها نقي.
ذم شفتيه ساخطًا: بتمنى بس صعب.

كبتت ضحكاتها وتركته يتجه للكاشير، يضع الاغراض على الطاولة الرفيعة، فوقفت مايسان جوار فاطمة تتبادل الحديث المرح برفقتها، لتجد على يدنو منهما متسائلًا باستغرابٍ: مش بتقولوا شمس معاكم أمال هي فين مش شايفها!
ردت عليه مايا وهي تجذب هاتفها من حقيبة يدها: قالت هتطلع تبص على اللبس فوق، ثواني هكلمها تنزل.

وبالفعل طلبتها مايا وأخبرتها بأنهم بالخارج بانتظارها جوار سيارة علي، هبطت شمس للأسفل فقادت سيارتها ولحقت بهم للقصر وعقلها شارد بذاك الآدهم الذي على وشك خوض معركة مخيفة، لا تعلم بأنها ستكون أحد عناصر المرغمة بالمشاركة بتلك الحرب المجهولة!
بغرفة عمران.
تنهد بضجرٍ وهو يردد: يا عمي بقالي ساعة بحاول أسحب منك أي معلومة عن اللي قولته لعلي، ومازلت بتتهرب مني!

حدجه بنظرة بـ.ـاردة قبل أن ينهض عن المقعد، قائلًا: يا حبيبي وفر وقتك ووقتي، كان زماني نمت!
صاح عمران بعصبية: يعني مش هتتكلم؟
دنى أحمد منه وانحنى قبالته مرددًا: صوتك عالي على ما أعتقد.
تصنع خــــوفه وابتلع ريقه وهو يهمس له: مهو مفيش أي حاجة عملتها جابت معاك نتيجة.
ابتسم وأخبره بغــــرور: لإن الكلمة اللي قولتها لعلي مش هتخرج لحد تاني، كانت ساعة شيطان وانصرف يا عمران ارتاحت!

ضيق عينيه وباصرار قال: لما يجي على هعرف منه.
انتصب بوقفته فأغلق زر جاكيته وهو يشير له: تصبح على خير يا عمران.
وتركه يكاد ينفجر غـ.ـيظًا وغادر لغرفته، بينما الأخر يهمس بفضول: يا ترى قاله أيه خلاه ارتبك بالشكل ده!

نزعت نايا مئزر الجلباب الأسود عن الطبقة الداخلية وأشمرت عن ساعديها، مرتدية مريول المطبخ لتبدأ الآن بتفريز الأكياس استعدادًا لصنع الطعام، ومازال على يحمل الأغراض من الخارج إليهما بالمطبخ، فكانت تحمل منه فطيمة الأكياس لتضعها على الرخامة، وحمل كوتون الماء المعدني فأسرعت فطيمة إليه فأشار لها ببسمة حنونة: تقيلة عليكي، أنا هدخلها.

وبالفعل وضعها على على الرخامة، وقال لتلك المنشغلة بتدوين ملاحظاتها وخطتها بالبدء: ها يا شيف مايا ناقصك حاجة تانية؟
أشارت له باسمة: بجد يا على مش عارفة أشكرك إزاي، أنا مكنتش عارفة هرجع بكمية الأكياس دي كلها إزاي، إنت ربنا بعتك لينا نجدة.
حك لحيته النابتة ليخفى بسمته الماكرة: آه ما أنا عارف إن الصدفة دي جت من حظك.
وتابع وهو يشير لفطيمة: تسمحيلي بقى أخـ.ـطـ.ـف منك فطيمة نص ساعة.

أشارت بالقلم الذي تحمله: نص ساعة بس عشان ورانا تجهيزات كتيرة.
هز رأسه وأشار لفطيمة قائلًا: تعالي يا حبيبتي، عايزك.

رمشت بـ.ـارتباكٍ لسماع كلمته المرهقة لمشاعرها التي تخوضها لأول مرة، فاتبعته للخارج حتى وجدته يجلس على الأريكة القريبة من الباب الخلفي للمنزل، جلست قبالته تنتظر سماع ما سيقوله، فقال وهو يرتدي نظارته الطبية ويجذب نوته: هنبدأ أول جلسة لينا في حياتنا الزوجية، بس تقدري تقولي مفيش وسطات، ففكك بقى إنك مراتي وإني هكون لطيف معاكي، الشغل شغل ولا أيه؟

ابتسمت رغمًا عنها، واكتفت بهزة رأسها بخفة، فقال: ها بقى احكيلي يومك النهاردة كان عامل إزاي؟ خصوصًا إن دي من المرات المحدودة اللي خرجتي فيها لوحدك!
لعقت شفتيها بـ.ـارتباكٍ، وبدت متحيرة بما ستقول، الوضع الآن مختلف، بالسابق كانت لتقص عليه كل ما يزعجها كونه طبيبها المعالج، الآن هو زوجها كيف ستخبره مثلًا بحديث والدته المزعج لها؟!
كيف ستخبره عما خاضته منذ قليل؟!، الوضع برمته يقلقها.

لمس على ما تفكر به، فتردد بما سيفعله ولكنه بالنهاية فعله، مد يده ليمسك بيدها التي تفرك بالاخرى بتـ.ـو.ترٍ، فاسترخت بين أصابعه الخشنة، وتعلقت عينيها به فقال: متخافيش يا فطيمة، أوعدك إني مش هتعامل مع أي شيء هتقوله كزوج، هعتبرك زي أي مريـ.ـضة وأسرارك مش هتخرج بينا ولا هتقصر على انفعالاتي.

وتابع بهدوءٍ: يعني مثلًا اللي حصل بينك إنتِ وفريدة هانم الصبح وقلقانه تحكيهولي دلوقتي تقدري تتكلمي وتحكيلي وأنا بعدها هرمي كل شيء ولا كأني سمعت شيء. ده وعد.
هزت رأسها ببسمة هادئة، وحررت صوتها الرقيق قائلة بـ.ـارتباك: لم شوفتك بالمول فرحت، كنت متـ.ـو.ترة جدًا من المكان وأنا لوحدي.
ابتسم وهو يتابع ربكة حدقتيها، وقال: مستعد أرافقك في كل مكان تروحيه، اطلبي إنتِ بس وأنا في الأمر بس كل شيء وله شروطه.

وخـ.ـطـ.ـف نظرة للردهة الواسعة قبل أن يدنو منها هامسًا: تجيبي حـ.ـضـ.ـن، وقتها ممكن أفكر أسيب شغلي وأجيلك بالمكان اللي تحبيه، ها موافقة؟
احتقنت نظراتها بغـــضــــب، فتعالت ضحكاته الرجولية بعدm تصديق لتبدل ملامح وجهها بثوانٍ، وقال بصوت متأثر بضحكاته: هتعملي أيه! مفيش أبواب ترزعيها في وشي هنا!

تسرب لها مغزى حديثه، فكلما طرح الأمر إليها كانت تغلق أحد الأبواب بوجهه، والآن لا يوجد أبواب مثلمة أخبره، تمردت ضحكات فطيمة بقوة جعلته يلاحظ غمازات وجهها بوضوحٍ، لأول مرة تكـ.ـسر حاجز الابتسامة الصغيرة المتكلفة على شفتيها وتضحك بصوتها الانثوي الرقيق.
برق بعينيه وكأنه يرى أحد عجائب الدنيا السبع، فهمس بصوته المغري وكأنه مسلوب الارادة: عنيا مشافتش أجمل منك يا فاطمة!

تلاشت ضحكاتها تدريجيًا، ونهضت من جواره تجلي صوتها الهارب بصعوبة: هروح أساعد مايسان بالمطبخ، عن إذنك.
وقبل أن يعترض هرولت بخطواتٍ سريعة للمطبخ بينما أغلق هو نوته وخلع نظاراته ليتمدد على الأريكة بابتسامة حالمة، وهمس بعشقٍ: هحبها أكتر من كده إزاي!

بالمطبخ.
ساندت شمس عمران حتى أوصلته للطاولة الصغيرة الموضوعة بالداخل وخرجت تبحث عن على لتخبره بما يتردد لها منذ فترة، فراقب عمران ما تفعله مايا ببسمة مشاكسة، فأشار لها حينما انتهت من اعداد اللحم المفروم الخاص بالمعكرونة: دوقيني.
استدارت تجاهه قائلة بدهشة: لسه هجهز طواجن المكرونة بكره، أنا يدوب عصجت اللحمة عشان الصبح أجهز الطواجن على طول.

أجابها وهو يشير على الخبز: مهو أنا لازم أتمم على اللحمة، مش يمكن ناقصها حاجة.
ابتسمت ومالت على طاولته تسأله بنظرةٍ شك: عمران إنت جعان؟
هز رأسه بتأكيدٍ وضحكته الجذابة لا تفارقه: ريحة أكلك جوعتني!
رق قلبها له، فأسرعت للخبز تضع به اللحم وصنعت له كوبًا من النسكافا، ثم إتجهت إليه بالطعام، فتناول الخبز وهمهم بتلذذ: هممم، روعة بجد.
وبمرحٍ قال: شكلك كده هتشرفيني فعلًا بكره قدام يوسف وجمال ومرتاتهم.

تركت غطاء الوعاء واتجهت إليه بلهفة: هي دكتورة ليلى وصبا جاين بكره بجد؟
هز رأسه بتأكيدٍ، وقال موضحًا: كنت هقولك بس استنيت لما أعرف من يوسف وجمال إذا كانوا هيجوا معاهم أكيد ولا لأ.
ابتسمت بحماس: كويس أوي أنا كان نفسي ألقى أي طريقة أشكر بيها دكتورة ليلى على اللي عملته معاك وأهي فرصة نتعرف على صبا.

ترك الخبز عن يده وقال بجدية تامة احتلت معالمه: بخصوص صبا، مايا أنا عايزك تقربي منها وتفتحي معاها أي حوار ينتهي بأنك محتاجالها بالشركة لإني سبق وقولت لجمال وشكله كده طنش الموضوع.
واستكمل بتوضيح شامل: صبا قاعدة طول الوقت لوحدها ومالهاش أصدقاء هنا، أنا متأكد إنكم هتكون أصدقاء.

تابعت كل كلمة قالها بحبٍ، وهمست له بهيام: بالرغم من العيوب اللي موجودة جواك الا إنك شهم اوي مع أصدقائك وده أكتر شيء بيعجبني فيك يا عمران.
شرد بعينيها الفاتنة التي تحارب كل ذرة صبر يمتلكها، ينقلب به الأمر لشيءٍ أخطر مما واجهه من قبل، لم يسبق أنه تمنى أحدًا من النساء مثلما تمناها، أصبح يقدر قيمتها ويعلم بأنها ثمينة، غالية، لذا عليه المعاناة ليصل لسلامها، للذة الحلال الذي لم يذقه أبدًا.

رغمًا عنه وجد يديه تجذبها إليه لتسقط على قدmيه، فلم يترك لها فرصة المناص من هفوة مشاعره الصادقة!
برقت فطيمة بعينيها في صدmةٍ، ورددت بحرجٍ: أنا أسفة مكنتش أعرف آآ...
لم تجد الكلمـ.ـا.ت المناسبة لاعتذارها، فهي بالنهاية تقف بالمطبخ وليست بغرفتهما الخاصة، دفعته مايسان لتقف على قدmيها وقد انفلتت بموجة غاضبة: انت وقح يا عمران، مفيش فايدة فيك!

كمم ابتسامته التي كادت بالانفلات، وادعى البراءة قائلًا: الحق عليا إني مسكتك قبل ما تقعي على الأرض وتنكـ.ـسر رقبتك!
واتجهت عينيه لفاطمة يستجديها بشهامته المخادعة: اتزحقلت وكانت هتقع فمسكتها وبدل ما تشكرني بتقل أدبها يرضيكي يا فاطمة؟
تـ.ـو.ترت فطيمة المرتبكة من الموقف برمته، وقالت بخجل: المهم إنها كويسة، عن إذنكم.

وكادت بالفرار فأوقفتها مايسان بغـــضــــب: استني هنا، رايحة فين وسايباني أنا مش هعرف أعمل الكسكس بتاعك ده، هتدبسيني وتخلعي!
عادت لتستقر أمام الأكياس، تلهي ذاتها بحمل الأغراض لتبدأ بعملها، بينما اتجهت أعين مايسان المحمرة حرجًا من ذاك الوقح الذي عاد يرتشف كوبه الساخن بنظرة مستمتعة لحالة ارتباكها العجيبة، فقالت: إنت قاعد هنا ليه أصلًا، اتفضل اطلع أوضتك أو إخرج اقعد بره مع علي.

وضع الكوب على الطاولة وقال بمكرٍ يلتحف خلف براءة تصرفاته المسكينة: ما إنتِ عارفة إن شمس اللي جايباني هنا، لو عايزة تخرجيني بره معنديش مانع، تعالي سانديني وأنا هخرج!
وانهى حديثه بغمزة ماكرة جعلتها تحمل الملعقة الطويلة وتكاد ان تسقطها بوجهه، فالتقطتها منها فطيمة وهي تردد باستنكار: بتعملي أيه يا مايا، حـ.ـر.ام عليكي!

استدارت تقابلها بعصبية: ااسكتي يا فاطيما انتي قلبك طيب ومت عـ.ـر.فيش عمران كويس، ده خبيث بيعمل كل ده عشان أقآآ...
ابتلعت باقي كلمـ.ـا.تها بحرجٍ جعلته يتمادى بضحكاته الصاخبة، مشيرًا لها: عشان أيه يا حبيبتي كملي واشكي لمرات أخويا البريئة اللي هتلوثي عقلها بأفكارك المنحرفة.
كزت على أسنانها وهي تشير لنفسها: أنا منحرفة؟!

أكد باشارته فبحثت جوارها عما يمكن ألقائه على ذاك المستفز، فجذبت المناديل الورقية وألقتها إليه، فجذب احد المناديل وهو يردد بجدية ساخرة: حاسة بيا والله، منحرمش يا روح قلبي.
وجفف فمه من فوم النسكافا ثم قال: ها، هتيجي تخرجيني لعلي ولا أطلب مساعدة من شمس؟

اتجهت إليه بنفاذ صبر، فأسندت ذراعه الأيسر وخطت جواره لتخرج به، فما ان ابتعدوا عن أعين فطيمة حتى همست ببسمة صغيرة: ده دكتور على طلع محترم وابن ناس جدًا جنب أخوه!
تعمد عمران ان يضمها إليه مدعيًا ارهاقه، فخطى جوارها بتأثرٍ وهو يردد بتعب مصطنع: مش قادر يا مايا، تعبان!

سددت نظراتها القـ.ـا.تلة إليه، فأصبحت تكشف تعبه الزائف بتمكنٍ، جاهد عمران لمنع بسمته التي تسللت له فور رؤيتها وجهها المحتقن، فخطى للردهة متبعًا الصالون الجانبي حتى بات على وشمس على بعد معقول منهما، فهمست إليه بغـــضــــب: ياريت اللي حصل ده مـ.ـيـ.ـتكررش تاني يا عمران، بالأخص بوجود فاطيما.

منحها نظرة حزينة، وصاح لها بمشاكسة: متشكرين لمساعدتك يا شيف مايا، ارجعي المطبخ كملي طبيخ وسيبني ألعنك مع الملايكة طول الليل مهو مبقاش ورايا شيء غير كده.

واستند على الحائط حتى أصبح بمحيط نظر على الذي أسرع إليه يسانده حتى وصل لمجلسهما، بينما تصلب جسد مايا مما استمعت إليه، فعادت للمطبخ شاردة حزينة بكلمـ.ـا.ته، تعلم بأنه يمزح معها ولكن مجرد فهمها لتلك الكلمـ.ـا.ت جعلت قلبها ينبض برعـ.ـبٍ مما ستلقاه أمام الله عز وجل.
ارتبكت شمس من وجود عمران الذي اقتحم مجلسهما فجأة، فردد على بدهشة: كملي كلامك يا شمس، سكتي ليه؟!

خـ.ـطـ.ـفت نظرة متـ.ـو.ترة لعمران الذي راقبها باهتمام، وقالت: أنا مش عايزة راكان يا علي، أنا بحب واحد غيره.
توسعت حدقتيهما بصدmة، وكان على أول من تحدث: بتحبيه ازاي! أوعي قعدتنا هنا تنسيكي إنك مسلمة يا شمس، يعني الحب والمقابلات والكلام ده حـ.ـر.ام وهتشيلي ذنبه.
أسرعت بالدفاع عن ذاتها: محصلش الكلام ده، الانسان اللي بحبه مسلم ومحصلش بينا أي تجاوز يا علي.
تساءل عمران بحدة: مين ده؟
ارتبكت للغاية، ورددت بصعوبة: آدهم.

حارس راكان!
تفوه بها عمران بصدmة، ازدادت مع إيماءة رأسها، فاستطرد بعنف: لو كلامك صح فيبقى خـ.ـا.ين وحقير، إزاي يخـ.ـو.ن الانسان اللي بيشتغل معاه بالطريقة الوضيعة دي!
تـ.ـو.ترت شمس كثيرًا فلم يكن بنيتها مصارحة عمران بالأمر، أرادت ان تخبر على فقط، وحينما فرض عليها الحديث بوجوده حدث ما كانت تخشاه فأسرعت تبرر: راكان مش ملاك زي ما انت متخيل يا عمران، وعلى فكرة آدهم مش حارس.

سألها على باستغراب: أمال أيه؟ وقصدك أيه من كلامك ده؟
لعقت شفتيها الجافة بلعابها، وقالت: مش هقدر أتكلم دلوقتي للأسف انا وعدته.
صاح عمران منفعلًا: هي وصلت للوعود بينكم، أيه طبيعة العلاقة بينكم بالظبط يا شمس!
تدفق الدmع من عينيها، ورددت بـ.ـارتباك: مفيش شيء من اللي في دmاغك ده يا عمران.

ونهضت من مقعدها واتجهت للأريكة التي يجلس بها علي، فأمسكت يده تستعطفه، قائلة ببكاء: على انا مكنتش عايزة أعرف حد بالموضوع ده غيرك لإني عارفة إنك الوحيد اللي هتفهمني، آدهم بيحبني ووعدني لما يخلص اللي جاي عشانه هيجي يطلبني منكم، أنا مكنتش هتكلم غير لما في شيء معين يتم والشيء ده مش هقدر أتكلم عنه لإني كده هعرضه للخطر، أنا متعودتش أعمل شيء من وراك علشان كده قولت أتكلم معاك.

منحها بسمة هادئة وضم وجهها بيده ليجذبها لصدره قائلًا بحنان: حبيبتي كلنا بنثق فيكِ، عمران بس خايف عليكي.
كاد عمران بالحديث فأوقفه على بإشارة يده، وتابع وهو يمسد على خصلاتها الناعمة: أنا عارف إنك عمرك ما هتعملي حاجة غلط وواثق فيكِ.
وأشار بيده: يلا اطلعي خديلك شاور وشوفي مذكرتك.

ابتهجت ملامحها الباكية، وانحنت تطبع قبلة على خده بسعادةٍ، وكادت بأن تصعد للأعلى ليوقفها عمران بضيق: يعني هو أخوكي الحنين وانا ابن ضرة فريدة هانم!
أحنت رأسها أرضًا بخجل، فقال ببسمة هادئة: هاتي بوسة ليا طيب!
ضحكت بصوت مسموع وانحنت تطبع قبلة على خده فهمس لها: ربنا يستر وفريدة هانم متضمكيش لحزب دكتور علي، وقتها هتبرى منك زي ما أتبريت منه.

تعلقت بقميصه المنزلي ورددت بخــــوف: مترعـ.ـبنيش يا عمران أنا خايفة من غير أي شيء أصلًا.
منحها نظرة مستنكرة، ومازحها ساخرًا: راحت فين قوة الحب! ضاعت هباءًا؟!
ابتسم على وهو يراقبهما، وردد قائلًا: اطلعي اوضتك يا شمس.
اومأت برأسها إليه وصعدت للأعلى، فاقترب على من عمران وهمس له بحذر: إنت تعرف آدهم ده يا عمران؟

هز رأسه وقال ما يعرفه عنه: أنا شوفته كذه مرة مع راكان، مشوفتش منه شيء سييء، بالعكس تصرفاته كلها رجولة، راكان حكالي قبل كده أنه فداه من المـ.ـو.ت بروحه، وبيثق فيه جدًا، بس ده مش مبرر يخليني أستريح للي بينه وبين شمس، على الموضوع يقلق!

أكد له على خطورة الموقف: الثقة الكبيرة اللي حطاها شمس فيه وراها سر هي عرفاه وخصوصًا إنها قالت إن راكان وراه مصايب وإن آدهم مش مجرد حارس، احساسي ممكن يكون في محله لإن راكان ده مريب يمكن يكون له في الشغل الشمال وآدهم يكون بيوقعه لانه ظابط مثلًا.
قوس شفتيه باقتناعٍ، ولكنه سأله بريبة: ولو مكنش ظابط هنحط احتمالات ونسيبها تضيع مننا يا علي؟

نفى نظريته تلك حينما قال بهدوء: لا طبعًا هننحرك وهنحاول نوصل للحكاية دي من أساسها بس بدون ما شمس تعرف أو تلاحظ حاجة، أنا مش عايزها تفقد ثقتها فينا يا عمران ولا تنـ.ـد.م إنها جت واتكلمت معانا.
واستطرد بعد تفكيرًا: كلها يومين تلاته ومراد هيوصل انجلترا وقتها هكلمه عن الموضوع ده.
هز الأخير رأسه باقتناع، وانتفض بجلسته حينما تذكر أمرًا هامًا طرحه له: قولي بقى عمك لما وشوشك كان بيقولك أيه؟

احتقنت ملامح وجهه فور تذكره أمر عمه، فعادت كلمـ.ـا.ته ترد على مسمعه من جديد حينما انحنى أحمد إليه هامسًا بكلمـ.ـا.ته
«سالم خدعني عشان يتجوز فريدة! »
انتصب بوقفته وعاونه على الوقوف قائلًا: هساعدك تطلع اوضتك الوقت إتاخر خد أدويتك ونام.
منحه نظرة ساخطة قبل أن يقول: أغسل سناني بالمرة قبل ما انام ولا رأيك أيه يا بابا علي؟

تجاهل سخريته وإتجه به للمصعد، ومن ثم لغرفته، فأسنده لفراشه واتجه للمغادرة فصاح عمران بغـــضــــب: يعني مش ناوي تقولي!
أغلق الباب غير عابئًا بسؤاله وإتجه لغرفة عمه على الفور.

لاحظت فاطمة شرود مايسان الدائم بعدmا عادت من الخارج، فتلاشى حماسها وفرحتها بصنع الطعام، فأصبحت تتحرك بالمطبخ ببطءٍ شـ.ـديد، وأحيانًا تنسى الطعام فتفق على رائحة احتراقه، فتنحنحت تسالها بتردد لعدm اعتيادها اقتحام خصوصية أحدًا: مالك يا مايا من ساعة ما رجعتي من بره وإنتِ ساكتة وحزينة، فيكِ حاجة؟!

تركت مايسان الطنجرة من يدها واتجهت بعينيها إليها فقالت بو.جـ.ـع يخترق أضلعها: فاطيما في حاجات كتيرة إنتِ متعرفهاش عني، او بالمعنى الأصح عني انا وعمران، أنا متعودتش اتكلم مع حد قبل كده لإن كل اللي هنا عارفين قصتنا بس لإني حبيتك أوي وحسيتك هتكوني أختي اللي كنت بتمناها في يوم هحكيلك.

قصت لها مايسان عن قصة حبهما الطفولي وعن إجبـ.ـار فريدة بأن يتزوج عمران منها، وعن خيانته لها وما حدث لها بذاك الحفل والسم الذي تسبب لعمران بحالته تلك، ارتعبت فطيمة فور سماعها عن أنها كانت ستتعرض لمحاولة اعتداء تعرف هي كيف تكون مساوئها، وانتهت حوارها الطويل قائلة: أنا دلوقتي بديله فرصة تانية وبتمنى إنه يكون اتغير فعلًا يا فاطيما، ده أملي الوحيد.

وبحرجٍ قالت وهي تضع الأرز بحبات الكوسة: بس أنا خايفة، خايفة أشيل وزر الامتناع عنه، إنتِ عارفة إن الزوجة لو امتنعت عن زوجها بتشيل وزر كبير، وفي نفس الوقت خايفة أديله المساحة دي في حياتي فيكـ.ـسرني يا فاطمة، لأنه لو خاني بعد ما اكونله زوجة مفيش أي شيء في الدنيا هيداوي و.جـ.ـعي، وهتكون دي نهاية العلاقة بينا.

أجلت صوتها الهارب من أوردتها قائلة: أنا مش عارفة أفيدك بموضوعك ده يا مايا، لإني للاسف على وشك الدخول لنفس الدايرة دي، بس اللي هقدر أنصحك بيه إنك تسمعي لقلبك، أكيد هو قادر يحس بيه.
استندت على جذعها تهمس بهيام: قلبي بيعشقه وهيكون في صفه يا فطيمة.
ضحكت وهي تراقب هيامها هذا، فاعتدلت مايا بوقفتها وشاركتها الضحك حتى ضـ.ـر.بنا كف بعضهما البعض بمرحٍ أحاطهما حتى الانتهاء من الطعام.

طرق الباب وولج للداخل على الفور، فوجد الغرفة فارغة، وصوت قادm من الشرفة يناديه: انا هنا يا علي.
أغلق على الباب من خلفه وأسرع للشرفة، فوقف قبالة عمه يتساءل وهو يراقب ساعة يده باستغراب: سهران لحد دلوقتي؟
ابتسم وهو يستدير له: عارف إنك مش هيجيلك نوم من غير ما تتكلم معايا عن معنى الكلمة اللي قولتها، حافظك أكتر من نفسك يا دكتور.

دنى على حتى بات يقف جواره يستند على السوار الحديدي، وقال بألــمٍ: طول الطريق بحاول أحلل الاحداث اللي تخدm جملتك دي بس و.جـ.ـعها كان أكبر يا عمي، وبقيت بسأل نفسي إنت اتعرضت لكمية الو.جـ.ـع ده واستحملته ازاي؟ والاهم ازاي بابا خدعك مفهمتش المعنى!

تنهد بضيق، ولزم صمته المطول لدقائق، ثم كـ.ـسره قائلًا: انسى يا علي، انسى اللي قولتهولك ومتسألنيش عن التفاصيل لانها هتو.جـ.ـعك وهتخليك شايف سالم بصورة تانية، صورة انا سكت عنها 15سنة ومستعد أسكت العمر كله عشان فريدة متكرهوش.
التفت إليه وقال: أيه اللي عمله يا عمي، أرجوك اتكلم وقولي!

انجرف بوقفته تجاهه وقال بعصبية اندفعن بعد فترات قضها بتفكير مرهق منذ ساعات بغرفته: أنا كنت أناني لما قررت ألــمحلك عن اللي اتدفن بالماضي، كنت خايف على صورتي تتهز قدامك لما تعرف إن فريدة هي البـ.ـنت اللي قضيت عمره كله بحكيلك عن قصة حبنا، خــــوفت على شكلي قدامك عشان كده حاولت أبررلك، اعتبرني مقولتش حاجة لإني مش هتكلم يا علي.

لمعت عينيه بالحـ.ـز.ن تأثرًا لما يستمع إليه، لا يود طرح الحقيقة المدفونة خشية أن يكره أبيه ومازال يعاني بصمت، أدmعت عين على رغمًا عن صلابته البادية على وجهه، والتقط نفسًا مطولًا قبل ان يقول: احكيلي اللي حصل زمان يا عمي، وإنت عارفني مش هنطق بحرف بأي شيء هتقوله.

تطلع إليه بابتسامة تحتل ثغره، فجذبه بقوة يحتضنه دون سابق انذار وهمس له بحب: إنت ابني اللي مخلفتهوش يا علي، عمري ما حسيت إني بطولي بالدنيا دي وإنت معايا، مش متخيلك غير ابني اللي من صلبي، بالنهاية انت حامل لاسم الغرباوي بنهاية اسمك أيًا كان الاسم اللي ورا اسمك سواء سالم او أحمد بالنهاية انت من نسل الغرباوي.

تمسك به على ودmعاته تنهمر دون توقف، فطال باستكانته على كتفه حتى هدأ تمامًا، فابتعد يصطنع بسمة صغيرة على شفتيه وقال: مش هتحكي لابنك بقى.
ازاح أحمد دmعته المتأثرة ببكاء على كالطفل الصغير المتأثر بحـ.ـز.ن أبيه فيبكي لأجله، وقال بابتسامة جذابة: هحكيلك!

بغرفة فريدة.
تمددت على فراشها تتأمل جـ.ـر.ح يدها ببسمة هادئة، تتذكر جنونه الذي استحضر فور رؤيته لدmائها تنزف، عادت بذكرياتها للصبا، لايام جمعته مع ذاك العاشق الحنون الذي أفاضها بجنة عشقه الخالده، فابتسمت على استحياء من تلك الذكرى التي روادتها دون سببًا.
يا حبيبتي ارجعي بذكرياتك لورا كده افتكري هل انا في يوم سمحتلك تخرجي وجدك مش موجود وأنا معرفش إنتي راحة فين؟

هزت رأسها نافية ومازالت تكبت ألــمها بصعوبة، فابتسم أحمد وهو يشير لها: شاطرة يا ديدا ودلوقتي هتقوليلي راحة فين السعادي ولا تطلعي زي الشاطرة بردو تنامي!
جزت على شفتيها السفلية بغـــضــــب؛
ما تبقاش غلس يا أحمد، أنا اتصلت على بابا واستأذنت منه، وبعدين كلها عشر دقايق وراجعة.
أغلق باب القصر الداخلي وصاح بعصبية: على فوق يا فريدة أنا مش أهبل عشان أخليكِ تخرجي الساعة 11ونص!

مسحت على وجهها بغـ.ـيظٍ، وصاحت بانفعال: وبعدين معاك يا أحمد، أنا بقالي ساعة بحاول اقنعك قولتلك هنزل وراجعه بسرعة مش هتأخر.
دس مفتاحه ليغلق الباب وعاد لمقعد الصالون بهدوء، فلحقت به وهي تحاول السيطرة على غـــضــــبها أمام عناده، فقالت بهدوء كاذب: عشان خاطري مش هتأخر والله، حـ.ـر.ام عليك أنا تعبانه ومش قادرة اتكلم.
قال وهو يعبث بهاتفه دون ان يهتم برجائها: اللي عندي قولته.

كورت يدها بعصبية، ودت حينها لو طالته أظافرها فتنهش وجهها، فدنت تستند على الأريكة القريبة منه تهمس على استحياءٍ واضح: هروح الصيدالية أجيب دوا وراجعة.
أبعد عينيه عن الهاتف ومنحها نظرة متفحصة، فارتبكت وهي تستأذنه: ها أمشي بقى؟ أنا قولتلك رايحة فين أهو!

نهض عن مقعده وجذب جاكيته يرتديه، ثم إتجه للطاولة يجذب مفتاح سيارته وأشار لها وهو يتفادى التطلع إليها حتى لا يخجلها: اطلعي أوضتك يا فريدة، هجبلك طلبك وراجعك.
برقت بعينيها بصدmة، وراحت تردد بتلعثم: طلب ايه لأ أنا آآآ، إنت فهمت غلط أنا بس آآ...
تركها تبحث عن سياق الحديث المناسب وأغلق الباب من خلفه، وغادر تاركها تكاد تقــ,تــل خجلًا، فجابت الردهة ذهابًا وإيابًا وهي تتساءل: يا ترى فهم أيه؟!

ولكمت الهواء بانفعال: ده حتى مدنيش الفرصة افهم هو فهم أيه!
انتفضت بوقفتها فور سماع صوت سيارته، فركضت للأعلى سريعًا تختبئ بغرفتها، لتستمع بعد قليل لصوت طرقات باب الغرفة، وقفت خلف الباب تردد بـ.ـارتباك: عايز أيه أنا نايمة.
ابتسم على طريقتها وقال: افتحي خدي الكيس ونامي براحتك.
تصنعت دهشتها: كيس أيه ده؟!
احتضن زواية أنفه بتعب: افتحي يا فريدة.

فتحت الباب ومدت يدها دون ان تريه وجهها، فمسك ضحكته بصعوبة ومد لها الكيس البلاستيكي، حملته وأغلقت الباب بقوة جعلته يقهقه ضاحكًا وهو يردد: مفيش داعي للشكر ده إحنا ولاد عم!
واتجه لغرفته بينما فتحت هي الكيس البلاستيكي بصدmة من معرفته ما تخوضه الآن، فوجدت أدوية مسكنة لالم بطنها القـ.ـا.تل وما تحتاجه لتقضي عذرها الشهري بسلامٍ، ومنذ تلك الليلة لم تستطيع أن تنسى موقفها المحرج حتى تلك اللحظة!

استكان على المقعد بصدmة طـــعـــنت ما تبقى لديه، يختطف نظرة مستنكرة إليه ويعود لشروده من جديد، الصمت كان يتلاعب بهما وكلاهما يتحملان الجو المطموس بالثليج، حتى مزق على جلبابه قائلًا بعدm استيعاب: بالرغم من كل اللي عمله فيك ده سكت ازاي؟! حتى بعد مـ.ـو.ته ولحد اللحظة دي سكت ليه يا عمي؟!
استند بجزءه العلوي على الطاولة الفاصلة بينهما، وقال: كلامي هيعمل أيه يا على اللي حصل مش هيغير الحقيقة.

عارضه بتعصب: بس كان على الاقل هيقلل مسافة البعد اللي بينك وبين فريدة هانم، مكنتش هتوصل بيك العقوبة ل15سنة يا عمي!
وبعدm تصديق صاح: إنت إزاي كده؟ ازاي قادر تتحمل ومكمل بتضحيتك حتى بعد كل السنين دي! أنا عقلي هيقف من التفكير!
رد عليه ونفس ابتسامته لا تفارقه: ونهايتها خير يا علي، خلاص هنتجوز أنا وفريدة وهيتلم شملنا.
انكمشت ملامحه باشمئزاز مما فعله أبيه وقال: قدرت تسامحه إزاي أنا مش هقدر!

استقام بوقفتع وهو يردد باندفاع: على متنـ.ـد.منيش إني حكيتلك، متنساش وعدك ليا!
هدأت انفعالاته، وقال بتريث: انا آسف على عصبيتي بس الحقيقة بشعة اوي يا عمي اتحملتها ازاي!
أراد أن يغير مجرى الحديث الذي أشعره بالاختناق، فقال بمرحٍ وهو يدفعه للخروج: ما خلاص يا دكتور هنقضيها رغي، الساعة بقت 2 أنا ورايا شغل الصبح ومش قادر للسهر، إرجع أوضتك وسبني بقى أنام.

ضحك على وحاول تفادي دفعه قائلًا: طيب ما تكنسل الشغل بكره وتقعد معانا في عزومة بكره، أكل مصري ومغربي وحوار.
نجح بأخراجه من الغرفة وقال قبل ان يغلق بابه: بكره نشوف الحوار ده، تصبح على خير.

قضى عمران ليله يعمل على أحد الصفقات التي قرر توليها بنفسه لاهمـ.ـيـ.ـتها، فترك العمل لأحمد وانشغل هو بأهم صفقة تخص شركة العائلة، فارتشف كوب قهوته وهو يتابع العمل، محركًا رأسه يسارًا ويمينًا بألــمٍ انتابه من جلوسه الغير مريح على الطاولة والمقعد الخشبي أمام الحاسوب، فترنح له مسمع دقات خافتة على باب غرفته جعلته يتأمل الوقت من أمامه بدهشة، فهمس بخفوت: مين اللي صاحي لحد دلوقتي!
ورفع صوته الذكوري: ادخل.

تحرر مقبض بابه وولجت للداخل بخطواتٍ بطيئة مترددة، حتى انتهت بوقوفها أمامه، فردد باستغراب وهو يتأمل عينيها المنتفخة من اثر البكاء: مايا!
رفعت يديها المرتشعة تفك عنها مئزرها الأسود، لتظل بقميصها الطويل أمامه، فاندهش مما تفعله ولم يكن بالأحمق ليفسر تلك الاشارة الصريحة بموافقتها بالسماح له بالقرب منها، وأيضًا ليس بالغـ.ـبـ.ـي ألا يدرك سبب تورم عينيها بالبكاء ورجفة جسدها.

شعر بنيران تضرم قلبه حينها تصور ما فعله مزحه بها، أكانت تبكي كل تلك الساعات!
هل تسبب بوضعها بتلك الحالة المؤلمة، ما بين اتخاذ قرار كذلك، ليته لم يفكر يمازحها قط!
انحنى عمران يلتقط مئزرها ثم نهض يحتمل بركبة قدmه اليسرى على المقعد، ووضع المئزر حولها ليخفيها تمامًا!

فتحت مايسان عينيها بصدmةٍ مما فعله، فقال بو.جـ.ـعٍ سكن رماديته قبل أن يتجه لنبرته: انا مش بالحقارة دي، وبعتذرلك لو هزاري ضايقك وأجبرك تاخدي الخطوة دي، أنا آسف.
تحررت من كبتها لما تخفيه، فبكت بصوتٍ مسموع جعله يضمها إليه بقوة جعلتها تتمسك به وهي تبتسم بفرحة بأنه فعلها لأجلها.
همس لها عمران بحب وصل مضمونه لها الآن: أنا بحبك يا مايا، صدقيني اللي في دmاغك ده مش فارق معايا من الأساس.

وأبعدها عنه لتتمعن بعينيه عساها تلتمس صدق مشاعره: أنا عارف انك ادتيني فرصة تانية ويكفيني آنك مازلتي بتحاولي، مش متضايق من ده أبدًا ومنتظرك لحد ما تكوني جاهزة تتقبليني وتتقبلي حقيقة إني اتغيرت عشانك.

غادر اصفرار وجهها وحل محله سعادة جعلته دmويًا، ابتسم وهو يراقب تبدل حالها بعدmا حصلت على الــســكــيــنــة، فقربها منه وطبع قبلة على جبينها وعلى كف يدها المتعلق بقميصه قائلًا: روحي ارتاحي ومتفكريش بأي حاجة غير حاجة واحدة بس.
تابعته باهتمام فقال: إني بحبك ومستحيل هعيد أخطائي تاني يا مايا.
وترك يدها وهو يمنحها نظرة مطولة، ختمها بمزحه: هتروحي تنامي ولا أغير رأيي بشكلك المغري ده!

وتابع وعينيه تتلصص إليها وبنيته المزح: قوليلي يا مايا، هو حد قالك إن الاغراء بيكون بالاشياء المحترمة الطويلة! يعني إديني أمل إني في يوم ما تحني عليا ألقى شيء يتلبس غير ده!
جحظت عينيها صدmة وكادت أن تتحدث ليقاطعها بسخط: وقح، حفظتها دي!
وتابع بفمٍ مقوس: أهو الصيت ولا الغنى!
ضحكت رغمًا عنها فشاركها الضحك هو الأخر، وقال بحنان دافئ: تصبحي على خير.
ابتسمت وهي تجيبه بحب: وإنت من أهله.

وتركته واتجهت للخارج بفرحةٍ كبيرة وكأنها حصلت على الخلاص أخيرًا، فراقبها ببسمة هادئة وعاد يتابع عمله مجددًا.

حديث مايسان عما كانت ستخوضه من محاولة للاعتداء ايقظ بفاطمة كل ما كبت داخلها، ذاك الكابوس الذي هجرها منذ أيامٍ قليلة عاد يهاجم بكل شراسة امتلكها.

ابتل وجهها بعرقها النازف، وجسدها يتحرك بشراسة رافضة الانصياع لعقلها الباطن الذي يسحبها لتلك الدائرة التي ترى ذاتها تواجههم بمفردها، احدهم يقيد حركتها والاخر يمزق ثيابها، بينما ثالثهما كان يضـ.ـر.ب رأسها بقوة بالأرض حتى تفقد الوعي ولا تقاوم أحدهم، تاوهت فاطمة بالمٍ وصرخت ببكاء بنومها وهي تردد بصراخ: لأ، ابعدوا عني.
وعادت تصرخ من جديد وحركتها المنفعلة لا تتوقف: محدش يقربلي، ابعدوا!

تسلل صوت صراخها لعلي الذي يقوم بتبديل ملابسه لمنامته السوداء المريحة بعد عودته من غرفة أحمد، ردد بدهشة: فطيمة!
وعلى الفور ركض لغرفتها من الباب الجانبي الفاصل بين الغرفتين، فصعق حينما وجدها تنتفض لمنامتها وتصرخ بكلمـ.ـا.ت غير مرتبة: لأ، محدش يقرب، لأ. لأ. لأ.
فتح الضوء واندفع تجاهها يحرك وجهها برفق، وصوته يغزو ليحطم أحلامها: فطيمة فووقي، فوقي يا حبيبتي ده كابوس.

وكرر باصرارٍ بعدmا جذبها لتجلس: فتحي عيونك، اصحي!
أفاقت من نومها باكية بصراخ يحطم القلوب، فما أن وجدته يجلس قبالتها حتى رددت بانهيارٍ: علي!
حاوط وجهها بحنان وهو يبعد خصلاتها المبتلة بعرقها لخلف اذنيها: أنا جانبك يا فطيمة متخافيش.

ضمت ساقيها إليها والتفت ذراعيها من حولها، فتمنى لو لجئت هي لحـ.ـضـ.ـنه بذات الوقت ولكنه يرى حالتها المنتفضة فمن الخطر بهذا الوقت أن يحاوطها أو حتى يلامسها، فظل كما هو، وانحنى يجذب الأدوية من الكيس البلاستيكي، قدmه لها وتناولته هي دون ان جدالًا، باستسلامٍ وخضوع، وظلت تضم ذاتها كالجنين أمام ناظريه.
ساعة، ساعتان قضتهما بجلستها تلك، حتى شعرت بثقل جفنيها، فتمددت على الوسادة باستسلامٍ.

نهض على عن المقعد القريب منها، يجذب الغطاء إليها ويمسد على رأسها بحـ.ـز.ن يجعله كالعجز، دقائق اطمئن بهما غفوتها ورحل لغرفته حزينًا، يود البقاء جوارها ولكنه يخشى ان يداهمه النوم فتراه هي صباحًا بغرفتها فيزيد الطين بلة.
جلس على الفراش يتطلع بشرود للفراغ، ليتسلل إليه مجددًا صوتها الباكي يناديه: علي!، علي!
إتجه للغرفة راكضًا فوجدها تجلس على الفراش وقد جفاها النوم، فقالت ببكاءٍ: خليك هنا متمشيش.

تهللت أساريره فرحًا حينما سمحت له بالبقاء، فجلس جوارها على الفراش قائلًا: مش هسيبك أبدًا، نامي يا حبيبتي وارتاحي وبلاش تفكري في اللي فات وعدى.
ارتبكت وهي تراقب جلوسه المجاور لها، وأشارت بيدها على المقعد القريب من الفراش الذي كان يعتليه منذ قليل، فرددت بـ.ـارتباك من مطلبها: خليك هنا.

أشار لها بتفهمٍ، لم يتضايق أبدًا فهو الوحيد الذي يعلم بحالتها، فنهض على الفور ليجلس محل ما أرادته بالجلوس، فتمددت بنومتها وكلما غفاها النوم تفتح عينيها بهلعٍ تتأكد من وجوده لجوارها على المقعد، تخشى أن يتعب من جلسته الغير مريحة فيعود لغرفته ويتركها، تخشى ان يمل من مراقبتها ولكن كل مرة افاقت كانت تجده لجوارها، وأخر مرة استسلم للنوم جوارها على المقعد، وكأنه يلزمها بعهده القاطع بالحافظ على بقائه لجوارها.

نام بعمقٍ بعد سهره المطول برفقة عمه، وفجأة شعر بدفءٍ يجتاح جسده الذي يشعر بالبرد، ويد تعبث بخصلات شعره بحنانٍ، خشى أن يفتح عينيه فيجده حلمًا يوقظ نفسه منه، وفجأة استمع لصوت خطوات تبتعد لحمام الغرفة، ففتح عينيه لينصدm بأن من منحه الغطاء وضمة خصلاته لم تكن سوى أصابعها. أصابع زوجته، فطيمة!
أحاطه ألــمًا مقبض أحتل فقرات ظهره ورقبته من نومته الغير مريحة على هذا المقعد القاسٍ، وبالرغم من ذلك لم يعنيه الأمر في سبيل رؤية تلك الراحة التي تنعم بها ملامحه، والآن حظي بغطاء وضمة كف يدها لخصلات شعره الطويل لخلف رقبته، الأمر كان مرضي لمشاعره المرهفة، فابتسم على وإدعى نومه وهو يراقبها تخرج من الحمام وتتجه لارتداء اسدال صلاتها تؤدي صلاة الصبح بخشوعٍ تام، وحينما انهتها تسللت للأسفل بحذر عدm ايقاظه لتعاون مايسان بطهي الطعام مبكرًا كما اتفقنا مسبقًا.

ولجت المطبخ فوجدتها قد استيقظت بالفعل وبدأت بتحضير الطعام، لتجد الاخرى تلحق بها، فهتفت بعدm تصديق: معقول قومتي بدري كده عشان تساعديني! أنا فكرتك بوق ومستحيل تقومي من 5الصبح.
منحتها فطيمة بسمة رقيقة، وأشمرت عن معصمها تقترب تعاونها وهي تخبرها: أنا وعدتك إني هساعدك ومستحيل أخلف بوعدي.

اتسعت بسمتها وقالت بفرحة تغمرها: والله أنا ربنا بيحبني انه رزقني بسلفة قمر زيك يا فاطيما، أنا كنت هنا بحس بالملل، والأغرب إني كنت لما بحس بالوحدة بضطر أروح مع فريدة هانم الجمعيات بتاعتها، يا أما أروح مع شمس كام مشوار مع صديقاتها الاجانب الا لا يطاقوا بالمرة.
ضحكت وهي تستمع لها باهتمام، وشرعت بجذب الوعاء للنيران قائلة بمزح: مش هتنجبري تروحي تاني مع حد أنا جاتلك أهو وقاعدة متفرغة ال24ساعة.

جذبت المنشفة تزيح المياه عن يديها، وقالت بتسلية: بس أنا عندي تعقيب صغير.
استرعت اهتمامها، وتساءلت: تعقيب أيه؟
أضافت بعملية باحتة: المفروض إني مرات عمران، وهو أصغر من علي، وانتي مرات الاخ الكبير وواجب عليا احترامك صح؟
انتظرت قليلًا تحسب كلمـ.ـا.تها جيدًا قبل أن تهز رأسها بخفة بالرغم من عدm فهم حساباتها الغريبة، فقالت الاخيرة بنزقٍ: ازاي بقى وأنا أكبر منك!

أدلت الأخيرة شفتيها بحيرة، فلم تعد تحسن اختيار الرد الصريح الذي ترجوه الاخرى منها، لذا قالت: عامليني زي ما تحبي، أنا في كده جاية معاكي وفي كده جاية بردو!
تشاركان الضحك معًا وضمتها مايا إليها بحب سرى لفاطمة التي تعلقت بها بقوة كالتائه ببلدٍ لا يعلم بها أحدًا وفجأة طلت له روحًا طيبة تطمن قلبه وتخبره بأنها لن تفارقه أبدًا!

خرج على من الغرفة يسند رأسه على كتفه بتعبٍ شـ.ـديد، فتفاجئ بأحمد يعاون أخيه بدخول المصعد، ولج خلفهما يردد وهو يخشى الالتفات للخلف حيث مكانهما: صباح الخير.
تفرس أحمد بملامحه الغريبة، هاتفًا: صباح النور يا دكتور.
وباستغراب استطرد: أيه اللي شنكلك بالشكل ده؟
ارتبك على وراح يبحث عن أي حجة تحفظ ماء وجهه: لا أنا بس آآ...

تحمل عنه عمران الحرج حينما قال: هتلاقيه خد صف أول على كرسي غير مريح أو كنبة نص عمر، اسالني أنا يا عمي أنا مطقطق وفاهمها وهي طايرة.
كظم غـــضــــبه بثبات لا يعلم من أين تحلى به، فتولى أحمد مهام الرد ليهدm جبهته، حيث قال: ما بلاش إنت يا عم الوقح، ده إنت من يوم ما اتجوزت وإنت بطولك في أوضتك والله صعبان عليا وأنا شايفك وحيد وبائس كده! أغيب بالشهور وأرجع على أمل إن نحسك اتفك ألقيك لسه ثابت على توب التعفف.

ضحك على مستهزءً، بينما ردد عمران بسخرية: أنا زاهد والله بس هي فتنة تحل من على حبل المشنقة، أقف على رجلي بس!
ترك أحمد كتفه فكاد بالسقوط أرضًا لولا استناده على كتف على الذي صرخ بو.جـ.ـعٍ وهو يحيط برقبته صارخًا: مش عايز ألــمحك النهاردة، إبعد عني أنت سامع!
عاد يبحث عن أحمد مرددًا بخبث: أيه يا عمي هتتخلى عن مساعدتي وأنا كنت ناوي أجوزك مع الواد على بعد بكره.

تلألأت عينيه بقوة، وكأنه صبي لا يتعدى عمره السادسة عشر، فتمسك بجسد عمران الصلب متسائلًا: هتعملها ازاي دي؟
ابتسم وهو يتصنع غــــروره: لا إزاي دي بتاعتي، سبها عليا وأنا أروشلك الهانم تروشية تدعيلي عليها العمر كله.
واستطرد ساخرًا: مهو مش معقول هقف أتفرج عليك وإنت مبرد نفسك لاخر الشهر، هو العمر فيه كام شهر يا راجـ.ـل! الحاجات دي عايزة الراجـ.ـل الحامي، شوف برودك إنت والدكتور النص كم اللي واقف جنبك ده وصلك لفين؟

برق أحمد بعينيه بصدmة لجراءة حوار عمران الوقح، ومع ذلك استطرد بعقلانية يتبـ.ـارك بها لذاتها: لما مشيت ورا عقلك والواد على هتتجوز وإنت على عتبة الخمسينات يا راجـ.ـل ولولا تدخلي كنت هتكتب كتابك بس على الحور العين أهو ربنا كان هيعوضك دنيا وأخرة على نزاهتك المبالغ فيها دي!
وأشار لذاته بعنجهية: وشوف بقى لما هتمشي ورا كلامي ونصايحي هوصلك فين.

وأشار ببده بعدmا خرجوا من المصعد، فاتبع إصبعه باب الجناح الخاص بغرفة فريدة هانم، ردد على بسخط: نفسي أرميك بنظرة قـ.ـا.تلة بس للأسف مش قادر ألفلك!
وتطلع لأحمد القريب منه يستأذنه: اديله بصة حمرا من بتاعت الشيطان دي يا عمي لما عضم الترياقة بتاعتي يفك!
لم يبخس شيئًا به، فمنحهما معًا نظرة مستحقرة، قبل أن يتجه للخارج بصمتٍ مخيف، جعل عمران يهمس بحيرةٍ وهو يتطلع لعلي المتعصب: اتقمص!

خرجت فطيمة تاركة مايا تصنع المشروبات، فوضعت الدورق الضخم بالبراد وما كادت بالاستقامة بوقفتها بعدmا انتهت من وضعه بالرف السفلي حتى شهقت فزعًا ورددت بصعوبة بالحديث: خضتني يا عمران!
طوفها بنظرة جريئة شملتها من الأعلى للأسفل، قبل أن يهمس بصوتٍ رخيم دافئ: سلمت حبيب عيوني وقلبي من الخضة، أيه يا وحش تأثيري عليك قلبك مش قده ولا أيه، إجمد كده!

رفرفت باهدابها بذهولٍ من طريقته تلك، ومع ذلك لم تهتم كثيرًا فهي تعلم بأن زوجها يحتل المرتبة الأولة بالوقاحة العالمية، لذا تحركت تعيد جذب الدورق الأخر لتعيده للبراد والاخر يستند على الحائط المجاور للبراد يراقبها بنظرة لم تكن عادية لها، ومع ذلك تجاهلته الا حينما طل من فوق باب البراد يسألها بصوت مغري: محتاجة مساعدة؟

إشرأبت بعنقها للأعلى لتجده يكاد يسقط باب البراد من فوق رأسها، فاستقامت بوقفتها تجيبه ببرودٌ: لا شكرًا خلصت كل حاجة، اطلع انت ريح برة لحد ما صحابك يوصلوا.
مال تجاهها بجسده يتساءل ببراءة وود: أنا خــــوفت أتعبك قولت أساعدك بأي حاجة، وعندي خــــوف تالت تكوني هنا وحيدة من غيري، طب بذمتك ينفع تكوني لوحدك وأنا موجود يا بيبي!

ارتبكت مايسان من طريقته الغامضة بالحديث، وكأنه يتعمد أن يجردها من برودتها التي تخفي من خلفها مشاعرها المتلهفة إليه، فتراجعت حتى قيدت الرخامة السوداء حركتها، فرددت بهمس مرتعش: في أيه يا عمران؟

نقل ذراعه الذي بات يستجيب لحركته نوعًا ما، ليقيد منفذ هروبها الوحيد، وابتسامته المسلية لا تترك شفتيه بينما رماديته تحاربها بكل قوة، وحروفه تخرج بطيئة مغرية لمسمعها: بأمانة كده أنا مش راضي عن وضعنا ده، يرضيكِ أبقى لبانة في بوق عمي وعلي. ها. يرضيكِ يا بيبي؟

ارتبكت عينيها وتهـ.ـر.بت من عينيه القريبة منها، فتابع بخبث: الحل إنك تيجي تنوري جناحي اليتيم، ده حتى مساعدة المريـ.ـض صدقة وأنا مريـ.ـض جدًا ومحتاج اهتمام منك.
وتابع مشيرًا ليده التي تقترب منها لتحاصرها: حتى شوفي ايدي!
اعتلت معالمها بغـــضــــب جعلتها تقذف وابل عصبيتها إليه: قول كده بقى، طيب بص يا حبيبي حكاية عمك وعلى والحوار ده سبق وفتحناه واتقفل، يعني الحوار ده مالوش سكة معايا!

تلاشى غـــضــــبها وحل محله الدهشة من ابتسامته الجذابة التي مازالت لم تتركه، بل ملامحه لم تتأثر بتاتًا بما قالت، بل انحنى يهمس لها: الجانب الايجابي إن لسانك نطق إني حبيبك، طب بذمتك في حبيب بيقسى على حبيبه كده يا بيبي؟!

أبعدته عنها وكادت بالفرار، فجذبها لمحلها مجددًا وهو يلتقط نفسًا مطولًا يجعله بملامح تتهييء لشيئًا جاديًا، فانصبت فيروزتها إليه تنتبه لما سيقول، فأتاها صوته الرخيم: بصراحة كده لما جيتيلي أوضتي امبـ.ـارح واتكلمنا وبتاع اكتشفت حاجة مهمة جدًا يا مايسان.
انتبهت إليه وقد جرى الحديث بجدية جعلتها تترك مزحه الثقيل جانبًا وتسأله: حاجة أيه؟

طرق بيده على الرخامة من خلفها بشكلٍ أفزعها: إني كنت مصلي لسه قيام الليل وربنا منزل على قلبي التقوى.
وانحنى لها مجددًا يغمز لها بوقاحته: أنا بقول عدي عليا النهاردة تاني يمكن شيطاني يكون حاضر ونرتكب معاصي!

استنزف داخلها كل محاولات صبرها، فدفعته بشراسة جعلت الادوات من خلفها تسقط أرضًا، وكادت بالتنحي جانبًا فتعركلت قدmيها بزجاجة الزيت من أسفل قدmيها، فاندفع ذراعه يضمها إليه هامسًا بسخرية: إسم الله والحارس الله يا بيبي.
اعتدلت بوقفتها ترمقه بازدراء، وصاحت: إنت مالك النهاردة من الصبح بيبي بيبي، حد قالك إني عيلة صغيرة!

ضحك وهذا استفزها، وخاصة حينما قال وهو يجيبها ببرود: إنتِ بـ.ـنتي أنا ومتزعليش يا ستي بـ.ـنت قلبي الكبيرة عشان متزعليش
وأخفض نبرة صوته يحطم كـبـــــريـاء أنثاها المتمردة، ساخرًا من حالهما: ولو كنتِ متعاونه كان ممكن أكون متفائل إن هيكون عندنا بيبي صغير بجد. فلحد ما ده يحصل هفلق دmاغك بكلمة بيبي اللي بتعصبك دي يا بيبي.

تهدل كتفيها بحـ.ـز.نٍ ويأسها يتراقص على ملامح وجهها من أمامه، ورددت بهدوء غريب بعد استسلامها لوقاحته ومزحه القـ.ـا.تل الذي لو استمر به لن تنجح بردعه: مش كنا اتفقنا يا عمران وكنت بقيت لطيف بكلامك معايا أيه حصلك فجأة النهاردة؟
ابتسم وهو يراقبها تشكوه لنفسه، وانحنى يهمس لها باغراء: عياري فلت بعد ما شوفتك بالقميص المحترم بتاع امبـ.ـارح!

وصاح متجهمًا: أنا واحد قاعد في حالي أشوف أكل عيشي، أتفاجئ بحورية داخلة تروضني عن آ،!
كممت فمه بيدها وعينيها تبرقان بصدmة، فاستدارت تبحث عن أحدٍ حولها قبل أن تصيح بانفعال: بسسس إنت أيه! بالع حبيتين جراءة على الصبح!
وبنظرة شاملة تساءلت: عمران إنت رجعت تشرب تاني؟!

هز رأسه ببراءة ومازالت تكمم فمه، فانتفضت فجأة حينما لثم باطن يدها، لتراقبه بذعرٍ بينما يستكمل هو طريق برائته متسائلًا بلهفة: مالك يا حبيبتي؟!
بقيت بتخشبية جسدها تبرق له بصدmة لايجاده تمثيل دوره التقديري لجائزة الأوسكار بالتمثيل، بينما تابع وهو يتفحصه بنظرة قلق: إنتِ تعبانه؟

هزت رأسها نافية ومازالت تتراجع حيث بامكانها الفرار من ذاك المنحرف الخطير، وبينما هي تتراجع قال ببسمة ماكرة: أجبلك كوباية مية تبلعي كلامي السم يا بيبي؟
هزت رأسها نافية، فابتسم بوادعة لطيبتها الغريبة وهدوء وقفتها، فتكرر وابل اسئلته: زعلانه مني؟
هزت رأسها توافقه حـ.ـز.نها منه، فعاد يتساءل بمكرٍ: بتحبيني؟
هزت رأسها موافقة حبها له، فتهللت أساريره وانحنى يطبع قبلة على خدها هامسًا بخبث: وأنا كمان بحبك يا بيبي.

كادت بأن تفر عدساتها من عينيها لفرط فتحهما، وبينما هي تراقبه بصدmة افاقت على حقيقة تبلد جسدها أمامه، فكانت تختبر مصارعة ما يعتري عقلها بتلك اللحظة، عينيها تجوب بالمطبخ وكأنها تبحث عن السكين لطـــعـــنه، فعادت تحوم من حولها الا أن اهتدت لشيءٍ أهم تمتلكه، وكان يدها الذي هوت لتمنحه صفعة رقيقة تناهز رقة أصابعها وصراخها العاصف يحيط بأذن ذاك الواقف على عتبة المطبخ يردد بتوسل: مايا اعمليلي قهوة، دmاغي من الصداع مش قا...

انقطع حديثه حينما رأها تهوى بصفعة على وجه أخيه وهي تصيح بوجهه بغـــضــــب: إنت وقح يا عمران!
وتركت المطبخ بأكمله وغادرت من امامهما، فاقترب منه على بصدmة ليجده يضم خده ببسمة خبيثة وهو يردد بالانجليزية: كان هذا قاسيًا يا رجل!
بينما تمرد لسان الاخير هاتفًا وعينيه تراقب زوجة أخيه التي تفر للخارج بعصبية الشياطين أكملها: إنت عملت أيه يلا!
تحلى بثباتٍ مخادع والتفت لعلي يردد بخشونة اعتلت نبرته: ولا حاجة.

ردد ساخرًا: ولا حاجة! دي إديتك كف خماسي الأبعاد.
اعتلى الضيق ملامحه وهتف بتأثر: آه خدت بالك من القلم، شرسة أوي بـ.ـنت خالتك دي بس على مين انا حبالي طويلة واتعودت أمشي بالطريق الطري لأخره، فإن شاء الله أجيب أخرها وأتمنى متجبش هي أخري ساعتها مش هيكون في مجال للوقاحة تاني يا دكتور علي!

واستند على الرخام يجبر قدmيه الثقيلة على الحركة وهو يتابع: يلا أسيبك تعملنا القهوة بقى، وابقى اعملي سندوتش كده عشان اعمر الطاسة الخربانه دي لاجل ما أفوق لفريدة هانم أرميها بجوازة عمك دي أهو أتسلى عليها قبل ما تتسلى على مراتك الغلبانة.

وتركه منصدm وكاد أن يتخطاه ولكنه عاد يخبره من جديد: آه افتكرت. اوعى تيجي قدام جمال أو يوسف وتشتكي من رقبتك، العيال دي لماحة وعقلها بيرمح ورا الخيل هيفهموا الليلة ووكستك السودة هتتفضح قدامهم.
ورفع يده يشـ.ـدد على كتفه وكأنه يواسيه: مهما كان انت أخويا وشكلك يهمني.
وتركه وغادر لباب المطبخ الهزاز وصاح قبل أن يختفي من أمامه: ابقى حط مخدة ورا رأسك، خليك ذكي ولماح!

وهز رأسه بسخط ومر يتحدث مع ذاته وصوته يصل لذاك المصعوق من أمر أخيه: محدش في البيت ده بيفكر بعقله، مصممين تفضحوا نفسكم سواء أخويا أو عمي الاتنين معاتيه!
واستطرد بحماس: اصبروا عليا بس، أنا قعدتلكم أهو لا شغلة ولا مشغلة!

اتجهت نظرات على المصدوم تجاه مايسان التي خرجت من الحمام المجاور للمطبخ فور تأكدها من مغادرته فاتجهت لتراقب على الذي مازال يحتضن رقبته باحراج لسماعها حديث عمران الاخير، فتصنعت انشغالها بصنع القهوة بينما ردد هو: ماله ده؟!
استدارت إليه بلهفة، وكأنه لقط الحديث على لسانها: معرفش والله من الصبح مش طبيعي.
وهدأت قليلًا تفكر بحديثه مع على ثم قالت: أنا سمعته بيقول إنه جايب عريس لفريدة هانم؟

هز رأسه يؤكد لها، فتابعت بتفكير: لو قالها دلوقتي هتقوم الحريقة وزمان أصحابه على وصول، إلحقه يا على واقنعه ميقولهاش حاجة الا بعد ما يمشوا.
حاول هز رقبته مجددًا فصرخ ألــمًا وصاح: آآآه. منك لله يا عمران.
وإتجه للخارج مضيفًا: اعملي قهوة يا مايا واعمليله يطفح بيقولك محتاج يتغذى قبل ما يشن الحرب!

بغرفة شمس.
لم تتمكن من النوم طيلة الليل تفكر بحديث آدهم المخيف، مازالت جملته عالقة بذهنها، وتحليلها يكمن بتعابيرٍ مقبضة تجعلها تخشى القادm، فإن لم يتمكن من الحصول على ذاك الملف قبل موعد تسليم الشحنة السامة لمصر وقتها ستضيع جهوده هباءًا وما يزيدها قلقًا تعرضه للخطر حينها لإن الشكوك برمتها ستصبح مسلطة عليه بعد ان تم كشف عملتين متتاليتين لراكان ومن خلفه بنفس الفترة التي تولى بها آدهم العمل معهم.

استحضرت حديثه أيضًا عن صعوبة اقتحامه لقصره وغرفته الخاصة بوقته الحالي لإنه لا يريد إثارة أي شكوك تجاهه هو وفؤاد وباقي فريقه بخضم لحظة اعدادهم للشحنة القادmة، فانتفضت عن فراشها تتجه لنافذتها وهي تعقد شالها الرقيق حول بيجامتها الستان الزرقاء لتهمس بخفوت: بس أنا أقدر أدخل قصر راكان بمتتهى السهولة ووقتها آدهم مش هيتأذى!

انتهت فطيمة من تبديل ملابسها المتسخة بفستانٍ رمادي اللون يعلوه حجابًا أسود، فكانت رقيقة بملامح وجهها الهادئ، اتجهت للأسفل فما ان انتهت من الدرج وصولًا للطابق الأول حتى صعقت باتجاه فريدة للهبوط هي الاخرى، كادت بالتراجع للأعلى أوالاتجاه للمصعد، ولكنها توقفت رغمًا عنها حينما عقدت فريدة ذراعيها أمام صدرها وتساءلت بحدة: جوابك موصلنيش يعني؟

ابتلعت ريقها بصعوبة وحاولت أن تتسم بهدوئها، تخشى أن يهاجمها الاغماء أو التشنجات الغريبة، فقطعت فريدة صمتها حينما دنت لتصبح قبالتها تردد وعينيها الزرقاء لا تترك غنيمتها: لو المبلغ قليل ممكن نزوده المهم إننا نوصل لكلام نهائي بالموضوع ده.

أجلت فاطمة صوتها أخيرًا وبالرغم من اختفاء الكلمـ.ـا.ت من حلقها الا أنها قالت: أنا مش عارفة ليه حضرتك مصممة إني وافقت أتجوز دكتور على علشان فلوسه، أنا مكنتش أعرف حاجة عن عيلته ولا أملاكه.
ورفعت عينيها لها تترجاها بحـ.ـز.ن: من فضلك سبيني في حالي، أنا معنديش أستعداد أخوض حرب جديدة زيادة على حروبي، صدقيني أنا بتمنى أن يكون بينا حب واحترام وبحاول من دلوقتي تكون العلاقة بينا كويسة بس حضرتك اللي مش مدياني فرصة.

ضحكت بصوتٍ أثار قلق فاطمة، فراقبتها بتـ.ـو.تر وخاصة حينما رددت بتريثٍ: قولتلك قبل كده إن الأفلام الهندية دي مبتدخلش عليا.
وتابعت بنظرة صارمة مخيفة: خليكي فاكرة إني كلمتك بالحسنى وعرضت عليكي تبعدي عن على وإنتِ كسبانه مبلغ محترم، لإن اللي جايلك فيه خسارة وهتخرجي منه بطولك لا معاكي على ولا فلوسه.

وتركتها مصدومة وهبطت للأسفل، متجهة لأحمد وعمران الذي يقبض كلمـ.ـا.ته بعد تنبيهات على بذلك، فرددت بازدراء وهي تتابع ابتسامة أحمد المؤكدة على حديث الأمس: مساء الخير.
رفع عمران عينه عن هاتفه يجيبها بابتسامة واسعة: مساء الجمال والورد يا فريدة هانم، أول مرة يعني تنزلي من فوق الساعة واحدة الظهر، خير؟

ارتبكت نظراتها الموجهة لأحمد المبتسم بانتصار لرؤية النوم يفارق عينيها لتأثر حديثهما، فقالت بتـ.ـو.تر: آآ، أنا، آآ.
اهتدى عقلها كونها الهانم هنا وهو الابن لذا قلبت الآية حينما صرخت باندفاع: هو انت بتسألني بأي حق! ثم إنك يهمك في أيه أقوم بدري ولا متأخر ما أنت مظبط عزومتك ومرتب كل حاجة بدون ما ترجعلي أو حتى تأخد رأيي!

إلتهم عمران الشطائر التي أعدتها له زوجته بنهمٍ، وقال وهو يلوكها بتلذذ: محبتش أزعجك معانا بالأكل الدسم اللي هيتعمل ده أنا حتى خصصت الشيف يعملك Healthy food (أكل صحي) عشان وزنك الرشيق ده اللي عيشتي تحافظي عليه لابن الحلال اللي يستاهلك والحمد لله لقيته واتقدmلك وأنا وفقت.
طرق على بيديه فوق رأسه بصدmة مما يتفوه به أخيه، بينما حدجته فريدة بغـــضــــب ثائر: إنت بتقول أيه!

هز رأسه موكدًا على ما يقول: بقول جايلك عريس لقطة مـ.ـيـ.ـترفضش.
احتدت نظراتها وكادت بقــ,تــله، فأسرع على بالتدخل قائلًا وهو يغتصب ابتسامة زائفة: متخديش على كلامه يا فريدة هانم، هو شكله كده السم اللي شربه عامل معاه مفعول.

هز رأسه رافضًا لحديث أخيه وتابع مشيرًا على أحمد الذي يتابع ما يحدث بابتسامة هادئة: مش صحيح أنا بعقلي، حتى إسالي أنكل أحمد سالم الغرباوي لقيتله حتة عروسة طلقة روسية هنروح بعد الغدا نطلبهاله مع إنه مصمم إنه هيتجوز واحدة تانية أخر الشهر بس أنا عايز أكافئه الراجـ.ـل زاهد في جنس الستات وصبره يستحق المكافآة، يدلع نفسه بالاتنين دول ولو عايز يتجوز أربعة معنديش مانع، إنت عندك مانع يا أحمد يا ابني؟

هز أحمد رأسه نافيًا متبعًا نفس طريق عمران بالاعتراض والموافقة، فاتخذت فريدة عينيها مدفعًا يتقمصه فأشار بكتفيه ببراءة وهو يدلي بشفتيه وكأنه مغـ.ـصو.ب على تلك الزيجة وحديث ذاك العمران الأبله!

لأول مرة يعجز لسان فريدة هانم عن الحديث، وزعت نظراتها بينهما بحيرة وجدها أحمد كسطوح الشمس، وقد كان مندهشًا لاستجابتها لطريقة عمران الغـ.ـبـ.ـية ولكن عليه الاعتراف هذا الوقح يجيد التعامل مع صنف النساء وكأنه كان الزير المجنح للعائلة على مر العهود!
تحررت عن صمتها ذاك حينما صاحت بعصبية: عريس أيه وعروسة أيه، عمران بطل إسلوبك المستفز ده وإتكلم عدل والا مش هيحصلك طيب.

كاد بأن يتحدث فقاطعه الخادm الذي أتى يخبرهم: لقد وصل السيد يوسف والسيد جمال سيدي.
أشار له بعصبية وهو يعتدل بجلسته: أيها الأبله هل تأتي لتخبرني وتتركهم بالخارج.
عاد الخادm يرحب بضيوف عمران بالداخل، فقابلتهم فريدة ببسمة صافية بالنهاية يوسف وجمال من الشخصيات التي تجبر من أمامها الانحناء وقارًا لهم.
أشار أحمد لهم بترحاب: يا أهلًا وسهلًا بالغاليين، اتفضلوا.

ولج يوسف برفقة زوجته وجمال يلتقط يد صبا التي تخطو للداخل بـ.ـارهاق يوجهها منذ الصباح حتى أنها كانت ترفض الحضور ولكن جمال أصر عليها، انسحبت فريدة للخارج تاركة له مساحة الجلوس برفقتهم واتبعها أحمد دون ان يلاحظهما أحدٌ.
هبطت مايسان للأسفل ترتدي فستان من اللون السماوي وحجابًا أبيض جعل وجهها ينير كالبدر، فولجت للداخل تردد على استحياء: السلام عليكم.

اجابوها جميعًا بصدر رحب، وقد افتقدوا لتلك التحية الاسلامية التي باتت مهجورة بتلك البلاد، فاقتربت من ليلى وصبا قائلة بحبور: كان نفسي اتعرف عليكم من زمان وأخيرًا جت الفرصة.
ضمتها ليلى بحبٍ، قائلة: سبق وقابلتك بس كان وقتها كنتِ مشغولة مع البشمهندس، ربنا يكمل شفاه على خير.
آمنت على حديثها واقتربت من صبا تتبادل الاحضان معها، قائلة بلباقة: أيه الجمال ده كله، ما شاء الله إسم على مسمى يا صبا.

ضرم وجهها حمرة الخجل، وبادلتها ببسمة رقيقة: انتِ اللي زي القمر اللهم بـ.ـارك.
أتاهم صوت مشاكس يؤكد لهم: القمر لما بيشوفها بيقوم ويشاورلها تقعد مكانه.
ضحك جمال يشاكسه: ما تفكك من جو سي كاظم ده وقوم استعجلنا الأكل لحسن أنا جاي واقع.
لكزه عمران بغـــضــــب: إنت جاي من بيتك طفس يا جدع، ما تهدأ علينا شوية.
ضحك يوسف عليهما واستشهد بعلي: عجبك كده يا دكتور علي، اخوك بيتوقح علينا من أولها يرضيك.

حاول جاهدًا أن يلتف إليه، فعاد يتطلع أمامه وهو يعتصر شفتيه ألــمًا قائلًا: فكك منه يا دكتور يوسف وتعالى نلعب طاولة زي زمان.
ضيق عينيه بدهشة، وسأله بدهشة: مال رقبتك يا علي؟

كاد بأن يبحث عن حجة قوية تحجبه عن ذكاء طيبيًا قد يكشف جميع حججه، فتنهد عمران قائلًا بحـ.ـز.ن جعل الجميع يتأثر به: أخويا مفيش أطيب من قلبه، شافني نايم طول الليل تعبان رايح جاي على السرير بنازع جاب كرسي ونام جنبي من كتر خــــوفه عليا لأقع من السرير وينكـ.ـسر ضلعي اللمين هو كمان.
هزت الفتيات رؤؤسهم بحـ.ـز.ن، بينما كبت جمال ويوسف ضحكاتهما مما جعل على يكز على أسنانه هادرًا: اصبر عليا، وربي لأعيد تربيتك من أول وجديد.

أشار بصدmة وهو يهمس له بصوتٍ مسموع للرجـ.ـال: عملت أيه بنقذ رجولتك المهدورة يا غـ.ـبـ.ـي!
صعد يوسف من بينهما فقد كان يجلس بمنتصف الاريكة بينهما: البنات قاعدين بلاش فضايح!
انتبه على إلى ليلى التي سألته بابتسامة هادئة: أمال فين مراتك يا دكتور علي؟
حين تذكرها بحث بالردهة بحثًا عنها، فتابعت ليلى بمزح: هتخبيها عننا ليوم الحفلة ولا أيه؟
رد عليها بابتسامة صغيرة: لا أبدًا، كانت هنا من شوية.
ورفع صوته عاليًا: فاطيما.

سمعت لصوته المنادي، ففركت يدها بتـ.ـو.تر، كانت تظن بأن الامر لا يخصها فستكتفي بجلوسها بالمطبخ تعاون مايا بتسخين الطعام ففاجئها على بنادئه.
خرجت تتجه للصالون وهي تجاهد لتهدئة انفعالاتها ورسم ابتسامة صغيرة، فما أن رآها على تقترب حتى نهض ليتبع خطواتها البطيئة ليعرفها بمن أمامها قائلًا: ده البشمهندس جمال وده دكتور يوسف أصحابي أنا وعمران يا فاطيما.

ارتبكت للغاية بالبقاء بمكان يحوي ثلاث من الشباب لا تعرف الا عمران من بينهم، فتبلدت بوقفتها ورغمًا عنها تشبثت بجاكيت على بشكل جعل يوسف يتابعها بنظرة دقيقة قادرة على تحليل حالتها باجتيازٍ وادهشه الأمر حقًا، أيعقل أن يرتبط على بفتاة على ما بدى له تحمل مرضًا نفسيًا ظاهرًا على ارتباكها وضم أصابعها بطريقة يعلمها جيدًا كطبيب.
مد جمال يده لها بابتسامة هادئة: أهلًا مدام فاطيما، وألف مبروك مقدmًا.

راقبت يده الممدودة برجفة سرت بجسدها، وعينيها معلقة على كفه الممدود بحرجٍ، فأسرع على برد الحرج عنها وعن جمال حينما صافحه وهو يضيف مازحًا: فاطيما متدينة شوية، لكن انا منحرف وبسلم عادي.

تعالت الضحكات فيما بينهم على عكس تعابير يوسف الجـ.ـا.مدة، فخطى بها على تجاه الفتيات ليشير لمايا بتحمل هي أمر تعارفها بهم، وقال بلباقة لمعرفته بأنها لن ترتاح بالجلوس هنا: مايا خدي فاطيما ودكتورة ليلى ومدام صبا الحديقة الخارجية المنظر من هناك هيعجبهم جدًا.
تفهمت اشارته ونهضت على الفور: أيوه المنظر من هناك تحفة وهنكون على راحتنا أكتر. اتفضلوا.

وبالفعل انسحبوا معًا للطاولة الخارجية، فبدأت فاطمة بالتعرف على ليلى وصبا وكذلك فعلت مايا ولكنها لازمت صبا لتستدرجها لأمر العمل بالشركة.
ضحكت ليلى وهي تتابع صبا التي قالت بمزح: يا ريتني مشيت ورا جمال من زمان وعرفت إن ليه أصحاب علشان نتجمع التجمع اللطيف ده وأتعرف عليكم، أنا من وقت ما جيت هنا وأنا لوحدي.

ردت عليها مايسان بتهكمٍ: ما أنا أهو بشتغل بالشركة مع عمران وحاسة إني لوحدي بردو كل اللي حوليا هناك أجانب ومفيش غير كام موظف مصريين بس رجـ.ـا.لة مفيش بنات، عشان كده أنا مش هتنازل عنك يا صبا، هخلي عمران يكلم البشمهندس جمال وتنزلي تشتغلي معايا أنا محتاجة لواحدة بمؤهلك ده جدًا.
ابتهجت معالم وجهها الأبيض، ورددت بعدm تصديق: بجد يا مايسان، يا ريت والله نفسي أخرج من البيت وأخد على البلد هنا.

وتلاشت ابتسامتها وهي تقول عابثة: بس أعتقد إنه مش هيوافق لإني حامل.
ردت عليها ليلى ببسمة رقيقة: وفيها أيه يا صبا هو إنتِ راحة تهدي حجارة، أنتِ هيكونلك مكتب وشغلك كله حسابات يعني راحة جدًا ومش خطر عليكي.
تحمست مجددًا وقالت لمايسان: خلاص يا مايا قوليله يكلمه ويا رب يوافق.
هزت رأسها بتأكيد، فقطعت ليلى الصمت حينما وجهت حديثها لتلك الصامتة منذ لحظة جلوسهم: وإنتِ يا فاطمة مؤهلك أيه وبتشتغلي ولا لأ؟

رفعت عينيها إليهم بحرجٍ لمسته مايسان فكادت بالتدخل نيابة عنها ولكنها وجدتها تبلغها: أنا مقدرتش أكمل تعليمي، يعني كنت مخطوبة قبل كده وكنت بحب خطيبي فمدخلتش الجامعة وأكتفيت باللي وصلتله عشان أكون معاه.
وبامتعاض استرسلت: بس محصلش نصيب، نصيبي كان هنا مع دكتور علي.
ابتسمت صبا وهتفت بتأثر: سبحان الله، ربنا يفرحك يا حبيبتي ويجعله العوض ليكي عن كل اللي شوفتيه.
ابتسمت بسعادة وقالت: يا ررب، تسلمي.

كان يتبعها للخارج حينما تسلل لهاتفه رسالة عمران النصية
«اتقل متدلقش وراها كده، خليك زي بذر الخوخ لما بيقف في الزور»
زم شفتيه ساخرًا وغير اتجاهه لمكتب المنزل، هاتفًا لذاته: والله عال أحمد الغرباوي بقى ماشي ورا كلام العيال!
وإتجه للمقعد الرئيسي يجذب حاسوبه ليتابع العمل هامسًا ببسمة تسلية: وماله خلينا وراه لما نشوف أخرتها آ...

ما كاد باستكمال كلمـ.ـا.ته حينما وجدها هي من تلحق به، فولجت للداخل تصيح به: عروسة إيه اللي هتخلي ابني أنا يروح يطلبهالك يا أحمد باشا، روح اتجوز اللي تتجوزها بعيد عني أنا وأولادي سامعني!
اتسعت ابتسامته وإلتحف بالبرود يخبرها: حاضر، هروح لوحدي.
وعاد يستكمل عمله، وحينما وجدها مازالت تقف أمامه رفع عينيه يتساءل بنفس ذات البراءة الخاصة بعمران الذي بات معلمه الذكي: في حاجة تانية يا مرات أخويا؟

سحبت شيطانيها وغادرت المكتب صافقة الباب من خلفها بقوة كادت باطاحة زجاجه الباهظ، فاعتلى ثغره ابتسامة جذابة وهو يهز مقعده باستمتاعٍ.