رواية ملتقي القلوب تقي وسفيان كاملة جميع الفصول

رواية ملتقي القلوب هي رواية رومانسية تقع احداثها بين تقي وسفيان والرواية من تأليف زكية محمد في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية ملتقي القلوب لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية ملتقي القلوب هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية ملتقي القلوب تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة

رواية ملتقي القلوب تقي وسفيان كاملة جميع الفصول

رواية ملتقي القلوب من الفصل الاول للاخير بقلم زكية محمد

تجلس في غرفتها تلتزم الصمت كعادتها والدمـ.ـو.ع فقط هي من تتحدث، لقد تحولت إلى شبح لا حياة فيه وذبلت ملامحها وتحولت إلى شخص آخر، كلما وقفت أمام المرآة ونظرت لنفسها لا تصدق أن هذه هي نفسها التي كانت عليها منذ عدة أشهر وبالتحديد منذ أن دلفت إلى عرينه، لقد نسج خيوط الحب وزين لها فخ الاحلام الوردية، وعنـ.ـد.ما سقطت في غايابات حبه المظلم كشف عن وجهه الحقيقي المخادع، لقد حولها إلى حطام امرأة وتركها تعاني الويلات بمفردها، يا ليتها ما كانت من الأساس هكذا تمنت بداخلها، فهو أوصلها إلى مرحلة لا تستطيع أن تسترد فيها ذاتها .

وضعت يدها على بطنها المنتفخة قليلًا وقد ازدادت دمـ.ـو.عها هطولًا على ذلك الجنين الذي سيخرج للنور في غضون شهور ووالده لا يعلم بوجوده من الأساس.

مسحت عبراتها سريعًا حينما سمعت طرق الباب لتقول بصوت حاولت أن يكون طبيعي قدر المستطاع:- أدخل.

ولجت والدتها للداخل وهي تبتسم لها بخفوت، جلست قبالتها ومسكت يدها قائلة:- إزيك يا تقى عاملة إيه دلوقتي ؟

أردفت بخفوت وبسمة هزيلة شقت وجهها الباهت :- كويسة يا ماما .

تنهدت بحزن قائلة :- مش باين يا قلب ماما،فيكي إيه يا تقى ريحي قلبي يا حبيبتي اتكلمي متوجعيش قلبي عليكي، من وقت ما جيتي بعد سفر سفيان وأنتِ حالك غير، اتبدل خالص مش تقى بنتي اللي أعرفها دة أنتِ حتى مش راضية تقوليله إنك حامل لحد دلوقتي وأنت أهو بادئة في الرابع، حتى أهله ميعرفوش بالخبر دة في حاجة يا تقى ؟ قوليلي يا بنتي علشان أساعدك، مالك ؟

وكأنها أعطت لها الضوء الأخضر وإشارة منها لتفرغ الأثقال والهموم التي بمثابة الجبال التي استقرت فوق صدرها فأثقلت ساعدها، انفجرت باكية بعنف وهي تحتضن أمها والتي أصابها الخوف من حالة ابنتها تلك، أخذت تقرأ عليها بعض الآيات القرآنية حتى هدأت وأغلقت عينيها وغفت بين ذراعي أمها.

عدلتها فريدة لتنام براحة على الوسادة، وقامت بتغطيتها وقد تصاعد القلق بشـ.ـدة بداخلها وعزمت على معرفة ما تخفيه ابنتها ولتضع النقاط على الحروف، قبلت جبينها بحنو ثم غلقت النور وغادرت الغرفة وهي تدعو الله لها بالصلاح وراحة البال.

************************

يجلس طه بغرفته وهو شارد كعادته، يتذكر ذلك اليوم الذي انقسم فيه فؤاده إلى نصفين . في ذلك اليوم الذي حُكم عليه بالاعدام عنـ.ـد.ما سمعها تتحدث مع شقيقته صدفة، وهي تفصح لها عن مدى حبها لابن خاله وليد، والذي هو الآخر يبادلها نفس الشعور. وكم كانت سعيدة حينما أتى لخطبتها أما هو يشبه الحطب حينما تحرقه النيران، لقد تحطمت هذه الأحلام التي بناها في مخيلته وهي ترافقه في كل خطوة، طعنة عميقة تلقاها منها وما عاد يعرف له طريق للشفاء من هذه الندوب، شعر بالاخت*ناق الشـ.ـديد وكأنه يقوم أحد بخن*قه، خرج من غرفته وتوجه للأعلى مباشرة حيث غرفة الرسم، جلس أمام أحد اللوحات يكمل رسمها بشرود .

في نفس الوقت جاء عدى ودلف ليجده على هذه الحالة، ضم شفتيه بحزن على صديقه وابن خاله، فهو يشعر بكم الألم الذي يعتريه ويعلم تمام العلم أنه لن يكون بمثابة الألم الذي يسكن في صدره، رسم ابتسامة بسيطة وقال بمرح كي ينتشله من بئر الألم الذي يغرق فيه :- ها يا بيكاسو بترسم إيه المرة دي ؟

ولكن لا حياة لمن تنادي وكأنه انفصل عن العالم ونسج له واحدًا خصيصًا يسبح فيه بأفكاره وحده، هزه من ذراعه لينتبه له الآخر فيردد:- إيه يا عم أنت مش سامعني !

هتف طه بجمود :- قولت ايه ؟

أردف عدي بهدوء وتعقل :- بقولك امتى هتفوق من الوهم دة وتفوق لحياتك ؟

رد عليه بصلابة :- دي حاجة متخصكش.

هتف بانفعال :- لا تخصني لما ألاقيك بتضيع نفسك كدة يبقى يخصني يا طه، الدنيا مش هتقف عليها كفياك ضعف بقى .

صرخ بوجهه :- أخرس .

رد عليه بنفي :- لا مش هخرس أنت ضعيف مش قادر تواجه الحقيقة و …

لم يكمل حديثه بسبب اللكمة القوية التي سددها له طه وهو يقول بعنف :- قولتلك أخرس أنت ما بتسمعش .

مسح خيط الدماء الذي سال من فمه ونظر له مرددًا بعزم :- فوق بقى هتقعد تولول زي الستات، بكرة تلاقي الاحسن منها متوقفش عليها .

صاح بجنون :- مش عاوز مش عاوز .

قال ذلك ثم أخذ يرمي كل ما تطوله يداه والآخر يتابع ثورته هذه فهو كالطائر الذي أصابه الإعياء، جلس أخيرًا بعد أن نفث عن موجة غضبه العارم، وفعل عدي المثل إذ جلس بجانبه وهو يقول :- أنا مش زعلان منك ومقدر اللي أنت فيه، كله مجرد وقت صدقني بس الأهم أنت لازم تحارب علشان ما تخسرش إياك تبقى غـ.ـبـ.ـي وتفكر في حد أنت مش في باله، في ناس تستحق حبك دة وأنك تديلهم فرصة أقلع النضارة اللي عمياك دي وبص حواليك كويس هتعرف مين اللي بيحبك بجد يا طه . بقلم زكية محمد

نظر أمامه بدون أن ينطق بحرف والآخر يهز رأسه ييأس على الحالة التي وصل إليها رفيق دربه، والذي ذاق مرارة ووجع الحب .

*****************************

تمشي حسناء بخفوت كي لا يشعر بوجودها، ويجلس عاصم يكتب بحثًا مهمًا في القسم الخاص به في الجامعة، لم ينتبه لوجودها فهو يصب جام تركيزه على ما يفعله، اقتربت منه للغاية ووضعت البالونة المنتفخة ووقفت خلفه مباشرة دون أن تصدر أي صوت، وفجأة قامت بضـ.ـر.بها لينتج عنها فرقعة بجانب أذنه جعلته يهب واقفًا وهو يقول :- في إيه أنبوبة البوتجاز فرقعت.

أخذت تضحك على منظره بشـ.ـدة بينما نظر لها بغيظ ليقول بحدة :- إيه اللي هببتبه دة ؟ مش هتعقلي أبدًا !

رددت من بين ضحكاتها العالية :- منظرك يفطس ضحك .

ضيق عينيه بمكر ليقول :- والله، عجبتك أوي.

هزت رأسها بنعم ولم تلاحظ تقدمه منها حتى قبض على خصرها على حين غرة مما جعلها تصرخ بفزع لتقول برجاء خائف:- عصومي أنت هتعمل ايه ؟

ابتسم حتى ظهرت ضروسه الحادة لتقول بخوف :- بطل ضحك يا شرير سنانك زي الديب اللي بياكل ليلى .

توقف للحظة وهو يقول بغرابة :- ليلى مين ؟

أردفت بشهقة صادمة :- بجد ؟ أنت متعرفش ليلى اللي أكلها الديب !

هز رأسه بلا وهو يظن أن الأمر جدي ليقول بفضول :- مين ليلى دي بقى الله يرحمها ؟

أجابته ببساطة :- دي ليلى اللي في الكرتون هو أنت مشفتهوش ؟ هبقى أقولك عليه لما يجي تاني .

حدجها بنظرات نارية لو كانت رص*اصًا لانهت عليها في الحال، ازدردت ريقها بتـ.ـو.تر لتقول بخفوت :- عاصم حبيبي مالك ؟

أردف بوعيد مخيف لها :- عارفة يا حسناء أنا ممكن أعمل فيكي ايه ؟

حاوطت رقبته بدلال لتقول بمكر أنثوي اكتسبته مؤخرًا:- وأهون عليك يا عصومي يا بيبي ؟

ابتلع ريقه بصعوبة وكادت أن تنهار حصونه أمامها إلا أنه استعاد ثباته وهو يقول بخبث :- لا مش هت عـ.ـر.في تأثري عليا انسي .

أردفت بترقب :- أنت… أنت هتعمل ايه ؟

ردد بمكر :- أنتِ عارفة كويس أنا هعمل ايه ؟

قوست شفتيها بتذمر قائلة:- عاصم علشان خاطري سماح المرة دي، مش هعمل كدة تاني.

هز رأسه بنفي وهو يقول بصرامة :- لا يعني لا وهتتعاقبي يعني هتتعاقبي ودلوقتي يلا .

قطبت جبينها بحزن وتوجهت للداخل لتغيب بضع دقائق خرجت بعدها وهي تحمل عصا ثم أعطتها له ليقول بنصر :- يلا يا حبيبتي علشان تتعاقبي مادام بتتصرفي زي العيال يبقى تتعاقبي زيهم .

جلست قبالته ومدت يدها قائلة باستسلام وحذر :- براحة يا عاصم .

أخذ يضـ.ـر.بها كما يضـ.ـر.ب المدرس تلاميذه، وبعد أن أن انتهى هتف بغيظ :- ها يا حبيبتي اتعلمتي من غلطك ولا لسة ؟

قفزت كالقرد عليه وأخذت تسدد له اللكمـ.ـا.ت في كل ناحية وهو يحاول أن يتفاداها قائلًا:- يا بنت المـ.ـجـ.ـنو.نة ابعدي .

وأخيرًا نجح في تقييدها وهو يقول بحدة :- بس اثبتي.

أخذت تبكي بصوت عالي ليقول بغيظ فهو لم يقسو عليها في الضـ.ـر.ب :- بس اسكتي هتفضحينا.

رددت بنحيب :- أنا مخصماك وهروح عند بابا ومش هقعد معاك تاني، أوعى سيبني .

تمسك بها جيدًا وهو يقول :- بت بطلي جنان وهبل، أنتِ مش هتخطي رجلك دي عند أي حد مكانك هنا جنبي وبس .

أردفت بدمـ.ـو.ع :- بس أنت بتضـ.ـر.بني وبتعذب*ني.

أردف بتهكم:- وبسحلك وبعلقك في السقف، صح ؟ قاعدة في سجن ولا إيه يا حجة هنا، ما تظبطي في الكلام .

لم ترد عليه وإنما عبست بملامحها بضيق وهي تقول :- قطيعة تقطع الجواز وسنينه، ما كنت مرتاحة يا ربي بلعب وانام وأكل.

نظر لها بصدمة ليقول :- ليه إن شاء الله مجوعك ولا مجوعك، وبعدين لعب إيه دة إن شاء الله مش اتكلمنا في الموضوع دة قبل كدة، لما تخلفي ابقي العبي مع عيالك .

وعلى ذكر السيرة لاحت سحابة حزن فوق عينيها وأمطرت دمـ.ـو.عًا غزيرة، لينتبه لما قاله ليضمها بحنو وهو يقول بنـ.ـد.م :- معلش يا حبيبتي مكنش قصدي، إن شاء الله ربنا هيرزقك كلها مسألة وقت .

ضمته هي الأخرى وهي تقول ببكاء :- نفسي في بيبي يا عاصم زي آية مرات معتصم، دي حتى تقى حامل و …

صمتت وهي تلعن غبائها ولسانها الذي أفصح عن سر لم ترد الأخرى بأن يظهر للعلن، انتبه لها ليقول :- بتقولي تقى حامل ! بس سفيان ولا حد من العيلة يعرف بحاجة زي دي .

ابتعدت عنه لتقول بهروب :- ما هو أصل أصل…

ضيق عينيه ليقول بشك :- ما هو أصل إيه ؟ مخبيه إيه يا حسناء ؟

أردفت بخفوت :- أصل دة سر وهي قالتلي ما أقولش لحد .بقلم زكية محمد

قطب جبينه بضيق ليقول بمكر في محاولة أن يعرف ما تخفيه تلك البلهاء :- هو أنا حد بردو !

أردفت بسرعة :- لا مش كدة بس هي هتزعل مني وهتقول عليا فتانة وأنا مش كدة .

ضم رأسها إلى صدره وهو يقول بتعقل :- حبيبتي دة مش هيبقى غلط علشان شكل كدة في مشكلة وواجبنا نحلها مش نداري عليها، ها قوليلي بقى ليه ماقلتش لسفيان ولا حتى أي حد مننا ؟

فكرت في صدق حديثه لتقول بغيظ من شقيقه :- بص بقى يا عاصم أخوك دة حمار وتور وجاموسة وبقرة و ….

وضع يده على ثغرها وهو يقول :- بس بس ماله بقى الحـ.ـيو.ان من الآخر كدة ؟

قصت عليه كل شيء وتلك المشكلة التي بينهم، وانها علمت بخبر حملها مؤخرًا ولكن أخفته بسبب الظروف التي هي فيها، لتنهي قولها بحزن على تلك الفتاة :- حـ.ـيو.ان ولا مش حـ.ـيو.ان يا عاصم ؟

هز رأسه ليقول بغضب مكبوت من شقيقه :- لا حـ.ـيو.ان ولازم يتربى بس يرجع من سفره الأستاذ.

هتفت بتحذير :- عاصم متعملش مشكلة .

أردف بإصرار:- حبيبتي دة موضوع مش سهل وأنا مش هقعد أقف وأتفرج على بيت أخويا وهو بيتخرب واجبي هنا أفهمه غلطه وأخليه يرجع لعقله يا إما أرجعهوله بمعرفتي، متشليش هم للموضوع دة .

هزت رأسها بموافقة على حديثه، بينما مال هو على أذنها ليقول بخبث :- نفسك في بيبي أنتِ صح ؟

هزت رأسها بحماس وبراءة غافلة تمامًا عن نظراته الثعلبية التي يرمقها بها، ليحملها على حين غرة وهو يقول :- بس كدة، غالي والطلب رخيص هو أنا عندي أغلى من حسن حبيبي.

وقبل أن تعترض اخرسها بطريقته الخاصة وغاصا سويا في بحور عشقهم اللامتناهي.

******************

في صباح يوم جديد استيقظت تقى بوهن شـ.ـديد، وضعت يدها على بطنها تلقائيًا وكأنها تلقي عليه تحية الصباح، لتقول بأسى وكأنه راشـ.ـد تشكو له ما يفعله أبيه بها :- إزيك يا حبيبي عامل إيه يا حبيب مامي ؟ شوفت بابي الوحش بيعمل في مامي إيه، خايفة يجي يوم ما ألاقيش حب ليه ورصيده يخلص من عندي .

فتحت الهاتف لتتصفح الصفحة الخاصة به، لتجد إشارة له من قبل تلك الشمطاء اللعينة التي هي سبب أساسي لما تشعر به، وجدت صورة تجمعهما سويا لتلقي الهاتف بغضب وتبع ذلك جسدها الذي ألقته على الفراش وهي تخفي وجهها بالوسادة كي لا يصل صوت بكائها لمن بالخارج .

رجعت بذاكرتها لذلك اليوم الذي كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، وقطرة المياه الزائدة التي أعلنت عن أن الإناء امتلأ لآخره وما عاد من مساحة متوافرة لتحمل المزيد من الأوجاع، إذ عادت من الطبيبة التي فحصتها لتكتشف أنها تحمل جنينا في بطنها وليس عند هذا الحد فقط بل هي حامل في ثلاثة أشهر، أصابتها الدهشة لذلك فهي لم تشعر بأي من أعراض الحمل طوال هذه الفترة، غمرتها الغبطة وكادت أن تطير كالفراشة من السعادة، توجهت للمشفى الخاص التي يعمل فيها سفيان لتخبره بهذا الخبر السار، وصلت في غضون دقائق ودلفت للداخل متوجهة لمكتبه الخاص لتفتح الباب على حين غرة لتصدم حينما رأت هذه الطبيبة قبالته وقريبة منه، قطبت جبينها باستياء لترد عليهم التحية باقتضاب، ردوها عليها لتسرع الطبيبة والتي تحمل اسم سالي قائلة بابتسامة متكلفة :- أهلًا يا مدام تقى المكتب نور .

رفعت حاجبها بتهكم ولم ترد عليها وإنما توجهت لسفيان تحتضنه من خصره، والغيرة قد اشتعلت بداخلها فهي تحبه وتغار عليه ولا تطيق أن تقترب أي أنثى منه، احتضنها هو بحب ليقول بدون قصد :- إيه الزيارة الغريبة دي ؟

ابتعدت عنه فجأة لتقول بضيق :- غريبة ليه بقى ؟

أردف بهدوء وهو يحاول أن يمتص غضبها الغير مبرر :- عادي يا تقى مجرد سؤال .

حدقت سالي فيها بغل ومكر فخطواتها منه باتت معدودة وتنتظر أقرب فرصة، فتقى تفتقد الثقة بنفسها وهذا ما تلعب عليه لتقول برقة مبالغ فيها :- أكيد زعلانة علشان الدكتور سفيان هيسافر بكرة معايا أقصد معانا كلنا يعني .

رفعت حاجبها باستهجان وهي تنظر له لتردد الأخرى وهي ترسم البراءة بإتقان عنـ.ـد.ما شهقت بصدمة مصطنعة:- سوري لو لخبطت الدنيا، كنت فاكرة إنك قولتلها بعد إذنكم .

رمت كلمـ.ـا.تها ومن ثم غادرت وهي تبتسم كالأفعى التي حققت أول انتصار، بينما هتف هو باختصار :- يلا هنروح دلوقتي.

صمتت وغادرت معه حتى وصلا لمنزلهم وأبدلا ثيابهما، وها هما يجلسان على طاولة الطعام يتناولون وجبة العشاء، لم تستطع أن تتحلى بالصمت إذ هتفت بغضب :- تقدر تقولي ليه مقولتش إنك مسافر، يعني أعرف من الصفرا دي وجوزي لا .

زفر بضيق وهو يقول :- وطي صوتك يا تقى .

بانفعال تملكها جعلها تضـ.ـر.ب بيديها على الطاولة وهي تقول :- لا مش هوطي صوتي، لما تعمل اعتبـ.ـار لغيري وأنا زي الهبلة معرفش حاجة يبقى تسميه إيه دة يا دكتور ؟

نهض من مكانه وقد سطر الكمد حروفه بعينيه، جذبها من ذراعها بعنف وهو يضغط على يدها بقوة ومن ثم هتف بصوت جهوري جعلها تنكمش في نفسها :- صوتك ما يعلاش يا هانم ولما أقول كلمة تتسمع، عاملة مشكلة من مفيش ليه ؟ بقيتي خنيقة أوي الأيام دي . بقلم زكية محمد

اغرورقت عيناها بالدمـ.ـو.ع وهي تقول بألم:- سيب أيدي يا سفيان .

أردف بحدة وهو مازال على حالته وهو مستمر في أن يلقي سهامه الجارحة صوب صدرها الذي سالت منه دماء فعلته :- في إيه لكل دة ؟ دكتورة وطبيعي هتروح معانا البعثة فين المشكلة في كدة ؟

أردفت بوجع وغيرة :- متروحش معاها خليك هنا .

ضحك بتهكم ليقول :- مروحش ! أنتِ بتهزري فرصة زي دي مستنيها بقالي كتير ولما تيجي تقوليلي ما أروحش ! دة مستقبلي يا ريت تفهمي دة وشيلي التفاهة دي من دماغك ويلا زي الشاطرة كدة أفردي وشك دة وروحي حضريلي الشنطة .

وعنـ.ـد.ما لم يجد منها رد ردد بصرامة :- يلا هتقعدي واقفة كتير .

ركضت من أمامه للداخل وهي تشعر بأن قلبها تهشم تحت قدميها، وضعت يدها على بطنها وسقطت دمـ.ـو.عها الغزيرة، لم يعبأ برجائها وقد ضـ.ـر.ب بطلبها عرض الحائط وها هو سيترك لغريمتها الفرصة للفوز عليها، فتحت الخزانة وبدأت في ترتيب ملابسه في الحقيبة وبعد أن انتهت من ذلك توجهت لترتيب الطاولة وتنظيف بقايا الطعام، تشكلت المرارة في حلقها فقد تبخر ما رسمته في ذهنها نحو كيفية إخبـ.ـاره بأنها تحمل طفلهما بداخلها، لقد تم سرق فرحتها وانتهت بهذا الفصل المأساوي .

وفي الصباح كان يستعد للرحيل وكانت ستودعه ولكنها وقفت متصنمة عنـ.ـد.ما سمعته يتحدث مع هذه الشمطاء في الهاتف، لا وليس عند هذا الحد فقط بل تسمع ضحكاته تملأ المكان، دلفت الغرفة وعلامـ.ـا.ت الغضب على وجهها، لتتغير ملامح وجهه للتجهم فيغلق المكالمة، وهتفت هي بكمد مكبوت :- كنت بتكلم مين ؟

حمحم بخشونة قبل أن يجيب بكذب :- دة دة عاصم بستعجله علشان يوصلني للمطار .

حدقت فيه بقوة وهي تراه يكذب عليها وجهًا لوجه، بينما ارتبك هو بداخله واضطر أن يعطيها ظهره وهو يقول :- أنا همشي دلوقتي عاوزة حاجة ؟

أردفت بثبات تحسد عليه :- لا مش عاوزة .

ولدهشته وجدها مكانها لا تتحرك قيد أنملة، لم تحتضنه وتغمره بحبها المعتاد منها ولا حتى ترجوه بأن يبقى وأن لا يذهب، نظر لها وقام بتقبيلها أعلى جبينها فجعدت وجهها بضيق، واحتضنها لبرهة لينهي هذا اللقاء بقوله :- خلي بالك من نفسك.
غادر ولم يأبه لذلك الشرخ الذي أحدثه في قلبها، لم تستطع البقاء في المكان وحدها ولأول مرة تشعر بأنها تود الذهاب بعيدًا عن أي شيء يذكرها به، غادرت الشقة هي الأخرى في نفس اليوم ومنذ ذلك الحين لم تعود وها هي على قرابة الشهر وفي بيت أبيها، وعنـ.ـد.ما يسألها أحد تخبره بأنها ستبقى حتى يعود سفيان من الخارج، ليتركوها على راحتها حتى يعود هو وقد طلت عليهم كذبتها، ومنذ ذلك الحين وهي لا ترد على هاتفها عنـ.ـد.ما يتصل بها، ليجن جنون الآخر ويصيبه الخوف عليها وعنـ.ـد.ما يعلم بأنها عند أهلها، لا يعلم لم ذهبت ولكن هناك أمرًا تخفيه، لم يشأ أن يوسع الموضوع حتى لا يشك أحد من أن هناك مشكلة مفتعلة وإضطراب في علاقتهما، لذا أجل هذه المواجهة حتى العودة . مضى شهر وظل شهران متبقيان وسيرى ما يدور خلفه بنفسه .

عادت من شرودها وهي تمسح عبراتها التي أغرقت وجهها، ثم نهضت تخرج من هذه القوقعة التي وضعت ذاتها بداخلها، لترى ما ستفعله الآن وما هو القرار الحاسم الذي ستتخذه في مسألة هذا الزواج الذي يحاوطه المخاطر التي غير قادرة على تخطيها بمفردها .

*******************

عدلت من الوسادة المهترئة قبل أن تساعد والدها على التمدد عليها بعد أن أعطته جرعة دوائه وهي ترى أنه على قرابة الانتهاء، كبحت عبراتها بداخلها كي لا يراها أبيها فيكفي ما هم فيه، لا تريد أن تحمله هما جديدًا هتفت بابتسامة اصطنعتها بجدارة وإتقان :- ها يا بابا طمني عليك أنت كويس دلوقتي، صح ؟

هز رأسه بخفوت وأجابها بكذب كي لا يخيفها :- كويس يا بنتي الحمد لله متخافيش يلا روحي شوفي وراكي إيه .

أردفت بأسى:- وقفت الواد صالح في الدكانة قولت أقعد معاك شوية .

سألها بضعف :- وايه الأخبـ.ـار ؟

قطمت شفتيها بقهر فماذا ستقول له ؟ فالدكانة البسيطة التي تعولهم على وشك الإغلاق فلا أحد يبتاع منهم، كما أن التجار لهم نقود ويودون الحصول عليها، لم تخبره بهذه الكوارث واحتفظت بها لنفسها .

قاطع سحابة أفكارها طرق الباب فذهبت لترى من الطارق، وعنـ.ـد.ما فتحته وجدت جارتهم بالطابق الأعلى ” نهلة ” . كادت أن ترسم ملامح الاشمئزاز ولكنها أنقذت نفسها على آخر لحظة، لتفوق على صوت نهلة التي تمضغ العلكة :- جرا إيه يا سبيل مش هتقوليلي اتفضلي .

تحدثت من تحت ضروسها :- أهلا يا نهلة أتفضلي يا اختي .

دلفتا سويا وجلستا على إحدى الارائك المتهالكة، لتنظر نهلة للمكان وهي تقول بغيظ :- مش لو كنت سمعتي كلامي كان زمانك دلوقتي في حتة غير بدل المرمطة اللي أنتِ عايشة فيها دي .

نفخت بضيق لتقول :- مية مرة يا نهلة وأنا بقولك شليني من دماغك لأني عمري ما هعمل اللي في دماغك .

أردفت بإلحاح:- يا عبـ.ـيـ.ـطة افهمي أنا عاوزة مصلحتك، يعني عاجبك حالك دة وأبوكي اللي أنتِ مش عارفة تجبيله حق العلاج .

أردفت بخوف خشية أن يسمعها والدها :- وطي صوتك أبويا صاحي ومش عاوزاه يسمع كفاية عليه تعبه مش عاوزة أحمله هم كفاية اللي هو فيه .

هتفت بخفوت وهي تتفحصها بتقييم :- يا بت أنتِ مش عارفة قيمة نفسك، دة أنتِ توقعي أتخن تخين وما يخدش في إيدك غلوة ودة كله هيبان لما تقلعي هدوم العواجيز دي وتلبسي هدوم من سنك .

جعدت جبينها قائلة باعتراض :- أنا عاجبة نفسي كدة ما أشتكيتش لحد .

مطت شفتيها بحنق قائلة:- بشوقك، بس بردو مستنية منك الإشارة.

رددت بعتاب :- حـ.ـر.ام عليكي يا نهلة الطريق اللي عاوزاني أمشي فيه دة ميرضيش ربنا، دي سكة بتسحب صاحبها للوحل وأنا استحالة أحط راس أبويا اللي عاش علشاني ومجابش ليا مرات أب بهدلتني .

أردفت الأخرى بمحايلة وإصرار :- يا هبلة ما أنا رسيتك على الحوار بس أنتِ اللي خايفة .

اتسعت عيناها بصدمة وهي تقول :- عاوزاني أروح مع رجـ.ـا.لة شقق مفروشة وتقوليلي خايفة، أنتِ أكيد جرا لعقلك حاجة .

ردت بغل وهي تبتلع الإهانة بداخلها :- ما أنا قولتلك هتحطي حباية منوم في الخمرة اللي بيشربوها، ومتخافيش مش هبعتك لزباين صغيرين هيكونوا عواجيز.

نهضت من مكانها وهي تقول بصرامة:- لا يا نهلة لا صغيرين ولا كبـ.ـار، روحي شوفي حد غيري واعتقيني لوجه الله ربنا يهديكي.

وقفت هي الأخرى وهي تقول :- ماشي يا سبيل يلا سلام بقى أشوفك بعدين، يكون محتاجة حاجة متتكسفيش أنا زي أختك .

أردفت بصرامة :- لا مستورة الحمد لله شكرا يا نهلة كلك جدعنة .

أردفت بميوعة :- طيب همشي أنا بقى وابقي سلميلي على عم محمد .

غادرت وأغلقت الباب خلفها وهي تزفر بضيق، ومن ثم دلفت لترى والدها وهي تطرد حديثها من ذهنها .

*****************************

عادت ابتهال من الكلية الملتحقة بها ودمـ.ـو.عها تتسابق على وجنتيها لما تعرضت له لتوها من إهانة وتنمر، ما ذنبها في هذه المشكلة التي ولدت بها وهؤلاء الفتيات اللواتي يقومون بالسخرية منها كلما رأوها، وضعت يدها لتنزع هذه السماعة بعنف من أذنها من تحت حجابها الذي يزين رأسها، لا تود سماع أي شيء فهذا هو أفضل لها، ظلت على حالتها تلك حتى أقتربت من الشارع الخاص بهم والذي تقطن فيه مع أسرتها.

على مقربة منها كان ذلك العاشق يقف مبتسما ما إن لمحها، ليلاحظ شرودها وحزنها . اتسعت عيناه بذعر وهو يرى شاحنة خلفها وهي لا تسمع، أخذ ينادي باسمها بصوته العالي ولكن لا حياة لمن تنادي، ركض بسرعة قصوى وعلى آخر لحظة جذبها بعنف لتستقر بين ذراعيه، أما هو تنفس الصعداء أنها لم يلحق بها الأذى فكيف يعيش بعدها وهي الهواء الذي يمده لتستمر حياته .

ابتعد عنها عنـ.ـد.ما تدارك الوضع ليتفحصها بقلق وهو يقول :- أنتِ كويسة، حصلك حاجة ؟

وحينما لم يجد منها رد صرخ بصوته العالي من فرط خوفه عليها :- ابتهال ردي عليا .

هزت رأسها بأنها لا تسمعه بالاشارة ليفهم أنها لا تضع السماعة، ليخبرها بنفس الطريقة أين السماعة ولم لا لم تضعها ؟

مدت كفها له فوجدها ليقول بتعجب وهو يشير لها :- مش حطاها ليه ؟

عبس وجهها أكثر وقامت برميها ومن ثم مشت بخطوات سريعة نحو بيتها، راقب رد فعلها بذهول والتقط السماعة ومن ثم ذهب خلفها .

لحق بها عند مدخل العمارة ليسد عليها الطريق، ويكلمها بلغة الإشارة بأن تفهمه ما حدث، تنظر أرضًا دون أن تحدثه ليجن جنونه، ومن ثم أفسح لها المجال لتكمل سيرها للأعلى، أردف بإصرار بعد أن غابت عن مرمى عينيه :- لازم أتصرف مش هسيبها كدة وأقعد أتفرج عليها .

قال ذلك ثم صعد للشقة الخاصة بأكرم، ولج للداخل بعد أن رحبت به شهد زوجة خاله، وجلس ينتظر مجيء خاله على أحر من الجمر، وهو ينظر لتلك السماعة التي تسكن يده وسؤال واحد يدور بعقله، ما الذي دفعها لتتصرف على هذا النحو ؟

نهض من مكانه بأدب وسلم على خاله بابتسامة واسعة ومن ثم جلس سويا، شعر بالحرج في بادئ الأمر ولم يعرف ما يجب عليه فعله، ليقول بهروب واختلاق للحديث :- أومال فين طه ؟

هتف بهدوء :- راح الجيم زمانه على وصول دلوقتي، غريبة انتوا ما بتفارقوش بعض زي الضل، إيه اللي حصل المرة دي ؟

أردف بتوضيح :- أصل يا خالي بابا كان معاه شغل وأنا روحت معاه .

أومأ بهدوء ليقول بغموض :- ها كلمني بقى في الموضوع اللي مش مخليك على بعضك دة .

تـ.ـو.تر أكثر ليقول :- ما هو … أصل…

ضحك عليه وهو يقول بمرح :- أيوة وبعدين أدخل في الموضوع علطول.

حك مؤخرة رأسه ثم قال ببسالة وهدوء :- خالي أنا بحب ابتهال وعاوز أتجوزها.

هز رأسه وهو يقول ببساطة :- عارف .

اتسعت عيناه بصدمة ليكمل أكرم برزانة :- أوعى تكون فاكر إني مش واخد بالي، لا دة أنا واخد بالي من زمان كمان .

ردد بهدوء وحذر :- طيب رأي حضرتك إيه ؟

أردف ببساطة :- والله أنا بقول تيجي مع طارق وجميلة وبعدين يحلها ربنا .

ابتسم له ثم مد له سماعة ابتهال ليقول بحزن :- دي سماعة ابتهال رمتها هي وجاية وكانت معيطة بس معرفتش منها حاجة .

زفر بأسى ليقول :- للأسف إحنا بقينا في مجتمع ما بيراعيش مشاعر بعض، لا بقينا بندور على إيه اللي بيوجـ.ـعك علشان نعمله، ابتهال ثقتها مهزوزة شوية ومحتاجة حد يكون داعم ليها .

تحدث بصدق :- علشان كدة يا خالي بتمنى إنك توافق، حاسس إنها مسؤولة مني وأنا اللي لازم أكون العكاز بتاعها، بتوجع وأنا شايف دمـ.ـو.عها ومش عارف أخفق عنها علشان معنديش حق إني أعمل كدة، أديني التصريح وأنا أوعدك إني مش هكسفك أبدًا.

ربت على كتفه قائلًا:- ربك يسهل يا عدي وأنا واثق فيك .

أردف بسعادة :- طيب أنا ماشي .

أردف بإصرار :- لا تمشي إيه دلوقتي دة معاد غدا يعني هتاكل معانا .

وعنـ.ـد.ما هم بالاعتراض أردف الآخر بصرامة :- هي كلمة يا ابن طارق، هتصل بطه استعجله .

أردف بتساؤل:- أومال فين الواد أحمد مش باين كدة ؟

اجابه بتوضيح :- الأستاذ يا إما في النادي يا إما لازق عند خاله مش عجباه الحارة ابن الرفضي وعيشتها.

ضحك بخفة ليقول :- وماله يا خالي اهم حاجة إنه ميعملش حاجة غلط .

ردد بصرامة :- هو يقدر علشان أعلقه، الواد دة مش عاجبني طري كدة ومش ناشف زي أخوه .

ردد بمراوغة :- يا حج ما هو بصراحة عنده حق، واحد واخد الدلع كله لوحده دة حتى البنت الوحيدة الغلبانة مش متدلعة زيه، تنكر إنك ما بتدلعهوش ؟

أردف بهروب :- أنا سايبه بمزاجي بس علشان لسة عوده أخضر بس وقت الجد هيشوف مني تصرف تاني .

أخذا يتسامران حتى دلف طه الذي ألقى عليهم التحية بوجه عابس ومن ثم دلف ليبدل ثيابه، ليقول أكرم بغيظ :- والبيه دة كمان عامل فيها روميو ومش راضي يفوق، نفسي أديله قلمين يعدلوه طالما الكلام مش نافع معاه .

هتف عدي بتعقل :- متخافش يا خالي هو بس محتاج شوية وقت وهيرجع زي الأول وأحسن .

أردف أكرم بتفكير :- أنا لازم أجوزه هو دة اللي هيعدله . بقلم زكية محمد

ردد بضحك :- يا خالي المواضيع دي بالذات ما تتاخدش كدة .

ردد بمبالاة :- لا تتاخد وبكرة تشوف هعمل إيه.

هز رأسه بنعم وهو يقول بخفوت :- ربنا يستر مش مطمنلك يا خالي، الله يكون في العون يا طه شكلك هتشوف أيام عنب

***************************

تجلس حسناء أمام التلفاز حينما سمعت طرقات الباب، نهضت مسرعة وتوجهت ترتدي وشاحا على رأسها وذهبت لتفتحه، ما إن رأت الطارق اتسعت ابتسامتها لتقول :- ماما ندى وباسل الأمور، أتفضلي يا ماما ندى وناوليني بسولة حبيبي .

حملت الصغير وهي تقبله في جميع أنحاء وجهه وهي تلاعبه والصغير يطـ.ـلق ضحكات مدوية، جلستا سويا تتحدثان ويلاعبان الصغير، إلا أن ضيقت ندى عينيها وهي تقول :- تقى سابت البيت ليه يا حسناء ؟

أخذت تسعل بقوة ما إن وقع السؤال على أذنها، وكمن لدغتها عقرب وازدادت وتيرة أنفاسها، لا تعلم كيف تخرج من هذا المأزق، ابتسمت بخفوت لتقول بهروب :- أبدًا يا ماما هي بس قالت تروح عند أهلها لحد ما سفيان يرجع إن شاء الله.

قالتها واصطنعت الانشغال بالصغير بينما رددت ندى وهي تطالعها بشك :- حسناء أنا مش هبلة ولا صغيرة علشان يضحك على عقلي .

شهقت بذهول قائلة:- لا يا ماما أنتِ مش هبلة أنا مقولتش كدة .

تابعت ندى بغيظ من هذه البلهاء لتقول :- بقولك إيه يا حسناء بلاش نلف وندور على بعض، تقى زعلانة من سفيان، صح ؟ دي عمرها ما عملتها .

أخذت تنظر لها بتيه لا تعلم أتخبرها أم تصمت كما أخبرتها تقى، وقفت ندى قائلة بتعقل :- أنا عارفة إنك مش عاوزة تتكلمي علشان صحبتك قالتلك كدة، بس أنا هعرف بطريقتي خلي باسل معاكي وهبلغ آية أنه عندك .

قالت ذلك ثم تركتها برفقة الطفل، ضمت شفتيها بأسى لتقول:- ربنا يهدي حالك يا تقى، وأنت يا أستاذ باسل تعالى أما أكلك زمانك جعت .

************************

بعد دقائق معدودة وصلت ندى إلى البناية السكنية الخاصة بزوجة ابنها، صعدت للأعلى وطرقت الباب تنتظر أن يفتحه أحدهم، وبالفعل قامت فريدة بفتحه لترحب بها ببشاشة، سألتها عن تقى لتخبرها الأم بحزن بأنها دائمة المكوث في المنزل، وقلما تخرج وتجلس معهم .

طلبت منها أن تتحدث معها على انفراد لتوافقها وتتركمها سويا، فلربما تنجح هي فيما فشلت هي في الوصول إليه.

طرقت ندى الباب بخفة لتسمع صوتها من الداخل يقول بهدوء :- اتفضل .

قامت بعدل وضعيتها ورسمت ابتسامة خفيفة على ثغرها، اتسعت عيناها بذهول ما إن رأت الماثلة أمامها لتقف قائلة بتـ.ـو.تر شـ.ـديد:- ماما ندى !

تقدمت منها واحتضنتها بحنو قائلة:- إزيك يا تقى ؟ كدة بردو الغيبة دي كلها ! هتفت بتلعثم شـ.ـديد:- أبدًا يا ماما أنا بس قولت يعني أقعد شوية هنا، ماما وحـ.ـشـ.ـتني .

هزت رأسها بعدم اقتناع لتقول :- تعالي أقعدي هنا جنبي يا حبيبتي.

نفذت ما طلبته منها لتمسك يدها قائلة بحنو :- ها بقى مش أنا مامتك حبيبتك، بقى بتخبي عليا أنا زعلانة كدة، مالك يا قلبي ؟

أردفت وهي توزع بصرها على الغرفة بأكمله عدا هي، وقالت بكذب :- مفيش حاجة يا ماما هكون مخبية عنك ايه يعني .

ضيقت عينيها قائلة بحذر :- لا أنا كدة هزعل بجد، قوليلي بقى الواد سفيان عملك إيه ؟ مزعلك في إيه ؟

ما إن التقطت أذناها اسمه لمعت الدمـ.ـو.ع بسرعة فأشاحت بوجهها بعيدًا كي لا ترى ندى دمـ.ـو.عها، إلا أن الأخيرة رفعت وجه تقى ليكون في مقابلتها وهي تقول بشك كبير :- لا في يا تقى والموضوع كبير كمان ؟

أردفت بقهر :- أنا عاوزة أطلق يا ماما .

شهقت بذعر وقامت بضمها وأخذت تربت على شعرها بحنو وهي تقول :- بس يا حبيبتي أهدي، بطل عـ.ـيا.ط طـ.ـلا.ق إيه بس ! بعد الشر أهدي كدة وكلميني براحة علشان أعرف أتصرف.

أخذت تقص لها الموضوع لتقول بالأخير بشهقات متقطعة :- علشان كدة أنا عاوزة أتطلق هو مديها الفرصة أنها تغيظني وتقهرني.

رددت بسرعة :- ألف بعد الشر عليكي من القهر يا حبيبتي ما تقوليش كدة .

مسكت الهاتف لتريها الصور التي التقطتها الأخيرة بقصد إثارة حنقها وتكون بصحبته لتقول ببكاء :- شايفة يا ماما شايفة .

عضت على شفتيها بغيظ لتقول :- شايفة يا بنتي بس مبقاش ندى إن ما علمته الأدب والصفرا دي بردو هوريهالك وهتشوفي بس يرجع الزفت دة بسلامته .

ثم نظرت لها مطولا لتقول بسخرية :- وأنت هتفضلي قاعدة تنوحي كدة ؟ تبقي عبـ.ـيـ.ـطة أوي وشوفي يا بنتي زمان محاربتش علشان أحافظ على حبي، وكانت النتيجة إنه أتجوز أختي الأصغر مني، متبقيش هبلة حاربي ووريها إنك مش ضعيفة متبقيش خايبة.

أردفت بدمـ.ـو.ع :- ما هو ابنك يا ماما الهانم عجباه، أنا غلطانة من الأول إني أتجوزته أبو عين زايغة دة اللي عاوز يتجوز الستات كلها .

كتمت ضحكتها بصعوبة على جملتها الأخيرة لتقول بلطف :- أنا هربهولك من أول وجديد ابن فادي، للأسف واخد جيناته كلها هو والزفت عاصم، بس عاصم خف من وقت ما اتجوز أما الحـ.ـيو.ان دة لسة عاوز تأهيل من جديد .

أردفت بنفي :- لا أنا عاوزة أتطلق وبس .

رددت بمحايلة :- يا حبيبتي اسمعي الكلام يعني عاوزة تقولي إنك بطلتي تحبيه ؟

أردفت بكذب :- أيوة أنا بكرهه ومش عايزة أعيش معاه تاني . بقلم زكية محمد

أردفت بخبث :- ماشي إذا كان كدة هخليه يتجوز الصفرا دي وخليكي هنا أنتِ جنب أمك وأبوكي ينفعوكي.

شهقت بفزع لتقول :- أنتِ هتجوزي سفيان ليها بجد ؟ أنتِ مش بتحبيني أنا عارفة .

ضغطت على أسنانها بعنف لتقول :- لا بقى كدة كتير أنتِ عاوزة قلمين يعدلوكي دة ردي على كلامك الأهبل دة، أنا استحالة أخرب بيت ابني وخصوصاً لما يبقى معاه بنوتة قمر زيك كدة .

هتفت بحنق :- قولي لابنك بقى أنا أصلا مش عارفة قبلت بيه على نيـ.ـلـ.ـة إيه، دة حتى شكله وحش وربنا يستر وابني ميجيش شبهه .

قالت جملتها بتهور لتنتبه لها ندي والتي قالت بصدمة :- أنتِ حامل ؟

هزت رأسها بنعم وهي تقول بخجل :- أيوة أنا آسفة لو خبيت عنك بس مش كنت عاوزة أقوله، خليه البيه يتصرمح مع الست سالي وخليها تنفعه.

احتضنتها بفرح لتقول :- ألف مبروك يا حبيبتي من إمتى ؟

أردفت بشرح :- يعني من قيمة شهر كدة روحت للدكتورة واكتشفت إني حامل في تلات شهور، اتصـ.ـد.مت لما عرفت بعد الوقت دة كله .

ضحكت ندى بشـ.ـدة عنـ.ـد.ما تذكرت حالها لتقول :- إيه دة يعني البيبي شبه باباه، أنا بردو معرفتش اني حامل فيه إلا بعد تلات شهور .

رسمت ملامح الدهشة على وجه تقى لتقول :- بجد ؟

أومأت لها بتأكيد وقالت :- أيوة مكنتش فاكرة إني حامل أصلاً وقتها، أنتِ دلوقتي خلاص هتمي الرابع ربنا يكملك على خير يا بنتي، يلا قومي زي الشاطرة كدة لمي هدومك علشان هتمشي معايا .

**************************
ظلت تنتظر ردها بينما استمرت تقى على نفس وتيرتها، تطالعها بضياع لا تعلم ماذا تفعل ؟ لتسرع ندى قائلة بتشجيع :- متخافيش أنا عارفة هعمل ايه أنت هترجعي معايا وهتقعدي عندنا .

هزت رأسها بنفي قائلة باعتراض :- لا يا ماما ميصحش حضرتك أنتِ وعمو فادي مش هتاخدوا راحكتوا.

أردفت بإصرار:- هو حد أشتكالك يا بنتي بالعكس أنت هتونسينا وهتقعدي مع البت آسيا.

وبعد فترة طويلة من الإقناع والتي أرهقت ندى، وافقت أن تذهب معها ولترى ماذا ستفعل ستترك لها زمام الأمور ولتتصرف هي، وها قد نهرت نفسها مجددًا على هذا الاستسلام المخزي، ماذا ستفعل فهذه شخصيتها والتي تود تغيير بعض الصفات وأولهم ضعفها ذاك، وصلت معها هناك ولاقت استقبالا حافلًا والفة أفتقدتها منهم، جاء الليل وحان موعد نومها لتكون غرفة معذبها القديمة هي من نصيبها .

ولجت الغرفة وهي تشعر أنفاسها تنسحب منها، رائحته تتغلغل في ثناياها ومن ثم سرت في أوردتها، دق قلبها بحنين وضعت يدها موضع فؤادها لتخبر ذلك السجين في أسره بأن يكف عن العصيان، وأن يطيعها ولو لمرة واحدة .

أخذت تتفحص غرفته وأغراضه سارت بأصابعها على صورته وكأنها تزيد من حفر ملامحه في قلبها، توجهت للخزانة الخاصة به والتقطت قميص له به رائحته لتقربها من أنفها، أغمضت عينيها وكأنها تسافر إلى أرض الأحلام الوردية ولا تريد أن يفصلها أحد من هذا الحلم الذي تعيشه، سارت للفراش وتمددت عليه برفق وهي لا زالت محتضنة القميص، ولم تشعر بنفسها وهي تسافر إلى رحلة نوم عميقة .

بعد وقت أتت ندى لتتفقدها ولاحت ابتسامة كبيرة على وجهها، وهي تقول بمكر وصوت خافت :- بقى ما بتحبهوش يا بنت فريدة .

مسدت على رأسها برفق ثم دثرتها بالغطاء وغادرت الغرفة بهدوء، وهي تدعو الله بأن يصلح الحال بينهما، وبداخلها وعيد لذلك الغائب.

*************************

في اليوم التالي مسكت عبوات الدواء الفارغة أمامها، ودمـ.ـو.عها تتسابق على صفحة وجهها الناعمة، وسؤال واحد فرض سيطرته على ساحة عقلها ألا وهو من أين ستأتي بالمال الكافي لشراء الأدوية لوالدها ؟

أخذت الأفكار تعصف بها وقد سولت لها نفسها بأن تسمع لشيطانها وأن توافق على حديث نهلة، هتفت بصوت متحشرج:- يارب سامحني أنا مضطرة اعمل كدة علشان بابا اللي مليش غيره.

قالت ذلك ثم عزمت على الأمر وقامت بمهاتفة نهلة، وأخبرتها بقهر ونـ.ـد.م على ما ستفعله بأنها موافقة على عرضها، وستذهب معها الليلة كما طلبت منها . واخبرتها بأن ترسل لها بعض النقود لتشتري به علاج والدها، استقبلت الأخرى هذه الأخبـ.ـار بسعادة بالغة فأخيرًا نالت مبتغاها، فستحصد من خلفها الكثير من المال .

دخلت سبيل عند والدها بعد ذلك وهي تصطنع البسمة، وهي تحاول أن تجعله يخرج من حالته تلك، هتف بضعف :- بقولك إيه يا سبيل عاوزك تبعتيلي الواد صالح كنت عاوزه ضروري في كلمتين، ضروري دلوقتي يا سبيل .

أردفت بدهشة :- ليه يا بابا هو في حاجة ؟

أردف بثبات :- لا مفيش يا بنتي بس ريحيني وروحي ناديه.

وجدتها فرصة لتقول بكذب :- طيب كويس يا بابا علشان يعني أنا هقف شوية في الدكانة، خليه يقعد معاك على ما اخلص اللي ورايا .

أومأ لها بموافقة لتغادر هي الغرفة وتتوجه لأولى الخطوات حيث طريق الضلال .

***********************

في الصالة تجلس عائلة عدي عنـ.ـد.ما أتوا لطلب يد ابتهال، وها هم يرحبون بهم وبالداخل تجلس هي على الفراش بحزن شـ.ـديد، ليس لأنه آتي لطلب يدها ولكن بسبب حالتها فسيعاني ربما من وجهة نظرها، فهي لديها حساسية مفرطة بشأن هذا الموضوع.

مسكت تقى يدها بتشجيع وكذلك حسناء التي هتفت بتشجيع ومرح :- يلا يا عروسة أخويا علشان تطلعي تقدمي العصير ولا هتقعدي عندك كتير .

تحدثت بتلعثم:- أنا مش عاوزة أتجوز .

شهقت تقى بفزع قائلة بمرح :- لا إحنا معندناش بنات تقول لا، يلا قومي يا بت .

جعدت أنفها بضيق قائلة:- مينفعش يا تقى مش عاوزة أبقى حمل على حد .

أردفت حسناء بضجر :- يا ستي هو عاوز كدة ميبقاش مخك مصدي وطلعي الأفكار المنيـ.ـلـ.ـة دي من راسك، الواد بيحبك وشاريكي بلاش تضيعيه من إيدك.

وقفت تقى ومسكت يدها قائلة بتشجيع :- يلا يا ابتهال عاوزين نرقص ونهيص.

ضيقت حسناء عينيها بغيظ لتقول :- عاوزة إيه يا عنيا ؟ أنتِ بالذات تقعدي أنتِ ناسية إنك حامل ؟

أردفت بانتباه:- تصدقي ما أخدتش بالي الحماس نساني الموضوع دة .

وبعد العديد من المحاولات خرجت برفقتهم وقامت بتقديم العصير لهم، أخذتها جميلة إلى جوارها وحاوطتها بذراعها لتقول بفرح :- عروسة ابني القمر، بقولك إيه يا أكرم لو ما أدتناش القمر دي هصورلك قتيل .

ضحك عليها قائلًا بتهكم:- بس يا هبلة دي مواضيع يتهزر فيها، الرأي رأي ابتهال .

حمحمت بخجل وهي تقول :- إيه الكسفة دي ! طيب مش قدام العيال احترمني شوية .

ضحكوا عليها ليقول طارق :- يا شيخة اسكتي دة أنتِ مخلية منظرك نيـ.ـلـ.ـة على الآخر.

رددت بضيق :- ماشي يا طارق .

انقضت الجلسة على خير ومرح وضحك وألفة بينهم، ليطلب عدي أن يجلس برفقة ابتهال بمفردها ليوافقوا ويجلسوا على مقربة منهم، ليقول عدي بترقب :- ابتهال أنتِ ليه رميتي السماعة في الشارع، حصل إيه ؟

رُسم الحزن على وجهها سريعا ما إن تذكرت ما حدث معها لتقول بتقطع :- أتريقوا عليا في الجامعة وإني ما استحقش أكون الأولى في غيري كتير أحسن مني وهما أولى بدة.

ابتسم لها بحنو ليقول بهدوء :- وليه ما تبصيش للموضوع على أنهم غيرانين منك ومش عارفين يكونوا زيك، أنتِ ضعيفة .

تطلعت له بعدم رضا ليكمل هو برزانة :- أيوة ضعيفة لما تخلي كلامهم يأثر فيكي يبقى ضعيفة، المفروض هنا بقى ترمي كلامهم دة ورا ضهرك ولا كأنهم قالوا حاجة، ودة اللي هتوعديني بيه إنك متتأثريش بأي كلمة مهما قالوها، ويا ستي أنا شايفك اجمل بنوتة ويا ريت توافقي أكمل عمري معاكي .

خجلت من عبـ.ـارته لتنظر للأرض بحرج ولا تتحدث، بينما قال هو :- خليني عكازك يا ابتهال وعمري ما هخذلك .

وحينما وجدها صامتة ردد بمراوغة :- طيب مفيش إشارة كدة ولا كدة تديني أمل ولو شوية صغيرة ؟

شعرت بالحرج الشـ.ـديد لتنهض من مكانها قائلة بتخبط :- أنا…. أنا هروح عند ماما .

ابتسم باتساع عليها ليقول :- ماشي يا ابتهال اهربي ومسيرك ترجعيلي .

********************

في اليوم التالي بعد أن أنهت المحاضرات الخاصة بها، فهي في السنة الأخيرة لها . توجهت نحو الكلية التي يدرس فيها الطلبة وهي كلية الهندسة، شقت ابتسامة عريضة لأنها ستفاجئه، ولكنها وقفت بصدمة وهي تراه يقف وحوله تجمهر من الفتيات، وكل واحدة تتطلع له بهيام وتتحجج بأنها تسأله عن شيء في المنهج وهو يجاوبهن بعملية .

اندلعت النيران في صدرها ولو تجسدت لحرقت جميع من في وجهها، وقفت بعيدًا تنتظر أن تنتهي هذه المسرحية الهزلية ولكن الوضع خرج عن طوق السيطرة، فكل دقيقة يزداد عددهن فسارت نحوه بخطوات سريعة تنم عن الغضب العارم الذي اندلع في أراضيها، لم تنجح في الوصول إليه بسببهن فهن يحاوطنه من كل حدب، شعرت وكأنها ستنفجر من شـ.ـدة غيرتها عليه وأخذت تفكر بشر بأن تذهب وتسحبهن من شعورهن وأن تحدث في وجوههن خريطة العالم بأظافرها الحادة، أتتها فكرة بلهاء إذ تظاهرت بالاعياء، وأطلقت صرخة عالية قبل أن تقع وتفقد الوعي المصطنع، انتبهوا لصوت الصراخ وما إن وقعت عيناه عليها ممدة على الأرض بهذا الشكل، وقع قلبه بين قدميه وخرج من وسطهن وهو ينادي اسمها بخوف، حملها بذعر وتوجه بها ناحية مكتبه الخاص، بينما هتفت إحداهن بتمني :- يا بختها يا ريتني مـ.ـر.اته .

وقالت أخرى :- هو معندهوش خلفية حول تعدد الزوجات أصل أنا ممكن أبقى زوجة ثانية أو ثالثة يعني .

أخذن يضحكن عليها وبعدها غادرن المكان واحدة تلو الأخرى.

وبالداخل مددها برفق على الأريكة التي تتوسط مكتبه، وأخذ يربت بحنو على وجنتيها كي تستعيد وعيها، بينما حبست هي أنفاسها واستمرت في التظاهر فيما تفعله، أخذت تفتح عينيها ببطء مقررة أن تنهي هذه المسرحية، هتف بخوف عليها :- حبيبتي أنتِ كويسة ؟

هزت رأسها بنعم وهي تقول بنـ.ـد.م على ما فعلته :- أيوة كويسة . بقلم زكية محمد

ردد بقلق :- لا تعالي نطمن أكتر عند الدكتور .

أردفت بسرعة :- لا متخافش أنا كويسة متقلقش .

أردف بتأكيد عليها وهو يتفحصها :- متأكدة يعني ؟

هزت رأسها بموافقة قائلة :- أيوة متأكدة .

أردف براحة :- طيب الحمد لله، مقولتيش بقى سائبة محاضراتك ليه ؟

هتفت بغيظ متناسية أمر تعبها الذي أتقنته بجدارة :- ومكنتش عاوزني أجي ليه إن شاء الله، مكنتش عاوزني أعطل سيادتك عن مهامك العظيمة مع الجمهور اللي كان حواليك .

قطب جبينه بدهشة من هجومها الضاري والذي لا يتناسب أبدًا مع حالتها التي كانت عليها منذ دقائق وقال بهدوء :- مش فاهم .

رددت بغيرة تحرق كل خلية بداخلها :- مش فاهم إيه بالظبط فرحان أوي بلمة البنات حواليك وأنا أتفلق عادي .

رد عليها بحدة :- صوتك يا حسناء ميعلاش، كلام إيه دة ؟ أنتِ أتجننتِ !

وقفت تقول بدمـ.ـو.ع محبوسة :- طبعا أتجننت ما دة اللي هتقوله، لكن ….

قاطعها بصرامة وهو يقول بغضب :- أخرسي وا عـ.ـر.في بتقولي إيه ولينا بيت نتكلم فيه، على محاضراتك يا محترمة .

قالها بصرامة شـ.ـديدة لتغادر هي المكتب بسرعة، لترى بعض الفتيات ما زلن يقفن لتشملهم بنظرة حارقة، ومن ثم تترك المكان بدمـ.ـو.ع متحجرة، أما هو بالداخل زفر بضيق لم يرد أن يصل بهما المطاف عند هذه النقطة، ولكن هي أثارت حفيظته ونجحت في أن تشعل ثورة غضبه، استقر بذهنه على مصالحتها ريثما يعود المنزل، نظر في ساعته وجد أن محاضرته التالية على وشك البدء فغادر المكتب وتوجه نحو المدرج الذي سيلقي به المحاضرة، وشعور بداخله بالنـ.ـد.م على ما فعله منذ لحظات .

***************************

صعدت برفقة نهلة خلسة إلى شقتها وجلست معها، لتقف الأخيرة وتدخل لغرفتها الخاصة وغابت بضع لحظات قبل أن تعود لها وهي محملة بأشياء وضعتها على الطاولة أمام سبيل والتي قالت بغرابة:- إيه دول يا نهلة ؟

أجابتها ببساطة :- افتحي وشوفي بنفسك .

أذعنت لطلبها وقامت بفتح الأكياس لتشهق بصدمة، عنـ.ـد.ما رأت مجموعة كبيرة من مستحضرات التجميل، وملابس راقية ملونة غير تلك الباهتة التي ترتديها، نظرت لها بحذر وقالت وهي تود أن تكذب حدسها :- ليه الحجات دي ولمين ؟

أردفت بنفاذ صبر :- هتكون لمين يعني لأمي! ليكي يا حبيبتي أومال عاوزة تروحي بالهلاهيل دي، لا مؤاخذة يا سبيل في الكلمة بس لازم يعني تكوني متشيكة أنتِ رايحة فندق خمس نجوم مش مشوار في الحارة هنا .

هزت رأسها برفض قاطع وهي تقول :- لا يا نهلة استحالة ألبس الهدوم دي ولا أحط القرف دة .

جزت على أسنانها بعنف فهي تعلم مدى عندها، ولكنها ستتحمل كل شيء من أجل نجاح خطتها، لتقول بمحايلة فهي تعلم جيداً إنها وافقت على ذلك من أجل أبيها، وستلعب على هذه النقطة :- بشوقك يا حبيبتي بس متجيش بعدين تتحايلي عليا، معايا بنات كتير عاوزة الشغلانة دي بس لما عرفت ظروفك قولت بت حتتي أولى بيها بس الظاهر إن مفيش نصيب .

أردفت بضعف :- يعني مفيش غير الهدوم دي ؟

هزت رأسها قائلة بتأكيد:- مفيش غيرها وبعدين مالها الهدوم ما هي محترمة أهي وحجاب يعني كامل من مجاميعه، خدي بس ربنا يهديكي.

أردفت مسرعة :- لا خليهم هنا وهبقى اجي شوية البسهم أصل أخاف أنزل بيهم تحت أبويا يشوفهم وتبقى مشكلة .

رددت بانتصار:- خلاص يا حبيبتي خليهم هنا .

وقفت قائلة بشرود :- طيب أنا نازلة دلوقتي، سلام .

بعد أن غادرت رسمت ابتسامة عريضة على ثغرها الماكر وقالت بنصر وتشفي :- أيوة كدة يا أختي أخيراً ما يجيبها إلا ستاتها.

قالت ذلك ثم مسكت هاتفها واتصلت على أحدهم لتقول بفرحة عارمة :- عندي اخبـ.ـار لوز اللوز يا باشا .

أردف الطرف الآخر بضيق :- خير يا نهلة .

أردفت بتأني :- حصل يا باشا هتنول المراد الليلة دي .

نهض من مكانه بلهفة وهو يقول:- بجد ؟ يعني هتيجي النهاردة ؟

أومأت بتأكيد لتقول:- أيوة هتيجي أنا عملت اللي عليا الدور والباقي عليك أنت يا بوس.

ردد بشجن فمنذ أن رآها بمحض الصدفة في هاتف نهلة وهو يرغب بها بشـ.ـدة :- أنتِ جبيها بس والدور والباقي عليا أنا.

أردفت بحذر :- أنا مفهماها إنه أنت لا مؤاخذة يعني راجـ.ـل عجوز وقولتلها تحطلك حبوب بس هتتحطلها هي . بقلم زكية محمد

أردف باختصار:- ماشي سلام دلوقتي وأنا هشوف هعمل إيه.

بالأسفل نزلت سبيل وهي تفكر بدون هوادة في ما هي مقدمة عليه، رنت فجأة جملة نهلة السابقة ” أنتِ مش عارفة قيمة نفسك، دة أنتِ توقعي أتخن تخين ” .

ابتسمت بسخرية إن كان الأمر كذلك لم لم توقعه هو ؟ ذاك البعيد الغائب بجسده ولكنه يستوطن أعماق عقلها ويسكن في ثنايا قلبها المغرم به، لم لم يراها بل تجزم بأنه حتى لا يعرفها من الأساس، تراقبه في الخفاء وتحبه سرا وكأن البوح بعشقه معصية تخشى أن تجهر بها وأن تظهر للعلن، ضحكت بمرار فهو في مكان وهي في مكان آخر لا تجمعهما أي نقطة، دوماً ما تقارن نفسها به وتنتهي بنتيجة فادحة لها، هو حلم بعيد المنال نجمة متألقة في السماء صعب الوصول إليها.

تنهدت بحرقة وهي ترثي ذلك الحلم وتودعه على أمل ضئيل في اللقاء مجددًا، أثناء سيل أفكارها تلك اصطدمت بجدار صلب وما إن وصل إليها رائحة عطره، انتفض فؤادها بعنف يعلن ثورته عليها ويطالب بالمزيد والمزيد، فها هو في أسر يتمنى الحصول على رشفة أمل تبقيه طواعية في هذا السجن، رفعت بصرها نحوه وكيف لا تعرفه وهو إن مر طيفه من على بعد تشعر به وكأن هناك تواصل روحي، همت بنطق الاعتذار لأنها المخطئة ولكنه فر في الزحام وابتلعه.

ضغطت على شفتيها بأسى لتقول :- خلاص يا سبيل انسيه أنتِ النهاردة رايحة طريق اللي يروح ميرجعش، شيلي الأوهام دي من دماغك دة مش لينا ولا عمره هيكون لينا .

سافرت الساعات بسرعة ليحل الليل وها قد أتت اللحظة الحاسمة، والتي ستتخلى فيها عن القيم والمبادئ التي تغنت بها، وستدلف لطريق الوحل طواعية منها .

تقف بشقة نهلة بجزع وهي تنظر للملابس التي سترتديها، لتقول بانتباه وكأنها مغيبة وعادت للواقع منذ لحظات :- أنا إزاي فاتت عني الحاجة دي، مش هينفع احط ميكب وانزل بلبسي دة في الشارع الناس تقول عليا إيه ولا مؤاخذة أما يلاقوني ماشية معاكي .

ازداد حقدها عليها وابتسمت بمكر فبعد دقائق ستصير مثلها ولن يفرق بينهما شيء، كبحت غضبها وقالت بدهاء :- وماله يا حبيبتي أهم حاجة تروحي على العنوان اللي كتبتهولك، وتدخلي الفندق وتسألي عن واحد اسمه قاسم العمري أوعي تنسي، وابقي غيري هناك يدوب دلوقتي تمشي .

تجمعت الدمـ.ـو.ع في عينيها قائلة بخوف وكأنها طفلة ضاعت من والدتها :- بس أنا خايفة.

ردت بود زائف:- يا حبيبتي مش قولتلك قبل كدة عن الخطة وأهو الحبوب معاكي يلا الراجـ.ـل قرب يجي .

وبعد عدة محاولات نزلت وهي تشعر بكل الوضاعة والحقارة قد تمثلت بها، وتمنت في هذه اللحظة تقريباً أن تصعد روحها إلى خالقها علها ترتاح وتنتهي من هذا العذاب .
تسير في الشارع نحو وجهتها المخزية، دمـ.ـو.عها تتساقط بضراوة على وجنتيها، عقلها وجوارحها يحذرانها من المضي في هذا الممر المظلم، والمنطق يقول بأن تذهب كي تنقذ والدها حيث لا توجد ثغرة غير هذه تمكنها من الحصول على المال لتجلب الدواء لوالدها .

نظرت للورقة المطوية بيدها لتضغط عليها بعنف ومن ثم أشارت بيدها لتوقف إحدى سيارات الأجرة وانطلقت لوجهتها إلى حيث جحيمها الذي ينتظرها، ولم تلاحظ تلك الأعين التي تراقبها عن كثب.

************************

اتصل سفيان بوالدته وقد قرر أخيرًا بأن يتحرك فقلقه البالغ عليها طوال هذه المدة أخافه بشـ.ـدة، أخذ يحدثها في أمور شتى ليختم قوله لها :- هي تقى ما بتردش على التليفون ليه ؟

ضيقت عينيها بغيظ قائلة:- يعني مش عارف يا تنح !

أردف بضيق :- في إيه يا ماما ؟

ردت عليه بحدة :- في إن وقعتك مطينة بستين طين بس تيجي بالسلامة يا ابن بطني .

رد بدهشة :- في إيه لكل دة بس ؟

أردفت بحنق :- نقول إيه مفيش لا دم ولا إحساس، مراتك مش راضية ترد عليك يا عين أمك علشان زعلانة منك ومش أي زعل لا دة الموضوع كبير .

أردف بنفاذ صبر :- طيب هي عندك عاوز أكلمها أفهم منها زعلانة ليه الهانم .

عضت على شفتيها بغل قائلة:- عارف لو قدامي كنت عملت إيه ؟ كنت نزلت عليك بأبو وردة اللي أنت عارفه كويسة أوعى تكون فاكر إنك كبرت عليا يا واد .

أردف بانفعال :- بقولك إيه يا ماما فهمي تقى تشيل الهبل دة من دماغها وتعقل كدة وإلا هتشوف وش مني عمرها ما شافته .

هتفت بعتاب :- لا يا سفيان هي شافت كتير يا ابن بطني حـ.ـر.ام عليك أتقي الله فيها، شفت إيه منها مخليك قالب عليها كدة .

أردف بملل :- بقت كئيبة ونكدية كل شوية خناق لحد ما زهقت .

رددت بعصبية :- ومسألتش نفسك ليه بقت كدة وايه اللي وصلها لكدة .

أردف بغيظ :- كل دة علشان زميلتي في الشغل تقى بتغير منها يا ماما، مفيش حاجة علشان تكبر الموضوع بالشكل دة .

ردت بشك :- متأكد أنه مفيش حاجة ؟

هتف بتأكيد :- أيوة متأكد هو أنا صغير يعني .

أردفت بتأكيد :- قول إن عينك زايغة على رأيها عاوز تتجوز الستات كلها .

تابع بانفعال :- خليها تكلمني يا ماما لحظة وقوليلها لو ما فتحتش الفون وردت عليا هي عارفة كويسة هعمل إيه، لو سمحتي يا ماما أديلها التلفون دلوقتي.

أذعنت لطلبه ودلفت لغرفته بعد أن طرقت الباب، وجدتها ممدة على الفراش اعتدلت في جلستها لتقول :- أتفضلي يا ماما ندى .

همست ندى لها بأن سفيان يود أن يتحدث معها، لتأخذ منها الهاتف وتضعه على أذنها، بينما غادرت الأخرى لتترك لهما مساحة كافية.

لم تتحدث وإنما ظلت صامتة حتى سمعته يقول اسمها بخفوت :- تقى .

همهمة صدرت منها دلالة على أنها تسمعه ليكمل هو بحنو :- مبتكلمنيش ليه ؟ هونت عليكي كل الوقت دة . بقلم زكية محمد

خرجت حروفها الصادقة الصادرة من أعماق قلبها :- لا مهونتش عليا أنت وحـ.ـشـ.ـتني أوي.

رد عليها بعتاب :- واللي بيوحشه حد بيعمل كدة بردو !

ردت بعتاب أكبر:- بس أنت مزعلني يا سفيان وأوي كمان .

ردد بملل وهو ينتظر ثورتها عليه كعادته:- ممكن الليدي تقى تقولي زعلتها في إيه ؟

أردفت بدمـ.ـو.ع وهي تلمح نبرة السخرية ببحة صوته :- أنت عارف يا سفيان عارف اللي مزعلني ومصر تبقى معاها وأنا أتفلق عادي .

جز على أسنانه بغيظ وهو يقول:- هو أنا بحب فيها دة شغل يا تقى شغل يا ريت بقى تفهمي .

هزت رأسها باستسلام وهي تقول :- ماشي يا سفيان براحتك .

أردف بسرعة ما إن رأى الطبيب المشرف ينادي عليه :- طيب عاوزة حاجة أنا ورايا شغل دلوقتي ؟

وقبل أن تغلق المكالمة سمعت صوتها البغيض ينادي عليه حينما أتت فجأة، لتلقي الهاتف على الفراش وتنخرط في موجة بكاء جديدة اعتادت عليها منذ أن دلفت هذه إلى حياة زوجها .

دلفت ندى عنـ.ـد.ما سمعت صوت بكاء مكتوم لتعلم إلى أي نقطة وصلا، واستها كعادتها وبداخلها تتوعد لابنها بعقاب قاسي كي يرد له عقله .

***************************

وصلت للفندق المسطر في العنوان، بلعت ريقها بتـ.ـو.تر وشعور بأنها مقدمة على حافة الهاوية، دلفت للداخل وتوجهت لموظف الاستقبال وسألته عن غرفة المدعو قاسم العمري، ليخبرها بأن تذهب للغرفة وتنتظره ريثما يأتي وأنه سيصل في غضون دقائق، أعطاها المفاتيح الخاصة بالغرفة كما هو متفق عليه وأخبرها بمكان تواجدها، مشت هي وصعدت للأعلى وهي تقدم ساق وتؤخر الأخرى، بدأ الرعـ.ـب يتسرب رويداً رويداً بداخلها، وهي مستمرة في السير نحو هلاكها .

وقفت أمام الباب المنشود وهي تتطلع للمفاتيح التي بيدها، وأخيرًا شعرت بأنها كانت في دوامة وخرجت منها، تذكرت أبيها وما فعله معها تذكرت كم التضحية التي قدمها لها، هل بعد كل ذلك تفرط في شرفها بأي شكل من الأشكال ؟ شهقت بصوت عالي وهي تردد بجنون :- أنا إزاي أعمل كدة ؟ لا لا أنا أنا همشي ودلوقتي..

ألقت المفتاح على الأرض وكذلك الملابس التي بحوذتها، واستدارت تهرب بأقصى سرعة لديها حتى وصلت للأسفل، مشت بحذر كي لا يشك أحد وما إن خرجت من الباب أخذت تركض بسرعة إلى أن اصطدمت بجسد ما فأصابها الفزع لتطلق صرخة ذعر، وهي تعتقد أنه أحد الرجال وسيذهبوا بها للفندق عنوة، إلا أنها سمعت صوتاً مألوفًا يقول :- أهدي.

تراجعت للخلف وتطلعت له ليصيبها الذهول عنـ.ـد.ما تعرفت على هوية الشخص والذي قال بنبرة هادئة :- كنت عارف إنك مش هتعملي كدة، تربية محمد لا يمكن تعمل كدة .

احتلت الصدمة معالم وجهها بينما تابع هو بهدوء :- يلا يا بنتي تعالي نرجع وهحكيلك كل حاجة في الطريق.

هزت رأسها بنعم وخجل وتبعته وصعدت معه إلى السيارة وانطلقت عائدة بهما إلى مسكنها .

عودة لوقت سابق وبالتحديد قبل الظهيرة حيث أتى أكرم لزيارة محمد بعد أن أرسل إحدى الصبية ليخبره بأنه يريده في أمر ضروري، دلف للغرفة حيث أنه رجل مريـ.ـض لا يبرح الفراش، ألقى عليه التحية وجلس قبالته وبعدما سأله عن حاله، تحدث محمد بنبرة ضعيفة :- معلش يا أكرم بيه جبتك على ملا وشك بس الموضوع خطير ومحدش هيساعدني في الموضوع دة غيرك .

تحدث أكرم بعتاب :- بيه إيه يا محمد بس احنا اهل منطقة واحدة واتربينا سوا، ها بقى قولي موضوع إيه اللي خطير دة ؟

أجابه بحزن :- بنتي سبيل اللي مليش غيرها وجات بعد صبر هتضيع مني .

ضيق عينيه باهتمام ليقول بعدم فهم :- ممكن توضح اكتر ؟

هز رأسه بموافقة ليقول بحزن :- البت من صغرها وأنا اللي مربيها، متجوزتش خوف من إن اللي هتيجي دي هتعاملها إزاي، كبرت قدام عيني يوم ورا يوم لحد ما بقى عندها واحد وعشرين سنة، شالت الهم بدري يا أكرم وعمرها ما اشتكت ولا جات قالتلي عاوزة دي زي فلانة ولا علانة، الحال ضاق عليا أكتر لحد ما بقت البقالة مش مكفية ولا جايبة همها، لحد ما جم أصحاب البضاعة عاوزيني حقها، والمرض بتاعي والدوا الغالي اللي باخده، إحنا ملناش حد وزي ما بيقولوا كدة العين بصيرة والايد قصيرة، البت هتروح تبيع نفسها يا أكرم ساعدني أرجوك.

اتسعت عينيه بصدمة من تصريحه الأخير ليقول بحدة طفيفة :- أخص عليك يا محمد وأنا روحت فين هو أنا مش أخوك يعني ! فينها بنتك دلوقتي ؟
رد بخفوت :- في البقالة منها لله البت نهلة اللي ساكنة فوقينا هي اللي ملت راسها بالكلام البطال دة، لحد ما وافقت علشان تجيب ليا العلاج أنقذ بنتي يا أكرم وبوصيك عليها خلي بالك منها خلاص النهاية قربت .

ربت على كتفه وهو يقول :- إن شاء الله ربنا يبـ.ـاركلك في عمرك وتشوفها أحسن الناس .

استرسل في الحديث :- اتفقت معاها هتروح فندق تقابل راجـ.ـل كبير في السن وتضحك عليه تحطله منوم، وتمشي بعد ما ينام علطول، أنا مش عايزها تهوب ناحية الفندق دة من الأساس.

ابتسم بهدوء قائلًا:- متقلقش وعد مني هجبلك بنتك زي ما هي .

وبعد ذلك أنهى الحديث معه وغادر وقام بمراقبتها جيدًا، وعنـ.ـد.ما خرجت ذهبت للفندق الذي أعطى والدها له عنوانه، وسأل عن اسم الشخص ليفاجأ بعمر الشاب الذي أكمل الثلاثين منذ فترة، أيقن أن الفتاة الأخرى قامت بخداعها، وقف هو أمام الفندق ينتظر قدومها ورآها تنزل وتدلف، وكان أيضًا يراقب مجيء الشاب الذي أجرى بحث عنه وعلم أنه ابن رجل أعمال معروف، وعنـ.ـد.ما يأتي سيتدخل ليعوق الأمر ولكنه وجدها تخرج راكضة من الفندق، فابتسم أنها علمت أن ما كانت مقدمة عليه هو خطأ فادح لا محال .

عودة للوقت الحالي صدرت شهقات مسموعة منها، وهي تسمع منه ذلك وعلمت أن والدها علم بكل شيء مما جعل خجلها يتزايد .

هتف أكرم بعتاب كبير :- كدة يا بنتي والدك في البيت مستنيكي وخايف عليكي.

هتفت بدمـ.ـو.ع وخفوت :- أنا والله عملت كدة علشانه، بابا مريـ.ـض ومحتاج دوا غصب عني.

ردد بلوم :- وأنا روحت فين ؟

أردفت بخجل :- حضرتك مش متعودة أخد حاجة من حد .

ضيق عينيه بغضب ليتحدث من بين أسنانه:- فتروحي تعملي اللي كنتي رايحة تعمليه دة عادي إنما تطلبي مساعدة من حد لا، دة إيه المنطق الغريب دة .

أردفت ببكاء عند هذه النقطة :- مقدرتش أعمل حاجة زي دي أبدًا حتى لو مش هيقرب مني .

ضحك بسخرية على غبائها ليقول :- أنتِ عارفة البني آدم اللي كنتي رايحة عنده دة سنه قد إيه ؟

هزت رأسها بنعم لتقول بتأكيد :- أيوة نهلة قالتلي أنه عجوز يجي فوق الستين كدة .

أردف بغيظ :- علشان يبقى درس تتعلمي منه يا بنتي متوثقيش في أي حد والسلام، الراجـ.ـل دة مش عجوز أبدًا دة شاب عنده تلاتين سنة .

شهقت بصدمة وهي تنظر له بذهول لتردد بتلعثم :- إيه ؟ تلاتين سنة ! يا مصيبتي هطلع بكرشك يا نهلة الكـ.ـلـ.ـب بس أشوفك.

أردف بصرامة :- خلاص قفلنا على الموضوع دة، البنت دي ملكيش أي علاقة بيها بعد كدة ويا ريت تكوني اتعلمتي .

ردت بمرار :- لا اتعلمت واتعلمت كويس أوي كمان، شكرًا لحضرتك لولاك كان زماني ضعت .

أردف بابتسامة بسيطة :- أنا معملتش حاجة أنتِ اللي أنقذتي نفسك بنفسك، بس عاوزك ت عـ.ـر.في لما تقابلنا مشكلة لازم نلاقي ليها حلول مش نجري على طريق مش تمام علشان نحلها حتى ولو كان حجم المشكلة دي ايه أوعى تفرطي في نفسك أبدًا مهما يحصل .

هزت رأسها بموافقة ومن ثم التزمت الصمت وهو كذلك وتابع القيادة نحو بيت محمد .

على الجانب الآخر تجلس باسترخاء على الأريكة وهي تضحك بخبث وتفكر في سبيل، وأنها بالتأكيد تحت وطأة يده الآن، وأنه قضى عليها ومن لا يعرف قاسم العمري ذلك الذي يود الحصول على شيء لا يتنازل عنه، رن هاتفها فجأة فنظرت للمتصل لتجده هو، قطبت جبينها بدهشة أليس من المفترض أنه الآن يقضي وقته معها ؟

حسمت أمرها بالأخير وردت عليه ليأتيها صوته الحاد يصـ.ـر.خ بوجهها :- فينها يا نهلة مجاتش ليه ؟

ردت عليه بتعجب :- إزاي مجاتش دة أنا منبهة عليها إنها تكون هناك قبلك كمان، يكون تاهت !

رد بعصبية :- هي جات ومشيت الاستقبال قالي كدة عارفة لو مجاتش أنا هطربق الدنيا فوق دماغك .

رددت بخوف :- طيب أهدى بس يا باشا، أنا هبعتلك واحدة تروق مزاجك لحد ما اشوف إيه الحكاية .

صرخ بعنف :- مش عاوز زفت أقفلي دلوقتي.

أنهت المكالمة معه وهي تقول مع نفسها :- إيه دة إزاي مراحتش أما أروح أشوفها.

وفي طريقها للنزول توقفت فجأة تختبئ عنـ.ـد.ما وجدت سبيل برفقة أكرم، ازدادت دهشتها عنـ.ـد.ما دلفا الشقة سويا، هزت رأسها بحيرة وعزمت على معرفة الأمر منها بالغد، وحقدها ازداد أنها سليمة لم يحدث لها شيء وأنها نجت من الفخ الذي نصبته لها ولكن ستقف على رأسها حتى تلين وتوافق .

بشقة محمد وقفت أمام غرفة أبيها بتـ.ـو.تر غير قادرة على الدلوف، شجعها أكرم وهو يقول :- ادخلي هو مستنيكي. بقلم زكية محمد

فتحت الباب بخفوت ومن ثم دلفت وهي تنظر للأسفل بخجل شـ.ـديد من فعلتها، نظر لها والدها لها بلهفة واطمئن عنـ.ـد.ما وجد برفقتها أكرم خلفها، هذا يعني أنه تم إنقاذها.

هتف بتعب وعتاب في الوقت ذاته:- تعالي يا سبيل قربي يا بنتي .

وكان ذلك بمثابة الإشارة إذ ركضت نحوه وجلست أرضًا قبالته، ومسكت يده تقبلها وهي تقول بدمـ.ـو.ع :- سامحني يا بابا أنا مش عارفة كنت هعمل كدة إزاي، أرجوك سامحني يا بابا .

ربت على رأسها وهو يقول بدمـ.ـو.ع هو الآخر:- ولو إني زعلان منك بس الحمد لله ربنا نجاكي، أنا كان عندي الموت أهون ولا تروحي تعملي كدة، هي دي بردو تربيتي ليكي يا سبيل قصرت معاكي في إيه ؟

انفجرت باكية وهي تقول بنـ.ـد.م :- أنا آسفة يا بابا أنا مش عارفة إزاي سبت نفسي لشيطاني كدة، بس والله يا بابا كل دة علشانك أنت.

ردد بحزن :- عارف يا بنتي قدر ولطف .

أردفت بدمـ.ـو.ع وخوف على والدها :- متقلقش يا بابا هجبلك الدوا إن شاء الله اشتغل خدامة، مش هسيبك أبدًا يا حبيبي بس أوعى أنت تخلف بوعدك وتسبني لوحدي أرجوك يا بابا أنا مليش غيرك في الدنيا دي .

ابتسم لها بضعف وهو يقول :- متخافيش يا حبيبتي قومي يلا أعملينا كوبيتين شاي، عمك أكرم يقول علينا إيه بخلا !

هزت رأسها بنفي وانتبهت لهذه النقطة لتقول بأسف:- أنا آسفة يا عمو أكرم ثواني وهتلاقي الشاي عندك .

قالت ذلك ثم انصرفت مسرعة للمطبخ البسيط لتعد له الشاي، بينما شعر محمد بالنهاية فأخذ يردد بكلمـ.ـا.ت لأكرم يوصيه فيها على ابنته .

بعد وقت قصير دخلت وهي تحمل الشاي، تحدثت بمرح :- عملتلك يا بابا أحلى كوباية شاي .

وقفت فجأة حينما رأت أكرم ينكس رأسه للأسفل، وأبيها مغلق العينين.

وضعت الشاي بإهمال على الطاولة وقالت بحذر :- هو بابا نام يا عمو ؟

رفع رأسه ليقول بحزن :- شـ.ـدي حيلك يا بنتي البقاء لله.

وكأنه لم يقل شيئًا إذ توجهت ناحية أبيها وأخذت تهزه قائلة بعدم وعي :- بابا قوم يلا، شوف عمو بيقول عليك إيه ؟ يلا قوم ورد عليا يا بابا قوم .

وحينما لم يجد منها رد صرخت بقوة وهي ترجوه بأن يفتح عينيه فعقلها مغيب وترفض تمامًا فكرة فقدانها لوالدها :- يا بابا قوم أنا عارفة إنك بتهزر قوم متخضنيش عليك، هجبلك الدوا والله بس قوم الله يخليك .

صرخت بقهر وصوت شق جدران المكان باسم أبيها، وقد انهارت تماماً وبكت كما لم تبك من قبل حينما بدأ عقلها يستوعب هذه الطامة الكبرى .

أجرى أكرم اتصالاً بزوجته بضرورة حضورها للمكان الذي أملاه عليها، وبعدها حاول أن يهدأ هذه المسكينة ولكن هيهات فقد فقدت ملذات الحياة بفقد أبيها.

بعد وقت عج المكان بالسيدات وتولى الرجال أمر العزاء وإجراءات الدفن، وبداخل غرفتها تجلس متكورة كالجنين دمـ.ـو.عها تغرق وجهها الذي انطفأت معالم الفرح فيه، وإلى جوارها تجلس شهد برفقة ابتهال يشاطرونها الحزن، لم يصدر منها صوت حتى الآن وكأنها انعزلت عن العالم أجمع لا ترى ولا تسمع شيء، هزتها شهد برفق وهي تقول :- سبيل ردي عليا .

لم تتحدث معها وبعد فترة أتى أكرم ليخبر سبيل بأن تأتي لدفن والدها وتوديعه إلى مثواه الأخير.

وبعد ذلك عادت لتجلس بالمنزل تتلقى العزاء، ولجت نهلة وهي ترسم الحزن والشفقة بجدارة وهي تحتضن سبيل قائلة :- البقاء لله يا حبيبتي شـ.ـدي حيلك، قلبي عندك يا أختي.

نظرت لها بغضب وتحولت عينيها الخضراء ذات المروج النضرة للون داكن، وفجأة دفعتها بكل ما أوتي لها من قوة لتكون الدهشة من نصيب الأخيرة لتقول بهدوء :- مالك يا سبيل أنا عارفة إن الصدمة كبيرة عليكي يا أختي.

ولم تكمل كلامها حينما وجدت صفعة قوية نزلت على وجنتيها أحدثت دوي في المكان تحت أنظار الموجودات المتابعين للموقف بصدمة كبيرة .

****************************
توجه نحو غرفته بخطوات مسرعة، والفضول بداخله يتصاعد يريد أن يعرف ما هي تلك المفاجأة يا ترى ؟ فتح الباب بهدوء وحذر ودلف ليغلقه بنفس الهدوء .

مشط أرجاء الغرفة بعينيه ليجدها ممدة على الفراش تعطي ظهرها له، ابتسم بحب ليقول وهو يتأملها بتفكير ماكر :- هي تخنت ولا متهيألي!

قالها ثم تقدم نحوها ليقف بصدمة حينما رأى انتفاخ بطنها الغير عادي، والذي لا يدل إلا على شيء واحد ألا وهو إنها تحمل طفله بداخلها .

وجدها غافية في وداعة وسكينة، جلس أمامها وهو يسير بأصابعه برقة على ملامحها الفاتنة التي يعشقها، مغمضة العينين هي مسافرة إلى حلم وردي جميل يزورها هو فيه، يغدقها بحنانه المعتاد منه على عكس معاملته لها في الآونة الأخيرة.

أقترب منها أكثر يرتشف من رحيقها المسكر، حتى شعرت بأن أنفاسها تسلب وشعرت بضيق في مجرى التنفس، فتحت عينيها لتنهي ذلك الحلم إلا أن أنفاسها مازالت في قيد الأسر ولم تتحرر بعد، اتسعت عيناها بصدمة ما إن وجدت ذلك الحلم ما هو إلا واقع وهو ماثل أمامها بل وينفذ ما في الحلم بحذافيره، أخذت تدفعه بقبضتيها حتى ابتعد عنها بصعوبة فهو أشتاق لها حد الجنون .

هتف بوله وهو يتعمق في عينيها التي أسرته وزجته بسجنها وحكمت عليه بالسجن فيه مدى الحياة :- حشـ.ـتـ.ـيني و  يا تقايا.

نهضت بفزع تحاول أن تستوعب أنه أمامها حقيقة وليس مجرد وهم أو سراب .

مسك يدها وقبلها بحنان ليضمها إلى صدرة قائلًا بحب :- حشـ.ـتـ.ـيني و  يا تقى هو أنا موحشتكيش ولا إيه ؟

أشاحت بوجهها بعيدًا للناحية الأخرى، كي لا يغلبها شوقها وتتعلق بذراعيه وتشكو حالها منه له، ولكنها لن تستسلم لقلبها فماذا نالت من خلفه غير الجراح المدمية، قطب جبينه بصدمة وكأن أمامه واحدة أخرى غير تلك التي يعشقها حد النخاع، تنهد بصبر محاولا ضبط انفعالاته كي لا يتهور ويتصرف بشكل يجعل الأمور تزداد تعقيدًا، حاوط وجهها بيديه جاعلا منها أن تستدير له وهو يقول بحنو :- مالك يا حبيبتي ؟

نظرت له بعيون دامعة وقد قرأ عتابها الذي وجع قلبه وكأنها تقول له :- هل أنت متأكد أني حبيبتك ؟

سحبها لتستقر بين ذراعيه ولم تجد هي غير أن تبكي وتتشبث به كالغريق، وبعد وصلة بكاء توقفت لتدفعه بقوة وهي تقول :- دلوقتي حبيبتك! وكان فين دة وأنت راميني هنا من تلات شهور ؟

أشار لنفسه بعدم تصديق من حديثها ليقول :- دة أنا ؟ ومين اللي مكانش بيرد على أمي ؟ دة أنا كنت بتصل ولا يجي خمسين مرة دلوقتي أنا اللي غلطان !

أردفت ببكاء :- أومال أنا اللي غلطانة يا برودك يا أخي، بعد كل اللي عملته دة وعاوزني أرد عليك .

جز على أسنانه بعنف وهو يقول بهدوء :- خلاص يا حبيبتي اهدي أنا آسف، وبعدين تعالي هنا إزاي أنتِ حامل ومتقوليش ها ؟ مش من حقي أعرف !

ردت عليه بسخط :- كنت هقولك بس أنت زعلتني يومها .

ردد بغيظ أكبر:- اه قولتيلي فتقومي تحرميني من خبر زي دة .

مطت شفتيها بحنق قائلة:- يوه بقى أنت هتقعد تقطم فيا كتير .

أردف بوعيد :- عارفة نفسي في إيه ؟

ردت عليه بفضول طفولي :- نفسك في إيه ؟

ضيق عينيه ليقول:- نفسي أديلك علقة تقعدك شهر في المستشفى.

شهقت بذعر قائلة:- أنت هتض*ربني ؟

احتضنها على حين غرة وهو يقول بعشق يخصها وحدها :- مقدرش طبعا أنا بس من كتر غيظي قولت كدة . بقلم زكية محمد

ثم تابع بفرح وحماس لهذا الخبر :- قوليلي بقى أنتِ حامل في الشهر الكام ؟

ضيقت عينيها حتى أغلقتهما إلا عين واحدة تركت منها فتحة صغيرة تراقب ردة فعله، وهي تشير له بأصابع يدها بالعدد ستة ليقول بصدمة :- ست شهور ! ست شهور يا مؤمنة وأنا معرفش .

هتفت بهمس إلى جوار أذنه:- أنا آسفة.

سألها بحذر :- بتاكلي كويس وأخبـ.ـار صحتك إيه ؟ استني أنا هكشف عليكي دلوقتي.

ردت عليه بسرعة :- لا أنا كويسة متشغلش بألم .

أردف بحزم وهو يفتح حقيبته الطبية :- أنا قولت كلمة خلاص .

وبعد فترة قام بفحصها وقد قاس لها نسبة السكر والضغط، ووجد أن صحتها جيدة ليقول بفضول وتعجب :- بس أنا غبت تلات شهور إزاي حامل في ستة ؟

اتسعت عيناها بذهول وقد فهمت سؤاله بشكل خاطئ:- أنت بتشك فيا ؟

ضـ.ـر.ب*ها بخفة على رأسها وهو يقول :- لا مش كدة يا أم دماغ تخينة أنا أقصد يعني المفروض تكوني حامل في تلاتة مش في ستة على حسب ما عرفتي من الدكتورة يعني بالكتير أربعة.

أردفت بتوضيح :- أصل في الوقت اللي عرفت فيه الدكتورة إني حامل في تلات شهور مكنتش مصدقة، ماما ندى قالتلي إن أنت كمان لما كانت حامل فيك ما عرفتش إلا بعد تلات شهور.

ضحك بمرح ليقول :- يعني الواد طالع لأبوه جدع والله .

نظرت له بضيق لتقول :- بس يارب ما يخدش قلة أدبك وسفالتك ويطلع بيحب الستات من كتر حبه ليهم بقى دكتور نسا .

طالعها بمكر ليقول:- أنتِ قد كلامك دة ؟

بلعت ريقها بتـ.ـو.تر لتقول :- أنا بهزر معاك على فكرة وبعدين عرفت إزاي أنه ولد ؟

ردد بعبث :- قلبي حس بكدة وبعدين بكرة نطلع على المستشفى ونعمل سونار علشان نتأكد، بقولك إيه هو أنتِ أحلويتي أكتر كدة ليه ؟

ضر*بته في كتفه بخجل لتقول بتوبيخ :- سفيان اتلم إحنا مش في بيتنا .

نهض وهو يحملها على حين غرة وهو يقول:- يا سلام بس كدة ثواني ونكون في بيتنا هو إحنا هنروح فرنسا دة يدوب الدور اللي فوقينا.

صرخت بفزع قائلة:- يا مـ.ـجـ.ـنو.ن رايح بيا على فين وبالمنظر دة ؟

نظر لها لينتبه لملابسها البيتية فينزلها برفق وهو يقول :- يلا البسي واجهزي على ما أروح أسلم على أبويا وأخواتي وأجيلك يا جميل .

قال ذلك ثم انصرف مسرعًا بينما ذهبت لتجهز نفسها لأنها تعلم جنونه جيدًا.

******************************

في اليوم التالي جلس أكرم بشرود، لاحظته شهد لتتقدم منه وتخبره بما يجول في خاطره إذ هتفت بهدوء :- أكرم مالك ؟

زفر بضيق وهو يقول:- بفكر في الأمانة اللي سبهالي محمد، وبفكر في حال ابني اللي مش عاجبني.

أردفت بتساؤل:- ابنك مين فيهم ؟

ردد بضيق :- يعني هيكون مين ؟ طه، الواد حاله اتغير من ساعة ما آسيا اتخطبت دي خلاص كلها ايام وتتجوز .

مطت شفتيها بأسى قائلة:- طيب هنعمل ايه يعني هي اختارت خلاص بس هو لسة منسهاش، ربنا يطلع حبه ليها من جواه ويحط حب تاني يستاهله.

أردف بتفكير :- إحنا مش هنقعد نتفرج عليه كدة، وعلشان كده أنا بقول يعني لو تكلميه عن موضوع الجواز دة وتقوليله لقيتلك عروسة .

ردت بموافقة:- مفيش مشكلة بس مين العروسة دي يا ترى ؟ بقلم زكية محمد

ردد بحذر :- سبيل بنت المرحوم محمد إيه رأيك فيها ؟

هزت رأسها بتفكير قائلة:- معنديش مشكلة بس كدة هنظلم البنت لازم ناخد رأيها.

أردف ببساطة :- لا دي سبيها عليا المهم ورأيه لازم نخليه يقتنع بيها، وأنا وراه لحد ما يوافق .

رددت بتنهيدة عميقة :- ربنا يسهل يا أكرم، خلاص أنا هكلمه وأشوف.

ولم يكملوا الحديث حينما دلف هو ويلقي عليهم التحية، ليقول أكرم بتسرع قبل أن يدلف لغرفته وينعزل عن الجميع :- تعالى يا طه عاوزك في موضوع.

جلس قبالته ليقول بهدوء :- خير يا بابا ؟

نظر لزوجته لتبدأ بالحديث إذ أسرعت تقول بتـ.ـو.تر :- حبيبي مش ناوي تفرحنا بيك بقى .

ردد بعدم فهم :- قصد حضرتك إيه ؟

تابعت بحماس :- عاوزة أبقى جدة عجوزة كدة .

ابتسم لحديث والدته ليقول بمداعبة :- لا مهما كبرتي بتفضلي قمر وكأنك بنت عشرين .

أردفت بضحك :- يا واد بطل بكش، ها بقى مقولتليش مش ناوي ؟

رد عليها بمبالاة للموضوع:- ربنا يسهل يا ماما .

أصرت عليه لتقول :- إن شاء الله يا حبيبى، ها بقى قولي أخطبلك أنا ولا في واحدة معينة في دماغك ؟

أتت صورتها في مخيلته على الفور ليجز على أسنانه بغضب أعمى فقد فضلت آخر عليه، وأن كل ذلك سراب وحبه ما هو إلا مجرد ذكرى لم تطبق على الواقع، هتف بضجر :- لا مفيش حد يا أمي.

تابعت بحماس :- طيب أنا لقـ.ـتـ.ـلك العروسة، جمال وأدب إيه ما أقولكش.

ابتسم بسخرية فهو لم يتوقع أن يتزوج بالطريقة التقليدية، بل نسج خيالا ولكنه تحطم فوق رأسه وحده . هتف باستسلام :- اللي تشوفيه اعمليه يا أمي أنا بثق في اختياراتك.

انشرح صدرها للإجابة التي خرجت من فمه لتقول بفرح :- خلاص أدينا أهو إحنا فيها بكرة إن شاء الله نروح نخطبهالك إيه رأيك ؟

هز رأسه بعدم اهتمام ليقول :- اللي تشوفيه يا ماما بعد إذنكم أنا داخل أوضتي.

قال ذلك ثم دلف ليقول أكرم بخبث :- كدة تمام أوي علشان بعد اللي قاله دة مش هيرجع في كلمته ابني وأنا عارفه كويس، دلوقتي فاضل سبيل هطلع عند فادي وأشوف إيه الوضع .

أردفت بدعاء :- يارب أسعد قلب ابني وفرحه.

***************************

عند معقل الشيطان والتفكير الخبيث، يصـ.ـر.خ قلسم في وجهها بغضب :- إزاي بعد ما عشمتيني البنت تهرب في لحظة ؟

هتفت نهلة بغيظ من تعلقه بها وهو لم يرها قط سوى في صورة :- وأنا مالي أنا عملت اللي عليا لحد هنا ودوري خلص .

ردد بتهديد :- بقولك إيه اسمعي كويس البنت دي تيجي تحت رجلي وفي أقرب وقت، أنت سامعة ؟

اعترضت على أوامره قائلة :- ودة إزاي إن شاء الله كنت مصباح علاء السحري ولا مصباح علاء السحري، دي دلوقتي تحت حماية أكرم صبري ودة مش أي حد .

ردد باستخفاف :- ويطلع مين دة كمان ؟ دة أنا بإشارة مني أطربق الدنيا فوق دماغهم كلهم .

ضحكت بسخرية لتقول :- إذا كنت فاكر إن إيدك طايلة فهو بقى بإشارة واحدة يهد المعبد على اللي فوقيه، أحسنلك تشيلها من دماغك وأهو البنات كتير قدامك .

أردف بنفي قاطع :- لا أنا عاوزها هي مش البنات، خلاص راقبيها عندك ووصليلي كل حركة عنها سلام .

********

في اليوم التالي ها قد حانت اللحظة الحاسمة، والتي ستغير مجرى الأمور للجميع، أتى معهم طه وهو يشعر أنه كالمغيب فكيف يقدم على هذه الخطوة ؟ لقد استمع إلى عقله وأن الحب ما هو إلا مجرد وهم، فعليه أن يضع قلبه جانبًا وأن ينظر للأمام ويدفن كل لحظة خلفه، ولكن كل هذه القرارات تبخرت بلحظة، حينما وجد والديه يصعدان لشقة فادي .

صور له عقله أو ربما أمله الأخير بأن الخطبة قد انتهت وها هم قادمون لكي يطلبوا يدها، أخذ قلبه يقرع كالطبول عند هذه النقطة، هل حدث هذا بالفعل ولم يخبروه بذلك ؟

أشرق وجهه وعادت الدماء تجري فيه، فنضرت ملامحه التي ذبلت منذ الآونة الأخيرة.

ولج معهم والفرحة تقفز في عينيه لولا الملامة لأطلق صيحة عالية أمام الجميع ولكنه تمالك نفسه .

بعد أن جلسوا أخذوا يتحدثون تمهيدًا لهذا الأمر المهم .

بالداخل تجلس سبيل بخجل شـ.ـديد وكأنها في عالم خاص غير مستوعبة لوقتها ذلك مما سمعته من أكرم البـ.ـارحة، هل حلمها المستحيل سيتحقق وسيصبح واقع وستكون إلى جواره، الكثير والكثير من الأسئلة أخذت تدور في ذهنها .

دلفت ندى وآسيا يطالعنها بفرحة، بينما لم تستطع هي أن ترفع عينيها لتواجههن من فرط خجلها، هتفت ندى بمحبة :- يلا يا حبيبتي علشان تطلعي العريس جه .

وكأن الأمر ينقص إذ ازدادت معدل خفقان قلبها بشـ.ـدة، تخفق بسعادة وأيضاً بعض الخوف .

مسكت ندى يدها وهي تقول بحنو :- يلا يا بنتي متخافيش إحنا معاكي .

كادت أن تبكي من كم هذه المشاعر فحنانها ليس بمصطنع وتعوضها بالفعل عن أمها التي لم تراها سوى في الصور .

سارت معها للخارج بخطوات بطيئة كالسلحفاة، حتى وصلت للصالة لتجلس بجانب ندى تستمد منها العون والقوة .

تحدث أكرم بابتسامة :- إحنا جايين نطلب أيد بنتنا سبيل لابني طه .

هتف فادي بمرح :- وأحنا مش هنلاقي أحسن منه لسبيل، ها إيه رأيك يا عروسة ؟

وكأن أحد قام ببتر لسانها فما عاد بمقدورها الحديث، وتحول وجهها إلى كتلة طماطم ليكرر فادي النداء :- ها يا سبيل يا بنتي الراجـ.ـل مستني .

هزت رأسها بنعم دون أن تتفوه بكلمة ليقول بضحك :- وأدي موافقة العريس يبقى على خيرة الله نقرا الفاتحة .

أتدرون شعور الانفصال عن العالم، وأن يحدث أمامك كل شيء وفي الوقت ذاته لا ترى فيه شيء، هذا ما حدث معه بالتحديد ما إن وقع اسمها على أذنه، وكأن من قام بزجه من أعلى قمة ليسقط مصطدمًا بالواقع المرير، عن أي سبيل يتحدثون أليست ابنتهم تدعى آسيا ؟

رفع بصره نحوها ليجدها تلك الماكرة من وجة نظره، احتقن وجهه فجأة واشتعل غضبًا، نظر بغيظ شـ.ـديد لوالده وأمه اللذان وضعاه في مثل هذا المأزق، هو توقع أن تكون أي واحدة من الحي أو على الأقل ابنة خاله، ولكن لم يكن في مخيلته أبدًا أن تكون هذه الفتاة اللعوب .

لقد نجح أبيه في هذه الخطة وبجدارة، فهو يعلم ثغراته أن ليس من شيمه أن يتراجع في أي كلمة قد قالها، إن تحدث الآن سيحدث مشكلة في الوسط .

حدجها بنظرات نارية وود لو ينهض ويفعل أي شيء ليمحي هذه الابتسامة التي تستفزه من على ثغرها، جلس بهدوء عكس إعصار تسونامي المدمر الذي بداخله .

سبحان من أرسل عليه السكينة والهدوء ليظل بهذا الثبات، انقضت الأمسية على خير واضطر أن يجاري والده، في الحديث بعدما وقع في المصيدة .

ما إن دلفوا المنزل هتف بغضب ساحق :- ممكن أعرف إيه المسلسل البايخ اللي حصل تحت دة ؟

تحدث أكرم بصرامة وصوت عال:- ولد هتعلي صوتك عليا ولا إيه، والله عال أوي.

صمت يحاول أن يسيطر على حالته عنـ.ـد.ما يجتاحه الكمد، ورد بهدوء على قدر استطاعته :- بابا أنت حطتني في موقف زفت .

رد بهدوء ومكر :- والله محدش أجبرك على حاجة، أفتكر أنت قولت إيه كويس .

ردد بغيظ :- أنت بتستغل دة كويس على فكرة، ماشي يا بابا أنا همشي معاكم للآخر.

تدخلت شهد قائلة بفرح :- على فكرة دي اختياري وانت قولت إنك واثق فيا، بصراحة البنت مفهاش حاجة تتعيب.

ردد بسخرية:- اه فعلا دي يدوب راحت لواحد أوضته في الفندق فعلا ما تتعيبش.

أردف أكرم بضيق :- أنت عارف كويس أنه غصب عنها، وهي لو مكانتش كويسة مكانتش رجعت، حط نفسك مكانها ساعتها هتعذرها اه هي غلطت وغلط كبير كمان بس الحمد لله ربنا ستر .

أردف باعتراض :- وايه اللي عرفك إنها كدة مش يمكن كدبت عليكم وهي مصاحبة البنت إياها.

أردف بتعنيف :- كلام إيه دة يا ابني، دة أنا كنت واقف وكان لسة مجاش بلاش تتهم حد طالما معندكش دليل دة ذنب كبير بلاش تقرب منه، على العموم دلوقتي احنا مش هنرجع في كلامنا ولا عاوز تصغرنا ؟ وصدقني هي دي المناسبة ليك مش معنى إنك فشلت قبل كدة تقف مكانك، بص حواليك كويس ساعتها هتعرف كويس مين اللي يستاهل يسكن هنا.

قال ذلك ثم أشار ناحية قلب ابنه، ليطالعه طه بدهشة وتساؤل هل يعلم بحبه لآسيا، ليقطع الشك باليقين حينما قال أكرم:- أيوة عارف ونصيحة أب لابنه طلعها من دماغك كلها أيام وهتبقى على ذمة راجـ.ـل .

هز رأسه بعدم اقتناع وبداخله يتوعد لسبيل، لقد اختارت طريقها بنفسها فلا تلوم أحدًا إلا نفسها .

بينما في الأعلى انعكس الأمر تمامًا حيث تمددت على الفراش والإبتسامة لا تفارق ثغرها، ها قد حققت أول الخطوات لتظل بجانبه، شعرت بأنه أخيرًا قد ضحكت لها الدنيا، وستعطيها حقها من السعادة، ضحكت بخفوت من فرط سعادتها وأردفت بحب :- أخيرًا هبقى معاه . بقلم زكية محمد

وأخذت تسرح بخيالها وهي تعتقد أنه أتى لخطبتها طواعية، ولا تظن هذه المسكينة أنها على أعتاب ايام لا يعلمها سوى الله .

**************************
يتابع عمله بالمشفى بتعب بعد خوض عمليات عدة منذ أن أتى اليوم، استمع إلى طرق الباب تبعه دلوف سالي وهي تحمل كوبًا من العصير الطازج، ابتسمت له بوداعة لتمد له الكوب قائلة برقة :- اتفضل يا دكتور العصير زمانك تعبت من العمليات .

تناول منها الكوب وهو يقول بأسلوب عملي :- اه فعلا يا سالي تعبت أوي النهاردة وحاسس إن راسي هتنفجر من كتر الصداع، هراجع شوية شغل وأروح علطول .

شرب الكوب بأكمله فهو عطش للغاية ومن كثرة انشغاله نسى أن يسأل عن حاله، أخذ يتابع عمله غافلًا عن النظرات التي ترمقها له الجالسة قبالته، والتي نهضت وتوجهت خلفه وبجرأة غير معهودة منها وضعت كفيها على كتفي سفيان تدلكهما برفق، والذي انتفض إثر حركتها تلك فابتعد وهو يقول باستنكار :- أنتِ بتعملي إيه ؟

أردفت ببراءة مصطنعة :- قولت اعملك مساج يفك عضلات جـ.ـسمك .

جعد أنفه بضيق ليقول :- لا شكراً مش محتاج مساج تقدري تروحي تكملي شغلك .

شعرت بالحرج والهزيمة أيضاً، فهي اعتقدت أنها حققت شوطا في الاقتراب منه وأنه استسلم، ولكن هيهات فقلبه معلق بمن اغرم بها من الوهلة الأولى.

انصرفت وهي تجر أذيال الخيبة معها والغضب قد تملك منها، بينما جلس هو ينفض كتفيه بضيق وكأن بفعلته تلك يزيل لمستها وكأنها مرض معدي .

على الجانب الآخر اختبئت تقى خلف إحدى الجدران ما إن رأتها تخرج، والإبتسامة الواسعة تعلو وجهها فقد أتت صدفة ووجدت الباب غير مقفول على آخره، وعنـ.ـد.ما رأت هذه الشمطاء وقفت تراقب ردة فعل زوجها، وحينما رأت الموقف برمته تأكدت بالفعل أنه لا يكذب عليها، وأن هذه الوقحة هي من تفعل ذلك لإثارة غيظها كما قالت لها ندى في السابق، لن تسمح لها بذلك ستكشر عن أنيابها في سبيل الدفاع عن حبها فكل شيء مباح في الحرب والحب .

دلفت الغرفة كالاعصار وجدته يقف يوليها ظهره وهو يزفر بضيق، حاوطت ذراعيها خصره فكاد أن يعنفها ولكن تعرف عليها فورًا فقام بسحبها لتستقر بين أضلعه، احتضنها بقوة وظل صامتًا للحظات عقله يعمل، الآن يقدم لها العذر على ما فعلته فقد كانت ترى الجانب السيء في سالي والذي للأسف لم يلحظه هو .

هتفت تقى بحب وامتنان :- أنا بحبك أوي يا سفيان .

عاد من هالة المشاعر تلك لنقطة ما، ليمسكها ن يديها لتكون في مقابلته وهو يقول بمرح :- يعني أنتِ جاية من البيت مخصوص علشان تقوليلي بحبك يا سفيان !

جعدت جبينها بضيق قائلة :- بقى كدة ماشي أنا ماشية . بقلم زكية محمد

وما إن همت لتغادر جذبها من يدها وهو يقول بضحك :- رايحة فين يا مـ.ـجـ.ـنو.نة بس، وأنا كمان بحبك وبعشقك يا روح قلب وعقل سفيان، عمري ما اتخيلت إن قلبي يحب في يوم بس لما شفتك كل الموازين اتغيرت .

ردت بغيظ :- أنت هتقولي على يدي يا حبيبي.

أردف بضحك :- ما تبنا خلاص والبركة فيكي، ها جيتي لوحدك ولا معاكي حد ؟

رددت بهدوء :- لا جيت مع حسناء .

صمتت لتقول بحزن عليها :- صعبانة عليا اوي نفسها في بيبي ربنا ما يحرمها أبدًا من النعمة دي، جات تعمل فحوصات زي كل مرة وأنا جيت معاها وبالمرة أروح للدكتورة اللي متابعة معاها .

رد بدهشة :- بتابعي مع دكتورة وجوزك موجود دي تبقى عيبة في حقي .

أردفت بعتاب :- ما هو جوزي مكانش فاضيلي .

ابتسم ليقول بود :- حقك عليا يا ستي، يلا بقى تعالي عاوز اطمن على ابني .

قام بفحصها ووضع سائل لزج على بطنها كي يعرف نوع الجنين ليبتسم بسعادة ويقول :- حبيب بابا كويس ومامته صحتها عال العال .

نهضت بعد أن هنـ.ـد.مت ملابسها :- بجد يعني هو كويس ؟

أومأ بتأكيد ليقول :- أيوة كويس متقلقيش إمتى بقى تجري الأيام ويشرف، متشوق أوي للحظة دي .

ابتسمت له بحماس هي الأخرى لتشاركه الحديث حول ملابس الطفل وبعض الأشياء الأخرى، وبعد وقت شهقت تقى بصدمة لتقول :- يا خبر أنا نسيت حسناء زمانها زعلت مني .

ولم تكمل جملتها إذ رن هاتفها لتقول على عجل ما إن علمت هوية المتصلة :- أيوة يا حسناء معلش نسيت، الكلام خدني ومحستش بالوقت ها طمنيني يا حبيبتي.

أتاها صوتها الباكي يقول :- زي كل مرة يا تقى أنا حاسة إني بموت .

أردفت بقلق :- طيب أنتِ فين وأنا أجيلك ؟

شهقت بقوة قائلة:- مفيش داعي أنا عاوزة أبقى لوحدي شوية، سلام .

أغلقت المكالمة ليقول سفيان :- ها قالتلك إيه ؟

أخبرته بحزن :- زي كل مرة بس إن شاء الله ربنا يرزقها قريب الامل مش بعيد وطلبت أنها تقعد لوحدها شوية .

تابع بهدوء :- إن شاء الله طيب يلا تعالي أوصلك .

رددت باعتراض :- طيب وشغلك .

ردد بمرح :- يا ستي ربع ساعة مش هيحصل فيهم حاجة .

ابتسمت له بحب وسارت أمامه لتفتح الباب لتجعد وجهها بضيق عنـ.ـد.ما رأت سالي مقدمة نحو مكتب زوجها ثانية، اشتعلت الغيرة بداخلها لتفكر بتهور شـ.ـديد وتستدير لسفيان الذي يجمع متعلقاته، لتترك الباب مفتوحا وتنطلق نحوه كالقذيفة وتنهل هي هذه المرة من رحيقه الخاص، أصابته الصدمة مما تفعل هذه الحمقاء فلا المكان ولا الوقت يناسب ما تفعله،لم يستطع أن يمنع نفسه ليتولى هو زمام الأمور ويغرقا سويا للحظات، أتت سالي لتقف بصدمة وهي ترى ذلك المشهد لتجز على أسنانها بغيظ، فيبدو واضحًا أن غريمتها ليست سهلة وأن ما تريده صعب إن لم يكن من المستحيل .

حمحمت بصوت عالى وطرقت الباب كي تسحبهما من لحظتهما السعيدة، لتصطنع تقى الصدمة وتختبئ في صدر زوجها بينما تبتسم بخبث وتصدر ضحكات خافتة، وهي تزيد من قربها له وعبثها والذي فهمه الأخير ليقول بعملية :- نعم يا سالي في حاجة ؟

هتفت بهدوء مغاير لما بداخلها :- كنت جاية أقولك إن المدير طالب حضرتك .

هز رأسه ليقول :- تمام عشر دقايق واكون عنده .

غادرت بغضب بينما نظر لزوجته ليقول بعبث :- ها كنا بنقول إيه بقى ؟

أردفت بجدية :- كنا بنقول يلا علشان توصلني.

أردف بضيق :- ما كنا حلوين من شوية تعالي بس أنتِ مش عارفة مصلحتك .

رددت بهروب :- حبيبي اعقل إحنا في المستشفى.

غمز لها بخبث وقال :- وبالتسبة لسالي لما جات مكناش في المستشفى.

ضـ.ـر.بته بخفة على صدره وهي تنهره قائلة :- سفيان بطل قلة أدبك ويلا وصلني .

ضحك بصوته كله وردد :- بس تصدقي أنا لو أعرف إنك هتعملي كدة كنت جبت سالي دي من بدري .

أردفت بتحذير وغيرة وهي تشير له باصبعها بتهديد :- سفيان ! اسم الملزقة دي ميتنطقش تاني على لسانك،فاهم ؟

قبل إصبعها بمكر ليقول :- حاضر يا شرس أنت هو أنا أقدر بردو على زعل أم صهيب !

ابتسمت لتقول :- صهيب .

أردف بحذر :- إيه مش حلو ؟

نفت ذلك برأسها لتقول :- لا حلو طبعًا.

ردد بمرح :- طيب يلا يا مجنناني .

وقفت لتقول بحدة :- مين دي اللي مـ.ـجـ.ـنو.نة يا سفيان ؟

اندهش من تحولها الرهيب ليقول بمهاودة:- دي الحيطة اللي وراكي، مين الحمار بس اللي قال كدة .

أشارت له لتقول بانفعال :- أنت.

جز على فكه بعنف يكتم غضبه ليقول من بين أسنانه:- طيب يا حبيبتي.

رددت بابتسامة بلهاء :- بجد يا سفيان أنا حبيبتك ؟

كادت أن تصيبه بذبحة صدرية ليقول بهمس :- يارب الصبر من عندك .

ليقول بعدها بصوت مسموع :- يلا علشان أوصلك وأرجع أشوف شغلي .

أدمعت عيناها لتقول :- أنت بتكدب عليا أنا مش حبيبتك، صح ؟

جذب خصلات شعره بانفعال ليردد بهدوء على قدر استطاعته:- لا طبعا أنت حبيبتي وروحي، يلا يا قلبي علشان تروحي ترتاحي .

خرجا سويا وهو يكاد يغشى عليه من تقلباتها تلك، ولكنه تحملها فهو يعلم أن كل ذلك بسبب الحمل.

***************

مرت الأيام سريعاً لتمر ثلاث أسابيع وها قد حانت اللحظة التي انتظرت فيها القلوب على أحر من الجمر بأن تجتمع مع أنصافها الأخرى، على عكس قلب محطم وهو يرى نصفه يزف لغيره، وها هو سيرتبط بنصف لا يكن له الحب من الأساس، بعكس نصفه الآخر الذي تملئه الغبطة لانه أخيراً سيجتمع بمعشوقه، وها هي الأحلام تتحقق على أرض الواقع.

في احدى الفنادق الشهيرة أقيم حفل زفاف كبير لثلاث من أبناء العائلة وبناتها عدا سبيل . تجلس كل عروس بجوار زوجها والسعادة على وجوههن، أما طه فكان يصطنع الابتسامة وبداخله مراجـ.ـل تغلي، لو أتوا بماء كل المحيطات والبحار وبكل قطرة ماء على هذا الكوكب ما نجحت في إخماد نيرانه التي شبت بداخل أوردته، إلا أنه بالرغم من ذلك استطاع الحفاظ على ثباته .

بدأوا في تلقي التهنئة والتقاط الصور التذكارية بسعادة، وبعد وقت انتهى الحفل ليصطحب كل عريس عروسه إلى منزله الخاص .

دلف عدي الذي لم تفارق البسمة وجهه، فها قد حصل على حب طفولته وشبابه ابتهال القلب والحياة شريانه الرئيسي إن انقطع عنه انتهت حياته، ها قد حصل على جائزته الثمينة التي عمل كثيراً وتعب من أجل الحصول عليها .

تنكس ابتهال رأسها بخجل ليقترب هو ويرفع وجهها نحوه، ليرى عينيها التي تحجبها عنه وابتسم لها بعذوبة ليقول بحب :- أنا مش عارف عملت ايه في حياتي حلو علشان ربنا يكافئني بيكي .

أشرق وجهها ببسمة خجولة لحديثه الذي أطرب أذنيها، هتفت بتلعثم وتخوف من القادم :- يعني ..يعني أنت مش هتزهق مني، ولا هتعايرني إني ما بسمعش ؟

زفر بضيق من ثقتها الركيكة في نفسها، وعلم أنه سيخوض طريقا طويلاً من أجل إعادة بناء هذه الثقة من جديد ليقول بحنو :- عمري ما هزهق منك أنتِ هديتي يا ابتهال وعوض ربنا ليا اللي استنيته السنين دي كلها، أنتِ حلم دعيت ربنا في كل صلاة أنه يتحقق، فمش بعد دة كله استغنى عنك عاوزاك ت عـ.ـر.في حاجة واحدة بس إني بحبك ومستحيل اسيبك لوحدك في الطريق من غير ما نكملها سوا .

أدمعت عيناها بتأثر لم تكن تعلم أنه يكن لها كل هذا الحب، أنه يستحق أن يأسر قلبها باستحقاق، طبع قبلة رقيقة على جبينها ثم مسح دمـ.ـو.عها برفق ليقول :- دمـ.ـو.عك دي بتقـ.ـتـ.ـلني بلاش تعيطي ولو في أي مشكلة تعالي أحكيلي.

قال ذلك ثم سحبها لتستقر بين ذراعيه، ويحقق أولى أمنياته بالمزيد من القرب الذي أرقه ليالي، غمرها بحنانه الذي عاهد نفسه بأن لا يسقيها سواه، طمع بمزيد من القرب لينهل من رحيقها لأول مرة.

أصبحت كالهلام بفعل هجومه الضاري عليها، حتى قرر أن يرأف بحالتها تلك وبتعد ليقول بعشق قد فاض :- مش لاقي كلمة تساوي حبي ليكي، بس هخلي الأيام تثبت لك دة .

ثم أضاف بمرح كي يزيل عنها الحرج:- يلا نتعشى أنتِ مش جعانة ولا إيه ؟

ابتسمت بخجل وتوجهت معه مقررة أن تترك كل همومها خلف ظهرها وأن تستمتع بكل لحظة جميلة برفقة هذا الزوج الحنون المراعي .

**********************

عند طه اختلفت الأوضاع تماماً هنا، فها هو يقف مكبل الأيدي برفقة فتاة من المفترض أنها زوجته، شعر بثقل شـ.ـديد يجثم على قلبه فكل شيء على غير هواه .

عكسها هي فتغمرها السعادة وقد أعمتها عن رؤية حقائق الأمور وأبعادها وخاصة ما يشعر به هو نحوها، أخذت تفرك كفيها بتـ.ـو.تر ولا تعلم ماذا تقول أو تفعل، فهو قليل الكلام منذ أن أتت لهنا وعرفت عنه هذا الطبع، لذا التزمت الصمت وهي تزم شفتيها بحنق طفولي فكم تمنت أن تسمع منه عبـ.ـارات الحب مثلما ترى في الأفلام .

أما هو أخذ نفسا عميقا وقد لغى كل حواسه وقد قرر أن ينتقم من آسيا فيه، مثلما تزوجت غيره فها هو قد تزوج غيرها، ومثلما فعلت سيفعل هكذا ظن عنـ.ـد.ما املى عليه قلبه المجروح، قرر أن أن يتعامل بعقله فقط في هذه الليلة كي تمر بسلام .

****************************

على الجانب الآخر تقوم القيامة عند عاصم الذي صرخ بوجهها بغضب، فقد فاض به الكيل :- عاوز أعرف إيه اللي عملتيه دة ف الفرح يا هانم ؟ أنتِ عاوزة توصلي لإيه بالظبط ؟

تساقطت دمـ.ـو.عها الغزيرة وقالت له ببكاء :- دة حقك .

ردد بجنون عاصف :- جاكي كسر حقك جايبالي واحدة بتقوليلي إيه رأيك فيها يا عاصم علشان أتجوزها، أنتِ أكيد أتجننتي.

أردفت بصراخ وقهر نابع من أعماق قلبها الملتاع المتشوق بلهفة بأن يرزق بطفل :- أنت أكيد عاوز أطفال وأنا مش هعرف أجبهملك، فأنا بقولك أتجوز وبعفيك من كل حاجة.

طالعها باستخفاف ليقول :- أنتِ واعية لكلامك دة ؟ هتفرطي فيا عادي هتقبلي واحدة تانية تشاركك فيا بكل سهولة كدة ؟ ردي على أمي .

لم يتلقى منها سوى البكاء بصوت مسموع، فبالطبع لن تقبل أن تشاركها أخرى فيه، ولكنها لا تريده أن يربط مصيره بها فهو قادر على إنجاب الأطفال، أما هي فقد فقدت الأمل في ذلك .

جلس إلى جوارها بتعب فقد خرج الأمر هذه المرة عن طور صبره، يعذرها فهو يعلم بما تشعر به، ولكنها لا تسمع له أبدًا هو راضي بما كتبه الله لهما، ولم يشتك أبدًا من هذا الموضوع أما هي فتوجد عندها حساسية كبيرة تجاه هذا الأمر، لم يستطع أن يتحمل المزيد من بكائها الذي يقطع نياط القلوب، جذبها لتستقر رأسها على صدره بينما تشبثت به هي كالغريق، وهي تقول بتقطع :- نفسي أجيبلك بيبي ونفرح بيه سوا .

ردد بحنو :- حسناء يا حبيبتي أنا مشتكتش وللمرة المليون أنا راضي، كلها مسألة وقت وصدقيني ربنا هيعوضنا كل خير، خلي أملك في ربنا كبير أوعى تيأسي من رحمة ربنا يا حسناء اهم حاجة .

أردفت برجاء :- ونعم بالله يارب .

أردف بابتسامة :- طيب وريني الضحكة الحلوة يلا .

رسمت ابتسامة بصعوبة ليقول بحب :- أيوة كدة يا حبيبتي عاوزك تضحكي وبس كفاية عليا أنتِ، أنتِ بنوتي الشقية الجميلة فاكرة لما كنتي تجري وسط الشارع بشعرك المنكوش .

جعدت أنفها باعتراض قائلة :- أنا شعري منكوش ؟

ردد بضحك وها قد نجح في أن ينزعها من بؤرة حزنها هذه :- يعني أنتِ مش فاكرة منظرك يا سوكة دي الصور تشهد يا قلبي .

أردفت بضيق :- أنا مش سوكة يا عاصم .

أردف بمهاودة :- طيب فاكرة لما كنتي تعملي مصيبة وتيجي عندي وتستخبي وتقوليلي خبيني يا عاصم من طه .

ضحكت بتذكر لتقول :- كنت بغفل عدي ومحمد وأضـ.ـر.بهم وأجري استخبى عندكم .

أردف بضحك :- بتضـ.ـر.بي اتنين أكبر منك يا قادرة، إيه الجبروت دة .

.ردت بغيظ :- ما هما كانوا بيرزلوا عليا وأنا كنت باخد بتاري منهم .

ردد بمرح :- أيا واد يا جـ.ـا.مد أنت .

أردفت بحدة :- أنا واد !

غمز لها بعبث ليقول :- دة أنتِ بطل وسكر محطوط على كريمة .

رددت بضحك :- في دكتور محترم يقول الحجات دي ؟بقلم زكية محمد

ردد بمكر :- بلا دكتور بلا بتاع خلينا في المهم يا بطل .

ردت بحذر :- أنت تقصد إيه ؟

همس لها بخبث :- بقول يا ترى أخوكي بيعمل إيه دلوقتي ؟

شهقت بخجل ما إن فهمت ما يرمي إليه لتقول :- يا قليل الأدب وانت مالك باللي بيعمله .

أردف بضحك وعبث :- ما أنا عاوز أعيد أمجاد الليلة دي مش يمكن ربنا يجعل فيها الخير ونجيب النونو .

لم يتركها تغوص في أفكارها الخاصة، وإنما فعل المستحيل ليبعدها عن مرمى هذه الأفكار البائسة فهي لا يليق بها البؤس تلك الشقية المرحة .

***************************
فتح طه عينيه بكسل وهو ينظر حوله، شعر بثقل على صدره فنظر للأسفل لتقع عيناه على مشهد كالآتي، فتاة تتوسد صدره وخصلات شعرها تغطي وجهها وتفترش صدره أيضًا، توقف للحظات ليستوعب بالأخير أن هذه الفتاة ما هي إلا زوجته، تطلع إليها في صدمة ودقات قلبه تتسارع، نهض بحذر ودون أن تشعر به وخرج بسرعة إلى الصالة، أخذ يذهب ويجيء بانفعال وكأن ما فعله ما هو إلا ذنب عظيم أقترفه، كيف له أن يقترب منها وأن يجعلها زوجته بالفعل ؟

لقد أقترب منها لأنه تخيلها هي في مخيلته ليدرك ما فعله وكأنه كان مغيبًا، جلس يضغط بيده على رأسه وكأنه بهذه الفعلة يحجم سيل الأفكار التي أقامت عقله . بقلم زكية محمد

بالداخل استيقظت سبيل وهي تتمطيء بكسل استغربت عدم وجوده بجانبها، ولكن سرعان ما تلون وجهها بحمرة الخجل، فأحسن صنعًا أنه تركها وإلا كان قد أنهى عليها الحياء، نهضت تغتسل وبعد أن انتهت وقفت على باب الغرفة مترددة تخرج أم تظل مكانها، وفي وسط صراعها ذاك أقتحم هو الغرفة، لتشهق بصوت مسموع وهي تطالعه بأعينها الخضراء الجميلة، بينما وقف هو كالصنم لا يتحرك ولا يتكلم .

أخفضت بصرها للأسفل وهي تلعب بأطراف البيجامة الخاصة بها بتـ.ـو.تر بالغ، بينما تخطاها هو ودلف للمرحاض دون أن ينبت بكلمة واحدة وكأنه فقد النطق، تطلعت لأثره بدهشة سرعان ما تحول لضيق لتقول بخفوت وتذمر :- دة عدى من غير ما حتى يقولي صباح الخير يا سبيل .

قالت ذلك ثم خرجت والغضب الطفولي خاصتها قد تملك منها، وقد تعددت الأسئلة بداخلها .

بدأت تعد وجبة الإفطار وعنـ.ـد.ما انتهت جلست تنتظره، حتى خرج أخيرًا لتعتدل في جلستها وهي تتطلع نحوه تارة وللأسفل تارة أخرى، وجدته يجلس قبالتها ملقيا عليها تحية الصباح وجمود وكأنه واجب عليه فعله، ردت عليه التحية بحب فهي أشبه بالصحراء التي تنتظر قطرة ماء ترويها، لتقول بابتسامة وهي تنوي أن تكسر هذه الحواجز اللعينة التي تقف عائقًا بينهما :- أنا عملتلك الفطار اللي بتحبه سألت ماما شهد قالتلي، ها قولي رأيك إيه بقى ؟

قالتها وهي تضم كفيها إلى صدرها بحماس تنظر له بلهفة طفل بحاجة للحصول على الثناء، لتخرج كلمـ.ـا.ته المختصرة :- كويس .

زمت شفتيها بحنق ومن ثم تابعت طعامها بهدوء، فهذا ليس الرد ولا الكلام الذي توقعته .

فعل هو المثل حيث كان يأكل طعامه بشرود وبداخله يود الفرار من أمامها ومن هذا المكان الذي يخـ.ـنـ.ـقه ببطء .

*******************

مرت الأيام هكذا على الجميع ما بين سعادة وتعاسة، منهم من يحلق وسط النجوم من فرط سعادته، ومنهم من يعيش أيامًا عصيبة .

فسبيل لا تفهمه البتة فهو بعيد كل البعد منها حتى وإن كان يتواجد معها في نفس المكان، تشعر بغربته وضياعه معها حتى قربه منها تشعر وكأنه واجب مدرسي عليه التخلص منه عنـ.ـد.ما يدير ظهره لها، بات لوغريتمـ.ـا.ت من الصعب حلها أو فهمها، يا ليتها عليمة بقراءة الأفكار لسبحت في عقله وعلمت ما يدور فيه، تفكر في ألف سبب عن حالته تلك معها وتختلق له ألف عذر، أكثر ما يضايقها أنه شخص عملي لا يضحك البتة حتى أنها ذات مرة مزحت معه وكان رد فعله بأنها هل مازالت صغيرة على فعل هذه الأشياء ؟ ليصيبها الإحباط منه وتذكرت والدها الذي كان يتقبل جنونها بصدر رحب لتقول باشتياق :- الله يرحمك يا بابا محدش فاهمني غيرك .

************************

ذات مرة لم يعد طه للمنزل منذ الصباح فانتابها القلق الذي أخذ ينهش قلبها خوفاً من أن يصيبه مكروه، مسكت هاتفها القديم وقامت بالاتصال عليه فهاتفها الحديث لا تفقه فيه شيء بعد، ولكن دون جدوى لا يرد عليها مما زاد قلقه عليه، لم تجد حلاً غير أنها نزلت للأسفل إلى حيث شهد، والتي حرصت تمام الحرص أن تكون بشكل طبيعي كي لا تثير ذعر الأخرى عليه أيضًا، جلست معها لترحب بها شهد بحب والأخرى تشعر بمزيد من الألفة والامتنان، فلولا هذه العائلة لا تعلم أين كان مصيرها الآن ؟

بعد حديث بينهن تساءلت سبيل بحذر :- هو …هو طه كان هنا ؟

أومأت بنعم لتقول :- أيوة يا حبيبتي كان هنا من شوية، هو مطلعش فوق ولا إيه ؟

هزت رأسها بنفي وهي تقول بخيبة أمل:- لا مطلعش.

أردفت ببساطة :- تلاقيه فوق على السطح في المرسم بتاعه بيرسم.

لوهلة نست قلقها لتقول بحماس وهي تصفق بيديها بشغف، في ردة فعل أدهشت الأخرى:- الله مرسم ! بجد عنده مرسم ؟

أومأت بنعم وهي تقول بتعجب من هذه الحالة التي تلبستها :- أيوة عنده واحد فوق بيرسم فيه ودة كان بتاعي على فكرة .

نهضت قائلة بفرح :- طيب هطلع أشوفه هناك بعد إذنك .

قالت كلمـ.ـا.تها بسرعة وغادرت مسرعة إلى حيث وجهتها، وصلت للطابق الاخير ووجدت هذه الغرفة التي علمت بوجودها لتوها من أم زوجها، دلفت بحرص وأشعلت الضوء بسرعة ليظهر لها العديد من اللوحات والرسومـ.ـا.ت الرائعة والألوان المرصوصة بعناية ولوحات أخرى فارغة، اتسع فمها بانبهار وقد ظهر حلما آخرا قد أخفته في أعماق قلبها قد اندثر، عنـ.ـد.ما علمت من صعوبة تحقيقه وهي أن تكون رسامة عالمية يأتي الناس من شتى بقاع الدنيا لرؤية لوحاتها الثمينة، تساقطت دمـ.ـو.عها بفرح هذه المرة وبلهفة طفلة أخذت تخلط بعض الألوان ببعضها ناوية أن ترسم، فهي كانت هوايتها المفضلة ولا زالت عنـ.ـد.ما كانت في المدرسة الإعدادية.

قضت وقتا لا بأس به لإنهاء هذه الرسمة لتخرج بشكل جيد، بكونها لا تلم بكل قواعد الرسم وبعد أن انتهت زفرت بتعب لتقوم بتفقد بقية الرسومـ.ـا.ت الخاصة به، حتى وقعت عيناها على لوحة مخفية خلف المقعد لتمسكها بفضول .

ما إن سقطت عيناها عليها وقفت مصدومة بوجه باهت وهي ترى رسمة لآسيا وكلمـ.ـا.ت تحتها تدل على مدى حبه لها لتكون القشة التي قسمت ظهر البعير، وبمثابة الضـ.ـر.بة القاضية التي حطمت فؤادها إلى قطع صغيرة متناثرة قامت بحفر جروح غائرة في سائر جسدها .

بدأ عقلها يعمل والآن فهمت كل شيء، شروده وقلة حديثه والذي كانت دومًا ما تضع له الأعذار وتكذب نفسها، مهلا مهلا هل جعل الجميع منها أضحوكة ولعبة يتناقلونها بين أيديهم ؟

إن لم يكن بحبها إذا لماذا تقدم للزواج منها ؟ ما كان غرضه من الأساس فهل أجبره أبيه على ذلك ؟

ظلت هذه الأسئلة تدور في ذهنها، جلست بقلب مفطور مدمي يتراقص على أنغام الوجع يمشي على زجاج فنزفت جوانبه بكثرة، ظلت تبكي كما لم تبكي من قبل، تنعي نفسها قبل كل شيء يا لها من مغفلة وغـ.ـبـ.ـية عن جدارة كيف صور لها عقلها الصغير أنه يحبها ؟ يا لها من بلهاء بالفعل لقد خدعها الجميع وجعلوها كبش الفداء لكي يشفى ابنهم الحبيب من حبه الأول أما هي فلا بأس بها، يا لها من مذلة وما بعدها مذلة .

أخذت تضحك بشكل هستيري تناغمًا مع تساقط دمـ.ـو.عها الغزيرة، لا تعلم أتبكي على ماذا أم ماذا ؟ تركت المكان ومنه إلى الأسفل حيث منزل هذا الحبيب الذي قطع قلبها إلى أشلاء، دلفت بوجه شاحب شحوب الموتى وهي لا تدري إلى أين تذهب في هذا الوقت المتأخر ولمن ستذهب فهي أصبحت وحيدة بالمعنى الحرفي الآن، فمن ظنت أنهم سيعوضوها عن موت أبيها لتكتشف أنهم استغلوها أسوأ استغلال، نظرت للبيت بنفور ورغبة ملحة بالمغادرة فهي تختنق الآن كلما تواجدت في محيطه، بعد أن كانت تتوق لرؤيته .

وبالفعل خرجت وتوجهت لوجهتها التي تعلم جيداً مسارها، وبعد وقت قصير وصلت لمنزل أبيها وفتحت الباب وغلقته خلفها بإحكام، شعرت بالدفء عنـ.ـد.ما تسللت رائحة منزلهم العبقة والتي ذكرتها بوالدها على الفور، أبيها الذي تمنت أن يكون أمامها لتلقي بنفسها على صدره وتشكو له ما يحزنها، توجهت لغرفة أبيها مباشرة وتكومت على الفراش تستنشق رائحة أبيها العالقة بالوسادة، لتغلق عينيها في محاولة منها لتهرب من هذا الواقع المر .

**********************

لم يعد طه للمنزل بسبب عمله، فهو ذهب لحضور اجتماع عقدته الكلية لأعضاء هيئة التدريس بشكل عاجل ولم يخبر أحد بذلك، ولسوء حظه هاتفه نفذ شحن بطاريته فقرر أن يبلغهم ريثما يصل عندهم في الصباح بذلك وإنه سافر بشكل مفاجئ .

في الصباح عاد من رحلته تلك إلى مسقط رأسه ودلف للشقة الخاصة به، ودلف بهدوء وهو ينظر هنا وهناك فتعجب من هذا الهدوء التام بالمكان، جلس بانهاك وتعب على الأريكة، ثم نظر أمامه بشرود يفكر في حياته تلك وإلى متى سيظل هكذا حبيس ذكريات لن يأخذ منها غير الوجع، نهر نفسه بقوة أن ما يفعله هو أكبر خطأ عليه أن ينظر لحياته ويدع كل شيء خلفه، تذكر سبيل ذات الأعين الخضراء التي لم يرى مثلها من قبل، بها سحر خاص يجذبك عنوة حتى تخضع له، تعجب لنفسه منذ متى وهو يفكر فيها هذه الأنثى بعقل طفل .

لقد ضيع وقته خلف سراب فلو ظل طيلة عمره على حاله لن يحصل على شيء سوى التعاسة والشقاء، هز رأسه بتأكيد فحديث والده على حق يجب أن يرمي هذا الماضي خلف ظهره وأن يتطلع لمستقبله، قرر أن يغير معاملته لها فقد تأكد في هذه الفترة أنها فتاة على خلق عال فلم تكذب أمه حينما اختارتها له، سيزيل جدار التحفظ الذي بناه بينهما وسيتعامل معها بشكل عادي فإن لم يحبها الآن فقد أعتاد على وجودها، وبالتأكيد سيأتي يومًا سيدخل حبها إلى قلبه وسيستولي على جميع أعماق فؤاده .

نهض من مكانه يبحث عنها وهو يخرج من غرفة ويدلف لأخرى حتى انتهى من عملية البحث، واسفرت عن عدم وجودها في المنزل بأكمله، قطب جبينه بتعجب إلى أين ذهبت في هذه الساعة الباكرة ؟

بالتأكيد عن والدته هذا ما قاله في قرارة نفسه، لذا لم يأخذ وقتا ونزل للأسفل ليراها، طرق الباب لتفتحه والدته وهي تبتسم له بحنو، رد عليها تحية الصباح ودلف يجلس معها وهو ينظر للمكان قائلا:- أومال فين بابا يا أمي ؟ بقلم زكية محمد

أجابته بهدوء :- نزل الشغل .

وعنـ.ـد.ما كان سيسألها عن سبيل سبقته هي بقولها الذي صدمه:- كنت فين امبـ.ـارح مراتك جات وسألت عنك ؟ كانت قلقانة عليك أوي .

ردد بحذر :- يعني سبيل مش هنا ؟

هزت رأسها بنعم قائلة :- لا مش هنا دي طلعت علطول بعد ما قولتلها إن عندك مرسم .

هز رأسه بهدوء في بادئ الأمر لتتسع عينيه بذهول عنـ.ـد.ما انتبه لنقطة ما، ليصعد للأعلى بعد أن استأذن من أمه.

وصل للأعلى بسرعة فائقة ودلف للغرفة الخاصة به، وأخذ يمشط بعينيه المكان سريعاً لتقع عيناه على لوحة مرسومة لتوها، وعلى الرغم من عدم احترافيتها إلا إنها نجحت في أن تخرج في القالب المطلوب، توقف لبرهة في حضرة هذه اللوحة والتي تحتوي على رسمة تعبر عنه هو، ملامحه مرسومة بعناية فائقة وهنا تساءل بغرابة هل هي تجيد الرسم بهذا الشكل، وإن كان الأمر كذلك أين تعلمته ؟

خرج من تأمله ذلك ونظر مكان اللوحة ليغلق عينيه بعنف مصحوب بالألم، فها قد حدث ما توقعه لقد رأت هذه اللوحة والتي كان أول شيء سيفعله هو التخلص منها، ولكن يبدو أن الوقت تأخر فقد رأتها وانتهى الأمر، علم ذلك من خلال تغير موضعها فهي لم تكن في هذا المكان .

ترك الغرفة وذهب لوجهته سريعًا حيث منزل والدها، وصل في وقت قياسي وأخذ يطرق على الباب بلهفة وقلق، فهو لا يعلم عنها شيئًا ولا يعرف حالتها التي عليها منذ أن علمت بالموضوع.

بالداخل فتحت عيونها بضعف وهي تتطلع حولها باستيعاب للمكان المتواجدة فيه، أخذت مدة لتفهم أنها في منزل والدها وسرعان ما داهمت ذكريات الأمس التي قضت عليها مخيلتها لتدخل محراب التعاسة والحزم على الفور، فما عرفته ليس بهين على الإطـ.ـلا.ق.

سمعت طرقات الباب العالية لتنهض من مكانها بتعب ومن ثم توجهت لترى من سيقوم بخلع هذا الباب المسكين .

وضعت حجابها على رأسها بإحكام وبعدها توجهت لتفتحه وهي بالكاد ترى، فدمـ.ـو.عها التي زرفتها ليلا جعلت من أعينها جمر احمر حارق يحرقها مثلما يحدث في قلبها .

توقفت بصدمة وهي ترى الماثل أمامها، ازداد الشرخ الذي بداخل قلبها فور رؤيته، بينما نظر لها هو بدقة على غير عادته ولاحظ شحوب وجهها وحالتها التي تنم على إنها ليست على ما يرام، وها هو قد نظر للعشب الذي يتوسط عينيها والذي يحاوطه حمرة شـ.ـديدة .

ربعت يديها أمام صدرها وهي تنظر للأمام تحاول أن تجمع شتات نفسها وتقول ببرود :- نعم !

قطب جبينه بعدم رضا ليقول بصوته الاجش :- إيه نعم دي ! بتعملي إيه عندك ؟

ردت عليه ببرود :- قاعدة في المكان اللي مفروض اكون فيه من زمان .

ازدادت حيرته ليدلف ويغلق الباب خلفه ومن ثم جذبها من ذراعها للداخل لتقول هي بضيق ونفور :- سيب أيدي يا طه .

لم يسمع لها حتى دلفا الصالة وهنا تركها ليقول بغلظة :- ممكن افهم كلامك دة ؟

أردفت بعدم اهتمام :- إيه اللي مش فاهمه يا دكتور طه ؟

ردد بانفعال :- بطلي أم الكلام دة واتعدلي يا سبيل، إيه النغمة دي كمان !

زفرت بتعب لتقول بجرح غائر في أعماق فؤادها الاحمق، الذي سلم طريقا وعرا ولم يحسب أي حسبان لأي طعنة سيتعرض لها في أي منعطف :- اللي جد يا دكتور هو إني فقت بس يا خسارة متأخر أوي بس ملحوقة كل شيء يرجع لمكانه كدة أحسن للكل علشان ترتاح مني كويس .

هم بالحديث لتقاطعه عنـ.ـد.ما أشارت له بإصبعها بأن يتوقف، وأن ينتظرها لتقر بما يكمن في داخلها، وهي تتظاهر بأكبر قدر من الثبات :- أنا عرفت كل حاجة وعرفت قد إيه كنت واحدة غـ.ـبـ.ـية، وغـ.ـبـ.ـية اوى كمان .

إزاي مفسرتش دة من الأول كنت عامية للدرجة دي! سبتكم تلعبوا بيا زي ما أنتوا عاوزين ما هو واحدة ملهاش أهل ولا سند، وماله لما تتسلوا بيا شوية .

خدعتوني كلكم حسبي الله ونعم الوكيل.

صمتت لبرهة قليلة لتقول بصراخ وهي تشير نحو الخارج :- اطلع برة مش عاوزة أشوفك تاني، وياريت ورقة طـ.ـلا.قي توصلي في أقرب وقت كفاية لحد هنا .

ظل يراقب تصرفاتها بصمت فماذا يقول وهي محقة في كل كلمة خرجت من فمها، ولكنه كان سيصلح كل شيء وتفاجئ بأنه وصل متأخرًا.

تحدث بحذر :- سبيل اسمعيني .

هزت رأسها بجنون وهي تدفعه بأن يغادر :- مش عاوزة اسمع حاجة، أمشي من هنا مش عاوزة أشوفك، حـ.ـر.ام عليكم ليه تعملوا فيا كدة ؟ عملت إيه علشان استاهل كدة ؟

تركها تفرغ شحنة غضبها تلك ولم يمانع في أن تدفعه بقوتها الواهية، فإن كان ذلك سيجعلها ترتاح فلا بأس بذلك، أما هي خارت قواها وما عاد بمقدورها أي شيء، لتشعر بدوار رهيب يعصف بها لتترنح وتسقط فجأة .

***************************
كانت ذراعيه الأسرع إذ التقطتهما قبل أن تفترش الأرض، وقد اعتراه القلق من هيئتها تلك وما زاده صدمة هو رؤيته لتلك الدماء التي توجد أسفلها، لم ينتظر كثيرًا إذ حملها بسرعة وتوجه بها بالداخل مددها على الفراش، واتصل بإحدى الطبيبات المعرفة وأملاها العنوان واتصل بعدها بوالدته واخبرها بأن تأتي على الفور لمنزل والد سبيل .

وبعد هنيهة من الزمن حضرت الطبيبة وقامت بفحصها، أما هو بالخارج يذهب ويجيء والقلق ينهش جدران قلبه .

في هذا الوقت أتت والدته فذهب وفتح لها الباب، والتي هتفت بدورها بسرعة ما إن رأته:- في إيه يا طه مالها سبيل ؟

هتف بخوف وهو ينظر للغرفة التي تقبع بداخلها :- مش عارف وقعت مرة واحدة وكانت بتنزف .

شهقت بصدمة لتقول :- نزيف ! ربنا يستر هي فين طيب ؟

أشار بيده على إحدى الغرف وقال :- الدكتورة جوة عندها بتكشف عليها ولسة ما طلعتش لحد دلوقتي.

زفرت بقلق لتقول :- خير يا ابني إن شاء الله.

ظلا هكذا والصمت قد خيم للحظات قبل أن يقطعه خروج الطبيبة، ليسرعا نحوها ويكون هو المتكلم الأول حينما خرجت حروفه القلقة :- عندها إيه يا دكتورة ؟

أردفت الطبيبة بعملية :- ضغطها عالي وحالتها مش كويسة ودة غلط على البيبي، الحمد لله قدرت أوقف النزيف ياريت تبعدوها عن أي حاجة تضر بحالتها النفسية، أنا كتبتلها شوية أدوية وفيتامينات، وطبعًا دة كله متوقف على الاهتمام والرعاية سواء منكم أو منها .

وقف جـ.ـا.مدًا كتمثال معروض في إحدى المتاحف، عقله يعمل ببطء يحاول أن يستوعب هذا الخبر، هل تحمل طفلهما في رحمها وسيصير أبا عما قريب ؟

كان هذا بالنسبة له بينما ارتسمت الفرحة على وجه شهد التي اقتربت من ابنها واحتضنته قائلة بفرح:- ألف مبروك يا حبيبي عقبال ما يجي ينور الدنيا كدة .

ثم استدارت للطبيبة لتقول بلهفة :- هي حامل في الشهر الكام ؟ بقلم زكية محمد

ردت عليها بلباقة :- يدوب شهر وياريت تهتموا بصحتها الحمل لسة في أوله.

أومأت لها بسعادة وأنها ستفعل كل ما في وسعها من أجل ذلك الحفيد المنتظر. غادرت الطبيبة على أمل المتابعة معها شهور الحمل في عيادتها الخاصة .

عاد أخيرًا للواقع ليدلفا سويا إليها ليجدوها ممدة على الفراش تنظر للسقف فقط وكأنها انعزلت عن العالم فما عادت تشعر بما يدور حولها، وما إن رأته أمامها أشاحت بوجهها بعيدًا للجانب الآخر فأسرها طه في نفسه، بينما توجهت شهد نحوها وجلست قبالتها لتمسك يدها بحنو قائلة بفرح :- ألف مبروك يا حبيبتي بصي متعمليش أي مجهود لحد ما تعدي الشهور الاولى.

لم تبدي أي رد فعل وإنما احتلت السخرية معالم وجهها لتقول بتهكم مرير :- متقلقيش حضرتك حفيدكم هيبقى كويس متشلوش هم .

قطبت جبينها بتعجب من كلامها ونبرتها تلك لتقول بحنو :- حبيبتي ليه بتقولي كدة ؟ إحنا خايفين عليكي أكتر من البيبي.

ضحكت بمرار لتقول :- خلاص المسرحية خلصت يا شهد هانم ممنوش فايدة اللي بتعمليه دة، المغفلة الحمارة خلاص عرفت دورها كويس وسطكم .

تدخل هو المرة لينهرها بصوته الغاضب :- سبيل اتعدلي في الكلام .

تساقطت دمـ.ـو.عها بعنف لتقول وهي تستند بظهرها على الوسادة خلفها :- أنا معدولة أوي يا دكتور وعارفة كويس بقول إيه، لو سمحتوا اتفضلوا برة علشان عاوزة أرتاح .

أقترب منها ليجذبها من ذراعها بعنف ألمها وهو يقول :- لا دي طقت معاكي على الآخر.

أردفت شهد بخوف :- طه براحة عليها أنت ناسي إنها حامل، وبعدين في إيه أنا مش فاهمة حاجة ؟

انتبه لهذه النقطة ليقول بغضب مكبوت:- اتفضلي أنتِ يا أمي وأنا هفهمك كل حاجة .

لم تتحرك قيد أنملة بل ظلت تراقب الوضع، استدار هو ليقول لتلك الباكية بغيظ :- ممكن بقى تسمعيني أنتِ مش فاهمة حاجة أديني فرصة أفهمك .

رفعت حاجبها باستنكار لتقول :- هو أنت فاكرني عبـ.ـيـ.ـطة علشان تضحك عليا تاني بكلمتين لا يا أستاذ، خلاص عرفت لعبتكم الوسـ.ـخة دي اللي لعبتوها عليا واستحالة أقبل أكون في الدور دة تاني .

خرج عن طور ثباته ليصـ.ـر.خ بوجهها :- أخرسي ولا كلمة زيادة .

لم تتوقف بل جن جنونها وقالت باندفاع :- لا مش هخرس أنت أحقر بني آدم شفته في حياتي، بتلعب ببنات الناس دة أهلك من نفس فصيلتك موافقينك على اللي بتعمله ……

لم تستطع أن تتكلم بكلمة أخرى إثر صفعته والتي لأول مرة يفعلها بحياته، لقد أوصلته إلى أقصى مراحل غضبه وقد تفوهت بكلمـ.ـا.ت مست كرامته وكرامة عائلته .

نظرت له بصدمة وقد تحجرت دمـ.ـو.عها بعينيها، بينما تقدمت شهد للفصل بينهما وهي تقول بعدم تصديق لفعلة ابنها الغير مرضية بالمرة :- ولد ! أنت إيه اللي هببته دة ؟

ثم توجهت نحو سبيل لتحتضنها وهي تقول بعطف :- حبيبتي معلش هو ميقصدش أهدي أنتِ بس .

انفجرت باكية كطفلة صغيرة لتقول بما جعل ذلك الواقف يشعر وكأنما قام أحد بشطر قلبه إلى نصفين :- بيضـ.ـر.بني علشان مليش حد، بس هقول لربنا وهو هيجبلي حقي منه .

أدمعت عيني شهد بتأثر لتقول :- حبيبتي أنتِ مش لوحدك إحنا سندك ومعاكي .

احتضنتها بقوة فهي بحاجة إلى أن تستمد العون من أحدهم، بينما ظلت شهد تربت على كتفها حتى هدأت ونظرت لها وجدتها قد غفت لتمدد ظهرها بحذر على الفراش وهي تمسح وجهها الغارق بالدمـ.ـو.ع، لتنظر لابنها بلوم ومن ثم قالت بحزم :- تعالى ورايا .

اتبعها قبل يلقى بنظرة حزينة يغمرها النـ.ـد.م على تسرعه، جلس قبالتها لتقول بعدم فهم لمجريات الأمور حولها :- عاوزة أعرف إيه اللي حصل وسبيل ليه بتتكلم كدة ؟

تردد كثيرًا في أن يخبرها بحقيقة الأمر، فلا أحد يعلم بهذا الأمر سوى عدي، هكذا ظن فوالده وهي أيضاً علي علم بذلك، حسم الأمر بالأخير ليتنهد بقوة قبل أن يخبرها بكل شيء، ومن ثم أخذ يقص عليها كل ما يكمن بداخله، وما إن انتهى نظر لوالدته ليرى رد فعلها، إذ وجدها ساكنة لا تبدي أي شيء فهي استقبلت لتوها صدمة من العيار الثقيل لتخرج حروفها بتثاقل :- إيه اللي سمعته دة، معقول يا طه !

دي عندها حق في كل كلمة قالتها، ليه موضحتش دة من الأول أنا كنت عارفة إنك بتحب آسيا قولت لما تتجوز سبيل هتنساها، عندها حق أنا استخدمتها كبش فدا لابني كنت أنانية أوي بصيت لمصلحة ابني وبس.

قالت ذلك ثم انخرطت في البكاء، لينهض هو ويجلس بجانبها ومن ثم احتضنها بخوف عليها ليقول بهدوء :- ماما أهدي أنتِ مش السبب، أوعدك إن كل حاجة هتتصلح.

هزت رأسها بنـ.ـد.م لتقول :- لا أنا السبب بس والله لما لقيت منها قبول عملت كدة هي مرفضتش، يا ربي هتشيلني ذنبها .

ردد بحنو :- يا أمي أهدي مفيش حاجة، أنا اللي غلطان وهصلح غلطتي متقلقيش .

رددت بتيه:- إزاي بس أنا هتكلم معاها وهفهمها، دي حامل وأي زعل وحش عليها وواجبي إني أخد بالي منها .

هز رأسه بتعب ليقول بانتباه :- خليكي جنبها هنا يا أمي على ما أروح أشتري شوية حجات كدة علشان تعمليلها أكل.

أومأت بموافقة لتقول :- حاضر يا ابني متتأخرش أنت بس .

****************************

تنزل إلى الجامعة بوجه باهت فما زال ذلك الموضوع يشغل عقلها، وكيف لا تفعل ذلك فستظل أمنيتها الأولى والأخيرة هي أن تنجب طفلا، فإلى متى سيصبر عليها وإن فعل ذلك هل ستصبر والدته ؟ بالتأكيد لا ستزوجه في أقرب فرصة من أجل أن ترى أطفاله، ابتلعت غصة مريرة تشكلت بحلقها فور تخيلها أنه مع غيره وينجب أولادا من غيرها، هذه الفكرة تقـ.ـتـ.ـلها ببطء .

مرت على منزل والدة زوجها عنـ.ـد.ما وجدته مفتوحا فلا بأس بأن تلقي عليها التحية قبل أن تغادر، دلفت بهدوء للمكان لتقف مرة واحدة متسمرة عنـ.ـد.ما سمعت صوت أم زوجة معتصم تقول بتفكير :- أنتِ بس قولي أيوة والعروسة من بكرة هتكون عندك أنا أعرف بنات كدة زي القمر .

هتفت ندى بشرود فلن تنكر رغبتها في رؤية احفادها من ابنها عاصم ولكن ما ذنب تلك المسكينة العالقة بالمنتصف :- دة موضوع سابق لأوانه يا أم مصطفى محدش عارف بكرة في إيه.

مصمصت شفتيها بعدم رضا لتقول :- يا حبيبتي هتستنوا لحد إمتى ؟ دة متجوز ليه تلات سنين لو معاها خلفة كنا شفناها، أنا كل همي أنتِ وابنك وأنتوا أحرار بعدين .

رددت بضيق من أطفالها الزائد في الموضوع لتقول بحزم :- وايه يعني تلات سنين يا أم مصطفى طالما سعدا مع بعض ربنا يهنيهم وإن شاء الله ربنا يكرمهم بالخلف الصالح إن مكانش السنة دي تبقى السنة الجاية.

قالت ذلك ثم غيرت الموضوع لتصرف انتباهها بعيداً عن هذا الأمر، أما تلك المسكينة التي بالخارج تقف وهي على وشك السقوط من اللطمـ.ـا.ت التي تعرضت لها من الكلام الذي سمعته لتوها، لماذا لا يرحمونها ألا يكفي ما هي فيه ؟

أخذت تتراجع للخلف حتى اصطدمت بإحدى الكراسي لتنتبه لها ندى فنهضت لترى من بالخارج، لتهرب الدماء من عروقها فور رؤيتها لحسناء ودمـ.ـو.عها، همت بالحديث ولكن الأخرى لم تترك لها الفرصة إذ ركضت للخارج بسرعة وصعدت للأعلى للشقة مسرعًا وتغلق الباب خلفها بقوة، لتسقط خلفه باكية بصوت مسموع، ركضت ندى خلفها والتي أخذت تطرق الباب بقوة وهي تسمع لبكائها قائلة بنـ.ـد.م :- افتحي يا حسناء متعمليش في نفسك كدة، متزعليش أنتِ عارفة شخصيتها إزاي متحمليش هم يا عمري أنا مش هخرب بيت ابني بأيدي كفاية أنه مبسوط معاكي، وإن شاء الله يا حبيبتي ربنا يكرمك قريب، في كل صلاة بدعيلك والله، افتحي يا بنتي بردو هتسبيني كدة وأنا ست كبيرة .

بلحظة قامت بفتح الباب وعانقتها بقوة وهي مستمرة في البكاء، لتربت الأخرى على ظهرها بحنو قائلة :- بس أهدي خلاص مفيش حاجة، بطلي دمـ.ـو.ع ولا أتصل بعاصم يجي يشوف شغله معاكي متبقيش هبلة أومال . بقلم زكية محمد

هتفت ببكاء :- أنا مليش ذنب يا ماما ندى .

ردت عليها بحنان :- عارفة يا حبيبتي دي إرادة ربنا واحنا راضيين لازم ترضي علشان يكرمك يا حبيبتي.

أردفت بدمـ.ـو.ع راجية :- ونعم بالله، بس بالله عليكي يا ماما مش تخلي عاصم يتجوز والله هموت لو حصل كدة .

أردفت بسرعة ولهفة :- بعد الشر عليكي متقوليش كدة، هو أنتِ صدقتي كلامها تقول اللي تقوله أهم حاجة إحنا.

ظلت على وضعها ذاك حتى هدأت بشكل ملحوظ، لتنهض مع ندى للداخل وتقضي معها بعض الوقت في محاولة من الأخيرة أن تجعلها تنسى ذلك الأمر ولو لدقائق .

******************************

على الجانب الآخر يقف سفيان أمام المرآة يهنـ.ـد.م ملابسه استعدادا للذهاب للمشفى لمباشرة يومه في العمل، فتحت عينيها بتعب وظلت تتأمله بحب قبل أن تطلق تأوه متألم استرعى انتباهه، التفت نحوها وهتف بقلق :- مالك يا حبيبتي في إيه ؟

كانت سترد عليه لكن اتتها ضـ.ـر.بة عنيفة أسفل بطنها لتصرخ بقوة جعلته ينتفض في مكانه مرددًا وهو يسندها بخوف :- إيه هتعمليها النهاردة ولا إيه ؟

شعرت بتدفق سائل بين قدميها لتقول بوهن وألم:- الحقني يا سفيان شكلي بولد .

حملها مسرعًا وقام بمساعدتها في ارتداء ملابس مناسبة وسط صراخها ومن ثم ركض بها للخارج، وصل بها للمشفى في وقت قياسي وقام بالاتصال بالعائلة أثناء الطريق ليتبعوه هناك .

وبعد دقائق كانت في غرفة العمليات وهو يقوم بإجراء عملية الولادة لها، استقبل ابنه على يديه وسط فرحة عارمة، ليتوجه نحوها وهو يقول بسرور :- أخيرًا شرفت يا أستاذ صهيب .

ابتسمت له وهي تقول :- هات أشوف ابني .

ردد بحذر :- شوية كدة هديه لدكتورة الأطفال تفحصه وهرجعه يكون اتنقلتي لأوضة تانية غير دي حمدا لله على سلامتك يا حبيبتي.

ضيقت عينيها لتقول :- دكتورة وليه مش دكتور ؟

ردد بملل :- يا حبيبتي أنتِ في إيه ولا في إيه ارتاحي دلوقتي.

توجه به للخارج فارتسمت الفرحة على وجوه الموجودين ليتناولوه منه بالتناوب وسط فرحتهم .

********************************

بعد أسبوع تقف والغضب يتآكلها وحقد دفين يوجهها بأن تفعل أي شيء من أجل النيل من سبيل، فلم تستطع أن تفعل ذلك ولكن الآن ها هي تحت عينيها، أخذت تفكر وتفكر حتى ابتسمت ابتسامة شيطانية تنم على أن القادم لا يبشر إلا بكل سوء .

اتصلت على قاسم حتى أتاها رده بصوته الكسول :- نعم عاوزة إيه يا نهلة ؟

جعدت أنفها بضيق ولكن عليها بأن تتحمل غروره وعنجهيته حتى تنفذ ما طرأ على ذهنها، لتقول بغضب مكتوم :- أيوة يا قاسم باشا أنا متصلة بيكي علشان أقولك على خبر هيبسطك أوي.

ردد بملل :- قولي اللي عندك يا نهلة أنا مش فاضيلك .

زفرت بضيق لتقول :- سبيل رجعت بيت أبوها.

اعتدل في جلسته ليقول بانتباه :- أنتِ بتقولي إيه ؟

أردفت بابتسامة انتصار :- رجعت شكلها زعلانة من جوزها وقاعدة هنا ليها أسبوع والفرصة فرصتك دلوقتي تيجي محدش معاها .

نهض من مكانه ليقول بسرعة :- متأكدة إنها لوحدها دلوقتي ؟ بقلم زكية محمد

أومأت بتأكيد لتقول :- أيوة لوحدها ويا تلحق يا متلحقهاش سلام يا باشا .

أغلقت المكالمة وهي متأكدة من أنه سيأتي، فهو لا يزال طامعا بها كلما رأته يسأل عنها وترى في عينيه رغبة قوية نحوها، وبالفعل توجه هو بسرعة البرق للعنوان التي أعطته له في السابق .

وبعد ذلك وصل للمكان المنشود وأخذ يطرق الباب بحذر، تجلس سبيل على الكرسي في انتظار عودة شهد التي لم تتركها حيث تبيت معها بعد إصرارها بعدم العودة وعدم الحديث مع طه، أذعنوا لطلبها حتى لا تسوء حالتها النفسية، وها هي لها أسبوع برفقة شهد التي ذهبت مضطرة لرؤية ابنتها التي أصابها الإعياء فجأة، ليتبين لهم بالأخير إنها تحمل أيضًا طفلاً في شهوره الأولى.

سمعت طرقات الباب فتوجهت لتفتح ربما شهد قد عادت، فتحته لتجد شابا في ريعان شبابه أمامها، قطبت جبينها بدهشة لتقول بغرابة :- نعم !

هتف بإعجاب وهو يتطلع إليها بقوة :- عاوز أتكلم معاكي شوية .

رددت بضيق شـ.ـديد منه :- وأنت مين أصلا علشان أتكلم معاك، اتفضل هوينا يا أخ أنا مش ناقصة بلاوي .

وحينما همت بغلق الباب بوجهه وضع قدمه بسرعة ومن ثم دفعها للداخل ليدخل هو فجأة ويوصد الباب خلفه، لتتراجع هي بصدمة وهي تقول بصوتها العالي :- بتعمل إيه يا جدع أنت أمشي أطلع برة بدل ما أصوت وألم الناس عليك وأقول بيتهجم عليا .

ضحك بخبث حتى ظهرت أسنانه الشبيهة بأسنان الذئب ليقول :- صرخي يلا وأنا هقولهم إنك جيباني هنا بمزاجك.

قال ذلك ليفك أزرار قميصه تحت نظرات الذهول من هذا المـ.ـجـ.ـنو.ن الوقح، لا تصدق ما يحدث أمامها من أين له أن يفعل ذلك ومن هو بالأساس هو ذلك الأهم ؟

ارتجفت شفتيها بقوة لتقول :- أنت… أنت عاوز إيه ؟ ومين أنت أصلا ؟

أردف بمكر :- بقى مش عارفاني ! طيب أنا اللي كنتي رايحاله الفندق، رجعتي ليه في كلامك بقى ؟ بس ملحوقة أهو أنا جيتلك بنفسي علشان نعوض .

أخذت تراجع للخلف وهي تقول بصدمة :- أنت مين قالك على مكاني ؟ أطلع برة أنا ست متجوزة .

ردد بغيظ من هذه الفكرة :- بس متقوليش متنيـ.ـلـ.ـة يلا يا حلوة نمشي الأمور بينا ودي ولا عاوزة فـ.ـضـ.ـيحة ؟

هزت رأسها بنفي وهي تقول :- لا لا نجوم السما أقربلك مني حتى لو وصل إني أموت نفسي مش هتردد .

**********************************
أخذ يتقدم منها بخطوات حذرة وقد راقته شراستها جدًا، بينما كادت هي أن يغشى عليها من الخوف . ركضت بسرعة للداخل قاصدة غرفتها وغلقت الباب سريعًا خلفها بالمفتاح، ليسرع قاسم بالطرق بصوت عالي وهو يقول بعنف :- أفتحي الباب بدل ما أكسره .

لم تسمع له وإنما التقطت هاتفها لتضغط عليه بأنامل مرتجفة على رقم تحفظه عن ظهر قلب وهي تراقب ذلك الذئب الذي يقبع خلف الباب .

وما إن رد عليها فلم يصدق نفسه انها تتصل به، ليسمع ما جعل قلبه يقع بين قدميه حينما صرخت فجأة وهي تردد ببكاء :- طه إلحقني .

لم يحتاج لسماع المزيد إذ ركض بسرعة البرق يطوي الأرض تحت قدميه وشكر الله بداخله أنه مازال بالمنزل ولم ينزل، ألف سيناريو قد تزاحم في عقله حول سبب هلعها ذاك وخوفها، على الجانب الآخر كسر الباب بعد أن آخذ وقتًا يدفع فيه، لتطلق هي صرخة فزع وهي تلتصق بالجدار بذعر .

تقدم منها بضحكة ثعلبية لتقول برجاء :- حـ.ـر.ام عليك أنا معملتش ليك حاجة علشان تأذيني بالشكل دة، أنا… أنا حامل ابني حـ.ـر.ام عليك.

جذبها نحوه ليقول بتصميم :- انسي أنا مستني اللحظة دي من زمان وأبقى عبـ.ـيـ.ـط لو ضيعتها دلوقتي.

أنهى كلمـ.ـا.ته وهم بالاعتداء عليها لتدافع هي عن نفسها وجنينها بكل ما أوتي لها من قوة وهي تصرخ عل أحد يسمعها بالخارج.

وصل طه للمنزل وأخذ يطرق عليه بقوة، وما إن سمع لصراخها غزاه الهلع ودفعه لأن يكسر الباب بعد محاولات عديدة حتى نجح في ذلك، هرول للداخل مسرعًا ليجد أحدهم يحاول الاعتداء عليها، غلت الدماء بعروقها وقام بسحبه ليسقط عليه بوابل من اللكمـ.ـا.ت العنيفة والآخر يدافع ولكنه ليس قويًا كفاية كطه، لم يتركه إلا بعد أن فقد وعيه ولم تظهر معالم وجهه جيدًا.

توجه بعدها وهو يلهث ليجد تلك الباكية تتطلع له بخوف، ولكنها بسرعة ركضت لتتعلق في رقبته بذعر وهي تبكي بصوت مسموع، حاوط خصرها بحماية وهو يحاول أن يهدأ من روعها وغادر بها إلى الغرفة وتوجه لغرفة أبيها، ودلف مجددًا وغاب لبضع ثواني وعاد وهو يحمل ثياب خروج لها وساعدها في ارتدائها ليقول بعدها بصرامة :- يلا قدامي على البيت .

قالها بجدية كبيرة وهي لم يعد لديها قدرة للاعتراض فيكفي الحالة التي تعيشها حاليًا، أتصل بعدي وأحمد ليأتيا للمنزل في غضون دقائق ليقول لهما بجدية :- الواد دة تاخدوه على مخزن البضاعة وتربطوه لحد ما اشوف شغلي معاه .

وبالفعل امتثلا لطلبه بعد أن أخبرها بما حاول فعله .

*********************

عند عاصم قامت القيامة عنـ.ـد.ما علم بالقصة التي صدرت من أم زوجة أخيه، ليقول بحدة :- إزاي يا ماما تسمحيلها إنها تتكلم أصلًا عن الموضوع دة ؟

أردفت ندى بتـ.ـو.تر والتي أخبرته بالأمر، تحت ضغط مارسه عليها لتقر بكل شيء بعدما رأى حالة حسناء المزرية :- يا ابني أنا مسكتش ليها، يعني أنت هتوه عنها .

تدخل معتصم ليقول :- خلاص يا عاصم حصل خير، أنا هكلم آية في الموضوع دة .

ردد بوحشية :- أقسم بالله لو سمعت أي مخلوق بيجيب سيرة الموضوع دة تاني قدامها ما هسكت ولا هيهمني صغير ولا كبير، محدش ليه دعوة دي حياتي أنا مش هو .

أردف معتصم بمهاودة:- طيب خلاص أهدى وكل اللي أنت عاوزه هيحصل.

تحدثت ندى بخفوت :- هي أخبـ.ـارها إيه دلوقتي ؟

ردد بضيق :- زي الزفت ولما معرفتش منها حاجة نزلت عندك أعرف مخبية إيه عني ؟

ربتت على كتفه بهدوء قائلة:- خلاص أديك عرفت وإن شاء الله الموضوع مش هيتكرر، أطلع لمراتك خليك جنبها دلوقتي.

هز رأسه بموافقة ومن ثم صعد للأعلى ليرى تلك المسكينة التي تبدل حالها للأسوء .

**********************

وصلا لمنزلهما الخاص وما إن دلفا أخذ يصـ.ـر.خ بوجهها على ما جعلته يعيشه في اللحظات السابقة :- شوفتي آخرة عنادك وصلت لإيه ؟ لو كنت أتأخرت شوية ولا مردتش على الفون عارفة كان هيحصل إيه ؟ عقلك استوعب دة ولا لسة ؟

قالها بغضب جام كردة فعل على قلقه المضاعف حينما سمع صوت صراخها، وما رآه جعل الدماء تفور في أوردته، بينما هي جلست بإهمال على أول مقعد قبالتها فما عادت قدماها تحملها، وشعور بالخوف وأنها بمفردها قد طغى عليها، لتبكي بصوتها المسموع قائلة:- أنا عاوزة بابا، أنا خايفة.

وكأنها مصرة على تهشيم فؤاده فور سماعه لجملتها تلك، ليهدأ قليلًا فهي بحاجة لأن تشعر بالأمان لا الترويع، زفر بضيق وجلس بجانبها وبدون تردد حاوطها بذراعيه رغم اعتراضها على ذلك لتقول بوهن :- أبعد عني أبعد.

همس بحنو بجوار أذنها :- بس خلاص أهدي أنا جنبك أهو متخافيش .

أقرت بما قـ.ـتـ.ـله حرفيا :- لا أنت مش أماني علشان ما أخافش وعمرك ما هتكون كدة .

لم يتركها رغم ما قالته لأنه يعلم حالتها جيدًا، ليقول بنـ.ـد.م :- أنا آسف.

لم يقولها أبدًا هذه الكلمة لأحد، ولكنها تستحق ذلك الاعتذار .

أردف بهدوء :- سبيل بصيلي .

أذعنت لطلبه لتنظر له ليرى غابات عينيها التي يحاوطها الاحمرار من فرط البكاء ليكمل بتـ.ـو.تر وكأنها ساحرة ألقت عليه تعويذة جعلته يرغب بالتعمق في هذه الغابات ويكتشفها بتمهل:- أنا مديونلك بإعتذار وكمان توضيح بس مش دلوقتي لما تهدي كدة نبقى نتكلم .

أردفت باعتراض :- لا أنا مش عاوزة منك حاجة عاوزة أروح بيت بابا وبس .

تحدث بلهجة لا نقاش فيها:- أنسي الموضوع دة وطلعيه من دماغك استحالة اسيبك تقعدي هناك لوحدك .

ردت عليه بعناد :- لا يعني لا مش هسمع كلامك أنا همشي مش هفضل في بيت واحد مش طايقني، مش هفرض عليك نفسي تاني كفاية أوي لحد هنا .

أردف بحدة طفيفة :- أنتِ بتألفي من دماغك، مين قالك إني مش طايقك ومين قالك إنك فارضة نفسك عليا ؟ شيلي الهبل دة من دماغك ربنا يهديكي.

أردفت بحنق :- ليه شايفني مـ.ـجـ.ـنو.نة بشـ.ـد في شعري.

أردف بضحك :- لا شايفك عيلة وبتتصرفي تصرفات العيال .

ازاحت يديه من حولها لتقول بغيظ :- أوعى كدة بقى، أنا مش بكلمك ولا هكلمك تاني .

ردد بمرح :- مش بقولك عيلة .

وصل غضبها منه إلى منتهاه لتقوم بغرز أسنانها في ذراعه بقوة، وهي تعضه بكل غل وحنق تشعر به تجاهه، بينما يحاول هو أن يبتعد عن مرماها فلا يريد أن يؤذيها لا هي ولا طفله ليقول بغضب مكبوت :- اه يا بنت العضاضة سيبي دراعي هتطلعي بيه في إيدك . بقلم زكية محمد

وفعلا نجح في التحرر منها لتنهض قائلة بصراخ :- علشان تقول عليا عيلة تاني، أنا هروح عند ماما شهد مش هقعد هنا معاك .

رفع حاجبه باستنكار ليقول :- ليه بعض ولا إيه النظام، اتمسى وقولي يا مسا وتعالي عاوزك في موضوع دلوقتي.

لم ترد عليه ووقفت محلها بعناد وهي تنظر للجانب الآخر ليقول بتهديد :- لو مردتيش عليا وسمعتي الكلام هتشوفي مني تصرف تاني .

استدارت لتقول بتحدي :- هتعمل ايه يعني ؟

نهض من مكانه وملامحه تغيرت ولا تبشر بخير أبدًا، بينما هي تقهقرت للخلف حتى اصطدمت بالجدار ليشرف عليها هو بقامته المديدة لتقول هي بخوف من منظره وهي تخفي وجهها بيديها :- متضـ.ـر.بنيش تاني حـ.ـر.ام عليك إيدك تقيلة .

مسك يديها بهدوء ليقول بنبرة لينة وهو يسب نفسه على أنه مد يده عليها في السابق :- سبيل أهدي أنا مش هعملك حاجة، ممكن نتكلم شوية بهدوء .

نظرت له وكأنها مسحورة لتهز رأسها بموافقة، بينما أخذ هو بيدها واتجه إلى الأريكة ليجلسا عليها فقال هو بحذر :- عاوز أعرف مين دة ؟

طالعته ببلاهة وهي تنظر يمينا ويساراً وفي كل اتجاه قائلة :- فينه دة ؟

جز على فكه بقوة ليقول بغيظ :- أقصد مين الشاب دة اللي جيت لقيته في الشقة ؟

هزت رأسها بعدم معرفة لتقول بصدق :- والله ما اعرفه أول مرة أشوفه، بس لما سألته هو مين قالي أنه… أنه…

عضت على شفتيها بخجل ونـ.ـد.م، فها هي تلك الفعلة تطاردها أينما ذهبت، ليقول هو بتساؤل:- قالك إيه انطقي.

أردفت بهمس لم يصل لمسامعه :- قالي أنه نفس الشخص بتاع الفندق .

أردف بصرامة :- مش سامع علي صوتك .

أردفت بصوت أعلى وهي تنظر للأسفل :- قالي إنه نفس الشخص بتاع الفندق، يعني …. يعني ..

قاطعها بتفهم ليرفع عنها الحرج ليقول :- أيوة خلاص فهمت .

رددت بدمـ.ـو.ع :- والله أول مرة أشوفه ومليش دعوة بيه نهائي.

قالتها بخوف خشية أن يشك أن هناك علاقة تجمعهما، لاتفاجئ به وهو يمسك يدها بدعم وقال :- متخافيش أنا هعرف أجبلك حقك منه الكـ.ـلـ.ـب دة كويس وهعرف مين اللي وراه وبردو مش هرحمه، هقوم اعملك أكل .

اتسع فمها حتى كاد أن يصل إلى الأرض من هول الصدمة، طه هو من سيحضر لها الطعام يا لعجب العجاب !

ابتسم هو على فعلتها ليردد بمرح :- أقفلي بوقك في حملة دبان جاية .

أغلقت فمها بحرج لتقول :- لا أنا مش جعانة، مليش نفس .

أردف بإصرار:- يا ستي نفتحهالك الواد اشتكالي منك وقالي إنك مجوعاه.

ردت بغباء وتساءل:- واد مين دة ؟

أردف بغيظ من غبائها ذلك :- واد الجيران يا سبيل ربنا يستر عليه ما يخدش جينات الغباء منك .

نظرت له بحزن وقد ظنت انه يعايرها بأن آخر مراحل تعليمها هي الاعداديه، بينما هو دكتور جامعي وله شأن كبير هكذا ظنت .

طالعها هو بعدم فهم للمحة الحزن تلك التي قرأها في عينيها ليقول :- مالك أنا كنت بهزر معاكي على فكرة متقلبهاش دراما وحياتك .

أردفت بمبالاة :- مش هتفرق كتير .

زفر بضيق ووجد أنه أسلم حل هو أن يدخل يعد لها الطعام، بينما ظلت هي في مكانها لا يصدر منها أي شيء سوى عينيها التي تتأمل الفراغ بشرود .

*****************************

تقف تقى تتحرك بالصغير جيئة وذهابًا، فهو يبكي له فترة طويلة ولا يريد أن يهدأ ومهما فعلت له لا يستجيب لها، تفحصت حرارته بشفتيها لتجدها عادية، إذا ما الذي يـ.ـؤ.لمه ؟

كادت أن تشاركه البكاء ولم تجد حلاً سوى أن تنزل به عند ندى ريثما يأتي سفيان، وأثناء نزولها قابلت عاصم ليرى الصغير يبكي ليسألها باهتمام :- ماله صهيب ؟

هزت رأسها بعدم معرفة لتقول:- مش عارفة ماله مش راضي يسكت مش جعان وغيرتله وكل حاجة بس بردو بيصـ.ـر.خ.

حمله منها بحذر وضمه إلى صدره في محاولة منه لتهدأته ليقول له :- مالك يا بطل بتعيط ليه بس ؟ تيجي نشوف طنط تقى يمكن تسكت معاها .

استدار لتقى ليقول بتـ.ـو.تر :- ممكن ندخل جوة عند تقى يمكن يسكت معاها ؟

وكأنها قرأت ما في لبه لتقول بتأكيد:- أكيد طبعا يلا يا صهيب نروح عند حسناء .

دلفا للداخل ليدخل عاصم وهو يحمل الصغير ويتوجه لحسناء وهو يقول :- تعالي يا حسناء شوفي الأستاذ صهيب مش راضي يسكت ليه كدة ؟

نهضت بلهفة وقامت بحمله بحنو بالغ ثم أخذت تهدهده بذراعيها بلطف بالغ، إلى أن هدأ الصغير وهي تبتسم له بحنو وسعادة، لتقول تقى باندهاش :- كدة بردو يا صهيب تسكت مع حسناء وأنا لا، لا أنا زعلانة منك .

ضحكت حسناء لتقول :- حبيبي صهيب والله، خليه معايا شوية يا تقى .

أردفت بضحك :- ما إحنا جينا نقعد معاكي شوية .

طالعها عاصم بامتنان ليقول بتهذيب :- طيب أنا هدخل جوة أخلص شوية شغل ليا.

تركهم وانصرف للداخل بينما جلست تقى بجوار حسناء التي أخذت تلاعب صهيب بشغف كبير، وتقى تطالعهم بسعادة وبداخلها يتمنى أن يرزقها الله بجنين في أقرب وقت.

********************************

في نفس ذات اليوم ليلًا وقف طه يلهث بقوة، إثر ضـ.ـر.به لهذا الخسيس في محاولة منه لمعرفة من قال له على مكانها وأخبـ.ـارها، ليهرتل الآخر بأنها هي من أخبرته بمكانها ولكنه لم يصدقه البتة، مال عليه ومسكه من تلابيب ملابسه بعنف وهو يقول بقوة :- بردو مش هترد وماله أدينا ورانا الليل بطوله مش ورانا حاجة للصبح.

تدخل عدي ليقول :- كفاية يا طه هتودي نفسك في داهية علشان كـ.ـلـ.ـب زي دة .

أردف بزمجرة :- لا مش كفاية لو طولت إني أخلص عليه مش هتأخر، دة داس على عرضي عاوزني أسقفله ! بقلم زكية محمد

ردد بمهاودة :- ماشي خلاص هنعرف منه كل اللي أنت عاوزه، من رأيي ندخل أبوك في الموضوع.

نظر له بتمعن ليقول :- بس أنا مش صغير أعرف أجيب حق مراتي كويس.

تدخل أحمد ليقول بموافقة:- عدي عنده حق يا طه لازم نبلغ بابا علشان يتصرف.

وبالفعل أخبروا أبيهم ليأتي ويعرف هوية ذلك الفتى كما يعرف أبيه ليفكر بتعقل في الخطوة القادمة .

في اليوم التالي اجتمع أكرم برفقة ياسين وامامهم يجلس الأميري والد قاسم، والذي ينكس رأسه بخجل من فعلة ابنه، فقد أخبروه بما فعله ابنهم وتصرفاته التي زادت عن حدها، ليقول ياسين بحدة :- ابنك مش هتشوفه إلا لما يعتذر عن اللي عمله، ومش بس كدة ميتعرضش لينا تاني ولا نشوف وشه وإلا سمعتك في السوق صدقني كلها كام ساعة وهتعلن افلاسك.

نظر له بهلع من هذه الفكرة ليقول بسرعة :- لا متقلقش يا ياسين بيه أنا ابني هربيه بمعرفتي وصدقني مش هيتعرض ليكم كلكم .

أومأ بضجر ليقول بصوته العالي:- طه هات اللي معاك وتعالى .

دلف طه وهو يجر قاسم الذي ظهر عليه الوهن، لينهض أبيه على الفور ويمسك ابنه وهو يسنده، ليقول أكرم بحزم :- ها يا أميري بيه ؟

هتف الأميري بسرعة وهو يقول لابنه :- أعتذر ليهم يا قاسم يلا وأنا عند وعدي مش هخليه يتعرض ليكم تاني .

وتحت ضغط وافق قاسم بأن يعتذر ليأخذه أبيه ويغادرا على عجالة، وها هو نفذ أول وعد لها يتبقى الأخير إذ تركهم وتوجه لها على الفور، ليجدها تجلس مع أمه ليستأذن منها ويأخذ تلك التي ظهرت على ملامحها الدهشة وسار بها للأعلى.

وعنـ.ـد.ما رأت هذه الغرفة انقبض قلبها، وذكريات ذلك اليوم قد تجسدت أمامها ثانية، كلما اقتربت من الباب خطوة شعرت وكأن هناك ما ينتظرها خلفه وسيقوم بالقضاء عليها، تعثرت في المشي حتى أنها رفضت أن تعبر معه ولكنه أبى أن يترك يديها ليدلفا الغرفة سويا، لتزداد ضـ.ـر.بات قلبها بقوة وهي تنظر له بتوجس .

*****************************
وقف ينظر لها بتمعن ويراقب ردود أفعالها المختلفة، إذ شعر بالغضب من نفسه لأنه هو المسؤول عن الحالة التي عليها الآن، يا ليته عجل بالقرار ولكن لا ينفع النـ.ـد.م الآن فما حدث قد حدث ولا يمكن تغييره .

هتفت باختناق ونفور من هذه الغرفة والتي تحمل ذكرى وأد قلبها هنا :- عاوزة أمشي من هنا .

هتف بهدوء :- مش قبل ما تسمعيني يا سبيل أديني فرصتي اللي مستنيها منك .

جلست على إحدى المقاعد وهي تنتظر ما سيلقيه على أذانها والأهم هل ذلك سيكون في صالحها أم سيكون مسمار آخر يدق في نعشها، بينما هتف وهو يتنهد بعمق :- الكـ.ـلـ.ـب اللي اتعرضلك دة أخدت حقك منه تالت ومتلت، وللأسف عرفنا منه أن اللي وراه هو جارتك دي اللي اسمها نهلة هي اللي حرضته.

شهقت بصدمة وهي تضع يدها على ثغرها، لم تكن تتصور أن تكون نهلة بهذه البشاعة، ولكن ماذا تنتظر من شخصية هكذه فالغدر يجري في دمائها.

أكمل طه بتوضيح :- متقلقيش محدش يقدر يتجرأ يقربلك وأنا موجود ودة وعد مني .

نيجي بقى للمهم أنا لما طلبت منك تديني فرصة قبل كدة وتسمعيني كنت عاوز اوضحلك حجات مهمة جدًا.

صمت قليلًا قبل أن يفصح عما بداخله :- مش هنكر اللي عرفتيه يا سبيل، أيوة كنت بحبها وكنت على أمل إني اخطبها ونكمل مع بعض، بس اللي حصل طلعت إني كنت بحلم هي بتحب غيري واتجوزته، كنت مجروح جدًا ووجعي لسة مخفش .

ماما أصرت إني أتجوز وافقت على أساس انتقم منها، بس مكنتش أعرف نهائي إنك أنتِ العروسة ولما طلعوا بيت أنكل فادي افتكرت أنهم هيجوزوني آسيا وأنها رجعت في كلامها وحصل اللي حصل .

أنا مش عاوزك تحاسبيني من قبل ما أعرفك، أيوة غلطت في الأول في حقك بس حسبتها صح وإن اللي بعمله دة هبل وعـ.ـبـ.ـط وكان لازم افوق من الوهم دة .

عاهدت نفسي إن أول حاجة اعملها إني أتخلص من أي حاجة تخصها سواء في عقلي أو حواليا بس للأسف جيت متأخر.

تعالي شوفي كدة عملت إيه علشان تتأكدي.

قال ذلك ثم خرج بها إلى حيث منطقة لم تكن مسقوفة لتجد كومة من الحطب وتلك اللوحة التي مزقت قلبها ولدهشتها وجدته يشعل النيران فيها ليقول :- من اللحظة دي عاوزين نقفل الموضوع دة ومنجبش سيرته تاني .

قالها ووقف إلى جوارها يراقبان اشتعال النيران في اللوحة وبعض المقتنيات الأخرى، وما إن شبعت النيران وتحولت إلى اللوحة إلى رماد، مسك يدها ودلفا مجددًا للداخل فتعجبت هي من ذلك، ليرفع الستار عن لوحة لتتطلع إليها بانبهار وهي ترى ملامحها هي مخطوطة في هذه المرة .

أردف بابتسامة عريضة:- أول حاجة رسمتها في اللوحة دي عيونك، لقيتني برسمك من غير ما احس الظاهر كدة إن ليهم سحر خطير، أنا مش هكدب عليكي واقولك بحبك سيبيني أقولهالك لما أحسها أنا ومش معنى كدة إني رافضك، عاوز أبتدي معاكي من جديد من أول السطر يا سبيل .

أخذت تتطلع إليه بتيه ودهشة أهذا طه هو من يقول ذلك ؟ يا ليته يعرف كم تهواه على الرغم مما فعله يظل قلبها ينبض باسمه، فكيف تمحي الأيام ما رسخته السنوات وجعلته متينًا في قلوبنا ؟

هزت رأسها بعدم معرفة لتقول:- أنا… أنا مش عارفة أعمل إيه يا طه، أنا تايهة بجد، بس اللي عارفاه مش قادرة أصفالك عادي كدة وأقول ماشي أنت وجعتني فوق ما تتخيل.

ردد بنـ.ـد.م :- أنا آسف يا سبيل وقولتلك اللي قبلك مش تحاسبيني عليه، ليكي اللي معاكي وبس وأنا غلطان وهصلح غلطتي بس أديني فرصة لدة، ممكن ؟ بقلم زكية محمد

أردفت بهدوء :- ربنا يسهل سيبني على راحتي .

أومأ بموافقة ليقول :- تمام ماشي وأنا هحترم رأيك بس بردو مش هتسيبي البيت وتروحي أي حتة، تمام ؟

هزت رأسها بموافقة لينشرح صدره وتنمو بذرة أمل جديدة في أراضيه، وأنها وافقت على إعطائه هذه الفرصة وعليه أن يغتنمها جيدًا وأن يطـ.ـلق السراح لقلبه هذه المرة .

********************************

في منزل عدي إذ عاد من عمله حيث يعمل إلى جوار أبيه في الوكالة بجانب كونه محاسب في إحدى البنوك، دلف للداخل لينشق قلبه حينما رأى ابتهال تبكي، لم تبكِ وقد عاهدها بأن لا تزورها تلك الدمـ.ـو.ع مرة أخرى طالما هو على قيد الحياة، أسرع يجلس نحوها والتقط كفيها يقول بلهفة وخوف :- ابتهال مالك بتعيطي ليه ؟

لم ترد عليه لينظر لأذنها ليجدها لا تضع السماعة، ليكلمها بلغة الإشارة بلماذا تبكي ولماذا لا ترتدي السماعة ؟

أجابته بنفس الإشارة بأنها لا مزاج لها بأن ترتديها، فلا تود أن تسمع أي شيء فيكفي ما تشعر به مخاوف وهواجس زرعها عقلها بداخلها لتصبح أكبر عدو لها تطاردها أينما ذهبت .

مسح دمـ.ـو.عها برفق ليقول لها بأنه سيذهب للداخل ويحضر لها السماعة لأنه يود أن تسمعه فيما سيقوله، وبالفعل عاد بعد ثوان وهو يساعدها في وضعها بإحكام ليقول بعدها برفق :- ابتهال فهميني دلوقتي حالا كنتِ بتبكي ليه ؟ في حد ضايقك ؟

هزت رأسها بلا فقال بحنو :- طيب ممكن تقوليلي مالك بقى ؟

همست بتلعثم:- خايفة .

قطب جبينه بعدم فهم ليقول :- من إيه ؟

ترددت بأن تخبره ولكنها لا تستطيع أن تنام بسبب هذه المخاوف التي تطاردها في صحوها ونومها، أردفت بخفوت :- خايفة ليجي البيبي شبهي ويعاني اللي عانيته، وكمان خايفة ما أخدش بالي منه لما يجي خايفة ما أسمعهوش في مرة وتحصله حاجة ساعتها مش هعرف أعيش أبدًا.

قالتها لتعود لنوبة البكاء التي كانت عليها في السابق، احتضنها بحنو وهو يتفهم شعورها تجاه هذه الأمور ليقول بمرح وهو يحاول أن يخفف عنها :- طيب يا ريت يجي شبهك هو أنا هكره يعني يكون ابني أو بنتي زي القمر كدة .

خجلت من غزله بها ليكمل بجدية :- بصي بقى اسمعيني كويس شيلي المواضيع دي من دماغك ومتفكريش فيها ليه بتحكمي لحاجة سابقة لأوانها، إن شاء الله مفيش حاجة هتحصل من اللي بتقولي عليها دي هي دي بقى الأسباب اللي مش مخلياكي ت عـ.ـر.في تنامي .

نظرت له بدهشة كيف علم بذلك فهي ظنته يكون نائم ليقول بثقة :- أنا قلتلك قبل كدة متخبيش عني حاجة أي حاجة، تيجي تقوليلي عليها نحلها مع بعض مش تقعدي شايلة في نفسك كدة، ممكن حبيبي ياخد باله من نفسه شوية علشان خاطري، أنا اللي ممكن يحصلي حاجة لو أنتِ بعدتي عني أو حصلك حاجة، خلي بالك من نفسك على قد ما تقدري، ممكن ؟

هزت رأسها بنعم ليقول بحب وهو يمسد بيده على شعرها :- شطورة ابتهال حبيبتي، ها بقى عاملة إيه في المذاكرة أنا عاوز امتيازات الترم دة مليش فيه .

ابتسمت باتساع لتقول :- أنا مذاكرة كويس متقلقش .

ردد بتهديد واهي مرح :- عارفة لو جبتي كحك هعمل فيكي إيه ؟

أخذت تضحك على جملته تلك لتقول بغرور مصطنع:- لا على فكرة أنا مش هجبلك كحك أنا هجبلك قرصة كبيرة كدة .

ضحك عاليا وهو يقول:- ابقي جيبي حاجة من دي وأنا هعلقك.

رددت بتذمر :- وأهون عليك يا عدي ؟

أردف بنفي قاطع :- لا يا روح وقلب عدي متهونيش أبدًا عليا، أنتِ أغلى حاجة في حياتي أصلا.

أحمرت وجنتيها بخجل ليقول بمكر :- ليلتنا فل إن شاء الله.

رددت بتوبيخ :- عدي أتلم.

أردف بخبث :- من ناحية هتلم فأنا هتلم أوي حتى شوفي .

قال ذلك ثم اقتطف شهدها الذي بات يدمنه، هي روحه وملتقى شريان قلبه إن انقطع عنه فلا توجد للحياة فائدة أو طعم .

**********************************

تحمل الصغير وهي تسير به في رواق المشفى وهي تبتسم باتساع، في طريقها إلى متيم قلبها ولنكن صريحين أنها أتت فجأة مثلما تفعل الشرطة كي تقبض صاحبها بالجرم المشهود، فسفيان حبيبها لا يخونها ولكن لا تثق فيمن حوله لذا فلعت هذه المداهمة كى تعرف ما يدور خلف ظهرها .

سألت عنه لتعرف أنه في اجتماع، ولكن ما جعل السعير يضرم صدرها هو معرفته أنه يجلس برفقة امرأة وبمفردهما عنـ.ـد.ما سألت إحدى الطبيبات، لتقابلها سالي والتي ابتسمت بخبث ووجدت أنها فرصة لأن تفعل بينهما مشكلة إذ اقتربت منها ملقية عليها التحية لتردها تقى بفتور، لتجلس الأخرى أمامها وهي تقول بغطرسة:- أنتِ أكيد جاية للدكتور سفيان، بس مش فاضي حاليا معاه اجتماع مهم جداً.

ردت عليها من تحت أسنانها:- أيوة عارفة ما هما قالولي . بقلم زكية محمد

رددت بخبث :- وقالولك بردو أنها واحدة ست وصغيرة وحلوة كمان، سوري أنا عارفة إنك غيورة بس الدكتور سفيان مش صغير يعني .

انتبهت حواسها لكلامها لتقول :- صغيرة وحلوة .

أومأت سالي بخبث وها قد وقعت الفريسة في أول شباك الخدعة لتقول مكملة المسلسل الذي اختلقته وهذه البلهاء صدقته بسذاجة :- أيوة الدكاترة كلهم بيحكوا عنها هنا، وكمان مستنيين تطلع من عند الدكتور بفروغ الصبر .

نظرت في ساعتها لتقول ببراءة مصطنعة:- دلوقتي الساعة تلاتة المفروض يكونوا خلصوا من ساعة، مش عارفة ليه أتأخروا جوة .

بدأ عقلها يصور لها أن هذه الطبيبة التي برفقة زوجها تتمايل وتغريه وزوجها المعتوه قد وقع في فخها ولم لا وهو زير نساء من الدرجة الأولى فهي تتذكر جيدا البدايات له .

عند هذه النقطة نهضت وتوجهت لمكتبه لتفتحه بدون استئذان، بينما تطلع بغضب هو لصاحب هذه الفعلة ليجدها تقى، ولم ينتظر قليلًا حتى نهض من مكانه بهلع ليقول بخوف عليهما :- في إيه يا تقى أنتِ كويسة ؟ وصهيب كويس ؟

لم ترد عليه وإنما كانت تنظر بصدمة للطبيبة، فقد كانت امرأة وقورة في عمر أمها أو أكبر، لتتذكر كلمـ.ـا.ت سالي التي سمت بها عقلها، ليحتقن وجهها وكادت أن تبكي لأنها بهذه السذاجة وانعدام الثقة لكي تصدق كلمـ.ـا.ت هذه الشنعاء التي سبقت وأن فعلتها لتخرب حياتهم الزوجية، نظرت لسفيان بنـ.ـد.م وكأنها تخبره بعينيها بأنها آسفة، ولكنه كان هو في عالم آخر حيث انتابه الذعر خشية أن يكون قد حدث لأحدهما مكروه .

كرر سؤاله بصوت أعلى :- تقى ردي عليا في حاجة حصلت ؟

هزت رأسها بتـ.ـو.تر لتقول :- أيوة إحنا كويسين أنا آسفة لو قطعت اجتماعكم .

أردف بحنو :- يعني انتوا كويسين ؟

أردفت بخفوت :- أيوة بخير، أنا آسفة همشي وأسيبكم على راحتكم.

تدخلت الطبيبة لتقول بلباقة :- لا أبدًا تعالي أقعدي إحنا خلاص خلصنا .

أذعنت لطلبها وقامت بالجلوس برفقة الصغير، وهي تتحامل على نفسها بأن لا تبكي أمامهم الآن.

بعد أن غادرت الطبيبة لم تستطع أن تصمد أكثر من ذلك، إذ سرعان ما جرت الدمـ.ـو.ع على وجهها وهي تمسحها بسرعة كي لا يلاحظها سفيان، ولكن هيهات فقد لاحظها هو ليقول بقلق أكبر:- تقى في إيه ؟ أنتِ مش طبيعية.

انفجرت باكية بصوت مسموع، ليقوم بحمل الصغير عوضًا عنها وهو ينظر لها بدهشة كبيرة فماذا فعل لتبكي بهذا الشكل ؟

وضع يده على كتفها بهدوء ليقول :- تقى حبيبتي مالك ؟

احتضنته فجأة لتقول ببكاء :- أنا آسفة يا سفيان متزعلش مني وحياتي عندك .

جعد جبينه بتعجب ليقول:- بتعتذري عن إيه هو أنتِ عملتي حاجة ؟

هزت رأسها بتأكيد قائلة:- أيوة شكيت فيك بس والله هي اللي قالتلي أنها حلوة وصغيرة بس لقيتها ست كبيرة، أنا مش هعمل كدة تاني بس متزعلش مني أرجوك أنا عارفة إني هبلة بيضحك عليا بسهولة بس خلاص هتعلم .

ابتعد عنها بحذر وهو يحمل الصغير ليقول :- استني استني أنا مش فاهم حاجة .

أخذت تقص عليه ما حدث وسط شهقاتها العنيفة الصادرة منها، وما إن انتهت ردد بجمود :- خلصتي خدي ابنك وروحي .

رددت ببكاء :- يا سفيان علشان خاطري …

قاطعها بصرامة وهو يقول:- على البيت يا تقى .

مسكت منه الصغير ومن ثم توجهت للخارج وهي تجر أذيال الخيبة معها، عضت على شفتيها بقهر وهي تنظر لسالي التي أخذت تنظر لها بشمـ.ـا.تة، لتحدجها تقى بغضب ومن ثم تركت المشفى في طريقها للمنزل.

*******************************

بعد عدة أيام تجلس سبيل تتناول طعامها بشراهة، وطه يحدجها بضحك مكتوم من منظرها المضحك، حيث بدت كطفلة لوثت ما حول ثغرها ووجنتيها وهي تأكل الباستا بشهية والتي أعدتها لتوها، نظرت له وجدته يحدق بها كثيرًا لتضطرب بداخلها فقد اعتادت على تصرفاته تلك التي تجعل منها قطعة سكر تود الذوبان في الماء لتختفي .

أردفت بغضب مصطنع تخفي به خجلها :- أنت بتبصلي كدة ليه ؟

هتف بعبث وهو يطالعها :- معجب .

شعرت بتوقف الطعام في حلقها، أخذت تسعل بقوة وتحول وجهها إلى كتلة جمر، ناولها طه كوب ماء وهو يمسكها برفق ويساعدها على تناولها للماء، حتى هدأت حالتها وعادت لوضعها الطبيعي ليقول بضحك :- كل دة علشان قولتلك معجب أومال لو قولتلك إن عيونك يهبلوا هتعملي إيه ؟

اتسعت عيناها بذهول مما يقوله ولوهلة فكرت أن يكون هذا الشخص ليس طه زوجها الذي تعرفه، ليكمل هو بخبث :- إيه دة بتبرقيلي علشان قولتلك حلوين التواضع راح فين ؟

لم تفهم ما يرمي إليه ليقول وهو يمسح فمها وما حوله :- تعالي بقى ننضف اللحوسة اللي أنتِ عملاها في نفسك دي .

أقترب منها وهو ينظف وجهها لتلفح أنفاسه وجهها فانتشرت الحمرة فيه، بالصدفة سقطت عينيها على حاجبه اليمين الذي يزينه جرح أعلاه مر عليه زمن بعيد، تذكرت ذلك جيدًا فابتسمت بخفوت ولم تبدي ذلك له، بينما هتف هو وقد لاحظ أنها تنظر لذلك الجرح ليقول :- الجرح دة ليه تقريباً حداشر سنة كنت ماشي في الشارع وعيل ابن لذينة لطشني بحجر لحد دلوقتي نفسي أعرف هو مين .

قالها بغيظ شـ.ـديد لتنفجر هي ضاحكة بشـ.ـدة، وذكريات ذلك اليوم تعاد بذاكرتها، أما طه الذي لأول مرة يرى ضحكتها التي أنارت وجهها، وها هي ترغمه على الدلوف في عرينها رغمًا عنه بعفويتها تلك، ليقول بوله :- بعيد عن إن ضحتك تجنن متبطليش تضحكي تاني، بس عاوز أعرف بتضحكي ليه ؟

توقفت لتقول بتـ.ـو.تر :- أصلي…. أصل أنا عارفة مين اللي حدفك بالطوبة .

أردف بلهفة :- بجد ؟ مين بقى عندي فضول أعرف مين اللي شوهلي حاجبي بالشكل دة ؟

هي لا تراه تشوه بل هو ليس بتشوه من الأساس، أنه يضيف عليه المزيد من الجاذبية، لتفوق على حديثه وهو يقول بفضول :- ها بقى مقولتيش مين هو دة ؟

*********************************
الخاتمة

أخذت تنظر له بضحك قائلة:- أصل أنا كنت في الشارع وقت ما اضـ.ـر.بت أنت.

نظر لها بدهشة ليقول :- بجد ؟ طيب احكيلي بقى مين ضـ.ـر.بني .

ضمت شفتيها بحيرة في أن تخبره أم لا ولكنها ستخبره فراحت تقول بتذكر وكأن هذا الموقف ماثل أمامها الآن .

عودة بالزمن إلى حيث كان عمرها عشر سنوات فقط، وكانت تلعب مع إحدى جاراتها ليحدث معهما عراك، لتقوم الفتاة بضـ.ـر.بها فتقوم الأخيرة بمسك الحجر وتلقيه عليها، ولكن قبل أن يصيبها ظهر طه من العدم ليصطدم الحجر بوجهه بالتحديد أعلى حاجبه، لتتسع عينيها لتذهب وتختبئ خلف سيارة وجدتها وهي تنظر له بخوف، وهي ترى تلك الدماء تغرق وجهه أخذت دمـ.ـو.عها في الهطول وقد ظنت أنه سيموت، بينما أخذ هو ينظر يمينا ويساراً بغضب فقد كان عائداً من الكلية وقد جرى ما جرى، ذهب مسرعا ليجد حل لتلك الدماء التي تتساقط منه، بينما أخذت هي باقي اليوم في هلع وذعر، وصورته لا تفارق خيالها حتى أنها قضت اليوم وليله ساكنة لا تتحدث ولا تأكل، وفي نومها تقوم صارخة وهي ترى وجهه في حلمها، قلق أباها عليها جدًا ذهب بها للطبيب ليخبره بأنها بصحة جيدة إذا ماذا أصابها ؟

وفي اليوم التالي أخذت تراقب الطريق لتتأكد من أن الفتى بخير، ابتسمت حينما وجدته يمشي في طريقه بشكل عادي، ولكن زمت شفتيها بحزن طفولي حينما وجدته يضع ضمادة موضع الجرح .

فكرت بشكل طفولي بأن تكفر عن خطأها ولكن دون أن يعرف كي لا يعاقبها، فذهبت لوالدها وأخبرته بأن يعطيها مصروفها اليومي لتذهب بعدها لغرفتها وتفتح تلك الحصالة التي تدخر بها بعض النقود التي توفرها، أخذتها جميعها وذهبت لإحدى المحلات قائلة لصاحبه وهي تشير على إحدى الدمى بشكل باظ يطير في إحدى شخصيات الكرتون وهي تقول :- عاوزة اللعبة دي يا عمو .

ناولها إياها وبعد أن أخبرها بثمنها مدت له كل النقود قائلة:- خد دول يا عمو وهما ناقصين خمسة جنيه ينفع تدهاني وأنا والله هديهالك لما احوش المصروف، وافق يا عمو علشان خاطري والله هجبها بس بكرة أخد المصروف من بابا وأجيبوا ليك علطول .

ضحك الرجل عليها ليقول بموافقة:- ماشي يا ستي خدي اللعبة ويبقالي خمسة جنيه .

ابتسمت وهي تقول له بسعادة :- شكرًا يا عمو .

توجهت للمدرسة لينقضي اليوم الدراسي، ون ثم عادت بلهفة لتنتظره في الشارع، وعنـ.ـد.ما رأته قادم ومر أمامها أخذت تسير خلفه بحذر كي لا يلاحظها يدخل الوكالة، نظرت للعبة التي بيدها وفكرت كيف تقدمها له كإعتذار عما بدر منها، خافت أن تعتذر منه فيعنفها ما إن يعلم أنها هي الفاعلة، أخذت تفكر وتفكر حتى اصطدمت به وهو يخرج بسرعة لتقع وهي تتأوه بألم بينما كان هو في حالة مزاجية سيئة ليصـ.ـر.خ بوجهها :- مش تفتحي هو أنا ناقصك أنتِ كمان .

اتسعت عيناها بخوف وهي تراه يصيح بوجهها، لتنكمش حول نفسها في محاولة منها لتجنب بطشه هذه، ليقول هو بعدها فهي طفلة صغيرة لا شأن لها بما حدث ليأخذ بيدها وهو يقول :- معلش أنتِ كويسة ؟

هزت رأسها بنعم لتمد يدها باللعبة لتقول :- خد دي علشانك .

قطب جبينه بدهشة وسـ.ـخرية هل تظنه طفلا لتقدم له لعبة، بينما قالت هي بتـ.ـو.تر :- خليها معاك علشان خاطري .

قالت ذلك ثم فرت هاربة حتى ابتلعها الزحام، هذا ما تتذكره .

بينما حدث بعد ذلك انه نظر هو لما في ده ولأثر الفتاة ليقول بتهكم من تصرفها بعد أن غادرت :- مـ.ـجـ.ـنو.نة دي ولا إيه!

صعد للأعلى بعدها ومنها لغرفته ورمى اللعبة بإهمال في إحدى أدراج الخزانة ولم يلقي لها بالا بعد ذلك.

بينما بالنسبة لسبيل اعتادت أن تراه يوم بعد يوم، وهي تراه يتحسن حتى شفي جرحه تماما.

ومن هذه اللحظة ظل قلبها الصغير يتابعه، حتى كبرت وترعرعت وهي تراقبه في الخفاء، لم تفصح له عن هذه الجزئية احتفظت بها لنفسها، فكيف تخبره أنه يحتل قلبها بكل ما فيه وهي لا تعرف ما قيمتها عنده ؟

عودة للوقت الحالي لم يصدق ما قالته، بينما كانت هي تشعر بمشاعر عدة ما بين الحنين والخجل .

هتف بصدمة :- بقى أنتِ اللي دشملتي الحاجب بتاعي ؟

ابتسمت بخفوت لتقول بتبرير :- مكنتش أقصد على فكرة .

تحدث بمزاح :- وأنتِ تقومي تضـ.ـر.بيها بالحجر يا مفترية!

رددت بغيظ :- ما هي اللي غلطانة وأنا اتعصبت عليها أوي كانت دايما بتضايقني.

ردد بدهشة أكبر:- وأنتِ صاحبة اللعبة اللي خبطت فيها ؟

أومأت بنعم دون أن تنطق ليكمل هو بفضول :- طيب أنتِ أدتيني اللعبة دي ليه ؟

أردفت بتوضيح خجل :- كنت خايفة لتعرف إني أنا اللي عورتك فخفت لتض*ربني وفي نفس الوقت كنت عاوزة اعتزر.

ردد بضحك :- فتقومي تشتري بمصروفك لعبة لواحد عنده عشرين سنة هيعمل بيهم ايه ؟

ردت بتذمر :- ما أنا مكنتش مفكرة كدة بقى، هو …هو أنت صحيح عملت إيه فيها ودتها فين ؟

ردد بخبث :- أديتها للبت ابتهال تلعب بيها عيل صغير أنا.

ظهر الإحباط جليًا على وجهها لتكمل طعامها بصمت فماذا ستنتظر منه أنه سيحتفظ بها، فوقي أيتها البلهاء فأنتِ لا تعلمي مكانتكِ جيدًا .

*******************************

بعد مرور أسبوع استمر سفيان في تجاهل تقى، بينما حاولت هي بشتى الطرق أن تجعله يسامحها ولكنها لاقت ذلك بفشل زريع، أصابها الإحباط والحزن فماذا تفعل لقد جعلت سالي تنتصر عليها ثانية، والخطأ خطأها هذه المرة لا تتعلم منه أبدًا.

جلست بمفردها بعد أن أطعمت الصغير وأبدلت ثيابها، وجلست تنتظره بفروغ الصبر أن يعود فلن تكل من محاولاتها في أن تنال سماحه، سمعت خشخشة بالباب لتعرف أنه أتى فجلست بتـ.ـو.تر وهي تفكر ماذا ستقول هذه المرة .

دلف هو ملقيا عليها التحية باقتضاب ليتوجه للداخل مباشرة، بينما ضغطت على كفها بشـ.ـدة من معاملته لها، جلست مكانها مرة أخرى والكآبة قد سيطرت على ملامح وجهها، ترقرقت الدمـ.ـو.ع في عينيها وأخذت نفسا عميقا ومن ثم نهضت مبتسمة تعد له العشاء ريثما ينتهي من تبديل ملابسه .

بالداخل ذهب ليتفقد ابنه ليجده نائمًا بسلام، انحنى وقبله بحنو ليقول بخفوت وكأنه يشكو له ما يعتريه :- شوفت يا عم صهيب أمك الهبلة اللي مش عاوزة تتغير دي، سايبة واحدة بتملى ودانها أفكار وهي ما شاء الله بتمشي وراها زي العمية، تعبت يا صهيب حاولت مية مرة بس بجد تعبت لأنها زودتها أوي المرة دي . بقلم زكية محمد

ظل الطفل نائمًا ليتنهد بتعب ويقول :- هسيبك أنا وأروح أشوف المـ.ـجـ.ـنو.نة بتاعتي بقى .

قال ذلك ثم توجه ليغتسل وأبدل ثيابه، وبعدها خرج للصالة ليجلس ويتظاهر بأنه يشاهد التلفاز بينما ينظر هنا وهناك بحثا عنها، وجدها تخرج وهي تحمل أطباقًا ترصها بهدوء على المائدة، وما إن انتهت توجهت له قائلة بصوت متـ.ـو.تر :- العشا جاهز .

هتف بجمود وهو ينظر لشاشة التلفاز :- مش جعان .

ضغطت على شفتيها بقهر ومن ثم هتفت بغيظ منه فإلى متى ستستمر في ذل نفسها ويا ليته عفا عنها :- براحتك .

قالت ذلك ثم توجهت هي لتجلس على الكرسي، ومن ثم شرعت في تناول الطعام بمفردها وبشراهة غير مسبوقة منها، سرعان ما تجمعت الدمـ.ـو.ع في عينيها لتسقط وتصدر عنها شهقات متقطعة، وكلما ظهرت شهقة تكتمها بالأكل وهي تشعر بأن الدنيا قد اسودت في وجهها .

شعر هو بها وسمع صوت بكائها المكتوم، لينظر لها ويجدها على حالتها تلك لا يعلم أيضحك على هيئتها أم يحزن على ما وصلا إليه ؟

نهض من مكانه وتوجه ناحيتها وجلس قبالتها، ليجد وجهها المحمر من أثر البكاء واسرعت هي بمسح دمـ.ـو.عها ولكن هيهات فغلبتها الدمـ.ـو.ع وتساقطت رغمًا عنها، لتكره ضعفها ذلك وتستمر في تناول طعامها ولم تتحدث معه .

جلس بجوارها هذه المرة ومسح وجهها الملطخ بالدمـ.ـو.ع، ليقول برفق :- ممكن تبطلي عـ.ـيا.ط ؟

أردفت بدمـ.ـو.ع تأبى الوقوف :- مش عارفة .

لتزداد شهقاتها مع صوت بكائها المسموع، ليرق قلبه الخاضع لعشقها ويحتضنها بحب وهو يقول برفق :- خلاص بطلي عـ.ـيا.ط .

ردت عليه بعتاب :- أنت زعلان مني ومش راضي تصالحني وأنا مش عارفة اعمل إيه.

ردد بتريث وتعقل :- ويا ترى إيه اللي مضايقني ومخليني مصر إني ما أصالحكيش ؟ تقى مش كل حد يقولك كلمة تسلميله ودانك وتصدقيه، خليكي واثقة في نفسك شوية مش كلمتين يهزوكي، أنا مضايق منك علشان مش واثقة فيا زيادة ودة هيأثر على حياتنا .

أردفت بلهفة :- مش هعمل كدة تاني صدقني .

ردد بعتاب :- كام مرة قولتي الجملة دي وبترجعي تاني ؟

رددت بتذمر :- خلاص بقى مش هصدقها تاني الصفرة دي، بس ما أوعدكش لما أشوفها رد فعلي هتكون إيه أنا ممكن أجيبها من شعرها على فكرة .

رفع حاجبه باستنكار ليقول بسخرية من حديث زوجته المبالغ فيه، فهي أبعد من أن تؤذي نملة لتقوم بالمشاجرة مع سالي :- ياه كل دة هتعمليه طيب يا ستي وأنا ساعتها هبقى مبسوط .

رددت بأمل ضعيف:- يعني أنت سامحتني ؟

أومأ بتأكيد:- أيوة بس خلي بالك دي آخر غلطة علشان بعد كدة مترجعيش تقولي يا ريتني، أعمل إيه قلبي مش مطاوعني أبدا .

تعلقت برقبته قائلة بفرح :- أنا بحبك أوي يا سفيان وبغير والله عليك .

ردد بحب :- وأنا عاوزك ت عـ.ـر.في إني بحبك وبس متفكريش تاني في أي حاجة .

أردفت بحذر :- طيب أنت مش هتاكل ؟

ردد بضحك ومرح :- أكل إيه بقى في ديناصور مفترس هنا خلص على كل الأكل.

جعدت جبينها بضيق قائلة:- بقى أنا ديناصور يا سفيان .

ردد بتراجع :- مين بس اللي قال كدة، الأكل زي ما هو أهو كلي يا قلبي بالهنا والشفا وأنا هاكل معاكي.

ابتسمت بسعادة وهي تشاركه الطعام بألفة بينهما بعد أن عادت المياه لمجاريها.

******************************

مرت الأيام بسعادة على الجميع حاول فيها طه بكل جد أن يثبت لسبيل بأنه جدير بها، وهي لا تنكر بأنها كم هي سعيدة بهذا التغير الذي طرأ عليه، وتحسنت حالتها المزاجية كثيرًا عما سبق .

عدي وابتهال يعيشان بسعادة وهو يحاول في كل خطوة أن يجعلها تتغلب على خوفها من القادم .

سفيان وتقى والذي يحاول أن يغير من ثقتها بنفسها للأفضل .

عاصم وحسناء التي سعيدة للغاية بزوجها الحنون والذي لم يخيب ظنها ولو لمرة، ولكن يظل حلم الطفل هو مبتغاها ويعكر صفو حياتها .

*******************

تجلس بتعب على إحدى المقاعد وهي تنتظر مجيئه،

نظرت بحب لبطنها المنتفخة وهي تمسد عليها بحنو لتقول وهي تحدث طفلها :- حبيب مامي عامل إيه ؟ متشوقة أوي أشوفك بعد الأيام بسرعة اللي هتنور فيها حياتنا .

وفي وسط ذلك دلف طه للمنزل بعد أن عاد من العمل وألقى عليها التحية وقبل جبينها بحنو، ثم جلس بجانبها وشـ.ـدها نحوه ليحتضن بطنها قائلًا:- الواد عتريس أخبـ.ـاره إيه النهاردة ؟

أردفت بضيق من هذا اللقب :- كويس بس متقولش على ابني عتريس أنا هسميه سيف .

ردد بنبرة جدية مصطنعة :- لا هو عتريس ودة آخر كلام .

أردفت برجاء وهي على وشك البكاء :- حـ.ـر.ام عليك يا طه عتريس إيه دة كمان، أنت عاوز تعقد الواد من أولها أنا هقول لماما شهد تشوفلها حل معاك، قال عتريس قال .

ضحك عليها بعلو صوته ليقول :- أنتِ بتصدقي أي حاجة اعملك إيه، أنا مش هسميه عتريس هسميه زي ما أم سيف عاوزة .

نظرت له بحب وامتنان قد فاض من عينيها، لتنظر هي وتلاحظ أنه يخفي شيئًا خلف ظهره لتقول بفضول :- إيه اللي معاك دة ؟

ردد بكذب :- ولا حاجة .

نفخت بضيق لتشيح بوجهها للناحية الأخرى، ليبتسم على فعلتها بمكر ليقول وهو يمسك وجهها بأطراف أصابعه جاعلا منها أن تنظر له وهو يقول :- خلاص متتقمصيش بسرعة كدة يا عيلة، أنا كنت عاوز أقولك حاجة . بقلم زكية محمد

تطلعت له بانتباه ليكمل هو بحب :- أنا جاي النهاردة بكامل قواي العقلية علشان أقولك بحبك، بحبك من غير ما حد يفرض دة عليا وبحبك من غير ما تكون مجرد كلمة تقضية مهمة وخلاص، بحبك لأني أنا حاسس بدة فحبيت أقولك على اللي جوايا ناحيتك .

لوهلة ظنت أنها تحلم لتنظر يمينًا ويسارًا عل هناك أخرى وهو يوجه لها هذا الكلام، لتشير على نفسها بدون أن تنطق إن كان يقصدها هي، ليقول بتأكيد :- أيوة أنا بحبك أنتِ ومش حد تاني والكلمة دي ليكي لوحدك ومن هنا ورايح مش هتسمعي مني غيرها .

تساقطت دمـ.ـو.عها بفرح عارم وهي لا تصدق ما سمعته لتوها، هل تحقق حلمها أخيرًا الآن ؟

أخرج من خلفه ما يخبئه لتكون صدمة أخرى من العيار الثقيل، إذ وجدت تلك اللعبة التي أعطتها له في الصغر ما زالت كما هي كما لو أنها جديدة لتوها، لتقول بغرابة :- دي شبه اللعبة اللي اشترتهالك زمان .

ردد بتوضيح:- قصدك هي دي اللعبة بتاعتك .

اتسعت عيناها بذهول ليكمل هو :- اللعبة دي كانت معايا مرمتهاش ولا أديتها لابتهال زي ما قلت، لا حطتها في الدولاب عندي مش عارف ليه احتفظت بيها بس افتكرت كلمتك لما قولتي خليها معاك علشان خاطري، وكأن جملتك أمر وأنا نفذتها بس الحمد لله نفذتها وإلا كنت هنـ.ـد.م أوي.

رددت ببلاهة:- هو أنت بتكلمني أنا ؟

أردف بضحك :- لا بقصد الحيطة اللي وراكي، أيوة أنتِ أومال مين يعني !

أردفت بابتسامة واسعة :- يعني أنت بتحبني أنا مش بقيت بتحب آسيا.

لم يعد يتأثر بها ولا اسمها حينما يسمعه ليقول :- أنا بحب سبيل، سبيل وبس خليكي عارفة دة كويس ويلا بطلي عـ.ـيا.ط بقى متنكديش علينا .

هزت رأسها لتقول بلهفة :- حاضر أهو .

قالتها وهي تمسح دمـ.ـو.عها سريعا وهي تقول بـ.ـارتباك من قربه الزائد:- أنا …. أنت جعان .

ردد بضحك مكتوم:- أيوة أنا أنتِ جعان أوي .

أردفت بسرعة :- حاضر هروح أحضرلك الأكل حالا .

مسك يدها ليقول بخبث :- لا ما أنا هاكل حاجة تانية تعالي بقى أقولك عليها في ودنك .

قربت أذنها منه ببراءة ظنا منها أنه سيفشي لها سرًا، ليقوم بقطف عسلها في رحلة طويلة ليغوصا معا في سماء الحب والسعادة دون وجود لشيء يعكر صفوهم.

*********************************

بعد مرور شهر آخر في المشفى يقف الجميع استعدادا لاستقبال حفيدين للعائلة، حيث ستضع كلا من ابتهال وسبيل أطفالهم.

وبعد أن تمت العملية بنجاح تم نقلهم إلى غرفة واحدة ليحاوطهم أفراد العائلة يبـ.ـاركون لهم .

حملت حسناء ابن أخيها بحب وهي تنظر له بعاطفة جياشة، كبحت دمـ.ـو.عها بصعوبة كي لا يلاحظها الموجودين ومن ثم أعطته لوالدته، لتقوم بحمل ابن سبيل بعدها وهي تضحك له بحب وتلاعبه، فجأة شعرت بدوار عنيف ضـ.ـر.بها وتشوش أمام عينيها فبالكاد ترى الموجودين، كادت أن تسقط بالجنين ليلاحظها عاصم الذي حملها قبل أن تسقط أرضا وطه الذي مسك ابنه بلهفة .

حملها عاصم بخوف وركض بها للخارج، وذهب بها لإحدى الطبيبات لتقوم بفحصها وهو معها لم يتركها خوفا عليها، فبالتأكيد لم تتحمل رؤيتها للأطفال هكذا وفقدت وعيها .

بعد أن فحصتها الطبيبة قال لها عاصم بخوف :- مالها يا دكتورة ؟

ابتسمت له لتقول :- متقلقش حضرتك المدام حامل في شهر ودي أعراض حمل مش أكتر.

فقد النطق للحظات قبل أن يردد بعدم تصديق:- بجد ؟ بجد يا دكتورة حسناء حامل ؟

أومأت بنعم لتقول :- أيوة متأكدة ألف مبروك، متقلقش هي هتفوق كمان دقايق كدة .

تركتهم الطبيبة ليجلس بجوارها وهو يمسك يدها بحب ينتظر أن تستيقظ بفارغ الصبر .

وبعد فترة وجيزة فتحت عينيها وهي تنظر حولها لتنطق اسمه بخفوت ليقول بعشق :- يا روح قلب عاصم ودنيته كلها .

أردفت بتساؤل :- هو إيه اللي حصل ؟

ردد بابتسامة واسعة:- في إن حبيبتي هتبقى أجمل مامي في الدنيا دي كلها .

نظرت له بعدم فهم ليقول :- أنتِ حامل في شهر يا حسناء ربنا كرمنا يا قلبي، شوفتي بعد الصبر جبر إزاي.

أردفت بفرح مختلط مع دمـ.ـو.ع السعادة:- أنا… أنا حامل …جوايا بيبي، هبقى مامي، هيقولي ماما هلعب معاه وأحـ.ـضـ.ـنه .

أردف بغيرة :- حـ.ـضـ.ـن إيه دة كمان أنتِ مش هتحـ.ـضـ.ـني حد غيري أنتِ سامعة ؟

ضحكت بفرح وهي تعانقه بقوة سرعان ما تحول إلى ضحك ثم إلى بكاء، شاركها هو ذلك وحمد الله بداخله على ما كرمه .

انتشر بعدها الخبر بين البقية لتعم فرحة غامرة وسط الحاضرين………

لتمر الشهور بسرعة ويرزقها الله بتوأم ولدين أسمتهما يزن ومازن …..

******************

النهاية

لو خلصتي الرواية دي وعايزة تقرأيي رواية تانية بنرشحلك الرواية دي جدا ومتأكدين انها هتعجبك 👇

تعليقات