رواية حان الوصال هي رواية رومانسية تقع احداثها بين بهجة ورياض والرواية من تأليف امل نصر ( بنت الجنوب ) في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية حان الوصال لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية حان الوصال هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية حان الوصال تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة
رواية حان الوصال من الفصل الاول للاخير بقلم امل نصر
ما بعد الفجر وقبل الصباح، ذاك الوقت الفاصل ما بين ظلام الليل وشروق الشمس، هذا هو وقتها، الذي تجد فيه سكينتها، تصلي الفجر ثم تقف في شرفتها تتمتع بالنسمـ.ـا.ت العليلة مع الهدوء الذي يعم المنطقة الا من بعض الاصوات القليلة للمارة الذاهبين الى شئونهم، ان كان الى عمل او شيء آخر.
تتأمل المباني حولها وتراقب انقشاع الظلام رويدا رويدا حتى تحط الشمس بضيائها وتزين الأرض.
تتنفس هواء نقيًا، بعيدا عن الصخب والمسؤوليات المعلقة في رقبتها.
بهجة…. هذا اسمها وياليتها نالت حظها منه، او ربما كانت تناله قديما ، قبل ان ينكـ.ـسر ظهرها بمـ.ـو.ت الاب، الذي كان سندها رغم طيبته الشـ.ـديدة والتي كانت تصل الى حد السذاجة في بعض الأحيان ، ولكنه كان حنونا ورؤوفا بها، لم يقصر ابدا في واجباته، او يتزوج بأخرى بعد وفاة الأم في ولادة اصغر أبناءه عائشة
لتحمل بهجة المسؤولية معه منذ الصغر ، ثم تتولاها كاملة بعد وفاته في حادث سيارة غادر، لم يعرف أحد بالسائق المتهور الذي دهسه اثناء ذهابه للعمل.
وتبدأ هي مرحلة جديدة تفصلها تماما عن السابق من عمرها، حيث اكتشاف الغدر من اقرب الأشخاص اليها، وانقشاع الغمامة التي كانت تعصب عينيها عن معرفتهم الحقيقية ونفوسهم السوداء، تبًا لتلك الطيبة التي ورثتها عن والدها، وقد كانت من أهم اسباب قهرها في كثير من الأحيان، حتى اشتدت عظامها ونضجت مع مرارة الأيام.
– يا بهجة يا بهجة، انا صحيت يا جميل، فين الفطار؟
كان هذا الصوت المميز لشقيقها، بنبرة خشنة اكتسبها حديثًا مع بدء بلوغه لمرحلة الرجولة رغم صغر سنه.
تحركت لتخرج اليه من غرفتها تهتف بردها:
– حالا يكون جاهز يا سيادة الدكتور المستقبلي، على ما تكون غسلت وشك وصليت الصبح
بعد مدة من الوقت
وقد استيقظ الجميع لتناول الفطور مع بهجة التي اعدته كالعادة قبل ان ترتدي ملابس الخروج للعمل ، وهي الاَن في انتظار البقية لتخرج أخرهم.
خرج شقيقها ايهاب من غرفته اثناء تصفيفها هي لشعر شقيقتها الصغرى، يهديها قبلة قي الهواء وهو في طريقه للذهاب من المنزل:
– سلام يا بيبو ، اركِ اليوم حين اعود .
ضحكت مرددة خلفه:
– ترجع بألف سلامة يا قلب بيبو
بعث لها قبلة اخيرة، ثم اندفع مغادرًا، لتعود هي الى حديث شقيقتها الثرثارة:
– والله زي ما بقولك كدة يا بيبو، بـ.ـنت عمك كانت رايحة جاية تتقصع قدام شادي وتلاغيه بالكلام قدام خطيبته صبا لحد ما كشرتلها وكانت عايزة تفط في كرشها.
– تفط في كرشها كمان، ياه على الفاظك يا ست عائشة، بتجيبيها منين دي يا بت.؟
– من الشارع ههه
تمتمت بها عائشة ردا على شقيقتها، لتتبادلا المزاح لحظات حتى انتهت من عمل ضفيرتين لها، لتتركها بعد ذلك تنظم حقيبتها والجدول الدراسي، ثم تأخذها وتذهب بها،
وقبل كل ذلك، دلفت بهجة لغرفة شقيقتها الوسطى جنات، والتي استيقظت لها فور دخولها تستقبلها
– صاحية يا بيبو اطمني.
– ولما انتي صاحية مبتقوميش ليه؟
تمتمت بها بهجة تضـ.ـر.بها بخفة بالمنشفة القطنية، فضحت لها جنات تقول باستسلام:
– بريح شوية يا ست، لسة راسي تقيلة .
كرمشت بهجة ملامحها بامتعاض مزيف، لتخرج من حقيبتها الصغيرة عدد من الاوراق المالية تعطيهم لها:
– طب خدي يا ختي المصروف على ما رفعتي راسك التقيلة من ع المخدة وقومتي.
– من ايد ما نعدmها يارب.
قالتها جنات وهي تقبلهم برضا، لتتوقف شقيقتها بتأثر،
لهذه الكلمـ.ـا.ت البسيطة التي تتلقاها من اخوتها، فتزيح عن كاهلها المشقات وعلقم الأيام الذي تتجرعه في عملها والتعامل مع غابة البشر ، فتهون عليها الصبر والتضحية من اجلهم .
استدركت فجأة قبل ان تتحرك ، لتسألها بتذكر:
– استني يا هنا ، هو انتي مش عندك برضوا مصاريف جامعة والكارنيه بتاع الطلبة.
تغضنت ملامح جنات بحرج لتعتدل بجذعها قائلة بتهوين:
– مااا مش مهم بقى الكارنيه والحاجات دي ، انا بحاول اتصرف واخش سرقة مع البنات ، وان كان ع الكتب برضوا تدبر ان شاء الله.
ابتعلت بهجة غصة مؤلمة بحلقها، للإحساس العجز الذي يتملكها في كل مرة لا تقدر على سد احتياجات اشقائها، وخجلهم الدائم بأن لا يزيدو عليها من الهموم.
لتتنهد رافعة ذقنها بابتسامة نحو شقيقتها:
– وتدخلي سرقة ليه ولا تحتاجي للسلف من اصحابك الكتب ؟ انا هدبرهم في اقرب وقت أن شاء الله، وانتي متخبيش عني تاني حاجات مهمة زي دي، دا مستقبلك يعني مينفعش التقصير فيه، ولا انك تعرضي نفسك للاحراج او الإهانة من حرس الجامعة لو اتقفشتي من غير كارنيه، سامعاني.
اومأت جنات بطاعة رغم الحـ.ـز.ن الذي يتملكها في كل مرة تزيد بمتطلباتها على شقيقتها الحنون، والتي تضحي بزهرة شبابها من اجلهم ، وحلم الزواج كباقي الفتيات من عمرها قد تبخر ادراج الهواء، بعد صدmتها وتطليقها من ابن عمها الخسيس قبل ان يتم فرحه عليها او يتزوجها، صاغرا لأمر والدته المتجبرة، والتي لم يكف اذاها لهم حتى الاَن.
❈-❈-❈
بعد قليل
كان خروج بهجة من شقتهم في تلك البناية المكونة من أربعة طوابق، يسكن الطابق الارضي الحاجة صبرية مالكة المنزل، وفي الطابق الثاني خميس الراوي وعائلته، اما الثالث فذلك مسكن بهجة واشقائها بعد وفاة الوالد ، فيتبقى الرابع وذلك الذي بني حديثًا منذ سنوات قليلة، ليكون شقة الزوجية لسمير ابن خميس الرواي وابن عم بهجة الذي كانت على وشك الزواج به لولا مـ.ـو.ت الوالد وما حدث من مشاكل بعدها افسدت كل شيء حتى حدث وانفصل عنها، رغم عقد قرانه به لأكثر من شهور، ليتزوج بأخرى، وتنفض هي عنها فكرة الزواج على الإطـ.ـلا.ق، لتقوم على تربية اخوتها ورعايتهم حتى تطمئن عليهم، وقد ساهم هو بغبائه في تأصيل القرار داخلها بعدmا رأت منه ومن عائلته خسه ووضاعة جعلتها تفقد الثقة في جميع الرجـ.ـال.
ولكنها جميلة وليست كامرأة عادية، تمر امام الخلق فتلفت ابصار الجميع نحوها، حتى وهي تتعمد عدm الاهتمام وارتداء الملابس الواسعة التي تفتقر للأناقة،
ولف الطرحة حول وجهها دون نظام، ولكن منذ متى نجحت التغطيه في اخفاء جمال امرأة؟ خصوصا اذا امتلكت الروح الجميلة معها.
نزلت الدرج خلف شقيقتها الصغيرة ، لتفاجأ به كعادته مؤخرًا، يقف في انتظارها، يدعي الانشغال بالهاتف كحجة يستخدmها دائمًا، وعيناه تطالعها بلوعة، يتحرق للحديث معها ، حتى وهو لا يجد منها غير الصد والتجهم ، ونظرة الازدراء، ولكن الشوق يقــ,تــله، ولكن نظرة هذه الصغيرة التي كانت رافعة حاجبها بشر، تجعله يعيد النظر، فكم من مرة جلدته بلسانها اللازع، فيتراجع بخزي، لا يعلم من اين تأتي بهذه الجرأة والجبروت رغم سنوات عمرها التي لا تتعدى الحادية عشر
– ما تيلا بقى يا بيبة، عايزين نخرج من العمارة اللي حررت دي على اول الصبح، والجو فيها بقى ملزق.
كبتت بهجة ابتسامتها بصعوبة، لتواصل السير مع هذه الملعونة الصغيرة، ولسانها الذي ليس ظابط ولا رابط.
اما عنه، فقد تسمر للحظات يكتنفه الذهول، انها سبته بدون حتى ان يتكلم ويأخذ فرصته .
واصلتا الفتاتان سيرهما، في طريق الحارة الشعبية التي نشأن بها، وجاء الدور الاَن في المرور على الوكالة التي كان ابيها شريكًا بها، قبل ان يتوفى، ثم استولي عليها عمها خميس بالحيلة والخداع، مستغلا طيبة شقيقه الفقيد، لأنه لم يفعل حساب هذا اليوم،
تنهدت بحسرة، فلو استمر فقط نصيبهم في هذه الوكالة، لكان وفر عليها المشقة والمذلة في اعمال تسحق كرامتها في بعض الأحيان من اجل اخوتها.
كان في هذا الوقت يتشاجر مع احد الزبائن ويصيح بصوته الجهوري به، لتغمغم هي داخلها:
– صوتك ميطلعش غير برا البيت، انما عند درية المستقوية، حتى عينك متقدرش ترفعها فيها.
تنهدت بيأس لتنفض عن رأسها الفكر المرهق،، وتلتف للأمام، ولكن ابصارها اصطدmت بالضلع الثالث من هذه الأسرة التي تحاصرها من جميع الزويا.
– يوووه علينا ، هيهل علينا دلوقتي ويقول اوصلكم.
خرجت من شقيقتها، وكأنها تقرأ افكارها، لتبزغ ابتسامتها فور ان اقترب منهم سامر عارضا بالفعل:
– صباح الخير على احلى عرايس، متيجو اوصلكم في طريقي.
عبست عائشة تكور شفتيها بضيق لا تخفيه، لتتسع الابتسامة على وجه بهجة، فترفض بزوق:
– تشكر يا سامر، بس انت عارفنا بنحب ناخدها كعابي .
شجعته ابتسامتها الا يستلم متابعًا؛
– يا ستي عارف، بس انا نفسي في مرة تعملوها وتجبروا بخاطري.
هذه المرة جاء الرد من عائشة التي لم تقوى على الصمت اكثر من ذلك:
– يا عم اجبر بخاطرنا احنا وعدينا، المدرسة هتفوتني.
اكتنفه الحرج ليعبر بعتاب ومزاح:
– يا نهار أبيض على لسانك يا عائشة ميفضلش في بوقك نهائي، اتفضلي يا ستي وحصلي مدرستك.
أومأت بهجة تكتم ضحكتها، وصارت عائشة معها تهديه ابتسامة صفراء، لتواصل بعد ذلك المرور مع شقيقتها نحو وجهتهم.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر
حيث الهدوء الذي يعم الأنحاء، في ذاك المسكن الخاص به ، رجل الاعمال رياض الحكيم، وقد استيقظ في ميعاده الصباحي الساعة الثامنة، دون الاحتياج لمنبه او مساعدة من بشر، وكأن الساعة برأسه، يسير بنظام لا يحيد عنه ابدا .
يستيقظ على ميعاده في الثامنة ، يأخذ حمامه الصباحي ، يتناول وجبة الافطار سريعًا، ثم يرتشف القهوة بداخل غرفة مكتبه، حيث يراجع بعجالة على بعض الملفات قبل الذهاب الي العمل، ورغم امتلاكه لصالة للالعاب الا انه لا يدخلها الا مساءًا بعد ان ينتهي من جميع اعماله، ويطمئن على سير العمل بكل دقة.
عملي لدرجة الجمود احيانا والصلف احيانا، لديه اصرار دائم على النجاح بكافة الصور، ولذلك لم يكن غريبًا ان يتشارك العمل مع رجل مقارب لشخصيته وقد عرفه عليه ابن خالته، عدي عزام قبل ان يستقر بتركيا مع زوجته، يراعي مصالح العائلة وينوب عن شقيقه مصطفي صاحب اكبر راس مال في المنطقة.
في هذا الوقت كان يجري مكالمته التليفونية بغرفة المكتب:
– ايوة يا كارم…….. لا انا معاك يا باشا، قريت دراسة الجدوى وشجعتني اوي عشان اغامر معاك…….. طبعا مغامرة، ومش اي حاجة كمان، بس انا واثق في قدراتك، ومعاك ياااا…… ثوانى
قطع فجأة ينهض عن مقعده بالانتباه الى شيء ما، وقد ارتكزت ابصاره لما خلف زجاج مكتبه، وبالقرب من حوض السباحة، لينهي المكالمة على عجالة:
– كارم هكلمك بعدين.
اغلق على الفور وركض ليلحق قبل ان تأتيه كارثة، خرج اليها، ليرى سبب تعاسته ومشكلته الابدية، تجلس على حافة الحوض الرخامية، تطوح قدmيها في المياه باستمتاع، ليكز على اسنانه بغـ.ـيظ مكتوم، ثم صاح بصوته الجهوري، جعلها تنتفض له:
– يا نبوية ، انتي يا للي اسمك نبوية.
اتت المرأة مهرولة على صيحته، مرددة بإذغان وخــــوف:
– نعم يا باشا نعم، تؤمر بأيه.
اومأ لها بعيناه لتفهم على الفور فتذهب سريعًا نحو المرأة:
– يا نهار اسود، انتي ايه اللي جابك هنا؟ ولحقتي امتى تخرجي من الاوضة؟ قومي معايا يا ست هانم قومي.
حاولت المرأة الستينية الاعتراض ولكن نبوية بخبرتها استطاعت مهادنتها، لتنهض معها مستجيبة لسحبها وفور ان اقتربت من رياض بررت بأسف:
– سامحني يا بيه، بس انا والله يدوب رديت ع بـ.ـنتي في مكالمة التليفون، مش فاهمة ساهتني وخرجت امتى؟ .
مد بطول ذراعه امامها كي تذهب بعدm تقبل لعذرها، لتنصاع نبوية لأمره بأسف وتتحرك لتذهب فخرج صوت المرأة الأخرى بعدm اتزان:
– انت شبهه، شبهه.
امتقعت ملامحه بشـ.ـدة، واحمرت عيناه بخطر جعل نبوية تسرع هاربة بها من العقـ.ـا.ب ، ليزفر هو انفاس بحريق ما يشتعل بداخله، وقد فهم على قولها، انها تكرر نفس القول، حتى وعقلها قد ذهب منها، تذكره دائمًا بأبشغ صفة يكرهها، وهو الشبه الكبير بينه وبين والده، الذي كان السبب هو الرئيسي في جنونها، جنون والدته التي احبت رجلا بكل كيانها لدرجة الهوس رغم كل افعاله الخسيسة معها، ثم كانت صدmتها به اكبر من ان يتحملها عقلها .
بعد قليل .
كان قد انتهي من عمله السريع بغرفة المكتب، ليرتدي سترته في طريقه للخروج، فركضت خلفه نبوية توقفه بندائها:
– رياض باشا، يا رياض باشا، دقيقة من وقتك معلش.
توقف يطالعها بأسفل عينيه بجمود لم يؤثر بها، فهي تعلم تمام العلم انه سيأخذ وقته ثم يصفى لها كالعادة، لذلك تجرأت تفاتحه بطلبها على الفور
– سامحني يا باشا، بس انا كلمتك كذا مرة وانت شكلك بتنسى،
تنهد بسأم يقلب عيناه بتفكير مرهق وقد فهم مقصدها، وهذا من اصعب الاشياء على قلبه،
استرسلت نبوية امام صمت الاخر باعتقادها انه قد نسي بالفعل:
– يا سعادة الباشا انا كنت طلبت منك حد يساعدني الفترة الجاية عشان بـ.ـنتي اللي رجعت من سفرها، انا بروح البيت مهدودة مبلحقش اقعد معاها ولا اتهنى بأحفادي منها.
اومأ بأنفاس خشنة:
– حاضر، حاضر يا دادة، هحاول اتصرفلك في واحدة، بس انتي عارفة اني دي من اصعب المشاكل بالنسبالي، مش كل الناس امينة زيك.
– تشكر يا باشا دا من زوقك.
رددت بها بامتنان لاطراءه، ليرتدي هو نظارته الشمسية، ويتحرك للذهاب فورًا نحو اعماله.
❈-❈-❈
والى هذا العاشق الساخط، وقد كان واقفًا يستند على سيارته، يطالع ساعة يده كل لحظات قليلة، فيزفر بضيق لهذا التأخير الملازم لها ، في كل مرة يذهب بها الى مقر عملهم،
ليغمغم داخله بالتوعد لها، حتى تكف عن هذه العادة التي تفقده اعصابه، فهو المعتاد دائمًا على الانجاز والسرعة، يأتي عليه الوقت الاَن ليقف في الشمس منتظرا بالنصف ساعة لهذه ال……..
توقف سيل تفكيره، فور ان ابصرها، تطل من مدخل البناية بابتسامة قادرة على ان ترديه قتيلا، تقترب منه بملابسها الفضفاضة، ترتدي الحجاب الكبير ، ومع ذلك تبقى فتنة متحركة، كيف يستطيع التماسك امام سحرها؟ او منع نفسه ان يسحقها الاَن بضمها بين ذراعيه؟ لقد طال انتظاره ولم تعد به طاقة للتحمل.
عند هذا الخاطر، اشتدت ملامحه، ليرسم الجمود امامها، حتى اذا تلقى تحيتها:
– صباح الفل .
– صباح النور مكنتي استنيتي ساعة ولا ساعتين تاني.
تهكم بها ، ليفتخ لها باب السيارة ، ثم يلتف هو للجهة الاخرى، فيتخذ مقعده خلف عجلة القيادة
وتجلس هي بجواره تشاكسه كعادتها:
– كان نفسي يا مستر شادي، بس انا الصراحه خــــوفت على خطيبي من حرجة الشمس.
مال برأسه ساخرا نحوها، ويداه تدير المحرك
– لا يا شيخة هامك اوي خطيبك، صدقت انا !
– ويعني متصدجش ليه بس؟ هكون بهزر ولا بتمسخر مثلًا
قالتها بدلال كاد ان يفقده صوابه، ليقبض على عجلة القيادة بقوة، يغمض عيناه ويفتحها سريعًا يلتف نحوها بتحذير:
– لمي نفسك يا صبا وبطلي دلعك ده، انا على اخري، فاهماها دي؟ على اخري…. يعني تنشفي نفسك كدة وتسترجلي قدامي، يا حل وعدي من اتفاق ابوكي واصورلكو قتيل…
توقف برهة ليستطرد بانفعال:
– كان زمانك حامل بابني دلوقتي، لكن اعمل ايه في ابوكي بقى؟ الله يجازيه
ضحكت بصوت مكتوم، تزيد من مناكفته:
– حـ.ـر.ام عليك يا شادي تدعي عليه، وافتكر انه مجبركاش على حاجة، هو بس عرض عليك الأمر وانت تبعته بشهامتك.
– متفكرنيش.
هتف بها، ليتابع بتحسر:
– دا انا كل ما افتكر دmي يغلي، طب جدتك ام امك
مـ.ـا.تت والفرح باقي عليه اسبوعين، ابوكي يطلب التأجيل وانا اوافق عشان الشهامة والرجولة، لكن الحداد بقى يستمر لست أشهر، ليه يا عم؟ ابوكي خمني يا صبا وانا لا يمكن انسهاله دي؟
لم تقوى على كبت ضحكاتها اكثر من ذلك، كما تفعل في كل مرة ذكر لها ذلك الامر، والنتيجة كالعادة ازدياد انفعاله، ، ولكنها تعلمت اخماد غـــضــــبه بكلمـ.ـا.تها المعسولة:
– انت جولتها بنفسك يا شادي، عشان هو عارف بشهامتك ورجولتك، ودي عوايدنا اللي طلعنا عليها، مفيش فرح يتم طول ما في حـ.ـز.ن في العيلة، لازم الكل يفرح مع بعض، كيف ما بنشيل الحـ.ـز.ن مع بعض.
ارتخت معالمه، رغم الضيق الذي يدعيه، ليرمقها بنظرة طمأنتها ، قبل ان يعقب بتحدي:
– ع العموم هانت، هو شهر واحد بس اللي فاضل، يفوت زي اللي فاتوا وعلى اخر يوم فيه ان شاء الله نكتب الكتاب،واليوم اللي بعده الفرح على طول، مش هستني دقيقة تاني مهما حصل يا صبا .
– يا سيدي ربنا يمنع الموانع
– ياااارب.
خرجت منه بحرقة اثرت بها، لتغير دفة الحديث بالدخول في موضوع اخر:
– انا كلمت ابويا بخصوص اسبوع ابن رحمة بكرة
– امممم
زام بفمه بترقب لردها، والذي أتى مثلجًا له:
– طبعا وافق، وجالي روحي يا بتي، دا خطيبك دا زينة الرجـ.ـال.
هذه المرة البسمة لاخت على محياه ليعلق بحيرة:
– ابوكي دا بمية حال يا صبا، يعقدها من ناحية ويوسعها من ناحية تانية، كأنه قاصد يشلني.
وكأن ردها الضحك بدون توقف.
❈-❈-❈
عودة الى بهجة والتي فور ان حطت قدmيها بذاك المصنع محل عملها، توجهت على الفور الى رئيستها، مدام صباح، تلك المرأة التي تكن لها كل الاحترام والتقدير، رغم عصبيتها المرافقة لها على الدوام ، ولكن قلبها الطيب هو الغالب، وهذا ما شجعها في طلبها .
– يا ست الريسة، بقولك محتاجة السلفة ضروري، ياريت توصليها النهاردة او دلوقتي لمديرة القسم هنا.
بأعين ضاقت بريبة:
– ومدخليها انتي يا بهجة، ليه مصرة تحشريني حتى في دي.
اجابتها سريعًا وبعفويتها المعتادة:
– بصراحة خايفة منها لترفضني، ما انتي عارفاها ست رافعة مناخيرها في السما ومحدش بيعرف يتكلم معاها، وانا خلقي في مناخيري بصراحة، دي بتخليني اكرر في اسمي كذة مرة عشان تعرفني،
ضاقت عيني صباح نردد باستنكار:
– وعشان كدة بقى بتصدريني انا اتحمل عنجهيتها وكبرها، يا حلاوة عليكي وكمان بتقولهالي في وشي.
تبسمت بهجة بحرج، لتردف بتملق اصبحت تجيده معها هذه الايام:
– ما انتي أكيد بتعملك حساب يا ست الكل،،هو انا في مقامك برضو، عشان خاطري يا ست الريسة، اختي بقالها شهر دخلت الجامعة ولحد دلوقتي لا عارفة تخش كويس من غير كارنيه الطلاب، ولا عارفة تجيب الكتب ومرتب المصنع هنا على ايدك، بيضع كله على مصاريف البيت
اخرجت صباح تنهيدة متعبة تتناول منها الطلب، بوجه تدعي به الجمود، لكن من داخلها، قلبها يقطر ألــمًا على حال هذه المسكينة التي تتحمل ما يفوق طاقتها، من اجل رفعة مستقبل اخوتها، على حساب شبابها وجمالها، وسنوات العمر التي تمر مرور المياه بين اصابع اليد.
– خلاص يا بهجة، هشوف موضوعك واللي فيه الخير يقدmه ربنا
– ونعم بالله .
❈-❈-❈
بنصف يوم العمل تشجعت صباح لتذهب إلى هذه المتعجرفة، والطلب في يدها، وكما توقعت تجاهل كالعادة ولكن هذه المرة يزيد عن الطبيعي، في مراجعة الملفات، والتحدث كل دقيقة عبر الهاتف:
– ايوة يا ميمي اخلص بس شغلي ونتقابل على ميعادنا….. لا بقى متسألنيش عن الوقت انتي عارفة بقى مواعيد رياض باشا….. ماشي هحاول متأخرش.
انهت المكالمة ثم القت نظرة سريعة نحو صباح قبل ان تعود لأوراقها:
– قولتلي بقى عايزة ايه يا صباح؟
زمت المرأة شفتيها بضيق لتعاود الكرة في سرد طلبها:
– يا لورا هانم، انا جيبالك طلب السلفة ده عشان تمضيه ، مش هتعب راسك بأي حاجة تاني.
زفرت الاخيرة تصفق بيدها على الاوراق ، لتتناول هذا الطلب وكي تتخلص من ثرثتها، ولكن وما ان وقعت عيناها على الاسم حتى ضيقت عيناها بتذكر تسألها:
– مش بهجة دي برضوا اللي مضيتلها نفس الطلب، من يجي شهرين؟
على الفور بررت لها صباح:
– ايوة سيادتك بس هي اتعذرت من تاني ودي مسكينة وبتسعى على اخواتها، دا انا لو رئيس المصنع اديها مساعدة من عندي.
ضحكة مكتومة صدرت من لورا لتردد بسـ ـخـــريــة:
– واخدة راحتك اوي انتي يا صباح، بس يا حبيبتي دي مش تكية ، دا مصنع ماشي بالساعة وهي تبوس ايدها وش وضهر انها شغالة وبتاكل لقمة عيشها منه، اما عن السلفة، ف انا اسفة ابلغك ، ان طلبها مرفوض حسب قوانين العمل هنا .
واصلت صباح باستجداء :
– يا لورا هانم انا بقول استثناء، اعتبروها حالة انسانية، البـ.ـنت هالكة نفسها والله وبرضوا مش مكفية مصاريف خواتها
قلبت لورا عيناها، لتزفر بسأم اشعر الاخرى باليأس وقبل ان تعطيها ردها النهائي، تسلل لأنفها رائحة العطر القوية التي تعلمها ، لتنتفض عن مقعدها وتعدل هندام ملابسها، ثم تنثر بخصلات الشعر الكثيف المموج على جانبي رأسها على عجالة، ليعطيها مظهرا جذابا يرضيها، أمام دهشة صباح التي لم تعد تشعر بوجودها من الأساس، حتى اذا دلف بهيبته زادت سرعة الدقات في صدرها، تستقبله بلهفة:
– صباح الفل يا رياض باشا.
– صباح الخير يا نورا.
قالها بجموده المعروف، ليدخل غرفة مكتبه ، فتتبعه هي بتناول الملفات المطلوبة ، وتتذكر صباح فتصرفها بقولها:
– روحي انتي دلوقتي يا صباح شوفي شغلك.
همت المذكورة ان تسألها عن ردها الاخير، ولكن الاخرى لم تعطيها فرصة، وقد سبقتها في الدخول الى مكتب رئيسها.
❈-❈-❈
وبداخل المكتب ، وقفت في انتظار انتهائه من المراجعة والتوقيع على الملفات المطلوبة منه، لتأخذ هي فرصتها بتأمله، وهذه الجاذبية الكامنة في جموده الذي يقارب البرود،
كم من مرة تمنت ان ينظر اليها ويلتفت الى هيئتها المتجددة على الدوام، انها لا تدخر جهدا في هذا الشأن حتى تلفت انتباهه، ترى الاعجاب من الجميع الا هو.
وحتى وبرغم صلة القرية التي تجمعهما، تظل معاملته بحدود حتى لا يزرع داخلها العشم، ولو بغير قصد، قلبه كجدران محصنة، لا يستطيع احد اختراقها .
– لورا
اتت صيحته القوية تخـ.ـطـ.ـفها من سيل افكارها، لتنتبه وتعتذر بأدب:
– اسفة حضرتك، انا معاك اهو.
اعتقدت بأنه انتهى مما يقوم به، ولكنها تفاجأت به متوقف، ويمرر على خده الايسر بتفكير وشرود ، لتتجرأ وتسأله:
– حضرتك لو في مشكلة انا تحت أمرك.
التف لها بعينيه البندقية التي لطالما افقدتها صوابها، يقول بعتب :
– انا فعلا عندي مشكلة، كنت كلمتك عنها قبل كدة وانتي شكلك مهتمتيش.
اشارت على نفسها بجزع:
– انا ساعدتك، معقول! انا يستحيل منفذش امرك في طلب كلمتني فيه.
مالت رأسه نحوها بشيء من سـ ـخـــريــة:
– وجليسة الست الوالدة اللي كلمتك عنها
توقف فاهها مفتوح للحظات قصيرة تذكرت بها الطلب الذي كان منذ الشهر، لتتحمحم، مبررة بحرج:
– انا اسفة يا فنـ.ـد.م اني خذلتك فيها دي، بس انا والله عملت جهدي في البحث في كل المكاتب المشهورة، عمالة ادور ع اللي تليق بدخول القصر عندك ، وتتحمل ااا اسفة يعني… الست الوالدة
عند هذه النقطة اشاح عيناه بضيق انتبهت عليه، فواصلت بدفاعها:
– عملت مقابلة مع يجي عشرين واحدة، وانا احاول اجمع فيهم الصفات المطلوبة، انها تكون نضيفة، ومتفهمة وامينة، وعندها قدرة على الصبر زي نبوية بس للأسف كنت دايما بفشل في البحث، او اللي اكلمها عن الحالة، هي نفسها ترفض.
قالت الأخيرة بصوت خفيض، زاد من ثقل ما يحمله بداخله، يعلم انها مشكلة تقارب المعضلة، ف العثور على واحدة مثل نبوية يعتبر دربًا من المستحيل في هذا الوقت، ولكن المرأة تتحمل فوق طاقتها وحتى وهو يغدق عليها بالأموال بغير حساب، ولكنها في الاخير بشر ولها قدرة على التحمل.
ليوميء بتهكم:
– خلاص يا لورا، افضي انا وادور بنفسى، او اخدلي اجازة من الشغل بالمرة، مدام مش لاقي اللي يسد ورايا
قصد بكلمـ.ـا.ته ان يحفز روح التحدي بداخلها، وهو ما أتى بـ.ـنتائجه على الفور:
– لا طبعا حضرتك، انا من النهاردة، مش هنام ولا هريح دقيقة حتى غير لما الاقي طلبك.
تبسم بخبث وقد وصل لغرضه:
– وانا واثق فيكي يا لورا ، وطبعا مش هوصيكي انه يبقى في اسرع وقت
❈-❈-❈
بعد دقائق خرجت لورا تغلق باب المكتب من الخارج، تزفر انفاسها بتعب، بعدmا كبلت نفسها بهذه المهمة الثقيلة، تعلم ما ينتظرها من مشقة في البحث، وجدولها من الأساس مزدحم هذه الأيام، استعداد لفرح صديقتها الاقرب ميمي
لتتوسع حدقتيها باستغراب، حينما وجدت صباح مازالت في انتظارها ولم تغادر، فسقطت على كرسبها بإرهاق سائلة لها:
– انتي لسة قاعدة مكانك وممشتيش يا صباح
جاء جواب الاخرى:
– ما انتي مردتيش عليا يا لورا هانم، وانا بصراحة عشمانة في مرؤتك، بهجة دي من احسن العمال عندنا ، بتشتغل ورديتين وتهلك نفسها عشان تكفي مصاريف اخواتها
اعتدلت لورا بتركيز وقد استرعت انتباهاها ، فتجاريها لمعرفة المزيد عنها:
– وانتي متشـ.ـددالها اوي كدة ليه؟، لدرجادي البـ.ـنت هماكي.
– طبعا يا لورا هانم، دي زينة البنات والله وحـ.ـر.ام فيها البهدلة، طب اقولك بقى هي تقدر تتجوز من بكرة، عمال كتير زمايلها وموظفين هنا كلموني عنها، لكن هي ابدا، مصرة تكمل تعليم اخواتها وحارمة نفسها حتى من الهدmة الكويسة. صابرة ع المر وراضية ، بس ياريت الناس ترحمها.
– اممم
زامت بفمها تتراجع بجلستها، وتريح ظهرها بتفكير ، ظل لمدة من اللحظات حتى حسمت امرها قائلة:
– طب مدام انتي واثفة فيها اوي كدة، انا عندي عرض احسن من السلفة مية مرة .
تهللت اسارير صباح تسألها بلهفة:
– ايه هو يا لورا هانم؟ قولي ربنا يعمر بيتك يارب .
❈-❈-❈
– جليسة، اشتغل جليسة في بيت راجـ.ـل غريب يا ابلة صباح، معقول!
تفوهت بهجة بالكلمـ.ـا.ت اثناء جلوسها مع المذكورة في وقت استراحة العمال، بجلستها معها على طاولة وحدهم ، تتناول الغذاء بعدد من الشطائر التي تعدهم في المنزل ، حتى لا تزيد عليها التكلفة بشرائهم من كافتيريا المصنع،
ردت الأخيرة والتي كانت متوقفة عن الطعام بقلق داخلها:
– ويعني هو هيشوفك فين؟ دا طول الوقت برا اساسا ، انا اعرف ان الفيلا بتاعته مفيهاش تقريبا غيرها هي الهانم دي، والباقي هما الخدm والحراس ، وتلت اربع ساعات في مبلغ زي ده، فرصة ما تتعوضتش، المشكلة بس…..
– بس ايه؟
زفرت صباح بضيق تجيبها:
– شوفي يا بهجة انا هقولك ع الوضع كله، واشرحلك حالة الست بالظبط، على حسب اللي سمعته، لأن لورا اكيد مبتقولش الحقيقة كاملة، عن الست اللي هتعاشريها لو حصل ووافقتي
❈-❈-❈
مساءًا ،وفي الثامنة بعد المغرب، هذا وقت عودتها من العمل في مصنع الملابس الجاهزة، والذي يعلم عنوانه جيدا ويعلم بوقت خروجها منه، فيأخذ جلسته في شرفة شقته ، ينتظر ان تهل عليه من مطلع الشارع المكشوف امامه.
سمع تأوه من الخلف وخطوات عرف صاحبتها، والتي ما ان اقتربت منه وجهت حديثها اللازع اليه:
– قاعد في البلكونة ليه يا سمير؟ ما تدخل جوا يا حبيبي تحت التكيف، دي حتي القعدة هنا متعبة وتو.جـ.ـع القلب
حرك رأسه بنصف التفافة، رافعًا حاجبه الايسر ليطالعها بطرف عيناه قائلًا بشر:
– خليكي في حالك يا اسراء ومتدخليش في اللي ملكيش فيه، انا اقعد في الحتة اللي تريحني.
بقلب يحترق تطلعت لما اشتدت رأسه وتركزت ابصاره عليه اول الشارع، بعودة المقصودة تتأبط ذراع شقيقها بمحبة تثير الحسد نحوهما من المحرومين مثلها، لتعبر عن حنقها بقهر
– وانا مين يريحني، تعبانة ليل نهار، شغل هنا وشغل تحت عندك اهلك، واختك البرنسيسة قاعدة غير للزواق والدلع، وطبعا مينفعش ارفع عيني فيها، لا الست والدتك تعلقلقي الفلكة وتتهمني اني بغير منها، وانت سواء هنا او هناك في الحالتين مش معايا.
لم يعيرها اهتماما وانتظر بهجة حتى اختفت بداخل البناية ثم رد بعدm اكتراث:
– والله انا كدة ومش هتغير يا بـ.ـنت الناس، عاجبك ولا مش عاجبك انتي حرة.
انه حتى لا يجاملها بالكذب، يغرز سهام كلمـ.ـا.ته السامة بنصف صدرها، ولا يكترث لألــمها، ياله من ظالم .
– هتفضلي كدة بقى، واقفة فوق دmاغي زي صنفور المحطة، اتحركي ياما وهوينا، انا دmاغي عايزة الهدوء ومش ناقص.
مطت شفتبها بابتسامة خالية من أي مرح:
– لا وعلى ايه يا سيدي، انا اصلا تعبانة وعايزة ارتاح، يعني مش مشتاقة اوي للقعدة معاك.
قالتها وتحركت ذاهبة ليطالع اثرها بضيق مغمغمًا:
– في داهية يا اختي،
مصمص بشفتيه متذكرا من تحتل احلام يقظته ومنامه:
– الله يسامحك ياما، انتي السبب.
❈-❈-❈
وفي الشقة اسفلهم
دلفت بهجة برفقة شقيقها الذي مازال متمسكُا بها ، مرحبا بأن تستند على كتفه الذي اصبح يشتد هذه الايام رغم نحافته،
– يا هلا يا هلا، الاستاذ ايهاب مع الكبيرة ذات نفسيها، يا دا الهنا يا ولاد.
ضحك شقيقها وجاء الرد من بهجة التي عبرت عن فرحتها:
– الدكتور ايهاب باشا، خلص دروسه وجاه عندي المصنع يروحني معاه، اسكتي يا بت يا جنات ، البنات هناك كانو هيتجننوا على حلاوته وعلى عيونه الخضرا، وانا اقولهم وسعي يا بت وهي، دا ابني حبيبي مش اخويا وبس .
– حبيبتي يا بيبو ، ربنا ما يحرمني منك.
تمتم ايهاب بالكلمـ.ـا.ت يقبل رأسها بحب، لتعلق جنات بغيرة:
– ايوة يا عم المشاعر الاخوبة الميالغ فيها دي، عايزين ناكل يا حنين، انا قاعدة مستنية بقالي ساعة.
جاء نداء اصغرهم من الداخل هي أيضًا:
– وانا النوم كابس عليا، يعني ممكن انام من غير عشا، ساعتها هيبقى ذنبي في رقبتكم
ولج ثلاثتهم اليها ليجدوها جالسة على المائدة تتناول دون انتظار، ليتمتم ايهاب وهو يسحب احد المقاعد يجلس بجوارها ويشاركها الطعام:
– كل ده وهتنامي من غير عشا يا مفترية، طب سبيلنا حاجة.
انضمت جنات لتشترك معهما، داعيه شقيفتها الكبرى:
– يا للا بسرعة يا بيبو انتي كمان، كيس البانية اللي جايبينوا بالعافيه، هيروح كله في بطون الأوغاد،.
تحركت قدmي بهجة متمتمة لها:
– بالهنا والشفا ليكم انتو التلاتة، انا هروح اغسل ايدي الاول
– خلاص يبقى انا هحتفظ بالطبق لحد ما تيجي.
قالتها جنات ، لتبعد الطبق الكبير بما يحتويه عن متناولهم بالفعل، فتصدر اصوات الاعتراض، مقابل استمتاعها هي بمشاكستهم:
– قولت لا يعني لا يا مفاجيع .
– ويعني انتي اللي عاقلة اوي، دا تلاقيكي واكله نصه اصلا ع البوتجاز.
– برضوا هتصبرو واتفلقوا انتوا الاتنين.
– انتي غلسة اوي يا ست جنات
– ههه عارفة
وقفت بهجة على مدخل غرفتها تتابعهم بشرود، اشقائها الصغار، لم تنـ.ـد.م ابدا على تضحياتها من اجلهم ، لأنهم يستحقون مستقبل افضل من مستقبلها ، حظا افضل من حظها البائس
ولكن قلة الحيلة والعجز عن تحقيق الحد الأدنى لمتطلباتهم، يصيب قلبها بالحـ.ـز.ن، ترى ما السبيل الاُن؟ اتوافق على العرض المقدm لها بمرافقة هذه المرأة التي ذهب عقلها بمـ.ـو.ت زوجها المحبوب واكتشافها لخيانته بعد فوات الاوان، كما اخبرتها رئيستها ام ترفض وتتمسك بأمانها ؟
هذه مشكلة كبيرة ولابد من التفكير بجدية الاَن من اجل اختيار القرار الصائب
↚
تمشطها بعيناها من اعلى رأسها حتى قدmيها في الأسفل، بنظرات غير مفهومة وكأنها تحمل بغضًا ما ، حتى اثارت استفزاز بهجة لتبادلها باستفهام وحنق، فكادت ان تثور بها لولا تدخل صباح التي اكتنفها التوجس هي الأخرى:
– دي بهجة يا لورا يا هانم، زي ما قولتلك، ولا انتي مخدتيش بالك.
حدجتها المذكورة بغـ.ـيظ، تعيد برأسها كلمـ.ـا.ت الأمس عن هذه الفتاة وما تعانيه، حتى جعلتها ترسم بعقلها صورة مخالفة على الإطـ.ـلا.ق لما تراه امامها الاَن، هذه الفتاة ترتدي ملابس باهتة وغير مهنـ.ـد.مة كما توقعت، ولكن البؤس لم يؤثر ابدا في جمال وجهها الطبيعي، والافت بقوة.
الاَن فقط شعرت بتسرعها واخبـ.ـار رئيسها بإيجاد الفتاة المناسبة، ليتها تروت قليلًا قبل اخبـ.ـاره.
– انا افتكرتك يا بهجة، بس المشكلة بقى هي اني نسيت اسمك.
ردا عليها، مطت بهجة شفتيها بابتسامة صفراء:
– سبحان الله يا فنـ.ـد.م، نفس الأمر عملتيه معايا المرة اللي فاتت وانتي بتمضيلي، كنتي كل دقيقة برضوا تسأليني عن اسمي .
– يمكن عشان مش لايق عليكي؟
قالتها لورا ببساطة، وبغير تقدير لما احدثته بداخل هذه المسكينة والتي اقرت على صحة قولها بصوت متألــم:
– عندك حق يا فنـ.ـد.م، بس اعمل ايه انا بقى في حظي، كل واحد بياخد نصيبه، وربنا يرحم والدي اللي سماني كدة .
تألــمت صباح لو.جـ.ـعها ف التفت نحو الأخرى تخاطبها بحسم:
– لورا هانم، احنا متأخرين على وردية الشغل، ياريت تدخلي معانا مباشر على طول.
امتقعت ملامح الاخيرة، تهم بإخبـ.ـارها بالرفض، ولكن منعها صوت الهاتف الذي دوي باللحن المميز الذي تضعه لرقمه، جعلها تأجل لحظات كي تجيبه اولا:
– الوو…. يا رياض باشا تحت امرك
وصلها صوته الغاضب:
– أوامر ايه دلوقتي يا لورا؟ ما تخلصينا وتبعتي البـ.ـنت اللي قولت عليها، انا عايز اشوفها واديها التعليمـ.ـا.ت بنفسي، عشان اطمن كمان بالمرة واشوفها ان كانت تصلح ولا لأ
ابتلعت بتـ.ـو.تر تجيبه بثقل ، وقد فات اوان التراجع الاَن، بعد غبائها والمدح فيها امامه بالأمس قبل ان تراها وتتذكرها:
– حاضر سيادتك، انا هجيبها واجيلك حالا.
قالت الأخيرة موجها نظرتها نحو بهجة، وفور ان انهت معه، وجهت الحديث بحزم اليها:
– اسمعي اما اقولك، انا هاخدك ونروح الفيلا دلوقتي، حسك عينك ترفعي عينك في وش رياض باشا، تسمعي كلامه عينك تبقى في الأرض، وحاولي دايما تتجنبيه، والمكان اللي يقعد فيه تبعدي انتي خالص عنه.
نبوية هتفهمك وهاتدربك قبل ما تعتمد عليكي،
طول الساعات اللي هتقضيها هناك، قعدتك بس مع نجوان هانم، اياكي تسيبها ولا تخليه يشوف خيالك، يا اما هتبقي انتي الجانية على نفسك
لماذا التهديد والوعيد؟
غـــضــــب مفاجيء اعتلى ملامحها لتنقل بنظرة خاطفة نحو رئيستها التي اشارت لها بالتروي، قبل ان تعود إلى الأخرى تهم بالرفض ولكن الحاجة والعوز الجما لسانها، لتكبت بداخلها متمتمة بالاستغفار تدعو الله الصبر، ثم تتبع هذه المـ.ـجـ.ـنو.نة التي لململت متعلقاتها تخبرها على عجالة :
– ورايا على طول عشان اوصلك، عند الباشا اللي منتظرنا
❈-❈-❈
وفي منزله وقد ضاق ذراعًا بتأخر لورا والجليسة الجديدة هذه الدقائق القليلة، رغم استغلاله الوقت في مراجعة احد الملفات، ولكن هذا لا يمنع الضجر من البقاء في هذا المنزل الكئيب، والذي تقريبا يأتي ويخرج منه كرواد الفنادق ساعة النوم والراحة والطعام.
فوالدته العزيزة لا تقصر ابدا بأفعالها حينما تجده امامها.
زفر بحنق ليتناول الهاتف يتصل باحد الارقام عليه:
– الوو يا كارم، قولي ايه الاخبـ.ـار؟
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تقلها مع هذه المرأة التي التزمت الصمت، واضعة تركيزها في قيادة السيارة ، ومتابعة الطريق، النظاره على عيناها ، ترديد مع صوت المذياع والاغاني الأجنبية، متجاهلة بهجة، وكأنها ليست معها على الإطـ.ـلا.ق،
لتشرد بهجة في التفكير بشأنها، وعقد المقارنة الهائلة بين ما ترتديه من عباءة سوداء باهتة وما ترتديه الأخرى من ماركات باهظة تعلمها جيدا ولكن لا تستطيع حتى الحلم بها، ما أصعبها من مقارنة، حذائها المهتريء مقابل حذاء يلمع كالذهب ، كل شيء بها يثير الحسرة بقلب واحدة مثلها
حرمت من كل تشتهيه الانثى في عمرها، منذ وفاة والدها، وبعد استيلاء عمها على نصيبه في الوكالة ، ليتبقى فقك معاش التأمين والذي لا يكفي حتى الطعام لاربع افراد منهم طفلة تحتاج التغذية حتى تنمو جيدا، عادت برأسها لتنظر من النافذة وتتذكر حديث مر منذ سنة حينما كانت في منزلها في يوم عطلتها الوحيدة
يوم الجمعة
فدوى صوت جرس المنزل، لتسبقها عائشة في فتح الباب ومعرفة الطارق:
– ابلة صفية.
– ازيك يا حلوة يا ام لسان طويل وحشاني.
هللت عائشة بصوت عالي وصل الى شقيقتها:
– ابلة صفية صاحبتك يا بيبة .
اندفعت بهجة بلهفة انستها ما ترتديه، لترحب بصديقتها من الحي المجاور سابقًا، قبل ان تنتقل الأخرى مع اسرتها لمنطقة اخرى ارقى واهم، وذلك بالطبع بعد ان من الله عليهم من فضله .
توقفت في نصف الصالة وقبل ان تصل إليها وتستقبلها، لتبتلع ريقها باضطراب، وقد اجفلت على هيئتها الراقية وتلك الملابس الرسمية لمحامية بعد تخرجها واستلام العمل، هذا الحلم الذي طار ادراج الهواء منها في نصف طريقها اليه .
ليخرج صوتها بحرج:
– اهلا يا صفية، نورتي بيتنا المتواضع.
تبسمت المذكورة بطيبة تعاتبها:
– هو دا سلامك يا خسيسة، كدة من ع الباب.
قالتها واقتربت بخطواتها لتحتضنها بشوق ومحبة اثرت ببهجة، لتغلبها دmعه خائنة هبطت من عيناها، فتلتقطها سريعًا بإبهامها، قبل ان تصل لأعلى كتف الأخرى فتفضح تماسكها الواهي.
وصفية تشـ.ـدد من احتضانها متمتمة:
‘ حشـ.ـتـ.ـيني و اوي يا صاحبتي، انا عارفة اني قصرت في الفترة اللي فاتت، بس ربنا العالم والله، الشغل اصبح واكل كل وقتي تقريبًا
اجادت بهجة رسم ابتسامة زائفة وهي تفلت نفسها عن صديقتها، وتردف هي ايضًا:
– طبعا يستحيل اجيب اللوم عليكي عشان انا كمان مقصرة معاكي ، ما انا برضو الشغل واكل اليوم كله مني
– في مصنع الملابس برضو؟
لهجتها في نطق العبـ.ـارة تظهر عدm رضاءها على الإطـ.ـلا.ق، لتثبت ايضًا بنظرتها السريعة نحو العباءة السمرة التي ترتديها بهجة، بلونها الباهت من كثرة الغسيل..
ثم جلست حتى لا تزيد على المسكينة بدون قصد، متحاشية تكرار هفوتها مرة أخرى:
– طب اسمعيني يا بهجة كدة وركزي معايا، انا بصراحة جاية النهاردة عشان اخد منك شغل ما هو مش معقول يعني ابقى محامية وصاحبتي اقرب واحدة ليا مستنقعش منها
حديثها بتباسط خفف كثيرا عن بهجة وما اكتنفها من مشاعر قاسية في هذه اللحظات القليلة، لتنـ.ـد.مج في الأخذ والرد معها:
– لا اله إلا الله، واحنا هننفعك بإيه بقى يا ست المحامية؟ احنا لا عندنا لا حد مشتكي على حد ولا بندور لواحدة مطلقة على نفقة العيال
شهقت صفية بتمثيل ودراما:
– لدرجادي مستهونة بإمكانياتي، يعني انا اخري نفقة مطلقة ولا شكوى على خناقة، انا بحضر في الماجستير يا استاذة، وكلها كام سنة واخد الدكتوراة يعني…..
قطعت فجأة وقد انتبهت على حماقتها، وارتباك بهجة التي صارت تحمحم وتهرب بعيناها عنها.
فهذا الحلم كان من البداية حلم بهجة ، هي التي سبقتها في الالتحاق بالجامعة، وشجعتها في دخول الحقوق، ودائما ما كانت ترسم امالها في ذلك، ولكن القدر كان له رأي اخرى بوفاة والدها ، واستيلاء عمها على نصيبه في الوكالة، عند هذا الخاطر ، اشتدت ملامح صفية لتردف بحزم:
– اسمعي يا بهجة، انا بصراحة جاية النهاردة مخصوص عشان ابلغك اني هرفع قضية على عمك، انا حالفة من قبل ما اتخرج، لشحططه هو والحيزبونة مـ.ـر.اته في المحاكم، واجيب حقكم من حبابي عنيه، واطمني يا ستي الاستاذة نوال مرات خالي خالد هي متشجعة وهتساعدني، يعني لو عندك شك في امكانياتي.
سمعت منها لتبزغ ابتسامة على فمها سرعان ما تحولت لضحك متواصل حتى ادmعت عيناها، امام دهشة
صفية، حتى توقفت اخيرًا تعقب على قولها:
– يا عيني يا روح قلبي، نقبك طول شونة، والقضية اللي معشمة نفسك بيها، لو حصل وقدmتيها، هيتحكم فيها من اول جلسة لصالح عمي، ومش بعيد يدفعنا تعويض كمان، بس انا بصراحة معنديش عشان ادفعله، ممكن اقضيها حبس.
– بعد الشر عليكي، ليه بتقولي كدة؟
رددت بها صفية باستهجان، لتخبرها على الفور وتصدmها:
– عشان مفيش اي ورقة تثبت حقنا، ابويا قعد سنين مشارك عمي من غير ورقة واحدة ما بينهم، يعني هو دفع النص بالنص في راس المال، وعمي هو اللي سجل الدكان بإسمه عشان كان بيديرها طبعا، وابويا لانه موظف، كان مكتفي بالمبلغ الشهري اللي بياخده من عمي، ويصدق انه هو الربح اللي طالع من التجارة، وبس كدة،
– وبس كدة
– اه طبعا بس كدة، بابا كان طيب لدرجة السذاجة مع ناس خبيثة زي عمي ومـ.ـر.اته الحيزبون، لا ومن بجاحته، يقولي اساعدكم كل شهر بمبلغ من عندي، يعني من فلوسنا عايز يجبي علينا.
زفرت صفية بتعب، وقد فهمت الاَن للمأساة التي تعيشها صديقتها، لتردف بحرقة اصابتها:
– حسبي الله ونعم الوكيل.
❈-❈-❈
وصلت بها الى داخل المنزل المهيب، والحراسة التي تحاوطه من جميع الجهات، لتدلف خلفها تقطع الممر الذي يفصل الحديقة الامامية بالوسط
لم تملك بهجة اي طاقة للفضول او الانبهار، مما تراه امامها ، فشعور الخــــوف الذي كان يكتسحها من الداخل وما هي مقبلة عليه في هذا المكان الغريب، مع امرأة تعلم جيدا بصعوبة الاختلاط معها، حتى وهي قد قرأت عن حالات مشابهة لها بالأمس عبر محركات البحث، لتعرف كيفية التعامل معها
– رياض باشا مستنينا جوا يا دادة .
كان هذا صوت لورا التي اقتحمت سائلة المرأة باندفاع للداخل قبل ان توقفها نبوية بقولها:
– رياض باشا مش موجود .
– نعم؟
خرجت منها باسفتهام وهي تلتف للمرأة والتي اكدت عليها:
– هو خرج قبل ما توصلوا بخمس دقايق بالظبط، بيقول ان عنده مقابلة مهمة في الشغل، وكلمني انا اقابل البـ.ـنت واديله التقرير
قالت الأخيرة وقد تركزت لبصارها على بهجة التي تصلبت في وقفتها برهبة، لتشير بذقنها نحوها :
– هي دي؟
زفرت لورا بإحباط لعدm رؤيتها له، بعدmا املت في تناول الافطار معه والبعد قليلًا عن جو العمل والرسمية الدائم، فخرج ردها بنزق:
– ايوة هي يا دادة، جربيها شوية وشوفيها تنفع ولا لأ، انا اساسًا موقفتش بحث عن واحدة مناسبة
بحرج متعاظم، جاهدت بهجة لاخفاءه، رفعت ذقنها بإباء توافقها الرأي:
– ايوة صح يا دادة، انا كمان لو مرتحتش…… متزعلوش مني هسيب الشغل هنا فورا.
ارتفعت زاوية شفتي لورا بحنق لقولها، اما نبوية فقد تبسمت باتساع لها، لتعقب بسماحة:
– يا بـ.ـنتي نبقى احنا الاتنين بقى نجرب بعض اليومين دول، ونشوف الدنيا معانا هترسى على إيه؟، بس انا بصراحة ارتحتلك .
قالتها نبوية بيشاشة ادخلت بعض الارتياح بقلب بهجة ، لتبادلها الرد بابتسامة،
الأمر الذي لم يعجب لورا، لترفع النظاره فوق عينيها ، قائلة بتعجرف:
– طب كويس اوي، امشي انا واسيبكم تتفاهموا مع بعض، اليوم ده اعتبريه اجازة يا ست بهجة لكن من بكرة بقى حضري نفسك لوردية الصبح في المصنع، وبعد الضهر هتيجي على هنا، اما نشوف هتكملي ولا لأ؟
قالت الأخيرة وتحركت مغادرة دون اي كلمة اخرى ، حتى اذا ذهبت خارج المنزل ، صدر رد نبوية:
– كويس اوي انها مشيت عشان نقعد براحتنا، تعالي معايا بقى
تفاجأت بهجة بكف المرأة التي حطت على رسغها تسحبها دون انذار:
– واخداني ورايحة بيا على فين يا خالتي نبوية؟
ضحكت مرددة بتباسط لتفك تشنجها:
– يا ختي حلوة خالتي منك وطالعة زي العسل، احنا هنفطر الاول في المطبخ، وبعدها افهمك كل حاجة
تمسكت بهجة بالارض فجأة تعارضها:
– لا طبعا انا شبعانة، خلينا في الشغل يا خالتي نبوية الله يرضى عنك
ضحكت المذكورة لتعود بالقبض على يدها التي افلتتها منها ، تقول بحزم لا يخلو من لطف:
– ما هو دا تبع الشغل يا بت بطلي خيابة…. الست نجوان لساها نايمة، نلحق نفطر دلوقتي قبل ما ننشغل فيها ولا نقعد يومنا كله من غير اكل .
❈-❈-❈
بداخل المقر الرئيسي للشركة التي جمعت عدي وكارم سابقًا، اجتمع معه يقص عليه تفاصيل المشروع الجديد بإيجاز ، يفند المميزات المتوقعة منه في المستقبل، بالأرقام والتفاصيل الدقيقة والتي كان يطلع عليه رياض اثناء ذلك، ليخرج رده بإعجاب:
برافو يا كارم، عدي لما قال عنك شعلة نشاط مكدبش، لحقت في وقت قياسي تعمل دراسة الجدوى الهايلة دي، انت بتجيب الوقت منين لكل ده؟
ضحك المذكور بزهو، ليأتي رده متوافقًا مع طبيعة شخصيته:
– يا حبيبي الإنجاز دا الصفة الاهم لكل رجل اعمال قادر على الاستمرار، وانا يا قلبي لو معملتش كدة السوق هيبلعني وهنزل في اخر القائمة ، ودي ابشع من اي كابوس في حياتي، انا عيني دايما ع المقدmة
ابتسامة رائقة ارتسمت على ملامح رياض، ليعلق بذكاء شـ.ـديد:
– يبقى كدة عينك على مصطفى، عشان دا البريمو علينا كلنا في عيلة عزام والمنطقة كلها كمان
اجابه بصراحة وملامح مفعمة بالحماس والتحدي:
– وابقى قدامه كمان ايه المانع؟ انا عارف انه عبقري وعنده علاقات هايلة بروساء الدول كمان، بس انا بحاول اهو بكل جهدي.
– كلنا بنحاول يا حبيبى، بس انت قولت بنفسك عنده علاقات هايلة وخبرة جبـ.ـارة جعلته يسبقنا كلنا رغم فرق السن البسيط ما بينا وبينه، بس بصراحة هو جدع، ويستاهل المكانة اللي هو فيها،
خرجت من رياض بصدق اثار فضول الاخر لسؤاله:
– طب ولما هو جدع، وانتوا الاتنين رجـ.ـال أعمال، مخدكش في سكته يكبرك ليه زي ما بيعمل مع اخوه ولا اصحابه جاسر الريان ولا اللي اسمه طارق دا كمان .
قال الاخيرة بضيق ذكر رياض بالعداوة القائمة مع المذكورين رغم عودة المياه بعض الشيء لمجاريها بين العائليتن ، وقد ذكر امامه سابقا السبب الاساسي وراء ذلك، ليرد بمكر:
– قلبك اسود اوي انت يا كارم وعمرك ما هتنسى، ع العموم يا سيدي عشان اجيبلك الفايدة، انا اللي رافض المشاركة والمساعدة من مصطفى دا بالذات رغم عدm وجود أي خلاف او حزازيات ما بينا، ورغم انه عرض عليا قبل ذلك كتير ، بس انا برضو مصمم على موقفي .
– ليه؟
– من غير ليه؟ انا مش عايز .
قالها بجدية جعلت كارم يطالعه بتمعن، مستغربا إجابته وهذا الجمود في نطقها، ليباغته بعد ذلك بسؤاله:
– رياض انت مفيش اي ست في حياتك؟
– وايه دخل الستات في موضوعنا؟
تمتم بها بابتسامة لاحت على محياه، مستغربًا تغير دفة الحديث فجأة لمنحنى مختلف جذريا عن العمل وجديته، وكان رد كارم ببساطة قبل ان يرتشف من عبوة المياه الغازية التي امامه غامزًا بشقاوة:
– مفيهاش دخل يا سيدي، بس هما اللي بيحلو الدنيا، وبصراحة الحياة من غيرهم ملهاش معنى.
سمع منه ليقهقه بضحكة نادرًا ما تصدر كنه منه معلقًا:
– اقسم بالله انت مش معقول يا كارم،
❈-❈-❈
عادت عائشة في ميعادها اليومي من مدرستها ، لتفاجأ بزوجة عمها التي كانت تتقدmها قي دخول البناية، محملة بعدد كبير من أكياس الخضروات والبقالة من لحوم واشياء اخرى، لتقف وتضعهم اول الدرج وتستند هي بذراعها على الجدار تلتقط أنفاسها بلهاث، لتتهكم هي من خلفها:
– ايه دا؟ هما البياعين السريحة اللي احتلو الحارة وصلوا لهنا وعلى سلمنا كمان؟
استدارت لها درية بغـ.ـيظ سائلة بعدm فهم:
– بياعين مين يا بت
شهقت عائشة بتمثيل ساخر:
– معقووول طنط دررية، اسفة يا طنط، بس انا افتكرتك واحدة بياعة من اللي بيسرحوا بالخضار وجاية تشوف رزقها عندنا .
برقت عيني المرأة بعدm تصديق مرددة:
– انا بياعة يا منيـ.ـلـ.ـة؟ ايه يا ختي حصل حاجة في نظرك ولا ايه؟
– لا والله يا طنط انا نظري ما شاء الله ستة على ستة، بس الكياس الكتييرة اوي دي اللي سادة عتبة السلم ، تخلي اي حد في مكاني يظن كدة .
قالتها عائشة مؤدية الكلمـ.ـا.ت بيداها المفتوحتين في الهواء، وعيناها التي وسعتها نحوهم بقصد، حتى جعلت درية تتمتم بخــــوف من الحسد
– خمسة وخميسة الله اكبر في عينك، مش تخلي بالك يا بت من كلامك،
شعرت عائشة بداخلها بالانتشاء لرؤية الزعر الذي ارتسم على ملامح درية، فواصلت تزيد عليها:
– وانا جيبت حاجة من عندي يا طنط، ما انتي اللي سادة المجال قدامي بالخضار بتاعك وكياس البقالة والفراخ…. وانا راجعة من مدرستي وعايزة اطلع بيتنا اريح، اعملها ازاي دلوقتي بقى؟ اطير فوقهم يعنى ، اطيرر.
كزت درية على أسنانها بغـ.ـيظ شـ.ـديد، لتدنو وترفع اشيائها، ثم تفسح لها الطريق قائلة:
– اتفضلي يا ست البرنسيسة، اديني شيلت الكياس كلها، اطلعي على بيتكم بقى وريحي على كيفك
تحركت على الفور تتبسم لها بوداعة، كأنها لم تكن على وشك ان تجلطها منذ لحظات.
– شكرا يا طنط.
– شكرا يا طنط
رددت بها درية من خلفها بدmاء تغلي برأسها بسبب هذه الملعونة الصغيرة، ولكنها تمالكت سريعًا لتدعوها بابتسامة مزيفة، تريد كسب ودها كي تساعدها:
– طب وانتي طالعة كدة وهتسبقيني، ممكن يا عيوشة يا قمورة، تاخدي بس في ايدك كيس البقالة ده، تخففي عن مراتك عمك شوية.
التفت برأسها لها بعد صعود درجتين من السلم ، تطالعها بفاه مفتوح، قبل ان يخرج ردها الازع:
– بقى يا طنط عايزاني انا يا عيلة يا صغيرة، اشيل واحمل على دراعي الضعيف، الكيس اللي يوزن عشرة كيلو ده.
للمرة الثانية تثير زعرها، وتعبر عنه درية هذه المرة بنـ.ـد.مها:
– يا نهاار اسود، يا رتني ما قولتلك، اطلعي يا بت اطلعي، مش عايزة حاجة منك، بسم الله الحافظ منك ومن لسانك.
اهدتها ابتسامة رائقة لتنصاع منفذة الأمر بطاعة في الصعود امامها:
– براحتك يا طنط
❈-❈-❈
بمفتاحها الخاص فتحت درية باب المنزل ، لتلج داخله، تضع الاشياء التي تحملها اعلى الطاولة التي توسطت الردهة، منادية باسم ابـ.ـنتها، والأخرى زوجة ابنها الأكبر
.- بت يا سامية، بت يا اسراء ، واحدة فيكم تيجي هنا تشوف انا جيبت ايه للغدا
استمرت في النداء حتى خرجت لها اسراء من المطبخ تجفف يداها بالمنشفة الصغيرة:
– انا هنا يا خالتي، معلش كنت بغسل المواعين
– ماشي يا اختي، تعالي خدي كيس اللحمة ده اسلقيه ع النار وشوفي هتطبخيلنا ايه؟ عندك الخضار كله اهو، نقي فيه على كيفك
قالت الأخيرة وهي تفتح لها عدد من الأكياس الكثيرة، تريها العديد من الانواع التي أتت بها، فصدر اعتراض اسراء:
– بس الأكل مش عليا انا يا خالتي، انا رتبت البيت وغسلت المواعين، يبقى الأكل دلوقتي على سامية.
لم تكد تكملها حتى اجفلتها الأخيرة بخروجها المفاجيء
من غرفتها هاتفه:
– بس انا مش فاضية النهاردة ، حـ.ـر.ام بقى تسدي عني؟
هتفت اسراء بدورها:
– مين اللي يسد عن مين، انا بشتغل والحمل ههدني، وانتي فاضية وموراكيش حاجة
– لا يا حبيبتي ورايا، ومش فاضية خالص على فكرة، انا صابغة شعري من شوية صغيرين، دا غير اني عاملة ايدي منكير، يعني مينفعش اخسر كل اللي عملته.
– لا يا حبيبتي، نقعد احنا من غير أكل
قالتها اسراء بصفة ساخرة لتقابل بالرد المفاجيء من درية:
– وانتي روحتي فين يا اسراء؟ ما هي قالتلك سدي عني.
بدهشة شـ.ـديدة تطلعت لها فاغرة فاهها لحظات بعدm تصديق حتى خرج صوتها:
– انا اللي اسد عنها يا خالتي، دي بتقولك صبغة ومنكير هو دا عذر؟
– اه يا ختي عذر، انا خارجة بعد شوية ورايحة احضر اسبوع ابن اخويا الكبير، عايزاني اروح مبهدلة، ولا ريحة الطبيخ لازقة فيا، اما دي عجايب صحيح…..
التفت تستدير متابعة حديثها المستفز نحو والدتها:
– انا راجعة لاؤضتي ياما، اكمل اللي بعمله، عن اذنك.
ردت درية بكل تساهل غير عابئة بالقهر الذي تملك زوجة ابنها لعدm الانصاف الذي تشعر به منها، حتى تصنمت كالتمثال:
– خليها تتزوق وتشوف عدلها يا بـ.ـنتي، مكنتيش انتي بقى بتعملي زيها قبل ما ربنا يكرمك بابني، ولا على رأيها هي ….. اما عجايب صحيح.
❈-❈-❈
قضت قرابة الساعتين في حديث مستمر ومثمر مع المرأة الودود الطيبة، تناولت معها الفطور الفاخر، فقد تفاجأت بالموقع المميز لنبوية، والذي يجعلها محط تقدير الجميع، نظرا لما تقوم به من عمل شاق مع صاحبة المنزل، في رعايتها ، فهي الوحيدة القادرة على السيطرة عليها بحكمتها في تلك الاوقات التي تثور بها ، وتتهور نحو الافعال المـ.ـجـ.ـنو.نة، كما تحمل لها معزة تختلف عن الجميع.
جينما استيقظت نجوان التزمت بهجة بالمكوث في المطبخ بخــــوف غريزي انتابها في هذا الوقت، فلم تخرج الا على نداء نبوية والتي ادخلتها الى المرأة تعرفها بها وكأنها اخبرتها عنها، عجبا!
– قربي يا بهجة، سلمي على نجوان هانم، خليها تتعرف بيكي.
هذا ما تفوهت به نبوية، اثناء دفعها لها نحو المرأة بخفة ، كي تحثها على التقدm نحوها، بعدmا تصلبت محلها، بصدmة اللقاء الاول للمرأة الستنية ذات الملامح الجميلة رغم خطوط العمر التي حفرت على وجهها
كانت هادئة بشكل يثير الريية، تطالعها بتمعن جعل معدتها تتلوى داخلها من الخــــوف، يحيرها هذا الصمت الغريب، ولكنها يجب ان تغلب خــــوفها.
ابتعلت تجسر نفسها ترسم ابتسامة في مخاطبتها:
– ازيك يا نجوان هانم، انا بهجة.
طالعتها بهذه الابتسامة الغير مفهومة تتأرجح بكرسيها الهزاز دون اي رد فعل، لتزيد من بث التـ.ـو.تر داخل بهجة، فتدخلت نبوية بحنكتها:
– نجوان هانم هتحبك اوي يا بهجة، عشان انتي طيبة زيها، اصلها بتحب،الطيبين بس وبتعرف الوحشين من نظرة واحدة
ختمت بابتسامة توجهها للمرأة التي ارتخت ملامحها، لتشيح بوجهها نحو الخارج عبر الزجاج الابيض بسكون تام وكأنها ذهبت لعالم اخر، غير عالمهم .
بعد دقائق خرجت بهجة من الغرفة بمرافقة نبوية التي حدثتها بتهوين:
– شوفتي بقى يا ستي، اهي هادية وزي الفل، يعني مبتعضش ولا هتاكلك.
قالت الأخيرة بدعابة لم تستجب له بهجة حتى قالت بتخــــوف:
– ايوة بس انا اسمع عن اللي زي حالاتها ، ليهم نوبات هياج بتحصلهم احيانا، ما هي لو ساكنة كدة كانت
هتبقى فين المشكلة؟
خبئت ابتسامة نبوية لتوميء لها بإقرار:
– كلامك صح، بس اللي قولتي عليها دي مش بتحصل غير لما ترفض تاخد دواها او لما……
– لما ايه؟
لم نرغب نبوية في اكمال الحديث، فغيرت على الفور معها:
– خلاص انتي تروحي تاخدي يومك الراحة النهاردة، وبكرة ان شاء الله تيجي ع الساعة اربعة زي ما اتفقنا.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر ليس بغريب عنا.
خرجت من غرفتها، متأنية بخطواتها بحرص شـ.ـديد، تضع كفها اسفل بطنها بخــــوف اصبح ملازمًا لها، تجذبها الرائحة الجميلة نحو المطبخ كالمغنطيس، حتى وقفت على مدخله لتقع عينيها على الصنية الرئعة تخرج من فرن الموقد الغازي،
فسأل لعابها نحوها ، لتعبر عما يجول داخلها:
– الله يا طنط مجيدة، صنية البطاطس باللحمة شكلها يجنن .
شهقت المذكورة متفاجأة بحضورها حتى اهتزت منها الصنية الساخنة وكادت ان تقع منها ، لولا وجود الطاولة التي بالقرب منها، والتي وضعتها عليها سريعًا، لتتمتم بجزع:
– يا لهوي عليا، ايه اللي خرجك من اؤضتك يا شهد؟ انتي يا بـ.ـنتي مش خايفة على نفسك
قالتها وتحركت سريعًا تجلسها، لتبرر الاخيرة:
– ريحة الصنية يا طنط مجيدة هي اللي خرجتني، بصراحة ريقي جري عليها دلوقتي كمان بعد ما شوفتها، وهمـ.ـو.ت لو ما دوقتش منها حالا،
– يا حبيبتي بعد الشر عليكي من المـ.ـو.ت، انا حالا هعبيلك طبق منها دلوقتي .
قالتها مجيدة ثم تحركت على عجالة لتغرف لها كمية كبيرة به ، ثم توجهت لها برجاء:
– اديني حضرت الطبق اهو يا ست شهد ، ممكن بقى يا قلبي تدخلي على اؤضتك زي الحلوة كدة وتاكليه على سريرك.
بتململ وتعب رددت لها باستعطاف:
– يا طنط ما انا تعبت وزهقت من كتر النوم ع السرير، نفسي بقى اتحرك واروح واجي زي زمان، اتخـ.ـنـ.ـقت من الحبسة انا مش متعودة على كدة.
قدmت لها مجيدة طبق الطعام، واقتربت تطبع قبلة على اعلى رأسها تهادنها بحنان:
– مقدرة يا بـ.ـنتي والله اللي انتي فيه، بس نعمل ايه في أوامر الدكتور ، اللي مشـ.ـدد على نومتك في السرير، انتي حملك صعب والوقعة زودت الدنيا معاكي اكتر.
سقطت منها دmعة، ازالتها سريعا شهد قائلة:
– حمد لله اللي جات على كدة، ربنا كريم ومسقطتش البيبي مع الوقعة اللي اتكـ.ـسرت فيها رجلي، بس الصبر مع فترة الحمل صعب اوي، انا كل دقيقة بيصبني الرعـ.ـب مع اي حركة بسيطة تحصل مني، حتى لو قاعدة نايمة ع السرير، واللي مزود اكتر كمان هو تحمكات حسن، مش مكفيه اني رامية الشغل على امنية، لا دا كمان بيعتبر مراجعتها معايا ع التليفون، للحسابات واخد رأيي في المشاكل اللي بتقابلها، مجهود
ناقص يمنع يعني دخول الحمام، ولا يعملي واحد جمب السرير، تصدقي انه عرض عليا الفكرة في مرة؟
– اهبل ويعملها ما انا عارفاه.
خرجت من مجيدة سريعًا، لتعود اليها ناصحة:
– بس انتي كمان يا حبيبتي لازم تقدري خــــوفه وتفوتيله،
زمت شهد فمها ببؤس، لتردف مجيدة:
– المهم خلينا في الأكل دلوقتي، حطي ايدك في الطبق ده وانسفيه حالا ، خلي الواد يتغذى، كُلي كُلي
سمعت منها لتلتهم الطعام بشهية وتلذذ، لكن هي ملعقتين، وتفاجأتا الاثنتان بشهقة رجـ.ـالية تتبعها صيحة :
– يا نهار اسود، انتي سايبة سريرك، وقاعدة هنا يا شهد، وانتي يا ماما سايبها، دا على كدة بقى انتوا بتقرطسوني، ومش بعيد اجي في يوم الاقيها خرجت تتمشى في الشارع كمان.
توقف الطعام بفم زوجته، فجاء الرد من مجيدة:
– ينيلك يا زفت الطين خضيتنا، مش تتنحنح يا واد ولا تعمل اي حركة تعرفنا بحضورك.
خرج صوت شهد بدفاعية:
– هما يدوب خطوتين بس يا حسن من اوضة النوم للمطبخ، مروحتش اي حتة تانية، كنت جعانة، وريحة الاكل تجنن مقدرتش اصبر.
– اه والله يا بني ، حتى شوف .
سمع منهم، وبدون اي نقاش دنى منها يرفعها بين ذراعيه يحملها بحزم مرددًا:
– برضوا تفضلي مكانك وتتصلي بماما ، لو مش قادرة تندهي بصوتك، هاتي الاكل ورانا يا ماما .
تبعته مجيدة وهو يخرج بها من المطبخ نحو غرفتهم، ثم ضجر زوجته:
– يا حسن بقى، كنت مخـ.ـنـ.ـوقة والله.
– كنت اتصلتي بيا، وانا جيت من شغلي وعملتك قرد حتى، المهم صحتك وصحة الجنين..
قالها بصوت تغيرت نبرته من العصبية الى الحنو فجأة، لتتبسم من خلفهم مجيدة بغبطة تغمرها، لحال الاثنان وتوافقهم، عكس زوج المجانين الاخران ، ابنها امين وزجته لينا ، وشجارهم على اتفه الأسباب، ثم الصلح ايضا على نفس السبب، بصورة تظهر صغر عقلهما هما الاثنان .
❈-❈-❈
حلاقاتك برجـ.ـالاتك حلقة دهب فى وداناتك
ويارب ياربنا
تكبر وتبقي قدنا
وتجي تعيش وسطنا وسط الحبايب
تكبر وتروح المدرسة وتصاحب شلة كويسة
وتشوف عيون امك وابوك فرحانة بيك
حلاقاتك برجـ.ـالاتك حلقة دهب فى وداناتك
انا عايزك تطلع واد مجدع
وفي عز الشـ.ـدة تكون اجدع من اي حد
صوتك بيسمع ويلعلع
هذه الأغنية الشهيرة التي كانت تدوي عبر السماعات في الاحتفال الصغير الذي تقيمه رحمة مع زوجها، ابتهاجًا بقدوم الصغيرة ومرور اسبوع على موعد ولادتها
صبا والتي اطبقت على الطفلة الوليدة داخل احضانها تضمها اليها بحرص؛ حتى لا تؤديها بمشاعر الحب التي تحملها.
– بـ.ـنتك حلوة جوي يا رحمة ،
ردت الأخيرة بمحبة متبادلة:
– يا حبيبتي دا انتي اللي عيونك حلوة، شـ.ـدي حيلك بقى واتلحلحي عايزين نشيل ولادك مع شادي .
قالتها لتجد الرد يأتيها من شقيقها بلوعة هو الاخر:
– اه يا رحمة قوليلها ، دا اخوكي قرب يكلم نفسه
ضحكت شقيقته بمراقبتها لرد فعل صبا، والمشاكسة بعيناها نحو شقيقها المتيم بعشقها، والذي عاد كمراهق في العشرين من عمره بافعاله معها .
تدخل زوجها يدلي بدلوه بينهم:
– يا عم مستعجل على ايه بس؟ بكرة تخلف وتملى البيت العيال وتتحسر على ايام العزوبية اسألني انا .
– شوفي الراجـ.ـل.
علقت بها رحمة تدعي الاستهجان نحوه، لتثير ضحكات الجميع معها ، حتى أتت سامية مقتربة بنعومة مبالغ فيها، والتي تفاجأت بضحكهم تاركة والدتها في الحديث مع مجموعة من النساء.:
– ما ضحكونا معاكم يا جماعة، ولا احنا ملناش تفس نضحك يعني؟….. انا بصراحة جيت على صوت شادي، بقالي سنين مسمعنهاش الضحكة الحلوة دي .
برقت عيني صبا كـ.ـلـ.ـبوة شرسة، نحوه حتى لا يتجاوب معها، تعطي الطفلة الوليدة لوالدتها وكأنها على استعداد تام للقتال .
مما اصابه بالتـ.ـو.تر، ليرد بتحفظ :
– متشكرين يا سامية، عقبال سبوعك انتي كمان لما نيجي نبـ.ـاركلك
وقبل ان تزيد بسماجتها تدخل شقيقها، يصرفها بذكاء:
– معلش يا سامية، اديها نظرة على ولاد اخوكي في المطبخ، قلبي حاسس انهم اكلوا كل الحلويات اللي في التلاجة.
استجابت بفم ملتوي
– اه ماشي هروح اشوف
ذهبت تتبختر في خطواتها بميوعة مقصودة، زادت من استفزاز هذه الشرسة لتعلق بغـــضــــب:
– معلش يا جماعة، بس انا البت دي حارقة دmي بشكل غـ.ـبـ.ـي، خلوها تتجي شري الله يخليكم.
عاودو الضحك مرة اخرى، لتضيف على قولها رحمة:
– يا بـ.ـنتي دي قدر بالنسبالنا، ولا امها الست درية؛
بتتعامل مع الناس كأنها صاحبة بيت وجدة المولودة بالفعل، اللي محد بيشوف وشها حتى طول السنة.
– ما هم ما يعرفوش انها مرات ابو جوزك، فوتي وكبري يا ست رحمة.
قالها شادي ليتذكر ويسألها:
– هو صحيح انتي مدعتيش بنات خالك خليل ليه ؟
ردت بأسف:
– كلمت بهجة والله وشـ.ـددت عليها، بس انت عارفهم بقى نفسهم عزيزة ومبيستحملوش القعدة في مكان واحد مع ساميه وامها، اتحججت بشغلها ودروس اخواتها .
نكس زوجها رأسه بخذلان لقلة حيلته مع اولاد عمه، بسبب فعلة ابيه ، ورفضهم هم في المقابل تقبل المساعدة منه.
ليزفر شادي بتنهيدة مثقلة:
– بهجة دي الله يعينها، اللي هي فيه رجـ.ـا.لة كبـ.ـار ميقدروش عليه.
– هي مين بهجة دي؟ حضرت خطوبتنا عشان اعرفها:
خرج السؤال من صبا ، ليجيبها على الفور:
– هبقى احكيلك حكايتها بعدين ويمكن اعرفك عليها كمان
❈-❈-❈
في اليوم التالي
حضرت على الميعاد لتستلم اول يوم عمل لها، في غياب نبوية التي استأذنت منها ، تأخذها فرصة للراحة هذه الساعات القليلة من مسؤولية الرعاية لهذه المرأة المتعبة
تاركة الأمر لبهجة التي حاولت الحديث معها عدة مرات ولكنها لم تستجب للانتباه لها ، حتى طرأت بعقلها فكرة القراءة في احد الكتب لها.
اوهمتها في البداية بالتركيز معها حتى انـ.ـد.مجت بهجة في إحدى الفقرات، فتكتشف الخدعة بعد ذلك باختفائها من الغرفة.
لتنتفض من محلها وتبحث عنها بذعر في الزوايا وجميع الاركان ، حتى خرجت هاتفة بالنداء عليها، وقلبها سقط بين قدmيها، تنتحب:
– نجوان هانم، انتي فبن يا نجوان هانم ؟ يا دي المصـ يـ بـةالسودة عليكي وعلى سنينك يا بهجة، يا نجوان هانم؟ انتي فين بس الله يرضى عنك؟
شعرت فجأة بوجود احدهم خلفها وما همت ان تستدير، حتى تفاجأت بصوت دوى بقوة على الارض الرخامية، لتفاجأ بالمزهرية الكبرى التي تزين الردهة على الارض مهمشة لمئات القطع ،
نزلت تلملم فيهم بفزع ودmـ.ـو.ع على وشك الهطول:
– يا دي البلوة اللي حطت على راسك يا بهجة، اهي تمت معاكي كمان بالزهرية الغالية، ودي هتدفع تمنها ازاي لو اتورطت فيها؟
– مين اللي كـ.ـسر الزهرية ؟
دوي الصوت الجهوري من الخلف، يجمد الدmاء في عروقها، لتتجمد محلها مستسلمة بيقين النهاية، وصوت يتردد داخلها،
– شكلي كدة روحت في داهية، لا انا اكيد روحت في داهية
↚
هل أتى عليك الوقت وتيقن داخلك من قرب النهاية؟
هذا ما كانت تشعر به في هذا الوقت، مع سماعها لخطواته من الخلف تقترب منها برتم كئيب.
وقد تصلب ظهرها من الرعـ.ـب، مستسلمة لقدرها، وبمعرفة جيدة لحظها البائس، تعلم ان العواقب السيئة سوف تؤدي بها لأبعد ما تتخيل ، خصوصا وهي لا تملك المال لسداد تمن هذه التحفة الضخمة والباهظة الثمن.
فتحت جفنيها فجأة مع تغير الصوت الذي كان تسمعه ، لشيء اشبه بالهسيس.
– بتعملي ايه عندك، انتي عايزة الشغالين يقولوا عليكي ايه بس؟
توسعت عينيها بإدراك لتنهص مستقيمة بطولها، وتلتف نحو الجهة التي أتى منها الصوت، لتجد المرأة المتسببة في كل ما سيحدث لها الاَن، وابنها يحاول سحبها من إحدى الزوايا التي التصقت بها كالاطفال التي تتخفى اثناء اللعب، تتشبث بالارض باعتراض ، وهو يكرر على اسماعها بتحذير وتصميم:
– كنت عارف من الاول ان انتي اللي كـ.ـسرتيها ما هي العمايل دى محدش يعملها غيرك ، تعالي بقى بلاش فضايح وافتكري وضعك كهانم .
هل ما وصلها كان حقيقيا؟ ام هو درب من خيال صنعه عقلها المسكين للنجاة من هذه المصـ يـ بـةالمحققة، انه يوجه التهمة نحو والدته، بأنها هي من كـ.ـسرت المزهرية، فيبدو ان رصيدها من هذه الافعال كاف ليشير عليها بآصبعه نحوها دون تحقيق او تدقيق:
– انتي هتفضلي في مكانك انتي كمان، ما تتحركي تساعديني، ولا انتي مش الجليسة بتاعتها؟.
كانت هذه الصرخة الموجهة نحوها، لتنتفض على اثرها، فتهرول نحوهما مرددة بجزع:
– لا والله انا الجليسة بتاعتها.
بسرعة البرق اقتربت لتقف مقابلة لها، وموازية له، بعدmا عدلت طرحتها بعجالة حتى غطت نصف وجهها بدون قصد، لتأخذ دورها وتهاودها :
– تعالي يا هانم، نكمل قراية في الكتاب اللي كنا بنقرا فيه من شوية.
استجابت لسحبها لها، عكس ما كانت تفعل مع ابنها، لتثير دهشته في البداية ، والتي ما لبث ان تحولت لغـــضــــب ، ليهدر ببهجة فور ان شرعت واستدارت بها:
– المرة الجاية لو سهيتي عنها هيبقى حسابك عسير، أومأت بهزة من برأسها دون ان تمتلك الجرأة لتلتف اليه ، وعادت سريعًا للذهاب بها من أمامه، ثم الاختفاء داخل الجناح الملكي للمرأة المتعبة.
اما هو فقد ظل يلهث خلفهما دقائق بإجهاد ، ينقل ببصره نحو المزهرية الغالية المهشمة على الارض بعدm اكتراث، فقد تعود على الخسائر بأكثر من ذلك بسببها، لكن وبرغم انه لم يتمكن من ملامح الجليسة الجديدة لوالدته إلا ان البريق الاخضر والذي ومض في لحظة ما اثناء صراخه بها لتساعده، فقد لفت نظره ليعود ناظرا في اثرها ، برغبة تدفعه لرؤيتها جيدًا، إلا انه سرعان ما استفاق متذكرًا سبب رجوعه المنزل الاَن لتبديل ملابسه، وحضور موعده الهام مع احد العملاء.
لينفض رأسه من افكارها مغمغمًا باستهزاء اثناء سيره نحو غرفته:
– ما بقاش إلا الخدامين كمان.
❈-❈-❈
ولجت بها داخل جناحها، لتغلق الباب عليهما، ثم تجلسها على احد الاَرائك، وتسقط هي بثقلها على الارض تفترشها وتلهث لمدة من الوقت، لا تصدق انها نجت من هذا المأزق، لقد تم الامر بما يشبه المعجزة ،
هذه المرأة التي لا تحيد بنظرها عنها الاَن، كما كانت هي السبب في ورطتها، كانت هي ايضا سبب نجاتها، لكن لما تشعر بلمحة من مكر في عينيها وكأنها فهمت على ما قد تم، نظرتها اليها بها شيء من اتهام لم تتقبله بهجة، لتخرج منها الكلمـ.ـا.ت معبرة عما اكتنفها في هذه اللحظات القاسية.
– ايه بتبصيلي كدة ليه؟ لتكوني كمان هتحمليني اللوم في اللي حصل؟ اينعم ابنك جاب تهمة كـ.ـسر الفاظة عليكي وانتي بريئة ، لكنه برضو كان بسببك، مش انتي اللي غفلتيني وخلتيني اخرج ادور عليكي زي المـ.ـجـ.ـنو.نة؟….. ليه عملتي كدة؟……
اختنقت الكلمـ.ـا.ت بحلقها، لتبتلع الغصة وتغلبها دmـ.ـو.عها في الهطول، فتعتصر عينيها بألــم، هذا اكبر من قدرتها على التحمل، هي لا تريد شيئًا سوى سترة اسرتها من العوز، لماذا يحدث كل هذا معها ولا تمر الامور كما تأمل؟ لماذا ؟ لماذا؟
يبدوا ان نجوان قد تأثرت ببكائها، لتغيم عينيها هي الأخرى بغشاء رقيق، وقد تجلى بوضوح تعاطفها معها، ليرتد ذلك على بهجة التي لامت نفسها على الفور، لتجاورها على الأريكه، فتخاطبها:
– اسفة ، اسفة اوي سامحيني، بس انا الضغوط جـ.ـا.مدة اوي عليا والله، ومش حمل الاعيبك دي…….
توقفت تجفف بأطراف اصابعها على وجنتيها، قائلة بحسم:
– بصي… لو انتي مش عايزاني، انا مستعدة من النهاردة اسيب الشغل هنا والرزق على الله بس المهم…….
– انتي حلوة.
قاطعتها بها، لتذبهل امامها بهجة، لا تصدق انها فهمتها، لتزيد عليها بعد ذلك، حينما وجدتها تربت بيدها عليها تعيد ما قالتها، محركة رأسها بعدm اتزان:
– انتي حلوة، حلوة.
– انا حلوة، انا حلوة !…….
رددت بها من خلفها لتواصل بـ.ـارتياب منها واقتناع تام :
– وانتي ملكيش امان.
❈-❈-❈
عادت من العمل اخيرا، بعدmا سلمت مهمتها للدادة نبوية ، لتلتقط انفاسها بانتهاء اول يوم لها في المناوبة الكارثية، الاَن فقط علمت سر المعاملة الخاصة لنبوية، وتقديرهم للمجهود الخرافي الذي تقوم به مع تلك المرأة،
نزلت من وسيلة المواصلات الخاصة بالمنطقة، تحمل أكياس الخبز الساخن وبعض المعلبات والمتطلبات للإفطار وعمل الشطائر اللازمة لاشقائها ولها .
تحصي الدقائق وتعد الخطوات حتى تعود للمنزل وسريرها الحبيب كي ترتمي عليه وتغفو حتى الصباح، ولكن من اين تأتيها الراحة طالمة مجاورة لمنزل عمها وأبنائه.
اغمضت عينيها بضيق حينما وجدته ينتظرها على مدخل الحارة، هذا المتبجح، فاقد معاني الرجولة والاحساس، والصفة ابن عمها، وطليقها على الاوراق الرسمية للحكومة، تحمد الله انها لم تتم زواجها به،
انتبهت على تحفزه بالنظر نحوها ، لكنها تجاهلت كعادتها ، لتركز بأبصارها للأمام وكأنه غير موجود على الإطـ.ـلا.ق، ولكن ذلك لم يمنعه عما في رأسه، لتجده فجأة متصدرًا بجــــســ ـده امامها:
– متأخرة ليه النهاردة عن كل يوم؟
رفرفرت بأهدابها قليلًا كي تستوعب:
– افنـ.ـد.م، انت بتكلمني انا؟
هتف منفعلا بها:
– اومال بكلم خيالي يعني؟ انا قلقت يا بهجة لما اتأخرتي، وكان هاين عليا اروح المصنع واسأل هناك عليكي……
قاطعته بحدة توقف استرساله:
– كنت عملتها، وانا كنت عملتلك فـ.ـضـ.ـيحة، وانكرت صلة الدm اللي ما بينا……
لانت لهجته ليلطف باستعطاف:
– انا عايز اطمن يا بهجة.
– ولا تتطمن ولا تتزفت، انت تشغل نفسك بحاجة غيري، يا اما وديني وما اعبد لاكون موقفاك عند حدك حتى لو حصلت ابلغ فيك بعدm التعرض،
صدرت منها بعنف ألجم الاخر مبهوتا للحظات حتى دوى الصوت الاجش من ناحية قريبة:
– ايه اللي حصل؟ مالك يا بهجة يا بـ.ـنتي، حد مزعلك.؟
التفت بابتسامة ساخرة نحو عمها، رجل البر، تجيبه بأنف مرفوع:
– ولا حد يقدر يزعلني يا عمي ، متخلقش اصلا اللي يعملها .
قالتها وتحركت ذاهبة بخطوات متأنية ، ترهف السمع لتوبيخ عمها المتوقع لابنه الأحمق، والتي تعلم تمام العلم انه قاصدا ان يصل إليها:
– هترجع تاني لموالك القديم معاها، ما هي لو بتعزك صحيح، كانت وافقت بالجواز بيك عشان تضلل عليها ، واحنا نحطها في عنينا هي واخواتها، مش تتلكك وتطلع كلام في الهوا على ورث وكلام فارغ.
زاد بعلو الصوت ليصبح اكثر وضوحا:
– اه بس لو تفهم وتطلع اللي في دmاغها، دول عيال اخويا الغالي ويعز عليا سوء التفاهم اللي حاصل ما بينا.
تبسمت بسـ ـخـــريــة دون ان تلتف اليه، لتكمل طريقها مرددة داخلها:
– سوء تفاهم، يا عيني على سوء التفاهم.
❈-❈-❈
وفي منزله
واثناء تناوله الطعام كان الحديث الدائر سريعًا بينه وبين نبوية التي اطمأنت قليلًا بنوم المرأة الكبيرة:
– يعني انتي شايفة انها كويسة وتنفع تكمل؟
– كويسة وبـ.ـنت حلال مصفي كمان، بدليل ان الهانم ارتحت لها عكس اللي فاتوا .
قالتها نبوية بحماس جعله ينظر لها بتشكك معارضًا:
– معملتش ازاي بس يا دادة؟ اذا كان من اول يوم هـ.ـر.بت منها وكـ.ـسرت الفازة، .
كانت بهجة قد اخبرتها عن حقيقة كـ.ـسر الفازة، لذلك فضلت الصمت عن اللغو في هذا الأمر واكمال حديثها في الأهم:
– دا شيء طبيعي من نجوي هانم، اذا كنت انا ياللي معاشراها بقالي سنين وبتسهيني وتغفلني، يبقى هتعتقعها هي بقى؟ المهم انها مقلبتش عليها ولا اتصرفت معاها بعنف زي اللي قبلها.
بذكرها لهذا الأمر، توقف الطعام في فمه، ليزفر بضيق يعيد برأسه سجل والدته الحافل بالمصائب والكوارث مع المتدربات، فأتت صورتها اليوم مستجيبة لسحب تلك الفتاة بطاعة اذهلته،… ثم هذا البريق الاخضر.
خرج من شروده على تساؤل نبوية :
– ها يا باشا، قررت تقعدها تساعدني وتخفف عني؟
لم يريحها على الفور، بل توقف لحظات قبل ان يخبرها بشكوكه؛
– غريبة لهفتك دي يا دادة، مع ان لورا قالتلي انها لسة بتدور واحدة تليق بمجالسة الست الوالدة، ودا لأنها انصدmت بهيئة البـ.ـنت.
زمت نبوية شفتيها بضيق، تمنع نفسها بصعوبة حتى لا تتجاوز في الحديث عن هذه المتعجرفة، ليخرج ردها الحاسم:
– لورا هانم تقول اللي هي عايزاه، وانا كمان بقول اللي شايفاه مناسب، وانت بقى ليك القرار يا سعادة الباشا.
قالتها وكان قراره :
– تمام يا دادة احنا نجربها يومين تاني ونشوف الدنيا ايه بعد كدة، المهم تابعي انتي معاها عشان انا معنديش وقت اقيم بنفسي .
– ❈-❈-❈
دخل الى منزلهم بشراره وناره، بعدmا سمع من احد الجيران واستفسر من والده عما حدث، ليزيد بقلبه السخط نحو هذا الجلف المدعو شقيقه، وقد كان مضجعًا الاَن امام تلفاز منرلهم، يأكل من طبق المسليات ويشاهد احدى المـ.ـا.تشات المعاد بثها.
ليذهب هو نحو المتحكم ويغلق الشاشة امامه دون استئذان:
– ايه ده ايه ده؟ بتقفل الشاشة في وشي ليه يا سامر ؟
ردد بها على الفور معترضًا باندهاش لفعلته، وجاء رد الاخر بحرص مراعاة لشعور الزوجة المسكينة بالداخل، رغم غـــضــــبه:
– بقفل في وشك عشان تسمع البوقين اللي هقولهم يا سمير ، بـ.ـنت عمك ملكش دعوة بيها ولا تتعرض لها في اي طريق تمشي فيه، خليك في حالك وابعد عنها احسنلك.
كان يطالعه بفاه مفتوح، حتى اذا توقف تهكم بالرد نحوه:
– وانت بقى كلفتك محامي عنها يا حليوة؟ طب اسمع مني بقى، انت اللي تخليك في حالك ومتتحشرش في اللي ملكش فيه، دي بـ.ـنت عمي وفي فترة من الفترات كانت مكتوبة على اسمي، اينعم محصلش نصيب ، بس في الاخر برضو هي تخصني، وانت ملكش دعوة .
اهتزت رأس سامر بنصف ضحكة ساخرة ، ليميل عليه محتفظًا بثباته ونبرة الصوت الخفيضة:
– سمير يا حبيبي فوق، بهجة بـ.ـنت عمك مبقتش تخصك، ولو حاطط في مخك انها ممكن تحنلك بعد دا كله، يبقى انت عايش في الوهم.
– ولو ما فوقتش هيحصل ايه؟ هتاخدها انت بدالي بقى ، امك مش هترضى يا حبيبي.
صاح بها بصوت عالي، ضاربًا بحرص اخيه عرض الحائط، ليكمل بتبجح:
– ايوة يا سمير اسمعها مني عشان تفوق انت كمان، بهجة زي ما اتحرمت عليا هتتحرم عليك وعلى اي حد يبصلها، هي طول عمرها مكتوبة على اسمي، يعني يا تبقى بتاعتي، يا متتجوزش خالص.
تلجم سامر عن الرد ، وقد اذهله المنطق المـ.ـجـ.ـنو.ن لشقيقه، وعدm اكتراثه حتى بشعور زوجته التي أتت على الصوت ووقفت امامه متسمرة بصدmة، قبل ان تتماسك وتعبر عن غـــضــــبها:
– ولما هي تبقى بتاعتك ، امال انا ابقى بتاعة مين؟ والعيل اللي في بطني ده، حاسب انه ابنك برضو ولا مستني ترجعلها عشان تعترف ان انت خلفت؟
– بطلي هبل يا بت.
خرجت منه برد سريع، مستنكرًا اعتراضها من الأساس، وما همت ان تثور به حتى فاجئتها درية التي خرجت من المطبخ على الشجار، بصحبة ابـ.ـنتها التي كانت تطرقع بالعلكة بفمها كعادتها، تهتف بزوجة ابنها:
– اطلعي انتي فوق دلوقتي يا اسراء .
– لكن يا خالتي….
– اسمعي كلامي دلوقتي يا بت واطلعي فوق.
اضطرت في الأخير ان تنصاع لأمرها، وتذهب الى شقتها ، تفرغ دmـ.ـو.ع القهر والضعف بعيدا عنهم .
شعر سامر بالاسف لحالتها، والنـ.ـد.م لعدm التريث في مفاتحة شقيقه الأحمق في هذا الوقت اثناء وجودها هي .
اما درية والتي امتقعت ملامحها لفعل الاثنان، فقد كشرت عن انيابها، تظهر هذا الوجه الحازم، امام تمرد اي فرد من عائلتها، والخروج بعيدا عن طوعها، لتقترب من الأحمق الكبير تلكزه بقبضتها، كازة على اسنانها:
– خلاص اتهبلت ومخك راح منك، اصحى يا واد لا افوقك، مرة خناقة في الشارع ، والتانية دلوقتي وقدام مراتك ، وكله ع السنيورة اللي رمتك بطول دراعها يا بن الهبلة.
– قوليلو يا اما يمكن يفهم، هي اللي رفضته، يعني هي اللي مش عايزاه.
تفوه بها سامر ، ليأخذ جزاءه هو الاخر:
– انت تخرس خالص انت كمان، وليكونش فاكرني نايمة على وداني ، ومعارفاش باللي في دmاغك.
تلقف سمير قولها ليصيح مهللا:
– ايوة بقى، يعني مش انا بس اللي واخد بالي اهو، خليه يبعد عنها يا اما.
قاطعته على الفور بحزمها، موجهة الحديث نحوهما الاثنان:
– اخررررس، مسمعش صوتك نهائي، الكلام ليكو انتو الاتنين، اياكم اسمع سيرة بـ.ـنت خليل هنا في البيت ده تاني، فاهمين؟
صمت الاثنان في حضرة جبروتها، لتعلق سامية شقيقتهم، بمصمصة من شفتيها :
– جاتها نيـ.ـلـ.ـة اللي عايز خلف، اياك تكون ساحراكم!
❈-❈-❈
مرت عدة أيام على خير، رغم كل ما قابلته بهجة من مصاعب مع هذه المرأة ، وذلك بفضل مساعدة الدادة نبوية التي لم تبخل عليها بالنصايح وتوجيه المرأة المتمردة لطاعتها، ورغم سكونها الدائم واستجابتها لتناول العلاج، إلا ان بهجة لم تعطيها الامان ابدا، تتوقع منها اي شيء ، فالمرأة لديها من التطرف ما يجعلها محل خطر على الدوام.
ولكنها مضطرة للتحمل واكمال المشوار، فالراتب لقاء هذا العمل الشاق مجزيا ويستحق المغامرة من اجل تأمين سبل الحياة مع اخوتها،
تذكرت لقاء لورا وقت ما طلبتها من اجل الاتفاق، لقد كانت حانقة ومتعجرفة بشكل مستفز، حينما القت بعدد من الاوراق المالية على سطح المكتب.
– اتفضلي يا ست بهجة، دا مبلغ محترم، لقاء الكام يوم اللي قضتيهم مع الهانم، رياض باشا قرر خلاص تكملي معاها في مساعدة نبوية .
ضجرت بهجة بشـ.ـدة، وهي تنظر للنقود التي افترشت سطح المكتب، حتى افقدتها فرحة الحصول عليهم ، دون اللجوء للسلفة التي كانت ستأكل جزء كبير من راتب المصنع.
– مالك مبلمة كدة ليه؟ مش فرحانة انك ثبتي في وظيفة زي دي، بالمبلغ اللي هتاخديه كل شهر، وادي العينة، ولا مش مصدقة.
قالت الأخيرة بابتسامة ساخرة، زادت من الغـــضــــب المكبوت لبهجة، والتي جاء ردها بعزة:
– ومصدقش ليه بقى؟ الرقم دا طبيعي كدة مقابل رعاية واحدة زي نجوان هانم، ودي مسؤلية كبيرة الواحد يشيل همها.
– امممم
زامت بفمها لتطلق سهامها في التهديد والوعيد:
– كويس والله انك مقدرة وفاهمة، المهم بس تكوني فاكرة كمان نصايحي، بخصوص رياض باشا،
زفرة طويلة خرجت منها بسأم تردد لها:
– حضرتك فاكرة كل كلامك، وانا فعلا من ساعة ما روحت بحاول اتجنبه، رغم اني مقابلتوش غير مرة واحدة، الباشا اصلا معندوش وقت تقريبا يجي البيت .
زمت لورا شفتيها بحنق لم تغفل عنه بهجة، ولكن لن تكترث بها ولا بفكرتها عنها، فالاهم الان هو المال؛
ذلك الذي حصلت عليه، وقد مكنها اليوم من ابتياع العديد من الأشياء الناقصة من المنزل، وبعض الحلوى التي كان يشتريها والدهم سابقًا واشياء اخرى ، لتدخل البهجة على قلوب اسرتها.
– الله يا ست بهجة، بسبوسه وكنافة بالقشطة، هو احنا النهاردة اول الشهر ولا ايه؟
هذا ما هتفت بها عائشة اثناء تفحصها لعدد الأكياس التي أتت بها شقيقتها، والتي ضحك لسعادتها، لتضيف على قولها جنة هي الأخرى:
– دي كمان جايبالنا بيجامـ.ـا.ت نقعد بيها في البيت، الله، انا من زمان كان نفسي واحدة قطن ومريحة زي دي، شكرا اوي ليكي يا بيبة .
عقبت بهجة بتأثر:
– كان نفسك فيها من زمان ومتكلمتيش يا جنات، طب قولي يا حبيبتي.
تبسمت الاخيرة بحرج فهمت عليه شقيقتها وتأثرت به، لتزيد عليها عائشة بخفة ظلها:
– النهاردة وانتي داخلة علينا بالكياس يا بيبة ، فكرني بدرية المستقوية، بس دوكها بشوفها كل يوم، تشيل وتكوم على قلبها، بخيلة في كل حاجة، مش فاهمة الناس بتجيب النفس لدا كله منين؟
ضحكت جنات وردت بهجة بابتسامة مكتومة:
– يا بـ.ـنت عيب، ملناش دعوة بحد احنا يا شوشو، تشيل ولا متشيلش، اوعي تبصي لحد يا قلبي .
عبرت عائشة بسجيتها:
– والله ما ببص، انا بس بتغاظ منها، هي ست مثيرة للغـ.ـيظ اساسًا، هي وبـ.ـنتها اللي بتزود المكياج في وشها بالكيلو.
قالتها عائشة فصدحت ضحكات الاثنتان، ليضفن عليها بالمزاح، وهي لا يغلبها كالعادة، حتى دلف اليهم شقيقهم عائدًا من الخارج، ليهلل لمشاهدهم:
– يا بسم الله ما شاء الله، صوت ضحككم واصل للشارع برا، خير في ايه؟
– اتفرج يا غالي وانت تعرف في ايه؟
قالتها عائشة تلفت انتباهه للاشياء التي أتت بها شقيقتهم الكبرى، فكان رده بالفرح ايضًا:
– الله اكبر دي بينها فرجت ولا ايه؟
رددت خلفه بهجة بتأكيد، تخرج له مجموعة من الأوراق النقدية
– فرجت يا حبييي والحمد لله، خد بقى حق الدروس اللي عليك ، ومصاريفك لاسبوع قدام .
تناول منها سريعًا بامتنان:
– من ايد ما نعدmها، بس دول كتير عن كل مرة يا بيبو.
قربت رأسه منها لتقبله على وجنته قائلة بحب:
– ولا كتير وحاجة، انت بس شـ.ـد حيلك عشان تجيب المجموع اللي يشرف، وتبقي دكتور يا دكتور .
علقت جنات بغيرة اخوية محببة:
– يا عيني يا باشا، خد انت الحب كله كدة وسيب لنا احنا الفتافيت.
– دا انتى في العين من جوا يا بت، خدي تعالي.
قالتها بهجة تخرج مجموعة اخرى تضعهم في جمب وحدهم:
– مصاريف الجامعة والكتب اهي، شبرقي نفسك بالباقي يا ستي، شالله ما حد عوش .
– الله عليكي يا ست الكل.
صاحت به جنات، لتأخذ مكانها هي الأخرى بجوارها وتضمها ، فيأتي رد عائشة:
– وانا بقى اللي وقعت من قعر القفة، ايه يا كبيرة ملناش نصيب كمان ولا ايه؟
فتحت لها ذراعيها:
– فشر يا دلوعة، دا انتي الحب كله يا شوشو.
– ابوة بقى .
تمتمت بها عائشة ، قبل ان تقفز من محلها وتنضم الى اشقائها، في غمرة تجمعهم هم الاربعة، تفيض بالحب والمودة والامتنان.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وبعد خروجها من نوبة العمل بالمصنع، استقلت وسيلة المواصلات نحو وجهتها في منزل رئيسها رياض الحكيم، والذي لم تشأ الصدفة لرؤيته، منذ لقاءهم الخاطف، اثناء الكارثة التي تسببت بها والدته .
رغم اعتياد معظم العاملين به عليها،
– مساء الخير .
– مساء الهنا
كانت هذه التحية والرد بها من قبل نبوية التي استقبلتها بحرارة قائلة:
– كويس اوي يا جميل انك جيتي في ميعادك، انا كنت ناوية اتصل بيكي.
– ليه؟
جاوبت نبوية ردا على سؤالها:
– خير يا قمر، انا بس احتمال اتأخر شوية النهاردة على ميعادي ، بـ.ـنتي عازمة اخوات جوزها، وطبعا انا مينفعش اسيبها لوحدها في حاجة زي دي، من جهة عشان الأصول، ومن جهة عشان اساعدها كمان.
اصابها بعض القلق عبرت عنه:
– بس خلي بالك انا مينفعش اتأخر، اخري عشرة ، بصراحة دا الميعاد اللي بنقفل فيه علينا انا واخواتي.
ردت نبوية بابتسامة لها:
– عيوني من جوا، هعمل المستحيل عشان متأخرش عليكي، وزيادة عشان تطمني اكتر، رياض باشا ابنها مش هيبقى موجود، اتصل بيا من شوية وبلغني ان عنده حفلة مهمة تخص الشغل، يعني تاخدي الامان ، وربنا يعينك على رعايتها الكام ساعة دول .
– اللهم امين، ويهديها عليا يارب.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر
حيث المنطقة الخالية إلا من العاملين بها، في بناء الأبنية الجديدة، وتدشين عدد من الوحدات السكنية، وقفت هي تشرف على العمال وتتابعهم، في تنفيذ المخطط الهندسي بدقة،
وقد انـ.ـد.مجت في العمل واخذت خبرة لا يستهان بها ، رغم صغر الوقت الذي استلمت به، وذلك بفضل مساعدة شقيقتها الدائمة لها،
من يراها الاَن لا يصدق ابدا انها تلك الفتاة المدللة التي لا تراعي سوى طعامها وبشرتها وشعرها،
الشخصية التافهة التي تنبذها، بذكرياتها السيئة مع الملعون ابن خالتها الذي كان يستغل ضعفها امام وهم العشق به.
وقد اكتشفت مؤخرا فقط ان كل السابق ما كان الا وهم بخيالها، بعدmا ذاقت حلاوة الحب البريء على يده.
– عصام انا هنا.
هتفت منادية باسمه، وقد وقعت عينيها عليه، يبحث عنها في إحدى الجهات ، بعدmا اخبرته عن المكان الذي تعمل به.
التقت عينيها بخاصتيه، يلوح لها كي تأتي، وهي بالطبع خير ملبي.
بداخل سياارته كانت جلستها معه، تعبر عن لهفتها بلقاءه:
– انا مش مصدقة انك عملتها وجيت، عرفت توصل هنا ازاي؟
– انتي عبـ.ـيـ.ـطة يا بـ.ـنتي؟ انا ظابط شرطة، يعني لو العنوان تحت الارض وبرضو هعرف اوصلك، انتي ناسية اني راجـ.ـل شرطة ولا ايه؟
يتحدث بزهو وثقة تذيبها، حتى الاَن لا تصدق هذا الانقلاب الذي حدث معها، من الارتباط بشخص كإبراهيم الوقح الفاسد ، الذي يحمل نتيجة فشله على المحيطين به ، لخطيبة الضابط الوسيم الذي يجلس جوارها الاَن، بأدبه الجم واخلاقه الدmثة، حتى في أقصى خيالها الجميل، لم تتخيل ان يأتي نصيبها بشخص مثله، رغم تزمته الشـ.ـديد في بعض الأوقات ، ولكنها لا تنكر انها تعلقت به بشـ.ـدة، وتتقبل منه اي قرار بتفهم لطبيعته.
اما عنه، فقد كانت سعادته لا توصف، برؤيتها هكذا وسط العمال، تأمر وتفرض احترامها عليهم، وقد كان هذا اول ما لفت انظاره اليها، الفتاة الشجاعة التي انقذت شقيقتها من براثن ابن خالتها الفاسد .
يرى بها الزوجة المناسبة، رغم انها لا تملك الا جمال عادي لا يوازي جمال شقيقاتها، إلا انها تملك جــــســ ـدًا متناسق، وقد ساهمت الحركة الكثيرة لها في فقدان الدهون، ولكن ظلت بخيرها ايضا، كما تخبره دائمًا بسجيتها، فبرغم اخلاقه العالية مع الجميع، إلا انه في النهاية رجل ، وحلاله احق ان يرى به ما يتمنى ويأمل.
ادار محرك السيارة بعدmا اشبع ابصاره منها ، لتسأله هي بلهفة:
– ناوي تاخدني وتروح بيا فين بقى؟ انا مش عايزة اسيب الشغل، لا شهد تعلقني.
دوت ضحكته برجولة مست قلبها، ليردف بزهو:
– تعملها بس ولا تقربلك حتى، دا انتي خطيبة حضرة الظابط عصام ولا مكتوبة على اسمه كمان، يعني شهر بالكتير وتبقي حرمه فعليا، تقدر تتكلم هي ولا المهندس جوزها وانا اللي اعلقهم الاتنين.
تشعر بقلبها على وشك التوقف كلما اخبرها بها، تلك الجملة الساحرة، حرمه، حرم الضابط عصام.
ليأتي ردها كالعادة بابتسامة خجلة، تزيده هياما بها فتفقده البقية الباقية من صبره:
– لااا انا لازم اشوفله حل واختصر بقى ، الكام اسبوع اللي فاضلين ع الفرح دول ، طولوا اوي.
❈-❈-❈
حالها اليوم مختلف عن بقية الايام السابقة، شاردة بصورة غير عادية ، ورغم صمتها الدائم، إلا انها تقطعه كل فترة بطلب تفاجأ به بهجة، كما فعلت الاَن وطلبت منها اعداد طعام تتناوله في هذه الساعة من الليل وقد قاربت على العاشرة مساءً.
واضطرت بهجة لإرضائها، لتجلس مقابلها الاَن وتراقب تلاعبها بالطبق وعودتها للشرود مرة اخرى، وكما تفعل دائمًا، تحدثت تخاطبها بأمل ضعيف في ان تفهمها:
– لو اعرف بس بتفكري فيه ايه؟ عينك رايحة جاية كل شوية ع النتيجة المتلعقة في الحيطة، وكأنك مستنية حد، بعدها تلعبي في طبقك على اساس انك بتاكلي، رغم انك محطتيش معلقة واحدة في بوقك.
بالطبع كان ردها هو المزيد من النظرات الخاوية، والتي تفقد بهجة الامل من شفائها، رغم كم الأدوية التي تتناولها بانتظام بطاعة تدهشها في بعض الاوقات.
– ماشي يا نجوان هانم، بس انا كان غرضي اتكلم معاكي، بصراحة احيانا بحسك فاهمة.
قالتها بهجة ليحدث اتصال بصري بينهما غير مفهوم، واستمر لمدة من الوقت جعلها تتيقن بقرب استجابتها، حتى حدث مالم تتوقعه، حينما باغتتها المرأة بالقاء كوب الماء عليها بدون انذار ، لتشهق مجفلة من فعلتها، فتلتقط انفاسها بفزع متمتمة:
– ايه اللي انتي عملتيه دا؟ حـ.ـر.ام عليكي يا شيخة هتقطعي خلفي بعمايلك دي.
سمعت منها وكأنها إشارة الاحتفال، لتنطلق في نوبة من الضحك المتواصل ، تصفق كفيها ببعضهما وتزيد من زهول بهجة التي وجمت تراقبها بصمت،
لتستغل الآخرى، وبحركة سريعة، دفعت الاطباق وما يحتويها من طعام بطول ذراعها، لتسقط على الأرض، وانتشرت الفوضى حولهم بشكل مزري .
حتى صارت بهجة على وشك البكاء:
– يا نهار اسود عليا وعلى سنيني، امتى هلحق انيل وانضف اللي عملتيه ده، والخدامين كلهم مشيو وراحو بيوتهم، هو انتي ايه يا ست انتي، حد مسلطك عليا؟
❈-❈-❈
احتفال صغير اقامه الاثنان مع الشركاء الجدد، بمناسبة عقد الصفقة الهامة والتي ستزيد من رفع رصيدهم امام عمالقة السوق.
انجاز جديد يضاف الى سجله، وقد اثبت انه قادر على التحدي وخلق الفرص، وبمساعدة هذا المدعو كارم، يجد الامال تفتح امامه بغير حساب ،
لكن وبرغم كل ذلك يشعر ان فرحته ينقصها شيء ما،
شيء ما لم يحدده بالظبط، او ربما هو ذلك السبب القديم الذي مهما حاول انكاره، يجد نفسه منغمسا به.
ف اليوم هو الذكرى السيئة، ذكرى وفاة والده .
ترى هل تذكره الاَن، ام ان الله رحمها بنسيانه.
❈-❈-❈
دثرتها تشـ.ـد عليها الغطاء، بعد أن خلدت الى فراشها ونامت على غير موعدها، وكأنها تهرب الى نومها من حـ.ـز.ن ما، رغم كل ما تفعله معها ، إلا انها لا تبغضها، بل تشفق عليها وتحـ.ـز.ن من أجلها، لا تصدق ان العشق هو من فعل بها كل ذلك؟ كيف لها ان تكون بهذا الضعف من اجل رجل؟
تحمد الله انها فقدت الثقة بهذا الصنف كله،
تنهدت تعود من شرودها، لتذهب وتطفيء اضاءة الغرفة، ثم تعود إلى ما ينتظرها من شقاء في ترتيب الفوضى التي فعلتها الأخرى على مأدبة الطعام واسفلها،
رغم اقتراب الساعة من الحادية عشر الا ان مروءتها أبت عليها ان تتركهم للدادة نبوية ، فالمسكينة لا ينقصها، خلعت عبائتها السوداء وذهبت بها الى المرحاض القريب ، لتمسح بالماء على بقع الطعام التي طالتها من رمي الاطباق، فمظهرها كان يثير الشفقة بحق.
عادت بها الى الردهة التي يوجد بها مائدة الطعام،
لتلقى بنظرها سريعًا، ثم تسحب شهيقًا مطولا، وتخرجه، قبل ان تستعين بالله ، وتبدأ في رفع الاطباق وتنظيف الارض، ومائدة السفرة، بعدmا القت العباءة على احد المقاعد، تتركها كي تجف حتى تنتهي، لتعمل هي بملابسها البيتيه التي كانت ترتديها في الأسفل.
بنشاط وتركيز شـ.ـديد ، ذهبت بالاطباق الى المطبخ، تجليهم بسرعة، ثم أتت ترفع السجادة الصغيرة ومفرش المائدة، تضعهم في ركن وحدهم لغسلهم بعد ذلك ،
وتنهمك بعدها في التنظيف ومسح الارضية، حتى انها لم تنتبه لمن عاد الى منزله، تاركا الحفل في نصفه، فبرغم القساوة التي تأصلت به على مر السنوات، إلا ان قلبه لم يطاوعه ان يترك والدته في هذا اليوم، دون ان يطمئن عليها،
ليفاجأ الاَن بهذا المشهد،
فتتجمد اقدامه عن التقدm ، يطالع شعرها الحريري الذي كان يغطي وجهها، ملابسها الملتصقة بالقد الملفوف برشاقة مذهلة، بنطالها البيتي المرتفع لأسفل ركبتها، وتيشرت بيجامة في الأعلى،
اشياء عادية غاية في البساطة ولكن عليها كانت تسلب العقل .
تلك الفتاة التي لو لم يعلم من نبوية بوجودها الاَن، لم يكن ليعرفها ابدا، وذلك للصورة ان اخذها عنها، في التخفي اسفل الملابس السمراء.
لقد رأى اجمل النساء من دول عدة، ابدا لم تؤثر فيه امرأة كما حدث الاَن.
كالذي اصابه الخرس، ظل بوقفته مشـ.ـدوهًا يطالعها، تلك الحورية التي تحتل منزله منذ ايام عدة ، غافلا عنها ولا يعطيها بالا، حتى يأتي اليوم فيتفاجأ بها على هذه الهيئة!
منكفئة فيما تفعل ولا تدري بمن التصقت قدmيه بالأرض بالقرب منها، وضاعت في جوفه الكلمـ.ـا.ت، حتى انتبهت هي اخيرا لترفع رأسها فتقابل ببريقها الأخضر بندقيتيه، فتنتفض بذعر نحو عبائتها المبتلة تضعها عليها متمتمة بـ.ـارتباك :
– انا اسفة مكنتش واخدة بالي .
ابتلع هو كي يعود لصوابه ، فخرجت كلمـ.ـا.ته بدون ترتيب ، ورغم انه يعرفها:
– انتي مين؟
اضطربت بحرج، تلف شعرها بعشوائية قبل ان تغطيه بالحجاب، لتطرق وتبتبلع ريقها بصعوبة:
– انا بهجة الجليسة الجديدة للهانم الكبيرة سيادتك.
– انا بس كنت بنضف من شوية الاطباق اللي دلقتها نجوان هانم.
تجاهل كل استرسالها، وركز على شيء واحد، اسمها
والذي علم به من لورا ومن نبوية، لكن منها، يشعر وكأنه لاول مرة يسمعه، وبصره يجول على ملامحها الجميلة، يتعرف بها لأول مرة.
غير منتبهًا لوضعه، وقد اثار بتحديقه بها الرعـ.ـب، لترتجف داخلها، تود الركض من محلها الى خارج المنزل ، ليتها ما اطاعت الدادة نبوية.
لابد لها من الذهاب الان وفورا.
– انا كدة خلصت اللي عليا، استأذن بقى عشان امشي
قالتها وتحركت نحو محفظتها وهاتفها الحديدي، ترفعهم عن احد المقاعد امام بصره، ليباغتها برده:
– تمشي تروحي فين؟ انتي عارفة الساعة كام دلوقتي؟
↚
– تمشي تروحي فين ؟ انتي عارفة الساعة كام د لوقتي
تطلعت اليه ببعض الارتباك والتشتت تجيبه بسجيتها :
– عادي يعني , هشوف اي وسيلة مواصلات نقل عام واركب فيها , مش مشكلة.
ضاقت عينيه باستنكار :
هي ايه اللي مش مشكلة ؟ الساعة دلوقتي داخلة على اتناشر.
_ يانهار اسود.
هتفت بها بعفوية اثارت تسليته, لتلقي بنظرها نحو شاشة هاتفها الرديء فتاكدت لتلطم بكفها على وجنتها مرددة بجزع:
– انا خدني الوقت ومحسيتش بنفسي مع الهانم , هي دادة نبوية مجتش ليه ؟ دي كانت مواعداني هتيجي احداشر بالكتير , ازاي قدرت تعمل فيا المقلب ده.
تحدث بابتسامة لم يخفيها رغم ادعاءه الرزانة امامها:
الدادة كلت حلو مع الجماعة قرايب بـ.ـنتها , وللأسف داخت وتعبت من مجهود العزومة , هي بلغتني انها مش هتقدر تيجي النهاردة , لأنها حاولت تتصل بيكي بس للأسف تليفونك كان بيرن معاها عالفاضي.
اطرقت رأسها بشرود , وخرج صوتها ببحة مزجت مابين الخــــوف والحـ.ـز.ن :
– ربنا يشفيها يارب , خلاص بقى انا همشي دلوقتي وهبقى اتصل بيها اما اروح اطمن عليها , عن اذنك يافنـ.ـد.م.
قالتها , وماهمت بأن تتحرك حتى أجفلها بنبرته الحازمة:
بقولك ماينفعش تخرجي دلوقتي الساعة داخلة على اتناشر انتي بتفهمي ازاي؟
برقت عينيها فجأة برفض وغـــضــــب لانفعاله الغير مبرر, لتكبت بصعوبة داخلها عدm الرد بشيء لايعجبه, حتى لو اضطرت لخسران وظيفتها ,هذا شيء قد اعتادت عليه:
– حضرتك متشغلش نفسك, انا بعرف اتصرف كويس اوي.
لاحت على جانب فمه ابتسامة لم تفهمها ,ليرد ببرود وعيناه تلاحق تفاصيلها بجرأة تثير الأستفزاز.
– ماشي يابهجة , انا عارف انك سبع رجـ.ـا.لة في بعض , لكن برضو انا ما يخلصنيش, ومستعد اوصلك بنفسي.
– لأ.
خرجت منها سريعا وبدون تردد , لتثير اندهاشه أكثر بفعلها:
– قصدي يعني اني مش عايزة ازعجك يا فنـ.ـد.م , لأني عارفة طريقي كويس وبعرف اتصرف، عن اذنك والف شكر على زوقك.
قالتها ثم التفت على الفور , متخذة طريقها نحو الخروج, لاتعطي له بالا ,ليفتر فاهه من خلفها مفتوحا بذهول, ثم يتحول لابتسامة متسعة, فيتناول هاتفه, ثم يتصل على احد الاشخاص:
– ايوة يا علي , اسمعني كويس.
❈-❈-❈
بخطوات ثابتة خرجت من المنزل الضخم، متخذة طريقها نحو الباب الحديدي ثم الشارع ، ولتلقى بعد ذلك حظها فى البحث عن وسيلة تقلها، رغم الرعـ.ـب الذي يتغلغل داخلها في العودة الى منزلها في هذه الساعة المتأخرة من المساء، وهواجس تدور برأسها حول نوعية البشر المضطرة أن ترافقهم حتى تصل الى وجهتها، لتتضرع داخلها، وتناجي الله القوة.
الاَن وقد خرجت من محيط المنزل والحراس التي تحاوطه، تجول عيناها بالشارع الفسيح، وقد خلى من السيارات والمارة الا قليلًا،
تجسر نفسها في السير نحو وجهتها وقد اصبحت وحيدة لا تملك الا ايمانها في مواجهة المخاطر.
– عديها على خير يارب.
صارت تتمتم بها ومجموعة من الادعية والايات الحافظة، حتى تفاجأت باضاءة قوية لإحدى السيارات تأتي في مواجهتها، لتضطر هي للأفساح لمرورها، وكانت المفاجأة حينما اكتشفت هوية السائق، والذي تعرفه من توصيله الدائم للدادة نبوية ، ليطل برأسه وشعره الابيض بابتسامة مشاكسة يخاطبها:
– جايلك قلب ترجعي لوحدك في نص الليالي يا بهجة.
ضحكت باضطراب تهدئ من ضـ.ـر.بات قلبها المتسارعة، في ردها للرجل العجوز:
– عم علي… خضتني حـ.ـر.ام عليك، افتكرتك واحد غريب وبتعاكس.
– بصراحة انا لو غريب، وشوفت واحدة حلوة كدة في الشارع، لازم اعاكسها .
قالها العم علي بمشاكسة لتسهم بنظرها اليه، حتى جعلته يضحك بملىء فمه، ليتابع بمرح:
– انتي لسة هتنحي؟ ياللا تعالي يا بت اركبي معايا اوصلك في طريقي.
ترددت باعتراض:
– ماا بلاش يا عم علي، العربية مش بتاعتك .
هتف بها حازما دون يختفي منه المرح:
– بلا بتاعتي بلا بتاعة غيري، رياض باشا اساسًا هو اللي أمرني.
– رياض باشا هو اللي أمرك؟
تمتمت بها بعدm تصديق، ليأمرها هو :
– انتي لسة هتسألي؟ اخلصي يا بهجة خليني انا كمان ارجع بيتنا واريح انام، يلا…..
اضطرت تحت إلحاحه ان تزعن لتنضم معه في الكرسي الخلفي بـ.ـارتباك منها، حتى جعله يعلق بمرح:
– يعني كدة بقيت انا السواق بتاعك، والله تستاهليها.
وختم ضاحكًا، ليظل مستمرًا بأحاديثه معها، كي يخفف من تـ.ـو.ترها، حتى وصل بها الى مدخل الحارة وقد كان في انتظارهم شقيقها، بعدmا اتصلت به وابلغته بعودتها.
❈-❈-❈
– هااا اطمنت على حبيبة القلب انها رجعت.
تهكمت اسراء بالكلمـ.ـا.ت نحو زوجها الذي انتفض متحفزًا فور رؤيته لطيف غريمتها على مدخل الحارة، بصحبة شقيقها الذي هبط عزيمته في الخروج واستقبالها موبخًا تأخرها حتى هذا الوقت.
وتأتي الاَن زوجته لتزيد عليه وقد فهمت ما يدور برأسه:
– راجعة مع اخوها، يعني ملكش حجة تتعرضلها.
حدجها بنظرة نارية لم تأبه بها لتتابع بعدm اكتراث:
– قوم يا اخويا قوم، نام في فرشتك احسن وافتكر ان وراك شغل في الوكالة، بدل ما انت مضيع وقتك في الفكر ع اللي راح، والحـ.ـز.ن ع الاطلال.
زمجر غاضبًا يكاد ان يفتك بها:
– يا بـ.ـنت ال…. غوري يا اسراء، بدل ما اخليها عشيتك الليلادي انا مش ناقصك.
بابتسامة شامتة علقت وهي تغادر من امامه:
– لا وعلى ايه؟ انت حر.
قالتها واختفت من أمامه، ليعلق في اثرها:
– فرحانة فيا يا بت الجزمة، ماشي.
ادار رأسه للناحية الأخرى مغمغمًا بتوعد نحو المتمردة ابنة عمه:
– وانت كمان يا بهجة، برضو حسابك عسير عشان تبطلي تروحي وتيجي على كيفك.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
استيقظت بهجة على اتصال هاتفي برقم غريب ، لترد بصوت ناعس مستفسرة:
– الوو…. مين معايا.
– انا يا بهجة.
وصلها الصوت الرجـ.ـالي ذو البحة المميزة، لتنتفض بجزعها، تفتح اجفانها على وسعهم، فتبتلع ريقها مرددة بـ.ـارتباك:
– انت مين يا فنـ.ـد.م ؟
للمرة الثانية تسأله بعدm تركيز، وهو يجاهد الحفاظ على جديته:
– انا رياض الحكيم يا بهجة.
حينما ظلت على صمتها وقد اصابتها الصدmة بالخرس، تابع بتسلية:
– شكلك كدة صاحية من النوم ومش مركزة، ع العموم انا هبعتلك عم علي يجي ياخدك بالعربية، تحلي محل الدادة النهاردة لانها تعبانة.
– دادة مين؟
تساءلت بها وكأن عقلها لم يعد يعمل، ليتابع بصبر ليس من شيمه، شارحًا لها وقد اصبح الامر يروقه:
– قولتلك دادة نبوية اللي تعبانة، انا خارج دلوقتي ورايح على شغلي، الهانم متتسابش لوحدها، واياكي تسهي عنها.
قالها وانهي المكالمة على الفور ، لتتطلع هي لفترة من الوقت بشاشة الهاتف، لتتدارك متسائلة بجزع:
– نهار اسود، طب وشغلي في المصنع، مين اللي هيشيله؟ انا اتصل بنبوية دلوقتي ولا الريسة صباح، دا ايه الربكة دي يا ربي على اول الصبح.
❈-❈-❈
وفي مكان اخر،
حيث كانت بين زهورها ، تمر عليهم بدلو الماء لتسقيهم وتراعيهم، وصوت المذياع يصدح بأغاني الزمن الجميل، ليتفق مع مزاجها الرائق وهي تردد خلفهم بما تحفظه، حتى اجفلها صوت الشجار المعتاد في هذا الوقت .
– اتلمي يا لينا واتقي شري على اول الصبح، بدل ما اطلعهم عليكي، انا مش شايف قدامي اساسًا دلوقتى.
– وان ما اتلمـ.ـيـ.ـتش يا امين هتعمل ايه؟ انا بقى مشتاقة اشوفهم، اللي انت عايز تطلعهم دول.
توقفت مجيدة عما تفعل لتغمغم بعدm فهم، لهذان المعتوهان:
– نهار اسود، هو ايه اللي يطلعهم وهي عايزة تشوفهم؟ هي العيال دي مخها ضـ.ـر.ب ولا ايه؟
تحركت على الفور خارجة من الشرفة اليهم، لتجد ابنها يهدد بقبضته نحو هذه المـ.ـجـ.ـنو.نة:
– يا بـ.ـنتي اتاخري عني وبلاش تستفزيني، قلم واحد بس مني هيطيرلك صف ضروسك كلهم.
– تخصرت امامه بتحدي:
– طب وريني هتطيرلي صف اسناني ازاي يا امين ، انا قدامك اهو .
– يا لهوي عليا.
تمتمت بها مجيدة قبل ان تصل اليهما، وتقف حاجز بين ابنها وزوجته، والتي صارت تزيحها بخفة لتبتعد للخلف.
– اخزي الشيطان يا حبيبي وابعد عنها كدة، دي حامل واحنا مش ناقصين.
تلقف قولها ليصيح بغـــضــــبه:
– ما هو دا اوس المشكلة يا ماما، الهانم بقولها تريح شوية عشان العيل وهي مفيش فايدة، قاعدة تتنطط من هنا لهنا زي فرقع لوز لما هتشلني.
وقبل ان تتفوه مجيدة بكلمة، سبقتها الأخرى:
– يا سيدي وانا اشتكلتك، ما انا فل وعال العال اهو.
قاطعتها مجيدة تكبر بتحذير:
– يا بـ.ـنتي الله اكبر، متفوليش على نفسك يا منيـ.ـلـ.ـة.
– عشان تشوفي يس يا ماما، المورستان اللي انا عايش فيه، اهي كل كلامها كدة، لما هتطير برج من نفوخي.
ربتت مجيدة على كتف ابنها لتجذب الأخرى والتي كانت تزفر بضيق، تضمها اليها ، كي تلطف مع الاثنان:
– بعد الشر على نفوخك يا حبيبي، وانتي يا بـ.ـنتي ربنا يحفظك، هو برضو خايف عليكي اعذريه، روح يا امين على شغلك وانا هتفاهم معاها.
اومأ لها بطاعة وفور ان هم بالتحرك، عاد اليه الجنون مرة اخرى عقب قولها:
– بس انا ورايا شغل يا طنط مينفعش اتأخر.
– اهي يا ماما، عشان تشوفي بنفسك دmاغها، دي مينفعش معاها التفاهم ابدا.
تدخل شقيقه والذي كان خارجًا من غرفته يسند زوجته بخطوات متمهلة بطيئة من اجلها:
– مالكم على اول الصبح كدة ازعجتونا وقلقتوا نومنا يا بعدة ، الواحد ميعرفش بقى يريح في بيته منكم.
– يا حبيبي انت يا رايق، سامحنا يا اخويا لو ازعجناك .
عقب بها امين متمهكا بحنق ، ليثير ابتسامة متلاعبة على ثغر اخيه،
– حقكم تصالحونا بقى؟
قالها ليزيد من استفزاز اخيه الذي ارتفع طرف شفته بغـ.ـيظ له، ليتدارك بعد ذلك حينما وجد زوجته تهرول بلهفة نحو صديقتها:
– شهودة يا قلبي، عاملة ايه النهاردة انتي والبيبي؟
لانت ملامحه، متأثرًا بعاطفة الاخوة التي تجمع بين الاثنتان، ليخاطب هو الاخر زوجة اخيه بتعاطف:
– اخبـ.ـار رجلك ايه النهاردة يا شهد؟ لساها برضوا بتو.جـ.ـعك؟
اومأت متمتمة له بالحمد ليضيف زوجها بتأنيب ينبع من خــــوفه:
– ما هي طبعا لسة مخفتش، عشان الحركة عليها، انا عارفها مبتثبتش مكانها، ربنا يستر ع الجنين .
دافعت عن نفسها بكلل وتعب:
– يا حسن انا طول اليوم نايمة على سريري، مش خطوة ولا خطوتين هما اللي هيزيدو تعب الرجل ، ولا هيسقطوا الجنين؟
– تمام يا شهد، انا قاعدلك النهاردة من الشغل خالص، اما اشوفهم خطوتين ولا اكتر.
اشاحت برأسها عنه، والتوى فمها بطريقة اضحكت من انتبه مثل مجيدة وابنها الضابط امين والذي عقب بمرح:
– والله يا شهد انتي الله يكون في عونك.
التقت عينيه بفيروزتي زوجته ، ليتابع بكيد لها بادعاء يجيده، كي لا يضعف امامها:
– وعوني انا كمان معاكي ويصبرني على ما بلاني
❈-❈-❈
سارت تخرج من الحارة مسرعة، وقد غيرت طريقها المعتاد ، وتعجلت عن ميعادها الصباحي، كي تلحق بالسيارة التي اتفقت مع سائقها عبر الهاتف ان يبتعد بقدر الامكان عن منطقتها، وقد تأكدت من الدادة نبوية بحقيقة مرضها بالفعل، كما اخبرتها بالتفصيل عن موقف الامس، وترددها بالذهاب بعدmا رأها بهذه الصورة الغير لائقة امامه، حينما كانت تمسح الارضية ببيجامة النصف كم وشعرها الذي ظهر جميعه بغفلة منها ، ولكن المرأة هونت الأمر عليها، بل وسفهت منه، حتى اقنعتها ان الأمر لا يستحق التفكير من الأساس،
وبدورها هي اتصلت بصباح كي تغطي عليها ، حتى لا يحتسب عليها يوم غياب في عملها بالمصنع.
أبصرت عن قرب العم علي، وقد وجد احد الاكشاك، ليجلس مع صاحبه في انتظارها، يتحدث ويتباسط مع الغريب كعادته، ليتها تملك نصف مزاجه الرائق دائمًا.
حينما انتبه اليها ، تبسم لها بتحية ثم ترك كوب الشاي من يده، ذاهبًا نحو محله خلف عجلة القيادة، لتدلف خلفه على الفور متمتمة بقلق:
– اتحرك بسرعة يا عم علي .
ليذعن الرجل مغادرا بها على الفور، رغم استغرابه من تـ.ـو.ترها.
وبعد لحظات قاربت الربع ساعة، خرجت من خلفها شقيقتها الصغرى لتذهب نحو مدرستها، ثم تقابل بابصارها ابن عمها سمير الذي توقف محله ف مدخل البناية، يطالعها بتساؤل اثار التسلية داخلها، لتسخر كعادتها:
– يا دي النهار الملزق لما يبتدي من اوله.
اصابته كلمـ.ـا.تها بالغـ.ـيظ الشـ.ـديد حتى انه لم يصمت لها هذه المرة ، يدفعه الفضول ايضا في السؤال:
– بطلي قلة حيا يا عائشة واصطبحي ع الصبح.
رفرت اهدابها بتمثيل لتردد باستخفاف:
– افنـ.ـد.م حضرتك انت بتكلمني انا؟
– امال بكلم خيالي.
هتف بها ليقترت متسائلًا:
– اختك مخرجتش ليه معاكي النهاردة؟ هي تعبانة؟
هذه المرة صارت تضـ.ـر.ب كفا بالاخر تحدث نفسها بتجاهل له:
– لا اله إلا الله، انا قولت من البداية انه يوم ملزق.
همت ان تتخطاه غير مبالية، ليوقفها ناهرًا وكأنه قد اصيب بالجنون:
– لما حد كبير يكلمك ردي، وبلاش قلة ادب ولا تلقيح بالكلام، اختك ايه اللي أخرها لقريب الساعة واحدة بالليل امبـ.ـارح؟
وكأنه ضغط على زر الاشتعال، لتفرغ به طاقة الغـــضــــب التي تحملها منه ومن اسرته:
– اولا اختي ملكش حق تسأل عليها، ثانيا بقى انا مؤدبة غـ.ـصـ.ـب عن اي حد ، ولو مش مؤدبة برضو ملكش دعوة.
لسانها الحاد كسياط تجلد من أمامها، ولكنه ابدا لن يصمت لها:
– بقى دي اخلاق بنات محترمة؟ بترودي على ابن عمك الكبير وتقلي أدبك عليه.
تكورت وجنتيها بضيق طفولي تزفر في وجهه بحنق، ثم تهم ان تقرعه بما يستحقه، ولكن اوقفها مجيء شقيقه الأصغر، ينقذه من براثنها:
– ايه في ايه؟ صوتكم جايب لاخر الشارع ؟ ايه اللي حصل يا عائشة؟
ردت رافعة له حاجبها:
– اسأل اخوك الكبير المحترم، اللي بيتعرض لواحدة قد عياله، وبعدها يتهمني اني بقل ادبي، طب انا ماشية ورايحة مدرستي دلوقتي، واياك الاقيه بيوجهلي اي كلام تاني .
قالتها وتحركت ترفع حقيبتها مغادرة امام صدmة الاثنان، ليردد سمير في اثرها بعدm تصديق:
– بقى انا بتعرضلها وهي قد عيالي؟ ليكون فاكرة نفسها طفلة حقيقي، دي عجوز شمطاء
.
– وحد قالك تقف في وش القطر، اتحمل بقى لسانها اللي زي المرزبة .
تفوه بها سامر ضاحكا، يصعد الدرج لمنزله، قبل ان يتوقف على قول شقيقه؛
– انا كنت بسألها على اختها الكبيرة، الهانم راجعة امبـ.ـارح على واحدة بالليل، والنهارده مظهرتش خالص.
ارتفع حاجب الاخر بريبة مرددًا:
– واحدة بالليل! ليه يعني؟
❈-❈-❈
حينما توقف بها العم علي داخل محيط المنزل الضخم، ترجلت منها سريعًا والهاتف على اذنها، تتحدث مع الدادة نبوية لتنفذ التعليمـ.ـا.ت المطلوبة في مجالسة الهانم الكبرى،
كان هو في طريق خروجه نحو عمله لتتشبث قدmيه بالأرض فور رؤيتها، حتى مر طيفها يتخطاه، فيصل لأسماعه تحيتها على عجالة:
– صباح الخير يا باشا، ايوة يا دادة انا معاكي
اكملت محادثتها تسرع بخطواتها وكأنها فعلت ما عليها والان تريد الهروب منه، ليتوقف محله ناظرا في اثرها حتى دلفت لداخل المنزل واختفت بداخله .
ثم يعود لصوابه شاعرا بشيء ما غير مفهوم ، ان كان ارتياحًا لمجيئها بديلا في الوقت المناسب لرعاية والدته في وقت مرض المرأة التي تتحملها ، ام هو لمحة من انتعاش سرت داخله برؤيه البريق الاخضر رغم حديثها المقتضب السريع، ثم هذا الشيء المختلف بها، رغم ارتدائها هذا الثوب الرديء ، لكنه لا يليق بها ابدا.
❈-❈-❈
ربتت سميرة على كتف ابنها وهو يتناول الطعام بنهم، اثناء جلستها معه في موعد الزيارة الاسبوعيه، تخاطبه بتعاطف، وعدm احتمال لما وصل اليه.
– كل يا حبيبي وبر نفسك، انا جيبالك اكل كتير اشكال والوان، دا غير الفلوس اللي حطيتها في الامانات ، مش عايزاك تحتاج حاجة خالص يا ابني،
رد ابراهيم يلوك الطعام بفمه:
– انا عايز اخرج ياما، هو دا اللي انا محتاجه، مش شوية الاكل والشرب داخل سـ.ـجـ.ـن من اربع حيطان.
مصمصت بأسى وحنق يغمرها:
– ويعني انا هعمل ايه اكتر من كدة يا حبيبي؟ المحامي بياخد شيء وشويات وابوك على قد ما بيعارضني، لكنه في الاخر بينخ ويديني اللي عايزاه عشانك، لكن بقى اللي معقد الدنيا هي شهادة الشهود، خالتك اترجتها كذا مرة، لكن المزغودة امنيه راكبة راسها، نست اللي كان ما بينكم، وباعت بطول دراعها ، بعد ما اتخطبت لحضرة الظابط، الهي ما توعى تفرح.
كلمـ.ـا.ت الحقد التي تتفوه بها، كانت تزيد من صب الوقود واشعال النيران بصدر ابنها الناقم من الأساس:
– اه ياما متفكرنيش، بت ال……. اللي كانت زي الخاتم في صباعي، لعبة احركها من ايدي دي، لإيدي دي، خلاص كبرت وشافت نفسها.
زفر بحريق من داخله مع دخان السيجارة التي اصبح ينفث بها غليله، بعد ترك الطعام:
– امـ.ـو.ت واعرف بس الظابط دا ايه اللي عجبه فيها؟ عادية واقل من العادية كمان، دا غير انها غـ.ـبـ.ـية، مفيهاش غير بس جـ.ـسمها………
توقف وقد لاحت بعد اللقطات القديمة في مخزن والده، وما كان يفعله بخسة معها ، ليمسح بظفر ابهامه على ذقنه النابتة بتفكير:
– يكونش دا اللي عجبه فيها هو كمان؟
تبسم بغليل مغمغمًا:
– ماشي يا امنية، والله ما هاسيبك.
❈-❈-❈
اثناء مطالعته للملفات ، وتوقيعه على الاوراق المطلوبة، وهي تحدق اليه بوله كعادتها، كي تفتح معه اي حديث عادي، تخرج من اطار الرسمية التي يحبسها بها:
– ماما فرحت اوي لما حكتلها عن انجاز الشركة والتوقيع اللي حصل امبـ.ـارح مع مسؤلي الماركة العالمية للأزياء، مش قادرة اقولك كان ناقص بس تزغرط.
رفع رأسه بشبه ابتسامة خفيفة كرد لها، ليقول ببرود لا يناسب لهفتها قبل ان يعود لما يفعل:
– ربنا يبـ.ـارك فيها، سلميلي عليها
تمتمت بإحباط اصبح يلازمها من افعاله:
– يوصل ان شاءالله، رغم انها هتمـ.ـو.ت وتشوفك بنفسها، ترغي وتتكلم معاك.
اوما يرضيها بمجاملة:
– ان شاء الله، اكيد هشوفها في اي مناسبة للعيلة.
بادلته هي الأخرى بابتسامة باهتة، لتتناول منه عدد الملفات ، وقبل ان تلتف أوقفها بقوله:
– صحيح يا لورا، متنسيش تتصلي بالدادة نبوية وت عـ.ـر.في ايه حالتها عشان تبعتيلها دكتور كويس، اصلها تعبانة جدا على حسب ما سمعت .
تساءلت بتوجس:
– وطنط نجوان مين مراعيها دلوقتي.
– بهجة .
توسعت عينيها بمفاجأة وهو يخبرها عن مجيئها اليوم منذ بداية الصباح بناءًا على طلبه، لتعقب بتشتت وغيط:
– ازاي حضرتك؟ وانا شايفة اسمها في دفتر الحضور للعاملات قبل ما اجي، دي اكيد صباح بتغطي عليها بقى، انا هطين عيشتها.
صدحت منه فجأة ضحكة مجلجلة نادرة، كادت ان تطيح بها، ليقول بمرح:
– طب والله جدعة وعملت اللي انا غفلت عنه، اسمعي يا لورا، احسبي كل الايام اللي هتقضيها بهجة في الشفت زيادة محل الدادة نبوية وجمعيهم في مكافأة لها، دا غير طبعا الايام اللي هتغيبها هنا متتحسبش غياب.
برقت عينيها باعتراض لم تخفيه:
– وافرض استهبلت ولا وزودت فيها، دي عمرها ما هتبقى زي دادة امينة، انا اصلا بدور على واحدة زي دادة عشان نستبدلها في أي وقت.
ترك كل شيء وارتكزت عينيه عليها برد هاديء وحازم:
– وماله يا لورا دوري ولو لقيتي زي الدادة جيبيها برضوا تساعد معاهم….. مش نستبدل..
بقوله الحاسم أنهى كل سبل الجدال معه، لتنصرف من امامه، تغمغم داخلها بكل عبـ.ـارات الحنق والنـ.ـد.م على توظيف هذه الفتاة بمنزله.
❈-❈-❈
– رايحة فين يا سنيورة؟
توجهت درية بالسؤال نحو ابـ.ـنتها التي خرجت من غرفتها تتمايل بخطواتها المتبخترة، وقد تزينت بمبالغة كعادتها، وارتدت افخر الملابس من خزانتها واضيقها ايضا، كي تبرز المنحنيات والتفاصيل اللافتة بها.
فجاء جوابها من بين تلويك علكتها :
– يعني هكون رايحة فين بس ياما؟ هو انا ليا مين غير بيت اخويا، اهو ازوره وبالمرة اطمن على عمتي المسكينة التعبانة.
– عند شادي.
تمتمت بها درية، لتضيف بعدm رضا:
– احنا مش قولنا نبطل الروحة والجاية على هناك، مدام خطب وكل واحد راح لنصيبه، يبقى نشوف احنا نصيبنا بقى؟
قالتها بمغزى فهمت عليه ابـ.ـنتها ، لتقارعها برفض:
– وطبعا قصدك بالكلام ده، الواد ربيع ابن عم خيري صاحب ابويا، بقى الاشكال الضالة دي تتسمى نصيب ياما، انا عايزة واحد ببدلة ملو هدومة، مش العيل الشارب ده.
في رد مباغت، مصمصمت درية بشفتيها ترد بسـ ـخـــريــة:
– اه يا ختي حقك ما انتي واخدة البكالوريا ولا الاسنس اللي بيقولوا عليه…… فوقي يا روح امك دا انتي شهادة دبلوم صنايع وخدتيها بالغش كمان، يبقى ايه لزوم العنطزة بقى؟
دبدت قدmيها على الارض بغـ.ـيظ وعيناها التفت نحو المطبخ، لتعود اليها هامسة بتحذير:
– ما توطي صوتك بقى ياما، وخلي بالك احنا مش لوحدنا في البيت .
قالت الأخيرة بإشارة نحو زوجة اخيها التي كانت تعد الطعام داخله، ولا تدري بأنها كانت تضحك الان بصوت مكتوم، وقد وصلها الحديث،
اما عن درية فقد امتقع وجهها بحنق، والأخرى تلح عليها:
– سبيني امشي بقى ياما، انا مبعملش حاجة غلط، واحدة ورايحة بيت اخوها وتطمن على عمتها، فيها ايه دي بقى؟
❈-❈-❈
عودة لبهحة التي مازالت تقنع نجوان وتحاول ترضيتها، بعدmا استيقظت ولم تجد نبوية التي اعتادت على مجالستها صباحًا ومعظم الوقت:
– يا ست عبريني، يعني لا عايزة تقومي تفطري ولا تغسلي وشك حتى ، هتفضلي لازقة طول اليوم ممدة في السرير.
ظلت على حالها، لا تنطق الا كلمة واحدة:
– نبوية.
تنهدت بهجة داخلها، تناجي الصبر، لتستمر في مهادنتها:
– ما قولتلك كزا مرة انها تعبانة ، هي لو تقدر برضوا هتسيبك ومتجيش.
اشاحت بوجهها للناحية الاخرى ، برسالة واضحة برفضها، لتغمض عينيها بيأس لمدة من الوقت ، حتى رفعت رأسها فجأة تعبر عما خطر برأسها، وهي تراقبها:
– شعرك اصفر وزي الحرير ، سبحان الله، حتى وانتي قايمة من النوم ومنعكش حوالين وشك برضوا مخليكي قمر.
يبدو ان كلمـ.ـا.تها قد أتت بأثرها، وقد التفت لها تنتظر المزيد، ف الانثى حتى لو كانت بنصف عقل سوف تستجيب للغزل ،
فتبمست بهجة متابعة بإعجاب:
– انتي عارفة بقى ، انا كان نفسي يطلع شعري اصفر زيك كدة، يعني عشان يليق على لون عيوني، حكم احنا وارثين العيون الملونة دي من امي، انا والواد ايهاب خدنا اللون الاخضر الصافي، اما البت جنات خدت العسلي والمزغودة عائشة اخر العنقود فدي خدت الزتوني، عشان تغـ.ـيظنا كلنا بروعته.
ظلت نجوان على وضعها وقد وضح جليًا ان الحديث قد اعجبها ، ليخرج صوتها اخيرا:
– انتي حلوة .
– تاني .
صدرت بمرح من بهجة لتتابع باتساع ابتسامتها:
– والله وانتي اللي قمر، ياما نفسي اوصل لسنك كدة وابقى في نص جمالك.
استجابت نجوان وبفعل طفولي اصبحت تهز اكتافها بزهو، لتردف بهجة بتمني:
– يا سلام ع الروقان والجمال يا ناس لما تبقي هادية، اه لو تبقى هادية ورايقة كدة على طول…… بقولك ايه؟ هو انا ينفع اسرح شعرك الحلو ده.،
سمعت منها لتذهب عيناها نحو الفرشاة الملقاة القريبة منهم، لتوميء بعيناها بموافقة، جعلت بهجة تقفز من محلها بحماس:
– حالا هسرحلك واعملك احلى تسريحة.
❈-❈-❈
دفع باب الغرفة ليدلف اليها بخطوات مسرعة ، ليبطأها فجأة مع انتباهه لحالة الاخر، حينما وقعت عينيه عليه،
يتحدث في الهاتف بابتسامة حالمة، يهتز بكرسيه برواق، حتى انه حاول ان ينهض كي يؤدي التحية العسكرية اليه، ولكن امين اوقفه ملوحًا بكف يده.
ليجلس مقابله يسند بمرفقه على سطح المكتب ، مريحًا وجنته على قبضة يده، يتأمله بوجه عابس جعل الاخر يخفي بصعوبة ابتسامته، قبل ان ينهي المكالمة بصوته الهامس، ليعلق امين؛
– يا خويا يا نحنوح، بتحب في تليفون الشغل يا حضرة الظابط.
دافع عصام ضاحكًا:
– الله يا فنـ.ـد.م، هو انا بكلم حد غريب؟ دي زوجتي المستقبلية اللي كاتب كتابي عليها.
– اممم
زام بفمه متصنعُا الضيق:
– اه يا خويا فرحان اوي، هما يومين عسل وبعدها تشبع نكد.
اكمل عصام بضحكاته:
– ومالوا يا فنـ.ـد.م، ندوق العسل وبعدها يجي النكد براحتوا، يعني احنا هنروح منه فيه.
– يا حبيبي.
تمتم بها بمصمصة من شفتيه، ليردف:
– كنا كدة في حماسك، بس يلا بقى، هو شر لابد منه وخلاص .
– برضوا شر.
– اه شر عندك مانع.
– لا يا فنـ.ـد.م وانا اقدر.
– ايوة كدة اتعدل.
قالها امين وصدحت ضحكاتهم، بحديثهم الودي، قبل ان ينخرطوا في العمل والمناقشة حول الامور الهامة بينهم.
❈-❈-❈
قامت لها بتمشيط الشعر الحريري، حتى اعجبها، وصارت تتأمله امام المرأة، لتستجيب لها بعد ذلك وتتقبل الطعام منها، ثم تتناول العلاج دون اعتراض، ليدخل بعض الارتياح قلب بهجة، ولكن ذلك لم يمنعها من الحذر.
فقد تعلمت الا تعطيها ابدا الامان ، مضى نصف اليوم معها، حتى تفاجأت بالخادmة تخبرها:
– رياض باشا طالب يشوفك يا بهجة في اوضة مكتبه.
قطبت بعدm استيعاب:
– رياض باشا عايزني ليه؟ وهو من امتى اصلا بييجي في النهار؟
جاء رد الخادmة بعملية:
– رياض باشا مستنيكي يا بهجة، اتفضلي وانا هقعد مع الهانم اراعيها لحد ما ترجعي.
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر:
– ودا كمان عايزني في ايه؟ جيب العواقب سليمة يارب.
❈-❈-❈
خرجا الاثنان من المصعد، ويدها مازالت محجوزة في قبضته، تأرجحها بمرح وكأنها طفلة صغيرة تتدلل عليه، وهو يتقبل منها رغم غـ.ـيظه في بعض الاوقات حينما تزيد عليه.
ولكنه لم يعرف معنى السعادة الا على يدها، وقد اصبح ملازمًا لها ، في الذهاب الى العمل وفي العودة منه، وفي العمل نفسه .
تقارب يحدث بين شخصيتين مختلفتين في كل شيء ولكن الله يوحد القلوب بدون اسباب .
– هتصل بيكي النهاردة بالليل، اياكي تنامي لاطلعه عليكي بكرة في الشغل.
اهدته ابتسامتها الساحرة تشاكسه:
– والله انت وبختك، حصلتني وانا صاحية فل، انما لو روحت في النوم، انسى، حتى لو هتشغلني تاني يوم اشغال شاجة…. اه
قطعت متأوهة حينما ضغط على كفها:
– ردي وقولي حاضر وبس يا صبا، من غير ما تلفي وتدوري معايا، غلبتيني معاكي.
قهقهت بمرح مرددة:
– حاضر يا عم، بس خف يدك دي، لا يطلعلك ابو ليلة وهو اللي يرد عليك.
– والله، يعني انتي بتهدديني بابوكي.
تمتم بها ليكمل بالضغط على كفها :
– طب خليه يطلع دلوقتي وانا اعملها وضع حميمي عشان يلمنا نتجوز بالمرة، انا اساسًا بتلكك.
وكان ردها الضحك المتواصل، تزيده هياما بها، حتى اجفلهما صوت الباب الذي فتح فجأة لتطل عليهم من مدخله :
– الله، انت واقف هنا يا شادي، مش تدخل عشان تطمن والدتك برجوعك،
التفت إليها سائلا بفزع:
– مالها والدتي يا سامية؟ وانتي هنا من امتي.
ردت ببساطة:
– انا جيت اطل عليها واشوفها لو عايزة حاجة، لقيتها زعلانة وكل شوية تسأل انت رجعت ولا لأ.
افلت كف صبا، ليتحرك على الفور إليها بقلق:
– لا يبقى انا لازم اشوفها واطمن عليها بنفسى.
دلف بخطواته المسرعة الى منزله بالداخل، لتظل سامية بوقفتها على مدخل المنزل، تطالع صبا بابتسامة صفراء، قبل ان تصفق الباب فجأة بوجهها، لتعلق هي في اثرها:
– يا بت ال….. ماشي يا سامية الزفت.
❈-❈-❈
كانت تقف خلف باب مكتبه، تفرك كفيها بتـ.ـو.تر يكاد ان يوقف قلبها، لقد ظنت ان الأمر قد مر على خير، وقد نسى هو بانقضاء الليل او كما أخبرتها الدادة نبوية انها هي من تهول الأمر ولا شيء مما يدور برأسها قد يحدث.
أمـ.ـجـ.ـنو.ن هو كي يترك كل النساء اللاتي يعرفهن وينتبه لها؟
إذن لماذا طلبها؟ ولماذا هو هنا اليوم من الأساس؟ هذه ليست عاداته كما تعلم.
ابتعلت تحاول تنظيم انفاسها وتهدئة ضـ.ـر.بات قلبها التي كانت تدوي بتسارع من الخــــوف، لتجسر نفسها وتطرق بقبضتها على باب الغرفة ، ليصلها الصوت القوي على الفور:
– أدخل.
اغمضت عينيها تعيد تدريب النفس مرة أخرى، تتمتم بالأدعية تاركة حمولها على الله، لتدفع الباب وتلج اليه في الداخل، فتلقي اليه بالتحية:
– مساء الخير يا فنـ.ـد.م، حضرتك طلبتني.
كان جالسًا خلف مكتبه يطالع احدى ملفاته، ليرفع عيناه إليها، فيخلع عنهما نظارة القراءة، ثم يتأملها بسفور وكأنه يستعيد صورتها بالأمس ويقارنها بهيئتها الاَن، بصمت مريب زاد من قلق المسكينة، قبل ان يرد برتابة:
– مساء الفل يا بهجة، انا فعلا طلبتك….. عشان اشوفك.
قال الاخيرة ضاغطًا بنبرة لم تريحها لتطرق برأسها، مسلمة امرها للمولى قائلة:
– تمام يا فنـ.ـد.م، اللي تؤمر بيه حضرتك.
سمع منها وفجأة وجدته ينهض من خلف مكتبه، ثم يقترب بخطواته منها ، حتى وقف مقابلها يجفف الدmاء بعروقها بقربه، وهذه النظرة المتمعنة بملامحها الجميلة بحق، وخضار عيناها المبهرة بصفاءها وتميزها، ثم يجيب بهدوءه:
– كنت عايز اعرف منك يا بهجة، هي لورا اتفقت معاكي تقبضك كام على شغلك هنا؟
قطبت بعدm فهم لمغزى السؤال، لتقلبها سريعًا برأسها، ثم تأتي بالظن الاسرع لذهنها الاَن:
– بتسأل على مرتبي ليه يا فنـ.ـد.م؟ انت ناوي تديني بقية حسابي وتمشيني؟
تبسم ساخرا ليجلس على طرف مكتبه قائلًا:
– وانا لو عايز امشيكي اتصل بيكي بنفسي عشان تيجي الصبح يا بهجة ، ولا انتي عدm التركيز لساه مستمر معاكي من ساعة الاتصال .
اطرقت بحرج دون ان تنبت ببـ.ـنت شفاه، لتمتقع ملامحها من سخريته التي لم تتقبلها، حتى فهم هو ليستطرد بنبرة آسفة لم تخلو من إعجاب:
– انا مش قصدي اسخر ولا استهزأ، دا كان مجرد هزار.
– تمام يا فنـ.ـد.م، وانا مقولتش حاجة، عادي يعني.
– لا مش عادي يا بهجة عشان شكلك زعلتي فعلا
ردد بها يكتنفه المزيد من التسلية في مشاكستها، وهذا الاعتزاز الذي يلمسه في نبرتها ، غير ابهة بصفته، في اصرار منها لوضع الحدود، هذه الفتاة تستحق التأمل والدراسة.
تنهد يعود لموقعه خلف المكتب ، ليتحدث بجدية:
– شوفي يا ستي انا كنت بسأل عشان ازود على شغلك شفت، عشان تخففي اكتر عن دادة نبوية، الست كبرت ومعدتش تتحمل زي الاول، وطبعا اجرك هيبقى اضعاف .
– طب وشغلي في المصنع.
– عادي ممكن تنسقي وممكن نلغيه خالص ونخلي اللي هنا هو الاساسي.
– لا طبعا اللي هناك عليه تأمين ، انما هنا مؤقت.
خرجت منها سريعًا حتى اجبرته على الابتسام مرددًا :
– ما انا ممكن اعملك للي هنا تأمين برضو ؟
هذه المرة ردت برفض لم تخفيه:
– مش موضوع تأمين، انا مش حاطة في خطتي اساسا اني استمر جليسة.
توقف فجأة مضيقا عينيه بتفكير:
– بهجة هو انتي دارسة لحد ايه بالظبط؟
↚
حينما سألها قاصدا معرفة المستوى التعليمي لها
ظلت صامتة ولم تجيبه على الفور حتى انه عاود الكرة مرة اخرى ليأتي الرد هذه المرة بنبرة مستنكرة:
وايه لزوم السؤال ده يا فنـ.ـد.م؟
حقا تعجبه جرأتها :
– وهو لازم يكون له لزوم عشان تجاوبي يا بهجة ؟
يسأل ببساطة بجهل تام منه عن حجم الحرج الذي ينتابها في هذا الموقف كلما سألها احدهم تكره ان ترى نظرة الاشفاق منهم ,او الحـ.ـز.ن على ما وصل اليه حالها كما تفعل بعض النساء معها .
– ثانوية عامة يا فنـ.ـد.م، مكملتش جامعة.
– وليه بقى مكملتيش جامعة؟
مطت شفتيها بابتسامة ليس لها معني ترد بامتعاض وقد ضجرت بالفعل من إلحاحه:
– ظروف حضرتك، ودي بتحصل في كل العائلات كنت هتجوز…..
اعتدل عن جلسته مقاطعًا لها:
– واتجوزتي بقى يا بهجة؟
– انكتب كتابي.
– يعني اتجوزتي؟
– دا غـ.ـبـ.ـي دا ولا ايه؟
تمتمت بالجملة من داخلها، وقد نفذت طاقتها:
– يا فنـ.ـد.م بقولك كنت، وكان كتب كتاب، يعني اتفسخت خطوبتي، واتحسبت مطلقة على الورق زي ما اتجوزت على الورق، ممكن بقى استأذن، عشان انا بدأت اقلق على نجوان هانم .
قالتها والتفت تغادر دون انتظار رده، ولكنه اوقفها على الفور بحزمه:
– لكني برضو مخدتش منك رد نهائي عن موضوع الشيفت الزيادة .
عادت اليه بحسم لا يقبل النقاش:
– انا مستمرة في شغلي في المصنع والشيفت الاضافي بتاع مدام نجوان هنا، كمساعدة لدادة نبوية، بإستثناء اليومين دول بس في تعب الدادة، ممكن امشي بقى يا افنـ.ـد.م؟
اومأ لها بذقنه للأمام، لتخرج على الفور، تدخل بعض الهواء لصدرها، بعدmا انتهت من اثقل الأحاديث على قلبها.
❈-❈-❈
دلف بخطواته السريعة داخل المنزل حتى وصل الى غرفة والدته دفع الباب دون انتظار بقلقه، ليجفل المرأة التي رفعت راسها عن المسبحة تطالعه بتساؤل .
فيجلس هو على الفور بجوارها يسألها بتفحص:
– ايه اللي حصل يا أمي؟ حاسة نفسك تعبانة ولا النوبة رجعت تاني؟
خرج رد المرأة باندهاش:
– تعبانة ليه يا حبيبي؟ ما انا كويسة قدامك اهو، وبتفرج ع الشاشة والسبحة في ايدي .
– امال كنتي بتسالي عليا ليه وانا برا في الشغل ؟
– انا كنت بسأل عليك؟ مين قال كدة .
– سامية هي اللي قالتلي .
قالها شادي وارتفعت ابصار الاثنان نحو مدخل الباب الذي وقفت واستندت على إطاره المذكورة، لتبرر على الفور:
– ايوة يا عمتي سألتيني عنه امال ايه؟ هو انتي لحقتي تنسي لما كنتي كل شوية تقوليلي اتأخر عن ميعاده، اتأخر عن ميعاده.
شردت المرأة تعصر عقلها قليلًا، ولما يأست من التذكر ، لطفت على الفور حتى لا تحرجها:
– جايز يا بـ.ـنتي جايز انا برضو عقلي مبقاش بيركز اوي اليومين دول….. استني صحيح…… مش انتي باين اللي كنتي بتسألي عن ميعاد رجوعه عشان يوصلك وانا قولتلك، هو كل يوم بيجي بدري عن كدة، اكيد كان معاه حاجة مهمة النهاردة خلته يتأخر.
قالتها المرأة بسجيتها لتفحمها دون قصد منها، فيبصرها شادي بحنق شـ.ـديد، يكشف كذبها، ولكنها كالعادة لا تغلب في ايجاد المبرر:
– اه يا عمتي فعلا انا سألتك، بس دا عشان ادوقه من طبق المهلبية اللي عملتهولك من شوية، قوليلو بقى هو عجبك قد ايه؟
اومأت والدة شادي برأسها توافقها بحماس:
– ايوة طبعا دا عجبني قوي، بـ.ـنت عمتك نفسها حلو اوي قي الحلويات يا شادي، هي جابت لنا طبق كبير، انا خدت منه يدوب معلقتين عشان متعبش، سيبتلك انت الباقي، يستاهلوا بُقك يا حبيبي .
سمع من والدته، لينقل بأبصاره منها إلى هذه المراوغة ، بعدmا اوقعت قلبه منذ قليل، وأفسدت عليه لحظة الصفاء مع محبوبته، ليكتشف الان كذبتها بشكل واضح، ووالدته الطيبة، بلعت كالعادة طعمها والاَن تغطي على فعلتها، والعجيب انها تبادله النظر الاَن بوقاحة وكأنها لم تفعل شيء.
– انا رتبت البيت كله يا شادي، ووضبت المطبخ، حكم دا كان متبهدل اوي، طبعا بقى ما هي شقة عازب، بس انت الله يكون في عونك، محدش يلومك.
زفر بداخله يجاملها بامتعاض:
– كتر خيرك يا سامية، بس رحمة اختي الله يبـ.ـاركلها كل يومين تلاتة بالكتير بتيجي هنا تروق كل حاجة، وانا بعمل على قد مقدرتي وماشية، يعني مش محتاجة تعب منك .
تلقفت قوله ترد بنعومة:
– تعبكم راحة يا شادي يا ابن عمتي، هو انا ليا اعز منكم عشان اجي واطل عليكم واعمل بأصلي، شوف بقى انت تقوم دلوقتي، تغير هدومك ولا تتشطف على ما احضر انا الغدا، بالمرة اتغدى معاكم، حكم الوقت خدني، ونسيت اكل من الصبح .
لم تعطيه فرصة للاعتراض، لتختفي من امامه على الفور، عازمة على ما انتوت عليه، لينقل بغـــضــــبه نحو والدته:
– البت دي ايه اللي مقعدها لحد دلوقتي ياما هنا؟ ما تروح على بيتهم، ولا تتنيل تكمل قعدتها عند اخوها وعيال اخوها، مالها بأكلنا ولا شربنا؟
ضغطت والدته على شفتيها، تحذره بهمس:
– وطي صوتك يا شادي يا بني، لتسمعك وهي في المطبخ جوا وتحرجها.
– ودي بتتحرج، ولا تتكسف اصلا ياما…..
قطع متأثرا هذه المرة بضغطها على قبضة يده، لتعود مشـ.ـددة:
– متكملش يا شادي وتزعلني منك، مش بعد ما تعبت في توضيب البيت من الصبح، تكون دي جزاتها مننا ، سامعني؟
ازعن لرغبتها، كابتا امواجًا من الغـــضــــب والانفعال بداخله، فوالدته الحنونة، وبرغم علمها جيدا بغرض ابنة اخيها، إلا انها لا تخرج ابدا عن حدود الذوق معها، وتجبره ايضا على مهاودتها، وكأن الطيبة خلقت لها ولشقيقها الراحل، اما الخبث والمكر، فقد طمع بهم الشقيق الاخر له وحده، والد سامية وزوج درية المرأة المتسلطة .
❈-❈-❈
اما عن صبا والتي دلفت بحنقها الى داخل المنزل، تغمغم بالحديث والسباب مع نفسها ، حتى لفتت انتباه والدتها والتي كانت تطوي بكوم الملابس الجافة بعد غسلها ، لتعقب ساخرة على حالتها:
– اسم الله عليكي يا حبيبتي، من دلوك بتكلمي نفسك.
بعبس لم تخفيه:
– ومكلمش ليه نفسي بقى؟ والبت الزفتة اللي اسمها سامية، جفلت الباب في وشي، انا ياما تجفل الباب في وشي؟
– طب حيلك حيلك.
رددت بها زبيدة تلوح بيدها لها:
– فهميني الاول باب مين اللي اتجفل في وشك.
خرج ردها سريعًا بكلمـ.ـا.ت غير مترابطة من فرط انفاعلها:
– سامية الزفت بـ.ـنت خال شادي، انا كنت عايزة ادخل معاه، بس خــــوفت من تحذير ابويا اللي مانعني ادخل بيته نهائي، طب انا عايزة اطمن على حمـ.ـا.تي دلوك، اعملها ازاي؟
– يا بت انا مش فاهمة منك حاجة، ثم مالها حمـ.ـا.تك كمأن؟ ما انا دخلت عليها الصبح واطمنت عليها .
رددت خلفها بتشتت:
– يعني حمـ.ـا.تي مفيهاش حاجة، امال الزفتة دي بتعمل عندهم ايه اصلا ؟
ضـ.ـر.بت زبيدة كفيها ببعضهما، وقد فاض بها من هذيان ابـ.ـنتها:
– لا حول ولا قوة الا بالله، عمالة تهرتلي بالكلام وانا مش فاهمة منك حاجة، ما تجيبي يا بت من الاخر، انت عايزة ايه بالظبط؟
وكأنها كانت في انتظارها، خرج ردها على الفور برجاء:
– عايزاكي تروحي تطمني على خالتي ام شادي، وبالمرة تروحي تشوفي الزفتة دي بتعمل عندهم ايه؟
❈-❈-❈
خرج من غرفته بعدmا بدل ثيابه لأخرى عادية للمنزل، ليتفاجأ بوالدته خارجة من غرفتها تتأبط ذراع ابنة خاله ساميه والتي انتبهت عليه لتعلق بابتسامة سمجة:
– كويس انك لحقت بسرعة وغيرت، الاكل سخن ومش محتاج انتظار.
تقدm يتناول ذراع والدته منها قائلا بضيق:
– مخرجاها ليه طيب من الاوضة، ما احنا بنجيبلها الاكل لحد عندها.
شهقت بمبالغة:
– يا نهار اببض، وتوسـ.ـخ الفرشة من تحتيها، لا طبعا يا شادي، كدة احسن ع الاقل تفرط رجليها في الخطوتين دول.
لا ينكر صحة حديثها، ولكن الخــــوف هو ما يمنعه دائما عن تنفيذ ذلك، كما يحدث الاَن، مع ارتعاش جميع جــــســ ـد والدته في كل خطوه تخطوها، فيه.
– انا فاهم كلامك بس برضو الامر ما يسلمش، تعالي يا ماما اقعدي.
قال الاخيرة يجلسها على مقعد السفرة الصغيرة، وجلست هي بلهفة تدعوه:
– ياللا بقى انت كمان معانا، تلاقيك راجع هلكان من الجوع.
دا انا جايبة محشي ورق عنب حكاية، جيبت طبقين واحد طلعته لبيت اخويا والتاني جيبته هنا.
رفض عرضها السخي بابتسامة صفراء:
– متشكر اوي يا سامية على زوقك، بس انا للاسف اكلت فعلا قبل ما اجي .
– كلت فين يعني؟ في الشغل ولا برا الشغل؟
خرجت منها بانفعال جعلته يرد عليها بالمثل:
– اكلت مطرح ما أكلت بقى، المهم اني شبعان وخلاص، كلو انتو بالهنا والشفا.
همت ان تزيد عليه ولكن منعها صوت جرس المنزل الذي دوى فجأة ليذهب اليه فجأة ويرى من الطارق، ليزداد داخلها الغـ.ـيظ حينما لمحت وجه هذه المرأة السمراء والدة الملعونة صبا التي تكرهها، يتلقاها هو بترحاب مبالغ فيه:
– خالتي زبيدة، اتفضلي الف اهلا وسهلا.
– اهلا بيك يا حبيبي، انا جاية اطمن على حبيبتي الغالية الست الوالدة ، هي صاحية ولا نايمة.
اشار لها بيده نحو والدته التي تبسمت لها ، لتهلل زبيدة برؤيتها جالسة بعيدة عن فراشها:
– وه وه بسم الله الله اكبر عيني بـ.ـاردة عليكي يا غالية .
تقدmت للداخل تتبادل معها المزاح والحديث الودي، اما شادي فقد توقف على مدخل المنزل ، بابتسامة متسعة وعيناه الى الخارج، ليثير فضول ابنة خاله التي شعرت بعدm الراحة بوقفته هذه واعطاءها ظهره، لتميل برأسها حتى تحققت من الجهة التي يتطلع اليها، تلك الملعونة خطيبته تقف على مدخل الشقة المقابلة لهم، تتوعد له وتحذره وهو ييتسم لها بملئ فمه، بوجه مشرق، مستمتعًا بحنقها، وكأنه عاد مراهقًا يشاكس ابنة الجيران.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام التي كانت تجمع الاسرة ، يجلس على رأسها خميس ، يتناول طعامه بنهم كعادته ، وزوجته لا تكف عن تقديم المزيد من اصناف اللحوم في طبقه، برعاية تجيدها في أرضاءه:
– كُل يا خميس، دا انت بتشقى وتتعب.
ليتمتم لها بفم ممتلئ:
– ربنا يخليكي ليا دودو ، هي البت سامية فين؟ مش قاعدة معانا ع السفرة يعني؟
– راحت تقضي يوم مع ولاد اخوها وبالمرة تقعد شوية مع عمتها، ما انت عارف بـ.ـنتك بتحبها قد ايه
اوما بهزة من رأسه ليأتي تعقيب سامر مستنكرًا:
– اه طبعا وتلاقيها هتقعد تتركن هناك ،،ما انا عارفها وعارف اللي في دmاغها.
– هو ايه اللي في دmاغها يا واد انت،؟ انت هتتكلم بالالغاز، عندك حاجة قول.
زفر سامر بعجز عن الافصاح عما يدور بخلده، وما يعلمه عن تهور شقيقته، وحزم ابن عمته الباتر في كل ما يخصه، ليصمت مجبرا واضعًا همه بطعامه.
وتدخل سمير يغير مجرى الحديث.
-،شوفت بت اخوك يا حج، امبـ.ـارح راجعة قريب الساعة واحدة بالليل، والهلف اخوها واقف مستنيها على ناصية الحارة.
– ومدام الهلف اخوها كان واقف مستنيها، يبقى هعملها ايه انا بقى؟
تفوه بها خميس في رد مباغت لابنه، ليتوقف الطعام بفمه بصدmة، جعلت بعض من الانتشاء يتسرب الى زوجته التي طالعته بشمـ.ـا.تة لم تخفى عليه، لينفعل مبررًا بحماقة لم يحسب لها حسابا؟
– ازاي يعني مالناش دعوة؟ هي دي مش تخصنا برضو، بـ.ـنت اخوك اللي طايحة دي لو غلطت، العيبة هتلبسك انت يا عمها.
توقف خميس عن الطعام ليطالعه بأعين تلونت بالاحمرار معنفًا له:
– انت بتبرطم بتقول ايه ياض؟ مين دا اللي يتجرأ ويجيب عليا العيبة؟ دا انا كنت ادفنه مطرحه، مش بناتنا احنا اللي يتجاب سيرتهم، انا رايح لها البت دي .
قال الاخيرة وأزاح بجــــســ ـده المقعد للخلف بعنف يهم بالنهوض إلا ان صيحة زوجته كانت هي الاسبق:
– اقعد يا خميس مطرحك وكمل أكلك .
تطلع لها بتردد لكنها اعادت عليها حاسمة تأمره:
– بقولك اقعد يا خميس، وسيبك من هطل ابنك.
اذعن الرجل لأمرها يعود لجلسته وطعامه، وجاء الاعتراض من ابنها:
– انا اهطل ياما، بقى راجـ.ـل كبير زيي ، يتقال عليه اهطل ياما.
– وستين اهطل كمان، عشان بتنبش ف اللي ملكش فيه، وعايز تعمل مشاكل احنا في غنى عنها .
رددت بها درية بتصميم وتقريع، وغمغم سامر بسـ ـخـــريــة، دون ان يرفع عيناه عن الطعام:
– بتجيب التهزيق لنفسك.
– لم نفسك يا سامر بدل ما احط كل غليلي فيك دلوقتي.
قابل الاخير انفعاله بابتسامة سمجة مستخفة، ليأتي الرد من زوجة الاخر وهي تنهض عن الطعام بغتة:
– الحمد لله انا شبعت.
قالتها بحدة لفتت ابصار الجميع نحوها وهي تذهب نحو باب المنزل مغادرة نحو شقتها، لتعلق والدته من خلفها:
– عاجبك كدة يا بوز الاخص؟ هتطفش مراتك منك بعمايلك السودة .
اضاف سامر على قولها :
– والله عندك حق ياما ، البت ساكتة ساكتة لكن في الاخر هتنفجر في وشه.
– تنفجر ولا تغور في داهية ، انا لا طايقها ولا طايق عيشتها.
– صاح به والده بغـــضــــب:
– امال طايق ولا عايز مين يا ابن الكـ.ـلـ.ـب، ما هي مشكلتك انك مفضوح قدامنا كلنا وعارف كويس
ان الموضوع منتهي، ومع ذلك بتحرب على خراب عشك ولا حاسس ان جايلك عيل في السكة .
تجهم سمير بوجه ممتقع من الغـ.ـيظ والغـــضــــب المكتوم، يوزع بنظرات الاتهام نحوهم دون ان يقولها صراحة، ولكنها لم تخفى على والدته ، والتي عبرت عنها مدافعة:
– بلاش بصاتك دي يا واد، وافتكر كويس انها هي اللي باعتك لما حطت شرط ورث ابوها في الوكالة، قبل جوازها منك، وهي اساسا ملهاش ورث.
سامر والذي لم يقوى على كبت فضوله هذه المرة:
– بس بهجة دايما بتتكلم ان معاها الحق، انتوا متأكدين ياما ان ملهاش ورث؟
سعل خميس والطعام في فمه، لتلحقه زوجته بالماء، ثم تربت على ظهره، تلقي باليوم على أبناءه:
– اسم الله عليك يا خويا، اشرب اشرب، خليتو ابوكم شرق وكان هيروح في شربة مية جاتكو الهم .
ظل على وضعه لحظات امام ترقبهم، حتى التقط انفاسه ليردف بلهجة مضطربة:
– انا عمري ما اكل حق حد، وربنا العالم انا عملت ايه مع المرحوم، بس كله عند ربنا ، انا مش هتكلم .
لتهتف من خلفه بتأييد يلجمهم كالعادة:
– صدقت يا اخويا، واللي عند ربنا ما بيروحش، كُل كُل وهدي نفسك ، بلا هم.
❈-❈-❈
مساءًً
حينما غادرت منزله، كان هو ما زال قابعًا في غرفة مكتبه ولم يغادره بعد ، أنهى جميع الاعمال المطلوبة منه، بذهن شارد بالكاد يكفيه للمراجعة او القراءة السريعة في اعماله، لتعود صورتها وتحل امامه على الفور،
ثم يأتي الاَن ويقف خلف الجدار الزجاجي يراقبها وهي تغادر ، وعيون الحراس والعاملين أينما مرت تذهب معها، بها شيء لا يفهمه،
جميلة ولا ينكر ذلك، ولكن يوجد الالاف من الجميلات، ولكن هي بها شيء مميز لم يصل إليه بعد؟
حتى طريقة سيرها بهذه العباءة الفضفاضة بمبالغة، حديثها بعزة ولغة راقية بعيدة تمام البعد عمن تعامل معهم من العاملين.
ثم يظل هذا الشيء الاروع، وهو عيناها وذلك الصفاء بخضارها يذكره بنقاء الطبيعية وسحرها،
زفر انفاس خشنة ليعود الى جلسته خلف المكتب ، محدثًا نفسه بتساؤل:
– منذ متى لم يلتفت نحو امرأة او تشغله بهذه الطريقة، يبدو ان تأثير بهجة سوف يستمر معه طويلا هذه الايام حتى تنصرف من عقله او ربما يجد له الحل.
❈-❈-❈
هذه المرة اتخذت احتياطها وخرجت باكرا عن اليوم السابق، وقد افنت يومها في مجالسة نجوان فلم تتركها الا بعدmا اخلدت للفراش، لتعود الاَن والساعة تعدت العاشرة فقط.
نزلت من سيارة النقل العام التي كانت تقلها الى منطقتها، وقد رفضت اليوم عرض العم علي في توصليها، تجنبًا للتساؤلات وو.جـ.ـع رأس هي في غنًى عنه، ولكن منذ متى حدث ما نبتغيه؟
– جاية منين يا بهجة؟
جاءها السؤال بغتة من خلفها، لتلتف نحو مصدر الصوت، وتفاجأ بابن عمها الأصغر سامر، مضجعًا على سيارته، التي اصطفها خارج الحارة، وكأنه كان في انتظارها، وقد بدا هذا واضحًا من وقفته، مكتفًا ذراعيه اعلى صدره،
– افنـ.ـد.م يا عم سامر انت كمان، اخوك معاك بقى؟ ولا انتو مقسمينها بالدور؟
تهكمت بها في رد واضح على رفضها لتدخله، ولكنه كان اذكى من ان يتحامق معها مثل اخيه، لذلك جاء رده بهدوء :
– لا يا بهجة مش مقسمينها ولا لينا حق نسألك طبعًا، بس يا بـ.ـنت عمي لما الاقيكي بتغيبي عن بيتكم لحد الساعه دي، دا غير اني لما سألت عنك في شغلك، عرفت انك معتبتيش المصنع من اساسه، يبقى حقي انشغل.
– كمااان روحت المصنع وسألت عني، دا اخوك متجرأش يعملها يا سامر؟
تمتمت بها بحالة من الدهشة والغـــضــــب تعتريها، ليقابل ردها بمهادنة وكلمـ.ـا.ت ذات مغزى:
– انا غير اخويا يا بـ.ـنت عمي، هو كان غـ.ـبـ.ـي ومعرفش يحافظ عن النعمة اللي في ايده ودلوقتي بيبكي عليها بعد ما راحت منه، انما انا الامر عندي غير، انا راجـ.ـل واعرف اصون اللي معايا كويس، ولما اقرر محدش يقدر يرجعني عن قراري، وف الاول وف الاخر انا سؤالي نابع بس من الخــــوف عليكي، مش شك ولا اي شيء يزعلك.
ضاقت عينيها وافتر فاهها تطالعه بتفكير وتفحص، لتحسم الجدال معه:
– حاسة كلامك رايح لسكة مش عجباني يا سامر، لذلك انا هنهي معاك من اولها، عشان لو حاطط اي فكرة في دmاغك شيلها من اولها عشان انا قافلة الباب بالضبة والمفتاح مع الكل…. وخصوصا انتو .
زفر يطرق برأسه سريعًا ثم يرفعها متطلعا اليها بابتسامة لم تصل لعيناه:
– براحتك طبعا، رغم اني شايف ان الكلام مش وقته، بس انا هرجع وانبهك على موضوع الرجوع بالليل عشان بس سمعتك في الحارة والكلام اللي انتي عارفاه، عشان انا يوم ما هيوصلني نص كلمة بس هولع في الكل ومش هيهمني لا كبير ولا صغير.
– كتر خيرك يا ابن عمي. بس انا مش محتاجة نصيحة ولا دفاع من حد ، واهل الحارة اللي انت بتقول عليهم دول ، هما اكتر ناس عارفين مين بهجة؟ وانا مش محتاجة حماية من حد .
قالتها والتفت ذاهبة نحو وجهتها، دون ان تكلف نفسها بالنظر نحوه ولا بمعرفة تأثير حدتها عليه، فلديها من الهموم ما يكفيها، ولا ينقصها منه هو الاخر .
❈-❈-❈
داخل غرفة أمنية؛ والتي كانت منكفئة مع شقيقتها في حصر الايرادت والمصروفات وكل ما يخص العمل عبر الهاتف ، انتبهت لقدوم والدتها، لتظل واقفة محلها بصمت وترقب، حتى اذا انتهت امنية التفت إليها تخاطبها بفراسة :
– نعم يا ماما، وقفتك والسكوت كدة ، بيقول ان في بوقك كلمتين، قولي انا سمعاكي.
تشجعت نرجس، ثم تقدmت لتجلس على طرف التخت ، تلقي بنظرها نحو الاوراق والدفاتر التي تبعثرت على الفراش بإهمال ، لتعقب ساخرة:
– اللي يشوف الكراريس والكشاكيل يقول عليكي رجعتي تاني للجامعة…..
مصمصمت بشفتيها لتكمل بضيق:
– حسرة عليكي، الشغل الهباب بقى واخد كل وقتك ، حتى الساعتين اللي بترجعيهم راحة للبيت مش مرحومة من الحسابات والهم التقيل ، كان مالك بس بالهم والقرف ده؟
صمتت امنيه لبرهة من الوقت تطالعها دون تعليق، فبمعرفتها الجيدة لها، تعلم ان خلف كلمتها يوجد شيء آخر:
– وماله ياما الشغل والهم ، ما هو حالنا ومالنا، حمد لله احنا مش بنشتغل عند حد ، المهم بس انتي جيبي من الاخر ، عشان انا متأكدة ان دي مقدmة اللي بتبدي بيها دايما.
– اا ما انا فعلا عايزاكي في حاجة .
تمتمت بها نرجس بتلعثم، تدور مقلتيها باضطراب ، مما جعل ابـ.ـنتها تظل على صمتها في انتظار الآتي، لتردف لها بعد لحظات من التردد :
– بصراحة بقى انا مش هقدر ما تكلمش، ابن عمتك محاكمته قربت، وكنت عايزاكي تتنازلي عن اللي في دmاغك بقى وكفاية عليه لحد كدة.
رفرفت بأهدابها امنيه قليلا من الوقت، لكن سرعان ما استوعبت لتزفر وتشيح بابصارها عنها ، تستجدي من الله الصبر ، لتواصل نرجس دفاعها:
– ما تلفيش بوشك عني وتعملي نفسك مش سمعاني، عشان كذا مرة اتحايل عليكي وانتي راكبة دmاغك، خالتك مقطعة نفسها وانتي ولا حاسة، وابن خالتك هيضيع مستقبله حـ.ـر.ام عليكي.
– حـ.ـر.ام على مين؟
صرخت بها بوجهها ، لتواصل بعدm تحمل :
– كام مرة هقولهالك، دا قــ,تــل ابويا ، يعني دا جزاته الاعدام ، مش انتي تبكي على مستقبله ، وتنسي حق جوزك ولا بناتك اللي اتيتموا بسببه.
تلجمت قليلًا بحرج منها، لكنها عاودت بعد ذلك :
– الحي ابقى من المـ.ـيـ.ـت، وانتي ما شوفتيش بعينك، بتقولي سمعتي، لكن ابن عمتك قال بعد كدة انه كان بيهرتل عشان يغـ.ـيظ المدعوقة شهد، يعني ما قــ,تــلهوش.
– اه بقى وانتي صدقتي؟ يا سلام على طيبتك يا ماما.
عقبت بها بسـ ـخـــريــة مريرة ، لتلتف بعد ذلك نحو مدخل الغرفة، وعودة شقيقتها الصغرى والتي اجفلها مشهدهم:
– ايه مالكم؟ شكلكم بتتخانقوا صح.
زمت نرجس فمها بضيق، ليأتي الرد من امنية:
– تعالي يا رؤى وشوفي الست الوالدة، اصلها مازالت زعلانة على ابن خالتك اللي ظلمناه وهنضيع شبابه .
ولعلمها التام برأي ابـ.ـنتها الأخرى وتشـ.ـددها، زفرت بقوة لتنهض من جوارهم مغمغمة:
– اتريقوا براحتكم ، ما انتوا خلاص كبرتوا ومبقاش حد مالي عينكم، هروح انا فين فيكم؟ وانا ست غلبانة.
توقفتا الاثنتنان بفاه منفرج لعدة لحظات لا يصدقن منطق والدتهم وتعاطفها مع من قــ,تــل زوجها ويتم بناتها، لتعلق رؤى اخيرا :
– تصدقي بالله يا امنيه، انا طول عمري اعرف ان امك سلبية، دلوقتي بس اتأكدت ان معندهاش شخصية ولا تعرف تحكم ولا تحدد رأي، خالتك سميرة تعيطلها حبتين تيجي هي تقلب الدنيا علينا،
اكتفت امنيه بالصمت، فما تحمله بداخلها من غصة ونـ.ـد.م على ما قد فات ومرت به من اخطاء بسبب هذا المعتوه، حينما كانت كالدmية بين يديه، حتى انها تتمنى لو تمحي هذه الفترة من سجل ذاكرتها الى الابد. وياليتها تستطيع.
❈-❈-❈
دلفت بهجة لداخل المنزل، بعد أن فتحت بمفتاحها، لتدخل باكياس الأشياء التي تحملها ثم تضعها على الارض، لتبحث بعيناها عن اشقاءها، ولكن؛ وقبل ان تهم بالنداء عليهم وصلها صوت نقاشهم من داخل اقرب الغرف الى الباب، غرفة شقيقها والذي لم يكن موجود ف هذا الوقت لعلمها بمواعيد تحصيل دروسه،
– يا بـ.ـنتي بقولك هزقته، بيسأل ويطقس، هو ماله اصلا.
– بجاحة يا حبيتي، بس انتي برافو عليكي يا عائشة، انك وقفتيه عند حده، عشان يعرف كويس اننا مش ساهلين ليه ولا لأهله .
طلت عليهم بهجة تردد سائلة:
– هو مين اللي احنا مش ساهلين ليه؟
انتفضتا الاثنتان بجلستهما على الفراش، ليرددن بمرح وجزع وقتي:
– حـ.ـر.ام عليكي يا بهجة خضتينا.
قابلت قولهم بابتسامة ضعيفة تشاركهم الجلسة على تخت شقيقهم:
– اولا ايه اللي مقعدكم على سرير ايهاب، ثانيا وهو الاهم عايزة اعرف بتتكلمو على ايه؟
ردت رحاب:
– قاعدين في اؤضة ايهاب عشان رتبناها، والكلام خدنا واحنا بنرغي.
أضافت على قولها عائشة:
– اصلنا كنا بـ.ـنتكلم على ابن عمنا سمير يا ست بهجة، انا مش فاهمة انتي ازاي كنتي هتتجوزيه ده؟ ازاي مكنتيش حاسة بتقل دmه ولا رزالته.
بابتسامة بالكاد تخفيها:
– ما انا مكنتش ناصحة وقروبة زيك يا ست عائشة، ابويا قالي هتتجوزي ابن عمك مقدرتش اعارضه، وبرضوا هو مكانش وحش اوي كدة، او يمكن انا مكنتش فاهمة الدنيا كويس ولا عارفة طبيعة البشر اللي عايشين وسطيهم.
قالت الأخيرة بغصة مررت حلقها، لتجفلها عائشة بقولها:
– بس انا النهاردة ادتهولك على دmاغه، عشان يحرم يدخل في اللي ملهوش فيه.
– ليه هو عمل ايه؟
تكفلت بالرد هذه المرة جنات:
– بيسألها عن رجعتها امبـ.ـارح الساعة واحدة بالليل ، وانتي عارفة طريقته بقى المستفزة.
قالت الأخيرة بحرج فهمت منه بهجة على مقصد الاخرى، لتتنهد بغـ.ـيظ مكتوم متمتمة:
– يعني انا هلاقيها منه دا كمان ولا من اهله، هما لا يرحموا ولا يسيبوا رحمة ربنا تنزل
صمتت برهة لتكمل بما يعتريها من قهر:
– خـ.ـنـ.ـقة من جميع الجهات.
لطفت شقيقتها الوسطى جنات:
– معلش يا بيبو، دا اكيد من اهمـ.ـيـ.ـتك يا حبيبتي، ولإنك غايظة الكل بعزة نفسك .
قالتها لتضيف عليها عائشة بفخر:
– ايوة يا بيبة، وانا فخورة بيكي، ان كنتي شغالة في مصنع ملابس، او حتى جليسة لست عجوزة، واي حد يتكلم نص كلمة بديلو على دmاغه.
استطاعت بعفويتها ان ترسم ابتسامة على وجه شقيقتها ، لتفتح ذراعيها اليها وتضمها بقوة:
– وانا بقى لو هبقى فخورة بحاجة واحدة بس في حياتي، يبقى انتي يا عين اختك، بلسانك الطويل ده، وعقلك اللي سابق سنك ، بتخلي الكل يعملك الف حساب، ياريتني كنت زيك.
جنات ضاحكة هي ايضًا:
– اه والله، انا نفسي لما اتعرض لاي موقف في الجامعة، بقول ياريتك يا عائشة كنتي معايا، قوية ولسانها مبرد ع الكل .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وعلى غير عادته، فضل تناول الافطار هذه المرة على مائدة تجمعه مع والدته، والتي جلست امامه بصمت واعين مترقبة، لا تقترب يدها من الطعام، ليعلق هو مخاطبًا لها بسـ ـخـــريــة:
– ايه يا ست الكل، مش قادرة تاكلي وانا قدامك ، طب اداير وشي لتكوني بتتكسفي من الاكل معايا.
لم تظهر له اي استجابة، بل ظلت على وضعها وهذا الغموض الذي تحاوط نفسها به، حتى يشعر بالعجز عن قراءة ما يدور بعقلها:
– امـ.ـو.ت واعرف انتي بتفكري في ايه؟ انا واثق ومتأكدة انك فاهماني يا ماما.
زفر بحنق حينما يأس منها، ليلطم بكفه على سطح المكتب، يشيح بوجهه للجهة الاخرى، وقد ذهبت عنه شهيته، ف اصطدmت عيناه بها .
وهي تدلف اليهم ، وقد تخلت هذه المرة عن العباءة السمراء، وترتدي الاَن ملابس شبابية تناسب عمرها، على قدر بساطتها ولكنها تظهر الجانب الرقيق بها ، مهما حاولت من اخفاء او تقليل، تظل راقية رغم انفها .
– صباح الخير.
القت التحية موزعة ابصارها عليه وعلى والدته التي نهضت فجأة لتلتصق بها، بفعل على قدر ما اصابه بالضجر، ولكنه ايضًا تفاجأ به، لثقة والدته بهذه الفتاة، في هذه الفترة القصيرة، ليعلق:
– يااه يا بهجة دي شكلها ادتك الامان اكتر من ابنها .
ربتت بهجة على ساعدها لتهدئتها قبل ان تلتف اليه قائلة بحرج:
– لا العفو يا فنـ.ـد.م مين قال كدة؟ اا انا بستأذنك بس تخلي عم علي يوصلنا للدكتور بتاعها ، انا عرفت من دادة نبوية ان النهاردة ميعاد الزيارة الشهرية.
– اااه
تمتم بها بتفهم، ليتمتم بفراسة:
– عشان كدة بقى انتي، غيرتي العباية السمرا النهاردة،
ابتلعت ريقها بخجل لانتباهه وتعليقه على هذا الأمر، لتوميء برأسها ردًا له، فخرج رده مفاجئًا لها:
– تمام يا بهجة، انا هاخدكم بنفسي ع الدكتور.
– حضرتك بنفسك هتروح معانا ؟
قابل تساؤلها بابتسامة مبررًا:
– مش والدتي يا بهجة، يعني من حقي اطمن عليها، ولا انتي شايفة غير كدة .
نفت بهز رأسها، وذهنها يستعيد تعليمـ.ـا.ت الدادة نبوية بخصوص ذلك الامر، حينما اخبرتها عن المسؤلية الجسيمة في الحذر من أفعالها، في كل مرة كانت تخرج بها وحدها، لا يرافقها سوى الحراس وسائق السيارة .
انتشلها من شرودها، جذب نجوان لها من ملابسها ، لتشير بالرفض بسبابتها، يبدو أنها لا تريد مرافقته، ليأتي الرد منه بعمليه، وهو يتحدث عبر الهاتف:
– ايوة يا كارم، معلش يا حبيبى، ممكن تنوب عني النهاردة كام ساعة كدة، اصلي خارج بالست الوالدة ع الدكتور واحتمال اتأخر شوية….
قطع مع محدثه، لينقل بعيناه نحو الاثنتان مخاطبًا لها بأمر:
– مستنية ايه؟ روحي ياللا لبسيها ، خلينا نحصل ميعاد الدكتور، ياللا يا بهجة مش عايزين تأخير .
↚
أنهى تمرينه الصباحي، واتجه الى غرفة طفله، حيث الموعد اليومي لإيقاظه، من قبل والدته التي لا تمل من تدليله:
– عموري يا قلب ماما، اصحى يا قلبي، اصحى يا روحي.
– قلبك وروحك، وجوزك الغلبان سيبتيله ايه يا ست رباب؟
تمتم بالكلمـ.ـا.ت وهو يدلف اليهما لداخل الغرفة، لتعقب هي بابتسامة مشاكسة:
– وانت هتعوز ايه تاني؟ ما انت معاك رباب بحالها
مال برأسه يضيق عينيه بحركة فكاهية اضحكت الصغير الذي كان يفتح عينيه في التو، ليتلقفه هو يرفعه اليه مهللا:
– شايفة يا ست رباب، بقالك ساعه تدلعي وتهنني وفي الاخر مصحيش غير على صوت باباه.
– ايوة يا سيدي، عيشها انت بقى عليا، بعد ما جات فرصتك ، كدة برضو يا عموري!
قالت الأخيرة بعتاب نحو الصغير الذي ارتمى بثقله عليها، كمبادرة صلح معها، تقبلتها بصدر رحب ، لتمطره بالعديد من القبل، تشـ.ـدد عليه بضمتها.
– يا قلب مامي انت، بحبك اوي اوي .
يبدوا ان فعلها لم يعجب كارم ، فقد تجهم فجأة، ليباغتها بالنداء على المربية:
– دادة نعمـ.ـا.ت، خدي البيه الصغير وحضريه لحضانته.
اما هي فقد عبرت عن ذهولها فور خروجهما:
– كارم هو انت خـ.ـطـ.ـفت الولد مني ليه؟ انا كنت هحميه واجهزه بنفسي.
– عشان شايف ان دلعك بقى أوفر يا قلبي، انتي كدة بتفسدي الولد، ودا اللي انا لا يمكن اسمح بيه.
تمتمت بصدmة من خلفه:
– انا بفسده! معقول يا كارم، بقى انا والدته افسده؟!
زفر يقترب منها ملطفًا:
– يا قلبي افهمي، انا مش بتكلم عن حنانك ولا حتى الدلع العادي، انا بتكلم عن الافورة، مش عايز اتعامل مع ابني عسكري زي ما كان بيحصل معايا من بابا، بس كمان مش عايزه يبقى مريء ولا دلوع، انا ابني لازم يكون عضمه شـ.ـديد وقوي، يبقى ناجح اكتر مني انا كمان، والفرص اللي معرفتش اوصلها انا يوصلها هو .
أومـ.ـا.ت ببعض الطاعة، وقد بدا انها فهمت على وجهة نظره، ليعبر لها عن فرحته بإقناعها، بضمة كبيرة منه لها:
– حبيبتي المطيعة، بحبك اوي يا قلب كارم.
التقط ثغرها بقبلة جامحة شغوفة كعادته، استجابت تبادله ، حتى تطور الامر باللمسات الجريئة التي تعرفها، فعبرت عن تأففهها:
– كارم انت كلك عرق، دا مش ميعاد حمامك برضو؟
استفاق من نشوته ليستدرك على حالته بالفعل ، فتبسم يرخي ذراعيه عنها ؛
– انا فعلا مخدتش بالي، بس اعملك ايه بقى؟ ما انا معاكي بنسى نفسي.
قال الاَخيرة يقرص على وجنتها ، ليتابع بعد ذلك بعملية حينما انتبه على ساعة الحائط:
– دا انا كمان متأخر على شغلي وشغل رياض في الشركة اللي كلمني انوب عنه فيه.
هم ان يذهب ولكن زوجته لم تقوى على كبت سؤالها الملح:
– دا صاحبك قريب مصطفى عزام مش كدة، لكن دا ايه ظروفه بالظبط، متجوز ولا خاطب، انا عمري ما شوفته مع واحدة ست.
– ولا انا.
قالها زوجها بابتسامة متسعة يستطرد بدهشة وهو يخرج من الغرفة ويسحبها معه:
– من ساعة ما اتعرفت بيه ، وهو كل حياتة شغل في شغل، ماشي تمام اوي ودا اللي عاجبني فيه، بس بستغرب اوي عنه الموضوع ده، اصله كمان مش مقضيها نسوان في الخفا على حسب ما بعرف، ولا يمكن في وهو حريص زيادة.
– او يمكن بيحب.
خمنت بها ليمط شفتاه بعدm معرفة:
– يمكن بس هو انسان غامض اوي، مت عـ.ـر.فيش دmاغه بتفكر في ايه؟ عكس ابن خالته عدي ، كان واضح اوي معايا، ولا يمكن حكاية والده واللي حصل مع والدته مأثرين فيه.
– هو ايه اللي حصل معاهم؟
سألته بانتباه شـ.ـديد حتى توقف بها في وسط الردهة، ليداعب ذقنها :
– بعدين يا شاطرة ابقى احكيلك حكايتهم، وابعدي دلوقتي بقى من سكتي خليني اطلع اخد شاور واشوف اللي ورايا.
همت ان تتشبت بقميصه المتعرق وهي تخاطبه برجاء:
– طب دقيقتين بس احكيلي عنه نبذة مختصرة حتى.
ابتعد بجــــســ ـده عنها مغمغمًا بتسلية:
-،اوعي كدة عني، مش انتي مكنتيش طايقة ريحة عرقي من شوية، خلي الفضول ياكلك بقى.
قالها وتحرك مهرولا يصعد الدرج بخطوات مسرعة، لتغمغم في اثره بغـ.ـيظ:
– ماشي يا كارم، والله ما هسيبك.
❈-❈-❈
اعتدلت بجذعها عن جلستها بإجفال لا تصدق ما وصل لإسماعها عبر الهاتف:
– كااارم، كااارم مين اللي يمسك الشغل عنك يا رياض؟ وانت هتروح فين بالظبط؟
وصلها صوته الحاد:
– انا بكلمك في الشغل يا لورا ، يبقى تكلميني بصفة رسمية، بقولك شريكي كارم هو اللي هينوب عني النهاردة ، يبقى افهمي بقى من نفسك دا المطلوب منك ومن غير تعطيل.
انتفضت واقفة لتستطرد في محاولة للاستيعاب:
– حضرتك انا مش عايز اعطلك اكيد، انا بس بستفسر، دي مش عوايدك، وانت اهم حاجة عندك الشغل .
هذه المرة خفف من حدته:
– وحد قالك اني ههمل في شغلي؟ انا هوصل الست الوالدة للدكتور وبعد ما اطمن عليها هروح ان شاء الله ع الشغل وامارس نشاطي.
اومأت ببعض التفهم:
– تمام زي ما تحب ، بس معنى كدة بقى ان الدادة نبوية خفت وهي اللي هتروح معاك تراعيها؟
– لأ مخفتش لسة، واللي رايحة معانا بهجة .
– بهجة! بهجة مين؟ طب ما كنت انا روحت معاكم بدل الزفتة دي، ولا هي فاكراها فسحة دي كمان.
هتفت بها بانفعال لم تقوى على كتمانه، ليوقفها هو بصرامة:
– انتبهي لكلامك يا لورا، انا بلغتك بأمر الشغل، يبقى تنفذي المطلوب منك وانتي ساكتة ، وبس كدة.
ختم بجملته ينهي المكالمة بفظاظة، لتطالع هي الشاشة بصدmة، هذه اول مرة يعنفها غير أبهًا بصلة القرابة بينهم ، دائمًا ما كان يحترمها في العمل وغير العمل، تعلم انها بالغت في رد فعلها حينما أتت سيرة هذه الفتاة، ولكنها ايضا لا تحتمل كلمة عنها….
❈-❈-❈
دلفت تسحبها لداخل غرفة الطبيب المختص بحالتها، وقد تقدmهم هو اليه ، ليتلاقاه الاخر بالترحاب والتهليل :
– رياض باشا بنفسه في عيادتي المتواضعة، لا دي حاجة ولا في الخيال بقى.
– سجل بقى عشان تبقى للتاريخ.
قهقه المذكور يتبادل معه المزاح، قبل ان يدخل في صلب الموضوع؛
– يللا يا سيدي اهي الست الوالدة قدامك، عايزين نطمن ونعرف اخر التطورات في حالتها .
ذهبت عيني الطبيب نحو ما اشار ، ولكنه لم ينتبه للمريـ.ـضة، وقد انصبت ابصاره على من ترافقها:
– مين الأمورة.
صدرت منه كسؤال عادي وإعجاب لم يخفيه، ليأتيه الرد بحدة غير متوقعة من الاخر:
– امورة مين؟ انا بكلمك عن المريـ.ـضة، خليك في المريـ.ـضة يا هشام .
بدا واضحا اجفال الطبيب من طريقته الفظة عكس المزاح والحديث الودي منذ قليل، ليتحمحم ويجلي حلقه ، متحدثًا بجدية:
– خلاص يا رياض، انا بس كنت بهزر مع اني كنت عايز اعرف يعني هي تقربلكو ايه؟
– الجليسة بتاعتها يا دكتور.
خرجت منها سريعًا في رد له:
– اه تمام ، خلاص هاتيها قعديها هنا قصادي نرغي شوية الاول.
تقدmت بها نحو ما اشار على الكرسي المقابل له، تجلسها امامه، ليقابلها الطبيب بابتسامته المشرقة:
– مدام نجوان القمر، عاملة ايه النهاردة ؟
❈-❈-❈
بعد قليل خرج الاثنان بها، من غرفة الفحص، دون معرفة حقيقية لما وصلت اليه حالتها، هذا السكون المبالغ فيه والوداعة، يجعلانه دائما في حالة ترقب لها،
حديث الطبيب معه في ان يزيد من قربه لها كي تعطيه الامان وتتصالح معه بعد سنوات الجفاء بينهم، ربما يؤثر في حالتها النفسية ويجعلها تستجيب للتعافي الكامل، ولكن ماذا بيده اكثر من ذلك؟
هي من تجعله ينفعل عليها بأفعالها، حتى كلما حاول كسب ودها صدmته برد فعلها وكأنها لم تعد ترى فيه الا صورة زوجها الخائن الراحل، ونست انه ابنها .
– طب انت كدة ممكن تطلبلنا عم علي يوصلنا، وانت تروح شغلك يا فنـ.ـد.م.
نطقت بها بهجة تنتشله من شروده، ليعود اليها، محدقًا بها بتركيز شـ.ـديد، جعلها تتـ.ـو.تر في وقفتها مخاطبة له:
– يا فنـ.ـد.م انا بكلمك عن رجوعنا للبيت لو يعني……
– خلاص سمعت…..
تفوه بها مقاطعًا لها بفظاظة لا يعرف سببها، ولا يعلم بسر هذا الضيق الذي يشعر به الاَن تجاهها، حديثها منذ قليل وفصاحتها في مناقشة ما تلمسه من حالة نجوان مع الطبيب الذي برغم رزانته التي اشتهر بها، إلا انه معها كان كرجل اخر، يتباسط معها ويمازحها، حتى كاد ان ينسى المريـ.ـضة نفسها وابنها بكل هيبته، هذه الفتاة تفاجأه كل يوم باكتشاف جديد عن شخصيتها:
عض على نواجزه، يكبت غـــضــــب غير مبرر داخله، ليردف بخشونة وبصيغة الامر؛
– هاتيها وتعالي ورايا ع العربية ، انا اللي هرجعكم بنفسي.
❈-❈-❈
في السيارة التي كانت تقلهم في طريق العودة ، لم تنسى له طريقته الفظة في التحدث معها، واحساس بعدm الراحة يكتنفها، مع كل نظرة يوجهها لها عبر المرأة حيث كانت جالسة في المقعد الخلفي مع والدته، والتي صبت اهتمامها بها، لتتجاهله ولا تعطي له بالا .
ليلفت انتباهها تركيز الآخرى بالنظر نحو الخارج نحو جهة ما، وهذا البائع الذي التفت حوله الأطفال:
– ده بياع غزل البنات، تحبي اجيبلك منه.
حينما قالتها لم تقصد الجدية ولكن بلهفة الأخرى وتطلعها اليها كطفل صغير، تهز رأسها برجاء.
اجفلت هي لهذا الاصرار العجيب من المرأة لتنقل بنظرها نحو الأخر بـ.ـارتباك، تردد بتلعثم:
– انا ان كان عليا والله انزلك، بس بقى…..
– هنزل اجيبلها انا .
تمتم بها بخشونة، قبل ان يصطف السيارة فجأة، ويترجل منها بهيبته، ثم يشير للرجل البائع والذي هرول اليه على الفور تاركًا مجموعة الأطفال الملتفة حوله:
– ايوة يا سعادة البيه.
لم تتبين بهجة بالحديث الدائر بينه وبين البائع في الخارج، بجلستها هي في الداخل برفقة نجوان، حتى فاجئها هو بمجموعة دفعهم بضيق، حتى امتلأ حجرها هي والأخرى والتي هللت بوجه مشرق كطفل صغير، جعل الابتسامة تنير بوجه بهجة فرحًا لها،
– ياااه للدرجادي غزل البنات فرحك، ياريتني كنت اعرف من زمان كنت جيبتلك على طول .
فتحت نجوان احدى الاكياس تقطم منه قطعة كبيرة بتلذذ، ثم تناولها هي ايضا قطعة كي تشاركها، تلقتها منها بهجة بترحيب:
– حلوة اوي ، كأنك انتي اللي عملاه والله تسلم ايدك .
وبغير قصد منها لعقت الجزء المتبقي على طرف ابهامها، غافلة عمن تجمد محله في مشاهدتها، حتى انه نسي القيادة ونسي ما ينتظره من اعمال في متابعتها، حتى التقت خضرواتيها بدون قصد ببندقيته، لتطرق بحرج، تستدرك خطأها في عفوية لم تتعمدها، ولكنها فعلت به الافاعيل.
ليتحمحم مجليًا حلقه، وينتبه لنفسه، ليدير محرك السيارة ثم يتحرك نحو وجهته والعودة بهما الى المنزل.
❈-❈-❈
عقب عودتهم الى المنزل، كانت المفاجأة بانتظارهم، بوجود لورا الذى لم يتوقعه رياض ليباغتها بسؤاله على الفور:
– في حاجة حصلت يا لورا؟ وانتي هنا من امتى اصلا؟.
صدر ردها بوداعة:
– جاية هنا عشان الشغل طبعا،.
وقبل ان يستفسر منها توجهت نحو نجوان تستقبلها بود شـ.ـديد:
– طنط نجوان حبيبة قلبي.
اجفلت الاخيرة بضمها من تلك الفتاة، ونثر القبلات على جانبي وجهها، تخاطبها بحنان مبالغ فيه:
– حشـ.ـتـ.ـيني و ، حشـ.ـتـ.ـيني و اوي، سامحيني لو الشغل هو اللي واخدني منك.، انما انا لو عليا اجيلك كل يوم، وماما كمان دي نفسها اوي تشوفك.
– انتي مين؟
تمتمت بها نجوان لتدفعها عنها بضيق ، ومن دون كلمة اخرى ارتدت بقدmيها للخلف، نحو بهجة التي التزمت محلها، لتعود اليها وتتشبث بها كطفل صغير، بمشهد اوقد النيران برأس الأخرى،
لتبرق عينيها بحمم تطلقها نحوها، تلك التي استولت على قلب هذه المعتوهة، لتنال ثقتها، دونا عن المئات منن تقدmن لهذا العمل، ويبدو انه قد حان الان الدور عليه هو.
التفت اليه بأنفاس لاهثة ، لا تقوى حتى على تخيل الفكرة.
– لورا انتي ما قولتيش جاية ليه؟
كانت تلك صيحته نحوها، لتنتفض باستدراك سريع، وتتناول عدد من الملفات التي وضعتها على ذراع الأريكة ، ثم تعطيه اياها:
– حضرتك انا جيبالك دول، كارم باشا قام بالواجب وزيادة بس دول مطلوب فيهم امضتك الشخصية.
ألقى بنظرة سريعة بمستوى الاوراق، ليتمتم باستغراب:
– كان ممكن يستنوا على ما اجي الشركة بنفسي، بس يلا مش مهم ، هاخدهم ع المكتب اراجعهم وامضيهم،
تحرك خطوتين متمتمًا لها:
– استنيني هنا ولا خلي حد من الشغالين يعملك حاجة تشربيها.
اومأت بطاعة وابتسامة حلوة:
– اتفضل براحتك، انا مش غريبة .
حينما انصرف نحو وجهته، وتوقفت هي بوسط الردهة تجول بأبصارها هنا وهناك، حتى وجدت غايتها ، وذلك خلف الجدار الزجاجي ، حيث الجهة الاخرى، والحديقة الداخلية للمنزل،
وجلسة تجمع نجوان مع تلك الفتاة على طاولة لهم وحدهم.
ابتسامة غامضة لاحت على ملامحها، قبل ان تتحرك من محلها قاصدة وجهتهما.
❈-❈-❈
كانت نجوان مازالت تحتفظ بابتسامتها الحالمة وهي تتناول من قطع الحلوى التي أتت بها، تتناولها بتمهل وتلذذ بذوبانها داخل فمها، ونظرات شاردة جعلت بهجة المتابعة لها تعلق بتخمين:
– سرحانة ووشك مورد، شكلك كدة كنتي خارباها فسح ع النيل، حلبسة بقى ودرة مشوية وبطاطا ع الفحم……
توقفت فجأة بتردد مغمغمة:
– خايفة أسألك عن ذكرياتك دي كانت مع مين لا اخرب عليكي حالة الصفاء وانا مش واخدة بالي، بس اقولك بقى اهم حاجة تكوني مبسوطة، يعني انا هعوز ايه اكتر من كدة؟
– انتي هنا يا طنط وانا بدور عليكي.
جاء الصوت من خلفها، لتلتف بجذعها بهجة، فتحققت من هذه المتعجرفة، وهي تقترب منها، بهيئتها كعارضات الازياء ، كل شيء بها مرسوم بدقة، مع اهتمام مبالغ فيه، يجعلها قبلة للنظر.
– أخبـ.ـارك ايه يا بهجة؟
كان هذا السؤال اول ما نطقت به فور أن توقفت امامهم بابتسامة لا تخلو من استخفاف ،فجاء رد بهجة تبادلها بواحدة صفراء:
– الحمد لله يا لورا هانم رضا.
– اممم ، وعلى كدة بقى، انتي مبسوطة هنا؟
لم تعجبها نبرة السؤال :
– انبساط! لا يا هانم، تقدري تقولي بقيت اتعود ، لكن انبساط دي حاجة بعيدة اوي، ربنا يكرمنا بيها.
زمت شفتيها بهذه الابتسامة المستفزة، ثم جلست مخاطبة لها بزوق غريب عنها:
– ماشي يا بهجة، طب ممكن بقى تقولي لحد من الشغالين يحضرلي حاجة اشربها، يعني لو مش هتقل عليكي.
حينما نقلت بهجة بابصارها نحو نجوان التي انكمشت بنظرات الخــــوف وكأنها طفلة تخشى الغرباء، سارعت تطمئنها:
– ما تخافيش على طنط انا هراعيها بنفسي، هي اول مرة يعني؟ ولا انا غريبة عنها؟
اضطرت بهجة ان تزعن لالحاحها، وتنهض تنفذ طلبها ، تاركة نجوان التي صارت تتابعها بأعين راجية الا تتركها، لتطمئنها قبل ان تستدير عنها وتذهب:
– جيالك على طول متخافيش.
تطلعت لورا في أثرها بنظرات حارقة، لترتخي ملامحها بعد ذلك وتلطف بقولها نحو الأخرى:
– ايه يا طنط، معقول تكوني خايفة مني للدرجادي، هو انا غريبة عنك يعني؟ ولا هتنسي صلة الدm اللي ما بينا؟
حينما جذبت انتباهها اخيرا، واصلت لورا بطريقتها الناعمة:
– انا عارفة انك عاقلة وست العاقلين كمان، بدليل انك منتبهة لكلامي دلوقتي، طب اقولك على حاجة…….
توقفت فجأة تدور ابصارها في الانحاء كافة قبل ان تعود اليها هامسة:
– انا جيالك النهاردة مخصوص عشان احذرك، البـ.ـنت دي اللي اسمها بهجة، عارفة تبقى قريبة مين؟
دارت مقلتيها مرة اخرى قبل ان تخبرها بهمس يقارب الفحيح؛
– تبقى قريبة ناريمان، فاكرة ناريمان؟
لاحت على ثغرها البسمة ، حينما رأت الزعر الذي اعتلى ملامح الاخرى، لتكمل بانتشاء .
– ايوة هي بعينها يا طنط ناريمان، وجاية تخـ.ـطـ.ـف حكيم منك…… شوفتي بقى .
توقفت تراقب تأثير الكلمـ.ـا.ت عليها، بعدmا حطت بيداها على الجـ.ـر.ح الخامد، تنخر فيه بأظافرها، لتقلب كيان المرأة بذكريات بشعة وصورة غريمتها التي حلت امامها، تغشي عينيها عن الرؤية، فيعلو صدرها ويهبط بانفاس متسارعة وبصورة انبأت الأخرى بقرب الوصول لهدفها ، فتنسحب من امامها بهدوء، وتبتعد مع مراقبتها بحرص، حتى انتبهت لعودة الأخرى من الجهة الاخرى، لتنهض نجوان من محلها، تحركها الذكرى البائسة، وقد توقف عقلها عند هذه النقطة، ولم يعد يعمل ولا يميز أي شيء
لتندفع بغـــضــــبها مسرعة بخطواتها نحوها وكأنها ذاهبة الى الحرب ، فتتلاقها بوسط المسافة عند المسبح، ويحدث ما يحدث !
❈-❈-❈
تتأوه بتعب ، شاعرة بثقل ودوار يلف رأسها وهي تجاهد لالتقاط الوعي، حتى فتحت عينيها للضوء القوي، مستغربة النعومة الشـ.ـديدة بالفراش، لتتضح الرؤية رويدا رويدا امامها، ولكن…..
هذه ليست غرفتها، ولا هذا فراشها، ولا….
– يا نهار اسود
هتفت بها تعدل جذعها بجزع، حينما انتبهت على ما ترتديه:
– هدومي راحت فين؟ وهدوم مين دي اللي انا لابساها؟
لترفع عنها الغطاء وتنهض عن الفراش رغم دوار رأسها الذي كاد ان يسقطها ارضا، لولا أن لحقت بنفسها، لتستند بيدها على قائم التخت، لكن سرعان ما استقامت لتتحامل على هذا الدوار الشـ.ـديد، وتخرج من الغرفة الفخمة تبحث بأبصارها يمينا ويسارًا حتى وقعت عينيها عليه ، جالسًا بأحد الاركان على الاَريكة الاثيرة ،
امام حاسوبه الذي كان يعمل عليه بانشغال تام ، حتى اخترقت اسماعه صيحتها، ليجفل، ويهتز كوب القهوة بيده، حتى اسقط كمية كبيرة من المشروب الساخن على قميصه ولوح المفاتيح للحاسوب، كما احرق جزء من بشرته، ليتأوه بصمت وهو يسمع لها:
– انا كنت في الاوضة االي جوا بعمل ايه؟ ومين اللي غير لي هدومي؟ انتوا عملتو فيا ايه بالظبط؟
اشار بيده والأخرى صار يمسح بها بالمحرمة على قميصه ولوح المفاتيح، متمتمًا ببعض الهدوء:
– طب اهدي خليني افهمك.
– تفهموني ايه؟ دا انا هوديكم في داهية،
صرخت بها، تهم بالمتابعة بالسباب، ولكنه اوقفها بحزم وصرامة:.
– اسمعي مني الاول بقى وافهمي، ولا اسيبك على عماكي احسن ……
انهارت ساقطة على الارض، وقد غلبها التعب الجــــســ ـدي، وجزع داخلها يجعل قلبها ينتفض خــــوفا، ان يكون حدث معها شيء لا تستطيع العيش معه، شيء تفضل المـ.ـو.ت على ان يحدث.
– انا مش عايزة ابقى على عمايا، انا عايزة افهم، ارجوك انا مش فاكرة اي حاجة..
زفر يمسح بكفه على وجهه لينهض ذاهبًا نحوها، يمد يده اليها :
– قومي يا بهجة الاول واستريحي ع الكنبة، بلاش قعدة الارض.
رفضت قاطعة:
– لا انا مش عايزة اقوم، انت اتكلم وانا كدة مستريحه.
امام اصرارها لم يجد بدا من مهادنتها، ليجلس هو على اقرب المقاعد اليها، ثم يستعيد برأسه ما حدث ، ولحظات من اصعب ما مر عليه
((قبل ساعات من الاَن
وقد كان بغرفة مكتبه، منكفئًا على عمله على عدد الملفات التي أتت بهم مساعدته لورا، بتركيز تام ، حتى اجفل على صوت صراخ غير مفهوم، لم يميزه في البداية، حتى دوى الاسم المعروف بذهنه:
– حكييييم، حكييييم.
انتفض على الفور وقد علم ان تلك والدته، ليخرج مهرولا يتبع الصوت الذي ذهب به الى الحديقة، وكانت المفاجأة حينما وجدها بالقرب من المسبح، تنتحب وتنتفض محلها، وقبل ان يتخذ طريقه نحوها، صعق بالأفظع،
وذلك برؤية الجــــســ ـد البشري وهو يصارع الغرق بداخل المياه، وقد تيقن تماما من ضعف مقاومتها، وانها على وشك ان تستسلم للمـ.ـو.ت،
ليتخذ القرار على الفور، ويلقي بنفسه داخل المياه فيحملها من ظهرها بذراع والأخر يدفع به داخل المياه حتى خرج بها يلقيها على السطح الرخامي فاقدة للوعي.
فحاول بخبرته القليلة إجراء الاسعافات الاولية لها ، بالضغط بكفيه وقلبها ايضا لإخراج الماء الذي دخل مجري التنفس لها.
– فوقي يا بهجة الله يخليكي فوقي.
– ايه اللي حصل انا كنت جوا بعمل مكالمة تليفون.
كان هذا صوت لورا التي أتت للتو من الداخل، لم يلتفت لها ، وقد كان مشغولا في اسعاف الأخرى، والتي اضطر في الأخير ان يجري لها تنفس صناعي، ليصدر صوت شهقة مفاجأة من لورا التي كادت ان تصاب بأزمة قلبيه، مع استجابه الأخرى، وسعالها في إشارة لعودتها للحياة مرة اخرى، ولكن بنصف وعي ، ليحملها هو ذاهبًا بها الى الداخل.
– انتبهي على ماما على ما ارجعلك يا لورا؟
صرخت به ضاربة الارض بقدmيها:
– ودي هتروح بيها على فين؟
– لم يكلف نفسه عناء الإجابة، فواصل طريقة حتى ذهب بها الى احدى الغرف، مناديا على احدى الخادmـ.ـا.ت ، حتى تخلع عنها ملابسها وتراعيها، حتى يأتي بالطبيب اليها ، ويذهب هو للاطمئنان على والدته.))
– ادي كل اللي حصل يا بهجة، لساكي برضو مش فاكرة؟
كان هذا سؤاله فور ان قص عليها كل شيء، وقد اقتص من الجزء الخاص بإسعافها ذكر التنفس الصناعي، ليختص به لنفسه ، فيكفيه ما يكتنفه الاَن من مشاعر كاسحة، بقبلة الحياة التي لم يتعمدها، ولكنها قلبت كيانه رأسا على عقب ، بالكاد يحاول التوازن امامها ، وصرف افكاره بقدر الامكان .
لينتبه على اجابتها، بعدmا نفت بهز رأسها، وقد تغضنت ملامحها بالحـ.ـز.ن، لترد بصوت بالكاد خرج:
– دلوقتي بس افتكرت، انا كنت راجعة من المطبخ، بعد ما سيبتها مع لورا، كانت هادية وراسية بشكل فرحني، لدرجة اني لما شوفتها جاية عليا بوشها مقلوب، افتكرتها بتهزر، قبل ما تفاجأني والاقيها بترميني على حوض السباحة، ووقفت قدامي تبص عليا كأنها تمثال ، وانا بصرخ عليها واقولها:
– بتزقيني ليه انا مبعرفش اعوم؟ نادي حد يخرجني، نادي حد يخرجني.
ختمت تمسح دmعات خائنة سقطت منها، متابعة:
– طب هي عملت كدة ليه معايا، دا انا اديتها الامان وافتكرتها بتحبني.
ردد خلفها بتأكيد:
– بس هي فعلا بتحبك يا بهجة، بدليل صريخها عليكي وعشان حد ينقذك.
– امتى؟ دا انا مش فاكرة غير فرجتها عليا .
– وانا بقولك اللي حصل يا بهجة، ماما من ساعة اللي حصل قافلة على نفسها في حالة مشوفتهاش عليها بقالي سنين، اكيد يعني انا مش هكدب عليكي.
اومأت بتفهم، لا تستبعد هذا الفعل منها. فهي كالبحر مرة تخدعها بهدوها وصفاءها، ومرة اخرى تصفعها بأمواجها العاتية.
استدركت فجأة تسأله:
– صحيح انا كنت سيباها مع لورا، راحت فين وسابتها؟
مط شفتيه بعدm معرفة:
– بتقول انها كانت بتعمل مكالمة ساعة اللي حصل، المهم دلوقتي انا كنت عايز اعرف قرارك عن الاستمرار هنا او عدm الاستمرار، وانا في كل الحالات هعوضك عن اللي حصل معاكي، دا حقك عليا، قرارك دلوقتي بقى يا بهجة.
صمتت قليلًا بتفكير، قبل ان يصدر ردها النهائي:
– انا عايزة اشوفها الاول ، قبل ما احدد اي قرار.
↚
زمجرة بغليل خرجت منها، تدفع محتويات مكتبها على الارض بعنف اصدر ضجيجًا دوي في أنحاء المنزل، حتى اجفل والدتها من خارج الغرفة، لتدلف اليها سائلة بجزع تستكشف الأمر:
– يا نهار اسود، ايه اللي حصل يا لورا؟
التفت إليها ، قابضة على شعر رأسها تكاد ان تقــ,تــلعه مرددة:
– مفيش حاجة حصلت يا ماما، المصـ يـ بـةان مفيش حاجة حصلت؟ ودا اللي هيجنني وبيخليني اسأل نفسي كل دقيقة، انا ايه اللي ناقصني عشان ما يشوفنيش؟ ليه دايما حاططني في خانة القرايب او الموظفة اللي عنده، امتى بقى يحس بيا؟ حتى يرحمني من النار اللي بتاكل فيا وانا كل لحظة يدور عقلي بالهواجس، انه يبص لواحدة غيري ولا يفكر في الجواز، هتجنن يا ماما هتجنن.
دفعت في الاخيرة احد المقاعد تسقطها بقدmها، قبل ان تخور قوتها وتسقط على الاخر، بمشهد اثار استفزاز والدتها:
– يعني انا افهم من كدة، ان الجنان والتكسير والبهدلة دي كلها، عشان الباشا اللي مش راضي يعبرك ولا يحس بحبك، ما عنه ما اتنيل، هي خلاص الرجـ.ـا.لة صفصفت عليه ؟ الدنيا حواليكي مليانة شباب زي الورد، لكن انتي اللي عمـ.ـيـ.ـتي نظرك ووقفتي الرؤية عليه هو بس…. فوقي يا حبيبتي قبل الوقت ما يسـ.ـر.قك، ويضيع عمرك بالقعدة جمبه.
طالعتها بحنق متعاظم، تخاطبها بعتب:
– شكرا اوي يا مامي ع المؤازرة، دا بدل ما تقفي جمبي وتدليني على طريقة تقربه ليا.
لطـ.ـمـ.ـت والدتها كفيها ببعضهما، لتتخصر ناظرة اليها بقنوط، قابلته لورا بضحكة ساخرة:
– شوفي انتي بتتكلمي ازاي عن إنى اسيبه واشوف غيره بكل سهولة، ومت عـ.ـر.فيش اني بقيت اغير عليه من الخدامين يا مامي، تصدقيها دي؟ انا حالتي بقت متأخرة في حبه، ودوايا هو.
هذه المرة حلت الابتسامة على ثغر والدتها، ولكن بمرارة على حال ابـ.ـنتها:
– يبقى انتي كدة هتحصلي والدته يا قلبي، ما هو اللي ضيع نجوان هو الهوس بجوزها، اللي هو صورة من ابنه، بس ع الاقل حكيم رغم كل عيوبه كان بيحب مـ.ـر.اته، انما انتي يا حلوة، حجتك ايه؟ مهووسة بحب راجـ.ـل مش حاسس بيكي من الأساس.
وعلى عكس ما توقعت بعدmا حدثتها بالمنطق، جاءها رد ابـ.ـنتها بتصميم وتشبث:
– عشان طنت نجوان كانت ضعيفة يا ماما، يبقى تستاهل اللي حصل لها، انما بـ.ـنتك بقى……
توقفت تضع قدmا فوق الاخرى، تردف بثقة:
– قوية، وقوية اوي كمان، وعمرها ما هتتنازل عن حلمها .
❈-❈-❈
دلفت تتبعه حينما دفع الباب ليتوقفا الاثنان بمدخل الغرفة، فيشير لها بيده نحو الأخرى، وتفاجأ برؤيتها؛ متكومة على الفراش، تحتضن ذاتها من ركبتيها الى صدرها، وكأنها طفل صغير، أضاع والديه، وتاه في عالم غير عالمه الذي يعرفه،
برغم كل ما تحمله من غـــضــــب نحوها، إلا ان مشهدها بهذه الصورة مزق قلبها ، كيف انقلبت هكذا من حالة الحالمية والشرود الجميل الى هذه المرأة البائسة التي تبدو كعجوز كـ.ـسرها الحـ.ـز.ن:
– هي ليه عاملة كدة؟
كان هذا هو السؤال الذي صدر منها في رد فعل اولي لما تراه، فتنهد هو بأسى يضع كفيه بجيبي بنطاله قائلا:
– اهي ع الحال ده من ساعة اللي حصل، في البداية كانت بتصرخ بهستيريا واحنا مش فاهمين عايزة ايه؟ فا اضطرينا نديها حقنة مهدئة، نامت بعدها، لكن من ساعة ما صحيت وهي ع الحال ده، مش عايزة تقوم من ع السرير ولا تاكل ولا تشرب ، انا احترت معاها وبفكر جديا اوديها لأي مصحة…..
قاطعته معارضة على الفور:
– لا حـ.ـر.ام ارجوك، الدكتور امبـ.ـارح نبه على قربك منها ، وانها تحس بحبك واحتياجك ليها ، لو نقلتها للمصحة يستحيل ترجع لطبيعتها تاني ولا تخف .
لحظات من الصمت بينهم، وهو يحدق بها بنظرات لم تفهمها، وهي في انتظار رده.
، يدهشه خــــوفها على والدته رغم ما فعلته معها وقد كانت على وشك المـ.ـو.ت بسببها، كيف تمتلك قلبًا يتسع للتسامح في امر كهذا؟
نفض رأسه يتصرف بعمليه، مقررا بذكاء منه استغلال الفرصة:
– طب انا من رأيي تقعدي معاها الاول وتحددي قرارك ، وبعدها اشوف انا الحل المناسب.
اومأت رأسها بتـ.ـو.تر ، لتخطو نحو المرأة المتعبة، تلك التي انتبهت عليها، لتتعلق ابصارها بها، تغشي عينيها الدmـ.ـو.ع التي بدأت تهطل بنـ.ـد.م ورجاء، التمسته بهجة، لتسقط جالسة بجوارها تخطابها بحيرة وعتاب :
– طب بتعيطي ليه دلوقتي؟ انا اللي حقي ازعل منك على فكرة .
اهتز صوتها في الاخير بتأثر واضح، لتفاجأ برد فعل نجوان، التي نهضت بجذعها مرددة بكلمـ.ـا.ت بالكاد تفهم:
– انتي مش هي، انتي مش هي .
– هي مين؟ وضحي اكتر عشان افهم؟
لم تجد اي رد منها، سوى ان فاجأتها تحتضنها بدmـ.ـو.ع صامتة، تبلل كتفيها ، تزيد من تشتتها، فتردد بإجهاد وتعب:
– طب والله حـ.ـر.ام عليكي اللي بتعمليه فيا ده؟ انا دلوقتي اكرهك ولا احبك، تصعبي عليا ولا ادعي عليكي عشان كنتي هتمـ.ـو.تيني؟ انتي ايه حكايتك معايا؟
دوت عبـ.ـارتها الاخيرة، برأس ذلك المتابع لمشهدهم من اوله، وكأنها تنطبق على حالته معها، تلك الحنون التي تسامحت في غضون دقائق مع واحدة لا تعرفها سوى من فترة لا تتعدى الأسابيع، بفعل لم يقوى هو عليه مع اقرب الناس اليه، رغم مرور السنين.
❈-❈-❈
خرجت اليه بعد قليل،
وقد بدلت ملابسها، لأخرى التي أتت بها، بعدmا جففتها لها عاملة المنزل، لتخطو نحوه وملامح التردد تعلو تعابيرها، وهو يراقبها ويتشرب تفاصيلها بشغف هو نفسه لا يصدقه، بعد سنوات لا يذكر عددها، تساوت فيها النساء مع الرجـ.ـال في نظره، لا يلتفت ولا يعطي بالا لاحداهن، مهما كانت درجة جمالها، ومميزاتها، انما مع هذه…… يبدو ان الأمر مختلف تماما.
– تعالي اقعدي يا بهجة.
هتف يدعوها ، يزيح الحاسوب عن قدmيه، مؤجلا العمل عليه حتى ينهي النقاش المهم معها، ليردف فور ان استجابت وجلست امامه:
– ما انا مضطر اتابع بقى الشغل من بيتي.
فهمت على مقصده من خلف الكلمـ.ـا.ت، لتعقب بأسف:
– معلش يا فنـ.ـد.م اننا عطلناك على شغلك.
قالتها لتطرق برأسها بحرج منه، فجاء رده بمراوغة:
– والله لو ع اليوم ده وخلاص ، تعدي يا بهجة، انما المشكلة ع الايام اللي جاية بقى، لو انتي رفضتي الاستمرار، انا بصراحة مش عارف ساعتها هعمل ايه لحد ما تقوم الدادة نبوية من رقدتها الشـ.ـديدة دي.
افتر فاهاها تهم بالرد ولكنه كان الاسبق :
– انا مش بضغط عليكي يا بهجة، انتي ليكي الحرية انك تحددي قرارك، وحاجة تانية….
توقف يعطيها مبلغا من النقود في ظرف ابيض، قائلًا:
– دول حاجة بسيطة يا بهجة، وملهمش دعوة بأي شيء.
تطلعت في الظرف المغلق بعدmا وضع في كفها، يظهر مبلغا كبيرة من النقود، لتعبر عن رفضها:
– بس دول كتير اوي وانا معملتش حاجة.
– انتي كنتي هتروحي فيها يا بهحة، يبقى معملتيش ازاي بس؟
تمتم بها متفكهًا على غير طبيعته، ليجبرها على الابتسام رغم تـ.ـو.ترها، فترد بخجل:
– العمر والأجل دا بإيد ربنا.
– ونعم بالله .
تمتم بها، ثم صمت في انتظار ردها، والذي جاء بعد فترة سائلة:
– طب ممكن اعرف انت هتعمل ايه معاها؟ بس من بعد اذنك يعني بلاش المصحة.
– معنى كدة انك قررتي عدm الاستمرار يا بهجة؟
جاء ردها بحيرة ظاهرة:
– ما انا بصراحة خايفة منها بعد اللي حصل، وبرضوا صعبانة عليا، ومش فاهمة هي عملت معايا كدة ليه؟
– بس هي بتحبك والتصرف اللي طلع منها دا انا مش عارف هو حصل ازاي ، بس اللي متأكد منه، بعد اللي شوفته جوا معاكي، هو انه لا يمكن يحصل تأني.
اشار في الاخيرة على ما حدث منذ دقائق بداخل غرفة والدته ، حينما تشبثت بها كالاطفال وبأعين دامعة، وهذا لا يحدث الا نادرًا.
حينما وجدها صامتة، تابع يضغط على هذا الجزء الضعيف بها:
– ع العموم لورا لساها بتدور على واحدة ، دا غير انها عرضت عليا تتكفل بيها في بيتها لحد ما الدادة نبوية تسترد صحتها .
– بلاش لورا عشان بتخاف منها.
خرجت منها سريعا بتعبير واضح عن رفضها، ليعقب هو بقلة حيلة لا تخلو من مكر:
– طب اعمل ايه بس يا بهجة، ما هو يا الحل ده، يا اوديها المصحة.
– تاتي المصحة برضو؟
تمتمت بها، ثم اغمضت عينيها تستغفر ربها، وتناجيه العون ، وهو يطالعها بترقب في انتظار الرد، والذي لم يأتي إلا اخيرا:
– طب انا هاخد الكام يوم دول لحد ما ترجع دادة نبوية ويشفي عنها يارب ، بعدها بقى، ابقى اقرر استمراري من عدmه من عشرتي معاها.
زفر بـ.ـارتياح مغمغمًا:
– وانا مش هنسالك المعروف دا ابدا يا بهجة ، وبرضوا مش هتأخر عنك في عائد مادي تستحقيه.
تمتمت بتـ.ـو.تر :
– مش مهم العائد المادي، قصاد انها متأذنيش، ربنا يهديها عليا .
❈-❈-❈
لا يوجد اجمل من ان يأتيك الفرج بعد طول عـ.ـذ.اب، ومن حيث لا تحتسب،
فرحة تغمرها بشكل لا يوصف، رغم الالم ولحظات الأسى التي مرت بها، والو.جـ.ـع الجــــســ ـدي الذي لم يذهب حتى الاَن.
الا انها لا تنكر فرحتها الاَن، وهذه المبلغ المحترم من المال ، سيمكنها من دفع عدد كبير من الديون والاقساط التي رغم صغرها، إلا ان كثرة عددها، يجعلها طوق في الرقبة يخـ.ـنـ.ـقها، سوف تتمكن من شراء شيء ما لها يصلح للخروج، ولشقيقاتها ايضا.
لن تبقي على قرش واحد منهم، فما تصرفه الاَن، تعلم ان الله سوف يخلفه.
– احنا وصلنا الحارة يا بهجة، تحبي تنزلي هنا مطرح ما بتنزلي كل يوم ، ولا ادخل بيكي داخل منطقتكم؟
قالها العم علي بمشاكسة، استجابت لها بابتسامة قائلة:
– كتر خيرك يا عم علي، كل مرة تسألني السؤال وانت عارف اجابته.
تفكه بطرافة منه، يُسمعها قبل ان تترجل من السيارة:
– الحق عليا ، اني مستغليتش وانتي سرحانة، ودخلت بيكي في قلب الحارة وقدام باب بيتكم ، واقولك انزلي.
– ساعتها مكنتش هتعرف تخرج بيها يا عجوز يا لئيم .
صدحت ضحكات الرجل العجوز في قلب السيارة، في رد فعل على كلمـ.ـا.تها، لتغادر هي بابتسامة متسعة ، خبئت بعدها بقليل، فور ان وقعت عينيها على ابن عمها الأصغر، والذي وكأنه اتفق مع شقيقه الاخر في تضييق الخناق عليها، الا يكفيها عمها وزوجته المتسلطة وابـ.ـنتهم الحمقاء التي لا تجد راحتها الا بتعكير صفوها في كل مرة تقابلها، فلينجدها الله منهم.
– راجعة ع الساعة اتناشر وفي عربية اخر موديل يا بهجة.
زفرت تقابله بحنق مرددة:
– وانت مالك؟
اشار بسبابته على صدره بصدmة:
– انا مالي يا بهجة؟
– اه انت مالك؟ ومستعدة اكررها للصبح يمكن تفهمها.
قالتها بتصميم اوغر صدره، حتى كاد ان يتفوه برد قوي، ولكنه توقف على قدوم شقيقها والذي تجهم سائلا:
– واقفة ليه عندك يا بهجة؟
وقبل ان ينطق هو وجدها تجيبه:
– ابن عمك بيحقق معايا على رجوعي الساعة اتناشر، ورجوعي في عربية يا ايهاب، ولما بقوله انت مالك زعل.
– دا بجد؟
غمغم بها شقيقها موجهًا نظراته نحو ابن عمه، ثم اجفله بقوله:
– طب انت مالك صحيح؟
ختم ضاحكا يسحب شقيقته ويذهب بها من أمامه بكل هدوء واريحيه، تاركا الاخر بفاه منفرج في متابعتهم، ثم يغمغم بالسباب والشتائم.
❈-❈-❈
توقف موكب السيارات امام القصر القديم الطراز والمتجدد بأحدث الوسائل، ليترجل من احداهم بهيبته، ثم التف نحو الجهة الاخرى، يتناول كف امرأته التي كانت تجد صعوبة في النزول لولا مساعدته، وذلك نتيجة لحملها في الشهور الاخيرة بالجنين الذي يتشوقا اليه منذ سنين، منذ زواجه بها،
– براحة يا روح قلبي، على اقل من مهلك.
ردت زوجته بامتنان ، تريح برأسها على ذراعه الذي تستند عليه:
– ربنا يخليك ليا يا مصطفي، متحملني رغم التعب المستمر، ولا شكلي اللي بقى بشع.
تنهيدة مثقلة صدرت منه، يقبل كف يدها بلوعة:
– شكلك ايه بس ولا بتاع، هو انا شوفت ولا عمري هشوف غيرك، يا نجمة الجماهير انتي، ياللي هتخلفيلي اجمل طفل على سطح الكوكب، يااااه دا انا متشوق اوي.
ربتت نور برقة على يده التي تحاوطها، ثم قامت بطبع قبلة خاطفة على كتف ذراعه بحب متمتمة:
– هانت يا روح قلبي، فات الكتير مبقاش الا القليل، كلها ايام ويهل ولي العهد ، ربنا يعديهم بقى على خير زي اللي فاتوا .
– يارب يارب .
تضرع بها الى الخالق بشوق جارف، يعد على اصابعه، بقرب الوصول لأجمل الأهداف التي ينتظرها، فصبره الذي طال يستحق المكأفاة، بعشمه في كرم الخالق.
– مصطفي.
دوى الصوت القوي ينتشله من عالمه الوردي، ليتفاجأ بها جالسة في انتظاره في بهو القصر، تستند بذقنها على رأس عصاها، وكأنها كانت في انتظاره، لتهمس زوجته بخــــوف منها:
– مامتك قاعدة مستنياك يا مصطفى، باينها زعلانة كالعادة، انا بصراحة مش هتحمل القعدة، همـ.ـو.ت وانام.
رد بهمس هو الاخر:.
– خلاص اطلعي وانا هحصلك.
سحب ذراعه منها، لتعتمد على ذاتها في الباقي، ثم ألقت بالتحية على المرأة ذات الوجه العابس:
– مساء الخير يا طنط،
– مساء النور يا روح طنط.
رددت بها بهيرة بسـ ـخـــريــة لم تخفى على ابنها ، الذي تعمد التجاهل كعادته، تجنبا لغـــضــــبها:
– نعم يا ست الكل، مش عوايدك يعني تسهري.
مطت شفتيها بابتسامة ليس لها معني، قائلة:
– خلينا نتعلم يا سيدي منكم،… ع العموم دا مش موضوعنا
– امال ايه هو موضوعنا؟
سألها مستفسرًا، لتجيبه بعد برهة من الوقت :
– انا كنت بفكر اشتري قصر جدك شوكت باشا، عايزة اجدده، وارجعه لاصله.
قطب قليلًا بتفكير ، ليعقب بعد ذلك:
– بس دا ورثك مع خالتو نجوان، هتبيع ازاي نصيبها بحالتها دي؟
– من ابنها
– يا ماما وافرضي رياض قبل ومضى، وخالتو رجع لها عقلها بعد كدة وخفت، هتتقبل ازاي الأمر لما تلاقي نصيبها بقى ملكك انتي .
زمت شفتيها تضـ.ـر.ب بعصاها على الارض بحنق:
– وانا بقى هفضل تحت امرها؟ حد قالها تروح تتجوز برا العيلة من واحد العوبان زي حكيم، خسرها فلوسها، وبمـ.ـو.ته اخد عقلها كمان، ما هي لو سمعت الكلام، مكنش دا كله حصل لها.
يعلم ان جادلها ستواصل ولن تتوقف ، وهو بالكاد تحمله قدmيه، لذلك فضل مجاراتها:
– حاضر يا ماما ، هشوف الموضوع ده مع رياض، وهو يتصرف، عن اذنك بقى عشان همـ.ـو.ت وانام .
لم يتلقى منها رد، فنهض متابعًا انسحابه:
– تصبحي على خير بقى يا ست الكل، عن اذنك.
تابعت انصرافه وهروبه منها بضيق :
– ماشي يا مصطفى،انا برضو مش هسكت غير لما اخد القصر.
❈-❈-❈
مرت عدة أيام في مجالستها للمرأة بهدوء وبعض الارتياح بما لمسته منها من تغير، وقد اصبحت تستجيب لها وتطيعها دوما ، أدmنت القصص والروايات، وقراءتها من قبل بهجة، وكأنها تكفر عن ذنبها وخطأها.
حتى أتى ذلك اليوم حينما وصلها اتصال من شقيقتها، تخبرها عن حمى مفاجئة أصابت شقيقها، عقب عودته من إحدى دروسه.
فحاولت الاتصال بصاحب العمل حتى تستأذنه وتترك نجوان في حوزته، فمسؤولية الخروج الاَن مع عدm توقع أفعالها الغير مضمونة على الإطـ.ـلا.ق يقيد عقلها عن التفكير بأي شيء ، ولكنها لا تقدر على المكوث هنا وشقيقها لا تعلم بما اصابه ومع محاولات الاتصال المتكررة وفشل الوصول اليه، اضطرت في الأخير ان تبعث رئيستها في عمل المصنع لتُعلم هذه المتعجرفة مساعدته في المصنع كي تخبره، وحينما لم تجد منها نتيجة هي ايضا، حسمت امرها لتتخذ القرار.
❈-❈-❈
– قلب اختك يا حبيبي، ايه اللي حصله يا جنات؟
هتفت بكلمـ.ـا.تها، فور ان دلفت اليه عائدة من الخارج، تسحب بيدها نجوان التي وقفت محلها بانشـ.ـداه،
وهي تراها تسقط بجوار شقيقها على الفراش.
لياتيها الرد من جنات:
– رجع من برا ع الحال دي يا بهجة، جـ.ـسمه مولع وبيجر رجليه بالعافـ.ـية، حاولت معاه بالكمادات، الحرارة نزلت يدوب شوية صغيرين، وبعدها رجعت تاني رغم البرشام اللي خده، انا مش عارفة والله اعمل معاه ايه تاني؟
– متعمليش حاجة، انا اساسا اتصلت بالدكتور، وانا جاية وبتابع معاكي في السكة.
اومأت جنات برأسها لتشير اليها بعد ذلك بذقنها، نحو الأخرى باستفهام ، لتنتبه بهجة على وقفتها مازالت محلها؛
– اه دي نجوان هانم اللي انا شغالة عندها، اقعدي يا هانم، واقفة ليه على رجلك، تعالى اقعدي ع الكنبة اللي هناك دي.
بحالة من الارتباك ، لم تتحرك نجوان من محلها ، لتنهض جنات بسرعة بديهة، فتقترب منها وتسحبها برقة ولطف:
– تعالي اقعدي وريحي رجلك، اينعم هي الكنبة على قد الحال، بس والله مريحة.
اومأت رأسها باضطراب، تسجيب لسحبها ، حتى جلست على هذا الشيء الجديد عليها ببعض الهدوء، الذي طمأن بهجة بعض الشي لتهتم بشقيقها، بعدmا اعطت تعليمـ.ـا.تها لجنات بقفل باب المنزل الخارجي والحرص الشـ.ـديد منها، فهي حتى الاَن لا تعطيها الامان .
❈-❈-❈
وفي الاسفل
هللت سامية نحو اسرتها تخبرهم:
– شوفتي ياما، شوفت يابا، الحارة كلها مقلوبة تحت ع العربية الزيرو اللي سادة الشارع.
سبقهم بالرد شقيقها الأوسط سامر:
– اه يا ختي شوفناها، وشوفنا كمان مين نزل منها ، عارف يابا العربية دي تبع مين؟
رد خميس بلهفة:
– مين يا واد؟
– بهجة بت اخوك يابا، ودي مش اول مرة على فكرة، انا شوفتها نازلة قريب منها برا الحارة، ودلوقتي جايبة معاها واحدة ست شكلها هانم بشعر اصفر، ولا اللي بيطلعو في المسلسلات التركي بحلاوتهم رغم سنها الكبير.
برقت عيني والده بشغف استفز درية لتتدخل وتنهره:
– تركي ولا مصري، هي جاية بيها هنا ليه؟ وتعرفها منين اصلا؟
– الله اعلم.
تمتم بها سامر، ليجلس محله ويتكيء مضجعًا على الاريكة، فعلقت شقيقته بحقد:
– ودي هتغلب برضو، اكيد لقت لها سكة مع الست اللي بتقول عليها، انا ملاحظاها هي وواخواتها بقالي فترة، كلهم طقموا بالجديد، والنعمة بانت عليهم، دا البلوزة اللي خرجت بيها البـ.ـنت جنات امبـ.ـارح، انا كنت همـ.ـو.ت عليها واجيبها، بس معرفتش تتجاب من اي محل.
بضحكة ساخرة عقب شقيقها باندهاش:
– يا نهار ابيض عليكي يا سامية، بقى كل الهدوم اللي انتي جايباها دي، ومعجبكيش غير البلوزة اللي لابساها جنات وهي رايحة الكلية؟
عبست سامية بضيق لم تخفيه، ليتهكم والدها بضجر منها:
– ودي بتشبع ابدا دي؟ دي لو جابت كل اللي في السوق، برضو مش هتستكفى .
تجاهلت درية كل ما يقال ، لتتسائل بفضول :
– هو الواد سمير راح فين؟ مطلعش ليه هو كمان يرغي ويحكي، زي ما بيعمل في اي حاجة تخص المحروسة، دا بقُه ما بيتبلش فيه فولة.
❈-❈-❈
– اتفضل يا دكتور اتفضل.
بحنق يسري داخلها، وقفت تستقبل الطبيب الخارج من غرفة شقيقها، برفقة هذا البغيض ابن عمها، والذي تفاجأت به، حينما أتى به، فور ان رأه يدلف الى داخل البناية يبحث عن عنوان المنزل الذي وصفته له عبر الهاتف، ليأخذها حجة، لفرض خدmـ.ـا.ته عليهم. لولا الخــــوف من الفضائح ، ووضع صحة شقيقها في الاولوية،
لكانت رفضت واعطته درس لن ينساه، هذا الوغد المتخاذل، يحاول الاَن تحسين صورته امامها، بعدmا خيب ظنها في اشـ.ـد اوقاتها احتياجًا له، كسند تتحامي به وقت أن كانت زوجته على الورق .
– الدكتور بيطمنك عليه متقلقيش يا بهجة.
بضيق لم تخفيه رمقته بنظرة عابرة، تتجاهل الرد عليه، لتتوجه مخاطبة الطبيب :
– طمني يا دكتور على حالته.
اوما لها الطبيب بعمليه، يشير لها نحو الأخر:
– انا كتبت كل التعليمـ.ـا.ت والارشادات اللي لازم تلتزمو بيها، مع روشتة العلاج، واديتهم للاخ قريبكم….
سارع بالتصحيح له.
– ابن عمها يا دكتور واكتر كمان.
كتمت زفرتها بصعوبة، تبتغي التوضيح:
– افهم من كدة انه مش دور برد عادي مع حمى، تتعالج بالأدوية اللي احنا عارفينها ؟
وافقها بأسف:
– في الحقيقية هو فعلا كدة، المريـ.ـض عايز رعاية كاملة، خلو بالكم من الاغذية كمان، دي حاجة مهمة اوي عشان تقوي مناعته، وبإذن الله خير متقلقلوش.
ختم بالاَخيرة ، ليسحب نفسه كي يغادر ولكن بهجة اوقفته من اجل ان تنقده:
– استنى يا دكتور حق الكشف .
اشار بكفه:
– لا ما قريبكم قام بالواجب.
صدmة احتلت ملامحها ، لتعد العشرة بداخلها، حتى اذا خرج الطبيب ، وتحرك هو يعطيها ظهره، باغتته بجذبه من قماش قميصه، ثم وبحركة سريعة تخـ.ـطـ.ـف ورقتي التعليمـ.ـا.ت وتلك التي مدون بها اسماء الادوية، وقبل ان يستوعب، وجدها تضع ورقة النقود ذات الفئة العالية داخل كفه قائلة:
– كدة بقى يبقى في ايدك حق الكشف ، وكتر خيرك اوي بقى على كدة.
اعترض غير مستوعبًا لسرعتها في التنفيذ:
– انتي ازاي تعملي كدة؟ شايفاني كرودية يا بهجة، ولا مش مالي عينك عشان تديني حق الكشف وتمنعيني من ان اجيب العلاج لابن عمي؟
بابتسامة ساخرة خالية من أي مرح:
– بلاش اقولك انا شايفاك ازاي؟ اما بقى عن ابن عمك ، ف انت يا سيدي كتر خيرك اوي ، عملت الواجب اللي عليك وزيادة لما دخلت مع الدكتور اللي كشف عليه، اما بقى تدفعله مليم واحد في كشف او دوا ف دا لايمكن اسمح بيه.
امتقع وجهه بغـــضــــب شـ.ـديد:
– على فكرة دي قلة زوق منك يا بهجة، عشان انتي كدة بتهينيني وتقلي مني، طب قدري حتى صلة الدm اللي ما بينا .
– يا سيدي والله مقدرة، بدليل اني ما طردتكش وانت داخل مع الدكتور وفارض نفسك في مرافقته.
– فااارض نفسي.
– ايوة فارض نفسك ، وياللا بقى معلش لو سمحت عشان انا عايزة ادخل لاخويا اطمن عليه، وزي ما انت عارف البيت كله حريم.
تجمد محله، يطالعها بأنفاس هادرة، وصدر يصعد ويهبط بانفعال مكبوت، يمنع نفسه بصعوبة عن التصرف بحماقة قد ينـ.ـد.م عليها بعد ذلك، وهذه الرفض القاسي لأي محاولة للقرب او التصليح، يصيب عقله بالعجز والغـــضــــب، وهي الاَن تطالعه بتحدي وكأنها تقرأ افكاره.
ليقطع لحظة الصمت بينهم ، ولوج عائشة عائدة من المدرسة، ثم تعليقها بدهشة لا تخلو من تهكم:
– ايه ده ايه ده؟ هو انا لغبطت ودخلت بيت غير بيتنا ولا ايه؟…… ولا يكونش عقلي اللي بيكوبس دايما بالعفاريت بالليل، اتطورت حالته وبقى يشتغل في النهار كمان؟
– عفريت لما ياخدك يا بعيدة.
كان هذا رده، قبل ان ينسحب ويخرج ذاهبًا من حيث أتى .
لتطالع شقيقتها بتساؤل فور خروجه، ولكن هذه المرة بجدية، جعلت بهجة تجيبها على الفور :
– تعالي ورايا على اوضة ايهاب وانتي ت عـ.ـر.في بنفسك.
❈-❈-❈
بداخل الغرفة، كانت المفاجأة، حينما اكتشفت وجود نجوان بجوار شقيقها على الفراش جالسة ، وبأناملها تمر على شعر رأسه بحنو جلي ، جعلته يغمض عينيه براحة، لتطالعها بهجة بدهشة وعدm استيعاب،
اما عائشة والتي كانت اول مرة تراها، فعبرت سائلة باستغراب:
– مين الحلوة ام شعر اصفر ؟ دي تبع الدكتور ولا خارجة من مسلسل في التليفزيون.
انتبهت لها نجوان لتقرب رأسها منها، وتنظر الى عينيها مباشرةً، ثم خرجت كلمتها باقتضاب كما عودت بهجة:
– زتوني.
ضحكت لفعلها بهجة، وقد تيقنت من تقدm حالتها، بتذكرها لهذه الشيء الصغير، لترد محفزة لها:
– ايوة هي بعينها ، دي يا ستي عائشة ام عيون زتوني، والقردة بتاعتنا ام لسان طويل، برافو عليكي بقى انك افتكرتيها، ودي بقى جنات طالبة الجامعة، وايهاب اكيد عرفتيه، هي دي عيلتي المتواضعة يا ستي، ربنا يبـ.ـاركلي فيهم.
ابتسامة خلابة لاحت بثغرها، لتوزع بأبصارها عليهم والثلاثة يبادلنها بمودة، ما عدا ايهاب والذي غرق في النوم تأثرا بفعل نجوان وحقنة الطبيب التي حقنه بها قبل مغادرته،
لتعلق عائشة بفراسة:
– كدة بقى انا عرفت لوحدي، هي دي الست اللي انتي شغالة عندها يا بيبة صح؟
– صح .
– ومشرفانا النهاردة فى البيت.
– ايوة .
تدخلت جنات باقتراحها:
– طب كدة مدام ايهاب نام، يبقى احنا بقى نعمل بأصلنا مع الضيفة اللي مشرفانا النهاردة ونأكلها، ولا ايه رأيك يا بهجة.
سمعت الاخيرة تجيبها بعمليه:
– خلاص يبقى خلو بالكم منها، سايروها واتكلموا معاها، وانا هحضر اللي يناسبها، اصلها مش بتاكل اي حاجة.
❈-❈-❈
سقط بجــــســ ـده على كرسي مكتبه ، يحرك رأسه يمينا ويسارا، ثم يدلك على رقبته بتعب واجهاد متعاظم، وقد أنهى اخيرا جولاته مع احد العملاء الجدد، ليعرفهم على جودة بضائعه ومميزاته التي تصلح للمنافسة العالمية، ثم نقاش وغداء عمل وتوقيع صفقات،
يوم مرهق مر به من اجل تحقيق احد أهدافه التي يسير على خطاها بجد واجتهاد، يساعده على ذلك شريكه الجديد بنشاط وحنكة اكتسبها في سنوات عمره بالعمل ليست بالقصيرة.
– رياض باشا، يحقلك دلوقتي ترتاح وتنام بعد الإنجاز العظيم اللي قومت بيه النهاردة.
خاطبه بامتنان حقيقي:
– كله بفضل ربنا وبعده انت يا كارم، بجد انا مبسوط من عدي اللي عرفني بيك.
تبسم بثقة وتواضع يعدل في ياقة قميصه:
-ياااعم بقى اخجلتم تواضعنا.
صدحت ضحكة الاخر، مرددا بمرح:
– والله انت مشكلة يا كارم.
قالها وارتفعت رأسه فجأة نحو باب الغرفة، ليأمر الطارق بالدخول، لتلج اليهم لورا بملابسها الرسمية بأناقة ظاهرة، يطرقع حذائها ذا الكعب العالي على الارض، وهي تتبختر بخطواتها للفت النظر نحوها، حتى اقتربت تميل نحوه بعدد الملفات التي طلبها منها، امام ابصار كارم الذي لا تفوته فائتة بطبيعته:
– اهم يا فنـ.ـد.م، عقود الصفقات اللي امرت بيهم .
اومأ لها:
– تمام يا لورا، اتفضلي انتي وانا هبعتلك لما اخلصهم.
– تحت امرك.
تمتمت بها ثم خرجت بنفس الصخب الذي دلفت به، ليعلق كارم في اثرها:
– مش دي برضوا قريبتك وقريبة عدي على حسب ما بعرف.
رد بجدية دون ان يرفع رأسه عن مراجعة الاوراق التي امامه:
– اه، هي تعتبر بمثابة بـ.ـنت خالي، وعدي نفس الأمر.
– اااه.
اومأ محركا رأسه، قبل ان يميل عليه مغمغمًا بهمس:
– طب ايه بقى يا عم؟ قريبتك ونشيطة وواجهة مشرفة زي ما انا شايف،إيه اللي ناقصها بقى؟
قطب حاجبيه في البداية، لكن سرعان ما وصل الى مقصده، ليردف حاسمًا:
– مش ناقصها حاجة وتكاد تكون مكتملة زي ما بتقول، بس انا مش شايفها غير في موقعها ده او قريبتي اللي اعرفها من وهي طفلة، لكن زوجة ولا اي حاجة تانية انسى.
– امممم.
زام بفمه كارم ، ليعقب بتفهم ، رغم دهشته:
– حقك طبعا، انا متجوز قبلك وعارف قيمة الحب في الارتباط، لذلك عمري ما هلوم عليك.
– حب!
دوت الكلمة بداخله، حتى صرفته عن كل ما كان يعمل عليه، ليظل بنصف ذهن حتى انصرف شريكه، لينفض رأسه من افكارها، قاصدا الاهتمام بعمله، ليضغط على زر الجرس، يطلب مساعدته، حتى اذا أتت اليه:
– كنت عايز اطمن على سير العمل النهاردة بالمصنع، بما اني طول اليوم كنت برا، ياريت لو تعمليلي تقرير مفصل قبل ما امشي.
اومأت برأسها، ثم تحركت خطوتين بتردد انتبه له، ليسألها بتوجس:
– ايه مالك؟ في حاجة يا لورا ؟
ابتلعت ريقها تظهر اضطرابها امامه:
– بصراحة حضرتك انا مش فاهمة في ايه بالظبط؟ بس صباح رئيسة العمال جات عندي اثناء غيابك، تبلغني ان اللي اسمها بهجة، خدت نجوان هانم وخرجت بيها.
انتفض من محله بجزع:
– بتقولي ايه؟ يعني خدتها وراحت فين من غير ما تبلغني؟
اهتزت كتفيها بعدm معرفه تردف:
– الله اعلم يا فنـ.ـد.م، بس انا اخاف تأذيها البـ.ـنت دي شكلها اتجرأ اوي بعد ما خدت الثقة و….
لم ينتظر منها تفسيرات اكثر من ذلك، وقد دنى على الفور يتناول اشياءه بعجالة من فوق سطح المكتب، ثم يتحرك سريعًا مغمغمًا بتوعد:
– انا هعرف احاسبها كويس لو جرتلها اي حاجة، هي اتجننت عشان تتصرف من دmاغها ولا ايه؟
ابتسامة ماكرة لاحت على جانب ثغرها مرددة:
– ياريته يحصل بجد عشان اخلص من الاتنين.
❈-❈-❈
وقف يستقبلها متخصرا، وعيناه الصقرية ضاقت بريبة جعلت الخــــوف يسري بداخلها، بعدmا طلبها عبر الهاتف، لتأتي بوالدته فورا من مكان ما ذهبت بها، فتزعن هي في اقل من نصف ساعة تحضر بها، بواسطة العم علي سائق السيارة الخاصة بها.
– حمد الله ع السلامة.
ظهر جليًا التهكم في نبرته، مما اثر على نجوان لتتوقف محلها عن التقدm بخــــوف جعله يهدر بدون سيطرة:
– ما انا مش وحش وهياكلك يا ماما، ولا انتي خلاص استحليتي تدي الامان للغريب وابنك لا؟
زادت ملامحها رعـ.ـبًا، ليزفر بضجر يشبح بوجهه عنها ، لتضطر بهجة للتدخل:
– اسمحلي اوصلها لاوضتها يا رياض باشا.
– اتفضلي
هتف بها، فاردًا ذراعه نحو الدرج ، ليباشر بغـــضــــبه:
– توصليها وترجعيلي حالا ، عشان عايز اتكلم معاكي.
اومأت بهزة من رأسها، لتسحب المرأة نحو غرفتها، وفور ان اطمئنت بتهدئتها، هبطت اليه، بأقدام بالكاد تحملها، هيئته ليست مبشرة على الإطـ.ـلا.ق للتفاهم او الاخذ والرد في الحديث، ولكن ما باليد حيلة، فلتخوض المواجهة بخيرها وشرها وليحدث ما يحدث.
وصلت لتقف امامه في بهو المنزل الذي اتخذ جلسته به، يبدو كبركان خامد على وشك على الانفجار:
– ايوة يا رياض باشا، انا تحت امرك اهو.
زفر بأنفاس خشنة، ليعتدل بجلسته واضعًا قدmا فوق الاخرى، يبذل مجهود مضنيا في السيطرة على انفعاله:
– اتفضلي انتي يا بهجة، فهميني بالظبط ايه بيحصل، وازاي خرجتي من الفيلا بالست الوالدة…..
خرجت الاخيرة بصيحة اجفلتها، قبل ان يتابع بنبرة اهدى لكن اقوى:
– من غير ما تبلغيني.
برغم الزعر الذي سرى بكل خلية من جــــســ ـدها، الا انها سرعان ما تمالكت لتقابل انفعاله بشجاعة تخبره:
– حضرتك انا مخرجتش بيها من نفسي ولا هي كانت فسحة، اختي اتصلت تبلغني بالتعب الشـ.ـديد اللي حل باخويا، وانا حاولت اتصل بيك مية مرة عشان استأذنك اروح اشوفه، لكن محاولاتي باءت بالفشل وتليفونك بيرن ع الفاضي من غير ما تفتح عليا ولو مرة واحدة، لما غلبت كلمت الريسة تبلغ لورا، لكنها هي كمان مدتش اهتمام وقالتلها انك مشغول ومش فاضي لأي رغي ، انا كنت ساعتها هعمل ايه واخويا بيفرفر من السخونية مع اختي اللي مش عارفة تتصرف.
– تقومي تاخديها بيتكم؟
– امال كنت هسيبها في مسؤولية الخدm اللي عندهم شغلهم اساسا، ممكن يكون تصرفي معجبكش، بس انا اضطريت لكدة، وهي الله يبـ.ـاركلها، قضت اليوم كله من غير ما تعمل معايا اي مشاكل.
سمع منها فصاح بها بعدm استيعاب:
– قضت اليوم عندكم! امي انا قضت يوم بحاله عندكم في الحارة يا بهجة؟
ابتعلت ريقها باضطراب تبرر:
– يا فنـ.ـد.م ما انا بقولك اني اضطريت لكدة، للظرف المهم اللي حصل عندي، انت مكنتش بترد على تليفوناتك، وانا مقدرش اسيبها لوحدها هنا في البيت، ولا قدرت اتخلى عن اخويا اللي تعب اوي وكان لازم اروح اشوفه.
– تقومي تاخديها عندكم الحارة، مخــــوفتيش بقى لاتهرب ولا تعمل مصـ يـ بـةبردود أفعالها الغير متوقعة.
– بالعكس، دي انبسطت اوي بتغيير الجو، حتى الدكتور هشام قالي دي خطوة هايلة…..
– وهشام دا شوفتيه فين؟
قاطعها بأعين برقت بترقب وهدوء ما قبل العاصفة، فصدر ردها بعفوية:
– عادي ما هو كان بيتصل عليا يطمن عليها .
سمع منها ليجفلها على الفور بصرخته:
– انا هقــ,تــله واشرب من دmه عشان يحرم ما يعملها تاني،… ثم تعالي هنا وقوليلي، دا من امتى بيحصل ان شاء؟
الزفت ده من امتى بيتصل بيكي يا بهجة؟…..
هذه المرة كان كالمـ.ـجـ.ـنو.ن، ليضاعف من فزعرها، ناهضُا من محله بملامح غريبة عن هدوئه المعروف، مما جعلها ترتد بأقدامها للخلف تجيبه بصوت مهتز:
– من وقت ما روحنا كشفنا للهانم عنده، هو كان عنده نمرة دادة نبوية اصلا، وكلمها ياخد نمرتي منها عشان يسألني عن الهانم الكبيرة واحوالها .
– وانتي بقى بتجاوبيه عادي، وتحكيلوا عن تصرفاتها بالتفصيل، واكيد طبعا بيعلق بهزاره السخيف اللي انا عارفه.
– عادي مش شغله.
قالتها ببساطة جعلته يصـ.ـر.خ بعدm سيطرة:
– شغل مين يا بهجة متحرقيش دmي، الزفت دا تمسحي نمرتك من عنده، وانا من النهاردة هغيره واروح بوالدتي للي احسن منه، فاهماني ولا لأ، تمسحي نمرته نهائي.
– تحت امرك طبعا، دي الست والدتك وانت ادرى بمصلحتها.
تمتمت بها بصوت يحمل في طياته اعتراضًا ظهر في استرسالها بعد ذلك:
– مع اني شايفة انه انسان محترم ومعملش حاجة……
– اسكتي يا بهجة.
صاح بها بحدة، مقاطعًا لها، ليمسح بكفيه على وجهه يحاول السيطرة على انفاسه الهادرة، وحالة الهياج التي قلما ما تصدر منه، نظرا لطبيعته الصارمة، والمتحكمة دائما في ردود أفعاله، ولكن مع هذه الفتاة يصبح الأمر مختلف، انها الوحيدة التي تستطيع اخراجه عن طوره الهاديء، ببرائتها المستفزة.
– طب انا كدة عايزة اروح بقى يا فنـ.ـد.م
– نعم.
انتشلته من حالة الشرود والتشتت، لتواصل بقولها:
– يا فنـ.ـد.م بقولك اخويا تعبان، والحمى اللي عنده لسة مخفش منها، يعني عايز رعاية كبيرة اليومين دول..
اومأ بتفهم، مخففا من حدته في مخاطبتها:
– خلاص يبقى المستشفى اولى برعايته، هناك هيبقى تحت عين الدكاترة وهياخدو بالهم منه اكتر .
صدر ردها بمعارضة:
– مستشفى ايه بس يا فنـ.ـد.م؟ ما احنا جيبناله الدكتور البيت، اشحططه في مستشفيات وقرف ليه بس.
رمقها بغـ.ـيظ مرددًا:
– مفيش شحططة ولا زفت يا بهجة، انا هكلمهم دلوقتي عشان يحضرولوا سرير ويستقبلوه.
– يستقبلوه فين؟
لم يلتفت لها، وقد انشغل بالاتصال الذي صار يجريه مع احدهم، يأمره بالفعل بما نوه عنه منذ قليل، حتى اذا انهى المكالمة، ثم التف اليها موضحًا:
– دي مستشفى احنا من ضمن المساهمين فيها، هتخرجي دلوقتي مع عم علي، هيروح بيكي هناك، الدكاترة هيشوفوه ويحددو حالته بالظبط ان كانت تحتاج رعاية وحجز، ولا يرجع ع البيت، وفي كل الحالات متشليش هم اي مصاريف
↚
عدة أيام مرت، وشقيقها محتجز في المشفى المتخصص الفاخر، بعدmا انزاح عنها هم علاجه المُكلف، بفضل كرم رئيسها في العمل، وقد ثبت بالفعل خطورة الحمى التي تعرض لها، ولولا العلاج المكثف لكان الأمر تطور اكثر من ذلك
ولكن في المقابل كانت مشتتة ما بين متابعة شقيقها، ومراحل تقدmه، في هذا الوضع ، وما بين رعاية نجوان التي تعلقت بها كالأطفال ، وهي لن تخذل رئيسها والذي اغدق عليها بكرمه في اشـ.ـد الأزمـ.ـا.ت التى تعرضت لها هذه الفترة .
ولكن الاخرى لا تكف عن الطلب منها معظم الاوقات للذهاب بها الى منزل عائلتها مرة اخرى، كما يحدث الاَن، وهي ترفض تجنبًا لغـــضــــب رئيسها:
– مينفعش يا نجوان هانم، والله ما ينفع، مش ناقصة مسؤولية انا .
رغم صمتها الدائم الا انها تستطيع بأفعالها التأثير عليها ، بعبوس الملامح وكلمة واحدة تصر تكررها عند الحاجة.
– عائشة
– يقطع……
هتخليني ادعي على اختى يا مدام نجوان، بس هي السبب بعمايلها ولعبها معاكي، خليتك تتعلقي بيها .
زفرت بتعب لتسقط ، ممسكة رأسها الذي كان على وشك الانفجار، حتى أتى هو بهيبته يتدخل في الحديث معهم:
– ايه في ايه؟ ليه النرفزة والعصبية ما ببنكم؟
انكمشت نجوان كعادتها، ليحدجها بضجر قبل ان يتجه نحو بهجة التي ردت بحالة من الاجهاد:
– مفيش حاجة حضرتك، انا بس تعبت من اصرارها على انها عايزة تروح معايا البيت، وانا بقولها مينفعش.
قطب بعدm استيعاب، يستعيد بذهنه الجملة مرة اخرى:
– بتصر ازاي يعني؟ هي بتتكلم اساسًا؟
– كلمة واحدة بس؟
– كلمة ايه؟
– عائشة.
– عائشة مين؟
تنهدت تخبره:
– دي تبقى اختي يا فنـ.ـد.م، بس هي صغيرة اوي، يدوب حداشر سنة، بس المرة اللي فاتت انـ.ـد.مجت معاها في اللعب والهزار.
مط بشفتيه، وابتسامة مليحة اعتلت ملامحه:
– يا سلام، يعني حتة عيلة صغيرة، عملت اللي محدش فينا عرف يعمله، وعلقتها بيها.
نقل بأبصاره نحو والدته ، يخاطبها بعتاب ممازحًا:
– اجيبها تعيش معاكي هنا…..
– لأ، الله يخليك بلاش تقول كدة لتمسك فيها بجد.
صدرت منها بمقاطعة يشوبها الرجاء ، ليتوقف هو محدقًا بها، لا يمل ابدًا من حفظ تفاصيلها، وهي رغم الخجل الذي يصيبها، لكن سرعان ما تتمالك، فهي لا تقتنع ابدا بإعجابه بها وتعتبرها نظرات عادية بالنسبة لطبيعته البـ.ـاردة:
– مكنتش اعرف ان ماما تأثيرها جـ.ـا.مد كدة عندك، ع العموم تمام .
ختم بتنهيدة، ليفاجئها بقوله:
– خلاص يا بهجة خديها معاكي مدام بتفرح، وخلي واحد من الحراس يروح معاكم للأمان .
ظهرت بوادر الفرح على وجه والدته، مما جعله يرتد بأثره على بهجة، التي وبرغم المسؤولية التي سوف تلقى على عاتقها، إلا انها فرحت بفرحها:
– شكلها انبسطت بالفعل، بس انا رايحة المستشفى دلوقتي، خليها وقت تاني يا نجوان يا هانم.
اصدرت جملتها الاخيرة بوضوح تام نحو نجوان التي حركت رأسها بتشنج دليل على رفضها، ليأتي الحل منه هو:
– خلااص يا بهجة، انا هاخدكم ع المستشفى، تخلصوا مشواركم وبعدها تروح معاكي بيتكم ، ساعة ولا ساعتين كدة وتيجو مع عم علي، واهي تغير جو،
جهزوا نفسكم.
قالها وتحرك ذاهبًا من امامها بهدوءه المعتاد، لتتصلب هي محلها تطالع اثره حتى اختفى بصعوده الدرج، هذا الرجل يذهلها بأفعاله الغير متوقعة، ولكن لما الاستغراب ؟ فهو يفعل مع نبوية اكثر من ذلك بحكم العشرة التي تجمع بينهم، والتضحيات التي تبذلها في رعاية والدته، اذن فلا يجب ان تشطح بأفكار غـ.ـبـ.ـية.
❈-❈-❈
خرجت من المصعد، عائدة من الخارج بصحبة والدتها ، تحمل عددا من المشتريات النسائية وذلك لقرب ميعاد زفافها ، لتقع عينيها عليه، يغلق باب منزله، وحالة من غـــضــــب قلص تعابير وجهه، مع الترديد دون توقف بالاستغفار:
– استغفر الله العظيم يارب، استغفر الله العظيم، استغفر الله العظيم.
القت بالتحية والدتها، رغم استغرابها هي الأخرى من هيئته،:
– مساء الخير يا شادي يا ولدي.
رد موجهًا التحية نحوها ونحو خطيبته المندهشة لحاله المتغير بعجالة متوجها نحو المصعد:
– مساء الخير يا خالتي، مساء الخير يا صبا.
سمعت الاخيرة لتترك ما بيدها لوالدتها ، لتعود عن طريقها وتوقفه:
– رايح فين يا شادي؟ وايه اللي معصبك بالشكل ده؟
زفر طاردًا دفعة من الهواء المشبع بقلة حيلته:
– والله قرفان يا صبا، ومخـ.ـنـ.ـوق، حاسس اني قليل اصل واستاهل الضـ.ـر.ب على نفوخي، بعدين اما ارجع بقى من مشواري هبقى احكيلك.
– وانا لسة هستنى على ما تيجى؟
امام تشبثها قرر تغيير طريقه من المصعد، ليهبط الدرج على اقدامه برفقتها، كي يعبر لها عما يعتريه من ضيق:
– ولاد خالي اليتامى يا صبا، النهاردة بس عرفت بمرض الولد الوحيد فيهم، وحجزه في مستشفى، بقالوا اكتر من أسبوع، أسبوع وانا نايم على وداني ومعرفش، بتقصيري في السؤال عنهم، بعد ما ولاد درية قطعوا رجلي من عندهم بالكلام الزفت بتاعهم.
ذوت ما بين حاجبيها بضيق وعصبية:
– ليه يعني؟ مش عيال خالك دول يتامى، هيضرهم ايه ولاد الست المفترية دي لما تسأل عنيهم.
تنهد يحرك رأسه بانفاس يجتاحها الغـ.ـيظ:
– انتي قولتي بنفسك مفترية، وعيالها ورثو التناحة والاستعباط، واحد كان كاتب كتابه علي بـ.ـنت خالى الكبيرة واتفسخت خطوبته بيها قبل الفرح، واتجوز وشاف حاله ولسة برضو فارض نفسه وعنده امل والتاني عايز دور اخوه.
توقف يتابع لها بانفعال، حتى غفل عن تبعاته:
– يا مؤمنة، دول منعوني ما اروح عندهم ولا اسأل عليهم ، بحجة انهم بنات وميصحش ادخل بيت مفيهوش راجـ.ـل كبير، انا دmي بيغلي يا صبا، ما هو لولا عمايلهم دي مكنتش ابدا سيبت بهجة ولا اخواتها من غير ما اقف جمبهم.
استرسل تأخذه الجالالة، متوقعًا انفعالا منها هي الأخرى، لتفاجأه بردها:
– هي بهجة دي حلوة جوي للدرجادي؟
بحالة من عدm الاستيعاب، صار يتطلع لها، وقد توقف عقله عن التفكير، عاجز عن فهم عقل الانثى، والذي ترك جميع ما سبق ليركز على معلومة تافهة مثل هذه، ليقرر منهيًا الجدال من اوله:
– صبا يا حبيبتي، اطلعي لامك اللي سبتيها فوق، وانا لما ارجع من مشواري، نبقى نشوف الموضوع المهم ده، سلام.
ما كاد ان يتمها حتى وجدته يسرع بالهبوط من أمامها، لتتمتم هي من خلفه بتصميم، عازمة على الذهاب معه:
– وانا بعد اللي جولته ده هسيبك تروحلها لوحدك، والله ما هسيبك ، استني يا شادي.
❈-❈-❈
خارج الغرفة المحتجز داخلها شقيقها، وقد اطمأنت عليه بعد زوال الخطر، ولم يعد يتبقى على خروجه الا القليل ، وقفت تلتقط انفاسها بحضوره، متمتمة بالإمتنان:
– الف حمد وشكر ليك يا رب، اني اطمنت عليه، ياريت كمان الدكاترة تستعجل بخروجه، عشان يحصل اللي فات من دروسه.
تبسم برزانة واضعًا كفيه بجيبي بنطال حلته، بهيبة تليق به، يخاطبها:
– مش وقت دروس ومذاكرة يا بهجة، المهم التعافي بالكامل عشان يبقى المخ مستعد لحشو المعلومـ.ـا.ت وفهمها.
– ايوة والله عارفة، بس دا حلمه الطب، والتقصير اكتر من كدة هيأثر عليه.
– لو ممتاز هيلحق اللي ناقصه يا بهجة، ولو محصلش، الدنيا موقفتش يعني ع الطب وبس ، الناجح ناجح في اي مجال.
– لا ان شاء الله يحصل ويدخل طب، يارب يارب، تحقق له امنيته يارب.
صدرت منها بلهفة وعفوية، جعلته يضحك ممسكًا جبهته بيأس منها:
– لا انتي مفيش منك فايدة ابدا، انا هروح اشوف مدير المستشفى، وبعدها اعدي عليكم قبل ما امشي، خلي بالك بقى منها.
قال الاخيرة بإشارة نحو والدته؛ والتي كانت واقفة خلف مدخل باب الغرفة ، تلوح كفها ببرائة نحو ايهاب الراقد في سريره، وهو يبادلها بابتسامة متسعة وكأنه على معرفة بها منذ زمن،
لتعقب بهجة بدهشة:
– سبحان من يوفق القلوب مع بعضها، وانتي يا نجوان ولا اكنك على معرفة بإيهاب من سنين، ربنا يهديكي بقى ومتعمليش حركة غدر ، انا مش قدها ابدا والله.
التفت عنها لتفاجأ بابن عمتها يقترب بهلع نحوها:
– ازيك يا بهجة، وازاي اخوكي ايهاب، اخبـ.ـار صحته ايه؟
اومـ.ـا.ت تطمئنه برقتها المعتادة:
– كويس والله يا شادي، متقلقش، ازمة وعدت على خير الحمد لله.
– مقلقش ازاي بس؟
تمتم بها بأسف من حاله، ليتدارك بعد ذلك وجود صبا، فيعرفها به:
– دي صبا خطيبتي يا بهجة، انا كان نفسى من زمان والله اعرفك بيها بس النصيب.
تبسمت بسماحة ترحب بها:
– زي القمر، ربنا يخليهالك، ازيك يا صبا.
ابتلعت الاَخيرة ريقها ، تصافحها بيد بـ.ـاردة ترد تحيتها ، ومن داخلها تردد بصدmة:
– يا لهوي عليكي يا صبا، دي طلعت حلوة جوي.
❈-❈-❈
وفي مدخل المشفى،
تقدm سمير نحو موظف الاستقبال، يسأله عن غرفة ابن عمه ايهاب، تاركًا شقيقته تجول بأبصارها في الأجواء بأعين يملأؤها الانبهار، والحقد ايضًا، لتأخذه التساؤلات عن مصدر الاموال والتكلفة ومن اين؟
– انت هتفضلي واقفة في مكانك يا سامية؟ ما تيلا يا بـ.ـنتي .
كان هذا صوت شقيقها والذى توقف عن تقدmه من اجلها، لتتحرك بخطواتها السريعة نحوه متسائلة:
– سمير، عيال عمك جابو منين حق المستشفى الاَلاجة دي؟ اسبوع بحاله بأيامه ولياليه، وابن عمك محجوز فيها، دا اكيد كلفتهم بالالافات.
خلط رده بضحكة ساخرة، انتي بتقولي فيها، دي الليلة هنا اقل حاجة تكلف عشر تلاف، همـ.ـو.ت واعرف قدروا عليها ازاي؟ دا ابوكي اللي معاه الفلوس بجد، عنده استعداد يمـ.ـو.ت على أبواب المستشفى الحكومي ، ولا انه يزيد بجنيه واحد لمستشفى زي دي.
– عشان حظنا فقر ، وقعنا في راجـ.ـل بخيل زيه، انما برضوا انا هتجنن لو معرفتش، دفعو تمن القعاد في المستشفي دي ازاي.
عاد بصحكته الساخرة قائلا :
– يبقى اتجنني احسن، عيال عمك ايد واحدة مع بعض، مفيش حد هيغلط ويريحك ابدا، دي المزغودة عيشة ممكن تقيم عليكي الحد لو بس فتحتي معاها كلام .
اكمل بضحكة زادت من سخطها، ليدلفا داخل المصعد، كي يصل بهم الى الطابق الثاني، ومنه الى غرفة ايهاب، والتي ما ان حطت اقدامهم بداخل الطرقة المؤدية اليها، حتى جحظت ابصارهم، بوجود شادي برفقة بهجة يتحادث معها في جانب قريب من الغرفة، لتصدر زمجرة غاضبة من سمير:
– شوفي الزفت بيستغل الموقف، وقاعد يتمحلسلها، وياخد ويدي معاها ، دا مش بعيد يكون هو اللي دافع حق المستشفى، ما انا عارفه، مقتدر بحكم وظيفته، والنعمة ما انا ساكتله.
قالها وتحرك بأقدامه مسرعًا، مبيت النية على الصدام .
لتمصمص هي في اثره بغـ.ـيظ، وتسرع باللحاق به:
– يعملها ما انا عارفاه، فالح بس يكشر في وشي ع الفاضية وع المليانة، لا وجايب خطيبته الهبلة معاه صورة، استنى يا سمير.
وصل اليهم المذكور، يلقي التحية بتهكم واضح:
– عاملة ايه يا بهجة يا بـ.ـنت عمي، شكل شادي ابن خالك قايم بالواجب وزيادة .
امتقع وجه الاخير بغـــضــــب يحاول السيطرة عليه، ليأتي الرد من بهجة:
– وما يعمل الواجب ولا ميعملش حتى، انت مالك ؟ متعصب ليه يا سمير؟
– بصورة تفضح ما بداخله خرج صوته الغاضب:
– طبعا يا ست بهجة وانا هتعصب ليه؟ خلي الراجـ.ـل يقوم بواجبه ويزود اكتر ، ما احنا عارفين اللي فيها.
قال الاخيرة بنظرة مقصودة نحو صبا التي كانت جالسة على مقاعد الانتظار بجوار نجوان الملتزمة بجسلتها الهادئة، لتضيف سامية مباشرة نحوها:
– قصده يعني على شهامته، اصله بيقوم بالواجب وزيادة، بالذات مع بهجة……… مش بـ.ـنت خاله بقى.
مطت شفتيها بالاخيرة قاصدة اشعال الغيرة بقلب هذه العاشقة، حتى تقلصت ملامحها بغـــضــــب، ولكنها التزمت الصمت تكتم داخلها، مع احتداد النقاش بينه وبين هذا الأخرق ابن خاله:
– احترم نفسك يا سمير، انت في مستشفى محترمة، الحركات العبـ.ـيـ.ـطة دي لا مكانها ولا وقتها، انت جاي ليه اصلا ؟
سمع منه الاخير، يصيح مهللا بصفاقة:
– لا اطردني احسن يا شادي، اصل انا قاعد في بيتك ، في مستشفى وليها وضعها، ما تتكلمي يا بـ.ـنت عمي، ياللى عاجبك الوضع.
صدر ردها بقوة كي تلجمه:
– وضع في عينك، احترم نفسك يا سمير ، ولا لمها احسن وروح، وكتر الف خيرك يا سيدي.
– لا يا شيخة، دا انتي كمان عايزة تمنعيني من ابن عمي وزيارته، اخص عليكي يا بهجة ، دا احنا لو عدوينك مش هتعملي معانا كدة.
تدخلت سامية هي الأخرى بأسلوبها الملتوي:
– هدي اعصابك يا اخويا، شادي ابن خالي اكيد ميقصدش حاجة وحشة، ما هي برضو بـ.ـنت خاله، وحقه يطمن عليها .
ضغطت بالاخيرة، ليهدر شقيقها بغـــضــــب وبدون تقدير :
– ايوة بقى قولي كدة، يعني واخد اخوها حجة، طب ما تقولها صراحة يا شادي.
عند الاخيرة لم يتمالك شادي قبضته، والتي ارتفعت بدون تفكير لتسقط بثقلها على جانب فكه الايمن، حتى كادت ان تطير صف اسنانه، يرافقها سبته:
– دي عشان تتعلم الادب.
شهقت الفتيات بهلع، لتصدح صرخة سمير الذي ارتمى على الارض كالخرقة، بإهانة لم يتقبلها، لتصدر صرخاته التي ضجت في قلب المشفى، وهو ينهض في محاولة للهجوم عليه ، وقد تلقفه شادي ليلف ذراعه خلف ظهره، يحاول السيطرة على هياجه، ويأمره بالتوقف امام صدmة الفتيات:
– اهدى بقى وبطل فضايح، الناس بتبص علينا.
وكأنه طلب العكس، زاد صراخ الاخر مع تجمع البشر من حوله حتى أتت صيحة قوية:
– ايه التهريج ده؟ ايه اللي بيحصل هنا.؟
ليطل بجــــســ ـده الضخم، يوزع بنظراته القوية على المتشاجرين، ثم تتوقف عليها بتساؤل ، فيحاصرها بأعين تلونت بالإحمرار، وتتسمر هي محلها بحرج يكتسحها، ولسان يعجز عن ايجاد التعبير المناسب لما يحدث الاَن، اتخبره ان المشاجرة التي واقعة امامه الاَن بسببها !
❈-❈-❈
– اتنين، اتنين رجـ.ـا.لة يا بهجة بيتخانقو عليكي.
هي نص ساعة بس اللي غيبتها ، امال لو اتأخرت شوية كمان ، كان هيحصل ايه؟
قابلت صيحته بغصة مؤلمة مررت حلقها، فجعلت كلمـ.ـا.تها تخرج بنبرة يكسوها الحرج:
– مكانتش خناقة بالمعنى المعروف، هو بس الزفت ابن عمي اللي زودها وكان داخل بشراره وناره، مش ناوي على خير ، انما شادي ابن خالي فدا راجـ.ـل محترم …..
– شادي مين يا بهجة؟ متحرقيش دmي ولا تجيبي سيرة أي زفت منهم.
للمرة الثانية تخرجه عن طوره الهاديء، كلما حاول التماسك والعودة لطبيعته، يحدث العكس مرة اخرى، لقد كان على وشك ارتكاب جريمة منذ دقائق بسببها.
اما عنها فقد كانت تتمنى ان تنشق الارض وتبتلعها من امامه، لذلك لم تجد بدا من الاسف والانسحاب:
– ع العموم يا فنـ.ـد.م انا اسفة لو سببتلك أي حرج، انا مستعدة حتى مجيش هنا تاني غير بعد ما اخويا ينكتبله على خروج.
قالتها والتفت تتحرك ذاهبة من امامه، ولكنها لم تكد تكمل خطوتين، حتى مالت بسيرها فكادت ان تقع ، لولا ذراعيه التي تلقفتها، لترتطم بصدره وقد لاح عليها الضعف بقوة، ايه مالك يا بهجة؟ حاسة بحاجة تعباكي؟
رفرفرت بأهدابها لبرهة من الوقت، تتمالك ذاتها من الدوار الذي لفها منذ لحظات قليلة، لتعي على نفسها بحـ.ـضـ.ـنه وهذا القرب منه ، فقد كان وجهه لا يفصله عنها سوى انشات قليلة، يخاطبها بقلق واضح، ولكن الوضع لم يكن مريحًا بالمرة، لتستحضر على الفور ارادتها ، فتنتصب، ثم تدفعه عنها بخفة ، ولكنها، وما كادت ان تقف جيدا حتى سقطت مرة اخرى بين رحاب ذراعيه، ولكن هذه المرة فاقدة للوعي تماما، مما اضطره ان يدنو ثم يرفعها من اسفل ركبتيها، فيحملها اليه،
وجهها الملائكي بصورة تختلف تمامًا عما تدعيه من قوة ، عظامها اللينة برقة ألهبت مشاعر قد كبتها منذ زمن ، لتعود الاَن وبشـ.ـدة، هو بالكاد حاول تخطي قبلة الحياة التي فعلها مجبرًا من أجل افاقتها من الغرق،
ماذا بها هذه الفتاة لتجعل هذا الخافق بين ضلوعه، ينتفض كعصفور بللته امطار الشتاء القارص، بمشاعر امتزجت بالقلق واشياء اخرى لا يعرف تفسيرًا لها.
زفر بنفض رأسه من كل ما يعتريها من افكار ، ليتحرك بها نحو افاقتها.
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تقلهم للعودة، وهو يقودها ينقل بنظراته كل لحظة نحوها، متابعًا صمتها المستمر منذ خروجهم من المشفى، وردودها المقتضبة، على عكس طبيعتها المشاكسة معه، ليخرج عن صمته فجأة موجها حديثه اليها بانفعال:
– لا بقى، كتر السكوت دا بقى يقلق، لتكوني صدقتي يا صبا كلام العيل الأهبل ده؟ انتي ت عـ.ـر.في عني الاخلاق دي؟
خرج ردها بحدة بعدmا اجبرها على الألتفاف اليه:
– ما هو مش بكلام العيل الأهبل يا شادي، افعاله متدلش غير على حاجة واحدة، وهي ان عنده اسباب، حتى برغم تفاهته ورغم كل عمايله، لكن الحرقة اللي بيتكلم بيها ناحيتك مش هتيجي من فراغ…..
يعلم انها شـ.ـديدة الذكاء، ومدامت قد وصلت به لهذه النقطة، هو ابدا لن يبخل عليها بالحقيقة، وليحدث ما يحدث:
– ماشي يا صبا، انا هجيبلك من الآخر عشان تبقي على بينة، وارجو تحترمي شجاعتي وما تحمليش الامور اكبر مما تحتمل.
يبدو ان القادm ليس جيدًا ولكنها لن ترضى الا بالمعرفة، لتوميء له بتوجس:
– اتفضل يا شادي اتكلم.
صمت قليلًا يستحضر الذكريات ، ليأتي بالاهم مباشرةً:
– سمير بيغل مني عشان انا اللي وقفتله في موضوع طـ.ـلا.قه من بهجة، هو مكانش عايز يطـ.ـلق ولا يحلها من جوازه منها ، وهي بعد ما نزل من نظرها في موضوع ورث ابوها من الوكالة، كانت بتفضل المـ.ـو.ت على انها ترتبط بيه؟ وانا مقدرتش اقف متكتف، ساعدتها بالمحامي اللي يخلص، وجمعت كبـ.ـار المنطقة حكموا حكمهم بعدm جبر اليتيمة على شيء هي مش عايزاه، ومن يومها وهو مش شايلني من دmاغه، حتى بعد ما خطبتك، برضو المتـ.ـخـ.ـلف اللي في دmاغه في دmاغه.
– حاولت تتقدmلها عشان تتجوزها انت يا شادي؟
سؤالها المباشر اصابه بالتشتت، ليحيد ببصره عن الطريق والتف اليها بفاه منفرج، ونظرة فهمتها على الفور، ليصحح موضحًا لها:
– مش عشان اللي في دmاغك والله يا صبا، انا كنت عايز اضلل عليهم هي واخواتها، واحميهم من جبروت خالي خميس ومـ.ـر.اته وعياله، بس هي فاجأتني برفضها، والاعتماد على نفسها ، وسبحان الله بعد ما كانت ضعيفة وتاكل عشاها القطة، ربت لها ضوافر وقدرت بعزة نفسها تفرض شخصيتها على الكل، انا مقدرش امنع نفسي من احترامها، ولا اقدر امنع نفسي عن حبك، اقسم بالله انا ما دق قلبي ولا عرف العشق إلا ليكي يا صبا.
استطاع بصدقه ان يصل بها الى بر الامان الذي تتنعم فيه بعشقه، حتى ارتخت ملامحها في إشارة لبدء اقتناغها، لكن سرعان ما انقلبت فجأة بتذكرها:
– بس بصراحة هي طلعت حلوة جوي يا شادي، ازاي يعني عجلي ما يشتش ولا برج من نفوخي يطير.
ضحك يرفع كفها اليه ، ثم يقبل ظهرها تعبيرا عن حبه، مرددًا بغزل واقرار:
– وانتي والله قمر واحلي من القمر نفسه، دا اللي عجبني فيكي ثقتك بنفسك يا صبا، يعني مهما كان جمال بهجة، هيجي ايه جمب جمالك وانتي متربعة في قلب حبيبك، ربنا ما يحرمني منك يا قلب شادي انتي.
❈-❈-❈
استعادت وعيها اخيرًا لتفتح اجفانها للنور والحياة، فوقعت ابصارها اولا على السقف الابيض والانارة الخفيفة، ثم نزلت نحو المحلول المعلق بيدها، لتنتبه على دفء بكفها الاخر، وتفاجأ بنجوان تحاوطها بكفيها الاثنين ، مشهد بقدر ما اثار ذهولها، بقدر ما اثر ليلمس نياط قلبها، ونظرة الحنان التي تطل من عينيها، لتسخر متسائلة:
– ليكون دخلت الجنة من غير ما اعرف ولا انا بحلم ولا ايه بالظبط.
جاءها الصوت الرخيم من جهة النافذ الكبيرة والستائر البيضاء، معلقًا:
– عشان ت عـ.ـر.في بس خــــوفها عليكي، اهي ع الحال ده من ساعة ما انتي تعبتي، حتى والدكاترة بيسعفوكي برضو ماسابتش ايدك ابدا.
استدركت لحالها الاَن، وما اردف به، لتتسائل بقلق:
– هو ايه اللي حصل؟ انا اغمي عليا مش كدة؟ طب ليه المحاليل والحاجات دي؟
اقترب قائلا بمطة صغيرة من شفتيه :
– انتي فقدتى الوعي خالص يا بهجة، والدكتور فحص حالتك واقر انك ضعيفة ومحتاجة تغذية، دا غير طبعا الاجهاد والإرهاق، كلهم اتجمعوا عليكي.
– يعني حاجة عادية الحمد لله، دا انا افتكرت حاجة خطيرة، اقوم بقى اشوف اللي ورايا.
تمتمت بها بتقليل، ليتفاجأ بنزع ابرة المحلول من يدها، بصورة جعلته يتسائل بجذع:
– بتعملي ايه يا مـ.ـجـ.ـنو.نة انتي؟ مش تستنى الاول رأى الدكتور.
نقلت بنظرة سريعة نحو نجوان ، لتلف حول رأسها الحجاب قائلة:
– واستنى ليه تاني؟ مدام المحلول جاب فايدته والحمد لله ورفع عني شوية، اروح بقى اطمن على اخويا، قبل ما اروح، زمان اخواتي البنات رجعوا من دراستهم.
وقبل ان يصدر اعتراضه، وجد والدته تقوم باللازم، في التشبث بها، لتصدح ضحكته:
– انتي اللي بتجيبيه لنفسك، اهي مش هتسيبك حتى وانتي تعبانة، ارجعي لسريرك احسن يا بهجة، خليكي عاقلة.
وعلى عكس ما توقع من اعتراض منها لحالة الوهن بها، رحبت بسماحة تذهله:
– وماله خليها تيجي، ع الاقل يراعوها معايا شوية، مدام بتفرح بلقاهم، انا عمرى ما هقولها لا.
❈-❈-❈
انتهت جولة اخرى من المحاكمة المستمرة طوال اشهر في الشـ.ـد والجذب من اجل تحديد مصيره، ليعلن القاضي تأجيلها كالسابق، ولكن هذه المرة هناك بـ.ـارقة امل، بعد مرافعة المحامي الجديد، وقد اثبت انه داهية ويستحق رزمة النقود الكبيرة والتي تحصل عليها من والدته، بعدmا شكك في شهادة الشقيقتان واتهمهم بتلفيق تهمة قــ,تــل ابيهم من اجل الاتتقام منه، فكرة شيطانية فاجأه بها، مع مجموعة من الحجج والقصص المؤلفة عن صحة خـ.ـطـ.ـف شهد من الأساس ، وانه مجرد خلاف عادي تطور لتشابك بالأيدي، ومنه اتجهت الفتيات لتلفيق التهم اليه.
– بشرة خير يا ابراهيم، شكل المحامي عقر وهيجيب البراءة المرة دي.
كان هذا صوت والدته، والتي هرولت اليه خارج قضبان القفص المحبوس به، عقب قول القضاة ليفتر فاهه بالابتسام بتردد:
– اما اشوف ياما ، هتكمل على كدة ولا هتتقلب من تاني.
أتت الإجابة من المحامي المحنك، يحدثه منتفش الريش بزهو:
– متقلقش يا ابراهيم، انا ياما عدى عليا قضايا من النوع ده وانيل مية مرة، تجار مـ.ـخـ.ـد.رات وسلاح وقــ,تــل وجميع الجرايم، كلهم طلعوا بفضل مهارتي، واظن والدتك حكتلك عن سمعتي .
– حكتلي يا متر، بس انا برضو مليش غير النتايج، غير كدة متقوليش.
– ان شاء الله هتظهر النتايج قريب ، بس انت متفولش.
قالها الرجل ليسحب حقيبته ويذهب من جوارهم، فتعلق سميرة من خلفه:
– حار ونار في جتته، خد مني فلوس بالهبل، بس معلش اهم حاجة يطلعك براءة ، والنعمة لو ما نفذ بوعده، لاكون فضحاه ومجرساه في كل الدنيا.
– قلبك ابيض ياما.
تمتم بها بضحكات متقطعة، ليصدر السؤال منه بعدها:
– الا خالتي مجاتش ليه معاكي؟ ولا اي واحدة من مضاريب الدm بناتها:
عوجت شفتيها يمينا ويسارًا، مرددة بغـ.ـيظ:
– يتفلقوا، عنهم ما جم خالص، بيجهزو لفرح الزفتة امنية، انهاردة حنتها بقى ، وبكرة تتزفت على النيـ.ـلـ.ـة الظابط خطيبها.
سمع منها وتحولت ملامحه من الابتسام الى التجهم بشـ.ـده، انفاس حارقة كالدخان ، يخرج من أذنيه وفتحتي انفه، ليقبض على قضبان المحبس الحديدية بقوة ابيضت لها مفاصله، حتى انتفضت والدته بالزعر تخفف عنه:
– متزعلش نفسك انت يا حبيبي، بكرة تتجوز ست ستها، واللي احلى منها كمان.
ظل على وضعه، فصار صوت انفاسه الخشنة فقط مع هزهزة اسلاك القضبان بغـــضــــب وعنف وهي تهون عليه، حتى سحبه رجل الأمن من امامها، يدخل به داخل الممر المؤدي الى الردهة الداخلية، ويجمعه مع مجموعة السـ.ـجـ.ـناء من زملائه، قبل العودة بهم الى محبسهم الاساسي، فلم يخرج عن صمته سوى بعدmا وقعت عينيه على غريمه، يخرج من إحدى الغرف بصحبة عدد من زملائه الضباط:
– يا عصام باشا، انت يا عصام باشا.
صوته العالي جعل الاخير يلتف اليه، مع انتباه الجميع له، ليهدر بالرد عليه غاضبًا:
– عايز ايه يا ابني انت، وبتنده عليا ليه بصوتك العالي؟ انت اتجننت.
جاء قوله بلهفة:
– لا يا باشا متجننتش، انا بس عايز اكلمك في موضوع ضروري، انا ابراهيم لو مش عارفني، ابن خالة خطيبتك، واللي كنت خطيبها قبلك.
برقت عيني الاخير على الفور بإجفال وغـــضــــب، وقد توقفت جميع الاصوات، والجميع مصوبا ابصاره نحوهما ، بعد هذا التصريح الغـ.ـبـ.ـي منه،
فاتجه نحوه يقبض على ياقتي قميصه معنفًا له، وقبل ان يتمكن من ضـ.ـر.به او سبه، اردف ابراهيم مصححًا:
– اسف يا باشا، والله ما قصدي حاجة، انا بس عايزك في كلمتين.
على صوته يزجره:
– وانت تكلمني بصفة ايه؟ ولا يكونش فاكر نفسك قريبي صح.
صدر رد ابراهيم بصوت يتخلله المسكنة:
– مش بأي صفة والله، هما بس كلمتين محشورين في زوري ونفسي اقولهم.
❈-❈-❈
بإحدى الصيدليات، وبعد أن تم الانتهاء من تضميد الجروح، بالمعقمـ.ـا.ت، وتناول المسكن لهذا الالم الرهيب بفكه، ليتمكن من توجيه شقيقته بحدة:
– انتي يا بت ، اياكي تبلغي حد باللي حصل النهاردة، لاشرب من دmك .
شهقة غاضبة صدرت منها لتعقب بتهكم:
– تشرب من دmي كمان، لهو انت مقدرتش ع الحمار هتتشطر ع البردعة.
هدر بها يحذرها بعنف:
– لمي نفسك يا سامية انا على اخري، مش ناقصك انتي كمان .
اشفقت تتراجع عن سخريتها بعد شعورها بنبرة الحـ.ـز.ن التي تغلف صوته، لتلطف قائلة:
– انا مش قصدي اشمت فيك ولا اتريق ، انا بس اضايقت من كلامك الناشف وتهديدك ليا.
– عشان عارف بقك اللي مـ.ـيـ.ـتبلش فيه فوله يا سامبة، وانا بقى على اخري ومش قابل نص كلمة من حد .
اومأت بتفهم ، فهي الاعلم برد فعل والدتها لو علمت ولا غـــضــــب اسراء او شمـ.ـا.تة سامر، ثم سـ ـخـــريــة والدها ومعايرته.
– خلاص يا سمير انا مش هتكلم وان حد سألتي عن اللي في وشك، هقول دي خناقة في الشارع.
– جدعة .
تمتم بها ليغمغم بحسرة من داخله:
– مهما عدت السنين ولا شوفت في حياتي نسوان، ما في واحدة هتحل مكانك يا بهجة، وبرضوا مش هسيبك.
❈-❈-❈
خرج من وكالته، يرفع عيناه للأعلى نحو شرفة منزل شقيقه، يمني نفسه برؤية القمر كما حدث منذ ايام، وقد توقف عقله عند هذه اللحظة حينما رأى المرأة الجميلة، ذات الشعر الاصفر كسلاسل الذهب والبشرة البيضاء البهية، بصحبة ابنة شقيقه، تتطلع في الحارة وابتسامة تذهب بالعقل مرتسمة على ملامحها الفاتنة.
لقد رأى شبيهات لها على التلفاز وفي مسلسلات الدراما التركية كما وصفها ابنه، لكن على الحقيقة ، لم يصادف ابدا كهذه الفتنة المتحركة، يجزم بأن الاعجاب متبادل، فقد التقت عيناها بخاصتيه وتبسمت باتساع، لقد طار عقله وقتها حتى كاد ان يتخلى عن رزانته، ويصعد اليها بشقة شقيقه الراحل، ولكن منعه الحرج من بهجة واشقائها، فقد انقطعت الصلة بينهم منذ وقت طويل، بعد مشاكل الميراث، من أين يجد الحجة اذن ليفعل؟
ليتعلق قلبه بالأمل في عودتها، لربما وجد الفرصة وقتها في لقاءها وحدها بعيدا عن الحوش من أبناءه وابناء شقيقه ، والملعونة درية .
– ااااه
تأوه داخله بلوعة، يتمنى ان يبتسم الحظ له ،ويعوض ما فاته بالزواج من امرأة مثلها، تضيء بالظلام، ليست كدرية التي لا يقدر عليها سوى الله.
فهو رجل مقتدر، يملك اموالا لا حصر لها ، جزء في التجارة على العلن، واضعاف في الخفاء، لا يعلم عددها الا هو ، وان كان ينقصه بعض النحافة بذلك البطن الممتد امامه ( كرش) رغم رشاقة معظم الجــــســ ـد، ثم زرع كمية من الشعر بوسط الرأس التي تلمع من نعومتها بتلك الصلعة الكبيرة بوسطها، اما عن الطول فمنذ متى كان فارقًا له.
لابد من الاهتمام بنفسه، ويدللها بعد الشقاء، فما فائدة ما حصده طوال هذه السنوات ، ان يتركه من خلفه، كي يرثه أبناءه الحمقى وزوجته المتسلطة .
شهقة صدحت بداخله، فور ان تفاجأ بدخول السيارة المذكورة تلج الى المنطقة وكأنها لبت نداء قلبه الضعيف،
ابنة شقيقه الراحل، جالسة في الخلف، بجوار تلك الحورية، ما أجملها من امرأة.
– اااه.
خرجت هذه المرة بتنهيدة مسهدة، لتتحرك قدmيه ويتبعهم ، حتى اذا توقفت السيارة امام البناية خاصتهم، اقترب يستقبلهما:
– يا أهلا بالضيوف اللي معاكي يا بـ.ـنت اخويا
قطبت الاخيرة بدهشة وهي تترجل من السيارة، وتسحب خلفها نجوان التي توقفت هي الأخرى بإجفال، تطالع الرجل المتوسط الطول، بجــــســ ـده الصغير، ذلك الذي يميزه البطن الكبير، عكس باقي أعضاء الجــــســ ـد، وكأنه ياكل ويخزن داخل احشاءه فقط ، ثم هذه الابتسامة المتوسعة، والشارب الرفيع بشـ.ـدة ، يحدق بها بصورة فجة جعلتها تعود برأسها للخلف بجزع منه، لتتصدر بهجة امامها، قائلة:
– نعم يا عمي في حاجة؟
صار يشب برأسه موجها الحديث نحو الأخرى:
– حاجة ايه بس يا بـ.ـنتي؟ انا بتكلم على ضيوفك، الناس الالافرنكة دي، مش واجب برضو نتعرف بيهم وياخدو الواجب، انا عمها يا هانم.
في الاخيرة امتدت كفه نحوها يريد المصافحة، ليزداد رعـ.ـب الأخرى، بظن منها انه سوف يؤذيها، لتهب بهجة بنجدتها ، بأن ابتعدت بها عنه قائلة:
– معلش يا عمي، بس الهانم مبتقبلش تسلم ولا حتى تتعرف بحد غريب، عن اذنك.
قالتها وتحركت بها سريعًا تتخطاه، ليقف هو متطلعًا باثرهما، وبكفه التي مازالت ممتدة ليعلق بصدmة:
– الله، طب وهو السلام في ايه يعني؟ هو انا جربة مثلا؟
❈-❈-❈
كان منغمسًا بشروده ، يهزهز بمقعده للخلف كالأرجوحة، معطيا ظهره بعكس الجلسة خلف مكتبه.
حتى لم ينتبه على دخول رئيسه اليه، ولا حينما توقف خلفه، ليجفله فجأة بالصوت المزعج للملفات التي القى بها على سطح المكتب دفعة واحدة:
– ايه يا غالي، قاعد سرحان وسايب شغلك متكوم فوق بعضه، ما تعمل بقى بلقمتك في الكام الساعة دي، قبل ما تاخد الاجازة وتغرق في العسل .
ابتسامة ضعيفة صدرت منه كاستجابة لمزحته، ليرد بمرح مصطنع:
– معلش بقى لازم تعذرني، اي حد في مكاني هيبقى مش بعقله.
انتبه امين على تغيره ، وهذه النبرة لم تريحه، ليميل نحوه قاطبًا بقلق:
– ايه مالك يا عصام؟ انت في حاجة مضايقاك؟
زاد بتصنع الابتسام وادعاء عدm الفهم:
– بتقول كدة ليه بس يا باشا، هو انا حد قدي النهاردة مثلا عشان اضايق.
زم شفتيه الاخر، مضيقًا عينيه بريبة يعقب:
– مش عارف، حاسس حاجة فيك متغيرة، مش مطمني شكلك كدة، اصل انت بالذات مفضوح قدامي، وانا عارف كنت هتمـ.ـو.ت ع الجواز ازاي والفرح.
– طب وايه اللي حصل يعني؟ ما انا لسة برضو همـ.ـو.ت ع الجواز والفرح.
يرافق كلمـ.ـا.ته الاخيرة ضحكة مكشوفة اكدت لأمين صدق ظنه، ليخاطبه بنصح:
– ماشي يا عصام انا مش هضيق عليك، بس عايزك تعرف كويس اوي، ان انا تحت امرك في اي وقت، سواء في الفرح او في الشـ.ـدة ، انت اخويا الصغير ياض، وفرحتي بيك ولا فرحتي بابني اللي لسة مشوفتوش.
جذبه في الاَخيرة اليه ، ليعانقه عناقًا رجولي، يربت بكفيه على ظهره، متمتمًا بالتهنئة:
– ربنا يتمم فرحتك على خير يا حبيبي.
تقبل عناقه بامتنان حقيقي معبرا عنه:
– والله وانت كمان يا امين باشا، ربنا العالم باللي شايله في قلبي ناحيتك، انت اخويا الكبير فعلا حتى لو مش بالدm .
عاد يربت على ظهره، ثم بدأ يمازحه بجرأة كعادته وهو يحاول ان يجاريه، حتى اذا تركه وخرج.
سقط بثقله على كرسيه بإرهاق، عائدًا لجموده، وهذه الكلمـ.ـا.ت التي تدوي برأسه من وقت لقاءه بهذا الفاسد ابراهيم.
في وقت سابق،
وبعد أن استجاب لمطلبه، ليدخل به احدى غرف الامن ، وينفرد باللقاء معه:
(( – اتفضل يا زفت، قول عايزني في ايه؟ خلصني.
تمتم بكلمـ.ـا.ته ليجلس واضغًا قدmا فوق الاخرى، بصورة ازعجت ابراهيم الواقف امامه، والاصفاد بيده، ليزيد الحقد بقلبه، على من لفظته كخرقة بالية، والاَن تكافأ بهذا المتعجرف، الذي يبدو امامه كالوضيع :
لتبزغ ابتسامة قميئة على محياه قائلًا:
– وليه العصبية دي بس يا باشا؟ دا احنا حتى في صفة مشتركة بتربط ما بينا…… امنية.
انتفض عصام بجلسته بعد سماع اسمها ليعتدل هادرًا به:
– احترم نفسك يا زفت انت، واياك تنطق اسمها تاني على لسانك، واوعى تفتكر ان اللي عملته برا هعديهولك ، انا بس مسكت نفسي عشان اجيب اخرك، اخلص قول انت عايز ايه؟
ردد بفحيح الافاعي وابتسامة الحرباء :
– خلاص يا باشا، بلاش اقول اسمها…….. بس اشيل الذكريات الحلوة بقى من دmاغي ازاي بقى؟ طعم الشـ ـــفــايـــ ـف اللي تعبت من كتر ااا…….
توقف ينتشي برد فعل الاخر، والذي فاجأته الصدmة لتبرق عينيه بذهول فتابع يضع كفه على موضع القلب يردف بوقاحة ودناءة:
– ولا الشامة اللي هنا في الحتة دي، اكيد انت عرفتها ولا يمكن لسة موصلتلهاش، دي حتى جـ.ـا.مدة اوي، ساعة ما تمسك فيها ، تبقى ولا العيل الصغير بتشبط ومش عايز تسيبها……..
قطع في الاخيرة، وقد انقض عليه كالأسد الجريح يكيل له بالضـ.ـر.بات في كل ما تقع عليه يده:
– يا حـ.ـيو.ان يا سـ.ـا.فل يا منحط، انا هخلص عليك النهاردة.
ورغم قوة الضـ.ـر.بات لم يكتفي ابراهيم، فظل يواصل رغم الالم المبرح:
– يا باشا بقولك ذكريات، انت زعلان ليه بس؟ اه ..
…… بكرة تعرف كلامي من نفسك….. ولا اقولك اسألها وهي تجاوبك عن مغامرات المخزن…. بس بصراحة….. اااه،….. كنا بنعمل كل حاجة الا الاخيرة اللي انت عارفها دي….. عشان البقف اللي هيشيل بعدي…..
ختم بضحكاته الماجنة ترافق صرخاته التي دوت بقوة للخارج، حتى ارغمت رجـ.ـال الامن لاقتحام الغرفة عليهم، ثم سحبه من بين يديه، مستندا على الاكتاف لا يستطيع الوفوف على قدmيه، بعدmا ابعدوه عنه بصعوبة وقد كان على وشك قــ,تــله،
يلهث كدب مفترس، بعد ان قيده الرجـ.ـال بصعوبة، للخروج بالاخر، يتجاهل الرد على التساؤلات والتفسيرات التي توجه له منهم ، عيناه لا تفارق هذا الفاسق، والذي لم يكف عن الابتسام له، بوجهه الذي اصبح خريطة تزينها البقع الزرقاء والحمراء والتورمـ.ـا.ت المنتشرة بها.
يصارع بكل قوته للإفلات منهم والفتك به، والرجـ.ـال لا يكفون:
– بس لو تفهمنا يا باشا الواد ده عمل ايه واحنا نأدبهولك. ))
عاد من شروده بعروق منتفضة، وقبضة ابيضت مفاصلها، تناديه للعودة للاكتفاء بقــ,تــله، ولكن ان نفذ وفعل، اين موضعها هي من الاعراب،
هي من سلمت وتساهلت معه، هي من جعلت وضيع كهذا يحتفظ في سجل رأسه بذكريات سافرة عنها وعن جــــســ ـدها…
كز على اسنانه يخرج زفيرا كغليل الحمم، يعدد الفرق الشاسع بخطبتها به، حتى وبرغم عقد القران، ابدا لم يحاول ان يفعل مثل باقي الرجـ.ـال وينال منها ولو قبلة صغيرة، كل ملامساته لم تتعدى مسك الايدي، وبعض الكلام الجريء في الاونة الاخيرة انما بحرص، وذلك لتهيء نفسها للقادm في عالمهم الجديد الذي يجمعهما.
لماذا يحدث هكذا معه؟ وهو الملتزم دوما، والذي لم يفعل ابدا مثل باقي الشباب الذين يتلاعبون بعقول الفتيات؟
دوي صوت الهاتف من جواره على سطح المكتب ، يتطلع لهذا اللقب الجديد الذي سجل به رقمها (( زوجتي ❤))
ليزفر انفاسًا مهتاجة، متجاهلا الرد عليها، ليعود لأفكاره القاتمة. يدmي شفته السفلى بالعض عليها من الغـ.ـيظ.
❈-❈-❈
كانت مضجعة على اريكتها ، تتابع الحديث الشيق بين شقيقتها ونجوان التي كانت تضحك بملء فمها، على اقل مزحة تردف بها الصغيرة والتي لا تكف عن سرد ما يحدث معها في المدرسة ومغامـ.ـر.اتها في صد الفتيات طويلات اللسان معها ، وكيف تفحمهم بردودها الحادة، لتفرض شخصيتها القوية عليهم .
– سبحان من بيجمع القلوب صحيح.
عقبت بها بهجة ، يسعدها هذا الانـ.ـد.ماج بين الغريبتين، وقد توافقت شخصياتهم رغم كل الفروق الشاسعة بينهم .
ليصدح هاتفها بنمرته، فردت برسميه كعادتها معه
– الوو….. افنـ.ـد.م يا رياض باشا .
وصلها الرد بنبرته الرخيمة الهادئة:
– الوو يا بهجة عاملة ايه؟
ابتلعت ريقها ترد بكلمـ.ـا.ت منتقاة؛
– الحمد لله كويسة حضرتك، لو بتتصل عشان الست الوالدة، فهي مبسوطة دلوقتي مع عائشة شوية كدة و…
قاطعها بقوله:
– انا مطمن عليها وهي معاكي يا بهجة.
صمتت لا تجد من الكلمـ.ـا.ت بما يسعفها بالرد عليه، ليردف هو :
– اتا كنت بسأل على صحتك، لسة برضو حاسة بالضعف ولا دايخة ؟
اومأت بـ.ـارتباك تهز رأسها وكأنه واقف امامها، لتجيبه برقة لم تتصنعها:
– ما انا قولتلك كويسة يا فنـ.ـد.م ، انا احسن بكتير دلوقتي، دا غير ان اختي جنات قايمة بالواجب من ساعة ما رجعت من الكلية وعرفت، عصاير بقى واكل بتعمله بنفسها.
– كويس اوي يا بهجة… خلي بالك من نفسك.
كانت تلك كلمـ.ـا.ته الاخيرة قبل ان ينهي معها المكالمة يتركها بحالة من التشتت والارتباك تلفها، وتفسيرات تدحضها بعقلها برفض تام لها.
حتى شعرت بالدوار بالفعل، لتتمتم بحديث نفسها:
– انا مالي دوخت بجد ليه بقى؟ ما كنت قايلاله اني خفيت من شوية!
↚
بخطوات مسرعة رغم حرصها المعتاد، عبرت المساحة الفاصلة بين غرفتها والغرفة الأخرى ، لتطرق على بابها متجاهلة الحرج، او الخجل في ازعاج البشر وايقاظهم في هذا الوقت المبكر.
حتى اذا فتح باب الغرفة قوبلت بالسـ ـخـــريــة والاندهاش على الفور :
– يا نهار ابيض، معقول ! انتي جاية من اوضتك لحد هنا برجليكي ومن غير توصيلة كمان؟ هو فين حسن؟ ازاي يسمح بالتسيب ده.
وقبل ان يفتر فاهها بالرد ظهرت من خلفه زوجته هي الأخرى تتضامن معه عليها ضاحكة:
– اه صحيح دي شهد، وعلى باب اوضتنا صح يا امين، اكيد حسن نايم وهي بتغفله كعادتها.
صاحت تسكتهم هما الاثنان بنزقها:
– دا مش وقت هزار الله يخليكم، انا جاياك في سؤال يا امين، ارجوك تجاوب عليه لو تعرف.
لفتت بجديتها انتباههم، ليتخلى امين عن عبثه سائلا لها بتوجس:
– ايه الحكاية يا شهد قلقتيني؟ تعالى ادخلي الاول مش هتفضلي واقفة ع الباب.
في الاخيرة هم ان يجذبها من قماش عبائتها للداخل ولكنها تشبثت بالأرض معبرة عن رفضها:
– دا مش وقت كلام ولا راحة، انا عايزاك بس تشوف صاحبك دا اللي غايب عن عروسته من امبـ.ـارح، وعماله تتصل بيه ما بيرودش، هي بس رسالة يتيمة، رد بها على اخر العشية وقال انه مشغول جدا، بعدها قفل تليفونه وكأنه فص ملح وداب، لدرجة اهله نفسهم واخته اللي حضرت الحنة معانا امبـ.ـارح كمان قلقت وبقت مش عارفة تبرر تصرف اخوها.
– اختفى! وليلة حنة العروسة كمان! ازاي يعني؟
تمتم بها عاقد الحاجبين بشـ.ـدة، ليدلف على الفور داخل غرفته، متوجهًا نحو الهاتف:
– انا هشوف الواد دا راح فين يا شهد متقلقيش، اتصلي على أختك وطمنيها، عصام من اول ما اتعرفت عليه وهو راجـ.ـل، يعني لو في أي حاجة هيتكلم على طول، مش هيقل بنفسه ولا يستندل في شيء مهم زي ده.
تبعته زوجته الى الداخل وقد اصابها القلق هي الأخرى، وتوقفت شهد تلتقط انفاسها بتـ.ـو.تر يعصف بها، تتابع اتصاله في محاولات باءت بالفشل لعدm استجابة الاخر بالرد عليه، لينتقل شعور القلق داخله هو الاخر، فجاء رده الحاسم:
– انا نازل دلوقتي، ولو في سابع ارض هعرف اجيبه.
ردت باستجداء تخاطب نخوته:
– ياريت يا امين، دا البت ما قادرة تنام من امبـ.ـارح، هتمـ.ـو.ت من القلق والخــــوف، دا عمره ما عملها ولا ردش على مكالمتها الا لو في الشـ.ـديد القوي، اللي يمنعه.
اومأ يوافقها الرأي، فهو الاعلم بلهفة الاخر في الارتباط والزواج من شقيقتها، وعقله الاَن على وشك التوقف بحيرة اصابته، عن ماهية هذا التحول العجيب، في ظرف هام كهذا.
– شهد واقفة مكانك بتعملي ايه؟
كانت هذه صيحة زوجها، بنبرة الجزع التي تعلمها، لتدافع مبررة على الفور :
انا كنت جاية في طلب مهم يا حسن وماشية اهو .
قالتها وكادت ان تميل بسيرها، لولا ذراعيه التي لحقت عليها كي تسندها، فغمغم بتوبيخ:
– وتجيلو انتي بنفسك ليه؟ ما كنتي كلميني انا وانا اجره من قفاه لحد عندك، عايزة تتعبيني في اللف وراكي وبس يا شهد.
تجاهل امين الرد على مزحته، وتركه في الأخذ والرد مع زوجته، طوال طريق وصولهم لغرفتهم، اما هو فقد اغلق الباب سريعًا ليخلع عنه التيشرت البيتي الذي يرتديه، باحثًا عن شيء يصلح للخروج في خزانة الملابس بعجالة اجبرت زوجته للتساؤل:
– طب انت هتخرج كدة من غير ما تحدد وجهتك، مدام بتقولك ان اهله مش عارفين مكانه، يبقى كدة هتروح على فين تسأل عليه بقى؟
التف نحوها باستدراك متذكرًا تغيره بالأمس، ليلتف عائدًا لهاتفه على الفور، يتصل بأحد ما :
– الوو يا صبري انا الظابط امين………… يا أهلا وسهلا بيك يا حبيبي، معلش انا كنت بتصل في استفسار سريع كدة…… تسلم يا حبيبي الله يخليك؟ شوف يا سيدي انا عارف طبعا ان انت كنت مرافق عصام في مشوار المحكمة امبـ.ـارح ونقل المساجين و………. بتقول ايه؟……..
اعتدلت لينا من جسلتها تتابع رد فعل زوجها في تقلص ملامحه وهو يستمع الى الطرف الأخر عبر الهاتف، وسرده عما حدث دون انتظار السؤال:
– ازاي يعني اتخانق في المحكمة؟ ومع مين؟…….. السجين ابراهيم بتاع قضية الخـ.ـطـ.ـف والقــ,تــل القديم…….
تمتم الاخيرة بملامح انقبضت تعابيرها بشـ.ـدة، وهذه المفاجأة بذكر اسم هذا البغيض، تشعل برأسه ملايين التساؤلات، عما قام بفعله، ليحدث هذا التغير بشخص هاديء كعصام.
❈-❈-❈
خرج من غرفة مكتبه ، بعد فترة طويلة من مراقبتهم من خلف الحائط الزجاجي، وحالة السكون تلك التي تميز بها والدته هذه الايام، رغم قلقه في بعض الاحيان ، فهي ليست مضمونة على الإطـ.ـلا.ق، ولكنه لا ينكر ارتياحه بانـ.ـد.ماجها مع هذه الجميلة، كزهور الحديقة من حولها، تشيع بهجة بالمكان رغم حـ.ـز.نها، مشرقة مثلهم، وصافية بصفاء السماء فوقها، وخضار العيون الساحرة يمتزج مع لون الخضرة بجوارها، بامتزاج يثير الدهشة.
– صباح الخير.
القى التحية بصوته الرخيم مفاجئًا لهم، ف انتفضت والدته برد فعل اعتاد عليه، ولكن اثار غـ.ـيظه:
– في ايه بقى يا ماما، مش عفريت انا واقف قصادك يعني عشان تتخضي كل مرة كدة .
لطفت بهجة على الفور بعد ترديدها التحية وكأنها تولت مهمة الدفاع عنها:
– معلش يا رياض باشا، بس هي كدة مع الكل، شكل نجمها خفيف زي ما بنقول عندنا في الحارات الشعبية.
حدق بيدها التي كانت تضعها على ذراع والدته كدعم لها، وكأنها تبثها الاطمئنان بلفتة بسيطة جعلته يعلق بابتسامة:
– ماشي يا بهجة نديها عذرها، طب ممكن تسمحولي اشاركم الجلسة على الترابيزة ولا اشرب من العصير اللي بتشربوه؟
– يا نهار ابيض يا فنـ.ـد.م، اتفضل حضرتك.
تفوهت تنهض عن مقعدها بفعل اثار استيائه:
– انا بقول اشاركم يا بهجة، مش تقومي واقعد مكانك.
اكتنفها الحرج لتعود لجلستها تتمتم بالاسف بكلمـ.ـا.ت غير مترابطة من فرط ارتباكها، وجلس هو مقابلا لها، بقرب اثار الخجل بها، رغم المسافة الفاصلة بينهم بالطاولة، لديه هالة وهيبة تثير بقلبها الرهبة فتفقدها التوازن، على الاقل داخلها :
– ما قولتليش بقى، عن سر تعلق ماما بعائشة الصغيرة.
على اثر سماع الاسم انتفضت نجوان بانتباه، جعله يعلق بمرح:
– يااه للدرجادي عائشة معلقة معاكي؟
تبسمت تجيبه بسجيتها:
– يمكن عشان بترغي معاها، اصل انا اختي ما تتوصاش ابدا في الحتة دي، تجيب الشرق ع الغرب وما بتملش، انا وجنات وايهاب بـ.ـنتعب منها ونسيبها، أما بقى نجوان هانم بحسها تنبسط من رغيها مش عارفة ازاي؟
ختمت باتساع ابتسامتها التي زادتها جمالا ليحدق بها برهة من الوقت جعلتها تعود لخجلها ، حتى استدرك هو ليتحمحم من حالته تلك ، ليقول بجدية:
– على فكرة انا كلمت دادة نبوية من شوية طمنتني المرة دي عليها وبشرتني انها هتعود قريب لمزاولة شغلها .
– بجد ، يعني انا هرجع لشغل المصنع من تاني؟
قالتها بلهفة بقدر ما ادهشته، بقدر ما اثارت استياءه من الداخل ليشاكسها بلؤم:
– زهقناكي وتعبناكي اوي معانا يا بهجة صح؟
افتر فاهها واغلقته عدة مرات وقد غمرها الحرج كطفلة صغيرة تعجز عن الرد للحظات حتى تمكنت بتلعثم:
– لا والله يا فنـ.ـد.م….. ااا مش حكاية اني زهقت ولا تعبت، انا بس اشتقت لشغلي ولصحبة البنات الغلابة اللي زيي والريسة صباح.
لطف يخفف عنها رغم استمتاعه بهذا الوهج الذي طغى على بشرتها الشفافه حتى اصبحت كتلة ملتهبة امامه، ثم برائتها التي تكاد ان تطيح بعقله.
– انا فاهم يا بهجة مفيش داعي تبرري، مهمها كان المميزات هنا لكن انتي برضو محتاجة تخففي عنك المسؤولية.
قال الاخيرة بنظرة جانبية نحو والدته التي تتابع وكأنها تفهم ما يدور بعقله، رغم ان الظاهر غير ذلك .
تحمحم يستفيق من حالته، لينهض فجأة عن الجلسة الممتعة متذكرًا ما ينتظره من اعمال:
– انا هقوم اشوف الشغل اللي ورايا، رغم ان القعدة هنا ما يتشبعش منها، محتاجة حاجة يا بهجة قبل ما اخرج؟
– انا يا فنـ.ـد.م؟ لا طبعآ.
نفت بها وعلى الفور حتى تسبب في ضحكة عابثة على شفتيه ليعود موضحًا:
– انا بسأل يعني عن الست الوالدة يا بهجة ، ولا دي كمان مش محتاجة؟
تبسمت باضطراب لتتذكر ما ينقصها من دواء:
– اه صحيح حضرتك انا كنت عايزة اقولك عن العلاج المستورد ، هو قرب يخلص والاحسن يعني نجيب غيره قبل ما ينقص مننا، بس انا دلوقتي مش فاكرة اسمه، اصله تقيل اوي، اروح بسرعة اجيبهولك.
اشار لها بالجلوس:
– مفيش داعي، خليكي مكانك، لما تدخلي جوا ابعتي الاسم، او صوريه في رسالة.
– ابعتلك رسالة فين يا فنـ.ـد.م؟
اجاب عن سؤالها بابتسامة مستترة:
– عم طريق الواتس يا بهجة، ولا عايزة تقولي ان معندكيش واتس؟
ردت بعفويتها المعتادة:
– لا طبعا عندي يا فنـ.ـد.م.
ابتسامة مشاغبة سيطر عليها بصعوبة قائلاً قبل ان يغادر:
– كويس اوي، متنسيش بقى.
حينما غادر ظلت لبرهة من الوقت تتطلع في ظهره، حتى اذا انتهت تنفض رأسها من العبث الذي اصبح ينخر بها، عادت لنجوان ، وجدتها تحدق بها بنظرات لم تفهمها على الإطـ.ـلا.ق، ولا تجد لها تفسيرا.
❈-❈-❈
بفاه منفرج، ظلت لمدة من الوقت تستوعب ما قد وصلها من اخبـ.ـار عبر الهاتف، من إحدى الطبيبات التي تعمل بالمشفى التخصصي المشهور، وتملك العائلة جزء كبير من اسهمها،
عن زيارات رياض الشبه اليومية لها منذ قرابة الاسبوع، ورعاية شاملة لهذا الفتى شقيق الملعونة التي اصبحت كطيف شبح لها هذه الايام يطاردها في الصحو والمنام،
لا تصدق تلك المبالغ الكبيرة في علاج هذا الفتى ، سوف يتم اختصامها من نصيبه السنوي.
كيف يفعل شيء كهذا لمجرد عاملة بمنزله، تعلم عنه الكرم خصوصا مع العاملين على خدmة والدته، كمثال نبوية التي تحظى بكل الاهتمام لاجل مكانتها عبر السنين.
انما هذه ، اي مكانة قد صنعتها في هذا الوقت القصير، يبدو أنها قد استهونت بأمر هذه الفتاة:
– يا ترى قدmتي ايه تخليه، يتكفل بالمبلغ الضخم دا عنك، يا بهجة الزفت.
كان هذا هو السؤال الذي دوى داخلها، حتى تفوه بها لسانها :
– مبقاش انا لورا ان ما لقيتلك صرفة.
❈-❈-❈
وصل الى منزل عائلته، ليضغط على الجرس بحرج، لا يعلم من اين سيدخل اليهم بتساؤله؟ بعدmا سأل معظم الاصدقاء والمعارف التي يعرفها، في السؤال عنه، وعما ان كان قد قضى السهرة معهم، وحين مل من عدm الوصول إلى نتيجة، قادته قدmاه الى هنا، ربما وجد ما يدله عليه منهم.
فتحت شقيقته لتتلقاه بابتسامتها العـ.ـذ.بة؛
– اهلا حضرة الظابط امين، مشرفنا ومنورنا.
لحق يبرر عن سبب مجيئه في الوقت الباكر من اليوم:
– صباح الخير ، معلش لو جيت في وقت غير مناسب، بس انا كنت جاي اسأل على عصام.
– الله، وهو حضرتك غريب يعني؟ دا انت تيجي في اي وقت، ع العموم هو نايم في اوضته حاليًا، اتفضل ادخل وصحيه الكسلان ده، يشوف اللي وراه، دا اليوم طويل اوي النهاردة.
قالتها تنزاح بجــــســ ـدها من امامه، ليعبر خلفها الى داخل المنزل، تغمره الدهشة، فإن كان الامر طبيعيا الى هذا الحد، فما سبب الغياب عن عروسه وعدm السؤال.
بعد لحظات قليلة،
كان عنده بداخل الغرفة، يتطلع الى نومه الهاديء بسكينة، مناقضة تماما لحالة القلق البالغ والتـ.ـو.تر التي اصابت اهل العروس.
– انت يا باشا، انت يا زفت انت ياللي نايم وسايب الدنيا تتطربق برا.
استيقظ عصام يفتح اجفانه للضوء، فيقابل وجه رئيسه فوق رأسه متابعًا بإصرار:
– اصحى ياض انت واتعدل، خليني اتكلم معاك انا مش فاضيلك .
قطب عصام يستجيب له، ليعتدل بجــــســ ـده متمتمًا، بابتسامة متكاسلة:
– سيادة الباشا امين بذات نفسه، في اوضة نومي وبيصحيني كمان، دا ايه النهار النادي ده؟
عبس موبخًا له:
– يا برودك يا اخي، مأنتخ وصاحي ناموسيتك كحلي ، والبت واهلها مفكرين انك هـ.ـر.بت وطفشت يوم فرحكم.
قطب يدعي عدm الفهم :
– بـ.ـنت مين؟ قصدك امنية؟ وايه اللي هيخليني اطفش واسيب فرحي عليها المـ.ـجـ.ـنو.نة دي؟ هو انا غاوي مصاريف تترمي ع الارض ولا ناس تشنع علينا بكلام مش لطيف.
انفعل امين مرددًا بغـ.ـيظ:
– ولما هو كدة يا ظريف، طفشان من امبـ.ـارح ليه ، واختك يسألوها تقول معرفش مكانه، انتو متفقين مع بعض توقعوا قلب البت واهلها.
– لا لا لا حـ.ـر.ام عليك متظلمش عبير اختي، هي فعلا قالت الحقيقة، لان انا بالفعل كنت غايب عن البيت ومرجعتش الا وش الفجر، يعني اكيد ملحقتش تطمنهم، ع العموم احنا لسة فيها ، اطمنهم انا بنفسي.
قالها ثم توقف يتناول هاتفه من فوق الكمود المجاور له ، ليهاتف الأخرى امامه:
– الوو يا امنية صباح الفل يا قلبي…….. يا بـ.ـنتي وليه القلق بس وتكبري الموضوع؟ انا قايلك من امبـ.ـارح اني مشغول…
التقت عينيه بخاصتي رفيقه، والذي كان يرمقه مضيقًا عينيه بريبة وهو يواصل التبرير مع خطيبته:
– لا يا قلبي متقلقيش، النهاردة ليلة عمرنا، روحي ارتاحي واشبعي نوم قبل ما تدخلي في دوشة التجهيزات والعك اللي مستنيكي في اللبس والمكياج……. انا هقفل معاكي كمان عشان انتبه للي ورايا، دا حتى امين باشا مشرف منزلي المتواضع….. يلا سلام بقى.
انهى المكالمة، ليلتف اليه بتنهيدة مقللاً:
– اهو يا باشا زي ما شوفت بنفسك، الوضع عادي جدا، ومفيش اي حاجة وحشة لا سمح الله.
– يا شيخ.
تمتم بها امين، بشك اصبح يرواده بقوة، ليتناول المقعد الوحيد يقربه من التخت، ثم جلس مقابلا له، يبدأ حديثه الجاد:
– عصام، انا عرفت بخناقتك امبـ.ـارح في المحكمة، لما ضـ.ـر.بت الزفت اللي اسمه ابراهيم وكان هيمـ.ـو.ت في ايدك ، لولا رجـ.ـالتنا اللي حاشوه عنك، دي مش طبيعتك ولا شخصيتك ابدا، كون انك تضـ.ـر.به بالشكل ده، وانت عارف بالصلة اللي كانت بتجمعه بخطيبتك، وبعدها تغطس وتختفى عن فرحك، دا ملهوش غير معنى واحد عندي، هو ان الولد ده قالك او استفزك بشيء انت مقدرتش تتحمله، واكيد الكلام…. كان عنها.
كان صريحًا في مواجهته ، غير آبهًا بشيء سوى ان يفتح قلبه اليه، ولكن الاخر لم يكن بطاقة لتحمل حتى ذكر اسمها في موضوع خاص كهذا، تأبى رجولته ان يناقشه مع احد ما ، مهما كانت صفة قربه له.
فجاء الرد وكأنه كان مستعدا له:
– اي كلام ده اللي هيقدر يهلفط بيه الولد ده؟ وانا اصلا هسمحله يجيب سيرتها على لسانه من الأساس، كبر دmاغك يا باشا، هو اخره كان محروق مني عشان خطيبته سابته وهتتجوزني انا بداله، زود في الهرتلة، انا مستحملتش، قومت مديله الطريحة ، عشان يحترم الفرق اللي ما بينه وما بينى ، وميكررهاش.
اما عن امين ، فلم يكن غـ.ـبـ.ـيا على الاطـ.ـلا.ق، ليبتلع القصة رغم حبكتها، ولكنه فضل السكوت ومجاراته ليقينه الاكيد باستحالة افصاح الاخير عن الحقيقة، ولكن لا بأس .
لينهض زافرا بقنوط:
– ماشي يا سيدي براحتك، ع العموم انا في اي وقت تحت امرك وقت ما تحب تتكلم، قلبي مفتوحلك، وبرضو مش هسألك اختفيت فين الوقت دا كله؟ دلوقتي بقى خلينا في ليلة النهاردة، فاضلك اي حاجة لسة مخلصتهاش؟
نهض عن تخته بحيوية، ليسترسل عن اخبـ.ـار القاعة والمدعوين، وما تم تجهزيه وتحضيره لهذه الليلة.
❈-❈-❈
وفي هذه الاثناء،
هرولت هي من غرفتها، نحو الجالسين بوسط الصالة بحالة من البؤس تكتنفهم نتيجة ما يحدث:
– اتصل يا ماما اتصل، اتصل يا رؤى، حتى عبير اخته كمان اتصلت وراه على طول تتأسفلي عشان لما رجع متأخر راحت نامت وملحقتش تتصل وتطمني عليه.
تهلل وجه رؤى على عكس والدتها التي استنكرت بضيق :
– ومالك يا اختي فرحانة اوي كدة ليه؟ بقى بعد ما اتغمينا ليلة بحالها بسبب تناحة المحروس وتناحة اهله، لسة ليكي نفس تفرحي وتنسي عملته!
تجلت الصدmة على وجه امنيه بوضوح والتي توقعت مؤازرة او تخفيف عنها، في وقت عصيب كهذا من اقرب الناس اليها، والدتها، فجاء الدعم من شقيقتها الصغرى العاقلة:
– ولا يهمك يا امنية، اعتبريها ليله وعدت، بصراحة احنا كان لازم يصيبنا النكد، بعد اللي عملتوه في ليلة الحنا امبـ.ـارح ورقصك الاوفر ع الفاضي وع المليان مع البنات، ودول معظهم كانو مبيننها اوي بطريقة كلامهم وقرهم عليكي انك هتتجوزي ظابط.، إن كل ذي نعمة محسود يا اختي .
عبرت امنية عن اقتناعها ببعض النـ.ـد.م:
– صدقتي، بس انا كنت فرحانة اوي يا رؤى، ولحد دلوقتي مش قادرة اصدق جماله ولا رقته معايا، دا بيعاملني كأني ملكة، مش المصدي اللي كان شايف نفسه ياما هنا ياما هناك، ودائما محسسني اني اقل منه.
قالت الأخيرة بقصد واضح نحو والدتها، ودفاعها المستمر عن هذا الاخرق ابراهيم، والتي مصمصت بشفتيها تصدر صوتا يجتاحه الغـ.ـيظ :
– ايوة يا ختي شوفي نفسك علينا من دلوقتي، طبعا ، هو انت حد هيملى عينك بعد كدة.
– يا ساتر يارب.
غمغمت بها رؤى، وقد استهجنت جهل والدتها وغبائها في التعبير حتى يخـ.ـو.نها الرد مع ابـ.ـنتها، لتنهض ملطفة:
-طب مدام اطمنتي ، يبقى روحي نامي بقى الساعتين الفاضلين دول، عشان تريحي بشرتك وتروقي للجاي .
رحبت امنية بابتسامة ملء فمها:
– هو كمان قالي كدة، عشان ابقى مصحصحة واروق له، عن اذنكم .
– ايوة بقى .
عقبت بها رؤى بابتسامة شقية، تغازل شقيقتها التي غادرت بعد ذلك بـ.ـارتياح ، لتنام قريرة العين بعد ليلة طويلة من السهد والسهر،
وتتناول هي هاتفها تتصل على شقيقتها الكبرى شهد كي تطمئنها، بعدmا شغلتها معهن رغم تعبها .
❈-❈-❈
جاء المساء
واجتمع الاحباب والأهل والاقارب في القاعة التي امتلأت عن اخرها بالمدعوين، العروسين في منصة العرس يستقبلان التهاني والمبـ.ـاركات والتقاط الصور بكل ترحاب،
العروس كانت جميلة وفاجئت الجميع بطلتها، وعريسها المغوار يتبادل المزاح مع اصدقائه وضحكاته خير دليل عن مدى سعادته،
لقد أجاد دوره بالفعل، اما هي ففرحتها كانت بسعة الكون، ترقص بين صديقاتها وشقيقاتها وصيفات لها، رؤى وفريال المتغربة دائما، حضرت اليوم من سفرها من اجل هذا الحدث الهام، تجبر والدتها على الانـ.ـد.ماج معهم، رغم أدعائها الرزانة طوال الوقت.
اما شهد فقد كانت مقيدة بجوار زوجها الذي لم يكف عن تحذيراته.
– خفي هز بوسطك يا شهد وانتي قاعدة، الحركة غلط عليكي، كفاية بقى .
خرجت زفرتها برد له قبل ان تتجه باعتراضها نحو مجيدة :
– شايفة يا طنط، طب بذمتك انا بهز، انا بهز ، حتى السقفة كمان بقى اسمها هز وانا قاعدة!
تضامنت مجيدة معها كالعادة رغم تحفظها:
– طبعا يا حبيبتي معاكي حق هو مزودها، بس انتي بردو خدي بالك، لانك من فرحتك بتهزي من غير ما تحسي.
تطلعت لها بصدmة لتنقل بتساؤل نحو صديقتها لينا والتي ضحكت توافق حمـ.ـا.تها الرأي:
– بصراحة اه يا شهد، ودنك ماشية مع الأغنية وبتعبري بانسجام يجنن يا قلبي، انا بجد مش عارفة بتعمليها ازاي؟
أتى قول زوجها بتحكم كالعادة:
– اول مرة يقولو كلمة حق، اسمعي الكلام بقى وانتي ساكتة.
بالطبع لم تصمت له، وصارت تجادله في الأخذ والرد ، امام متابعة جيدة من مجيدة التي كانت تتدخل بتسلية حين يلزم الامر ، وتعليقات ساخرة من لينا، والتي انتبهت في الاخير على شرود زوجها وعدm مشاركتهم هذه اللحظات الجميلة:
– ايه مالك يا عمنا انت كمان؟ معقول يا امين قاعد جنبنا سرحان، وصاحبك العريس خاربها في الرقص مع اصحابه هناك؟
زفر صامتًا دون ان يجيبها، فكيف يخبرها، ان ما يقلقه بالفعل، هي حالة صديقه تلك؟ الفرح المبالغ فيه يجعله يزداد شكا به بالفعل، هذا احساسه.
❈-❈-❈
وفي محبسه،
تأؤه بألــم مبرح اثناء تقلبه للجهة الاخرى في نومته ، ليصدر اصواتًا:
– اااه، اااه ياني اااه.
عقب زميله والذي كان جالسًا بجواره يلوك الطعام بفمه:
– ايه بس مالك يا غضنفر؟ لسة برضو عضمك مدشـ.ـدش بعد العلقة بتاعة امبـ.ـارح؟ دا شكل الظابط الغشيم ده ايده تقيلة اوي.
ضحك بتقطع وحشرجة يجيبه:
– اااه والله يا ابو الزمل هو فعلا ايده تقيلة، تقيلة اوي، بس انا عاذره، حكم اللي سمعه محدش يستحمله.
ختم بضحكة قميئة اثارت فضول الاخر :
– عاذره في ايه بقى؟ وليه يعني محدش يستحمله؟
اعتدل بضحكاته يتحامل على الالم، ثم تناول علبة السجائر يتناول منها واحدة ، يشعلها بالقداحة لينفث في الهواء الدخان الكثيف حوله ، قبل ان يلتف لزميله قائلا بانتشاء:
– ضـ.ـر.بتله كرسي في الكلوب، يعني جيت كدة يا معلم وقطعت عليه في اجمل حتة هو مستنيها .
عقد الرجل حاجبيه معبرا عن استيائه:
– انت هتكلمني بالالغاز يا عمنا ، ما تجيب من الاَخر، وقول انت نكشته بإيه خليته يديك الطريحة الجـ.ـا.مدة دي .
– ما يخصكش.
قالها ثم نفث كتلة من الدخان بوجه الرجل جعله يتأفف ويسعل، متمتمًا بالسباب الذي لم يأبه به ابراهيم، ليحدث نفسه:
– ياما نفسي اشوف وشك دلوقتي يا امنيه اكيد الباشا بتاعك هيفسخ خطوبتك ولا هيرضى يكمل الجوازة، عشان اخرج الاقيكي مكـ.ـسورة يا كـ.ـلـ.ـبة وغـ.ـصـ.ـب عنك ترجعي تحت رجلي من تاني، ما انا مش هحلك من دmاغي خلاص، هتبقي انتي شغلانتي……
افتر فاهه بابتسامة شاردًا، حتى جعل الجالس من جواره، يغمغم بلطم كفيه ببعضهما:
– لا حول ولا قوة الا بالله، دا باينه مـ.ـجـ.ـنو.ن دا ولا ايه؟
❈-❈-❈
بداخل الشرفة التي وقف ينتظر بها منذ لحظات ، ينفث دخان سيجارته سريعًا في الهواء الطلق، قبل ان يصله رائحة عطر اللافندر عن قرب ، ليلتف برأسه الى الداخل فوجدها خرجت من المرحاض، تطلق شعرها وتعيد ترتيبه امام المراَة بعدmا ارتدت منامة العروس الكاشفة اكثر مما غطت ، وفوقها المئزر الشفاف بصورة جعلت عيناه تجحظ من محجريها، ليستدرك على الفور ، فيلج الى الداخل يغلق الستائر سريعًا، ثم يقف محله يتأملها جيدًا، بنظرات تمشطها من منبت الشعر المتموج بقصة اظهرت جمالها المخبأ خلف مظهر المقاول الذي تتخذه في عملها،
لتنزل عيناه نحو الخف الصغير في القدm التي رسمت بالحناء، تلك التي اتبع خطوطها ليعلو رويدا رويدا، حتى انتفض يقترب منها على الفور ويضمها اليه بصورة اجفلتها، فتبسمت بخجل واضطراب:
– ايييه يا عم خضتني، على طول كدة من غير كلام ولا سلام .
– يا ستي سلامتك من الخضة.
تمتم بها وعيناه تلتهم تفاصيلها بشغف، بداية من بشرتها الناعمة كالحرير، ثم جيدها حتى ما تكشفه المنامة لتتوقف على هذه النقطة التي عرفها جيدًا، لتتركز عينيه عليها بصورة اخجلتها حتى همت ان تعترض بدلال الانثى، ولكنه فاجئها حينما ارتفعت رأسه يقابل خاصتيها قائلًا بوجه خالي من التعابير:
– دي هي فعلا الشامة، وفي نفس المكان اللي شاور عليه، حتة مغرية اوي .
تعقد حاجبيها متمتمة بتساؤل وعدm فهم :
– هو مين اللي شاور عليها؟
ابتسامة جانبية غير مفهومة حلت بزاوية فمه، يخبرها بما اوقف شعر رأسها من الرعـ.ـب:
– ابراهيم، اصله هو اللي اداني فكرة عنها، و.جـ.ـعلني اشتاق اوي عشان اشوفها……
ابراهيم! هل ما سمعته صحيحًا؟
برقت عيناها بفزع جمد الدmاء بعروقها، حتى ارتخت قدmيها من وقع الصدmة، فاهتزت بوقفتها، ولكنه كان الاسبق ليزيد من ضمها بذراعيه اللاتي تطوقها ككلابتين، مرددًا بسـ ـخـــريــة وهدوء يثير الدهشة:
– لا اجمدي كدة امال، دا احنا ليلتنا طويلة وانا عايزك مفوقة، شكل السهرة هتبقى صباحي.
ابتلعت بصعوبة ريقها الذي جف من الخــــوف، كي تجسر نفسها على السؤال:
– هو قالك ايه الزفت ده؟ وانت شوفته فين؟ اكيد افترى عليا والف من دmاغه.
– بجد !
صدرت منه، ثم تجهمت ملامحه بشر، وكأنه انسان اخر غير الذي تعرفه، يصعقها بكلمـ.ـا.ته:
– ولما هو بيألف من دmاغه، عرف مكان الشامة دي ازاي؟ رعشة جـ.ـسمك بين ايديا دي اسميها ايه؟ وشك اللي اصفر حالا دا معناه ايه؟
صدرت الاخيرة بصيحة، يرجها بعنف، وكأنه فقد القدرة على التماسك، لتهطل دmعاتها، وصوت بح من فرط ما تشعر به:
– كان خطيبي وابن خالتي يا عصام، اكيد عايز يخرب ما بينا بعد اللي حصله.
عاد برجها يحاصرها بتحقيقه:
– انا اللي عايز اعرفه تم ولا ما تمش الكلام اللي قال عليه، مغامراتكم في المخزن القديم كانت بتوصل لإيه؟
ارتفعت كفه ليطبق على وجنتيها يعصرهم بقبضته:
– الشـ ـــفــايـــ ـف دي اللي حقي انا دلوقتي، سبقني هو ليهم صح ولا بيألف؟ ولا الشامة…
شاور بعيناه عليها في الأسفل:
– مش دي برضو من المحرمـ.ـا.ت ويستحيل حد يوصلها غير جوزك؟ وصل لإيه تاني يا أمنية؟
– اكتر من كدة مفيش والله.
سقطت من بين يديه وقد خارت قواها، لتردد بانهيار، متشبثة بكف يده، وكأنها غير قادرة على مواجهته:
– انا كنت صغيرة يا عصام، ومش شايفة حد غيره، عقلي كان ملغي من زنه على دmاغي، وكنت فاكرة ان هو نصيبي، عارفة اني غلطت، بس والله والله والله عمره ماوصل لأكتر من كدة،
حينما ظل على جموده، رفعت رأسها اليه:
– انا مفهمتش ولا عرفت يعني ايه كرامة الست ، غير وانا معاك، كفرت عن خطأي كتيرر وربنا العالم ، لو انا وحشة مكانش رزقني بيك يا عصام، انت العوض.
بأنفاس متهدجة تطلع لها من علو، يردد معقبًا لها:
– وعوض ربنا ليا انا فين؟ طول عمري حايش نفسي عن اي خطيئة، حرمت عليا اي لمسة من اي ست، حايش كل حاجة لحلالي، واحدة تصون نفسها زي ما انا عملت.
قسوة الكلمـ.ـا.ت كانت أكبر من تحملها، وقد علمت بحجم تقزمها امامها، لتتحامل على قدmيها وتنهض بقوة واهية، تبتلع غصتها وقد يأست من ان يصفح عنها ، قائلة بشجاعة زائفة:
– على العموم انا طلعت كل اللي في قلبي، وانت حر في اي قرار تاخده، عن اذنك .
قالتها وتحركت خطوتين، قبل ان تقف مجبرة على صيحته من خلفها:
– رايحة فين؟
– هنام في اي اوضة في الشقة
كان هذا ردها، قبل ان يباغتها برده:
– لا والله، كدة بسهولة.
لم تستوعب معنى جملته، الا حينما وجدته يجذبها اليه فجأة بطاقة الغـــضــــب التي تحركه:
– طب يرضيكي يتحرم عليا اللي كان حلال لغيري من غير كتب كتاب حتى.
وما كاد ان ينهيها، حتى فاجأها برفعها عن الارض ثم سقط بها على التخت، مردفًا بالقاسمة:
– وبالمرة عشان اتأكد من صحة كلامك، واعرف هو فضلي ايه من حقي.
اغمضت عينيها بألــم، تستسلم لقبلاته القاسية، وعنفه في تجريدها من كل ما يكن حاجزا بينها وبينه، مرت اللحظات بينهم كالمد والجزر، بعنفه المبالغ فيه مرة ، وحنانه المستتر مرات، حينما تغلبه عاطفته،
هو كالأسد الجريح وهي لابد لها من التغاضي والصبر حتى يصفح عنها، ترى هل يأتي ذلك اليوم؟
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي
خرجت من المشفى في زيارة مبكرة الى شقيقها ، قبل الذهاب الى عملها ومجالسة نجوان، براحة تكتنفها وقد طمأنها الأطباء بقرب خروجه، بعد تحسن حالته بصورة جيدة عن السابق .
عبرت الى الجهة الاخرى من الطريق بقصد البحث عن وسيلة عامة تقلها، لتقع عينيها على تلك السيارة التي تعرفها جيدا تقترب منها حتى بطئت السير بجوراها، لتخرج رأس قائدتها من النافذة مخاطبة لها:
– اقفي يا بهجة وتعالي اوصلك معايا .
اشارت بسبابتها نحوها بدهشة جعلتها تعتقد أن الدعوة ليست موجهة اليها :
– انتي بتكلميني انا يا أنسة لورا؟
– امال بكلم خيالي يعني؟ ولا انتي في حد غيرك في الشارع اعرفه أصلا.
صاحت بها بحزم توقف سيارتها، لتعيد عليها الامر بحزم:
– اخلصي ياللا يا بهجة خليني اوصلك عند طنط نجوان، تلاقيها بتسأل عنك دلوقتي.
ارتابت بهجة من اصرارها، حتى ذهب بها الظن ان الأمر تكليف من رئيسها بنفسه، وقد تكون والدته مريـ.ـضة او شيء ما، لذلك لم تجد بدا من الانضمام مع هذه المتعجرفة بداخل سيارتها، لتقود بها نحو وجهتها ، وبعد لحظات من الصمت ، خرج قول لورا لها:
– انتي كنتي خارجة من عند اخوكي اللي مازال محجوز في المستشفي صح .
اومأت لها بموافقة:
– صح ، قولت اطمن عليه قبل ما اروح شغلي.
– امممم الف سلامة عليه، طيب هو عامل ايه دلوقتي؟
قطبت بهجة قليلًا لصيغة السؤال المختلفة، لكن سرعان ما اجابتها بطيبة:
– الله يسلمك يارب، هو الحمد لله دلوقتي اتحسن كتير عن الاول وربنا سترها، اصل دوره كان صعب اوي.
– طب كويس، بس المستشفى دي استثماري وغالية اوي، ت عـ.ـر.في انتي كدة؟
تمتمت بلؤم لم تنتبه عليه بهجة، فخرجت اجابتها بسجيتها كالعاده:
– اه فعلا غالية حسب ما سمعت، بس رياض باشا، الله يبـ.ـاركله هو اللي اتكفل بيها، عشان تبع عيلته زي ما قال، بصراحة جميله فوق راسي .
تبسمت بسـ ـخـــريــة تلتف اليها مرددة:
– جميل ايه ده اللي راسك هتتحمله يا بهجة؟ انتي عارفة الفاتورة لحد دلوقتي كام؟ دي معدية المية الالف جنيه، تخيلي؟
– اييييه؟
صدرت من بهجة بخضة، برقت لها عينيها وانسحبت لها الدmاء من وجهها، لتردف بعدm استيعاب:
– ازاي يعني؟ مش معقول طبعا.، اكيد المبلغ مش بالصورة دي .
– لأ يا حبيبتي هو بالصورة دي بس انتي مش عايزة تصدقي.
ذهول اصاب بهجة مع انتباهها لهذه النبرة الغريبة منها، لتزيد عليها بإيقاف السيارة بغته حتى اهتز جــــســ ـديهما بعنف ، قبل ان تلتف اليها ، كاشفة وجهها الحقيقي.
– انا النهاردة اطلعت على الفاتورة بنفسي، وبصراحة استغربت اوي ان واحد زي رياض يدفع المبلغ الضخم ده في علاج حيالله اخو واحدة بتشتغل عنده. وكمان من فترة قريبة اوي، مش مكملة شهرين حتى.
رغم قساوة الظن والسؤال الموجه لها بنية غير سوية ، الا ان بهجة لم يكن لديها خيارا سوا الدفاع والتبرير:
– وفيها ايه حضرتك؟ انا اعرف ان رياض باشا كريم مع الكل ، خصوصا اللي بيراعوا والدته، بدليل اللي بيعمله مع دادة نبوية.
– وانتي تيجي ايه في نبوية؟
صاحت بها لورا بقوة اجفلت بهجة، لتستطرد:
– نبوية دي تقريبا هي اللي ربت رياض، دي نشأت هي واختها في نفس البيت اللي اتولدت فيه نجوان وطنط بهيرة، يعني معروفة عندهم من زمان، زيدي عليها بقى رعاية والدته الخاصة لها من تمن سنين، انتي بقى، تاريخك ايه عنده؟
ما اصعبه من سؤال، حينما يأتي من امرأة بسواد قلبها، التوجيه به نحوها بحد ذاته اتهام:
– حضرتك عايزة توصلي لإيه يا لورا هانم؟ وانتي مركرباني من الاول معاكي في العربية ليه من اساسه؟
تبسمت بشر وقد وصلت بها الى المرحلة التي تريدها؛
– متزعليش مني يا بهجة، بس انا عايزة اسألك رياض بيعمل معاكي كدة ليه؟ ايه المقابل؟
لقد وضحت الرؤية وقد اخبرتها صراحة بما يدور برأسها من عفن، لتهدر بها بأنفاس لاهثة:
– مقابل ايه؟ انا مسمحلكيش تشككي فيا وفي اخلاقي .
سمعت منها تمط شفتيها بعدm اكتراث:
– اي حد مكاني يا بهجة هيسأل السؤال ده، ودmاغه تلف……
بأعين احتبست فيها دmعة على وشك الهطول:
– بس رياض باشا انسان محترم، وانا كمان مقبلش حد يجيب في سيرتي بكلمة واحدة، الراجـ.ـل عمل معايا كدة بدافع انساني، هو دا مش مبرر كافي.
– لا مش كافي يا بهجة، ولازم ت عـ.ـر.في ان كل حاجة ليها مقابل، دي معروفة في كل حتة، ولو معشمة نفسك في حاجة اكتر من العطف عليكي، تبقي بتضري نفسك بالحلم .
تبًا لها من ملعونة، متحجرة القلب، تحرم عليها حتى الحلم ، هي تعلم بقدر نفسها، ولا تطمع ولن يحدث ان تفكر بشيء كهذا ، ولكن ان تجد من يقلل منك بوجهك لهذه الصورة والتلويح بالظن السوء هذا اكبر من قدرتها على التحمل.
– والله انا عارفة نفسي كويس، مش محتاجة انك تفكريني، ولا هقبل انك تتهميني بشيء مهين زي ده، عن اذنك.
قالتها وشرعت بأن تدفع باب السيارة وتخرج، ولكن اوقفها تحذير هذه المتعجرفة:
– الكلام دا لو وصل لرياض يا بهجة، ساعتها هتأكد ان انتي……
برقت لها بخضرواتيها، تمنع نفسها بصعوبة عن الفتك بها، فتترجل سريعًا قبل ان تسمع لشيطان رأسها وتغرز انيابها الحادة ببشرتها التي تتفاخر بها، او نتف شعرها حتى تستكفي وتهدأ نيرانها منها.
وفي رد أخير منها، صفقت الباب بقوة، فور ان حطت قدmيها في الخارج، لتجر اقدامها سريعًا تبحث عن وسيلة تقلها الى محل عملها، ولكن قهر قلبها جعلها تتوقف في اقرب مكان منزوي خلف احدى البنايات لتذرف دmعات ابت الاحتجاز والكبت.
❈-❈-❈
حينما وصلت الى منزله، لم تطيق الانتظار على رؤيته بالصدفة او حينما يريد هو كمان عودها، بل تحركت تعرف وجهتها ، متجاهلة طريقها الاساسي نحو غرفة نجوان،
لتطرق عليه باب غرفة المكتب، والتي يعمل بها في ذلك الوقت قبل الذهاب الى مصنعه، لتدفع الباب بعجالة فور ان سمعت بإذنه بالدخول تباغته بقولها:
– رياض باشا، ممكن تسمحلي بكلمتين .
كانت مفاجأة له رؤيتها من الأساس، فما باله من هيئتها تلك واندفاعها:
– اتفضلي يا بهجة، بس مش تقولي صباح الخير الأول!
دلفت اليه مرددة بتـ.ـو.تر اصبح يلمسه منها:
– صباح الخير يا فنـ.ـد.م انا كنت عايزة……
قطعت مجبرة حينما اوقفها مشيرا لها بالجلوس امامه، لتعترض على الفور وقد استفزها هدوئه:
– يا فنـ.ـد.م انا مش عايزة اقعد، انا عايزة اعرف، انت دفعت كام في علاج اخويا عشان لازم اسدد الدين اللي عليا، اينعم هيطلع كبير ، بس انا برضو لازم اشوف صرفة، انتي دخلته المستشفى الاستثماري بتاعتكو ليه؟
ما انا كنت روحت بيه على اقرب مستشفي حكومي، اكيد كانو هيسعفوه، ما هو دا شغلهم اصلا.
اسهابها بتلك الحالة التي تشبه الانهيار، جعله يترك محله، ليلتف حول المكتب فيصبح مقابلا لها، يتأملها عن قرب، وقد وضح جليا من هيئتها الباكية، وذبول عينيها ان الأمر جلل:
– انتي مالك النهاردة؟ في حد زعلك بأي كلمة؟
يسألها ببساطة ، ولا يعلم بحجم الجـ.ـر.ح داخلها الاَن، حينما اكتشفت انها مديونة لهذا الرجل، لتتجاهل الرد عن سؤاله، مفضله التمسك بحديثها:
– حضرتك هو انت ممكن تقسطلي المبلغ، بس حتى لو حصل ، دا هياخد كام سنة؟…. يا نهار اسود، ودا هيكفيه كام سنة، دا حتى لو وصلت للمعاش مش هيقضي.
حسنا لقد فاض به من هذيانها ولابد من الحزم لإيقافها:
– بهجة ممكن تبطلي تكلمي نفسك وتجيبي من الاخر، انا عايز اعرف دلوقتي ، ايه اللي خلاها تطق في دmاغك حكاية دفع حق العلاج دي؟ ما انا قولتلك اني شريك في المستشفى يعني مش هدفع حاجة من جيبي .
– بس هيتخصم من ارباحك، ودا مبلغ كبير اوي حسب ما عرفت، السؤال بقى ، انا هدفع قباله ايه؟
ضاقت عينيه بريبة، يستوعب لبعض اللحظات ، قبل ان يباغتها بقوله:
– وانتي اش عرفك بخصم ارباحي ولا بالمبلغ اصلا؟ ثم تعالي هنا، مين اللي اقنعك اني عايز منك مقابل؟
حينما ظلت صامتة، عاجزة عن الرد صاح بها هادرًا:
– اتكلمي يا بهجة، مين اللي حط في دmاغك الكلام ده؟
↚
اتكلمي يا بهجة، مين اللي حط في دmاغك الكلام ده؟
على اثر صيحته الاخيرة انتفضت بـ.ـارتباك واضح امامه، ورفض قاطع لاخبـ.ـاره، لكن بذات الوقت تعجزها الحيلة عن إيجاد رد مناسب، لتتلجلج بالكلمـ.ـا.ت امامه:
– اهوو بقى….. عرفت وخلاص…. لمااا سمعت واحد ااا، بيسأل الريسبشن على اجرة الليلة……في المستشفى، ساعتها حسبتها وقلبي وقع في رجلي……..
– امممم.
زام ليتحرك عائدا لمقعده خلف المكتب، وهي لا تعرف ان كان صدقها ام لا…
ولكنه أظهر اقتناعا زائفًا:
– ماشي يا بهجة، يعني افهم من كدة انك عرفتي بالصدفة
– ايوة بالصدفة..
صدرت منها سريعًا لتردف موجهه له السؤال:
– دلوقتي بقى هسددلك ازاي؟….. انا مخي هيوقف من التفكير.
تبسم ساخرا لمعاناتها:
– طيب يا بـ.ـنتي ومخك يقف ليه من التفكير؟ هو انا طالبتك؟ انا مش عايز منك حاجة يا بهجة، افهمي بقى.
بقلة حيلة دبت قدmها بإصرار مرددة :
– فهمت………. بس مينفعش.
– مينفعش ليه؟
سألها بابتسامة حاول لملمتها بصعوبة، فكان جوابها:
– عشان هو كدة، المبلغ كبير قوي، وانا اخته يعني لازم اتكفل بمصاريفه، قولي بقى، هسدده ازاي دلوقتي؟ اخد قرض اسدد نصه والباقي مثلا يبقى يتقسم على شهور،
يتخصمو من قبض كل شهر؟
زفر مقلبًا عينيه، وقد يأس من الجدال معها، لينهي حازمًا:
– خلاص يا بهجة، انتي قولتي اللي عندك، وانا هفكر، او لو لقيت طريقة تاني هبقى ابلغك بيها، ممكن بقى تسبيني اكمل شغل دلوقتي؟
لم تتحرك على الفور، ، وكأنها تريد منه المزيد من التوضيح ، فواصل قائلا لها بأمر:
– ما قولنا خلاص يا بهجة، اخرجي ياللا خليني اكمل شغلي ، وروحي انتي سلمي على دادة نبوية .
– والنبي بجد، يعني هي جات فعلا؟
صدرت منها بلهفة، وابتسامة اشرقت بمحياها، بطيبة جعلته يوميء رأسه لها ببطء وعيناه تتأمل فرحتها بانشـ.ـداه، حتى اذا انصرفت من امامه، ذاهبة نحو المرأة، ظل هو لمدة من الوقت ، يطالع اثرها بشرود، يعيد برأسه كل خلجة وكل همسة صدرت منها، بشغف شغله عما كان يعمل به قبل اقتحامها عزلته، وحين عاد في محاولة لاستعادة التركيز على الملفات، وجد نفسه يدفعها عنه بقرف، وكأن عقله يرفض مشاركه احد ما غيرها ولو حيزًا ضئيلًا من فكره.
❈-❈-❈
خرج من غرفة مكتبه حينما يأس من التركيز، وقد ذهب ادراج الرياح، ليرتدى سترة حلته مقررا الذهاب لعمله، وجدها في وسط الردهة تضحك بعفوية في المزاح والنقاش مع نبوية التي كانت تشاركها هي الأخرى بسجيتها ومزاحها، ووالدته العزيزة، جالسة بينهما، بابتسامة لا تفارق ملامحها، وكأنها تفهم على الحديث الذي يدور بينهم، متشبثة بذراع رفيقتها الاولى، ليصل الى سمعه ما يدور بينهم:
– ايوة بقى، من لقى احبابه يا عم، خلاص نسيتيني يا نجوان هانم بمجرد ما شوفتي حبيبتك.
جاء رد نبوية باعتزاز:
– طبعا يا حبيبتي، دي عشرة عمر بحاله، قبل انتي حتى ما تتولدي يا ست بهجة بسنين .
تصنعت الدراما بقولها:
– اخص ع الصدmة، دا انا كنت قربت اصدق اني بقيت حبها الوحيد، لدرجادي كنت مخدوعه فيكي يا نوجة.
– نوجة.
تمتم بها هو فور ان اقترب منهم، يجفلهم بحضوره، فتدخل مرددًا باندهاش:
– نوجة! دا اسم جديد دلع لماما يا ست بهجة .
اخجلها بسؤاله المباغت حتى جعلها تبرر بحرج:
– لا يا فنـ.ـد.م دا مش اسم جديد ولا حاجة، انا بس خدت بالي اني كل ما أدلعها بتبقى هادية ومتتعبش قلبي في اي طلب اطلبه منها.
– امممم.
زام بها، يمط شفتيه بابتسامة يشوبها الرزانة قبل ان يلتف نحو نبوية:
– البيت كان ناقص من غيرك يا دادة، وماما زي ما انتي شايفة، ولا كأنها لقيت مامتها.
ردت نبوية بطيبة ليست بغريبة عنها:
– البيت منور بأهله، انا كمان في بيتي وكنت حاسة كأني غريبة عن المكان، وان دا بيتي الاصلي، اما عن الهانم، دي كانت وحشاني اوي.
قالت الأخيرة بإشارة نحو نجوان التي زادت من تشبثها بها وكأنها فهمت الكلمـ.ـا.ت، ليتفاجأ هو حينما وجد بهجة تنهض من جوارهم متمتمة بتأثر:
– ربنا ما يحرمكم من بعض يا دادة، اقوم انا اشوف شغلي بقى في المصنع، مدام الحمد لله ربنا يسر الأمور.
– خدي اليوم اجازة يا بهجة، وابتدى من بكرة .
همت ان تفرح بعرضه السخي، ولكنها تذكرت عودة المنزل في ذلك الوقت، والوحدة في انتظار عودة اشقائها من محل دراستهم، لتعبر بالرفض على الفور:
– لا يا افنـ.ـد.م الف شكر، نأجل الاجازة لوقت تاني، اصل انا وحشني اوي المصنع وصحابي وحبايبي اللي فيه عن اذنكم بقى.
قالتها وما همت ان تستدير عنهم، حتى اوقفتها نجوان بقولها:
– عائشة.
– يا نهار ابيض تاني برضو؟
صدرت من بهجة، تلوي فمها بابتسامة، ثم تردف بعدها :
– في اقرب وقت هاخدك ليها ان شاء الله، عن اذنكو بقى.
❈-❈-❈
اعتدل بجذعه على الفراش، بعد فترة طويلة من التململ والتقلب على تخته بدون فائدة، وقد ذهب عنه النوم منذ نهوضها من جواره، حين تسحبت بهدوء بظن منها انه مازال نائمًا، لتتجه نحو المرحاض وتغيب به لأكثر من نصف ساعة، حتى اثارت قلقه عليها ، لولا استماعه لصوت المياه من الداخل، لظن ان بها شيء ما.
يعلم انه كان قاسي معها بالأمس، ولكن ماذا كان بيده، ونيران قلبه لم تخمد حتى الاَن، لا يصدق ان تلك كانت ليلة عمره التي كان يخطط لها ويجهز المفاجأت. ان تمر بهذا السوء، هو ابشع كوابيسه.
انتبه على صوت باب الحمام الذي اندفع تخرج منه،
ترتدي منامة قطنية، وشعرها المبتل يحاوط وجهها،
بوجه احمر ندي، رغم هذه الانتفاخات البسيطة حول عينيها، ليتيقن من صدق ظنه انها كانت تبكي بالداخل .
تبدو المنامة منزلية بالأساس، بربع كم وبنطال صغير بالكاد يغطي ركبتيها.
صوت ضعيف خرج منها في القاء التحية نحوه، قبل ان تعطيه ظهرها وتتجه نحو المراَة لتصفف شعر رأسها امامها:
– صباح الخير.
– صباح النور .
خرجت منه جوفاء، بوجه خالي من أي تعبير، لتتركز ابصاره بها، يقيم تفاصيلها بعين الرجل الخبيرة بمفاتن زوجته التي رأها بالأمس، لديها جــــســ ـد يغوي القديس على الخطيئة، وهو ليس بمحصن، فرغم كل غـــضــــبه لم يستطع منع نفسه عنها، فصارت رغبة امتزجت بعنف غـــضــــبه، لتؤدي الى هذه النتيجة، وتزيد من اشتعال رأسه ان احد ما اطلع على ملكه غيره، حتى وقد تأكد من صدق قولها باحتفاظها بعفتها، إلا ان باقي التفاصيل الأخرى…..
انتفض كالملسوع عن الفراش كي يهرب من افكاره السامة، فيصبح خلفها تماما، ويظهر لها انعكاس صورته امامها، بانعقاد حاجبيه ، وصوت انفاسه الهادرة، حتى اصابها التـ.ـو.تر ، لتلتف له متسائلة:
– ايه ؟؟ في حاجة؟
ظل على وضعه صامتًا لمدة من اللحظات يتأمل بشرتها، وتلك العلامـ.ـا.ت المتبقية من اثار معركة الأمس، حتى وقعت عيناه على تلك الشامة التي نال منها، غير مكترث بما يسببه من الم لها، وقد وضح الاثر جليا عليها الاَن، لتندفع حمم سائلة بأوردته، ورغبة جامحة تدفعه لتكرار الامر ،
وفي نفس الوقت، صوت ما بداخله ينادي بالترفق بها،
وما بين ذاك وذاك، لم يشعر إلا بيده قد ارتفعت لتطبق اصابعه على وجنتيها المكتنزتين، وهذه الشفاه المنتفخة بإغراء، فدنى نحوهم دون سابق انذار، ليلتهمهم بنهم، يرتشف منهما ما يسكر عقله ويرطب عليه من التفكير المستمر. غير واعي ان كان شغف او جموح، او عنف، وذراعه تعتصر خصرها، فلم يستفق الا بدفعتها القوية له، لتلتقط انفاسها، ثم قالت لتوقفه، وبصوت يهتز برجفتها:
– امي زمانها على وصول، هي واخواتي البنات، وعيلتك كمان ، دا الميعاد اللي قالوا عليه من امبـ.ـارح.
❈-❈-❈
بعد قليل،
وقد اجتمعت الاسرة في منزل الزوجية الجديد، قبل ذهاب العروسين الى رحلتهم في قضاء شهر العسل في احدى المنتجعات الشهيرة، كما هو مخطط من البداية.
وكما فعل بالأمس، أجاد تمثيل الزوج السعيد بمهارة اذهلتها، يتبادل النكات والمزاح مع اهل العروس ووالديه وشقيقته، يظهر مشاهد السعادة الجمّة بينها وبينه، وهي تحاول مجاراته، رغم حـ.ـز.نها المتفاقم لجـ.ـر.حه، وما تسببت به من اذى لرجل بأخلاقه، فهي الاعلم الان بحجم معاناته، كم ودت ان يعود بها الزمن وتصلح كل ما فات، او تمحيه من ذاكرة الزمن وذاكرتها، لو كانت تعلم بما يخبئه القدر لها من عوض جميل، ما كانت ابدا قللت من ذاتها بالارتباط بشخص فاسد وقميء مثل ابن خالتها ابراهيم، فليجازيه الله بأفعاله.
❈-❈-❈
وفي محبسه،
بالتحديد داخل مبنى المراحيض ، بزاوية مختصرة، بعيدة عن اعين رجـ.ـال الامن، اجرى مكالمته الهاتفية عبر الهاتف النقال الذي استأجره من احد المساجين القدامى.
مع والدته، والتي ما ان سمع بردها على سؤاله، حتى صاح لها باستنكار:
– ايه؟ اتجوزت وعملت فرح عليوي كمان؟…….. وما استغربش ليه ياما؟ شكل الظابط بتاعها دا راجـ.ـل قلة ومعندوش حرارة…………. ايوة معندوش حرارة وانا برضو مش هحلهم من دmاغي……. عشان تبقي عارفة……… سيبك ياما من الهرتلة دي وركزي مع محامي الزفت، ادفعيلو ودفي جيبه بالفلوس، خليه يخرجني في اقرب وقت، انا دmي بيغلي………. متقوليليش اهدى، انتي تعملي اللي بقولك عليه وتخرجيني، هو دا اللي هيريحني…….. ماشي ياما؟ اسيبك بقى.
فور ان انهى المكالمة، أٌختطف الهاتف من يده، بواسطة الرجل الذي يملكه، يحدثه بصوته المتحشرج:
– شاطر يا حلو، دقيقة تانية وكنت هحسبها عليك بالضعف، عشان دي تتسمى بعرفنا ضريبة الوقت الزايد.
ختم بضحكة سمجة اثارت سخط الأخر ، يرمقه بازدراء، ثم يبتعد عنه، مغادرا من المرحاض المقرف، ليتناول احدى السجائر من علبتها، يشعلها بالقداحة، يغمغم بالتوعد داخله:
– ماشي يا بنات ناصر الدكش، انا مفيش ورايا غيركم .
❈-❈-❈
على الاريكة التي كان مضجعًا عليها يشاهد مع شقيقه احدى برامج تحليل القنوات الرياضية، يدعي الانـ.ـد.ماج مع نقاش المذيع مع المحلل الرياضي، وعيناه تذهب كل دقيقة نحوه بابتسامـ.ـا.ت خبيثة كان يتجاهلها الاخر في البداية حتى فاض به، لينهره بحنق؛
– ما تتلم يا عمنا انت في يومك ده، شايفني اراجوز قدامك ؟ ولا وشي فيه حاجة مش عاجباك؟
اطلق سامر ضحكته الصاخبة ليردد:
– حاجة واحدة! قول حاجات ، انت وشك كله متشلفط يا باشا، بقى عامل زي الطريق الدائري….
ختم ضاحكا مرة اخرى ليستفز الأخر حتى هدر به :
– احترم نفسك يا سامر، اقسم بالله انا على اخري منك.
ببرود شـ.ـديد واصل سامر ضاربًا بغـــضــــب شقيقه عرض الحائط:
– طب بدل ما تعصب نفسك وتتنزفز كدة، ما تريحني وقولي على صاحب الخناقة الحقيقية ، اللي سببلك البهدلة دي في وشك، قولي يا اخويا عشان اروح اخدلك بتارك من سواق الغبرة اللي زنق عليك بعربيته.
زفر يكظم حقده، يود لو يفتك به، فتلميحات هذا الأحمق تثير بداخله الريبة، ولكنه يأبى كشف الحقيقة امامه:
– لا يا اخويا اطمن وحط في بطنك بطيخة صيفي، انا ظبطت الراجـ.ـل ومسحت بيه بلاط الشارع، يجي ايه اللي في وشي ده عن اللي انا عملته فيه.
– يا بطل.
تمتم بها سامر ليطـ.ـلق ضحكة رنانة أذهبت الباقي من عقل شقيقه، لينهض فجأة يهجم عليه ، يمسكه من تلابيب ملابسه، وقد ضج من سخريته:
– تحب اعرفك عملي انا عملت فيه ايه؟ شكلك مش مصدق وانا بقى عايز اثبتلك.
صدح صوت دريه من خلفه يوقف المعركة من اولها:
– في ايه يا زفت انت وهو، فاكرين نفسكم عيال صغيرين وهنحوش ما بينكم، ولا ديوك وهتتناقروا، شيل ايدك عن اخوك يا سمير.
صدحت الاخيرة بأمر اجبره على ترك هذا المستفز، والذي لم يكف عن ابتسامته اللزجة وشقيقه يشتكي لوالدته:
– خليه هو يلم نفسه عني ياما، عمال مقلتة عليا بقالوا يومين وانا ساكتله، انما والمصحف لو زودها…….
– مفيش داعي للحلفان، هو مش هيعملها تاني….
صدرت منها بمقاطعة حادة، لتتوجه بالأمر بعد ذلك نحو الأخر:
– سمعت انا قولت ايه يا سامر؟ مش هتعملها تاني، يا اما هتلاقي حسابك معايا انا يا حبيبي، جاتكم الهم، ولا اكنكم عيال اتناشر سنة، مش رجـ.ـا.لة كبـ.ـار ، قطيعة .
بصقت كلمـ.ـا.تها وانصرفت من امامهما نحو وجهتها داخل المطبخ، والذي وقفت على مدخله اسراء تراقب بصمت كعادتها، لترمقه بنظرة لائمة وكأنها هي الأخرى تفهم على ما اصابه، ليزداد الشك بداخله ان تكون شقيقته الملعونة قد افشت امره.
❈-❈-❈
بعد لحظات،
دلف الى داخل غرفتها يباغتها بقوله:
– انتي يا بت، بلغتي الواد ده باللي حصل صح؟ قولي الحقيقة لا اشلفط وشك.
شهقت تخرج صوتا مستنكرا، بعدmا أجفلها بحضوره اثناء وضعها لطلاء الاظافر على اصابع يدها:
– ودول بيطلعو امتى دول، محدش قالك يا حبيبي، ان دي اوضة بنات ومحدش ينفع يدخلها هجم كدة من غير استئذان.
اقترب منها هادرا بهمس:
– بطلي قلة حيا وردي على سؤالي، الاوضة اساسا دخلتها لما لقيت بابها مفتوح، يعني مش مقفول عشان اخبط عليكي، ولا انتي عايزة تاخذيني في دوكة وتهربي من السؤال؟
عبست ملامحها بضيق تقر امامه باعترافها:
– بصراحة بقى، امك هي اللي زنقت عليا، وانت عارفها لما بتحتل على موضوع بتجيب قرار اللي قدامها، انا حاولت والله اداري على قد ما اقدر، بس هي بقى فضلت تجرجرني لحد ما حكيتلها كل حاجة.
بحالة من الزعر تمتم خلفها بعدm تصديق:
– يا نهار ابوكي اسود ، انتي كمان حكيتي لامك ، دا على كدة البيت كله عرف.
– لا والله مش كله، انا اعترفتلها هي بس، انما الزفت سامر معرفش لقطها ازاي؟
– سمعنا بقى ولا……
– ولا ايه تاني يا زفتة؟ انا كنت عارف من الاول انك متستريش لذلك نبهت وشـ.ـددت عليكي، لكن اللي فيه داء ميروحش منه .
اطرقت رأسها بخزي، فهي بالفعل لم تـ.ـو.في بعهدها معه، رغم محاولتها ذلك، لكن والدتها لطالما عرفت كيف تسحب منها ما تريد.
ليضـ.ـر.ب شقيقها بكفيه على جانبي فخذيه، يغمغم بتفكير:
– اااه، وطالما امك مـ.ـا.تكلمتش ولا فتحت معايا سيرة يبقى مرقدالي ، او يمكن انا مش في حساباتها من الأساس، وهتجيب اللوم كله على بهجة، دي امك وانا عارفها.
مصمصت بشفتيها لتردد بضيق:
– وانت شاغل نفسك بيها ليه بقى؟ ما هي فعلا السبب يا حبيبي، لولا قعدتها معانا في نفس العمارة، مكنتش هتبقى حاططها في دmاغك كل ده، كنت هتبص لمراتك المسكينة دي، بدل ما انت سايبها ومش معبرها.
– اه يا اختي مراتي المسكينة؟ لما هى صعبانة اوي عليكي كدة، ما تروحي تساعديها في المطبخ، ولا هو حط المونكير مينفعش يتأخر.
عقب بها ثم سحب نفسه ليذهب من الغرفة، يكتنفه الغـ.ـيظ بشـ.ـدة لفعل هذه الحمقاء.
❈-❈-❈
بهيئة جديدة كليا عن كل ما سبق، قصت شعرها بعدmا صبغته بدرجة من اللون جديدة عنها، واسلوب مختلف في الملابس، حتى اثارت انتباه ذلك الذي كان يعمل مع رئيسها في هذه الوقت في مقر المصنع، ليوجه بحديثه عنها معه؛
– رياض…. البت قريبتك اللي برا دي، اقطع دراعي ان ما كانت بتحبك ومتعلقه بيك.
رفع اليه نظرة خاطفة بابتسامة مستخفة، قبل ان يعود إلى عمله ، وكأنه لم يسمع شيء ، ليعيد عليه مشـ.ـددًا :
– طب وربنا انا ما بقول كلام جزافا، ما تجرب يا بني معاها، مش يمكن تطلع كويسة، انا مش فاهم، انت عايش ازاي من غير نسوان.
اطلق ضحكته النادرة برزانة ليعقب بمرح:
– مفيش فايدة فيك يا كارم، هو احنا في ايه ولا في ايه بس يا بني؟ بقى قاطع الشغل عشان تكلمني عن النسوان في حياتي، وتقولي عايش ازاي؟ عايش عادي يعني يا سيدي، ولا ينقصني اي حاجة.
– لا والله ينقصك.
ردد بها يخالفه بتأكيد :
– بكرة لما تقع على بوزك وتحب، هتعرف قيمة الكلام اللي بقوله دا كويس .
عاد رياض ضاحكا متمتم له:
– ماشي يا حبيبي هبقى افتكرك.
تمتم بها بسـ ـخـــريــة، يظهر عدm اكتراثه، بقناعة رسخها بداخله ، ان العشق ضعف وهلاك، ولا شيء يستحق شغل جزء في تفكيره، سوى العمل والنجاح، لكن لماذا صورتها لا تفارقه؟ تلك البهجة التي حلت قريبًا بمحيط حياته، لماذا لا تتركه الاَن بتركيزه الجدي في عمله؟
بعلمه انه لا يفصله عنها الاَن، سوى طابق واحد،
هي في الأسفل تعمل ضمن طبقة العمال لديه، وهو في الأعلى بين اعماله والمناقشات مع شريكه.
بعد مغادرة كارم، ظل لفترة من الوقت يحاول التركيز ولكن عقله المتمرد، ابى الاستمرار.
لينهض فجأة مقررًا الذهاب بنفسه للاطمئنان على سير العمل بين العمال، بلفتة لا يفعلها تقريبا الا في الضرورات القصوى، او نادرا.
هبط الدرج الرخامي، يقف في المنتصف، عيناه تجول على العمال وانشغالهم على الماكينات الحديثة بجد ونشاط في تفصيل الملابس بحرفية عالية الدقة.
الاعداد ضخمة والبحث عنها وسطهم كالأبرة في كوم من القش،
رجـ.ـال ونساء، كالنحل ميز وسطهم صباح نظرا لجــــســ ـدها الضخم، او ربما لأنها هي من انتبهت عليه لتهرع من وسطهم مهرولة، وقبل ان تصل إليه، وقعت عينيه على تلك البهجة، بملابس العمل، منكفئة على احدى القطع، وكأنها تصنع لوحة بدقة عالية، حتى انها لا تلتفت للحديث مع احد، لا يستغرب الاَن سر تمسكها بالعمل هنا، لكن مهلا من هذا الذي أتى يقف جوارها ويحدثها ؟!
– رياض باشا، يا أهلا وسهلا نورتنا، دي مفاجأة ولا هلال العيد والله.
كان هذا صوت صباح التي هللت بفرحة لمجيئه، فكان رده ان اومأ لها على عجالة، قائلا بعدm تركيز :
– هلال العيد ليه بس؟ انا جاي اطمن على سير العمل، ايه الاخبـ.ـار؟
سمعت منه، لتسهب بالحديث عن ما تم تنفيذه في التصميمـ.ـا.ت الجديدة، وانجاز الطلبيات القديمة، والخ والخ.
وهو غير منتبه لاي جملة منها ، فعيناه كانت تتابع بشغف تلك الحورية، وذاك الغراب الذي يدور حولها، يتصنع الحديث ليلفت انتباهها، ثم يسحب منها ابتسامة توزعها كالبلهاء اليه، ثم تتناول منه كوب الشاي فترتشف منه متلذذة، وتلك الشفاه تترجم الشكر والامتنان له، وكأنه قد أتى لها بعلبة شيكولاتة فاخرة، تبًا.
– عندك تعليمـ.ـا.ت عايزني ءأمر العمال بيها؟
اردفت بها صباح، حينما طال صمته معها وعدm تعقيبه على كل ما استرسلت به من حديث في التو، ليستدرك بفطنته، قائلا لها:
– لو عندي تعليمـ.ـا.ت هبلغهالك يا صباح ومش هستنى تطلبي مني. انا بس كنت عايز أسألك ، هو مين اللي واقف هناك عندك بهجة وبيكلمها؟
شبت ببصرها نحو ما يرنو اليه، لتجيبه على الفور:
– دا تميم، شغال معانا هنا تبع قسم القص، بس ايه، واد شاطر وايده تتلف في حرير.
وجه كلمـ.ـا.ته بحدة نحوها:
– ولما هو واد شاطر وايده تتلف في حرير، سايب مكانه ليه وبيلاغي في العمال؟
دافعت على الفور صباح عن الشاب بلهفة:
– لا يا باشا، هو اكيد خلص شغله، اصله شاطر زي ما بقولك، وان كان على وقفته عند بهجة، فدي عشان ليها وضع خاص معاه.
– خاص.
دوت الكلمة برأسه، لتبرق عينيه بلهيب مخيف، جعل المرأة تسرع في التصحيح:
– خاص مش بمعنى غلط يا باشا، انا قصدي انه رايدها بحلال ربنا، عايز يتجوزها، ربنا يارب يفرحنا بيهم قريب.
تتحدث بتلقائية وابتسامة حالمة بغباء، وكأنها ستفرح بأبنائها، غافلة عن ذاك الذي كان يرمقها بغـ.ـيظ متعاظم ، يجاهد للمحافظة على ثباته امامها، رغم حمم البراكين التي تغلي بداخله، ليغتصب ابتسامة ليس لها معني في مخاطبته لها:
– طب روحي يا صباح اندهيلها خليها تيجي ورايا ع المكتب، عشان عايزها في امر ضروري.
– بخصوص الست الوالدة يا باشا ولا في حاجة تاني؟
زفر بضيق من تدخلها :
– ميخصكيش يا صباح ، انتي عليكي تنفذي وبس؟
لم ينتظر ردها، وتحرك يستدير معاودا الصعود ليتفاجأ بلورا امامه، تسأل قاطبة:
– انت هنا بنفسك يا رياض باشا، مقولتليش ليه، لو عايز تعمل جولة على الأقسام؟
اجابها بنزق:
– مدام مطلبتش منك يا لورا، يبقى متقلقيش نفسك.
قالها والتفت رأسه نحو صباح يشـ.ـدد عليها:
– متنسيش اللي قولتلك عليه، ابعتي لبهجة خليها تيجي ورايا حالا .
اكمل طريقه بعد ذلك يتخطاها، غير ابهًا، بغــــروره المعتاد، لتتوجه هي بغـــضــــبها نحو صباح:
– البت دي طالبها في ايه؟
اومأت الاخيرة بهزة من اكتافها، تزيد من حيرتها.
– والله ما اعرف يا هانم.
❈-❈-❈
والى منزل بهجة،
حيث ذهب الجميع منهم الى اماكن دراستهم والعمل، بعد خروج جنات الى جامعتها على ميعاد محاضرتها، لتستغل هي انشغال أبنائها في الوكالة محل ابيهم ، بعد اختفائه هو الأخر، دون ان يخبرها بوجهته.
لتصعد الدرج بخفة، وعيناها تدور في كل الأنحاء بحرص شـ.ـديد، حتى وصلت الى باب شقتهم، لتُخرج من جب صدرها، تلك النسخة من مفتاح المنزل، والتي مازالت تحتفظ بها حتى الاَن، رغم مرور السنين ومـ.ـو.ت اصحابها، وقت ما كان الود موصول، قبل ان يتبدل لعداء بعد مـ.ـو.ت خليل شقيق زوجها.
ليأتي الاَن فائدته، فتضعه في مغلق الباب ، ثم تدفعه بهدوء، لتلج بداخل المنزل، تتأمل محتوياته سريعًا، والتغيرات التي طرأت به حديثًا، ثم تخطو نحو وجهتها في غرفة بهجة.
بحثت سريعًا بعيناها نحو شيء ما تريده، وحين لم يعجبها شيء، لم تجد امامها سوى التوجه نحو خزانة ملابسها، لتعثر اخيرا على هذا الحجاب الصغير القديم ، ترفعه امام عينيه محدثة نفسها:
– هى دى، اكيد مش هتحس بيها لما تغيب ، طرحة قديمة ومرمية وسط الهدوم.
وضعتها على انفها تشتم الرائحة، لتردد بـ.ـارتياح اكبر:
– وكمان فيها ريحتها، يعني عز الطلب.
وضعتها سريعًا بجب صدرها، لتواصل حديث نفسها:
– كدة بقى سيدنا يشتغل صح.
جرت اقدامها نحو المغادرة بعد انتهاء مهمتها، لتعيد غلق المنزل من الخارج، وتنزل الدرج بخطوات واثقة الى حد ما حتى وجدتها امامها فجأة لتشهق مزعورة، وتبصق في فتحة ملابسها في الأعلى:
– بسم الله الرحمن الرحيم، بيطلعو امتى دول .
توقفت عائشة تطالعها بنظرات ثاقبة ترد بسـ ـخـــريــة:
– بيطلعو للي خايفين منهم.
اجفلتها بردها الغريب، ليتسلل القلق بداخلها، توبخها بشجاعة زائفة:
– واخاف منك ليه يا اختي؟ هتولعي فيا ولا افتكرتي نفسك بتخــــوفي صح؟
تعلم انها ملعونة وحادة الذكاء بإجرام لا يتوفر حتى في اشقائها الكبـ.ـار، فتأخرها عن الرد ، وهي تحدجها برفع حاجب واحد بشر يبث بقلبها الخــــوف بالفعل، لتلسعها بالسؤال المباغت:
– هو انتي كنتي نازلة من فين يا طنط؟ ومرات ابنك وابنك مش في الشقة اساسا؟
ابتلعت درية ريقها الذي جف في حضرة هذه الملعونة، لتبرر بغـــضــــب:
– وانتي مالك يا اختي ان كانوا قاعدين ولا مش قاعدين، انا اطلع شقة ابني وقت ما انا عايزة، وسعي كدة من قدامي، مبقاش الا العيال كمان، وسعي.
تخطتها لتنزل رافعة رأسها بتعالي، تدعي عدm الاكتراث ، وقلبها يرجف من الداخل، تتخيل نفسها لو تأخرت دقيقتان ودلفت هذه الملعونة عليها الشقة، على اقل تقدير كانت ستتسبب لها بفـ.ـضـ.ـيحة، ان لم تلبسها تهمة سرقة، او تشعل بها النار وهي حية ، تجزم انها قادرة على فعل ذلك.
التفت رأسها بدون قصد نحو الأعلى، لتجدها مازالت محلها ، وابصارها منصبة عليها، بصورة اعادت الفزع الى قلبها، لتدلف الى شقتها سريعا ، واضعة يدها على قلبها تلهث ببعض الارتياح:
– يا لهوي عليكي بت، وقفت شعر راسي من الخضة.
❈-❈-❈
أتت بهجة بناءًا على امر استدعائها، لتقابل اولا تلك الفتاة المتعجرفة، ترمقها بنظرات ازدراء من اعلى حجابها في الأعلى حتى ما ترتديه من حذاء في قدmها،
تبرع دائما في بث صفة النقص بداخلها، ورغم ادعاء بهجة غير ذلك، إلا داخلها ينجـ.ـر.ح بالفعل ، ولكن ابدا لن تعطيها غايتها في التقليل من ذاتها.
اهدتها ابتسامة صفراء قبل ان تخبرها:
– رياض باشا طالبني .
صدر رد لورا بتعالي، تشير بسبابتها نحو مكتبه دون ان تكلف نفسها حتى عناء الرد، لتعود اليها بهجة بنفس الابتسامة الصفراء دون رد هي الأخرى، قبل ان تتحرك ذاهبة نحو وجهتها، تتمتم بصوتها كالهمس:
– جاتك قرصة في ايدك يا بعيدة.
وصلت الى باب غرفته، تطرق بخفة ، حتى اذن لها بالدخول.
ثم دلفت الى داخل الغرفة التي ولأول مرة تخطوها بقدmيها ، لتفاجأ به تاركًا مقعده خلف المكتب، واقفًا امامه بتحفز اثار بداخلها التـ.ـو.تر ، لتوجه سؤالها له بقلق:
– افنـ.ـد.م يا رياض باشا، الريسة صباح بلغتني ان حضرتك طلبتني، هي نجوان هانم جرالها حاجة؟
– مجراش اي شيء، وهي تمام وعال العال يا بهجة، انا كنت طالبك في حاجة تانية بعيدة عن البيت والست الوالدة.
اردف بكلمـ.ـا.ته على عجالة وكأنه لا يطيق الاسهاب، ليثير بداخلها الفضول والسؤال للمرة الثانية:
– افنـ.ـد.م يا باشا عايزني في ايه؟
زفر انفاسه الخشنة بصمت دام لحظات وكأنه يبحث عن حجة لسؤاله، ليحسم فجأة مندفعا:
– كنت عايز اعرف منك، صحة الكلام اللي قالته صباح، عن اللي اسمه تميم ده ورغبته ، في انه عايز يتقدmلك.
قطبت بعدm استيعاب، وقد تفاجأت بالسؤال الغريب:
– تميم مين يا فنـ.ـد.م؟
ردد بانفعال يزيدها اندهاشًا :
– تميم زميلك في المصنع عندنا يا بهجة، انتي مش مركزة ليه؟
الاَن قد فهمت رغم استغرابها لعصبيته المفرطة وسؤاله عن شيء يخصها، الا انها تمالكت تجيبه في الاَخير:
– هو فعلا عايز يتقدmلي، بس بلغته كذا مرة انه مينفعش عشان اخواتي.
– يعني صباح بتكدب؟
– لا طبعا الريسة مبتكدبش، اصل هو كل شوية يكلمها عني في انتظار موافقتي .
تتحدث بعفوية، غافلة عن تبدل ملامحه وغـــضــــب غير مبرر يلوح في الافق، ليوميء برأسه فجأة ويردد بغـ.ـيظ مكتوم، يفسر الأمر بمنطقه:
– اااه يعني الباشا مفقدش الامل، ورايح جاي يدور حواليكي، ومهمل في شغله؟
– لا يا باشا، تميم انسان محترم، وشايف شغله كويس.
– متدافعيش عن حد قدامي يا بهجة وخليكي في اللي يخصك ، انا شوفت بنفسي وانا اللي بقولك دلوقتي.
قابلت عصبيته بدفاع عن الشاب، وقد استفزها تحامله عليه:
– انا مش بدافع يا فنـ.ـد.م، انا بقول الحقيقة، بس انت شوفته فين صحيح وهو بيدور حواليا؟ قصدك يعني لما جه وجابلي كوباية الشاي من شوية؟ …..
– اسكتي يا بهجة.
صاح بها مقاطعًا، لا يريد شرحا ولا تفسيرا، فقد رأى بنفسه ما يكفيه، ويجعل الدmاء تغلي برأسه، ليفاجأها بقوله:
– قوليلي يا بهجة، انتي مشتغلتيش عندنا ليه بشهادتك؟!
– شهادتي.
رددت بها من خلفه، وكأنها تستوعب المغزى من السؤال، لتجيبه بعدها بحرج:
– وشهادتي دي بقى، هشتغل بيها ايه حضرتك؟ دي ثانوية عامة، يعني مفرقتش كتير عن الاعدادية.
– والحقوق……. انا عرفت انك دخلتيها، بس مكملتيش فيها.
اجفلها بمعرفته لهذه المعلومة عنها، فهي لا تتحدث بها على الإطـ.ـلا.ق، ولكن يبدو ان لديه سبله الخاصة في البحث خلف من يعمل بمنزله، اذن لما التعجب.
– حضرتك انا مدرستش في حقوق غير سنة واحدة ، والتانية يدوب حضرت فيها كام محاضرة، وبعدها قطعت نهائي، يعني اكيد متتسماش دراسة.
زفر يجلس على كرسيه مرددًا بلمحة من ضيق :
– انا طبعا مش هسألك عن السبب، عشان متقوليش نفس الحجة، في حكاية انك كنتي هتتجوزي ومحصلش نصيب….. لكن دلوقتي انا بتكلم عن الوضع الحالي، وانا شايف انك تصلحي لوظيفة ارشيفية حتى لو بشؤون العاملين، بدل التفصيل والقعدة على المكن يا بهجة .
تخيل موافقتها على الفور، ولكنه تفاجأ بردها:
– بس انا بحب التفصيل فعلا على فكرة.
زفر بغـــضــــب مكتوم يردف حازما:
– تقدري تكملي هوايتك دي في البيت يا بهجة، انا بعرض عليكي دلوقتي فرصة ووضع احسن لواحدة متعلمة زيك.
حينما ظلت على صمتها ضـ.ـر.ب بكفه على سطح المكتب:
– فكري كويس وخدي فرصتك يا بهجة، وانا من بكرة همضي قرار تعيينك.
اومأت برأسها بموافقة، لكن سرعان ما انتبهت لقوله معقبة بعدm فهم:
– افكر ازاي واخد فرصتي وانت حاسم قرار تعييني؟
اومأ بلهجة لا تقبل النقاش:
– امشي دلوقتي يا بهجة، واعتبري القرار اتنفذ، بقووولك امشي يا بهجة.
اضطرت في الأخير ان تنصرف من امامه، بتشتت اصابها، لا تصدق حزمه في امر يخصها كهذا، غير قابل حتى للمناقشة، لطالما وصفته الفتيات زميلاتها في العمل انه المغــــرور الوسيم، لتتيقن هي الاَن من صفة جديدة به، وهي انه ديكتاتور أيضا.
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تقلها معه، حيث كانت جالسة بجواره في الامام ، وفي طريقهم نحو المنتجع السياحي، لقضاء شهر العسل ، ليته كان كذلك بالفعل.
تراقب صمته وقيادته الناعمة للسيارة بهدوء يثير تعجبها، رغم صخبه والمزاح المبالغ فيه، حينما يقابله شخص ما يعرفه، او يقف بلجنة ما ويصادف برؤية احد اصدقاءه من أفراد الشرطة، فيُقابل التهاني والمبـ.ـاركات منهم، بالابتسام وسعادة يجيدها امامهم، حتى اذا اختفى الجمع واختلت به كما يحدث الاَن، ظلت ابصاره منصبة على مراقبة الطريق، لا يتلفت اليها الا للضرورة، يحدثها بكلمـ.ـا.ت محددة ومقتضبة.
برغم كل ما حدث منه بالأمس معها ، إلا انها تعطيه عذره، ولن تتوقف عن محاولاتها في القرب منه مرة اخرى، علُه في يوم ما، يعود اليها عصام القديم.
– عصام…… ممكن تنتبهلي ولو دقيقة.
هتفت منادية حتى تخرجه من حالة الوجوم التي تتلبسه، وكما توقعت جاءها الرد بعد برهة من الوقت .
– نعم يا امنية، عايزاني انتبهلك ازاي وانا بسوق؟
تبسمت بضعف تجيبه:
– والله دي حاجة سهلة اوي، ممكن تتكلم وانت بتسوق عادي، دا لو عايز تتكلم….. انا عايزة اسمع صوتك يا عصام، عايزة نتكلم مع بعض زي الاول ومنوقفش…. حتى لو هتفتح في الموضوع اياه…… انا قابلة.
رغم ترددها ، إلا انها ملكت الشجاعة لقولها، وهذا يحسب لها، ولكنه كان بحالة من الغليان المكتوم من اجلها، حتى لا يجـ.ـر.حها، وما دامت طلبت بنفسها، اذن فلتتحمل.
التف اليها بتنهيدة مثقلة قائلًا:
– ماشي يا امنية نتكلم ، انا بقى عايز اعرف منك، حصل كام مرة؟ والامر دا كان في الخطوبة بس؟ ولا قبل كمان؟
قطبت بعدm فهم في البداية، لكن سرعان ما وصلت لمقصده، لتتنحنح بحرج تجيبه:
– مش بالصورة اللي في دmاغك يا عصام، انا مكنتش هبلة للدرجادي، هما كام مرة بس بعد الخطوبة، لكن قبل الخطوبة والله ما حصل .
التف برأسه عنها معقبا بضيق متعاظم:
– في الحالتين مش فارقة، ما دام حصل، وكذا مرة كمان .
زفر دخان من حريق صدره، حتى شعرت بسخونته وصل اليها، لتردد بضعف:
– والله ما حصل غير بعد ضغط منه، كان بيستغل اوي فرق السن ما بينا وعدm خبرتي.
– يعني محصلش مع اي حد تاني غيره؟
اجفلها بسؤاله، حتى ارتجفت بزعر تنفي:
– اقسم بالله ما حصل، حتى جيبلي المصحف احلف عليه.
قبض على مقود السيارة حتى كاد ان يكـ.ـسره، ليعبر عن حسرته كازا على اسنانه بشـ.ـدة :
– كان نفسي الإجابة دي تبقى شاملاه هو كمان، تبقى شاملة الجميع، وانا ساعتها وربي كنت هصدقك من غير حلفان، لكن انتي يا امنية…..
قطع بأنفاس لاهثة، يمنع نفسه على المواصلة، بعدmا شعر، بيداها التي التفت حول ساعده العضلي، وتميل برأسها عليه تذرف الدmـ.ـو.ع بنـ.ـد.م مرددة:
– وانا والله اكتر منك، كنت اتمنى ابقى اعقل من كدة، كنت اتمنى اشوفك من زمان، انا كنت في احتياج للحب من اي حد، حتى لو كان وهم زي اللي كنت عايشاه مع الزفت ده اللي ربنا يجازيه…
زادت من ضمه ذراعه بقوة لتردف برجاء:
– انا شبعت بحبك عن كل العالم، اوعى تسيبني ولا تتخلى عني، عـ.ـا.قبني زي ما انت عايز، بس متسبنيش لحالتي في الضياع من تاني يا عصام…… ارجوك.
لانت ملامحه برجاءها، ورق قلبه لها حتى تخلى عن جموده، ليربت بكفه على وجنتها مهونا:
– خلاص بطلي عـ.ـيا.ط، انا مكنتش عايز افتح في مواضيع اصلا، بس انتي اللي جبرتيني.
– عشان عايزاك تطلع اللي في قلبك يا عصام، تجـ.ـر.حني احسن ما تشيل في نفسك ، وعقلك يشتغل بالظنون.
قالتها بضعف ورغبة صادقة التمسها في نبرتها، ليميل على رأسها فجأة يخـ.ـطـ.ـف قبلة على جبهتها، قبل ان يعود لقيادته، مردفًا:
– ماشي يا امنيه، ريحي انتي دلوقتي ، لسة قدامنا كذا ساعة على ما نوصل.
لم تتخلي عن تشبثها بذراعه، بل زادت من قربها منه قائلة:
– انا راحتي في قربك يا عصام، هضرك لو انام على كتفك وانت بتسوق؟
رحب بابتسامة رائقة:
– لا طبعا مش هتضريني يا امنية ، اخري بس الكتف هينمل، لكن يا ستي ولا يهمك.
تبسمت بـ.ـارتياح لتسند رأسها مستسلمة لنوم تنشـ.ـده منذ الامس، وهو يواصل القيادة، بعقل هدأ قليلًا، او مؤقتًا، ليشعل المذياع على اغنيه هادئه لفيروز، تساهم في ترطيب الأجواء المشحونة الى حد ما .
أنا لحبيبي وحبيبي إلي
يا عصفورة بيضا لا بقى تسألي
لا يعتب حدا ولا يزعل حدا
أنا لحبيبي وحبيبي إلي
حبيبي ندهلي قلي الشتي راح
رجعت اليمامة زهر التفاح
و أنا على بابي الندي والصباح
و بعيونك ربيعي نور وحلي
و ندهلي حبيبي جيت بلا سؤال
من نومي سرقني من راحة البال
أنا على دربو ودربو عالجمال
يا شمس المحبة حكايتنا أغزلي
❈-❈-❈
بيد مرتجفة صارت تقرأ البنود في العقد الذي امامها، بعدm تصديق، تدقق النظر في الاسم، علُه تشابه يحدث كثيرا، ولكن كيف هذا؟ من في العالم بهذا الاسم غيرها تلك الملعونة؟ لترفع ابصارها اليه ، فيلتقط نظرتها هو بتحدي، وكأنه ينتظرها.
– ايه يا لورا، ساعة بتقري في بنود العقد الجديد!
بغـــضــــب مكتوم تجاهد لعدm انفلات الامر من يدها:
– ما انا بصراحة مش مصدقة، إيه لازمة نقل عاملة من قسم الملابس، لموظفة على مكتب، ما احنا لو محتاجين ، في غيرها كتير يستاهل.
تبسم ببرود يجيده:
– اكيد طبعا في غيرها يا لورا ، الدنيا مليانة كفاءات، بس انا قررت نقلها ببنود العقد الجديد اللي قدامك.، إيه المشكلة عندك بقى؟
– يا فنـ.ـد.م المشكلة مش عندي، انا بتكلم عن الكفاءة، احنا اساسا لو محتاجين نعمل اعلان وهيتقدm الافات، ليه بقى نبدل ونفتح علينا فاتحة من باقي العمال اللي هيغيروا منها اكيد؟
زاد اتساع ابتسامته في استفزازها، ليردف بحسم:
– انا اصدرت امري، وانتي عليك تنفذي اللي عليكي، اما بقى عن مشاكل ولا اي عوق تاني، ميخصكيش يا لورا، انا المسؤول عنها يا ستي.
افحمها عن المجادلة لترفع راية الاستسلام امامه، وتستأذن للانصراف حتى اذا وصلت الى مكتبها، لطـ.ـمـ.ـت بكفيها على سطحه، تضغط على اسنانها، مانعة نفسها بصعوبة عن الصراخ او تكسير اي شي امامها تعبيرا عن غـــضــــبها ، حتى اذا تمالكت بأسها اخيرا رفعت رأسها متمتمة داخلها بتوعد :
– انا لازم يكون لي صرفة المرة دي وبسرعة .
❈-❈-❈
استيقظت من نوم القيلولة على اثر حركة ما في غرفتها، وبجوارها على الفراش، حتى اذا فتحت عينيها صرخت مزعورة:
– انت مين يا راجـ.ـل انت……
قطعت مجبرة حينما حطت الكف الغليظة التي تعلمها جيدا، مع صوت صاحبها وهو يحذرها:
– اسكتي يا ولية هتفضحبنا ، انتي ايييه؟ مجهزة نفسك ع الصريخ .
رفع كفه حينما شعر بـ.ـارتخائها، وهذه النظرة المندهشة منها ، لتعقب بعدm تصديق لما تراه امامها:
– انت ايه اللي عامله في نفسك دا يا خميس؟
تبسم يمسح بكفيه على جانبي شعره بزهو مرددًا:
– ايه فاجأتك صح؟ بس ايه رأيك في النيولوك الجديد؟ لايق عليا؟
هدأت اخيرا من صدmتها لتردد رافعة طرف شفتها بنزق:
– هو ايه اللي لايق عليك؟ انت صبغت شعرك ولا عملت ايه بالظبط؟ انا حاسة ان فيك حاجة غريبة مش فاهماها.
افتر فاهه بابتسامة بعرض وجهه تظهر الصف الامامي لاسنانه بالكامل، وهو يجيبها بفرحة:
– صبغت وزرعت يا درية، مش بقولك نيولوك.
اهتزت رأسها باستفسار تنقل بابصارها نحو الصلعة التي تقلصت الى حد ما :
– زرعت فين؟ ما الصلعة موجودة لسة؟
– لا ما انا زرعت نصها، لسة الباقي هياخد كام يوم .
مالت رأسها للخلف تطالعه بريبة لهذه اللهفة:
– والشعر اللي زرعته ده جيبته منين؟ انت ضامن دا جايبنه من فين؟
ضحك بتفكه ومبالغة لم تستجيب لها وهو يخبرها بتفاخر:
– يا ولية مايبقاش ضميرك سو ، مفيش حاجة اتزرعت من برا ، جوزك كله خير، ولا انت ناسية اني عندي غزارة في الانتاج ، وسوء في التوزيع.
ختم بضحكاته رافعا ذراعه امامها، لتظل هي على صمتها وراسها الاجرامي يدور بالظنون، حتى صدر ردها اخيرا:
– مبروك يا خميس ، الف مبروك يا حبيبي، عقبال يارب ما تحصد اللي زرعته.
جاء رده بالضحكات:
– حلوة احصد دي.
– عجبتك؟
– ايوة عجبتني اوي .
– اممم.
زامت بالاخيرة بابتسامة صفراء واضعة كفها على وجنتها تسمع منه الأحاديث التافهة التي كالعادة يجيد تأليفها من خيال عقله، حينما يريد التغطية على شيء ما برأسه.
فهي تفهمه اكثر مما يفهم هو نفسه.
❈-❈-❈
بداخل مطبخها، بعدmا عادت من عملها، تقف امام القدر التي تقلبه على النار ، وتستمع الى حديث شقيقتها:
– يا بهجة صدقيني، صوت الباب اللي سمعته وانا طالعة، دا صوت بابنا ، انا حاسة الست دى دخلت شقتنا .
التفت لها شقيقتها بسأم:
– للمرة التانية بتقولي نفس الكلام يا عائشة، ايه هيدخل بس الست دي بيتنا؟ ليها ايه عندنا؟ ثم ازاي كمان؟
دبت عائشة قدmها على الارض بيأس:
– انا بقولك ع اللي حاساه يا بهجة، وانت مش عايزة تصدقيني.
– عشان انا بتكلم بالمنطق يا قلبي .
قالتها ثم دنت تطبع قبلة على وجنتها، تضمها اليها بحنان:
– ياريت الشطارة دي والبحث نوفرهم للمذاكرة، مش التفكير في حاجات تضر.
اومأت بهز رأسها، رغم عدm اقتناعها ، لتخـ.ـطـ.ـف قبلة اخرى قبل ان تامرها :
– ياللا بقى خدي اطباق السلطة دي وحطيهم ع السفرة ، على ما أكون جهزت الاكل اللي في ايدي .
اذعنت تطيعها، وما كادت ان تخرج من المطبخ، حتى دوى صوت الهاتف ، لتتناوله، تجيب نفس الرقم الذي اجابت عنه سابقًا:
– الوو يا رياض باشا، فيه حاجة؟
وصلها صوت ضحكته ، ليردد بمرح:
، ليه يا بهجة؟ هو انا لازم يبقى في مصـ يـ بـةعشان اكلمك .
تحمحمت بحرج، لتصمت لحظات حتى أتى ردها:
– انا اسفة حضرتك.
– مفيش داعي للأسف يا ستي،انا كنت بتصل عشان ابلغك ، بقرار التعيين الجديد، انا مضيته ومن بكرة تيجي تستلمي كموظفة.
رفرفرت اهدابها بعدm تصديق تجادله:
– مضيت امتى حضرتك؟ هو انت مش قولتلي فكري وخدي فرصتك.
– وقولت اني هنفذ برضو يا بهجة .
ختم بضحكة نادرا ما تصدر منه ، لتبرق عينيها بدهشة للتغير المفاجيء لهذا الرجل ، حتى اذا انتهت المكالمة، غمغمت متسائلة مع نفسها بعدm تصديق :
– دا ايه اصله ده ؟
↚
كان لابد لها من تغيير هيئتها اليوم ، لتناسب الوضع الجديد، كما أن الموظفين ملزمين بحسن الهيئة بعيدا عن الملابس المخصصة للعاملين اثناء العمل، والتي كانت ترتدبها فور دخولها محل عملها، وخلعها للعباءة السمراء المريحة لها من جميع النواحي، بعيدًا عن التزين والأناقة فهي بالفعل لا تريد لفت الانظار اليها، وقد قررت منذ تحملها للمسؤلية، الا تدع شيئا ما يلهيها عن تـ.ـو.فير لقمة العيش بعزة، ورعاية اشقائها وكفايتهم عن اي احتياج ، حتى وان لم تنجح في ذلك الا بعض الشيء ولكن يكفي السترة والاستغناء وعدm الاحتياج لأحد
اما الاَن وقد فرض عليها هذا الوضع الجديد، ولا يصح الا التغيير ، فقد ظهرت الان امامها المعضلة الكبرى في انتقاء الملبس المطلوب.
وقفت بحيرة امام خزانة ملابسها ، تتأمل محتوياته من ملابس قديمة وجديدة لها، تتأملهم وحيرة تفتك بها، ماذا ترتدي؟ ماذا ترتدي؟
ملابس الجامعة التي تركتها منذ سنوات مازالت تحتل جزئًا ليس بالهين داخل الخزانة، ولكن منها الضيق بعض الشيء، كما أنه عصري ويظهر عمرها صغيرا وهي لا تريد ذلك،لقد جربت احدهم بالأمس، والذي كان بنطال من الجينز وبلوزة محكمة الى حد ما، فنالت من اشقائها التهليل والإعجاب ، وكأنها لم تكن هذه ملابسها في يوما ما، وذلك على الرغم من انها كانت ترتدي بعض منها في اضيق الحدود
ضغطت بطرفي اصابعيها على جبهتها، متمتمة بيأس:
– وبعدين بقى؟ يعني يا اما صغير وعصري، يا اما كبير وواسع، وانا عايزة حاجة وسط، طب اروح بإيه بس يا ربي؟
وصلها ضحكة ساخرة من شقيقتها من خلفها معلقة بشفقة نحوها:
– انتي لسة برضو في حيرتك دي يا بهجة؟ يا لهوي عليا، امال لو رايحة حفلة يا بـ.ـنتي، كنتي هتعملي ايه؟
ردت عنها عائشة، والتي كانت تلج لداخل الغرفة معها:
– مكنتش هتروح الحفلة اصلا؟
ختمت بضحكة تشاركتها مع جنات ، حتى هتفت هي بهما:
– انتو بتقولو فيها، طب والله طالعة في دmاغي بجد مروحش النهاردة، واقعد من الشغل على ما ربنا يعدلها.
نفضت ذراعيها في الهواء لتسقط على جانب التخت القريب منها، مما جعل الفتاتين تكفان عن المزاح، مراعاة لحالة اليأس التي تتلبسها.
لتقترب منها جنات قائلة بدعم، وهي تحمل شيئًا ما تخبئه خلف ظهرها:
– بيبو يا روح قلبي، انا عارفة انك مكنتيش مستعدة للترقية ولا التغيير، بس انتي بقى، ليه تحـ.ـز.ني نفسك؟ الموضوع مش بالصعوبة دي، هوني على نفسك ، دي وظيفة عادية، يعني اي لبس محتشم وجميل حلو عليها، مدام مفيش يونيفورم رسمي .
زفرت تطرد دفعة محملة بإحباطها :
– يا جنات افهمي، انا مش عايزة ابقى ملفتة زي باقي الموظفات اللي بينورو في القسم الاداري عندنا في المصنع، ولا عايزة ابقى مأفورة زي اللي اسمها لورا، انا عايزة حاجة بسيطة وناعمة، تناسب قعدتي ع المكتب وبس، على ما ربنا يسهل واعرف اشتريلي حاجة كويسة، الحمد لله في قرشين متشالين يأدو الغرض، بس دلوقتي هلبس ايه وانا مش مستعدة زي ما قولتي؟
تبادلت عائشة وشقيقتها الابتسام، لتقول بزهو لا يخلو من مزاح:
– بس انتي منورة لوحدك يا بيبة، نعملك ايه بقى لو لبسناكي ونورك لعلع، نوطي الفولت مثلا؟
هذه المرة استطاعت ان تضحكها معهما، فتخفف عنها التـ.ـو.تر، لتخرج لها جنات من خلف ظهرها، الشيء الذي كانت تخفيه:
– ودي يا ستي البلوزة بتاعتي اللي اشتريتها قريب. هنظبطها على جيبة مناسبة ونعمل بس شوية تغيير، بحيث تباني انيقة وسيمبل زي ما انتي عايزة.
طالعت بهجة القطعة امامها لتردف برفض:
– بس دي بلوزتك يا جنات اللي نقتيها بعد تعب، وقولتي انها مميزة .
– يا ستي ومالها يعني لو كانت مميزة؟ ما تغلاش على بيبو حبيبتنا، مع اني عارفة انها هتليق عليكي اكتر، بس ميهمش، انا هاخد التعويض المناسب واجيب واحدة غيرها لما نعمل جولة التسوق مع بعض، ولا ايه رأيك؟
– اه يا مستغلة.
قالتها بهجة مضيقة عينيها بتصنع الصدmة، لتردد شقيقتها بما يشبه الامر :
– انا فعلا مستغلة، وشرط عليكي كمان، هلفلك الطرحة بنفسي النهاردة واظبط وشك بحاجات خفيفة كدة ، بحيث انك تحضري اول يوم ع المكتب وانتي واخدة وضعك.
– امممم.
زامت بتفكير سريع، لتردف برأيها:
– ماشي، بس متزوديش على كريم عادي او اساس، ويبقى خفيف كمان عشان ميبانش اني متغيرة ولا حلوة.
شهقت جنات بدهشة، مرددة:
– حلوة! لا طبعا يا بيبو مينفعش نطلعك حلوة ولا بتنوري، هو احنا ناقصين سحب كهربا.
قالتها لتصدح صوت ضحكاتهن بمرح يتبادلن المزاح، والاستعداد لاداء مهمتهم.
❈-❈-❈
بعد قليل،
انتهت من لف الحجاب لها بطريقة عصرية، كما نفذت الشرط بوضع زينة الوجه، ببساطة لا تظهر، ومع ذلك بدت رائعة بصورة تشرح القلب، الالوان المبهجة للحجاب وما ترتديه من ملابس، حلت بها نقوش ضيفة باللون الاخضر انعكست على بشرتها الندية تزيدها بهاءً، فصارت مثالا حيًا للبهجة.
هذه اول مرة منذ فترة طويلة تتهنـ.ـد.م بهذا الشكل، كل محاولاتها في السنوات السابقة ، كانت بعدm اهتمام، للتركيز في الأهم، اما الاَن…… فلا تعلم لما تكتنفها الرغبة القوية هكذا في التغير.
– قمر، اقسم بالله قمر ، ايه الحلاوة دي يا بيبو.
هذا كان رد فعل عائشة والتي كانت تتابع وضع اللمسات النهائية، بتثبيت الحجاب، لتلتف اليها سائلة بخجلها:
– يعني مش مزوداها ، انا حاسة نفسي متغيرة .
شهقت خلفها جنات باستهجان:
– حـ.ـر.ام عليكي يا شيخة، وهو احنا عملنا حاجة اصلا؟ دا كله يدوب رتوش.
تفكهت عائشة بأعجابها:
– مش ذنبنا انك قمر يا بيبو ، نصيبك بقى.
بابتسامة مستترة لوحت بقبضتها كأنها ستضـ.ـر.بها، قبل ان ترفع بصرها توزع نظرات الامتنان نحوهما، لتحسم وترفع حقيبتها متمتمة:
– عقبال يارب ما نفرح بخروج ايهاب كمان، ادعو لاخوكم بالشفا، وادعولي انا بالتـ.ـو.فيق.
– ربنا يوفقك يا بيبو وتبقى دي بداية الصعود في السلم الوظيفي .
– يارب .
تمتمت بها بهجة، رغم تشكهها، لسبب بسيط وهو ان شهادتها المتوسطة؛ لا تؤهلها لذلك.
❈-❈-❈
حينما خرجت من المنزل، وفور ان اغلقت الباب، اصطدmت عيناها بابن عمها، وقد كان خارج من منزل عائلته في الطابق اسفلهم، يعطي زوجته شيئا ما، قبل ان يغادر، لتجحظ عيناه برهبة، حتى سقط ما كان بيده ، ليصدر صوت التذمر من زوجته مرافقًا لهبوط بهجة الدرج:
– وقعت المفاتيح يا سمير، هنزل ازاي ببطني دي ع الارض واجيبهم؟ اتفضل هاتهم انت بقى.
ظل على جموده، غير منتبه لثرثرتها، حتى خطت بهجة بجواره تتخطاه، فدارت رأسه معها كدوار الشمس حين يتتبع شعاعها، لتصدر صيحة زوجته بعد فترة من صمت:
– روح يا سمير، الهي رقبتك تفضل كدة معووجة وما تتعدل ابدا.
استفاق من نشوته، ليعود اليها مرددا بعدm تصديق:
– انتي بتدعي عليا انا يا اسراء؟
– ايوة بدعي عليك يا سمير، وهصرخ بالصوت الحياني كمان يمكن تحس على دmك وتفهم.
صرخت بقهر، وقد فاض بها ومن افعاله، اما هو فقد انتفض مجفلا خــــوفا من سماع الجيران، ليدفعها ويلج بها داخل المنزل، يغلقه عليهما، ويتشاجر معها.
بهجة والتي وصلها الصوت، توقفت فجأة تلقي خلفها بنظرة أسى لحال الزوجة، ثم تنهدت بثقل لتخرج وتغادر البناية التي اصبحت تكرهها منذ زمن بسببهم .
وكما توقعتا شقيقتيها، سارت بهجة تلفت ابصار الجميع نحوها من كل اهل منطقتها بإعجاب واضح وهمهمـ.ـا.ت تصلها من الشباب التي لا تخفي انبهارها، حتى تسلل التوجس داخلها، تتسائل مع نفسها:
– هي الناس دي محسساني ليه اني كنت معفنة.
وفي الشرفة أعلاها ، كانت ابنة عمها سامية تتابع الجلبة التي تحدثها بمرورها في المنطقة، متجاهلة الشجار العالي من داخل منزلهم ، وصوت والدتها التي انضمت من اجل التخفيف بينهم، فقد بدا جليًا ان الزوجة قد فاض بها, وسمير كالعادة يصدmها بجفائه وعدm اكتراثه، لتزداد شحونة الأجواء، وتلك الواقفة بالشرفة لا يشغلها سوى التركيز في تلك الملعونة التي تسرق العيون رغم ارتدائها لتلك البلوزة ملك شقيقتها ، فتغمغم هي بضجر:
– يعني انا مكنتش طايقاها على جنات ومستخسراها في واحدة زيها، عشان تيجي تلبسيها انتي يا ست بهجة وكأنها متفصلة لجنابك، دا ايه الحظوظ دي بس؟!
اصدرت صوت مصمصة من شفتيها وقد ذهبت ابصارها نحو شقيقها والذي تسمر هو الاخر كالجميع على باب وكالتهم، ناسيًا زبائنه، لتغمغم بحنق:
– ياكش تكون عملالك عمل انت التاني، جتك خيبة انت والاهطل الكبير.
– طلقنى يا سمير.
صرخة صدرت من الداخل، اجبرتها لترك الشرفة والذهاب نحو الشجار المحتدm، لتجد شقيقها هذه المرة متجمدًا لوقع المفاجأة، اما درية والتي كانت ممسكة بهذه المنهارة:
– صلي ع النبي يا اسراء وبطلي عـ.ـبـ.ـط ، انتي اتهبلتي في مخك ولا جرالك ايه بس؟
وبرد فعل غير متوقع، دفعتها عنها بعنف وكأنها قد فقدت صوابها:
– انا برضو اللي اتهبلت؟ ولا ابنك اللي شال من جلده حتة الاحساس، دا بقى عامل زي الحيطة اللي واقف وراها ، لو جـ.ـر.حتي فيها بالسكين حتى عمرها ما تتكلم ، عشان مش بتحس، لا وعاملي فيها حبيب وبيبكي ع الاطلال، ياخي اتنيل هو انت تعرف تفكر غير في نفسك ، عامل زي العيل الصغير اللي شالو عنه لعبته الحلوة، قاعد يزن ويفرك، هيمـ.ـو.ت عشان ترجعله من تاني، ما انت لو كنت تستاهلها بجد مكنتش راحت منك اصلا .
صدرت الاخيرة بصرخة موجهة نحوه ، فكان الرد منه على الفور بلطمة قوية على وجنتها شهقت على اثرها والدته وشقيقته التي وضعت يدها على فمها بصدmة، والمسكينة التي تلقت اللطمة، من هول ما يحدث معها تجمدت محلها دون اي رد فعل ، تتطلع له بعيناها فقط، حتى دmـ.ـو.ع مقلتيها توقف سيلها، وكأنها ابت الخنوع او الضعف امامه.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام وقد اجتمع جميع افرادها اليوم في تناول وجبة الإفطار مع مجيدة التي اصرت على أبنائها وزوجاتهم مشاركتها اليوم، برغبة منها تود تكرارها كل يوم ، ولكن قليلا ما يحدث، نظرا لانشغالهم الدائم كلٌ فيما يخصه او ما يعمل به:
– يا خويا انتبه على اكلك، سيب البت تعرف تاكل براحتها.
هتفت بها نحو ابنها الأصغر والذي عبس بوجهه يهم يالاعتراض ، عكس زوجته التي تلقفت كلمـ.ـا.تها بترحيب:
– قوليلو يا ماما، دا محسسني انى مجوعة ابنه جوا بطني.
رد هو بدفاعية:
– بييجي كلامها اوي على هواكي، عشان عارفة انها دايما بتغطي عليكي، لكن تفتكري انتي تعليمـ.ـا.ت الدكتور لما قالك ان حالتك خاصة، بعد اللي حصل، واهتمامك بتغذيتك وتغذية الطفل يبقى اهم اولوياتك طول شهور الحمل لااا، عشان خايفة تتتخني ولا شكلك يتبهدل، مع الراحة وعدm الشغل، انا فاهمك.
فغرت فاهها باستهجان قائلة بصدmة:
– نهار اسود عليا وعلى سنيني ، دي كانت جملة وغلطت بيها قدامك الشهر اللي فات يا حسن، لساك فاكرها وشيلهالي ف دmاغك؟
اشار بسبابته على جانب رأسه بتصميم لها:
– عمري ما اسهو عن اي جملة خرجت منك يا شهد، انا مركز معاكي اوي، ويلا كلي اللي قدامك بلاش دلع.
زفرت بيأس منه، امام ضحكات الثلاثة المراقبين لهم، لتعلق والدته:
– عشان تتعلمي يا خايبة، وتربطي لسانك ده ما يزلف قدامه بأي حاجة يمسكها عليكي، دا ابني وانا عارفاه زنان .
تدخل امين هو الاخر:
– يا عم انت كمان، بتدقق ع البنية الغلباتة، امال لو معاك فرقع لوز اللي معايا كنت عملت ايه؟
– انا فرقع لوز يا امين؟
شهقت بها لينا بصدmة هي الأخرى، لتهادنها مجيدة بتسلية متفكهة:
– لا يا حبيبتي انتي مش فرقع لوز ولا حاجة، دا هو اللي مش قادر يفهم لحد دلوقتي انه متجوز اللهلوبة هههه.
تمتمت بها لتصدح الضحكات، حتى لينا هي الأخرى تبسمت بخجل، حتى اذا هدأت ضحكاتهم، توجهت مجيدة نحو شهد بسؤالها:
– قوليلي يا شهودة، اخبـ.ـار العرايس ايه؟
اتصلتي باختك واطمنتي عليها ؟
اومأت تجيبها بإشراق:
– الحمد لله ، امنية بتشكر في عصام وبتقول فيه كلام حلو اوي، ربنا يبـ.ـارك فيه ، انسان اخلاقه عالية اوي .
– مش صاحب ابني، يبقى لازم تبقى اخلاقه عاليه طبعا.
قالتها مجيدة بزهو بإشارة نحو امين الذي دفعه الفضول للتساؤل:
– يعني حالهم كويس ومبسوطين مع بعض يا شهد؟
ردت بدهشة :
– ايوة يا امين، ما هي بتشكر فيه، يعني اكيد مبسوطين.
– ربنا يديمها عليهم يارب.
قالها بتمنى من القلب، وبداخله يتردد السؤال:
– طب ولما هو مبسوط وعال العال، ماله بقى المـ.ـجـ.ـنو.ن ده، كان متغير ليه بس؟
❈-❈-❈
استيقظت من نومها على اثر هزة خفيفة بالفراش اهتز لها جــــســ ـدها، لتفتح عيناها مجفلة، فتجد وجهه مطلا عليها من علو ، حيث كان متكئًا على مرفقه بجوارها، يبدو وكأنه كان يراقبها منذ فترة.
لتستدرك وضعها وهذه البرودة الطفيفة التي تلامس بشرتها، وبرد فعل غريزي شـ.ـدت عليها الملاءة كي تغطي بها حتى نصف رقبتها، لتثير على ثغره ابتسامة، مع مخاطبته بجدية يغمرها الارتباك:
– شكلك صاحي من بدري، طب مصحتنيش ليه؟
بلطف شـ.ـديد دنى يقطف من ثغرها قبلة سريعة، قائلا بتغزل:
– كان عاجبني ابصلك وانتي نايمة يا ستي، لو حاسس بجوع أكيد كنت هدور ع الاكل ، مش لازم اصحيكي يعني، بس انا بقى شبعان ، وشبعان اوي كمان.
قالها بمغزى فهمت عليه، من طريقته نحوها، لتغزو السخونة وجنتيها ، وتسبل اهدابها عنه بخجل شـ.ـديد، بتذكرها ليلة الامس، ومشاعر العشق التي اكتسحها بها، بعيدًا عن اي افكار سوداء تعكر صفو علاقتهم الزوجية الوليدة، تتمنى لو يدوم ذلك.
حمحمة بخشونة صدرت منه ليسـ.ـر.ق انتباهها بقوله:
– لا بقولك ايه، احنا من امبـ.ـارح مخرجناش من اوضتنا، كدة الوقت هيسـ.ـر.قنا وهننسى حتى نتفسح ولا نشوف معالم البلد، قومي يا امنية عشان انا اصلا بتلكك وربنا ع القعاد.
نهض بالفعل يجبر قدmيه على الوقوف بعيدا عن الفراش ، فحاولت هي ايضًا التغلب على كسلها، لتنهض بجذعها بصعوبة وهي تلملم الغطاء حولها، امام نظراته المتفرسة لها، لتخاطبه برجاء:
– طيب ممكن تكمل انت وتسبقني على ما أقوم أنا وأدخل الحمام، ممكن؟
اهتزت رأسه بنفي غير متوقع، ليسقط فجأة على الفراش بجوارها عائدًا اليها:
– انا بقول نأجل الخروج شوية، اليوم لسة في بدايته مش هيطير يعني.
اجفلت بخجل شـ.ـديد وهي تجده يندس معها اسفل الغطاء الذي جذبه على حين غفلة منها، لتردد بتساؤول:
– عصام انت اكيد بتهزر….
قطعت بشهقة خافتة هذه المرة، قبل ان يوقف هو كل استفسار لها يبتلعه بجوفه، ليأخذها بجولة اخرى من جولات العشق بينهم، ينسى العالم وينسى نفسه في عالمهم الخاص بهما وحدهما، بعيدا عن اي ضغوطات وتأويلات العقل التي لا تنتهي.
❈-❈-❈
وفي مقر عملها الذي دلفت اليه للتو، يتكرر نفس السيناريو الذي يحدث معها من وقت خروجها من المنزل، عمال تعرفهم وآخرين لا تعرفهم، تتركز أبصارهم بها وكأنها المرأة الوحيدة التي تمر امامهم، فتزداد هي توجسًا داخلها:
– حتى انتو كمان، انا كدة كنت معفنة بجد بقى!
– بهجة، ايه الحلاوة دي يا بت؟
كان هذا صوت رئيستها في القسم السابق والتي هرولت اليها فور ان رأتها، لتتلقف هي لقاءها بها كالنجدة لها؛
– ست الريسة، هو انا لدجادي متغيرة؟
تقدmت منها لتخـ.ـطـ.ـف قبلة من وجنتها قائلة:
– انتي مش متغيرة يا بت، انتي واخدة وضعك الطبيعي اللي اتخلقتي بيه، حمد الله ع السلامة يا بهجة القمر.
ابتسامة بضعف لاحت على جانب شفتيها، في رد على تغزل المرأة، والذي رسخ برأسها نفس الفكرة:
– تشكري يا ريسة دى عينك هي اللي حلوة، بقولك…. انتي هتيجي معايا دلوقتي ع المكان الجديد بتاعي في الشركة هنا، ع الاقل تشجعيني.
ضحكت صباح ساخرة:
-،اشجعك على ايه يا منيـ.ـلـ.ـة؟ دا مجرد نقل، ثم كمان الاستاذ عبد الفضيل مفيش اغلب منه، راجـ.ـل كبير ، وقايم بشغل المصنع بقالوا سنين، حركي رجلك واستعيني بالله، وانا هحصلك بعد شوية كدة مع البنات، اجيبهم ونبـ.ـاركلك ع الموقع الجديد ، عقبالنا يارب، لما نطلع كدة للدورالتالت.
تبعتها تتمتم بالادعية لتتخذ طريقها نحو الجهة الاخرى الخاصة بدرج الطابق الثاني والمصعد، لتتوقف امام الاخير في انتظاره، حتى اذا هبطت وخرج فردان من الموظفين لتدلف هي سريعًا وقبل ان يصعد بها، تفاجأت يمن ينضم معها وقد كانت تلك المتعجرفة، بنظارتها التي لم تخلعها بعد، مشغولة في النظر بهاتفها ، فلم تنتبه سوى بعد برهة، لتقع عينيها على بهجة، فتقيمها بتجهم اثار القشعريرة بقلب المسكينة، والتي حاولت تلطف رغم عدm ارتياحها:
– صباح الخير يا أنسة لورا.
خرج الرد من تحت اسنانها:
– صباح الخير، ما انتي خلاص عرفتي انسانسير الموظفين.
كتمت بهجة زفرتها لترفع ذقنها للامام باعتزاز في رد لها:
– مش بقيت موظفة يا فنـ.ـد.م، يبقى اكيد الكام دور دول مش هطلعهم على رجلي.
– اممم.
زامت بها بنظرة مقللة، ثم قالت بضيق:
– طب يا سيادة الموظفة الجديدة، حاولي بس تبقي قد الحدث، عشان اللبس اللي لابساه باين من اولها كدة انه بيئة .
قالتها وانفتح باب المصعد ، لترميها بشبه ابتسامة ساخرة، ثم تخرج من امامها تتمايل بخطواتها بزهو، لتتبعها بهجة ولكن بخطوات متأنية مثقلة، تغمغم بهمس مع ذاتها:
– روحي يا بعيدة، الهي يسد نفسك زي ما سديتي نفسي من اولها كدة، اووف عليكي دا انتي عقربة……
❈-❈-❈
ابلت بلاءًا جيدًا في اول يوم عمل لها بمكتب شئون العاملين والذي لا يحتوي سوى على ثلاثة موظفين، رجل كبير بالعمر هو رئيسهم، يدعي عبد الفضيل، وامرأتان ، تعملان معه منذ زمن، يبدو من حديثهم الدائم، انـ.ـد.ماجهما التام لدرجة عدm اخفاء احداهما ضيقها لوجود موظفة جديدة تشاركهم الغرفة، وهذا ما كان يظهر بوضوح مع تعليقاتها المبطنة نحو بهجة:
– عارفة تخلصي شغلك ع الكمبيوتر، ولا حاسة بحاجة معصلجة معاكي؟ انا مقدرة ان الشغل هنا مختلف خالص عن شغل المكنة تحت.
من نبرتها الملتوية علمت جيدا بهجة بمقصدها، ليأتي ردها المفحم:
– تسلمي يا مدام سناء، بس انا والحمد لله دارسة، القوانين وعارفة كويس اشتغل ع الكمبيوتر، يعني الشغل هنا اسهل بكتير من القعدة ع المكنة، مع اني والله اشتقــ,تــلها من دلوقتي.
– اممم.
زامت بها المدعوة سناء لتغلق فمها وتعود لما تعمل عليه، ف انتقلت ابصار بهجة نحو الأخرى، الانسة حكمت والتي تبسمت بمودة لها محفزة:
– برافو عليكي يا بهجة ، انا بحب اوي البنات المكافحة اللي زيك.
قولها اللطيف خفف على بهجة مع تلك النظرات المحبة من العم عبد الفضيل ، الصامت دائمًا، فلا يتحدث الا قليلًا، ولكنه يبث الطمأنينة بقلب من يرافقه، بدفء طيبته.
ولكن هذا الهدوء المبالغ فيه، لم تعتاد عليه بهجة، تفتقد صحبتها مع الفتيات بالأسفل وتباسطهم في الحديث البريء والجريء في ان واحد، صداقة مرت عليها سنوات، شغفها في اخراج القطع الجميلة من القماش لاشياء جميلة يرتديها الكبـ.ـار والصغار، عكس ما تدونه على هذا الحاسوب ، من بيانات واحصاءات تثير الصداع في بعض الاحيان.
نفخت بملل وهي تتلاعب بازرار الحاسوب بعدmا انتهت من معظم العمل المطلوب منها، تحصي الساعات والدقائق المتبقية في انتظار انتهاء اليوم الاول في هذا العمل الممل بحق.
– مساء الخير عليكم، الموظفة الجديدة بهجة هنا عندكم؟
هتفت احدى الفتيات مع اخريات زميلاتها في العمل القديم، ليهللن فجأة برؤيتها فهبت هي واقفة للترحيب بهم، لتحدث حالة من الهرج والصخب.
– يا حلاوة يا ولاد، ايه يا بت الحلاوة دي.
– مبروك يا بهجة قعدتك ع المكتب، عقبالنا يارب.
– الله يبـ.ـارك فيكي، عقبالكم يا ختي.
– عم عبد الفضيل ينفع توظفني معاها؟
تبسم الرجل الكبير بخجل من جرأة الفتاة، دون ان يرد كعادته، مما استفز المدعوة سناء .
– من فضلكم، بلاش الصوت العالي ولا الشوشرة ، دا قسم اداري، يعني احنا معندناش كده، أنا مقدرش اشتغل ع الصوت العالي ولا الصداع، عايزين نخلص اللي في ايدينا .
شهقت احداهن بالعلكة بفمها تود تقريع المرأة المتكبرة، ولكن بهجة لحقت بذكائها لتمنع الجدال من اوله:
– معلش يا مدام سناء، انا هاخدهم واخرج بيهم، عشان منزعجكيش، كملي انتي شغلك.
رمقها العم عبد الفضيل بتقدير لرجاحة عقلها في رأب الصدع من اوله، قبل ان يلتف بنظرة عاتبة نحو الأخرى.
لتخرج بهجة بزميلاتها في الرواق ، فيتبادلن معها المزاح بحرية حتى انضم لهما عدد اخر من بينهم كان زميلها تميم والذي عبر عن حـ.ـز.نه في انتقالها الى هنا، رغم فرحته لترقيتها ، وهي كالعادة ترد برقة، كما تفعل مع الجميع، فمرت لحظات من المزاح وتبادل الأحاديث مع تهنئتها للمنصب الجديد. قبل ان ينقلب كل ذلك مع مجيء هذه المتعجرفة وهتافها بازدراء نحوهم:
– ايه ده؟ ايه ده؟ دا بقى فرح مش قسم محترم، انت يا عامل انت وهي، سايبين شغلكم وجايين هنا القسم الاداري عاملينها زيطة، انا لازم اشوف شغلي معاكم.
– لو سمحتي يا انسة يا لورا، محدش فيهم عمل حاجة غلط عشان تحاسبيهم، دول جايين يبـ.ـاركولي.
هتفت بها بهجة بانفعال في رد لها، لتلتقط هي فرصتها في اهانتها امامهم:
– يا ما شاء الله يا ست بهجة، ما كانو يعملولك فرح احسن، بقى كل ده عشان قعدتي على مكتب، دا كدة يبقى المكنة اولى بيكي بقى.
صدرت بعض الهمهمـ.ـا.ت الغاضبة امام صدmة بهجة التي تلجمت لحظات قبل ان تستفيق على اعتراض تميم الذي وجه غـــضــــبه نحو تلك المتعجرفة:
– والله هو فعلا اولي بيها، ع الاقل مش هتشوف هناك اشكال بتتكبر على خلق الله زي ما بيحصل هنا.
برقت عيني لورا بإجفال، لتصيح به موبخة:
– انا متكبرة يا زفت انت؟ طب انا هوريك بقى المتكبرة دي بتعمل ايه مع واحد زيك .
– اعملي حضرتك، الرزق على الله مش بإيدك
صدر الرد القوي منه، ليحتدm بينهما شجار بالكلمـ.ـا.ت فيتدخل بعض العمال مثل صباح التي كانت تحاول التهدئة، وبهجة التي انتابها الخــــوف على قطع رزقه، لتأتي الصيحة الجهورية توقف جميع الألسنة،
– ايه اللي بيحصل هنا؟ وليه جمع العمال دا كله؟
توزعت عيناه بينهم حتى وقعت ابصاره على تلك البهجة، التي تميزت من وسطهم، لا تقوى على رفع عينها نحوه، حتى قالت بحرج:
– انا اسفة يا فنـ.ـد.م بس دول زملائي، وكانوا جايين يهنوني.
توسعت عينيه بذهول في النظر اليها، وتصلب جــــســ ـده بعدm تصديق، لهذه الهيئة الجديدة وقد بدت وسط المجموعة كزهرة متفتحة باختلاف جذري عنهم، وهذه الرقة في الرد عليه شتت ذهنه عن سبب مجيئه من الأساس.
ولكن انقشع السحر فور ان وقعت عينيه على هذا المدعو تميم، وحديث لورا في الإشارة عليه وعلى زملائه:
– رياض باشا، تعالي شوف بنفسك المجموعة اللي عاملة ازعاج دي، وانا بس عشان اتكلمت، الولد ده بيقل ادبه عليا .
مالت رأسه نحو المذكور بشر مرددًا:
– بيقل أدبه !
تدخلت بهجة بدفاعية نحو الشاب :
– لا والله حضرتك، هو بس بيدافع عني وعن الزملا بعد الأنسة لورا ما جات زعقت فينا من غير سبب.
تميم انسان في منتهى الاحترام وعمره ما يقل أدبه على حد.
كز على اسنانه وهو يبصرها بحنق شـ.ـديد ، يود لو يكتم على هذا الفم، ويغلقه عن التفوه بحرف واحد آخر بالدفاع عن هذا التميم ، والذي يود ان يقــ,تــله الان بسببها.
❈-❈-❈
اجتمعتا الاثنتان بمكتبه، فتحدثت لورا تصب على بهجة وزملائها اللوم والتصرف بعدm مسؤلية في اول يوم عمل لها، لتثقل عليها بطريقتها الفجة، في اظهار دنوها وعدm نفعها في وظيفة كهذه ، لتظل هي على صمتها، في انتظار دورها، حتى اذا انتهت لورا، اصدر امره هو:
– خلاص يا لورا روحي انتي شوفي شغلك .
– طب وهي؟
تسائلت مشيرة بالإبهام نحو بهجة، ليجيبها هو ببساطة:
– هي هسمعلها زي ما سمعتلك.
بدا الاعتراض جليا على ملامحها، رغم مجاهدتها لعدm اغضابه:
– ايوة يا فنـ.ـد.م، بس احنا اتكلمنا وقولنا كتير بما فيه الكفاية، هترغي وتقول في ايه تاني.
تبسم بهدوء يكاد ان يجلطها:
– انا عندى مرارة اسمع اكتر يا لورا ، روحي انتي شوفي شغلك، واما اعوزك هطلبك.
اضطرت بصعوبة ان تذعن لامره ، لتضـ.ـر.ب بقدmها على الارض فور ان استدارت بغـــضــــب متعاظم، تحجم نفسها بصعوبة عن الفتك بهذا الملعونة .
اما بهجة والتي اصابها اليأس مما حدث، فخرج صوتها فور مغادرة الأخرى:
– رياض باشا انا بقول ارجع لشغلي الاساسي زي الاول ، منعًا للمشاكل مرة تانية، بس ارجوك متأذيش اي حد من زملائي، دول جم يهنوني بحسن نية.
مالت رأسه في النظر اليها بتهكم، مشبكا اصابع كفيه ببعضهما، يظهر جمودًا نحوها، كي يخفي ما يعتريه من مشاعر في رؤيتها بهذه الهيئة المختلفة اليوم،
كلمة جميلة تجحف حقها، انها حقا فاتنة، وبصورة لافتة حتى لضعيف النظر، قدر صغير من الاهتمام مع ارتداء ملابس مبهجة بالوان ناسبت الخضار الصافي بعينيها يكاد ان يفقده صوابه،
– رياض باشا انا بكلمك .
– هو عاد فيها باشا ولا رياض حتى .
تمتم بها بداخله، قبل ان يتحمحم يجلي حلقه:
– اتكلمي يا بهجة انا عايز اسمعك، قولي اللي حصل وانا بعدها هبقى اقرر ان كنتي تستمري في الشغل هنا ولا لأ.
– تمام يا فنـ.ـد.م.
❈-❈-❈
لم يفهم كلمة مما قالت، وكيف له التركيز؟ وقد تشتت عقله ما بين طلتها الجديدة التي تسلب العقل رغم بساطتها، وما بين تذكره لما حدث ورأه بنفسه منذ دقائق، هذه الفتاة ستفقده عقله، نعم هذا اقرب تخمين له.
نفض رأسه، يجليها من الأفكار المتخبطة، ليلطم بكفه على سطح المكتب، يوقف استرسالها عله بالنقاش قد يستعيد التركيز،
– ثواني بس عشان متوهش منك، من البداية كدة ، انتي ليه مسمعتيش كلامها لما قالتلك اصرفيهم؟
تطلعت اليه بعدm استيعاب قائلة:
– امال انا بحكيلك في ايه يا فنـ.ـد.م بقالي ساعة؟ هما اساسا كانو مستيني عشان اصرفهم، دي ناس عارفة شغلها كويس واللي مستنيها، هي اللي كانت قاصدة بقى تحرجني قدامهم من غير ما اعملها اي حاجة والله، مش فاهمة انا هي بتعمل معايا كدة ليه؟
صمت قليلًا يحدق بهذه الحمقاء التي لم تفهم حتى الاَن سبب كره الأخرى لها، ليزفر داخله بحنق تاركًا كل ما اسهبت به يجفلها بمطلبه:
– بهجة ممكن متجيش الشغل تاني بالبلوزة اللي انتي لابساها دي.
زعرت تنزل بعيناها نحو ما ترتديه، تتسائل بحرج:
– ليه يا فنـ.ـد.م؟ هي بلوزتي فيها حاجة وحشة، دي حتى جديدة والله.
ردد بعصبية نافيا:
– مفيهاش حاجة وحشة يا بهجة، انا شايف انك تيجي بحاجة رسمية اكتر من كدة، وياريت لو غوامق افضل يعني، ممكن؟
اومأت بضعف وقد كسى الحـ.ـز.ن ملامحها الشفافة، لتزيد من ثقل ما يكتنفه من الداخل، تظنه يقلل منها، ولا تعرف بما يعتريه من عواصف وبراكين تتقاذف بالشرر تحرقه كلما تذكر تحديق الجميع بها، وبهيئتها المبهجة تلك بصورة تزعجه وبشـ.ـدة.
– بهجة متفهمنيش غلط ، انا مش قصدي خالص اللي في دmاغك على فكرة.
ردت بغصة مما تأصل بذهنها:
– انا فاهمة ومش محتاج تبرر يا فنـ.ـد.م، يبقى كدة لورا كان عندها حق وانا اللي مصدقتش بقى لما قالتلي انها بيئة ومتصلحش للشغل…….
سمع منها ليقاطعها بحدة، وقد فاض به منها:
– لأ مش بيئة يا بهجة، بل بالعكس ، هي حلوة وحلوة اوي كمان، هو انتي معندكيش مرايات في بيتكم.
اجفلها بصيحته، لتهتز بوقفتها بـ.ـارتباك يلفها، فلا تدري ان كان تغزل او انفعال بها، لتسبهل اهدابها عنه بخجل، انتبه له هو ليتدارك نفسه، فيسرع بالتصحيح، قصدي ان يبقى عندك ثقة في نفسك يا بهجة.
انا لما مضيت على عقدك كموظفة ادارية عندنا، دا لانك انتى قدها واكتر كمان لما تحاولي تطوري من نفسك، عشان تاخدي مكانتك اللي تستحقيها.
ارتخت ملامحها ببعض الارتياح لقوله ، لترفع ابصارها مرة اخرى اليه تخاطبه بامتنان :
– انا بصراحة مش عارفة اقولك ايه؟ كلامك دا حضرتك بيصحي جوايا احلام كنت دفنتها في الكام سنة اللي فاتو.
– متقوليش حاجة يا بهجة، انتي فكري وارجعي لشخصيتك اللي راحت منك من تاني.
بزغت ابتسامة مفاجئة على طرف شفتيها معلقة:
– شخصيتي اللي راحت كانت ضعيفة حضرتك، يعني مينفعش ارجعلها اساسًا.
– خلاص يبقى ارجعي لحلمك وا عـ.ـر.في وضعك كويس، اللي عايز تطور ميفضلش متبت ع اللي تحت.
قالها بقصد لم يعجبها لترفع رأسها باعتراض له :
– بس دول زملائي اللي عشت معاهم سنين، مينفعش اتخلى ولا اشوف نفسي عليهم، دا انا ابقى قليلة اصل .
تأثر بغـــضــــبها، ولكنه احتفظ بجموده ف الرد نحوها:
– يعني عايزة مني دلوقتي يا بهجة؟ اعطيهم مكافأة بعد ما قلو ادبهم على مديرة مكتبي؟
جحظت عينيها باتساع نافيه:
– حضرتك دي هي اللي دخلت فيهم شمال، وتميم يدوب كان بيرد عليها.
– تاني تميم؟
صدرت منه ضاربا بكف يده على سطح المكتب بتعصب، اوقع بعض الملفات والأوراق على الارض بسببه، لتتلجم هي بصدmة ، جعلته يزداد غـــضــــبا بداخله،
ولكنه حاول التحكم في انفعاله، لينهض عن مكتبه تاركًا كل الفوضى، ليقف مقابلها، ثم تفوه بصوت بنبرة متغيرة:
– ممكن يا بهجة تخلي بالك من كلامك معايا، ومتجبيش سيرة أي حد قدامي .
حديثه بهذا القرب والنبرة المختلفة، وتلك النظرة التي تشبه الرجاء، حينما التقت خضرواتيها ببندقيتيه، وحديث دار بينهما في لحظات لم تشعر بها، ان كانت طالت او قصرت، ترى ما تفسير ذلك؟
هل هو….. تبًا.
نفضت رأسها تزيح بوجهها للأسفل عنه، تقطع ذاك التواصل البصري بينهما، ترفض الفكرة من الأساس، لانه لا يصح ، أبدا لا يصح.
– حضرتك انا عايزة امشي دلوقتي وانا مطمنة، ارجو متعملش حاجة تاني لزملائي لو أمكن.
وصلها صوت زفرته القوية، قبل ان يعود مرة اخرى لمكتبه، يرضيها بقوله:
– ماشي يا بهجة اطمني، بس ارجو مـ.ـيـ.ـتكررش تاني اللي حصل .
اومأت بهزة من رأسها، دون ان ترفع عيناها اليه ، لتستأذن في الانصراف، تتبعها نظراته حتى اغلقت الباب خلفها، يسحب شهيقًا قويا بداخله ثم يخرجه بحالة من التشتت، لا يدري ما هي، يفعل اشياء دون ارادته، وهو الذي ظل لفترة طويلة من عمره المتحكم المسيطر ، باتخاذ البرود والجمود واجهة تمكنه من ذلك .
كيف لفتاة مثلها ان تذيب الجليد بأقل فعل منها ، بل بنظرة واحدة قادرة ان تفقده صوابه، كما حدث منذ قليل، لقد كبح بصعوبة ذراعيه عن ضمها اليه، وعن ثغره….. في تقبيلها .
يبدوا انه في مأزق لم يحسب له حسابا.
❈-❈-❈
خربتها وقعدت على تلها، ياكش تكون استريحت يا حيلة امك.
هتف بها خميس بتوبيخ نحو اكبر أبنائه، فصدر رد زوجته باعتراض؛
– وايه دخل امه بقى يا سي خميس؟ كنت انا اللي مشيتها مثلا؟
تشـ.ـدق بعصبية:
– لا يا درية بس كان لازم توقفيها، تجبري ابنك الاهطل ده ياخد بخاطرها، بدل ما البت خدتها من قاصرها المرة دي ووصلت الموضوع لأهلها، اهي وسعت والبت اخدها اخوها اللي مكدبش خبر هو التاني ، يعجبك كدة؟
مصمصت بشفتيها ، تردف باستهجان ردا له:
– ما هو لو لقى الكبير، كان عمل حسابه وراعى الاصول، لكن انت بقى راجـ.ـل مش فاضي ، محدش يلومك يا اخويا.
قالتها بإشارة نحو اهتمامه بهيئته الجديدة واختفاءه بالساعات في عيادة الطبيب لتكملة المتبقي لزرع الشعر بالصلعة الكبيرة وسط رأسه
– شوف الولية .
تمتم بها بغـ.ـيظ يكتمه، ليقارعها بطريقته:
– واسم النبي حارسه ابنك كان عيل صغير بقى يا ستى ومحتاج اللي يتصدرله، ممنعهوش هو ليه بقى؟ ها يا سي سمير ، ممنعتش نسيبك إنه ياخد اخته ليه؟
حينما توجه بالاخيرة نحو ابنه الذي اجاب بعنجهية يصب اللوم عليها:
– ما هو نفسه كان جاي متحمل، وكأنه كان مستنيها، بت الجزمة شكلها كانت معبياه عليا من زمان.
– من حقها يا سمير .
تدخل بها سامر يواصل نحو شقيقه:
– البت من ساعة ما اتجوزتك وهي شايلة ومعبية وساكته، كتر الضغط يولد الانفجار، وهي جابت اخرها منك ومن عمايلك .
احتقن المذكور وانتفخت اوداجه بعدm احتمال هاتفًا بشقيقه:
– اتلم يا سامر ، انا مش ناقص تناحتك انت كمان، يا إما وعهد الله لا اكون مطلع عليك غلب اليوم كله.
– طب قوم وريني يا حبيبي، ولا انت مقدرتش ع الحمار جاي تتشطر ع البردعة؟
هتف بها الاخر يستفز شقيقه، والذي زمجر في استعداد لخوض الشجار بالفعل، لتأتي صيحة والدهم الغاضب نحوهم بلطمة قوية على سطح الطاولة امامه؛
– نفس تاني هيطلع من اي حد منكم ، وعهد الله ما هيبات فيها .
اجبرهم بتهديده على الصمت، ثم نهض الكبير ولحق به الاخر، يغادران المنزل كل نحو وجهته، فعقبت درية في اثرهم بلؤم نحو زوجها:
– ايوة كدة وريهم العين الحمرا، دول ملهمش غير اللي يردهم.
انتفخ صدره بزهو ، يطربه قولها، ف ارتفعت يده اعلى رأسه نحو الجزء المزروع حديثا من الشعر بصلعته، وكأنه يطمئن انهم مازالوا موجودين، لتلوي هي فمها باستنكار وضيق ، فجاء قول ابـ.ـنتها المتابعة منذ البداية بصمت:
– كل اللي حصل ده بسبب بوز الاخص اللي اسمها بهجة، لولا قعدتها معانا في نفس البيت، مكانش سمير فضل كدة متعلق بيها.
عبس خميس ملوحًا بكف يده في الهواء بعدm اكتراث، اما والدتها ، فقد ضاقت عينيها بتدبير تديره برأسها ، تعتزم تنفيذه. في اقرب فرصة
❈-❈-❈
حينما خرجت من غرفته ، ظلت على وضعها بهذه الحالة العجيبة حتى من عدm الفهم لما يحدث معها، حتى انها لم تنتبه لهذه المدعوة لورا ولا حتى بالنظر اليها،
لتعود الى مكتبها، تتلاعب بشاشة الحاسوب دون ان تفهم ولو كلمة واحدة مما هو مكتوب امامها، تعيد برأسها هذا اللقاء الذي تم منذ قليل ، رافضة وبكل قوتها هذه المشاعر التي اصبحت تعبث بغباء داخلها.
– مينفعش، اكيد مينفعش ، دا ايه الغباء اللي انا في ده؟ اكيد فاهمة غلط اكيد.
صارت تردد بها داخلها ، حتى تفوهت بها بفمها دون ان تشعر، لتثير دهشة من يشاركها العمل بتلك الغرفة.
حتى أتى اتصال الهاتف برقم تعرفه، لتفتح سريعًا في الرد عليها بقلق:
– الووو…. ايوة يا دادة، مدام نجوان……… ليه مالها ؟
↚
يبدع في اصدار الصفير بفمه، كأداة نداء لمحبوبته، صوت خفيض ولكنه مميز ، تعرفه هي فقط
وكأنه عاد مراهقًا، في مشاكسة ابنة الجيران ، والتي أتت بخطواتها الخفيفة على أطراف اصابعها ، من داخل غرفة ابيها والتي تدخلها كاللصوص في غياب الرجل، من اجل مقابلته، داخل الشرفة المجاورة لشرفته،
بعدmا غافلت اشقائها وجميع من في المنزل؛
– صباح الخير يا استاذ شادي.
القت بتحيتها الهامسة، تميل برأسها نحوه بشقاوة لا تتخلى عنها في حضوره مهما حاول معها .
التف اليها بأعين تضيق بنظرات مفهومة لها :
– صباح الخير يا استاذة صبا، يارب تكوني بخير .
يضغط على حروف كلمـ.ـا.ته برسميه اضحكتها، ليلوح بقبضة يده نحوها بابتسامة مستترة قابلتها بمثلها ترتد للخلف محذرة:
– خواتي الولاد في الصالة، ممكن يحسو بأي حركة ويطبوا علينا، ساعتها هيبجى منظرك زي العيال .
ضغط على شفته السفلى يردد خلفها بإقرار:
– وهو انتي اللي يرتبط بيكي يبقى فيه عقل؟. انا فقدت اتزاني والشعور بالعمر من وقت ما شوفتك، مش عارف هتوصليني لأيه في الاخر يا بـ.ـنت ابو ليلة؟
رفعت كفها تداري على فمها تدعي شهقة مصطنعة:
– انتي هتغلط كمان في الحج ابو ليلة، لااا انا مسمحلكش يا استاذ .
هذه المرة لم ينطق ببـ.ـنت شفاه، وفضل الصمت متأملا لها، تلك الحيوية والاشراق وجمالها الفاتن، لا يصدق حتى الاَن هدية الله اليه بها ، وقد اقترب الميعاد، وحلمه بها على وشك التحقق.
– إيه ساكت ليه؟
خرج السؤال منها بتوجس لصمته، فما كان منه سوى ان يهديها ابتسامة رائقة قائلا:
– ساكت عشان بفكر يا صبا، العفرتة والشقاوة دي لما تبقي معايا في عشنا بكرة وبين ايديا هيحصل ايه؟
شهقة بإجفال حقيقي صدر منها هذه المرة، وقد اكتست الحمرة وجنتيها على الفور مرددة بخجل :
– يعني هيحصل ايه يعني؟ انا الحج عليا اللي سيبت اخواتي والبيت المليان بالحبايب عشان اجي اجابلك مع انك تجدر تكلمني بالتلفون،
– تلفون!
– ايوة تلفون، وبطل تتنمر على لهجتي يا شادي.
يعلم ان هجومها سببه الاساسي هو ان تغطي على خجلها منه، فهذا اسلوبها وقد حفظه منها، واعتاد ان يجاريها بمشاكسته ايصًا:
– طب واتنمر ليه بس يا بـ.ـنتي وانا عجباني الكلمة اصلا؟ دا حتى تلفون لايقة اكتر على تليفون .
– تاني يا شادي، طب انا ماشية وسيباك.
قالتها وتحركت اقدامها على الفور، وقبل ان تغلق باب الشرفة بذهابها للداخل تمتمت بالاخيرة امام ابتسامته:
– وخليك انت كدة مع نفسك يا متنمر.
اطلق ضحكة مجلجلة اطربت اسماعها، وابصاره منصبة على طيفها من خلف الستار الذي اغلقته مع الباب الزجاجي للشرفة، يعلم انها هي ايضا تضحك، لحظات الترقب في انتظار اليوم الموعود على قدر صعوبتها، لكن ما أجملها:
– خلاص هانت يا صبا، هااانت كلها يوم وليلة بس وتبقى في حـ.ـضـ.ـني .
تمتم بها بصوت مسموع وصلها دون جهد، لتضع يدها على موضع قلبها تحاول تهدئة الضـ.ـر.بات التي تتقافز به، باتساع السعادة داخلها لقرب الوصال بمحبوبها.
❈-❈-❈
ليس على طبيعته، حتى ومعاملته الرسمية تبدو امامها بصورة عادية لا يشوبها شيء، لكنها تجزم بداخلها انه متغير من ناحيتها، حتى وكتلة البرود التي يتحلى بها دائمًا تظهر عكس ذلك، لكنها ليست غافلة عن شخصيته التي تعرفها جيدا.
– الورق يا لورا
صدرت بصوت عالي منه تفيقها من غمرة شرودها، اثناء انتظارها لأخذ التوقيع منه على بعض الملفات التي قامت بمراجعتها، لتنتصب بوقفتها، ثم اقتربت تتناولهم منه، وعيناها منصبه نحوه تستجدي نظرة لا يريحها بها ابدا ، تبا له من قاسي.
تبسمت تعيد حساباتها بتغير منهجها في التعامل معه، علُه تكسب نقطة في الطريق اليه:
– رياض باشا، قبل ما امشي انا حابة اعتذرلك .
– تعتذريلي عن ايه؟
تسائل مستفهما يضع القلم بجيب سترته العلوية، لتفاجأه بضعف غريب عنها وهي تقول :
– حضرتك بعترف اني زودتها في الموضوع الاَخير، بس انا مكنتش قاصدة اطرد العمال ولا اهين بهجة، هو بس الصوت العالي اللي ازعجني، وكانت لحظة غـــضــــب وانفلتت اعصابي فيها.
مط شفتيه بابتسامة غامضة يتقبل اعتذراها بسـ ـخـــريــة:
– مشكورة طبعا يا لورا على رقتك، بس ان جينا للحق الأسف ده من الواجب يروح لصاحبة الشأن مش انا .
برقت عينيها بصدmة، لا تصدق فحوى ما يرنو اليه ، ان تعتذر لهذه الملعونة، وكأنه كان يقصد التلاعب بها ، لطف يخفف عنها بمكره:
– اطمني يا لورا، انا مش هطلب منك تعتذريلها طبعا، بس ياريت تحاولي تنجنبيها، بهجة بقت شيء مهم للست الوالدة دلوقتي، بالظبط زي نبوية، وانتي عارفة اللي يخص والدتي ، بتبقى مكانته ازاي عندي
مازال تأثير الصدmة يلون ملامحها، ليتها ما فعلت ولا اعتذرت من الأساس ، لقد غلبها بخبثه، جعل منها أضحوكة امام نفسها ، وقد وضح مكانة هذه الملعونة بالنسبة اليه، وهذا ما نطق به فمه، فما بالها بما يدور بداخله.
– روحي على شغلك خلاص يا لورا ، انا اعتبرته موقف وعدى ، لحظة غـــضــــب زي ما بتقولي .
أومأت بملامح ممتقعة، مستأذنة بصوت بالكاد خرج ، لتجر اذيال الخيبة وقد ذهبت منها النقطة التي تقصدها لصالح هذه الملعونة.
اما هو فقد نهض فور خروجها، ليستقر ببصره خارج النافذة يشرد بتلك البهجة التي طغت برقتها ووداعتها تلون ظلمة قلبه الصدئ، ولا يعلم نهاية هذا الجرم الذي يفعله بنفسه، وقد اقسم قديما الا ينال منه الحب ولا يضعفه.
❈-❈-❈
عدة ايام مرت بهم معه؛ وكأنه يطير بها على خيمة وردية، تلامس طيور السعادة بيداها، يغدق عليها من عشقه حتى ترتوي من فيض حنانه وأكثر، وهو لا يكل ولا يمل من القرب منها، يشعرها بأنوثة كانت ضائعة بمفهوم ترسخ بعقلها القديم، والذي نضج حديثًا على يديه ، معه فقط عرفت معنى الكمال.
كانا الاثنان في هذا الوقت يستمعتان بعطلتهم داخل مياه البحر التي يسبح بها بمهارة، وهي بملابس البحر المحتشمة تسبح محلها، بعدmا سحبها معه على غير ارادتها، تحاول مجارة عبثه من تحت الماء ، حيث كان يداعبها على حين غفلة منها كل دقيقة، قاصدا مناكفتها .
– بس يا عصام، وربنا هخرج لو مبطلتش.
ضحك يخرج رأسه المبتل من اسفل المياه غائظا لها:
– طب ما بدل ما تخرجي وتسبيني، انزلي تحت واغلبيني، ولا انتي لزقتي مكانك في المية .
دفعته بكمية من الماء بيدها تنهره:
– انا برضو اللي مش عارفة اعوم، ولا انت اللي عاملي زي تعبان البحر، كل ما ابلبط بدراعي حبتين الاقيك لفيت حواليا ، ومش عارفة الاقيها منك، احوش الايد والرجل ولااااا……..
سحرها بضحكته ينثر شعر رأسه الناعم بعض الشيء، يدفعه نحوها يزيدها تأفافا،:
– ما انتي اللي كسلانة وبصراحة صيدة حلوة للواحد يتسلى عليها جوا المية
بابتسامة مستترة صارت تدفعه عنها تتصنع الضيق وهو يتقبل منها بصدر رحب، مواصلا مشاكستها:
– يا بـ.ـنتي انتي بتضـ.ـر.بي ولا بتهرشي، طب شوية كدة ع الضهر بقى، ولا تحت بطاطي هاتي احسن تحت بطاطي .
استطاع بخفة ظله ان يجبرها على الضحك، رغم انهزامها في كل مرة تدخل معه تحدي.
بعد قليل وحينما شعرت بالاجهاد همت ان تسبقه بالخروج قائلة:
– طب انا هروح اسبقك، واحضرلنا سندوتشين ناكلهم، حكم انا جوعت اوي.
– تمام وانا هحصلك على طول ،
اتخذت طريقها للخروج من امامه، لينقلب هو بمهارة يكمل جولة الاستمتاع بالمياه، حتى ارتفعت ابصاره نحوها فجأة، ليتفاجأ بأحد الشباب المستهرتين من جهة قريبة الى حد ما في هذا الشاطيء الهاديء بعدد افراده القلائل.
يرمقها بنظرة متفحصة وقد كانت غافلة هي بما تفعله، عن نظرات شهوانية لا يفهمها سوى رجل مثله، يضغط بأسنانه على شفته السفلى بفجر تام ، جعل الدmاء تغلي بأوردة الاخر، ليخرج اليه على الفور يفاجئ هذه الشاب بهجوم مباغت، وقبضة قوية حطت على فكه ، ليصـ.ـر.خ معبرا عن اعتراضه بالسباب والشتائم نحو هذا الرجل الذي يتعدى عليه دون ان يعرفه:
– ايه ده؟ ايه ده يا بن الكـ.ـلـ.ـب؟ انت قد الحركة.
صدر رد عصام على الفور يجذبه من عنقه:
– انا حضرة الظابط عصام يا حـ.ـيو.ان، وهعلمك الادب كويس دلوقتي عشان تحرم تبص على اي حاجة تخصه ولا تخص غيره.
سارت الهرج والمرج على الشاطيء بتجمع الافراد حولهم ، وقد الاشتباك بين عصام الذي يريد الفتك بالشاب العابس ، مهددًا بمهنته، وهذا الشاب الذي يصارع من اجل البقاء من بين يديه، بالصراخ وادعاء المظلومية امام الاشخاص التي اشتد بأسها لتخليصه من ايدي الظابط المتعجرف بوجهة نظرهم
وهي التي وقفت محلها بصدmة واضعة كفها على فمها ، لا تصدق هذه العدوانية المفاجأة منه، جاهلة بالسبب الحقيقي وراء تبدله من حالة الاستمتاع معها داخل المياه الى هذا الوحش المفترس.
❈-❈-❈
– ممكن افهم يا عصام ايه اللي قلبك كدة وخلاك تهجم ع الراجـ.ـل وهتمـ.ـو.ته في ايدك من غير سبب .
.هتفت بها فور دخولها خلفه غرفة الفندق الخاصة بهم، بعد فترة طويلة من الصمت، طوال طريق عودتهم، لتفاجأ به ينقض عليها قابضًا على ذراعها يهدر بوحشية اهتز لها جــــســ ـدها من الخــــوف:
– انتي تخرصي خالص يا أمنية، عشان لولا نظرة الحـ.ـيو.ان السـ.ـا.فلة ده ليكي، مكنتش انا خرجت عن شعوري ولا حصلت الفـ.ـضـ.ـيحة دي على الشط، انا بقيت قدام الناس الظابط المفتري على خلق الله وانتي السبب، انتي السبب يا امنية.
ارتجفت بصدmة وعدm استيعاب، تترقرق بعينيها الدmـ.ـو.ع:
– انا يا عصام، طب ايه ذنبي؟ ما انا كنت معاك في البحر وهدومي حشمة عن اي واحدة هناك، انت نفسك معترضتش عليها.
صاح بها يدفعها بيده:
– عشان مكنتش واخد بالي، كل حاجة كانت في عيني تمام التمام لحد ما شوفت نظرته عليكي، والهدوم اللي لزقت من المية والهوا فصلت جـ.ـسمك ، عقلي طار مني ، ان حد يبص لملكي ولا يلمسه انا ببقى عايز اصور قتيل
– يلمسه!
تمتمت بها بضعف تبتلغ الغصة التي مررت حلقها، لقد عرفت الاَن وتأكدت ان هجومه بهذه الشراسة على هذا الشاب، لم يكن سوى غـــضــــب مكبوت ينفس عنه، وقد رأى بهذا المتعوس صورة الفاسد سبب كل ما يحدث معها الاَن.
لتشيح بوجهه عنه، بل وتعطيه ظهرها، لتزرف الدmـ.ـو.ع بصمت ، مما زاد من جذوة غـــضــــبه ليهدر حاسمًا، احنا من النهاردة نلم هدومنا، انا كرهت القعدة هنا ومش قاعد فيها، جهزي نفسك.
صرخ بالاخيرة ليدلف نحو المرحاض يتركها تسقط على الفراش تندب حظها وتغرق في موجة من البكاء الحارق ، لماذا تعطيها الدنيا السعادة مغموسة بألاَم الماضي؟ لماذا لم يكن هو نصيبها من البداية؟ لماذ؟
❈-❈-❈
اصدر القاضي حكمه بما توفر لديه من اوراق وبراهين، هذا ما بيده وما يتم الحكم على اساسه، لا يعلم ان خلف حكمه تضيع في بعض الاحيان حقوق وتطمس على اثره حقائق، بفضل شياطين من الإنس تجيد تزوير الدلائل بل وقلبها ناحية المظلوم ، يعميها حب المال فتتخذ من المهنة دفاع لمن يدفع، وليس لمن يستحق.
هذا ما تم في الجلسة حينما قلب هذا المحامي الفاسد الموازين و.جـ.ـعل القضية لا تزيد عن خصومة وشجار ، فلا يوجد من يثبت حقيقة القــ,تــل قديما، ولا شهادة محققة عن الخـ.ـطـ.ـف، سوى كلام الخصم. وهذا ما لعب عليه بدقة متناهية ، ولكن مهما طال الزمن او قصر حق الله اَت لا محالة .
لتصدح اصوات الزغاريد وتعج القاعة بالصخب فور انتهاء الجلسة:
– مبروك يا ابراهيم، ربنا ظهر الحق يا قلب امك .
تفوهت بها سميرة تمسك بالسياج الحديدي للقفص المحبوس بداخله، وفمها هي وعدد من النساء والرجـ.ـال من أقاربها والمعارف لا يكفون عن الصيحات بحيا العدل بحيا العدل
ليعقب اليها ابراهيم والذي صار يضحك بعدm سيطرة مع تهاني الرجـ.ـال ومبـ.ـاركتهم له :
– الله يبـ.ـارك فيكي ياما يا غالية، فينه ابويا يعرف ان الحق ظهر، وانه كان ظالمني، وربنا ما هفوتها له دي،
– يا خويا خلي قلبك ابيض، كفاية اهو نفعنا بفلوسه وخلاص، انت عايز ايه اكتر من كدة
قالتها سميرة بتباسط ليتدخل معها المحامي المغوار بزهو:
– اه يا ست سميرة، واديكي عرفتي ان الفلوس مترمتش في الارض ، طلعتلك ابنك براءة من حنك السبع ، عشان ت عـ.ـر.في اني قد الكلمة اللي باقوله.
تمتمت له هي بامتنان ليضيف عليها ابراهيم بفرح :
– ايوة انت عمنا وسيد الكل، انا مش هسيبك ابدا، مدام بتعرف تجيبها كدة.
سمع المذكور ، يزداد انتشاءًا بكلمـ.ـا.ته اما هو فغمغم بداخله:
– ومدام بقى ليا ضهر طول ما الفلوس موجودة، اعمل انا اللي على كيفي بقى،
❈-❈-❈
داخل الشرفة الواسعة، وقد كانت جالسة بالقرب منها تراقب انـ.ـد.ماجها على جهاز اللوح اللاليكتروني، حيث كانت تحرك اصبعها على الشاشة، تحارب بالبطل الرئيسي في تلك اللعبة في محاوله منها لأن تهزم الاشرار، بعد ان تعلمتها من شقيقتها عائشة، والتي زاد تعلقها بها ، حتى تجعلها تصر على الذهاب اليها كالاطفال ، كما حدث منذ ايام حينما جعلت الدادة نبوية تهاتفها اثناء العمل وتطلب منها الذهاب معها ضروري الى عائشة بعدmا نفذت طاقتها من الحاحها.
تنهدت بقنوط تربع ذراعيها مستسلمة لنسمـ.ـا.ت الهواء العليلة والتي كانت تطير حجابها كل لحظات وهي تحاول السيطرة عليه ، حتى وقعت عينيها في الأسفل،
نحو موكب السيارات التي توقفت امامها، وهو يترجل من احداهما، وابصاره في الأعلى نحوها، وكأنه يعرف انها في انتظاره، وقد تعودت عليه هذه الايام ، يأتي في ميعاد محدد بعد استلامها لنوبة عملها،
تلتقي عينيها به ، رغم محاولاتها الحثيثة للهروب منه، لا تريد الاستسلام لهذه المشاعر التي اصبحت تجتاحها بوجوده، لقد اغلقت على باب قلبها بمفتاح صديء منذ سنوات عديدة، منذ فسخ خطبتها بابن عمها الذي لم تعرف معه معنى الحب من الأساس، لا بل قبل ذلك، منذ مراهقتها ومشاعر الاعجاب العادية من الفتيات نحو الشباب ، ابدا لم تصل لهذه المرحلة ودقات القلب التي اصبحت تعزف الحانًا له هذه الايام،
لا يجب ولا يصح، ولكن لا تستطيع منع نفسها عن التفكير به، ولا عن افعاله التي تبدو مكشوفة في بغض الاحيان، مثلما حدث منذ يومين
حينما التسعت يدها من كوب الشاي الذي كانت تعده لتفسها في المطبخ، وانفلت من يدها ليقع على الرخامة ومنه ما وصل لظهر يدها، فصدح صوت صرخة منها كرد فعل طبيعي منها، في غياب العاملين في المطبخ بذهابهم لمنازلهم على موعد التاسعة.
وقبل ان تستقيم بجــــســ ـدها جيدا وجدته امامها بلهفة يسألها:
– بهجة ايه اللي حصل؟ حرقتي نفسك ازاي بس؟
صدر سؤاله الاَخير بعدmا انتبه لحرق يدها،
– الشاي، الشاي انكب عليا
تمتمت بها كإجابه ، فلم ينتظر ثانية بعدها، ، ليتناول يدها على الفور فيقربها نحو صنبور الماء ،
– ااه اه، خلاص خلاص، خلاص يا فنـ.ـد.م.
رمقها بنظرة لن تنساها، ليظل ممسكا بها حتى هدأت قليلًا، ثم اغلق الصنبور، وتحرك بها ، ليجلسها على احد المقاعد المرتصة نحو الطاولة الصغيرة بالمطبخ، يخاطبها بحنو غريب عنه:
– معلش استحملي شوية.
اومـ.ـا.ت باستجابة رغم اتجاف يدها بالو.جـ.ـع، فذهب من جوارها، ليأتي لها ببعض الاسعافات بعد لحظات قليلة، يضعهم على الطاولة، ثم يجلس هو الاخر مقابلا لها، يجفلها بتناول يدها مرة اخرى دون استئذان، لتلجمها الدهشة عن الاستفسار، بعدmا باشر في اسعاف يدها بتجفيفها من الماء برقة متناقية، يطمأنها بنبرته الدافئة، يشير على احدى علب العلاج:
– الكريم دا سحري ، انا جايبة معايا من رحلتي في السويد ، عايزك بس تتحملي الخـ.ـطـ.ـفة الاولى .
– يعني ايه؟
ما كانت تتفوه بها حتى باغتها بوضع كمية على موضع الحرق صرخت على اثرها، حتى كادت عيناها ان تدmع.
– اااه ااه اااه دا بيحرق ….. دا بيحرق اوي.
حاولت جذب يدها ولكنه تشبث بها يهادنها:
– معلش…. اتحملي هي ثواني بس يا بهجة.
امام اصرارها اضطرت ان تتحمل هذه الثواني، والتي لم تدوم كثيرا كما قال، وقد اصبح الالم يخف تدريجيا، حتى سكنت مقاومتها ، ليلاحقها بسؤاله:
– هدأ الالم دلوقتي صح ..
اومأت بهز رأسها دون ان تتمكن من الرد، فتابع بباقي الاسعافات ليلفها بالشاش الطبي بلطف مبالغ فيه، يبثها الامان بقوله:
– من هنا للصبح ان شاء الله مش هتحسي بأي حاجة، حمد لله ان حرق خفيف، وانتي اكيد حمولة يا بهجة ولا ايه؟
ابتعلت رمقها امام هذا القرب، والذي لم تشعر به سوى الاَن، يدها المحتجزة بين كفيه، رغم انتهائه من مهمته،
وهج بندقيتيه اللتان تحدقان بها ، بطريقة عجيبة تأسر من أمامها،
– ما هذا الذي يحدث؟
– وما ذلك الشيء الذي تتأثر به جميع حواسها حتى تشعر به داخل معدتها؟
لقد صار الوضع اكثر من تحملها ، لتحاول نزع يدها بخفة منه ، ولكنه ابى متابعًا حديثه:
– لو حاسة بألــم حقيقي قولي متتكسفيش، مش معنى ان بشكرلك في العلاج يبقى لازم اكون انا على حق.
– لاا يا فنـ.ـد.م، انت فعلا والله على حق،
رددت بها بـ.ـارتباك، لتتمكن هذه المرة من نزعها منه مستطردة
– وانا لازم امشي دلوقتي…. اه
صدر تأوه منها مرة أخرى، لتتطلع له باستفسار اثار تسليته:
– الحركة العنيفة هي اللي خليتك تتألــمي يا بهجة مش الكريم.
اطرقت بحرج، لتثبت يدها عن الحركة هذه المرة بحرص، فتابع موجهًا لها بالامر :
– هتروحي النهاردة مع عم علي من غير تقاش، هجيبلك في الطريق معاه شوية ادوية من الصيدلية ، تساهم اكتر في الشفا بإذن الله.
حينما ظلت صامتة اردف بتشـ.ـديد:
– سمعتي انا بقولك ايه يا بهجة ولا نعيد تاني؟
اومأت بحرج متزايد ، تريد الهرب من سطوته ، تريد الافلات بقلبها من شيء لا تريده، نعم لا تريده،
❈-❈-❈
وفي ناحية اخرى
بعد عودته من العمل وسماعه الخبر المشؤوم، لم يطق الانتظار حتى موعده الرسمي ليقود سيارته ، ويأتي اليها على عجالة كي يطمئن عليها، ليتوقف الاَن على مدخل الغرفة ، يتهامس عن حالتها مع والدته:
– هي كدة على وضعها من ساعة ما سمعت الخبر؟..
ردت مجيدة بأسى:
– اه يا كبد امها، انا حاولت معاها، ولينا كمان في التليفون مسيبهاش كل شوية تتصل، حتى امين كمان وعدها انه هيفتح لها ملف القضية من تاني ومش هيسكت غير لما يرجعه السـ.ـجـ.ـن ابن امه ده، بس هي مفيش فايدة.
تمتم ردا لها بغـ.ـيظ شـ.ـديد:
– ابن ال…… كانت ناقصاه هي….. خلاص يا ماما روحي شوفي انتي ايه اللي وراكي.
ربتت مجيدة على كتفه بدعم ، ثم تركته يدلف الى زوجته، كي يهون عليها مصابها:
– شهد.
هتف مناديا بإسمها، ليجيرها على الإلتفاف اليه، ولكنها انتظرت للحظات حتى جففت دmـ.ـو.عها قبل ان تلتف اليه برأسها، فوجدته سقط خلفها على الفراش، يضمها الى صدره مهونا:
– متخبيش عني دmـ.ـو.عك يا حبيبتي، انا حاسس بو.جـ.ـعك
قالها ف انطلقت هي في موجة حارقة من البكاء وكأنها كانت في انتظاره:
لتردد بعد فترة من الشهقات المتتاليه:
– حق ابويا يا حسن، حق ابويا ضاع،
لتكمل بنشيج حارق قطع نياط قلبه، ولكنه استمر في طمأنتها:
– حق باباكي راجع غـ.ـصـ.ـب عن الكل يا شهد، صدقيني يا حبيبتي مهما طال الزمن او قصر، حقه راجع ، دا غير ان امين اكدلي انه حاطط الموضوع في دmاغه، ومسيره يرجع الكـ.ـلـ.ـب دا السـ.ـجـ.ـن من تاني، هو والمحامي الفاسد بتاعه.
هدنت قليلًا لتتجاوب في الحديث معه؛
– فاسد ولا شريف، المهم انه قدر يخرجه من القضية ، ويضيع حق المـ.ـيـ.ـت ويحصرنا اخنا ولاده عليه، دا يرضي مين دا بس يا ربي؟ يعني اروح اشتري مسدس واخد تار ابويا بإيدي، ساعتها الحكومة هتسيبني بقى، ولا تفتكر تنفذ القانون عليا انا بس ، اللي بدور على حق المظلوم .
حاول ان يخفف عليها بدعاباته:
– مسدس ايه يا بس يا عم الخط، استهدي بالله يا روح قلبي وخلي تكالك على الخالق، دا لوحده القادر القهار،يعني ولا مية محامي هيقدر ينجيه من عقـ.ـا.ب ربنا ، في الدنيا قبل الاخرى ان شاء الله ، خليكي واثقة في كدة، واللي ظهر حقيقته بعد كل السنين دي، اكيد يعني مش هيبقى صعب عليه يجازيه بعمله
– ونعم بالله ونعم بالله .
صارت تردد بها وهي تندس بحـ.ـضـ.ـن زوجها، تنشـ.ـد الراحة، لقلب احترق بنيران الظلم التي تنادي بالانتقام.
❈-❈-❈
– عائشة عائشة
– يا دي النيـ.ـلـ.ـة عليا.
تمتمت بالكلمـ.ـا.ت بهجة ، خلف الاخرى والتي تصر عليها الاَن الذهاب الى شقيقتها، لتحاول معها لاقناعها:
– بكرة ان شاء الله هاخدك ليها بس النهاردة ……
– عائشة عائشة.
قاطعتها تردد بنفس الاسم ، في رسالة واضحة لعدm التقيل، لتزفر بهجة بيأس ضاربة بقدmها على الارض:
– طب احلها ازاي دي بس وانتي مش قابلة حتى تسمعي.
– ايه اللي حصل يا بهجة؟ ومالك ومتعصبة كدة ليه؟
شهقت ملتفة عنه بحرج، فور ان انتبهت لحضوره، كيف يأتي في هذه الاوقات الحرجة لها
– يا مصيبتي.
لاحت ابتسامة عابثة على شفتيه لهيئتها تلك ، ليلملمها سريعًا في استجداء الجدية:
– بهجة انا بكلمك على فكرة مينفعش تديني ضهرك.
اغمضت عينيها لتعود اليه بوجهها الذي اصبح كتلة مخضبة بالإحمرار،:
– انا اسفة يا فنـ.ـد.م، عشان بصراحة مقدرش اخدها النهاردة اصل معزومة على حنة .
– حنة مين؟
سألها بفضول اثار دهشتها ولكنها تغاضت تجيبه:
– ابن عمتي شادي، اللي شوفته قبل كدة في الخناقة، خطيبته عزمتني احضر معاها الحنة انا واخواتي.
وعلى عكس ما توقعت ، جاء رده بعد فترة قصيرة من التفكير :
– بس انتي عارفاها مدام اصرت يبقى انسي تشيل من دmاغها ولا نوقف، ايه رأيك حتى لو نص ساعة تشوف الجو الجديد،، وبعدها تروح مع عم علي….. او…… ممكن اعدي انا بنفسي واخدها، هبقى اتصل بيكي توصفيلي المكان
لماذا تشعر ان خلف اقتراحه يوجد شيئًا ما من اللؤم.؟ ولكن ماذا بيدها؟
القت بنظرها نحو نجوان التي زاد الاصرار ملامحها، لتتنهد بيأس:
– ماشي يا فنـ.ـد.م
❈-❈-❈
خرجت دورية من غرفتها بعدmا تجهزت وتزينت من اجل حضور الحفل، لتفاجأ بدخول ابـ.ـنتها المنزل عائدة من الخارج، بهيئة صاخبة اثارت استهجانها لتتسائل مقيمة لها من اعلى الى اسفل:..
– ايه يا بت د؟ روحتي هيبتي دا كله فين؟ وامتى لحقتى؟
اجابتها بثقة وهي تتلاعب قي خصلات شعرها.
– لحقت وعملت بسرعة ياما ، عشان كنت حاجزة من امبـ.ـارح ومجهزة نفسي، بصي بقى على هيئتي كويس اجنن صح، بصراحة انا قاصدة، عايزة ابقى احلى واحدة في الحنة النهاردة، حتى العروسة.
التوى ثغر دورية بضيق عبرت:
– ولما في الحنة وعاملة كدة، امال في الد.خـ.ـلة هتعملي ايه؟ اتحركي يا سامية خلينا نخرج في ليلتك المهببة دي، مقطعة نفسك على حاجة مفيش منها فايدة، زبك زي اخواتك….
قالتها وتحركت تسبقها الى باب الخروج، لتتمتم هي في اثرها:
– واش عرفك انه مفيش منه فايدة، مش يمكن يحصل ولا يتم المراد حتى بعد ما يتجوز، واديني بتسلى، هو انا هخسر ايه يعني؟
❈-❈-❈
عقب مغادرة الاثنتان دورية وابـ.ـنتها، أتت سيارة العم علي تتوقف امام المبنى، وقد اصبح اهل المنطقة يعتادو عليها بمعرفة ان بهجة تعمل مع صاحبتها، والتي ترجلت بفرحة تغمرها تتلقى استقبال عائشة التي كانت في انتظارهم:
– نوجة صاحبتييي.
تم اللقاء بعناق حار اجبر بهجة للتوقف امام مشهدهم، ان كان فرح شقيقتها بلقاء المرأة التي تسبقها في العمر اضعاف، نابعًا من براءة طفولتها او يمكن تذكرها بحنو الولدة التي لم تراها من الأساس، نظرا لمـ.ـو.تها في ولادتها.
فن فرحة نجوان فهي ما تثير الدهشة بحق، هل ترى فيها بالنصف عقل المتبقي لها صديقة تشاطرها اهتمامها، ام هي الأخرى تجد بها تعويضًا عن كل ما تفتقده من حب، بعد رحيل زوجها وهوسها بعشقه، كما عرفت
– براحة، براحة شوية يا شوشو الست مش حملك
جاء التعقيب لصاحب الصوت المعروف من خلفهم، ليجبرهم على الالتفات اليه، وقد اكتملت مرحلة زرع الشعر لتعطيه الثقة الاَن في الحديث امامها، تلك الفاتنة ذات السلاسل الذهبية والتي كانت تتطلع اليه الاَن بنظرات فسرها بداخله ، انها اعجاب بهيئته الجديدة، وقد ابتاع ايضا ملابس عصرية الى حد ما، لتناسب السن وطبيعة الجــــســ ـد المتكور:
– عاملة ايه يا هانم؟ يارب تكوني بخير، انتي شكلك خلاص بقيتي من اهل المنطقة.
بالطبع لم يجد ردا منها، وقد اعتلت الدهشة تعابيرها، لتزفر بهجة بنزق لهذا المشهد الذي اصبح يتكرر معهما منه، فتسحبها من يدها وتتحرك بها قائلة له بمودة زائفة وكلمـ.ـا.ت مقصودة::
– للمرة المية هقولهالك يا عمي، نجوان هانم مبتسلمش على حد .
اعترض يدب قدmيه على الارض امامها؛
– وهو انتي بتديها فرصة اساسًا، ما كل مرة بتسحبيها بمجرد ما اقرب ارحب بيها ، مش كدة يا بـ.ـنتي الله،
مالت رأسها نحوها باستهجان ناظرة له، متمتمة له بابتسامة صفراء:
– فرصة ايه يا عمي بس؟ ما قولتلك ترحيبك وصلها، هي كدة مبتحبش الرغي من اساسه، عن اذنك.
جذبتها من امامه تسرع بخطواتها نحو منزلهم، فتوقفت عائشة مزبهلة بالنظر الى الجديد به، لتسأله بفضول:
– عمي هو انت حاطط بـ.ـاروكة فوق الصلعة؟
انتفخ صدره ليجيبها بزهو:
– لا طبعا مش بـ.ـاروكة ولا كلام فارغ، انا زرعت !
– زرعت!
– ايوة زرعت شعري، مسمعتيش انتي عن زرع الشعر؟
تبسمت بشقاوة تتطلع اليه لعدة لحظات ، لتنطق اخيرا:
– طب حاول بقى تسقيها كويس وتراعيها لتنشف ويقع منها شعرك من تاني.
ختمت بضحكة تهرول من امامه، لينتفض هو يلمس على الجزء المزروع متمتمًا برعـ.ـب حقيقي من حدوث ذلك بعد دفعه للمبلغ الضخم في سبيله
– يوقع في عينك بـ.ـنت قليلة الادب ، قال يوقع قال، و.جـ.ـع بطنك.
❈-❈-❈
وفي شقة العروس
وقد اجتمعت النساء من اهلها الذين أتو من الصعيد والجيران والمعارف هنا لحضور الحناء، تلك الليلة المميزة في قلب كل عروس، بتباسط النساء ورقصهم معها.
وكالعادة كانت ساحرة بجمالها الخاطف بالاضافة لزينتها المتقنة ، وقد غيرت بـ.ـارتداء فستان باللون النبيتي واضعة حلى من الذهب في تقليد يسير عليها وعلى باقي افراد العائلة، لتتباهي المرأة بما يأتي به اهلها له، ويدها وقدmيها تزينت بالحناء الاسوانية، مع فرقة النساء التي تُحي هذه الليالي بحرفية متوارثة عبر الاجيال
سعيدة وتضحك من قلبها، ترسل كل دقيقة رسالة لحبيبها القابض على جمر النار ، بحرمانه من هيئتها المثيرة تلك ، لتغـ.ـيظه وتشاكسه، ثم تشارك الجميع برقصها واغنية محمد منير الشهيرة كانت تدوي الاَن:
ايوو شمندورة منجنا بهر جاسكو مينجنا
سجرى مالا واينا مورتنا نا واينا
ع الشط أستني رايحة فين دانا ليكي بغني غنوتين
غنوة عن الآهة والحنين وغنوة لعنيكى ياحنين
آه يا شمندورة لابسة توب
يا اجمل من الصورة دوب يا دوب
يا اسمر يا سمارة دوبت دوب
يا عيون قدارة ع القلوب
آه يا شمندورة صبري طال ردي و جاوبيني ع السؤال
انـ.ـد.مجت نجوان ترقص مع عائشة والفرقة النوبية وكأنها طفلة مثلها، بمشهد اثار الحنين بقلب بهجة، التي بدأت تشعر بالتعلق نحو هذه المرأة النقية فلا تستغرب هروبها الى عالمها الخاص، بعيدا عن الواقع المرير
– واقفة لوحدك ليه يا بهجة؟ ما تدخلي ارقصي مع البنات .
كان هذا صوت رحمة ابنة عمتها وشقيقة العريس، التي تحضر اليوم مع الفتيات لتعيش هذه الليلة الجميلة، بفرحة تناشـ.ـدها منذ سنوات طويلة لشقيقها، ليأتي اليه العوض الان بأبهى صوره .
اعترضت بهجة برقتها وابتسامة مودة لها؛
– يا حبيبتي ربنا يتمم بخير، انا خليني واقفة هنا ومبسوطة بالفرجة، الرقص نسيته من زمان.
– لا رقص ايه اللي تنسيه؟ والله لا ترقصي معايا دلوقتي، ولا اجيبلك طنط زبيدة تحلف عليكي والله لا ترجصي، ياللا يا بت مفيش اعتراض النهاردة.
سحبتها غنوة لتضعها وسط الفتيات فتجبرها على الرقص بينهم ومشاركة نجوان التي رحبت مع شقيقتها يشاركنها اللحظة. والعروس نفسها معهم.
وفي زاوية لهما وحدهما، لكزت دورية ابـ.ـنتها مغمغمة من تحت اسنانها:.
– شايفة المحروسة بـ.ـنت عمتك بتعمل ايه مع الزفتة بهجة، اللي ما قدرها ربنا حتى تشـ.ـدنا معاهم مجاملة، مع انك انتي الاولي ، على الاقل انتي اخت جوزها.
جاء رد ابـ.ـنتها بغليل يسري داخلها لما يحدث امامها:
– اسكتي ياما سبيني في حالي، انا على اخري اساسا ومش متحملة، اااه يا ناري .
❈-❈-❈
انتفض في جلسته وسط مجموعة من الشباب التي جاء اليوم يتناول معهم بعض المشروبات المسكرة، من اجل ان ينسى همومه معهم، ليفاجأه هذا الشاب المدعو اشرف بحديثه:
– بتقول ايه ياض؟ مين دي اللي عايز تتجوزها؟
اجابه الشاب بأسلوبه الفج، غافلا عن غـــضــــب الاخر:
– اسم الله ع السمع يا حبيبي، بقولك بهجة بـ.ـنت عمك، موزة الشارع والمنطقة كلها، يالهوي ياما، دا انا قلبي بيرفرف كل ما اشوفها، ولا النهاردة كمان وهي متزوقة وخارجة مع الست اللي بتشتغل عندها،….. اي ده؟ ملكة جمال يابا؟
بعدm تحمل انقض عليه سمير صارخًا بهياج:
– وكمان في بتقولها في وشي ، دا انا هخلص عليك يابن الكـ.ـلـ.ـب
– هو انت حد غلط فيك يا عمنا؟ طب انت بقى اللي ابن ستين كـ.ـلـ.ـب.
صاح بها اشرف لتندلع معركة حامية ويتدخل بقية الحاضرين للفض بينهم.
❈-❈-❈
توقف ينتظرها بالسيارة اسفل المبنى الذي وصفت عنوانه، حتى خرجت اليه ترافق نجوان حتى ادخلتها لتنضم معه في السيارة بعد عناء ومحايلة ، فلم تستجيب الا بتأثير من عائشة، والتي كان يتعرف عليها لاول مرة، ليعبر عن دهشته:
– انتي بقى عائشة؟ يا نهار ابيض ، دي صغيرة اوي يا بهجة.
ضحكت له الاخيرة متمتمة:
– هي صغيرة اه بس عقلها اكبر من سنها، بدليل انها بقت تأثر على الهانم اكتر من اي حد فينا.
تدخلت عائشة بجرأة معقبة:
– عشان صاحبتها ، والأصحاب دايما يببقي دmاغهم واحدة، ولا ايه يا نوجة؟
توجهت بالاخبرة نحو المذكورة ، لتجذبها من يدها وتقربها اليها مرة اخرى، لتعيد عليها عائشة بوعودها باللقاء في اقرب وقت واللعب معها .
فتوقف هو يطالع بهجته بابتسامة لا تخلو من انبهار لهيئتها الجديدة عليه تلك؟
– دي اول مرة اشوفك كدة بالمكياج والفستان يا بهجة،
كنت فاكر ان الحاجات دي من المستحيلات عندك
باغتها بجرأته لتردد مبررة بحرج:
– ما دي حنة بنات يا فنـ.ـد.م، يعني بناخد راحتنا فيها، مكياج ولبس .
– اممم
زام بفمه ثم تمتم بما زاد من دهشتها:
– كويس انها حنة بنات وبس عشان تاخدو راحتكم، بس ياريت ما تاخديش راحتك اوي معاهم يعني.
– هااا
– ارتفعت رأسها مغمغمة بها بذهول قابله بابتسامة لم تفهمها، ليلتف نحو سيارته، يستقلها كي يغادر، ثم يرميها بنظرة اخرى بغموضه الذي اصبح يثير بداخلها التساؤلات.
– هو قصده ايه بكلامه ده؟
❈-❈-❈
بعد مدة من الوقت،
بغـ.ـيظ يفتك بها، وقفت في الشرفة تراقب عودتها من ذاك الحفل اللعين الذي حضرته معها، تتهادى بخطواتها بكهن مدروس، تلفت ابصار الحوش من ابناء حارتها الأغـ.ـبـ.ـياء، وشقيقها الابله يتتبعها كالمنوم مغناطيسيًا، يتحين الفرصة للحديث معها
تبًا لها، لقد افسدت كالعادة فرحتها بعدmا خرجت من صالون التجميل ملكة على الارض ، بفستانها المموج وشعرها الذي استغرق تصفيفه العديد من الساعات وزينة الوجه التي دفعت فيها مبلغًا من المال لا بأس به، حتى دلفت مع والدتها تنتشي بهيئتها المبهرة، وتملق العديد من الفتيات والسيدات لها واهتمام الشباب ، حتى أتت هذه الملعونة بهيئة اقل من البسيطة برفقة شقيقتها سليطة اللسان ، لتسحب منها البساط
لا تدري ما السر بها وهي ترى نفسها الأجمل والارقي بمال ابيها، عكسها هي العاملة بأجرتها .
– مالك يا بت بتاكلي في نفسك كدة ليه؟
كان هذا صوت والدتها التي انتبهت على هيئتها تلك ، لتلتف إليها بغليلها:
– وما كُلش ف نفسي ليه بقى؟ والست بهجة الزفت مخلية ولادك الاتنين يتمنو رضاها؟ يا عيني عليكي ياما، جوزتي الاول عشان يبعد عنها، قام ساب مـ.ـر.اته وحن لها من تاني، بعد اخوه الصغير كمان ما اتشعلق فيها .
قالت الأخيرة وهي تشير بسبابتها نحو الأسفل ، لتستشيط درية، مدmدmة بحنق شـ.ـديد، يا نهار مزفت ومطين بهباب ، هو انا مش هخلص منها البت دي.
زادت سامية بفحيحها تحركها نيران الغيرة:
– طب اقولك ع التقيلة ياما، اوصلي كدة لحد باب البيت واديها بصة ، ادي دقني اهي، ان ما كان الأهبل الكبير هو كمان قاعد مستنيها، دي مش هتستريح غير لما توقعهم في بعض.
– وقعة تاخدها هي وأخواتها كلهم،
هتفت درية بالكلمـ.ـا.ت وهي تتحرك بعجالة نحو ما اشارت لها ابـ.ـنتها لتفاجأ بصدق ما تفوهت، بوقوف ابنها البكر في مدخل المنزل في انتظار أحدهم بالفعل، فوقفت هي الأخرى تراقب
وف الأسفل ولجت بهجة لداخل البناية لتفاجأ به امامها بهيئة غير مبشرة على الإطـ.ـلا.ق يبادرها الحديث دون انتظار او تمهيد:
– حمد الله ع السلامة يا برنسيسة، ما كنتي اتأخرتي شوية كمان تلميلنا شوية عرسااان
استغرقت بهجة وقتا لتستوعب ما سقط من هذا الاحمق، قبل ان ترد بجرأة، تسبق شقيقتها الصغرى والتي أوشكت على شتمه.
– وانت مالك؟ اتأخر برا ولا متأخرش، والم عرسان ولا ملمش؟ ايه يخصك؟
صاح بها :
– يخصني انهم بيجوا يطلبوكي مني، اكيد دي حركات مقصودة منك عشان تغـ.ـيظيني
– وانت تهمني في ايه عشان اغـ.ـيظك يا بني ادm انت .
تدخلت عائشة تتخصر بذراعيها نحوه قائلة بازدراء:
– دا باين شكله عايش في الدور، فوق يا عمنا، دا انا اختي رمت طوبتك من زمان، وبقيت في نظرها زيك زي الحيطة اللي وراك.
صرخ بها هذا المعتوه وقد اوشك على ان يفقد صوابه:
– لمي نفسك يا عائشة، لاضـ.ـر.بك قلمين، انا عامل اعتبـ.ـار بس لاختك ،
– لا متعملش اعتبـ.ـار، وفكر بس تعملها يا سمير .
صاحت به بهجة بدورها، ليدخل على الصوت الشقيق الاصغر سامر ، يدلي بدلوه هو الاخر، بعدmا فهم الموضوع من نظرة واحدة:
– ليه بتزعقي يا بهجة؟ وانت يا سمير لم نفسك ووسع الطريق لبنات عمك .
سمع الاخير ليزداد اهتياجًا:
– اه يا حبيبي انت كمان، اعملي فيها الحنين ، ما انا عارف غرضك.
قالها بمغزى وصل جيدًا لتمتقع ملامح بهجة، ويثير استفزاز شقيقه، والذي ما ان شرع بالرد الحازم حتى قطع عليه صياح والدته المراقبة من اول الشجار:
– ايوة ايوة يا ولاد خميس، ولعوا في بعض واعملوها خناقة وفـ.ـضـ.ـيحة، ما هو دا غرض المحروسة، تفتنكم في بعض.
جحظت عيني بهجة بقهر تعمق داخلها، مع انتباهاها لعدد من افراد الحارة تشاهد المشهد ، فجاء الرد من الصغيرة سليطة اللسان بشجاعتها كالعادة:
– تفتن مين يا حجة؟ قبل ما ترمي بلاكي علينا، شوفي عيالك الملزقين وابعديهم عننا، احنا اساسا مش ناقصين.
شهقت درية بإجفال لوقاحة الملعونة الصغيرة ، فعقب سامر بعتب:
– انا كمان حسبتيني ملزق يا عائشة، الله يسامحك.
قلبت عينيها بسأم، تذكره ان الوضع لا يحتمل التهاون، ليعود لوالدته يخاطبها بجدية:
– من غير كلام ولا فضايح ياما ، قولي لابنك يوسع الطريق لبنات عمه عشان يطلعوا شقتهم، انا مش عايز اتعصب عليه وهو شارب دلوقتي، ليخلص في ايدي .
هم سمير ان يعترض بحماقته، ولكن نداء درية كان الاسبق:
افتحلهم الطريق يا واد، وتعالالي الشقة، لا اطين عيشتك الليلادي، اخلص .
بأنفاس لاهثة اذعن سمير يتنحى عن الطريق لتعبر بهجة التي تمتمت بحـ.ـز.ن دفين:
– حسبي الله ونعم الوكيل
تبعتها عائشة والتي رددت بسخربة
– ايوة كدة وسع وسع، ناس متجيش الا بالعين الحمرا، يا ابن درية المستقوية
❈-❈-❈
عاد الى غرفته قرب منتصف الليل ،والظلام يخيم على الارجاء، لولا ضوء القمر الذي يأتي من الجزء المكشوف من ستار الشرفة، لطالما وصفه بالجو الشاعري في اليالي الماضية، وسعادته الجمة في وصالها
اما الاَن فقد بدى على ملامحها الباكية وهي متكورة على ذاتها، مدى الحـ.ـز.ن وذرف الدmـ.ـو.ع قبل ان يغلبها النوم على هيئتها تلك،
لا يعلم كيف فعل بها ذلك، هي لم تخطيء ليقهرها بالذنب القديم، ولكن ماذا كان بيده؟ وغليل رأسه لم ينتهي بعد، فكرة النظرة الى شيء يخصه لا يحتملها فما باله بمن……
تنهد يرفع رأسه للسماء مناجيا الخالق بالرحمة من هذا العـ.ـذ.اب الذي ينخر برأسه ، ما ابشعها من افكار .
عاد اليها وقد رق قلبه لها ، ليخلع عنه حذاء قدmيه، ثم ملابسه ، قبل ان يندس بجوارها يسحبها الى حـ.ـضـ.ـنه، حتى شعرت به، تردد باسمه ما بين الغفو والاستيقاظ:
– عصام،
– ايوة انا يا امنية، نامي نامي.
وكأنه القى بتعوذيته السحرية، لترتخي سريرتها، وتربح رأسها على صدره مستسلمة لنوم عميق ، فيُقبل رأسها هو، ثم يغمض عينيه، متنعمًا بدفء حـ.ـضـ.ـنها القادر على ان ينسيه همومه وافكاره السوداء حتى لو مؤقتًا
↚
مرت من امامه اثناء ذهابه الى غرفة مكتبه، والتي بنفس الطابق الذي يضم القسم الذي تعمل به، ومع ذلك لا يراها الا نادرا، نظرا لعدm صلتها المباشرة بعمله،
لكنه دائمًا ما يصبر نفسه بلقائها في منزله على موعد مناوبتها او يسعده الحظ برؤيتها صدفة كما يحدث الاَن، لتفتح شهيته على اليوم بأكمله.
– بهجة.
هتف بأسمها امام عدد من افراد الموظفين المارة غير مباليًا بوضعه ولا بهيبته التي تثير الرهبة في قلوبهم أجمعين، ولكن معها ، هناك دائمًا استثناء.
برد فعلي طبيعي استجابت تغير وجهتها نحوه ثم لتتبعه، بعدmا اشار لها بيده نحو غرفة مكتبه، كي تلحق به، لتمر على لورا التي وقفت بالتحية له ، حتى اذا وقعت عينيها على بهجة، خبئت ابتسامتها ولم تعلق على دخولها خلفه لغرفة المكتب، وهل تجرؤ في حضرته؟
❈-❈-❈
– افنـ.ـد.م يا رياض باشا كنت عايزني في حاجة؟
صدر منها السؤال فور دلوفها، ليجلس هو خلف مكتبه على كرسيه بهدوء يجيبها:
– خير يا بهحة متقلقيش.
صمت برهة ثم تبسم مستطردًا امام ترقبها:
– ما قولتلك خير يا بـ.ـنتي، انا بس استغربت لما دادة نبوية بلغتني بغيابك النهاردة عن مجالسة الهانم الكبيرة…..
ردت بلهفة:
– ايوة يا فنـ.ـد.م، ما انا بلغتها عشان النهاردة معانا فرح ابن عمتي شادي اللي حضرت حنة خطيبته امبـ.ـارح.
– اه
اومأ بهزة من رأسه، ثم اردف سائلًا:
– وهو الفرح مينفعش بعد ما تخلصي يا بهجة؟ ولا هو هيخلص على عشرة ؟
برقت خضرواتيها في انـ.ـد.ماج واضح للرد عليه، جاهلة عن استمتاعه بوهجها المضيء وعفويتها في موضوع محسوم من الأساس ولكنها حجة للحديث معها:
– لا طبعا يا فنـ.ـد.م، مينفعش بعد ما اخلص، امتى هلحق اتجهز انا واخواتي، دا مشوار القاعة نفسه محتاج وقت.
– وضع كفه بتسلية سائلًا:
– ليه بقى؟ وهي دي تبقى فين على كدة؟
اخبرته بطيبتها عن اسم القاعة وعنوانها بالتفصيل الدقيق، وهو يتحاور معها وكأنه من الحضور:
– ياريتني كنت معزوم معاكم يا بهجة، بصراحة انا من زمان نفسي احضر حاجة شعبية كدة، خصوصا وانتي بتقولي ان اهل العروسة صعايدة، يعني هتبقى ليلة.
– ايوة والله عندك حق يا فنـ.ـد.م ، اصل شادي ابن خالي تعب كتير في حياته وصبر على عيا والدته، ربنا عوضه بعروسة أدب وجمال ، هو يستاهل كل خير…..
– خلاص يا بهجة.
صدرت منه بانفعال وعدm احتمال، فقد تبدل مزاجه في دقيقة، وكأنه لشخص آخر، ليتمالك بعدها بابتسامة ملطفا بعدmا شعر بحرجها:
– انا قصدي بلاش كلام ع العريس نفسه، وخلينا في الفرح، هيبقى مزمار بقى وحصان ، لو كدة اعتبريني حاضر من غير عزومة.
ضحكت بخجل نافية:
– والله ما اعرف يا فنـ.ـد.م، انا اخري معزومة زي اي حد، بس انت اكيد تشرف اي حد بحضورك.
– تسلمي يا بهجة على زوقك.
قالها بهدوء وتباسط لتتدارك هي للوقت، فتحمحمت تستأذنه في المغادرة:
– طب انا كدة بقى اخرج اروح على شغلي ولا في حاجة تاني؟
نفى بهزة رزينة من رأسه:
– لا يا بهجة مفيش حاجة تاني، اتفضلي روحي على شغلك.
اومأت تهديه ابتسامة ساحرة، قبل ان تستدير وتغادر الغرفة، لتتركه في حالة من الانتعاش لا تكتنفه مع سواها.
اما هي وقد خرجت من عنده ودقات قلبها تعزف الحانا ونغمـ.ـا.ت تطرب اسماعها، دغدغات بمعدتها، مؤجلة صوت العقل وما يخبرها به دائما عن استحالة حدوث هذا الأمر ، وان ما يصلها لا يزيد عن لطف من الرجل لا اكثر.
التقت عينيها بخاصتي لورا والتي تفاجأت بهدوئها المريب هذه المرة، رغم عدm ارتياحها لنظراتها العدائية دائما نحوها، فتواصل هي طريقها تغمغم داخلها:
– لا حولا ولا قوة الا بالله، ولا اكني قــ,تــلتلها قتيل.
❈-❈-❈
أما عن لورا،
فقد مطت شفتيها بابتسامة خبيثة تطالع اثر بهجة في الذهاب، وهي تعيد برأسها، حديثها بالأمس حينما التقت ببهيرة شوكت في النادي الاجتماعي مع والدتها عن قصد حتى اذا التقت بالمرأة، بالطبع سوف تسألها عن رياض.
مساء الأمس،
(( – اخبـ.ـار رياض ايه بقى في الشغل؟ انا بسمع عنه من مصطفى اخبـ.ـار كتيرة تبهر.
– بالفعل هو كدة يا طنت، ما شاء الله في الفترة الصغيرة اللي مسك فيها المصنع عمل انجازات تأهله يبقى الاول ع الجمهورية ، وع الشرق الأوسط كله كمان في السنوات اللي، بس ااا……
– بس ايه يا بـ.ـنتي؟ هو لسة تعبان مع نجوان؟
سألتها باهتمام لتتنهد هي بقنوط، فيعتلي الأسى ملامحها:
– ما هي طنط نجوان دايما تعباه، من ساعة والده ما مـ.ـا.ت وهي تعباه، ورغم ذلك عمره ما أثر على شغله، دايما بيرفكت وبيعرف يفصل كويس بين مشاعره والشغل، لكن بقى…
– لكن ايه يا بـ.ـنتي؟ ما توضحى اكتر عشان افهم، اللي حاصل مع رياض؟
صمتت هذه المرة لبرهة بسيطة ، ثم تلتقط فرصتها على الفور:
– بصراحة بقى هو الموضوع له صلة بطنط نجوان…. البـ.ـنت اللي شغالة مع نبوية في رعايتها……
، مالها؟
– بيعاملها معاملة خاصة.
قطبت بهيرة تتراجع برأسها للخلف مستفسرة:
– تقصدي ايه بمعاملة خاصة مع واحدة بتشتغل عنده؟ جيبي من الاخر يا لورا..
تراقصا مقلتيها باضطراب تقصده، لتواصل بث فحيحها:
– انا مش عارفة الوضع بالظبط، هناك عند طنت ايه ظروفه معاها، دي واحدة بتتشارك معاه البيت في غياب نبوية، وطنت نجوان دي في دنيا تانية، يعني الله اعلم بقى بتعمل معاه ايه، المهم انه بقى متعلق بيها ورقّاها في المصنع من عاملة على مكنة لوظيفة مكتبية، رغم عدm وجود مؤهلات، بصراحة يا طنت انا بقيت خايفة ان قصة عمو حكيم الله يرحمه مع السكرتيرة بتاعته تتكرر كمان مع رياض والبـ.ـنت دي…..
برقت عينيها بغـــضــــب دفين، تطرق بعصاها على الارض بعنف قائلة:
– وتتكرر الفضايح للعيلة من تاني ، انتى ازاي ساكتة دا كله ومبلغتنيش؟
اسبلت اهدابها عنها وبصوت خفيض مزجته بالمسكنة ردت تجيبها:
– يعني انا في ايدي ايه بس يا طنت؟ لا انا خطيبته ولا ليا صلة مباشرة بيه عشان اتدخل ولا اشكي، انا يادوب موظفة عنده، وهو اساسًا مش مديني فرصة على الاعتراض، دايما بينصرها عليا، من غير ما يراعي فرق المكانة ولا الترتيب الوظيفي ولا حتى القرابة اللي بتجمعني بيه.
احتدت عيني بهيرة، ناظرة للأمام ، وقد اشتدت خطوط وجهها بتجهم غير مبشر بالخير على الاطـ.ـلا.ق، لتطرق بعصاها على الارض قائلة:
– يبقى انا لازم اشوف الموضوع ده بنفسي. ))
❈-❈-❈
دلفا الى منزلهما الجديد عائدين من رحلة المنتجع الساحلي وقضاء اسبوعين عطلة شعر العسل، ليضع الحقائب على الارض ، وينطق فمه اخيرا بعد فترة طويلة من الصمت.
– انا هروح اطمن ع الست الوالدة واطمنهم بوصولنا، ع العموم الشقة فيها كل حاجة، يعني لو حبيتي تاكلي الاكل جاهز فى الثلاجة، ولو ليكي غاية للطبخ، كافة شيء هتلاقيها في المطبخ ، عبير قامت بالواجب قبل ما نوصل.
– كتر خيرها، انا مليش نفس وهروح انام.
خرجت منها بصوت ضعيف يكتنفه الحـ.ـز.ن، لتستدير متوجهة نحو غرفة النوم، فزفر هو متهدل الاكتاف فور رؤيتها على تلك الحالة، ولم يقوى على منع نفسه هذه المرة من ايقافها وجذبها اليه، يحتضنها مشـ.ـددًا بذراعيه، يحتويها بغمرته، حتى بللت دmـ.ـو.عها قميصه بصمت ابلغ من الف كلمة، فيستدرك هو بحجم جرمه:
– للدرجادى زعلانة مني يا أمنية؟ طب انا اسف يا حبيبتي، ممكن بقى تصفي؟
رفعت وجهها المغرق بالدmـ.ـو.ع قائلة:
– انا عمري ما اشيل منك يا عصام، كل اللي مزعلني هو زعلك، واللي بيدور في دmاغك وتاعبك من الداخل، نفسي نعيش حياتنا طبيعي، بعيد عن اي ماضي ولا شيء راح وولى، التفكير في اللي فات مابيجيش من وراه غير كل الهم وو.جـ.ـع القلب، ليه تو.جـ.ـع قلبك يا عصام وتو.جـ.ـعني معاك؟
زفر يتأملها بقلب يتمزق لحالتها تلك، فرق قلبه، ليطبع قبلة رقيقة فوق عينيها متمتمًا بصوت متحشرج:
– بعد الشر عليكي من الو.جـ.ـع يا امنية، انا لو مش بحبك مكانش دا هيبقى وضعي، بس حاضر، هحاول من هنا ورايح اشيل من راسي عشان نعيش حياتنا ومنو.جـ.ـعش بعض.
تبسم محياها بالفرح، لتشب على أطراف اصابع قدmيها، فتباغته بقبلة على وجنته مغمغمة بامتنان:
– ربنا يخليك ليا يا عصام، لو انت بتحبني ف انا بمـ.ـو.ت في التراب اللي بتمشي عليه.
– يا قلب عصام.
خرجت منه، قبل ان يدنو فجأة ويرفعها بين ذراعيه مردفًا:
– لا احنا كدة نعمل معاهدة صلح ع السريع، الكلام ع الواقف كدة مينفعش.
لاحقته ضاحكة:
– طب مش هتخرج تطمنهم بوصولك؟
قطف ثغرها بقبلة شغوفة سريعًا، ثم تحرك بها مرددًا:
– معاهدة الصلح اهم في الوقت الحالي يا امنية، اي حاجة تيجي بعدها؟
❈-❈-❈
دوى صوت المزمار في قلب الحارة بصخب، ليتجمع معظم افرادها في الطرقات وشرفات المنازل ، لاستقبال هذا المتعجرف، والذي ترجل من السيارة يستقبل التهاني والمبـ.ـاركات وكأنه المظفر بالنصر بعد هزيمة الخصم، تصاحبه اصوات الزغاريد من النساء ووالدته التي كانت تصيح بأعلى صوتها.
– عقبال عندكم يا حبايب، ربنا نصفه بعد ظلمه، ندرًا عليا لاكون عاملة ليلة كبيرة الكل ياكل فيها لحمة، حلاوة ان ربنا فك كربته وظهر الحق؟ زغرتو يا حبايب وفرحوا قلبي .
صدحت الزغاريد مرة اخرى بعد مطلبها، وتنطلق المبـ.ـاركات للمرأة ودعوات التمني:
– عقبال فرحه يا سميرة ، وتعملي ليلة اكبر منها .
– ان شاء الله يا حبايب، ان شاء الله يارب، يلا يا واد ارقص وفرح قلبي بيك .
تلقى منها ابراهيم لينطلق مع مجموعة الشباب من افراد حارته ليرقص ويتمايل معها على انغام المزمار، منـ.ـد.مجًا في الدور، وعيناه تدور باحثة عن والده، الفرد الوحيد الغير موجود ، ليكتم غـ.ـيظه بداخله، الا يكفيه امتناعه عن زيارته طوال مدة سـ.ـجـ.ـنه، ليكملها الاَن بعدm اهتمامه امام افراد المنطقة.
تمتم بالعبـ.ـارات المتوعدة من داخله، لكن سرعان ما تحول كل ذلك الى مرح، حينما وقعت ابصاره على ابنة خالته رؤى، والتي كانت عائدة من جامعتها في هذا الوقت، لتكن المفاجأة من نصيبها.
ليزيد هو من تمايله امام الشباب مرددًا بعبـ.ـارات الكيد:
– رقصني يا عم الزمار وعلي الصوت، خلي الناس كلها تعرف بخروج ابراهيم وفك حبسته، دا الحرية حلوة اوي يا جدعان، رقصني يا عم خلينا نكيد الاعادي.
انضمت معه والدته في وصلة فجة بالابتهاج المبالغ فيه ، وقد فهمت لمقصده، تنقل ابصارها نحو ابنة شقيقتها:
– ايوة يا حبيبي خلينا نكيد الاعادي..
اما عن رؤى فقد ضاعفت من سرعة خطواتها، تخترق صفوف البشر، دون ان تعير اي فرد منهم اهتمامها، رافعة ذقنها للأمام بإباء كي لا تظهر ضعفها ولا تأثرها ، حتى اذا وصلت لبنايتها ودخلت منزلها ، زفرت معبرة عن قهرها:
– الهي تنكادوا انتوا يا بُعدا، وما تشوفوا الفرح ابدا، قادر ربنا يخسف بيكم الارض ويوريني فيكم يوم.
– بتدعي على مين يا بت .
صدر صوت والدتها من جهة المطبخ، لتخطو سريعًا فتصل اليها هاتفه بغـــضــــب:
– بدعي على اختك وابن اختك اللي عاملين ظيطة وهوليلة في قلب الشارع وعمالين يرقصوا ولا اكنه بريء بحق، صدق نفسه ونسي ان ربنا يمهل ولا يهمل.
– صوت مصمصة خرج من شفتي والدتها دون ادنى تعقيب منها، تدعي الانـ.ـد.ماج في تقطيف ورق الملوخية الخضراء امامها على سطح طاولة المطبخ، مما استرعى انتباه ابـ.ـنتها للتساؤل:
– نعم يا ست ماما، لتكوني انتي كمان صدقتي وعومتي على عومهم، والله ما هستغرب لو سمعتها منك.
التوى فمها لتقلب عينيها بتململ قبل ان يخرج صوتها بما ليس مستبعد منها:
– يا ختي انا لا بقول ولا بعيد، اديني مرزوعة مكاني اهو في المطبخ، لا خرجت ولا حتى بصيت من البلكونة، بس اهي الحكومة برئته والمحامي طلع بالدليل انه ما مـ.ـو.تش المرحوم الله يرحمه، يبقى ندعي عليه ليه بقى؟ ونحمل نفسنا ذنوب؟
– يالهوي عليا وعلى سنيني السودة، والله كان قلبي حاسس.
صرخت بها رؤى، تستطرد بغـ.ـيظ شـ.ـديد:
– يعني مكدبة اخواتي البنات الاتنين واللي سمعوا اعترافه بودانهم، وصدقتي ابن اخوكي البلطجي المجرم وامه اللي شبهه…….
افتر فاهها تتوقف عن الكلام امام سلبية والدتها المفرطة لتختم بتعب:
– انا بكلمك ليه اصلا؟ وانتي مفيش فايدة من الكلام معاكي……. انا رايحة على اوضتي وسيباكي ياما.
قالتها وخرجت تنجي نفسها من شلل مفاجيء قد يأتي لها رغم سنها الصغير، فوالدتها قادرة على ذلك بشخصيتها المتذبذبة وبقوة.
❈-❈-❈
خرجت من دوام عملها ، تسرع بخطواتها، متخذة طريقًا مختلفًا عن العادي ، لتقف في الوجهة المختلفة من الطريق تشير بيدها لسائقي السيارات الأجرة حتى يقف لها احدهم .
فتفاجأ بإحدى السيارات تقف امامها ، حتى كذبت نفسها في البداية ان تكن تلك التي تعلمها، ولكنه أكد لها حينما انزل زجاج النافذة بهيئته المهيبة يخاطبها:
– عاكسة طريقك ليه النهاردة يا بهجة؟ وراكي مشوار؟
شعرت بالحرج من خلف سؤاله، رغم بالونات المرح التي كانت صارت تراها تزين الأجواء من حولها لاهتمامه:
– لا ما انا مش مروحة ع البيت دلوقتي، المستشفى اتصلوا عليا وبلغوني بتصريح الخروج لايهاب، انا الفرحة النهاردة مش سايعاني وعايزة ألحق اروح اجيبه على طول.
– خلاص تعالي اركبي معايا اوصلك .
– نعم !
تمتمت بها بعدm تصديق ، ولكنه عاد يكرر مشـ.ـددًا:
– بقولك تعالي اوصلك معايا في طريقي، وبالمرة اتصلك بعم علي يوصلكم ع البيت بعد كدة.
هذه المرة اعترضت بـ.ـارتباك شـ.ـديد:
– لا يا افنـ.ـد.م اتفضل انت مينفعش.
سمع منها ليصدر رده بأمر غير قابل للنقاش:
– اركبي يا بهجة وبطلي عـ.ـبـ.ـط، انا مش بكرر كلامي كتير.
اضطرت مذعنة لطاعته، لتنضم في الامام بجواره، منكمشة على نفسها، شاعرة بكبر المقعد عن حجمها الصغير ، او انه ليس بمكانها، بداخلها رهبة منه لا تنكرها ، رغم تلك المشاعر التي تعبث بها بحضوره، لتدخلها في صراعات لا نهاية لها، لك الله يا بهجة.
وكأنه كان قارئًا لافكارها، فور ان انهى اتصاله بالعم علي تحدث بتباسط، كي يخفف عنها:
– تلاقي الفرحة النهاردة مش سايعاكي عشان خروج ايهاب.
سمعت منه لترد على الفور بلهفة انستها التـ.ـو.تر وما كان يكتنفها منذ لحظات:
– اه والله يا فنـ.ـد.م، انا فرحانة كمان عشانه، لاني سألت الدكتور، قال انه ممكن يخرج ويروح مطرح ما هو عايز، اهم حاجة يحرص على نفسه ويلبس الكمامة لحد ما يخف نهائي. انا ممتنة ليك اوي يا رياض باشا.
جاء رده بروتينية:
– مفيش داعي للشكر ولا الكلام دا من اساسه يا بهجة.
– لا يا فنـ.ـد.م ازاي بس؟
قالتها تبتلع رمقها، مرددة:
– انا مصرة برضو انى اسدد تمن المستشفى، اخويا طوّل هناك، ودا اكيد جر فلوس كتير اوي، مش معقول يعني كل ده تتحمله لوحدك؟
تطلع نحوها بنظرة غامضة وملامح مغلقة كعادته، ولكنها طالت حتى اخجلتها لتحيد ببصرها نحو الطريق امامها حتى وصلها رده:
– احنا اتكلمنا في الكلام ده قبل كدة وقولتلك بعدين، يبقى خلاص يا بهجة بقى، المهم دلوقتي ممكن تكلميني عن الفرح اللي هتحضريه؟
قطبت باندهاش سائلة:
– هكلمك في ايه تاني يا فنـ.ـد.م؟ هو انا لسة حضرته من الاساس؟
– خلاص يا بهجة، يبقى انا كدة في انتظار انك تحكيلي عنه بعد ما تحضريه.
رغم تفاجأها إلا انها لم تجد امامها سوى الموافقة بإماءة من رأسها، يكتسحها خجل جميل، زين وجنتيها بالورود، وتوهجت له خضراوتيها، لتزيدها سحرًا فوق السحر.
❈-❈-❈
– خرج !
تمتم بها بعدm تصديق، فور ان سمع بالاخبـ.ـار الجديدة من صديقه عقب لقاءه به، ليؤكد عليه الاخر :
– المحامي الفاسد يا عصام، قدر بأساليبه الملتوية، يجمع ادلة وبراهين مزورة مكنته يقدmها للقاضي ويحكم بخروجه، اصناف قذرة.
توقف امين بعدmا رأى بأم عينيه، تصلب وجه الاخر، وخطوط وجهه التي اشتدت بغـــضــــب دفين، ليوضح محذرا:
– اسمع يا عصام، البني ادm ده تشيله من مخك مهما كان الخلاف ما بينكم، سيبني الله يرضى عنك اتكتكله وادور وراه براحتي، ما انا مش هسيبه.
– ولا انا هخليه يفلت من ايدي.
طالعه امين معترضا بتشـ.ـدد:
– القضية دي بتاعتي من الاول يا عمنا، خليك انت في حالك ومتدخلش الامور الشخصية في الشغل.
ضغط يطرق بقبضته على سطح الطاولة بينهم مرددا:
– اوعدك اني مش هدخل الامور الشخصية بينا، بس بلاش تبعدني عن القضية دي.
تحدث امين برفض قاطع:
– وانا رافض يا عصام، احسنلك تنفذ امر رئيسك وتنشغل في القضية المسؤول عنها، وانا لو عوزتك هبقى ادخلك تشتغل معايا.
❈-❈-❈
خرجت من حمام غرفتها، تجفف شعر رأسها بالمنشقة الصغيرة، لتتوقف امام المراَة تتأمل وجهها المتورد بالسعادة، بعد تلك الساعات التي قضتها معه في عقد معاهدة الصلح، ما أجمله من رجل في ساعة الصفا، في جموح عشقه لها ، في كلمـ.ـا.ت الغزل التي يلقيها على اسماعها يدغدغ انوثتها ويدللها،
خرجت تنهيدة قوية منها تتمنى لو يظل على هذا الحال ولا يتغير ابدا.
القت بالمنشفة تهم بتمشيط شعرها، لكن وما أن شرعت ان تفعلها حتى دوى صوت الهاتف بالاتصال ، ف اقتربت على الفور تجيب الرقم الغريب، لربما تعرفه:
– الوو…. مين معايا؟
– الوو يا قلبي، انت لساكي برضو محتفظة بالرقم القديم…….
انتفضت تلقي الهاتف من اذنها على الأرض، وكأن عقرب لسعها بهذا الصوت الغريب، لا تصدق ما وصل لأسماعها..
– الوو يا أمنية، انتي روحتي فين بعيد عني؟
اغلقت على الفور المكالمة تتبعها بحظر الرقم من الأساس، وقلبها يضـ.ـر.ب بفزع، وهي مازالت تكذب احساسها، حتى حسمت تتناوله مرة اخرى، تتصل هذه المرة بشقيقتها:
– الوو يا رؤى…… كويسة يا حبيبتي والحمد……. معلش بس انا كنت عايزة اسألك عن الزفت ابن خالتك ابراهيم……… انا كمان سمعت؟!، سمعت ايه مش فاهماكي……. يا نهار اسود خرج….. ازاي يا رؤى؟!
❈-❈-❈
عاد من الخارج وحالة السعادة برؤيتها مازالت تغمره، كلمـ.ـا.تها الرقيقة وخجلها حينما يضيق الخناق عليها بأسئلته الفضولية، هذه الصفة ليست به من الأساس، ولكنه يكتشفها الان معها هي فقط،
تسمرت قدmيه فجأة، منتبهًا للحاضرين الجدد لمنزله، وتلك الجالسة بشموخ امامه في زيارة لا تكررها الا كل شهور تقريبا، رغم قرب المسافة ولكن تملك الحجة بمرضها ، إذاً ما سر الزيارة الغريبة؟
– بهيرة هانم عندنا! طيب مش كنتي تتصلي ولا تبلغيني يا خالتو!
قالها مرحبا، ليقترب منها يقبل وجنتها بخفة قبل ان يجلس مقابلًا لها بجوار والدته المنكمشة على نفسها بمقعدها:
تبادلت معه التحية مرددة:
– انا لقيتك مش سائل، قول اجي اطمن انا بنفسي عليك وعلى اختي الحبيبة، واللي قاعدة قدامي دلوقتي خايفة ولا اكني هاكولها.
امتدت كفه على نحو والدته يلمس عليها بحنان لتهدا، وهو يبرر ملطفا:
– لا يا خالتو ايه الكلام دا بس؟ هي ماما مش عارفاكي يعني، يا نبوية.
هتف بإسم المرأة جليستها، وما ان خرجت اليه حتى تفاجأ بشقيقتها معها، ليعبر عن دهشته:
– ايه ده؟ دي دادة وصيفة كمان معاكي!
– ايوة يا رياض باشا، شوفت بقى المفاجأة؟
تبسم باضطراب يتقبل ترحيب المرأة ومزاحها قبل ان يأمر نبوية بسحب والدته لغرفتها، ثم توجه باستفهام نحو بهيرة والتي لم تتعبه في الانتظار:
– انا جايبة وصيفة تساعد مع نبوية في رعاية نجوان، بلاها من اي حد غريب احنا مش واثقين فيه.
مازال التوجس سيد الموقف بداخله ليواصل استفهامه:
– غريبة يعني انك تستغني عنها دلوقتي، انا عارف بمعزة وصيفة عندك، بالظبط زي نبوية عندنا.
ابتسامة ماكرة لاحت على محياها مبررة بكلمـ.ـا.ت مقصودة:
– دا حقيقي، بس في حاجات بقى بتجبر البني ادm انه يضحي، ع العموم انا عندي من الخدm كتير وكلهم تحت امري، الدور والباقي بقى على نجوان…
توقفت تخرج تنهيدة من العمق مستطردة؛
– مسكينة الحب ضيعها، ياريتها سمعت كلامي ولو مرة واحدة ، دي كانت اجمل بنات العيلة، اجمل مني انا شخصيا، كل الشباب كانوا بيتمنوا رضاها وسبحان الله هي ما اختارتش غير اسوأهم، عشان تعيش معاه مهووسة بحبه مهما يعمل فيها ، وفي الاخر تكتشف بعد فوات الأوان، بعد ما تنقلب بيه العربية مع عشيقته اللي يتضح بعد كدة انها زوجته، والمسكينة تفقد عقلها…..
-لزومو ايه الكلام ده يا خالتو ؟
هتف بها بانفعال ورأس مشتعل، بعدmا عبثت بمكرها، داخل هذه الدائرة السوداء برأسه، والتي دائما ما يجاهد للخروج منها، وعدm تذكرها، لتواصل هي بمراوغة:
– انا مش قصدي حاجة طبعا يا حبيبي، بس تقدر تقول كدة افتكرت……
بنظرات يملأؤها الشك، صار يحدجها يصعد ويهبط بانفعال لا يخفيه، ف استطردت هي بتملق:
– حبيبي يا رياض انت عارف اكيد بمعزتك عندي، طول عمري اقول انك ابني التالت، لا ورثت العاطفة المبالغة من والدتك ولا غدر وفشل والدك الله يرحمه.
احتدت عينيه حتى صارت كلهيب جمر محترق، فواصلت هي بالطرق على الحديد الساخن:
– انا حتى بشبهك بمصطفى لولا بس عيبه انه اتجوز الممثلة دي اللي متناسبناش في اي شيء، بس نفعاه ع الاقل بعلاقاتها وشهرتها، مش ناوي بقى تشاركه وتكبر مصنعك؟
ضـ.ـر.ب بكف يده على ذراع الاريكة باعتراض وتشـ.ـدد:
– بس انا مش عايز مساعدة من حد يا بهيرة هانم ، حتى لو كان مصطفي نفسه، مصنعي هكبره لوحدي، واسمي هيبقى ماركة مسجلة في الشرق الاوسط وفي العالم كله….
تبسم ثغرها باتساع وقد وصلت لمبتغاها لتردف:
– هو دا اللي انا بتمناه وواثقة انك هتعمله يا رياض، وساعتها يبقى اللي ناقصك حاجة واحدة بس، هو النسب اللي يشرف، واحدة كدة زي ميسون مرات عدي، نسب يشرف وولادك يفتخروا بيه لما يجوا ع الدنيا، مش يلوموك على سوء اختيارك!
هكذا وبكل سهولة استطاعت بفحيحها، النبش في ذاك الجـ.ـر.ح الغائر بدواخله، ذاك الذي مهما مرت عليه السنوات لا ينـ.ـد.مل ولا يشفى أبدا، مهما تناول له من ادوية او حتى مسكنات.
❈-❈-❈
صدحت زغروطة كبيرة من صباح ، جلجت في قلب الحارة فور استقبالها لبهجة وشقيقها العائد اخيرا لمنزله بعد رحلة العلاج:
– يا الف الحمد لله ع السلامة يا هوبا، نورت بيتك ومطرحك.
قابلها الاخير بابتسامة ملوحًا بكفه لها بالتحية في الهواء، الله يبـ.ـارك فيكي يا خالتي ، دا انتى اللي منورانا والله .
– لا يا اخويا منوراك دا ايه؟ انا صاحبة بيت.
قالتها بتباسط وهى تضم بهجة وتهنئها بعودة شقيقها، لتردف بعد ذلك بأمر:
– ولا ايه يا بت انتي، صاحبة بيت انا ولا واحدة غريبة؟
جاء رد بهجة ضاحكة:
– لا يا خالتي دا احنا اللي ضيوف عندك.
توقفت فجأة تطالع المنزل ونظافته لتعقب بمرح؛
– بس انتي تعبتي نفسك ووضبتي البيت ليه؟ كان يكفي بس اوضة ايهاب اللي هيريح فيها .
– يا بت ما قولنا اني مش غريبة، الله.
قالتها صباح بمرح لتتناول منها ذراع ايهاب وتتجه به نحو غرفته مرددة لها:
– روحي انتي بس اطفي من ع النار وانا هدخل ايهاب على اوضته .
– يالهوي عليا، انتي كمان طبختي!
تمتمت بها بهجة في اثرها بحرج شـ.ـديد، لتهرول سريعًا نحو المطبخ، تطفيء نار الموقد الغازي، وتطمئن على الطعام قبل ان تلحق بهما داخل غرفة ايهاب الذي كان يتسطح على الفراش وهي تسحب الغطاء عليه، مخاطبة له بحنان:
– ريح شوية يا حبيبي من مشوار المستشفى على سريرك، ربنا ما يغيبك عن اخواتك ابدا تاني.
– يارب يا خالتي، انا فعلا عايز اريح شوية عشان افضي للمذاكرة المتأخرة عليا.
– ربنا يعينك يا بني.
قالتها وخرجت تغلق الباب عليه بخفة حتى لا تزعجه، لتجد بهجة هي الأخرى في طريقها اليها بعد مغادرة المطبخ، قائلة:
– خرجتي بسرعة يعني؟ هو ايهاب لحق ينام؟
جلست صباح على مقعد السفرة تشير لها على المقعد المجاور:
– انا اللي قولتله يريح، تعالي انتي عشان عايزاكي في كلمتين.
اقتربت تنفذ الامر وتسألها باهتمام:
– كلام ايه يا ست الريسة؟ في حاجة في الشغل.
نفت صباح بهز رأسها وبوجه واجم سألتها:
– قبل كل شيء انا عايزة اعرف، اخواتك البنات بيغيبوا لحد الساعة كام كل يوم كدة؟
ردت بهجة قاطبة بدهشة:
– على حسب مواعيدهم، جنات حسب المحاضرات، وعائشة حسب المجموعات اللي بتاخدها، ممكن يجوا بدري وممكن ييجو متأخر، بس هو الخميس دا عندنا معروف، جنات بيبقى يومها مزحوم بالمحاضرات وعائشة بتاخد دروس لبعد العشا.
– يعني انتي بس اللي بتيجي على ميعادك الساعة التلاتة، بما ان ايهاب كمان في المستشفى يعني.
اهتزت رأسها بمزيد من التشتت:
– ايوة يا ست الريسة، لزومها ايه الاسئلة دي؟
زفرت المرأة الواضعة يدها على وجنتها، لتنطق اخيرا بما اجفل بهجة:
– بسأل يا غالية عشان اعرف الحاجة اللي لقيتها مرشوشة دي قدام البيت مين المقصود بيها، واديني اتأكدت انها انتي .
– انااا؟ ….. حاجة ايه ؟ انا مش فاهمة حاجة يا ست الريسة.
تحدثت صباح توجهها بتحذير:
– من الاخر كدة يا بهجة، انا لما جيت هنا البيت، على حسب اتفاقنا، عشان اسبقك قي توضيب اوضة ايهاب وتعقيمها قبل ما توصلي انتي بيه من المستشفى، خدت بالي يا غالية من مية غريبة مرشوشة على عقب الباب، لولا اني مجربة الالاَعيب والوساخة دي من قرايب جوزي الله يرحمه، كانت هتعدي عليا ومكنتش هاخد بالي.
– يا نهار اسود.
تمتمت بها بهجة ضاربة بكف يدها على صدرها تردد بجزع وصدmة:
– يعني كان ممكن تضري فيها انتي كمان، او اي حد من أخواتي، طب اتصرفتي فيها ازاي؟ ولا هي لساها موجودة؟
قاطعت صباح هذيانها بلمسة من يدها توقفها:
– مفيش حاجة موجودة اطمني، بقولك الحاجات دي لان ياما عدت عليا من قرايب جوزي، يعني اكيد عرفت التصرف الصحيح معاها ازاي؟ المهم انتي يا حبيبتي، تخلي بالك كويس اوي ، اللي عمل العملة دي عارفكم كويس اوي وعارف خط سيركم ومواعيدكم بالظبط.
تابعت بإشفاق:
– انتي طيبة اوي يا بهجة، بلاش تخلي حسن النية اللي عندك يضرك، المرة دي جات سليمة وربنا صدرني اشيل الاذى من طريقك، المرة الجاية مش مضمونة، حطي عينك وسط راسك يا بـ.ـنتي، أخواتك ملهمش غيرك، وانتي ملكيش غير نفسك.
اطرقت بهجة بحـ.ـز.ن تهدلت له اكتافها، لتمتم بقهر:
– طب ليه يحصل معايا كدة؟ هو انا اذيت مين عشان يأذيني كدة؟
ربتت صباح بكف يدها على ذراعها بحنو تخبرها:
– شيلي من على قلبك يا حبيبتي، وهو اللي يتجرأ ويعمل الوساخة دي محتاج تبرير ولا مستنيكي تأذيه عشان يعملها؟ لا يا بـ.ـنتي، اللي بيعمل كدة، دا بيكون قلبه مليان بالحقد والسواد ناحيتك، حصني نفسك انتي واخواتك والبيت كله، داومي على أذكار الصباح والمساء وزي ما قولتلك، برضو تبقى حريصة، وقادر ربنا يرد كيدهم في نحرهم الاوساخ اللي بيعملوا كدة.
اراحتها بكلمـ.ـا.تها ، لتطالعها بامتنان شعرت به صباح، لتشاكسها مغيرة دفة الحديث:
– المهم سيبنا من الهم ده وخلينا في الفرح، قوليلي هتلبسي ايه النهاردة في زفة ابن عمتك؟
اشرق وجه بهجة وقد أسعدها فعل المرأة، لتجاري محاولاتها للترفيه عنها، فتخبرها بلهفة عن ما تنتوي فعله……..
❈-❈-❈
في المساء،
دلفت داخل القاعة بصحبة شقيقاتها عائشة وجنات اللتان تزينتا مثلها بالجديد ، بعد تيسر حالتهم الى حد ما بمبلغ النقود الذي اكتسبته بهجة من عملها الجديد كجليسة بمنزل رياض .
وقد ظهرت اليوم في ابهى صورة، بذلك الفستان الذي ابتاعته بعد فترة من الانقطاع، لتعيش عمرها الطبيعي
بتلك الهيئة الانثوية التي خـ.ـطـ.ـفت بها الانظار كعادتها، لتثير في قلب الحاسدين المزيد من السخط والكره.
– يا بت اللذين……
تمتمت سامية والتي سقط العصير من فمها فور ان وقعت أنظارها على ابنة عمها ، لتلكز والدتها المنـ.ـد.مجة في الحديث مع احدى النساء، فتلفت انتباهها.
– شايفة ياما البت بهجة واللي عملاه في نفسها النهاردة بعد ما كانت راسمة دور الحجة، اقطع دراعي ان ما كانت جاية وراسمة تلقط لها عريس من البهوات قرايب العروسة.
مصمصت درية بغل وقد ارتكزت ابصارها على ناحية اخرى:
– ياريت يا ختي يحصل، ع الاقل تغور الصعيد وتريحني من خلقتها، أخواتك الاتنين عيونهم هتطلع عليها، دول مش بعيد يقــ,تــلوا بعض عشانها، يا خيبتك السودا يا درية هو العمل مشتغلش ولا ايه؟
غمغمت بالاخيرة بصوت خفيض وكأنها تحدث نفسها، ولكنها وصلت الى ابـ.ـنتها التي اقتربت منها متسائلة بعدm فهم في البداية قبل ان تلقطها بذكائها؛
– عمل ايه؟…… هو انتي عملتلها عمل ياما؟
قرصة بخصرها تلقتها على الفور من والدتها التي همست تكز على اسنانها بتحذير:
– وطي صوتك يا زفتة ولمى لسانك، هتجيبلنا المصايب.
صمتت سامية ومن قراءة سريعة لملامح والدتها الجديدة، ايقنت بصحة ما سمعته، لتتبسم بانتشاء مطيعة لها:
– عيوني ياما هخرس خالص، بس هنكمل كلامنا في البيت.
التوى ثغر دورية ولم تعلق لتعود بأبصارها نحو مصدر همها، أبنائها الاثنان ومحاولاتهم الحثيثة في التقرب من هذه الملعونة ابنة عمهما، بصورة تفضح ما بداخلهما نحوها، لتتوعد هي بداخلها:
– ماشي يا بهجة، ان ما اشتغلش ده، فيه غيره، انا مش هستريح غير لما اخلص منك.
❈-❈-❈
اما عنها فقد كانت مستمتعة بفقرات الحفل التي على وشك البدء، في جلسة تجمعها على طاولة واحدة مع رحمة ابنة عمتها وشقيقة العريس مع بعض الافراد من عائلة العروس من نساء، ليتعارفوا بها، فتنـ.ـد.مج هي بالحديث معهن، لتتغاضى عن محاولات ابناء عمها في التقرب اليها بحجج واهية ونظراتهم المسلطة نحوها تثير ازعاجها وتشعرها بالاختناق، لتعقب عائشة بفراستها ساخرة مما تراه امامها:
– عيال عمك الملزقين فاضل بس يقعدوا ع الطرابيزة جمبنا يا بهجة عشان يهمدوا من اللف حوالينا، ولا عمي خميس.. عايش الدور بعد ما لبس شبابي وزرع الصلعة، عينه مش سايبة بـ.ـنت ولا ست ، يارب يعملها عشان اشوف درية وهي بتولع .
تمكنت بطرافتها ان تثير ضحكات شقيقتها، ورحمة التي لم تقوى على التوقف مرددة:
– يخرب عقلك يا عائشة دا انتي بلوة .
ردت بهجة هي الأخرى:
– انتي شوفتي حاجة، دي على رأي ابويا الله يرحمه سحبوها من لسانها.
– الله يرحمه مكدبش.
قالتها رحمة لتلتف نحو مصدر الموسيقى والإضاءة التي تغيرت للفقرة الرئيسية بالحفل، بتوقف شقيقها في انتظار عروسه والتي دلفت بصحبة احد اشقائها، ترافقها موسيقى واغنية حسين الجـ.ـسمي للزفاف
إدخلي عمري بخطوتك اليمين
إضوي أيامي وعتمـ.ـا.ت السنين
قرت عيوني بشوفك مقبلة
يا الملاك اللين العـ.ـذ.ب الرزين
إسمعي نبضي وراء صوت الدفوف
من لمحتك ضيع الشوق الحروف
إسمعي نبضي وراء صوت الدفوف
من لمحتك ضيع الشوق الحروف
نورتي نورة حياتي دنيتي
يا ضيا عيني وأغلى ما تشوف
تابعت صبا بهيئتها الملوكية الساحرة، لتنتقل من يد شقيقها الأصغر، ثم للأكبر عمرا وهكذا من يد الى يد حتى وصلت الى ابيها الذي طبع على رأسها قبلة حانية قبل ان يسلمها لعريسها الذي كاد أن يفقد رزانته اليوم برؤية جنيته الساحرة،
بمشهد اثر ببهجة واصابها بالتحسر على فقدان والديها، وحرمانها بالتأكيد من هذه اللحظة التي اثارت القشعريرة داخلها بالتوق لها، لتستعيد رشـ.ـدها بعد لحظات وتستغفر ربها ، ثم تنـ.ـد.مج في فقرات الحفل والرقص على المزمار كما توقعت في الصباح في حديثها مع مديرها رياض….. يا الهي، ترى ما نهاية حكايتها معه هو الأخر؟
❈-❈-❈
اما عنه،
فقد كان يتقلب على فراشه في هذا الوقت، وكأنه على جمر مشتعل ، رأسه يكاد ان ينفجر من التفكير ، يعمل في كل الاتجاهات، منذ متى صار بهذا الصعف؟
كيف تغيرت خطته والطريق الذي رسمه منذ سنوات لا يذكر عددها للوصول إلى هدفه؟
يعلم ان خلف زيارة بهيرة شوكت طرف دفعها لذلك، ولكنه لا ينكر صحة قولها ، لقد واجهته امام نفسه، لتعيده الى ذاته، في ظل سيطرة هذه البهجة على تفكيره، لا ينكر سطوتها عليه رغم ضعفها، رغم لطفها ورقتها ، ولكن لابد له من ايجاد الحل، لا يمكن استمراره على هذه الحالة، لابد من الحسم؟
انتفض يعتدل بجزعه، حازمًا امره في تنفيذ ما طرأ بعقله دون تراجع، وكما قال المثل العربي القديم، وداوها بالتي كانت هي الداء.
لا يوجد حل سوى بها؟ علٌه بعد ذلك يستريح من هذا العـ.ـذ.اب.
❈-❈-❈
داخل الفندق الذى تم عمل ليلة الزفاف بقاعته، ثم حجز هذه الغرفة كهدية له ولعروسه، بصفته انشط الموظفين به، جلست هي تنتظره على تختها بالفستان الضخم، حتى ينتهي من المبـ.ـاركات والتهاني من اصدقائه، والذين عملوا على خدmته، لما تجمعه من مودة بينهم.
ليلج اليها بخطوات متأنية متمهلة، يسترق النظر حتى وقف امامها تماما يتأمل خجلها وتلك الابتسامة المستترة خلف شقاوة يعلمها تمامًا، حتى في هذه اللحظة!
مال برأسه نحوها يسألها بنظرات كاشفة:
– بقالي ساعة بسلم ع الزمايل برا وبتقبل التهاني منهم، وانتى قاعدة هنا على سريرك، مغيرتيش فستانك يا صبا؟
ردت تجيبه ببساطة:
– عادي يعني، لفيت على صور السيشن بتاعتنا، ع التليفون، وخدني الوجت ونسيت.
زام بفمه بمكر مرددًا:
– يعني خدك الوقت ونسيتى الليلة والفرح وكله…..
ارتفع كتفيها وانخفضا بابتسامة متلاعبة، ليفاجأها بخلع سترته على الفور، ثم يشرع في خلع قميصه مرددًا :
– خلاص يا قلب شادي افكرك انا .
برقت عسليتيها بإجفال متسائلة:
– انت بتعمل ايه؟
– بفكرك يا قلب شادي.
وما ان انهى جملته حتى القى بقميصه على التخت، لتنتفض بخجل منه ناهضة لتهرول نحو المرحاض، وقد اصبح امامها عاري الجذع.
لحق بها يرفعها من خصرها والفستان الضخم سائلًا بجوار اذنها:
– ايه يا صبا، على فين يا قلبي؟
خرج ردها بصوت مهتز، وتراجع واضح عن التلاعب به:
– هغير هدومي يا شادي، ودي محتاجة سؤال .
قهقه بصوت عالي يديرها اليه:
– لا ما دا كان الاول يا صبا، انما دلوقتي…..
– ايه؟
– سألته ببرائة لتتلقى الرد عمليًا، حينما حطت شفتيه، ترتشف من شهد ثغرها، مشاعر مختلطة عصفت بها لا تدري لها مسمى، فلا هي بقادرة على منعه، ولا بقادرة على مجاراة جموحه، لتظل على هذا التخبط حتى افلت نفسه عنها بصعوبة يتأمل خجلها الشـ.ـديد، وهي غير قادرة عن مبادلته النظر بعيناها، وكأنها اصبحت قطة وديعة بين يديه، ليعقب:
– ياااه يا صبا، دا انا نفسي نسيت، وشكلنا كدة هناخد وقت كتير على ما نفتكر….
وما كاد ان ينهيها حتى رفعها بفستانها متابعا بمزاح امام صمتها :
– ايه يا صبا؟ القطة اكلت لسانك .
لم تقوى على الرد سوى بقبضة منها تدفعه بصدره، ليقهقه عائدًا بها نحو التخت:
– هو دا اللي ربنا قدرك عليه مش بقولك هناخد وقت كتير عشان نفتكر.
❈-❈-❈
في اليوم التالي صباحًا،
وفور ان ترجلت بهجة من وسيلة النقل الحكومي، وصارت في اتجاه عملها وصلها اتصال برقمه، فردت تجيبه على الفور باندهاش:
– ايوة يا رياض باشا، نجوان هانم فيها حاجة؟
– لا يا صبا دا انا اللي عايزك ، غيري طريقك وتعالي ع الجهة الشمال، انا قاعد مستنيكي في العربية.
– عربية ايه؟
تمتمت سائلة ، لتنفذ متخذة الطريق الاخر، فتجد سيارته امامها بالفعل ، فتسائلت بتوجس:
– طب انت قاعد ليه في العربية ، ما الشغل قريب ، تقدر تقعد في مكتبك.
اجابها بحزم :
– بقولك عايزك في حاجة ضروري يا بهجة ممكن .
اضطرت لطاعته، حتى اذا اقتربت تنضم معه، تحرك سريعا بسيارته ليختفي بها من قلب المكان، فسرى القلق بداخلها، لدرجة جعلتها تنـ.ـد.م، ولكنه فجأها بالتوقف، يباغتها بقوله:
– انا عايز اتجوزك يا بهجة.
صمتت قليلًا تستوعب ما التقطته اسماعها، لتردد بعدها بلحظات بعدm تصديق:
– تتجوز مين حضرتك؟ هو انت بتهزر يا رياض باشا؟
بجدية شـ.ـديدة جاء رده:
– قبل ما تحكمي اني بهزر ولا بتكلم جد، ممكن تسمعي مني الاول؟
ضاقت عينيها قليلًا بتوجس، قائلة:
– اتفضل حضرتك انا سمعاك…..
↚
تسحبت على أطراف اصابعها حتى وصلت لتقف خلف مدخل باب غرفة والدتها، لتتصنت على مكالمتها عبر الهاتف، بصوتها الخفيض كالهمس، حتى لا يصل لخارج الغرفة:
– ايوة يا ست مبروكة، العمل باينه مشتغلش، خلي الشيخ يعملي غيره شالله يسترك………. يووه…….. يا ولية بقولك العيال على حالهم، لا دا كمان شكلهم زايد اوي النهاردة من ساعة ما شافوها امبـ.ـارح في فرح ابن عمتهم وهي متزوقة،……… لا يا ست مبروكة هو قالي ان العمل هيشنغل في اليوم نفسه، بس دا محصلش، يبقى الفلوس اللي دفعاها انا وقعت في الارض على كدة……. يا ستي عارفة اني تعبتك معايا ، بس انتي المساعدة بتاعته ولازم تبلغيه يتصرف بحاجة تانية، حـ.ـر.ام اكون دافعة ومكلفة وفي الاخر ميجبش فايدة………. تاني هتحدديلي ميعاد ؟ يبقى فيها دفع فلوس تاني يا مبروكة انا عارفة……… خلاص يا ست متتعصبيش حدديلي ميعاد، انا لولا بس واثقة في كرمـ.ـا.ته ومجرباه قبل كدة، كنت قولت انه نصاب…….. خلاص مش هزعل الاسياد ولا اللبخ، بس انتي استعجليلي ميعاد مقابلتي بيه، متلطـــعـــنيش ، انا عايزة اخلص من البت واطمن ع العيال الموقوف حالهم………، كدة طب انا على ما اجي بقى تكوني حضرتي الحاجة مع الشيخ…….. تسلمي يا غالية تسلمي، هجيب حلاوتك معايا حاضر………. انتي تؤمري.
ختمت بتنهيدة مسهدة فور ان انهت المكالمة ، لتلتف بجــــســ ـدها، وتصطدm ابصارها، بتلك الملعونة ابـ.ـنتها ، مستندة بظهرها على إطار الباب، تطالعها بنظرات كاشفة وابتسامة ماكرة تخبرها انها سمعت كل الحديث:
– يعني ظني طلع صح……. احبك يا درية لما تخططي وتكتكي في الكوتيمي.
زفرت والدتها تحدجها بغـ.ـيظ شـ.ـديد، لتقترب فجأة وتجذبها قابضة على عضدها بعنف لداخل الغرفة فتحذرها كازة على اسنانها؛
– اسمعي يا بت انتي، الكلام ده حسك عينك يطلع لحد، ولا حتى بينك وبين نفسك، يا اما يا سامية قسما بالله لاطلعه على جتتك…
قابلت ابـ.ـنتها العاصفة الهوجاء منها بتباسط وابتسامة لم تتخلى عنها ، لتطمئنها:
– ياما متقلقيش سرك في بير، انا برضو بـ.ـنتك والمصلحة واحدة، بس كنت عايزة اعرف بقى، العمل عملاه على اساس ايه؟ يجيلها المرض وتمـ.ـو.ت بيه؟ ولا تغور في داهية بعيد عننا؟
التوت شفتي درية تمصمص بشفتيها مستنكرة التجني عليها:
– مرض ايه وهباب ايه يا زفت الطين انتي، شايفاني قدامك قتالة قــ,تــلة يا بت، دا انا واحدة بتخاف ربنا ، واللي بعمله ده عشان مضطرة، عيالي هيروحوا مني بسببها اقف متكتفة بقى؟ لا طبعا، انا بس موصية الشيخ يطلعها جاموسة ولا قرد في عيونهم، عشان يكرهوها أو يغورها عننا بأي نصيبة، بس كدة .
– بس كدة ياما؟
رددت خلفها بتشكك، لتردف درية بتأكيد:
– بس كدة يا هبابة، واقطمي بقى عشان الرط يجيب مشاكل ويكشف المستور، واحنا بنقول يا حيطة دارينا.
أومأت سامية تهز رأسها بحماس مرددة:
– من عيوني ياما، ما انا قولتلك سرك في بير، بس انا سمعاكي بتقولي انك مجرباه، كنت عايزة اعرف، في ايه بقى جربتيه قبل كدة وعرفتي بكرمـ.ـا.ته؟
الى هنا ولم تتحمل درية، وقد فاض بها من تدخلها، لتكزها بقبضتها، تنهرها بوعيد:
– وانتي مالك يا زفتة؟ عايزة تحشري نفسك كمان في اللي فات، بقك دا يخرص خالص، وإياكي تنطقي بالكلام ده تاني، لا قدام غيري ولا قدامى، وابعدي بقى خليني اشوف اللي ورايا جاتك الهم .
دفعتها من كتفها وتحركت مغادرة لخارج الغرفة ، لتتبع اثرها ابـ.ـنتها وبداخلها حماس لا تخفيه، بعد اكتشافها سر هذه القوة الخفية التي تمكن والدتها من فعل ما تريد، وشيطان رأسها يوسوسها للمضي في نفس طريقها.
❈-❈-❈
بصدmة تعلو ملامحها تستعيد الحديث بذهنها وتكرره عدت مرات عل استيعابها الضعيف يصل لشيء اخر، غير هذا الذي فهمته:
– نعم يا رياض باشا، يعني انت عايز تتجوزني في السر، دا حقيقي ولا انا فهمت غلط؟
تحمحم يبرر بملامح جـ.ـا.مدة وكأنه يخبرها شيء، عادي:
– انا مش بطلب منك حاجة عيب ولا حـ.ـر.ام عشان تتعصبي كدة يا بهجة، لأن دي مش من اخلاقي اصلا، انا عايزك وعايزك بشـ.ـدة، ولذلك ملقتش قدامي غير حلال ربنا.
عايزك وعايزك بشـ.ـدة، تكررت في ذهنها عدة مرات، يبرز الامر لها، انه لا يتعدى الرغبة، يعني ليست تلك المشاعر التي كانت تنشـ.ـدها، لكن يا ترى هل بالفعل هي هكذا؟ ام انه ينكر احساسًا داخله، يصلها في كل همسة وكل كلمة وكل نظرة منه، قلبها الصادق لا يخطيء ابدا، لكن ما الفائدة وهو في كلتا الحالتين اظهر لها وجهه الحقيقي ونظرته الدونية لها، ولكن ما العجب، الم تكن تلك قناعتها من البداية!
تنهيدة مثقلة خرجت منها قبل ان تعقب على قوله:
– بصراحة انا مخضوضة من جرأتك يا رياض باشا، بتبلغني برغبتك فيا كدة من غير تزويق ولا لف ودوران……
قاطعها مردفًا:
– انا راجـ.ـل عملي يا بهجة، وقولتلك اني مليش في الحـ.ـر.ام، ليكي عندي ان ءأمن مستقبلك بمبلغ محترم يغنيكي انتي واخواتك عن الاحتياج…..
قاطعته بدورها:
– على كدة بقى مصاريف مستشفى ايهاب من ضمن الحساب؟
زفر نافيا بهزة من رأسه واعتراض واضح:
– دي ملهاش دعوة يا بهجة .
– لأ ليها دعوة يا باشا، مدام الموضوع كله حساب في حساب .
صدرت منها بقوة لا تدري من اين أتت، كما انها تندهش لصمودها حتى الاَن امامه، بل ومواجهته بحدة، لتستفز هذا الجزء المتعجرف داخله:
– وان وافقتك وقولت امين هتقدرى تسددي التمن وانتي رافضاني؟
سألها ليرى تأثير قسوة السؤال على ملامحها التي امتقعت بقهر نبع بداخلها، ليشفق ملطفًا:
– احسنلك تخرجيها من الحسبة يا بهجة ، عشان يبقى قرارك من غير ضغط ، انا بحط قدامك المميزات بجوازك مني، لا عايز اضغط ولا امسكك من ايدك اللي بتو.جـ.ـعك، فكري كويس وا عـ.ـر.في فين مصلحتك..
– افكر في ايه؟!
تمتمت بها وجـ.ـر.ح مزق قلبها لأجزاء ، لتردف بصراحة كاشفة بوجهه:
– طول ما الدين بتاعك مطوق رقبتي، يبقى حضرتك مش سايبلي اختيارات، كان عندها حق لورا لما صدmتني بالحقيقة في وشي، انا اللي كنت غـ.ـبـ.ـية وكالعادة غلبتني السذاجة اللي ورثتها من والدي ، عشان اصدق ان حضرتك فعلا بتعمل كدة لوجه الله او كرم منك، يا خسارة.
خرجت كلمتها الاخيرة بصوت بح من فرط ما يكتنفها من الداخل، ورغم الالم الذي كان يجتاحه لهيئتها تلك، الا انه أبى الا يظهر ضعفه امامها، ليواصل بجمود يتقنه:
– تمام يا بهجة، لو حابة تخلي الموضوع كدة، رغم انه على غير رغبتي، انتي حرة، انا بحاول أوسعها في وشك على قد ما اقدر، بس انتي مصممة تاخديها بدراما انا نفسي متفاجيء منها، ع العموم كدة باقي ردك.
اوما بكف يده في الهواء امامها، يوقفها ألا تتعجل التفوه بما لا يعجبه، فور ان افتر فاهاها لتهم بالرد، ليسبقها بحنكته:
– انا مش عايزك تردي في لحظة انفعال دلوقتى….. حاولي تفكري كويس وت عـ.ـر.في فين مصلحتك، معايا مش هتخسري حاجة بل بالعكس، انتي هتكسبي كتير وكتير اوي كمان.
صمتت للحظات تطالعه بنظرة قادرة على الإطاحة بكل ثباته، ليخر راكعًا امامها يطلب الصفح ويستجدي موافقتها، وبالصورة التي تريدها، ولكن ما الفائدة؟ وقد سبق السيف العزل، ولابد من مواصلة الضغط،
لتحسم هي بالترجل من السيارة دون استئذان، تصفق الباب بقوة وتغادر دون ان ينطق فمها ببـ.ـنت شفاه.
ليزفر هو طاردًا من صدره دفعة من هواء مشبع بإحباطه، والم ينغز بصدره كلما تذكر صدmتها به.
❈-❈-❈
بحث بعيناه داخل ارجاء الشقة بعد استيقاظه، ليجدها الان داخل المطبخ، تعد فنجان قهوتها على ماكينة القهوة، ف اقترب بخفة ليفاجأها بلف ذراعه حول خصرها من الخلف، يطبع قبلة على كتفها مرددًا:
– مصحتنيش ليه عشان اشرب قهوتي معاكي؟
تبسمت مستمتعة بغمرته لها تجيبه:
– محبيتش ازعجك، خصوصا وانت راجع متأخر امبـ.ـارح.
– امممم.
زام بفمه بعدm رضا يعقب على قولها بسـ ـخـــريــة :
– عندك حق، ما انا جيت لقيتك سهرانة مستنياني.
ضحكت تزيد من غـ.ـيظه وهي تلتف نحوه واضعة كفيها على صدره:
– وانا اعملك ايه؟ ما انا فعلا قعدت مستنياك لقريب واحدة على فيلم السهرة، بعدها محستش بنفسي غير الصبح وانا على فرشتي ونايمة جمبك، وعقلي قعد ساعة يسألني ، انا جيت هنا ازاي؟
زام بفمه مرة اخرى، يجاري لعبتها، فهو على علم تام انها شعرت بحمله لها حتى وضعها على الفراش، مما شجعه في محاولة ايقاظها بعد ذلك، ولكنه فقد الأمل حين لم تستجيب:
– اكيد بتمشي وانتي نايمة.
ضحكت مما استفزه ليضـ.ـر.بها بخفة على جانب رأسها ، متوعدًا:
– وليكي عين كمان تضحكي، دي جزاتي اني سيبتك تنامي وتاخدي راحتك.
واصلت ضحكاتها ، لتلقي برأسها فوق عظام صدره، وتلف ذراعيها حوله قائلة بامتنان:
– انا فعلا كنت عايزة ارتاح امبـ.ـارح، تعب السفر والسهر كوم عليا، نمت زي الجثة.
شـ.ـدد بذراعيه عليها، وفضوله يدفعه للتساؤل:
– بعد الشر عليكي يا روح قلبي، انا مقدر لاني انا كمان كنت تعبان ، لكن اعمل ايه بقى في الجماعة اصحابي، واصرارهم الغريب في الاحتفال بيا والسهر معاهم ، ياللا بقى، المهم بقى انا بقول نقضي النهاردة اليوم عائلي ، ايه رأيك نقضيه عندكم .
ارتفعت رأسها فجأة سائلة باستفسار لا يخلو من قلق:
– عندنا فين بالظبط؟
تبسم يداعب طرف ذقنها:
– عندكم اللي هو بيت العيلة، مع مامتك واختك، هي عيلتك عندها كام بيت؟
ابتلعت رمقها برفض مبررة:
– ونبتدي ليه ببيتنا؟ ما نروح عند عبير وبابا عزوز.
اضطرابها الصريح ومراوغتها في الحديث معه، جعلته يتأكد من صحة ظنه بعلمها بخروج هذا الفاسد من محبسه، ليردف لها حازمًا:
– بس انا عندي غاية النهاردة ادوق اكل الست والدتك، وان كان على والدي وعبير، فدول هنروح منهم فين؟
تابع قاطعًا فرصة الجدال معه:
– اتصلي برؤى وبلغيها عشان تعمل حسابها ع الغدا او العشا، اللي يريحها، انا فاضي ولسة في أجازتي، يعني معايا الوقت كله.
ختم قاطفًا قبلة سريعة من ثغرها، ثم غادر بخطواته الشامخة، ليتركها في تخبطها، وتساؤل عن المغزى من خلف زيارة المنطقة في هذا الوقت، وهي تعلم تمام العلم انه علم بخروج ابراهيم من السـ.ـجـ.ـن، ترى هل يقصد الاحتكاك به؟
❈-❈-❈
خرج من غرفته بعد سماع الجلبة، والصوت الجهوري المميز في مخاطبة والدته، لتقع عينيه عليه جالسًا على مائدة الطعام، يتناول وجبته بنفس شهيته كعادته، بعد اختفائه بالأمس عن الترحيب به واستقباله كباقي افراد الحارة ، انه حتى لم يكلف نفسه بالسؤال عنه، بل والعجيب انه هو من اشتاق اليه، رغم كل ما يحمله من ضغينه نحوه،
ارتفعت ابصار الاخر لتلتقي به، يخاطبه ببرود:
– حمد الله ع السلامة.
– الله يسلمك.
تمتم بها ابراهبم متهكمًا، ليخطو ويقف قباله معقبَا:
– ياااه، اخيرا طلعت منك، كتر خيرك يا عم ورداني، جيت على نفسك ليه يا راجـ.ـل؟ ما كان بلاها احسن.
سمع منه عابد الورداني ، فواصل تناول طعامه دون اهتمام منه ان يجيبه، ليزداد الحنق بداخل الاخر، حتى انتفخت اوداجه وازداد اللهيب المستعر بداخل عينيه، لتلحق سميرة بذكائها فتجلسه على احد المقاعد، مبررة بلؤم:
– اقعد يا ابراهيم متبقاش حمقي، ابوك كان عنده بيعة مهمة امبـ.ـارح برا البلد، يعني مكانش فاضي لاستقبالك ، فهمت بقى.
زادت حدة ابراهيم في توجيه الغـــضــــب نحو ابيه مرددًا:
– افهم ايه ما انتي قولتي الحجة دي من امبـ.ـارح، وانا بلعتها بمزاجي، انما اصحى دلوقتي الاقيه بيبصلي ببرود ولا اكني بايت في حـ.ـضـ.ـنه، جرا ايه يا عم؟ دا انا لو عدوك هتفرح بخروجي من حبستي، الناس دى ايه قلوبها اللي عاملة زي الحجارة دي ؟
خرج عابد عن صمته ليباغته بسؤاله:
– وتفتكر بقى عشان خدت البراءة يبقى انت بريء بجد؟ ولا فاكرني صدقت انا بلعبة المحامي ابن الحـ.ـر.ام اللي امك دفعتله من فلوسي عشان يخرجك؟
شحب وجه ابراهيم متفاجًئ من حدته ، ليستطرد عابد:
– بلاش نتكلم ونفتح لبعض يا ابراهيم، انت شايل مني عشان مستقبلتكش، وانا قلبي مش راضي عليك من ساعة ما اتأكدت من مصيبتك.
انتفض عن كرسيه يلوح بسبابته امامه:
– تقدر تضحك ع الناس كلها وتفهمهم انك بريء، بس انا لا يا بني، عشان اللي ربى خير من اللي اشترى، وانا مش بس مربيك، لا دا انا خاتم على مصيبتك وحاططها في قلبي وساكت، دفعت من حر مالي عشان اخرجك ، لكن عمري ما هنسهالك، انك تخسرني صاحب عمري بقلبك الاسود وعمايلك المهببة، الا لو ربنا هداك، يمكن ساعتها انسى.
دفع بيده الطعام مستطردًا:
– وادي الاكل سايبهولك انت وامك، على الله بس تشبعوا.
قالها ثم انصرف تتبعه ابصار الاثنان، بذهول اخرس السنتهم، فهذه لاول مرة يكشف لهم عن سر امتناعه وغـــضــــبه الدائم عن زيارة ابنه الوحيد.
❈-❈-❈
بعد تململ وفترة من التقلب على فراشه، فتح عيناه للضوء الذي تسلل من الجزء الصغير المكشوف من زجاج الشرفة المغلقة، ليستوعب وضعه في الغرفة الجديدة، ليعود اليه الوعي فور ان استفاق لذراعه التي تضمها ، فيتطلع اليها جيدا، ويتبين انه لم يكن يحلم،
إذن تلك الصور الجميلة التي راودت عقله لم تكن حلمها بل واقع وحلق في سمائه منذ ساعات قليلة، الجميلة الساحرة بين يديه، تلك التي قبلت به رغم كل الفروق بينهم، وفضلته على من هو اوسم وأغنى وارقى منه، ما الذي يحدث معه؟ ما تلك السعادة التي تضخمت بقلبه حتى كاد ان ينفجر صارخًا، معلنًا بعشقها على الملأ،
هي العوض، لا بل هي الهدية الجميلة التي منَ الله عليه بها، يريد التأكد كل لحظة وكل دقيقة انه لا يحلم، وما الذ من التنفيذ عمليًا.
مال بعدm تصديق يقصد تقبيلها، ولكن وقبل ان يدنو منها جيدا ، فاجأته بفعلها، حينما عبست ملامحها بضيق، تدفع سبابته التي حركها بغرض إزاحة خصل الشعر التي تغطي نصف وجهها عنه، ليتبسم بمرح لفعلها، مقررًا التكرار بمداعبة طرف انفها، فعادت هي للعبوس مرة أخرى تدفع الهواء وكأنه ذبابة تحوم حولها.
ليزداد استمتاعًا ويضاعف من مشاكستها حتى اجبرها للاستيقاظ، تفتح عيناها للنور بضجر، فتلقفها بالتحية وقبلة خاطفة:
– صباح الجمال.
تجمدت لحظات في اللا وعي هي ايضا حتى استوعبت، لينتابها الخجل ، فتسبل اهدابها عنه دون رد، وقد لاح بذهنها كل ما حدث بالأمس.
فهم عليها ليزداد سعادة، مقبلا جفن عينيها بحنو:
– يا قلب شادي، بقيتي قطة وديعة يا صبا، امال فين الخربشة وروح الشراسة اللي بحبها فيك يا صعيدي انت يا مجنني؟
ارتفعت عيناها اليه مرددة بجرأة تتصنعها في رد له:
– ومالهم الصعايدة على اول الصبح، انت غاوي تجلب الوجه الجبلي عليك في صباحيتك يا شادي؟
جلجلت ضحكته الصاخبة تدوي مقهقهًا يردد:
– اوي يا صبا، انا حابب اوي اشوف الشراسة اللي كنت متوقعها.
أكمل بجرأة يفاجأها:
– أصل انا بصراحة كنت راسم صورة مخالفة خالص، افتكرت بقى هيبقى في خناقات، هجوم ودفاع، صد ورد، لكن الرقة دي مكنتش متوقعها ابدا من صبا.
ضاقت عينيها بغـ.ـيظ منه ومن وقاحته، لتدفعه بقبضتها في رد له:
– طب بَعد.
تبسم باتساع رافضا التزحزح:
– ابعد ايه بالظبط؟ مش فاهم ، ممكن توضحي اكتر؟
اردفت بغـ.ـيظ اشـ.ـد تحاول الفكاك من حصاره:
– بطل غلاسة يا شادي ، احنا لسة في اول اليوم متجفلنيش منك.
– ايه؟
تمتم بها ليقع من الضحك فيزيد من ضمها، هذه المشاكسة، تدعي الضيق والتأفف حتى تخفي خجلها منه كالعادة، ولا تدري بأنه يحفظها:
– صبا انا همـ.ـو.ت منك بجد جننتيني….
– بعد الشر عليك متجولش كدة .
قاطعته بها تجذب انتباهه وهذا القلق الذي اعتلى ملامحها، ليواصل مناكفتها:
– ليه يا قلب شادي؟ خايفة عليا؟
جاء ردها بقبضة قوية وجهتها لكتفه مردفه بحنق:
– ودي محتاجة سؤال؟ بعد عني يا شادي عشان انا اتخنجت منك بجد.
عصبيتها في توجيه الخطاب له، وقد احمر وجهها بانفعال جعله يلطف، مرخيًا ذراعيه عنها قائلًا بعشق:
– انا اسف يا قلب شادي لو زعلتك، معلش بقى قدري اني لسة غشيم فى التعامل مع القمر اللي معجون بعصبيه الصعايدة.
تبسمت لغزله، فدنى يدفن رأسه في تجويف عنقها ، يستنشق عبيرها، ثم يمرر شفتاه على بشرتها حتى وصل لثغرها ليعود ويتذوق شهدها من جديد، شاعرًا باستجابة منها على استحياء، ليردف بتأوه:
– ااااه ، يا لهوي عليك يا شادي، دا انت هتشوف الويل مع بـ.ـنت ابو ليلة .
❈-❈-❈
توقفت سيارة النقل العام بالقرب من الطريق المؤدي لمنطقتها، لتترجل منه عائدة الى منزلها، فلم تملك من الطاقة ما يجعلها تمارس عملها داخل المصنع والذي هو ملكه من الأساس.
ما السبيل وحتى رزقها يأتي عن طريقه، ان استغنت عن مجالسة والدته، كيف تستغني عن عملها في المصنع؟ وهو المصدر الرئيسي لإعالتهم، انه لا يطوق عنقها فقط بالدين، انما يمتلك قوت يومها، تبا له من مغــــرور ومستغل.
– راجعة بدري ليه عن ميعادك يا بهجة؟
وصلها الصوت المعروف لتغمض عينيها بتعب، فهي لا ينقصها الاَن من سماجة ابناء عمها، لتواصل متجاهلة الرد عليه، لتفاجأ به يتصدر امامها ويوفقها :
– جرالك ايه يا بهجة؟ انا بكلمك، لتكوني سرحانة!
وكأنه ضغط على زر الانفجار، صاحت به مرددة:
– يا سيدي وما اكون سرحانة انت مالك؟ هو انا هلاقيها منك يا سامر، ولا من اخوك اللي مزهقني برزالته في الرايحة وفي الجاية ، ما تحلو عني بقى ، دا انا كرهت الشارع وكرهت البيت اللي ساكنة فيه عشان خاطركم، اولع في نفسي عشان استريح منكم يعني؟
أومأ بصدmة لرد فعلها المبالغ فيه، ليتراجع مرتدًا للخلف بأقدامه، ملوحًا بكل يده امامها:
– خلاص يا بـ.ـنت عمي، انا اسف والله لو سألتك، سامحينى ان كنت قلقت عليكي ولا على حد من اخواتك ، انتي حقك تعملي اللي انتي عايزاه وانا ابقى مش محترم لو كررتها تاني .
كان قاصدا الضغط على عاطفتها، لعلمه جيدا بشخصيتها، والتي اكتنفها تأنيب داخلها لتلطف بتعب ممسكة بطرفي أصبعيها على أعلى انفها قائلة:
– معلش يا سامر، بس انا مخـ.ـنـ.ـوقة وتعبانة ومش قادرة حتى على الكلام، اعذرني في حدتي عليك .
– طب هو انا ممكن اسألك عن سبب الخـ.ـنـ.ـقة ؟
رمقته بحدة جعلته يتراجع على الفور:
– بلاش الخـ.ـنـ.ـقة، قوليلي ع اللي تاعبك وانا رقبتي سدادة، لو محتاجة دكتور او شيء انا تحت امرك .
زفرت بنفاذ صبر ترفض عرضه بزوق:
– لا يا سيدي كتر خيرك اوي، انا ماشية امدد جـ.ـسمي ع السرير وان شاء الله محتاجش لأي دكتور، عن اذنك بقى عشان مش متحملة الوقفة .
وبدون انتظار رده، تحركت ذاهبة من امامه على الفور، لتمضي في طريقها، متجاهلة النظرات المصوبة نحوها من اهل الحارة والمتسائلة لعودتها من عملها في هذا الوقت من الصباح .
لتسرع بخطواتها حتى وصلت الى منزلهم، لتدفع الباب بهدوء بعدmا فتحت بمفتاحها، ثم تدلف على أطراف اصابعها حتى لا يسيتقظ شقيقها الذي كان نائمًا في هذا الوقت ، بعد ليلة طويلة من السهر واستذكار دروسه، فتخطو بخفة حتى ولجت داخل غرفتها ، تخلع الحذاء، قبل ان ترتمي بجــــســ ـدها على الفراش، تطلع العنان لدmـ.ـو.ع تحتجزها منذ لقاءها بهذا المغــــرور .
❈-❈-❈
به شيء هذا اليوم مختلف ، صفحة البرود التي يتحلى بها دائما تغيب عنه بصورة مزعجة، مع تلك النظرات التي يصوبها نحوها الاَن وهي تدلف اليه بمجموعة من الملفات المطلوب البت بها، وهو جالس يهزهز كرسيه بملامح مغلفة لا تنبيء بشيء:
– حطيهم هنا.
قالها يشير بيده على سطح المكتب بجانبه، دون ان يلتقطهم منها ويعمل عليهم على الفور كما يفعل دائمًا، ثم يفاجأها بمطلبه:
– اتفضلي اقعدي يا لورا عايزك.
قطبت بعدm فهم، تظن انها قد فهمت خطأ، ليزفر بصوت عالي يشير لها مؤكدًا:
– بقولك اقعدي يا لورا ، هو انا بتكلم بلغة مش مفهومة.
جلست على الفور متمتمة بـ.ـارتباك:
– لا طبعا انا بس استغربت.
وضعت ساق فوق الاخرى مردفة بابتسامة ناعمة تلمس بكف يدها على شعرها:
– اممم انت تؤمر يا رياض باشا.
ضيق عينيه قليلًا يطالعها بصمت زاد من اضطرابها وتضاعف، حتى داعبتها الأماني والأحلام، لربما حدث وقد ما تتوق اليه وبشـ.ـدة في القرب منه.
لتسبهل اهدابها بخجل تتصنعه، تتحمحم برقة:
– رياض انت مقولتش لحد دلوقتي عايزني في ايه؟
– اسمي رياض بيه يا لورا، كذا مرة انبهك متخلطيش بين القرابة وبين الشغل.
اجفلها برده الجاف حتى ارتفعت عينيها اليه بإجفال ، ليواصل بجموده، غير مكترثًا بإحراجها:
– قوليلي صحيح يا لورا، هو انتي بقالك كام سنة شغالة معايا؟
كتمت زفرة الاحباط بداخلها، لتجيبه برسمية بحتة كما يريد:
– تقريبا من اول ما مسكت انت المصنع بعد المرحوم حكيم، بتسأل ليه حضرتك؟
مال بجــــســ ـده يسند مرفقيه على سطح المكتب يجيبها بغموض، واضعًا بندقيتيه صوب خاصتيها وكأنه يغوص بأغوارها:
– بسأل عشان اتأكد يا لورا ، بصراحة قاعد بعيد في دmاغي، لو كنت في يوم من الايام، خلطت علاقة العمل ما بينا وبين القرابة.
امتقعت ملامحها لتعقب بحنق يسري بداخلها منه:
– حضرتك عمرك ما عملتها، بدليل الموقف اللي حصل من دقايق.
لقد اوقعها في الفخ، هذا ما تأكدت منه فور تبدل ملامحه فجأة ليردف بصوت غريب عنه، وفظاظة تثير التساؤل:
– ولما هو كدة، ومفيش ما بيني وبينك غير الشغل، بتبلغي بهجة بمصاريف المستشفى بتاعة اخوها ليه؟ انا كنت طلبت منك ذلك؟
بهتت فاغرة فمها بازبهلال، وكأن المفاجأة شلت أطرافها، لتأخذ لحظات من الاستيعاب، استغلها هو في توجيه التوبيخ لها مضيفًا:
– كون انك قريبتي دا ميدكيش الحق ابدًا في انك تتدخلي في شئوني، سواء بتصرف صح او غلط ، انتي ميخصكيش.
خرجت الاخيرة بصيحة جعلتها تستفيق لنفسها، مستعيدة بعضًا من دهائها:
– حضرتك بتلومني وكأنك متأكد، انا بقى عايزة اعرف، هي ليه تبلغك بالكلام ده؟ لو بتحاسب على اختلاط علاقة القرابة مع الشغل، يبقى نحاسب البـ.ـنت دي اللي دخلت البيت تبث سمومها ولا اكنها بقت من اصحابه.
اجابها ببساطة ناسفًا كل اغراضها مما سبق:
– من اصاحبه او غريبة عنه، برضو انتى مالك يا لورا؟ انا حر في ممتلكاتي وحر اعمل اللي عايزه، انتي ملكيش في حياتي الا المسافة اللي محددها، ياريت بلاش تتعديها، عشان متخسريش شغلك قبالها، اكيد ت عـ.ـر.في كويس اني معنديش تهاون .
كان قاسيًا لدرجة افقدتها النطق للحظات، حتى اتجهت لسلاح الانثى الاخير، لتذرف الدmـ.ـو.ع متمتمة بمسكنة تجيدها:
– انت بتقولى انا الكلام ده؟ سمحت لواحدة زي دي تشوه صورتي قدامك، انا دلوقتي بس نـ.ـد.مانة لصفة القرابة اللي ما بينا، ع الاقل لو بشتغل عند حد غريب، هيراعي اكيد انه يعدل ما بين موظفينه، انا بشتغل عندك بقالي سنين ، عارفني كويس وعارف اخلاقي، مش واحدة شغالة عندك من شهور قليلة، ياريتني مت قبل ما اتعرض للظلم ده منك، ياريتني مت.
نهضت من امامه مواصلة فقرتها:
– حضرتك كمان تقدر ترفدني، ولو عايزها تيجي مني، انا مستعدة اقدm استقالتي برضو مش هعترض….. عن اذنك……
ختمت بشهقة لتكتم بكف يدها على فمها، وتركض من أمامه، منهية وصلتها، على امل التأثير بقلبه المتحجر، والذي تجمد محله، يطرق بقلمه بأعين فارغة كالزجاج، فاقدة للأحساس، حتى لو به شيء من تأنيب الضمير ، تغلبه دائما طبيعته عن التراجع، هذا هو رياض الحكيم، الذي قضى نصف عمره في بلاد الثلج مع قوم لا تهتم ولا تعطي قيمة للعواطف، والجزء الثاني كان بالصدmـ.ـا.ت المتوالية ، حتى كبر زيادة عن عمره سنوات، وزاد بقلبه الجفاء.
❈-❈-❈
توقفت السيارة اسفل البناية التي يوجد بها منزلهم، لتخرج هي اولا بحلتها الجديدة وقد صارت انثى بالمعنى الحقيقي، تشرح القلب بطلتها، لتتلقى الترحيب بلهفة من شقيقتها التي كانت تنتظرها في شرفة المنزل، لتلوح لها بكفيها في الهواء، فقابلتها هي بابتسامة رائعة، قبل ان تلتف رأسها فتلتقي ابصارها بذلك الذي برقت عينيه بذهول، لا يصدق ان تلك امنية التي كان دائما يراها عادية واقل من عادية،
بوجهها الممتليء وجــــســ ـدها الذي كان يظهرها اكبر من عمرها رغم اغرائه.
كل هذا ذهب الاَن، الوجه اصبح منحوتا يظهر جمال الملامح التي كانت مدفونة، وجــــســ ـدها مازال مغريا ولكن برشاقة الابطال، وهذه الهيئة الجديدة والملابس بدلتها تماما.
افترت زاوية فمه بابتسامة جانبية قابلتها بازدراء لتواصل طريقها، بعدmا القت بنظرها نحو ذلك الذي كان يقود السيارة حتى ركنها في موقع جيد قبل ان يخرج، بحلته الأنيقة التي تليق به، وعضلاته البـ.ـارزة تكاد تمزق السترة التي يرتديها ، بهيبة تجعل الجميع يحسبون حسابه، ثم هذه النظارة السوداء على عينيه، لتزيده غموضًا حينما وقف امام الاخر للحظات ، وكأنه يريه من هو،
قبل ان يتحرك بعد ذلك يلحق بزوجته، ليتمتم ابراهيم ف اثره بعدmا جفف الدmاء بعروقه :
– يا بن ال….. جاي تنفش ريشك عليا وتوريني عضلاتك، ماشي، ماشي يا سيادة الظابط….. ماشي يا امنية.
❈-❈-❈
في إحدى النوادي الاجتماعية الخاصة بالرجـ.ـال، كانت جلسة الاثنان، بعدmا اصر عليه كارم للخروج معه، ليستعلم ولو قليلًا عن سر جموده، وهذا الحالة الغريبة التي تتلبسه منذ لقاءه به، حتى امتنع عن مواصلة العمل، وهذا شيء من النادر أن يحدث،
اتى اليه بعبوة المشروب البـ.ـارد ليلكزه مشاكسًا:
– ايه يا عمنا؟ فوق كدة واشرب وفك عن نفسك .
تناول منه يتنفس زافرا ببعض الهدوء ليرتشفها متذوقًا لذعتها ، ليتأفف معبرا عن ضيقه:
– ايه ده يا كارم دي حراقة اوي، مش تجيب حاجة اخف.
تجرع منها الاخر بتلذذ قائلا:
– وهو في احلى من الحراق؟ دي حتى طعمها يهبل ومش مسكرة على حد طلبك.
اومأ رياض مستسلمًا دون اعتراض، مما دفع فضول الاخر للتساؤل:
– بس مش غريبة دي يا رياض، ان رغم عشرتك للخواجات العمر دا كله ومتكونش بتحب البيرة ولا حتى تشربها تفاريح.
ابتسامة ضعيفة لاحت على جانب فمه قبل ان يجيبه:
– اللي يعاشر الغرب خصوصا في السن الصغير بتاعي ، أكيد هيمشي على نظامهم، وانت عارف بقى والدي ووالدتي كانوا منفتحين ازاي؟
توقف يطرد من صدره دفعة هائلة من هواء ساخن، تشبع بحـ.ـز.نه بعد ذكره للإثنان، ليتمالك بعد ذلك مردفًا:
– بس طبعا انا لما دخلت الجامعة واشتغلت ، شوية شوية بقيت افتح دmاغي اكتر وامقت الحاجات دي من نفسي…….. وعلى رجوعي مصر كنت بطلت خالص، والتفت لشغلي.
اومأ كارم مقدرًا صعوبة الكلمـ.ـا.ت وهي تخرج من فمه، ليربت بكفه على ركبته بخفة، ثم سرعان ما غير دفة الحديث بتساؤله:
– طب قولي بقى، ايه اللي قالب حالك كدة؟
حينما ظل على صمته، واصل كارم بفراسة:
– هو انا ليه قلبي حاسس، ان ورا قلبتك دي في واحدة ست.
اعتلى الإجفال وجه الاخر، مما أكد الظن لديه، ليردف بإلحاح:
– يا عم احنا رجـ.ـا.لة زي بعض، قولي بس لو عندك مشكلة مع واحدة منهم، صاحبك له خبرة برضو مع الصنف.
– صنف؟
تمتم بها بعدm استيعاب، ليقهقه ضاحكًا بمرواغة كي يخفي تـ.ـو.تره، فهذا الماكر، لديه من الذكاء الحاد والقدرة على كشف اغواره:
– وربنا انت مشكلة يا كارم، ع العموم يا سيدي لما احتاج مساعدة مش هروح لغيرك، مدام انت راجـ.ـل عندك خبرة.
بادله كارم الضحك والمزاح، يحترم تحفظه، ليردف مرحبًا بمساعدته:
– وانا جاهز في اي وقت يا سيدي، وقت ما تعوزني بس أشر بإيدك.
اومأ بامتنان له:
– ماشي يا باشا.
❈-❈-❈
والى بهجة التي غفت على فراشها ، بعد وصلة من البكاء والحـ.ـز.ن، حتى استيقظت على صوت دفع الباب واقدام احدهم تلج اليها، ثم تخرج سريعًا بخطوات مرتبكه، حتى ارتطم شيئًا ما على الارض ، مما جعلها ترفع رأسها وجذعها سريعًا لتستكشف هوية الشخص الذي صار يصلها صوت اقدامه، لتخرج من غرفتها على الفور، وتفاجأ بفتح الباب الخارجي من المنزل، قبل ان يصفق سريعًا بخروج الشخص، فلاح أمامها سريعا طيف اللون الاخضر.
لتهرول كي تلحق بمن ظنته لصًا، ولكنها تفاجأت بظهر هذه المرأة التي كانت تعطيها ظهرها وتحاول الهبوط على الدرج ببعض السرعة الحريصة….. وترتدي عباءة منزلية خضراء!
فهتفت بها توقفها:
– كنت بتعملي ايه في البيت عندنا يا مرات عمي؟
انتفضت المذكورة وتشنج ظهرها برعـ.ـب من كشف مصيبتها، لتجبر على الالتفاف لها، تقبض بيداها على هذا الشيء الذي اخدته من الرجل الدجال ( عمل) وقد كانت تنوي اخفاءه بين اشياءها كي يعمل هذه المرة جيدا وينفذ المطلوب، واضعة برأسها ان هذا موعد عملها، لم تحسب ابدا انها ستجدها امامها على الفراش.
ابتلعت ريقها، ترتدي قناع الجمود سائلة:
– انت بتكلميني انا يا بهجة؟
خرجت لها بهجة من مدخل المنزل تضـ.ـر.ب كفا على ظهر الاخر مرددة:
– امال بكلم خيالي؟! انا شايفاكي بعيني دلوقتي وانت خارجة من باب البيت.
انتفضت دورية تاخذها العزة بالاثم متهكمة بفجر:
– وايه اللي هيخليني ادخل بيتكم يا عنيا، بدور على الكنز ولا اسرق الفلوس المتكومة يا حسرة؟ ما تصحي لكلامك يا بهجة وبلاش هلفطة خايبة منك.
صاحت بها مرددة؛
– هلفطة خايبة فين؟ انا بقولك شايفاكي بعيوني الجوز وانت خارجة من بيتنا، اما بقى عن السبب، فدا اللي انا عايزة اعرفه منك، ايه اللي يخليكي تدخلي بيت في غياب اهله؟
صوتها العالي جعل شقيقها يخرج من غرفته ليقف بجوارها بتساؤله، وفي الأسفل ايضا دفع سامية الى الصعود لمساندة والدتها التي كانت ترتجف من الزعر عكس ما تدعيه من قوة:
– في ايه يا ست بهجة؟ مالك يا ختي صوتك عالي ليه؟
– نقطتينا انت بسكاتك.
صرخت بها بهجة في وجه هذه الماكرة، والتي جاء تدخلها بنفعه لوالدتها التي استقوت بها:
– تعالي يا بـ.ـنتي شوفي بعينك واشهدي على امك اللي نازلة من شقة ابنها في امان الله، تقوم تخرج لها دي من غير سلام ولا كلام، وقال ايه، انا دخلت عندهم، يكش يكون عندكم الابعدية وانا مش دريانة!
دعمتها ابـ.ـنتها في السـ ـخـــريــة، تتخصر امام ابنة عمها:
– عندك حق ياما والله، قال ندخل بيتهم قال، دا انتو بتكملوا عشاكم نوم .
– انتى مش محترمة وقليلة الادب.
خرجت من ايهاب يسبق شقيقته، وقد استفزه قلة حياءها والسـ ـخـــريــة من وضعهم المادي، لتصيح متمتمة بالسباب، وكأنها تنوي الهجوم عليه، فتتمسك بها والدتها من التقدm:
– بقى انا قليلة ادب، وديني لكون موصلة الموضوع لاخواتي خليهم يربوك يا عيان يا ساقط في هدومك.
رد بقرف وشقيقته هو الاخر تمنعه من التقدm نحوها:
– كان عرفوا ربوكي انتي الاول، بدل ما هما سايبينك على حل شعرك.
– هما مين اللي سابينها على حل شعرها، ما تنقي كلامك يا إيهاب.
جاءت هذه المرة من شقيقها الاكبر والذي وصل على صوت الشجار الذي تجمع له العديد من البشر يتابعون ما يحدث.
لتلتقط سامية فرصتها تخاطبه بمسكنة:
– تعالى يا اخويا الحقنا، بـ.ـنت عمك بتتبلى على امي انها دخلت بيتهم، واخوها بيقل ادبه عليا انا، ويقول اني مش متربية، انااا بـ.ـنت عمه بيقول كدة اهيء اهيء.
تذرف الدmـ.ـو.ع الكاذبة ووالدتها تجاريها ايضا في رسم الدور، لتتجه ابصاره هو نحو بهجة التي علمت انه لا نفع من الجدال مع هاتين العقربتين، ولن تأخذ من المواصلة معهم سوى المزيد من الفضائح.
ليأتي صوته هو ملطفًا، بنظرات هائمة تبغضها:
– اكيد هما ما يقصدوش واللي حصل سوء تفاهم مش اكتر، ولا ايه رأيك يا بهجة؟ انا بقول نقعد مع بعض ونشوف المشكلة فين.
شهقت درية وابـ.ـنتها لهذا الرد الخانع وقبل ان يأتي توبيخها، صدر الرد من بهجة التي صرخت بقهر ونفاذ صبر:
– مش عايزة حاجة من خلقتكم، لا عايزة اعرف المشكلة ولا حتى اصلها، حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل .
صارت تردد بها وهي تسحب شقيقها لتدخله معها ، ثم تصفق الباب بوجههم، لتدلف مع شقيقها الذي صار يردد بتساؤلات عدة تعجز عن الرد عليها،
ماذا ستخبره؟ وقد تجمعت الخيوط برأسها، من بداية حديث عائشة حينما اخبرتها بترجيح دخول هذه المرأة الى المنزل وهي كذبتها، ثم هذا الماء المسحور الذي وجدته رئيستها صباح على باب المنزل، وعلمت منها انها المقصودة، ثم دخولها الاَن الى غرفتها ف ميعاد عملها بالمصنع .
لتذهب الى غرفتها، تضـ.ـر.ب بذراعيها على الفراش بانهيار ، هذا اكبر من طاقتها، وقد نفذت طاقتها، الا يكفي ما يثقل ظهرها من هموم قادرة على كـ.ـسرها لتأتي هذه المرأة بأفعال السحر والشعوذة والله الاعلم بغرضها .
ظلت تفرغ قهرها بالبكاء حتى استفاقت تتذكر حديثها في الصباح معه، وما قد تسبب به من الم داخلي لها زاد من اوجاعها، ولكنها ابدا لن تستمر على هذا الحال، ابدا،
اعتدلت بجذعها تجفف دmعاتها بعنف باطراف اصابعها، لتلتقط الهاتف، وتطلب رقمه، جاءها الرد سريعًا بنبرته الهادئة البـ.ـاردة:
– الوو يا بهجة، انا معاكي.
استجمعت شجاعتها ليأتي ردها على الفور:
– انا موافقة.
– نعم؟
تمتم بها بعدm تصديق ليأتي التأكيد منها:
-،بقولك اني موافقة على عرضك، بس عندي شروط.
صمت قليلًا ليصلها صوته بعد ذلك:
– وانا موافق على كل شروطك يا بهجة.
جاء قولها بحدة:
– مش لما تسمعها الاول بعد كدة تقرر؟
↚
قطر الحياة يسير رغم انفنا، لا يتوقف لمرض، ولا يحـ.ـز.ن لوفاة، ونحن العالقين بداخله، ماضين في طريقنا معه، رغم كل ما نواجهه من ويلات، يدفعنا الامل في الوصول بالمثابرة والتحمل .
حتى تجبرنا الظروف على أشياء كنا نستنكرها قبل ذلك، بل ونمقت من يفعلها ، فتدور الدائرة ونجد أنفسنا بين شقي رُحى، إما التنازل والتكيف مع الواقع، وإما ان نصارع طواحين الهواء؛ في حرب بذل الجهد بلا نتيجة تذكر، او ربما هزيمة تصيبنا بالدهس تحت عجلاته.
ترى هل سيأتي ذلك اليوم ويتوقف بنا في محطة السعادة، ام هي النتيجة الحتمية والمتوقعة، ولا ينتظرنا سوى المحطة الوحيدة التي نعلمها جميعا، علّ بها نجد الراحة الأبدية من كل شيء.
بـ.ـنت_الجنوب
بداخل احد المطاعم الفاخرة.
وقد اتى بها بعد اتصالها مباشرةً به، لتجلس امامه الاَن مقابلة له، على طاولة جمعتهما وحدهما في ركن مميز ومنزوي عن البشر، حتى تأخذ حريتها وتتحدث دون خجل:
– ها يا بهجة، تحبي اطلبك ايه؟
بادرها بالحديث، ينتشلها من شرود اكتنفها، وكأنها سبحت بعالم اخر، بتأملها لتلك التفاصيل الصغيرة، والمعبرة عن شيء مضاد تماما عن مغزى الجلسة، الاضاءة الخفيفة وهذه الشموع التي تزين وسط الطاولة، والموسيقى الهادئة، وكأنه يسخر منها بهذه الأجواء الرومانسية.
ابتسامة جانبية لاحت على زاوية فمها، لتلتف اليه قائلة:
– شكرا يا باشا، انا مش عايزة اي حاجة، خلينا ندخل في الموضوع اللي جينا عشانه.
اومأ ملوحًا بيده امامها كي تتريث قليلًا، لينظر للنادل الواقف بالقرب منهما، يخبره بإسم اجنبي للمشروب الذي يريده له ولها.
لتزفر هي متغاضية عن الاعتراض، وانتظرت حتى انتهى، ليعطيها اهتمامه بالكامل قائلا بابتسامة هادئة اثارت استفزازها من الداخل:
– انا طلبت لنا احنا الاتنين نفس المشروب، لأني متأكد انه هيعجبك، وان كان ع الكلام، احنا لسة في بداية القعدة.
سحب شهيقًا طويلاً قبل ان يزفره، في فعل فضح تـ.ـو.تره، رغم اتزانه المبالغ فيه، ليستطرد:
– يلا يا ستي اتفضلي قولي شروطك.
تطلعت اليه ببعض الجمود وكأن العدوى اصابتها، لتجيبه بثبات:
– أولًا عشان نبقى واضحين من اولها، الجواز حتى لو في السر مش هيتم غير على ايد مأذون.
تحمحم يحك جانب فكه الشمال في لفتة اظهرت إعتراضًا هم بالتعبير به، ولكنها سبقته قاطعة، ناجزة، تجاهد غـــضــــبها من الداخل:
– لا حضرتك دا مش محتاج تفكير، لأن انا مبعترفش بأي حاجة تانية غيره، لا ورقة عادية ولا حتى مسجلة في الشهر العقاري، حتى لو كانت مباحة، في شرعي انا اسمها زنا وانا عمري ما كنت خاطية.
قالتها بانفعال جعلته يبرر بأسف:
– محدش قال الكلام دا يا بهجة، انا دارس برا وبشوف الحاجات عادية جدا، يعني بس…..
هم ان يتابع لإقناعها ولكن امام حدتها اضطر للإذعان يوميء على مضض:
– اللي تحبيه يا بهجة، كدة خلصنا من الاول، اللي بعده بقى.
لانت ملامحها بعض الشيء لعدm تشـ.ـدده في هذه النقطة وموافقته السريعة، لكن سرعان ما عاد جمودها في التفوه بالاخر:
– ياريت المدة متزيدش عن شهر ولا شهرين، عشان منعطلش بعضنا كتير، وكل واحد يمارس حياته في…..
– استني هنا وقفي.
قاطعها سائلًا بضيق لا يخلو من ريبة:
– هو ايه اللي شهر ولا شهرين، هو احنا رايحين رحلة؟
– امال يعني هنتجوز جواز طبيعي؟
تمتمت بها، تجفله بصراحتها، لتواصل بإفحامه:
– حضرتك من الاول حددت انها رغبة وقولتها في وشي بدون تزويق، واظن يعني الرغبة دي مهما كانت قوتها مبتزيدش عن كدة، يبقى لزومو ايه العطلة ع الفاضي؟
عض على نواجزه، يكتنفه غـ.ـيظ شـ.ـديد، لا تعجبه هذه الصراحة الفجة منها، لماذا لا تسهل عليها وعليه الامر؟
ضاقت عينيه بزفرة قانطة ينهي هذا البند:
– اللي بعده يا بهجة خلينا نخلص.
دارت مقلتيها بتفكير سريع تجيبه:
– اللي بعده يعتبر مش شرط، اصل مدام بانتهاء العقد هينتهي شغلي في المصنع….
قاطعها سائلًا بإجفال:
– شغل ايه اللي هينتهي؟ وتسيبي الشغل ليه اصلا؟
ردت ببساطة :
– عشان مهينفعش اكمل في مكان انت موجود فيه.
تبًا، لما يشعر بالقسوة خلف كلمـ.ـا.تها، ولما هذا الضيق المفاجيء الذي يجثم على انفاسه لمجرد الفكرة، ليكن الصمت هو رده فتابعت هي:
– ومدام كدة كدة هكمل الشهر او الشهرين دول في الشغل يبقى ارجع لقسمي القديم مع زملائي اللي قضيت معاهم احلى سنين….
– لأ.
خرجت منه سريعًا برفض تام، وقد لاح على الفور وجه هذا الفتى الذي يعمل معها وينتظر موافقتها على الزواج، والذي قد يحدث فور انفصالها عنه، بعدmا تتيسر حالتها المادية، اللعنه.
تلك الافكار طرأت سريعًا بعقله لتعبث به، فيشـ.ـدد هو بتعصب تام:
– رجوعك لقسم التفصيل تاني، انسيه خالص يا بهجة، عندي اقبل بكل شروطك إلا دي، اقلبي يلا ع اللي بعده خلينا نخلص.
زفرت بحنق يسري بداخلها من هذا المتسلط، يريد فرض امره حتى في شيء صغير كهذا .
– هتفضلي ساكتة كتير؟ ولا اعتبر كدة انتهينا؟
– لا طبعا مانتهيناش.
صدرت منها في رد له، بعدmا اجبرها لذلك، لتبتلع ريقها ، مردفة شرطها الاخير بحرج:
– انت قولت هتأمن مستقبلي انا واخواتي بمبلغ…..
– دي مسأله مفروغ منها يا بهجة، المبلغ هيتحط في حسابك مجرد ما توافقي ونحدد الميعاد.
– طبعا ما بيعة وشروة وانت تاجر شاطر ومحدش يغلبك .
غمغمت بها وكأنها تحدث نفسها ، لتثير بداخله الفضول بسؤالها:
– بتبرطمي بتقولي ايه يا بهجة؟ سمعيني .
– مش ببرطم ولا ازفت.
رددت بها نافية بخشونة، ليعتلي التـ.ـو.تر ملامحها بعدها، وتردف بأمنيتها الاخيرة:
– بس انا كنت عايزة حاجة تاني غير الفلوس……. يعني لو……
– لو ايه يا بهجة؟ قولي.
تشجعت تجيبه:
– لو تقدر تشوف لنا بيت لينا انا واخواتي، يكون فيه جنينة، مش عايزاه كبير، كفاية يكون محندق علينا، وبعيد عن اي جيران تأذينا، حتى بعدها، مش عايزة فلوس في البنك ولا اي حاجة تاني، المهم يبقى أمان، بس كدة.
نبرتها الضعيفة اثارت التكهنات بداخله ليسألها بتوجس وغـــضــــب لا يعرف سببه:
– ليه يا بهجة؟ انتي حد بيضايقك في المنطقة اللي ساكنة فيها؟
– مش لازم حد يضايقني، انا عايزة امشي وخلاص
رددت بها بنفي قاطع اصابه بالإحباط، والغـ.ـيظ ايضا لتكتمها الشـ.ـديد في أمر كهذا يعتبره يخصه، ليعض على باطن خده من الداخل يردف:
– عايزة حاجة تانية غير البيت؟ لو هنشيل فرض الفلوس من اساسه.
اومأت برأسها بملامح تبدلت تمامًا ، بلمحة من اشراق اعتلت تعابيرها:
– نفسي في وكالة بدل اللي ضاعت من ابويا .
❈-❈-❈
والى سمير الذي مازال يتابع بأسئلته ، ينتابه الشك في حديث والدته وشقيقته واللتان لم يكفا عن القاء اللوم نحوه.
– ايوة برضو مش قادر اعقلها، ايه اللي يخلي بهجة توقف امي وتتبلى عليها؟ دي اكتر من سلام ربنا ما بتزودش غير لما احنا نلح عليها.
– يعني قصدك ان انا اللي بتبلى عليها؟ طبعا وانا هستنى ايه منك يا خلفة الندامة، دا انت وقفت قدامها وريلت زي الدهول في عز ما الخناقة قايمة، بدل ما تدافع عني وتيجبلي حقي.
دعمتها ابـ.ـنتها تتهكم بسـ ـخـــريــة:
– لا ياما ايه الكلام اللي انتي بتقوليه ده؟ هو يجيب حق السنيورة اولى، اصلها مظلومة يا عيني، واحنا الناس المفترية.
كز على اسنانه ينهرها بغـــضــــب:
– اتلمي يا سامية بدل ما اديكي كفين يعدلوكي، انا على اخري منك يا بت.
شهقت فاغرة فاهها بمبالغة تقارعه بما يشبه الردح الشعبي:
– تضـ.ـر.بني دا ايه يا عنيا؟ كنت ابويا انت ولا كنت ابويا ، ولا هو مقدرتش ع الحمار جاي تتشطر ع البردعة .
– مين الحمار يا حمارة؟
صاح بها مندهشًا لوقاحتها، فتدخلت والدته توقفه عن الفتك بها:
– خلاص يا بت اهمدي بقى، وانت يا خويا روح لها وقويها على امك، يمكن تحن عليك وترضى، مش خدت غرضها وخربت بيتك انت عشانها .
– بيت مين اللي خربته عشانها؟
غمغم بها بعدm استيعاب، ليضـ.ـر.ب كفا بالاخر يردف بالحوقلة:
– لا حول ولا قوة الا بالله يارب، دا انتو هتخرجوني من هدومي.
– هما مين دول يا واد اللي هيخرجوك من هدومك؟
جاء الصوت الاجش من مدخل المنزل، وقد تسائل به والده، والذي دلف بصحبة ابنه الاصغر سامر، تتنابه الريبة هو الاخر:
– هو انتو متخانقين ولا ايه؟
امتنع سمير عن الرد ينفض سترته بغـــضــــب ، فلا ينقصه تدخل شقيقه اللزج، والذي قد يستغل الفرصة لصالحه، اما سامية ووالدتها فقد تشتت تركيزهم، مع عدد الاكياس التي دلف به خميس ، يرتدي ملابس جديدة بهيئة متأنقة وكأنه اتى حالا من صالون الحلاقة للرجـ.ـال .
.
انتفضت سامية سريعًا تتناول الاكياس، لتفتش عن محتوياتها بفضول:
– ايه الاكياس دي كلها؟ هو انت جبت حاجات جديدة يابا؟
تبسم يتفاخر ، رافعًا بنطاله الذي يسقط دائما منه للأعلى، لتمصمص بشفتيها زوجته، معقبة بسـ ـخـــريــة:
– ايوة ياختي ما يشتريش ليه؟ هو صغير؟ دا كمان وشه منور ومحلو ، ايه يا خميس؟ يكونش يا خويا بتعمل ماسكات عند الحلاق وتخفف حواجبك زي العيال اللي طالعة؟
عبست ملامحه بتعالي عن سخريتها يقول:
– وماله لما اهتم ببشرتي يا جاهلة؟ دي حاجة تفيدني مش تعيبني، قال زي العيال اللي طالعة قال…. على اساس اني عجزت اصلا!…… جاهلة .
بصق كلمـ.ـا.ته وتحرك نحو غرفته ذاهبًا، حتى اذا دلف اليها اتجه الى المراَة يتأمل هيئته الجديدة بزهو :
– يا سلام عليك يا واد يا خميس، رجعت عشرين سنة لورا، قال والبومة بتتريق عشان منور عنها ، ااااه، ياما نفسي القمر يرجع من تاني للحارة ، هي بطلت ما تيجي ليه بس ؟!
❈-❈-❈
نهض عن مائدة الطعام، يرفع كفيه بامتلاء مرددًا:
– ياااه دا انا كنت محتاج الاكل الدسم ده اوي ، تسلم ايدك يا حمـ.ـا.تي.
ردت شربات بانتشاء وقد أسعدها اطراؤه:
– يسلم عمرك يا قلب حمـ.ـا.تك، بس انت اكلتك ضعيفة، دا برضو كلام؟ كمل اكلك كويس يا حضرة الظابط.
جلجلت ضحكته الصاخبة مرددًا لها:
– كل ده وصغيرة، ولا انا بطني اساسا بقى فيها مكان للميا حتى، قوليلي الحق ادور على حاجة للهضم.
جاء الرد هذه المرة من رؤى:
– لا يا حضرة الظابط معلش بقى استني شوية على دوا الهضم على ما تاكل الحلو عشان يبقى بالمرة .
– كمان في حلو؟ يبقى استني، الحمام فين بقى عشان اغسل ايدي؟
– كدة شمالك على طول يا عصام، ولا استنى اروح معاك احسن.
قالتها امنية، لتلحق به وتحضر له المنشفة، حتى اذا انتهى طلب منها الانتظار بداخل غرفتها، وهي كالعادة اطاعته.
لتلج به داخلها، ترحب به:
– اهي يا سيدي اوضتي، اللي قضيت فيها طفولتي وشبابي .
خطا داخلها يتأمل كل ركن بها بأعين متفحصة، يعلق بمرح على بعض الاشياء الانثوية بها، ويسخر من بعضها كي يثير غـ.ـيظها حتى جلس على تختها مرددًا بخبث:
– حلو السرير ده، خشبه متين ويتحمل .
– يتحمل ايه؟
سألته ببرائة ، لتجد الرد منه بغمزة وقحة صائحة به:
– انت بقيت قليل الأدب اوي يا عصام.
عض على شفتيه، يشير بسبابته على فمه متمتمًا بهمس:
– عيب يا بـ.ـنت، صوتك يطلع برا ونتفضح، وتعالي يلا من سكات .
قال الاخيرة مشيرا لها بيده، لتعترض هي ضاحكة:
– لا وحياتك ما يحصل، بعد ما عرفت نيتك اجي برضو؟ دا انا ابقى عبـ.ـيـ.ـطة.
لتتحرك نحو الشرفة، تفتح شراعيها متابعة:
– وادي كمان البلكونة فتحتهالك، عشان تلم نفسك بالمرة.
عض على شفته السفلى بغـ.ـيظ في رد لها:
– ماشي يا امنية، لينا بيت يلمنا.
ضحكت متكتفة الذراعين شامتة به، لينهض مكررا لها بالوعيد، واقدامه تتقدm نحوها ، حتى دلف داخل الشرفة يسبقها في النظر للخارج، عيناه تدور في كل زاوية بالحارة وكأنه يقيمها، حتى وقعت ابصاره على المقصود ، وقد كان جالسًا يدخن الشيشة على احد مقاعد القهوة المقابلة لهم، ف انتبه له الاخر، ليغمغم بحنق، من بين دخانه الكثيف الذي يخرجه بفمه:
– وبعدين بقى في رزالة امك دي ع المسا، غاوي تجر شكلي ولا ايه؟ دا انا على اخري.
أما امنية والتي انتبهت هي الأخرى للحرب البـ.ـاردة بين الطرفين،
درءًا للمشاكل سحبت زوجها من ذراعه تعود به للداخل قائلة:
– عصام يا حبيبي، بلاش تخليني اصدق ظني في انك قاصد تجر شكله.
رد بتعالي يليق به:
– وهو مين دا كمان عشان احطه في مخي؟ فسحي يا امنية خليني ادوق الحلو، حكم نفسي انفتحت اوي عشان احلي.
تابعت ذهابه امامها تتنهد بيأس ، تتضرع الى الله كي يمر الامر على خير.
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي كانت تقلها في طريقها للعودة الى منزلها، وقد كانت صامتة معظم الوقت، على عكسه هو الذي لم يمنعه صمتها في الحديث وسؤالها حتى على اشياء تافهه، فتجيبه باقتضاب، وكلمـ.ـا.ت محددة، ليس لديها طاقة لأي شيء.
عيناها لخارج النافذة، شاردة فيما يحدث وما آل اليه حالها كي توافق على شيء كهذا، مع رجل أملت فيه خيرا ان يعيد ثقتها في جنس الرجـ.ـال اجمعهم، ليعيدها بموقفه الى نفس النقطة بل اكثر، وان كانت وافقت على بيع نفسها له، من اجل الامان لها ولأخوتها، فهي تبصم بالعشرة انها لن تكرر هذا الأمر بالزواج من غيره.
– أكمل بيكي لحد فين بالظبط يا بهجة؟
انتبهت لقوله، لتستدرك قرب مرور السيارة من منطقتها، فهتفت به بجزع:
– لا وقف هنا طبعا، وقف حالا يلا .
امتثل لرغبتها وتوقف حيث اشارت، ليلتف اليها بابتسامة مطمئنًا:
– خلاص يا ستي وقفنا متقلقيش.
اومأت تهم بالترجل، ولكنه منعها ممسكًا مرفقها:
– استني يا بهجة، على طول كدة ماشية!
نزعت يدها ناظرة له باستفهام:
– وهستنى ليه؟
– تستني يا ستي عشان تسمعيها مني، وت عـ.ـر.في اني مبسوط اوي بموافقتك، مبسوط لدرجة اني مش عارف اعبر بالكلام.
قالها بصوت غريب عن بروده المعتاد، نبرة تتخللها الحرارة، حرارة الاحساس ، ياللعجب.
هذا ما تهكمت به داخلها، فكان ردها إيماءة على مضض، قابلها بابتسامة عابثة وكأنه قرأ أفكارها:
– انا عارف ان انتي لسة مشتتة، وعقلك بيروح في مية حتة، بس احب اكدلك، ان عمرك ما هتنـ.ـد.مي على قرارك، خليكي واثقة في كدة.
هذه المرة قابلت قوله، بابتسامة صفراء مرددة له:
– ماشي يا باشا، عن اذنك بقى؟ مش عايزة اتأخر على اخواتي.
❈-❈-❈
دلف الى المنزل ليفاجأ بأصوات التذمر من والدته، وتحايل الدادة نبوية لها، هي وشقيقتها؛
– حبيبتي طب كُلي الاول وبعد كدة اعملي اللي انتي عايزاه.
– يا مدام نجوان حـ.ـر.ام عليكي نفسك بقى؟
– ايه في ايه؟ هي مالها؟
تمتم بالأسئلة فور اقترابه منهم، ليصعق بهيئتها المزرية، وهي منكمشة على نفسها، بحـ.ـز.ن تجمدت به قسمـ.ـا.تها، وقبل ان يعاود استفساره، جاءه الرد من نبوية :
– تعالى يا رياض يا بني وشوفها بنفسك، من امبـ.ـارح قالبة الدنيا على بهجة اللي غايبة عنها بقالها يومين، حتى وصيفة اللي كانت بتحبها زمان، رافضة اي تعاون منها، كل اللي على لسانها بهجة او عائشة ، انا بصراحة احترت معاها.
تدخلت وصيفة بحـ.ـز.ن هي الأخرى:
– شكلها مش متقبلاني بدل اللي اسمها بهجة دي، ياريتني ما سيبت مكاني ولا جيت من اساسه، وانتو برضو استعجلتوا على طرد البـ.ـنت.
انتبهت نجوان على العبـ.ـارة الاخيرة، لتلتف نحو ابنها بنظرة متسائلة بغـــضــــب، قابلها هو نافيًا:
-اهدي يا ماما ، انا مطردتهاش، بهجة متطردتش يا جماعة، هي بس كان عندها ظروف منعتها تيجي النهارده.
عادت لتلتف اليه فتطوعت نبوية باقتراحها:
– طيب ممكن تتصل بيها تيجي دلوقتي؟
وقبل ان يرد زامت والدته بتذمر تضـ.ـر.ب الارض بقدmها:
– عائشة، عائشة.
– اه دي عايزة العيلة كلها بقى.
عقبت بها وصيفة ساخرة ليأخذ هو القرار على الفور، ليهاتفها، فجاءه الرد بعد مدة من الوقت، بنبرة متسائلة لا تخلو من ضيق:
– الووو….. ايه في ايه تاني؟
لملم بصعوبة ابتسامة لاحت على جانب فمه، ليستجدي الجدية في الرد عليها :
– معلش يا ست بهجة هنتعبك معانا، بس احنا عايزينك في طلب ضروري.
زاد التوجس داخلها، لتردد متسائلة:
– طلب ايه؟
❈-❈-❈
في غرفتها السابحة في الظلام منذ ساعات لا تذكر عددها، كانت منزوية بها، تعيش كاَبتها بعد الذي حدث منه، على امل اتصال منه، او ترضيتها عن قسوته في توبيخه لها، ولكن طال الانتظار دون جدوى، لتهبط عزيمتها ولا تجد سبيلا امامها الا بالنوم كحل جيد للهرب؛ لتأتي الاَن والدتها محملة بطاقة من الغـــضــــب، تزيح الستائر بقوة ، حتى تدخل ضوء النهار الى القلب المظلم ، قلب ابـ.ـنتها؛
– اصحييييي، اصحي بقى، ايه؟ دا كله ولسة مشبعتيش، نوم؟ هتفضلي فيها لحد ما تمـ.ـو.تي وتعفني مكانك؟
تذمرت ترفع رأسها عن الوسادة، تغطي بكفها على عيناها:
– طب خففي الضي دا شوية الاول، عيني مش عارفة افتحها.
رفضت المرأة بتصميم تام تجلس على جانب فراشها:
– لا يا حبيبتي مش هخفف، انا عايزاها كدة قوية، تدخل عينك تشيل الغشاوة اللي عليها، او تنزل لجوا قلب وتنضفه من كل الرواسب المعلقة فيه.
تمتمت لورا بإحباط، لتعود للنوم ضاربه بقبضتها على الوسادة:
– رواسب ايه بس يا ماما؟ انا الغلطانة اللي حكيتلك.
قالتها بإشارة عن موقفها مع رئيسها في العمل رياض الحكيم، لتنتفض المرأة بضيق متعاظم:
– بقى هو دا اللي وصله تفكيرك المحدود؟ دا بدل ما تلومي نفسك، اللي وصلتك لحالتك دى مع راجـ.ـل زي ده، بـ.ـارد المشاعر ومعندوش احساس، ما تخلي عندك كرامة وتسبيه يحتاس مع نفسه، يمكن ساعتها يعرف قيمتك.
– اسيبه وابعد عنه؟
تمتمت بها، لترتمي على الفراش مرة اخرى تغمغم باسف:
– ياريت كنت اقدر كنت عملتها ومستنتش، بس اعمل ايه بقى؟ وانا عارفة ومتأكدة انه حتى لو ملقاش غيري يسد مكاني، برضو مش هيغلب ومش بعيد كمان يقوم هو بنفسه بكل حاجة، دا زي القطر ما بيوقفش غير في محطته ويدوس في طريقه على غيره بكل سهولة، والغلط ع اللي يوقف في وشه.
زفرت المرأة تردد خلفها كازة على اسنانها:
– يعني عارفة كل العيوب دي فيه، وبرضوا باقية عليه ومتمسكة؟ لا دا انتي مريـ.ـضة بقى وربنا يشفي عنك.
نهضت عن التخت مغمغمة بيأس منها:
– انا قايمة قبل ما اتشل منك ولا اتجلط ، صبرني يارب.
قابلت عاصفة والدتها بهدوء تام تردد بهذيان:
– انا فعلا مريـ.ـضة بيه، وبرضوا دوايا هو.
❈-❈-❈
ترجلت من السيارة بفرحة، تندفع نحو البناية السكنية بلهفة، لدرجة جعلتها تترك يد نبوية التي صارت تلحق بها بقلق، امام ابتسامـ.ـا.ت العم علي سائق السيارة ، والذي اعتاد على اهل المنطقة من تعدد ارتيادها:
– استني يا هانم، لا تدخلي في حد بلهوجتك دي….. يا نجوان هانم استني .
حمدت الله حينما وجدتها تدلف داخل البناية بسلام وما همت بدخولها هي الأخرى، حتى تفاجأت بالرجل المتصابي الذي تعرض لهم من قبل يشهق بفرحة امامها فيسد عنها الصعود الى الدرج .
– يا نهار ابيض يا ولاد، يدوب افتكرك من دقايق، قوم اتفاجأ دلوقتي والاقيكي في وشي ولوحدك كمان من غير عزول، دا يوم الحظ بالنسبالي ولا ايه؟ يا ريتني افتكرت جوازة بالمرة .
لحقت نبوية لتفعل بجــــســ ـدها حاجز بينها وبينه، منتبهة للزعر الذي اصاب سيدتها، حتى خشت من رد فعل غير محسوب منها.
– في ايه يا استاذ انت؟ مش ملاحظ المدام مخضوضة منك؟ ابعد بقى عن وشها الله يرضى عنك.
تشـ.ـدق خميس وكأنها اخطأت في شخصه الكريم:
– مخضوضة مني انا؟ ليه يا ختي شايفاني عفريت ولا شايفاني عفريت، دا انا راجـ.ـل ملو هدومي، الارض بتتهز تحت رجليا مع كل خطوة بخطيها.
اصاب نبوية الذهول وهي تتطلع اليه، بفم منفرج، لا تصدق هذه الثقة التي يتحدث بها:
– يا استاذ محدش غلط فيك ، انا بس بقولك خليها تعدي، الست هانم خايفة منك بجد والله، مش شايف حالتها؟
– مالها حالتها؟ ما هي زي القمر اهي، شعر اصفر ولا الخواجات، وبشرة بيضة ولا بت اربعتاشر…..
باشر يوجه باقي الكلمـ.ـا.ت نحو نجوان التي وجدت ملاذها بالتمسك بنبوية والاحتماء بها:
– تصدقي بالله يا هانم، انتي احلى من البت سامية بـ.ـنتي واللي يشوفك يديكي اصغر منها، رغم انها حلوة، ومش زي البومة امها لكن برضو فرق السما والارض ما بينكم .
– هي مين دي اللي بومة يا خميس؟ هاا؟
صدر الصوت الجهوري من الأعلى، ليشهق هو بفزع، جعله يرتد بظهره خطوات، حتى كاد ان يسقط على المسكينة نبوية لترتد بخطواتها مرددة:
– يا نهار اسود، ما تخلي بالك يا راجـ.ـل انت.
تمتم خلفها يحدث نفسه وعيناه منصبة على تلك التي تهبط نحوه بهيئة لا تبشر بالخير:
– استني انتي كمان، ولا خديلك ساتر، روحت في شربة مية يا خميس.
وصلت درية بشرارها ونارها، تلقي بحريق نظراتها نحو زوجها وتلك المرأة الجميلة والتي كان يتغزل بها زوجها، لتردف بغـــضــــب:
– والله عال يا سي خميس، بقى بتغلط فيا انا وتقول عليا بومة عشان دي؟ دا انا هخلص عليكم انتو الاتنين .
جاء رد زوجها والذي كان ملتصقًا بالحائط:
– يا روح قلبي انتي اكيد فهمتي غلط، انا عمري ما اغلط فيكي، ما تقوليلها انا كنت بقولك ايه؟
ردت نبوية والهاتف بيدها تحاول مهاتفة شخص ما:
– اقول ايه ولا اعيد ايه انت كمان؟ انا غلطتي اني ما اتصلتش بالست بهجة اول ما وصلت.
– الوو يا بهجة، انزلي الحقينا الله يرضى عنك ، احنا في مدخل البيت.
هتفت بكلمـ.ـا.تها الاخيرة حينما جاءها الرد من الجهة الاخرى، لتترك الباقي لها. وتعطي انتباهها لتلك المرأة التي صارت تهلل بعدm اكتراث:
– نعم يا حبيبتي، خليها تنزل لنا الامورة وتورينا هتعمل ايه؟ يعني مش كفاية موقفة حال ولادي الرجـ.ـا.لة، عشان تجيب اللي يشغل ابوهم كمان ، لا ده انا اطين الدنيا على راسكم كلكم.
هبطت على اثر كلمـ.ـا.تها بهجة لتتولى زمام الامور في رد مفحم لها:
– يعني هي حصلت كمان تتعرضو لضيوفي وللهانم اللي بشتغل عندها……..، لا بقى يا مرات عمي، انتي تروحي تشوفي مشكلتك عند واحد شيخ، يحل عقد الولاد، ومشكلة ابوهم اللي بيدور على شبابه اللي راح منه مع واحدة زيك .
بتلميحها المبطن استطاعت بالفعل الجامها، لينعقد لسانها بإجفال جفف الدmاء بعروقها، وكأنها تهدد بفضحها امام زوجها الابله، والذي وقف يراقب ابنة اخيه تسحب نجوان وتصعد بها هي ومساعدتها نبوية، امام زوجته التي اصابها خرس غريب، يثير التعجب بحق ، ولكنه كان فرصة ليهرب هو الاخر من امامها ، خارجا من البناية.
❈-❈-❈
في الأعلى وبعد ان صعدت معها، اكتفت نجوان بالجلوس مع عائشة وتجاهل شقيقتها الكبرى رغم محاولاتها الدائمة في الحديث معها:
– يا نوجة يا قمر، معقول تكوني شايلة مني للدرجادي؟
تبسمت نبوية شارحة لها، ما انا قولتلك من الاول، هي زعلانة عشان غايبة عنها بقالك يومين، وشبطتها النهاردة في عائشة .
سمعت منها بهجة لتشاكس الاخرى بمزاح:
– يعني انا الحق عليا اني نزلت اجيبك بنفسي؟ طب ما كنت بعت عائشة بقى عشان تشبط في درية بالمرة، مدام كدة كدة هتفضليها عني.
عقبت الاخيرة بانفعال ليس غريب عنها:
– انتي بتقولي فيها يا بيبو، وربنا لولا بس البت جنات حاشتني ما انزل ما كنت سكت، لساني بياكلني اقسم بالله، نفسي افش غليلي فيها الست دي، ولا عمك سبع الرجـ.ـال اللي فاكر نفسه رجع عيل صغير.
تنهدت بهجة قائلة:
– معلش يا عائشة، ربنا يفرجها علينا ونسبيهالهم خالص، يمكن حالهم يتصلح لما نمشي، مدام احنا السبب في كل المصايب اللي بتحصل لهم.
وصل نبوية غصة المر في نبرتها، لتربت بكفها عليها بحنو مهونة:
– معلش يا بـ.ـنتي ربنا كريم، قادر ربنا يزيح عنكم، صعبة اوي الاذية لما تيجي من القريب .
– اوي يا دادة نبوية اوي .
تمتمت بها بهجة، تسبقها دmعة خائنة، لم تقوى على كبتها، فحاولت ازاحتها بسبابتها، لتتظاهر بالقوة كعادتها، لتفاجأ بنجوان التي تركت شقيقتها ، لتجلس بجوارها بصمت، فتجذبها اليها، وتضمها الى صدرها بغمرة اطاحت بالبقية الباقية من ثباتها، لتفرغ في حـ.ـضـ.ـنها دmـ.ـو.ع القهر ، وتبكي بحرقة طفل صغير ، وجد في صدر والدته المأوى، كيف يحدث هذا ؟ ومع هذه المرأة! لا تعلم
❈-❈-❈
في المدينة الساحلية،
وداخل جناحه بالفندق الذي استقر به منذ مساء الأمس ضمن سلسلة الفنادق التي يعمل بها، يقضي الاَن أجازة شهر العسل مع عروسه، يخـ.ـطـ.ـفا اوقاتًا جميلة بعد عـ.ـذ.اب الانتظار وشقاء السعي الدائم .
استغل الاَن اختفائها عنه في المرحاض ليهاتف شقيقته ويطمئن عليها هي ووالدته:
– ايوة يا رحمة عاملة ايه انتي والولاد……….. يا بت اهمدي وبطلي قلة حيا…..
قهقه لجرأتها في الحديث معه ، ليواصل حديثه:
– يا بت كويسين وعال العال والحمد لله، كفاية عليكي كدة……… ايوة اضحكي يا اختي، انا هحاسبها ع الصور اللي نزلتها، عشان جابت لنا الكلام من امثالك……… حبيبتي ربنا يخليكي ليا، عارفك والله فرحانة طبعا، المهم بقى طمنيني عليها…….. يا نهار ابيض ، هي كمان شافت الصور، يادي الفضايح…….. يا بت بطلي ضحك لاخـ.ـنـ.ـقك…… خلااااص يا بت اقفلي خليني افضى للي ورايا.
قال الاخيرة، لينهي المكالمة بالفعل ، بعدmا انتبه لخروج جنيته من المرحاض، بمنامة جـ.ـسمت الجــــســ ـد المتناسق، تجفف بالمنشفة الشعر المبلل، ونضارة الوجه الندي تأسر النظر نحوها، وتضعف العزيمة عن حسابها وتوعده لها.
– جفلت ليه مع رحمة، كنت خليني اكلمها.
سألته ببراءة، وقد تناست ما ارتكبته يداها، لتستدرك لنظراته المتوعدة نحوها، وعينيه التي ازدادت ضيقًا، بصورة جعلتها تتذكر، لتتسائل بشقاوة:
– ايه مالك يا شادي؟ بتبصلي كدة كأنك متحلفلي؟ لتكون البت رحمة فتنت ما بينا، هنبتدي بجى شغل الحريم والكلام الفاضي…
قالتها بدراما مصطنعة، ليردد من خلفها وهو ينهض عن مقعده، يقترب منها بخطوات رتيبة متمهلة،
– شغل الحريم والكلام الفاضي اااه……. امال شغل العفاريت يبقى ايه ها؟
صدرت الاخيرة وهو ينقض عليها، يحملها بذراع واحد يسقطها على التخت، ليردف بتوعده وسط ضحكاتها التي صارت تدوي في قلب الجناح:
– بتنزلي صورتي بلبس البحر يا صبا وتشيريها في جروب العيلة، شادي الراجـ.ـل العاقل الراسي، جايباه بيلعب في الرملة مع العيال الصغيرين وبيبلبط في المية بنصه العريان.
بصعوبة صارت توقف ضحكاتها وتجيبه بمهادنة، بعدmا كتف ذراعيها، مانعًا اي حركة منها بجــــســ ـده:
– طب وفيها ايه بس يا حبيبي؟ هو انا صورتك في الحمام…… دا احنا كنا ع البحر، وانت باين بعضلاتك، يعني مش اي كلام .
– مش أى كلام ايه يا مـ.ـجـ.ـنو.نة؟
هتف بها يضغط ليهزهزها بالتخت، فتزداد مرحًا امام غـ.ـيظه:
– دا انا بتكسف اقــلـــع التيشرت قدام امي، تقومي تطلعيني قدام العيلة بالبل…… بوكـ.ـسر، استني هنا….
تذكر فجأة ليسألها بتوجس:
– لتكوني كمان نزلتي الصور الغـ.ـبـ.ـية اللي كنت بطلع فيها لساني، وعمايل الفلتر اللي كنتي بتعمليها على وشي معاكي؟
زمت فمها بصمت لم يدm سوى لحظات، حتى انفجرت ضاحكة، تجيبه بهز رأسها، لينطلق هو صارخًا:
– كمااان دي طلعتيها، هخلص عليكي يا صبا، انا هخلص عليكي النهاردة يا صبا.
قالها ليبدا معركة استرداد الكرامة، ولحظات من الشـ.ـد والجذب اللذيذة، وهي لا تقصر بأفعالها الطفولية، لتخرج منه شقاوة كانت غائبة عنه، ومرح لا يتوقف، حتى ينتهي الامر بها، متنعمة بدفء حـ.ـضـ.ـنه، وهو يتنهد بعدm تصديق، لهذه السعادة التي اصبحت تجتاحه بقربها .
❈-❈-❈
دلفت اليه تحمل بعض الملفات ، تتعامل بعملية وجمود ، وكأنها انسان آلي، لا تخفي غـــضــــبها من كلمـ.ـا.ته القاسية بالأمس ، ليفتر فاهه هو بشبه ابتسامة ملطفًا:
– كنت خايف لمتجيش النهاردة يا لورا، بعد ما شـ.ـديت معاكي امبـ.ـارح، بس انتي طلعتي احسن مني.
مطت شفتيها المطليه باللون الأحمر الداكن، لتعقب بسـ ـخـــريــة:
– كتر خيرك يا فنـ.ـد.م ع المجاملة الرقيقة دي، ع العموم انا عارفة ان في الف حد يسد مكاني.
رفع عيناه اليها بنظرة خاطفة عن المستند الذي بعمل به، ثم قال وكأنه يُراضيها:
– لا يا لورا، انت محدش يسد مكانك، مش كل يوم الواحد هيعتر على موظفة نشطة وممتازة زيك.
اعتدل يوجه ابصارها مباشرة لها:
– بس انتي اكيد عرفتي طبعي خلاص، وقت الغـــضــــب مبشوفش قدامي.
همت تجادله بفتح الموضوع ذاته :
– ايوة حضرتك بس انت مدتنيش فرصة اوضحلك ولا اشرحلك عن البـ.ـنت دي اللي حاولت…..
اوقفها برفع كفه امامها، ليردف حاسمًا:
– خلاااص يا لورا، مفيش داعي نفتح ونرغي في موضوع اتقفل، اللي عدى وفات خلاص ننساه.
توقف برهة ليستطرد بنبرة تحمل في طياتها الشـ.ـد واللين:
– خلينا اولاد النهاردة يا لورا، انتي مش موظفة عادية عندي، تاريخك معايا يشفعلك اغفر واتغاضى دلوقتي، بس دا بشرط عدm تكرار الخطأ طبعا.
اومأت رأسها بإذعان لتنصرف من عنده خالية الوفاض، لا هي التقطت منه ما يرضيها بحق، ولا وجدت منه ما يجبرها على الإبتعاد، انه بالفعل مراوغ .
❈-❈-❈
والى بهجة التي كانت تمارس عملها بجدية رغم تخبطها وشرود عقلها الملازم لها هذه الايام، وقد انـ.ـد.مجت في الأجواء الجديدة في العمل المكتبي، وزملائها رويدا رويدا بدأت تعتاد عليهم ويعتادو عليها، ويرجع الفضل بالطبع لرئيسها الرجل الطيب عبد الفضيل، والذي شاكسها بلطف وقد انتبه لشرودها:
– بهجة النهاردة هادية من الصبح، شكلها اطبعت بطباع الموظفين في التكشير والبوز ابو شبرين.
تبسمت لمزاحه مرددة:
– يا نهار ابيض، ليه بس يا عم عبد الفضيل؟ دا الموظفين احسن ناس، وحلوين وزي العسل
قالت الأخيرة بإشارة نحو زميلاتها الاخريات، والتي عبست احداهما بعدm تقبل ، عكس الثانية فقد تقبلت الأمر ضاحكة، لتتشارك معهما المزاح بعد ذلك ، قبل ان يأتي الاتصال المفاجيء لبهجة،
وفور ان فتحت تجيبه، جاءها رده:
– انزلي على طول بهجة وتعالي، انا مستنيكي تحت فى العربية.
عارضته بحرج:
– انزل فين انا لسة يومي مخلصش.
– وانا صاحب الشغل يا بهجة وبقولك انزلي، مش عايز انتظر كتير..
انهى المكالمة بعدmا اجبرها بحزمه ، لأن تستأذن بحجة اختلقتها لرئيسها كي تغادر، ومن داخلها تمتم بالسباب نحو هذا المتسلط، واصراره على لقاءها في اوقات العمل ، ترى ماذا يحمل في جعبته اليوم.
❈-❈-❈
اوقف السيارة امام احدى البنايات الجديدة ، ليلتف إليها ويأمرها:
– انزلي يا بهجة.
القت بنظرة سريعة من النافذة، لتعود اليه سائلة بعدm فهم:
– انزل فين؟ اللي انا شايفاه قدامي دا هو المقصود، ولا اللي وراه ولا ايه بالظبط؟
ترجل يسبق ويجيبها بجديته:
– هو بذاته يا بهجة، انزلي بقى؟
بعد قليل كانت بداخل المنزل بصحبته، يرافقهم مالك المنزل، والذي دار بهما على جميع الغرف، يعرفهم على كل ركن به ، حتى توقف بهما داخل الحديقة التي كانت حلمها، ووجدتها ع الحقيقة، لا تصدق انه تم بالفعل، المنزل الصغير المختصر دون جيران تزعجهم، وحديقة ممتلئة بالانواع العديدة من الزهور، رغم ضيق مساحتها، كيف عثر على طلبها بهذه السرعة؟ وهي التي ظنت انها قد تكون فرصة لمراجعة نفسها او تراجعه هو عن التنفيذ والزواج من الأساس، انه بالفعل رجل الإنجاز
– بهجة الراجـ.ـل بيكلمك.
جاء صوته الأجش كتنبيه ينتشلها من شرودها، فتلتف نحوه ونحو صاحب المنزل الذي كان يخاطبها؛
– انا كنت بسألك يا هانم عن البيت لو عجبك.
ااومأت بتواضع:
– الله يعزك يا عم، هانم ايه بس؟ حلو اوي البيت وتنظيمه، ما شاء الله يعني .
– كويس اوي.
كان هذا رد رياض والذي اردف نحو الرجل:
– خلاص يا عم عزت، جهز العقود وانا هخلص على طول معاك .
تمتم الرجل بكلمـ.ـا.ت الامتنان والشكر لعدm مجادلته في السعر الذي لم تعرفه بهجة، ليثني على كرم الاخر، قبل ان يتركهما ويذهب نحو وجهته
ويأتي سؤالها هي على الفور:
– هو اتفق معاك على كام؟
ابتسامة خفيفة لاحت على زاوية فمه، ليجيبها بعملية :
– مش كتير يا بهجة متقلقيش، هو اصلا كان مسكون قبل كدة، بس الراجـ.ـل هيهاجر مع عيلته وتقريبا مش راجع ع البلد تاني، خلينا في المهم .
– مهم ايه؟ انت لحقت تجيبه ازاي اساسا وبالسرعة دي،
هذه المرة توسعت الابتسامة حتى شملت عرض وجهه، ليردف بثقة:
– انا قلبت الدنيا وانا بفتش وابحث، مقدرتش انام امبـ.ـارح اصلا غير وانا باعت للراجـ.ـل، وان كان ع الوكالة، ف انا برضو اتفقت مع صاحب مخزن فاضي قريب من هنا، ومن مهرك تمليه انتي بالبضاعة، وكدة ابقى نفذت
كل اللي انتي عايزاه،
اطرقت رأسها بحرج، تنتظر باقي الحديث والذي جاء يفوق المتوقع:
– جهزي نفسك بكرة كتب كتابنا يا بهجة؟
رفعت اليه خضرواتيها بإجفال وعدm تصديق:
– كتب كتاب ايه دا اللي بكرة؟ واجهز نفسي لإيه بالظبط؟ حضرتك اكيد بتهزر، انا لسة ممهدتش لاخواتي ع البيت ولا لسة انتقلنا ولا حطينا رجلينا فيه من اساسه……
– كل دا ممكن يتم من النهاردة ومن بكرة يتم الانتقال لهنا، وبرضو كتب الكتاب هيتم بكرة يا بهجة، ومتخافيش انا برضو هديكي فرصتك ، بس يوم او يومين مش أكتر .
قال الاَخيرة بمغزى فهمت عليه، لتسبل اهدابها عنه بخجل شـ.ـديد راقه هو، اما هي فكانت تتمتم بالسباب لجرأته في الحديث المباشر معها دون حياء او مراعاة.
↚
– شوفي يا ختي اللي كنا بنقول عليه عاقل وراسي، صحيح، ياما تحت السواهي دواهي.
تمتمت دورية بالكلمـ.ـا.ت اثناء تطلعها بالهاتف، توجهها نحو ابـ.ـنتها المشغولة بوضع قناع البشرة على وجهها امام المراَة، ليدفعها الفضول عما تتحدث عنه والدتها بالسؤال:
– تقصدي مين ياما؟
مصمصمت بشفتيها دورية لترفع امام عينيها شاشة الهاتف، تجيبها بتهكم صريح:
– على الغالي ابن عمتك يا غالية، البت الصعيدية اللي اتجوزها لحست عقله باينها، شوفي واتأكدي بعينك، عشات ت عـ.ـر.في ان العيب فيكي انتي يا خايبة .
اقتربت على الفور تتناول منها الهاتف، لتصدm بصورة ابن عمتها الانيق دائمًا بهيئته الرسمية او حتى في المنزل، وهو الآن بملابس البحر، يضحك بملأ فاه على الشاطيء والرمال في المدينة الساحلية المشهورة ،
وبغل يفوق الوصف صارت تمرر الشاشة على باقي الصور، لترى الأفعال البلهاء التي يفعلها هذا المعروف برزانته المبالغ فيها، اصبح الاَن مع هذه الفتاة وكأنه طفل صغير
فتعقب والدتها بغـ.ـيظ:
– شوفتي يا ختي اللي كنتي ممـ.ـو.تة نفسك عليه، وبقالك سنين بترسمي من غير فايدة ، اهي جات عصفورة من الصعيد الجواني لطشته منك، ياريت بقى تتنيلي وتصحي نفسك،
انتفضت تدفع الهاتف على التخت جوارها بغـ.ـيظ متعاظم هاتفة ردًا لها:
– وايه هو بقى ان شاء الله اللي اصحى نفسي ليه؟ اكيد قصدك الدهل ابن صاحب جوزك، لأ ياما، الواد البرشامجي دا الا بقبله ولا بطيقه، يعني اصرفي نظر.
عقبت دورية بنفاذ صبر منها:
– خلاص في داهية سيبك منه، خدي العريس اللي جابته خالتك، اهو جيرانها وعارفاه بقالها سنين، لا ليه في البرشام ولا النسوان
– ولا في اي حاجة.
صاحت بها باستهزاء لتردف بعدm تقبل:
– دا ديكي النهار كنت عند خالتي، سمعت امه وهي بتهزقه، وهو مردش بكلمة، هو انا ناقصة كمان اخدلي واحد شخشيخة، دا ايه القرف ده؟
نهضت دورية عن التخت تكز على اسنانها بغـ.ـيظ تخاطبها:
– يعني مش عاجبك المطيع المؤدب، ولا عاجبك اللي مقطع السمكة وديلها، نقعد بقى نحط ايدنا على خدنا نستنى اللي يدخل مزاجك، ياختي جاتك نيـ.ـلـ.ـة، ما ترضي بأي حد بقى، بدل ما انتي تقعدي في قرابيزي، وساعتها لا تبقي طولتي لا عنب الشام ولا بلح اليمن
دفعتها في الاخيرة بقبضة على كتفها من الخلف، لتتحرك وتترك لها الغرفة.
فتغمغم سامية بحقد:
– يعني ما بقاش قدامي غير البرشامجي ولا دلدول امه، وشادي اللي كنت حاطة املي عليه ، خـ.ـطـ.ـفته غراب البين صبا، ماشي يا صبا.
❈-❈-❈
– انتي بتتكلمي جد يا بهجة؟ احنا بجد بقى لينا بيت تاني وهنعزل فيه؟
كان هذا رد عائشة والتي هتفت مهللة به تسبق اشقائها، بعدmا اجتمعت بهم بهجة لتخبرهم بأمر المنزل الجديد ، بعد اختلاقها قصة من بنات عقلها، كي تقنعهم بالأمر، رغم الصعوبة التي تواجهها في الحبكة.
– ايوة يا بـ.ـنتي امال انا بتكلم فيه ايه بقالي ساعة؟ كام مرة هشرحها يا عائشة؟
تدخل ايهاب بعدm استيعاب هو الاخر رغم فرحته:
– اعذريها يا بهجة، لما انا نفسي لحد الاَن مش قادر اصدق، معقولة مكافأة التعويض اللي مستنينها من المصلحة اللي كان شغال فيها بابا وبقالنا سنين بنسعى عليها في المحاكم، اتقبلت فجأة، وانتي صرفتيها ولحقتي تجيبي البيت؟ طب ليه مفرحتناش من ساعتها، ع الاقل كنا ساعدناكي في البحث او هيصنا وعملنا هوليلة.
ابتعلت ريقها بتـ.ـو.تر تجاهد اخفاءه في تبريرها له:
– ما هو مكانش ينفع يا ايهاب، انا كنت عايزة اعملها مفاجأه، وبصراحة مكنتش ضامنة ان اصرف الفلوس منهم بجد بعد ما كسبت القضية، وبرضوا كنت خايفة لعمي ولا مرات عمي يشموا خبر دول ما اضمنش رد فعلهم،
– يعني كان هيعملوا ايه؟ هو لا منهم ولا كفاية شرهم.
رددت بها جنات باستهجان، ليأتي الرد. من شقيقها الاصغر بتهكم ساخر:
– الكلام دا على اي حد غير عمك يا حبيبتي، دا مش بعيد يقولنا نصيبي من ورث اخويا، ولا يطلع علينا ديون من شراكة الوكالة عشان ندفعها.. والله ما مستبعد منه.
اومـ.ـا.ت بهجة رأسها بموافقة، وغصة مؤلمة مررت حلقها فحديثه بالفعل حقيقي :
– انت هتقولي، ما هو حصل فعلا لما جيت اطالب بحقنا في الوكالة، وطلعلي ديون على ابويا بالفعل، الله يرحمه بقى، كان طيب زيادة اوي عن اللزوم..
رددت خلفها جنات بلهفة:
– الله يرحمه، بس احنا كدة عايزين نشوف البيت ده ونشوف ايه اللي ناقصه.
تبسمت شقيقتها الكبرى تخبرها بمرح:
– انتي مش هتشوفيه بس، دا احنا من بكرة هنبقى فيه، انا أنفقت مع عربية نقل كبيرة هتيجي من الفجر ، تسحب كل العفش وتروح معانا ع البيت ، انا مش هستنى دقيقة تاني جمب عمك ولا مرات عمك ولا حتى عيالهم.
– الله اكبر عليكي يا بيبة
صرخت بها عائشة بابتهاج جعل الحماسة تدب بقلب الباقين ، بتجفلها بهجة بإخراج الهاتف:
– طب شوفي الصور اللي لقطها منه بالمرة عشان ت عـ.ـر.في اللي احنا هنسكن فيه.
وقبل ان تصل عائشة كانت جنات وشقيقها اخذين وضعهم ملتصقين بها ، ليسبقوها بالمشاهدة، فصرخت تقفز وسطهم:
– وربنا ما انتو شايفين حاجة قبلي .
التقفتها بهجة لتضعها بحجرها بتدليل لها وكأنه في الثانية من عمرها وليست طفلة كبيرة على الحمل:
– اقعدي يا باشا، هو عندنا كام عائشة بس.
ضحكت لها، ثم تحولت الاصوات لشهقات متتالية مع مشاهدة كل صورة، معبرين عن اعجابهم ، وتساؤلات مختلفة عن الموقع واشياء اخرى تخصهم.
❈-❈-❈
حين أتى ميعاد النوم، ووضعت رأسها على الوسادة، بعدmا انتهت من تجهيز الحقائب والاشياء الضرورية المطلوبة لها ولأشقاءها الذين كانت تملأهم الحماسة ، حتى لم يخطر على بالهم التركيز في بعض التفاصيل عن القصة التي حكت بها، تدفعهم الفرحة والذهاب للسكن بعيدا عن اذية اقرب الأشخاص اليهم،
إذن لما تخبرهم وتعكر صفو فرحتهم؟ لما يعرفوا بالثمن اذي سوف تدفعه مقابل تأمين مستقبلهم؟
حتى لو انكشف الامر بعد ذلك لن تنـ.ـد.م مهما حدث، يكفيها العوض بهم، يكفيها غلق باب قلبها امام كل غازي يُذهب عنها الراحة، هي فقدت الثقة قبل ذلك في صنف الرجـ.ـال، والاَن فقدت المعنى من هذا الشيء التافه الذي يدعى بالحب، مدام قلب القاسي لم يهتز لعشقها، إذن…… لكن هو حقا لم يهتز بعشقها،؟
اجابة لا تريد البحث فيها ولا ان تشغل عقلها بها، ما دامت الحياة في نظره؛ هي بيع وشراء….. وقد تقدm لها بالثمن وهي قبلت…..
– ماشي يا رياض يا حكيم ، ماشي
تمتمت بالاخيرة داخل عقلها، قبل ان يغلبها الإرهاق وتستسلم للنعاس.
❈-❈-❈
اما عنه فقد كان في حالة من النشاط الغير عادي، حتى انه ظل في صالة الالعاب يتمرن على الأجهزة ويشعل مشغل الموسيقى بالصوت العالي، يدندن خلف الاغاني بمرح.
يجتاحه شيء واحد ، وهو السعادة لقرب الوصال اليها، علُه يستريح بعد ذلك ، بعدmا سيطرت على تفكيره واشعلت مشاعر افتقدها منذ سنوات طويلة.
لم ينـ.ـد.م على قرش دفعه لها، هو الكريم مع الجميع، فما باله مع امرأة مثلها ، تستحق ما هو اكثر وأغلى .
نعم تستحق وأكثر، ولكن هذا اقصى ما يمكن ان يقدmه لها، ربما لو كانت في حالة اجتماعية مختلفة، لكان اختلف وضعها معه.
❈-❈-❈
في الصباح الباكر ، استيقظ خميس وزوجته على اصوات الجلبة والدبدبة المتواصلة فوق رأسهم، حتى اجبرت، لينهض عن فراشه ويسبقها في استكشاف الامر:
– يا ساتر يارب، هو البيت حصل فيه زلزال ولا ايه؟
نهضت هي الأخرى تلحق به:
– روح يا خويا شوف، ليكون نسايبك جم يلموا عفش بـ.ـنتهم، وابنك الأهبل ما صدق، ما انا عارفاها دا احب ما عنده.
سرى بداخله القلق بعد سماعه ما تفوهت به، لينهرها بحنق:
– اعوذ بالله منك ومن لسانك، دا ايه فال يطلع منك كدة على بداية اليوم.
وقبل ان تردف متهكمة ردا له، انتبهت لوقوف ابـ.ـنتها في مدخل المنزل، حيث الباب المفتوح على آخره، وكأنه تراقب عرضا ما، ليباغتها والدها بتساؤله:
– ايه يا بت اللي موقفك كدة ع الباب ، وايه الناس طالعة نازلة…. يا نهار اسود…
قطع في الأخيرة وقد انتبه لبعض الأساس الذي يحمله الرجـ.ـال ليردف لزوجته بفزع:
– يا بوز الفقر يا دورية، دا فالك طلع صح، والعفش اللي نازل ده عفش ابنك.
هتفت به ابـ.ـنته تصحح له:
– مش عفش ابنك يابا ، انتي مخدتش بالك انه قديم؟ دا عفش ولاد اخوك، اصلهم معزلين هيسيبو البيت، دا اللي عرفٌه سامر اخويا لما سأل الراجـ.ـل صاحب عربية النقل.
– انتي بتتكلمي جد يا بت.
صدرت من دورية بفرحة لم تخفيها، ليعقب زوجها الذي لم يعنيه الامر بانتباه:
– طب هو اخوكي فين دلوقتي؟
رفعت سبابتها للأعلى مرددة:
– اخويا اما عرف وهو طلع لهم على فوق، ومن ساعتها منزلش ، الله اعلم بيعمل ايه؟ ان كان بيشلهم العفش ولا يترجاهم ما بيبعدوش.
قالت الأخيرة بسـ ـخـــريــة جعلت ناقوس الخطر يطرق بعقل دورية والتي تمتمت بهلع:
– نهار اسود ليكون التاني كمان معاهم، دا اهبل وممكن يعملنا فضايح.
رددت سامية بتقليل:
– ياما التاني نومه تقيل، والخبط تحته، مش زينا كان فوق راسنا ، خلانا صحينا من احلاها نومة،
– برضو انا لازم اروح اتأكد بنفسي
قالتها لتسحب سلسلة المفاتيح على الطاولة القريبة من الباب الخارجي، وتتحرك قدmيها للخروج مغمغمة:
– لازم اعمل حسابي قبل ما بحس.
هتف زوجها من خلفها :
– رايحة فين يا ولية ؟
التفت اليه قائلة بأمر:
– متشغلش نفسك، انت روح للواد التاني ، جره من قفاه وخليه ينزل ، مش ناقصين عمايله هو كمان.
قالتها واستدارت تصعد الدرج ذاهبة نحو شقة ابنها في الطابق الأعلى، كي تتأكد من عدm خروجه بأغلاقها عليه من الخارج بنسخة المفتاح التي تملكها.
اما خميس والذي توقف لحظات بتردد، لم يملك في الاخير الا ان يطيعها، رغم كم الاسئلة التي تدور بعقله ، عن سبب مغادرة ابناء اخيه، والي ابن سيذهبون؟
❈-❈-❈
– انا اللي عايز اعرفه دلوقتي، انتي ازاي يا بهجة ما بلغتيناش؟ حتى لو في مشاكل ما بينا، احنا برضو مهما كان عيلتك، مش اغراب عنك، دا الغريب بيتعمله حساب لما يبقى جارك، في ايه يا بهجة.
كانت هذه نبذة من وصلة الانفعال التي يتفوه بها الابن الاصغر سامر،، نتيجة الصدmة التي استيقظ عليها من دقائق، بمعرفته بمغادرتهم المنزل هكذا وبدون استئذان او حتى إنذار مسبق.
بهجة والتي لم تقاطعه ولو مرة واحدة، تركته يفرغ ما خلده، ليأتي ردها ببرود وتحكم تحسد عليه في ظل انشغالها بمتابعة العمال التي ترفع اثاث المنزل، واستعداد اشقائها للخروج:
– قرايب ولا جيران يا سامر مش فارقة، احنا ربنا وفقنا في حتة كويسة وهننقل لها، انت ايه اللي مزعلك بقى؟
– كل ده وايه اللي مزعلني؟ دا انتي قلبك حجر يا شيخة.
كان صوته عالي لدرجة لفتت انتباه الرجـ.ـال العاملين على نقل الأساس، حتى اصابها الحرج ، فتدخل شقيقها والذي خرج من الغرفة بحقيبة كبيرة تحمل ملابسه، لينوب عنها في الرد عليه:
– في ايه يا عمنا؟ اللي يسمع يفتكر ان ليك حق علينا، ما نعزل ولا نهاجر حتى، انتو ما لكم بينا، ولا احنا ملزمين كمان نقدmلكم تقرير بخطواتنا
وكأنه وجد وجهته وما سيفرغ به غـــضــــبه، ثار متوجهًا بغـــضــــبه نحوه:
– انت كمان بقى ليك صوت يا ايهاب، جاي تبجح في وشي على اساس انك راجـ.ـل وليك كلمة، مش اختك هي اللي ممشياك وانت عامل في ايدها زي الدلدول.
– احترم نفسك انا مقبلش
هتفت بها هي ردا له، وقد اثار غـــضــــبها بحق، اما ايهاب والذي استفزه الامر من الداخل فقد ابى ان يعطيه غايته، ليقابل سبته بابتسامة هادئة يردد ببرود كاد ان يجلط الأخر:
– اه يا سيدي انا دلدول اختي ومش مكسوف منها، لا دا انا كمان فخور بيها، سيبتلك انت الشخصية والمرجلة لابوك واخوك….. يا بن دورية.
– يا بن ال….. وكمان بتغلط في امي .
تمتم بها بحماقة فاقدا السيطرة على نفسه ، ليتقدm نحوه يبتغي الهجوم عليه، ولكن سبقه احد العمال، ليمسك به قبل ان يصل اليه، موجها كلمـ.ـا.ته بما يشبه التوبيخ:
– صلي ع النبي يا عمنا، هو انت حد جه ناحيتك، الناس معزلة وسيبنهالكم خالص ، ايه اللي يزعل في كدة؟
سمع منه ليصيح به كالثور الهائج، يحاول الافلات منه، وقد احتجزه الرجل بين ذراعيه
– وانت مالك انت كمان؟ اوعي سيبني، اوعى سيبني بقولك.
– ايه في ايه؟ ايه اللي بيحصل هنا؟
كان هذا صوت خميس الذي اتي ليجفل على هذا الوضع، ليأتي الرد من ابنة اخيه، وندبة في القلب تشعر بألــمها كلما رأته امامها في كل المواقف التي مرت بها بسببه:
– خد ابنك يا عمي ، وخليه يلم اذاه عننا، احنا ماشين وسابينها مخضرة، سيبنا حقنا عند ربنا هو مخلص الحقوق، يبقى ياريت بقى تكفونا الشر الاذية لحد كدا.
هو ليس بالغـ.ـبـ.ـي حتى لا يعي بسهام كلمـ.ـا.تها التي وجهتها له مباشرة قبل شكوتها من ابنه، والذي كان بحالة من الهياج، جعلته يهذي نحوه:
– مشي كلمتك عليها ومتخلهاش تمشي، انت عمهم وكلمتك فوق رأسهم دي الأصول، يا اما تصالحهم وتديهم حقهم في ورث ابوهم في الوكالة…..
– يا ابن الكـ.ـلـ.ـب.
عند هذه النقطة ولم يقوى خميس على الاستماع اكثر من ذلك، لينقض عليه يتناوله من الرجل بقوة ويسحبه معه الى الخارج عنوة، قبل ان يفـ.ـضـ.ـحه بغباءه، متابعًا له بالسباب والتوبيخ:
– طب ناس بيعزلوا، انت مالك بيهم يا قليل الادب والتربية، عايزهم يقولو خميس معرفش يربي، خلي عيال عمك يشوفوا مصلحتهم فين وبلاش تقف في طريقهم ولا هي بلطجة وخلاص.
❈-❈-❈
فزعت دورية وهي تشاهد ابنها يجره والده بعنف هابطًا الدرج للأسفل وسط مقاومة من الاخر، حتى خشت ان يأذيه، لتنتظر حتى ولج به داخل المنزل، لتغلق بابه عليهم وتستشكف الأمر:
– اوعى سيبني، انت جارر في ايدك بهيمة، انا سيبتك تمسكني عشان بس مقلش منك قدام ولاد اخوك والاغراب.
دفعه خميس بقوة يوقعه على الارض، مرددًا بفحيح:
– تقل من مين يا ابن الكـ.ـلـ.ـب؟ هو انت خليت فيها احترام اصلا،
دنى يتناول سكينة صغيرة من طبق الفواكه، ليردف بتهديد ووعيد:
– انا هاين عليا دلوقتي افتح كرشك بالسكين دي عشان اخلص منك ومن قرفك.
شهقة هلع بصوت عالي خرجت من دورية، قبل ان تهجم على زوجها تتناول منه السكين مرددة:
– يخرب بيتك يا راجـ.ـل، انت اتجننت ولا ايه؟ اخزي
الشيطان وابعد عن الواد ، هو كان عمل ايه يعني؟
صاح بها ساخطًا :
– عمله اسود ومهبب بستين نيـ.ـلـ.ـة يا ختي، عاملي فيها غضنفر فوق وقال ايه عايزاني امشي كلمتي عليهم وامنعهم يمشوا، يا كدة يا ايدهم ورثهم من الوكالة، شوفتي الخيبة.
ضـ.ـر.بت بكفها على صدرها، وقد اصابها الهلع هي الأخرى
– يا مصيبتك السودة يا دورية، انت اتجننت يا سامر، بقى دي عمايل ناس عاقلين، ليه كدة بس يا بني تزعلنا منك ، هو احنا كنا ظلمناهم يعني؟ ما كل واحد بياخد نصيبه، ودلوقتي عايزين يعزلوا احنا ايه ذنبنا؟
سمع منها ليصرب بكفه على الارض بعجز، يصيح بجنون :
– ولما هو كدة؟ هما ليه دايما كارهنا؟ ليه دايما بيحسوسنا ان ليهم حق ضايع عندنا؟ بتلم اخواتها وتعزل بيهم من البيت الملك ليه؟ دي حتى مدتنيش فرصة اعرف عنوان الجديد.
– وهو دا اللي تاعبك.
غمغمت بها بتهكم، لتتناول كفه وتساعده على النهوض، تخاطبه بمهادنة، وقد استسلم لها لتذهب به نحو غرفته:
– تعالي يا بني ربنا يهديك، بتزعل وتقهر في نفسك ع الفاضي، لا هي حساك ولا عمرها هتفكر فيك، انت في نظرها زيك زي اخوك، محدش يفرق معاها، امتى بس يا ولاد بطني تعرفوا مصلحتكم؟
سقط خميس في اثرهم على كرسيه بثقل وارهاق، ليزفر انفاس خشنة متحشرجة، بوجه يحمل الهم ، وقد استفزه الامر، بل وجـ.ـسم على انفاسه، لو كانت ابنة اخيه وافقت منذ البداية على ذلك المبلغ الذي اقترحه ترضية لها، او حتى رضخت تمم الزواج من ابنه فيتكفل هو بمصاريف اخوتها معها ، ما حدث كل ذلك.
انما اصرارها على اقتسام الوكالة بينهم وبينه هو ما زاد الامر تعقيدا، لقد كاد ان يصاب بجلطة حينما رددت بذلك امامه، الوكالة التي عمل عليها وعلى تكبيرها، يقتسم مالها بينه وبينهم، لاااا ابدا هذا لن يحدث، ابدااا.
❈-❈-❈
خرجت اخيرا دورية من غرفة ابنها وقد هدأت الاصوات وسكنت الحركة على الاطـ.ـلا.ق، حتى زوجها غادر، فلم يتبقى سوى ابـ.ـنتها والتي قابلتها بابتسامة منتشية تهزهز اقدامها بتسلية .
مما جعل والدتها تقطب لفعلها سائلة:
– مالك يا محروسة؟ البيت مولع وانتي الوحيدة اللي مبسوطة فيه.
مالت عليها ابـ.ـنتها فور ان جلست بجوارها، لتطلق ضحكة النصر تخاطبها:
– وانتي كمان لازم تفرحي ياما، ما هو لولا شطارتك واللي عملتيه مكنش دا حصل….
غمزت بعين واحدة تشير بإبهامها بطريقة لم تفهمها والدتها، لتهمس لها بصوت خقيض تملوئه الفرحة:
– انا قصدي ع العمل اللي عملتيه ياما، عشان يغورهم، اتاري الشيخ بتاعك سره باتع .
تذكرت درية لتردد خلفها بتفكير:
– اه تصدقي صحيح يا بت، وانا اللي كنت فاكره انه فسد وروحت عملت واحد غيره، بس معرفتش احطه في اؤضتها، يا رتني صبرت.
– اه والله يا ماما، ياريتك صبرتي.
تمتمت بها ابـ.ـنتها من خلفها، وشيء ما يدور برأسها، بعدmا علمت بالطريقة الناجزة والتي تعمل بها والدتها، والتي انتفضت فجأة من جوارها:
– يا لهوي دا كنت هنسى اخوكي والباب المقفول عليه
، اروح افتحله قبل ما يصحى، حمد لله ان نومه تقيل.
.
❈-❈-❈
وفي المنزل الجديد
هبطت عائشة عائدة من فوق السطح، لتلج الى اشقاءها المنهمكين في ترتيب الاثاث ووضع كل قطعة في المكان المناسب لها، فتجفلهم هي بهتافها:
– السطح فوق يجنن ونضيف، يعني انا ممكن اذاكر فيه براحتي، من غير ما اقرف من ريحة الفراخ ولا الدبان اللي كان بيهش عليا من كراكيب دورية اللي مبتخلصش.
ضحك ثلاثتهم لقولها، وروح الحماس التي اشعلها السكن الجديد، ليردف ايهاب:
– انتي عبـ.ـيـ.ـطة يا بـ.ـنتي انتي، تذاكري ع السطح واوضتك موجودة ، دا بدل ما تخليه للعلب في وقت البريك عشان تستمعتي بالجو النضيف
عارضته جنات هي الأخرى:
– انا بقى اخترت مكاني، كل مذاكرتي هتبقى في الجنينة الصغننة اللي تحت دي، استوعب على ريحة الزهور والوان الفراشات.
– يا حبيبي ع المزاج، انتي يا بت تطلعي رسامة عشان نستغل بالمرة.
عقبت بهجة التي صارت السعادة لا تسعها لفرح اخوتها، بعدmا ظهر الارتياح جليًا على ملامحهم بابتعداهم عن اذى عمهم وأولاده وزوجته.
لتسقط بتعب على احد الكراسي المتاحة قائلة:
– طب انا هلكت بقى، بقول نفكر الاول وبعدين نكمل.
ترك ايهاب هو الاخر ما بيده، ليجلس على احدى الحقائب المغلقة والتي مازالت لم تفتح بعد، ليضيف عليها:
– وانا برضو بقول نفطر دلوقتي عشان نكمل وننجز في يومنا، انا متاح النهاردة بس ، من بكرة ان شاء الله استعد لمعركة الامتحان والمذاكرة اللي تهد الحيل، يعني مفيش وقت .
– خلاص انا هروح اطلعلنا طبقين من الكرتونة واحط فيهم حاجة خفيفة والكتل بالمرة عشان الشاي
هتفت في اثرها بهجة:
– متتعبيش نفسك فيهم، انا بس ارجع من مشواري، وارجع ارتب المطبخ على كيفي .
– انتي مش قولتي انك واخدة اليوم دا اجازة من الشغل عشان توضيب البيت .
كان هذا سؤال اخيها والذي اجابت عنه بشرود:
– هو كدة فعلا، بس انا عندي مشوار ضروري لازم اقضيه ، واحدة صاحبتي لازم ازورها، مينفعش أاجله لاي يوم تاني.
هللت عائشة بمرحها كالعادة:
– انا بقى يا عم كفاية على اؤضتي، عمو النجار نصبلي السرير والدولاب، مش فاضل غير بس ارتب هدومي والديكور اللي فيها…… بقولك ايه يا بهجة، انا عايزاكي اول اما تفرج عليكي كدة، تغيري لونها عشان تبقى زي اوضة بـ.ـاربي .
كان رد بهجة بشهقة مبالغ فيها، لتتناول الوسادة القريبة منها ، تضـ.ـر.بها بخفة مرددة:
– كمااان بـ.ـاربي ، انتي مبتشعيش، انتي مبتشعيش يا بـ.ـنتي
لتقهقه عائشة بصخب يرج في قلب المنزل الجديد مع مزاح اشقائها وضحكاتهم ايضا، اسرتها الصغيرة والتي لا تجد سعادتها الا معهم رغم كل ما تقابله في ايامها من ويلات.
❈-❈-❈
على مائدة الطعام وقد نزل بعد استيقاظه في وقت متأخر من النهار، نظرا لسهره حتى الثانية صباحًا، ليجلس الاَن ويتناول وجبة الإفطار وحده، بعدmا انصرف الجميع الى وجهتهم ولم يتبقى سوى شقيقته الصغرى سامية والتي اتخذت مقعدها مقابلا له، تتحرق شوقًا لرد فعله حين يعلم بالأمر:
– صحيت متأخر اوي النهاردة يعني يا سمير.
رمقها بنظرة عابسة يتناول طعامه بنهم، فلم يكلف نفسه بالرد عليها، لتواصل هي القاء الكلمـ.ـا.ت حتى تصل لغايتها:
– انا عارفة انك بتيجي متأخر وبتصحى متأخر من ساعة ما اسراء سابت البيت وراحت عند اهلها .
ارتشف دفعة كبيرة من الماء ليتجشأ غير مباليًا، رغم غـ.ـيظه من ذكر اسم زوجته، اما هي فقد تبسمت باتساع وهي تسترسل بالأهم:
– اكيد مستغرب كلامي وقعدتي قدامك على طرابيزة السفرة، بس انا بصراحة كنت صاحية بدري اوي وزهقانة ونفسي اتكلم مع أي حد ع اللي حصل.
ضاقت عيناه منتبهًا لعبـ.ـارتها الاخيرة، ليتسائل بنزق:
– وايه هو اللي حصل بقى يا غالية؟ جيبي اللي في بطنك عشان انا عارف ان لسانك بيحرقك دلوقتي عشان تذيعي اخر الاخبـ.ـار ، اتفضلي ياختي الميكرفون معاكي، بس انجزي
– بهجة
– اشمعنا.
– هي وأخواتها لموا هدومهم وعفشهم وسابوا البيت .
توقفت عن تلويك الطعام بفمه، برد فعل اولي، لكن سرعان ما عاد يكذبها ساخرا منها:
– وهجوا على فين ان شاء الله؟ الكويت ولا دبي؟ بت انت انتي انا مش فاضي لقصصك الهبلة دي ع الصبح، وغوري روحي شوفي وراكي ايه؟
ردت بلهفة وابتسامة تجاهد لإخفاءها:
– والله زي ما بقولك كدة، دا حتى سامر طلع عندهم واتخانق هو وابويا عشان يحكم عليهم ميمشوش، بس هي بقى كانت عاملة حسابها ، كل حاجة كانت مجهزاها هي وأخواتها، ومسافة ساعة بس كل عفش البيت كان في العربية ، ورحلو ومحد عرف لهم طريق.
نفض رأسه بعد استرسالها ، ليستشف صدق حديثها والذي شعر بجديته، ليصيح بها مهددًا:
– عليا الحـ.ـر.ام يا سامية ما تطلع قصة من خيالك بعد الحلفان اللي حلفتيه لاكون مرقعلك سداغك النهاردة ومحد هينجدك مني.
ارتفع كتفيها وانزلتهم سريعًا، لتجيبه متكتفة الذراعين:
– وانا مالي يا اخويا، ما تروح تبص بنفسك ولا اتصل على اخوك ولا ابوك، دا انت لو سألت اي عيل في الشارع هيقولك ع العربية اللي لمت العفش وطفشو معاهم.
انتفخت اوداجه لمجرد التخيل ، لينتفض ذاهبًا للخارج ولسانه يتمتم بالوعيد :
– عليا الحـ.ـر.ام ما يطلع جد الكلام ده، لا اكون مطينها فوق راس الكل، بتطفش هي وأخواتها يسيبو البيت ، ليه مفيش رجـ.ـا.لة؟
افتر فاهاها في اثره تمصمص بشفتيها المطلية بسـ ـخـــريــة لا تخلو من حقد:
– وتطينها على راس الكل كمان، ليه بقى ان شاء الله؟ انا مش فاهمة، هما محسسني ليه ان اللي سابت البرنسيسة ولا يمكن هي بتصرف عليهم….. ياللا بقى، اهي كويس انها غارت في داهية هي واخواتها،
❈-❈-❈
عاد الى المنزل بشراره ونيرانه ، يهتف نحو ابيه فور ان وقعت عينيه عليه يتناول وجبة الغداء مع زوجته وابـ.ـنته:
– بـ.ـنت اخوك راحت فين يابا، سيبت لحمك ومن غير ما تسأل حتى ولا تعرف عنوانهم؟
نزلت ملعقة الأرز من يد خميس قبل ان تصل لفمه، ليلتف اليه يطالعه بغـ.ـيظ مرددًا:
– انت بتلقح على مين يا بن الكـ.ـلـ.ـب انت كمان؟ هو انا مش هخلض منكم النهاردة يا خلفة الندامة .
ضـ.ـر.بت دورية هي الأخرى كفيها ببعضهما مرددة بغـــضــــب :
– ايوة يا خويا خد دورك، ما احنا خلاص مبقاش لينا سيرة غير عن المحروسة وخروجها من البيت.
تقدm نحوها بانفعال وهياج:
– اه ياما ملناش غيرها، دي بـ.ـنت عمي وأخواتها، يعني مسؤلين مننا، يبقى لازم نسأل عليهم ونشوف أراضيهم فين؟
تهكم خميس يردد خلفه بسـ ـخـــريــة:
– اه يا حيلتها ما انت راجـ.ـل اوي وبتعرف في المسؤولية، طب لما انت دكر كدة، مسألتش ليه عن مراتك وابنها اللي في بطنها، مش دول الاولى برضو؟.
تلجلج ببعض الخزي وقد اصاب والده في رمي سهامه، ليبرر متجنيًا على زوجته:
– وهي حد قالها تمشي وتسيب البيت، دي اتفرعنت باخوها اللي اخدها من غير استئذان، خليه ينفعها .
جاء رد خميس بصيحة غاضبة؛
– هو دا اللي ربنا قدرك عليه؟ طب غور من وشي ، جتك الهم ، واياك اسمع صوتك تاني عن بت عمك ولا غيرها، غووور جاتك الهم، خلفة تعر..
زفر سمير بقوة حين لم يجد فائدة من والده، ليحرك اقدامه وينصرف تاركًا المنزل، مغمغمًا بالكلمـ.ـا.ت الحانقة،
تجاهلها والده ليلتف نحو زوجته وابـ.ـنته اللتان تشاركنه الطعام، ليتوجه نحوهم بالسؤال:
– الواد التاني غار فين؟ من الصبح هو كمان ماشوفتش، اياك يكون بيدور عليها هو التاني؟ ما انا عارفه دلدول ابن كـ.ـلـ.ـب
❈-❈-❈
وكما توقع والده ، وقف سامر يراقب العمال الخارجين من المصنع في موعد مناوبتهم، علُه يلمح طرفها بينهم ، ولكن للأسف خابت ظنونه، حتى كاد ان ييأس او يدفعه الجنون لاختراق المصنع والسؤال عنها في ادارته، ولكن برؤيته لصباح رئيستها في القسم، تلك المرأة البدينة والتي دائما ما تتردد عليها في زيارات للمنزل، تحرك داخله الامل، ليتخذ طريقه نحو وجهتها، مسرعًا بالخطوات حتى تصدر لها يوقفها:
– انا اسف يا ست صباح، بس لو ممكن دقيقة بس اسألك.
حدجته بحنق لا تخفيه، فهي تعلمه وتعلم أسرته جيدا، لذلك لم يكن غريبًا ان تعامله بضيق:
– وانا ايه بيني وبينك يا خويا عشان توقفني كدة ولا اكنك واخد عليا ، في ايه يا جدع انت؟
اجابها سريعًا حتى يتجنب الصدام معه:
– انا اسف في الطريقة وحقك عليا، بس انا قلقان على بـ.ـنت عمي وأخواتها، وعايز اعرف هما عزلوا وراحو فين ؟ انت صاحبتها واكيد…….
قاطعته بحدة منتبهة لكلمـ.ـا.ته:
– مين هما اللي عزلوا يا جدع انت؟ انت هتكلمني بالالغاز.
– والله ما بتكلم بالالغاز يا ست صباح، انا زي زيك اتفاجأت بعد ما صحيت الفجرية على صوت العربية اللي بتلم العفش، حاولت اعرف رايحين على فين، لكنها رفضت واخوها شيبط فيا وكان هيتخانق معايا، شكلك انت كمان خبت عنك زي ما عملت معانا .
سهمت ابصار صباح ، وقد لاحت عليها الصدmة، هذه اول مرة تخفي عنها بهجة امرا بهذه الأهمية، منذ متى كان التعامل معها كالغريبة؟ ولما فعلت ذلك، وهي التي تضعها في معزة ابـ.ـنتها التي لم تنجبها.
شعر سامر بالأسف على هيئة المرأة، ليلطف قائلا:
– طب انا بلغتك يا ست صباح، وحياة اغلى ما عندك، اول ما تيجي المصنع ا عـ.ـر.في منها وطمنيني عليها ، دي مهما كان برضو شرفي وعرضي.
اومأت بهزة من رأسها ، حتى اذا انصرف وتركها، اخرجت هاتفها من الحقيبة تتصل عليها على الفور، لتخاطيها بحدة فور ان سمعت صوتها:
– الوو يا بهجة،، انتي فين يا بت انتي؟ وازاي اسمع انك عزلتي من غير ما تقوليلي:
جاءها الرد من الجهة الاخرى:
– ايوة يا ريسة سامحيني لو خبيت عنك، اول ما اشوفك هفهمك كل حاجة، انا بس مشغولة دلوقتي، .
– اسامحك ليه؟ انت عملتي ايه يا بت؟
– يا ريسة بقولك هفهمك بعدين، معلش هقفل دلوقتي…..
– استني يا بت….
تطلعت صباح بصدmة نحو الهاتف ، تشاهد انتهاء المكالمة وهذا الفعل الغريب من بهجة، لتغمغم بقلق اصبح يسرى داخلها:
– يا لهوي، هي البت دي هببت ايه ومخبياه عني؟
❈-❈-❈
والى بهجة، والتي اضطرت لانهاء المكالمة مع رئيستها، فور ان ترجلت من السيارة ، لتقف امام البناية التي تقصدها، بعدmا هاتفت صديقتها، تطلب منها الانفراد في الحديث معها ، فلم تجد الأخرى خيرا من مكتبها الجديد لتلتقيا به،
لتتطلع هي الاَن لواجتهه، تقرأ اليافطة المدونة عليها الاسم بالخط العريض
مكتب صفية محروس للمحاماة.
❈-❈-❈
وفي منزل رياض
وقد كان يتحدث في هذا الوقت مع شريكه في العمل اثناء خروجه من غرفة المكتب:
– ايوة يا كارم، يا راجـ.ـل بقولك مشغول ومش هقدر احضر معاك النهاردة……. يا سيدي انت الخير والبركة، نوب انت عني وانا واثق فيك……. وافرض يا سيدي صعبين، هو انت في حد يقدر عليك برضو؟….. انا رايق!….. وماله يا سيدي لما ابقى رايق؟ هي دي عجيبة يعني،……. حبيبي ربنا يخليك، انا هبقى اتابع معاك ع الفون، بالتـ.ـو.فيق ان شاء الله.
انهى المكالمة ليُقابل بوجه والدته امامه مباشرة، تطالعه بنظرات غير مفهومة، وكأنها مندهشة لتغيره اليوم، وقد اختفى التجهم الدائم، وحل هدوء غريب جعله، يتقدm ليجلس بجوارها سائلًا ليطمئن عليها:
– عاملة ايه يا ماما النهاردة؟
لم تجيبه وظلت تطالعه بنظراتها فقط ، مما جعله يميل نحوها بنظرات كاشفة ، فهو ايضا يعرفها ويشعر بتحسنها:
– حاولي تجاوبني في مرة يا ماما، انا عارف انك بدأتي تتنبهيلي وتفهمي اللي بيدور جواليكي، ابنك مش غـ.ـبـ.ـي .
اشاحت بوجهها عنه ناظرة للأمام مما جعله يستطرد:
– انا مش عدوك يا ماما، حاولي تنسي اللي فات عشان نعيش مع بعض حياة طبيعية.
وكأنها لم تسمع شيء ، تناول جهاز اللوح اللاليكتروني، تأتي بهذه اللعبة التي تعلمتها من عائشة لتمرر بإصبعها على الشاشة، وتنـ.ـد.مج في اللعب، مما جعله يفقد الامل، لينهض من جوارها:
– ماشي يا ماما زي ما تحبي.
ولكن وما هي سوى خطوتين ابتعد بهم عنها ، حتى اوقفته بسؤالها المقتضب، وكأنها بالفعل على معرفة بكل شيء
– بهجة.
التف اليها بابتسامة مسترخية يجيبها:
– معلش يا ماما، بهجة مش هتقدر تيجي النهاردة، هي اتصلت بدادة نبوية وبلغت اعتذارها لسبب يخصها
توقف يستشف رد فعلها بهذه النظرة التي كانت تطالعه بها، ولكنها قطعت سريعًا تعود لما تفعله باللعب على الجهاز الذي تمسكه بيدها، وكأنها لم تسأل عن شيء
❈-❈-❈
مساءً
وداخل منزل اخر يمتلكه، ليجعله مسكنا لهما معًا ، كانت الجلسة بحضور رجل الدين الذي كان يعقد عقد زواجهم، والحضور يقتصر عليه، واثنين من رجـ.ـاله شهود ، وهي قد أتت بصديقتها الوحيدة كما اخبرته، تحفظ السر وتدعمها في هذه اللحظة الفارقة معها .
وقد وافق حينما اخبرته بأمانتها ولكنه تفاجأ بعد ذلك بالمهنة التي تمتهنها، لتجعل نوعا من التسلية يسري بداخله،
ولكنه كان كالعادة متزنا بشكل يفوق الحدود ، يردد خلف الرجل ويطالعها برزانة ، رغم مشاعر الصخب التي كانت تدور برأسه، لقد كانت جميلة بصورة مؤلمة ، رغم نبرة الحـ.ـز.ن التي كانت تتخلل صوتها، رقيقة وناعمة كقطعة السكر التي تذوب بالفم ، كيف له الصبر يومين اخرين كما وعدها؟
بعد انتهاء رجل الدين وقد اصبحت زوجته رسميًا، وانصراف الرجلين، لم يتبقى سوى هذه الفتاة صديقتها، تقف معها الاَن وتدعمها، رغم النظرات العدائية التي كانت توجهها نحوه ، فهو ليس بالغـ.ـبـ.ـي حتى لا يعرف بما خلف الابتسامة المزيفة التي كانت ترسمها امامه، ليظل جالسًا بأريحية على اريكته في انتظار انصرافها.
– خليكي شوية تاني يا صفية، او استني نمشي مع بعض .
تبسمت الاخيرة بحنو لطيبة صديقتها المفرطة، والتي تستهين بما اوقعت نفسها به، ولكنها ان لم تنجح في اثناءها اليوم عن فعلتها تلك، فهي ابدا لن تتركها .
نظرت نحو الخاتم الذي وضعه هذا المتعجرف بأصبعها، وكأنه يعاملها كعروس حقيقية ، مهر ومنزل ووكالة صغيرة، ياله من مشتري جيد،
تنهدت بقوة، لتضغط على كفها بمؤازرة، وتشـ.ـديد وتنبيه:
– زي ما قولت وأكدت عليكي قبل سابق، انا تحت أمرك في أي وقت لو عوزتي اي مساعدة، اينعم انا كنت رافضة وما زلت، بس برضو هفضل في ضهرك مهما حصل.
سمعت منها بهجة لتلقي بنفسها عليها وتحتضنها بشـ.ـدة:
– تسلميلي يا صفية، تسلميلي اوي، انتي مش مجرد صاحبة وبس، لا دا انتي اختي.
لم تبخل عليها صفية ايضًا بدعمها حتى تطمئن وتهدأ سريرتها، فهي الاعلم بما تمر به الاَن.
طال عناقهم حتى اثار سخط هذا الغيور، ليتحمحم بجلافة تحسب عليه، فيهدي صفية ابتسامة مكشوفة حينما اتجهت برأسها اليه، يتحدث بكذب:
– منوارنا يا سيادة المحامية المخضرمة، ايه رأيك تيجي معانا نتعشى في المطعم القريب من هنا.
بادلته صفية بابتسامة صفراء:
– متشكرين يا رياض باشا، الجيات كتير، نخليها مرة تانية ان شاء الله، مش عايزة ابقى عزول.
قالت الأخيرة بابتسامة حقيقية لصديقتها، قبل ان تستأذن وتغادر امامها، برفقة احد الحراس، وهي تتابعها بعينيها حتى اختفت خارج المنزل الذي اغلق عليها وعليه، لتجفل بذراعه التي التفت حول خصرها من الخلف فتجد وجهه مقابلا لها يخاطبها بمرح:
– حلوة اوي حلوة حركة المحامية دي، حركة زكية.
كتمت شهقتها لتعقب بثبات تدعيه:
– ما انا قولتلك من الاول انها جاية بصفة صاحبتي، مش بصفة عملها، وان كان على حقي او العقود، ف انا برضو دارسة حقوق وعارفة كويس بالقوانين.
– جميييل.
لا تعلم بأي صفة وجه الكلمة، ان كانت سـ ـخـــريــة او اثناء على ذكائها، ولكنها عادت للإجفال مرة أخرى، حينما قربها اليه بشـ.ـدة حتى انتفض جــــســ ـدها بين يديه، لتعبر عن اعتراضها:
– ايه في ايه؟ انت مش قولت انك هتديني فرصتي، يومين
تبسم بمكر يردد بمراوغة:
– طبعا قولت، بس كمان ما قولتلكيش انك زي القمر النهاردة، وانك تاخدي العقل و….
-و ايه؟
هتفت بها مقاطعة له، لتنفضه بعيدا عنها بحركة مباغتة، ولكنه اعادها سريعًا لترتطم بصدره فتجد نفسها محاصرة بين ذراعيه، وانفاسه الخشنة تلفح بشرتها بعدmا قرب وجهه منها بشـ.ـدة، ليردد بصوت مبحوح وعيناه ارتكزت على ثغرها:
– ما انا قولت حاجات كتير وانتي كمان، بس دي مشاعر بتيجي فجأة من غير حساب، وانا برضو بقيت جوزك رسمي ولا انتي مش واخدة بالك؟
انتفضت تحاول الإفلات من بين يديه مرددة:
– لأ واخدة بالي، بس انا مش جاهزة بجد، ولا انت كلامك في الهوا.
بعبـ.ـارتها الأخيرة استطاعت ان تحرك ذلك الجزء المتعجرف به، ليحل ذراعيه عنها فجأة قائلا بحنق لا يخفيه:
– رياض الحكيم عمره ما يقول حاجة في الهوا.
زفرت بـ.ـارتياح حينما تركها، وقد علمت الاَن بهذه النقطة التي تستطيع استغلالها في شخصيته، لتعدل من فستانها الذي تجعد، قائلة بتملق زائف:
– انا برضو كنت عارفة، وعشان كدة بقول ان اروح دلوقتي احسن ليا وليك ، عن إذنك.
قالتها لتتحرك مغادرة دون انتظار رد منه، وما ان استدارت لتنصرف نحو وجهتها، حتى وجدت نفسها تعود بسرعة البرق الى وضعها السابق، وقبل ان تستوعب باغتها، لتحط شفتيه على ثغرها هذه المرة تكتم اعتراضها ، في قبلة شغوفة، تخوض تجربتها لأول مرة بين يدي خبير، ذهب بها الى عالم اخر لا تعلمه، ما بين لهفة وتمهل ليسحب استجابة امتزجت ببراءتها التي كادت ان تطيح بعقله، ويتخلى عن وعده، حتى تركها بصعوبة تلتقط انفاسها، لاصقا جبهته بجبهتها، ليردف بصوت يخرج بصعوبة:
– دي بس عشان مش جاهزة.
اصابها الخجل بشـ.ـدة حتى لم تقوى على رفع عينيها اليه، لتملك زمام امرها في الاخير، ف ابتعدت حينما ارتخت ذراعيه عنها، وبتصميم غـ.ـبـ.ـي على المغادرة، فجعلته يزفر مقلبًا مقلتيه بقنوط، ثم امسك بها من رسغها يوقفها، فتجاهلت خجلها لتطالعه قائلة بانفعال:
– ايه تاني؟ مش قولت خلاص.
اجابها ببساطة حتى تكف عن تشنجها:
– هنتعشى مع بعض يا بهجة، ولا دي كمان عايزة تجهيز ؟
ترددت برهة بتفكير، لكن سرعان ما اتخذت قرارها بالرفض مبررة:
– لا طبعا مينفعش استنى دقيقة هنا، انا مضمنش!
اخفضت في الاخيرة رأسها حتى فهم ما تقصده، ليطـ.ـلق زفرته الأخيرة بخشونة يردد بيأس وهو يتناول سلسلة مفاتيحه من فوق الطاولة:
– احنا هنتعشى في مطعم برا يا بهجة، يعني مفيش داعي للقلق.
حينما نظرت إليه تسشف صدق قوله، أسر خضراوتيها ببندقيته مستطردًا بنبرة جديدة عليها:
– مش عايزة اتعشى لوحدي النهاردة، عايز احس يونسك معايا، ممكن.
↚
غير طريق عودتها للمنزل ، لتفاجأ به يوقف السيارة من الخلف حيث السكون الذي يخيم على المنطقة الهادئة من الأساس، وعدد المارة القلائل في هذا الوقت، حتى غلبها الفضول لتساله وهي تتفقد الأجواء من النافذة المجاورة لها:
– وقفت ليه من الخلف، قدام البيت في نور لكن هنا ضلمة.
بابتسامة واثقة تناول كف يدها، لبجيبها بهذا النبرة التي لم تعتاد عليها بعد، تلك التي يتخللها الدفء عكس البرود الملازم له:
– وقفت هنا عشان اودعك براحتي، وانتي كمان عشان متقلقيش، اينعم المنطقة هنا مختصرة بالف مرة عن الحارة اللي كنتوا ساكنين فيها، بس برضو الامر مايسلمش.
اومأت بملامح يعتليها الضيق، ثم سريعًا ما استدركت للكلمة العابرة التي سقطت منه اثناء حديثه:
– تودعني ازاي يعني؟ هو انت مسافر؟
اومأ بهز رأسه، ليضغط على كفها المحتجز داخل كفه الكبير :
– ورايا شوية حاجات عايز اخلصهم تبع الشغل، يدوب
، هحاول اجي بأسرع وقت عشان اتفاقنا.
فهمت على ما يقصد لتسبهل اهدابها عنه بخجل زاده اضعاف حين اردف بمشاكشة:
– كان نفسي طبعا الوداع دا يبقى في بيتنا، كان هيبقى افضل واحسن بالنسبالي مية مرة.
حاولت نزع يدها باعتراض وعدm تقبل لجرأته، ولكنه زاد بفرض قبضته عليها ، يردف بهيمنة:
– حاولي تبقى هادية عشان ميطورش العند معايا، وبدل مسك الايد يبقى مشهد ساخن في قلب الشارع.
شهقت رافعة عينيها نحوه بإجفال:
– معقول يا رياض انت ممكن تعملها صح؟
تبسم باتساع فمه، فهذه اول مرة يسمعها تخاطبه بإسمه مجردًا، ليزيد بمشاكستها:
– انا بنبه بس عشان ت عـ.ـر.في اني على تكة، بس حلو الاسم منك تصدقي بقى، انا من اكتر الحاجات اللي كنت بكرهها في حياتي هو اسمي، عشان دايما بحسه تقيل وقديم، انما دلوقتي، فدي اول مرة اعرف انه لذيذ، بعد ما سمعته منك.
– اللي هو ايه ده؟
سألته بتركيز ذهب ادراج الرياح، فحالة الارتباك التي تلفها في حضوره، تنادي بالذهاب وفقط، دون الانتباه لأي شيء اخر،
اما هو والذي يعجبه الامر، فقد واصل بتسلية:
– انا بتكلم عن اسمي يا بهجة، عاجبني اوي منك.
اومأت رأسها بمهادنة، ثم حاولت الفكاك من حصاره حتى تغادر، ولكنه ابى، ليحبط محاولتها من البداية:
– اثبتي بقى يا بهجة، دول مش مستاهلين دقيقتين.
– دقيقتين!
تمتمت بها ساخرة، لتكتم داخلها زفرة الإحباط، تستسلم لإصراره قائلة برجاء:
– اديني سكت وهمدت عن الحركة اهو، ياريت بقى عشان خاطري تستعجل، انا حاسة قعدتنا كدة في العربية غلط من اساسه.
– مستعجلة اوي على بعادي يا بهجة؟
ما هذا السؤال الذي اجفلها به؟ حتى ارتفعت خضرواتيها، لتصطدm بهذه النظرة الغريبة، وكأنها تحمل احتياجًا، تحمل دفئًا، تحمل…..
– انتي عارفة ان دي اول مرة من سنين، ابلغ حد بسفري غير اللي بشتغل معاهم!
للمرة التي لا تذكر عددها ، يصدmها بأشياء جديدة عن شخصيته، لا تستوعبها.
– معقوول، ازاي يعني؟
سألته ببرائتها، فجاء رده بابتسامة لا تحمل شيئًا من مرح:
– عشان طول عمري وحيد يا بهجة، وحيد ابويا وامي، وحيد في بلد ناسها بتتكلم بلغة غير لغة بلدي…
لقد اسرها بقوله، ليتابع معانقًا ابصارها، وقد التمس بها عاطفة الحنان التي تغلبها مهما كان غـــضــــبها:
– انا نفسي انفتحت بجد النهاردة يا بهجة وانا بتعشى معاكي، كنت اتمنى لحظاتنا دي تطول، زي ما انا بتمنى دلوقتي اخدك في حـ.ـضـ.ـني واروح بيكي على بيتنا….. لكن اكيد طبعا مش هعمل حاجة على غير رغبتك.، الا اذا انتي غيرتي رأيك.
على الفور اهتزت رأسها برفض تام وارتجافة شعر بها، ليلملم ابتسامة ماكرة مردفًا:
– مفيش داعي للقلق يا بهجة، انا بقول لو غيرتي رأيك، يعني سايب حرية الاختيار في ايدك، حتى لو الشوق لوصالك هيجنني .
كيف السبيل لها في المقاومة، امام اجتياحه الكاسح بسحر كلمـ.ـا.ته، يدك حصونها برقته، يستجدي عاطفتها بحديثه، وقد تأثرت بالفعل لضعفه، ذاك الذي يخفيه خلف كتلة البرود والجمود التي يتخذها واجهة.
لقد ضاعت الكلمـ.ـا.ت في جوفها، وأصبحت كالمتلقي بصمت، وهو يغزو مشاعرها البريئة بسيل عاطفته، لتروي جفاء ارضها المهجورة منذ سنوات عدة، لترتوي وتشبع حد الامتلاء ، رغم خــــوفها وقلقها وكل شيء.
واصل هو يقبل ظهر كفها بحنو مردفًا:
– حاولي لما اتصل بيكي في اوي وقت تردي، عشان اكيد انا هكون عندي رغبة شـ.ـديدة اكلمك.
اومأت بطاعة وقد عصف بها الاضطراب، لتلملم اشياءها وتترجل هاربة من حصاره وهذه المشاعر التي يجفلها بها، حتى انها لم تعترض حينما خـ.ـطـ.ـف قبلة من وجنتها، قبل ان تغادر وتتركه في انتظارها حتى دلفت من الباب الخلفي من المنزل، لترمقه بنظرة سريعة قبل ان تدفع الباب وتغلقه.
ثم توقفت اقدامها عن السير، بحالة من التشتت تكتنفها:
– لماذا يخبرها الاَن بحاجته اليها ، لماذا يوهمها بقيمتها عنده؟ بعدmا جعل الموضوع لا يزيد عن رغبة، ومهمة بيع وشراء بينها وبينه…… تبًا، هي لا تريد هذا الوجه منه، تريد الاحتفاظ بالصورة التي طبعتها في ذهنها عنه، حتى تستمد القوة دائمًا للاستغناء عنه في اي وقت.
زفرت تنفض رأسها من هذا العبث الذي اصبح ينخر فيها كالسوس، مذكرة نفسها بالاتفاق المبرم، والوعود التي قطعتها على نفسها، من اجل مستقبلها هي واخواتها، فلا يوجد شيء آخر يستحق، نعم لا يوجد.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
استيقظت قبل الجميع كعادتها، ليجتعموا معها على تلك الطاولة التي جعلتها مائدة الطعام، حتى الانتهاء من ترتيب باقي المنزل اليوم،
عبـ.ـارات المرح والارتياح للمنزل الجديد لم تخلو من مزاح :
– يا سلام يا بيبو لما صحيت كدة واول حاجة وقعت عليها عيوني من الشباك هو منظر الخضرة تحت، حاجة كدة تشرح القلب وتفتح النفس على يوم جديد، انا حبيت البيت ده اوي، ربنا يخليكي لينا.
كان هذا قول جنات ليعقب على قولها شقيقها الاصغر:
– ايوة بقى يا ست الفنانة، بس انا اللي عاجبني اكتر بقى هو الهدوء، الواحد هنا يقدر يذاكر ويستوعب براحته، بعيد عن اصوات الخبط والرزع اللي مبيبطلش من الجيران لا صبح ولا ليل.
– ولا تصطبح بخلقة حد من ولاد عمك ولا مرات عمك الحيزبون ولا عمك نفسه، دا دي اهم ميزة يا عمنا .
هتفت بها عائشة لتصدر الضحكات من الجميع، فتعقب شقيقتها الكبرى:
– انتي بلوة كبيرة يا عائشة، رغم ان مكنتيش راحمة حد فيهم، بس بصراحة مكذبتيش، انا كنت مخـ.ـنـ.ـوقة وتعبانة في البيت ده رغم انه ريحة ابويا وامي وذكرياتي معاهم…… يلا الحمد لله.
– الحمد لله، طب انا كدة هروح جامعتي ازاي يا بيبو؟ انا لسة محفظتش خط سير المنطقة الجديدة.
– هعرفك يا جنات، احنا هننزل مع بعض دلوقتي، انا وانتي وعائشة، اما ايهاب فدا لسة قدامه مذاكرة، وهو مش محتاج اصلا حد يوجهه، ولا ايه يا باشا؟
رد ايهاب بثقة:
– طبعا يا باشا.
❈-❈-❈
اما هو فبعد ان انهى مهامه اليومية على عجالة من اجل رحلته السريعة، وجد نفسه يهاتفها دون تفكير، وكأن شيئًا ما ينقصه قبل ان يتناول حقيبة الملابس التي اعدتها الدادة نبوية من اجل سفرته،
كانت هي في هذا الوقت، داخل الوسيلة العامة للمواصلات، بعدmا اوصلت عائشة لمدرستها، وعرفت جنات الطريق الذي تتخذه للجامعة، فكانت مفاجأة ان تجفل باتصاله، وفي هذا الوقت وبين هذه المجموعة الكبيرة من البشر .
كادت الا تجيب وتؤجل المكالمة، ولكن خشت ان يسافر قبل ان تلحق الاتصال به، فجاء صوتها كالهمس:
– الوو… صباح الخير.
– صباحك فل يا بهجة، متصلتيش ليه تطمني ولا تسألي عن سفري؟
هكذا ومباشرة يعاتبها، وهي تعلم بالفعل انها قصرت ، ولكنها ايضا مازالت تضع الحواجز، ولم ترفعها بعد، لأنها حتى الاَن لا تستوعب، وقد ترسخ بعقلها، انه ليس زواجا عادي، إذن فكيف تفعل؟
تحمحت تجلي حلقها بخفة لتبرر وتجيبه بنبرة هامسة، حتى لا يصل الصوت الى المرأة التي تجاورها؛
– معلش عدت عليا، بس كنت هتصل لما اوصل الشغل….
– وانتي فين دلوقتي؟ وليه صوتك وا.طـ.ـي؟
زاد حرجها مع انتباهها للمرأة التي اصبحت ترهف السمع معها، لتغمغم سائلة لها بفضول:
– دا جوزك ولا خطيبك؟
اومأت لها على مضض دون ان تريحها بإجابة وافية، ليصدر ردها نحو الاخر ببعض الضيق، فهي ليست معتادة على هذه المحادثات امام الملأ:
–
انا في الاتوبيس، وخلاص قربت اوصل الشغل.
كاد ان يستمر في مشاكستها ولكن عند ذكر هذا الاخير تغيرت لهجته ليرد بحدة:
– وتركبي ليه اتوبيسات وتتبهدلي، ما عم علي موجود يا بهجة، مش انا قولتلك في اي وقت اتصلي بيه من سكنك الجديد والراجـ.ـل مش هيقصر..
قابلت حدته ببعض التماسك حتى لا ينفلت الامر منها وتنفعل عليه:
– حضرتك وانا قولت تمام، بس دا في مواعيد الشغل عند مدام نجوان، غير كدة مينفعش، عم علي راجـ.ـل كبير و انا مش هانم عليه عشان اقلق راحتو وقت ما احب في اي وقت.
استطاعت بتلميحها البسيط ان تجعله يستدرك صواب قولها، وصحة موقفها، لذلك لم يجد سوى ان يلطف، معبرًا عما يعتريه في هذه اللحظة:
– هتوحشيني يا بهجة
هل ما سمعته كان حقًا؟ وان هو كذلك بالفعل، كيف يسعفها لسانها في الرد؟
– بهجة انا بكلمك.
– ايوة ايوة واخدة بالي والله.
تمتمت ردًا له، وقد تلونت وجنتيها بالإحمرار، ولفها الارتباك بشـ.ـدة، والذي يبدو قد وصل اليه، فأبى الا يثقل عليها في هذا الوقت الغير مناسب لها، لينهي بنبرته الرخيمة:
– هبقى اتصل بيكي اول ما اوصل.
ابتلعت ريقها هذه المرة تتمكن من إجابة بدت في طريقتها عفوية وبسيطة بصوتها الرقيق، لكن لا تعلم بحجم تأثيرها على رجل مثله:
– تروح وتيجي بالسلامة ان شاء الله.
– وانتي بألف سلامة يا بهجة.
❈-❈-❈
تصدر سمير بمدخل البناية، يوقف شقيقه عن الخروج هاتفًا به:
– على فين العزم يا غالي؟ على شغلك بقى اللي لسة مبداش؟ ولا ع المصنع؟
حاول سامر دفع ذراعه عنه وتخطيه مرددًا باستنكار:
– مصنع ايه وكلام فارغ ايه؟ ابعد كدة من وشي يا عمنا مش عايز اقل منك وانت اخويا الكبير.
سمع الاخير لتثور ثائرته، يصيح به غير عابئًا بصوته العالي :
– لا يا حبيبي اتشطر وخليني اشوف هتقل مني ازاي؟ وانا مبقاش راجـ.ـل، لو معرفتكش مقامك، بتروح المصنع لبـ.ـنت عمك تسأل عليها هناك ليه ياض؟ تخصك في ايه عشان تروح تسأل عنها بعد ما مشت وسابت البيت؟
لم يستغرب سامر علم اخيه بذلك الامر، فهو على معرفة تامة بخط سير ابنة عمه منذ انفصاله عنها، لكن ابتعادها الاخير بهذه الصورة دون ان يأتيه خبر به، وهو ما شكل صدmة له، لذلك لا يستغرب حالة الهياج التي هو عليها الاَن، لكنه ايضا لن يسكت عن حقه:
– وافترض روحت لها وسألت عليها عشان اعرف مطرحها، دا يخصك انت في ايه؟ ولا تكونش يا حبيبي عايش لسة في الوهم انها على زمتك؟.
وكأنه كان في انتظارها ليفرغ به شحنة الغـــضــــب المكبوتة به منذ الأمس، ليكز على اسنانه، ويدفعه بكفيه على صدره بعنف متحرقًا لبدء مشاجرة:
– اه بقى هو كدة بالفعل، عايش في الوهم انها على زمتي، يعني مفيش حد هيقدر يقرب منها غيري، واللي هيسترجل ويتحداني، يبقى المـ.ـو.ت اقرب له منها.
قابل سامر تهديده، بوعيد اكبر، يزجره بعنف:
– طب ان كنت راجـ.ـل اعملها، وانا صدري مفتوح اهو، شوف هتقدر ولا لا؟
– يبقى انت اللي طلبتها .
صرخ بها الاخر لينشب بين الاثنين شجار كالمعركة بين الطرفين، في حرب اثبات الذات وكأنهما قد عادا للعصر الحجري، قبل ان يلحق شباب الحارة ويفصلا الخصمين، حتى وصل الامر لوالدهم، فجاءت اللحظة المنتظرة امام والدهم الاَن ، بوصلة من توبيخ لا تخلو من شتائم بأفظع الالفاظ:
– بتفضحوني يا ولاد الكـ.ـلـ.ـب قدام الحارة وتقصروا رقبتي، ياريتها كانت بركت عليكم وفطستكم يا خلفة الندامة، بتقطعوا بعض وتفرحوا الناس فيكم، وانتو الواحد منكم قد الشحط ويفصلوا منه اتنين، هتعقلوا امتى يا جوز البهايم؟
جاء الرد المباشر من ابنه الاصغر، في دفاع عن نفسه:
– انت عارف يا بابا اني اخر واحد يعمل فضايح ولا مشاكل، بس ابنك الكبير هو اللي استفزني من غير سبب واجبرني اتخانق معاه، انا راجـ.ـل كنت رايح على مصلحتي، هو اللي وقف في وشي يمنعني، باينه كان شارب شوفو حالته بنفسكم.
هتف سمير يبرر باندفاعه الاحمق غير ابها بالعواقب:
– انا برضو اللي بجر شكلك من غير سبب، طب خلي عندك انت الشجاعة وقولها يا دكر…….. اسمع يا بابا، قول لابنك يتلم ويبطل يروح لبهحة الشغل، ولا يدور على عنوانها، انا حالف لاصور فيها قتيل لو اتجرأ ولا عملها تاني.
جاء الرد من درية الواقفة خلفهم تسبق زوجها بلطمة على صدرها:
– نهار اسود عليكم ومنيل بستين نيـ.ـلـ.ـة، هو احنا مش كنا خلصنا من بوز الاخص دي اللي اسمها بهجة، ولا انتوا عايزين تخلصو علينا احنا بعمايلكم!
هدر خميس يغلق باب الجدال والمناقشة من اولها:
– اسمع ياد انت وهو، انتوا الاتنين دلوقتي تحلو عن نفوخي، وما اسمع بعد كدة ان اي حد فيكم قرب من شغلها ولا حصل خناق ما بينكم تاني بسببها لاكون طاردكم من بيتي طردة الكلاب، هو انا معنديش شغلانة غيركم يا ولاد الكـ.ـلـ.ـب، امشي وغور انت وهو ، كل واحد يروح فيكم على شغله.
سمع الاثنان ليضطروا للإذعان له صاغرين، ينصرفا من امامهم، فيغادرا المنزل، امام ابصار والدتهم، التي صارت تولول وتندب حظها، وابـ.ـنتها التي التوى ثغرها بازدراء تتابع ذهابهم، لتربت على ظهر والدتها وذراعها بدعم :
– معلش ياما اهدي كدة لا تجيبي المرض لنفسك.
خميس والذي تخصر بذراعيه، بغـ.ـيظ يفتك به، دب بقدmيه ينهرها بحنق قبل ان يذهب هو الاخر ويلحق بهم:
– قفلي انتي كمان يا درية، مش ناقص انا حـ.ـز.ن في البيت، جاتكم الهم كلكم، تقصرو العمر.
– هم لما ياخدك انت، ما انت كمان من ضمن الهم.
غمغمت بها درية بغـ.ـيظ خلف زوجها الذي صفق الباب بقوة وهو يغادر المنزل.
لتجفلها ابـ.ـنتها:
– اما انتي لازم تروحي عند الشيخ اللي غورها، يشوفلك صرفة بسرعة عشان ولادك يتهدو بقى، واحد يرجع لمـ.ـر.اته والتاني يتجوز واحدة تنسيه اسمها .
طالعتها والدتها بدهشة لذهنها الخبيث الحاضر ، تعلق ردا لها:
– وهي مقابلة الشيخ كدة سهلة يا ختي، دي لسة عايزة مواعيد وعلى ما يجي دورنا ، دا غير الفلوس اللي هيطلبها.
بحماس يثير الذهول، ردت بلهفة:
– ومالوا يا ماما، انتي تتصلي بالست مبروكة وتعكميها قرشين تسهل مقابلتك بيه، وان كان ع الفلوس فدي اسهل حاجة عندنا، المهم بقى تاخديني انا معاكي المرة دي.
نهرتها درية باعتراض:
– اخدك فين يا بت؟ هو انتي اتجننتي ولا ايه؟
وكأنها طفلة صغيرة تعلقت برقبتها، تتحايل بلهفة:
– لا ياما متجننتش، بس انتي خديني معاكي، شالله يارب ما يتم المراد غير لما تاخذيني معاكي.
❈-❈-❈
بأعين يملؤها الفخر، وقفت تطالعه وهو يرتدي الملابس الرسمية امام المراَة، فبدا لها اجمل ما يكون، تريد ان تظل هكذا بالساعات ولا تمل من تأمله ابدا.
انتبه اليها في غمرة انـ.ـد.ماجه في تصفيف شعر رأسه بالفرشاة، ليلتف اليها، فيهديها ابتسامة رائقة مشاكسا، وقد راقه وقفتها بذلك الميل وهي مستندة على إطار المدخل، بتلك البيجامة الملتصقة بمنحنياتها البـ.ـارزة، بصورة اظهرت اغراءً هي تغفل عنه:
– ايه؟
تسائلت خلفه بعدm فهم:
– ايه ايه؟
اجابها بغمزة وقحة، ونظرات ذات مغزى:
– دا اول يوم رسمي ليا النهاردة من بعد الاجازة، بالشكل ده هتخليني اغير رأيي.
– يا نهار…….
قطعت عبـ.ـارتها بحرج كسى ملامحها، لتعتدل بوقفتها تتصنع الغـــضــــب وابتسامة فضحتها، لتردف بكلمـ.ـا.ت متقطعة:
– انت…. انت فعلا بقيت قليل ادب يا عصام……. قال وانا اللي جاية اقولك ان الفطار جاهز…… خليك مع نفسك…… هروح افطر لوحدي….
قالت الأخيرة وتحركت مغادرة من امامه، ليلحق بها، يتمتم ضاحكًا:
– وايه يعني ما انا ممكن احصلك، وبرضوا اعمل اللي في دmاغي .
فضلت عدm الرد لتأخذ جلستها على المائدة كي تسبقه، وما همت بوضع احد اللقيمـ.ـا.ت بفمها حتى وجدته يقبض على كفه، ويلتقطها بفمه، ثم يلوكها مردفا بمكر:
– حسيتها من ايدك هتبقى احلى، ولا ايدك هي اللي أحلى.
اكتنفها الخجل حتى حاولت نزع كفها، ولكنه ابى ليزيد من ضغطه ويرفعها اليه، يقبل الاصبعين ثم باقي اليد حتى سرت بداخلها القشعريرة، لتهتف برجاء:
– عصااااام.
توقف فجأة وبنبرة ينضح منها الخبث اجابها:
– ايه؟
سحبت يدها سريعًا منه، قائلة بحنق تخفي به اضطرابها، وقد شتتها بفعلته:
– انت كدة فعلا هتتأخر على شغلك.
استقام بجذعه يعدل من هيئتها، ليرد بحسم لا يخلو من تسليته:
– لا ما انا لو قعدت دقيقة تاني مش هروح الشغل فعلا، عشان كدة بقول اروح افطر مع امين باشا في مكتبه .
دنى يختطف قبلة سريعة من وجنتها، ثم تحركت اقدامه على عجالة، ليلقي اليها قبلة اخيرة في الهواء بادلته اياها ترافقها بقلب كبير وابتسامة اعتلت محياها حتى بعد انصرافه، لتتنهد بسعادة جعلتها تنسى الطعام وشهيتها اليه، وقد ارتوت بعشقه وشبعت حد التخمة .
خرج عابد الورداني من غرفته، يلقي ببعض التعليمـ.ـا.ت على زوجته قبل سفره لخارج العاصمة، من اجل جلب البضائع وقد توسعت تجارته في الشهور الاَخيرة، بفضل تركيزه به، وقد وجد به الشيء الوحيد الذي يستحق الاهتمام:
– لما يجي الواد جابر اديله مفاتيح المخزن والدكان، انا وصيته امبـ.ـارح عشان لما اوصل بالبضاعة الجديدة يبقى مستنيني.
كان ابراهيم في هذا الوقت مضطجعًا بجلسته على الاريكة التي تحتل وسط الصالة، منشغلا بالهاتف، لم يعتدل ولا يعير مرور الرجل اهتمامًا، والاَخر يرد بالمثل في ان يتخطاه دون ان يلقي حتى تحية الصباح، الامر الذي استفز سميرة، لتعترض بمكر تجيده:
– الله يا حج والواد جابر يمسك شغلك ليه دلوقتي وابنك موجود؟ دا آخره حتة صبي لا طلع ولا نزل، ولا ايه يا ابراهيم؟
توجهت بالاخيرة نحو المذكور لتلكزه بيدها، كي يرفع عيناه وينتبه، يعطيها استجابة تدعم قولها، ولكنه سهم بصمت ابلغ من الكلام، لتبزغ ابتسامة جانبية ساخرة من ابيه، فيعطي رده الحازم لزوجته:
– متنسيش تبعتي المفاتيح لجابر، واياك حد يزعله بأي كلمة، دا ايدي اليمين دلوقتي..
القى كلمـ.ـا.ته وذهب يصفق الباب خلفه بعنف اظهر غـــضــــبه المكتوم، ليخلو المنزل على سميرة وابنها الذي صاحت به تنهره:
– مش تتكلم يا ابن الخايبة وتدافع عن حقك، بقى الغرب يمسكوا مال ابوك وانت هتفضل راقدلي ع الكنبة زي الفرخة اللي راقدة ع البيض.
استفزه الوصف لينهرها صائحا:
– الله انتي اتعديتي منه ولا ايه؟ ما تنقي الفاظك ياما، بدل ما تخليني اتعصب عليكي.
بغـ.ـيظ متعاظم، جذبته من قماش قميصه تهزهزه متمتمة بفحيح:
– هو دا اللي انت فالح فيه، بقولك الغرب بقوا ماسكين مال ابوك، وهو مديهم دقنه وواثق فيهم اكتر منك، هتستنى انت بقى لما يسـ.ـر.قوه؟
نفض قماش قميصه عنها ليعقب بعدm اكتراث:
– وافرض حصل، ما هتبقي غلطته مش غلطتي، بلاش تكبري الموضوع ياما، انا ممكن في اي وقت اطرد جابر ، دا آخره صبي عندنا زي ما قولتي، لكن مدام بقى نافعنا وماشي بأجرته خلاص بقى….. دا انا مصدقت شايلني من دmاغه، بعد ما كان بيهزقني ع الطالعة والنازلة ويغـ.ـصـ.ـبني ع الشغل معاه..
هتفت تكز على اسنانها:
– عشان خلاص حط صوابعه في الشق منك، وانا شكلي هعملها قريب، روح يا ابرهيم يا ابن بطني ربنا يهديك.
صرخت بالاخيرة، لتتركه وتذهب من امامه نحو غرفتها ، تغمغم بالألفاظ النابية التي لم يبالي بها ، ليعود لهاتفه مرة أخرى في محاولة للاتصال برقم اخر باءت بالفشل كالعادة مع حظرها لكل الارقام الغريبة عنها، ليحدث نفسه هذه المرة بتوعد:
– ماشي يا امنية، بلاها تليفونات، وانا هعرف برضو اجيبك لحد عندي، ومبقاش انا ابراهيم لو ما حصل.
❈-❈-❈
انهت عملها سريعًا حتى اذا جاء موعد الاستراحة، تركت مكتبها وخرجت سريعًا الى رئيستها التي شـ.ـددت عليها منذ الصباح من اجل الالتقاء بها.
فخرجت اليها بداخل الحديقة الشاسعة حيث كانت تنتظرها بناءًا على رغبة بهجة في هذا المكان المنزوي اسفل الشجرة، حتى تنفرد بها بعيدا عن الجميع،
لتجدها الاَن جالسة على الاَريكة الخشبية، متربعة الذراعين تطالعها بحدة قابلتها بهجة بالابتسام والمزاح:
– يا ساتر يا رب، طب انا كدة اصبح ولا امسي ازاي بس مع التكشيرة دي .
ردت صباح بسـ ـخـــريــة لا تخلو من حزم:
– انا لا عايزة صباحك ولا مساكي يا اختي، بت انتي احنا مش لسة هنتساير، اترزعي يلا .
رددت خلفها بهجة بادعاء القلق، وهي تتجه لتجلس أينما اشارت لها:
– يا لهوي، لا هنتساير ولا نسلم، امال هترزع قدامك ليه؟
– عشان احقق معاكي.
قالتها صباح بجدية لا تقبل النقاش، لتجبر بهجة كي تتخلى عن المزاح، فهي لن تتقبله اليوم، لتحاول الأخرى التلطيف معهما:
– في ايه بس يا ريسة؟ كل دا عشان عرفتي اننا عزلنا، طب ما هو دا كان شيء متوقع، انتي عارفة انا من زمان نفسي فيها الخطوة دي عشان ابعد عن عيلة عمي واذاهم لينا .
– عارفة يا بهجة، بس ازاي دا حصل بقى؟ وازاي قدرتي تخبي عليا؟ دا اللي انا عايزة اعرفه يا غالية.
حاولت بهجة التبرير بحجج واهية رغم علمها بذكاء رئيستها التي لا تفوتها التفاصيل الدقيقة:
– ااا اتصرفت، كسبت القضية اللي كنت رافعاها على مصلحة ابويا بقالنا سنين ومن المكافأة اول ما قبضتها، جريت على طول اشتريت البيت قبل عمي ما يحس، عشان كدة فضلت يبقى الامر كوتيمي، لكن طبعا كنت هقولك .
– دا بعد ما تعزلي! ليه يا حبيبتي؟ هو انا كنت من عيلة عمك يا بت؟
صدرت من صباح بقوة جعلتها تُصلح على الفور:
– لا والله يا ريسة، انا كان قصدي ع الكل، مش عليكي انتي مخصوص، والله ربنا بس العالم بمعزتك عندي.
طالعتها صباح بصمت، مضيقة عينيها بريبة زادت من تـ.ـو.ترها، لتردف حازمة لها:
– بهجة بلاش لف ودوران عليا، جيبي من الاخر معايا دا لو ليا عندك معزة زي ما بتقولي، عشان انا عارفة كويس ان انت موقفة القضية بقالك اكتر من سنة، ولا نسيتي ان المحامي كان من طرفي وابن منطقتي، ومعرفني كويس اوي استحالة انك تكسبيها.
هي بالفعل نست ذلك او تناست او ربما هي السرعة وعدm التركيز من جعلاها في هذا الموقف امام امرأة المحنكة وشـ.ـديدة الذكاء كصباح، بل وتفهمها.
– سكتي يعني يا بهجة؟ لو مش عايزة تقولي انتي حرة.
حينما ظلت بهجة على ترددها، نهضت فجأة تجفلها:
– شكلي زودتها، انا بقول اسيبك احسن مع نفسك يا بـ.ـنتي.
– لا استني يا ريسة.
هتفت بها بهجة توقفها فور ان تحركت للمغادرة، لتردف لها برجاء:
– هقولك على كل حاجة، بس وحياة الغالين، بعد ما ت عـ.ـر.في لا تبكتيني ولا تضري نفسك ولا تضريني.
رددت خلفها بعدm فهم:
– وتضريني انا ليه؟….. انتي هببتي ايه يا بت؟
❈-❈-❈
وفي منزل ناصر الدكش
حيث دوى صوت جرس المنزل، حينما كانت نرجس تعمل على اعداد الطعام في مطبخها، وقد خلى عليها وحدها، بعد ذهاب ابـ.ـنتها رؤى إلى جامعتها وزواج البقية، لتجفف يدها بالمنشفة وتتحرك نحو مدخل الباب في ظن منها انها احدى جيرانها، لتفاجأ باخر ما كانت تتوقعه، فتبرق عينيها بذهول تصلب له جــــســ ـدها، عن اي رد فعل
مما اثار التسلية داخل الاخر، ليبادرها معاتبًا:
– ايه يا خالتي مالك؟ شوفتي عفريت؟ ولا نسيتي وش ابراهيم ابن اختك، معلوووم…… عندك حق ما انتي بقالك شهور ما طليتي عليا ولا شوفتيني، حتى بعد ربنا ما كشف الحقيقة وظهرت برائتي، برضو مهنش عليكي تواجهيني ولا تحطي عينك في عيني ، وتقولي معلش يا ابن اختي .
هي في الاصل لا تعرف التصرف في اتفه الامور، فما بالها في موقف كهذا، وهذا الماكر يعاتبها، بل ويرمي عليها ذنب ما حدث.
تلجلجت بـ.ـارتباك لتلطف بحماقتها كي ترضيه، بكلمـ.ـا.ت غير مترابطة:
– ابراهيم ابن اختي…. الف مبروك يا حبيبي خرجت من السـ.ـجـ.ـن ، عامل ايه دلوقتي؟
تبسم بمكر ساخرًا يقول::
– طب بذمتك ينفع السؤال على باب البيت، ولا انتي كمان عومتي على عوم شهد بـ.ـنت جوزك زي بناتك وهتقطعي رجلي من بيتك؟ قوليها يا خالتي ، ما هو دا كان غرضها من زمان، ما كانش العشم.
تحركت على الفور تنزاح بجــــســ ـدها من امامه، تردد بترحيب لا يخلو من تردد:
– اا اتفضل اتفضل، اصل انا افتكرتك وراك مشوار يعني، ولا مش هتقبل تخش البيت بعد اللي حصل.
تقدm يدلف ويسبقها نحو الجلوس وكأنه مالك للمنزل، يواصل عتابه ولومه:
– ما انا فعلا حقي ما ادخلش بعد البهدلة اللي شوفتها على ايد بناتك، ودا طبعا بأوس من وش المصايب شهد اللي بتكرهني كره العمى، بقى انتي تصدقي فيا يا خالتي اقــ,تــل عمي ناصر؟ انا، انااا
سهمت بنظرها نحوه، لا هي بقادرة على تصديقه ولا هي تملك الجرأة على تكذيبه، هذه هي نرجس دائما ما تنتظر رد فعل الآخرين لتنساق خلف الجهة الغالبة وتنساق معها ، لا تحدد ولا تقرر من نفسها ابدا.
– ااا انا مليش دعوة بيهم يا بني، كذا مرة اقولها، ابراهيم مصدقش عليه يعمل كدة، معقول ابن اختي يقــ,تــل راجـ.ـلي ولا ييتملي عيالي ، مش معقول طبعا، ولا ايه يا ابراهيم؟
كانت تتحدث ببلاهة ولكنها اصابت الهدف، حتى طغى عليه ارتباك خفيف استطاع السيطرة عليه سريعًا ليحاول ابتلاع ريقه الذي جف بكلمـ.ـا.تها:
طب انا كنت عايز اشرب يا خالتي عشان عطشت، ولا كمان اتحرم عليا اتعامل حتى معاملة الضيف العادي.
انتفضت تبرر وكأنها مخطئة بالفعل:
– لا يا ابني طبعا، انا هروح اعملك كوباية عصير مانجة بسرعة ورجعالك.
صمت ينتظرها حتى ذهبت الى مطبخها لتعد له كأس العصير، فدارت عيناه في المنزل الذي كان يحتله قبل ذلك، يفرض الشروط ويملي الأوامر وكأنه مالكه، قبل ان تغلبه هذه الملعونة شهد وتقلب الأخرى عليه، امنية .
عند خاطره الاخير تذكر غرضه من الزيارة، ليعود ببصره نحو الهاتف الملقي على احد الارائك بإهمال، فتحرك سريعًا يتناوله ثم بحث داخله حتى وجد اسمها، ليضغط مهاتفًا لها، فجاء ردها سريعًا بالطبع:
– الوو يا ماما، عاملة ايه؟
ظل صامتًا ليستمع باقي استرسالها:
– الوو يا ماما…. انتي اتصلتي وروحتي فين؟
– مامااا ، انتي فين؟ …… يووووه بقى، انا هقفل على ما تتصلي تاني وتنتبهيلي، عايزة اروح اخلص اللي في ايدي عشان الحق اجهز نفسي قبل عصام ما يرجع من الشغل واروح معاه نتعشى عند عيلته، يلا بقى سلام.
انهت المكالمة بعدmا اخذ هو غرضه بسهولة ، ليترك الهاتف محله، ثم يعود الى المقعد الذي جلس عليه سابقا، تعتلي ملامحه ابتسامة خبيثة، فيبدو ان الايام القادmة سوف تحمل له المزيد من المرح دون توقف، وقد عثر اخيرا على مدخله اليها…. عبر والدتها الساذجة.
❈-❈-❈
ركضت سريعًا كي تلحق بها في الممر الطويل قبل ان تخرج من البوابة الرئيسية للعمال، وتذهب الى منزلها وتغادر، لتجذبها من ذراعها وتوقفها قائلة برجاء:
– هتمشي وانتي لسة زعلانة مني؟
حاولت صباح نفض ذراعها منها لتنهرها بغـــضــــب:
– سيبي دراعي يا بهجة.
زادت من تشبثها لتسحبها معها الى زاوية بعيدة عن الممر ، تردف بتوسل:
– ابوس ايدك يا ريسة، اوعاكي تزعلي مني ولا انزل في نظرك ،دا انتي اللي عارفة كويس بظروفي .
اخرجت المرأة تنهيدة مطولة ، لتتكتف لها بذراعيها وقد رق قلبها لها، ولكنها مازالت حتى الان غاضبة:
– من حبي فيكي لازم ازعل يا بهجة، ازعل واغـــضــــب كمان، دا انتي زي بـ.ـنتي يا بت، ومفيش واحدة ترضى دا لبـ.ـنتها.
تبسمت بهجة تأثرًا بقولها لتلقي بنفسها داخل حـ.ـضـ.ـنها، وكأنها ملجأ الأمان لها:
– وانا عارفة ومتأكدة يا ريسة، وعشان كدة السر دا مقولتهوش لغيرك ولصاحبتي المحامية.
– صاحبتك المحامية؟
رددت بها صباح ساخرة، وعقلها مازال حتى الاَن لا يستوعب زواج بهجة من رئيسها وصاحب المصنع الذي تعمل به، هذا الشاب الجـ.ـا.مد المتجهم والذي لا يبتسم إلا نادرًا،
كيف هي قبلت؟ وكيف هو تخلى عن كـبـــــريـاءه وعنجهيته لينظر لواحدة مثل بهجة حتى لو كانت جميلة وتستحق من هو افضل منه، وزواج في النور، ولكنها تعلم بطبيعته، واصله الارستقراطي المستفز في التمسك بالعادات المتوارثة عبر اجيالهم، حتى لو كان زواج بالسر ، هذا الرجل يحمل شيئًا ما بداخله نحو بهجة، ولن تصدق ابدا ما ذكرته لها عن رغبة وكلام اهبل،
نعم فهذه الخارقاء تظن انها مدة وتنتهي، ولا تعلم بأنها سقطت في الفخ .
زفرت بضيق وقد ملت من التفكير، لتتضرع بقلب الام:
– ربنا يسترها معاكي يا بهجة، ويبعد عنك اي شر ، ويحميكي من اذى اقرب الناس ليكي لو الموضوع اتعرف .
فهمت على قصدها لتعقب مستفهمة:
– وهما ليهم ايه عندي تاني؟ انا كدة كدة مقررة ما اعيدهاش ولا اكرر الجواز من اي حد تاني بعد ما تنتهي مدتي مع رياض.
– تاني مدة يا بهجة؟
رددت بها صباح بابتسامة ساخرة ، لتلتف مقررة الذهاب:
انتي مش خلاص خدتي غرضك مني، ابعدي يلا يا شاطرة خليني اروح والحق اتوبيس الشغل ، مروحة معايا انتي كمان ولا ايه ظروفك؟
– لا انا رايحة لمدام نجوان.
قالتها بهجة لتقابلها الاخرى بنظرة حادة، جعلتها تبرر على الفور بعفويتها:
– مسافر والله ، مش موجود اساسا في البلد.
التوى ثغر صباح بابتسامة غـ.ـيظ مرددة:
– وانا مسألتكيش عنه يا هبلة.
❈-❈-❈
في مدينة الملاهي، وبعد قضاءهما معظم الوقت بها، خاض معها معظم الالعاب، حتى تلك الخطرة والتي تتطلب الشجاعة، اضطر ان يجاري اندفاعها ويخوض التجربة معها،
غرفة الرعـ.ـب وتلك الاشياء المرعـ.ـبة كانت تضحكها هي عكسه هو الذي كان يجاهد الثبات بصعوبة حتى لا يظهر خــــوفه الطبيعي كباقي البشر،
لينتهي بهما الوقت الاَن امام كشك المثلجات ليشاركها التناول معها،
عدة ايام مرت وكأنها الخيال، نال فيهم الفرح والسعادة حتى نسى بهم كل شقاء السنوات،
– هتاخد واحد ايس كريم زيي يا شادي، مش هتنكسف؟
قالتها بمشاكسة لا تكف ابدا عنها في حضوره، ليجاريها بقوله:
– قصدك يعني عشان انا مدير فندق ومحترم، فمنظري هيبقى مش لطيف قدام الناس اللي تعرفني من رواد الفندق او الموظفين صح؟
اومأت بهز رأسها، ليردف هو بالعد على اصابعه:
– يااا شيخة، يعني هي جات ع الايس كريم، بعد ما لبستيني القميص المشجر، وصورتيني بالشورت ع البحر وانا مطلع لساني، لا والتاني اللي مركبالي فيها الودان دي بتاعة الارنب، انتي خليتي فيها مدير يا صبا!
اصبحت تقهقه بالضحكات غير قادرة على التوقف، ليلطمها بخفة على جبهتها مرددًا بحزم:
– خلاص بقى اتلمي، فرجتي علينا الناس، ادي عيب اللي ياخدك معاه في مشوار تاني يا صبا .
تخصرت تقارعه بتحدي:
– والله، دا على اساس انك جاي تجضي شهر العسل لوحدك، انا رجلي على رجلك يا شادي، سواء هنا، سواء هناك، او في اي حتة، على جلبك يا شادي والله ما هسيبك .
تقولها بلهفة تجعل قلبه يتراقص داخل صدره، ليته يمتلك الجرأة مثلها تلك المـ.ـجـ.ـنو.نة، لكان احتضنها الاَن وكـ.ـسر اضلعها بشوقه، حتى لا يكف عن تقبيل هذا الثغر الذي نطق بتلك الكلمـ.ـا.ت .
ولكن للأسف، هو مازال حتى الاَن يحتفظ بجزء من عقله، وقد طار معظمه خلفها،
صبا القلب، هي روحه التي وجدها اخيرا.
❈-❈-❈
امام المراَة كانت تصفف لها شعرها، فتخاطبها بغزل ، وقد لاحظت شرودها منذ ان حضرت:
– ايه رأيك بقى في التسريحة الحلوة دي، مع انك صراحة مش محتاجة.
تبسمت لها نجوان هذه المرة ، توميء رأسها برضى، لتفاجأها بتناول الفرشاة ، ثم تشير لها بالجلوس امامها، فهمت بهجة لمقصدها لتعترض ضاحكة :
– لا مش معقول ، انتي قصدك تسرحيلي شعري انا؟ مينفعش.
نهضت تفاجأها لتدفعها للجلوس محلها، فلم تملك بهجة امام اصرارها سوى الإذعان والطاعة، فتنزع عنها طرحتها، ثم تطلق الشعر الطويل ، لتمرر نجوان فرشاتها فتتخلل الخصلات بنعومة، من الاعلي للإسفل، وكأنها تستمتع بذلك، تعدل مجموعة في الامام على الجهتين، تظهر جمال الوجه البهي، فتشرد بطلتها حتى ظنتها بهجة ذهبت لذلك العالم الأخر في عقلها،
لتفاجأها بقولها:
– انتي حلوة .
ضحكت بهجة بعد حالة القلق الذي سيطرت عليها منذ لحظات، لتردد خلفها :
– تاني حلوة، نفسي افهم غرضك ايه من المعلومة دي؟
قالتها وهي لا تنتظر اجابة، كمعظم الحديث معها، ولكن ما حدث من الاخرى اجفلها، حينما دنت فجأة، تهمس بأذنها على حين غرة.
– قصدي انه مش هيسيبك.
توسعت عينيها بذهول، لا تستوعب ما وصل لاذهانها منها، حتى وقفت تسألها:
– هو انتي بتتكلمي زينا، ومين دا اللي مش هيسيبني؟
وكأنها كانت تسأل نفسها ، عادت البراءة تلون وجه الاخرى، لتتلاعب بالقصة الجديدة لشعرها، بعدm انتباه لها، حتى ظنت بهجة انها توهمت:
– يا مدام انا بكلمك، ما هو مش معقول يكون دا بيتهيألي…… ردي ابوس ايدك عايزة اعرف مين المقصود…..
دوى صوت الهاتف فجأة، باتصال دولي بإسمه، لتجد منها ابتسامة غير مفهومة، ثم تحركت نحو العابها وهذا اللوح الإلكتروني، تشغل نفسها به، مما استفز بهجة لتتحرك تاركة لها الغرفة، ثم تضغط على الشاشة وتجيبه:
– الووو.
– الوو يا بهجة عاملة ايه؟
اجابته بتشتت:
– كويسة والحمد لله، انت اللي عامل ايه دلوقتي؟
وصلها الصوت الرخيم يزلزل كيانها:
– انا كويس دلوقتي يا بهجة من بعد ما سمعت صوتك، مش هما ساعات بس اللي مروا عليا في بعدي عن البلد وعنك؟ لكن انا بقولك اهو، حشـ.ـتـ.ـيني و يا بهجة، حشـ.ـتـ.ـيني و اوي.
ما هذا الذي يحدث معها، جرعة من الغزل تسبقها جرعة من الجنون، كيف توفق بين الاثنين؟
– الوو يا بهجة انتي روحتي فين مني؟
تنهدت تستعيد توازنها، لتستجيب باقتضاب قائلة:
– وانت كمان.
وصلها رده بمكر:
– انا كمان ايه يا بهجة؟ وضحي.
ضغطت تغلب خجلها، حتى تستريح من الحاحه:
– وانت كمان وحـ.ـشـ.ـتني.
صمت ولم يجيبها على الفور ، ولكن وصلها صوت انفاسه، ليردف بعد ذلك:.
– الله ، اهو انا دلوقتي مش عايز اي حاجة بعدها، اصبر نفسي بيها على ما ارجعلك يا بهجة، ياريت كان في طيران دلوقتي، مكنتش فضلت دقيقة تاني بعدها.
↚
ذاك الواجب الثقيل المُلزم به، تلك المسؤلية التي تطوق عُنقك ، ولا تجد منها مناصًا ولا يصح منها الهرب، فهو ماضيك وان تنصلت منه، تخليت عن ذاتك.
هذا هو ما كان يشعر به الاَن، وهو يقف خلف السور السلكي، يراقب ذلك الصغير وهو يركض بالكورة مع عدد من فريقه، كي يلحق ويسجل بها هدفا ضد فريق الخصم، لقد كبر عن اخر مرة قد رأه بها منذ سنة تقريبًا، يتكفل برعايته ويرسل المال شهريا ومع ذلك لا يعرفه عن نفسه ولا يتصل به اتصالاً مباشرًا، وكيف يفعل؟ ومن اين يجد العزيمة لمواجهة الاثر المتبقي من الماضي الأليم.
– كنت عارفة انك هتيجي المرة دي. ما هو مش معقول يعني تقضي في البلد يومين ومتشوفش اخوك.
ضغط على عينيه بغـــضــــب خانق، يكبت سعيرًا من نيران تسري بداخله؛ بعد سماع صوتها الذي دوى في اسماعه كفحيح الأفعى ، وتذكيره بالحقيقة التي يود ان يطمسها من تاريخة، ولكنه يعجز عن ذلك.
التف اليها بعد مدة من الوقت، ليُقابل بهذه الابتسامه الساخرة، متوقعة ان تجد منه الانبهار، بملامح الوجه التي زادت عليها بعدد من التعديلات كنفخ الشفاه وبعض الاجزاء من بشرتها، كي تزيد من انوثتها وفتنتها، وكل هذا طبعا من مال ابيه الذي يرسله من اجل شقيقه، وهي كالعادة تبدده بإسرافها،
ليرد على سخريتها بمقت:
– انا فعلا جاي اشوف اخويا، واشوف بالمرة الفلوس، بتوصله، ولا بتروح على عيادات التجميل الخاصة بوالدته.
عبست ملامحها بإجفال لتلميحه السخيف في نظرها، لترد بحدة؛
– وافرض بيروح جزء منها على عمليات التجميل لوالدته، ما هو انا ليا حق برضو، مش كفاية اني قابلة على نفسي ان اكون منفيه عن بلدي واتلقي صدقتك ليا ولاخوك كل شهر.
رد يفحمها بفظاظته:
– بلاش ترسمي دور الضحية، عشان النفي دا كان اختيارك من الاول يا ناريمان، انتي فضلتي تبعدي، وتخدعي الناس بأنك مـ.ـو.تي عشان غـــضــــب عيلتك، تعيشي هنا في احلى مستوى بالحرية اللي انتي عايزاها بفلوس بتجيلك كل شهر من غير تعب……..
زفر انفاس خشنة اطلقت دخانا من انفه بتهديد خفي هي فقط من تعلمه:
– حاولي تحافظي كويس على اَدm وتاخدي بالك منه، عشان دا الخيط الوحيد اللي مخليني صابر على كل أخطاءك، لو طاله أي اذى حتى لو كان نفسي، انا مش هرحمك، والحنفية اللي مفتوحالك مش هتطولي منها مليم واحد بعد كدة.
– انا مسمحلكش يا رياض، لأني لا بغلط ولا بعمل اي حاجة تضر ابني، ولا انت عايز تلاقيلي أي حجة وخلاص؟
هتفت بها مدافعة، ليقابلها مرددًا باستهزاء:
– لا انا مش عايز اخدها حجة لاني مش هحتاج اساسًا وقت ما احب انفذ اللي في دmاغي، انا بتكلم ع الغراميات، مع ناس موظفين وطلاب جامعة….. طب حتى اعملي حساب انك كنت متجوزة واحد من نسل الباشوات، ازاي الواحدة ترخص من نفسها كدة؟
لقد صفعها بفظاظته، حتى شعرت وكأنه مطرقه اهتزت لها رأسها، تبًا له من قاسي لا يعرف الرحمة بنقده ولا بتقدير وضعها كامرأة وحيدة، ولكنها ليست بالهينة حتى تصمت على اهانته:
– يعني انت جاي تحاسبني عن علاقه انتهت من ٦ اشهر مع مدير البنك اللي كان هيمـ.ـو.ت ويتجوزني لولا انا مرضيتش عشان خاطر ابني،
اما بقى عن طالب الجامعة، فدا مسكين ابن جارتي ، اعمله ايه؟ بيحبني وبيمـ.ـو.ت فيا رغم فرق السن، انا طبعا مدتلوش ريق حلو، لكنه بيطادرني في كل حتة ومبيزهقش، مش ذنبي اني جميلة يا رياض، جميلة وصغيرة كمان، انا مفرقش عنك غير سنة واحدة لو تفتكر، يعني في عز شبابي.
عنـ.ـد.ما ظل على جموده يحدقها بصمت، تابعت هي كي تؤثر في عاطفته:
– انا يمكن بيضيع كل فلوسي في اللبس والمظهر، عشان اعوض حرماني من اهلي وبلدي، ولا دي كمان هتعتبرها تمثيل؟
عقب ببساطة ينزع عنها هذا الغطاء الذي تحتمي به:
– محدش ضـ.ـر.بك على ايدك يا حبيبتي، من النهاردة اطلعلك باسبور وترجعي ع البلد دا لو عندك الشجاعة.
ردت بابتسامة تتصنعها لتعقب بصفاقة ليست بغريبة عنها:
– وماله يا قلبي، اخد حبة الشجاعة وارجع اواجه اهلي، وبالمرة كمان اعرف نجوان هانم ان ليها ريحة من المرحوم…… اااه.
صرخت بالاَخيرة حينما باغتها بالقبض على رقبتها ، يضغط عليها بقوة، وعيناه اصبحت كتلة ملتهبة من الجحيم:
– حاولي تكرري تهديدك تاني يا ناريمان، وانا هخليكي تحصلي اللي راح.
حرباء متلونة، حتى وهي في اقصى لحظات ضعفها، وروحها بيده، تبسمت رغم الالم الذي يحيط برقبتها:
– لو تقدر اعملها يا رياض، هبقى مبسوطة اوي انى امـ.ـو.ت على ايدك.
– انتي ايه؟ شيطانة، امـ.ـو.تك بجد عشان اريح البشرية منك؟
mama-
صدر النداء ليدق ناقوس الخطر برأسه، لينزع قبضته عنها بعنف والتف نحو الفتى الصغير ذو السبع سنوات، والذي توقف عن اللعب ليقف مواجهًا له، يفصل بينهم السور السلكي، بنظرة سريعة قطعها على الفور ليحرك اقدامه ويغادر هذا المكان برمته.
حاملا فوق ظهره هذا الهم الثقيل، بفضل هذه المرأة التي كانت السبب في ان يخسر والديه، وقبلهم نفسه.
❈-❈-❈
أسفل الشجرة التي اصبحت مكان التقائهم في وقت الاستراحة، حضرت صباح تحمل بيديها عدد من الشطائر المعدة بمنزلها لانها تفضل ذلك، مع كوبين من الشاي أتت بهم من كافتيريا المصنع، لتشاركها هذه الجالسة بشرود بهم .
تهتف نحوها بصوت واضح كي تلفت انتباهها:
– الشاي، الشاي والسندوتشات يا منيـ.ـلـ.ـة روحتي فين؟
استجابت لها بهجة بابتسامة تتناول الكوبين الساخنين. منها كي تضعهم على المقعد بينهما، وتجلس الأخرى وتضع الشطائر بجانبهم، تدعوها بأمر لا يخلو من مزاح:
– كلي معايا يا بت والهي نفسك بحاجة بدل الفكر اللي خلاكي خسيتي في يومين بس .
شهقة أجفال مكتومة برقت بها عينيها نحوها، لتتحول الى خجل شـ.ـديد، زحفت على اثره السخونة لوجنتيها، فتدرجت بهم الحمرة ، بعدmا فهمت على قصدها، لتنهاها بـ.ـارتباك:
– ايه اللي بتقوليه دا يا ريسة، مش خايفة حد ياخد باله من البنات .
ضحكت لتضع الشطيرة بحجرها مرددة:
– لا يا ختي مش خايفة، انتي اللي شكلك متاخدة، وواضح اوي.
– يالهوي انتي بتتكلمي جد هو انا باين على شكلي اوي كدة؟
تمتمت بها بهجة برعـ.ـب تنقل ابصارها نحو البشر المارة من حولهم، لتشفق عليها، رغم شعورها بالتسلية، فتعلق بمشاكسة:
– باين ايه يا بت؟ هو حد يعرف حاجة، كلي كلي دا انتي جبانة اوي واي حاجة بتصدقيها.
اذعنت لتقضم من الشطيرة قطعة صغيرة مغمغمة:
– الله يجازيكي يا ريسة بتتمألسي عليا عشان متـ.ـو.ترة حبتين .
تأثرت صباح رغم غـــضــــبها المكبوت من الطريقة، ولكنها لا تقوى على التنصل من مسؤوليتها نحوها:
– تتـ.ـو.تري ليه يا ختي وانا جنبك؟ اي حاجة نفسك تسألي فيا، او اي مساعدة انا موجودة، ها، هيوصل النهاردة من السفر؟
اومأت بهز من رأسها وصوت بالكاد يخرج منها:
– محددش الساعة كام بالظبط، بس قالي جهزي نفسك واستعدي النهاردة ليلتنا.
– دا جريء اوي.
غمغمت بها صباح بدهشة تتعدى الذهول، لا تتخيل ان ابن الحكيم يخرج منه هذا الحديث، ولكن لما العجب، فهو بالنهاية رجل وهي امرأة فاتنة حتى لو بشيء قليل من الاهتمام، فما بالها لو تزينت واخذت حقها من الدلال، ولكنها بريئة بشـ.ـدة وهذا ما يثير خــــوفها،
لذلك سارعت في طمأنتها:
– ارفعي راسك يا بهجة وبصيلي، انتي النهاردة هتبقي مسؤليتي.
❈-❈-❈
حينما عادت معها الى داخل المبنى، كانت المفاجأة من نصيبها، وهي تراه امامها يلج من الناحية الأخرى للمبنى، ترافقه اصوات العاملين بالتحية، والتهنئة بعودته من السفر، فكان يأتي رده اليهم باقتضاب كعادته وهو يواصل طريقه، فتلتقي ابصارها بخاصتيه، في انسجام بصري دام للحظات، حتى اكتنفها احساس انه على وشك القدوم نحوها وخـ.ـطـ.ـفها بين ذراعيه.
بالطبع كان هذيان صنعه عقلها ، بدليل قطعه لهذا الحبل الوهمي، ليتوقف امام مصعده، فتنهدت هي بيأس، ذاهبة لمصعدها، المصعد الخاص بالموظفين زملائها، فتذكر الفرق بينها وبينه وتعود لعقلها،
غافلة عن ابصاره التي تعلقت بها من الخلف، حتى اختفت داخل المصعد وصعد بها، اما عنه، فقد كان في حالة من الشوق، تكاد ان تفضحه،
منذ متى تخللت هذه الفتاة روحه و.جـ.ـعلته متعلقا بها بهذه الصورة؟ كيف استطاعت ببرائتها اختراق القلب الجليدي بعد سنوات من تركه متجمدًا ، حتى عادت هي تبث الروح به وتعيده للحياة، حينما يراها يفقد اتزانه ويفقد السيطرة على مشاعره، يومان مروا وهي بعيدة عنه، يتواصل معها عبر الهاتف كلما غلبه الشوق اليها كما يحدث الاَن وقد زاد لأضعاف برؤيتها، قد يتوقف قلبه ان لم يعانقها الاَن وفورا
حينما وصل لطابقه، كانت هي قد سبقته في الخروج من مصعدها متجهة الى الناحية الأخرى في عملها، ليحرك اقدامه سريعًا نحو مكتبه، فتقابله بالطبع لورا التي وقفت على الفور تستقبله بلهفة واضحة:
– رياض بيه حمد الله ع السلامة، امتى وصلت؟
بادلها الرد بابتسامة يتصنعها واقدامه تعرف طريقها نحو غرفة مكتبه، لتلحق به هي ايضا:
– الله يسلمك يا لورا، انا نازل حالا من المطار، يدوب غيرت هدومي وجيت هنا على طول، اخبـ.ـار الشغل ايه؟
كان في الاخيرة قد جلس على كرسيه خلف المكتب، فجاء ردها اليه بحماس:
– كله تمام وبيرفكت، كارم بيه بيجي يطل يخلص المطلوب وانا اكمل الباقي بمعرفتي.
برغم ارتياحه لقولها الا انه كان يجاهد بصعوبة للرد باتزان فعقله المتشتت لا يرى شيئا الاَن غيرها:
– عال عال، انا كنت متأكد اني سايب ورايا اللي يسد، ان كان كارم، ولا انتي يا لورا، كل يوم بكتشف قد ايه تستاهلي ثقتي فيكي.
سمعت منه لتغمر الفرحة قلبها، هذا الفظ حينما يرفق عليها بأقل كلمة ثناء يقلب كيانها بالفعل، فما بالها لو حدث ما تتمناه وتحول للغزل؟
– تحب حضرتك اجيبلك حاجة تشربها، ولا اخليك تطلع على جدول بكل اللي تم وانجزناه في غيابك؟ انا من رأي ترتاح شوية الاول احسن.
سألته بحماس اشتعل برأسها كي تثبت جدارتها اكثر وتنال مزيدا من الاستحسان، ولكنه صدmها بقوله:
– لا يا لورا اجلي كل حاجة دلوقتي وابعتي لبهجة خليها تحضر حالا.
رفرفت اهدابها تستوعب ما التقطته اسماعها، هل هو بالفعل قد اتى بسيرة هذه الفتاة الان؟
– بهجة! بهجة مين حضرتك؟ احنا بـ.ـنتكلم ع الشغل.
اعتدل بظهره لخلف الكرسي يجيبها بثبات وتحدي:
– وانا بتكلم عن بهجة عايز اطمن منها ع الاهم، وانتي فاهمة طبعا .
افحمها بالرد لتغلق فمها عن الجدال، بعدmا اوصل لها انه يريد الاطمئنان على والدته اولا من هذه الملعونة المرافقة لها، لتذعن راضخة لأمره، ثم تخرج الى مكتبها وتطلبها بصفة رسمية.
أتت بهجة بعد لحظات على اثر استدعائها، تهديها ابتسامة صفراء قائلة:
– بلغني ان المدير باعتلي يا أنسة لورا.
اومـ.ـا.ت تشير بكفها نحو مدخل الغرفة بعنجهية وتعالي دون ان تكلف نفسها عناء الرد، فتحركت بهجة نحو ما اشارت لها، تكتم سبة بذيئة، لتطرق بخفة على الباب المثقل فأتى قوله امرًا على الفور:
– ادخل.
سمعت منه، لتدفع الباب وتدلف الى داخل الحجرة الضخمة، فتواجهت معه مباشرة وقد كان واقفا بجوار النافذة، تخاطبه برسمية:
-افنـ.ـد.م حضرتك عايزني في حاجة؟ حمد ع السلامة الاول.
اومأ برأسه واقدامه تتحرك بتأني نحوها،
– الله يسلمك يا بهجة، انا فعلا عايزك، عايزك اوي.
قال الاخيرة وقبل ان تستوعب وجدت ذراعيه التفت نحوها فجأة بضمة هي الاقوى، يقبلها بشوق جارف، حتى انها تخشبت في البداية بين يديه لا تعي بما يفعل، لكن سرعان ما استعادت وعيها لتحاول دفعه عنها، ولكنه كان كالمغيب، يرتشف من شهد ثغرها وكأنها قبلة الحياة، تنعش قلبه ليضخ الدmاء مرة اخرى، حتى صار كالمغيب، غافلا عن مقاومتها حيث كانت تضـ.ـر.ب بكلتا كفيها ليحل وثاقه عنها، ويتركها تلتقط انفاسها،
حتى اذا ارتخت ذراعيه قليلًا نزعت نفسها منه، ودفعته عنها فجأة لتبتعد بمسافة كافية للأمان، فتمُلك اخراج صوتها اخيرا بالاعتراض، رغم عدm انتظام انفاسها بعد:
– انت ازاي تعمل كدة؟…. وفي المكتب!
تقدm خطوة تراجعت قبالها خطوتين للخلف، حتى صدر رده لها بضيق:
– وفيها ايه يا بهجة هو انا غريب عنك؟ ولا انتي نسيتي صفتك ايه بالنسبالي؟
– لأ منسيتش، بس برضو ميصحش.
تمتمت بها سريعًا لتعدل من هيئتها تردف بنبرة ضعيفة اظهرت حـ.ـز.نها رغم اعتزاز شخصيتها:
– الأمر بالنسبالك ممكن تاخده عادي، بس انا مينفعش ومقبلش، انا مراتك على سنة الله ورسوله، مش واحدة…
قاطعها على الفور بصرامة مردفًا:
– بس متكمليش .
هذه المرة كان الاسبق ليلتقطها سريعًا من ذراعها ويقربها منه قائلا بنبرة يتخللها الصدق:
– انتي أغلى واحدة على قلبي يا بهجة، وانا كنت مشتاقلك اوي ومازلت…. مسافر عنك بقالي تلت ليالي ويومين كنتى عايزاني استقبلك ازاي اول ما اشوفك؟.
خجلت لتطرق برأسها ، ولكنه أبى إلا ان يخاطب زمردتيها، ليرفع وجهها اليه من ذقنها قائلا:
– بتخبي عيونك عني ليه؟ انا بسألك تجاوبيني، ولا انا موحشتكيش زي ما حشـ.ـتـ.ـيني و ؟
تاهت الفتاة بعدmا اسرها بمعسول كلمـ.ـا.ته، وكأنه يلقي عليها تعويذة من السحر، يخـ.ـطـ.ـفها من عالمها الى شيء اخر بعيدًا عنها، ذلك العالم الجميل الخفي، محدود العدد عليها وعليه فقط، فيعود اليها مُلحًا بالسؤال:
– عايز اسمعها منك يا بهجة، وحشتك زي ما حشـ.ـتـ.ـيني و ولا لأ؟.
بماذا تخبره؟ وهي يكتنفها العجز في حضرته، تريد التعبير عما يعتربها بقوة ولكنها دائما ما تصطدm بهذه الحقيقية المؤلمة، الغرض الأساسي من زواجهم،
اذا لماذا هو يتطرف بعيدا عن هذا الاتفاق، ويضعها في هذه المتاهة؟
– لدرجادي السؤال صعب يا بهجة؟
اعادها اليه بصوته الرخيم وانامله تمر بنعومة على وجنتيها تفقدها المقاومة وتزيد من تشتتها، لتزيح كفيه عنها قائلة بتعب:
– رياض باشا معلش اعذرني….. المشاعر دي غريبة، والظرف نفسه بتاع الجوازة يخليني….
– مستغرباها؟
اومأت بهز رأسها:
– اه بصراحة، لأن انت من الاول محدد الغرض من الجوازة.
صمت قليلًا ثم اجابها بهدوء وهو يجلس على ذراع المقعد ليُقابلها بعدmا اجلسها على طرف المكتب:
– وافرضي هو كدة زي ما بتقولي، هو دا يمنع اننا نشتاق لبعض ونقول كلام حلو كمان؟
– لحد ما تنتهي الرغبة.
قالتها كإضافة على قوله، لم يعلق عليها، بل ظل صامتًا لتردف هي:
– وبعد ما يعدي الشهر او الشهرين، نفترق وكأن ما في شيء كان، صح؟
مال بجذعه نحوها سائلًا:
– ومين اللي قال شهر ولا شهرين؟ كتبناها شرط في كتب الكتاب مثلا؟
صارت تطالعه بازبهلال قابله هو بابتسامة متابعًا:
– بلاش نحط ارقام والحاجات دي يا بهجة، سيبي الأمور تمشي.
– لحد ما تنتهي الرغبة.
عادت بها وكأنها تذكره بها وتذكر نفسها، لتلوح ابتسامة متسلية على طرف فمه دون ان يعلق.
فتستعيد هي بأسها وتحاول النهوض للانصراف:
– انا بقول كفاية كدة عشان اشوف شغلي ولا انت عايزني في حاجة تاني؟
نهض هو الاخر وقبل ان تتحرك بخطوة كان هو الاسبق، ليهمس بجوار اذنها:
– اعملي حسابك هتخرجي من الشغل على بيتنا على طول، عم علي هيستناكي وياخدك ، وهناك هتفهمي كل حاجة .
بحرج صارت تسيطر عليه بصعوبة:
– ومدام نجوان؟ ما هي ممكن تسأل عن سبب غيابي.
اقترب منها قائلا بصوت يذيب الحجر:
– متشيليش همها انا هلاقيلها حجة كويسة، المهم زي ما قولتلك.
وقبل ان تجادل مرة اخرى، اجفلهما فتح الباب ، وصوت كارم يدوي:
– انا جيت على طول اول ما قالولي انك رجعت من السفر و……
قطع الكلمـ.ـا.ت على طرف لسانه وكأنه ظبطه بجرم ما رغم عدm وجود ما يبرهن ذلك، لكن درجة القرب بين الاثنان هي ما جعلته يتوقف، ولعلمه التام بشخص رياض المتحفظ، والذي امتقعت ملامحه، ليطالعه بغـــضــــب مكتوم يأمرها:
– خلاص روحي انتي يا بهجة واعملي زي ما قولتلك .
تحركت على الفور تتوجه نحو باب الخروج امام ابصار كارم والذي رافقها بعيناه حتى غادرت، غير منتبهًا لذلك الذي كان يعض على نواجزه غـ.ـيظًا وتعقد حاجبيه بغـــضــــب يجاهد لإخفاءه، حتى انتظره ليقترب معانقًا له عناقًا رجولي، تقبله بشيء من عنف لم يخفى على ذاك الداهية، ليتبسم ويلاطفه بمكر :
– براحة يا عم، هو انت لدرجادي مشتاقلي؟
ابتسامة صفراء ارتسمت على ثغره في رد له:
– الظاهر كدة فعلا، بس انت مقولتليش انك في المصنع كنت جيتلك بنفسي اسلم عليك؟
جلجلت ضحكة صاخبة من كارم وهو يجلس مقابلا له :
– ما انا لسة واصل يا عمنا، وعلمت بس لما وصلت، اندفعت افتح الباب من لهفتي عشان اسلم عليك، حتى ما استنتش استأذن لورا، شكلك وحـ.ـشـ.ـتني بجد يا صاحبي.
رد في محاولة لمجاراته:
– وانت كمان يا كارم، عرفت من لورا انك مكنتش مقصر، انا بجد بشكرك.
– لا مفيش داعي للشكر يا سيدي، احنا شركا، يعني دا شيء عادي ما بينا.
غمغم بها كارم، ثم عض على شفته السفلى مردفًا بفضول ماكر:
– بس دي اول مرة اشوف حد من الموظفين عندك.
كان متوقعًا سؤاله، ورغم غـــضــــبه الشـ.ـديد، الا انه استطاع السيطرة عليه، ليجيب بنبرة جعلها عادية:
– لا دي بهجة مش موظفة عادية، كنت بسألها عن ماما.
– بتسأل على مامتك ليه؟….. ايه ده؟ لتكون دي جليستها الجديدة اللي قولت انها من عمال المصنع.
اومأ بضجر ، يكتنفه النـ.ـد.م الشـ.ـديد لذكر هذا الامر
امام شخص مثل كارم، والذي واصل بابتسامة رائقة:
– بس بصراحة انا استغربت، البـ.ـنت شكلها ميدلش خالص انها بتشتغل، حلوة اوي زيادة عن اللزوم بالنسبة لواحدة في ظروفها.
– متتكلمش عنها كدة يا كارم احترم نفسك.
صدرت منه بصيحة بضـ.ـر.بة قوية بكف يده على سطح المكتب اجفلت الاخر، لكن سرعان ما اثارت ابتسامة متسلية داخله ، ليخفف بمزاح:
– ايه يا باشا انا مغلطتش، انا بس بقول رأيي .
– متقولش يا كارم، عشان انا مبقبلش بالكلام ده خالص، لا عليها ولا على غيرها.
صدرت منه بحدة جعلت الأخر يصمت على الفور، وبداخله يجزم ان هذه الفتاة لها مكانة خاصة لدى هذا المتحفظ الغامض، اخيرا قد وجد له صلة ما بصنف النساء، لقد كاد ان يراوده الشك في هذا الأمر.
❈-❈-❈
بنسخة يملكها، وضع المفتاح في مغلق الباب الخارجي، ليدفعه بعد ذلك بعدmا تمكن من فتحه، ثم يلج داخل الشقة التي هلت منها رائحة ما فور دخوله، ليواصل تقدmه متأففًا بضجر، وعيناه تجوب على الاثاث والوضع الكارثي الذي حل به من اهمال، حتى صار يثير الازدراء.
أعقـ.ـا.ب سجائر منتشرة على الارض في كل مكان يدعس عليها بأقدامه أثناء سيره، عدد كبير من اكواب الشاي احتلت الطاولة امامه ، ملابس هنا وهناك.
تتبع مصدر الرائحة النتنة حتى ساقته قدmيه الى المطبخ، ليصطدm بجبل الاطباق المتسخة في حوض الغسيل، وفي جانب ما على الارض، اكتظت سلة المهملات بالقمامة وبواقي الطعام الملقاة بها، حتى اختمرت وتجمعت حولها الحشرات.
لم يحتمل اكثر من ذلك ليرتد باقدامه للخلف ، ضاغطًا بإصبعيه على أعلى فتحتي منخاره مغمغمًا:
– اف، الهي يقرفك يا بن الخايبة خلفة تعر.
توجه بعد ذلك على الفور نحو غرفة النوم التي كانت مفتوحة من الاساس، ليجد ابنه كما توقع غافيًا على تخته كالأموات.
نائمًا على وجهه بالعرض