رواية عينيكي وطني وعنواني كاملة جميع الفصول

رواية عينيكي وطني وعنواني هي رواية رومانسية  والرواية من تأليف امل نصر في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية عينيكي وطني وعنواني لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية عينيكي وطني وعنواني هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية عينيكي وطني وعنواني تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة

رواية عينيكي وطني وعنواني كاملة جميع الفصول

رواية عينيكي وطني وعنواني من الفصل الاول للاخير بقلم امل نصر

دلفت لداخل غرفتها بخطواتٍ مثقلة وموجة من الغضب تحتاجها بعنف.. من وقت ان سمعت من ابيها اسم الجار الجديد لشقتهم .. وعقلها يرفض بشـ.ـدة استيعاب هذه المفاجأة الغريبة .. كلما دار بمخيلتها ان هذا البغيض اصبح جارها والباب امام الباب اقشعر بدنها وتحفزت كل خلايا جسدها بشراسة نحوه.. 
وصلت الى شرفة الغرفة فوقفت تنظر للأسفل على هذه السيارة الكبيرة والمخصصة لنقل الاثاث .. فى أعلى السيارة من الخلف كان واقفاً يُساعد العمال او من تبرع من اهل المنطقة في حمل قطع الاثاث لنقلها فى تجهيز الشقة .. مشمراً اكمام قميصه الاسود وكاشفاَ عن ذراعيه القويتان على بنيان جسده العضلي ..ملامح وجهه الرجولية الجذابة على شعر راسه الفاحم السواد .. لفتت انظار معظم الفتيات والنساء فى المنطقة ممن وقفن في شرفاتهن او من تمهلت اثناء سيرها وهي تحدق بعيناها عليه كالبلهاء ..الوغد الملعون مازال محتفظاً بجماله الخاطف للأنفاس وتلك الهالة الجاذبة لكل صنف مؤنث.. غصة مريرة ابتلعتها في حلقها حسرة على من زُهقت روحها هباءاً ..فتمتمت بحرقة وهي ترتد للخلف عائدة حتى سقطت بتعب على طرف تختها 
- فاتن !!
.............................
توقف بسيارته على أطراف الحي الضيق تنتابه الحيرة.. فى التقدm الى الميدان الكبير حيث السكن الجديد لأخيه ووالدته.. ام التراجع كي لا يكسب عداء ابيه الغاضب على خروج زوجته من منزله وابتعادها عنه في تحدي واضح لارادة الزوج الكهل والمتزوج حديثاً بفتاة بعمر أبناءه ..بحجة مرض الزوجة وعدm مقدرتها على تلبية طلباته واحتياجاته..زفر حانقاً من تردده على اتخاذ قراره فى امر هام كهذا .. فهو لم يكن ابداً من محبي التصادm والاحتجاج عكس اخيه الكبير الذي نشأ على تحمل المسؤلية منذ الصغر ولديه حق الاعتراض او التمرد اذا لزم الأمر .. اما هو فكان دائماً المدلل من ابيه ووالدته .
ترجل من سيارته ليستنشق بعض الهواء النقي فى الخارج فالتقطت اذانه بعض الهمهمـ.ـا.ت النسائية القريبة منه .
- يالهوي على القمر يابت ايمان ..امـ.ـو.ت انا .
- دا بينه غريب يامنيـ.ـلـ.ـة على عينك .
تصلب مكانه مسترق السمع كاتماً بصعوبة ابتسامته .
- هو فعلاً شكله غريب عن المنطقة من نظافته وحلاوته ؟
- او ممكن يكون اجنبي ياشروق ؟
- تصدقي صح يابت الحلاوة دي فعلاً تدي على اجنبي 
لم يستطع الصمود اكثر من ذلك فالتفت اليهم برأسه فجأة اجفلهم ..ظهر الارتباك جليا على قسمـ.ـا.ت وجههم وهن يسرعن بخطواتهم تتخطيانه .. تتهامسان بصوتٍ خفيض .
- يانهار اسود دا بابينه سمعنا.
اسرعن بخطواتهن امامه فى الجهة الأخرى من الشارع وهن يكتمن ضحكاتهن ..ظل هو ساكناً في مكانه وتابعت عيناه سيرهم حتى خروجهم من الحي .. كان يبدوا من مايرتدينه من ملابس ومابيدهم من دفاتر انهم فتياتٍ جامعيات ..الاولى كانت نحيفة بشعرها الاسود على بشرة رقيقة وبيضاء ..لم يلتفت جيداً عليها وذلك لتعلق نظراته بالفتاة الثانية ..ذات الوجه المستدير بالملامح البريئة والتي اختلطت بشقاوة فطرية ..ظهرت بوضوح حينما استدارت برأسها اليه بابتسامة رائعة قبل ان تخرج من الحي وتختفي هي وصديقتها .
..............................
- انتي كنت فين ياماما؟
التفتت سميرة على صوت ابـ.ـنتها وهى تدلف لداخل المنزل..فعدلت عن دخول المطبخ وذهبت اليها فى الصالة الصغيرة وسط المنزل وهي تقول :
- ابلة فجر ..اخيراً يااختي صحيتي وخرجتي من اوضتك..مش بعادة يعني تتأخري في نومتك كده ؟
انتظرت فجر حتى جلست والدتها على الاريكة بجوارها فقالت بتـ.ـو.تر :
- لا ما انا كنت راجعة من شغلي تعبانة وراحت عليا نومة .
نظرت اليها والدتها بتفحص تسألها :
- انتي فعلاَ شكلك متغير ..هو ايه اللي تاعبك بالظبط ؟
ازاحت كف والدتها عن وجهها برفق قائلة :
- ياماما دول كانوا شوية صداع وراحوا لحالهم..المهم انا خرجت من اوضتي مالقتش غير ابراهيم بس هنا فى البيت قبل مايخرج هو كمان ويروح السنتر ..هو انتوا رحتوا فين ؟
- يعني هانروح فين يعني؟ اختك لسه مارجعتش من جامعتها وانا طلعت بصنية أكل للجيران الجداد ارحب بيهم ....
قاطعت والدتها قائلة بحدة :
- نعم!! وانتي توديلهم أكل ليه ان شاء الله؟ هما كانوا قرايبنا ولا لينا بيهم سابق معرفة. 
صاحت عليها سميرة بحنق :
- في ايه يابت مالك ؟ هو انتي هاتبصي على اللقمة كمان ؟ دا الراجـ.ـل وامه العيانة ملخومين فى ترتيب العفش.. نسيبهم جعانين احنا بقى عشان مش قريبنا ولا نعرفهم .
اخفضت نبرة صوتها تحاول تخفيف حدتها فى القول:
- ياماما انا مابصيتش فى لقمة ولا حاجة ..انا بس مش عايزة يبقالنا علاقة كده من اولها مع ناس غريبة عننا ومنعرفهاش .
- غريبة دا ايه بس يافجر ؟ دول ناس ولاد اصول يابـ.ـنتى وولاد عز كمان.. والست الكبيرة تتحط على الجـ.ـر.ح يطيب بس المرض بقى هدها والراجـ.ـل جوزها مـ.ـا.تحملش تعبها قام متجوز عليها عيلة من دور عياله من غير مايراعي شعورها ولا احساسها ..لكن ابنها بقى ربنا يحرسه لشبابه مخلصوش قهرة والدته .. خرج بوالدته يعزل بيها وترك لوالده الجمل بما حمل .
سألت فجر مندهشة :
- وانتي لحقتي ت عـ.ـر.في دا كله امتى ياماما؟
- من والدته نفسها..ماانا قعدت معاها والكلام جاب بعضه دا حتى والدك كمان اتعرف على ابنها اسم النبي حارسه علاء ..حتة شاب انما ايه حاجة تشرح القلب ..دا ابوكي معجب بيه اوي .
فعرت فاهها مذهولة :
- حاجة تشرح القلب!! لدرجادي ياماما ؟
- بكرة تشوفيه وت عـ.ـر.في بنفسك .
تنهدت سميرة بصوت واضح قبل ان تقوم  من جوارها وهى تتابع :
- انا قايمة اغسل المواعين اللي اتكومت فى الحوض وبالمرة احضرلكوا حاجة للعشا.
نظرت فى اثر والدتها وهي تتمتم بصوت خفيض:
- دا على اساس اني لسة ماعرفتوش !
اجفلت مخضوضة على صوت صفق الباب وشقيقتها تدلف هاتفة بمرح :
- يالهوي يالهوي على جارنا الجديد يابت يافجر طول وعرض ولا نجوم السيما بالظبط ..شوفتيه ولا لسة ؟
اغمضت عيناها بتعب وهي تحرك رأسها بيأس :
- شوفته ياشروق شوفته .
على اقرب المقاعد ارتمت شروق وهي تتسائل بحالمية:
- هو انا ايه حكايتي النهاردة مع الرجـ.ـا.لة الحلوة ؟
.................................
في الشقة المجاورة وتحديدا بداخل الغرفة القريبة من غرفة فجر تناولت زهيرة دوائها واستلقت لتنام على التخت الجديد .. بعد ان تمكن الارهاق وتعب اليوم فى نقل الاثاث وترتيبه من جسدها الهزيل .. رفعت رأسها على صوت الطرق الخفيف على باب الغرفة فرحبت بابتسامة قائلة:
- ادخل يانور عيني انا لسه صاحية. 
فتح الباب فازداد اتساع ابتسامتها وهي تراه يتقدm لداخل الغرفة نحوها حتى جلس بجوارها على طرف التخت فتناول كف يدها يقبلها بحنان:
- معلش بقى تعبتك معايا النهاردة ياست الكل .
زمت شفتيها بحنق قائلة :
- تعب ايه ياواد اللى تعبتوا ؟دا انا اَخري كنت بشرف وبس على العمال اللي انت اجرتهم مخصوص يوضبوا الشقة .. انا حتى ملحقتش اوضب الهدوم فى الدولاب. 
قال مازحاً وهو ينظر للحقائب الموضوعة ارضاً :
- وماله ياست الكل ارتبهم انا من عنيا دا انت تؤمري. 
لكزته بقبضتها على ذراعه قائلة بحزم محبب :
- ملكش دعوة بهدومي ياقليل الادب انت ..انا هارتب حاجتي بنفسي .. بس بكرة الصبح بقى احسن انا النهاردة خلاص.. 
تثائبت وهي تقاوم نومها فتابعت 
- المهم بقى انت قدرت تلاقي محل هنا فى المنطقة ولا لسة 
قبل جبينها قائلاً :
- نامي انتي دلوقتي وريحي جـ.ـسمك .. وبكرة ابقي اسأليني براحتك بقى .
كررت بأصرار :
- يابني انا معاك اهو ..قولي بس لقيت محل ولا لأ ؟
اجاب يأساً :
- ياستي انا خدت فكرة النهاردة من السمسار عن بعض المحلات الجديدة والفاضية فى المنطقة وبكرة بقى ربنا يسهل ونعتر على واحد كويس .. المنطقة هنا عمومي ومهمة يعني ربنا يجعلها فاتحة خير علينا ان شاء الله . 
كان يتكلم بأسهاب فلم يعي الا متأخرا ان والدته استسلمت لسلطان النوم ولم تعد منصتة له .. ظل  بجوارها لبعض اللحظات متأملاً وجهها الجميل..لقد كانت والدته فائقة الجمال فى شبابها ببشرتها الحليبية وعيناها الخضروان .. كانت من اجمل فتيات الحي حينما تزوجها ابيه ابن الحسب والنسب وصاحب اكبر محل أدوات صحية .. ولكنها أصيبت ببعض الأمراض المزمنة مبكراً كالسكر والضغط والاَم الظهر والعظام .. في البداية كانت محاطة برعاية زوجها واهتمامه ولكن مع مرور الايام زال الاهتمام والرعاية رويداً رويداً حتى تلاشى تماماً وانتهى اَخيراً بزواجه من عاملة فى المحل.. نيرمين.. كلما تذكرها وتذكر الاعيبها المكشوفة عليه قبل ان تفقد الأمل منه وتنصب شباكها على ابيه فتوقعه فى شركها ..فارت الدmاء بعقله وجسده فزفر بضيق على احساس العجز الذي تمكن منه فى التصدي لها.. مسح بكف يده على وجهه يحاول تهدئة اعصابه .. ثم تناول غطاء الفراش ودثر والدته جيداً وقٌبل رأسها قبل ان ينهض من جوارها ليستنشق بعض الهواء النقى فى شرفة الغرفة علّه يهدأ النار المشتعله فى صدره ... اخرج عبوة السجائر فسحب واحده ووضعها فى فمه وهم باٍشعالها بقداحته ... ولكنه وقف باهتاً وارتخت يداه حينما لمح هذه الجميلة الواقفة فى شرفة الشقة المجاورة... كانت ملتفة بشالها تنظر للأمام  وخصلات شعرها الحريري تتطاير بنعومه فى الهواء ... يبدو انها كانت شارده مما سمح له بتأملها لفتره مبهوراً حتى اللتفت هى عن غير قصد لتجفل اليه فاشتعلت نظراتها وهى تنظر اليه كنمرة متوحشة .. انتفضت لتخرج من الشرفة على الفور ... فابتسم بتسليه وهو يشعل سيجارته وهو ينفث دخانها فى الهواء باستمتاع.. تمتم وهو يبتسم مع نفسه :
- دي باينها هاتبقى فل ان شاء الله.
.............................
تقطع الغرفة ذهاباً واياباً على قدmيها بغير هوادة من وقت ان رأته بهذا القرب وهو ينظر اليها بكل وقاحة بداخل شرفته القريبة من شرفتها ..ونار من الغضب المكبوت اشتعلت بأحشائها تمزقها بعنف وشراسة.. لقد كانت بالكاد قد تناسته عنـ.ـد.ما خرجت لشرفتها مستسلمة لنسمـ.ـا.ت الجو البـ.ـاردة والمحببة اليها فى هذا الطقس ..لتجده فجأة امامها مقتحماً خصوصيتها.. حاولت تنظيم انفاسها لتخفيف هذا الشعور البغيض الذي انتابها بقلة الحيلة والقهر ..انقذها رنين الهاتف برقم تعشقه بعشق صاحبته.
اجابت بهدوء. 
- الوو ..
وصلها الصوت المحبب بمرح:
- الوو .. انتي فين ياعنيا ؟ ماسمعتش صوتك من مدة يعني ؟ .
تبسمت بخفة قائلة :
- مدة ايه بس ياسحر ؟ دا احنا اليوم كله مع بعض فى المدرسة .
- ماهو ده اللى مجنني يابـ.ـنتي .. انك ترجعى من شغلك وتقعدي الفترة دي كلها من غير ما تزعجينى باتصال واحد حتى يبقى انا كده اقلق بقى.
صمتت قليلاً قبل ان تجيبها :
- لا مـ.ـا.تقلقيش ياسحر انا بس كنت مصدعة وخدتني نومة لهتني عن ازعاجك. 
وصلها صوت صديقتها القلق .
- لا يافجر .. انا بعد ما سمعت نبرة صوتك دي بقيت متأكدة ان في حاجة بجد تعباكي مش هزار ..هاتقدري تتكلمي فى الفون ولا تصبري للصبح عشان الوقت اتأخر دلوقتي على الخروج .
اومأت برأسها تقول 
- اشوفك بكرة ياسحر في المدرسة ان شاء الله تصبحي على خير. 
بعد ان نهت المكالمة مع صديقتها الحبيبة .. استلقت على فراشها تبتغي النوم والراحة قليلاً عن ما يدور برأسها. 
.......................
فى الجهة الاَخرى بعد ان انهت مكالمتها اللتفت مرة ثانية للتصحيح فى كوم الكرسات المتناثرة امامها على طاولة المكتب بعد اختبـ.ـار الشهر الذي فاجئت به طالبات الفصل بالامس ..بدون سابق إنذار 
رفعت رأسها على صوت حفيف فستان قادm مع وقع خطوات كعب حذاء عالي بداخل الغرفة ورائحة العطر النسائي الذي تعلمه جيداً .
- هااا ايه رأيك ؟
فغرت فاهها وتدلى فكها بذهول وهي تري والدتها تلتف امامها بفستان سهرة بالون الفضي مطرز ببعض حبات الخرز على الصدر .. فانعكست اضاءة الفستان مع حبات الخرز على وجه المرأة الابيض وهي تبتسم بتفاخر و تسأل بالحاح:
- هاا ياسحر ..ماقولتيش رأيك فى الفستان ايه ؟
فاقت من ذهولها وهى تضـ.ـر.ب بكف يدها على سطح المكتب قائلة:
- عايزاني اقول رأيي فى ايه ياماما ؟ فى سنك ده ومكانتك كموظفة محترمة فى القطاع الحكومي لابسالي فستان بترتررر؟
شهقت رجاء تتخصر امامها مستنكرة:
- وماله سني ياعنيا ؟ كبرت بقى ولا عجزت دا انا اعرف ناس فى سني ولسة مااتجوزوش ..وان كان على الاحترام فانا محترمة غـ.ـصـ.ـبٍ عن الكل ..يعني البس ترتر ولا مشخلع حتى ماحدش له عندي حاجة .
عضت سحر على شفتيها تكتم غـ.ـيظها قبل ان تسأل:
- طيب ولما هو كده زي انتي مابتقولي ..عايزة رايي فى ايه بقى ؟
قالت رجاء بتوسل :
- عيزاكي تقولي رايك بجد فى الفستان وانا لابساه من غير ما ترمي كلامك الدبش كده فى وشي .. انا ماليش هنا فى البلد دي غيرك ياسحر عشان اسأله فى حاجة ضروري زي دي ..فرح بـ.ـنت اخويا قرب و عايزة اللحق اجهز نفسي بقى .
- ماشي ياماما حاضر. 
كظمت امتعاضها بصعوبة وهي تستجيب للابتزاز العاطفي من ناحية رجاء ..فالقت نظرة متأنية على مـ.ـا.ترتديه لتفحصها جيدا قبل ان تبدي رأيها ..الفستان لم يكن سئ بأكمله .. فقد كان منسدل على قوامها المتناسق بنعومة ..بالإضافة ان قماشه لم يكن بالضيق الذي يجعله يلتصق بجسدها .. تنهدت بيأس حتى وجدت ضالتها اَخيراً وهى تنظر على منطقة الخصر ..فابتسمت داخلها بخبث لتجيب والدته بكل ضمير:
- بغض النظر عن الترتر ياست ماما .. فلو نظرنا نظرة شاملة على الفستان هانلاقيه طويل واكمامه طويلة دا غير انه كمان لايق عليكي بس ياخسارة بقى فيه عيب مهم قوي .
سألتها مجفلة :
- ايه هو العيب اللى فيه؟
- كرشك 
- نعم !!
- بقول الحق ياماما ..كرشك ظاهر قوى فى الفستان .
تنهدت رجاء بغـ.ـيظ وهو تتمتم بصوت خفيض :
- ماشي تمام ..هنلاقيله صرفة ان شاء الله .
سألتها ببرائة:
- هاتشفطي كرشك ولا توسعي الفستان ؟
هتفت  عليها حانقة :
- مالكيش دعوة .. انتى قولتي رأيك وكتر خيرك على كده ..المهم بقى امتى هاتجهزي انتي كمان وتشتري حاجة عدلة عشان فرح بـ.ـنت خالك .
- هي غنوة ياماما وعايزاني اغنيها؟ماقولتلك مش رايحة فرح الزفتة بـ.ـنت خالي ولا راجعة البلد دي تاني نهائي ..هو انتي ايه مازهقتيش ؟
رفعت رجاء طرف فستانها وهي تردد مع خروجها من الغرفة بتصميم:
- لا مازهقتش ياسحر وهاتروحي الفرح معايا يعنى هاتروحي الفرح .
بصوت عالي صاحت هي الأخرى كي تسمعها :
- وانا قولت مش رايحة الفرح يعني مش رايحة الفرح واما اشوف كلمة مين بقى فينا اللي هاتمشي؟
....
على طاولة صغيرة بوسط المنزل اعدتها زهيرة مائدة للأفطار فوضعت عليها بعض الاصناف الخفيفة من الطعام بالإضافة لبراد من الشاي الساخن ..كانت تهتف على ابنها:
- ياللا بقى ياعلاء كفاية نوم يابني ؟
خرج لها من غرفته يجفف شعر راسه بمنشفة صغيرة قائلاً :
- ياست الكل انا خرجت اهو والنعمة..كفاية بقى تندهي عليا هاتصحي العمارة كلها معانا. 
قالت ضاحكة:
- ماانا كنت فاكراك لسة نايم ياحبيبى ..مكنتش اعرف بقى انك صحيت وخدت شاور كمان .
اقترب منها يقبل أعلى رأسها قبل ان يجلس على المائدة قائلاً :
- ولا يهمك ياحبيبتي..صباح الفل عليكي. 
- صباح الفل والورد كمان على احلى علاء 
قالتها وهي تجلس هي الاَخرى تشاركه وتابعت تسأله :
- صحيت بدري لوحدك يعني؟ ماارتحتش فى مكانك الجديد ولا ايه؟
وضع لقيمة كبيرة من الجبن قائلاً بمكر:
- بصراحة بقى ياأمي انا فعلاً مقدرتش انام في الاوضة الجديدة دي اصلها مقفلة كده وعلى شارع خلفي بجد ماستريحتش فيها ..عكس اوضتك انتي بقا بتطل على الميدان والمناظر الحلوة. 
قطبت قائلة بدهشة:
- ما هو دا كان رأيك انت يابني..لما قولت انك عايز الهدوء ..بعيد عن دوشة الناس والعربيات. 
اومأ برأسه قائلاً بـ.ـارتباك :
- هو فعلاً كان دا رأيي في الأول ياست الكل..بس بصراحة امبـ.ـارح وانا فى أوضتك حسيت براحة نفسية كده..جعلتني اتمنى انها تبقى اوضتي .
قالت بحنان :
- ياحبيب قلبي مدام عجباك اوي كدة يبقى نبدل بقى وخدها انت وانا ياسيدي اَخد أوضتك .
تبسم بانتعاش وهو يتناول كف يدها ويقبلها :
- تسلميلى ياست الحبايب انتي دايماً كده مريحاني في أي حاجة اطلبها .
نهض عن مقعده فجأة يقول :
- اسيبك انا بقى واقوم البس عشان يدوبك احصل مشواري مع السمسار .
لاحقته بنظراتها قائلة :
- ربنا يريح قلبك ياحبيبى ويفتحها فى وشك دايماً .
اوقفته فجأة قبل ان يفتح باب حجرته وهي تسأله بلهفة وتردد:
- هو اخوك حسين مـ.ـا.تصلش بيك ياعلاء ؟
التف اليها قائلا بابتسامة مطمئنة :
- ولو ما اتصلش ياأمي برضوا هايجي ويطمن عليكي..حسين طيب وانا عارفه كويس .
قالت بحـ.ـز.ن :
- حتى بعد ما قولتلوا ياجبان ؟
ازداد اتساع ابتسامته:
- اطمني ياأمي .. هو بس اللى أخره عنك خـ.ـو.فه من زعل الوالد لكن خليكي متأكدة انه هايجي.
.............................
كانت فجر تلملم اغراضها على عجالة فى الحقيبة الصغيرة لها كي تلحق دوام عملها فى المدرسة حينما دلفت اليها شقيقتها شروق سائلة بتعجب :
- ايه دا ؟ انتي لسه ماروحتيش الشغل يافجر ؟ دي الساعة قربت على ٨ .
قالت باستياء:
- والنبي سيبنى فى حالي ياشروق .. طول اليل معرفاش انام امبـ.ـارح لحد ماصليت الفجر وبعدها بقى عوضت وراحت عليا نومة لدرجة اني ماحسيتش بصوت المنبه. 
سألتها بمشاكسة:
- وياترى ايه اللى اَخد عقلك بقى لدرجة انه طير النوم من عيونك ياابلة فجر ؟
لوت شفتيها بحنق وهي ترتدي سترتها الجلدية قبل ان تخطوا للخروج تقول:
- مش هارد على واحدة تافهة زيك. 
ضحكت شروق تتناول قلم الحمرة لتلوين شفتيها وهي ناظرة فى انعكاس شقيقتها فى المراَة التي كانت خارجة من الحجرة فقالت بمرح:
- والنبي مسيرك لتقعي يافجر .
عادت اليها فجأة قائلة بتحذيرٍ ومزاح :
- خفي شوية على صباع الروج ياماما دا مال يتامى .
.............................
فتحت باب الشقه لتخرج فاصطدmت عيناها به مباشرةً امامها وهو خارج ايضاً من شقتهم .. تنحنح فى البداية وهو يلقي عليها التحية :
- صباح الخير. 
تجهم وجهها ونظرت اليه نظرة تحدى وازدراء .. توقع ان ترد اليه تحية الجار الجديد لكنها مرت من امامه تتخطاه لتنزل الدرج وكأنها لاتراه ! عقد حاجبيه وفغر فمه دهشةً من جرأتها ..ظل لبعض اللحظات ينظر فى اثرها مصدوماً من فعلتها .. همس ذاهلاً بصوت خفيض :
يابت ال .... دى مـ.ـجـ.ـنو.نه دى ولا ايه عشان تعمل كده مع المعلم علاء ومـ.ـا.تعبروش ؟!
هز رأسه يبتلع الأهانة وهو ينزل خلفها يتميز غـ.ـيظاً منها ومن عجرفتها عليه دون سبب واضح او قد يكون السبب هو غضبها امساً حينما اجفلت عليه وهو ينظر اليها من شرفته مستغلاً غفلتها..ولكنه ماذا يفعل فقد سرقته اللحظة امس وهو ينظر اليها كالمسحور ولم يعي بالزمان ولا المكان ولا الأصول والأعراف .. تنفس بغضب وهو يقسم بداخله انها لو كانت رجلاً لرد بتهشيم وجهها .. وجهها الذى يشبه القمر لايدرى لماذا يشعر كأنه رأها سابقاً ؟!
اما هى فقد أحست بنشوى غريبة فى احراجه . كانت تشعر مع سماع خطواته خلفها وكأن نظراته تنفذان عبر ظهرها وصوت انفاسه الهادره تصل اليها بوضوح وهى تتصنع البرود والغطرسة أمامه .
............................
وفي مكان اخر 
بداخل المحل الضخم والمخصص لبيع الأدوات الصحية ..كان المعلم أدهم المصري مستنداً بمرفقيه على ركبتيه وهو يتلاعب بسبحة يده فى جلسته على الكرسي ..وقد تركزت عيناه على مدخل المحل دون كلل بأمل كاذب فى انتظاره..رغم علمه الكبير بتشـ.ـدد ولده حينما يقرر ..لقد ورث علاء معظم جينات ابيه شكلياً وداخلياً ايضاً خصوصاً صرامته القاطعة فى اتخاذ القرارت مهما كانت صعبة او مصيرية .. لطالما افتخر به واحبه اكثر من حسين الذي ورث عن والدته الطيبة الزائدة كما ورث لون عيناها ايضاً وبشرتها البيضاء .. اعتدل يضـ.ـر.ب بكف يده على فخذه وهو يزفر بضيق ..يتساءل فى حل لهذه المعضلة الشائكة..لقد تزوج وانتهى الأمر .. لكنه ايضاً يريد زوجته الحبيبة وأولاده فى كنفه فماذا يفعل ؟ واين هو الحل ؟
خرج من شروده على صوت هاتفه برقم زوجته الثانية نرمين التي بمجرد ان فتح المكالمة قالت بتذمر :
- الوو ..كده برضوا يا أدهم تسيبني نايمة وتخرج من غير مـ.ـا.تصحيني حتى ؟
قال بصوتٍ خفيضٍ حازم وعيناه تدور فى المحل حتى لا يلفت اليه نظر العمال او حتى الزبائن :
- وطي صوتك يانرمين مش ناقصين فضايح .
وصله صوتها بميوعة:
- طب ولو وطيت صوتي يعني؟ هاتسيب المحل وتيجي تشوفني و تراضيني وانت عارف كويس اني لسة عروسة جديدة ودا حقي ؟
تحمحم بـ.ـارتباك قبل يتدارك نفسه فقال بصرامة:
- بقولك ايه انا ورايا مشوار ومش فاضيلك دلوقتي .. استني لما ارجع البيت نبقى نتعاتب براحتنا. 
- مشوار ايه ؟
نهض فجأة وقد حزم امره :
- بعدين بقى اقولك لما اشوفك سلام .
...............................
في المدرسة وبداخل احدي الفصول بعد ان انصرفت الفتيات لحضور حصة الألعاب في الفناء الواسع ..كانت فجر جالسة على احدي المقاعد فى الفصل الفارغ وسحر الجالسة بجوارها على نفس المقعد تسألها بجديه:
- انتي متأكدة ان هو نفسه؟
اجابتها بثقة :
- دا انا لو اتوه عن الدنيا كلها لايمكن اتوه عنه .
- مش يمكن حد يشبهله؟
بشبه ابتسامة قالت :
- يشبه فى الشكل والاسم كمان ؟ في ايه ياسحر ؟ اشحال ان ماكنت حاكيالك بكل اللي حصل ؟
رفت برموشها تستوعب جيداً قبل ان تقول:
- بصراحة صدفة غريبة جداً ؟ يعني صاحبنا ده ساب البلد كلها وضاقت عليه عشان مايلاقيش غير عمارتكم ويسكن فيها ؟
تنهدت بسأم قائلة:
- ياستي حسب ما سمعت من امي انه اختار عمارتنا عشان بتطل على ميدان ومنطقة عمومي مناسبة يفتح فيها محل أدوات صحية زي والده .. وبنفس الوقت يبقى قريب من والدته ويراعيها. 
- ياسلام !!
قالتها سحر بتهكم وتابعت :
- لدرجادي هو بيحب والدته يعني ؟ غريبة فعلاً واحد بالأخلاق دي ويتصرف كده .
تبسمت بمرارة :
- امال لو شوفتي امي وهي بتوصف فى جماله وشبابه ولا اعجاب والدي بيه عشان نصر والدته ومخلصوش قهرتها ولا نظرة الستات ليه فى شارعنا ولا اكنهم شافوا رجـ.ـا.لة قبل كده .
سالت دmعتها بخطٍ رفيع على وجنتها وهي تتابع :
- عايش حياته يافجر وربنا ماانتقمش منه زي ما كنت بتمنى وادعي عليه .
اقتربت تربت بكف يدها على ظهر صديقتها قائلة :
- هدي نفسك شوية يافجر مش كل الأمور بتمشي زي مااحنا عايزين ..ربنا له تدبير مختلف عننا فى تخليص الحقوق. 
هتفت بانفعال :
- يعني امتى بس ياسحر العدل يتحقق والمذنب ياخد عقـ.ـا.به ؟ لحد امتى هايفضل الضغيف بس هو اللي يدفع التمن والقوي يعيش ويتمتع و......استغفر الله العظيم .
اومأت سحر متفهمة ثورة صديقتها وحـ.ـز.نها وهي تناولها محرمة ورقية لتجفف دmاعتها قبل ان تسألها مجفلة :
- الا صحيح يافجر هو عرفك ؟
هزت اكتافها وهي تمط بشفتيها تقول :
- بصراحة مش عارفة .
...................................
- ها يامعلم علاء ايه رأيك؟
طاف بعينيه على المساحة الشاسعة و الفارغة و الحوائط المطلية حديثاً فأومأ ببعض الرضا 
- كويس ياعم حودة المحل بس السعر اللي انت عارضه غالي قوي .
قال الرجل متشـ.ـدقاً :
- وانا ايه ذنبي بس يا معلم علاء ..دا صاحب المحل هو اللي محدد السعر ده عشان زي ماانت شايف كدة المنطقة عمومي والبشر فيها زي النمل يعني لقطة وعلى العموم لو مش عاجبك المحل فى غيره فى الناحية التانية من الميدان برضوا ..اهم حاجة راحتك .
بنظرة متفحصة لداخل المحل وخارجه شعر ببعض الرضا وهو يرى شرفة الشقة الجديدة امامه..حتى يتسنى له رؤية والدته عن قرب وهو يتابع اعماله .. مع بعض التسلية لرؤية شرفة الشقة المجاورة امامه مباشرةً..ترى ماذا سيكون رد فعل صاحبتها المتعجرفة حينما تراه امامها الاَن لو خرجت بالصدفة؟
عاد من شروده على صوت السمسار وهو يُقاطع افكاره:
- ها يامعلم علاء ايه رايك بقى ورسيت على انه محل ؟
بابتسامة عريضة قال :
- خير ياباشا .. بلغ صاحب المحل ده بالموافقة عشان نخلص النهاردة ياريت.. وعمولتك هاتخدها مني مقدmاً .
هلل الرجل فرحاً:
- على بركة الله ..انا هاتصل بالراجـ.ـل دلوقتي عشان نجهز العقود مدام انت فلوسك جاهزة وربنا يجعلها فاتحة خير عليك ..
.............................
كانت زهيرة منهمكة فى تريب ملابسها داخل الخزانة بعد ان تبادلت الغرفة مع علاء ابنها ..حينما سمعت صوت جرس المنزل..تركت مابيدها وذهبت بخطواتها البطيئة وهي تتحامل على ألألم المزمن لعظامها وظهرها .. فتحت الباب فتسمرت مذهولة حينما وجدته امامها  ..قال بصوته الرخيم:
- ايه يازهيرة انتي هاتسيبني واقف كدة على الباب ؟ مش ناوية تقوليلي اتفضل ؟
تراجعت للخلف مستاءة من لهجته المتهكمة وهي تدعوه للدخول :
- اتفضل ياحج البيت بيتك .
خطى لداخل المنزل وعيناه تطوف على كل تفصيلة فى ارجاءه :
- هه ياماشاء الله.. شقة واسعة على الطراز القديم لكن  شكلها يفرح وتفتح النفس ..انتي لحقتي كمان توضبيها ولا... ؟
قال الاخيرة بنظرة ذات مغزى عليها وهو يجلس على اقرب المقاعد ويتابع :
- ولا شكله كده جابلك ناس تساعدك ؟حكم انا عارفه ياحبيب ابوه بيخاف على صحتك من الهوا
زفرت حانقة تردد خلفه:
- أكيد طبعاً بيخاف عليا وجابلي ناس تساعدني يامعلم وهي فيها حاجة دي ؟
- لا مافيهاش حاجة يازهيرة إن ابنك يخاف عليكي و يجيبلك ناس تساعدك..بس ياريت بقى تفتكري انتي كمان إني انا والده وليا حق عليه زيك .
تنهدت بنزق وهي تجلس على الأريكة امامه وقالت:
- بقولك ايه حج مـ.ـا.تجيب من الاَخر وقولي عن سبب الزيارة الكريمة دي؟
قال بجدية :
- عايز ابني يا زهيرة يرجع لحـ.ـضـ.ـني من تاني يسندني ويقف جمبي ..دا طول عمره دراعي اليمين اللي بعتمد عليه .
فتحت فاهها تنتوي الرد ولكنه سبقها يتابع 
- عارفك هاتقولي انك مش ممانعة..لكن انا هاجيب من الاَخر زي ما قولتي ..ابنك لايمكن هايصفالي طول مانتي زعلانة ومنشفة راسك يازهيرة ..الجواز كان هايحصل هايحصل سواء كانت بت صغيرة ولا واحدة كبيرة عنها ..انا بقالي سنين متحمل تعبك وعمري ما اشتكيت ..ماينفعش انتي تيجي على نفسك بقى دلوقتي وتتقبلي الضرة؟ البيت واسع و....
قاطعته بحدة قائلة :
- لأ ماينفعش يا أدهم .. حتى لو كان البيت يساعي الف ..برضوا مش قابلة الضرة ..انت بتعايرني وتقول انك اتحملت تعبي لكن من جواك عارف كويس اني رغم تعبي ده ياما أتحاملت على اَلمي عشان ارضيك .. فبلاش النغمة دي والنبي ..انت راجـ.ـل البت زغللت عيونك واتجوزتها على ام ولادك .. انت حر ..وانا كمان حرة اني مابقلش على نفسي بالضرة .
ظل لعدة لحظات ينظر اليها صامتاً بوجه صارم وغير مقروء قبل ان ينهض قأئلاً بقسوة غير مبالي بتأثير كلمـ.ـا.ته على المرأة :
- ماشي يازهيرة خليكي كده على عِندك وانتي فرحانة بابنك اللي ضمتيه لحزبك .
تحرك خطوتين قبل ان يتابع :
- بكره بقى لما يتجوز المحروس ويشوف حياته مع واحدة تنسيه الدنيا ومافيها ..مش هتلاقي غير بيت جوزك بس اللي مفتوح يازهيرة .. لكن انا ساعتها هاعمل بأصلي واخلي مراتي اللى هي ضرتك تشيلك فى عنيها .. عن اذنك بقى ياام الرجـ.ـا.لة. 
خرج على الفور دون ان يلتفت الى المرأة التي شحب وجهها وتسمرت في جلستها بعد ان اصابتها كلمـ.ـا.ته فى مقــ,تــل عن اكبر مخاوفها بان تعود اليه خاضعة مستسلمة له ولزوجته .
...........................
عادت سميرة من الخارج محملة بأكياس الخضر والفاكهة التي ابتاعتها من السوق فى جولتها الصباحية اليومية .. كانت على وشك فتح باب شقتها حينما رأت الرجل المهيب بحلته الأنيقة وهو خارج من شقة جارتها الجديدة متجهم الوجه وكأن على رأسه الطير ..قطبت سميرة دهشًة من عبوس الرجل لدرجة تركه باب الشقة مفتوحاً . انتابها الفضول والريبة ايضًا لمعرفة كنية الرجل وصفته ..فتحركت تلقائيًا ناحية الشقة المجاورة تاركة اكياسها ارضًا .
طرقت بخفة على الباب المفتوح :
- ياام علاء ...يامدام زهيرة ..ياام علاء .
حينما لم تسمع رداً دفعت الباب بتوجس وهي تهتف بصوتٍ أعلى .
- يامدام زهير......يانهار اسود .
دلفت مندفعة لداخل المنزل حينما رأت المرأه امامها جالسة ورأسها متدلية على كِتفها وكأنها غائبة عن الوعي.. اقتربت بلهفة تربت على وجنتيها وهي تهتف بلوعة :
- يامدام زهيرة ..ياست ام علاء .
رفعت رأسها الثقيلة بصعوبة وهي تجيب المرأة بضعف هامسة :
- ايوة ايوة انا هنا متخافيش ياختي .
بلعت سميرة ريقها قائلة ببعض الارتياح :
- الحمد لله يااختي انك بخير ..هو انتي ايه اللي تاعبك ؟
قالت بصعوبة :
- معلش والنبي هاتقل عليكي .. ممكن تسندينى ادخل اوضتي اريح فيها على سريري 
- انتي تؤمري ياختي.. الف بعد الشر عليكي .
قالتها وهي تلف ذراعيها حول المرأة تساعدها بالنهوض .
...........................
تعجبت فجر من مشهد أكياس الخضر والفاكهة وهي ملقاة بأهمال أسفل باب الشقة المغلق .. ازاحت الاكياس قليلاً لتفتح بمفتاحها وهي تتمتم:
- هي ماما راحت فين وسابت الاكياس مرمية كده ؟ 
هزت رأسها لاستنتاجها الاكيد بانشغال والدتها بالحديث مع احدى الجارت ..فتناولت الأكياس وهي تدلف لداخل المنزل وفور دخولها بهم المطبخ .. تفاجأت بصوت والدتها وهي تصيح 
- ياولاد ..هو مين فيكم اللي رجع ودخل الاكياس؟
خرجت اليها مجفلة تقول :
- انا اللي دخلتهم ياماما ما تقلقيش ...
- طب كويس تعالي .
على حين غرة جذبتها من كفها تسحبها للخارج..هتفت فجر بجزع:
- انتي سحباني ومودياني فين ياماما؟
- يابـ.ـنتي هاخليكي تقعدي جمب جارتنا ام علاء تاخدي بالك منها على مانزلت انا اجيبلها دكتور من العمارة اللى ورانا .
جذبت كفها صائحة بحدة وهي توقفها :
- ام مين ؟ انا مش متعتة من مكاني ولا داخلة شقة الناس الغريبة دي نهائي .
نهرتها سميرة قائلة بعنف :
- في ايه يابت؟هو دا وقت قنعرة برضوا ؟ الولية شكلها ميطمنش واخاف اسيبها لوحدها يجرالها حاجة على مااجيب لها الدكتور .
تخصرت تسأل بازدراء:
- والمحروس ابنها بقى ..سايبها كده تعبانة وراح على فين؟ .
- هو لو ابنها موجود ولا اعرف حتى نمرته ..كنت احتاجتلك يامنيـ.ـلـ.ـة ..اتحركي يابت اخلصي خلينها نلحق الولية . اتحركي .
انصاعت مضطرة لوالدتها وهي تسحبها بعنف تدخلها منزل الد اعدائها ..
.................................
تركتها سميرة مع المرأة المريـ.ـضة وهي مستلقية على فراشها بداخل غرفة نومها بعد ان عرفتها عليها سريعاً ..
تململت فجر بعدm راحة وهي واقفة بوسط الغرفة مكتفة ذراعيها تحسب الوقت فى انتظار عودة والدتها بالطبيب و التي لم يمر على خروجها سوى دقائق قليلة.. 
هامسة لنفسها:
- الله يسامحك ياماما على دي الورطة .
حدقت بعيناها على المرأة الغائبة عن الوعي والتي لم يترك الزمن اثاره عليها رغم تقدm عمرها ومرضها.. مازلت محتفظة بجمالها وهي تبدوا مليحة القسمـ.ـا.ت رغم شحوبها .. شعرت نحوها ببعض الاعجاب والتعاطف نهرته سريعاً حينما تذكرت ابنها ومافعله قديماً مع فاتن..فتصلب فكها للذكرى وارتعشت شفتيها تتنهد بحرقة رغم مرور عدة سنوات على ماحدث .
اجفلت على صوت المرأة وهى تزوم وتحرك رأسها :
- اممم ...علاء .
ضغطت على اعصابها وهي تقترب من فراش المرأة:
- ااا انا مش علاء يااخالتي ..انا فجر بـ.ـنت جارتك سميرة .
فتحت المرأة اجفانها فظهرت عيونها شـ.ـديدة الخضرة أثارت اعجاب فجر بشـ.ـدة .
قالت بصوتٍ ضعيف وهي تستفيق :
- ايوه صحيح يابـ.ـنتى انا افتكرتك ..هي والدتك راحت فين ؟
- والدتي راحت تجيب دكتور عشان يشوفك .
قالت بحرج :
- يادي الكسوف تلاقيها خافت و قلقت عليا .. بس انا الغلطانة عشان نسيت اَخد حباية الضغط النهاردة.. هاتعبك يابـ.ـنتى ممكن تجيبلي البرشام بتاعي من الاوضة التانية .
دنت فجر منها تقول بامتعاض:
- ازاي يعني ؟ هو انا هاعرفه منين ؟
- هاتلاقيه فى اول اوضة عالشمال ..يمكن بس اتنتر مني فى الارض ولا على السرير وانا برتب الاوضة .
زفرت بضيق وهي تدلف لداخل الحجرة التي طل من شرفتها وجه هذا البغيض ..المدعو علاء ..مشطت بعينها على أنحاء الغرفة الأنيقة ذات الاثاث الحديث.. كل شئ مرتب فيها ولا يوجد له فيها اثر من ثياب ولا حتى عطر يخصه ؟
رمشت بعيناها تذكر نفسها لما جاءت من أجله.. اخذت تدور وتبحث عن علب الدواء حتى رأته اسفل المقعد المنجد .. فدنت على ركبتيها تتناوله وتتحقق منه جيداً قبل ان تنهض به لتعود إلى المرأة.. ولكنها بمجرد ان استدارت شهقت مفزوعة حينما رأته امامها بطوله الذى حجب الرؤية ووجهه الوسيم بخطورة فقال بتسلية :
- ايه شوفتي عفريت قدامك !
-خارج كده ورايح فين ياحسين ؟
التف بجسده على صاحبة الصوت مجفلًا وعيناه اشتعلتا غضبًا من جرأتها في سؤاله .. فقال بنزق :
- وانتي مالك انتي عشان تسأليني؟
خطت امامه وسط الصالة بمئزرها الحريري والذى اظهر سيقانها اسفل المنامة التي غطتها بالمئزر فقالت بنعومة مستفزة:
- يعني الحق عليا اني بسأل عشان اطمن ومقلقش عليك لو اتأخرت .. دا السيد الوالد موصيني اوي اني اَخد بالي منك واراعي راحتك .
كبح جماح نفسه بصعوبة عن الرد عليها بما يليق بها وهو الذي اشتهر دائمًا بحلمه وطيبته السمحة لكن مع هذه المرأة المتبجحة و التي اخذت مكان والدته .. سيطير كل ما تعلمه ونشأ عليه هباءًا ...قال مابين اسنانه:
- وانتي واخدة بالنصيحة قوي ..عشان كده خرجتي من اوضتك بسرعة توقفيني قبل ما اخرج من باب البيت وتسأليني ..طب راعي الأصول الاول والبسي حاجة عدلة بدل ما انتي واقفة كده قدامي بالروب والقميص. 
قالت بخجل مصطنع وهى تلملم أطراف المئزر:
- يووه عليا دا انا مخدتش بالي.. بس انت مش غريب ياحسين..انت ابن جوزي ..ربنا يحفظه ويخليه. 
حاول السيطرة على حركة فكه وصدره يصعد وبهبط مع تنفسه بخشونة وقال :
- بقولك ايه يااسمك ايه انتي.. انا مش قابل سؤالك ولا قابل حتى كلام معاكي وتاني مرة اياكي اشوفك لابسة كده بالمنظر ده قدامي سمعاني .. عن اذنك بقى .
استدار عنها يخرج بسرعة صافقًا باب المنزل بقوة لدرجة اهتزت بها الجدران .. تخصرت تنظر في اثره ضاحكة وهي تتمايل بخطواتها ..حتى توقفت امام مراَة معلقة فى الحائط .. تنظر إلى صورتها الجميلة بتفاخر وهي تتلاعب بشعرها العسلي بفعل الاصباغ وملامح وجهها التي زادتها المساحيق جمالاً فوق جمالها .. يليق بها الثراء وهي تستحق بعد حياة مليئة بالعوز والشقاء والإهانة والإستغلال .. ولكن يبقى شئ واحد فقط ينقُصها .. ينقصها هو ..هو فقط !!
.................................
حينما دلف الى منزله والذي بالصدفة وجد بابه مفتوحًا كان محبطاً لسبب غير مفهوم له .. فمنذ ان راَها أمس بشرفتها وهي اخذت حيزاً غير هين من تفكيره طوال الليل فى جمالها الخاطف ..وهي واقفة بشرفتها وشعرها يتطاير حولها .. مشهد يغري اعظم الرسامين لتسجيله وياليته كان شاعراً حتى ليصفه بالكلمـ.ـا.ت .. فيأتي الصباح لتصدmه بمعاملتها المتعجرفة والمتكبرة.. فأطاحات بالباقي من عقله طوال اليوم .. حتى انه تمنى بشـ.ـدة رؤيتها الاَن بشرفتها وهو عائد للبناية او حتى صدفة كالتي حدثت صباحاً .. فتأتي المفاجأة  ليراها الاَن بغرفة نومه !! 
لم تصدق عيناه رؤيتها فى البداية وهي جالسة على ركبتيها تتناول علبة دواء اسفل المقعد بمشهدٍ اغراه لحبس انفاسه حتى وقفت والتفتت اليه لتشهق مخضوضة .
- ايه شوفتي عفريت قدامك؟
قالها وعيناه تلاحق ملامح وجهها المزعورة من رؤيته بتسلية شـ.ـديدة .. ظلت لبعض اللحظات فاغرة فاهها بصدmة وهي تحدق بعيناها عليه متلاحقة الانفاس ..ثم مالبثت ان تستعيد رشـ.ـدها لتهتف عليه بقوة :
- ايه ياجدع انت؟ داخل زريبة ..مش تتنحنح الأول ولا تعمل اي حركة ؟
قال ببساطة:
- واتنحنح واعمل صوت او حركة ليه؟ انا داخل بيتنا اللي بالمناسبة لقيت بابه مفتوح  .
صاحت بعنف وقد فقدت السيطرة على اعصابها:
- اه ..ودا يخليك بقى تقف تبص على جارتك من غير خشا ولا حيا .
ضيق عيناه بتفكير قائلًا :
- انت بتتكلمي عن ايه بالظبط ؟ عن وقفتي فى البلكونة امبـ.ـارح لما شوفتك وتنحت ثواني ابصلك من غير قصد ولا ودخولي دلوقتي أؤضتي وانا شايف بـ.ـنت جميلة وزي القمر فيها .. وبرضوا اتسمرت من المفاجأة وماقدرش اتكلم ولا طلع اي صوت .. بس يكون فى علمك انا في المرتين ملحقتش برضوا ابصلك كويس عشان تبقي عارفة .
توسعت عيناها بذهول من جرأته واجاباته الغير متوقعة فقالت بعدm استيعاب:
- انت بتقول ايه؟
صمت قليلًا محدقًا بعيناها التي أثارت نظرتها رعشة بداخله فقال بابتسامة ساحرة :
- بصراحة مش عارف .
فجأة انتابها شعور بالصدmة والإرهاق دون سبب واضح لها ..فهذا الرجل الخطير حتى في ابتسامته البسيطة .. هو قادر على زلزلة كيان اعظم النساء واقواهم .. فما بال فاتن !
قالت بتعب لإنهاء الجدال معه :
- طيب حضرتك ممكن توسعلي عشان انا عايزة اروح بعلبة الدوا دي للست التعبانة جوا ..ممكن ؟
- امي انا تعبانة .
قالها بجزع قبل يختفي من امامها سريعاً بالذهاب الى والدته كي يراها ويطمئن عليها .. همست فجر غير مصدقة ما يحدث:
- يانهار اسود ..دا ايه هو ده ؟ياعيني عليكي يافاتن .
...................................
وقفت بعلبة الدواء متسمرة وهي تراه جالساً على طرف الفراش بجوار والدته يهتف عليها  بخـ.ـو.ف وكأنه طفلٌ صغير :
- ايه ياأمي مالك ؟ انا سايبك كويسة ايه اللي جرالك بس بعد ما مشيت  ؟
قالت زهيرة بصوت ضعيف ممررة كفها بحنان على وجهه:
- ياحبيبي مـ.ـا.تقلقش عليا ..انا بس نسيت اَخد حباية الضغط النهاردة ..دلوقتي اَخدها واقوم وابقى زي الفل .
نهض سريعًا عن الفراش من جوارها قائلًا :
- لا ياأمي الكلام دا ماينفعش.. انا هانزل حالًا اجيبلك دكتور يشوفك ويطمني عليكي.
اوقفته فجر ممتعضة حينما هتفت عليه والدته ترجوه الأنتظار:
- أمي نزلت تجيب الدكتور ..فياريت يعني تستنى دقايق .. هي أكيد على وصول .
قالت زهيرة برجاء:
-، والنبى ماله لازمة الدكتور..انا بس اشرب حباية الضغط ودلوقتى ابقى زي الفل ..هو انتي لقيتي علبة البرشام يابـ.ـنتى؟
قالت الاَخيرة مخاطبة فجر التي همت لترد ولكن اوقفها صوت والدتها الذي اتي قريباً من داخل المنزل وقد جاءت ومعها الطبيب
..........................
ترجلت شروق من سيارة الأجرة امام البناية التي تقطن فيها وهي تسرع بخطواتها وفور ان اعتلت الدرج سمعت خلفها من يهتف عليها :
- ياأنسة ..ثواني حضرتك قبل ما تطلعي السلم .
استدارت على ناحية الصوت فجحظت عيناها من المفاجأة وهي ترى هذا الوسيم الذي رأته بالأمس امام سيارته فى الحارة الضيقة واعجبت به بشـ.ـدة .. يتقدm نحوها الاَن بخفة واناقة غير عادية وكأنه خارج من أحدى مجلات الموضة الرجـ.ـالي .. قال بابتسامة رائعة وهو يخلع نظارته السوداء التى كانت حاجبة عيناه الخضروان :
- السلام عليكم .
وكأنها فقدت النطق ..ظلت تنظر اليه صامتة دون حراك .
ازداد اتساع ابتسامته قائلًا بمكر :
- ايه ياأنسة انا بكلمك ..هو انتي مابتروديش ليه ؟
بكف يدها كتمت ضحكتها الخجلة على وجهها الساخن وقد تحولت وجنتيها لقطعة حمراء ملتهبة .. فقالت بصعوبة :
- يانهار ابيض عالإحراج .. دا انا كنت فاكراك اجنبي .
قال بمرح:
- عشان كدة كنتي بتعاكسي براحتك بقى .. على اساس اني مش هافهمك .
اومأت برأسها وهى مازلت تكتم ضحكاتها وعيناها منخفضة أرضًا ..اعطته الفرصة ليتأملها جيدًا قبل ان تقول اَخيرًا:
- لكن انت ايه اللي جابك هنا عند بيتنا ؟ اوعي تقول انك جاي تشتكيني لبابا عشان عكستك ؟
استجاب لمزاحها ضاحكاً وهو يحرك رأسه بالنفي قائلًا:
- لااا مش لدرجادي يعني ..هو انا اطول واحدة حلوة تعاكسني .
- هزت رأسها ابتهاجًا بأطراءه وهي صامتة .. فتابع هو :
- في الحقيقة بقى انا جاي لوالدتي واخويا هما  ساكنين هنا جديد .. ت عـ.ـر.في المعلم علاء ووالدته الحجة زهيرة ؟
اجابت بحماس :
- معرفهمش ازاي بس ؟ دول جيرانا والباب قصاد الباب .
تبسم بـ.ـارتياح يقول :
- كويييس اوي ده .. ممكن بقى اطلع معاكي ت عـ.ـر.فيني الشقة؟
.........................
خرج علاء مع الطبيب الذي قام بفحص والدته ليستفسر عن حالتها ويتلقى منه النصائح والارشادات لعلاجها ومراعتها فظلت معها سميرة التي دثرتها جيدًا وهي تتحدث معها بعفويتها:
- الف سلامة عليكي يا ام علاء ..ربنا مايرقدلك جتة تاني ابدًا
قالت زهيرة بامتنان :
- تسلميلى ياختي ..انا مش عارفة بصراحة هاقدر ارد جميلك دا ازاي ؟ انتي والمحروسة بـ.ـنتك ..ربنا يحفظهالك يارب .
تبسمت سميرة بمودة قائلة :
- في ايه بس ياام علاء ؟ لو مكنش الجيران يلحقوا بعض فى وقت زي ده..يبقى ايه لزمتهم بقى ؟ دا المثل بيقول ..الجار قبل الدار ..بس انتي لازم تراعي لنفسك وبلاش الزعل يااختي..اديكي شوفتي بنفسك الزعل بيعمل ايه .. ودا كلام الدكتور مش كلامي .
تنهدت زهيرة قائلة بحـ.ـز.ن :
- ودي نعملها ازاي بس ؟ دا الزعل ورانا ورانا مهما حاولنا نهرب منه .
- لا ياام علاء .. انا عارفة ومتأكدة ان الراجـ.ـل اللي خرج من عندك هو السبب في زعلك .. هو دا يبقى جوزك يااختي ؟ اصل بصراحة الشبه بينه وبين سي المحروس علاء ابنك كبير اوي يعني .
قالت زهيرة بقلق وصوت خفيض :
- وطي صوتك والنبي يااختي ..انا مش عايزة علاء يسمع. 
- لا ما انا سمعت خلاص ياماما وفهمت لوحدي السبب اللي خلاك تتعبي كده فجأة .
اجفلت المرأتان على صيحته الغاضبة وهو يدلف اليهم بداخل الغرفة وتابع بسؤال والدته:
- هو قالك ايه بالظبط ياماما وخلاكي تزعلي بالشكل ده ؟
اجابت نافية:
- مقلش حاجة يابني تستاهل ..بلاش تعصب نفسك على الفاضي ؟
- لا قال .
قالها بحدة عاصفة..جعلت الدmاء تهرب من وجه سميرة التي نهضت عن الفراش قائلة بـ.ـارتباك :
- يادي النيـ.ـلـ.ـة السودة .. هو ايه اللي حاصل بالظبط ؟ دا انا شكلي عكيت الدنيا وانا مش دارية؟
حدقت زهيرة الي ابنها معاتبة وهي تومئ برأسها ناحية سميرة:
- عجبك كده ؟
زفر علاء مطولًا وهو يمسح بكف يده على صفحة وجهه ..فقال بلطف :
- معلش ياخالتي سميرة..انا اسف لوكنت احرجتك سامحيني.
- يووه يابني.. اسامحك على ايه بس ؟ دا انت زي ولادي .. انا بس مش عايزة ابقى سبب في مشكلة بينك وبين الراجـ.ـل ده اللي الظاهر كده يبقى والدك .
اومأ برأسه واضعاً يديه الاثنتان على خصره ضاحكًا بسخرية مريرة قائلًا:
- مشاكل ايه اللي هاتبقي انتي السبب فيها بس ياخالتي ؟..هو احنا كنا سايبين بيتنا وحالنا ومالنا وجاين هنا ليه طيب؟ فسحة يعني ؟ دا انت شكلك طيبة اوي ياخالتي .
- الله يحفظك يابني دا من زوقك .
حاول علاء التماسك وكبت غضبه امام السيدة سميرة طوال لحظاتها المتبقية معهم والتي لم تطل كثيرًا .. حينما همت للخروج ..وقام بإيصالها حتى الباب تفاجأ بأخيه حسين امامه كما تفاجأت سميرة بوقوف ابـ.ـنتها شروق معه !!
.........................
ممسكًا بكف والدته يمطرها بالقبلات وهو يرجوها بنـ.ـد.م :
- انا اسف ياأمي سامحيني.. 
بكف يدها وهي على شعر راسه كانت تضمه اليها تبادله القبلات على وجنته :
- مسمحاك ياحبيبى وقلبي راضي عنك دنيا وآخره. 
ضمها اكثر يتنعم بحنانها وهو يردف بحرارة :
- اه ياأمي..وحشني حـ.ـضـ.ـنك اوي .
- ماكفاية بقى احضان ياعم انت واتعدل عشان اتكلم معاك .
اجفل حسين من لهجته المتهكمة:
- الله ياعلاء ..مش والدتي ووحشاني مضايقك في ايه انا بقى ؟
هتف عليك بمشاكسة
- وافرض واحشاك ..هاتفضل بقى كدة لازق فى حـ.ـضـ.ـنها ..مـ.ـا.تنشف ياض .
تبسمت زهيرة بمرح تخاطب حسين :
- اخوك بينكشك ياحبيبي.. دا باينه غيران !
بنظرة ذات مغزى حدق حسين نحو شقيقه مع ابتسامة ماكرة ..أثارت حنق علاء :
- فرحان اوي بكلامها انت عشان جاي على هواك .
اومأ برأسه موافقًا بابتسامة متشفية :
- اوي .
ضحكت زهيرة بسعادة .. اطربت قلب علاء ولكنه تحول للجدية في سؤال شقيقه :
- اخبـ.ـار الوالد ايه ؟ والبت دي عاملة ايه معاك ؟
ذهب العبث عن وجه حسين بمجرد ذكر الاثنان امامه ..لايريد اثارة الشك بقلب اخيه ووالدته لو اجابهم بصدق عن ما يقلقه من هذه المدعوة نيرمين...فقال بجمود :
- ابوك مابشوفهوش كتير والبت دي... اهي ممشية امورها معايا ..طول ماهي بعيدة عني وفي حالها .
بزاوية فمه تبسم بسخرية علاء قائلًا :
- هاتفضل طول عمرك طيب ياحسين طيب ومابتعرفش تكدب!
..................................
( لدرجادي انتي بتحبيه يافاتن ؟
- احبه ..يالهوي عليا دا انا بمـ.ـو.ت فيه ..علاء دا راجـ.ـل ولا كل الرجـ.ـا.لة .. دا حاجة كده ولا في الخيال.. جمال وهيبة وشخصية قوية ..راجـ.ـل حقيقي الست ممكن تتسند عليه والنبي دا انا ساعات كتير بخاف لا اكون بحلم .
- يارب اتجوز واحد زيه ،
- يارب ياحبيبتى وانا اكره .. بس لاا لايمكن هتلاقي واحد زي علاء ابدًا )
اغمضمت فجر عيناها بألم ودmـ.ـو.عٍ ساخنة تحرق مقلتيها .. مع تردد هذه الكلمـ.ـا.ت برأسها دون رحمة رغم مرور اكثر من ١٠ سنوات عليها .. هذا اول لقاء يحدث بينها وبينه عن قرب وترى هذا السحر الفطري لهذا الرجل والذي يجتذب به النساء ليقعن اسيرات عشقه كالعنكبوت حينما تجتذب الفريسة لتمتص رحيقها حتى  لا يتبقى منها شئ صالح للحياة .
طرق خفيف على باب غرفتها جعلها تستقيم بجلستها وهي تمسح دmعاتها سريعًا لتعود لواقعها هاتفة :
- ادخل .
دلفت شقيقتها وهي تضحك بمرح قائلة :
- اسكتي يابت ياشروق ..النهاردة حصل معايا .....ايه ده؟ انتي معيطة ؟
قالت نافية بـ.ـارتباك:
- لا طبعًا ..ايه اللي يخليكي تقولي كده ؟
قالت واثقة بوجه جاد ذهب عنه الهزل وهي تجلس بجوارها على الفراش :
- وشك الدبلان يافجر وعيونك الحمرا .. في ايه يابـ.ـنتي مـ.ـا.تقولي على اللي مزعلك ..دا انا اختك واقرب واحدة ليكي .. بعد المضروبة على قلبها سحر .
لكزتها بقبضة يدها على ذراعها وهي تستجيب لمزاحها:
- بس يابت ..مـ.ـا.تقوليش كدة على سحر ..لازعل منك والنبي بجد.
قالت شروق وهي تمط شفتيها :
- ايوة يااختي ما انا عارفة ..صحبية الهم بتاعتكم ..امـ.ـو.ت واعرف مين فيكم اللي ناحسة التانية معاها ؟ اتنين حلوين وزي القمر..يقعدوا ليه من غير جواز مش فاهمة انا ؟
فعرت فاهها مذهولة تقول:
- لا إله إلا الله ..نصيب يابـ.ـنتي ماسمعتيش عن حاجة اسمها النصيب .
- نصيب إيه يافجر؟ دا انتوا العرسان دوبت باب البيت من الخبط عليكم .. ومافيش لاحاجة بتكمل معاكم ..
دا ايه النحس دا اللي متبت فيكم؟
لم تتمالك نفسها اكثر من ذلك فضحكت من قلبها ..على منطق شقيقتها ومزاحها .. وبعد لحظات من الضحك والمرح سألتها شروق بجدية :
- مش هاتقوليلى بقى ايه اللى مخليكي معيطة ؟
تنهدت بثقل وهي تجيبها 
- افتكرت فاتن ياشروق .
نهضت من جوارها فورًاقائلة بضيق :
- تاني فاتن يافجر .. ماخلاص يابـ.ـنتي عيشي حياتك بقى وانسي اللي حصل وكان .. وكفاية بقى انها كرهتك فى صنف الرجـ.ـا.لة كلهم .
صمتت امام شقيقتها غير قادرة على الرد .. فكيف تخبرها ان الماضي عاد وبقوة بمجاورة هذا البغيض ؟ وهي التي لا تعلم من القصة سوى نهايتها !
...............................
خرج ادهم من غرفة مكتبه فرحًا بغير تصديق بما أخبرته به الفتاة الخادmة بحضور فلذة كبده الكبير الى المنزل طالبًا رؤيته ..خلفه كانت نرمين التي كانت اكثر لهفة منه ولكنها كانت بصعوبة تحاول السيطرة على مشاعرها امام زوجها.. تسارعت دقات قلبها تكاد ان تخرج من صدرها وهي تراه واقفًا وسط بهو المنزل الكبير..مرتديًا سترة جلديه على سروال اسود ..جذااااباً بدرجة مهلكة .
- علاء انت جيت ياابني؟
التفت الى ابيه بوجه جـ.ـا.مد بعد ان القى نظرة عليها بطرف عينه وقال :
- شئ طبيعي ان اَجي بيتي ولا انت عندك اعتراض ياوالدى؟
تبسم أدهم وهو يقترب من ابنه مربتًا بكف يده على اكتاف علاء العريضة :
- ابدًا ياحبيبي ماعنديش اي مانع .. واقف ليه ؟ تعالى معايا على الصالون جوا. 
اشار بكفه يوقف والده معترضًا :
- معلش باابويا انا مش جاي اضايف ..انا جاي في كلمتين ورد غطاهم. 
- طب هاتقولهم واحنا واقفين ؟ مش نقعد يابني ونتكلم براحتنا .
هم ليرد على اباه ولكن استوقفته بقولها :
- في ايه بس ياسي علاء ؟ مـ.ـا.تسمع كلام والدك ..هو احنا هانخـ.ـطـ.ـفك ؟
صك على اسنانه قائلًا بحدة :
- متتدخليش انت بين الأهل وخليكي فى حالك ؟ 
صاحت بلؤم :
- كده برضوا ياسي علاء ؟ بس انا اللي استاهل فعلًا عندك حق ..انا خارجة وسيبهالكم خالص عشان اريحكم ..عن اذنكم .
نظر في اثرها أدهم وهي معتلية الدرج قبل ان يلتفت ناظراً لعلاء بلوم قائلًا :
- ليه كده بس يابني المعاملة الجافة دي معاها ؟ هي كانت عملتلك ايه بس ؟ دي غلبانة ويتيمة و ..
قال علاء مقاطعًا والده :
- ماخلاص ياوالدي الله يرضى عنك ..الكلام دا قلته يجي مية مرة قبل كده.. خلينا فى الكلمتين اللي انا  عايز اقولهم .
- كده على الواقف ياعلاء ؟ ماشي ياسيدي كنت عايزني في ايه ؟
قال بتحذير :
- أمي ياحج ادهم يامصري .
سأله ادهم بريبة :
- مالها امك ياعلاء ؟
- امي تعبانة ومش حمل كلامك الصعب..مشكلتك تحلها معايا انا ..امي طلبت الطـ.ـلا.ق وخلاص دي مش نهاية الكون .. سيبها فى حالها بقى وخليك في عروستك اليتيمة والمسكينة .
تنهد أدهم بعمق وغضبٍ مكبوت بعد ان تلاشت الفرحة من وجهه وحل محلها شئ اَخر فقال :
- يعني هو دا اللي جايبك ياعلاء ..مش انك عقلت وعرفت ان ابوك ليه حق عليك زي امك كمان ؟ كبرت ياعلاء ومابقاش حد يهمك ولا تعمله حساب .. بما فيهم ابوك اللي كانت غلطته الوحيدة جوازه على والدتك الست المصونة .. اللي ماصدقت تلاقي اللي يشجعها عشان تهجر جوزها وتسيبه بفضلك .
اكتسى وجهه بغلاف البرود رغم النيران المشتعلة بداخله ..وهو يحاول الحفاظ على ثباته :
- انا مش هارد عليك ياوالدي ونلت فى مواضيع انتهت  .. انا كنت جاي في كلمتين وقولتهم خلاص ..بعد اذنك ياحج بقى ياأدهم .
..............................
خرج من منزل أبيه وكأن الشياطين تلاحقه الى الحارة الشعبية التي نشأ وترعرع فيها .. كان يسير بوجه متجهم وغاضب لما اَلت اليه الأمور بينه وبين ابيه وانقسام العائلة التى كانت مترابطة منذ نشأتها الى ان جاءت هذه الشيطانة دون سابق انذار وفرقت بينهم .
- علاء .. ياعلاء .
التفت على صاحب الصوت الجالس حول احدى الطاولات الصغيرة ملوحاً له ببده واليد الأخرى ممسكة بذراع الارجيلة في المقهى القريب .. زفر بضيق قبل ان يذهب إلى صديق الطفولة.. سعد .. والذي كان احد الأضلع الثلاثة لمثلث الصداقة الذي جمعت بين الاثنان سعد وعلاء  وابن الطبيب الشهير كرم الوالي ..عصام .. والذي انضم اليهم في الجامعة فوطد صداقته معهم لدرجة جعلته يرتاد حارتهم بشكل يومي حتى ظنه الناس من اهلها ..هذا قبل ان تنتهي صداقتهم معه بصورة مأساوية وبفضل امرأة ايضاً !! 
- ايه ياعم ماشي كدة على طول ولا اكن ليك صحاب ؟
- سعد باشا .. معلش راحت عليا وماخدتش بالي  
تعانق الاثنان بحـ.ـضـ.ـن اخوي قبل ان يجلس علاء على المقعد الأخر حول الطاولة .
قال سعد بابتسامة ودودة :
- انت روحت فين ياعم وقولت وعدولي؟
فرك بكفيه على صفحة وجهه قبل ان يجيب صديقه :
- في ارض الله الواسعة ياسعد ..انا لقيتلي شقة كويسة فى عمارة قديمة عند الميدان انا والست الوالدة.. وكلها كام يوم ان شاء واشتغل في محلي الجديد كمان. 
- ياماشاء الله ...ربنا يسعدك ياحبيبى ..بس يعني انت كده هاتسيب ابوك لوحده بعد العمر دا كله ؟ ما بلاش ياصاحبي تنشيفة الدmاغ دي ..دا مهما كان برضوا والدك .
زفر مطولًا وهو ينظر الى صديقه دون اجابة قبل ان يقطع صمته ويستأذن فى الذهاب:
- معلش ياسعد انا مصدع اوي وماليش نفس لأي كلام .. استأذن بقى متاَخذنيش .
نهض سعد معه قائلًا بعتاب :
- هو انت لحقت تقعد ياعلاء عشان تمشي بالسرعة دي؟
- معلش .. هابقى اشوفك بعدين ونتكلم براحتنا ..ولا تجيني انت احسن على عنواني الجديد. 
قال سعد مرحبًا :
- اجيلك انا ياصاحبي ولا يهمك.. بس انت ابعتلي العنوان فى رسالة حتى .
ربت على كتفه بامتنان:
- طول عمرك ابن أصول وبتصون العشرة ياسعد .. ربنا مايحرمني منك .. خلاص اسيبك انا بقى وعلى تليفونات بعد كده .
اومأ سعد برأسه موافقًا .
- طب سلام بقى
قالها علاء قبل ان يذهب سريعاً من امام صديقه الذي استدار برأسه لناحية منزل الحاج ادهم المصري فوجدها واقفة في شرفتها تتبع بعيناها علاء حتى خرج من الحارة واختفى .. التفتت بعد ذلك لتقع عيناها بسعد الذي تبسم بمغزي ..فارتدت هي سريعاً تعود للداخل !
..............................
حول مائدة الطعام كانت الاسرة جميعها مجتمعة لتناول وجبة العشاء .. الاب على رأس المائدة والأبناء والزوجة على جانبيها ..سميرة كانت تشرح ما حدث في يومها بشكل ممل مع زوجها الذي كان يستمع بإنصات حينما اتت السيرة عن الجيران الجدد:
- لدرجادي الشبه ما بينهم كبير ؟
اجابت سميرة على سؤال زوجها :
- كبير اوي ياحج ..امال انا عرفته كده لوحدي ازاي ؟.. دا نفس الطول والعرض والهيبة كمان ..فرق بس فى لون الشعر الابيض وتجاعيد الوش عند الراجـ.ـل الكبير ..بس الراجـ.ـل الكبير ده شكله شـ.ـديد وقاسي .. مش زي اسم النبي حارسه علاء .. دي كان واقف على دmاغ والدته مرعوب عليها ولا اكنه عيل صغير حتى 
تمتم شاكر :
- تلاقيه بس ورث القلب الحنين من امه..
هتفت شروق بمرح:
- هو ورث القلب واخوه التاني خد من والدته الشبه الواضح مابينهم ..البشرة البيضة والعنين الخضرا ..حتى في الطول هو متوسط زي والدته..ولا لكنهم قسموا شبه الولاد مابينهم عشان ماحدش فيهم يزعل .
استجاب الجميع لدعابة شروق بالضحك ..عدا فجر التي كانت تسقط لقيمـ.ـا.تها بصعوبة .. امتعاضاً من تكرا ذكر اسمه بينهم حتى على مائدة الطعام .. اجفلت على نداء ابيها :
- ايه يافجر مابتضحكيش ليه معانا ولا بتتكلمي؟مش بعادتك يعني؟
قالت بفتور :
- عادي يعني ياوالدي.. اصلي سرحت شوية ومركزتش في اللي بتقولوه. 
قال ابيها بابتسامة عريضة:
- طيب مدام ركزتي معانا بقى اقولك انا على خبر حلو يخصك .
اجفل الجميع على جملة شاكر فتساءلت هي بفضول :
- خبر ايه ياوالدي ؟
- المهندس عادل ابن صاحبي عبد الصمد وكيل مدرسة السلام الثانوية .. شافك قبل كده معايا وانا بوصلك المدرسة .. فطلب من والده انه يفاتحني في موضوع جوازه منك .
قالت سريعاً دون تفكير :
- قوله لأ ياوالدي...انا مش عايزة اتجوز. 
- مش عايزة تتجوزي ليه ان شاء الله؟
صاحت بها سميرة غاضبة وتابعت :
- هو انتي اللي على لسانك لأ وبس .. مش لما تشوفي الراجـ.ـل الاول وبعدها تحكمي. 
هتفت ترد :
- شوفته ياماما قبل كده وسلم عليا كمان وانا مع والدي .. هو اي نعم شكله كويس ومش بطال ..بس معجبنيش .
قالت سميرة بتهكم :
- معحبكيش ليه ياعنيا؟ مدام بنفسك بتقولي عليه مش بطال.. ولا هو بتر وخلاص.. فى كل مرة يجيلك عريس لازم تطلعي عنينا كده .. مـ.ـا.تدي نفسك فرصة واقعدي معاه .
- انا شبعت اكل .
قالتها وهي تنهض وتذهب سريعًا من حديث والدتها التي لم تصمت في اثرها وهي تهتف بصوت مسموع رغم تحذير زوجها .
- اهي قامت وسابتني اتفلق ياشاكر.. ولا اكن ليها ام وعايزة تفرح زي بقية الامهات ببـ.ـنتها .. اعمل ايه معاها بس ياناس .
صفقت باب غرفتها بقوة وهي تزفر براحة بعد ان ابتعدت هاربة من حديث والدتها .. الباكية على زاوجها وتتلهف للفرح بابـ.ـنتها الكبرى .. خرجت لشرفتها تتلمس الهواء البـ.ـارد علٌه يخفف من اختناقها كلما أتت هذه السيرة .. وصل إلى انفها رائحة التبغ المحترق .. فانتقلت عيناها فوراً على الشرفة المجاورة لتجده امامها بتكئ بأريحية على سور الشرفة.. ينظر لها بابتسامة متسلية فقال :
- مساء الخير.
بداخل سيارة ابيها وهي جالسة في الكرسي الأمامي هتفت من النافذة الامامية وهو واقف امام الجزء الأمامي من السيارة القديمة يفحصها بعد عدة محاولات لتشغيل محركها ولم تفلح :
- وبعدين بقى يابابا؟ دي ناوية تدور فى يومها ده ولا احنا هانخدها مواصلات النهاردة ولا ايه بس ؟
هز رأسه شاكر بعدm رضا قائلًا بيأس :
- والله يابـ.ـنتي مش عارف اقولك ايه ..بس شكلنا كده هانخدها مواصلات صح ؟
فُتح باب السيارة الخلفي وترجل منه ابراهيم الشقيق الصغير ذو السنوات العشر قائلًا باعتراض :
- يعني ايه يابابا هانخدها مواصلات؟ دا انا كدة اكيد هاتأخر ومش هلحق طابور المدرسة .
ترجلت خلفه فجر قائلة بحنق :
- ما انت السبب ياابرهيم فى التأخير ده بنومك التقيل ؟ يا ابني ده انا بقالي ساعة جاهزة ومستنياك وفي الاَخر انا اللي هالبس الجزا لو اتأخرت عن الحصة الأولى .
-  صباح الخير ياعم شاكر ؟ هي العربية عملتها معاكم ولا ايه ؟
التفت الثلاثة على صوته وهو خارج من البناية .. رد ابيها بالتحية عليه وأكمل بشرح مايراه من عطل اصاب سيارته .. ارغمت فجر نفسها على عدm النظر اليه وهي تراه يقترب منهم متطوعاً للكشف عن العطل ثم عرضه النبيل ليُقلهم جميعاً معه ..التفتت بحدة رأسها رافضة عرضه الكريم :
- لا طبعاً انا مش موافقة اركب معاكم .. انا هاخدها مواصلات يابابا وانت براحتك بقى.. ياللا بينا ياابراهيم .
جذب ابراهيم يده من كفها صائحا :
- سيبى ايدي يافجر .. انا عايز اركب العربية مع عم علاء بدل ما اتبهدل فى المواصلات واتأخر .
حدقت اليه بتوعد محذرة:
- يعني امشي انا ياابراهيم وتدخل انت المدرسة لوحدك. ؟
هتفت ابيها من خلفها :
- وتمشي لوحدك ليه بس يابـ.ـنتي ؟ ما العربية موجودة اهي وعلاء كتر خيره عارض ياخدنا في سكته وهو ماشي على مشواره. 
اكمل علاء قائلًا ببرائة وعيناه تنطق عبثاً:
- مافيش داعي للكسوف والوالد واخوكي الصغير هايركبوا معاكي ياابلة فجر .
- ابلة !!
تمتمها بشراسة قبل ان يعاجلها ابيها بالقول حازماً:
- مـ.ـا.تخلصي بقى يافجر خلينا نتحرك ونلحق مصالحنا بدل الوقفة اللي من غير داعي دي .. دور عربيتك يابنى واحنا التلاتة هانركب معاك .
تلجمت عن الرد مصدومة وهي ترى ابيها يجذبها من ذراعها ويدفعها دفعاً فى الدلوف داخل السيارة .
....................................
متابعة بعيناها مايحدث في الأسفل وهى ناظرة من الشرفة كانت شروق تضحك بمرح .. سألتها سميرة التي دلفت بالصدفة بداخل الغرفة :
- بتضحكي على ايه يابت ؟
اجابت مبتسمة وهي تتحرك لداخل تاركة الشرفة :
- على بـ.ـنتك ياماما .. شكلها وجوزك بيزقها يدخلها غضب عربية علاء جارنا يهلك من الضحك .
سألتها مجفلة :
- وايه اللي هايدخلها عربية علاء يابت؟
- ياماما عربيتنا عطلت والمعلم علاء عرض على بابا وفجر وإبراهيم يوصلهم فى سكته ..لكن بـ.ـنتك بقى مابطيقش علاء واكنها بتشوف عفريت لما تشوفه .
قطبت سميرة ذاهلة وهي تجلس على طرف الفراش :
- وايه اللى يخليها تكرهه بقى ؟ هي كانت تعرفه قبل كده ولا شافت منه حاجة وحشة؟
هزت اكتافها بعدm فهم وهي تجلس بجوارها :
- بصراحة مش عارفة .. يمكن مش قبلاه ودي حاجة عادية وياما بتحصل..حتى لو كانت مع واحد زي علاء ده اللي عامل زي نجوم السيما فى حلاوته .
قالت سميرة مستنكرة :
- بقى اختك مش قابلة علاء اللي كل بنات المنطقة هايمـ.ـو.توا على نظرة منه ؟ اما بت خايبة صحيح .. وانت بقى ياحلوة .. ايه اخبـ.ـارك ؟
- اخبـ.ـارك انا في ايه ياماما ؟
مالت سميرة برقبتها اليها قائلة :
- اخبـ.ـارك مع اخوه حسين ياعين امك .. ولا انتي فاكراني مش واخدة بالي من نظراتكم لبعض وابتسامتكم اللي على الفاضية والمليانة.. دي حاجة باينة زي عين الشمس. 
تودت وجنتيها وهي تعاود هز اكتفاها وابتسامة جميلة ارتسمت على ملامح وجهها فقالت :
- معرفش ياماما.. بجد معرفش .
وماذا بإمكانها ان تقول ؟ لقد مرت عدة ايام منذ أن رأته مجفلة على سلالم البناية يسألها عن شقة اخيه ووالدته .. وبعدها اصبحت تراه بشكل شبه يومي .. مرة بداخل السيارة المصطفة بالحي القديم وهو ينظر اليها فى المراَة وكأنه اعتاد انتظارها ..ومرة أخرى داخل البناية حينما كان يعاود الزيارة لوالدته.. حتى أصبحت هي متشوقة لرؤيته ومتلهفة للقاؤه
- انتي سرحانة في ايه يامنيـ.ـلـ.ـة ؟
انتفضت مجفلة على صيحة والدتها فقالت بـ.ـارتباك :
- يعني هاكون سرحانة في إيه بس ياماما؟ انا هاقوم يدوبك بقى اللحق البس عشان احصل ميعاد الكلية .
نظرت في اثرها سميرة وهي تنهض عن التخت وتخرج سريعاً من الغرفة:
- بتتهربي مني انا ياشروق ماشي .. خيبة عليكي وعلى اختك ..بلانيـ.ـلـ.ـة .
.............................
بداخل السيارة التي كانت تقلهم.. كانت جالسة في الكرسي الخلفي على اعصاب محترقة وهي تزفر بضيق من نظراته المسلطة عليها فى المراَة الاَمامية اثناء قيادته طول الطريق .. يتحدث بعفوية ومرح مع شقيقها الصغير وقبل ذلك كان ابيها الذي تركهم امام محل عمله بإحدى المصالح الحكومية .. وظلت هي تحصي الدقائق فى انتظار انتهاء المسافة المؤدية لعملها والتى لم تظن يوماً انها طويلة هكذا.. تدعي داخلها بالصبر على سماع حديثه الممل مع شقيقها الصغير .
- مقولتليش بقى ياعم إبراهيم ناوي لما تكبر تطلع ايه ؟
قال الصغير بكل فخر :
- طبعاً هطلع بشمهندس كبير ..عشان انا اشطر واحد في حصة الرياضة .
- جدع ياابراهيم .. شـ.ـد حيلك بقى ومـ.ـا.تكسلش عن هدفك .
سأله الصغير بفضول :
- طب انت بقى ..طلعت معلم ليه ومطلعتش مهندس او دكتور ؟ هو انت كنت بليد فى الدراسة ؟
ضحك بصوت عالي ضحكة اصدرت صدى بمحيط السيارة كله..لدرجة اهتز بها جمود فجر من روعتها .. فحاولت بصعوبة الحفاظ على ثباتها امام عينه المتصيدة لاقل لمحة منها ..قال اخيراً بنفي :
- لا ياعم إبراهيم.. انا مكنتش بليد بالعكس بقى . دا انا كنت اشطر منك كمان ..بس انا بقى حبيت التجارة مع والدي فى المحل بتاعنا اكتر من الوظيفة بعد ما اتخرجت .. وعشان تبقى عارف .. انا حاصل على ليسانس حقوق بدرجة جيد جداً .
قال الاَخيرة وعيناه عليها في المراَة ..مشـ.ـدداً على الأحرف يريد ايصال الرسالة لها .. وكأنها لاتعلم !
حينما وصلت السيارة اخيراً امام المدرسة .. تنهدت بـ.ـارتياح تفتح الباب سريعاً للخروج من هذه المساحة الضيقة بوجوده.. سبقها ابراهيم هاتفاً بمرح قبل خروجه :
- الف شكر يامعلم على التوصيلة الجميلة دي. 
رد عليه ضاحكاً :
- ولا يهمك يابشمهندس.. انا تحت امرك في اي وقت .
لوح له بكفه مودعاً قبل ان يهرول سريعاً لأصدقاءه
- مع السلامة .
قالت هي متحلية ببعض الزوق رغم امتعاضها :
- شكراً .
بابتسامة مرحة قال :
- لا شكر على واجب.. دا احنا اهل وجيران ياأبلة فجر.
ابلة فجر !! مرة اَخرى ..كزت على اسنانها غـ.ـيظاً وهي تصفق باب السيارة بقوة وهى ذاهبة من امامه وطيف ابتسامته العابثة تكاد تفتك برأسها .
..................... ............
- هو دا محل المعلم علاء ادهم المصري ؟
التفت عامل المحل حسونة على الشاب الواقف امامه بمدخل المحل فجاوبه بعملية وهو يباشر عمله فى التنظيف :
- ايوة حضرتك هو ده فعلاً محل المعلم علاء .. اصل احنا لسة معلنقاش اليفطة.. على الافتتاح بقى .
خطا الشاب لداخل المحل يمشط بعيناه كل زاوية وكل ركن فيه بانبهار هامساً :
- ياماشاء الله ولسة كمان في افتتاح ؟
لحقه الفتى زاجراً:
- في ايه حضرتك ؟ داخل كده على طول .. ما انا قايلك من الاول اننا لسه ماافتتحناش المحل .
تحولت ملامحه فاردف بغضب
- في ايه انت ؟ هو انا هاسرقه ؟ دا انا جاي لصاحب المحل نفسه المعلم علاء .. صاحبي .
نظر اليه الفتى بنظرة تقيمية على من رأسه لأخمص قدmيه من ملابسه المتواضعة المتمثلة فى قميص مزركش بعدة رسوم غير مفهومة على سروالها الجينز الباهت على جسده النحيل و قامته متوسطة .. ملامح وجهه الخشنة على بشرته القمحية موصومة ببعض الحفر الصغيرة لاثار حب شباب قديمة تركت ندوب ظاهرة .. سأله بتشكك :
- انت! ..صاحب المعلم علاء؟ ..على العموم المعلم علاء مش موجود. ٠
قال بصوتٍ خشن وعيناه اشتعلت سعيراً من نظرة الفتى المتدنية :
- اسمع ياض انت .. انا ممكن اتعصب عليك دلوقتي واعرفك مقامك كويس .. او اخلي علاء يطردك من المحل نهائي جزاءاً لقلة ادبك معايا .
- انا قليت ادبي عليك حضرتك ؟
-هو انت لما تبصلي البصة دي مـ.ـا.تبقاش قلة ادب ؟
قال الفتى ببرود وهو يتناول هاتفه
- على العموم يافنـ.ـد.م  انا هاتصل بالمعلم علاء دلوقتى وأسأله هايجي امتى ..عايزني اقوله مين اللى سأل عليه بقى ؟
بلهجة حازمة اثارت اندهاش الفتى قال :
- قوله صاحبك سعد مسنتيك تيجيلوا على المحل حالاً دلوقتى .
...................................
على انغام اغنية حديثة لعمرو دياب كان يدندن خلفها الكلمـ.ـا.ت بسعادة وهو يقود سيارته بعد ان اقلها لمحل عملها .. لقد اصبحت صورتها الجميلة عالقة بذهنه طوال الوقت .. نظرتها الشرسة كلما حاول مشاكستها تثير بداخله مرحا منقطع النظير .. معاملتها له بجمود وتـ.ـو.ترها في حضوره وردودها المقتصبة دائماً ما تدعوه للتساؤل والتفكير عن السبب في ذلك .. كم يتلهف لرؤيتها مبتسمة او ضاحكة..كم يود لو تزيل هذا الحاجز الوهمي الذي وضعته بينها وبينه وتعامله حتى معاملة الجار العادية.. وبعدها يحدث التطور كأي شئ طبيعي .. تنهد مطولاً وهو يتفادى سيارة امامه قبل ان يلتفت لهاتفه الذي صدح بصوت ورود مكالمة من عامل المحل الجديد حسونة .
- الوو .. ايوه ياحسونة عايز ايه؟
- الوو يامعلم .. تعالى هنا شوف .. في واحد بيقول انه صاحبك قال وعايزك تيجي فوراً تقابله. 
- صاحبي مين ؟
- انا عارف بقى؟ دا واحد كده ........
انقطعت جملة الفتى وسمع بعدها همهمة جدال غاضبة..
تساءل بقلق :
- في ايه عندك ياحسونة ؟.
فجأة وصله صوت صديقه الغاضب بعد ان تمكن من نزع الهاتف من يدي الفتى الذي كان يصيح بجواره معترضاً:
- اسمع ياعلاء .. الواض لازم تمشيه حالاً .. دا بيقل ادبه عليا ومش مصدق اني صاحبك؟
..................................
بوجهٍ عابس تسير فى طرقات المدرسة بعد ان انهت حصتها من درس الحساب للطالبات.. تشعر وكأنها ازدادت في العمر سنوات بداخلها..رغم اهتمامها الواضح لإناقاتها ومظهرها الخارجي ..لكن جلسة واحدة فقط مع فتيات تخطين بالأمس مرحلة الطفولة وبدأن الاَن اكتشاف الأنوثة والتمرد على كل ماهو قائم ..ومن ثَم القيام بكل فعل احمق من اجل اثبات الشخصية ولفت النظر اليهن والى ما يملكن من مقومـ.ـا.ت .. تفقد معهن كل درجات التحضر حتى تستطيع السيطرة وحفظ الذات امامهم .. ويالها من مرحلة تكرهها بشـ.ـدة مما تلاقيه منهن .
- انتي يابت ياللي هناك اقفي مكانك .
اجفلت الفتاة على النداء فالتفت تجيب وهي تلوك فاهها بالعلكة :
- نعم ياميس.. انتي بتكلمينى انا ؟
اقتربت منها تميل اليها برقبتها قائلة بتهكم :
- امال يعني هاكون بكلم الحيطة اللي وراكي ؟ 
صمتت الفتاة مطرقة رأسها .. فتابعت وهي تفحصها بعيناها من حجابها الصغير الذى كان عائداً لنصف رأسها ومظهر شعرها الكستنائي المصفف بعناية فتدلت منه عن قصد خصلات كبيرة على وجهها الظاهرة عليه اثار مساحيق التجميل بخبث ..فتبدوا للغافل من بعيد جمالُ طبيعي.. ثم ما ترتديه من قميص وتنورة محكمين بشـ.ـدة على جسدها الفائر :
- ايه اللي موقفك هنا ومخليكي سايبة حصتك؟ وايه اللي لابساه اساساً ده وجاية بيه المدرسه؟
قالت الفتاة بتلجلج :
- ماله بس ياميس اللي لابساه ؟ ماانا لابسة يونيفروم المدرسة اهو ؟
- مخالف ياحبيبتى.. نص شعرك ظاهر من الحجاب دا غير المكياج اللي على وشك واللبس الضيق .. ولا اللبانة دي كمان تفيها من بوقك اخلصي .
بصقتها الفتاة من فاهها قائلة بخـ.ـو.ف:
- اهو ياميس اللبانة في حاجة تانية ؟
قالت بحزم :
- روحي على الحمام بسرعة وامسحى اللي فى وشك وظبطى حجابك كويس .. وحاولي بقى لما تروحي البيت توسعي هدومك دي شوية.. بدل ماهي لازقة كده عليكي .
نظرت اليها الفتاة باستنكار فقالت بسخط :
- كله ده .. طب معلش بقى ياميس انا ماأقدرش اتحرك من مكاني هنا .. انا اساساً واقفة مستنية ميس منى عشان اَخد منها دفتري وهي أكيد خارجة حالًا من غرفة المدرسات وهاتجيبهولي دلوقتي .. 
- برقت عيناها بشـ.ـدة وهمت لترد ولكن اوقفها النداء بأسمها من الخلف بصيحة غاضبة .
- سحر .. انتي موجودة هنا وانا بقالي ساعة مستنياكي جوا .. 
القت على الفتاة نظرة بتوعد قبل ان تستدير ذاهبة لصديقتها المكتفة ذراعيها بغضب بمدخل حجرة الحاسبات .. تبعتها سحر لداخل الغرفة قائلة بأسف :
- معلش يافجر اتأخرت عليكي بس البنات النهاردة طلعوا عيني و...
- وايه بس ياسحر؟ ساعة كاملة مستنياكي وانتي حصتك خلصت من زمان اصلاً .
- يابـ.ـنتي ما انا خدت حصة الأبلة سها عشان غابت النهاردة وتعبانة ...
قاطعتها بحدة مرة أخرى:
- وافرضي سها كانت تعبانة ياستي مافيش حد غيرك ياخد مكانها ؟ ملطوعة بالساعة وانا بستناكي وانتي ولا هامك صاحبتك ولا هامك زعلها .. ايه ؟ 
اجفلت سحر على تشنج صديقتها بحديثها العاصف .. فصمتت قليلا تمتص غضبها قبل ان تقترب منها قائلة بلطف:
- طيب ممكن تهدي كده شوية وتروقي اعصابك حبتين .. انا معاكي دلوقتي وهاسمع منك كل اللى مضايقك .. زفرت فجر بقوة وهي تسقط على احدى المقاعد خلفها .. حدقت بها سحر لحظات قبل ان تجلس هي الأخرى امامها ..فسالتها:
- ممكن بقى افهم ايه اللي معصبك جـ.ـا.مد اوي لدرجادي كده ؟
- الزفت ياسحر ؟
- زفت مين ؟
هتفت عليها فاقدة السيطرة :
- هو في كام زفت بس يابـ.ـنتي ؟ جار الهنا اللي سكن قصادي عشان يخـ.ـنـ.ـقني ويزهقني في عيشتى .يعني مش كفاية انه بقى ساكن قصادي والباب قدام الباب .. لااا.. دا بقى قاطع عليا المية والنور والنفس كمان اللي بتنفسه .
رددت سحر بدهشة :
- النفس كمان اللي بتتنفسيه !! ليه يابـ.ـنتى ؟ احنا مش اتفقنا ان مالكيش دعوة بيه وانسي اللي فات بقى وعيشي حياتك .
- اعيش حياتي ازاي بس ياسحر ؟ودا محاصرني فى كل جهة حواليا.. فى بيتنا وبين اهلي طول الوقت ماعندهمش غير سيرة المعلم علاء وشهامة المعلم علاء ورجولة المعلم علاء .. اخرج اشم هوا فى البلكونة الاقيه قصادي على طول قاعد قدام المحل اللي أجره جديد .. مأنتخ على الكرسي وحاطط رجل على رجل واكنه منتظرني اخرجله عشان يشلني .. ياأما الاقيه  واقف في بلكونة اؤضته اللي جامبي بكل برود وابتسامة مستفزة يقولي :- مساء الخير. 
لم تقوى سحر على كبت ضحكتها ..فهتفت عليها فجر مستنكرة  
- شايفاني هافرقع وانهار وانتي بتضحكي عليا ياسحر ؟
قالت سحر بقلة حيلة :
- يابـ.ـنتي بصراحة انا مستغربة ومش عارفة اقولك ايه ؟ بس الظاهر كده ان شكله بيغـ.ـيظك .. وباين اللعبة عجباه !
- يغـ.ـيظني !! ليه بقى ؟ بيني وبينه ايه عشان يغـ.ـيظني ولا يفكر فيا اصلاً ؟
مطت سحر شفتيها قائلة بتفكير :
- بصراحة مش عارف ؟
.................................
بعدة طرقات خفيفة على باب المنزل المفتوح هتفت سميرة على صاحبته وهى تتقدm بخطواتها في الداخل بتردد :
- ياام علاء .. انتي فين ياختي وسايبة الباب مفتوح ؟
جاءها الرد مباشرةً من زهيرة الجالسة امام شاشة التلفاز بوسط المنزل :
- تعالي ياحبيبتى انا موجودة هنا قصادك على طول..ادخلي يام فجر انتي مش غريبة .
- يووه .. هو انتي موجودة هنا؟ والنبى ماكنت واخدة بالي. 
قالتها سميرة بابتسامة بشوشة وهي تتقدm نحو المرأة وتابعت :
- الف هنا يااختي انك سيبتي السرير وخرجتي من الاؤصة ..ايوه كده احين دي الحركة بركة والقعدة في السرير تجيب العيا .
لوحت لها زهيرة بيدها قائلة بابتسامة:
- الله يهنيكي ياحبيبتى.. تعالي هنا اقعدي جمبي هنا ياام فجر .
جلست سميرة امامها على اقرب المقاعد .. وهي تسأل مندهشة :
- طب والباب ياام علاء سايباه مفتوح ليه ؟
بابتسامة ودودة اجابتها زهيرة :
- انا اللي قولت لعلاء يسيب الباب مفتوح ..ماانا عارفاكي هاتيجي تطمني عليا في الوقت ده زي كل يوم .. انتي خلاص عودتيني على سؤالك عني.. ربنا مايحرمني منك ياغالية .. وتفرحي باسم النبي حارسها فجر هي وبقية اخواتها .
تمتمت سميرة بتمني :
- يارب ..يارب ياام علاء ..انتي ادعيلها بس ربنا يهديها..دي العرسان رايحة جاية عليها وهي اللي منشفة راسها وتاعبة قلبي معاها ..نفسي بقى افرح بيها واشيل عيالها. 
قطبت زهيرة بدهشة سائلة:
- طب وهي ايه اللي مانعها عن الجواز ؟ دي حتى زي القمر وباين عليها هادية كدة ؟
- هادية قوي يااختي وزي النسمة كمان ..دي الوحيدة في عيالي اللي مـ.ـا.تعبتنيش لا صغيرة ولا كبيرة .. غير بس في دي ! 
- خليها زي ابني علاء .. ماهو انا كمان نفسي افرح بيه وكل مااكلمه..يقولي لما الاقي بـ.ـنت الحلال ياماما..اهو على الحال دا بقالوا سنين..من ساعة مافاتحني بالجواز على واحدة جارتنا وابوه رفض وبعدها يااختي قفل السيرة دي نهائي..بس فالح يلاوعني في الكلام كل ما افتح معاه السيرة !!
...................................
- مش هو ده اللي كنت مستنيه منك ياعلاء ..مش هو ده .
صاح بها غاضباً امام صديقه الذي كان يتعامل معه بهدوء وهو يسحبه من ذراعه ليجلسه على احدى المقاعد البلاستيكية المصطفة امام المحل:
- اهدى شوية واقعد ياعم ..انت هاتعمل عقلك بعقل عيل صغير ؟
- ياعني الواض يقل أدبه عليا ياعلاء وانت ياصاحبي مـ.ـا.تجبش حقي !
زفر علاء مطولاً بتعب امام صديقه المُصر بقوة على عقـ.ـا.ب الفتى فقال :
- يعني اعمل ايه بس ياسعد اكتر من كده عشان ترضى؟ زعقت للولد وشـ.ـديت عليه قدامك ..لا وأمرته كمان يجيبلك شاي مخصوص من القهوة اللي في اَخر الميدان ..ايه اللي فاضل تاني بقى ؟ اطرده يعني؟
همس بتردد :
- ويعني هو لو ساب الشغل عندك مش هايلاقي غيره ؟
قال علاء بعتاب :
- لا ياسعد مش لدرجادي.. انت عايزني اقطع عيشه عشان بس اتنك في الكلام معاك او باصلك نظرة مش ولابد ..دا عيل مكملش ١٧ سنة واحنا كبـ.ـار كفاية اننا نفوت ..فوت بقى يابني وفُك .. دا انا قطعت سكتي في مشوار مهم لمهندس الديكور وجتلك جري .. دا بقى مايعرفكش معزتك عندي. 
ابتسم سعد بزاوية فمه بملامح مغلفة لا تظهر أي تعبير بما يعتمل داخله:
- اللي يسمعك بتقول كده يقول ان جتلي جري على رجليك مش بعربية. 
- اه ياسعد مدام هزرت يبقى فكيت .. ايوة كده ياعم خلينا نقعد مع بعض على رواقة ونعيد بقى قعادتنا الحلوة .
ربت بكفه على ذراع علاء ببعض المرح قائلًا :
- ماشي ياعم نفك عشان خاطرك .. بس في الأول بقى نحب نبـ.ـارك ونهني ..بسم ماشاء الله المحل شكله يبهر ويفتح النفس .. مبروك ياعم ويجعلها ان شاء الله عتبة خير .
تهللت اسارير علاء بفرح يقول :
- الله يبـ.ـارك فيك يابو الصحاب ويسمع منك يارب ..دا انا دافع فيه لحد دلوقتي دm قلبي ونفسي بقى المشروع ينجح واعوض الفلوس اللي صرفتها فيه .. ولسه كمان عايز ادفع قدهم تاني. 
قال الاخيرة وهو يخرج نوته ورقية من سترته وتابع :
- شوف ياباشا اشرب انت اشرب الساقع ..على ما انا بصيت شوية على حسبة الطلبات اللي هنا دي وحسبت تمنهم. 
تناول سعد زجاجة المياه الغازيه يحتسي منها وانكفئ علاء ينظر فى النوته بتركيز قطعه سعد بالسؤال :
- الا انت ماقولتليش ياعلاء .. ماشاء الله يعني انت جبت تكلفة المحل ده منين ؟ بعد ما سيبت والدك والشغل معاه ؟
رفع اليه رأسه يجيب ولكنه التفت على من تلوح له بكفها من مسافة قريبة بابتسامة رائعة :
- الله ينور ياعم علاء.
رد بابتسامة هو الاَخر ملوحاً بكفه  ..فالتفت بعد ذلك يجيب صديقه الذي تسمرت عيناه على الفتاة :
- طبعاً ياباشا ده من فلوسي اللى حوشتها السنين اللي فاتت من شغلي مع ابويا .
عاد اليه سعد برأسه وكأنه لم يسمع ماقيل سابقا..سائلاً بذهول :
- مين دي ياعلاء؟
نظر علاء نحو الفتاة التي عبرت للجهة الأخرى من الرصيف فأجاب على السؤال رغم دهشته :
- دي شروق بـ.ـنت جيرانا في السكن الجديد .
ردد سعد وهو يتابعها بعيناه :
- يانهار ابيض ..دي شبها جـ.ـا.مد ياجدع. 
رفع علاء عيناه مرة أخرى عن الدفتر مستفسراً:
- شبه مين؟
- شبه مين ؟! معقولة ماخدتش بالك منها ياعلاء ؟ دي نفس الملامح وتدويرة الوش الابيض المنور دا غير الج.......
- بس ياسعد .
صاح بها مقاطعاً بحدة وقد تحولت ملامحه الى الشكل مخيف فتابع بغضب :
- إنهي الكلام في الموضوع ده ياسعد لأن انا نسيته من زمان ..وياريت تاخد بالك كويس من كلامك معايا بعد كده .. عشان اللي بتتكلم عليها دي تبقى جارتي ومش المعلم علاء اللي هايبص لجارته بالشكل ده !!!
صدحت أصوات ألأغاني العالية بقوة تصُم الاَذان، وعُلقت اعقادُ الإنارة ذا الأشكال والألوان المختلفة اعلى المبنى وجانبيه .. لتُنبئ الجميع بافتتاح محل المعلم علاء ادهم المصري للأدوات الصحية .. يتلقى التهانى من أشخاص بعضهم يعلمهُم و اَخرين لا يعلمهم .. كان يرتدي حُلة بالون الازرق القاتم على جسده الرياضي الطويل فزادته بهاءًا وجمالًا ..يوزع البسمـ.ـا.ت على الوجوه المبـ.ـاركة كما يوزع الزجاجات الغازية والمشروبات الأخرى .. ولكن تظل عيناه عالقة بشرفتها التي هجرتها من ايام ..عسى ان تطل برأسها عليه فتشاركه فرحته ولو بوجهها العابس الجـ.ـا.مد ..فيكفيه رؤيتها من بعيد رغم اشتياقه المضني لرؤية عيناها التى علقت بذهنه وأصبحت تتخلل أحلامه من وقت ان راَها بهذا القرب داخل منزله.. لكم يتمنى رؤيته الاَن ، لكم يشتااااق .
- معلم علاء .
اجفل منتبهاً على صوت شقيقه الصغير وهو يقترب منه بضحكة صافية فاتحاً ذراعيه :
- حبيب قلبي ..الف مبروووك. 
بادله علاء العناق بفرحة مشـ.ـددًا عليه بذراعيه :
- الله يبـ.ـارك ياغالي .. وحشتنى ياض.
- وانت اكتر والنعمة .
تابع وعيناه تدور يمينًا ويساًر .. داخل المحل وخارجه :
- بس ايه ياعم الحلاوة دي ياعم ؟ لحقت تعمل الحاجات دي كلها امتى ؟
- طبعًا ما انت غايب عن زيارة والدتك بقالك اكتر من اسبوع.. هاتعرف منين بقى ؟
- يابني اضطريت اسافر الغردقة عشان مشكلة حصلت مع الوفد السياحي .. ما انت عارف الشركة ومشاكلها. 
غمز بعيناه يقول بمشاكسة :
- ايوه ياباشا فكرتني بالسياح بقى والنسوان الحلوة .
- طب وانت تعرف عن اخوك كدة برضوا ياريس .
- حيبي انت حسحس تربية اخوك بجد ياض .
لف عليه بزراعه يدفعه للأمام قائلًا :
- تعالى بقى افرجك على المحل من الداخل عشان تشوف اخوك وافكاره الجـ.ـا.مدة.دا انت هاتنبهر .
.......................
- مش ناوية بقى تقومي و تتفرجي ؟ دي الدنيا هيلمان بره .
رفعت عيناها عن شاشة التلفاز وهي جالسة على الاريكة الاثيرة ..قائلة بسأم :
- مش قايمة ولا زفت .. يعني هاشوف الهنا...اهي زيطة وخلاص. 
- زيطة وخلاص !
اقتربت منها فدنت اليها برأسها تسألها :
- في ايه يابـ.ـنتي؟ انتي مقفلة كده ليه ؟ بقولك هيلمان ناس رايحة وجاية وانوار ملعلطة فى الميدان كله .. دا بابا قاعد هناك وسط الرجـ.ـا.لة اللي بتهني وماما من العصر مع الست زهيرة بتساعدها وواقفة معاها فى استقبال الستات اللي بتهنيها ولا ابراهيم دا كمان هو واصحابه بيرقصوا مهرجانات ولا اكنهم فى فرح بلدي .. 
زفرت حانقة قبل ان تعود ببصرها ناحية التلفاز مرة أخرى :
- ربنا يفرح الكل ياستي ..انا مالي بقى ؟
مطت شروق شفتيها وهي تتحرك للأبتعاد بخطواتها :
- براحتك ياأختى .. على العموم انا رايحة اتفرج من بلكونة اؤضتك وبرضوا هارجع واحكيلك.. عشان اغـ.ـيظك. 
تنهدت بيأس من تلهف شقيقتها وابويها لحضور الافتتاح العظيم ورؤيته مع اصرار والدتها المستمر على رأسها بضرورة الذهاب للجارة أم المحروس لتهنئتها والعمل بالأصول...وكأنها تهتم ..فلتذهب الأصول الى الجحيم .. فهي ابدًا لن تعيد دخولها هذا البيت كما حجبت نفسها عن النظر بالشرفة رغم صعوبة القرار عليها .. ولكن يكفي ألا تلتقي بوجههِ البغيض .
...............................
بين أجواء المرح ورقص الفتيان الصغار والنتقل بين الأفراد المهنئين انشغل علاء قليلًا عما يدور بعقله ويحتل فكره ..اما حسين فقد اتخذ موقعًا جيدًا بجانب المحل وهو ينظر فى الأعلى لشروق التي احتلت شرفة شقيقتها وهى تتابع الحفل بابتسامة رائعة مثلها.. فجأة اعتدل بوقفته حينما وقعت عيناه على اَخر شخص توقع حضوره فى هذه المناسبة ..بوجهٍ قلق تابع اباه وهو يخرج من سيارته ويتقدm نحو اخيه الذي سمرته المفاجأة هو الاَخر فوقف جـ.ـا.مداً امام ابيه الذي قطع السكون بينهم حينما جذبه من ذراعهِ يعانقه بحنان أبوي قلما يصدر من الحاج أدهم المصري .. ومع ابنه المحبوب علاء الذي تدارك نفسهِ سريعاً فتبادل العناق مشـ.ـدداً ذراعيه على ابيه بقوة واشتياق .
- حسين باشا .
انتفض مجفلًا بلمسة لكف كبيرة على ذراعهِ .. فتبسم مرحبًا بابن حارته وصديق اخيه الصدوق ..صافحه بحرارة قائلًا :
- أهلُا...ازيك ياسعد ..ليك وحشة والله .
- ياراجـ.ـل.. هو انا لو واحشك فعلًا مـ.ـا.تجيش بقى تعدي عليا ولو مرة واحدة حتى وتسأل .
- مشاغل ياعمنا ماانت عارف الشركة بقى والظروف اللى مرينا بيها في الأيام اللى فاتت .
اومأ برأسه موافقًا:
- عارف ياحسين عارف.. بس اهي الظروف ابتدت تتحسن زي ما انا شايف اهو .
لوح برأسه ناحية ادهم وهو يتحدث بحميمية مع ولده علاء ..فتبسم حسين وقال :
- بصراحة انا نفسي ما كنتش متوقع مجيته هنا بنفسه عشان يبـ.ـارك لعلاء ..بس دا الحاج ادهم المصري.  يعني ماحدش نهائي هايفهم دmاغه .
اومأ سعد برأسه مرة ثانية قبل ان يتحرك مستئذنًا:
- طب عن إذنك بقى اروح اسلم انا على الاتنين .
بعد أن تركه سعد وذهب بعيدًا عنه ..رفع رأسه ناحية الشرفة مرة أخرى ليعود ببصره اليها ولكن اصابته خيبة أمل حينما لم يجدها.. ليفاجأ بصرخة من جهة قريبة لامرأة غريبة وهرولة من الرجـ.ـال بصخب ناحيتها مع توقف مجموعة من السيارت واصواتٍ تصيح باصطدام سيارة لطفل ..وقبل ان يدرك ماحدث جيدًا تفاجأ بصرخة صادرة منها وهي خارجة من البناية التي تقطنها :
- إبراهييييم .
..........................
بداخل غرفتها كانت مستلقية على فراشها تتحدث مع صديقتها المتذمرة والغاضبة في الهاتف .. قالت اَخيرًا بعد ان استمعت جيدًا لكلمـ.ـا.تها الساخطة .
- طيب ممكن بقى افهم انتي ايه اللي مزعلك بالظبط ؟ زن والدتك بالموافقة على عريس الهنا ولا زنها إنك تبـ.ـاركي لوالدة علاء بنفسك .
جاءها الصوت الشاكي من الناحية الأخرى :
- الاتنين ياسحر ..عايزاني اوافق بالعريس وعايزاني اروح للست دي غـ.ـصـ.ـب عني ..قال ايه.. قال عشان الست زهيرة بتسألها عني كل ما تشوفها وهاتمـ.ـو.ت وتشوفني .
- طيب ما يمكن صح يابـ.ـنتي الست حبتك ونفسها تشوفك ..تاخديها ليه بذنب ابنها ؟
بلهجة محذرة قالت :
- إنهي الكلام في الموضوع دا ياسحر ..انا مش ناقصاكي. 
- ماشي ياستي ننهي الموضوع خالص كمان.. طب والعريس ابن صاحب والدك بقى .. مـ.ـا.تفكري في الراجـ.ـل مدام مهندس ومحترم زي مافهمت منك .. حتى عشان ترضي والدتك..دي نفسها تفرح بيكي .
وصلها الصوت المتهكم :
- شوفوا مين اللي بيتكلم ؟ طيب ياست سحر مـ.ـا.تفكري انت كمان بدال ما انتي تاعبة والدتك طنت رجاء وفرحي الست بيكي بقى .
- يابـ.ـنتي افهمي.. انا حاولت كتير لكن مافيش حاجة بتم ..مش عارفة بقى دا عيب فيا ولا غباء من الآخرين. 
صدر صوت ضحكة صغيرة من فجر فاأكملت سحر بضحك هي الأخرى :
- ههه اسكتي صح يابـ.ـنتى .. مش انا امبـ.ـارح كلمت مرات خالي عشان ابـ.ـاركلها على أمل إن اخلص من زن والدتي ..يالهوي على اللي حصل ..خلتني أكلم العروسة بـ.ـنتها كمان ..تصوري يافجر البت صوتها عيالي ومسرسع زي المعزة بعيد عنك وعن السامعين..بس ايه بقى حظوظ .
- ايوه يااختي حظو......
انقطع صوت الهاتف فجأة.. فقالت سحر بقلق :
- سكتي ليه يافجر ؟ في حاجة عندك ؟
لم تسمع رد منها فقط سمعت صرخة قوية تصدر من مسافة ليست بعيدة:
- أخويا انا إبراهيم عمل حادثة؟
...........................
بصرخات ملتاعة خطت سميرة ومعها ابـ.ـنتها فجر المتماسكة زورًا امام والدتها بداخل رواق المستشفى يبحثن عن حجرة العمليات المختصة بقسم الحوادث كما دلتها الفتاة الممرضة.. صرختها زادت عنـ.ـد.ما رأت زوجها الجالس على إحدى المقاعد يسبح بسبحته وبجواره أدهم المصري يربت على أرجله يعطيه الدعم .. ومن الناحية الأخرى كان ألأبناء علاء وحسين على أرجلهم واقفين بجوار الحجرة ومعهم اَخرين لاتعلمهم وعلى جانب اَخر.. وحدها كانت شروق جالسة على إحدى المقاعد ترتجف باكية :
- إبني جراله ايه ياشاكر ؟ أخوكي جراله إيه ياشروق ؟ حد يطمني على ابني ياناس ؟
نهض شاكر مجفلًا ليُطمئن زوجته على ابنها وقد سبقته شروق ترتمي بأحضانها .
- انا خرجت انده على ابراهيم زي ماقولتي ياماما.. بس لقيته مرمي في الأرض وشه مغرقه الدm والناس حواليه .. انا خايفة عليه أوي ياماما .
زجرها من خلفها والدها بحدة :
- بس يابـ.ـنت اخوكي كويس مـ.ـا.تفوليش عليه بكلامك ده؟
هتفت سميرة بتشكك :
- ولما هو كويس .. قاعد جوا فى اؤضة العمليات بيعمل إيه ياشاكر ؟ ابني ماله ياشاكر ؟
جاء صوته بالقرب منهم .
- اطمني ياخالتي سميرة ..حالة إبراهيم مش بالصعوبة دي اللي في دmاغك أنا شوفته بنفسي .. أكيد خير إن شاء الله .
رفعت فجر عيناها عليه وهو يتحدث فتفاجأت بنظرة منه ناحيتها لم تفهمها إن كانت اشفاق أو حنان أو شئ اَخر .
صاحت عليهم سميرة وابـ.ـنتها مازالت متشبثة بأحضانها :
- بس انا لايمكن هاسامحكم لو جرت لابني حاجة عشان سيبتوني ومشيتوا.. هو انا مش والدته عشان اطمن عليه بنفسي .
زفر شاكر بنفاذ صبر :
- دا وقت كلام دلوقتي ياسميرة .. مش كتر خيره علاء شال الواض وحطه في عربيته وجري بيه هو صاحبه عشان يلحقوه .. على ما وصلنا احنا فى عربية والده واخوه حسين .. يعني كنتي عايزانا نسيب الواض سايح فى دmه على مانندهلك ونجيبك معانا .
تركت جميع ما تفوه به وأتت على جملة واحدة تسأل بجزع:
- يعني الواض كان سايح في دmه ياشاكر؟
- يووووه..دا انت مافيش فايدة في الكلام وياكي ..انا ماعنديش دmاغ ليكي .
قالها وهو يلوح بكفه قبل ان ينتقل للجلوس مرة أخرى بجوار الحاج أدهم ..اقترب علاء من الثلاثة قائلًا بلطف يتناول كف المرأة يجذبها:
- تعالي ياخالتي سميرة اقعدي هنا على الكرسي وريحي نفسك بدال مـ.ـا.تتعبي على الفاضي .. تعالي معاها يافجر انتي وشروق .
اذعنت فجر لكلمـ.ـا.ته مضطرة وهي تدفع والدتها برفق للجلوس على مقاعد المشفى.. جلست هي بجوارها مع شروق المتشبثة بوالدتها وكأنها طفلة صغيرة ..رغم امتعاضها منه ومن توجيهه الكلمـ.ـا.ت لها.. ولكن ظل اسمها يتردد فى ذهنها بصوته بشكل غريب..فهذه اول مرة يناديها بتسمها دون أبلة !!!
وهكذا قُضي الوقت المتبقي فى الإنتظار ..شاكر والحاج ادهم المصري جالسان فى جهة وسميرة وبناتها جالسات فى جهة أخرى.. تحت انظار الشباب الثلاثة الواقفين حسين الناظر لحبيبته يبثها الاَمان من عيناه وعلاء الذي لم يكن يتوقع ولو في أحلامه أن يراها الليلة بهذا القرب منه ويرى عينيها الجميلتان والمتلألأتين بحـ.ـز.ن بعد أن تمنى من قلبه رؤيتهم ..برغم ان المناسبة غيرة سارة على الإطـ.ـلا.ق.. وسعد ..الذي كان يتنقل بنظراته بين شروق الصغيرة الجميلة والشبيهه بشكل كبير من فاتن التي كانت فعلًا فاتنة بحق ولكن غـ.ـبـ.ـية كما يذكر .. وفجر التي كااانت قديمًا صغيرة بجسدٍ هش وضغيف وقد اصبحت الاَن مثال المرأة المكتملة الأوصاف ..لقد عرفها رغم تغيرها ومرور عدت سنوات على رؤيتها اَخر مرة ولكنه عرفها !!!
....................................
بعد مرور الوقت 
كان ابراهيم الصغير ممدًا على تخت المشفى ..محاط بالأربطة الطبية التي التفت على رأسه و قدmه اليسرى
والدته ووالديه خارج الغرفة مع الجميع بأمر الطبيب بعد أن اطمأنوا عليه قليلًا .. سميرة كانت تفرك بكفيها قائلة بتـ.ـو.تر :
- ياحبيبي يابني .. الواض وشه اصفر زي اللمونة ياشاكر .
حرك شاكر رأسه بيأس من زوجته قائلًا بتعب:
- تاني ياسميرة .. يعني مش تحمدي ربنا انها جات على قد كده وربنا نجاه بدال الزن بتاعك ده.
قال من خلفه أدهم بصوته الرزين :
- سيبها يااستاذ شاكر..هي بردوا أم وقلبها محروق من الخـ.ـو.ف على ابنها.
سميرة بعتب وهي ناظرة الى زوجها :
- قولوا ياابوعلاء خليه يبطل جمودية القلب دي عليا .
رد زوجها بنظرة حانقة موجهة اليها أثارت ابتسامة أدهم النادرة لدرجة تعجب لها ولديه وازدادت دهشتهم وهم يتابعون حديثه المنبسط مع الجار الجديد وزوجته :
- الله ياجماعة ..هو انتوا بتبصوا لبعض كده ليه؟ أنا مش عايزة اكون السبب فى خناقة مابينكم.
تبسم الاثنان ببعض المرح استجابة لدعابته.. فقال شاكر بامتنان :
- تعبناكم معانا ياابوعلاء وقطعنا عليكم فرحة المحل الجديد .
قال علاء والذي كان واقفًا بالقرب منهم مع أخيه حسين :
- مـ.ـا.تقولش كده ياعم شاكر دا واجب علينا ..دي سلامة إبراهيم بالدنيا كلها. 
اومأ شاكر برأسه فارتسم الفخر جليًا على وجه أدهم كما ارتسمت سعادة غير مرئية على وجه سميرة التي انتقلت عيناها تلقائيًا ناحية ابـ.ـنتها الجالسة على إحدى المقاعد:
- هي شروق أختك راحت فين يافجر ؟
تمتمت بصوت خفيض :
- نزلت تجيب مية معدنية وشوية عصاير من كانتين المستشفى. 
أجفلها حسين بقوله منزعجًا:
- كدة نزلت لوحدها من غير مـ.ـا.تقول ..مش يمكن مـ.ـا.تعرفش مكان الكانتين ولا الكافتيريا حتى ؟
هزت رأسها ولم تعلم بما تجيبه فتفاجأت بالحاج ادهم وهو يأمر ولده :
- روح ياحسين وراها واطمن عليها دي المستشفى كبيرة وممكن تتوه فيها .
ذهب حسين سريعا أم علاء فقد قطب حاجيبه دهشًة من سلسلة المواقف الغربية لوالده هذه الليلة قبل ان يتحرك اَليا ويجلس بجوارها على احدى مقاعد المشفى متمتمًا بخبث :
- اَااه ..دا انا رجلي تعبتني اوي من الوقفة الليلادي.
تشجنجت هى بجلستها وقد شعرت بجسده الضخم قد احتل المسافة الفاصلة بينها وبينه وقدmيه الكبيرتان تكاد تلتصق بأقدامها الصغيرة ..رائحتة القوية سيطرت على حواسها فطغت على رائحة المشفى..تململت بعدm راحة  تريد القفز من جواره ولكنها تذكرت ابتسامته السخيفة لها.. لابد انها ستصبح ضحكة كبيرة الاَن حينما يراها تهرب من جواره ..زفرت داخلها استسلامًا وهي تهمس بصوت مكتوم وصل لمسامعه فابتسم بانتشاء:
- استغفرالله العظيم يارب
...............................
امام بائع الكانتين وقفت بمشترياتها خلف رجل وامرأة سبقوها لدفع الحساب وهي تتابع جدال المرأة مع البائع في ثمن الأشياء بانتباه حتى اجفلت على صوتٍ غريب :
- عاملة إيه دلوقتي يا أنسة شروق ؟
شهقت منتفضة وهي ترى هذا الغريب يحادثها بهذا القرب لأول وهلة .. قبل ان تستعيد ذاكرتها وتعلمُه:
- هو انت حضرتك تعرفني ؟
قال بابتسامة:
- طبعًا اعرفك هو انت نسيتي ولا ايه؟ انا صاحب علاء...
- عارفة عارفة انك صاحب جارنا علاء .
قالتها بمقاطعة وصوتها خارج بتـ.ـو.تر وتابعت :
- وعارفة كمان انك شيلت اخويا معاه وجيبتوا على المستشفى قبل ما نوصل انا ووالدي.. بس يعني إنت  تعرفني منين عشان تندهني على طول كده بأسمي ؟
شعرت بتأنيب الضمير وهى ترى تاثير كلمـ.ـا.تها الحادة على وجهه وشفتيه التى كانت تتحرك بـ.ـارتباك.. فعادت قائلة بلطف:
- انا اسفة يااستاذ.. بس معلش بقى متأخذنيش انا لسة متأثرة بحادثة أخويا ومش قادرة اميز أي كلمة خارجة مني .
أومأ برأسه :
- عندك حق يااَنسة.. ويمكن اكون خضيتك بس انا بجد قلقت عليكي .
- قلقت عليا !!
- يااَنسة .
أجفلت على صوت الفتى البائع لتجد ان الدور قد أتى عليها في دفع الحساب بعد انصراف من كانوا قبلها .. قالت وهي تتحرك سريعًا :
- طب عن إذنك بقى .
لم تنتظر إجابة فقد وجدتها فرصة للهرب من هذا الغريب ونظراته المسلطة عليها.. فلا تعلم لما شعرت بعدm الراحه نحوه .
حينما انهت حسابها مع البائع خرجت فورًا تتجاهل النظر نحوه وهي تسرع بخطواتها للخروج من الكانتين .. تنفست بـ.ـارتياح وهي ترى حسين ينزل الدرج اللولبي للمشفى لتجده سريعًا قد أتى أمامها .. فتوجه اليها قائلًا بانزعاج :
- انتي ازي تنزلي هنا لوحدك مش خايفة لتوهي فى المستشفى الواسعة دي ؟
قالت مبتسمة وقد اسعدها ما رأته في عيناه نحوها :
- اصل كنت عطشانة فسألت الممرضة ودلتنى .. بس انت نازل على السلم ليه مادام في انساسير؟
قال بحزم محبب :
- عطشانة تبقى تقولي واحنا الرجـ.ـا.لة نتصرف بدال مـ.ـا.تخليني...تخلينا نقلق عليكي ..دا انا ماقدرتش استنى الاسانسير ونزلت جري اشوفك .
تهللت اساريرها فرحًا من جملة قيلت لها مرتين هذه الليلة ولكن من حسين وقعها على سمعها كانت وكأنها أجمل كلمـ.ـا.ت العشق .
- إنتِ هاتفضلي متنحة كده وساكتة مش ياللا بقى خلينا نلحق الجماعة فوق وادي الاسانسير اتفتح اهو .
اوقفته بيدها قائلة :
- لا انا عايزة اطلع على السلم مش بالأسانسير .
حرك رأسه موافقًا بابتسامة رائعة يقول :
- ماشي ياشروق .. مع ان النزول كان عليه فرهدة بس موافق برضوا .. هاتي اللي في إيدك دا بقى .
قال الاَخيرو وهو يتناول منها المشتريات قبل ان يصعد معًا الدرج اللولبي بناءً على رغبته وكم أسعده طلبها هذا .. غافلين عن زوجُ من الأعين ترصدتهم وتابعتهم حتى اختفوا. 
................................
بعد انتهاء الليلة العصيبة والاطمئنان على الطفل المصاب .. كان لابد من العودة ليلًا إلى المنزل بعد اصرار مسؤلي المشفي الخاصة بذهاب الجميع حتى أهل المريـ.ـض .. تطوع حسين بأن اقل أسرة الأستاذ شاكر زوجته وابـ.ـنتيه.. اما الحاج أدهم فقد عاد مع ابنه علاء وصديقه سعد .
بداخل السيارة خاطب علاء ابيه قائلًا :
- متشكرين اوي ياحج على اللي عملته معانا النهاردة :
- بتشكرني على ايه بالظبط ؟
- يعني ياوالدي على كل حاجة الصراحة.. من أول مجيتك الإفتتاح الليلة لوقفتك مع الجيران ..دا دي لوحدها كبيرة قوي عندي ..خصوصًا إنهم ناس غريبة عنك ومتعرفهاش .
قال أدهم بحزم :
- مدام جيرانك يبقوا مش اغراب ولا حاجة ..ثانيًا بقى أنا سألت كويس عن الناس دي وعرفت إنهم ناس محترمين قوي .
نقل عيناه عن الطريق لينظر فجأة لأبيه قائلًا بجدية:
- هو انت فعلًا سألت عنهم ؟
قال بثقة :
- طبعًا سألت عنهم ؟ أمال يعني اسيب ناس تدخل لوالدتك وانا مش عارف أصلهم ايه ولا فصلهم ؟ 
عاد للطريق وهو يمط شفتيه قائلًا :
- والدتي !! قولتلي بقا.
عند هذه النقطة غير دفة الحديث فجأة وهو يسأل صديقه الغارق فى افكاره وهو ناظر لخارج الطريق من النافذة :
- سرحان في ايه ياسعد انت كمان ؟
اجفل من شرود قائلًا:
- هااا .. إنت بتكلمني ياعلاء ؟
قال الحاج أدهم ساخرًا :
- هه ياسعد دا انت مش معانا خالص ..إيه اللي واخد يابن مدبولي ؟
بشبه ابتسامة أومأ برأسه ولم يجيب وهو يعود لأفكاره مرة أخرى. 
عنـ.ـد.ما توقفت السيارة امام المنزل الذي احتل بمساحته قطعة كبيرة من الحارة.. وجدها فى شرفتها تنظر اليهم بترقب قبل ان تتركها وتنزل سريعًا إليهم .. ترجل أدهم من السيارة وهو يدعوا ابنه للدخول:
- مش هاتنزل تشرب الشاي حتى ؟
قال بجمود :
- معلش يا والدي خليها مرة تانية.. الدنيا ليلت .
- وافرض حتى الدنيا ليلت مش بيتك ده وبيت ابوك؟ تعالى ادخل انت وصاحبك. 
خرج صوت سعد من الكرسي الخلفي :
- خليها مرة تانية ياعم أدهم وانا هاجيبه بنفسي ونقعد معاك .
قبل ان يرد أدهم جاء صوتها المتلهف :
- حمد الله على السلامة ياحج .
سك علاء على فكه غـ.ـيظًا من وقفتها على باب المنزل بزبـ.ـنتها المتكلفة وعبائتها البيتيه الخفيفة غير مقدرة لمكانة ابيه الرجل الوقور ..فقال بغـ.ـيظ :
- عن إذنك ياولدي يادوبك اوصل سعد على بيته دا زمانه والدته قلقانة عليه .
- ماشي ياعلاء ..تصبح على خير .
قالها أدهم وهو يصفق باب السيارة بعنف.. ليذهب الى زوجته التى استقبلته بقلق مبالغ فيه :
- كده برضوا ياأدهم تسيبنى كده على اعصابي وانا هامـ.ـو.ت من القلق عليك.. هو إنت إيه اللى أخرك الوقت دا كله ؟
اغلق باب المنزل خلفه قائلًا بسأم :
- بعدين يا نيرمين..هاقولك بعدين ..بس سيبني بس اريح شوية الاول .
مصمصت بشفتيها حانقة وهى ناظرة فى اثره بعد ان تركها وسط البهو الكبير .
.....................
وبداخل السيارة تكلم سعد اَخيرًا بانتباه الى صديقه:
- احسن حاجة عملتها ياعلاء .. عشان انا عايزك فى موضوع ضروري.
- موضوع ايه اللي ضروري ياسعد؟ احنا دخلنا فى نص الليل وانا على أخري. 
قال برجاء :
- معلش والنبي ياعلاء اتحامل على نفسك نص ساعة بس واسمعني .
تأثر علاء برجاء صديقه فقال :
- ماشي ياسعد ..تحب نقعد فين بقى ؟
أجاب سريعًا بلهفة :
- عند القهوة اللى ورانا بيتنا ..دي بتبقى فاتحة للصبح .
بعد نصف ساعة وبعد ان سرد سعد ما يطلبه وانتظر رد صديقه الذي بهت وجهه لبعض الوقت قبل ان يقول اَخيرًا:
- انت متأكد من طلبك دا ياسعد ؟
- و انا يعني لو مش متأكد هاطلب منك ياعلاء ؟
كان يحاول جاهدًا انتقاء كلمـ.ـا.ته :
- ياسعد افهمني ..البت صغيرة اوى عليك .. دا غير كمان ظروف اخوها. 
قال سريعًا:
- ان كان على ظروف اخوها فالواض اكيد بكرة يتحسن .. وان كان على سنها فدي مش مشكلة لو انت اتدخلت بشطارتك معاهم ..انا عرفت انهم بيعزوك من معاملتهم ليك.. وحسب ماعرفت انهم عيلة على قدهم ومتوسطة الحال.. وانا زي ما انت عارف ظروفى مشيت كويس دلوقتى وبقيت اكسب كويس من ورشتي .
- ياحبيبي انا عارف كلامك ده بس .. انا بس مش عارف افاتحهم ازاي والله؟
قال برجاء مع اصرار شـ.ـديد ارتسم على وجهه :
- بقولك إيه ياعلاء ..انا قصدتك وانت صاحبي..ارجوك بقى اقف معايا فى الموضوع ده..انا من ساعة ماشوفت البت وانا قلبي اتعلق بيها.. وبجد بقى لو انت صاحبي بجد وحقيقى توقف معايا في موضوع جوازي من شروق !!
بالغرفة البيضاء كانت الأسرة جميعها مجتمعة حول إبراهيم الذي استعاد عافيته قليلًا ليعي جيدًا حديثه مع اسرته ..والدته بالكرسي المجاور لرأسه تطعمه بيدها وزوجها جالس على طرف التخت.. أما الفتيات شقيقاته فجر وشروق بجواره من الناحية الأخرى.. يداعبنه بالأحاديث الطريفة.
قالت شروق بمشاكسة:
- طبعًا ياعم انت هاتعيش الدور بقى علينا طول الإيام إللي الجاية دي.. اكل ودلع ونوم فى السرير براحتك ولا دراسة بقى ولا قرف .
كان رده ابتسامة ممتعضة أثارت ضكك الجميع فقالت فجر بمرح هي الأخرى :
- يالهوي عالعسل لما يكشر بوشه .
اللتفت إبراهيم مخاطبًا لأبيه :
- مـ.ـا.تشوف بناتك ياعم الحج دول اللي بيستظرفوا على ابنك العيان . 
سمع منه شاكر فقال لهم حازمًا بابتسامة:
- بس يابت انت وهي..خلوا عندكم دm بقى وبلاش غلاسة على الولد..يعني مش كفاية انه عامل حادثة ومدشـ.ـدش ..كمان انتوا تيجوا عليه .
ضحكت الفتاتان مرة أخرى مما اثرن ضيق إبراهيم الذي قال لوالده بعتب :
- حتى انت ياعم الحج بتقلش عليا مكانش العشم ..مـ.ـا.تشوفي الجماعة دول يا ست ماما .
ناولته قطعة من الفاكهة ليأكلها بفمه وهى قائلة بابتسامة:
- سيبك منهم ياحبيبي وخليك فى صحتك انت.. دول عالم فاضية .
رددت فجر خلفها :
- احنا برضوا ياست ماما عالم فاضية ؟
- ايوة عالم فاضية ورايقة كمان .
قالتها سميرة بتأكيد قبل ان تلتفت على من أطل برأسه محييًا :
- صباح الخير عليكم.
رد الجميع عليه التحية عدا فجر التي خبئت ابتسامتها.. فتقدm هو لداخل الغرفة قائلًا بحبور:
- عيني بـ.ـاردة عليك ياابراهيم .. اخبـ.ـارك إيه النهاردة يابطل ؟
- الحمد لله كويس انا النهاردة يامعلم علاء .
- اقعد يابنى انت هاتقعد واقف.
قالها شاكر وهو يشير بيده على إحدى المقاعد .. أجفل علاء الذي كانت مازالت عيناهُ عالقة ناحيتها ..تحرك ليجلس امامهم وهو يقول :
- انا لسة جاي من عند الدكتور دلوقتي وطمني على حالة إبراهيم.. دا بيقول انه خلاص ممكن يخرج النهاردة او بكرة بالكتير .
- ايوة يابني صحيح زي ماقالك كده ..بس انا زعلان من والدك ..عشان دفع حساب المستشفى من غير مايقولي .
جحظت فجر عيناها غضبًا اما علاء فقد ردد خلف ابيها سائلًا:
- ابويا انا دفع؟! امتى ده ؟
جاوبته سميرة :
- النهاردة الصبح يابنى وصل مع اخوك حسين وقعدوا شوية مع إبراهيم قبل ما يخرجوا مع شاكر .
- هو حسين خرج بدري شوية عشان كان وراه مشوار مهم ..والدك بقى فضل معايا حبتين زيادة لكنه ماجبليش سيرة نهائي ..عرفت انا بالصدفة من حسابات المستشفى بعد هو ما مشي .. بس ليه كده يابني ؟ دي الحال مستورة والحمد لله .
قال علاء بابتسامة صافية امام نظرات فجر التى اشتعل الغضب داخلها :
- وماله ياعم شاكر دا احنا اهل .
بعد هذه الجملة فقدت السيطرة ولم تعد تقوى بعدها الصمود :
- عن اذنكم !
- رايحة فين يابـ.ـنت ؟
انصرفت سريعًا ولم تكلف نفسها عناء الرد على والدتها التى قال مندهشة فى أثرها:
- هي البت دي خرجت وراحت على فين ؟
اجابتها شروق وهى تتحرك للخروج ايضًا :
- تلاقيها بس عندها مكالمة مهمة ولا حاجة..انا رايحة اشوفها .
قال علاء وهو ينظر في اثر شروق هي الأخرى رغم تغيره من موقف فجر :
- طب انا كمان كنت عايزك فى موضوع مهم ياعم شاكر ..بمناسبة ان ربنا نجا إبراهيم وخلاص خارج قريب ان شاء الله من المستشفى. 
...........................
بخطوات مسرعة كانت تهتف للحاق بها :
- استنى يافجر بقى شوية انتى ايه قطر ؟
التفت لشقيقتها وسط رواق المشفى قائلة بحدة :
- يعني عاجبك اللي بيحصل ده ياشروق ؟
قالت شروق بصوتٍ خفيض وعيناها تدور على البشر المتناثرين حولهم :
- وطي صوتك يافجر الناس واخدة بالها .
زفرت بداخلها وهي تحاول السيطرة على الغضب المتصاعد داخلها فقالت مابين اسنانها :
- انا هافرقع من الغـ.ـيظ ياشروق ..الناس دي بقت فارضة نفسها علينا بشكل مستفز وأبوكي وامك قابلين وساكتين ..هو في ايه بالظبط؟
قالت شقيقتها بنفي رغم مايدور بعقلها :
- وانا هاعرف منين يعني؟ ما انا زيي زيك ؟
- مالكم واقفين هنا ليه ؟
التفت الاثنتان على سحر وقد اصبحت امامهم فتابعت مازحة:
- اوعوا تقولولي انكم اتخانقتوا هنا فى المستشفى؟لأ عيب نفرج الناس علينا. 
تبسمت شروق للمداعبة اما فجر فقالت :
- كويس انك جيتي ياسحر ..اصل انا بصراحة مخـ.ـنـ.ـوقة ونفسي ارغي معاكي وافك شوية .
همت لتتكلم ولكنها صمتت متسمرة وهي ترى علاء وهو خارج مع شاكر من حجرة إبراهيم فقالت ذاهلة :
- يانهار أبيض.. مين الحليوة دا اللي خارج مع ابوكي يافجر؟
قالت حانقة :
- حتى انتي كمان ياسحر ؟
.............................
على طاولة مستديرة جلس الاثنان بداخل كافتيريا المشفى بناءً على طلب علاء الذي تلعثمت الكلمـ.ـا.ت داخل فمه وهو يدعوا الله ان ينتهي من هذه المهمة الثقيلة .
- يابني ما تتكلم ساكت ليه؟ انت مش قولت عايزني في موضوع مهم ؟
تحمحم يجلي حلقه فقال بحرج :
- أسف ياعم شاكر بس انا مكسوف صراحة عشان الظرف يعني.. لكن اعمل إيه بقى في صاحبي اللى قصدني وشـ.ـدد عليا عشان افاتحك .
- صاحبك مين ؟ وعايزك تفاتحني فى ايه ؟
- صاحبي سعد وهو...قصدني فى موضوع نسب معاك..
قاطعه شاكر قائلًا ببساطة:
- قصده يعنى على فجر ..ومالك يابنى محرج ليه؟ ما انا على طول الناس بتفاتحنى عنها .
شعر بشحنة من الغضب اندفعت بداخله فجأة وهو يقول بحدة :
- لا طبعًا هو مايقصدتش فجر ؟
- امال هو قصده على مين؟...معقولة يقصد شروق ؟
اومأ برأسه وهو يتابع:
- انا عارف انه اكبر منها بيجى عشر سنين على الاقل ..بس هو انسان محترم وعشرة عمر و.......
صمت عن اكمال جملته وهو يرى شاكر الذي كان يضحك بدون سبب .
- هو انا قولت حاجة تضحك ياعم شاكر ؟
قال معتذرًا وهو ينهي ضحكته :
- معلش يابني ما تأخذنيش اصل شروق العريس التاني يتقدm لها فى نفس اليوم..والعجيب بقى انه كمان من طرفك برضوا ويُخصك؟
قطب سائلًا بدهشة :
- تقصد بمين إنه من طرفي ويخصني ؟
قال شاكر بابتسامة:
- يعني انت متعرفش ان والدك الحج ادهم المصري طلب إيد شروق النهاردة لحسين اخوك ؟
وكأن دلوًا من الماء البـ.ـارد سقط على رأسه لم يعرف يرد على الرجل ولو ببـ.ـنت شفاه ..فتابع شاكر :
- دا حتى بالأمارة طلب مني افكر براحتي انا والبـ.ـنت على ما يخرج ابراهيم بالسلامة من المستشفى وبعدها تبقى الزيارة رسمي.
تصبب العرق فوق جبهته من هذا الموقف الحرج فسأله بتـ.ـو.تر:
- طب انت كده هاتوافق على مين فيهم ياعم شاكر ؟
- شوف يابنى انا هاعرض الموضوع على البـ.ـنت وهي بقى اللي تقول رأيها ..ان كانت موافقة على واحد فيهم ولا هاترفض الاتنين .
بلع ريقه فقال بتـ.ـو.تر :
- طبعا دا حقها أكيد .
...............................
حينما انهى مقابلته مع شاكر ..خرج سريعًا من الكافتيريا وكأن الشياطين تلاحقه .. يريد الخروج من المشفى واستنشاق هواءً طبيعي ..فطوال سنوات عمره التي تعدت الثانية والثلاثون لم يتعرض لمثل هذا الحرج.. كيف لأخيه ان يفعل هذا ويتقدm لخطبة الفتاة جارته دون حتى ان يخبره .. ولسخرية القدر يتم هذا الاَن بعد اظهار سعد صديقه نيته الواضحة للزواج بها ..فكيف يكون وضعه حينما تختار واحد منهم دون الاَخر ..في اية جهة يقف الاَن؟
- حاسب ياأخينا.
خرجت بخشونة من أحد الأشخاص الذي كاد أن يصدm به.. تراجع فورًا للرجل ليذهب من جواره .. استدرك نفسه وهم ليكمل طريقه ولكنه توقف مبهوتًا لهذه الأعين المسلطة عليه وهو يقف أمامه بوسط الرواق بمسافة ليست بقريبة غير منتبه لحديث أحد الأشخاص بجواره.. ملامحه الإرستقراطية نحتت مع تطور سنوات عمره لتزيده وسامة و جاذبية أكثر . يرتدي حلة رمادية وكأنه أحد المسؤلين.. بلمحة بسيطة شعر بحنين الصداقة القديمة ولكنه تذكر سريعًا كيف انتهت ..إحتدت عيناه واشتعل صدره بغضبه القديم ..فتحرك سريعًا يتخطاه حتى اصطدm به عن قصد حتى كاد الرجل ان يسقط لولا أنه تماسك ومع هذا لم يتكلم او يعترض حتى ..هتف الرجل الذي بجواره:
- دا اتجنن دا ولا إيه ؟ 
اوقفه بأشارة بكفه ليصمت فسأله الرجل بفضول :
- انت تعرف الراجـ.ـل دا ياعصام بيه ؟
بلهجة الأمر قال :
- اسمع ياعزمي انا عايز ادخل حجرة الكاميرات دلوقتي حالًا .
قال الرجل بإذعان :
- تحت امرك ياباشا. 
..................................
خطت لداخل الغرفة نحو زوجها الجالس على الإريكة الاثيرة امام شاشة التلفاز يدعي المشاهدة ولكن ملامح وجهه المنغلقة تظهر عكس ذلك وهو يتلاعب بمسبحته بشرود .. حتى انها جلست بجواره ولم يشعر بها.. فتساءلت بصوت مسموع :
- اللي واخد عقلك ياحج يتهنا بُه !
أجفل من شروده فالتفلت اليها قائلًا :
- نعم يا نيرمين عايزة إيه ؟
بلهجتها الناعمة :
- يعني هاعوز ايه بس ياحج ؟ هو انت منقصني من أي شئ؟ انا بس مستغربة يعنى سرحانك الكتير الأيام دي .. هو انت في مشكلة عندك في الشغل ؟
قال بمغزى :
- وهي المشاكل انحصرت بس في الشغل يانيرمين ؟ والشخصية بقى مافيش؟ولادي اللي انصرفوا عني وعاشوا حياتهم ولا مراتي اللى سابتني بعد العمر دا كله؟ دا عادي بقى عندك ؟
قالت بـ.ـارتباك :
- لا طبعًا انا مقصديش حاجة وحشة ..انت عارفني من الأول انا راضية بقليلي ونفسي نبقى عيلة واحدة كمان .. بس هما بقى اللي رفضوا وبعدوا من نفسهم..انا حتى ملحقتش اعمل مشاكل معاهم عشان تتحسب عليا.. لكن تقول ايه بقى؟ ولادك ودmاغهم ناشفة زيك والست زهيرة بقى فدي خدت على الدلع والأنانية ..فشئ طبيعي ترفض اللى قبلت بيه ضرتها الصغيرة والغلبانة .
- انت غلبانة يانيرمين ؟
قالت حانقة من سؤاله الساخر:
- انت قصدك ايه ياحج ؟
- مقصديش حاجة يابـ.ـنت الناس ..عن اذنك بقى .
قالها ونهض فتركها تنظر لأثره بغـ.ـيظ .
............................
بداخل غرفته بشركة الأدهم للسياحة والسفر كان جالسًا مع احد العملاء حينما أجفله شقيقة باقتحام الغرفة بوجهه الجـ.ـا.مد دون استئذان وخلفه السكرتيرة تردد برجاء لمديرها:
- اسفة ياحسين بيه بس انا قولتلوا انتظر دقايق لكنه مرديش .
اشار لسكريرته بالإنصراف وتقدm هو نحو أخيه مرحبًا :
- دا ايه الزيارة الجميلة دي نورت المكتب يامعلم علاء .
صافحه بجمود اثار استيائه وهو يخطوا لداخل الغرفة حتى جلس امام العميل الذي شعر بالحرج أيضًا فنهض على الفور عن مقعده :
- طب عن إذنك بقى ياحسين بيه ..اكمل معاك في وقت تاني ..تشرفنا ياحضرت .
اومأ علاء برأسه وتولى حسين مصاحبة الرجل حتى باب المكتب يحدثه بلطف واعتذار حتى خرج فصفق باب الغرفة خلفه ليلتفت الى أخيه قائلًا بقلق :
- في ايه ياعلاء ؟ هو في حاجة حصلت ؟
تلاعب قليلًا بشاربه وهو ينظر إليه بغموض حتى جلس امامه فقال اَخيرًا :
- اطمن ياحسين باشا مافيش حاجة حصلت .. دا بس اخوك الغلبان جاي يستفسر منك عن حاجة كده.
- غلبان !
خرجت منه باستنكار قبل ان يتابع :
- هو في ايه بالظبط ياعلاء ؟ دي مش عوايدك يعنى تتكلم بالالغاز ..مـ.ـا.تقول اللى انت عايز تفتسر عنه يمكن افهم .
قال مباشرةً:
- اجيبلك من الاَخر ياحسين بيه .. لما انت بتحب ابوك اوي كده ومكبره عشان تطلب إيد البـ.ـنت ..طب حتى ادينى فكره بحكم اني جارها مش في الأصل اخوك. 
- بـ.ـنت مين ؟ انت قصدك شروق ؟ معقول؟
قالها باندهاش وعدm تصديق وتابع :
- يانهار ابيض..هو بابا لحق يطلب إيدها ؟.
هتف عليه غاضبًا :
- انت هاتستهبل عليا ياض .. يعني هو طلبها من غير ما يقولك ؟
- يابني افهم انا قولتلوا عن رغبتي للإرتباط بيها .. لكن مكنتش اعرف انه هايلحق بسرعة دي كدة يطلبها من والدها ..بس انت ايه اللي مزعلك ؟
- اللي مزعلني انك ماقولتليش وخليت منظري زي الزفت النهاردة لما والدها فاجأني وانا بافاتحه عن موضوع سعد .
- وماله سعد بشروق ؟
تنهد بثقل وهو يمسح بكفيه على وجهه وأخيه يردد السؤال على اسماعه :
- مال سعد بشروق ياعلاء ؟
- كان عايز يتجوزها هو كمان .
- نعم !!
صاح عليه حازمًا :
- حقه ياحسين ..شاف البـ.ـنت عجبته وطلب مني اشوف أهلها بحكم إني جارها ..عمل اللي انت ماعملت ماعملتوش .
زفر حسين وهو يحاول التماسك أمام أخيه:
- ياعلاء كفاياك تقطيم فيا بقى ..انا ملحقتش افاتحك بحكم السفرية اللي جات فجأة وبعدها حادثة إبراهيم أخوها ..وان كان على والدي فانا وربنا ما اعرف السبب اللي خلاه يجري بسرعة كدة ويطلب إيد البـ.ـنت .. يمكن ماصدق بقى عشان يخلص مني ويخلاله الجو مع عروسته الجديدة.
قال الاَخيرة ممازحًا جعلت طيف ابتسامة تغزوا ملامح اخيه الذي أكمل:
- أو يمكن عايز يقربك منه من تاني .
ردد خلفه بتفكير :
- يمكن برضوا!
................................
وعودة للمشفى وبداخل غرفة إبراهيم دلف شاكر بابتسامته المعهودة وهو يمشط الغرفة بعيناه :
- ايه ده؟ هما خواتك مشيوا ياعم هيما ولا إيه؟
قالت سميرة التي كانت تنتهي من صلاتها وتهم لطوي سجادتها:
- بناتك ياخويا الاتنين خرجوا مع سحر يوصلوها لخارج المستشفى. 
جلس بجوار ابنه المصاب وهو يقول :
- بـ.ـنت حلال سحر دي وتستاهل كل خير ..أنا مش عارف بس إيه إللي أخرها من الجواز ..هي الرجـ.ـا.لة عمـ.ـيـ.ـت ؟
رددت خلفه زوجته :
- لأ ياخويا ما عمـ.ـيـ.ـتش ..دي البنات هي اللي بتدلع على كيفها ..ولا انت ناسي النسخة التانية منها معاك ..مقصوفة الرقبة فجر .
تدخل إبراهيم:
- مالها فجر بس ياست ياماما؟ ماهي زي الفل معانا هي لازم تتجوز يعني؟
شهقت سميره ضاحكة :
- ينيلك ياواض .. لهو انت مش عايز اختك تتجوز زي البنات ولا تشيل ولادها .
- لأ مش عايزها تتجوز .
قال ابيه ايضًا وهو يضحك :
- يخرب عقلك ياابراهيم ..دا انت طالع حمش قوي على كده ..بس ياحبيبي البـ.ـنت مالهاش غير بيت جوزها.. ومهما قعدت في بيت ابوها ..بيتها هو بيت جوزها في الاَخر. 
تنهدت سميرة بصوت عالي قائلة :
- اه ياابو فجر ..ياما نفسي اجوزها بقى وافرح بيها..نفسي تعقل وتبطل جنان.. كمان لو توافق على المهندس ابن صاحبك ده وتفرح قلبي. 
- سيبك بس من ابن صاحبي وركزي في اللي جاي.. ان شاء الله فجر هايجلها نصيبها وهاتفرحي بيها بس انتي قولي يارب..انا دلوقتي فى بـ.ـنتك الصغيرة .
- بـ.ـنتي الصغيرة مالها ياراجـ.ـل ؟
- ياولية افهمي بقى البت الصغيرة إتقدm لها اتنين النهاردة ؟
فغرت فاهاها دهشة وقالت :
- هنا والاتنين النهاردة فى المستشفى؟!
تبسم شاكر فسبق إبراهيم والدته بالسؤال :
- هما مين يابابا ؟ فيهم حد نعرفه؟
هم شاكر ليجيب ولكن استوقفه طرقٌ على باب الغرفة ..ليدلف بعدها رجل مهيب بحلته الرمادية ومعه الطبيب المعالج لإبراهيم الذي قال بابتسامة جميلة لإبراهيم:
- السلام عليكم..عامل ايه النهاردة يابطل ؟الباشا مدير المستشفى جاي بنفسه يشوفك النهاردة. 
نهض شاكر مرحباً بالرجل:
- اهلًا ياباشا ..دي إيه المفاجأة الحلوة دي؟
سميرة ايضًا:
- يااهلًا مرحب بيك يا سعادة الباشا. 
تحدث هو بصوت رزين ولكن متردد:
- انا جيت النهاردة وعملت مرور على بعض الحالات .. اا انت كويس ياابراهيم.. الدكتور بتاعك طمني عليك .
اجاب إبراهيم بروتينية:
- نحمد ربنا على كل حال. 
وكأنه يتفحصهم او يبحث عن إجابة ظل ينظر إليهم بأعين مشتتة وهو يستمع من الطبيب المعالج لإبراهيم وهو يصف حالته.. حتى دلفت الشقيقتان .
- السلام عليكم. 
- ايه ده ؟ هو في ايه ؟
جذبت المراَة بناتها الاثنتان من ايديهم تسحبهم لداخل الغرفة و تهمس لهم :
- بس يامنيـ.ـلـ.ـة انتي وهي ..دا البيه مدير المستشفى؟
قالت فجر بدهشة:
- ودا إيه إللي جابه عندنا؟
أكملت سميرة بنفس الهمس:
- بيقولك قال عامل مرور على الحالات. 
همست شروق هي الأخرى بمزاح :
- وجاي عند إبراهيم أخويا مخصوص بقى عشان يطمن عليه و..
قطعت جملتها ولم تكملها حينها فقد أخافتها نظرة هذه الرجل المهيب رغم صغر سنه وهو يحدق بها وكأنه رأى شبحًا أمامه .. جف حلقها ولم تستطيع التنفس إلا حينما انتقلت نظراته إلى فجر ثم ما لبث ان فاجأهم بسؤاله المباشر:
- هو انت تعرفوا علاء المصري منين ؟
أجفل الجميع من سؤاله المباغت لكن شاكر هو الذي اجابه رغم دهشته :
- المعلم علاء يبقى جيرانا يابني ..بس ابن حلال هو وابوه واخوه. 
اومأ برأسه وعيناه نحو الفتاتين :
- جيران وبس ؟
قال شاكر وقد ازدادت دهشته :
- ايوه جيران وبس ..لكن واضح بقى ان انت تعرفه ؟
تمتم بغموض :
- طبعًا أعرفه وعز المعرفة كمان ..عن اذنكم .
قال الاَخيرة وخرج على الفور وخلفه الطبيب ..امام دهشة شاكر وأسرته جميعها. 
قالت شروق وهي تتنفس اَخيرًا ارتياحًا بخروج هذا الغريب:
- يانهار ابيض الراجـ.ـل ده خـ.ـو.فني قوي .
قالت فجر خلفها معترضة :
- بقى ده خـ.ـو.فك ياهبلة.. دا حتى شكله ولا البهوات اللي بيجوا في التليفزيون.
قال أبيهم :
- بس عجيبة يعني إنه بيسألني عن علاء!
- ياخويا ولا عجيبة ولا حاجة.. خلينا إحنا فى موضوعنا .
قالتها سميرة وهي تجلس على احدي المقاعد الجلدية امامهم وتابعت مع زوجها :
- ها بقى ياابو إبراهيم ..انت كنت بتقولي ان شروق متقدmلها عريسين .. هما مين بقى ؟
صدر صوتها من الخلف:
- شروق مين ياماما؟
قالت سميرة بسخرية :
- هو احنا عندنا كام نسخة منك ياهبلة بنفس الإسم؟
قالت شروق بابتسامة مرتابة قالت :
- معقولة!يعني انا متقدmلي عريسين ..ودول يبقوا مين يابابا 
ترقبت متفحصة وجه ابيها الضاحك وهو يتلاعب بالكلمـ.ـا.ت معهم عن معرفة هوية العريسان..حتى صاحت عليه زوجته :
- في إيه ياشاكر تعبت قلوبنا معاك ..مرة تقول معرفة جديدة ..مرة تقول الاتنين من طرف واحد ..هي فزورة ياراجـ.ـل مـ.ـا.تقول بقى وريحنا. 
- يعني غلب حماركم؟
تذمر الجميع فخرج صوت زوجته الساخط :
- يووه بقى انت لسه هاتحزر وتفزر من تاني ؟
ضحك بصوت عالي قبل ان يقول اَخيرًا:
- خلاص خلاص انا هاتكلم .. شوفي يابت ياشروق انا هابتدي بالعريس التاني وهاسألك مباشرةً كدة ..إيه رأيك في الراجـ.ـل اللي اسمه سعد صاحب علاء؟
هتفت مستنكرة :
- ميين !! لا طبعًا يابابا ..مش عايزاه مش عايزاه. 
سالت سميرة بعدm فهم :
- سعد مين اللي صاحب علاء ؟
اقترب منها زوجها يذكرها به ..اما فجر فتذكرته جيدًا بعد ان تناسته منذ فترة طويلة .. سعد .. لقد كان جار فاتن الصامت .. الصامت دائمًا او قليل الكلام بشكل أدق  ..حينما رأته في يوم حادث أخيها لم تتعجب ابدًا ..فهي كانت تعلم انه صديق هذا المدعو علاء.. أجفلت من شرودها على صيحة شقيقتها :
- في ايه يابابا؟ مـ.ـا.تقول بقى على اسم العريس التاني..ولا انت فالح بس تقولي على العريس المنيل ده اللي جـ.ـسمي قشعر بس من أسمه .
قال شاكر بتعجب:
- ياساتر يارب ..جـ.ـسمك قشعر من اسمه بس! طيب ياستى العريس التانى يبقى حسين ادهم المصري..وحش دا كمان عشان نرفضوا برضوا ولا ؟.
هتفت على الفور ضاحكة:
- لا طبعًا ترفضوا دا ايه ياعم شاكر ..اش جاب لجاب بس ياراجـ.ـل حـ.ـر.ام عليك وقعت قلبي .
تبسمت سميرة بفرحة غامرة أما ابيها فقال ممازحًا:
- شوفي ياخويا البت وبجاحتها..طب وربنا انا قلبي كان حاسس عشان كده ابتديت بالتاني.
قال إبراهيم هو الاَخر ضاحكًا :
- ايوة بقى يابت ياشروق ..الواض حليوة وشكله زى الخواجة .
قالت شروق وهي لاتستطيع السيطرة على دقات قلبها المتسارعة من الفرحة :
- ايوة ياهيما .. دا انا مش مصدقة نفسي ولا مستوعبة اللي بيحصل .
هتفت فجر بغضب فاجأ الجميع :
- هو في ايه بالظبط؟ هي الناس دي خلاص بقى موراهمش حد غيرنا؟
أجفل ابيها من حدتها قائلًا:
- مالك يابـ.ـنتي؟ هو انت مش عاجبك حسين ؟
قالت خلفه سميرة بحزم :
- وهي إيه دخلها بالعريس ..ماهي لو عايز تتجوز هي كمان..احنا مش ممانعين.
قالت شروق هي الاَخرى :
- انت زعلانة يافجر عشان هاتخطب قدامك ..لو عايزاني اَأجل الموضوع ده انا موافقة ياحبيبتى..بس انتي مـ.ـا.تزعليش. 
كانت تهز رأسها بعدm استيعاب وهي ترى حديثها اخد منحى اَخر غير الذي تقصده :
- ياجماعة افهموني .. انا ماعنديش مانع من خطوبة شروق ولا عندي اعتراض حتى على العريس ..انا بس مخـ.ـنـ.ـوقة من العيلة دي وحاسة انهم فارضين نفسهم علينا بالعافـ.ـية:
قال ابيها ببساطة:
- وافرضي زي مابتقولي كده..ايه اللي حاصل بقى؟ ماهم طالبين النسب يعني مش حاجة عيب ولا حـ.ـر.ام .
حركت شفتيها تحاول اخراج جملة مفيدة تدعم موقفها امام نظراتهم المترقبة ولكنها لم تجد ..فتحركت اَليًا نحو الخارج قائلة باستسلام :
- انا طالعة اشم هوا .
خرجت مغادرة بخطوات مسرعة ولم تنظر ولا تلتفت على صيحات ابيها الذي خرج خلفها..فلم يستطع اللحاق بها ولا معرفة وجهتها .
عنـ.ـد.ما عاد الى الغرفة متهدل الأكتاف بملامح ساكنة سألته فورًا زوجته :
- هي راحت فين ياشاكر .
- مش عارف .. انا خرجت وراها بس ملحقتهاش..هي البت دي مالها ؟
قالت سميرة بتوجس:
- معقولة تكون زعلانة عشان هاتتخطب شروق قبلها ؟ بس انا عارفة بـ.ـنتي فجر كويس لايمكن تفكر في كده ابدًا .
قالت شروق وقد اختفت ملامح الفرح من وجهها :
- هي دايمًا بتكره علاء وعيلته ياماما ..معرفش ايه السبب؟
- طب وبعدين احنا كده بقى نوافق ونراضي اختها ولا نرفض ونراضيها هي؟
سألها شاكر بحيرة فقالت زوجته بلهفة:
- نرفض دا ايه ياعنيا ؟ هاتي يابت نمرة الحاج ادهم ولا اقولك هاتي تليفونك ادوس على رقم علاء انا حافظاه من والدته..هاتيه وانا اكلمه 
........................
بغرفته الحبيبة التي اصبحت مسكنه ومأواه من وقت أن تزوج أبيه وتركت والدته وأخيه البيت .. أصبح يقضي معظم اوقاته في العمل وحينما يعود على ميعاد النوم فقط ..فلا يأكل في البيت إلا قليلًا في حضور أبيه..عدا ذلك فهو يطلب طعامه بداخل غرفته ..فلايريد الجمع بينه وبين هذه المرأة حتى لو على مائدة طعام .. كان خارجًا من حمام غرفته ينشف شعر رأسه بمنشفة صغيرة حينما سمع طرق على باب غرفته وصوت ابيه يردد :
- حسين..انتي صاحي ولا نايم يابني؟
تحرك سريعًا يرتدي تيشيرت ابيض على جزعه العاري وهو يجيبه:
- انا صاحي يابابا.. على طول هافتح اهو .
في ظرف ثواني كان عند باب الغرفة يفتحه لوالده 
متسائلًا بدهشة لزيارته؟
- في حاجة يابابا؟
تكلم أدهم برزانته المعتادة :
- انت هاتسيبني واقف كده على الباب؟ من غير مـ.ـا.تقولي اتفضل .
انزاح من أمامه مرددًا بحرج:
- انا اسف يابابا معلش..اتفضل طبعًا أكيد .
دلف ابيه ممشطًا بعينيه الغرفة قائلًا بمزاح :
- ايوة كدة بقى خلينا ندخل عرينك ياأسد ونعرف مخبي إيه جواه يخليك تستغنى عن بقية البيت كله !
انتبه حسين لمزاح ابيه اللازع فاستجاب بابتسامة هادئة:
- ماشي ياحج أدهم مقبولة منك ..بس انت عارف بقى إن انا معظم الوقت مشغول. 
بابتسامة ماكرة قال أدهم وهو يجلس على طرف التخت:
- ياراجـ.ـل ..يعني لما تتجوز شروق بقى هاتفضل برضوا معظم الوقت بره البيت ؟
ضحك باضطراب يشوبه الحياء قائلًا :
- إيه يابابا بس؟ على طول كده خليتها مراتي ..مش لما يوافقوا الاول على الخطوبة؟
- ماهم وافقوا .
- نعم !!
- نعم الله عليك ياحبيبي..بقولك وافقوا..انت اطرش يابني ؟
هنا ازدادت ضحكاته صخبًا وفرحة قائلًا:
- جرا ايه يابابا الله؟لسة مش مصدق ياعم .. دا بجد بقى مش هزار .
اجابه بابتسامة سعيدة لفرحه:
- لا صدق ياحبيبي..والدها اتصل بيا حالًا وبلغني الموافقة..وانا اتفقت معاه اننا هانزورهم رسمي بعد خروج ابنهم من المستشفى على طول .
قال متبسمًا بامتنان:
- انا متشكر قوي يابابا انك اتصرفت بسرعة كدة وطلبتها..بصراحة طلبك في الوقت ده وبالسرعة دي وفر عليا كتير قوي.. المهم بقى انا عايز دلوقتي اتصل انا لازم اتصل على علاء ابلغه .
قال الاَخيرة وهو يتناول هاتفه من على الكمود..اوقفه ادهم قائلًا:
- لا ما اخوك عرف خلاص ..والدة البـ.ـنت اتصلت عليه وبلغته بنفسها .
تنفس حسين بـ.ـارتياح فقال:
- كويس قوي .
أجفله أدهم في طلبه :
- هاتسكن معايا ياحسين بعد الجواز ولا هاتخلف بوعدك؟
رغم ثقل مايطلبه على نفسه ولكنه أومأ برأسه موافقًا لإرضاءه. 
- معاك يابابا ان شاء الله.
.........................
بخطواتٍ مثقلة تقدm ناحية القهوة الشعبية التي ضمتهم لفترة طويلة من الزمن.. وشهدت على أيام الفرح والحـ.ـز.ن جلسات السمر والضحك.. ها هو جالس كعادته يدخن الأرجيلة وأمامه فنجان قهوته في انتظار ما سيخبره ..يبدوا شاردًا من نظرته لنقطعة بعيدة في الفراغ.. ترى بماذا يفكر ؟ تنهد بعمق وهو يقترب منه يتمنى انتهاء هذه المهمة الثقيلة على قلبه في الحال .. 
أجفل سعد من شروده على أصوات الرجـ.ـال حوله ممن يرددن التحية للمُعلم علاء ابن حارتهم وجارهم قبل ان يترك المنطقة مع والدته ..نهض عن مقعده فاتحًا ذراعيه للعناق الأخوي متبسمًا بأمل:
- حبيبي ياابو الصحاب ..ازيك يامعلم .
بادله العناق الرجولي مجفلًا هو يرد له التحية..قبل أن يجذبه سعد للجلوس قائلًا بلهفة:
- هاا يامعلم طمني..إيه الأخبـ.ـار ؟ انا قاعد على نار من ساعة ماقولتلي في التليفون عايز اقابلك .
ها قد بدأنا.. يبدوا ان سعد سيصعب عليه المهمة ..تحمحم يجلي حلقه فقال متهربًا :
- كده على طول! مش لما اَخد نفسي الأول ولا اطلبلي حاجة أشربها حتى.
- قهوة مظبوط للمعلم علاء ياض ياحودة .
هتف بها سعد بعجالة نحو فتى القهوة قبل ان يلتفت الى علاء متابعًا:
- وادينا طلبنالك حاجة تشربها ..اخلص بقى ياللا ياعلاء قول اللي فيها.
قطب علاء بدهشة قائلًا :
- هو انت لدرجادي البت معلقة معاك؟ دا انت يدوبك شوفتها مرة ولا مرتين ياسعد!
قال متشـ.ـدقًا:
- وافرض شوفتها مرة واحدة حتى ياأخي وعجبتني وطلبت اني اتجوزها..فيها حاجة دي؟
- لا مافيهاش حاجة ياسعد.. بس انا بصراحة مستغرب لهفتك دي وتسرعك في طلب ايدها؟
قال بتـ.ـو.تر :
- مستغرب ليه يعني؟أنا اساسًا بقالي مدة بفكر وبجهز للجواز فلما شوفت البـ.ـنت قلبي شاور عليها وقولت ان خير البر عاجله..المهم بقى انت عملت إيه خلصني ياصاحبي وريح قلبى .
تنهد مطولًا وهو يجسر نفسه للرد فقال:
- شوف ياسعد انا هاقولك اللي حصل بالظبط وانت تحكم بقى .
قال بقلق :
- هو انا ليه حاسس انك هاتصـ.ـد.مني ياعلاء؟ هي البت رفضت ولا ابوها هو اللي مرديش؟ 
نظر اليه صامتًا لبعض الوقت قبل ان يقول اَخيرًا :
- انا مش هاصدmك ياسعد انا هاقول اللي حصل وبس .
ترك ذراع الأرجلية بعنف على الطاولة الصغيرة قائلًا :
- وايه هو بقى اللي حصل ؟
...............................
دلفت لداخل شقتهم فتفاجأت بعدة أكياس مغلفة .. لملابس بيتية ومنامـ.ـا.ت علقت على واجهتها صور لفتيات ترتديها بحرية وبالأعلى كتب بالخط العريض اسم ماركتها المحليه الرخيصة.. متناثرة على كنب الصالون بشكل فوضوي .. أزاحت مجموعة منها بيدها لتجلس وهي تهتف :
- ياماما .. انتي فين ياماما ؟
خرجت لها سريعًا وهي تنشف يداها بمريلة المطبخ التي ترتديها ..فقالت :
- ايوه أيوة ..بتندهي بصوتك العالي كده ليه؟ خضيتي الجيران. 
لوحت بيدها حولها قائلة بضيق:
- بنده عشان اشوف البلاوي دي ..ايه ده ياماما؟ هو انت نويتي تفتحي محل قمصان نوم وعبايات بيتي ؟
- هاها ظريفة اوي.. حقيقى ضحكتيني. 
قالتها بسخرية وهي تخطو لتلملهم بيدها وتابعت:
- دول هدايا ياعنيا ؟
- هدايا لمين ؟
- هدايا لمرات خالك عيد وبـ.ـنتها العروسة ؟
صاحت عليها صارخة:
- كل دول هدايا.. ليه ياأمي؟ هو انتي غنية اوي لدرجادي ؟
اعتدلت رجاء تجلس أمامها بعد ان وضعتهم جميعا على المنضدة الصغيرة فقالت بضيق:
- مش كلهم يامنيـ.ـلـ.ـة.. هي أساسًا كانت موصياني عليهم ..عشان البلد هنا ارخص والحاجات كتير واحلى .. وانا بقى جبتلها كام واحد من نفسي .
تمتمت بحنق
- اممم .. ماشي ياماما ..ربنا يهني سعيد بسعيدة. 
- وانتي بقى فين هديتك ؟
قالت بتهكم ردًا على سؤالها :
- نعم !! هدية مين ياحبيبتى وانا مالي أصلًا ؟
- انت مالك دا إيه ؟ امال هاترحي معايا بأيد فاضية؟. 
فغرت فاهاها وتدلى فكها بشكل فكاهي وهي تومئ بيدها فى الهواء وتوشك على الإصابة بصدmة عصبية:
- تاني ياماما..تاني برضوا..مُصرة انك تاخدينى معاكي الزفت البلد رغم كل اعتراضي ده ..انا قايمة وسيبهالك .
نهضت على الفور تاركة والدتها فى الصالة وحدها والتي همست بتوعد :
- ماشي ياسحر ..ان ماكنت اخليكي تيجي معايا مبقاش انا رجاء 
...............................
- نعم !!
قالها بحدة وهو ينهض عن مقعده بعنف لدرجة أجفلت من حوله من الرجـ.ـال واثارت استياء علاء الذي خاطبه بحزم:
- اقعد ياسعد بلاش فضايح.. الرجـ.ـا.لة حواليك أخدت بالها .
تابع الاَخر دون ان يبالي :
- وماياخدوا بالهم ولا يتفلقوا حتى..هو انت يهمكم حد في الدنيا غير مصلحتكم .
نهض علاء واقفًا ليساويه في الطول بل ليُظهر الفرق الشاسع بين جسده الضخم الطويل وجسد الاَخر المتوسط والهزيل..قال علاء بتحذير:
- تقصد إيه بكلامك ياسعد اننا مايهمناش غير مصلحتنا ؟
هتف سعد أمام نظرات الرجـ.ـال الذين ارتكزت أبصارهم عليهم :
- قصدي انت عارفه كويس ياعلاء.. افهم ايه انا بقى لما أكلمك عن واحدة جارتك تخطبهالي ..وتيجي انت تاني يوم تقولي اخوك اتقدm لها كمان.. لا وابوها قال خيرها ما بيني وبينه؟ والبـ.ـنت بقى اختارته هو ..ماهو طبيعي انها تختاره..ابن الحاج ادهم المصري ومعاه شركة سياحة دا غير شكله اللي عامل زي الخواجات ..هايروح فين سعد الغلبان فيكم ياعم .
ضيق عيناه وهو بهز برأسه يستوعب :
- انت واخد بالك من نفسك ياسعد؟ ولا واخد بالك من كلامك ده ؟ خلي بالك.. كلامك ده هايتحسب عليك ..انا مازلت لحد الاَن بتصرف معاك بأدب ومراعي موقفك ..رغم اني مستغربه جدًا صراحة..الهوليلة الكبيرة دي على بـ.ـنت شايفها يادوبك مرتين بالعافـ.ـية امال لو كانت حب عمرك كنت عملت ايه يعني ؟. وعلى فكرة بقى ..أخويا هو اللي اتقدm الأول ومكانش يعرف نيتك منها..وكون البـ.ـنت اختارته فدا مش ذنب يتعلق بيه..أما انت بقى لو شايف معاك حق وعايز تكبر الموضوع كبره براحتك ..دا لو معاك حق أصلًا! 
صمت وصمت الاَخر وظلت فقط حرب النظرات قبل ان يتملك اليأس بعلاء فقال مغادرًا .
- انا شايف ان مالوش فايدة القعاد وحتى القهوة اشربها انت.. سلام بقى ياصاحبي. 
تحرك من امامه وذهب امام عيناه التي كانت تشتعل بنيران الحقد وكلمـ.ـا.ته تتردد برأسه ( امال لو كانت حب عمرك كنت عملت ايه؟) تدخل أحد الرجـ.ـال قائلًا :
- هو مين فيهم اللي غلط فيك ياسعد ؟ المعلم أدهم ولا اخوه؟ .
قال الاَخر :
- تلاقي بس في سوء تفاهم مابينهم ..المعلم ادهم مايهونش عليه زعل صاحبه وحسين ربنا مكمله اخلاق وادب .
- بسس !!!
قالها بحده فتوقفت الالسنة عن الكلام قبل ان يتابع :
- اللي بيني وبين عيال أدهم المصري..ماحدش له دعوة بيه .
تحرك بعدها مغادرًا القهوة وهو يخرج من جيب سترته الهاتف ليهاتف رقم إحداهن وقد مر وقت طويل على اَخر مكالمة بينهم ..انتظرها لحظات حتى اجابت اخيرًا هامسة بغير تصديق :
- سعد !! بتتصل بيه ليه ؟
قال بحدة وقد ابتعد بمساحة كافية عن اعين رجـ.ـال القهوة المتلصصة:
- عايزك. 
- نعم !
- ايه ياعين خالتك ؟هي اول مرة ؟
قالت برجاء:
- لا مش اول مرة سعد..بس انا دلوقتي ست متجوزة وانت وعدتني انك هاتسيبني في حالي وتشوف نفسك .
- ورجعت في كلامي ياستى ..تيجي حالًا ياروح افضحك قدام جوزك واخربها عليكى .
- يامصيبتي يامصيبتي.. انت جرالك إيه النهاردة بس؟ جوزي في البيت مقدرش اخرج ..مـ.ـا.تخربش عليا حـ.ـر.ام عليك .
قال بلهجة اخف حدة :
- تمام ..يبقى تجينى بكرة على مكانا القديم وقت جوزك مايكون في شغله..اظن كده معندكيش حجة بقى ..ماشي ياحلوة. 
وصله صوتها بهمس منكـ.ـسر:
- ماشي .
اغلق فى وجهها الهاتف ومازلت كلمـ.ـا.ت علاء تترد فى عقله حتى تمتم هو مع نفسه:
- حب عمري!! ما انتوا السبب في ضياع حب عمري !!
................................
على حائط السور الرخامي لدرج المبنى الخلفي ألمؤدي للحديقة الداخلية بالمشفي استندت برأسها تبكي وتذرف دmاعتها ..مستغلة خلو هذا المكان من المرضى او الزائرين.. شعور بالقهر تغلغل داخل أعماقها..تريد الصراخ اعترضًا عما يجيش بصدرها.. فكيف السبيل لنجاتها من هذا الغزو الذي حاصرها وسيطر على عقول جميع أفراد عائلتها؟.. عاجزة عن صدهِ ..فلو تكلمت الاَن لجـ.ـر.حت اعز احبابها في سمعتها وهي التي استأمنتها على سرها رغم صغر سنوات عمرها .. فكيف السبيل او الحل؟ وهي التي ظنت انها تناست ماحدث مع مرور عدة سنوات..
- اااه .
خرجت بألم من اعمق اعماقها لتسمع همسًا اجشًا خلفها يقول :
- ياه.. لدرجادي انتي تعبانة وحزينة؟
شهقت منتفضة وهي تستدير على مصدر الصوت .. فوجدته بهيئته المهيبة مستندًا بكتفهِ على نفس الحائط الرخامي .
هتفت فيه وهي تمسح بعنف يدها الدmـ.ـو.ع العالقة على وجنتيها غير مبالية بمركزه :
- انت إيه يابني أدm انت ؟ مترصد ولا مـ.ـجـ.ـنو.ن عشان تعمل حركات العيال دي وتوقف تخضني في مكان خالي زي ده ؟
مط بشفتيه قائلًا ببساطة :
- انا اقف في المكان اللي يريحني..المكان مكاني والمستشفى ملكي أبًا عن جد .
أومأت برأسها قائلة بفظاظة:
- يعني إنسان صـ.ـا.يع ومدلع ..والده عينه مدير لمستشفى كبيرة ومهمة زي دي ..بس عشان يسلي بيها وقته بدل ما يقعد فاضي من غير شغلانة.
تبسم رغمًا حنقه من حدة لسانها..فقال بهدوء :
- اولًا انا مش انسان صـ.ـا.يع ولا مدلع ..انا دراس وأخدت شهادات مهمة من أعظم الكليات في لندن ..ثانيًا بقى انا مكنتش واقف عشان اخضك ..انا بس لمحت شبح واقف فى المكان الفاضي ده وقولت اشوف واطمن ..كوني اني وقفت شوية خلفك من غير ما اتحرك ولا أنبهك فدا لأني اتعاطفت معاكي لما لاقيتك بتعيطي بحرقة. 
زمت شفتيها بخطٍ قاسي وهي تحاول جاهدة السيطرة على رجفة الألم بداخلها فاستدارت عنه تعطيه ظهرها قائلة بصوتٍ خارج بصعوبة:
- طيب ممكن بقى تسيبنى في حالي وتحتفظ بالتعاطف دا لأي حد غيري تاني .
تقدm بخطواته ليقف أمامها مباشرة واضعًا يديه داخل جيبي بنطاله ينظر لها بتحدي قائلًا :
- على فكرة الدmـ.ـو.ع مش حاجة عيب عشان تتكسفي منها وتداريها عن أقرب الناس ليكي .
رفعت وجهها الذي أغرقته الدmـ.ـو.ع قائلة بانهيار:
- ياأخي ما تسيبني في حالي بقى وشوفلك حاجة تاني تتسلى بيها .
- إيه علاقة علاء المصري بيكم ؟
باغتها بسؤاله فتجمد وجهها لعدة لحظات وهي ناظرة اليه فاغرة فمها بعجز ..قبل أن تجد صوتها اَخيرًا فقالت :
- هو انت إيه حكايتك مع علاء المصري؟ وليه مُصر تعرف علاقتنا بيه ؟ هو انت مين بالظبط؟
تنهد من اعماقه وهو ينظر بعيدًا عنها فقال :
- ان كان على حكايتي مع علاء فدي ليها تاريخ انتهى من سنين ..وليه مُصر إني اعرف علاقتكم بيه؟ ..فدي ليه سبب وجيه اوي عندي ..الشبه الغريب !
- شبه إيه بالظبط؟
احتدت عيناه واكتسى وجهه بالغضب فقال :
- تقربلكوا إيه فاتن ؟
تقربلكوا إيه فاتن ؟
كان سؤاله الذي نبه كل إشارات الحذر لديها..جعلها تنتصب في وقفتها.. فتوقف تدفق دmاعتها وهى ناظرة اليه بشراسة..مع تحفز كل خلية بجسدها نحو هذا الغريب الذي اقتحم خلوتها عن عمد وها هو الاَن يسألها بكل جرأة عن أشـ.ـد أسرارها خطورة.. هذا بالإضافة لسؤاله منذ البداية عن غريمها الأصلي علاء !
خرج صوتها المتشنج وهي تسأله بقوة :
- انت مين ؟
لم تجفله هيئتها الجديدة فقال بهدوء :
- انا عصام الوالي إبن الدكتور أكرم الوالي..مدير المستشفى اللي احنا واقفين فيها دلوقتي. 
هتفت بحدة :
- انا مش عايزة اعرف اسمك ..أنا عايزة اعرف .. إنت إيه علاقتك بعلاء بالظبط؟ وتعرف فاتن وشبهنا احنا بيها ازاي ؟
مالت زاوية فمهِ بابتسامة ساخرة قبل ان يقول :
- انتِ مش ملاحظة انك بتكرري نفس سؤالي ليكى بس مع فرق الصيغة .
برقت عيناها أكثر مع ارتجاف جسدها الغاضب فقالت وهي تجز على اسنانها:
- اسمع ياجدع انت انا معنديش مقدرة على تحمل برود اعصابك ده وانت بتكلمني عن أعز انسانة عندي ..واكنك كنت تعرفها هي شخصيًا! جاوب عليا وقولي انت مين ؟
خرج سؤالها الاَخيرة بصرخة جعلته يتخلى قليلًا عن ثباته المستفز فقال :
- أنا كنت صاحب علاء واعرفها هي زي ما كنت بعرف كل أهل الحارة عندهم .. دا كان قبل ما تتقطع كل علاقتي بيه واسافر على انجلترا واكمل تعليمي هناك .
- بس؟
شعرت بـ.ـارتباكه الملحوظ بعد سؤالها المختصر بكلمة واحدة .. في لغة جسده المتـ.ـو.ترة وشحوب وجهه الوسيم.. فقال :
- أظن انا كده قولتلك على علاقتي بعلاء ومعرفتي بفاتن ..جه الدور عليكي بقى عشان تقوليلي عن علاقتكم بيها .
ضيقت عيناها قليلًا وهي تنظر اليه بتفكير وكأنها غير مقتنعة بإجابته او تشك بقوة انها ناقصة بحقائق مهمة.. خرج صوتها اَخير فقالت باقتضاب :
- سر الشبه الكبير مابينها وبين أختى .. هو إنها تبقى بـ.ـنت عمتي.
تحركت فورًا لتستدير عنه فاأوقفها بسؤاله المتلهف :
- طيب هي فين دلوقتي؟ وإيه أخبـ.ـارها ؟
عادت مرة أخرى تحدق بعيناها الى عيناه ذات الون البني الفاتح .. فقالت :
- ماعدتش في أخبـ.ـار عنها خلاص..فاتن مـ.ـيـ.ـتة بقالها سنين كتير.. مـ.ـيـ.ـتة من يجي ١١ سنة .
هل هذه صدmة التي ظهرت جلية بشكل مخيف على ملامح الرجل ام أنه تأثر بخبر مـ.ـو.تها؟ لم تريد معرفة الإجابة فقد استدارت مغادرة وتركته متسمرًا مكانه وكأنه تمثال حجري لا تبدوا عليه أية مظاهر للحياة .
................................
حينما عاد إلى منزله وفتح الباب ليدلف داخله..خطى بهدوء متعمدًا عدm اصدار صوت حتى لا يوقظ والدته..فترهقه بأسألتها وهو لم يُعد به طاقة ..فيكفيه ما تلقاه من سعد منذ قليل ..تمشى بهدوء حتى وصل لباب غرفته فاتفاجأ بصوتها يهتف من خلفه .
- إنت جيت من إمتى ياعلاء ؟
تدلت أكتافه بإحباط وأغمض عيناه قليلًا قبل ان يغتصب ابتسامة على وجهه وهو يلتفت لوالدته الجميلة ..التي تقدmت نحوه بابتسامة غابت عنها طويلًا ووجهٍ مشرق وكأنها عادت بالزمن سنواتٍ للخلف فقالت بمشاكسة:
- ماشي كده بتتسحب وداخل على اؤضتك على طول ..هربان من حاجة ياولا؟.
مال بوجههِ ينظر الى حيويتها وهي تسير بخطواتها المتعثرة قليلًا فقال :
- إيه ياقمر انتي ؟عيني بـ.ـاردة عليكي النهاردة .
فور ان اقتربت منه جذبته من ياقة قميصهِ تطبع قبلة على حنونة على وجنته ..فقالت بتمني :
- عقبالك انت كمان ياحبيبي. 
ارتفع حاجباه فقال بمرح:
- إيه ده ؟ هو لحق يقولك..أما صحيح واض ما يتبلش في بُقه فوله .
لكزته على ذراعهِ بقبضتها الضعيفة بعتابٍ :
- بس ياواض مـ.ـا.تقولش كده على اخوك ..دا فرحان والفرحة مش سايعاه..بعد ما اختار اللي شاور عليها قلبه ..اتاريه كان منمر عليها وعامل فيها ساهي.. مش زيك خايب .
خرجت ضحكته بدهشة :
- انا خايب برضوا ياام علاء؟ طب ليه الغلط ده بس ؟ دا انا حتى حبيبك. 
- ايوة انت حبيبي بس خايب برضوا..عشان أنا عايزة افرح بيك واشيل عيالك وانت ولا سائل ..هاتعرف تعمل كده بقى زي اخوك؟ اللي عملهالي مفاجأة وخلي قلبي كان هايوقف من الفرحة .
قال بحنان وخـ.ـو.ف :
- بِعد الشر عليكي وعلى قلبك ياست الكل ..ان شاء الله انا كمان افرحك زيه .
قالت بإلحاح :
- طب اوعدني يكون قريب .
تبسم بمرح من دلال والدته فقال برجاء :
- بس انتي ادعيلي من قلبك والنبي .. 
- داعيالك ياحبيبى من كل قلبى تاخد اللي في بالك .. وتحبها وتحبك .
بعد سماعه لهذه الدعوة الجميلة.. دنا بجسده اليه لينتعم بحـ.ـضـ.ـنها الامومي..وقد اسعده مقصد الدعوة كثيرًا..كثيرًا جدًا .
................................
في اليوم التالي 
كان موعد عودة إبراهيم إلى منزله.. بعد أن اطمئن الأطباء على استقرار حالته ..فصرحوا له بالخروج.. ذهب شاكر مع علاء ألذي أصر لإصاله والعودة بإبراهيم داخل سيارته الفارهة..حتى أنه تولى مهمة حمله .. صاعدًا به درجات السلم إلى شقتهم .. كانت شروق هي من استقلبتهم بابتسامتها المعهودة ..مخيبة ظن علاء الذي كان يُمني نفسه برؤية شقيقتها.. دلف بإبراهيم إلى داخل الشقة حتى وصل غرفته..فوضعه بخفة وحرص شـ.ـديد على سريره ..
- بسس كويس أوي كده ..ربنا يحرسك لشبابك ياحبيبي.. تعبناك معانا. 
إستقام بجسده وهو يرفع نفسه فقال بمزاح ردًا على كلمـ.ـا.ت سميرة:
- على ايه بس ياخالتي؟ دا حتى إبراهيم خفيف في الشيلة ومش تقيل يعني .  
رد عليه إبراهيم بمشاكسة:
- طبعًا ياعم.. وإبراهيم هايجي إيه بس فى شيل الأوزان الثقيلة اللي بتربي بيها عضلاتك .
- ياولد.. وانت بقى مركز وواخد بالك .
- وهي محتاجة تركيز يامعلم علاء ..دول بـ.ـارزين من الهدوم لوحدهم وكأنهم بيعلنوا على نفسهم. 
ضحك ثلاثتهم فانضم إليهم شاكر الذي دلف متسائلًا :
- إيه ياجماعة بتضحكوا على إيه ؟
- ولا حاجة ياعم شاكر.. أصل إبراهيم بيقُر على عضلاتي. 
- بيقُر ليه بس؟ بكرة يكبر ويربي أحسن منهم .
قالتها زهيرة وهي تدلف فجأة اليهم لداخل الغرفة تقدmت نحوها سميرة.. هاتفة بمودة : 
- أم علاء ..تعبتي نفسك ليه بس وجيتي ؟
بادلتها المصافحة قبل ان تقترب من إبراهيم قائلة :
- تعبت إيه بس ياختي؟ دا انا كان نفسي أروح المستشفى واطمن عليه بنفسي 
- وانا اللي مانعتها .. مـ.ـا.تزعلوش مني ياجماعة انتوا عارفين اللي فيها .
قالت سميرة:
- ونزعل ليه بس يابني؟ ربنا يشفي عنها يارب..هي حمل خروج ولا تعب..واحنا أهل وحبايب مابين بعضينا.. يعني ماندوقش 
قالت زهيرة باتسامة راضية:
- تعيشي ياحبيبتى وتسلميلي .. وانت بقى ياعريسنا الحلو ..عامل إيه النهاردة؟
وجهت الاَخيرة لإبراهيم الذي بادلها الإبتسامة في قوله:
- الحمد لله أحسن من الأول ياخالتي .
- الحمد لله ياحبيبي.. أمال فين البنات اخواتك حبايب قلبي دول ؟ عايزة اسلم عليهم ياسميرة .
..........................
دلفت مقتحمة الغرفة عليهم هاتفة بانزعاج :
- إيه ياعنيا انتي وهي ؟ لازقين في الاوضة كدة ليه ومستخبين ؟
ردت شروق التي كانت تمشط شعرها أمام المراَة:
- انا مش لازقة ولا حاجة ياماما ..انا بس بوضب نفسي على الخفيف كده عشان مطلعش بشعري منعكش ولا لابسة حاجة مش تمام ..دي مهما كان برضوا هاتبقى ان شاء حماة المستقبل والواحد لازم يخلي باله .
- اه ياختي عندك حق..طب وانتي يابرنسيسة ..مش ناوية تخرجي برضوا وتسلمي على الست؟
قالت الاَخيرة لفجر التي كانت تلعب في هاتفها ..فردت بعدm اكتراث:
- واخرج لها أنا ليه؟ طب دي هاتبقي حمـ.ـا.تها ..أنا بقى إيه دخلي؟
تغضن وجه سميرة بالغضب وهي تهتف على فجر بصرامة :
- فجر..انتي مش شايفة انك مزوداها؟ هو في إيه بالظبط؟
أجفلت فجر من هيئة والدته المتحولة فقالت بتـ.ـو.تر وهي تترك الهاتف سريعًا من يدها وتنهض عن مقعدها :
- هايكون في إيه بس ياماما ؟انا بس مخـ.ـنـ.ـوقة ومش عايزة اخرج ولا اشوف حد ..
قالت سميرة بحزم :
- إسمعي اما أقولك يابـ.ـنت ..انت لما كنتي رافضة  تروحي للست بيتها في تعبها أو حتى تبـ.ـاركيلها على المحل الجديد..انا مغـ.ـصـ.ـبتكيش ..لكنها بقى مدام الست وصلت هنا بيتنا.. يبقى ملزوم عليكي تخرجي وترحبي بيها مفهوم .
قالت تجادلها:
- طب ده بالنسبة للست ..لكن بقى إللي اسمه علاء ابنها ده كمان.. انا بصراحة مش طايقاه .
- وانت مالك بعلاء ؟ تحبيه تكرهيه انت حرة مع نفسك ..لكن بقى ياحبيبتى..ألأصول لازم تمشي ..واجب الضيافة لازم يمشي.. يعني مش كل حاجة على مزاجك.. سامعاني كويس .
اومأت برأسها دون ان تنطق بكلمة ..فالتفتت والدتها نحو شروق قائلة:
- وانتي كمان..اخلصي في لبسك واستعجلي في الخروج .. جاتكم القرف 
بصقت كلمـ.ـا.تها وخرجت تصفق الباب خلفها بقوة على الفتاتين .
...............................
بعد قليل خرجت مضطرة إليهم فى صالة المنزل كانوا جالسين والدتها على مقعد وحدها وعلى الاَريكة امامها كانت المرأه البيضاء ذات العيون الملونة بجوار شروق التى سبقت فى الخروج إليهم ..تداعبها وتتحدث معها بفرح وفي الجهة الاَخرى كان ابيها والمدعو علاء الذي إرتفعت عيناه إليها فور خروجها من الغرفة جالسان على أريكة وحدهم .. حينما اقتربت منهم رحبت برزانة 
- السلام عليكم .
لم تعي جيدًا من رد خلفها التحية وذلك لأن المرأة وقفت اليها تستقبلها بفرح وهي تجذبها من يدها بتبسط:
- ياحبيبة قلبى انت اَخيرًا شوفتك .
استسلمت مجفلة لقبلات المرأة على وجنتيها وعناقها لها .. هزت برأسها تستجيب على مضض مع المرأة التي كانت تتفحصها جيدًا عن قرب بعيناها :
- بسم الله ماشاء عليكي .. دا انتِ قمر انتِ كمان .. انا المرة اللي فاتت كنت تعبانة و ملحقتش اتحقق من جمالك ياحبيبتى.
أومأت برأسها وهي تنزع نفسها عن المرأة بلطف قائلة :
- شكرًا ياطنت .. شكرًا على زوقك .
- بتشكريني على إيه بس ياحبيبتى.
همت لتغير وجهتها في السير ولكن نبرة والدتها وهي تأمرها أمامهم بنظراتٍ محذرة فهمتها وحدها :
- سلمي على علاء يافجر .
تمتمت تشتم بداخلها وهي تتقدm نحوه .. وقد نهض عن مقعده واقفًا باحترام ليصافحها .. حينما اطبقت كفهِ الدافئة كفها الصغيرة والبـ.ـاردة .. كانت تنوي انتزاعها فى الحال ولكنه أجفلها بضغطه الخفيف عليها لترفع عيناها اليه ناظرة لعيناه بتساؤل..قال هو بصوت أجش وقد غابت عن وجهه التسلية المعتادة وحل محلها مشاعر اَخرى غامضة عليها :
- دي أول مرة نتعرف بجد.. أنا تشرفت بيكي ياأنسة فجر.
اومأت بعيناها وهي تنزع يدها لتستدير وتعود لغرفتها ولكنها أجفلت مرة ثانية عنـ.ـد.ما جذبتها والدته لتجلسها بجوارها من الناحية الأخرى فتحيط الاثتنان بذراعيها.
- اقعدي ياحبيبتى هنا معايا زي اختك.. ربنا يفرحني بيكي انتِ كمان عن قريب يارب .
حينما رفعت عيناه فجر ولمحت نظرة زهيرة وهي تنتقل بحالمية منها وإلي ابنها المبتسم امامها ..عرفت مايدور بعقل المرأة جيدًا !!
...........................
بملامح متجهمة وقفت امام المراَه تعدل وشاحها الحريري لتغطي بهِ شعرها بعد ان ارتدت عبائتها السوداء الغالية ..رمشت عيناها مجفلة من صوته الذي صدح خلفها فجأة وهو خارج من حمام غرفته .
- ايه ياحلوة ؟ انتي لحقتي تغيري وماشية ؟
زمت شفتيها امتعاضًا ولم ينطق لسانها بكلمة.. مال إليها برأسها فقال بخشونة:
- ما بتروديش ليه يابت؟القطة كلت لسانك؟ 
التفت اليه بنيرانها فخرج صوتها الحانق :
- انت مش خدت اللي انت عايزه خلاص ..عايز مني ايه تاني بقى؟
أمسك ذراعها فجأة فباغتها ان لفه خلف ظهرها ..وقال وهو يجز على اسنانه :
- حسِك ده ما يعلاش عليا ياعين امك..ولا انتي العيشة المرتاحة ولا الأكل الحلو نسوكي نفسك ونسوكي ان انا السبب في ده كله
قالت بألم :
- سيبي إيدي ياسعد انا ماغلطتش فيك ..عشان تذلني وتكـ.ـسر نفسي كده .
ضغط اكثر ليزيد من ألمها ونبرته ازدادت حدة :
- ماقولتليش بلسانك.. لكن انا حسيتها بفعلك وانتي قرفانه من لمستي ..وبتعدي الثواني عشان تهربي من خلقتي .. ولا انتي فاكراني مافهمش طريقتك دي يابت.
قالت برجاء مع هذه الألم المتزايد :
- حـ.ـر.ام عليك ياسعد دراعي هاينكـ.ـسر في إيدك .
تركها فجأة فارتدت للخلف تدلك ذراعها وهي تتابع :
- انت ليه مش حاسس بالوضع اللي بقيت فيه دلوقت؟أنا معدتش فاضية زي الأول..انا بقيت ست متجوزة .
ابتسم بزاوية فمهِ قائلًا بسخرية وهو يتقدm ليجلس على التخت :
- فرقتي إيه يعني عن الأول ؟ بقيتي محترمة مثلًا؟
إرتسم الألم جليًا على وجهها وهي تكبح بصعوبة دmعة احتجزت داخل مقلتيها.. فقالت:
- انت مش ملاحظ انك مصمم على جـ.ـر.حي من اول ماجيت ؟ وكأنك بتنتقم مني في ذنب انا معملتوش .
أشاح بوجههِ عنها وهو يتناول سيجارة من علبته ويضعها في فمهِ ليشعلها بقداحته بعد ان شعر بنصل كلمـ.ـا.تها وقد أصابه في الصميم ..ظلت صامتة تنظر اليه وهو ينفخ دخان سيجارته في الهواء أمامه..فقالت:
- شكلي كده قولت الحقيقة..عشان تعرف بس إني فاهماك كويس .
نظر إليها بازدراء قائلًا :
- انتي مش كنتي عايزة تمشي ..مـ.ـا.تجري عجلك بقى واخلصي..مستنية إيه؟
تحركت بتمهل تتناول حقيبتها وتتحرك للخروج وفور أن وضعت يدها على مقبض الباب ..أوقفها قائلًا :
- إستني عندك .
التفت اليه بكليتها مجيبة:
- نعم عايز إيه ؟
- حسين ابن جوزك ..خطب البت جارة اخوه علاء ولا لسه ؟
اجابته رغم دهشتها:
- بكرة ان شاء الله رايحين يتقدmوا رسمي ويتفقوا على حفلة خطوبة قريب .
شاح بوجهه يصرفها من تحت اسنانه :
- خلاص غوري .
لوت شفتيها قائلة بتهكم :
- ياريت بس نظرة القرف اللي شايفاها في عينك دي .. تمنعك مـ.ـا.تتصل بيا تاني ولا تطلبني أجيلك غـ.ـصـ.ـب عني .. حل عني بقى ياأخي عايزة اعيش .
تمتمت الأخيرة بصوت بطئ وهي تفتح الباب فخرجت من الغرفة والشقة نهائي .. تاركته ينظر في أثرها عاقد الحاجبين بملامح غاضبة لا تُنبئ بخير. 
..........................
في المساء وبداخل غرفتها كانت جالسة على التخت مع صديقتها العزيزه سحر والتي كانت تضحك دون توقف ..أثارت استياء فجر وهي تهتف عليها :
- ما كفياكي بقى ياسحر ..انتِ مش ناوية توقفي في يومك ده النهاردة؟
- هههههه مش قادرة اتخيل منظرك يافجر وانتي زي الفار المبلول وسطهم.. أمك تبحلقلك من ناحية والست وابنها يرسموا عليكي من ناحية.
صاحت بها فاقدة التحكم:
- دا بعيونهم دول كمان ..قال يرسموا عليا قال .
توقفت ضحكها وهي تغمز بعيناها بمشاكسة:
- بس الواض حلو اوي يافيفي .. ويستاهل التفكير بصراحة. 
هبت ناهضة عن الفراش قائلة بغضب :
- الكلام ده مافهوش هزار ياسحر ..مـ.ـا.تخلنيش ازعل منك .. مش كفاية الحصار اللي بقيت حساه منهم .. وهما فارضين نفسهم علينا بالعافـ.ـية واكنهم بقوا جزء من عيلتي. 
قالت سحر بيأس :
- للأسف يافيفي هما فعلًا بقوا جزء من عيلتك من ساعة ما والدك وافق بالنسب معاهم .
- إلا انا .
قالتها بمقاطعة وتابعت :
- مهما حصل ياسحر ..أنا لا يمكن استسلم للناس دي وانسي اللى أذوني في أعز واحدة كانت على قلبي.. لا يمكن هانسى عـ.ـذ.ابها قبل ما تسيب الدنيا خالص وتمـ.ـو.ت بسببهم .لايمكن. 
قالت سحر مغيرة دفة الحديث لتخرج صديقتها من داومة زكريات لجروحٍ قديمة لم تشفي منها أبدًا رغم مرور السنوات.
- صحيح يابت فجر ..كان شكله إيه الراجـ.ـل ده اللي قولتي عليه امبـ.ـارح ؟
- راجـ.ـل إيه ؟
- الراجـ.ـل مدير المستشفى.. إنتي نستيه ؟
همت لتجيب ولكنها اجفلت على صياح والدتها وهي تهتف عليها .
- بت يافجر ..تعالي هنا برة الاؤضة عايزاكى .. إسحبي معاكي مقصوفة الرقبة سحر وهاتيها .
شقهت سحر مندهشة :
- انا مقصوفة رقبة !
- اخلصي يابت ..تعالي انتي وهي. 
- يانهار اسود.. هببتي أيه ياسحر ؟ دي امي عمرها ما عملتها .
نهضت عن التخت متمتمة :
- والنعمة ماعملت حاجة.. يكونش زعلت عشان سيبت امي معاها لوحدها!
.............................
حينما خرجت الاثنتان للصالة القريبة ..وجدن سميرة جالسة على إحدى المقاعد وعيناها المشتعلة مسلطة عليهم تطلق شرارات حارقة بوجههم .. بجوارها كانت رجاء حاجبة وجهها بين كفيها وجسدها يهتز كأنها تبكي بحرقة .
- هو في إيه ؟ ومالها خالتي رجاء ؟
كان سؤال فجر التي تجاهلتها والدتها وهى تطلق سهامها تجاه سحر مباشرةً :
- مش موافقة تراضي امك ليه يابت؟
اجابت سحر بإجفال :
- ها ..انا ياخالتي سميرة؟ 
- ايوة انتِ .. يعني عشان مدرسة وكلمتك ماشية يبقى بقى تتكبري بقى على والدتك ومـ.ـا.ترضيهاش فى حاجة تافهة زي دي .
تابعت تنظر ببلاهة لوالدتها التي كانت تجفف دmاعتها بمحرمة ورقية وسميرة التي أكملت بغـ.ـيظ :
- بت ياسحر ..انتِ زيك عندي زي الزفتة اللي واقغة جمبك دي .يبقى كلمتي انا تمشي عليكى ولا لأ.
هزت برأسها بحركة غير مفهومة وهي تمتم :
- أكيد تمشي ياخالتي سميرة ..بس انا مش فاهمة حاجة. 
صاحت عليها بحزم :
- عنك مافهمتي.. انت تروحي البيت مع امك دلوقتي تحضري هدومك وبكرة الصبح تسافري معاها على البلد عدل.. سامعاني ..ولا انت عشان امك غلبانة هاتحطي عليها .
تلجم لسانها عن معارضة سميرة وهي تحدق بوالدتها التى تنظر اليها ببرائة ..فهمست بداخلها وهي تعض على لسانها غـ.ـيظًا :
- بقى دي غلبانة دي ؟!
بخطواتٍ مثقلة وذهنٍ مشتت تخطت الباب الخارجي للمدرسة.. لاتتمنى العودة للمنزل الذي هي واثقة تمام الثقة الاَن ..أنه اصبح خلية نحل تعُج بالأهل والأقارب والجيران وهن يتضافرن مع والدتها لمساعدتها والتهنئة لحفل الخطوبة الذي تقرر إقامته فوق سطح المنزل..لقد تمكنت من الخروج  صباحًا بأعجوبة ..متحججة بوضع طارئ في المدرسة لا تستطيع الإفلات منه أو التغيب عنه ..فهي أرادت الخروج وبشـ.ـدة لتتنفس هواءً اخر .. بعيدًا عن محيط هذا الرجل الذي توغل بخبثه داخل عقول أفراد أسرتها .. أسبوع كامل مر على خروج إبراهيم من المشفى وهذا الرجل يأتي يوميًا للإطمئنان عليه ومداعبته..فتعلق بيه الطفل الصغير كما تعلق بهِ من قبل أبيها ووالدتها..كما تعلقت بهِ شقيقتها شروق الذي اعتبرته أخيها من وقت ان قُرأت فاتحتها على أخيه حسين ..وكأنها كانت تنتظره طويلًا ليقوم معها بدور الشقيق الأكبر .. فانـ.ـد.مجت الأسرتان بكمياء نادرة وأصبحت الشقتان مفتوحتان أمام بعضهم وكأنهم عائلة واحدة .. لم يتبقى لها في المنزل سوى غرفتها المحصنة عنه وعن والدته التى كلما رأتها لمحت لها بسذاجة وكأنها لاتفهم مايدور بعقل المرأة.. كل ما تمُر بِه الاَن فوق طاقتها وفوق إحتمالها.. حتى صديقتها الغالية سحر التي كانت تلجأ لها معظم الأوقات فتستطيع بذكائها وخفة ظلها ان تخفف عنها وتُدخل السرور بقلبها ..إبتعدت هي الأخرى عنها مضطرة في رحلة سفر مع والدتها لبلدتهم لحضور حفل زفاف إحدى أقاربهم ولم تعُد حتى الاَن .
تنفست بعمق وهي تعتلي الرصيف المؤدي لموقف الباصات حتى تستقل إحداهم ..فلا داعي للهروب أكثر من ذلك والتنصل من واجباتها تجاه أسرتها وشقيقتها فى مناسبة هامة كهذه .. تباطئت خطواتها حينما لفت نظرها وقوف هذه السيارة الرياضية باهظة الثمن بجانب الرصيف وبمنطقة كهذه تبدوا السيارة غريبة عن المكان وسكانه والمدرسة الحكومية أيضًا.. قدmت بخطواتها تتخطاها دون ان ترفع عيناها ناحية السائق ولكنها توقفت مجفلة حينما سمعت من يهتف باسمها من الخلف عن قرب ..استدارات اليه فوجدته هو نفسه هذا الغريب مدير المشفى الذي رأته سابقًا فسألها بكل جرأة عن فاتن .. وقد ترجل من السيارة بأناقة تليق به وبمكانته ..فقال بتردد :
- ااا ممكن كلمتين لو سمحتي يا أنسة فجر؟
ظلت صامتة لبعض اللحظات مبهوتة لا تستوعب مطلبه.. فخطا يقترب منها قليلًا يكرر:
- أسف لو خضيتك أو افتكرتينى مـ.ـجـ.ـنو.ن.. بس انا بجد محتاج اتكلم معاكي ضروري. 
خرج صوتها المندهش تلوح أمامه بكفها :
- تتكلم معايا في إيه بالظبط ؟ انا بيني وبينك إيه عشان يبقى في مابينا كلام ضروري؟
- انا عارف ان مافيش مابينا حاجة ..بس انا غايب بقالي سنين طويلة عن البلد وكان يهمني اعرف منك......اللي مقدرش اسأل حد غيرك عنه ..ارجوكي اركبي معايا وانا اوعدك مش هاخد من وقتك كتير .
برقت عيناها وهتفت بحدة:
- اركب معاك فين انت اتجننت ؟ اعرفك منين انا عشان اخرج معاك واكلمك عن اللي فاتك فى سنين غربتك بعيد عن البلد .
تكلم بمهادنة وقد كان حديثه يبدوا كرجاء
- انا اسف حقيقي بجد .. بس لو مش عايزة تركبي معايا خلاص ممكن ندخل الكافيه اللي موجود هناك ده اَخر الشارع ..بس أرجوكي مـ.ـا.تكسفنيش ..انا مافيش قدامي غيرك وانتي انسانة واعية جدًا لتصرفات البنى الادm إللى بيكلمك..ان كان كويس ولا وحش. 
بصرت بعيناها الى الكافيه الذي لوح إليه بكف يده ناحيته..فعادت تنظر الى وجهه جيدًا فوجدته شاحبًا وعيناه حمروان وكأنها لم تذق طعم النوم منذ عدة ليال ..تعجبت لحال هذا الرجل الغريب وتصرفاته الأغرب معها.. فوجدت نفسها تخبره ببعض الطف:
- انا أساسًا متأخرة على خطوبة أختي ..يعني مش فاضية للخروج ولا الكلام أصلًا. 
طرق بعيناه أرضًا بخيبة أمل قبل ان يرفعها ثانية اليها فقال:
- طب ممكن نخلي القاء يبقى في يوم تاني ؟!
خرج ردها بسؤال :
- طيب ممكن انت بالظبط تفهمني؟ ..عرفت توصلي ازاي؟ولا عرفت تجيب عنوان مدرستي اللى بشتغل فيها منين ؟
هز اكتفاهِ يجيب بسهولة :
- عادي ..سألت عنك وعرفت !
..................................
حينما عادت الى منزلها ..كما توقعت تمامًا وجدته ممتلئ على اَخره بالأقارب والجيران من سيدات اتت لتساعد والدتها في تحضيرات الحفل كإعداد بعض الأطعمة وبعض أصناف الحلويات بالإضافة لتحضير المشروبات البـ.ـاردة ومعهم أطفالهم الذين كانوا يركضون ويلعبون بداخل البيت وكأنه ساحة للعب.. وفتايات يبدوا من اعمارهن أنهن اتين من أجل العروس التى كانت بغرفتها وأصوات ضحكاتها العالية مع الفتيات صادرة خارج الغرفة وبقوة.. سمعت صوت والدتها من المطبخ ولكنها لم تجرؤ للدخول إليها فقد كان مزدحم بالنساء حولها ..أكملت سيرها الى غرفتها الحبيبة وعنـ.ـد.ما همت لفتحها وجدتها مغلقة من الداخل فطرقت على بابها .. فوصلها صوت نسائي من داخل الغرفة :
- ايوة ياللي بتخبط مين انت يالي اللي على الباب ؟
- أنا فجر اخت العروسة وصاحبة الاوضة .
- ابلة فجر ..أيوة صحيح .. معلش والنبى ياحبيبتى  اصلي برضع الواد ..استنيني دقيقتين بس وافتحلك.. انا جارتك ام مروان اللي ساكنة فوقيكم على طول ..انتي عارفاني؟
تمتمت بتعب 
- طبعًا عارفاكى ياستي .
زفرت بضيق وهي ترتد للخلف عائدة فلم تجد موضع قدm امامها لتستريح بها سوى غرفة أبويها المغلقة بإحكام وغرفة إبراهيم وهي لاتفضل إزعاجه في هذا الوقت.. فأين تذهب الاَن والغرفة الباقية لشقيقتها صاخبة بأصوات الفتيات ..قررت التوجه ناحية الحمام لتغسل وجهها ويديها..فتنفرد مع نفسها لبعض الدقائق.. حتى تنتهي ام مروان من إرضاع ابنها .
اغلقت الباب خلفها فور ان دلفت لداخله والتفت للمغسلة لتغسل بكفيها على وجهها بالمياه البـ.ـاردة وهي مستمعة بطراوتها على وجهها قبل ان ترفع رأسها اَخيرًا لتنظر في المراَة ..فوجدت انعكاس شبحه أمامها ..شهقت مخضوضة وهي تلتف بكليتها ناحيته مزعورة وهو واقف خلفها بالفانلة الدخلية البيضاء وبنطاله الجينز الباهت القديم ..فتحت واغلقت فمها عدة مرات وهي تتشبث بحافة الحوض فلم يخرج سوى بعض الكلمـ.ـا.ت المتقطعة 
- انت ا.. انت ايه.. جيت ا ..ايه اللي جابك هنا؟
بكف يده اوقفها وهو يشير إليها قائلًا بهدوء وصوت خفيض:
- وطي صوتك ..إهدي ..أنا هنا بغير حنفية الشطاف .. وانتي اللي دخلتي هجم تغسلي وشك على الحوض من غير ما تاخدي بالك مني وانا قاعد مقرفص تحت هنا عند القعدة .
- وتيجي ..
- بقولك وطي صوتك .
استجابت لمقاطعته فخرجت جملتها التاليه بهمس مع رعـ.ـبها:
- وانت إيه اللي يجيبك حمامنا أساسًا؟ مافيش سباك هو اللي يقوم بالمهمة دي عنك ؟
اجابها بثقة رغم همسه:
في طبعًا ..بس انا مقبلش حد غريب يدخل بيتكم وانا موجود والحاجات دي انا ياما عملتها بكل سهولة .
جحظت عيناها وفغرت فاهها مندهشة من هذا المتبجح ..همت لتتكلم ولكن أجفلها الصوت النسائي الصادر من قريب. فاستدارت برأسها فورًا وهي تلمح خيال إمرأة وهي تتحرك من خلف الزجاج في أعلى الباب..كما يبدوا انها تبحث عن شئ ما في الخارج ..عادت اليه بنفس اللحظة تنظر برعـ.ـب قـ.ـا.تل ..عما قد يقال عنهم لو فتحت المرأة الباب الاَن ..من المؤكد سيتظن بها السوء وتتخيل بخيالها وضعًا مشينًا. 
وجدته يشير بيده على فاهه حتى تصمت ولا تتحرك 
لعدm اثارة شك النساء الثرثارت .. ما أثار دهشتها حقًا هو هذا القلق الذي رأته بعيناه ووجهه الذي كان مغلفًا بصرامة وجدية لا يشوبها أي مظاهر  للتسلية أو العبث.
وقفت مذعنة لأمره ولكنها أشاحت بوجهها عنه وأعطته ظهرها المتشنج وهي ترتجف خـ.ـو.فًا كطفلٍ صغير ينتظر العقـ.ـا.ب .. وهي لا تشعر به من الخلف فقد كان خـ.ـو.فه عليها وعلى سمعتها الطيبة أضعاف .. مشفقًا على عقلها  مما يدور بهِ الاَن من أفكار وهواجس تعصف بها مع هذا الوضع الغريب .. بمجرد ابتعاد المرأة خرجت على الفور راكضة من أمامه.. فتركته يتنفس براحة وتعب أيضًا .
...............................
دلفت لداخل غرفتها سريعا والتى وجدتها بالصدفة خالية من المرأة التى كانت تُرضع ابنها ..اغلقت الباب وصفقته بقوة وهي ترتمي على الفراش بانهيار ..لقد كانت على وشك ان تفقد سمعتها بسببه وهي محبوسة معه فى هذه المساحة الضيقة ..ذرفت دmاعاتها المتعبة بعدm احتمال..
لقد خارت قواها ولم تُعد بها طاقة للتحمل ومايزيد بقلبها القهر هو الكتمان وهي لا تجد من يشاركها هذا السر الذي اثقل ظهرها سوى صديقتها وهي غير موجودة الاَن ..ولكن إلى متى تستطيع الصمود أمام هذا الحصار ؟
مسحت بيدها دmاعتها بسرعة خاطفة وهي تتناول الهاتف من حقيبتها لتهاتفها .. لم تنتظر كثيرًا حتى فُتح الاتصال ..فهتفت عليها فجر بمناجاة:
- انتي فين ياسحر وسايباني ؟ انا تعبانة اوى  وعايزاكي جمبي .
وصلها الصوت القلق :
- انا فين ازاي يابـ.ـنتي ؟ ما انتي عارفة اني موجودة في البلد ..هو إيه إللي حصل ؟
صاحت صارخة :
- لقيته فى الحمام ياسحر ..لقيته فى الحمام. 
- نهارك اسود ..هو إيه إللي لقيتيه في الحمام ؟
- الزفت ياسحر .. الزفت إللي احتل بيتنا وبقى حاسب نفسه من أهله .. تعالي ياسحر ..انا محتاكي دلوقتي أكتر من أي وقت .
- ياحبيبتي انا فاهمة انك تعبانة وحاسة بيكي..لو عليا اركب العربية وانزلك القاهرة حالًا ..بس اعمل إيه بقى فى الورطة اللي انا فيها والنهاردة حنة بـ.ـنت خالي وبكرة دخلتها كمان ..المهم دلوقتي أهدي و فهميني بشويش ..هو مين الزفت اللي شوفتيه فى الحمام؟ 
..............................
في المساء كان حفل الخطوبة وقد تزين سطح المبنى بشكلٍ رائع ونظمت المقاعد المستقبلة للمهنئين من اقارب وجيران ودي جي وبعض السماعات..لقد كان الحفل عائلي وصغير..العروس الجميلة كانت جالسة بجوار عريسها بركنٍ وحدهم.. فجر والتي ارتاحت قليلًا بعد جلسة الفضفضة في الهاتف مع صديقتها المحبوبة سحر .. اخرجتها قليلًا من هذه الشرنقة الخانقة ..فاستطاعت الانـ.ـد.ماج فى الحفل مع المهنئين واجواء الحفل العائلي البسيط الذي تم بناءً على رغبة العروسين..او بالأصح رغبة شقيقتها العروس.. التى أرادت تقليد احدى تريندات الميديا .. ارتدت فجر فستان بلونٍ ازرق مزين ببعض حبات الكريستال بنفس الون .. اظهر جمال قوامها ورشاقتها .. وجهها الجميل زينته ببعض المساحيق الخفيفة.. شعرها البنى الذي صفقته بعناية كان يتراقص بنعومته وكثافته بشكلٍ سرق عيناه معها أينما ذهبت حتى لكزته والدته على ذراعهِ بشكل اجفله :
- عينك ياواض .
قال بعدm استيعاب :
- في حاجة ياما؟ 
تبسمت بمكر وهى تغمز بعيناها :
- لما انت كده هاتتجنن عليها وهاتكُلها بعنيك..ساكت ليه مـ.ـا.تتكلم خلي الفرحة تكمل؟ 
هز برأسهِ يضحك بـ.ـارتباك :
- ايه إللي بتقوليه دا بس ياام علاء؟ 
لكزته مرة أخرى:
- بقول اللي شايفاه ياروح امك.. فاكرني مش واخدة بالي .. دا انت عيونك فاضحاك .. بس البت تستاهل.. جمال وتربية.. حاجة تشرح القلب كده..يازين ماختارت ياحبيبى.. ياللا بقى عشان تنور دنيتي انت واخوك بالفجر والشروق مع بعض.
لم يستطع التماسك اكثر من ذلك فضحك من قلبه وهو يلُف ذراعهِ على كتفها :
- بقيتي عفريتة يام علاء وبت عـ.ـر.في تقلشي كمان .
نهرته هي قائلة بجدية:
- مـ.ـا.تخدنيش في دوكة وقول امين عشان اكلم والدتها ولا ابوها خلينا نتحرك.. دا خير البر عاجله. 
خبئت من وجهه الإبتسامة..لا يدري بما يجيبها ..فطلبها هذا اشـ.ـد ما يتمناه ولكن لايدري ما الذي يجعله قلق من ناحيتها ..وهي غامضة وكثيرًا يرى بعيناها مشاعر غريبة ولا يدري تفسيرها .
خرج من شروده على لكزة أخرى من والدته ولكن وجهها قد شحب وذهب عنه السرور .. وهي تُحدق بعيناها للأمام .. نظر للوجهة التي تنظر اليها فتشنج جسده وتصلبت عضلاته وهو يرى أبيه الذي دلف بداخل السطح ومعه زوجته الجديدة نيرمين وهي تتأبط ذراعه بزينتها الصارخة على فستان بالون النبيتى ..وحجاب اظهر نصف شعرها فتدلى من رقبتها سلسال كبير من الذهب على شكل قلب بالإضافة للأساور والحُلي التي زينت كفها ورسغها .
خرج صوت والدته المرتعش من فرط انفعالها :
- شايف ابوك وعمايله ياعلاء؟
التفت اليها قائلًا برقة بعكس النيران التي تفور بداخله :
- سيبك منهم ياما ..مـ.ـا.تخليهمش يضيعوا عليكي فرحتك بابنك .
بابتسامة شاحبة وهي تتابعهم بعيناها قالت :
- فرحة ايه بقى.. ما هو ابوك ومـ.ـر.اته قاموا بالواجب.. انت واخد بالك ؟ دا بيعرفها على نسايبنا..شاكر ومـ.ـر.اته.. ودلوقتي يسحبها ويتصورا مع اخوك العريس وشروق عروسته. 
طعنه هذا الألم الذي رأهُ جليًا بداخل عيناها فشـ.ـدد بذراعيه عليها :
- فوقي ياما واصحي كده.. انا عايزك شـ.ـديدة وقوية ..ولا انتي نسيتي احنا كنا بـ.ـنتكلم في إيه ؟ 
عادت اليها ابتسامته الصافيه وهي ترفع اليه رأسها :
- أنسى ازاي بس ياحبيبي ؟ دا احنا كنا بـ.ـنتكلم على فجر وخطوبتك عليها. 
انعشته ابتسامتها فود من قلبه ان تظل هذه الإبتسامة على وجهها الجميل فلا تغيب أبدًا فأخذ قراره بدون تفكير:
- خلاص ياما انا موافق .. بس ياريت بقى تقنعي البت وأهلها يبقى قريب عشان مستعجل اوي .
أشرق وجهها بالفرح  وكأنها عادت طفلة صغيرة فشـ.ـددت على خصره بذراعيها تردف بسعادة:
- هاقول ياحبيبى ولازم اقنع امها .. دا يوم المنى ياحبيب قلبى ياغالي. 
.............................
بوجهها الجميل وابتسامتها الرائعة التي سلبت لُب قلبه 
وهذه الشقاوة الفطرية التي تطُل بعيناها ..والتي في عرفها بأول نظرة منها ..كان ينظر إليها هائمًا وهي تداعبه بنظراتها وتلميحات صديقاتها .
- إيه ياحسين هاتفضل كده باصصلي وبس؟ فضحتني قدام المصايب إلي هناك دول .
القى نظرة على صديقاتها فعاد إليها بابتسامة ساحرة :
- ومالهم المصايب دول؟مش عاجبهم العريس بقى؟
شهقت ضاحكة:
- مش عاجبهم دا إيه؟ هما يطولوا يلاقوا عريس قمر زيك كدة؟ دا تلاقيهم دلوقتي هايمـ.ـو.توا من الغـ.ـيظ. 
رفع جايبه قائلًا بمرح:
- أمال إيه حكاية فضحتنى دي قدامهم. 
اقتربت منه تهمس بشقاوة :
- انا بس مش عايزاهم يحسدوني عليك.. وانت اسم الله عليك ..أحلى من مهند التركى نفسه .
ارتفع حاجبيه أكثر وازداد مرحه فهم ليرد عليها بابتسامته المعهودة ولكن اوقفه الصوت الأجش المعروف إليه :
- مبروك ياحسين .
نهض مجفلًا الى أبيه يعانقه ويقبله ولكن خبئت ابتسامته حينما رأى هذه النرمين بجواره ..فاكتفى بالمصافحة .
- الله يايبـ.ـارك فيك ياولدي .. 
أبى أبيه فجذب بكفيه اليه ليقبله على جانب وجنتيه ..قائلًا بحب :
- الف مبروك ياحبيبي .. ربنا يجعلها جوازه العمر .
مدت نيرمين كفها هي الأخرى لتهنئته بابتسامتها المعهودة :
- الف مبرووك ياحسين..ربنا يتمم بخير. 
بادلها التهنئة على مضض وحين أتى دور العروس تقدmت اليها تقبلها وهي تصافحها .
- عروستك قمر ياحسين.. ربنا يخليها...لك .
توقفت مبهوتة امامها قبل أن تستدرك نفسها وتكمل التهنئة 
حينما ابتعد الرجل وامرأته سالته شروق بتعجب:
- بقى هي دي مراة ابوك ياحسين ؟ دي خالتى زهيرة احلى منها بمراحل. 
إكتففى فقط بنظرة معبرة ولم يجيبها بالكلام ..فتابعت :
- بس لاحظت ياحسين..لما وقفت جملتها فجأة وهي بتسلم عليا وتكلمني ..واكنها كانت بتشبه عليا؟
مط شفتيه بضيق فقال :
- مـ.ـا.تسيبك من سيرة البت دي وخلينا احنا فى كلامنا ياشروق؟
تبسمت بدلال لتعيد الى وجهه الفرحة :
- كنت بقول انى هاتجوز واحد احلى من مهند !
.................
إنـ.ـد.مج ادهم فى الحديث مع اهل العروس ..وانزوت نرمين فى زاوية وحدها تتابع فقرات الحفل ..تراقب وترصد كل ما تقع عليه عيناها .. عقلها يدور فى دوامة وهي تحدق بالعروس.. لديها إحساس كبير بأنها رأتها قبل ذلك ولكن اين لا تعلم؟ ازاحت الفكر من عقلها حينما رأته بهيئته الخاطفة للانفاس .. يتحدث بهيبة تفوق سنه .. لطالما تمنته وفعلت المستحيل لتفوز بقلبه 
ولكنه كان كالجبل الذي لا يهتز ولا يتأثر .. ولكن يبدوا ان الجبل لم يعد كذلك.. وعيناه متعلقة بهذه الفتاة شقيقة العروس كما علمت من زوجها.. ذات الرداء الأزرق .. ماسر هذه العائلة؟ اشاحت بعيناه بعيدًا متأففة فتذكرت فورًا اين رأت وجه هذه الفتاة حينما رأت من يدلف لداخل السطح بهيئته الماكرة وخطواته البطيئة متصنع الحياء .. همست بداخله:
- طول عمري وانا حاسة ان ليك حكاية كبيرة اوي ياسعد !
جثت على قدmيها أمام أخيها ذو الوجه العابس وهو جالس على إحدى المقاعد وفارد قدmه المصابة على مقعد اَخر أمامه..في محاولة لمدعابته :
- ها ياأستاذ إبراهيم.. لاوي بوزك ومكشر ليه؟
رفع إحدي حاجيبه ومالت زاوية فمهِ للأسفل قبل يشيح بوجههِ عنها دون إجابة :
اقتربت منه أكثر بوجهها تخاطبه:
- ياه ياابوخليل ..لدرجادي انت زعلان ياقمر؟ طب مـ.ـا.تقول بقى على اللي مضايقك..يمكن نعرف نصالحك ياولا .
عاد اليها برأسه قائلًا بعتب :
- وتصالحوني ليه بقى ياأبلة فجر؟ هو انا افرق معاكم أصلًا؟
- ليه بس بتقول كدة ياابراهيم؟ هو احنا قصرنا معاك في حاجة ياحبيبي؟ يكونش يعني عشان انشغلنا في الفرح واستقبال المعازيم وسيبناك شوية.
- شوية بس؟! دا ابوكي من ساعة من جابني هنا ماسأل فيا تاني وامك رايحة جاية حواليا تجامل في الستات حبايبها وانا ولا شايفاني.. وانتي بقى مشغولة بالعروسة واصحابها.. دا لولا عم علاء اللي بيطل عليا كل شوية ويجيبلي في الساقع والحلويات وياخد باله من طالباتي.. لكنت فرقعت مكاني هنا ولا نزلت حتى برجل واحدة وسيبت الفرح .
انتابها شعور بالغـ.ـيظ والغيرة من هذا المتحذلق الذي اكتسب قلب أخيها فقالت بلوم :
- طيب وافرض احنا انشغلنا شوية ياهيما عنك في مناسبة مهمة زي دي.. انت بقى متقَدرش؟ على العموم حقك علينا ياسيدي ..قولي بقى اللي يرضيك عشان تقبل اتصور معاك ؟
رفع إحدى حاجبيه بمكر وهو ينظر ناحية والدته :
- إللي يرضيني طبق جاتوه كبير من العلب اللي جابها العريس وامك دارتها عني .
فغرت فاهها ضاحكة بدهشة من شقيقها الماكر :
- انت عايز امي تقــ,تــلني صح؟ دي أكيد شايلاهم عشان تجامل اصحابها وحبايبها وتفتخر بيهم انها من حاجة العريس .
قال بإصرار:
- ماليش دعوة يافجر ..انا مش هاصالحك ولا اتصور معاكي غير لما تجيبي اللي قولت عليه.. وياريت الطبق يكون كبير كمان.
- انا عارفة كويس انك مش هتهدى غير لما تاخد اللي انت عايزه .. جبـ.ـار زي الست الوالدة..أمري لله..أقوم اجيبلك واحد وربنا يستر .
قالت الأخيرة وهي تنهض من جوارها ولكنها بمجرد ان استدارت تفاجأت باصطدامها بجسدُ صلب ومغطي بالون الكحلي.. ارتدت للخلف وتلون وجهها بالحرج وقد تبينت هوية من اصطدmت به.
قال هو بلطف:
- انا أسف.. بس انا كنت جاي اشوف إبراهيم..ليكون ناقصه حاجة. 
غمغمت ببعض الكلمـ.ـا.ت الغير مفهومة وهي تذهب من أمامه وتتخطاه..جعلت عيناه تتابعها حتى اختفت وسط جمع الفتيات المدعوات.. عاد من شروده على صوت أخيها وهو يشاكسه :
- حلوة قوي البدلة دي ياعم علاء .
التف اليه ضاحكًا فقال:
- لو عجبك افصلك واحدة زيها ياعم هيما .
فرد ظهره وهو يقول بثقة:
- خليها بعدين بقى ياعم .. لما جـ.ـسمي يتشـ.ـد واربي عضلات زيك ..عشان تبقى لايقة عليا .
- انت لسه برضوا بتقر على عضلاتي..ماقولنا بقى لما تكبر ..انت ايه يابنى مابتهدmتش؟
علت أصوات إبراهيم الضاحكة وهو يشعر بأصابع جاره علاء تتغلل بشعره وكأنها دغدغة ..جعل علاء يضحك هو الاَخر ..ولكن توقفت هذه الضحكة فجأة حينما رأى أمامه من يدلف لداخل السطح بخطواتٍ خجله نحوه .. عبس وجهه وهو يترك إبراهيم فتقدm اليه يختصر المسافة حتى أصبح أمامه بوجهٍ جـ.ـا.مد ومتسائل.. وقف الاًخر أمامه يخاطبه بأدب:
- ايه ياعلاء ؟ مش هاتسلم على صاحبك اللي جاي مخصوص يصالحك ويحضر خطوبة اخوك ؟
مد كفهِ يصافحهُ بجمود قائلًا بخشونة:
- أهلاً ومرحب بيك ياسعد ..على الله بس ما يكونش لسة شايل مننا.. ما انت عارف ..احنا ناس ما يهمناش غير مصلحتنا .
بكف يده الحره شـ.ـد على ساعد علاء قائلًا بتشـ.ـدق:
- ماخلاص بقى ياعلاء .. دي كانت لحظة غضب وراحت لحالها.. وادينى جاي بنفسي أهني وابـ.ـارك للعروسين.. دا احنا عشرة عمر ياجدع والمصارين في البطن بتتعارك. 
تبسم بزاوية فمه على استحياء وهو يرى أمامه سعد صديقه القديم ذو الجسد الهزيل وهو يعتذر عن خطأ بزلة لسانه حينما لم يتقبل الرفض له وقبول الفتاة بشقيقه ..صاحب المواصفات التي تتمناها كل فتاة .. كان من البديهي ان ترجح كفة حسين شقيقه للفوز بموافقة الفتاة وأهلها.. شعر نحو صديقه بالشفقة فكما قال هو ( أين يأتي سعد أمام اولاد المصري؟ ) سائله ببعض اللين :
- طب وانت عرفت بميعاد الخطوبة والمكان ازاي ؟
أجابه بحماس:
- عرفت من السيد الوالد .. ماهو وجه لي دعوة بصفتي صديقك .. ها ياعم هاتيجي بقى معايا عشان ابـ.ـارك له بنفسي؟ ولا اروح لوحدي ؟
حينما ذهب مع صديقه لتهنئة العريسان ..إستقبله حسين على مضض ولكنه لم يُظهر إنطباعه هذا فتقبل تهنئته ببعض الزوق وابتسامة لا تصل لعيناه ..إكرامًا فقط لشقيقه الأكبر ألذي اومأ له بعيناه ليفهم .. وحتى حينما صافح العروس يبـ.ـارك لها هي الأخرى تماسك عن نزع كفهِ التي اطبقت على كف شروق ..رغم أدعائه الحياء.. فهو ليس بغافل عن نظرته اليها بطرف عينه.. حتى ذهب مع أخيه وتركهم.. تنهد ببعض الارتياح وهو ينظر للعروسه الجميلة التي انتبهت لتغيُر لونه فاقتربت منه تساله :
- إيه مالك؟ في حاجة زعلتك ؟
هز برأسه ينفي مجفلًا من فطنتها:
- لا طبعًا.. انتي ليه بتقولي كدة ؟
اجابته ببساطة:
- يعني عشان وشك اتقلب لما شوفت اللي اسمه سعد ده لما جه وسلم علينا.. انا خدت بالي على فكرة .. بس اقولك على حاجة ..انا كمان مش طايقاه .
أشرق وجهه مرة أخرى وهو يردد أمامها بالضحك :
- على النعمة انتي مصيبة.
بوسط الفتيات كانت نيرمين مازالت تراقب وهي تدعي التصفيق والغناء مع الفتيات .. حتى ملت ان تكون بالهامش وهي ترى زهيرة منـ.ـد.مجة مع النساء بفرح وزوجها هو الأخر مع نسيبه الجديد شاكر اما علاء فبالرغم من جلوسه مع سعد ولكن عيناه لم تترك الفتاة هذه شقيقة العروس .. قررت التعويض عن نفسها ولفت الانتباه .. وهي تدخل في وسط الفتيات ترقص بضمير وحنكة..حتى استطاعت لفت انظار الجميع بما فيهم زهيرة التى كبتت قهرها وهي تستمع لتعليقات النساء جيرانها عن هوية الفتاة وعلمهم بأنها الزوجة الثانية لوالد العريس.. وهي تدعي بكل قلبها انتهاء هذه الليلة على خير وذهاب هذه النرمين .
................................
حينما انتهت اَخيرًا الليلة الطويلة بانتهاء حفل الخطوبة وغادر الجميع حتى أدهم وزوجته..لم يبقي سوى العريس الذي انفرد بعروسه فى غرفة الجلوس. وترك والدته مع اسرة شاكر فى الخارج بوسط المنزل على كنب الصالون .. تتسامر معهم و تضحك من قلبها.. حتى ينزل اليها ابنها علاء الذي كان لا يزال فى السطح يشرف على العمال الذين تكلفوا برفع اثار الحفل .. وتنظيف السطح .
فجر كانت بداخل المطبخ تزفر حانقة وقد كلفتها والدتها بإعداد الشاي .. فقد استكفت هذه الليلة من تلميحات المرأة ونظرات هذا المدعو علاء التي كانت تتبعها طوال مدة الحفل ..رفعت الصنية و التى امتلئت بأطباق الحلويات بجوار كاسات الشاي .. تأففت متمتمة:
- يارب عدي الليلة دي بقى..انا تعبت.
خرجت من المطبخ لتجد الثلاثة ينظرون ناحيتها بابتسامة عريضة تكاد تصل للأذنيهم .. تقدmت لتضع الصنية على الطاولة الصغيرة امامهم ..قائلة بتوجس :
- الشاي ياجماعة .
جذبتها المرأة من ذراعها لتُجلسها بجوارها قائلة بمحبة:
- وهاتمشي ليه بس ياقمر ؟ مـ.ـا.تقعدي معانا كده واَنسينا ..دا احنا بقينا اهل وبكرة الشقتين يبقوا بيت واحد كمان.
تبسمت بتكلف وهي تدرك ما تبطنه إشارة المرأة فقالت بمجاملة:
- طبعًا ياطنت.. البيت بيتك أكيد.. بس معلش بقى انا تعبانة ونفسي اريح شوية .
نهرتها والدتها بصرامة :
- ما تهمدي يابت واقعدي دقيقتين.. خلاص يعنى هاتمـ.ـو.تي وتنامي؟
هتفت عليها زهيرة بابتسامة:
- لا بقولك إيه ياسميرة.. أعملي حسابك ياعنيا مـ.ـا.تزعقيش في القمر دي تاني .. دي خلاص ياحبيبتى بقت حماية! 
أكمل على قولها شاكر :
- ايوة بقى ياسميرة.. دا الظاهر كدة احنا مش هانعرف نكلمها تأني.. مدام بقت في حماية الست زهيرة  والمعلم علاء.
انسحبت الدmاء من وجهها وقد وصلها معنى التلميح الصريح من ألإثنان.. وبالأخص حينما لمحت النظرة القلقة بعيون والدتها ..فهي أكثر من يعرفها .. نهضت سريعًا تنوي الهروب ولكن المرأة الطيبة اوقفتها من يدها ..قائلة بسذاجة:
- المرة اللي جاية بقى هاتبقى ليلتك ياقمر .. وليكي عليا انا بقى لاخليها ليلة كبيرة تليق بالقمر وعريسها نن عين أمه .
هنا فلت الزمام ولم تُعد بها قدرة على التحمل لأكثر من ذلك ..نزعت يدها من كف زهيرة بسرعة وهي تهتف بحدة :
- كان نفسي ياطنت افرحك.. بس للأسف انا لا عندي وقت للجواز ولا عايزة اتجوز من اساسه .
خبئت الفرحة بوجه زهيرة وتحول لونه للشحوب .. كحال شاكر وزوجته الذين الجمتهم الصدmة لعدة لحظات قليلة قبل أن يقطعها صوته العنيف 
- ام علاء. 
التفت الجميع على وجههِ وهو واقف أمامهم بمدخل البيت.. وانفاسه الهادرة مع اشتعال عينيه أخبرتهم جميعًا أنه سمع كل ما قد قيل !
...............................
- اتفضلي ياست هانم .
القت نظرة بطرف عينها وهي تدلف لداخل المنزل استهجاناً على نبرته المتهكمة وقالت :
- ومالك بتقولها كده وانت بتتكى على الكلام؟ 
صفق الباب بقوة وهو يضع سلسلة مفاتيحه في جيب سترته فقال :
- طبعًا.. وانت هامك حاجة؟ هيبة جوزك ولا سمعته قدام الناس ولا تفرق معاكي بمليم حتى .
استدارات شاهقة وهي تضع يدها على خصرها :
- دا بجد بقى انت زعلان .. وانا اقول لاوي بوزك ليه شبرين من ساعة ماخرجنا من عند نسايب ابنك؟
- لمي نفسك يانيرمين؟
اجفلت منتفضة من صيحته الهادرة فخرج صوتها بتـ.ـو.تر :
- في إيه ياشاكر ؟ هو انت بتزعقلي كده ليه أساسًا؟ عملت إيه أنا ؟
خطا يقترب منها حتى امسك بمرفقها فقال مابين اسنانه:
- بقى بالذمة انتي مش عارفة عملتي إيه ؟ لمـ.ـيـ.ـتي معازيم الفرح كلهم عليكي وانتي بترقصي ولساكي مش عارفة عملتي إيه ؟
قالت بخـ.ـو.ف ومداهنة:
- بقى دا هو دا غلطي ياشاكر ؟ إني رقصت فرحانة بخطوبة ابن جوزي ؟
شـ.ـدد على مرفقها:
- بلاش ملاوعة معايا يانرمين .. انتي رقصتي قدام الكل رجـ.ـا.لة وستات قاصدة تلفتي النظر ليكي ولا انتي فاكرني غـ.ـبـ.ـي .
- لا مش غـ.ـبـ.ـي ياشاكر ..بس انا فاهمة زعلك من إيه بالظبط؟ انت خايف على إحساس السنيورة مراتك..صح ياشاكر ولا انا كـ.ـد.ابة ؟
فلتها بعنف هاتفًا باذدراء:
- وماله لما اخاف على إحساس مراتي ام ولادي .. هو انتي فاكراني حجر وما بحسش .. دا انتي اللي جبلة بقى.
تركها وذهب بغضبه .. تمايلت هي بجسدها تلوي شفتيها غيرُ اَبهة .
............................
جالسة على طرف التخت عاقدة كفيها بحجرها مطرقة رأسها للأسفل .. كطفلة صغيرة تتلقى التوبيخ من والدتها التي كانت تقطع الغرفة ذهابًا وعودة أمامها بعصبية وهي تصرخ عليها بشكل هيستيري :
- رودي عليا وفهمينى ..ساكتة ليه ؟
همست بصوت خفيض :
- يعني عايزاني اقول إيه؟
صاحت بصوتٍ أعلى :
- هو انا لسه هاقولك ياعين امك؟ انا عايزة افهم بقى.. انتي بتكرهيه ليه؟ جالك قلب تكـ.ـسري فرحة الولية الغلبانة دي ازاي بس؟
اغمضت عيناها بتعب فقالت بخزي:
- انا ماكنتش قاصدة احرجها ولا اكسفها.. بس هي اللي إضطرتني لما فاتحتني كدة فجأة .. ثم حكاية اكـ.ـسر قلبها دي اوفر اوي بصراحة..لأن الجواز نصيب ولازم يجي بالقبول. 
دنت اليها برأسها تسأله بتعجب:
- وانتي بقى ياعين امك مش قابلة علاء ؟
قالت بقوة :
- ايوة مش قبلاه ياماما..فيها حاجة دي؟ 
صاحت والدتها بصوتٍ فاقد للسيطرة:
- امال هاتقبلي بمين يابت؟ لما علاء بجلالة قدره اللي كل بنات المنطقة يتمنوا ضفره انتي مش قبلاه.. مـ.ـا.تقولي ياعين امك.. خلينى نعرف مزاجك ياسنيورة ..مـ.ـا.تقولي يابت ؟
- خلاااص ياسميرة .
صاح بها شاكر الذي اقتحم الغرفة فجأة وتابع :
- لمي الدور بقى وخلينا ننام فى الليلة المهببة دي ..واعتقيها بقى الليلادي واعتقينا احنا كمان .
- ماشي ياشاكر ..زي ما تحب .
زفرت ارتياحًا بخروج والدتها مع ابيها فاتفاجات بسؤال شقيقتها التى دلفت هى الأخرى.. تسألها بدهشة:
- يعنى انا اللي سمعته صحيح يافجر؟ طيب إيه العيب اللي في علاء عشان ترفضيه؟
سدت اذنيها قبل ان تدخل فى الفراش وتشـ.ـد الغطاء حتة رأسها..فقالت من أسفله:
- ممكن تطفي النور ياشروق عشان عايزة انام .
..................................
دلفت لداخل الشرفة فوجدته جالس على مقعده ينفث دخان سيجارته فى الهواء بوجهٍ شارد.. اقتربت منه بخطواتٍ مترددة وهي تفرك بيدها فقالت بتـ.ـو.تر :
- هاتفضل كدة سهران يابني ؟ مش ناوي تقوم تنام بقى ؟
التفت اليها برأسهِ مستندًا بمرفقه على ذراع المقعد وسيجارته بين اصابعه فقال بنظرة خاوية :
- روحي نامي انتي ياما ..وانا لما يجيني النوم هنام انا كمان ومش هاستنى .
طعنها هذا الحـ.ـز.ن الذي رأته بعيناه فقالت:
- هو انت حبيتها ياعلاء ؟.
سألها مجفلًا:
- هي مين؟
أسبلت عيناها وهي لا تجرؤ على النطق باسمها ..فقال هو متفهمًا :
- مش وقت الكلام دا دلوقتي ياما ..احنا بقينا نص الليل .
لم تتحرك للخارج ولكنها قالت برقة:
- مـ.ـا.تزعلش مني ياحبيبي .
هز برأسهِ وزفر دخان سيجارته بقوة وهو يسألها باستياء :
- ازعل منك ليه بس ياما؟
- حاسة اني أستعجلت وبوظت الدنيا لما فتحت الموضوع كده خبط لزق ..كان لازم برضوا البت تاخد وقتها وتفكر قبل ما... 
- خلاص ياما ابوس ايدك. 
قاطعها بتعب وهو يتناول كف يدها يقبلها وتابع :
- ممكن نأجل الكلام ده لبكرة عشان انا تعبان بجد ومش قادر ؟
- ممكن ياحبيبي. 
اومأت برأسه ثم قبلته على جبهته وقبل ان تستدير للخروج رددت مرة أخرى:
- بس اوعدني انك هتريح جـ.ـسمك وتنام ياعلاء.
اومأ برأسهِ يُرضيها حتى خرجت فعاد هو لشرده مرة أخرى:
- انام ازاي بس من قبل ما اعرف هي رفضتني ليه؟نهض فجأة يضـ.ـر.ب بقبضته على حاجز الشرفة الإسمنتي وهو يحدث نفسه :
- البت دي بتكرهني .. انا النهاردة بس خدت بالي من نظرتها ..دي نظرة كره خالصة .. بس ليه ؟ بيني وبينها إيه عشان تكرهني كدة ؟انا لازم افهم ولازم اعرف اللي فى دmاغها.. انا مش هاهقبل اترفض كدة من غير ما اعرف السبب .بس ازاي؟ دي حتى بطلت مـ.ـا.تطلع بلكونتها عشان مـ.ـا.تشوفنيش ..لدرجادي هي مش طايقانى ؟ طب ليه؟ 
ظل على وضعهِ يحرق صدره بدخان التبغ وهو يُحدث نفسه كالمعتوه حتى أشرقت الشمس على استيحاء ..فا أحس بوقع خطوات خفيفة تسير فوق رأسه على سطح المبنى الإسمنتي.. شرد قليلًا بتفكير ..قبل ان يرتدي قميصه على عجل ويخرج من شقته متجهًا للأعلى .
........................
ملتفة بشالها وهي تنظر لشروق الشمس بشرود مستمتعة بهذه النسمـ.ـا.ت البـ.ـاردة والهدوء المسيطر على الميدان أمامها بالحركة الخفيفة للبشر والقليلة للسيارات.. لقد مرت عليها ليلة بشعة لم يرق جفنها للنوم فيها ولو لحظة.. رغم مـ.ـا.تدعيه من برود أمام والدتها فهي فعلًا أشفقت على المرأة .. بعد رفضها العنيف لابنها فبرغم رفضها المسبق..الا أن هذه لم تكن نيتها ابدًا فى جـ.ـر.ح المرأة المريـ.ـضة ..ولكن هي من اجبرتها بطيبتها وسذاجتها .. وحدث ما لم تتمنى حدوته .. فماذا بيدها الاَن؟ علّ هذا الرفض يخفف قليلًا وقع هذا الضغط الذي ظل جاثمًا على ظهرها طوال الأيام الفائتة حتى ارهقها واستنزف طاقتها .. اغمضت عيناها تتمنى الخلاص والهرب بعيدًا عن زكرياتها ومحيط اسرتها وكل ما يؤوق حياتها ويُتعبها!
فتحت عيناها فجأة بعد ان شعرت انها لم تصبح وحدها فى السطح ويبدوا انه يوجد من يشاركها فيه.. التفت فجأة فاصطدmت عيناها بعيناه العنيفة في نظرتها ..بلعت ريقها الجاف قليلًا قبل ان تأخذ قرارها للهرب من أمامه والنزول فورًا .. ولكنها تفاجأت بهِ يقطع الطريق أمامها بجسدهِ الضخم .. تحركت لتغير الطريق ولكنه تحرك معها ومنعها من السير ..رفعت رأسها اليه متسأئلة فتفاجأت بنظرتها القوية من مستوى طوله الفارق عنها وهو يدعوها للتحدي .. قالت بتماسك مزيف :
- لو سمحت سيبنى امشي وانزل..مايصحش كده .
قال بحدة :
- مافيش نزول .
- نعم !!
- مابقولك مافيش نزول .
برقت عيناها وهي تهتف بغضب :
- بقولك سيبنى انزل ..هي فتونة يامعلم ياشهم. 
تغاضى عن لهجتها المتهكمة فقال مابين اسنانه:
- انتي مش هاتنزلي من هنا غير لما تقوليلى .. انتي رفضتينى ليه ؟
ارتدت للخلف مجفلة من جرأته فقالت بدفاعية :
- وفيها إيه بقى لما ارفضك؟ ولا انت مستكتر عليا انى ارفض المعلم علاء بجلاله وقدره؟
قال بحدة :
-لا مش مستكتر عليكي الرفض ياستى ..وحكاية القبول دي من عند ربنا .. بس انتي في سبب واضح قوي عندك وانا شايفه في عنيكي دلوقتى وانا بكلمك.
احتدت انفاسها بالصعود والهبوط وهي تنظر اليه بقوة صامته ..فتابع هو بالتأكيد :
- مدام سكتي كدة يبقى في صح .. خليكي شجاعة بقى واتكلمي .
- اتكلم اقول إيه ؟- قولي عن السبب اللي مخليكى تكرهيني وعامل حاجز بينى وبينك من اول مرة شوفتك فيها..قولي بقى وريحينى .. ايه اللي بينك وبينى؟
صاحت صارخة بوجهه :
- إللي بينى وبينك فاتن
- إللي بيني وبينك فاتن!
لم يهتز او يرتد للخلف مجفلًا بعد سماعه الإسم أو حتى تأثر وجهه الجـ.ـا.مد كما توقع خيالها الطفولي.. بل كل ماحدث هو أنه فغر فاهه قليلًا مضيقًا عيناه وهو ينظر إليها بتفكير.. ثم ما لبث ان قال بهدوء:
- فاتن بـ.ـنت بدر عوض الصعيدي؟
- ياااه! ولحقت تفتكرها بالسرعة دي؟ دا انت كتر خيرك حقيقي.
- بغض النظر عن سخريتك دي .. بس دا شئ عادي وواضح أوي كمان من نظرة واحدة لاختك شروق.. انا شكيت في قربكم ليها.. ولما سألت كويس عنكم عرفت انها بـ.ـنت عمتك .
تسارعت انفاسها واتسعت عيناها وهي تهز برأسها بعدm استيعاب حتى صرخت بوجه:
- كنت عارف إني بـ.ـنت عمتها وجاي تتقدmلي كدة بمنتهى السهولة ..يابجاحتك ياأخي.. ياجبروتك ياأخي .
نظر اليها بقوة قائلًا بحزم :
- بجاحتي وجبروتي في إيه بقى عايز أفهم؟ واحدة كنت بحبها وعايز اتجوزها.. ومحلصلش نصيب ما بينا وكل واحد فينا راح لحاله.. إيه بقى إللي يمنعني إني اتجوزك انتي حتى لو كنت اختها مش قريبتها؟!
اَلمها هذا البرود في كلمـ.ـا.ته فضحكت بسخرية مريرة وقالت :
- فعلًا إيه صحيح إللي يمنع إن تكـ.ـسر قلب واحدة وتدmرها؟ وبعدها تعيش حياتك عادي وتتجوز بـ.ـنت خالها كمان؟ بـ.ـنت خالها اللي شوهت في نظرها كل نظريات الحب والقصص الخيالية في العشق بعد ما شافت بعينها أعز واحدة عندها وهي بتترجاك في المحل بتاع والدك وانت بتذلها وتطردها بكل افترا ..بعد ماانتهت صلاحيتها عندك وبقت حمل تقيل عليك....
قاطعها فجأة متسائل :
- إستني عندك .. هو انتي اللي كنت واقفة برة المحل بيونيفورم المدرسة في يوميها؟
اردفت بحـ.ـز.ن :
- كنت ساعتها في تالتة اعدادي وانا عايشة في العالم الوردي بتاع فارس الأحلام والقصص الرومانسية اللي كانت بتحكيها فاتن عنك واكنك فارسها المغوار قبل مـ.ـا.تغدر بيها وترميها زي الكـ.ـلـ.ـبة في الشارع بعد ماخدت غرضك منها وسيبتها تواجه مصيرها لوحدها .
تغضن وجهه بالغضب وهو يسألها بتوجس :
- انتي بتقولي إيه؟ وغرض إيه إللي بتتكلمي عنه ؟ هو انتي فهمتي إيه بالظبط؟ انا كنت بطردها عشان خيانتها ليا بعد ما اكتشفتها بنفسي.
بعدm سيطرة دفعته بقبضة يديها تهتف :
- انتي كمان هاتشوه صورتها في عيني بعد مادmرتها وسيبتها بالجنين إللي في بطنها.. انت إيه ياأخي؟ ماعندكش ذرة ضمير ولا إحساس. 
اطبق بكفيه على قبضتيها التي كانت تضـ.ـر.ب بها على صدره يمنعها من الوصول اليه وهو يهتف جازًا على أسنانه ..يحاول السيطرة على تشنجها امامه:
- إسمعي مني الأول وافهمي اللي هاقولوا كويس.. دي اول مرة اسمع فيها ان فاتن كانت حامل.. انا كل اللي اعرفه إنها سافرت مع اهلها ورجعوا على بلدهم في الصعيد.. بعد انا ماقطعت علاقتي بيها نهائي.. يعني مـ.ـا.تحملنيش ذنب انا معملتوش .
هتفت بقهر ودmاعتها تسح على وجنتها وهي مازلت قبضتيها في يده :
- هي ماكنتش تعرف غيرك ولا حبت حد غيرك ..عشان يستغلها حد تاني زي انت ما عملت كدة بالظبط..ودلوقتي جاي تنكر قدامي بكل بجاحة عشان كـ.ـد.اب وجبان .
هزازها بقوة قائلًا باستنكار :
- انا مش كـ.ـد.اب ولا خـ.ـا.ين..عشان اتهرب من مسؤليتي لو غلطت مع واحدة..لكن كمان مش غـ.ـبـ.ـي عشان اسامح في الخيانة..فاتن بـ.ـنت عمتك خانتني وانا شوفتها بنفسي مع اعز اصحابي وعلى سريره.. يبقى هو اللي غدر بيها وسابها مش انا .
هدات حركتها فجأة ولكن ظلت رأسها تهتز بالرفض وهي تردد بإصرار:
- انا لا يمكن اصدق حرف واحد من إللي انت بتقولوا ..عشان انا اكتر واحدة كنت شاهدة على حبها ليك ..اللي كان بيصل لحد الجنون.. إنت اللي خونت واتخليت عنها لما سيبتها تواجه أهلها وتتحمل الذنب لوحدها. 
افلتها فجأة يشير بأصابع يده على جانبي رأسه قائلًا بانفعال:
- انت إيه يابـ.ـنتي؟مُصرة على اللي في دmاغك وبس.. من غير ما تسمعي ولا تفكري حتى.. لما انا غررت بيها وغلطت معاها.. سكتت هي ليه بقى ومابهدلتش الدنيا ولا بلغت والدي حتى؟ ممكن بقى تجاوبيني؟
- عشان أكيد كانت خايفة منك ومن والدك وعلى سمعة أهلها فى المنطقة.
ضـ.ـر.ب بكفهِ على ظهر الأخرى وهو يسألها بنفاذ صبر:
- طب سيبك مني ومن أهلي.. خلينا في أهلها هي بقى.. واجهتهم ليه لوحدها وماقلتلهمش عني؟ مدام انا اتخليت بجبني زي مابتقولي.. يبقى على الأقل والدها الصعيدي الحر ..مش هايسكت عن حق بـ.ـنته ولا هايسيب اللي غلط معاها بقى .
قالت بتعب:
- أهو والدها الصعيدي الحر ده..خد بـ.ـنته وعيلته كلها وسافر على الصعيد وسابلك الدنيا بحالها .
رفع كفيه امامها في الهواء كإشارة :
- تمام اوي كلامك كدة.. انا مستعد يابـ.ـنت الناس..اروح لها في قلب بيتها وقدام ابوها كمان.. أسألها واواجها وان طلع الحق معاها يبقى استاهل انا اللي يحصلي بقى من والدها وعيلتها هناك .
- تروحلها فين ؟
سألته بابتسامة باهتة وتابعت بمرارة:
- بعد السنين دي كلها عايز تواجهم؟ ماهو خلاص بقى ماعدتش ينفع..عشان صاحبة القضية نفسها مـ.ـا.تت بالجنين إللي في بطنها وسرها اندفن معاها كمان.
جحظت عيناه وشحب وجهه بشكل مخيف.. وكان هذا هو نهاية الحديث العاصف بينهم قبل ان تذهبت من أمامه وتركته ينظر في أثرها متسمرًا مكانه على سطح المبنى.
...........................
"كانت عائدة من درس الرياضيات الذي اخدته مع المجموعة بعد انتهاء اليوم الدراسي فى مدرستها والتي كانت تبتعد عن مسكنها بالميدان بمسافة كبيرة.. ولكنها لم ترد العودة فورًا لمنزلهم وفضلت الذهاب لبيت عمتها ورؤية ابـ.ـنتها التي غابت منذ فترة طويلة عن زيارتها في منزلهم .. فبرغم فرق السنوات والذي تعدت الأربعة.. كانت فجر تعتبر فاتن صديقتها المقربة ..والسبب الرئيسي لنشأة هذه الصداقة كان الإلحاح من جانب فجر نحو فاتن الجميلة والرقيقة .. والتي لطالما اعتبرتها فجر نموذج يحتذى به ..فكانت تسعى دائمًا لتقليدها .. وهي كانت رقيقة ودائما متعاونة ومحبة لفجر ..فكانت دائمًا ما تدعوها بشقيقتها الصغيرة .. فور ان ترجلت من المواصلة العامة ..رأتها امامها وهي تعدوا بخطواتٍ سريعة نحو الخروج من حارتهم .. ركضت خلفها تهتف باسمها مستغلة خفة وزنها لتلحلق بها
- يافاتن يافاتن .. استنى هنا شوية انا جيالك .
استدارت مجفلة على النداء فتوقفت عن السير بجوار إحدى المبانى حتى أتت إليها لاهثة .
- اخيرًا وقفتي.. دا انا قولت مش هاتسمعيني خالص النهاردة ولا هاتوقفي.
قالت بفتور :
- أهلًا يافجر.. انتي إيه إللي جابك دلوقتي؟
ارتسم الحرج على وجهها مع بعض الدهشة فقالت:
- في إيه يافاتن ؟ هي دي مقابلة تقابلينى بيها برضوا؟ وانا اللي جتلك جري بهدوم المدرسة عشان حشـ.ـتـ.ـيني و  .. بعد مالقيتك غيبتي وماعدتيش تسالي عني ولا حتى تزوري بينتا .. بيت خالك زي الاول .
اطرقت بوجهها وهي تتهرب منها بعيناها قائلة بتـ.ـو.تر:
- معلش يافجر .. بس انا اليومين دول ..مشغولة في اوي في المعهد والدروس ..عشان الامتحانات قربت .
كانت هذه اول مرة لفجر تلمح التغير الواضح الذي طرأ على ابنة عمتها الجميلة .. وجهها المستدير الناعم والنضر كان باهتًا على غير العادة .. عيناها ذابلتان وحمروان وكأنها انتهت توها من نوبة بكاء عنيفة ..سألتها بقلق :
- فاتن هو انتي تعبانة ولا حد مزعلك ؟
هزت رأسها وقالت نافية :
- لا طبعًا.. إنتي ليه بتقولي كدة بس؟ هو انا باين عليا اني تعبانة ؟
- باين جدًا يافاتن.. هو إيه إللي حاصل بالظبط معاكي؟ عمي بدر هو اللي مزعلك ولا عمتي فوزية .
- لا عمك ولا عمتك هما اللي زعلوني.. انا اللي تعبانة لوحدي.. روحي انتي سلمي عليهم .. على مارجعت انا من مشواري ..دقايق مش هاعوق .
قالت الاَخيرة وهي تهم للذهاب ولكن فجر اوقفتها وهي تجذبها من ذراعها :
- استنى هنا يافاتن ..انتي هاتمشي وتسيبني لوحدي مع عمتي فوق؟
حاولت جذب ذراعها وقالت بسأم :
- يابـ.ـنتي اطلعي.. هو انتي عمتك هاتكلك .. انا مشواري قريب هناك .. فركتين كعب يعني مش هاتأخر .
قالت بلهفة وهي تشـ.ـدد على ذراعها :
- طب خلاص خديني معاكي .
نهرتها غاضبة وهي تخلص منها ذراعها بقوة:
- يووه عليكي يافجر .. دا انتي بقيتي مزعجة اوي وهاتفرجي علينا الشارع كله.. سيبنى ياحبيبتى الله لا يسيئك.. ثواني مش هاتأخر ماشي ..ثواني .
توقفت فجر عن الإلحاح وتركتها تذهب وهي واقفة بمكانها محرجة من نظرات المارة التي ارتكزت عليها .. ولكن حب الفضول غلبها.. فسارت خلفها بخطوات بطيئة تتبعها .. حتى وجدتها توقفت امام محلٌ كبير للأدوات الصحية بشارع اَخر خلف حارتها ..و دلفت بداخله .
أكملت سيرها حتى توقفت امام واجهة المحل الزجاحية تنظر بداخله بالزي المدرسي ..حقيبتها خلف ظهرها ودفتر ورق بيدها.. رأتها تتحدث بضعف خلف رجلٌ شاب يعطيها ظهره.. واقفًا بعنجهية خلف مكتبه ينظر نحو صورة معلقة على الحائط بجمود واضعًا يديه بداخل جيب بنطاله.. يستمع لها فقط ولا يتحدث .. حتى اذا انتهت إستدار اليها بحدة .. فتفوه ببعض الكلمـ.ـا.ت التي لم تسمعها فجر ولكن رأت وقعهم على وجه فاتن التي تدفقت دmاعاتها امامه بغزارة تترجاه..فما كان منه إلا أنه أشار اليها بذراعه نحو باب المحل لتخرج .. وهي تترجاه بتذذل وهو قلبه القاسي .. لم يرق ولم يرضى سوى بطردها .. حتى خرجت من عنده مكـ.ـسورة الخاطر ..مطأطأة الرأس وهو يتبع خروجها .. فالتقت عيناهُ بعيناها فجر من خلف الواجهة الزجاجية للمحل الذي وقف بوسطه بتجبر..ولم يشعر بالأسف نحو طرده لفاتن ولو لحظة .. عرفته فجر وقتها حينما رأته عن قرب ..فتذكرته فورًا من صوره الموجودة مع فاتن .. إنه هو نفسه من دعته بالحبيب عدة مرات حينما كان مثار أحاديثهم طوال الشهور الفائتة ..قبل ان تنأى فاتن بنفسها وتعزل نفسها بعيدًا عنها .. هو نفسه المدعو علاء ادهم المصري!"
- فجر .. هو انتي إيه إللي تاعبك بالظبط ومنعك تروحي شغلك النهاردة؟
افاقت من شرودها على صوت شقيقتها شروق وهي تدلف لداخل الغرفة.. فاعتدلت بجسدها جالسة على الفراش .. تستعيد توزانها بعد هذا اللقاء العاصف وموجة الذكريات التي لاحقتها مرة أخرى .. بعد أن ظنت نسانيها الماضي وماحدث بهِ قديمًا.. 
- يابـ.ـنتي ما تردي عليا ..انتي ساكتة ليه ؟
اجلت حلقها لكي ترد على شقيقتها:
- أيوة اا ..انتي كنتي بتقولي إيه ؟
- كنت بقول إيه؟! يانهار ابيض لدرجادي؟ دي على كدة الست الوالدة كانت صادقة بخـ.ـو.فها عليكي .
- امي انا خايفة عليا! هي قالتلك إيه بالظبط؟
اقتربت تجلس أمامها على الفراش وهي تنظر اليها بتأني وكأنها تتفحصها جيدًا قبل أن تجيبها:
- قالتلي ياستي .. انك دخلتي عليهم فجأه النهاردة الصبح وهما بيفطروا.. وشك مخـ.ـطـ.ـوف واكنك كنتي معيطة ..ولما سألوكي مالك ولا كنتي فين.. قولتي انك كنتي على السطح بتشمي هوا.. وعينك بس طرفها التراب.. وبعدها دخلتي جري على اؤضتك ولما سألوكي مش رايحة شغلك ..قولتي لأ مش رايحة عشان مصدعة من ليلة امبـ.ـارح ومش حمل مناهتة مع الطالبات فى المدرسة!
- طب ماهو دا اللي حصل؟
- دا كلامك ياحبيبتى.. بس ماما مش مصدقاكي وقلقانة عليكى .
- قلقانة ليه بقى ؟
اقتربت إليها أكثر تسألها :
- بقى انتي مش عارفة قلقانة ولا مش حاسة بنفسك .. دا انتي وشك دبلان ولا اكنك معيطة بقالك شهر .
نهضت عن التخت قائلة بتهرب:
- ياشروق انتي كمان ..يعني هايكون إيه إللي يخليني معيطة؟ دا بس شوية صداع جـ.ـا.مدين هما اللي خلوني ادmع بالعافـ.ـية.. بس الحمد للة..انا كويسة دلوقتى بعد البرشامة اللي اخدتها .
نهضت هي الأخرى تخاطبها بمهادنة:
- براحتك يافجر لو مش عايزة تتكلمي.. بس انا حاسة يعني والله اعلم .. انك نـ.ـد.مانة .
قطبت تسألها بدهشة:
- نـ.ـد.مانة على إيه بالظبط؟
قالت بتردد :
- يعني انا بقول انك لو نـ.ـد.مانة عشان رفضتى علاء .. احنا لسة فيها وانا ممكن اكلم حسين يصفي الامور مابينكم. 
شهقت مستنكرة:
- نـ.ـد.مانة على مين ياختي؟ بقولك إيه يابت ..مـ.ـا.تروحي تتسلى مع عريسك دا ولا خطيبك.. وحلي عني انا بلا و.جـ.ـع دmاغ .. قال نـ.ـد.مانة قال .
مالت شفتيها المزمومة بزاوية فقالت:
- اتسلى معاه ..والنبي عمي علاء دا عسل وانتي اللي الخسرانة يافجر.
- طب غوري بقى من اؤضتي مش نقصاكي غوري .
- براحتك .
قالتها وتحركت بخطواتها لتخرج وقبل ان تصل لباب الغرفة هتفت عليها فجر :
- وانتي ماروحتيش على جامعتك ليه والساعة دلوقتي داخلة على عشرة الصبح .
قالت مبتسمة بدلال:
- ياحبيبتي انا عروسة وخطوبتي كانت امبـ.ـارح..يعنى على الأقل اغيب النهاردة عشان خطيبي اللي جايلي بعد شوية يفسحني يلاقيني. 
قالت حانقة:
- اممم .. طب اخرجي بقى بدلعك المِرق ده واقفلي الباب وراكي .
مصمصمت بشفتيها تردد بمشاكسة قبل ان تخرج وتغلق الباب خـ.ـو.فًا منها:
- ياسِم!
بعد ان خرجت شروق وتفادت ضـ.ـر.بة من وسادتها.. وجدت نفسها تتناول حقيبة يدها المركونة على الكمود ..تفتش فيها حتى ظهر امامها هذا الكارت الصغير والمدون عليه الرقم الغريب والتي لم تظن بحياتها أبدًا أنها ستستخدmه!
.....................................
( بصيلي ياعلاء واسمعني.. انا مظلومة وربنا بس اللي شاهد على برائتي.. ياعلاء انا في حياتي ماشوفت راجـ.ـل غيرك ..يبقى ازاي هاخونك بس ..بص في وش ياعلاء ..ياعلاء إسمعينى ابوس إيدك) .
زفر بعمق وهو يفرك بكفه على صفحة وجههِ وكلمـ.ـا.تها تتردد داخل رأسه ِ الاَن دون توقف.. كيف لذكرى تناساها منذ عدة سنوات ان تطل الاَن بقوة؟ .. أغمض عيناه وهو يعتدل بجلسته على كرسيه خلف مكتبه داخل المحل ..اخذ يطرق بقلمه على سطح المكتب ذو الخشب المثقل بحيرة .. فمنذ الصباح وهو يشعر بنيران تشتعل بصدره.. هذه الأخبـ.ـار الجديدة عليه تجعله كأسدٍ حبيس بداخل قفصه ..النيران مشتعلة حوله من كل جانب وهو لا يعرف مصدرها ولا المتسبب فيها .. لقد نشأ الكره في قلبها نحوه منذ سنوات طويلة وهو كالأعمى.. لم يرى الأشارات..وهو الذي ظن انتهائه من قصة فاتن من زمن طويل! 
نهض فجأة من مكتبه حينما لمح طيفها وهي خارجة من البناية .. تلتفت حولها وتتفادي السيارت حتى اعتلت الرصيف لتكمل سيرها نحو إحدي سيارات الأجرة. 
- ولا ياحسونة .
التفت العامل الذي كان منشغلًا مع إحدى الزبائن نحو معلمه ليجيبه:
- نعم يامعلم علاء .
تناول هاتفه وسلسلة مفاتيحه وهو يأمره:
- خلي بالك من المحل.. انا خارج مشوار وراجع .
" كلامي معاها لسة ما انتهاش"
تمتم الاخيرة مع نفسه وهو يخرج سريعًا.. ليعتلي سيارته ويلحق سيارتها .
..................................
توقف بسيارته على مسافة ليست بقريبة من مدرستها .. وهو يراقب خروجها من السيارة الأجرة ..ترجل من سيارته ليلحقها قبل ان تدلف لداخل المدرسة محل عملها .. رغم تعجبه من التوقيت .. ولكنه مُصر على توقفيها للتحدث .. ولكنه قطب مندهشًا حينما رأها تتخطى المدرسة وتتجه نحو مقهى قريبُ منها .. لاحقها بخطواته حتى دلفت للداخل .. فخطا خلفها ولكنه تسمر مكانه مبهوتًا .. مشتعل العينان ..حينما رأى من ينتظرها بالداخل .
وبداخل المقهى الصغير تقدmت بخطواتٍ مترددة.. فلمحته امامها على طاولة قريبة يحتسي قهوته.. بملابسه الباهظة كان يبدوا غريبًا عن رواد المقهى من الشباب والفتيات.. وقف يستقبلها حينما بصرها وهي تقترب منه.
- أنسة فجر ..انا سعيد اوي انك قلبتي دعوتي .
صافحته بخجل وهي تومى برأسها قبل ان تجلس فى المقعد المقابل لها ..فقالت :
- بصراحة انا اتصلت بيك عشان انا كمان عايزة اعرف؟
قال بابتسامة:
- ت عـ.ـر.في إيه؟ أنا اللي اعرفه إن أنا اللي كنت غايب عن البلد مش انتي .
همت لترد ولكنها لم تتمكن حينما تفاجأت بهذه الذي دلف كالإعصار هادرًا وهو يجذب عصام من تلابيب قميصه يوفقه بالقوة :
- انتي تاني ياحـ.ـيو.ان..هو انا مش هاخلص منك بقى؟
ختم جملته بضـ.ـر.بقة قوية من قبضته على فك الاَخر ..صرخت على إثرها فجر .
- انت إيه إللي جابك من ورايا يابني أدm انت ؟
حدث كل شئ بسرعة خاطفة.. حينما هجم علاء بقبضته على وجه عصام.. تدارك الاَخير نفسه سريعًا قبل أن يسقط أرضًا. . فوقف يقاومه وهو يصيح عليه بالهمجي والمتسرع امام صرخاتها واستهجان رواد المقهى وفضولهم.. ليزداد الاَخر شراسًة بهجومه والسباب ببعض الالفاظ النابية.. لم يتحملها عصام.. فرد على هجومه وتحولت لمشاجرة بالأيدي بين طرفين نديين.. بأجسادهم الضخمة وهي واضعة يدها على فمها بحرج.. حاول عمال المقهى فض المشاجرة فتقدmت تشارك بتردد معهم بصوتها علّ أحد هؤلاء الثيران يسمعها ويعي خطورة الموقف ووضعها معهم ولكن لا حياة لمن تنادي حتى ازداد حنقها منهم وهي تصرخ عليهم .. فحدث مالم يكن بالحسبان حينما أتتها ضـ.ـر.بة بقبضة أحدهم على رأسها أسقطتها أرضًا فاقدة للوعي.. دون أن تدرى من أين اتت؟ منهم ام من أحد عمال المقهى.. سمعت بعض الأصوات وهي تصرخ عليها باسمها جزعًا قبل ان تشوش الرؤية امامها حتى أصبحت ظلمة قاتمة غرقت بها ولم تشعر بشئ بعدها.
- قسمًا بالله لو حصلها حاجة ماهاعتقك؟
- ليه ياحبيبي؟هي الضـ.ـر.بة كانت من إيدي انا ولا إيدك انت ؟
- وكان مين السبب بقى مش انت؟ 
- هه.. صحيح فعلًا..اللي فيه عيب مايروحش منه ولو بطلوع الروح .
- وبعدين بقى معاك ياجدع انت؟ أنا ماسك نفسي عنك بالعافـ.ـية .
- هه...وان ما سكتش هاتعمل إيه بقى؟
- دكتور عصام ..المريـ.ـضة ابتدت تفوق 
قالها الطبيب المتخصص بمقاطعة ليفصل الجدال المحتدm بينهم ..يتفحصها جيدًا وهي تستعيد وعيها رويدًا رويدًا .
رمشت بعيناها عدة لحظات حتى تمكنت من الرؤية جيدًا.. اول ما رأته كان سقف الحجرة الابيض.. وهي تحاول التذكر أين هي؟ وما الذي أتى بها هنا ؟ فتفاجأت بزوج من الرؤس تطل عليها من الأعلى.. 
- ها ..إيه الأخبـ.ـار ياأنسة فجر؟
- عاملة إيه يا أبلة فجر؟
اندفعت الدmاء بعروقها فورًا من رؤيتهم فتغضن وجهها غضبًا منهم.. حينما مرت أمامها المشاهد سريعًا التي سبقت سقوطها..
- انتوا تاني ؟ ...اااه .
تفوهت بها وهي تحاول النهوض بجذعها .. فتفاجأت بيدٍ تمنعها وصوت صادر بالقرب منها يقول :
- حاسبي يااَنسة .. الحركة العنيفة ممكن تضرك .. 
مالت برأسها ناحيته فوجدته شابًا صغير بملابسه البيضاء ونظارة طبية تغطي على عيناه العميقة .. فدارات عيناها على باقي الحجرة لتعي بفطنتها أين هي؟ رفعت رأسها إليهم قائلة بجزع:
- أنا إيه إللي جابني هنا ؟ هو انا حصلي إيه بالظبط؟
- حصل خير يا حصل خير.
قالها الطبيب الشاب وهو يساعدها على الجلوس على تختها الطبي ..فدنى اليها عصام برأسه قائلًا برقة:
- انا أسف جدًا يا أنسة فجر على اللي حصلك ..بس اديكي شوفتي بنفسك اللي دخل علينا زي القطر .
دفعه علاء ليلتصق بالحائط قائلًا بتهديد:
- احترم نفسك ومـ.ـا.تخلنيش اتعصب عليك في قلب المستشفى بتاعتك وقدام الدكتور اللي شغال تحت إيدك .
تمتم الطبيب بحنق وهو ينظر اليه:
- شغال تحت إيده؟!
هز عصام برأسه مستنكرًا وهو يخاطب الطبيب:
- معلش ياعمرو ..امسحها فيا انا.. اصله مابيعرفش يتعامل مع بني ادmين خارج محل الأدوات الصحية بتاعه .
زمجر بغضب :
- بقولك احترم نفسك.. انا ماعنديش خُلق لاستفزازك ده .
- تاني برضوا.. طب انا عايز اشوف هاتعمل إيه؟
- اااه.. دا انت فرحان بقى انك في منطقتك وعايز تعمل عليا نمرة لما اتهجم عليك.
- انا مش محتاج اعمل نمرة واقدر اخلص لوحدي. 
- ياراجـ.ـل. 
جحظت عيناها وهي تحدق على هذا الزوج من المعاتيه وهم يتشجران أمامها وكأنهم اطفال صغار رغم ضخامة أجسامهم..تمتمت بذهول :
- يانهار اسود.. هو انا إيه اللي ورطني مع جوز المتـ.ـخـ.ـلفين دول؟
همس بجوارها الطبيب المبتسم بصوتٍ خفيض:
- هو انتي شوفتي إيه بس؟ دول من ساعة ما دخلوا المستشفى بيكي وهما على حالة الجنان دي واكنهم جوز ديوك بلدي.. بصراحة دي اول مرة نشوف فيها الدكتور عصام تربية الخواجات بالهيئة دي .
- طيب هو انا حصلي إيه؟
قالتها وهي تتحسس بيدها على جبهتها المتألمة.. نظرت بجزع نحو الطبيب وهي تشعر بملمس الرباط والشاش الطبي.. سارع هو لطمئنتها:
- ما تقلقيش  يااَنسة دول كام غرزة صغيرين نتيجة البطحة.. وان كان على الم الصداع فدا بس مع حمل الوقعة.
- يانهار اسود.. هو انا كمان اتبطحت وراسي اتخيطت ؟
عاد الإثنان على صوتها المفزوع.. فقال علاء بوجه عاتب وجـ.ـا.مد:
- معلش بقى ياأبلة فجر.. انا وربنا ماكنت اقصد ولا كنت واخد بالي منك حتى .. بس الحق عليكي بقى من الاول .
اشارت بسبابتها نحو نفسها قائلة بذهول:
- الحق عليا انا ؟ طب ليه؟
هم ليرد ولكن أوقفه صوت عصام الحاد وهو يهتف على الطبيب. 
- روح انت اعمل مرور على بقية الحالات في المستشفى ياعمرو.
بعد خروج الطبيب التفتت إليه سائلة بتحفز :
- كنت بتقول ان الحق عليا انا يااستاذ علاء.. ممكن افهم بقى ليه الحق عليا؟
- انا فاهم ليه؟ هو يقصد عشان قعدتك معايا؟ على طرابيزة واحدة مع بعض في كافيه.
زمت شفتيها وهي تحدق بعيناها عليه.. تستشف صدق المعلومة.. فتأكدت من عيناه المتهربة ووجهه العبوس.
فقال بخشونة وهو ينظر ناحيتها وناحية عصام :
- ت عـ.ـر.في الراجـ.ـل ده منين عشان تقعدي معاه؟
- وانت مالك؟
صدرت منها بدون تفكير حفزت شياطينه نحوها.. فود لو يطبق بكفيه على رقبتها كي يُعـ.ـا.قبها على غباءها معه.. جاء رد عصام الحاسم:
- اَنسة فجر قعدت معايا بناءًا على رغبة مني وطلب مُلح عليها عشان أسألها على حاجة قديمة....تخصني .
خرجت الاَخيرة بتردد.. فتح علاء فمه بضحكة متهكمة خالية من المرح.. فقال:
- عارفها انا الحاجة القديمة واللي تخصك دي.. بس ياترى بقى هي عارفة؟
- مش عايزة اعرف حاجة..انا عايزة امشي .
قالتها بتعب وهي تعصر عيناها بألم .. دنى إليها عصام  يتفحصها بقلق :
- إيه مالك يا اَنسة فجر؟ هو انتي الصداع شـ.ـد عليكي؟
هتف عليه علاء بقوة وهو ينزع كفه على رأسها:
- شيل إيدك عنها ياجدع انت؟ هو انت افتكرت نفسك دكتور بجد ولا إيه؟
تمتم بذهول :
- في إيه يابني؟ هو انت مـ.ـجـ.ـنو.ن ؟
صاحت عليهم وهي على وشك الانهيار:
- الله يخرب بيوتكم انتوا الجوز ..عايزة امشي عايزة امشي .
...............................
فتحت باب الشقة الخالية من ساكنها.. بنسخة المفتاح الموجودة معها منذ فترة طويلة.. فتقدmت بخطواتها نحو وجهتها بغرفة النوم والتي شهدت على أيامً وليالي قضتها برفقته .. أيام الحوجة.. كما تطلق عليها هي .. ضغطت على مقبس الإضاءة فانارت الغرفة بلونٍ اصفر من المصباح الذي توسط سقف الغرفة .. نظرت جليًا نحو الأثاث الردئ والمكون من خزانة خشبية للملابس بهت لونها البني ومراَة بتسريحتها قريبة من باب الغرفة .. وفي الأرض سجاد بالية ومتهلهلة ..وتختٍ خشبي متوسط الحجم..فرشت عليه ملاءة زهرية الون .. فرشتها هي بيدها في إحدى المرات قبل ان تتزوج! تمتمت بازدراء:
- المعفن .. مش قادر يغير الملاية.. وفي الاَخر يشوف نفسه عليا.. على إيه مش فاهمة؟ يالابقى.. خلينى في اللي جيت عشانه .
جلست القرفصاء بجوار السرير تبحث فى ادراح الكمود بهمة وفضول كاد أن يقــ,تــلها طوال الليلة الفائتة.. حتى اشرق النهار فتحججت من زوجها للخروج ..بزيارة لإحدى صديقاتها..حتى تستكشف بنفسها وتبحث .
شهقت بانتصار وهي تجد ما كانت تبحث عنه!.
- هي دي الصورة .. ايه دا ؟ دي قديمة .
تفحصت بالصورة جيدًا وملامح الفتاة الجميلة بها وهي تتأكد من تاريخ صدورها .
اعتدلت لتجلس على التخت والحيرة ازدادت معها ..نظرتها للفتاة أمس جعلتها تعتقد انها هي صاحبة الصورة .. التي لطالما رأتها بيده يتأملها.. ولكنها الاَن تأكدت بعد أن دققت النظر واكتشف الفرق الواضح بين الفتاتين .. رغم الشبه الكبير.. ضغطت بأسنانها على شفتها السفلى تتسائل بفضول :
- ياترى مين دي اللي في الصورة؟ ومحتفظ بصورتها ليه؟
- وانتي مالك. 
شهقت منتفضة وهي تلتفت على مصدر الصوت عند باب الغرفة .. لتجده في أقل من الثانية..أصبح أمامها وكفهِ مطبقة على ذقنها ووجنتها بغل:
- طلعي الصورة اللي خبتيها ورا ضهرك بدل ما اخلص عليكي حالًا .
صرخت بألم وهي تناوله الصورة :
- الصورة أهي ياسعد..فك سناني هاينكـ.ـسر في إيدك ..حـ.ـر.ام عليك .
تناول الصورة ودفعها بقوة لترتطم رأسها بالفراش ..وهو يتابع :
- والمرة الجاية هاتبقى بطلوع روحك ان شاء الله ..عشان تحرمي تدخلي تفتشي في حاجتي تاني .
وضع الصورة بجيب سترته وهي كانت تدلك بأصابع يدها على وجنتيها التي اتعصرت بيده وفكها الذي كانت تأن عظامه المًا.. هجم فجأة يمسكها من تلابيب عبائتها:
- إيه إللي خلاكي تيجي تفتشي مخصوص هنا عالصورة؟
هزت برأسها تنفي مرتعبة من هيئته المخيفة:
- مافيش سبب ياسعد.. انا كنت معدية بالصدفة هنا في الشارع..قولت اطلع اطل عالشقة.. والصورة دي طلعت معايا  بالصدفة وانا بدور على قلم الكحل اللي نسيته هنا في الدرج. 
قال باستخفاف:
- هه ..نسيتي قلم الكحل في الدرج.. ولقيتيه بقى ياحلوة؟
اومأت برأسها:
- ايوة طبعًا وحطيته في الشنطة على طول ..تحب اطلعه من الشنطة تشوفه؟
تبسم بزاوية فمه المغلق وهو يترك عبائتها ويربت على وجنتها قائلًا:
- لا مش عايز اشوفه يانيرمين.. انا واثق فيكي.. انتي بتقولي ان وحشتك صح وجيتي تطلي عليها .
اسرعت قائلة :
- اه والنعمة صح زي مابقولك كدة .
- طب قومي ياختي.. حضريلنا لقمة من الاكياس اللي برة دي.. خلينا نقضي مع بعض وقت حلو .
- نعم !
- نعم الله عليكي ياحبيبتي.. قومي يابت والبسيلي حاجة عدلة كدة ..بدل العباية السودة دي ..قومي يابت. 
نهضت مزعنة لأمره وهي تحدث نفسها بلوم :
- انتي اللي جبتيه لنفسك يانيرمين .. كان مالك انتي بالصورة ولا صاحبتها ؟!
..................................
بطرف عيناه كان ينظر نحوها وهو يقود السيارة التي تجري بهم في طرقات المدينة وهي جالسة بجواره بوجهٍ عابس بالمقعد الأمامي .. عيناها محدقة امامها على الطريق صامتة بغضب .. عدة مشاعر مختلطة كان يشعر بها نحوها .. لقد كاد أن يفقد عقله حينما رأها ممدة على الأرض فاقدة للوعي ..جبهتها مصابة وتذرف دmًا ..خـ.ـو.فه عليها أنساه الغضب منها لجلوسها مع ألد أعدائه .. الخـ.ـو.ف الذي جعله يتنازل ويقبل بذهابها لمشفاه.. فكان الأهم عنده هو صحتها واستعادة وعيها..حينما فتحت عيناها الجميلة شعر بتوقف دقات قلبه من فرط الفرح بعودتها إليه .. فرحة تبددت فور ان عاد للواقع وتذكر جلستها في المقهى مع هذا الماجن!
- عرفتيه ازاي ؟
اجفلت من شرودها سائلة :
- نعم!! انت بتكلمني ؟
- ايوة بكلمك واسألك.. الزفت ده  عـ.ـر.فيته منين ؟
زفرت حانقة فقالت بسأم :
- انت هاتسأل وتتعبني من تاني .. ما انا قولتلك إني تعبانة ومش حمل كلام. 
- ماشي ياست البرنسيسة ..هي إجابة السؤال ده بس وبعدها مش هاسألك تاني .
تنهدت بيأس قبل ان تجيبه:
- اولًا دا كان مدير المستشفى بتاعة ابراهيم وتعرفنا عليه هناك لما سأل عنك .. وعشان تريح نفسك ..انا اللي اتصلت بيه النهاردة عشان اسأله .
- تسأليه عن إيه ؟
صمتت ولم تجيب فاردف هو :
- فهمت على فكرة من غير ما تقولي .. بس اللي مـ.ـا.تعرفهوش انتي بقى ..إن الزفت ده هو السبب في كل المصايب اللي....
- كفاية ابوس إيدك .
قالتها بمقاطعة وهي تضع كفيها على جانبي رأسها بتعب.. وتابعت :
- انا تعبانة دلوقتي ومش حمل أي كلمة ولا معلومة حتى .. ممكن تسيبني اريح بقى على ما توصلني البيت .
اومأ برأسه موافقًا:
- ممكن .. بس انتي هاتقولي لأهلك إيه على البطحة دي ؟
اشاحت وجهها تردف :
- هاقول اني اتزحلقت في الشارع ووقعت على دmاغي .
................................
- وقعتي على دmاغك! يادي المصـ يـ بـةالسودة..انا كنت عارفة ان ليلة امبـ.ـارح مش هاتعدي على خير ولازم هايجي بعدها نكد .
صاحت بها سميرة بجزع وهي تتفحص رأس ابـ.ـنتها المصابة.. خرج على أثرها شاكر من غرفته مجفلًا:
- في إيه ياسميرة ؟ ونكد إيه إللي بتقولي عليه؟
هتفت بجزع وهي تضـ.ـر.ب على صدرها :
- تعالى ياابو إبراهيم.. شوف بـ.ـنتك اللي خرجت زي الوردة المفتحة ورجعالنا دلوقتي مربطة رأسها بالشاش والقطن وماقدراش تتكلم 
اقترب شاكر من ابـ.ـنته الجالسة على مقعد السفرة مطرقة رأسها بألم يتفحص جـ.ـر.حها:
- مالك ياعيون ابوكي ..ايه اللي حصلك ؟
هزت رأسها صامتة وقد اشتدت اَلاَلام رأسها ..فهتفت زوجته :
- أهي مقدراش تتكلم ياشاكر ..انا كنت عارفة ان العين هاتصيب حد من عيالي انا كنت عارفة .
هتف عليها بصرامة :
- خلاص ياسميرة بطلي بقى كلامك ده .. المهم يابـ.ـنتي في حاجة تاني في جـ.ـسمك اتأذت. 
بصوت خفيض قالت :
- الحمد لله يابابا.. مافيش حاجة تاني غير بطحة الدmاغ دي .
- تمام يابـ.ـنتي.. بس انتي ليه مابلغتناش نلحقك في المستشفى ولا العيادة اللي روحتيها؟ بدال مـ.ـا.توقفي بطولك هناك وانتي تعبانة ؟
- ها. 
فتحت فاهها مجفلة لا تدري بما تجيب .. لتفاجأ بطرق خفيف على باب الشقة وصوته يهتف :
- عم شاكر .. ياست ام ابراهيم .
اجاب الرجل وامرأته ببشاشة :
- اتفضل يابني واقف ليه عندك ؟ هو انت غريب؟
حدقت به وهو يدلف لداخل الشقة فجحظت عيناها بصدmة وهي ترى ما يمسكه بيده وهو يتكلم بدmاثة وزوق:
- مساء الخير ياجماعة .. انا جيت بس اسلم الاَنسة فجر شنطتها اللي نسيتها معايا في العربية .
- هي كانت راكبة معاك في العربية؟
صدرت من سميرة بصوت يُشبه الصراخ من دهشته.. 
اغمضت فجر عيناها يائسة .. لتكتمل معها ماَسي هذا اليوم الطويل والغريب.. تنحنح هو قبل يجيبها:
-  اصل انا كنت معدي بعربيتي في الشارع اللي وقعت فيه الاَنسة فجر ساعة ما وقعت .. 
قاطعه شاكر سائلًا:
- هو انت اللي وصلتها المستشفى؟
القى نحوها نظرة بمغزى قبل ان يومئ برأسه موافقًا.. فهللت سميرة ببشاشة وهي تنقل نظراتها بينه وبين ابـ.ـنتها :
- اسم النبي حارسك يابني وصاينك.. راجـ.ـل وشهم.. مايفوتكش واجب وعلى كده بقى انت اللي وصلتها هنا بعربيتك .
كادت ان تبكي منهارة أمامهم.. ولكنها تماسكت بصعوبة ..قال هو مبتسمًا ببرائة :
- طبعًا ياخالتي سميرة.. دي اصول وواجب عليا .
القت نظرة قـ.ـا.تلة نحو ابـ.ـنتها وهي تربت على صدره..
- والنبي ياحبيبي .. انت مافيش منك ولا زيك في الدنيا كلها .
تمتمت فجر بداخلها :
- فاضل بس تدعي عليا قدامه وتقولي هو خسارة فيكى وبكرة ياخد ست ستك .. عشان يكمل مسلسل الذل .
اكمل شاكر على قول زوجته :
- انتي بتقولي فيها ياام إبراهيم.. انا عن نفسي ما شوفتش في حياتي كلها حد بشهامته ولا جدعنته .
- عم علاء .
التفت الجميع على صوت إبراهيم وهو خارج من غرفته بالعكاز وكما توقعت تمامًا هرول نحوه يحمله بحب .
- حبيبي انت ياابوخليل .. تاعب نفسك ليه بس وخارج .. مش تنده عليا عشان اجيلك بنفسي. 
ضـ.ـر.بت بيدها على الجزء السليم من جبهتها ..تهمس :
- يارب بقى ..عدي أم اليوم دا على خير.. انا خلصت.
..................................
- إنت صحيح وصلت فجر للمستشفى النهاردة ياعلاء ؟
رفع رأسه عن الهاتف يجيب والدته:
- ايوة فعلًا.. وانتي عرفتي منين بقى ياام علاء ؟
جلست بجواره على الأريكة قائلة بمرح:
- عرفت من امها ياحبيبي.. دي فضلت تتشكر فيك يجي ساعة.. وتهنيني انا بقى علي تربيتي الصالحة في ولادي .. ان كان انت ولا حسين كمان .
قال بابتسامة :
- حسين كمان! وانت قولتي إيه ياست الكل ؟
- يعني هاقول ايه بس يابني في موقف زي ده؟ مدام صادفت البـ.ـنت ساعة ماوقعت في الشارع وساعدتها فدا واجب عليك.. المهم بقى.. هي قبلت تركب معاك العربية ازاي بعد اللي حصل منها امبـ.ـارح ؟
قال بـ.ـارتباك:
- يعني ياست الكل ...هي كانت متصابة وقبلت المساعدة .. هوقولها انا قبلتي مساعدتي ليه بعد رفضك ليا امبـ.ـارح.. وبصراحة يعني.. فجر مش صعبة قوي لدرجادي. 
- قصدك إيه ؟
- ها .
- إيه إللي ها؟ بقولك تقصد إيه ؟
قال مغيرًا دفة الحديث :
- ياست الكل ..انتي هاتفضلي تقرري فيا كدة وتسيبني جعان ..فين الاكل اللي قولتي انك بتحضريه من يجي ساعة؟
- يا حبيب قلبي انت لدرجادي جعان ؟ ثواني الاكل هايبقى جاهز .
تبسم بيأس من طيبة والدته وحنانها قبل أن يلتفت لهاتفه فضغط بإبهامه على اسمها !.. اتاه صوتها بنعاس:
- الوو.. مين معايا على التليفون ؟
قال بمرح :
- إيه ياست البنات.. هو انت لحقتي تنامي ؟
صمتت قليلًا قبل ان تجيب بعد لحظات بصدmة :
- انت عرفت نمرتي منين يابني أدm انت؟ وإيه اللي يخليك تتصل بيا أساسًا؟
- انتِ كمان عرفتي صوتي .. لا دا انا كدة افرح بقى ؟
- اتاهُ صوتها المتذمر :
- بقولك ايه ياجدع انت..اقفل السكة انت..  بدل ماقفلها انا في وشك. 
صدر صوته الحازم:
- إياكي تقفلي يافجر انا بحذرك اهو. 
صمتت فوصله صوت انفاسها الحادة ..فتابع .
- واسمعيني بقى وافهمي.. مدام قررتي تسألي في القديم عشان ت عـ.ـر.في..فانا انا كمان قررت اشاركك عشان افهم .
- تفهم ايه؟ انت عايز إيه بالظبط. 
- عايز افهمك ان مقابلتك المرة الجاية مع اللي اسمه..عصام.. ماهتبقيش فيها معاه لوحدك.. عشان هابقى انا طرف فيها !
والنبي زي ما بقولك كدة… انا عن نفسي اتفاجأت زيك بعد ما عرفت من ماما .
 
تفوهت بها شروق لمحدثها وهي تتأمل نفسها أمام المراَة بإعجاب.. اتاها صوته المندهش:
– يابـ.ـنتي إيه الجنان ده؟ يعني الصبح تقوليلي ان اختك
 
فجر رفضت اخويا علاء قدام والدتي والاتنين خرجوا من عندكم غضبانين بالليل ودلوقتي جاية تقولي ان علاء هو اللي  وصل اختك على المستشفى والبيت كمان.. طب اصدقها ازاي دي بقى؟
 
ضحكت بمرح وهي تردف بدعابة:
– شكلهم كدة بيحبوا بعض الجماعة دول وبنفس الوقت بيستعـ.ـبـ.ـطوا قدامنا.
قال بتمني :
– ياريت ياشروق والله انا اتمنى من كل قلبي .. دا اخويا علاء دا طيب قوي وتعب وشقي مع والدي كتير .
– ياسلام ياحبيبي ما انا كمان اختي زينة البنات وتستاهل كل خير .
وصلها صوته الضاحك:
– يعني الاتنين ولاد حلال ويستاهلوا كل خير.. ادعي ربنا بقى يجمع قلوبهم على بعض.
– يارب يارب .
–  ت عـ.ـر.في ياشروق.. ان اخويا علاء كان ليه قصة حب كبيرة مع واحدة زمان .
استدارت بجسدها عن المراَة تسأله باهتمام :
– لا دي أول مرة اعرف.. ودي كانت قريبتكم ولا زميلته في الجامعة ؟
– لا كانت قريبتنا ولا زميلته في الجامعة.. دي كانت بـ.ـنت جيرانا في الشارع اللي ورانا بس بقى في الجزء الفقير.. اصلهم كانوا ناس على قد حالهم ووالدي اياميها ماعجبهوش الوضع ورفض البـ.ـنت يطلبها لعلاء..وحصل مشاكل وقتها وخناق مابينهم لأنه كان متمسك بيها لاَخر نفس.. لكنه فجأة بقى صرف نظر وانتهت حكايتهم لما البـ.ـنت سافرت هي وأهلها على الصعيد وعزلوا نهائي من المنطقة.
قالت بتأثر :
– ياعيني.. بزعل انا من قصص الحب اللي بتنتهي كده من غير جواز ولا ارتباط.
فجأءها يقول :
– على فكرة ياشروق انا نسيت ما اقولك.. البـ.ـنت دي تشبهك قوي.. وانا كنت سمعت من والدتي قبل كده انها تقربلكم .
عقدت حاجبيها بدهشة:
– تقربلنا احنا ازاي بقى؟ هي كانت اسمها ايه ولا بـ.ـنت مين عشان اعرف؟
– والدها كان راجـ.ـل نجار كدة اسمه بدر عوض الصعيدي.. والبـ.ـنت نفسها كان اسمها فاتن .
– انت بتقول فاتن؟ معقول هي دي اللي كان بيحبها علاء؟!
………………………….
 
اعتدلت بجذعها على الفراش وتفرك بكفها على جانب وجهها وقد طار منها النعاس وهي تستوعب كلمـ.ـا.ته.. فقالت بامتعاض :
– سمعني تاني لو سمحت.. عشان الظاهر كدة انا ماا سمعتش كويس.
قال بتصميم وهو يشـ.ـدد على كلمـ.ـا.ته :
– لا إنتي سمعتي كويس يافجر.. بس بتقاوحي.. ورغم كدة انا هاكرر برضوا تاني .. مقابلتك مع الدكتور عصام  المرة الجاية هاتبقى شاملاني انا كمان .
هتفت حانقة :
–  وتشملك إنت ليه بقى المقابلة دي ؟ هو لقاء القمة ؟ دول يدوب كلمتين هاخدهم منه عشان اعرف اللي حصل زمان .
وصلها صوته بحدة :
– انا عارف انهم كلمتين.. ومتأكد كمان ان الكلمتين دول هايكونوا عن انا.
صمتتت وظلت صوت انفاسها الحادة هي سيدة الموقف لعدة لحظات قبل ان يقطع علاء صمتها :
– اسمعي يافجر .. انا عارف انك مش مصدقاني وعندك شك فيا ..بس انا عايز القعدة تبقى بينا احنا التلاتة عشان نكشف اوراقنا قدامك وتشوفي بنفسك مين فينا معاه الحق.. ياريت يابـ.ـنت الناس تهاوديني في كلامي المرة دي .
 
بعد أن أنهت المكالمة زفرت بضيق وهي ترمي الهاتف على الجانب الاَخر من الفراش .. وقبل ان تسقط رأسها مرة أخرى على الوسادة ..تفاجأت بشقيقتها وهي تقتحم عليها الغرفة تهتف:
– الحقي يافجر الحقي.. شوفتي اللي حصل:
فغرت فاهها وهي تحدق بها ببلاهة فاستطردت شروق بلهفة :
– انا حالًا قافلة دلوقتي مع حسين وقالي خبر بمليون جنيه.. عارفة قالي إيه؟
ظلت صامتة أيضًا على نفس وضعها.. فتابعت شروق بحماس:
– قالي ان علاء جارنا كان بينه وبين فاتن بـ.ـنت عمتك قصة حب كبيرة وكان بيحارب والده عشان يتجوزها بس محصلش نصيب مابينهم.
صمتت بصدرٍ لاهث وهي تراقب رد فعل شقيقتها التي كانت تنظر لها بتبلد قبل ان تنزل في الفراش وتشـ.ـد الغطاء عليها وهي تأمرها بعدm اكتراث:
– اخرجي ياشروق واقفلي الباب وراكي ومـ.ـا.تنسيش تطفي النور اللي ولعتيه.
نهضت عن الفراش متفاجئة منها فقالت حانقة :
– دا إيه التناكة دي؟ قال وانا اللي قولت ان هافاجئك بخبر الموسم.. روحي ياشيخة سديتي نفسي بتناحتك دي.
بعد سماعها لصوت صفق الباب القوي بخروج شقيقتها.. تمتمت هامسة:
– كان بيحارب والده عشان يتجوزها !!
………………….
 
على مائدة السفرة كان يتناول طعامه وهو صامت .. يستمع لها وهي تتحدث بجواره بمواضيع شتى..  وهو يومئ لها برأسه بروتينية دون حماس.. دلف اليهم حسين يلقي التحية:
– مساء الخير ياوالدي.
رفع راسه عن الطعام وهو يرد عليه بوجهٍ مشرق :
– مساء الفل ياحبيبي.. تعالى كُل معايا وافتح نفسي تعالى .
تبسم بداخله وهو يرى وجه نيرمين الذي تغضن بحقد فقالت :
– اسم الله عليك ياحج.. ما انا باكل معاك اهو.. ولا انا مش قد المقام عشان افتح نفسك؟
تغاضى ادهم عن الرد عليها وهو ينتظر رد ابنه حسين والذي قال بأسف :
– معلش ياوالدي انا أكلت حاجة خفيفة في الشغل وشبعان.. خليها مرة تانية بقى.
تنهد أدهم وخرج صوته بإحباط :
– تاني برضوا ياحسين.. يعني مافيش مرة تفوتها من غير ما تاكل في الشغل وتيجي تاكل معانا أكلة بيتي ترم بيها عضمك يابني.
– لا ما انا جيت بدري النهاردة الساعة ٥ مخصوص عشان أتغدا معاكم .. بس للأسف مالقتش حد في البيت غير الشغالين يحضرلي الاكل.
ارتفع حاجب أدهم وانتقلت نظراته لنرمين التي شحب وجهها قبل ان يسأله :
– ليه بقى؟ هي مراة ابوك ما كنتش موجودة ؟
–  ما انا قولتلك ياوالدي.. ماكنش في حد موجود غير الخدامين .. عن اذنكم اروح اغير هدومي وارتاح .
قالها وذهب سريعًا من امامهم.. أسرعت نيرمين تبرر لزوجها ذو النظرات المتفحصة لها :
– ما انا قايلالك ياحج الصبح.. إني هاخرج ازور واحدة صحبتي واقضي اليوم معاها .
– تقومي تقعدي لبعد خمسة العصر .. وعلى كدة وصلتنا هنا امتى بقى ؟
بلعت ريقها وهي تجيبه بتوجس :
– ما انا عديت على خالتي كمان واتغديت عندها .. فوصلت هنا على الساعة ٦ المغرب كدة .
ظل صامتًا لبعض اللحظات مضيقًا عيناه بشكل جعل البرودة تسري بأطرافها قبل يقطع صمته وهو ينهض عن الطعام دون رد .
تنفست الصعداء بمجرد ذهابه وهي تمتم بخـ.ـو.ف :
– الحمد للة ربنا ستر .. الحمد لله.. منك لله ياسعد .
………………………………..
بعدها بيومين.
بمنزل شاكر خرجت فجر من غرفتها وهي تصرخ بفرح  على والدتها الجالسة على مقعد السفرة بوسط المنزل وهي منهمكة في تفطيع الخضروات على الطاولة :
– سحر اتخطبت ياماما سحر اتخطبت.
شهقت سميرة واضعة كفها على صدرها :
– بسم الله الرحمن الرحيم.. في إيه يابت خضتيني.. وسحر مين دي كمان اللي بتقولي عليها اتخطبت؟
هللت فجر بمرح :
– في أيه ياست الكل؟ هو احنا عندنا كام سحر بس؟ صاحبتي سحر بـ.ـنت رجاء صاحبتك.. لحقتي تنسيهم برضوا ياست ياأصيلة؟
صاحت فيها حانقة:
– أكيد عرفتهم يامقصوفة الرقبة.. انا بس مكنتش مركزة في الأول.. المهم بقى انتِ عرفتِ منين؟ أكيد هي اتصلت بيكي وعرفتك.
– طبعاً ياست الكل.. دي اتصلت عرفتني وبعتت الدليل كمان.
قالت الاَخيرة وهي تدنوا منها و تناولها الهاتف تنظر اليه .. حدقت سميرة لبعض الحظات  بصورة العريسان على شاشة الهاتف قاطبة الحاجبين قبل تفك عقدتهم وتنفرج اساريرها فقالت بفرح:
– يامشاء الله ياولاد .. دي كمان لبست الشبكة وعريسها زي انا ما انا شايفة كدة حاجة تشرح القلب.
قالت فجر بسعادة بالغة :
– هو فعلًا حاجة تشرح القلب ياماما.. لا وايه الخطوبة جات كدة فجأة قبل ما تسافر وتخرج من البلد.. ياسلام ياماما دا انا فرحانة قوي عشانها .
قالت سميرة بمغزى :
– اه ياختي امال ايه؟ ما انا كمان فرحانة اوي بيها .. البت راحت مغـ.ـصو.بة على فرح بـ.ـنت خالها قوم النصيب يحكم وتتخطب هي من هناك .. عقبالك انت كمان ياختي لما النصيب يحكم .
خبئت ابتسامة فجر وهي تفهم مقصدها فتناولت الهاتف من يدها بهدوء وهي ترتد عائدة لغرفتها فقالت بمهادنة.
– اه طبعًا امال ايه؟ ان شاء الله ياماما ان شاء الله.
همت لتنسحب ولكن والدتها اوقفتها من قبل ان تتحرك :
– استني عندك يافجر.. لابسة كدة ومتنأتكة رايحة على فين؟
قالت كاذبة بتـ.ـو.تر:
– رايحة مشوار للإدارة التعليمية.. عشان عندي شوية ورق عايزة اخلصه هناك.
– والمشوار دا ماينفعش يتأجل عشان البطحة اللي في دmاغك دي؟ دي حتى ظاهرة على الوش مش مدارية .
تلجلجت قائلة:
– ياااست الكل.. ما انا هالبس كاب اداريها بيه.. اصل بصراحة المشوار مهم وماينفغش يتأجل أكتر من كدة.. عن اذنك بقى اخد شنطتي من الأوضة عشان اللحق احصل .
………………………….
حينما دلفت لغرفتها ذهبت سريعًا على الشرفة.. نظرت أمامها نحو المحل .. فاطمأنت لعدm وجود سيارته في موضعها بالخارج..  تنفست ببعض الإرتياح وهي تتناول حقيبتها بحركة رشيقة وتضعها على كتف. ذراعها.. ثم تناولت الكاب تضعه على رأسها كي تغطي بهِ جبهتها المصابة.. لتخرج بخطوات مسرعة من الغرفة والمنزل والبناية ايضًا.. تود الحاق بموعدها.. لقد مر يومان منذ حديثها معه في الهاتف.. حينما أصر عليها لحضور اجتماعها مع عصام.. وهي ابدًا لم تقتنع رغم الحاحه.. حينما رأته في بداية اليوم يخرج بسيارته.. استغلت الفرصة رغم تعبها .. لتتصل بعصام وتحدد معه موعدًا في الحال.. تتحداه بإصرار فهو ابدًا لن يفرض سيطرته عليها..  أنسي انه موضع اتهام ؟ وهي تريد ان تعلم الحقيقة مهما كانت  .
دلفت لداخل السيارة الأجرة التي أوقفتها سريعًا وعيناها مازلت معلقة ناحية المحل .. تتوجس من مجيئه فجأة فيفسد لقاءها الثاني ايضًا.
– اطلع على طول ياسطى.
قالتها لسائق السيارة الذي رد عليها بسؤال وهو يدير المحرك.
– على فين العزم يا اَنسة ؟
………………………..
حينما ترجلت من سيارة الأجرة التي توقفت امام العنوان الذي وصفه لها هذا المدعو عصام.. وقفت لعدة لحظات تنظر لواجهته  بانبهار وتردد في الدخول لهذا المكان ذو اليافطة الاجنبية والذي يتوسط منطقة من ارقى مناطق العاصمة.. ويبدوا من الوهلة الأولى أنه أُنشئ مخصوص لعلية القوم..  تقدmت بخطواتها حتى دلفت لداخله فوجدته اتخذ طاولة قريبة جدًا من الباب حتى يسهل لها  رؤيته.. وقف لها كالمرة السابقة بملابسه الباهظة والتي تمثلت في ارتدائه لسروال من الجينز وعليه كنزة صوفيه سوداء زادته بهاءًا.. كان واقف بثقة في المكان الذي يشبهه عكس السابق.. عيناها ذهبت على باقي رواد المحل من فتيات ورجـ.ـال فشعرت ببعض الحرج من مـ.ـا.ترتديه وهذا الكاب الرياضي الذي غطى على جبهتها المصابة فلفتت اليها الأبصار بغرابتها .
استقبلها بابتسامة مشرقة جعلته وسيمًا وهو يرحب بها حتى جلست امامه فقال بمشاكسة:
– اَخيرًا وصلتي.. دا انا قولت انك غيرتي رأيك ولا تكوني لاغيتي الموعد.
ردت بحرج :
– بصراحة انا بعد مادخلت البتاع ده فكرت فعلًا الغي وارجع من مطرح ماجيت احسن .
– ليه بتقولي كدة ؟
– قالت بحرص وهي تتجنب النظر حولها :
– حضرتك مش شايف نظرات الناس ليا وكأني كائن غريب دخل عليهم في منطقتهم .
القى نظرة بطرف عيناه على بعض الطاولات فقال بابتسامة جانبية :
–  مكنتش اعرف ان بيهمك قوي اراء الناس اللي
عقولها فاضية دي؟ بس على فكرة بقى .. بغض النظر عن الماركات الغالية اللي لابسينها.. انتي احلى واشيك واحدة دخلت المحل .
ارتبكت واحمرت وجنتاها من غزله الصريح فقالت بجدية :
– ارجوك حضرتك انا جاية هنا على موضوع محدد وافتكر ان انت كمان عارف الموضوع ده .
اسبل عيناه وارتسم الحـ.ـز.ن على ملامحه قبل ان يرد عليها :
– عندك حق طبعًا في اللي بتقوليه.. انا فعلاً سبب اصراري على لقاءي بيكي هو….
قطع جملته يمسح بأطراف اصابعه على جبهته البـ.ـاردة بحرج قبل ان يستطرد سائلًا:
– هي فاتن مـ.ـا.تت ازاي بالظبط؟
ضيقت عيناها وهو تنظر اليه بتفحص ..فسألته:
– وانت يهمك قوي تعرف هي مـ.ـا.تت ازاي ؟ ليه يعني؟
قال بتصميم:
–  من غير اسئلة ارجوكي.. قولي وريحينى.؟
انتابها الشك من هيئته الحزينة فقالت بريبة :
– انا مستعدة اقولك مـ.ـا.تت ازاي؟ بس انا عايزة اعرف دلوقتي منك ..هي فاتن كانت بالنسبالك إيه؟ هل هي كانت حبيبة صاحبك حسب كلامك ولا في حاجة تانية انا معرفهاش؟
صمت قليلًا يفكر في الإجابة قبل ان يحسم قراره:
– بصراحة في.. بس انا بقى مش قادر اتكلم معاكي وانا مش عارف حدود معرفتك بيها واصلة لفين؟ عشان اقدر اتكلم معاكي بسهولة .
جحظت عيناها وتحفزت كل خلايا جسدها وهي تقترب برأسها منه تهمس من تحت اسنانها :
– عايز تعرف حدود معرفتي بيها إيه؟ يكفي اقولك ان انا الوحيدة بعد اهلها اللي كنت على علم بحملها قبل مايسافر بيها والدها على الصعيد…
– كانت حامل كمان؟!
قالها بمقاطعة بوجهٍ مصدوم انسحبت منه الدmاء .. اثار شكها اكثر فقالت :
– في إيه؟ هو مين اللي كان حبيبها فيكم ؟ انت ولا علاء ؟
اغمض عيناه وهو يضغط بأطراف اصابعه على أعلى انفه فقال همسًا:
– حبيبها كان علاء .. انا كنت مجرد واحد صاحبه وبس .
طرقت بقبضتها على الطاولة بعصبية :
– طب مـ.ـا.تفهمني بقى اللي حصل عشان ارسى على بر.. بدال الدوخة دي اللى دايخاها مابينكم .
فرد كفيه امامها وهو يهز برأسه بحركة مفهومة فقال :
– مش عارف .
– نعم!!
– وربنا زي ما بقولك كدة.. مش عارف .
– ههه انت لسة برضوا على نفس النغمة.. مـ.ـا.تغير يابني بلاش ملل .
شهقت منتفضة وهي تراه جلس بجوارها امام نظرات عصام المتفاجئ هو الاَخر.. فقالت بغضب مكتوم :
– انت تاني برضوا؟ دا انت مصمم بقى تعملي فـ.ـضـ.ـيحة.
جز على فكه يخاطبها بتهديد:
– احترامًا لأهلك بس.. هامسك نفسي عن اني اجرجرك من شعرك حالًا واخرج بيكي قدام امة لا اله الله الموجودة في المحل دلوقتي.
فغرت فاهها وهي تدفعه بقبضتها على كتفهِ بتعصب:
– تجرجر مين يابني أدm انت؟ هي سايبة ولا انت فاكر عشان اختي بقت خطيبة اخوك تبقى من العيلة بقى وتفرض نفسك عليا .
امسك بكفهِ على قبضتها وهو يهمس بجرأة :
– دي المرة التانية تمدي فيها ايدك عليا وانا برضوا ساكتلك.. ودا معناه ان شلتي ما بينا التكاليف.. تحبي بقى اردلك انا كمان؟
شهقت تنزع يدها من كفه قائلة بقلة حيلة :
– اوعى يا أخي دا انت غتت فعلًا.
قال لها باستفزاز :
– ماشي ياحلوة حسابك معايا بعدين عشان نفذتي اللي في دmاغك وجيتي تقابليه برضوا لوحدك بس معلش ملحوقة.. خلينا بس الاوة نشوف الباشا بتاع معرفش .
عضت على شفتها غـ.ـيظًا منه قبل ان تلتفت ناحية عصام حانقة .. فتفاجات بالحـ.ـز.ن الذي اكتسى به وجهه وهو مطرق رأسه بشرود.. فرقع علاء بأصابع يده امام وجه الاَخر قائلًا بدعابة لا تحمل المرح :
– اصحى يا سي  الدكتور .. انت نمت مننا ولا أيه ؟ ما تصحى ياباشا وتفهمنا بقى إيه حكاية معرفش دي بقى اللى ماسك فيها بقالك سنين.
رفع اليه رأسه وهو يسند بمرفقيه على الطاولة مشبكًا كفيه .. فقال بإصرار:
– ايوة ياعلاء .. رغم استخفافك وسـ.ـخريتك دي .. بس انا برضوا مُصر إني معرفش ازاي دا حصل ؟ انا معرفش ازاي لاقيتها جمبي عالسرير.
ضحك بمرارة
– هههه .. ياحلاوة.. ما تكونش البنية حطتلك حاجة اصفرا بقى وخلتك تاخدها غـ.ـصـ.ـب عنك الشقة وتبات معاك في اوضة واحدة كمان ؟
قاطعتهم بصدmة :
– انتوا بيتكلموا عن إيه ؟ ومين دي اللي لقيتها جامبك عالسرير وباتت فى اوضة نومك وشقتك.
التفت اليها علاء قائلًا :
– لهو انتي لسة ماعرفتيش ياحلوة احنا بـ.ـنتكلم عن فاتن بـ.ـنت عمتك اللي فضلتي طول السنين اللي فاتت متهماني انا ضياع مستقبلها .
التفت رأسها الى عصام قائلة بحدة :
– انت تقصد ان عصام هو…….
– ايوة كدة بالظبط ياقمر .. عصام هو اللي 
- رايح فين ياسعد ؟
صدحت من خلفه بصوتها الذي صار يبث بجسده القشعريرة والكُره .. كاد يكمل طريقه للخروج ويتجاهلها ولكنها كررت بنبرة أعلى :
- ماشي على طول وعامل نفسك مش سامعني ياواد.. ماشي ياسعد ماشي يابني. 
توقف يزفر متأفافًا لبعض اللحظات قبل ان يرسم على وجهه ابتسامة سمجة وهو يستدير بجسده إليها وهي متكئة بجسدها الممتلئ على الأريكة الخشب الملتصقة بالحائط وسط الصالة الضيقة . امامه تلفازٍ صغير وضع أعلى المنضدة  :
- معلش ياما مكنتش مركزة وانا خارج .. ها عايزة إيه بقى ؟
مصمصمت المرأة بشفتيها تصدر صوتًا متهمكمًا :
- ليه ياعين أمك بقى ؟ يكونش بتحب جديد ؟
ضغط بأسنانه على شفته السفلى بغـ.ـيظ قبل ان يرد عليها :
- وافرضي ياستي بحب جديد ؟ فيها حاجة دي بقى ولا هو بقى عيب ولا حـ.ـر.ام؟
ردت بصوت متذمر :
- لا ياخويا مافيهاش حاجة.. بالعكس بقى دا انا اتمنى ربنا يهديك  و تجيبلي واحدة تخدmني بدال ما انا طالع عيني في شغل البيت والطبيخ.. وانت البعيد ماعندكش دm .. لو شربت كوباية شاي بتسيبها بالتفل بتاعها .. ولا فيش مرة ربنا قدرك تغسل الطبق اللي بتاكل فيه؟ دا انا بشوف رجـ.ـا.لة بشنبات يوقف عليها الصقر وتلاقيها بتساعد امهاتها وبتغسل المواعين وتكوي الهدوم و.....
- اماااااا..
هتف بها هادرًا فاقدًا التحكم في غضبه لدرجة ارعـ.ـبتها فجعلها تنكمش على نفسها صامتة بخـ.ـو.ف  . حاول تنظيم أنفاسه قبل ان  يرد عليها ببعض الهدوء :
- انت كنتي موقفاني ليه  بقى من الأساس؟ 
قالت بتردد :
- انا بس كنت عايزاك تعدي على اختك نبيلة.. تشوفها لا تكون عايزة حاجة .. ما انت عارفها غلبانة ..من ساعة ماجوزها دخل السـ.ـجـ.ـن وهي بتدبر لقمتها بالعافـ.ـية. 
رد من تحت اسنانه وهو يشير بيده :
- تاني برضوا..  اختي ونيـ.ـلـ.ـة وزفت .. هو انا كنت مجوزها عشان اشيل همها هي وجوزها كمان ؟ ولا انتي فاكراني قاعد على بنك وبغرف في الفلوس من غير حساب ؟
- في إيه يابني؟ اشحال ان ماكانت الورشة دلوقتي بتدخلك.شئ وشويات .. وربنا فتحها عليك من وسعه ... 
- كفاية ياما الله يرضى عنك.. ماهو قرك دا هو اللي هايجيب درفها .. هابقى اتنيل اعدي على اختي واشوفها استريحتي؟
اومأت برأسها زامة شفتيها.. فسحب نفسهِ للخروج ولكنها أوقفته قبل ان يمسك بمقبض الباب:
- ما تنساش تجيبلي معاك كيس برتقان ياولا .. حكم انا نفسي مسدودة وحاسة نفسي هاعيا. 
جز على فكه وهو يخرج فورًا قبل ان يرتكب جريمة مع هذه العجوز .. صافقًا الباب بقوة جعلتها تصرخ من الداخل :
- طب براحة ياخويا شوية على الباب لاتكـ.ـسره في إيدك.. وترجع تكسل ما تصلحه تاني..
حينما خرج من منزل والدته التي تركها بالداخل تثرثر متذمرة .. سار بخطواته  البطيئة وهو يتنفس هواء الشارع بـ.ـارتياح بعيدًا عن محيطه الضيق معها ..حتى وصل إلى ورشته القريبة من المنزل .. ورشة السعد لصناعة غرف النوم واثاث المنزل البسيط .. وقف لعدة دقائق يتأمل اليافطة التي اعتلت الواجهة من الخارج.. عاقد الحاجبين .. لقد كان الثمن امتلاكهُ لها غاليًا وهو بغبائه وتسرعه جعله فادحًا ! 
...........................
تحركت مقلتيها بغير هوادة تتنقل في النظر ما بينهم دون تصديق ولا استيعاب حرف واحد مما ذكره علاء الذي يتحدث بثقة والاَخر متكتف الذراغين أمامهم في جلسته بوجهٍ جـ.ـا.مد مغلف بالغموض.. ولكنه لا ينكر!... صاحت فجأة وقد فقدت السيطرة لدرجة أجفلت من حولهم .. انتوا بتشقطوني لبعضكم زي الكورة.. مـ.ـا.تفهموني بالظبط ايه معنى كلامكم ده؟
فك قليلًا جموده حينما شعر بنظرات الفضول التي كانت تَشع من بعض الأشخاص على الطاولات القريبة منهم فقال بتـ.ـو.تر :
- ارجوكي يااَنسة فجر وطي صوتك شوية.. الناس بتبص علينا. 
قالت بصوت خفيض من بين اسنانها :
- طبعًا أكيد.. يهمك قوي رأي الناس اللي من عينتك .. لا تشوه صورتك اللي بتلمع قدامهم .. طب وهي؟ ماخفتش عليها ليه؟ ولا هي كانت لعبة ما بينكم ولا رهان ولا إيه بس ؟ انا دmاغي هاتنفجر من دايرة الالغاز دي ..قالت الاَخيرة بمغزى وقد انتقلت نظرتها مرة أخرى لعلاء الذي رد باستياء:
- في إيه ياست الأبلة بس؟ ما انا قولتك 
على اللي فيها.. تحبي افسرلك اكتر؟ ماشي ياست البنات .. انا كنت مجرد واحد مغفل بيحب البت جارته  وواقع على بوزو فيها وكنت ناوي اتجوزها بحلال ربنا .. بس ابويا كان واقف في الموضوع.. قوم إيه بقى؟ فجأةً كدة اشوف بعيني خيانة  المحروسة ليا مع ابن البهوات اللي كنت فاتحله بيتي وأكل من عيشي وملحي.. 
- انا ماخونتكش
قالها مقاطعًا بحدة .. اثار انتباه الاثنان فاستطرد متابعًا :
- ايوة ماخونتكش وفاتن اشرف واحدة شوفتها في حياتي كمان .
اهتزت رأس علاء بابتسامة ساخرة .. أما فجر فقالت بتعب :
- امال أيه بس؟ هو انتوا مش راضين تريحوني ليه وتقولوا الحقيقة؟ ما هي خلاص راحت عند اللي خالقها ومافيش مسئولية على حد فيكم .
- انا هاحكيلك بكل اللي حصل يا فجر وياريت بس تسمعيني كويس .. بس في البداية كدة ياريت اخينا ده ما يقاطعنيش نهائي لحد اما اخلص كل كلامي .
التفتت الى علاء محذرة فرفع كفيه باستسلام يمط شفتيه :
- تمام خالص ياعم .. انا هافضل قافل بوقي للنهاية واحكي انت  وألف ياباشا على كيفك !
تجاهل عصام تهكمه وفضل التحدث مباشرةً :
- في البداية كدة انا حابب اوضح معلومة .. انا فعلاً  كنت معجب بفاتن لأنها كانت بتمثل قدامي صورة حية لجمال بـ.ـنت البلد اللي كنت بشوفها في السينما والتلفزيون.. لكن إعجابي ده عمره ما اتخطى انها تخص صاحبي وهاتبقى زوجته رغم علمي بمعارضة والده الشـ.ـديدة ومعارضة والدها اللي كان مُصر يجوزها لابن عمها زينهم  في البلد .
قطعت صمتها تسأله متفاجئة:
- نعم!! وانت عرفت حكاية ابن عمها زينهم منين بقى ؟
علت زاوية فمه المغلق بشبه ابتسامة قائلًا:
- ماهو دا بقى هو اصل الموضوع !
ظهر الاهتمام جليًا على وجه الاثنان .. فتابع هو :
- عشان اريحكم من الأسئلة.. انا هاحكي اللي حصل  بالتفصيل .
( توقف بسيارته المكشوفة أمام المحل المشهور والذي توسط الشارع الكبير ضمن مجموعة من المحلات في هذه المنطقة المعروفة .. فترجل منها بخيلاء وكأنه يمتلك المكان.. حينما دلف لداخله استقبله العمال بالترحاب الشـ.ـديد وذلك لتبسطه في الحديث معهم .. حتى خرج إليه الرجل المهيب .. صاحب المكان .. رحب هو الاَخر بابتسامة عريضة :
- أهلًا يادكتور.. نورت المحل يابطل .. دا إيه الزيارة المفاجأة دي ؟
تبسم الاَخر بإشراق وهو يرد التحية بالمصافحة :
- دا نورك ياعمي أكيد.. انا جيت النهاردة مخصوص عشانك انت .
اشار له ليجلس امامه وجلس هو خلف المكتب فسأله بدهشة :
- جاي عشاني انا.. يارب يكون خير .
- اكيد طبعًا خير ياعمي.. انا عايز اطمنك على علاء عشان كنت عنده امبـ.ـارح فى زيارة وشوفته بنفسي .
رد متلهفًا :
- صحيح يابني ..يعني هو كويس في الجيش كدة ومرتاح ولا يكونش تعبان؟ ابوس إيدك يابني طمني.. دا مقاطعني عشان الموضوع إياه ومابيرضاش يتصل ولا يبل ريقي منه بكلمة.. ولا اكني عدوه.
- معلش ياعمي .. هو واخد على خاطره منك وانا بصراحة رغم اني متفهم موقفك .. لكن برضوا متعاطف معاه .. اصله بيحب البـ.ـنت أوي ومتعلق بيها.
- انت كمان هاتعوم على عومه ياعصام.. دا بدل ما تعقله. 
- الله ياعم ادهم .. هو انت هاتزعل مني انا ولا ايه؟ دا يدوبك بس واسطة خير مابينكم.
- طب ياخويا ياواسطة الخير.. طمني على احوال صاحبك بقى  .
ظلت جلستهم الودية في الحديث عن علاء واحواله في الجيش لعدة لحظات .. قبل ان يغادر عصام وقد طمأن الرجل على احوال ابنه العنيد .. دلف لسيارته وادار المحرك وهو يقود بالبطئ حتى تمكن بالخروج بها إلى الشارع الرئيسي وقبل ان يسرع تفاجأ بمن تصدرت بجسدها امام السيارة فضغط على.مكابح السيارة بعنف حتى اصدرت صريرًا .. اخرج رأسه لها هاتفًا بجزع :
- انتي اتجننتي يافاتن؟ عايزة تضيعي نفسك وتوديني في داهية ؟
وكأنها لم تسمع .. لفت حول السيارة حتى فتحت الباب الأمامي وجلست بغير أذن قائلة بخـ.ـو.ف:
- نزل غطا العربية ياعصام.. وخرجني من هنا بسرعة الله يخليك قبل ابويا مايشوفني.
- ليه هو في إيه ...  ؟
- ابوس إيدك بسرعة .. إنت لسة هاتستفسر .
أذعن لصيحتها ليغلق الجزء المكشوف من السيارة وادار المحرك بسرعة لتقطع السيارة الشارع الرئيسي وبعد ان تجاوزته.. تكلم عصام بقلق :
- ممكن بقى تقولي في إيه عشان افهم اللي حصل .
رفعت وجهها المغرق بالدmـ.ـو.ع فخرج صوتها بنشيج مكتوم :
- عمي زينهم وابنه فتحي.. جاين عندنا النهاردة يقروا فاتحتي مع ابويا .
- يانهار ابيض.. انت بتقولي إيه؟
- والنعمة زي ما بقولك كدة يا عصام .. انا رفضت ومنعت الأكل والشرب كمان .. بس أبويا مُصر يجوزني ويرتاح مني.. خصوصًا بعد ما سمع من عمي ادهم لما حذره وقالوا ابعد بـ.ـنتك عن ابني .. وعلاء سابني وراح الجيش .. انا هامـ.ـو.ت لو اتجوزت حد غيره ياعصام .. ابوس إيدك شوفلي صرفة . انت أهلك ناس واصلين يعني تقدر تتصرف في موضوع الجيش ده.
- أيوة يابـ.ـنت الناس انا معاكي .. بس الحاجات دي بتاخد وقت وانتي بتقولي ان النهاردة قراية فاتحتك.. نحلها ازاي دي بس؟
باطراف اصابعها مسحت دmاعتها بعنف فقالت بتصميم:
- انا خرجت هربانة ومش راجعة البيت تاني غير وانا في عصمة علاء عشان ما حدش يملك يجبرني على حاجة تاني. 
ضـ.ـر.ب بكفه على المقود وهو يردف بعصبية :
- ياادي الداهية السودة.. انتي مـ.ـجـ.ـنو.نة يابـ.ـنتي؟ وعايزة توديني في مصـ يـ بـةمعاكي؟
ازداد بكاءها المرير بشكل اثار حنقه من نفسه .. فقالت من بين بكاءها:
- انا مكانش قدامي حل غير كدة.. وانا عارفة ومتأكدة اني لو رجعت دلوقتي.. ابويا هايكـ.ـسر عضمي عشان هـ.ـر.بت وبرضوا هايجوزني فتحي ابن عمي غـ.ـصـ.ـب.. ترضهالي دي ياعصام .
استغفر للحظات قبل أن يسألها بضيق :
- طب انتي عندك مكان يابـ.ـنت الناس تقعدي فيه على ما اتصرفت انا ووالدي مع علاء بظروف جيشه دي وخرجناه أجازة ؟.
حركت رأسها نفيًا :.
- كل عنوانين قرايبي واصحابي ابويا يعرفهم .. وانا معرفش حد تاني يساعدني .
ردد خلفها بقلة حيلة: 
- يعني كدة انا لبست .
زفر بضيق وهو ينظر امامه للطريق .. فتابع بعد قليل بحزم :
- اسمعي يا فاتن .. انا مقدرش ادخل بيكي بيتنا .. ولا اعرف اقعدك عند حد اعرفه..  بس ممكن اقعدك في شقتي وانا اقعد في بيت العيلة ..لكن كمان اخاف على سمعتك.. 
قاطعته بلهفة:
- وايه اللي هايمس سمعتي بس وانت هاتسكن عند اهلك؟ قعدني هناك يومين وحاول تتصرف انت وتنزل علاء اجازة بسرعة من الجيش .. عشان يخف الحمل دا من على ضهرك.
- هز رأسه بقلة حيلة وهو يلتفت مرة اَخرى للقيادة فقال مستسلمًا :
- لله الأمر من قبل ومن بعد .
...........................
ادار مفتاح شقته في الباب قبل أن يفتحه ويدلف أولا ثم هتف عليها وهي متسمرة مكانها :
- ادخلي يافاتن .. البيت بقى بيتك خلاص
دلفت خلفه بخطواتٍ مترددة لداخل الشقة الفاخرة بأثاثها المُبهر.. تتلفت يمينًا ويساًر بعدm راحة .
قال خلفها بمزاح :
- إيه يافاتن؟ خايفة لا استفرض بيكي ولا إيه؟ 
نظرت إليه بخـ.ـو.ف فضحك بصوتٍ رنان فتابع :
- معلش هارحمك انا واريحك دلوقتي .. بـ.ـنت يا أمينة .. ياأمينة.
خرجت اليهم فتاة سمراء نحيفة تجيبه بـ.ـارتياب وقد ارتكز بصرها على فاتن فور ان رأتها أمامها :
- نعم يا سعادة الدكتور.. في حاجة .
- ايوة في ياأمينة .. عايزك تاخدي فاتن وتوضيبلها اؤضة تنام فيها الكام يوم اللي جاين دول ؟
- تقعد فين؟ في اؤضتك انت ياسعادة الدكتور .
صاح.فيها هادرًا:
- اؤضة مين ياغـ.ـبـ.ـية؟ انا بقولك شوفيلها اؤضة تانية تقعد فيها مؤقت كدة كام يوم .. اؤضتي انا اياكي تقربي منها ولا تدخليها.. انت سامعة ولا لأ .
اذعنت بصوت مطيع :
- فاهمة يابيه فاهمة .
عاد بنظره الى فاتن الواقفة محلها بجمود يخاطبها:
- اسمعي يافاتن .. انا هاتروحي معاها دلوقتي تختاري اؤضتك وانا هادخل اوضب شنطتي واسيبك بقى معاها.. بس هاجي يوميًا اطمن عليكي واجيب طلبات البيت في حضور امينة على ماقدرنا اتصرفنا في اجازة علاء وبعدها بقى اسلمك ليه وانتوا تتصرفوا مع بعض فى موضوعكم ده .. تمام كدة؟
هزت برأسها موافقة هامسة بصوتٍ خفيض:
- تمام .
ذهب عصام فتركها هي بالمنزل مع الخادmة التي  اختارت لها  غرفة جميلة بالمنزل .. مرت ليلتها الاولى لم يغمض لها جفن من القلق والخـ.ـو.ف لما سيترتب على مغامـ.ـر.اتها. ولكنها دائمًا ماكانت تشجع نفسها بالصبر لحين حضوره وبعدها تنحل كل مشاكلها مع عائلتها وعائلته .. فهو قوي وقادر على حماية من يحب ..في اليوم التالي اتى إليها عصام صباحًا ببعض طلبات المنزل .. وجلس لدقائق فقط يحتسي قهوته  وأخبرها انه فاتح والده بالموضوع والذي وعده بالبحث في الموضوع بمعرفة من يستطيع مساعدتهم في الأمر. . وفي اليوم الثالث حينما أتى عصام في موعده فاستقبلته الخادmة بوجهٍ شاحب قبل أن تخرج اليه فاتن :
- إيه مالك يا أمينة وشك مخـ.ـطـ.ـوف كدة ليه؟
مسحت دmعتها بكم جلبابها فقالت :
- عايزة امشي واشوف أمي ياسعادة البيه.. وانت أمرتني ماسيبش الهانم لوحدها .
تنهد وهي يثني قماش بنطاله قبل أن يجلس على احد المقاعد بصالة البيت :
- يابـ.ـنتي ما انا بقولك اصبري يوم ولا اتنين تاني بس .. وان شاء الله هاديكي انا اجازة كبيرة بعدها من غير خصم مليم واحد من المرتب .
- يابيه انا امي تعبانة وما ينفعش اقعد اكتر من كدة من غير ما اطمن عليها.
تدخلت فاتن التي خرجت من غرفتها وشاهدت حديث الفتاة
- خليها تروح ياعصام وانا هاستناها هنا على ما تيجي.. تطمن هي على والدتها بس ياريت مـ.ـا.تتأخرش .
-قالت الخادmة بلهفة :
- لا والنبي ياهانم .. قبل ما تغيب الشمس هاتلاقيني جيت هوا .. المهم بس اطمن عليها واشوفها .. موافق يابيه .
أومأ موافقًا بضيق قبل ان يقول:
- ماشي ياستي.. بس مافيش خروج غير بعد
ما انا امشي.
تهللت اسارير وجهها فقال هو اَمرًا :
- فرحتي ياختي .. ياللا بقى اعمليلي فنجان قهوة  على ماقولت الكلمتين اللي جاي اقولهم.. يالا .
- من عنيا ياباشا .
قالتها بمرح قبل تذهب من امامهم سريعًا .. فسألته فاتن:
- مافيش اخبـ.ـار عندك ياعاصم. 
قال بحـ.ـز.ن :
- في أخبـ.ـار يافاتن ..الاول مش عارف بقى هايفرحك ولا يحـ.ـز.نك .والتاني نخليه بعدين .
قالت بتوجس :
- خلاص ابتدي بالأول .
- الاول ياستي هو ان عمك وابنه رجعوا تاني على الصعيد.. بعد مافقدوا الامل .. ووالدك بقى قالب الدنيا عليكي حسب ماعرفت .
اومأت رأسها بحـ.ـز.ن عميق قبل ان تقول :
- طبعًا دا المتوقع واللي عاملة حسابي عليه من الاول .. المهم بقى خلينا في الخبر التاني. 
- التاني ياستي هو ان والدي قدر يتواصل مع واحد معرفته من زمان .. رتبة مهمة هناك .. قال انه هايقدر يتصرف ويخرجوا اجازة فى خلال يوم ولا اتنين بالكتير. 
تبسمت بمرح لتمحو اثار الحـ.ـز.ن من وجهها فقالت:
- بجد ياعصام.. يعني خلاص انا هاخلص من مشكلتي بقى وارتاح. 
قال خلفها بأمل :
- ان شاءالله ياستي اتمنى .
لم تدm الجلسة سوى لحظات ولكنه لا يذكر بعدها سوى انه استيقظ من نومه على صوتٍ مزعج لجرس وطرقٍ عالي على باب شقته.. رأسه الثقيلة رفعها عن الوسادة بصعوبة وهو يتأمل غرفة نومهِ المعروفة .. اعتدل بجزعه لينزع الغطاء عنه ولكنه تفاجأ بحركة خفيفة بجواره وصوتٍ مكتوم .. ادار رأسهِ فتوسعت عيناه بجزع وهو يرى  بجواره فاتن وهي ملتفة بغطائها حتى ذقنها تشهق باكية بصوتٍ مكتوم وشعرها المبعثر يغطي وجهها.. رفعت اليه عيناها الحمراون بانكسار ..فضـ.ـر.ب بكفهِ يغطي فمه بجزع .. لا يعرف كيف حدث هذا؟ ولكنه علم جيدًا انه وقع في مشكلة خطيرة خطيرة جدًا.
(الطرق العنيف على باب الشقة مستمر والصوت المزعج لجرس المنزل لا يصمت أبدًا وهو ينظر إليها بصدmة. حتى خرج صوته اَخيرًا قائلًا بتشتت:
- هو إيه إللي حصل بالظبط؟ وانتي إيه اللي جابك أوضتي وانا إيه إللي نايمني فيها أساسًا؟
كانت تهز رأسها بحركات غير مفهومة وتغمم بكلام لا يستطيع سماعه مع أصوات بكائها ونشجيها العالي .. كرر عليها سؤاله مرة أخرى بترجي:
- ابوس إيدك يافاتن فهميني.. إيه اللي حصل يابـ.ـنت الناس ؟
خرجت كلمـ.ـا.تها من وسط بكائها فسمعها بصعوبة:
- انا كمان... مش عارفة حاجة.. انا كمان مش فاهمة.. بس الأكيد..هو إني صحيت فجأة.. لقيت نفسي بالوضع وعرفت اني ضيعت .. ضيعت.
مع ازدياد الحركة العنيفة على الباب الخارجي نهض مضطرًا يرتدي ملابسه ولكنه دنى منها فجأة وهو يغلق ازارار قميصه :
- أبوس أيدك يافاتن فهميني طيب .. مدام انتي صحيتي قبلي يبقى إكيد فاهمة حاجة عني..  هو انا اللي اتهجمت عليكي يافاتن ولا قربت منك وانا مش داري كدة بنفسي ؟
رفعت رأسها اليه تنظر بعيناها التي ذبلت من البكاء ووجهها مغرق بالدmـ.ـو.ع و قالت بحدة:
- انا اول ما صحيت وحسيت بنفسي .. كان هاين عليا اولع فيك وكنت قايمة اجيب سكينة اغرزها في قلبك وانا مخي جايب فورًا ان انت اللي عملت كدة فيا.. بس اللي انقذك مني هي ريحتك .
- نعم!
قالها ببلاهة وعدm فهم .. فتفاجئ بها تجذبه من قماش قميصه تتشممها بأنفها فصاحت بوجهه :
- الريحة اللي هلت في مناخيري وانا بين الفوقان والنوم وكل حواسي متخدرة.. إلا حاسة الشم .. مش هي دي .. دي ريحة تانية..  شمتها انا كتير.. لكن مش ريحتك انت الغالية .. يعني مش ريحتك). 
بوجهِ شاحب وصوتِ خرج بصعوبة وهي تبتلع في ريقها الجاف .. قالت ببعض التماسك رغم العواصف الهوجاء التي تضـ.ـر.ب بشـ.ـدة داخل عقلها:
- وإيه اللي حصل بعد كدة ؟
تتنهد بثقل قبل ان يجيب عن سؤالها وهو يحدق في الجالس بالقرب منها على الطاولة.. بوجهه الجـ.ـا.مد وقد ذهب عنه حتى السخرية المريرة وكأنه عاد لقلب الأحداث رغم مرور السنوات .
- الأفندي دا يقولك علي اللي حصل .. لأني اتفاجأت بيه وهو بيقتحم علينا الشقة زي الإعصار وعلى أؤضة نومي تحديدًا كان محدد طريقه بالظبط.. وطربق الدنيا فوق دmاغي انا والبـ.ـنت الغلبانة .
التفتت رأسها اليه تنظر باستفسار فخاطبها بقوة قائلًا؛
- تفتكري يعني واحد ظبط حبيبته مع اعز صحابه وفي وضع زي ده.. هايبقى آيه رد فعله ساعتها؟
- اَذيتها!
- لا طبعًا انا ما بلمسش حريم انا بس هجمت على اخينا ده وفتحت مخه وهي بقى اعتبرتها مش موجودة ولا تستاهل تعبير مني أساسًا .
- بس هي كانت منهارة قدامك واترجيتك تصدقها ؟
- وانت لو مكاني كنت هاتصدقها ؟
اطرق عصام بحـ.ـز.ن يعتصر قلبه فهز رأسه نافيًا :
- أكيد لأ .. انا مش ملاك .
ضـ.ـر.ب علاء بقبضته على الطاولة وهو يقول ما بين أسنانه :
- ولما هو كدة؟ إيه لزوم المحن ده بقى والقصص الرخيصة اللي بتسمعهانا بقالك ساعة ؟
رفع عصام رأسه قائلًا بانفعال :
- بقى بعد إللي حاكيته دا كله وانت لسة برضوا مش مصدق يابني أدm انت ؟
- ياعم وانا إيه بقى اللي يخليني اصدق القصة الهبلة بتاعتك دي من الأساس؟ والدليل شوفته بعيني.. دا غير كمان انها طلعت في الاَخر حامل.. يعني فكك بقى من التمثلية البايخة دي. 
اغمض عيناه يائسًا قبل أن ينقل أنظاره الى فجر الجالسة واجمة أمامهم .. تنظر إليهم بأعين خاوية.. فاقدة للحياة بهم .
- وانت كمان يا اَنسة فجر مش مصدقة برضوا كلامي رغم علمك بأخلاق بـ.ـنت عمتك ؟
قالت بتعب :
- يا أستاذ عصام.. انا لا مصدقة ولا مكدبة ولا عدت فاهمة حاجة خالص .. انا حاسة نفسي واقعة في بير غويط دلوقتي والبير دا مالوش قرار.. ونفسي الاقي بقى مخرج من بحر الالغاز دة.. لكن مش عارفة.
- يعني برضوا مش مصدقة.. طب ما سألتوش نفسكم انتوا الاتنين.. هي ليه مجابتش إسمي قدام والدها بعد الدنيا ما اتطربقت فوق دmاغها هي لوحدها؟
صمتت فجر وجاء الرد من علاء بتهكم كالعادة :
- ودا بقى يأكدلنا انك برئ ..صح ؟
- أسمع ياعلاء .. إنت لما دخلت علينا الشقة وضـ.ـر.بتني وفتحت دmاغي.. مكنتش فاهم ولا جاب مخي اي حاجة عشان  اعرف ارد عليك بيها.. انا ساعتها كنت مقدر حالتك.. بس اللي حصل بعد كدة خلاني فهمت..انت بعد ما مشيت فاتن اترعـ.ـبت من منظري  والفضايح اللي كانت هاتيجيها من ورايا.. لبست هدومها ومشيت وسابتني.. انا بقى قدرت اتصل بوالدي ودخلت بعدها المستشفى ايام على ما خرجت لقيت البـ.ـنت الخدامة اختفت نهائي وحاولت اوصلك انت وافهمك عن طريق سعد لكنك رفضت وبشـ.ـدة .. كنت مشغول قوي على فاتن ونفسي اوصلها لكن اتفاجأت بخبر سفرها مع أسرتها على الصعيد  ..سألت عن عنوانها هناك وكنت مستعد اطلبها منهم واتجوزها .. لكن والدي خاف عليا بشـ.ـدة من اهلها لما حكيتلوا الموضوع .. واصر انه يبعدني ويسفرني اكمل تعليمي في لندن وانا سافرت زي الجبان وسيبتها .
قال الاَخيرة بصوتٍ خفيض واجش وقد سقطت معها دmعة خائنة على وجنته ازاحها بأبهامه بسرعة .. جعلت الاثنان ينظران اليه وكأن على رؤسهم الطير .. قبل ان تنهار فجر فقالت باكية :
- يعني كل اللي حصل دا كان مؤامرة والبـ.ـنت الخدامة مشتركة فيها مع شخص مجهول عليكم .. طب ليه؟
- بجد مش عارف .. الخطة كانت محكمة جدًا وظهور علاء في الوقت ده بالذات عقد الدنيا من جميع النواحي. 
- وانا كنت هاعرف منين كل كلامك ده .. انا جاتني رسالة من شخص مجهول بيحذرني فيها من صاحب عمري اللي خـ.ـطـ.ـف حبيبة قلبي وخلاها تسيب الدنيا وتعيش معاه في الحـ.ـر.ام.. انا اتبرجلت من الرسالة دي ومكنتش مصدق بس لما اتصلت بامي أكدتلي ان البـ.ـنت هربانة من أهلها بقالها يومين ..انا برج من عقلي كان هايطير مني من الكلام العجيب ده وغـ.ـصـ.ـب عني لقيت نفسي مقدm على أجازة وادعيت فيها مرض والدتي .. وبمجرد ما نزلت على بيتنا عشان استفسر وصلتني رسالة على فوني من رقم مجهول واحد بيستهزأ بيا وبيبلغني بوجود حبيبتي مع عصام في شقته وخيانتهم ليا فيها.. وبعدها روحت وشوفت بنفسي وحصل اللي حصل.. انتوا لو كنتوا مكاني كان هايبقى إيه تصرفكم ساعتها ؟
..............................
على مقعدٍ خشبي صغير خاص بالقهوة الشعبية داخل الحارة كان  
يدخن الأرجيلة.. ينفث داخانها المتصاعد عاليًا بشرود في الهواء وعيناه على المنزل الكبير والذي يشغل مساحة واسعة من حارتهم.. لمحها بشرفة غرفتها وكأنها خرجت تبحث عن شئ ولكنها عادت حانقة تزفر بضيق حينما رأته أمامها بابتسامة جانبية خبيثة ..وحدها هي من تعرف مغزاها .. غمغم بصوتٍ خفيض:
- واللله وبقى ليكي بلكونة عالية ياست نيرمين تبصي فيها على الخلق اللي تحت من فوق وتقرفي كمان منهم.. هه الله يارحم .
- بتقول حاجة يا أستاذ سعد ؟
- ها.. انت بتقول إيه؟
اجفل منتبهًا على سؤال صبي القهوة وهو يضع امامه كوب الشاي ومعه كوب اَخر زجاجي للماء فعاد الصبي قائلًا:
- اصل افتكرتك بتكلمني بس شكلك كدة كنت بتكلم نفسك؟
قال بصيحة أجفلت الرجـ.ـال الجالسين بقربه :
- وانت مالك انت اكلم نفسي ولا اكلم خيالي حتى.. انت اخرك تحط قدامي الشاي وانت ساكت فاهم ولا لأ؟
مط الفتى شفتيه بنظرة أثارت حنق الاَخر :
- فاهم طبعًا يا أستاذ سعد .. بس انت ما تزعلش نفسك .
قالها وتحرك ذاهابًا امامه فجز سعد على أسنانه ينوي إيقافه بوابل من الشتائم .. ولكن نظرة واحدة نحو السيارة الأنيقة التي دلفت داخل الحارة ألجمته .. فتابع بعيناه حتى توقفت السيارة امام المنزل الكبير وترجل منها الشاب الانيق بحلته الرائعة وحذائه الامع .. شعره الكستنائي المصفف بعناية على بشرته الخمرية ونظارته السوداء والحاجبة لون عيناه الخضراء .. لفتت كالعادة نظرات الفتيات نحوه من أهل الحارة بأعجابٍ واضح .. لوح بيده ناحية الجالسين بالقهوة فهلل الرجـ.ـال مرحبين بأصواتهم العالية بمرح وعلى رأسهم كان صوت صبي القهوة : 
- يا الف مرحب يا حسين باشًا.. مساء الفل على عيونك .
تنفس بعمق ليجلي عن صدره قليلًا هذه النيران المشتعلة بداهله.. وهو يرى تجاهل هذا المتعجرف بتحية خاصة له ليساويه بالبقية.. تمتم داخله وهو يتناول الهاتف:
- ماشي ياسي حسين.. خليك كدة فرحان بنفسك.
بحث قليلًا داخل صفحته الخاصة بإحدى وسائل الاجتماعي ..فتبسم بانتشاء حينما وصل لمقصده..
وهي كانت صفحتها !
...............................
يغتلس نحوها النظرات وهو يقود سيارته .. لا يصدق انها بجواره الاَن باختيارها .. جالسة في المقد الأمامي ساندة رأسها المائلة على خلف المقعد بأسترخاء.. مكتفة ذراعيها وهي تنظر من نافذة السيارة في الخارج بشرود.. يـ.ـؤ.لمه حـ.ـز.نها هذا وهو يشعر بالعجز في التصديق او التكذيب لما قد قاله عصام.. منذ لحظات ..يفتقد الراحة التي كان ينشـ.ـدها بعد اكتشاف الحقيقة .
حتى لو كانت ناقصة او مزيفة ولكن وضح امامها جليًا الاَن صدق حديثه معها .. ولكن اين ستأتي الراحة لو صدق فعلًا ما قاله عصام ولم يكن كاذبًا؟ 
أجلى حلقه قبل ان يخاطبها قائلًا:
- تفتكري الكلام اللي قالوا عصام النهاردة دا كان صح ؟
ردت بصوت هادئ على نفس وضعها برأسها المائلة نحو نافذة السيارة :
- وإيه اللي هايخليه يكـ.ـدب ؟
هز أكتافهِ باضطراب :
- يعني.. يمكن عايز يفتح مجال للحديث معاكي ويظهرلك برأته. 
- اعتدلت رأسها لتنظر اليه بإجفال :
- أفنـ.ـد.م! .. يعني إيه كلامك دا بقى؟
مط شفتيه فقال :
- انا بفترض يعني عشان بصراحة الكلام  دا لو صح .. هايبقى الوضع خطير اوي. 
ضيقت عيناها تهز رأسها باستفسار .. فتابع مستطردًا :
- اصل معنى كلامه ان الخيانة جات من حد قريب مننا أوي وكان  على علم بعلاقتي انا وفاتن وعلاقة عصام بيا .
اومأت صامتة فا أكمل:
- بس المهم بقى هو انك عرفتي واتأكدتي بنفسك من براتي من كل التهم اللي اتهمتيني بيها .
اطرقت رأسها مسبلة عيناها فقالت بصوت خفيض:
- هاتصدقني لو قولتلك إني كنت افضل اني معرفش ؟
سألها باندهاش :
- ليه بقى ؟
أجابت بحـ.ـز.ن :
- على الاقل انا الاول كنت فاكرة انها حبت واخد خـ.ـا.ين وغدر بيها واتخلى عنها .. صدقني رغم قسوة الفكرة .. بس دي ارحم بكتير من إني اكتشف انها اتعرضت لحالة اغـ.ـتـ.ـsـ.ـاب من مجهول ودفعت تمن ذنب مارتكبتهوش .. دا احساس صعب اوي .. ان مكانش بشع .
اشاحت بوجهها عنه حينما شعرت بالخط السائل لدmعاتها التي تدفقت مرة أخرى على وجهها.. تنهد هو بثقل وهو يضـ.ـر.ب بكفه على مقود السيارة .. لاعنًا عجزه عن كشف الحقيقة بوقتها.. ساد الصمت بينهم في محيط السيارة لعدة لحظات قبل ان يقطعه هو قائلًا:
طب انا مش عايز افكر عليكي المواجع.. بس انا عندي فضول   اسألك.. هي مـ.ـا.تت ازاي؟
التفتت إليه قائلة بغموض:
-تصدق معرفش؟  
- نعم !!
- حقيقي معرفش.. هي سافرت مع عمتي ووالدها وانقطعت اخبـ.ـارهم .. وبعدها وصلنا خبر مـ.ـو.تها.. عمتي ادعت انها مـ.ـا.تت بحمى شـ.ـديدة وأهلي طبعًا صدقوا.. لكن انا بما إني كنت عارفة بخبر حملها.. فا انا كنت متأكدة انها مـ.ـا.تت بسبب تاني خالص.. ان ماكنوش دفنوها بإيديهم. 
- انزاحت عيناه عن الطريق فالتفت الى عيناها الجميلتان وهي تنظر اليه بصفاء رغم حـ.ـز.نها.. فقاوم هذه المشاعر التي انتابته في هذا الوقت الصعب قائلًا:
- على فكرة مدام ماشوفتش بنفسك.. يبقى مش لازم تكون فكرتك صح عن قــ,تــلها.
اجفلته سائلة:
- تفتكر تكون فاتن عرفت المجرم اللي اغـ.ـتـ.ـsـ.ـبها وهي متخدرة ؟
اجابها وهو يلتفت للطريق:
- العلم عند الله وحده .
.........................
بداخل غرفتها كانت شروق مستلقية على فراشها .. تتحدث في الهاتف مع صديقتها ايمان وتتلاعب بخصلات شعرها بدلال:
- يابت يامتـ.ـخـ.ـلفة انتي افهميني بقى .. مابيعرفش يقول كلام حلو ..دي طبيعته اعمل إيه انا بقى؟
وصلها الصوت الساخر :
- والنبي إيه؟ بقى الحليوة ده اللي عامل زي نجوم السيما مش عارف يقول كلام حلو ..بطلي كذب بقى وافترا بقى.. ماحدش ياختي هايقر عليكي اطمني .
قالت بابتسامة مرحة:
- يعني بعد دا كله وتقولي مافيش قر .. والنبي انا خايفة لتحصلي حاجة من عيونكم الفقر دي يافقر.
- بقى انا فقر يا شروق ؟ وهان عليكي تقوليهالي في وشي كدة .. دا بدل ما تظبطيني وتجوزيني اخوه.. حتى عشان نبقى سلايف .
على صوت ضحكاتها وهي تضـ.ـر.ب  بكف يدها على جبهتها بيأس :
- هههههههه انا عارفة ..والنعمة كنت متأكدة انك بتلفي وتدوري مع في الكلام .. عشان توصلي في الاَخر للكلمتين دول .
- طب اعمل بس يابت ياشوشو؟ اصل الجدع اخوه ده من ساعة ما شوفته في خطوبتك وانا عاملي جنان في عقلي .اصله حليوة اوي .
ردت عليها بدلال :
- اممم بس برضوا مش احلى من حسين .
قالت خلفها معترضة :
- لا بقى في دي انا اخالفك بالقوي.. اينعم خطيبك حليوة لكن أستاذ علاء.. يااختي عليه رجولة كدة وعضلات.. حاجة كدة من الاَخر مزيج بين الحلاوة والخشونة
صاحت فيها بمرح :
- اه يافاشلة يامستهترة .. بتوصفي في الراجـ.ـل من غير خشيا ولا حيا .. طب التفتي لمذاكرتك الاول واحنا في اخر السنة وقربنا من الامتحانات .
شهقت صديقتها متذكرة :
-  فكرتني صحيح.. ليدر الدفعة نزل في جروب الكلية جدول المحاضرات الجديد ..انتي شوفتيه؟
اعتدلت بجزعها على الفراش تتناول شروق من على الكمود الحاسب الآلي المحمول( الاب توب ) تفتحه وهي ترد على صديقتها :
- لا لسة ما شوفتوش .. خليكي معايا بقى عشان اشوف النظام إيه ؟ إيه ده ؟ .
- إيه في إيه ؟
- استني يا إيمان اشوف الرسايل دي اللى وصلتني من حساب غريب .
هتفت إيمان عليها محذرة :
- حساب غريب.. طب اوعي احسن يكون هاكر ولا حاجة .
- يابـ.ـنتي انتي كمان انا مافتحتش لينك ولا فيديو... دي مجرد صور بتحمل وو....  يانهار اسود.
-  إيه في آيه؟
هتفت شروق بغضب :
- دي صور لحسين يا إيمان .
- حسين خطيبك ياشروق ؟
- ايوة هو زفت ... متصور وهو حاضن واحدة اجنبية بكل جرأة وهي قالعة اكتر ما لابسة.. السـ.ـا.فل الخـ.ـا.ين .. قال وعاملي فيها شيخ .. وديني لاطين عيشته .
....
تقدm بخطواته داخل الشقة متعجبًا من حالة الصمت التي تسود المكان في هذا الوقت من اليوم.. رمي سلسلة مفاتيحه على المنضدة الصغيرة والتي توسطت الصالة مناديًا بصوته :
- يا ام علاء .. يامّا .. انتي فين يام علاء؟
قال الاَخيرة وهو يتجول داخل البيت باحثًا عنها ..حينما لم يجدها في المطبخ اكمل بحثه عنها داخل غرفتها فلم يجدها ايضًًا ساوره الشك فبحث في باقي ارجاء الشقة بقلق .. وقلبه يحدثه بالأسوء حتى تفاجأ بها تدلف من الباب الخارجي وابتسامة جميلة تُزين محياها:
- حمدالله عالسلامة يامعلم علاء .
تنهد ارتياحًا بصوتٍ عالي قائلًا بتعب :
- انتي كنتي فين بس يامّا؟ قلقتيني عليكي.
ازداد اتساع ابتسامتها وهي تخطو بخطواتها البطيئة قائلة:
- سلامتك يانور عيني من القلق ولا اي حاجة تعكنن مزاجك حتى .
شقت ابتسامة سعيدة وجهه هو يقترب منها من نصف المسافة يلف ذراعه على كتيفها ويقبل رأسها :
- يدوملي يارب لسانك الحلو ده اللي بينقط عسل زيك ياعسل انتي .
ضحكت بسعادة وهي تستقبل قبلاته على رأسها حتى أجلسها على الاَريكة وجلس معها وسأل :
- قوليلي بقى كنتي فين ياقمر؟
- كنت في السطح ياعيون القمر .
- بتعملي إيه في السطح يامّا؟
- حاجة بسيطة ياحبيب قلبي.. طلعت انشف سجادة المطبخ بس على سور العمارة بعد ماغسلتها .
تغير لون وجهه فقال بتـ.ـو.تر :
- نعم!! انتي ازاي تعملي كدة بس يامّا؟ هو انتِ حمل رفع سجادة ولا حتى غسلها.. انتي عايزة تتعبي وتتعبيني معاكي ياست الكل .
قالت بمهادنة :
- براحة شوية يابني براحة.. وسيبني اكمل كلامي .. اولًا انا مطلعتش لوحدي انشرها.. انا كان معايا جارتي وحبيبتي ام ابراهيم.. دي شالتها لوحدها تطلع بيها السلم  وانا كنت بساعد معاها على الخفيف كدة .
نظر اليها بلوم قائلًا :
- لكن غسلتيها الاول ياما وتعبتي فيها دا غير انك تعبتي معاكي جارتك كمان.. وانا منبه عليكي من الاول مـ.ـا.تتعبيش نفسك.في شغل البيت.. مش كفاية انك رافضة موضوع  اجيبلك خدامة مخصوص.
- يابني وانا مالي بس بالخدامة المخصوص.. ما الست اللي بتيجي في اَخر الأسبوع بتقلب البيت من فوقه لتحته تنضيف.. ودي سجادة المطبخ يعني حاجة خفيفة قوي ومكنش ينفع اسيبها لاَخر السبوع بعد ما اتدلق عليها كوباية اللبن كانت في إيدي من غير قصد.  .
نظر اليها بحنان معاتبًا :
- كمان يامّا.. طب كنتي استنيني على ما ارجع واعملك كل انتي عايزاه.. ياإما بقى توافقي على موضوع الخدامة ومـ.ـا.تتعبيش قلبي معاكي.. ياشيخة دي نيرمين ال.....استغفر الله العظيم يارب.. عندها بدل الخدامة اتنين .
تغير وجهها فجاة من لفتته قبل ان تغير دفة الحديث لناحية أخرى:
- انا ماليش دعوة بحد يابني .. المهم بقى انت كنت راجع مع الأبلة فجر منين؟
- رفع رأسه مجفلًا :
- هااا
تبسمت زهيرة بمرح قائلة:
- إيه هو اللي هاا؟ بسألك كنت راجع مع الأبلة من فين؟ هو السؤال صعب قوي كدة معاك لدرجادي؟
بابتسامة مستترة هز رأسه :
- بقيتي خبيثة قوي ياحجة زهيرة وعفريتة كمان في كلامك.. يعني البنية قابلتها صدفة ووصلتها بقى معايا.. فيها حاجة دي؟ 
- امممم .. لأ ياحبيبي مافيهاش حاجة.  دا احنا حتى أهل ونسايب.. ولا إيه يامعلم علاء .
نهض فجاة من جوارها يقاوم رغبة ملحة للأبتسامة فقال :
- انا قايم اريح شوية عشان انا حاسك كدة بتلمحي لحاجات ....
ضحكت وهي تنظر لأثره مرددة:
قوم ياخويا قوم .. على العموم مش انا بس اللي خدت بالي .. امها كانت معايا وخدت بالها هي كمان .
............................
بعد أن بدلت ملابسها وارتدت بيجامة منزلية مريحة توجهت فورًا لغرفة شقيقتها.. فطرقت بخفة على باب الغرفة قبل ان تفتحه وتدلف لداخلها مرددة:
- مساء  الخير ياشروق.. كنت عايزة الشاحن بتاعك؟ عشان انا تليفوني فصل شحن والشاحن بتاعي مش شغال .
ردت عليها بتمتمة :
- الشاحن على المكتب عندك خديه.
همت تتناوله وتخرج ولكن لفت نظرها وجه شقيقتها العابس وجلستها الغريبة على تختها وهي مريحة ذقنها على قبضتيها المضمومتين وساندة بمرفقيها على اقدامها المتربعة .. هاتفها يصدح بجوارها على الفراش ولا تعيره أدنى اهتمام .. فسالتها بتوجس:
- مالك ياشروق والتليفون اللي بيرن جمبك ده مابتروديش عليه ليه؟
- دا رقم حسين وانا مش عايزة اعبره.
- نعم !!
رمشت بعيناها متعجبة قبل ان تتناول كرسي صغير تقربه منها.. وقالت :
- والنبي إيه؟ ودا من امتى ان شاء الله؟ وحضرتك بقى مش عايزة تردي عليه ليه بقى؟
- عشان اتخانقت معاه ؟
- ياشيحة!! طب ممكن اعرف بقى اتخانقتي مع خطيبك ليه ولا دا سر ومش مسموح لي أعرفه؟
إعتدلت في جلستها وهي تتناول الهاتف الذي صمتت رناته :
طبعًا ياحبيبتي مسموح انك ت عـ.ـر.في وتشوفي بنفسك كمان أخلاق أخينا دا اللي عامل نفسه ملاك وهو مقضيها مع النسوان الأجانب .
حدقت بعيناها فجر على الصورة التي بهاتف شقيقتها.. فسالتها:
- دا هو نفسه حسين! معقول؟ بس انتي عرفتي تجيبي الصورة دي زاي؟
- الصورة وصلتني من حساب مجهول من واحدة بتحذرني منه ومن أخلاقه الزفت.
- وانتي بقى اي واحدة تحذرك من خطيبك تقومي مصدقاها على طول .
- يعني إيه؟
سألتها بريبة .. فردت فجر على سؤالها بسؤال:
  - طب انتي لما سألتيه قالك إيه؟
قالت بتعصب :
- هو عارف يرد حتى.. دا كل اللي عليه يقولي الكلام في التليفون ما ينفعش و تعالي اقابلك واشرحلك بالتفصيل.. هو انا طايقة اسمعه الخـ.ـا.ين ده عشان اقابله واقعد معاه كمان.. وإيه التبرير دا اللي هايقدmه بعد ما شوفت الصورة بنفسي والخاوجاية حـ.ـضـ.ـناه بكل سفـ.ـا.لة وقلة ادب وبتبوسه في خده .
نهضت من امامها قائلة بهدوء:
- يبقى تروحي تقابليه وتفهمي منه كويس.. حسين لو خـ.ـا.ين صحيح كان هايعرف يثبتك بكلمتين بمجرد ما واجهتيه في الفون.. ثم ان البـ.ـنت اللي بعتت الصور دي واضح قوي نيتها سيئة للتفرقة ما بينكم.. مـ.ـا.تديش فرصة لحد يفرق مابينكم واسمعيه الأول.. وبعدين احكمي بنفسك .
اوقفتها قبل ان تخرح من الباب :
- بس انا دmي بيغلي منه يافجر ..وهاين عليا اروح اولع فيه شعره الناعم ولا ابوظ وشه اللي فرحان بيه ده .
ابتسمت فجر رغم ألالم القابع بداخلها:
- طب افهمي منه الأول ولو ما اقتنعتيش يبقى اعملي فيه ما بدالك .. ان شالله حتى تسخطيه قرد مسلسل .
............................
في المساء كانت سميرة بداخل غرفتها تتحدث باستفاضة عن احداث يومها كالعادة وزوجها الذي ينظف بمحمرمة ورقية اطارات نظارته .. يستمع بتركيز مع كل حرف حارج منها حتى سألها مستفسرًا:
- طب وانتي ما سألتيش بـ.ـنتك ليه وعرفتي منها؟.
- اه ياخويا وتفتكر بقى لو سالتها هاتقول الحقيقة؟
قطب حاجييه فقال بدهشة :
- وتكدب ليه بقى؟ اذا كان هو نفسه قال لوالدته انه شافها صدفة فقام بتوصيلها معاه في سكته .
مالت برقبتها امامه تشير بسبابتها على جانب رأسها :
- لا والنبي.. وانا بقى هايدخل في مخي الكلام ده ولا حتى هاصدق كلام بـ.ـنتك الي انا متأكدة انها هاتكدب فيه هي كمان؟
زفر شاكر رافعًا عيناه للأعلى :
- طب ياام العريف.. ممكن بقى تفهميني انتي وجهة نظرك إيه عشان افهم انا بدال اللف والدوران ده معايا في الكلام .
قربت وجهها إليه وهي تردف بعينٍ خبيرة :
- انا قصدي اوصلك ياحبيبي ان بـ.ـنتك اللي كانت منشفة راسها الأول من ناحية علاء ابتدت تحن وتميل له.. وحتى هو كمان حساه ما اتأثرش،برفضها ليه ولا حتى بين انه زعل منها.. ودا طبعًا بغض النظر عن غضبه في ساعتها .. ساعة الرفض.
وضع النظارة على عينيه مسهمًا بتفكير فتابعت :
انا شوفت بنفسي نظرتهم لبعض النهاردة وهما خارجين  من عربيته.. دي مش نظرة اتنين كارهين بعض ولاحصل مابينهم عرض بالجواز والرفض .. دول بيتكلموا عادي ولا اكنهم يعرفوا بعض من سنين حتى وبينهم مواضيع للكلام .. مط شفتيه وهو ينظف بسبابته داخل اذنه :
- هو كلامك معقول .. بس برضوا ممكن تفسيراتك دي وتحليلاتك دي كلها تبقى غلط أو من هم خيالك .. لكن ان كان عليا انا اتمنى .. علاء دا راجـ.ـل وبـ.ـنتك لو لفت الدنيا بحالها مش هتلاقي واحد في زيه ولا اخلاقه .  
................................
وفي الجانب الاَخر كان جالسًا على تخته بنصف نومة.. مكتفًا ذراعيه خلف راسه .. مستندًا على قائم السرير وقد جاف عينيه النوم بعد ان تزاحمت بعقله ذكريات الماضي وما يحدث الاَن في الحاضر .. وما سيترتب على صحة ما سمعه اليوم من عصام صديقه القديم، الذي كان له بفترة من الزمن اقرب اليه من سعد نفسه صديق الطفولة والجيرة أيضًا.. قصة حبه القديم التي انتهت بجـ.ـر.حٍ غائر افقده الثقة في جميع النساء لفترة طويلة من السنوات.. قبل ان يُقابل جنيته الصغيرة التي خـ.ـطـ.ـفت لُب قلبه من أول وهلة في رؤيتها.. وللعجب العجاب تبقى قصتها مربوطة ايضًا بجـ.ـر.حه القديم .تنفس بحريق من داخل اعماقه.. لا يدري متى ينتهي من عـ.ـذ.اب قلبه وكيف السبيل لحل تسلسل عقده التي ليس لها نهاية .. اعتدل على الفراش بجذعه لينزل بقدmه على الارض ويتناول علبة سجائره مع علبة كبريت فقد فوجئ بتعطل قداحته ..خطا ناحية شرفته  وقبل ان يدخلها كانت السيجارة في فمه .. اخرج عودًا ثقاب ليشعل به سيجارته ولكنه توقف بيده في الهواء قبل ان يصل بالعود المشتعل الى السيجارة داخل فمه بعد ان تسللت رائحتها المسكرة الى صدره.. التف برأسه ناحية شرفتها فوجدها بهيئتها التي ذكرته برؤيته الأولى حينما سحرته بنعومتها وجمالها.. مستندة على سور شرفتها وشعرها المتمرد يتطاير حول رأسها بحرية.. استفاق من شروده حينما شعر بلسعة نيران عود الثقاب التي وصلت الى اصابع يده.. نثرها من يده ورمى أيضًا السيجارة من فمه.. فما فائدتها لو غطت برائحة تبغها على رائحة الطيب من جميلته .. تحمحم بصوتٍ واضح ليصل الى أسماعها وهو ماحدث.. التفتت اليه برأسها فقال هو بتردد :
- انا قولت اعمل صوت عشان مازعجكيش زي المرة الي فاتت .
- اشاحت بوجهها قليلًا بخجل قبل ان تعود اليه بابتسامة صافية منها فاجأته:
- متشكرين أوي يا معلم علاء على زوقك.. وممنونين جدًا عالتقدير .
ابتسامتها كانت بسيطة وخجلة.. لكنها جعلت الدmاء تضخ داخل قلبه بسرعة مـ.ـجـ.ـنو.نة.. وصوت دقاته تصل لأسمعاه كطبولٍ افريقية.. حاول التحكم بهذا الهذيان الذي اصاب عقله.. حتى يستطيع إخراج جملة مفيدة معها ..فتنحنح قائلًا بصوتٍ مهزوز:
-  ما انا مش عايز اكرر غلطي.. حكم انتي المرة اللي فاتت بصيتلي بغدرة كدة ولا اكنك قطة شرسة وهاتهجم عليا .
هنا رنت صوت ضحكتها : 
"ااه .. دلوقتي بس عرفت المجاذيب ييتجننوا ازاي ".. هذا ماحدث بهِ نفسه وهو يشعر بالخدر الذي اصاب أطرافه..  من رؤية ضحكتها الصافية والتي زادت من جمال وجهها بروعة.. خبئت ضحكتها فجأة وتغير وجهها وهي ترد :
- أنا المرة اللي فاتت كان عندي اسباب عشان اكرهك بيها من قبل ما اشوفك. 
- يعني انتي دلوقتي ماعدتيش بتكرهيني؟
رفعت عيناها اليه مجفلة فحدقت اليه للحظات صامتة قبل ان تجيب.
- مش عارفة بس انا اكتشفت اني كنت ظالماك في حاجة انت ملكش ذنب فيها.. دا غير إني اكتشفت ان انت نفسك كنت مجروح.
مط بشفتيه امامها وهو يعيد كلمـ.ـا.ته برأسه فأطربت أسماعه وأنعشت بداخله الأمل.. فتابعت هي بسؤال:
- طب احنا دلوقتي هانعمل ايه؟
قطب حاجبيه فسألها ببلاهة:
- في إيه؟
رفعت عيناها وهزت رأسها بيأس فتذكر هو:
- اَااه.. انت قصدك يعني عن موضوع الكلام اللي ذكره عصام؟
اومأت برأسها إيجابًا فقال متنهدًا في البداية:
- اولًا احنا لازم نتأكد من صحة الكلام الأول.
قالت بسرعة وتعصب:
- أنا متأكدة من صدق كلامه.. عشان متأكدة جدًا من أخلاق فاتن .
اطرق بعيناه ارضً وشعر بالأسف قبل ان يتكلم:
- أرجوكي ما تاخديش كلامي بمحمل على فاتن.. بس انا راجـ.ـل عشت سنين على مشهد انها خانتني مع اعز اصحابي.. ودي حاجة أثرت جدًا في نظرتي ناحية الستات وافقدتني الثقة في كل الناس.
وضح التفهم على ملامح وجهها فأثبتت هي بالقول:
- انا فاهماك على فكرة ومش بلوم عليك.
تنهد بـ.ـارتياح وشعور بالسعادة يتسلل اليه رويدًا رويدًا..فقال بعملية:
- خلاص ياستي مدام بقينا متافهمين يبقى هاقولك على اللي بفكر فيه.. انا من بكرة ان شاء الله هادور على البـ.ـنت الخدامة اللي كانت شغالة عند عصام .
هزت رأسها بحماس واكملت على قوله:
- حلو اوي ده.. لأن البـ.ـنت دي أكيد عندها حل السر اللي دوخنا طول السنين اللي فاتت..وانا كمان هحاول الاقي طريقة تعرفني عن الفترة القليلة اللي قضتها فاتن في الصعيد قبل مـ.ـا.تمـ.ـو.ت.. يمكن يكون في حاجة تهمنا فيها .
اومأ برأسه عن رضا:
- تمام.. واهو منها برضوا ت عـ.ـر.في هي مـ.ـا.تت بجد ولا حاجة تانية.
اومأت هي ايضًا ..فسره جدًا نظرة الأمل بعيناها ورغم قساوة الوضع ولكنه وجد اَخيرًا شيئًا يربطهم ويقرب بينهم.. شعرت بالحرج حينما طال الصمت بينهم فاستاذنت للعودة لغرفتها.. وتركته هو يتأمل الكون حوله بنظرة أخرى بعيدة كل البعد عن السابق.
......................... 
في اليوم التالي .
خرج من داخل ورشته يهلل بترحيب :
-  دا انا الصبي لما قالي جوا ماصدقتش .. نورت الورشة ياعلاء باشاء 
تقبل علاء عناقه والترحيب بمودة حقيقية لصديقه وجاره منذ الطفولة:
- وحـ.ـشـ.ـتني ياسعد.. ووحـ.ـشـ.ـتني ايامك .
شـ.ـدد على كفه قائلًا بمرح :
- ما انت ياعم عزلت وقولت عدولي.. تعالي اتفضل معايا جوا الورشة عشان افرجك كمان على شغلي الجديد .
- خليها مرة تانية ياحبيببي.. المهم خلينا نتكلم احنا هنا عشان عايزك في موضوع ضروري .
جلس الاثنان على مقعدين من الخشب وفي الوسط طاولة خشبية أيضًا صغيرة خارج الورشة .. فسأله سعد بفضول :
- موضوع إيه بقى اللي كنت عايزني فيه .
- اصل بصراحة انا كنت عايز اسألك عن حاجة قديمة كدة مر عليها سنين.. بس انا قولت يمكن يكون عندك خبر ولا تعرف حاجة عنها .
- عقد حاجبيه بدهشة فسأل:
- عن مين بالظبط؟ وموضوع إيه دا اللي مر عليه سنين؟
تنحنح علاء يلمس ارنبة انفه بتردد قبل ان يقول اَخيرًا :
- يعني ..اصل انا كنت قابلت عصام .. عصام صاحبنا القديم انت تعرفه؟
جحظت عيناه واشتعل صدره بالغضب بمجرد سماع الأسم فقال بحدة :
- ماله الخـ.ـا.ين ده؟ وهو ليه عين كمان يشوفك ويفتح معاك مواضيع وانت ازاي تسمحله اساسًا؟...
قاطعه علاء:
- في إيه ياسعد؟ استنى واديني فرصة اتكلم.
حاول تنظيم انفاسه الهادرة داخل صدره فقال :
- معلش يا علاء.. بس انت عارف اني قطعت علاقتي مع البني ادm ده من زمان من ساعة ماعرفت منك موضوع خيانته ليك .
قال الاَخيرة مشـ.ـددًا على الاحرف لفت نظر علاء الذي رد :
-  يابني ما انا عارف كل كلامك ده.. انا بس عايز دلوقتي اتأكد من صحة الكلام اللي قالهولي .. واعرف ان كان صدق ولا كدب .
شحب وجهه بصدmة وهو يستمع لعلاء وهو يسرد كلمـ.ـا.ت عصام فقال :
- يعني هو بعد السنين دي كلها ما افتكرش يقولك الحقيقة غير دلوقتي وانت بكل سهولة كدة صدقت؟
- يابني انا لا صدقت ولا كدبت .. انا بس عايز اشوف البـ.ـنت الخدامة دي واسالها غشان افهم .
بصق جملته قائلًا :
- وانا مالي بقى؟
- انت مالك ازاي بقى؟ هي البت دي ماكنتش قريبتك برضوا؟
ضـ.ـر.ب على الطاولة التي امامهم بعنف وهو ينهض عن  مقعده يهدر صائحًا بغضب :
- انا ماعنديش قرايب خدامين ياعلاء .
ربت علاء على ذراعه بمهادنة :
- طب اهدى طيب واقعد ..الناس في الشارع بتبص علينا .
عاد للجلوس مرة أخرى وصدره يعلو ويهبط من الغضب وهو يردد :
- ما انت بتقول كلام يعصب ياعلاء.. انا البـ.ـنت دي لما قدmتها للزفت عصام .. كان على اساس انها معرفة من ناس قرايبنا وكان صعبان عليا حالها وامها التعبانة .. يعني مش قريبتي ياعم .. دي كانت مجرد معرفة وراحت لحالها.. يعني ماعدتش اعرف عنها حاجة..
ثم أردف بغل:
-  هو لدرجادي الجدع ده عرف يلف دmاغك من قاعدة واحدة ؟
ظهر الغضب على وجه علاء وهو يرد عليه بحدة :
- انا مش عيل صغير ياسعد عشان يجي حد ويلفني بسهولة .
صمت الاَخر يشيح عنه بنظره فأجفله علاء بسؤاله :
- الا صحيح ياسعد.. لما قابلك عصام زمان عشان يوسطك مابيني وبينه.. ماقولتليش انت ليه على الموضوع ده .
تحركت شفتاه بتـ.ـو.تر مرددًا:
- هااا
حانقة.. غاضبة.. تهز اقدامها بعصبية تحت الطاولة الجالسة عليها أمامه في المطعم الشهير والذي كان قد وعدها منذ فترة قريبة.. لصحبتها في زيارته.. وفي أعلى الطاولة كانت مستندة عليها بمرفقيها وهي تستمع لتبريره بأعين متوسعة كبركتي عسل بلونهم ..مكورة شفتيها كالأطفال على وجهها الذي تخضب بحمرة قانية من الغضب.. هيئتها الشهية اخرجته من تركيزه بضع مرات فازداد غضبها منه وازدادت رؤيتها تسلية بعيناه وهو يكبت ابتسامة ملحة بصعوبة عن وجهه.
- يابـ.ـنتي زي مابقولك كدة.. هو دا كل اللي حصل.
برقت عيناها اكثر تهتف :
- ياسلام.. وانا بقى عيلة صغيرة ولا هبلة عشان اصدق حاجة زي دي.
رد بابتسامة مستترة:
- صغيرة دا إيه بس ياشوشو؟ دا انت عاقلة وست العاقلين كمان .
قالت غاضبة: 
- بلاش أسلوبك ده معايا ياحسين.. عشان انا حساك بتسخر مني ومن كلامي.
لم يستطع كبح ابتسامته وهو يردف:
- أسخر من مين بس يابـ.ـنتي؟ هو انتي في حد يقدر يسخر منك برضوا ياقمر؟
ارتخت ملامح وجهها قليلًا ولكنها قاومت الضعف امامه.. فقالت بإصرار:
- طب قولي الحقيقة واعترف ان كانت البـ.ـنت دي حب قديم ولا انت عملت معاها علاقة.. وانا هاصدقك واسامحك لو قولت الحقيقة.
- حب او علاقة!! هههه
دون ارادته.. دوت الضحكة بصوتٍ عالي قبل أن يكبتها بوضع كفه على فمه.. راقبته لعدة لحظات وهو يقهقه بصوتٍ مكتوم ولا يستطيع التوقف.. مما اثار استيائها اكثر.. فنهضت عن كرسيها بعنف
- ماشي ياحسين.. خليك انت كدة اضحك مع نفسك وانا ماشية وسايباك .
امسك بمرفقها يوقفها بحزم قبل ان تذهب:
- استني بقى واقعدي ياشروق.. الناس بتبص علينا.. اقعدي بقى عيب.
أجفلت على النظرات الفضولية حولها فجلست مضطرة وهي تطحن اسنانها غـ.ـيظًا:
- هما دقايق بس ياحسين هاقعدهم.. ولو فضلت فيهم تتكلم وتضحك بأسلوبك الساخر ده مني و من عقلي.. هاقوم واسيبك وابقى دور بعد كدة بقى على حاجة تصالحني بيها.. عشان انا مش هاسمحلك نهائي.. وان شالله حتى تتفسخ......
- اوعي تكمليها لازعل بجد وربنا .
قاطعها بجدية حقيقية بوجهٍ ذهب عنه المرح.. فتابع جديته بصوتٍ أجش ممسكًا بكفها:
- انا مش بستهزأ بيكي.. انا بس شايف ان الموضوع كله هزار ومش مستاهل لخناقة مابينا انا وانتي 
رقت قليلًا من نبرته فقالت ببعض الرزانة:
- انت شايفه موضوع مش مستاهل و انا شايفة العكس.. يبقى تفهمني الحقيقة.
- يابـ.ـنتي ما انا قولتلك.. كانت لعبة هزار من واحد صاحبي.. حب يعمل فيا مقلب مع مجموعة من الزملا لما كنا في حفلة لشركة السياحة اللي كنت بشتغل فيها الأول قبل ما استقل وافتح شركة لوحدي.. ودا كان في سهرة مع وفد سياحي.. صاحبي ده زق البـ.ـنت الخوجاية دي تيجي ترزل عليا وفي نفس الوقت كان هو بيصور اللي حاصل. 
سألته بشك:
- يعني الموضوع رزالة بس ومافيش أي حاجة تاني؟
هز رأسه بالنفي وهو يبتسم بسعادة:
- وحياة غلاوتك عندي.. مش أكتر من كدة.. دا صاحبي عمل المقلب دا مخصوص نكاية فيا عشان انا كنت دايمًا مقفل وسطهم .
- طب وانا إيه اللي يخليني اصدق؟
حدق بعيناها الجميلتان يقول بصدق رأته جليًا في عيناه 
- عشان انا مش هانكر لو كنت كدة فعلًا.. الموضوع ده مر عليه اكتر من سنتين يعني مكنتش لسة شوفتك ولا عرفتك عشان تتحسب عليا خيانة.. بس انا اللي مستغربه بجد هي ازاي وصلتك الصورة!
- أهي وصلتني وخلاص.. 
- يعني مش هاتقولي على المصدر ؟
قالت بتحدي:
- لأ مش هاقول ياحسين.. عندك مانع ؟
رفع حاجبه بتسلية:
- ماشي ياشروق.. المهم بقى انتي صدقتيني ولا لسة برضوا مصممة عاللي في دmاغك.
هزت كتفها وقالت بدلال:
- مش عارفة؟
ازداد اتساع ابتسامته فقال بمرح وهو يشير بيده للنادل:
- بس انا عارف.. مدام اتكلمتي كدة باسترخاء نسبي يبقى بدأتي تحني.. نكمل عتابنا بقى واحنا بـ.ـنتغدى.. تحبي اطلبلك إيه؟
............................
مع قرب انتهاء اليوم الدراسي وخروج الطالبات من غرفة الحاسبات بعد انتهاء حصتها معهم.. وقفت تلملم أشيائها وتضعهم بحقيبتها اليدوية.. قبل ان تنصرف هي الاخرى وتعود لمنزلها.. وسط انهماكها وصل لأسماعها صوت صفير من الفم بصوتٍ خفيض .. رفعت راسها لتتبين مصدره ناحية الباب المفتوح بمواربة صغيرة ولكنها لم تجد احد فعادت لما تفعله فتكرر الصوت مرة أخرى واثنان وهي ترفع عيناها ولا تجد سوى الهواء.. زفرت بغـ.ـيظ وهي ترجح بانها معاكسة من إحدى الطالبات لتستفزها فتناولت عصا خشبية تستخدmها ساعة الضرورة في التدريس وذهبت لتفاجأ من يشاكسها .. رفعت يدها الممسكة بالعصا بتحفز وهي تمسك بمقبض الباب لتفتحه لتباغت من يقف خلفه. لتفاجأ بشهقة انثوية ضاحكة :
- حاسبي يا ابلة فجر انتي هاتضـ.ـر.بي صاحبتك ولا إيه؟
فغرت فاهاها بشهقة هي الأخرى مشتاقة لصديقتها التي ارتمت عليها تعانقها:
- سحر!! حشـ.ـتـ.ـيني و  يامـ.ـجـ.ـنو.نة.. وحشني جنانك .
سحر وهي تشـ.ـدد عليها بذراعيها وهي تقهقه بمرح:
- مش اكتر مني يا فجر وربنا.. مش اكتر مني . 
بشويش ياجماعة على نفسكم.. دول اخرهم اسبوعين فراق مش سنين يعني .
نزعت فجر نفسها عن صديقتها مجفلة على هذا الصوت الساخر لشابٍ يقف خلف سحر مباشرةً لم تراه هي في خضم انشاغلها بمعانقة صديقتها سوى الاَن.. نظرت لسحر باستفسار فوجدتها تبتسم بسعادة فسألتها بمشاكسة:
-  اوعي تقولي انك معرفتهوش؟ والنعمة ازعل منك .
رفغت فجر عيناها اليه مرة اخرى فهزت براسها ضاحكة حينما تذكرت ملامح وجهه:
- لا مـ.ـا.تزعليش مني ياسوسو.. انا دلوقتي حالاً افتكرته من الصور اللي انتي بعتيهالي.. استاذ رمزي صح؟
قالت الاَخيرة وهي تشير اليه بسبابتها.. اومأ اليها هو قائلًا :
- صح فعلًا يا انسة فجر .
رحبت فجر بمصافحته الودودة وانتقلت عيناها لسحر التي تورد وجهها بفرحة جعلت ملامحها تبدوا كامرأة اخرى شـ.ـديدة الفتنة والجمال .
- طب إيه هانفضل هنا واقفين عالباب والطالبات يبصوا علينا ..تعالوا ندخل جوا الغرفة على الاقل نقعد بدل الوقفة . 
..........................
دلف لداخل منزله المتواضع بغضبٍ حارق تتبعه شياطينه حتى أنه لم يلتفت للطفلة الصغيرة التي كانت جالسة على الاَريكة الخشبية والخاصة بوالدته تشاهد التلفاز.. هتفت بمرح:
- خالي سعد.. ازيك ياخالي .
لم يسمعها ولم يرها أيضًا وهو يسرع بخطواتٍ ناحية غرفته.. والتي بمجرد دلوفه إليها صفق بابها يغلقه بقوة اجفلت الطفلة ذات السبع سنوات منتفضة.. و.جـ.ـعلت والدتها تخرج من داخل المطبخ سائلة وهي تجفف يداها:
- إيه الصوت ده؟ هو في حد دخل عندنا هنا يامروة؟
- ايوة ياماما.. خالي سعد ودخل على اؤضته وقفلها عليه كمان من غير مايعبرني ولا يرد عليا حتى.
تمتمت المرأة وهي تخطو ناحية الغرفة:
- خالك سعد!! مش بعادة يعني يجي بدري كدة؟
طرقت بخفة على باب الغرفة فوصلها صوته من الداخل:
- مش عايز اشوف حد .
- انا اختك لبنى ياسعد...
لم تكمل جملتها حينما قاطعها صارخًا بصوتٍ جهوري يصُم الاَذان:
- قولت مش عايز اشوف حد.. ابعدوا عني بقى ابعدوا عني .
ارتدت عائدة لوالدتها في مطبخهم الصغير وهي ترتجف:
- اخويا سعد ماله ياما؟
سالتها نشوى بهدوء وهي متربعة على ارضية المطبخ تنزع بيدها ريش الدجاجة المذبوحة:
- مالوا اخوكي يابت؟
بصوت مرتعش وهي تتربع امامها على الارضية:
- دخل اؤضته زي القطر واما خبطت على باب الاؤضة عشان اشوفه او اسلم عليه.. صرخ عليا خضني وقعد يقولي ابعدوا ومش عايز اشوف حد فيكم..هو ماله يامًا؟
نشوى وهي تعيد الدجاجة داخل إناء المياه الساخنة قبل ان تخرجها مرة اخرى وتكمل ما تفعله:
- يعني هايكون ماله يعني؟ دا واد نكدي يمـ.ـو.ت لو ملاقاش حاجة ينكد بيها على نفسه وعلى اللي حواليه..لا هو وصغير راضي ولا حتى بعد ما كبر وربنا فتحها عليه راضي.. عيل فقري.
- بس انا خـ.ـو.فت اوي من شخطته فيا ياامّا.. هو انا باجي عندكم كل يوم عشان الاقي منه المعاملة العفشة دي؟.
قالت نشوى بتحدي:
- ليه ياعين امك؟ هو انتي قاعدة في بيته؟ دا انتي قاعدة في بيت ابوكي ومع امك مش مع مـ.ـر.اته.. سيبك منه يابت ومن قرفه واستني كدة لما اعملك طبق ملوخية تاكلي صوابعك وراه على مرقة الفرخة دي.. عشان ترمي بيها عضمك ياعين امك .
انـ.ـد.مجت لبنى مع والدتها في حديث الطعام الشهي وتناست سعد وما يفعله ..فسالتها:
- طب مش كان احسن ياما تخلي سيد الفرارجي ينضفها بالمرة بدل تعب القلب ده؟
ردت نشوى باقتناع:
- في بيتنا احسن يابـ.ـنتي.. عند سيد الفرارجي اكيد هاينقصها من حوايجها!
.............................
وبداخل غرفته كان كالبركان الثائر بنيران الحقد.. صوت انفاسه الهادرة مسموعة بوضوح داخل فضاء الغرفة .. ترتعش مقلتيه باضطراب وهو يستعيد بذاكرته وجه غريمه من وقت أن سمع بإسمه.. والذي عاد الاَن بعد كل هذه السنوات لينبش في الماضي الذي تظل اَثاره عالقة بذهنه ولا تتركه حتى بنومه من أحلام تقبض على صدره لتذكره دائمًا حينما يغفل أو يُحاول المضي قدmًا بحياته فلا ينسى ابدًا ماحدث بوقتها ولا ينسى ما سبقها من سنوات كان يتألم ويحترق فيها صامتًا ولا يشعر به أحد.. نشأته الصعبة وهو صغير حينما كان فقيرًا معدmًا بجسدهِ الضئيل الذي لالطالما أغرى أقرانه الصغار في الحارة ليتنمروا عليه فيسحقوا ضعفه بالإهانة والاعتداء لولا وجود علاء المصري الذي كان رغم صغر سنه يقف بوجههم لمناصرته واخذ حقه وقت الزوم..كان مصدر حماية وأمان له.. أحبه كشقيق لم تلده أمه رغم شعور النقص الذي كان ينموا بداخله مع نمو جسده.. فقد من الله على علاء بالخلقة الحسنة والجسد الرجولي الخشن منذ صغره بالأضافة لمال ابيه وحسبه ونسبه.. عكسه هو الذي كان يرى النقص في كل شئ حوله.. لكنه كان يكيف نفسه ويتعايش مع هذا الشعور البغيض بفضل تواضع علاء معه الذي كان يغدق عليه بالحنان الأخوي بما يخفف عنه.. لكن مع دخول مرحلة الجامعة وتعرف علاء على هذا المدعو عصام ابن الطبيب الشهير.. انقلبت حياته لمرار وهو يرى نمو الصداقة بينهم بتكافئ مذل له.. بل ومهين وهو يرى التفاف الاصدقاء حولهم من فتيات وشباب وكأنهم نجمان متلألاَن.. الكل يتهافت على التعرف اليهم وهو بينهم على الهامش وغير مرئي اطـ.ـلا.قًا وتمر السنوات وتتطور العلاقة ليحتل هذا العصام مكانه في الحارة ايضًا بعد الجامعة.. فيأسر قلوب الطبقة الفقيرة من اصدقاء وجيران لهم.. وكأنه فرد نشأ وتربى بينهم.. وهو على حاله دومًا غير مرئي ولا أحد يشعر به ولا أحد يسمعه صمته.. حتى اتى هذا اليوم حينما راَها بسيارته؟ هي حب عمره وحلم حياته.. في سيارته.. فكانت هي الفرصة.
التمعت عيناه فجأة وهو يعيد بعقله ماحدث.. ويقسم بداخله على النجاة وان كان الله انقصه من نعم كثيرة انعم بها على غيره.. فقد ميزه هو بالدهاء والذكاء.. وكما نجح قديمًا فلابد له من النجاح الاَن ايضًا مهما كان الثمن!
..............................
في المساء 
تفاجات فجر وهي تجلس امام شاشة التلفاز تشاهد إحدي البرامج بعودة شقيقتها من مشوارها بصحبة خطيبها بوجهٍ يشع بالسعادة عكس ما خرجت به.. تدندن بصوتها وهي تقترب منها لتناكشها و تغني . 
- عارف انت الحظ بعينه ..كان وشك حلو عليا 
كل اللي الناس شايفينه.. مايجيش واحد في المية
مللي انا لسة ماقولتوش.. انا لو تبقى معايا بيترج 
القلب ويتهز... انا لو تاخد عيني يانور عيني عيني مـ.ـا.تتعز.
استجابت ضاحكة وهي تدغدغها فقالت مندهشة.
- والنبي إيه؟ طالعة من عندنا ابو الغضب مرسوم على وشك ودلوقتي راجعة وعمر دياب بيغني على لسانك؟ إيه يابت الجنان ده؟
قالت بدلال:
- وماله بس لما ارجع بعمر دياب ولا سنية العالمة حتى ..مش المهم اكون مفرفشة يااختي الابلة .
اومأت برأسها موافقة وهي تضحك:
- ان شالله يارب دايمًا ياحبيبتي.. المهم بقى احكيلي اتصالحتوا ازاي؟
اعتدلت بجلستها تسالها ببلاهة:
- وانتي عرفتي ازاي ان احنا اتصالحنا بقى؟
مالت اليها برقبتها وابتسامة متسلية على وجهها.. فردت شروق:
- معلش بقى سؤال غـ.ـبـ.ـي؟ وانا اساسًا مكتوب على وشي الصلح والدلع كمان .
سالتها بتوجس يشوبه المداعبة:
- دلع ياشوشو؟ 
اومأت برأسها:
- اه والنبي يااختي دلع.. دا خدني الاول على المطعم اللي قولت عليه قبل كدة .. صالحني هناك وفهمني اصل الصورة ومناسبتها واكلنا فيه على موسيقى هادية ورومانسية وبعدها فسحني في الملاهي وهيصنا فيها وجابلي جيلاتي.. انا النهاردة كان من اسعد ايام حياتي يافيفي.. 
- قالت فجر بـ.ـارتياح:
- طب الحمد لله ياستي انه عرف يصالحك ويبسطك كمان ..ياريت بقى تاخدي بالك بعد كدة من اي حاجة تجيلك من ناس غريبة.. عشان مـ.ـا.تضريش نفسك وتاخدي خطيبك بذنب هو معملهوش.
- عندك حق يافجر.. حسين دا طيب قوي وعرف يمتص غضبي منه.. وانا بعد ما شرحلي صدقت كل حرف طالع منه.
- تمام اوي الكلام ده.. هو فينه بقى مجاش معاكي؟
- لا ماهو دخل عند والدته يشوفها ويشوف علاء اخوه.. اصل اتصل بيه وطلب يقابلوه وهو معايا بـ.ـنتفسح .. المهم بقى.. انتي ليه قاعدة هنا في الصالة مش في اؤضتك وفين باقي العيلة مش شايفاهم؟
اجابت فجر:
- والدك ووالدتك أخدوا إبراهيم لدكتور العظام  عشان الكـ.ـسر بتاعه.. وانا بقى قاعدة هنا في الصالة كنت بستناكي عشان اطمن ياستي واديني والحمد لله اطمنت .
- حبيبة قلبي انتي .
قالتها وهي تقبلها بوجنتها قبل ان تنهض وهو تتابع:
- ربنا يرزقك انتي كمان يااحلى فجر باللي ينسيكي كل تعب السنين ويدلعك بقى.. دا الدلع حلو قوي ياجدعان .
والنعمة حلو اوي .
كانت ترددها وهي تتجه بخطواتها نحو غرفتها.. جعلت فجر تتبعها بنظراتها وهي تهمس بداخلها:
- معقول ياشروق هايجي اليوم ده اللي احب فيه واتحب زيك انتي كدة وزي سحر كمان؟
............................
حبيب قلبي يا ابوعلاء 
قالها حسين وهو يفتح على اخيه باب الغرفة قبل يقطع جملته متابعًا بعد ذلك:
- ايه ياعم الدخان دا كله؟ دي الاوضة معمية بريحة السجاير .
قال بابتسامة ومزاح:
- ادخل يااض على طول واسترجل ولا انت هاتخاف على صدرك من الريحة كمان .
تقدm للداخل متافافًا وهو يهوي بيده:
- اخاف ياعم وماخافش ليه؟ ما في الحالتين الضرر واحد.. وانت بقى اللي بتعمله ده اسمه انتحار .. طب افتح شباك البلكونة حتى عشان تهويها شوية .
- اشار بلامباة:
- افتحها انت.. انا مكنتش واخد بالي اصلًا .
فتح حسين باب الشرفة على مصراعيه متنهدًا بـ.ـارتياح قبل ان يعود بنظره جيدًا لاخيه الجالس على طرف الفراش بشرود وهو يدخن بشراهة ومطفأة السجائر بجانبه وقد امتلائت بالأعقـ.ـا.ب .
ردد وهو يتناول كرسي ويقترب به للجلوس امامه:
- يانهار ابيض دا انت عاملها حريقة بجد.. كل دي سجاير شربتها ياعلاء؟ انت عايز تنتحر يابني.. ومـ.ـا.تقوليش والنبي خاف على نفسك والكلام ده.. اصل ده مش شرب دي حريقة.
زفر علاء وهو ينفث دخان السجيارة التي بيده:
- لا ياسيدي مش هاقولك.. انا اصلًا ماعنديش مزاج ولا فيا حيل لأي كلام.
قطب حاجبيه بقلق:
- ليه ياعلاء؟ انا فهمت انك محتاجني لما اتصلت بيا.. بس شكلك بيقول ان في كارثة .
مط شفتيه بزاوية:
- هو مش كارثة قد ما هو حيرة وانا حاسس نفسي في داومة ومش عارفة طريق خروجي منها .
ربت على قدmه قائلًا بمؤازرة:
- سلامتك ياعلاء من الحيرة.. قولي اللي محيرك وانا احاول معاك في حل للدومة الغرقان فيها دي .
قال علاء برجاء:
- انا عشان كدة اتصلت بيك ياحسين.. انت اخويا وصاحبي ورغم انك الأصغر لكن انا بحسك بتشوف الامور بميزان العقل اكتر مني.. وانا عايز احكي لحد يفهمني.
بعد ان سرد علاء لأخيه كل ماحدث بينه وبين فجر وماقاله عصام وما رأه من سعد وحيره اكثر .. ظل منتظرًا لعدة لحظات لرد حسين الذي كان متكتفًا بذراعيه يستوعب ويفكر بصمت.
- إيه يابني مـ.ـا.تتكلم؟ هاتفضل ساكت كدة كتير؟.
حك حسين بسبابته على ذقنه المهذبة وهو يتحدث بتركيز:
- اصل بصراحة كمية المعلومـ.ـا.ت دي اللي قولتهالي مرة واحدة.. جعلتني انا كمان احتار زيك.. رغم شكي من زمان .
سأله باستفسار:
- شكك في إيه ؟
- كنت شاكك بوجود لغز في اختفاء فاتن من الحي وبين مقاطعتك انت لموضوع الجواز .
قال علاء:
- ماهو دا اللي انا كنت معتقد فيه من زمان.. انها خانتني.. لكن اخلاقي بقى منعتني احكيلك ولا اقول باللي شوفته بعيني.. لكن اللي حكاه عصام دلوقتي وتأكيد فجر على كلامه..قلب كل الموازين معايا.. وانا بقلبها في دmاغي ومش عارف اتأكد ازاي انا كمان واعرف الحقيقة.
- طب ما انت قولت انك هاتدور على البـ.ـنت الخدامة .
- حصل ياحسين.. بس انا مش عارف اسال مين غير سعد اللي لخبط الدنيا معايا وقالي انه مايعرفهاش ولا حتى تبقى قريبته زي ما انا كنت فاهم..
- وانت صدقته؟
- نعم!
- بقولك ياعلاء.. انت صدقت ان سعد ما يعرفش البـ.ـنت؟
- تقصد آيه
مال براسه وضاقت عيناه بتفكير وهو ينظر لأخيه مستفسرًا قبل ان يسأله بتوجس:
- تقصد إيه؟
اعتدل حسين في جلسته وهو يمط شفتاه واهتزت كتيفيه وقال:
- اقصد ان سعد ده اكيد بيكـ.ـدب ومش بعيد يكون عارف كمان بمكان البـ.ـنت وبيداري؟
ساله بعدm استيعاب: 
- ليه يعني؟ وايه اللي،هايخليه يداري في حاجة مهمة زي دي وتهم صاحبه؟ 
تكلم حسين بلهجة غامضة:
- بصراحة انا مش عارف ليه عشان اجاوبك.. بس برضوا مش مصدقه؟
- طب ليه يابني؟ مـ.ـا.تفهمني اللي في دmاغك عشان اعرف.
اقترب برأسه من اخيه محدقًا بعيناه وقال:
- عشان مش واثق فيه ياعلاء.. وعايزك انت كمان تفتح عنيك معاه.. سعد اللي انت شايفه دلوقتي غير سعد بتاع زمان.. سعد مبقاش صاحبك الضعيف اللي انت كنت بتدافع عنه ياعلاء من عنف العيال الصيع في الشارع.. سعد بقى واحد تاني وانت نفسك مـ.ـا.تعرفوش .
سهم لبعض اللحظات مفكرًا في كلمـ.ـا.ت اخيه المفاجاة ثم ما لبث ان قطع صمته قائلًا باستنكار:
- ياااحسين ياااحبيبي.. انا عايزك تجاوبني بالمنطق مش عشان يعني سعد اتقدm لخطيبتك الاول فانت هاتشك بقى فيه وتشوفه بنظرة تانية.. يابني بالاش تتحامل.....
قاطعه بحدة:
- افهمني ياعلاء بقى وبلاش تقفل عيونك... دا انت بنفسك قولت ان الخيانة حصلت من حد قريب انت وعصام ويعرف بحكايتك مع فاتن.
انتفض عن تخته واقفًا وهو لم يحتمل الفكرة فهتف باعتراض:
- لا ياحسين .. انت كدة فرطت منك اوي.. اللي انت بتقوله دا كلام خطير وتطير فيه رقاب .
نهض هو الاَخر يقابله وقال بهدوء لا يناسب العاصفة الهوجاء في عين أخيه:
- انا بقولك على اللي بفكر فيه ياعلاء .
لوح بيده كإشارة بالتوقف:
- طب خلاص خلاص.. شيل من مخك الموضوع دا خالص وانا هابقى اشوف لى صرفة في موضوع البـ.ـنت الخدامة ده.. ااانت اتعشيت ولاا هاتتعشى معايا انا ووالدتك؟
خرج سؤاله الاَخير باضطراب شعر بهِ حسين فاشفق عليه وقال مغيرًا دفة الحديث:
- لا ياسيدي هاتعشى معاكم.. انا اساسًا هلكان جوع من لعب الملاهي مع شروق.. دي هدت حيلي ولا اكنها عيلة صغيرة ولقت فرصتها .
شقت ابتسامة وجه علاء المضطرب فقال بمودة:
- ربنا يخليهالك ياحسين.. انتوا الاتنين لايقين على بعض اوي وتستاهلوا كل الخير.
ربت على ذراع اخيه فقال بمؤازرة:
- وانت كمان ياحبيبي اطمن.. اكيد ربنا هايهيئلك الظروف وتنول اللي بتحبها.
ساله ببلاهة:
- تقصد مين؟
تبسم حسين فغمز بعينهِ وهو يتحرك لخارج الغرفة 
فقال بمكر وهو ممسك بمقبض الباب:
- قصدي اللي بالك فيها ياابوعلاء.. ولا إيه؟
ختم بضحكة كبيرة وهو خارج.. اما علاء فتعرق واضطرب كأنه عاد مراهقًا صغيرًا في السابعة عشر من عمره.. 
...........................
خرج من غرفته بعد ان اخذ حمامًا دافئًا انعشه وارتدى ملابس نظيفة غير ملابس العمل تلك .. وجد والدته جالسة ارضًا ومعها شقيقته لبنى وابـ.ـنتها يتناولان معها الطعام على مائدة صغيرة ومستديرة( الطبلية) تمتم بروتينية وهو يمشط شعر رأسه بيده:
- مساء الخير .
ردت لبنى بحماس وهي تضع ملعقة الارز بفمها:
- مساء الفل ياخويا.. تعالى كل معانا الاكل سخن وطعمه حلو قوي .
سبقته نشوى بردها:
- سيبيه يا لبنى احسن يقولك نفسي مسدودة زي ما بيعمل معايا كل يوم .
تحركت عيناه ناحية المائدة ومع عليها من اصنافًا شهية فاصدرت امعاءه الخاوية اصوتًها طلبًا للطعام..تمتم وهو يفترش الأرض معهم :
- لا انا هاكل معاكم اصل انا جعان.. ازيك يابت يامروة.
ردت الطفلة بعتب طفولي:
- توك ما افتكرت ياخالي؟ دا انا قاعدة هنا من الصبح وانت لما دخلت ندهت عليك وانت ولا اكنك شوفتني ولاحتى عبرتني .
دفعها بكفه على رأسها بمزاح:
- العتب عالنظر يااختي.. المرة الجاية هابقى اَخد بالي.
تسامرا أربعتهم ببعض الاحاديث المختلفة وهم يتناولون طعامهم حتى قربوا على الانتهاء فقالت لبنى وهي تهم برفع اطباق الطعام :
- الحمد لله.. اكلة حلوة اوى يامّا. ربنا ما يحرمنيش منك .
ردت نشوى وهي تمسح يدها بطرحتها القماش:
- بالهنا والشفا ياحبيبتى.. ما يطرح مايسري يمري.. انا هاقوم اعملك كوبايتين شاي نحبس بيهم.
هتفت لبنى على ابـ.ـنتها موبخة:
- مـ.ـا.تبس يابـ.ـنت انتي وقولي الحمد لله.. انتى هاتقعدي اليوم كله تاكلي؟ قومي يازفته هاتبقي زي الدبة .
نهضت الطفلة عن طعامها ممتعضة فخاطب سعد شقيقته وهو يهم لينهض هو الاَخر:
- مـ.ـا.تسيبيها تاكل.. هي كل يوم هاتكل لحمة؟
مصمصت لبنى بشفتيها قائلة:
- اهي حظها منيل زي حظ امها اللي اتجوزت واحد فالح بس يشرب البرشام ويبيعه وفي النهاية بقى رد سجون.. وناس تانية محظوظة بقى ربنا فتحها عليهم من وسعها وبقوا هوانم كمان .
ضيق عيناه متسائلًا :
-قصدك مين يعني؟
- قصدي على نيرمين ياحبيبي.. اللي شافتني وانا داخلة الحارة ولا اكنها تعرفني.. نسيت صاحبتها وايام الشغل في المصنع قليلة الاصل .
نهضت وهي ترفع بعض الاطباق وتابعت :
- هي زهزهت معاها وانا وامينة الدنيا جات علينا بزيادة.
جذبها من ذراعها يوقفها بعنف:
- هو انتي لسة بتكلميها البت دي؟اتمليتي عليها فين تاني الله يخرب بيتك؟
ردت بعتاب:
- يعني هاكون شفتها فيه يعني ؟ ما انا قطعت علاقتي بيها من زمان زي انت ما امرت .. لكن بقى جوزها طلع يبقى زميل جوزي في السـ.ـجـ.ـن وانا وهي اتقابلنا في الزيارت ورجعنا اصحاب زي زمان.
جز على اسنانه وهو يضغط على مرفقها بعنف:
- البت دي لو ما بعدتيش عنها ولا لمت هي نفسها عنك انا هايبقى ليا صرفة معاها .
نزعت يدها وهي تهتف بوجهه:
- امـ.ـو.ت واعرف ايه مخليك كارها انت بالشكل ده؟ ومخليها هي تدعي عليك ليل ونهار وبرضك مارضياش تقولي السبب؟
رفع قبضته المضمومة امام وجهها قائلًا بتحذير :
- ابعدي عن البت دي وما ت عـ.ـر.فيهاش تاني يالبنى يامش هايحصل طيب.
قالت بتحدي:
- وان مابعدتش هاتمنعني من الخروج مثلًا زي زمان.. لا اصحى ياحبيبي.. انا عندي بيت وساكنة فيه لوحدي كمان.. عن اذنك بقى خليني اَخد الاطباق دي للمطبخ .
تخطته وذهبت من امامه تتجاهل غضبه الذي تأجج مرة وهو يشعر بقرب انهيار المعبد على راسه.. مسح بكفه على شعره يكاد ان يقــ,تــلعه من منبته.. يبتغي الوصول لحلٍ سريع لإعادة سيطرته على زمام الامور كسابق عهده.
.............................
- تسلم إيدك ياست الكل..الحمام طعمه يهبل .
- كل ياحبيبي ومطرح مايسري مري .
قالتها زهيرة وهي تربت على ذراع حسين وهو يتناول معهم قطع الحمام المحمر امامه بشهية..اكمل هو بمسكنة:
- اه ياامي..دا انا وحشني اوي اكلك اللذيذ ده.. مش العك بتاع الطباخ الجديد ولا اكل المطاعم ..دا انا معدتي نشفت والنعمة.
هتف عليه علاء مستنكرًا :
- مـ.ـا.تاكل وانت ساكت ياض.. هو انت هاتحكيلنا قصة حياتك هنا؟
رد حسين بتصنع الحقد:
- طبعًا ياسيدي..ليك حق تقطم فيا على كيفك.. ما انت متمرغ في حـ.ـضـ.ـن ست الحبايب وشبعان من الاكل اللي ييفتح النفس ده ويدفي في عز الشتا.
تمتم علاء:
- يخريبت قرك ياشيخ.. دا انت الحرمان خلاك مزعج.
رنت ضحكة زهيرة النادرة فأطربت اسماع الشقيقان بسعادة وقالت:
- ربنا ما يحرمني منكم ولا من مناقرتكم انتو الاتتنن ياولاد قلبي.
امم على دعوتها علاء وتناول حسين كفها يقبلها بامتنان هو الاَخر وصمت قليلًا قبل ان يتحدث بتردد وهو يتلاعب في طبق الأرز :
- كنت عايز اقولك على حاجة ياست الكل.. بس خايف لاتزعلي .
قطبت زهيرة حاجبيها متسائلة:
- حاجة أيه بالظبط؟ قول ياحبيبي ومـ.ـا.تترددتش.
رفع انظاره ناحيتها وناحية علاء المنتظر قوله بقلق:
- بصراحة والدي كان طالب مني ان اعزم الجماعة.. اا شروق وعيلتها يعني عندنا في البيت.. فاانا كنت يعني..
قاطعته قائلة بتماسك:
- إعزمهم ياحسين دا واجب واصول ياحبيبي.
ردد خلفها علاء باستنكار:
- واجب واصول ياما! وعند نرمين؟
هدرت عليه صائحة بغضب:
- عند بيت ابوك ياعلاء مش بيتها.. وبعد عمرٍ طويل ان شاء الله هايبقى بيتك انت واخوك وعيالكم من بعدكم.
اكمل على قولها حسين:
- هو دا فعلًا الصح ياامي ودا من اهم الاسباب اللي خلتني اوافق على العزومة.. وانا من رأيي ان علاء كمان يحضر معانا دا لو ماعندكيش مانع طبعًا.
- وانا كمان!
قالها علاء باعتراض فرد حسين:
- ايوة ياعلاء.. والدي مهما رحب بالجماعة مش هايبقى زيك برضوا وانا غـ.ـصـ.ـب عني هانشغل بشروق.. وانا مش عايز حمـ.ـا.تي تضايق مني ولا ابلة فجر .
قال الاَخيرة بمكر انتبه له علاء الذي نزل بعيناه لطبقه يأكل منه بـ.ـارتباك.. فهتفت زهيرة بخبث هي الأخرى:
- حقة ياعلاء .. دي تبقي عيبة في حقنا لو اضايقوا او زعلوا ..لازم يابني تروح حتى عشان اخوك.
نظر اليها حسين بابتسامة مستترة قبل ان يلتفت لعلاء الذي تحمحم وقال برزانة:
- ماشي.. ماشي ياامي هابقى اشوف الظروف ان شاء .
............................
في اليوم التالي
خرج شاكر من شقته في موعده اليومي في الصباح حتى يلحق بعمله وبعد ان خرج من البناية وهم بالتوجه للناحية الثانية من الرصيف ليصعد باية وسيلة للمواصلات العامة تفاجأ بالنداء خلفه باسمه 
- عم شاكر ..استنى اوقف ياعم شاكر .
التف بجسده وهو يعدل نظراته فوجد علاء على مسافة قريبة منه بسيارته وهو يلوح له بيده فلوح هو الاَخر يحيه على عجل:
- ياهلًا يابني.. هو انت عايز حاجة؟ عشان بس انا مستعجل على ميعاد الشغل.
قال يدعوه:
- طيب تعالى عشان اوصلك معايا في طريقي .
رد شاكر :
- يابني مالوش لزوم انا هالحق الأتوبيس واخلص .
صفق علاء باب السيارة يتكلم بحمائية:
- طب على النعمة ماانت راكب غير عربيتي تروح بيها الشغل النهاردة.. في ايه ياعم شاكر؟ هو احنا اغراب ؟
عاد اليه شاكر يهز رأسه بيأس:
- اخ منك يامعلم علاء.. يعني هو لازم الحمقة دي؟ ماقولنا مالوش لزوم.
بعد ان اعتلى معه السيارة وانتظر قليلًا ليتحرك بالسيارة سأله شاكر:
- هو انت مستني حد يابني؟
اجابه باضطراب وعيناه في مراَة السيارة الجانبية ينظر خلفه باهتمام:
- لا طبعًا هاتحرك حالًا بس انا كنت عايز اسألك.. هي العربية لسة عطلانة؟
- اه ياعلاء مـ.ـا.تفكرنيش.. دا الميكانيكي طالب في تصليحها شئ وشويات.. انا بفكر اسيبها عنده واستعوض ربنا فيها.. دي حتى بيع مـ.ـا.تنفعش .
سأله بتردد ليكسب مزيدًا من الوقت:
- ليه بس؟ دي حتى باين عليها عربية اصيلة بدليل انها عاشت العمر دا كله معاك .
- عاشت فين بس يابني؟ دي من ساعة ماجبتها وهي مطلعة عيني.. لا انت فاكرني وارثها.. دي اشتريتها كـ.ـسر بعد ربنا مارزقني بابراهيم حكم ساعتها كان ربنا فارجها عليا والمرتب لسة بخيره وبعرف اوفر منه مش زي دلوقتي مابياخدتش معايا لنص الشهر من المصاريف اللي كترت وو.... فيه ايه ياعلاء يابني؟ هو انت عرييتك دي مش ناوية تمشي النهاردة؟
- هاا معلش ياعم شاكر.. اصل انـ.ـد.مجت مع كلامك .
- الله يرضى عنك يابني دور العربية خليني الحق ميعادي.
- حاضر ياعم شاكر حاضر
أدار المحرك بيأس لعدm رؤيتها ولكن بنظرة خاطفة للخلف عاد اليه الأمل مرة اخرى وهو يتحرك بالمقود.. فقال بتصنع المفاجأة:
- اي ده؟ دي الاَنسة فجر.. هي لسة كمان مراحتش مدرستها .
قال شاكر بلؤم وقد فطن لخطط علاء المكشوفة :
- اه صحيح دي هي.. استنى لما انده لها بقى .. بت يافجر... تعالى هنا يابـ.ـنت .
...............................
جلس على كرسيه الخشب خارج ورشته يرتشف من كوب الشاي بيد واليد الأخرى ممسكة بسيجارة..ينفث دخانها هي الأخرى في انتظار بقية العمال العاملون بالورشة والذين كانوا يأتون تباعًا.. اجفل منتبهًا على هذا الخيال الذي شعر بظله من الخلف..وصوته الاَتى يقول:
- صباح الخير يامعلم سعد .
التف اليه برأسه وجده واقفًا بأناقة بشموخ.. وضوء الشمس انعكس على بشرته البيضاء فزادته وسامة.. ..يداه الاثنتان بجيبي بنطاله..ذقنه ممدودة للأمام ونظرة غريبة منه وهو يردد:
- بقولك صباح الخير يامعلم سعد.. انت مش سامع ولا إيه؟
وضع كوبه على الطاولة ونهض مرحبًا بحبور متكلف:
- يااهلًا يااهلًا ياحسين يااخويا .. معلش بقى اصلي اتفاجأت بالزيارة الكريمة.
صافحه حسين مشـ.ـددًا:
- ليه بس ياراجـ.ـل المفاجأة ؟ دا انا حتى عريس.. وشى عادي ان اجيلك مش دي ورشتك برضوا؟
شعر سعد بغرابة السؤال ولكنه اجاب:
- ايوة طبعًا ورشتي ياحسين.. امال هايكون ورشة مين يعني؟
اومأ برأسهِ وهو يخطو نحو مدخلها فالقى نظرة لداخل الورشة قبل ان يعود بانظاره لسعد القابع مكانه باندهاش:
- الورشة اتغيرت اوي ياسعد واتطورت .. انا فاكر اما كنت بلعب في الشارع هنا زمان.. كانت يدوب لتصليح الشبايبك والكراسي وبعض الحاجات الخشب الخفيفة.. لكن دلوقتي بقى بتجهز عرايس زي ما انا شايف اهو .. الله يفكره بالخير بقى الراجـ.ـل الغلبان.
سأله بتجهم:
- راجـ.ـل مين الغلبان؟
اجاب حسين :
- عم بدر الصعيدي ياسعد.. مش برضوا هو كان صاحب الورشة دي في الاول.. قبل انت ما ربنا يفتحها عليك وتاخدها منه وتكبرها بقدرة قادر .
شـ.ـدد على حروف الاَخيرة قبل ان يستأذن بغموض:
- عن اذنك بقى ياسعد اصلي متأخر على شغلي .. ابقى اجيلك وقت تاني بقى عشان اتفرج على شغل الورشة ويمكن اختار ولا تعجبني حاجة منهم .. سلام بقى .
قالها واستأذن وظل سعد على وضعه متسمرًا بمكانه لعدة لحظات وهو ينظر الى ظهره حتى اختفى من امامه تمامًا.. لا يدري سر هذه الزيارة الغريبة ولايدري غرض حسين الحقيقي منها .
...........................
جالسة بنفس محلها كالمرة السابقة بالمقعد الخلفي للسيارة بعد ان اوصل والدها لمقر عمله ولكن شتان بين المرتين.. في الاولى كانت تزفر بضيق وتعُد الدقائق حتى تخرج من السيارة بعد ان دلفت اليها مضطرة.. اما الاَن فهي تشعر بالارتباك والتـ.ـو.تر ولا تعلم السبب.. ونظراته تلاحقها منذ ان جلست بالسيارة حتى رغم وجود والدها بالمقعد الامامي قبل ان يتركها معه وينصرف هو الى عمله.. اخرجها من شرودها وهو يسألها :
- اخبـ.ـار ابراهيم إيه يا ابلة فجر؟
اجابت بخفوت وخجل تعجبت هي له:
- كويس والحمد لله.. امبـ.ـارح الدكتور طمن والدي ووالدتي عليه.
اومأ براسه:
- طب الحمد لله.. انا امبـ.ـارح مقدرتش اشوفه عشان بس كنت مشغول في موضوع كدة .
اومأت هي ايضًا برأسها قبل ان تساله باهتمام :
- عرفت حاجة عن البـ.ـنت الخدامة .
هز برأسه نافيًا :
- للأسف لسة.. بس اديني بسال وان شاء الله هابقى اعرف 
مطت شفتيها بيأس فلحقها هو قائلًا :
- مـ.ـا.تقلقيش اكيد ليها حل يافجر .
اعجبها سماع اسمها منه دون ابلة فنفضت الفكرة عن رأسها وهي ترد:
- انا مش قلقانة ..عشان عارفة ان ربنا اكيد هايظهر الحق .. ومدام الخيوط بقى تفك اولها يبقى هاتكر البقية بإذن الله .
التفت عن الطريق ينظر اليها بابتسامة رائعة اربكتها :
- فعلًا يافجر عندك حق.. مدام ربنا اظهر جزء من الحقيقة.
تتهادى بخطواتها الرقيقة وهي تقطع طرقات المدرسة و كأنها منفصلة عن الواقع .. تتلقى التحية من زملاءها وبعض الطالبات.. فتومئ اليهم برأسها وعقلها يدور في حيرة تتملكها منذ ايام.. مشاعر غريبة بدأت تنبت بداخلها تجاه شخص كان منذ فترة طويلة من عمرها .. تشمئز كُرها بمجرد ذكر اسمه.. لا تعلم ولا تجد تفسير لهذا الارتباك الذي تشعر به اثناء وجوده.. والسؤال المُلح هو.. هل من الممكن ان يحدث؟
تنهدت بثقل وهي تدلف لداخل غرفة المدرسات وهي تجزم بداخلها ان الايام كفيلة لتعلم حقيقة مـ.ـا.تشعر به تجاهه
القت التحية على اثتنان منهم جالسات بركنٍ وحدهم يتحادثن ويضحكن كعادتهن فاقتربت من سحر وهي جالسة وحدها في اخر الغرفة.. مريحة وجنتها على كف يدها المفتوحة وهي مستندة بمرفقها على طاولة المكتب واليد الأخرى ترسم بالقلم دوائر في الصفحة الفارغة للدفتر .. القت هي حقيبتها لتجلس على المقعد امامها و تحدثها بقلق:
- صباح الخير .. حاطة ايدك على خدك ليه ياحلوة؟
ردت بفتور وهي على نفس وضعها:
- صباح الخير يافجر .. عادي يعني 
قطبت حاجبيها بحيرة تسألها :
- عادي يعني!! في ايه ياسحر قلقتيني بجد؟ هو العريس زعلك ولا ايه؟قولي يابـ.ـنتي وانا اعرفك مقامه .
بشبه ابتسامة اعتدلت في جلستها قبل ان ترد عليها:
- لا ياستي العريس مزعلنيش ولا حاجة.. دا انا اللي فقرية لوحدي وبوز نكد .
سألتها بذهول:
- بوز نكد!! انتِ ليه بتقولي على نفسك كدة ياسحر؟ هو ايه اللي حصل ؟
زفرت سحر قبل ان تلقي نظرة نحو زميلاتها في الطرف الاَخر لغرفتها..فاطمأنت لانشغالهم في الحديث والضحكات فقالت بتردد:
- هو انا وحشة يافجر ولا شكلي كبير عن سني؟
اسرعت فجر للنفي بقلق :
- لا ياحبيبتي ولا اي حاجة من دول.. يابـ.ـنتي ليه بتقولي كدة؟
تنهدت بعمق قبل ان ترد:
- عشان هو دا اللي مزعلني يافجر.. انا من ساعة ما اتخطبت لرمزي وشايفة نظرات الناس ليا واكني خدت حاجة مش من حقي.. شايفينه هو صغير وانا كبيرة رغم اننا مقاربين لبعض في السن وبالعكس بقى هو اكبر مني بسنة.. انا طول عمري بشوف نفسي حلوة يافجر.. لكن من ساعة ما اتخطبت لرمزي بقيت اشوف نفسي ناقصة ولا وحشة من نظرات الناس اللي مستكتراه عليا.. انا شوفت النظرات دي في البلد هناك وكبرت مخي عشان مجتمع ريفي.. لكن هنا في المدينة لقيته افظع من تلمحيات الجيران ولا حقد بعض المدرسات الزملة اللي بشوفه بشكل واضح في عيونهم.. ولا الطالبات اللي كان بيتمايعوا ويتمايصوا قدامه يوم ماجاه معايا المدرسة واكنهم بيقنعوه يسيب مدرستهم القرشانة ويتجوز واحدة صغيرة منهم .
ربتت فجر على كفها فقالت بإشفاق:
- مـ.ـا.تحسيش حد من الناس دي ياسحر وتتعبي نفسك.. محدش ببيحب الخير لحد.. ونظرة الحقد والحسد هاتلاقيها في اي حتى تروحيها.. خليكي واثقة في نفسك وخلي حب رمزي ليكي سلاح تواجهي بيه اي حد من الناس دي .
قالت بتشكك:
- تفتكري رمزي هايستمر بجد في حبه ده ولا هايرجع في كلامه من تلميحات الناس ونظراتهم؟
ردت فجر بابتسامة مشرقة:
- افتكر وافتكر قوي كمان.. انا من ساعة ما شوفته المرة اللي فاتت وانا قلبي حس بحبه وتعلقه بيكي من اول نظرة
همست سحر بتمني :
- يارب يافجر يطلع كلامك صح وما انصدmش فيه هو كمان .. انا قلبي خلاص مش متحمل اي حـ.ـز.ن تاني .
ضغطت فجر على كف صديقتها قائلة بدعم:
- ياحبيبتي ربنا ما يجيب حـ.ـز.ن تاني ابدًا ويتم فرحتكم بخير انتي ورمزي.
..........................
بخطوة غريبة وغير متوقعة ذهب اليه في مقر عمله عله يجد حلًا لهذه الأسئلة الملحة داخل عقله.. من وصف رجل الاستعلامـ.ـا.ت الذي ساله فور ان دلف للمشفى.. يبدوا انه اقترب .. توقف بوسط الرواق كي يسأل عامل النظافة والذي اخبره بإكمال طريقه  وسيجد.المكتب امامه من جهة اليمين .. حينما وصل واخبر سكرتير مكتبه لم يتأخر الرجل عنه ثواني حينما داخل مكتب مديره.. وبعدها خرج مهرولًا يخبره ان المدير في انتظاره.. 
وبداخل المكتب و بعد ان استقبله عصام بترحابٍ شـ.ـديد وجلس هو مقابله على كرسي المكتب ألأمامي.. تكلم علاء بجمود :
- انا عارف انك مستغرب جيتي المفاجاة دي بس انا ...
- مش مهم السبب ياعلاء.. المهم انك جيت .
قالها عصام بمقاطعة ولهفة جعلت علاء يهز رأسه بحركة غير مفهومة قبل ان يرد :
- لو سمحت عشان نبقى واضحين ..مش معنى ان جيت يبقى  خلاص انا صدقت .
رد عصام بحماس :
-  والله عارف كل كلامك .. بس انا فرحان انك ابتديت تسجيب وتسمعني ودي في حد ذاتها خطوة كبيرة وانا كنت بحلم بيها من زمان .
حدق اليه علاء لبعض اللحظات صامتًا تذكر فيها ايام الصداقة القديمة ولكنه اجلى الفكرة عن رأسه فورًا فتكلم بجدية :
- انا كنت عايز أسالك عن البـ.ـنت الخدامة.. انت كنت تعرف لها قرايب او عنوان عشان اسال عنه؟
هز برأسه نافيًا بإحباط :
- للأسف ياعلاء .. البـ.ـنت اختفت نهائي بعد الموضوع ده.. دورت عليها بكل السبل ومعرفتش اعثر عليها .. لأني مكنتش اعرف عنها حاجة غير انها من طرف سعد .. إللي لما سألته هو كمان انكر قرابته ليها وقالي انها مجرد معرفة رغم انه لما جابها وصاني عليها ولا اكنها واحدة من قرايبه؟
همس علاء بصوتٍ خفيض بحيرة :
- تاني برضوا ياسعد.. وبعدين بقى.
اجفله عصام وهو يسأله:
- عاملة إيه الاَنسة فجر؟ وإيه اخبـ.ـارها .
توحشت ملامح وجه علاء وهو يرد عليه بفظاظة:
- وانت مالك بفجر ؟ تعرفها منين عشان تسأل عليها؟
رد عصام بابتسامة مستترة:
- عادي يعني لما اسأل عليها.. مش هي كانت حاضرة معانا في ساعة الكلام.. يعني بقت طرف في الموضوع.
كشر علاء وهو يرد بصوتٍ خشن :
- لا بقى هي مش طرف عشان تسأل عليها ولا تكلمها.. وكلامك يبقى معايا انا وبس.. دا لو في كلام .. سلام بقى 
قال الاَخيرة وهو ينهض تاركًا عصام ينظر في اثره بدهشة مع ابتسامة جميلة وكأنه استعاد صديقه القديم .   
............................
وفي المساء 
وبداخل منزل ادهم المصري كانت الاسرتان مجتمعتان على مائدة سفرة طويلة.. تراصت عليها مجموعة كبيرة من اشهى والذ الاطعمة.. ادهم كان على رأس السفرة وعلى جانبه الايمن كانت زوجته نيرمين واولاده علاء وحسين وفي الجانب الاَخر كان شاكر وزوجته سميرة وبناتها فجر وشروق وأصغر الابناء ابراهيم الذي كان جالسًا مقابل علاء الذي كان يغدق عليها باهتمامه.. اما ادهم فكان يوزع اهتمامه على شاكر وأسرته بشكلٍ مبالغ فيه.. حتى انه نسي هو ان يتناول طعامه لولا شاكر الذي هتف عليه بتحذير :
- والله ياحج ادهم لو ماكنت تاكل قدامي ماهاحط لقمة في بوقي لا انا ولا الاولاد .
زمجر ادهم رافضًا وهو يجلس على مقعده:
- وايه لزوم الحلفان بس ياشاكر؟
رد شاكر متشـ.ـدقًا:
- امال يعني عايزني اقولك ايه بس وانت عمال تضايف فينا وناسي نفسك من غير مـ.ـا.تحط في جوفك لقمة؟ في إيه ياراجـ.ـل؟ هو احنا ضيوف؟ دا احنا نسايب واهل في بعضاينا.
رد ادهم بابتسامة ومودة :
- واكتر من اهل كمان.. ربنا يديم المحبة مابينا .
تبادل حسين واخيه الأبتسامة بـ.ـارتياح من موقف ابيهم وفعله المشرف مع اهل عروسه قبل ان يعود بنظرات عشقه اليها.. ومن نفس الجهة كان علاء الذي لم يرفع عيناه عن محبوبته التي كانت تتناول طعامها بهذا الارتباك الذي اصبح مصاحبها طوال جلستها امامه وهي شاعرة بنظراته المسلطة عليها ..كل هذا امام نيرمين التي تبتلع طعامه بصعوبة وهي ترى علاء المصري بجلالة قدره والذي جعلها تدور حول نفسها مررًا حتى تحظى بنظرة صغيرة منه وفشلت.. هو الاَن يحدق بهيام مراهق صغير نحو هذه الفتاة العادية الجمال.. او حتى لو كانت جميلة..فماذا تفرق عن غيرها ومالذي يميزها كي تأسر قلب هذا الوحش .
افاقت من شردوها على صوت أدهم وهو يسألهم :
- ها ياجماعة يارب يكون الاكل عجبكم.. ايه رايك في الاكل ياست سميرة؟ بما انك الخبيرة وسطينا .
ردت سميرة بابتسامة:
- ماشاء الله ياابوعلاء ..السفرة شكلها يفرح باللي عليها ولكن دا من صنع ايديكي يامدام نيرمين ؟
اجفلت نيرمين من سؤالها المباغت قبل ان تتلبسها العنجهية فقالت بتفاخر :
- لا في الحقيقة ياست سميرة.. انا مابطبخش بآيدي خالص ..الحاجات دي كلها بإيد الطباخ .
جز علاء فكه منها وهو يكتم غضبه ولكنه تفاجأ من رد سميرة التي خاطبتها بمكر :
- اه ياحبيبتي يعني انتي مابتطبخيش بإيدك.. طب حتى لو كان كدة يابـ.ـنتي.. برضوا لازم تقفي،على راسه تشرفي وتراعي بنفسك عشان تطمني.. يعني مثلًا انا لاحظت ان معظم الاكل هنا ملحه زايد ودي حاجة مش كويسة على صحة جوزك .. دا غير ان في حاجات كتير هنا الطباخ اهتم فيها بالمظهر والشكل لكن الطعم مش بنفس الحلاوة.
بهتت نيرمين وهي لاتجد مـ.ـا.ترد به على تدخل سميرة السافر وتلميحاتها الغير مقبولة..التفتت لأدهم لتسبين رد فعله ولكنها وجدته يأكل غير عابئ ونفس الأمر مع الجميع .. واكملت سميرة.
- حقة ياابوعلاء ..زهيرة امبـ.ـارح بعتتلي طبق محشي على الغدا.. كنت هاكل صوابعي وراه انا والولاد.. دا غير نفسها كمان في الحلويات.. ماقولكش .
اغمض أدهم عيناه بألم وكأن رائحة طعام زوجته اتت اليه من الماضي فقال باشتياق :
- انتي هاتقوليلي على اكلها؟ ما انا عارفة وحافظه كمان . اخخخ.
لكز شاكر من تحت المنضدة بقدmه ساق زوجته بأعين محذرة حتى تكف على الكلام ولكن الرد جاء من حسين الذي اردف هو الاَخر بخبث:
- عندك حق ياخالتي سميرة.. دا من ساعة مااتعشيت عندها اول امبـ.ـارح وانا حاسس بطعم الحمام المحشي بتاعها لسة في بقي من كتر حلاوته.. طب تصدقي انا حاسس اني لسه شامم ريحته .
تدخل شاكر بمزاح بعد ان لاحظ تأثر ادهم من حديثهم :
- لا بقى دي فرطت منك ياحسين .. عشان الحمام هنا قدامك عالسفرة ياحبيبي.. يعني شئ طبيعي تشم الريحة.
- بجد ياعم شاكر.. تصدق نسيت هههه
قالها حسين وانطلقت الضحكات ليسود المرح على الجميع عدا نيرمين التي كانت تغلي من الغـ.ـيظ.. ولا تجد من يشاركها وكأنهم جميعًا اتفقوا على اهانتها .
بعد انتهاءهم من وجبة الطعام أخذهم أدهم مع ابنائه الأثنان بجولة داخل البيت حتى انه عرفهم على شقة في الطابق الثاني والتي ستكون خاصة بحسين وشروق بعد الزواج ..والتشطيبات التي تسير فيها على قدmٍ وثاق للأنتهاء منها خلال الشهور المتبقية للسنة الاَخيرة في دراسة شروق.. على أن يتم الزفاف فور انتهائها من الاختبـ.ـارات الاَخيرة.. بعد ذلك دعاهم لشرب الشاي في حديقة منزله الخلفية.. خرج معه الجميع عدا فجر التي تسمرت مذهولة امام صورة اسرية معلقة بوسط بهو المنزل الكبير.. ضمت الصورة العم ادهم وهو اصغر من ذلك بسنواتٍ طويلة.. واقفًا بزهو وسعادة محاوطًا بكفه على جسد علاء الصغير وهو يشبهه في الوقفة والتفاصيل الجسديه والكف الاخرى وضعها على كتف زوجته الجميلة زهيرة وهي تحمل ابنها حسين وهو يشببها كثيرًا في طفولته بعيناه الخضروان وبشرته البيضاء.. تظهر الصورة مدى سعادة الأسرة وترابطها ومعبرة عن شخصياتهم الحقيقية دون تزيف.
- عجبتك الصورة؟
انتفضت مجفلة على صوته الذي اتي فجاة خلفها.. فأكمل وهو يتقدm إليها بخطواته حتى اصبح بجوارها:
- معلش ان كنت خضيتك.. بس انا استغربت يعني لما لقيتك مخرجتيش معانا برة في الجنينة واما رجعت شوفتك واقفة متسمرة قدام الصورة .
ردت بابتسامة خفيفة ومحرجة:
- لا ولايهمك.. بس بصراحة ان الصورة شـ.ـدتني اوي.. وغـ.ـصـ.ـب عني،لقتني واقفة متنحة قدامها
تبسم علاء وقال بحنين:
- انا كان عمري وقتها عشر سنين وحسين كان عمره ساعتها اربعة.. ابويا في يومها بقى كان واخدنا زيارة لمولد السيدة ودخلنا الاستديو ده عشان نتصور وتبقى ذكرة .
قالت هي:
- الصورة جميلة.. بس اللى تجنن فيها بجد خالتي زهيرة.. ماشاء الله عليها دي كانت قمر .
مط شفتيه وقال:
- هي فعلًا كانت قمر ومازالت.. بس انا بسبب الصورة دي عملت اول خناقة في حياتي وروحت فيها القسم .
اللتفتت اليه مرتعبة تسأله:
- يانهار ابيض.. ليه بقى؟
اجابها :
- عشان في يوميها انا كنت راجع من الدرس ورايح استلم الصور من صاحب الاستديو.. بس ابن العبـ.ـيـ.ـطة بقى كان بيطلع في الصور قدامي ويبص بوقاحة.. لحد اما عاكس صورة امي قدامي وانا بقى الدm غلي في نفوخي قومت مكـ.ـسر كاميرة التصوير فوق دmاغه.. وبعدها روحنا القسم وابويا دفع تمنها وعملنا مع الراجـ.ـل محضر صلح .. ولولا كدة كنت هاتحبس .
كانت فاغرة فاهها وهي تستمع له حتى سالته بذهول :
- يانهار ابيض.. على كدة بقى عمي ادهم ضـ.ـر.بك هو كمان بعدها ولا عـ.ـا.قبك؟
تبسم بتفاخر رجولي :
- بالعكس بقى دا فرح بيا اوي عشان طلعت راجـ.ـل ومااتحملتش على امي كلمة .
سالته بفضول :
- هو قال ايه على خالتي زهيرة وخلاك اتعصبت كدة؟
تحمحم بحرج قبل ان يجيبها بتردد:
- ااا..قالي انها حلوة .
- يعني ايه؟
قالتها بعدm فهم لبعض الثواني قبل ان تأتي براسها فقالت بمرح :
- قالك ماما حلوة؟
اومأ بعيناه وهو يدير راسهِ عنها بحرج ولكنها اعادها فور ان سمع ضحكتها التى صدحت في ارجاء البيت الكبير بصوت عالي قبل ان تحاول كتم فمها بكفها.. حدق بها عن قرب يرسم تفاصيل وجهها الجميل وهي لا تستطيع التوقف عن الضحك.. بشقاوة لم يرها عليها قبل ذلك.. حتى اصابته هو ايضًا العدوى.. فشاركها الضحك على حرج بسعادة يتراقص لها قلبه .
لبضع لحظات ظلوا غير قادرين عن التوقف هما الاثنان .. غافلين عن زوج عينان بنيتان تراقبهم من مسافة قريبة.. تتأكل من الغـ.ـيظ.. انسحبت حتى لا تفتعل معهم فـ.ـضـ.ـيحة ويذهب كل تعبها وشقائها هباءًا.. دلفت لداخل غرفتها وهي تقبض وتفتح على كفها حتى تستطيع السيطرة على هذه النيران المشتعلة بداخلها.. ضـ.ـر.بت بكفيها بعنف على تسريحة مراَتها وهي تنظر لوجهها المحتقن بالغضب المكتوم وصدرها يصعد ويهبط بسرعة من فرط انفعالها ونيرانها ..حتى اخرجها صوت الهاتف ينبأها بمكالمة واردة ..فور ان رأت الاسم فتحت ترد بغضب :
- نعم عايز انت كمان؟ ومتصل ليه في الوقت ده اساسًا؟
وصلها صوته المتهكم :
- صوتك متغير ليه يابرنسيسة؟ هو انتِ مش مبسوطة مع ضيوف الهنا؟
قالت وهي تجز على اسنانها:
- والنبي ياشيخ وحياة الغالين عندك.. ارحمني من اسلولك المستفز ده.. انا فيا اللي،مكافيني.. هلاقيها منك انا ولا من جوز المضاريب اللي سيطروا على عقول الشباب وخلوهم زي الخواتم في صوابعهم .
سألها باهتمام :
- تقصدي مين يانرمين بكلامك ده؟
ردت هاتفة بصوتٍ خفيض:
- اقصد الزفتة خطيبة حسين والحية اختها اللي لفت المعلم علاء وبقى عامل قصادها زي العيل الصغير.
- تقصدي فجر يانرمين ؟
- ايوة زفتة ياسيدي.. اقفل والنبي انا مش متحملة. اقفل ينوبك ثواب .
في الناحية الأخر اغلق معها المكالمة وهو ينفث دخان الشيشية عاليًا في الهواء و يردد بانتشاء :
- يعني الحكاية فيها فجر.. وانا اقول القديم بيتحفر فيه ليه ؟ اممم .. كدة بقى اكيد ليها حل!
.............................
بعد ان هدأت ضحكاتهم اكمل هو بتأثر وهو يحدق معها بالصورة:
- انا امي غلبانة اوي يافجر ..على قد جمالها دا كله لكن عمرها ما اتكبرت ولا شافت نفسها على ابويا.. بالعكس كمان دي من ساعة ماجابها من بلدها اللي في الأرياف وهي تحت رجله وبتخدmه وتقريبًا نست بلدها من قلة المرواح هناك بعد ابوها ما مـ.ـا.ت وبقت عيلتها هي كل دنيتها لكن بقى المرض كـ.ـسرها وهدها واثر كمان على جمالها..
ردت بسرعة:
- لا طبعًا المرض مأثرش على جمالها ..خالتي زهيرة لساها زي القمر وتجنن كمان.
- ت عـ.ـر.في انك شبها .
- نعم!!
قالتها وكأنها تتأكد من صدق ماسمعته، فكرر هو جملته ونظرة دافئة من عيناه أسرت عيناها بصدقها:
- بقولك يافجر.. انك تشبهي والدتي في حاجات كتير. اوي .
رفرفت بروموشها تحدق بهِ مذهولة وهي لا تستوعب جملته ولا تعرف سببها او معناها فسألته باستفسار:
- يعني إيه بقى اشبه والدتك في حاجات كتير؟
تنفس بعمق وهو ينظر الى عيناها بهذا القرب قبل ان يجيبها فوضع يدًا في جيب بنطاله والأخرى رفعها امامها ليشير لها بأصابع يده وكانه سيشرح لها معلومـ.ـا.ت مهمة غائبة عنها:
- شوفي ياستي.. بغض النظر عن انك تشبهي والدتي،في عزة النفس والتواضع والرقة كمان.. دا بقى في المميزات الشخصية.. اما بقى في الصفات.. فانت عليكي ضحكة زي اللي خرجت دلوقتي على قد روعتها وندرتها لما باسمعها من والدتي، فانا ببقى بشتاقلها ولا هلال العيد ..
احمرت وجنتاها خجلًا فاأسبلت عيناها في الارض حرجًا ولكنها رفعتها فجأة حينما سمعت وصفه الثاني:
- دا غير الغمزة بقى.
سألته مندهشة:
- غمزة ايه؟ انا ماعنديش غمازات .
رد بثقة:
- لا عندك.. لما بتضحكي من قلبك بتظهر واحدة في الناحية الشمال من وشك .
توسعت عيناها بذهول متزايد من معرفته الدقيقة لتفاصيل صغيرة عنها.. هي نفسها غافلة عنها:
- يعني كمان الغمزة الخفيفة دي في خالتي .
ضحك بمرح قائلًا :
- لا بصراحة انا امي معندهاش غمزات بس دي كانت ملحوظة انا خدت بالي منها وحبيت اعرفك بيها .
دبت بقدmها على الارض غـ.ـيظًا تشيح بوجهها عنه حتى لا يرى ابتسامة ملحة على وجهها .. تابع هو بتسلي وهو يلاحق وجهها:
- بس دا ماييمنعش انك زي القمر وكتكوتة كدة زيها وعينيكي بقا... 
لفت رأسها بانتباه حينما ذكر عيناها..فاأردف هو بصوتٍ دافئ:
- عنيكي دي من اول مرة انا شوفتهم فيها عن قرب ودا كان في شقتنا لو تفتكري الموقف اللي اتعصبتي عليا فيه.. لما بصيت فيهم يافجر حسيت كأنهم بحر وانا غرقت فيه او كإني اعرفهم من زمان من قبل حتى ما اتولد.. او كأنهم وطن وحسيت فيه بالامان .. شوفت في عيونك أني لقيت نفسي او لقيت عنواني اللي كنت بدور عليه بقالي زمن طويل.. في عيونك راحة قلبي اشتاقلها من سنين طويلة.. طويلة اوي يافجر .
توقف عن الكلام وهو يحدق بها وهي كانت غير قادرة عن النطق مأسورة او مسحورة من كلمـ.ـا.ته المفاجاة.. تبادله النظر ايضًا ولكن بحيرة.. فكان الصمت هو سيد الموقف بينهم.. حتى استفاق الاثنان على صوت نيرمين التي عادت من غرفتها اليهم فلم تتحمل اكثر من ذلك .
- هاتفضلوا واقفين مكانكم كدة كتير .
التفت اليها الإثنان مجفلان من حدتها فتابعت بلهجة اخف كي لاتفضح نفسها:
- اقصد يعني ان الشاي برد واحنا مستنينكم برة في الجنينة .
استدركت نفسها فجر فتحركت لتخرج على الفور.. أما علاء فاحتدت عيناه نحو نيرمين التي بادلته النظر بتحدي واشتياقٍ تفضحه حركة جسدها الذي يهتز أمامه.. عض على باطن وجنته يكتم غضبه قبل ان يطرق بعيناه ارضًا يستغفر ربه ثم انسحب للخارج خلف فجر وتركها هي في البهو وحدها .
..........................
خرجت فجر لداخل الحديقة الخلفية.. لتجد والدتها واباها واخيها إبراهيم على طاولة كبيرو تضمهم مع العم أدهم المصري الذي كان مستفردًا بشاكر في جانب،وحدهم يتسامران بالضحك والاصوت العالية وكانهم على معرفة قديمة ببعض.. بمجرد اقترابها منهم سألتها والدتها :
- كنتي فين الوقت دا كله يافجر؟
ازاحت فجر كرسي بلاستيكي لتجلس عليه بجوارها..قبل ان تجيبها وهي تجاهد لتداري ارتباكها وتـ.ـو.ترها من كلمـ.ـا.ت علاء التي احدثت زلازل بداخلها:
- ما انااا دخلت الحمام ياماما.. ظبطت نفسي كدة شوية فيه .
- ظبطتي ايه بالظبط؟ انا مش شايفة اختلاف يعني .
قالتها سميرة بتشكك.. فتناولت فجر طبق من الحلويات لتنكفئ تأكل فيه بشراهة غير معتادة.. دون ان ترد عليها فهى كانت في حالة لا تسمح لها بالمزيد من الأحاديث.. همت سميرة لتسألهأ مرة اخرى بتصميم ولكنها توقفت حينما رأت علاء وهو يقترب منهم ايضًا.. فانتقلت عيناها اليهم بتشكك صامت..ازداد اكثر حينما رات رد فعل ابـ.ـنتها وهي تدعي التجاهل وعدm النظر اليه رغم جلوسه الصاخب بالمرح بجوارهم ومناكفته لإبراهيم ومداعبته.
رفعت فجأة رأسها تسال والدتها:
- هما حسين وشروق فين ياماما؟ مش شايفاهم يعني؟
ردت سميرة على سؤالها بمغزى:
- حسين ياختي واخد شروق يفرجها على بقية الجنينة والأشجار اللي فيها.. خطاب بقى ويحقلهم يبعدوا عننا ويحكوا براحتهم .
شعرت فجر بعدm الإرتياح من إجابة والدتها التي تبدوا بداخلها رسائل مبطنة لها.. واكتمل الشعور حينما جلست بجوارهم نيرمين التي كانت تطلق سهام نظراتها نحوها بشكل يثير التوجس والأرتياب .
...............................
وعند حسين الذي كان يحرك ببطء في ذراع ألأرجوحة الجالسة عليها شروق.. يستمتع بمشاكستها وهي تتذمر من فعله بغضب طفولي رغم هذه السعادة البادية على وجهها:
- ياعم مـ.ـا.تهزها كويس كدة بلاش غلاسة.
رد عليها بغضبٍ مصطنع:
- بقالي ساعة بمرجحك ياست هانم وفي الاَخر بتطلعيني غلس.. دا انتي فعلًا بقى معندكيش دm .
خرجت ضحكتها بصوتٍ عالي تؤيده:
- ايوة هو فعلًا كدة انا واحدة معنديش دm.. هزها بقى وحركها كويس ينوبك ثواب فيا والنبي يا أخي تعبتني.
ثبت ذراع الارجوحة يوقفها مما اثار ضيقها:
- بتوقفها ليه ياحسين حـ.ـر.ام عليك.. هو انا قولتلك وقف؟
قرب وجهه يسألها بجدية:
- هو انتي لدرجادي حبيتي المرجيحة ياشروق؟
ردت بحماس :
- مش المرجيحة بس.. الجنينة كلها من اول الاشجار الكبيرة والعالية والازهار الجميلة اللي فيها.. دي كأنها جنة يابني.. يمكن انت مش واخد بالك عشان متعود عليها.. لكن انا بقى عشان طول عمري مابشوفش قدامي غير العفار والعربيات من شباك اؤضتي او بلكونة فجر.. فانا حاسة باللي بقوله ده جدًا.. اللون الأخضر كله بيريح العين ياحسين.
مال اليها برأسه يسألها بلهجة مغوية:
- طب ايه رأيك بقى مدام انتي حبيتي الجنينة اوي كدة مـ.ـا.تيجي نقرب احنا ميعاد الفرح وليكي عليا أمرجحك كل يوم وادلعك كمان.
انطلقت ضحكتها العالية مرة اخرى حتى مالت رأسها للخلف وهو يميل اليها ويؤرجها بسعادة.
- ماقولتليش ايه رأيك بقى
- طب والنعمة انت مـ.ـجـ.ـنو.ن.
..............................
وفوق سطحه كان جالسًا على عقبيه يتابعهم بنظراتٍ مشتعلة وحارقة.. صدره يعلو ويهبط بجنون.. يرى هذا المدعو حسين وهو يميل اليها ويدللها بوقاحة وهي متقبلة وراضية بل وسعيدة.. كان ينقصه هو هذا المشهد المستفز.. لقد صعد على سطح منزله كي ينفرد بنفسه ويشرب في شيشته ليرتب افكاره لهذه الأحداث التي طرأت حديثًا ليفجأ بهذه الثنائي في الحديقة الخلفية لمنزل أدهم المصري والتي تطل على حارته الفقيرة.. فتذكره بالماضي ومعاناته والامه.. نفث دخان من أنفه وهو يتراجع زحفًا حتى لا يلفت اليه الانظار ورأسهِ تكاد ان تنفجر من الافكار والذكريات التي أتت بثقلها الاَن كي تقلق راحته وتؤرق مضجعه.
........ ................ .. .....
حينما عاد شاكر وعائلته من هذه السهرة العائلية دلفت فجر على غرفتها فورًا تتجنب علاء الدي صعد معهم وهو يحمل ابراهيم حتى ادخله غرفته ووضعه على تخته وبعد ان تلقى منهم عبـ.ـارات الشكر والإمتنان استأذن للذهاب حينما يأس من خروجها اليه من غرفتها وقد تجنبته طوال مدة السهرة بعد ان افضى اليها بما يحمله في قلبه نحوها.. دخل على والدته زهيرة التي كانت في انتظاره تشاهد التلفاز ومتلهفة للأخبـ.ـار على احر من الجمر :
- مساء الخير ياست الكل .
قالت بلهفة :
- مساء الخير ياعلاء يابني .. ها العشا عدى على خير ولا حصل حاجة لا سمح الله؟
القى بجسده على المقعد الخالي امامها وهو يرد:
- كله خير ياست الكل والحمد لله.. يعنى كان هايحصل ايه بس؟
تمتمت بالحمد قبل ان ترد عليه:
- والنبي طول قاعدتكم هناك وانا حاطة ايدي على قلبي يابني.. خايفة لابوك مايرحبش بيهم كويس ولا اللي اسمها نيرمين تعمل معاهم مغرز ولا حاجة مش ولابد.. حكم البت دي مش مضمونة وانا عمر قلبي مارتاح لها .
رد عليها :
- ومين سمعك بس ياست الكل.. انا كمان عمري ما ارتحتلها ولا طيقتها.. بس بقى النهاردة هي كانت زي الساعة ماشية بأدب.. حكم  السيد الوالد كان مهتم بالجماعة النهاردة ولا السفرة اللي عمالهم كانت ايه بقى حاجة ملوكي كدا.. بصراحة كان متوصي اوي بيهم .
بشبه ابتسامة اومأت زهيرة اليه قائلة :
- طب الحمد لله يابني عقبالك انت كمان لما تتشرف بنسايبك.
تناول كف يدها يطبع قبلة كبيرة عليها وقال:
- قريب يا امي ان شاء وهاتبقي انت اللي مضايفاهم ياست الكل. 
مسحت بكف يدها الحرة على راسه بتأثر استشعره هو فقرر تغير دفة الحديث:
- اسكتي صح.. دا صاحبتك الست سميرة حرقت دm نيرمين النهاردة لما كانت هاتجيبلها تبول لا إرادي .
ضحكت بمرح قبل ان تساله بلهفة :
-والنبي جد.. طب ازاي بقى فهمني قول؟
............................
جالسة على تختها بملابسها التي لم تخلعها من وقت ان عادت من العزومة، ناظرة في الفراغ بشرود تفكر في ماحدث من وقتٍ قليل .. لقد فاجئها اليوم بكلمـ.ـا.ته ذات الغزل الصريح.. وهي التي كانت تحادث نفسها عن ماهية شعورها المتنامي نحوه .. بعد سامعها لهذه الكلمـ.ـا.ت التي اربكتها واوقفت عقلها عن التميز .. والتي لمست فيها رقة احساسه.. كيف لها ان تستطيع المواجهة والتفكير بشكل صحيح؟ ثم الاهم من ذلك كله.. لو صدق احساسها فعلًا .. يصدق هو ايضًا احساسه وقد كان قبل ذلك عاشقًا لغيرها وبقوة ؟
- فجر انت لسة قاعدة بهدومك .
انتفضت مجفلة من صوت شقيقتها التي اقتحمت الغرفة هاتفة.. 
- يخرييتك ياشيخة خضتيني .
قالتها وهي ترميها بالوسادة التي تجنبتها شروق وانطلقت ضحكاتها بمرح:
- والنبي بجد اتخضيتي ؟ سامحيني يافيفي .. مكنتس اقصد والنعمة.
زفرت حانقة وهي ترد عليها :
- بقى بعد ماخضتيني وخلتيني قطعت الخلف تقولي والنبي ماكنت اقصد .. بجد حقيقي مستفزة.
اكملت ضحكاتها وهي تجلس بجوارها :
- طب معلش ياابلة فجر سامحيني .. بس انا بجد استغربت قوي لما لاقيتك لساكي بهدوم الخروج.
ردت بغـ.ـيظ:
- وما اقعد ياستي بهدوم الخروج ولا حتى انام بيهم .. انتي مالك يابـ.ـاردة؟ ودا يخصك في ايه اساسًا ؟
هتفت بدلال.. تناغشها بسماجة وهي تلتصق بها:
- ماخلاص بقى يافوفة.. سامحيني والنبي انا مقدرش على زعلك بقى.
شهقت فجر تضـ.ـر.بها بالوسادة حتى تبتعد عنها:
- يابت ابعدي عني بدلعك المرق ده.. انا ماعنديش مرارة ليكي.. دا إيه التناحة دي بس ياخواتي؟
هجمت عليها تقبلها من وجنتيها بعنوة:
- بحبك يا اختي ياقمراية والنعمة بحبك .
قاومت فجر ضحكتها وهي تدفعها عنها :
- يابت بطلي غلاسة.. انزاحي عني خـ.ـنـ.ـقتيني.
استمرت شروق في محاولاتها حتى اجبرت فجر على التجاوب والضحك معها.. بعد ان هدات ضحكاتهم سألتها:
- بت ياشروق.. هي امّك زعلانة مني ولاحاجة؟
حركت راسها بعدm فهم:
- ليه يعني؟ هو انتي عملتي حاجة زعلتها؟
ردت وهي تمط شفتيها :
- معرفش ياشروق.. بس انا حساها متغيرة وانا مش فاهمة ليه؟
ردت شروق:
- يابـ.ـنت الناس.. امّك لو زعلانة منك او متغيرة.. هاتقطع معاكي على طول او تديكي على دmاغك.. هو انت معرفاش سميرة ياقطة؟
ابتسمت فجر بـ.ـارتياح تردد خلفها :
- اه صح عندك حق.. انا امي جبـ.ـارة فعلًا ومـ.ـا.تخافش من حد.. دي كفاية اللي عملته النهادرة في اللي اسمها نيرمين.. دي نشفت ريقها بتلميحاته الصريحة.
شاركتها شروق ضاحكة:
- لا وشوفتي حسين وهو بيتفق معاها بتلقيح الكلام.. وربنا دي اول مرة اعرف فيها انه خبيث.ههه بس بدm خفيف.ههههه
.......................
في اليوم التالي 
استيقظ علاء مبكرًا حتى يحظى بمقابلة مع مـ.ـجـ.ـنو.نته التي انزوت معتكفه بعيدة عنه منذ الأمس.. علّه يستطيع لقاءها او يفوز بتوصيلة لها ولوالدها بسيارته.. ارتدي سترته السوداء ثم تناول مشطٍ صغير.. يسرح بهِ على شعره بعجالة وقبل ان يتناول ساعته تفاجأ بورود مكالمة على هاتفهِ برقم غريب ..وما ان فُتح الاتصال حتى فوجئ بصوته المعروف :
- الو ياعلاء .. انا عصام .
رد بخشونة :
- نعم ياسي زفت.. بترن عليا بصفة ايه وليه؟ ثم المهم بقى واللي عايز اعرفه دلوقتي حالًا.. انت جبت نمرتي منين وعرفتها ازاي؟ قولي .
وصله الصوت الحانق :
- ياعم مش وقت اسألتك دي دلوقتي.. وان كان على نمرتك فانا جبتها من سجلات المستشفى لما دخلت بابراهيم يوم الحادثة.. المهم بقى اني عندي ليك خبر بمليون جنيه..
قاطعه سائلًا :
- نعم يافنـ.ـد.م .. خبر إيه بقى اللي بمليون جنيه عشان انا عايز اعرف؟
- عرفت مكان البـ.ـنت الخدامة ياعلاء .. او بمعنى اصح عرفت عنوانها .
- انت بتتتكلم بجد ياعصام .
- والله زي مابقولك كدة.. انا نازل من بيتي دلوقتي حالًا اروح على العنوان مع اللي هايدلني .
- طب استناني بقى ..عشان جاي معاكم .
- هاستناك فين؟ انا خارج حالًا عشان الراجـ.ـل مستنيني .
- وانا لابس وجاهز يابني ادm.. قولي اجيلك فين وبسرعة .
..............................
بعد نصف ساعة تقريبًا وبداخل سيارة عصام وعلى الكرسي الامامي بجوار السائق كان جالسًا علاء.. والرجل الغريب جالسًا في الخلف .. وعصام يتولى مهمة تعريف علاء بهِ:
- اهو ده بقى يبقى عم متولي ياعلاء ..كان بواب العمارة اللي فيها شقتي القديمة.. يمكن تفتكره .
تطلع علاء اللى الرجل الخمسيني بجلبابه البلدي الفضفاض وعمامة رأسه البيضاء على بشرة وجهه السمراء.. بذقنٍ خفيفة مطعمة بالشعيرات الفضية .
- افتكرته طبعًا.. هو كان اياميها شباب اكتر من كده وجـ.ـسمه كان نحيف على كدة .
رد الرجل بتفكه :
- اياميها كنت لساتي جاي من البلد وشقيان.. لكن دلوك تخنت بقى من الراحة والقعدة على الكرسي .
اومأ له علاء بابتسامة خفيفة قبل ان يتوجه لعصام سائلًا :
- ايه الحكاية بالظبط فهمني ؟
رد عصام وهو ينقل بصره اليه والى الطريق:
- شوف ياسيدي.. انا شوفت عم متولي بالصدفة في مستشفى حكومي وانا رايح ازور واحد صاحبي هناك .. اتكلمت معاه ودردشنا شوية اثناء ما انا بوصي صديقي الدكتور يهتم بيه.. ومن غير تفكير لقتني بسأله عن البـ.ـنت امينة.. رغم انه زمان مكانش يعرف بعنوانها بس المرة دي لقيته بيجاوبني وييقولي على عنوان بيت جوزها ودا عرفه بالصدفة لما كان رايح يزور واحد من قرايبه في المنطقة اللي هي اتجوزت فيها .
التفت علاء يسأل الرجل:
- انت متأكد من كلامك ده ياعم متولي؟
اجابه الرجل بثقة:
- طبعًا يابيه متأكد امال ايه.. دا انا اعرفها من وسط مية .
اومأ علاء برأسه وهو يلتفت لعصام .. فقال بحماس وهو يفرك بيداه على فخذيه:
- على خيرة الله.. زود السرعة شوية والنبي ياعصام .. خليني نوصل لبـ.ـنت الابالسة دي .
بعد قليل كانت السيارة متوقفة بمنطقة فقيرة .. انتشرت فيها المنازل بطريقة عشوائية.. معظمها مبني بالطوب الجيري والباقى يكاد يسند نفسه من السقوط على رؤس اصحابه.. فور ان ترجل الثلاثة من السيارة التي غاصت بالمياه الموحلة حتى بللت احذية الثلاثة بالإضافة لتبقع اطراف بناطيل الاثنان رغم محاولاتهم الحثيثة برفعها .. اما العم متولي فتمكن من حفظ جلبابه الفضفاض برفعه عاليًا حتى ظهرت ساقية حتى الركبة ولم يبالي وهو يتقدm امامهم نحو البيت المذكور ..قال عصام وهو يضع منديلٍ ورقي على انفه:
- الريحة هنا صعبة قوي.. وكأنها ريحة جثة متحللة.
رد العم متولي بعدm اكتراث:
- دا تلاقيه بس كـ.ـلـ.ـب ولا قطة مـ.ـيـ.ـتين في الخرابة القريبة دي.. انت مش واخد بالك من الزبـ.ـا.لة اللى ظاهرة في مدخلها ولا ايه؟
نظر عصام نحو البيت المُشار اليه من العم متولي .. فاشاح عيناه فورًا وهو يجاهد لعدm التقيوء امامهم :
- ياساتر يارب .. دي زبـ.ـا.لة بجد وفعلًا واضح ان في كـ.ـلـ.ـب مـ.ـيـ.ـت هناك..
رد علاء بابتسامة ساخرة:
- معلش يادكتور.. اصلك مش متعود على المناظر الوحشة دي .. فممكن تستنانا هناك في العربية على ما نخلص مشوارنا.. بدل ما يغمى عليك ولا حاجة ..واحنا خايفين عليك لا تتعب .
حدجه عصام بنظرة حانقة قبل ان يرد :
- لا مـ.ـا.تخافش ولا تقلق عليا ياحبيبي.. انا هكمل طريقي ومشواري معاكم عادي.. قال يغمى عليا قال.
ازدادت ابتسامة علاء بنظرة اغاظت عصام.. الذي جاهد لضبط اعصابه وعدm الشجار معه .. فقال العم متولي وهو يتوجه ناحية منزل بابه اخضر .
- هو دا البيت يابيه .. بيت امينة وجوزها .
طرق العم متولي للمرة االذي لا يعلم عددها على باب المنزل.. الذي بهت لونه الأخضر .. ولا احد مجيب وكانه لا يوجد بهٍ احياء.. قال عصام المتأفف من الرائحة :
- الظاهر كده مافيش حد في البيت ده.. مـ.ـا.تيجوا نروح ياجماعة ونبقى نيجي في وقت تاني .
القى علاء نحوه نظرة حانقة قبل ان يلتفت الى العم متولي ويسأله:
- انت متأكد ياعم ان هو دا البيت نفسه ولا يمكن غلطلت في العنوان،
رد الرجل :
- طبعًا يابيه متاكد.. عشان بيت قريبى هناك في الشارع اللي وراه وانا في كل مرة باجي عنده بعدي عليه ولو عايزيني اجيبلك قريبي هو كمان نسأله مافيش مانع .
- تسالوا مين يابهوات ؟
قالتها المرأة الواقفة بالقرب منهم على باب البيت الملاصق لبيت امينة.. التفت اليها الثلاثة مجفلين على صوتها ليجدوها امامهم متكئة على الحائط.. بعباءة منزليه خفيفة.. نصف شعرها الأمامي ظاهر من ربطة رأسها وزينة وجهها صاخبة بالالوان.. تولى العم متولي الإجابة عليها :
- احنا جاين نسال على اصحاب البيت ده ياست.. مـ.ـا.ت عـ.ـر.فيش بقى هما راحوا فين؟ عشان بنخبط بقالنا فترة ومحدش بيرد.
ردت المرأة وهي تقيم الاثنان علاء وعصام بنظرات متفحصة من منبت شعرهم حتى احذيتهم الغالية الثمن والتي تطلخت بالطين :
- لهو انت متعرفش باللى حصل؟
سألها علاء مجفلًا رغم استيائه من جراة نظراتها :
- مالهم اهل البيت وايه اللي حصل معاهم بالظبط؟
لوكت بعلكتها بداخل فمها وهي ترد عليهم بتمهل :
- ازاي بس مـ.ـا.تعرفش يابيه؟ دا فتحي اتقبض عليه من يجي ست اشهر بتهمة تعاطي واتجار بالبرشام :
ردد خلفها عصام :
- اتجار بالبرشام!! طب احنا عايزين مـ.ـر.اته هي فين؟
رفعت المرأة حاجبها الرفيع باستهجان وهي تسأله:
- انتوا عايزين امينه؟ طب ليه؟
اردف خلفها بلهفة ممااثار ارتياب المرأة:
- ايوة بالظبط كده.. هي امينة دي.. فينها بقى؟
صك علاء على فكه وهو يليقيه بنظرة محذرة حتى يصمت واكمل على قوله ببعض الكياسة:
- ياست احنا من جمعية بتراعي الناس الفقرا والباشا اللي جمبي ده عايز يساعدها .
مالت رأس عصام وهو ينظر اليه ببلاهة وعدm استيعاب ليفاجأ بالمرأة تقترب منه بعبائتها الضيقة تطبق بيدها قماش قميصه الابيض قائلة بلهفة:
- طب ما انا كمان عايزة مساعدة يابيه.. دا انا شقيانة في خدmة البيوت.. وجوزي بيطلع عينه في السواقة على كام ملطوش .. ولا هي المساعدة مـ.ـا.تجوزش غير على امينة.
تدلي فكه واتسعت عيناه يحاول تخليص يده منها وهو لا يعرف بما يجيبها .. يرجوا المساعدة من علاء الذي ينظر اليه بتسلي بابتسامة مستترة.. استدرك العم متولي بفراسته فقام بابعاد المرأة قائلًا:
- ياست ابعدي شوية خلي الراجـ.ـل ياخد نفسه.. معلش بقى ياعصام .
قالها متولي وهو يرى جزع عصام وهو ينظر لكم قميصه المبتل .. فقالت المرأة ببعض الخجل:
- سامحني يابيه.. اصلي كنت بغسل هدوم الواد .
صاح برعـ.ـب:
- هدوم الواد!!
تابعت بترجي:
- ايوة يابيه هدوم الواد.. دا انا ايدي باشت من كتر الغسيل.. لو تتعطف عليا جمعيتكم وتجبولي غسالة يبقى كتر خيركم
هتف عليها متولي باستنكار:
- ياست بيقولك جمعية.. يعني اجراءات وشغل كتير وبحث عن حالتك في البداية..جاوبينا الاول على سؤالنا وبعدها نشوف امرك.
زفرت المرأة حانقة من العم  متولي فقالت بامتعاض :
-  امينة مش هاتلاقوها هنا .. عشان هي اساسًا من ساعة ماجوزها اتحبس وهي بتبات عند امها وبتيجي هنا زيارت بس توضب البيت او تاخد لها هدmـ.ـا.ت تلبسهم هناك .
سألها علاء :
- طب ما ت عـ.ـر.فيش عنوان بيت امها دا فين بالظبط؟
شهقت رافعة حاجبها مرة اخرة :
- انتوا كمان هاتروحولها بيت امها ؟ هي لدجادري اسمها مهم عندكم في الجمعية؟
صاح عليها العم متولي :
- خبر ايه يابت؟ مـ.ـا.تجاوبي عالسؤال وخلاص ..لزوموا ايه الرط دا كله .
رد باستنكار:
- ماهو انا معرفش بيت امها دا فين عشان اقول.
مسح علاء بكف على صفحة وجهه شاعرًا بخيبة الأمل فاتفاجأ بعصام وهو يخاطب المرأة بلطف :
طب ممكن يامدام لما توصل هنا امينة تتصلي بالرقم اللي انا هاكتبهولك دلوقتي تبلغيني؟
شهقت بفرحة وهي تراه يخرج من جيبه  ورقة صغيرة يدون عليها بالقلم الحبر رقم الهاتف:
- هو دا رقم تليفونك يابيه؟
كشر بوجهه اليها وهو يناولها الورقة :
- حضرتك دا رقم الجمعية مش رقمي وعلى العموم انتي فاهميهم حالتك واكيد هما هايتصرفوا معاكي.
لمست بأصابع يدها على كفه الممدودة بالرقم بجرأة اثارت ارتعابه وهي تخاطبه بنعومة:
- تسلم الايادي ياباشا.
بلع ريقه وهو يحرك قدmيه هربًا منها وذهب معه علاء ايضًا .. العم متولي استأذن منهم لزيارة قريبه .. اما هي فأخرجت هاتفها الصغير من جيب صدرها تتصل برقمها.. فوصلها الصوت المتعب:
- الو يا راوية .. عايزة ايه؟
ردت بلهجة مائعة:
- الو ياست أمينة.. ياللي طلعتي ميه من تحت تبن.. بقى بت عـ.ـر.في الناس النضيفة دي وتخبي عليا جارتك حبيبتك.
- تقصدي ايه ياراوية؟
............................
بفناء المدرسة وعلى اريكة خشبية ضمتهم الاثنتان اسفل الشجرة الكبيرة سألتها بمرح:
- قالك إيه ياقطة؟ عيدي كدة اللي قولتيه دا من تاني.
ردت فجر بتذمر:
- واعيد من تاني ليه ياختي؟ هي اغنية؟
هزت سحر رأسها بابتسامة خبيثة:
- لا ما انا وداني بايظة النهاردة .. عيدي والنبي .
لكزتها بقبضتها على ذراعها :
- لا انتي بتستهبلي ياسحر ولاودانك بايظة ولا حاجة.. انتي بس عايزة  تحرقي دmي وخلاص .
هتفت عليها بصوتّ ينبض بالفرح:
- واحرق دmك ليه بس ياعبـ.ـيـ.ـطة انتي؟ هو احنا كل يوم بنلاقي رجـ.ـا.لة بتقول الكلام الحلو ده .. ولا حتى بنلاقي ابلة فجر تستجيب ووشها يحمر كمان... يابـ.ـنتي دا تطور كبير قوي مكناش نحلم بيه.
اشاحت فجر عنها وجهها تداري عنها ضحكتها وقد لامست كلمـ.ـا.ت سحر ما تشعر بهِ بالفعل.. فتابعت سحر :
- لا بقى دا انت شكلك كدة واقعة على بوزك .. بتبعدي وشك وتداري ضحكتك عني.. ماخلاص اتكشفتي ياقطة وسرك بان  .
التفتت اليها فجأة تسألها بقلق:
- بجد ياسحر.. يعني انا فعلًا بحبه بقى ولا دا مجرد فرحة من اهتمام راجـ.ـل بيا؟
ردت سحر بجدية:
- ماهو ياقلبي لو ماكنش الراجـ.ـل ده ليه مكانة في قلبك مكنتيش انتي حسيتي بكلامه ده ولا وشك الحلو ده نور من الفرحة.
تابعت بتشتت:
- طب ازاي دا بس يحصل.. وانتي بنفسك عارفة اللي فيها يعني وكدة.
- قصدك يعني على حبه القديم لفاتن ؟
سألتها فأومأت برأسها توافق.. فردت سحر:
- بقولك ايه يافجر.. مـ.ـا.تسيبي الماضي ياحبيتي وارميه ورا ضهرك.. عيشي اللحظة يابـ.ـنتي وانسي بقى.. انا مش قصدي تنسي فاتن طبعًا.. انا بس عايزاكي تفتكري كويس مدام اكتشفتي بنفسك برائة علاء.. يبقى شيلي كمان من دmاغك حكاية تأنيب الضمير.. عشان انتوا الاتنين مابتغلطوش.. والحي ابقى من المـ.ـيـ.ـت.
شردت فجر وهي تنظ للبعيد تفكر في كلمـ.ـا.ت سحر .. فاصطدmت عيناها بعينن اخرى تنظر نحوهم من نافذة مفتوحة لإحدى الفصول وكأنها تراقبهم.. فعادت لصديقتها قائلة بدهشة:
-  بت ياسحر.. انتي مش ملاحظة ان الاستاذ عبد الله مدرس الرياضات بيبصلك كتير دا غير اني بدأت احس بتصرفاته بقت غريبة شوية معاكي اليومين دول!.
- نظرت نحو مـ.ـا.تنظر اليه فارتد هو عائدًا لداخل الفصل.. فردت باندهاش:
- امال لو شوفتيه وهو بيسلم على رمزي.. دا كأن في مابينهم تار بايت!
شهقت فجر ضاحكة:
- يكونش بيحبك يا منيـ.ـلـ.ـة؟
شهقت الأخرى متفاجئة :
- نهار اسود.. يعني كان بيحبني في صمت وبيكتم في في قلبه ياعين امه.
ردت فجر ضاحكة:
- وانتي ولا حاسة ياعديمة الاحساس هههه
حركت كتفها بدلال:
- وانا مالي يااختي.. حد قالوا يقعد ساكت مع واحدة معجبينها كتير .
ازدات ضحكاتهم لتردف فجر:
- هو الخسران 
- طبعًا هو الخسران
...............................
  نهض حسين عن مقعده يستمع لكلمـ.ـا.ت اخيه وهو يقطع غرفة مكتبه ذهابًا وايابًا بتـ.ـو.تر وتركيز شـ.ـديد مع كل حرف .. حتى انتهى علاء فعاجله حسين سائلًا:
- طب وبعدين ياعلاء.. مشيتوا كدة من غير مـ.ـا.تعرفوا اي معلومة عنها؟
- ....................
- بس انتوا اتأكدتوا من العنوان؟
-....................
- وانتوا متأكدين بقى ان جارتها دي هاتبغلكوا لو شافتها.
-....................
- طب مليني العنوان اللي انتوا راجعين منه دلوقتي.
-....................
- مالكش دعوة ياعم .. مليني وخلاص..
تناول ورقة يدون فيها العنوان ثم انهى المكالمة مع اخيه.. لينظر في الورقة وكأنه وجد ضالته.. يتمتم بالحمد .ثم مالبث ان يتحرك ذاهبًا من مكتبه.. لوجهة يعلمها جيدًا!
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
بداخل السيارة وهو يقود كان ينظر لأكمام قميصة المبقعة بقرف اثار انتباه علاء الذي ما ان انتهى من مكالمة اخيه حتى انطلق في الضحك مرة اخرى يردد:
- ههههه يابني ما انا قولتلك .. خليك في عربيتك وانت عشان مـ.ـا.تتعبش.. انتي مش حمل المناظر دي..
رد عليه عصام بسخط :
-  مـ.ـا.تبطل انت قلشك بقى وترقيتك دي .. محسسني ان واد طري من بتوع اليومين دول ..لا ياحبيبي انا دكتور ومتعود على مشاهد تشيب .. مش الحاجات الخفيفة دي.
صدحت ضحكة علاء الصاخبة وهو يكمل في مشاكسته:
- طب ولما هي حاجات خفيفة .. حسيت ليه انا ان قلبك هاوقف من الرعـ.ـب اول ما الست كـ.ـلـ.ـبشت في دراعك ههههه.
تأفف حانقًا يهز براسه بضيق من اسلوب علاء المتهكم.. ولكن بداخله كان يشعر بسعادة تبدوا مؤقتة لاستعادة صديقه..  تابع علاء:
- مـ.ـا.ترد يادكتور يامحترم على كلامي وقول انك ماخـ.ـو.فتش منها  بجد بدال ما انت بتاكل في نفسك وبس:
اللتفت اليه عصام كابتًا ضحكته:
-  بصراحة خـ.ـو.فت ماكدبش عليك .
انطلقت ضحكته تزامنًا مع ضحكات علاء الصاخبة قبل ان يكمل:
- بس دي شئ عادي ياعم .. فجأة لقيتها بتمسك في ايدي خضتني ههههه.. وفي الاَخر طلعت غاسلة هدوم الواد كمان !
قهقه الاثنان غير قادين على التوقف لعدة لحظات قبل يمسك نفسه اَخيرًا علاء وسأله مندهش:
- رقم مين صح اللي ادتهولها وادعيت انه رقم الجمعية المزيفة.
رد عصام:
- ماهو فعلًا رقم جمعية حقيقي .. اينعم انا اتخضيت في الاول لما لقيتك بتألف الموضوع ده .. بس لما فهمت انه عشان سمعة الست والعادات في المناطق الشعبية.. دوغري افتكرت جمعية بـ.ـنتي واديتها رقم حقيقي.
ضيق علاء عيناه مستفسرًا :
- بـ.ـنت مين؟ وجمعية ايه بالظبط؟ هو انت اتجوزت وخلفت كمان؟
رد عصام :
- فى الحقيقة دا حصل من ٣ سنين بالظبط.. بعد مارجعت من لندن .. اتجوزت بـ.ـنت خالي.. بس بقى كانت مدلعة وبتهمل حتى في تربية بـ.ـنتها.. ماقدرناش نكمل مع بعض واتطلقنا ..بس للأسف خالي ومرات خالي اخدوا في البـ.ـنت في حضانتهم وحرموني منها.. فاانا بقى من شوقي خـ.ـو.في طول الوقت عليها من اهمال واستهتار والدتها ..اسست جمعية خيرية وكتبتها باسمها عشان ربنا يبـ.ـاركلي فيها.
التفت لعلاء وجده ينظر اليه بشرود .. طرقع بأصابع يده امام وجهه:
- ايه ياعم سرحت في ايه وانا بكلمك ؟
استفاق علاء من شروده وهو يلتفت للطريق امامه فقال متهربًا :
- سوق ياعصام.. خليني احصل المحل اللي سايبه من الصبح ده  .
تعجب عصام من التغير المفاجئ لعلاء ولكنه اَثر الصمت.. حتى لايزعجه بفضوله.والتفت يركز في قيادة سيارته. 
.....................
في المساء وبينما هو منهمك في عمله على احدى قطع الاثاث بمساعدة عامل اَخر في الورشة.. دلف صبي صغير من حارتهم يهتف عليه :
- عم سعد ياعم سعد .. الحق في ناس عايزينك برة .
رفع رأسه اليه يسأله :
- مين ياض ياعبودي اللي عايزني برة؟
رد الطفل بلهاث:
- واحدة ست ياعم سعد .. قالتلي ادخلك وانهدلك بسرعة
- ست مين ياض؟ طب معرفتش اسمها.
قالها سعد ليجدها فرصة عمال الورشة في المزاح معه.. قال احدهم :
- الله ياعم سعد.. انت عايزها تقول اسمها وتفضح نفسها قدامنا.
فقال الاَخر:
- الله يساهله ياعم سعد.. اخرج ياعم وشوفها.. دي الست عايزاك بسرعة .
نفخ صدره وهو يتلقى مزاحهم بتفاخر وبخطواتٍ منتشية ذهب من اماهم .. حتى اذا خرج من باب الورشة .. نظر الى الطفل متسائلًا:
- فين الست دي ياض ياعبودي اللي بتسأل عليا .
رد الطفل وهو يشير بيده :
- اللي واقفة هناك ومديه ضهرها .
تقدm سعد نحو المرأة المجهولة وقبل ان يقترب منها وجدها تلتف اليه بكليتها.. لتصطدm عيناها بعينيه التي جحظت من رؤيتها وكاد ان يقع امامها في وسط الشارع وامام المارة.. استدرك نفسه يظبط خطواته.. وهو يقترب منها ومقلتيه تتحرك يمينًا ويسارًا ناحية وجوه البشر في الشارع.. مرتعبًا من فكرة التخيل حتى .. انها هنا في وسط حارته وخلف منزل ادهم المصري وفي هذا الوقت الحساس اليه..انها حتى لم تتغير شكليًا ولم يتغير جسدها النحيل .. هي نفسها ببشرتها السمراء الناعمة وعيون المها خاصتها تنظر اليه بتحدي لم يره عليها قبل ذلك.. حينما اقترب منها وجدها تبسمت بزاوية فمها قائلة:
- ازيك يامعلم علاء وحـ.ـشـ.ـتني ياراجـ.ـل .
لم يرد تحيتها بل اقترب يدفعها بيده متمتمًا:
- امشي اتحركي على طول..و من غير نفس اخلصي.
تحركت تسير معه مضطرة وهي تهمس باستفزاز :
- طب حتى رد السلام الأول.. لدرجادي مرعوب لحد يشوفني ويعرفني.؟
دفعها بحدة كاد ان يوقعها هامسًا هو الاَخر:
- وانتي بلعتي حبوب الشجاعة النهاردة وجاية تتحديني يابـ.ـنت محاسن.
اخرجت ضحكتها صوتًا وهي ترد عليه واضعة كفها بجانب فمها:
- ايوة صح انا بـ.ـنت محاسن وانت ابن نشوى التخينة بياعة الخضار هههه.. اه
قالتها بألم حينما وجدت نفسها تدفع بقوة داخل مخزنٍ ممتلئ حولها بالأخشاب.. دلف خلفها يغلق الباب فورا بقوة.. وتقدm خخطوا امامها ببطء وجسدٍه يهتز من فرط انفعاله.. اكملت هي دون ان تهابه وقالت باستفزاز:
- يامعلم سعد؟ انت جايبني هنا المخزن بتاعك عشان تخلص عليا ولا تتدفني فيه حي.....
لم يعطيها فرصة لإكمال جملتها وذلك لانه اطبق على بكفهِ على عنقها قائلًا بغضبٍ حارق:
- ايه اللى جابك عندي النهاردة يا امينة؟ بايعة عمرك ولا عايزة تحصلي جوزك في السـ.ـجـ.ـن؟
ردت ضاحكة باستفزاز رغم خروج صوتها بصعوبة:
- ماعدتش عندي حاجة... ابكي عليها ياغالي.. وان. وان دخلت السـ.ـجـ.ـن مش هادخ...ل لوحدي.... هاتدخل.انت..معابا.....
ضغط بكفيه الاثنان :
- يبقى هاخلص عليكي احسن وتبقي جيتي لقضاكي ..
جحظت عيناها بقوة حتى كادت ان تخرج من محجريها، بشرتها السمراء اصبحت تتحول للون الأحمر القاتم.. يداها التي تقاوم لكي تنزع كفيه المطبقين على عنقها النحيف بدأت ترتخي مع قرب نفاذ الهواء من صدرها.. أو قرب نهايتها التي لطالما توقعتها دائمًا بمخيلتها.. منذ هذا التاريخ المشؤم حينما شاركت هذا الملعون جريمته بغباءها.. وحاجتها للعاطفة الكاذبة التي أوهمها بها في بداية تعارفهم كي يكسب ثقتها.. وبعد ان حدث ماحدث..رأت وجهه الحقيقي الذي يبدوا في الظاهر واجهة بشرية ولكن بداخله مسخ.. مسخ مشوه لايتورع عن فعل جريمته واللصاقها بغيره.. ثم رميها هي كذبابة من امامه بعدmا انتفت حاجته اليها.. لتتحمل هي بعد ذلك عواقب ماحدث وحدها.. وتتجرع من مرار الأيام مايذكرها دائمًا بجريمتها معه.. لقد تعبت ولم تعُد بها طاقة في حمل هذا الوزر الثقيل.. اذن فاليزهق روحها ويخلصها.. علّها تستريح ولو قليلًا من عـ.ـذ.ابها !
كان يطبق على رقبتها الهشة يود لو يكـ.ـسرها بيده ولتذهب لجحيمها الغـ.ـبـ.ـية التي جائت اليه بكل صفاقة كي تستفزه وتخرج شياطينه ..غضبه الاعمى جعله يتمنى ذلك ويرغبه بشـ.ـدة لبعض اللحظات.. قبل ان يستفيق ويدرك نفسه.. فتركها على اَخر لحظة قبل طلوع روحها من جسدها.. سقطت على الارض تسعل بشـ.ـدة بعد ان تركها وابتعد عنها يسب ويلعن.. ثم ما لبث ان تناول خشبه صغيرة فضـ.ـر.ب بها على الأرض بقوة امام رأسها المنخفضة للأسفل قائلًا :
- جاية ليه دلوقتي بعد ما نسيتك ونسيت ايامك الغبرة يا أمينة الزفت؟
رفعت عيناها اليه وقد هدأت انفاسها قليلًا ولكن مازالت قدmيها على تقوى على الوقوف .. فعادت لأبتسامتها المستفزة:
- انت خلاص صرفت نظر عن قــ,تــلي ياسعد ولا عايز تعرف سبب مجيتي لك الأول؟
هتف عليها :
- جاوبي واخلصي يابت.. انا مش ناقص قرفك.
ردت بمرح في غير محله:
- وحـ.ـشـ.ـتني ياسعد وقولت اشوفك..فيها حاجة دي؟
هز رأسهِ بعدm استيعاب من فعلها فنزل امامها على عقبيه مضيقًا عيناه يسألها:
- انتي يابت شاربة حاجة؟ جمودية القلب دي غريبة عليكي.. قولي يابت مبلبعة ايه بالظبط ؟
قال الاَخيرة وهو يجذبها من قماش بلوزتها التي نزعتها بعنف عن يده قبل ان ترد عليه بغضب وقد ذهب عن وجهها العبث :
- شاربة المر من كيعاني ياحبيبي.. من ساعة ما اتجوزت فتحى بياع البرشام عشان الاقي حد يلمني واتحامى في كنفه بعد ما غدرت بيا.. وقولتلي ماحدش ضـ.ـر.بك على ايدك وكل فينا يروح لحاله ويشيل مسؤلية نفسه.. شيلت ياأخويا وبعدت عن وشك وريحتك من همي.. لكن ياغالي الحال اتغير علاء وعصام وصلوا لبيتي.. يعني قربوا يوصلولي .
لكزها على ذراعها ليرد بعدm تصديق:
- كـ.ـد.ابة يابت محاسن ومش مصدقك.. بيت مين اللى وصلوله؟ هما يعرفوا اسمك كامل اساسًا عشان يعرفوا بيت جوزك؟
صاحت بغضب:
- انا مابكدبش ياسعد.. راوية جارتي حاكتلي ان في تلات رجـ.ـا.لة جم على بيتي يسألوا عني بحجة انهم جمعية خيرية وعايزة تساعدني..راوية اكدت انها سمعت اسم الدكتور عصام على لسان واحد منهم واللي عرفته انا من المواصفات اللي حكتها ومواصفات التاني مش بعيد يكون علاء واللي خلاني اتأكدت اكتر بقى مين؟ عم متولى اللي كان بواب العمارة .. العمارة اللي كان فيها شقة عصام فاكرها طبعًا يانور عيني.. اكيد هو اللي دلهم عليا.. عشان ابن عمه ساكن ورا بيتي وياما شافني وشوفته في الشارع هناك .
انسحب اللون من وجهه فاستقام بجسده واقفًا وهو يستوعب كلمـ.ـا.تها المفاجئة.. وحينما ظل على صمته فترة ليست بقليلة.. هتفت عليه :
- يكون في معلومك ياسعد.. انا لو حد منهم عثر عليا ولا عرف مكاني.. اوعى تفتكر اني هاسكت ولا انكر .. لا ياحبيبي انا هاقر بكل حاجة واحكي من طق طق لسلام عليكم .
التفت اليها بنظرة تطلق شررًا من حدتها فعادت لابتسامتها المستفزة و تابعت غير اَبهة :
- ما انا ماعدتش عندي حاجة اخاف عليها او اخسرها لو حبسوني ولا حتى عدmوني .
غلف وجهه بقناع جـ.ـا.مد وهو يومئ لها بذقنه سائلًا باقتضاب:
- والمطلوب إيه؟
أجابت بقوة :
- تشوفلي مكان اتاوا فيه غير بيت ابويا وتحميني منهم لو وصلولي!!
..............................
بداخل سيارته التي صفها في ركنٍ مظلم بالشارع الضيق.. كان ينظر في ساعة يده يحصي الدقائق في انتظار خبر او معلومة على هذا اللقاء المثير.. هذا اللقاء الذي توقع حدوثه منذ علمه بمعرفة أخيه بعنوان المرأة المنشودة وهو استنتج بذكائه لجوءها الى شريكها .. فوضع الإحتمالات برأسه لمراقبة بيت زوجها ومراقبة اخرى دقيقة لسعد الذي سيكشف حقيقته اَخيرًا لشقيقه ويعلم بحقيقة مافعله قديمًا.. ولحسن الحظ لم تتأخر المرأة لتأتي بعد ساعات فقط من تكليفه لعامل القهوة حودة والذي تسبب شجار سعد الدائم معه لقطع رزقه منها.. ليقبل بمهمة مراقبته ومراقبة من يقابلهم بكل سرور.. ولكن طال الإنتظار وبدأ القلق يتسرب الى قلب حسين.. فكما اخبره حودة المرأة دخلت مع سعد مخزن ورشته الخشبي ولم يخرجا حتى الاَن.. ترى ماذا يحدث الاَن وما الذي يتفقان عليه الاَن هؤلاء المجرمون؟
مسح بأطراف أصابعه على ذقنه المهذبة وعقله يدور في الاف السيناريوهات.. صدح الهاتف بورود مكالمة من حبيبته ولكنه مضطر لتجاهلها لانتظارها المكالمة الهامة و التي لم تتأخر كثيرًا بعد ذلك.. رد حسين عليها سريعًا بلهفة:
- ايوة ياحودة إيه الأخبـ.ـار ؟
- .....................
- خرجوا هما الاتنين!طب راحوا فين يعني ؟
-.......................
- خليك وراهم مـ.ـا.تسيبوهمش الله يرضى عنك.. وتابعني بالاخبـ.ـار اول بأول ولو لمحت اي حركة مش مظبوطة او فيها قلق اتصل بيا فورًا .
-..........
- بعد مايخلص مشوارك معاهم تعالالي البيت قابلني.. لو على الفجر حتى انا هافضل مستنيك..عشان تحكيلي بالتفصيل الممل .
-..................
- تسلملي ياحودة يامجدع .
بعد ان انهى المكالمة زفر بسأم لعدm انتهاء هذه الليلة الطويلة مع شعوره المتزايد بالقلق.. ادار محرك السيارة ليذهب لبيته وقد ضاعت عليه فرصة لقاءه بالمرأة ومحاصرتها الليلة بالحقائق لتعترف .. ولكن لا بأس.. ان لم تكن الليلة فالايام قادmة .
...........................
زفرت حانقة وهي تنظر لهاتفها وتدور حول نفسها من القلق بداخل غرفتها.. فقد وصل بيها الضيق لأعلى مراحله من كثرة محاولاتها الفاشلة في الاتصال بِه وهو لا يجيب.. ولا يكلف نفسه عناء ارسال رسالة حتى ليطمئنها ويرضيها.. تحدث نفسها بتوعد:
- ماشي ياحسين.. خليك كدة مـ.ـا.ترودش ولا تعبرني وحسابك معايا بعدين بس.
ودت لو تهشم هذا الهاتف لقطع صغيرة .. فما فائدته في يدها وهي لا تستطيع به الإطمئنان على حبيبها الان.
صور لها الشيطان افراغ غـ.ـيظها برميه على الحائط وليحدث ما يحدث بعدها.. فرفعت يدها لكي تفعلها ولكن اضاءة الغرفة التي عادت تتراقص مرة أخرى اعادتها لقضيتها الأساسية وهي السبب الرئيسي  لاتصالها الدائم بحسين الاَن.. فوصلها صوت والدتها من خارج الغرفة:
- رد عليكي حسين ياشروق ؟
رفعت عيناها لأعلى بسأم قبل ان تخرج اليهم لصالة المنزل لترد:
- لأ ياماما.. برن عليه لما هاكـ.ـسر التليفون وهو لا معبرني حتى 
لوحت سميرة بكفيها في الهواء بقلة حيلة :
- طب نعمل ايه بس دلوقتي ياربي.. ابوكي وقافل تليفونه عشان عزا الراجـ.ـل صاحبه.. وخطيبك بترني عليه مابيرودش.. واحنا ولايا هانجيب منين بس كهربائي في الساعة المتأخرة دي؟
تكلم ابراهيم بجوارها:
- ياماما انا بردان هنا في الصالة..عايز ادخل اؤضتى الدافية عشان انام وارتاح فيها.
هتفت عليه سميرة بغـ.ـيظ:
- مـ.ـا.تتنيل واصبر شوية على ما نشوف اخرتها.. النور ضغيف في البيت كله.. خليك جمبي هنا عشان مـ.ـا.تخافش لو الكهربا قطعت.وانت قاعد لوحدك هناك.
سألتها شروق بقلق:
- طب هانعمل إيه احنا ياماما لو قطعت وبابا مش موجود عشان يتصرف ؟
ضـ.ـر.بت سميرة على كفيها :
- يعني عايزاني اقولك ايه؟ ماانا بضـ.ـر.ب قدامك اخماس في اسداس اهو ومش لاقية حل.. ما هو لو كان ابوكي سمع كلامي وغير كهربة البيت اللي عفى عليها الزمن.. مكناش وقعنا في المغرز دا دلوقتي .
اهتزت الإضاءة مرة اخرى فصاحت سميرة :
- بتتهبي إيه عندك يافجر؟ مـ.ـا.تيجي بقى يابـ.ـنتي وبلاش و.جـ.ـع قلب .
وصلها الصوت من الداخل:
- ياماما ما انا بحاول اشوف صرفة اوقفها بيها .
همت لتجادلها سميرة ولكن اوقفها صوت زهيرة التي هتفت على باب الشقة:
- ياسميرة يابنات.. ايه الأخبـ.ـار .
ردت سميرة:
- ادخلي ياحبيتي انتي هاتستأذني.
خطت زهيرة لداخل الشقة من بابها المفتوح وهي تتكلم :
- لا ما انا بستأذن عشان علاء ياحبيتي.. اصله جاي عشان يشوف الكهربا عندكم .
صدح صوته من خلفها:
- مساء الخير ياخالتي.
ردت سميرة بلهفة:
- تعالي ياحبيبي.. ادخل يابني انت مش غريب 
تقدmت شروق نحو زهيرة لتجلسها على الأريكة ودلف خلفها علاء.. فقالت زهيرة:
- والنبي يااختي.. اول اما قولتله مارضاش يستريح ولا يشرب بق مية حتى.. غير لما يجي يشوف المشكلة عندكم سببها ايه.
سميرة وهي تخاطب علاء:
- معلش يابني هانتعبك معانا.. نعمل إيه بس وابو العيال النهاردة مسافر البلد في عز واحد صاحبه.
رد علاء وعيناه تبحث عنها وسطهم:
- لا ياخالتي ما تقوليش كدة انا مش غريب عنكم.. هي سكينة الكهربا فين عشان اشوفها؟ 
ردت شروق وهي تشير بيدها:
- سكينة الكهربا جوا في المطبخ ياعلاء.. دي حتى فجر بقالها فترة جوا بتحاول فيها .
ذهبت عيناه فورًا ناحية المطبخ فقالت سميرة:
- ادخل يابني خلي شروق توصلك بس انت هاتعرف بقى؟ دي كهربا يعني مش حاجة سهلة .
رد عليها وهو يتحرك مع شروق:
- والله لو ماعرفتش ياخالتي.. هانزل على طول اجيب الكهربائي.. ما انا مش هاستنى عشان اعك كمان.
أومأت سميرة برأسها واللتفتت بعد ذلك للحديث مع زهيرة وذهب علاء مع شروق التي صدح هاتفها بمكالمة من خطيبها حسين.. فتوقفت في الطرقة الموصلة للمطبخ والمرحاض ..تشير لعلاء:
- معلش ياعلاء حسين بيرن ادخل انت اهو المطبخ قدامك عشان وانا هارد على الفون.. اومأ لها برأسه فذهبت لترتد عائدة لغرفتها ودلف هو وحده عندها بداخل المطبخ.. فوجدها واقفة محلها امام القاطع الكهربائي للإنارة العمومي للشقة..  ممسكة بيدها عصا صغير تحاول  جاهدة فيه على أطراف اصابعها
القى عليها التحية بابتسامة زينت وجهه على هيئتها اللذيذة وكأنها طفلة بالبيجامة ذات الرسوم الكارتونية :
- مساء الخير..
انزلت قدmيها على الأرض لتسدير اليه وترد التحية:
- مساء النور يامعلم علاء.
سألها بمشاكسة:
- بتعملي إيه؟
رافعت حاجبيها ترد باستنكار:
- والله كلك نظر يامعلم علاء.. بحاول اثبت في المفاتيح الملخلخة دي وهي بتطفي وتنور لوحدها .
تقدm لداخل المطبخ قائلًا بمرح :
- بس واضح كدة ان طريقتك مش نافعة ولا يمكن عشان انتي قصيرة ومش طايلة تثبتي كويس.
ردت بغـ.ـيظ وهي تلوح بالعصا على المفاتيح المثبتة في القاطع:
- مش موضوع قصيرة.. الموضوع انها هي نفسها بايظة.. يعني مثلًا اثبت الجزء ده بتاع اوضتي واؤضة النوم بتاعة ماما وبابا.. الاقي الجزء اللي جمبه اللي بيشمل أؤضة شروق وابراهيم أطفى.. واما اثبت الجزء ده بتاع بتاع الصالة والمدخل الاقى هااا..
صرخت شاهقة وهي تكمل بخـ.ـو.ف:
- الاقي الصالة والحمام هما اللي انطفوا.
صدحت ضحكته مجلجلة في هذه المساحة الضيقة حينما عمها الظلام بانطفاء الجزء الخاص بها من مفاتيح القاطع.. انار كشاف هاتفه ليراها منكمشة على نفسها على حافة حوض غسيل الأطباق.. ولكنها استقامت فجأة لتداري ارتباكها وتـ.ـو.ترها أمامه.. فالتفت للقاطع يبتثه على انارة جميع الشقة باحترافية تعجبت لها .. ثم استدار اليها قائلًا بخيلاء :
- حاجة بسيطة أهي.. يعني ماكنش ليه لزوم تتعبي نفسك الوقت دا كله.. كنت انديهيني بس أو شاوريلي من البلكون وانا احلها .
فغرت فاهها تنظر اليه مندهشة من طريقته حتى خرج من أمامها بابتسامة شملت جميع وجهه
...........................
بداخل غرفته حسين وهو جالس على طرف تحته يتحدث معها بمحايلة:
- يابـ.ـنتي والنعمة ماكنت فاضي .
وصله صرختها:
- حتى لو ما كنتش فاضي ياحسين.. تطمني حتى برسالة مش تسيبني اَكل في نفسي والقلقل والأفكار الوحشة تلعب في دmاغي .
رد بحنان وقد لامست قلبه كلمـ.ـا.تها:
- سلامتك ياقلبي من القلق ولا الخـ.ـو.ف..و سامحيني عشان نسيت موضوع الرسالة دي.. بس والله دmاغي كانت مشغولة ومازالت .
سألته بتوجس:
- مشغولة في إيه بقى دmاغك؟
- نعم!!
- بقولك مشغول في ايه ياحسين وجاوب بقى عشان دmاغي انا مـ.ـا.تروحش في حتة تانية.
سألها بعدm فهم:
- حتة تانية فين بالظبط يعني عشان اعرف؟
صدر صوتها بتعصب:
- في الستات مثلًا ياحبيبي.. يعني تكون بتفكر في واحدة تانية غيري.. والنعمة ما يحصل ياحسين لاكون مسودة عيشتك وممرارها كمان .
قهقه يضحك من قلبه:
- ههههه يخرب عقلك ياشروق ضحكتيني بجد يخرب عقلك.. هو انا عندي وقت اعرفك انتي نفسك عشان اعرف واحدة تانية.. وحتى لو في؟ مين دا اللي يقدر ياخد مكانك ياقمر؟
رقت لهجتها وهي مازلت تهاجم:
- مـ.ـا.تحاولش تاكل عقلي بكلامك دا ياحسين عشان ماعدتش بياثر معايا فاهم؟
- والنبي بجد اللي بتقوليه ده؟ يعني انا ماعنديش معزة في قلبك على كدة بقى؟
اصدرت صوت طقطقة بفمها تنفي بدلال:
- لأ
تابع معها :
- طب والنبي سامحيني المرة دي بقى عشان خاطري وحياة الغالين عندك ياشيخة.. دا انت حتى حنينة وقلبك طيب.. مش برضوا قلبك طيب؟
قالت بمرح:
- انا مستعد اسامحك المرة دي عشان الغالين بس .. مش عشانك انت وبشرط انك ما تتكرهاش تاني كمان فاهم؟
- فاهم ياقمر ياام قلب حنين انتي.. ربنا يخليكي للغلابة يارب.
صدحت ضحكتها الجميلة على اسماعه.. انعشت صدره بعشقها وادخلت السعادة على قلبه.. فأنسته همه وما يشغل عقله.. همس بحب:
- ربنا بخليكي ليا ياشروق ويبـ.ـاركلي فيكي ياقلبي
رددت خلفه :
- وانت كمان ياحبيبي.. ربنا مايحرمنيش منك ابدًا وافضل انا كدة على قلبك طول العمر
ضحك على دعابتها وهم للرد ولكن قاطعه ورود المكالمة المنتظرة.. فأسرع ينهي معها:
- شروق ياقلبي.. ممكن تسامحيني دولوقتي وتقفلي والنبي عشان عندي مكالمة مهمة .
همت لتعترض ولكنه استرضاها برجاء حتى انهى المكالمة سريعًا ورد على حمودة الذي كان ينتظره بأسفل البيت ولم يقبل بالصعود اليه في هذه الساعة المتأخرة من الليل.. فنزل اليه حسين يقابله في حديقة منزله:
- انت متأكد ان ماحدش فيهم شافك ياحمودة؟
- عيب عليك ياحسين بيه.. هو انت فاكرني غـ.ـبـ.ـي؟ دا انا كنت براقبهم من مسافة بعيدة.. دا غير اني كنت لابس كمامة كمان ولابس لبس تقيل عشان الزفت دا لو شافني مايعرفنيش.. حكم انا عارفه دا بلوة مسيحة.
ربت حسين على ذراعه مشجعًا :
- جدع ياحودة.. انا عارفك راجـ.ـل من الاول ومخك نضيف امال انا لجأتلك ليه انت بالذات على طول عشان عارفك.. المهم الشقة اللي شوفتهم داخلين فيها دي.. مـ.ـا.تعرفش بتاعة مين فيهم؟.
رد حودة بحماس:
- طبعًا سألت وعرفت.. الشقة دي بتاعة الزفت سعد ومأجرها في الخفا من كام سنة كدة.. للمزاج والعب .. بس الجيران اكدولي ان في واحدة بتتردد على طول شقته دي وكأنها عشيقته.
انتبه حسين لمقولته فحث حودة بتصميم:
- طب انا عايزاك تستمر في مراقبة الشقة دي كويس وتخلي ناس ثقة من ناحيتك.. يشاركوك في مراقبة الاتنين سعد وامينة واهم حاجة .. تعرفلي مين هي دي الست اللي كانت بتردد عالشقة المشبوهة مع سعد سامعني ياحودة؟
على طرف تخته القديم كان جالسًا بقدmيه المثنية لجواره وهو مستند بكتفه على القائم .. يدخن سيجارته شاردًا في مايحدث معه الاَن وهذه المصائب التي حلت فوق رأسهٍ دفعة واحدة.. الايكفي ظهور عصام المتعجرف وبحثه في الماضي بالتقرب مرة أخرى من علاء والعب بعقله.. حتى تأتي هذه الملعونة لتقلب الطاولة فوق رأسهِ وتزيده همًا فوق همومه.. لقد تناسها ونسي أيامها بعلاقته مع نرمين لكن بظهورها الاَن اعادت الاحداث بعقلهِ وكأنها الاَمس.. تتوالى بذاكرته المشاهد واحدة تلو الأخرى دون توقف.. بداية من عودته من عمله في هذا اليوم الفارق في حياته حينما رأها تدخل السيارة مع هذا الطاووس الذي لم يكره في حياته اكثر منه.. فاشتعلت النيران بقلبه.. ود لو يوقف السيارة فيسحبها من ذراعها كي تخرج من جواره.. لكن بأي حق وهو يعلم تمام العلم انها لن تقبل.. تحركت اقدامه نحو ورشة ابيها كي يخبره بما حدث وتتلقى هي وهو عقـ.ـا.بهم .. لكن على اَخر لحظة هداه شيطانه لتغير وجهته لمكانٍ اَخر! وقد ارتسمت بعقلهِ خطة لضـ.ـر.ب عدة عصافير بحجر واحد .. وكانت أمينة صديقة شقيقته والتي عملت بفضل وساطته لها عند عصام.. هي اداة لتحقيق هدفه ومعرفة جميع مايحدث بداخل الشقة.. وقد سارت خطته على أكمل مايريد حتى هذا اليوم حينما اتصل بها للترتيب في ساعة الحسم التي بناءًا عليها تنجح خطته!
"" كانت أمينة بداخل المطبخ الرخامي تهمس غاضبة في الهاتف وعيناها تراقب لخارجه نحو الجالسين بوسط الصالة الواسعة .
- أاجله ساعتين ازاي ياعم انت؟ بقولك هايشرب قهوته ويمشي على طول .
وصلها صوته المنزعج:
- يابت اتصرفي.. شغلي عقلك بأي فكيرة تخليه يستنى على ما يوصل علاء من جيشه دا ركب القطر وخلاص هانت .
- ايوة يعني هاقوله إيه عشان يستنى وما يخرجش 
صاح عليها هادرًا:
- انتي غـ.ـبـ.ـية يابت انتي؟ كام مرة هافضل أعيد وازيد في الكلام عشان تفهمي .
- مـ.ـا.تزعقش فيا ياسعد حـ.ـر.ام عليك.. انا بنفذ كل اللي بتقوله لكن في دي بقى هاتصرف ازاي يعني؟ أضـ.ـر.به بقى على راسه مثلًا عشان يفضل مستني وما يخرجش ؟
صمت قليلًا قبل ان يتكلم بحماس:
- بت ياامينة انا خلاص هاقولك تعملي إيه بعد ماجبتيلي انتي الفكرة من غير ما تدري .
- فكرة ايه ياسعد مش فاهمة؟
- مافيش وقت عشان اشرحلك.. المهم بقى انك تستنى كدة على على القهوة اللي على النار دي.. شوية كدة على ما انا اوصلك.
- وايه دخل القهوة بس ياسعد؟ انا مش فاهمة حاجة.
- عنك مافهمتي.. نفذي اللي بقول عليه وانا في ظرف دقايق هاكون عندك من الباب الخلفي بتاع المطبخ وهافهمك نعمل ايه؟ 
- احسن تتأخر ياسعد؟
- ياغـ.ـبـ.ـية هاتأخر فين بس وانا موجود اساسًا قريب منك براقب البيت.. اخلصي اقفلي ياللا وانا هاوصل الصيدلية واطلعك على طول .
- صيدلية ايه ياسعد؟
- اقفلي يابت بلا غباوة
بعد نصف ساعة .
لطـ.ـمـ.ـت بكفيها على وجهها تخاطبه بجزع وهو واقف امامها بوسط الصالة في شقة الدكتور عصام 
- يانهار اسود يانهار اسود.. انت حطيتلهم ايه في القهوة؟ دول باينهم مـ.ـا.توا؟ يامصيبتك السودة يا أمينة يامصيبتك السودة.
هتف عليها بغضب وهو يجثو بركبته على الأرض التي استلقى عليها عصام دون إرادته قبل ان يصل لباب الخروج بفعل المنوم
- بس يازفتة انتي دول مامـ.ـا.توش ولا حاجة.. تعالي بس ساعديني عشان نشيل الزفت ده ندخلوا أؤضته ونيمه على سريره.
قالت بترجي وهي تفرك كفيها ببعضهم:
- أوعى يكون مـ.ـا.ت ياسعد وحياة الغالين عندك ياشيخ
هتف بصوت خفيض مابين أسنانه:
- يابت مـ.ـا.تبقيش غـ.ـبـ.ـية وافهمي بقى.. دا منوم.. يعني مش سم عشان يمـ.ـو.ته.. هاستفاد ايه انا بمـ.ـو.ته بس؟ تعالي ساعديني ومـ.ـا.تقليقيش هما اَخرهم ساعتين ولا حاجة وتلاقيه قام زي القرد..  تعالي يالا ساعديني نشيله مع بعض ربنا يهديكى .
اذعنت لأمره مضطرة فجثت على ركبتيها تساعد برفعه من اقدامه وهو من رأسه واكتافه.. فسألته وهي تومئ برأسها نحو فاتن المستلقية لا حول لها ولا قوة على الأريكة الاَثيرة:
- ودي هانشيلها بردوا ولا هانسيبها مكانها؟
رد بحزم وهو يرفع لأعلى ثقل عصام :
- نفس الأمر بس هاندخلها اؤضتها .
وقد كان.. بعد ان أنهوا مهمة حمل عصام قاموا بنقل فاتن هي الأخرى لغرفتها.. ولإكمال الخطة خرجت امينة من الباب الرئيسي ليراها حارس العمارة بشكل طبيعي للذهاب الى منزلها.. وخرج هو من الباب الخلفي بناءًا على اتفاقه مع أمينة ولكنه توقف بوسط الدرج.. ولم تطاوعه قدmاه للنزول.. فنزل بجسده جالسًا بإرهاق.. يفرك بأطراف اصابعه على جبهته المتعرقة.. لا يستطيع السيطرة على تفاعل جسده منذ ان حملها بيداه الإثنتان وشعر بنعومة جسدها الفاتن كاإسمها.. يريد ازاحة مشهد رؤيتها عن رأسهِ وهي نائمة على فراشها وقد كشفت بلوزتها عن جزءٍ كبير من كتف ذراعها الغض ولا يستطيع.. يبتلع ريقه بصعوبة حتى اصبح جسده يرتجف.. ثم مالبث ان ينهض مستقيمًا لينحي عقلهِ جانبًا عن التفكير .. وصعد مسرعًا ليفعل ما أملاه على رأسهِ شيطانهُ وغريزته الدنيئة دون تقدير العواقب.. لم يشعر بعظم ما يفعله من خطأ غير بعد وقتٍ طويل.. وقد نال ما تمناه  وارق مضجعه لياليٍ طويلة في أحلام النوم او اليقظة.. نهض عنها ينظر بصدmة لأثار جريمته عليها.. زحف يبتعد عنها بأعين متسعة بذهول من نفسه.. فهذا لم يكن مدرجًا في خطته ولكنه حدث؟ فما العمل الاَن والوقت لقرب وصول علاء يمُر؟ نهض عن التخت فجأة وقد حسم أمره واتخذ القرار! فلتبدوا جريمة مكتملة.. لكن لا رجعة للخلف مرة أخرى .
ارتدي ملابسه بسرعة ورفع من الغرفة كل اثر يدل على حضوره ثم حملها هي وخرج بها لغرفة عصام يضعها بجواره.. فنزع عن عصام ملابسه هو الاَخر ..وبعد ان جذب عليهم غطاء الفراش تحرك بظهره للخلف يلقي نظرة أخيرة قبل ان يستدير ينوي الخروج ولكنه تفاجأ بأمينة التي كانت واقفة على باب الغرفة المفتوح كتمثال اسمر شاحب وعينان كبيرتان اتسعتا بشـ.ـدة تتحرك مقلتيهم باضطراب .. شفتيها منفجرتان بصدmة .. اقترب منها يدفعها بعنف لخارج الغرفة.. ويغلق بابها بسرعة.. استفاقت من صدmتها فهجمت عليه تمسكه من تلابيب قميصه صارخة تسب وتشتم :
- ياحيوا....... ياابن الكل......
بكف يده اطبق على فمها يمنع وابل الشتائم واليد الأخرى دفعتها للخلف فشل حركتها بذراعه ليهدر  بصوتٍ مخيف اظهر قبح قلبه :
- صوتك دا مايطلعش يابـ.ـنت محاسن.. واسمعي مني  اللي جاي دا كويس قوي.. عشان انا وانتي في مركب واحدة.. هاتعملي مصدومة هاتعملي بريئة! انتي ملطوطة معايا في كل اللي حصل.. يعني المصـ يـ بـةعليا وعليكي.
زامت تحت كفهِ المطبقة على فمها بقوة.. تحرك رأسها بنفي واعتراض ودmعاتها تتدفق من عيناها بعجز فضغط يهزها بعنف وقسوة مشـ.ـددًا بقوله:
- بلاش دور المسكنة والصعبنيات دي عليا انا ياروح امك.. ماحدش كان ضـ.ـر.بك علي ايدك يابت. فوقي كدة واصحي.. خليكي حلوة ونفذي للاَخر اتفاقك معايا.. عشان اللي هايضرني هايضرك واللي هايسري عليا هايسري عليكي.. فهمتي بقى ياحلوة ولا نعيد في الكلام من تاني؟
هزت رأسها تومئ بقهر فنزع كف يده عن فمها وذراعهِ  عنها وحينما هدأت حركتها سألها بخشونة:
- ايه اللي رجعك على هنا تاني؟
همست بضعف:
- رجعت اَخد تليفوني اللي نسيته في اؤضة الدكتور عصام
- طب خوشي انجري ياللا هاتيه وشوفي ناسية ايه تاني وراكي مش ناقصين مصايب.. وحاولي تنجزي بسرعة عشان قطر علاء قرب يوصل ""
عاد من الذكرة الأبدية في رأسه لحاضره الاَن وهو يتنفس بعمق.. يحاول استيعاب الأمر والتفكير بروية لحل ما.. فحينما فاجئته الليلة على حين غفلة بهذه المعلومـ.ـا.ت الجديدة.. لم يجد أمامه سوى وضعها تحت عيناه الاَن وضمان سيطرته عليها .. فلتبقى في هذه الشقة لبعض الوقت حتى يجد الحل الجذري لكل مشاكله !
............................
بعد يومان .
صعدت فجر لسطح البناية التي تقطن بها وهى تحمل على كتفها سجادة متوسطة الحجم ولكنها كانت تلهث من ثقلها.. تتقدm بخطواتها البطيئة بها نحو حافة السور الخرساني لتلقيها عليه.. ولكنها تفاجأت بالسجادة وهي تسحب من ذراعيها وانتزعت منها بحركة سريعة للأعلى.. استدارت مجفلة لتجد علاء يحمل السجادة بذراعه وكأنها لا تزن بيده شئ.. 
- خضتني ياعلاء.. مش تتكلم طيب ولا تديني اشارة قبل مـ.ـا.تسحبها كده
قالتها وهي تضع يدها على صدرها تهدئ ضـ.ـر.بات قلبها السريعة.. فتحرك يتجاوزها نحو السور الخرساني وهو يتكلم بجمود:
- وانتي طالعة بيها لوحدك ليه مش تخلي حد يساعدك؟
ردت وهي تقف بجواره وتساعد في فرد السجادة معه :
- يساعد مين ياعم؟ هو انا عيلة صغيرة ولا دي اول مرة اشيل السجادة فيها يعني وانشرها هنا عالسطح .
اللتفت اليها مضيقًا عيناه يسألها بغموض:
- وفي كل مرة برضوا بتتطلعي بالبيجامة دي؟
القت نظرتها على بيجامتها ذات الرسوم الكارتونية فسألته بعدm فهم:
- مالها يعني البيجامة؟ هي يمكن تكون قديمة شوية وشكلها مبهدل بس يعني انا بنضف هالبس ايه بقى....
- مش دا قصدي انها مبهدلة ولا قديمة..بل بالعكس بقى دي حلوة عليكي بزيادة ودا اللي مضايقني.. عشان دا سطح عمارة وفي ناس تانية سكانين معانا فيها
فتحت فمها لترد واقفلته مرة أخرى تخفض عيناها خجلًا وهي لا تدري بأي إجابة تجيبه 
- ممكن يابـ.ـنت الناس مـ.ـا.تطلعيش بيها تاني؟ يااما تنشريها في البلكونة تحت
ردت ببرائة :
- البلكونات في شقتنا مابتوصلهاش الشمس كويس.. واحنا متعودين اساسًا ننشرها هنا عشان احنا اَخر دور .. دا غيرر ان البيجامة واسعة...
- لا محزقة .
- نعم!
رد بتصميم وجرأة:
- محزقة يافجر..  وطرف البنطلون اللي مشمراه دا مخلي رجليكي باينة منه.
شهقت خجلة لتسدير وتبتعد عنه ولكنه تصدر لها كالمرة السابقة.. رفعت عيناها اليه تسأله بدهشة:
- في إيه ياعلاء؟ هو انت هاتعملها تاني برضوا معايا زي المرة اللي فاتت؟
قال ببساطة وعيناه تحاصر عينيها:
- المرة اللي فاتت انا كنت بوقفك عشام اعرف إجابة لأسئلة محيراني.. بس المرة دي انا موقفك عشان حشـ.ـتـ.ـيني و  ومش عايزك تمشي وتسيبيني.
فتحت فمها بعجز غير قادرة على الرد فتابع هو:
- بتبعدي ليه عني وتختفي كل ما تشوفيني؟ دا غير البلكونة كمان اللي حرمتي ما توقفي فيها؟
تحركت للخلف  لتبتعد عن مرمى سهام عينيه وردت بتـ.ـو.تر:
- عادي يعني؟ الأيام اللي فاتت اصلًا انا كنت مشغولة.
أجفلها سائلًا:
- هو انتي زعلتي عشان الكلمتين اللي قولتهملك في بيتنا.. انا اَسف لو كنت زعلتك .
هزت رأسها ترد نافية:
- انا مزعلتش انا بس ..... استغربت واحترت .
- احترتي؟
قالها ثم سألها:
- طب ليه تحتاري؟ دول كلمتين كانوا في قلبي نحايتك وانتي تستاهلي .
- مش موضوع استاهل ولا من قلبك.. الحكاية بس!
سألها بحيرة:
- بس ايه يافجر مـ.ـا.تكملي.. وقولي اللي في قلبك .
صمت مضيقًا عيناه قليلًا بتفكير ثم قال:
اشاحت بعيناها عنه غير قادرة على النطق.. لتزيد من حيرته وهو ينظر نحوها صامتًا هو الاَخر ولكن بتساؤل ثم مالبث ان تكلم قائلًا:
- فجر هو انتي مأثرة معاكي قصتي القديمة مع فاتن ؟
اومأت برأسها موافقة... قال هو:
- طب ليه يافجر ودا موضوع قديم وانتهى من سنين؟ 
سألته هي :
- طب والحب اللي كان مابينكم.. انتهى كمان من قلبك؟ 
دي حتى كانت قصة حبكم اسطورية وانا نفسي كنت شاهدة عليها مع فاتن.
ارتفعت زاوية فمه بشبه ابتسامة:
- وافرضي يافجر كانت جميلة ورائعة في نظرك كمان.. بس ربنا مكتبش لنا نصيب مع بعض.. يبقى الدنيا تقف على كدة..
- طب دي مـ.ـا.تعتبرش خيانة مني.
- تبقى خيانة لو هي عايشة؟ لكن دي توافها الله.. وانا وانتي عايشين يبقى ندفن اللي في قلوبنا ليه؟
صمتت عن الرد مرة اخرى ليجفلها قائلًا :
- تتجوزيني بافجر؟ 
برقت عيناها وانعقد لسانها عن الرد او الأستفسار عن صحة ماسمعته .. فأكمل هو :
- انا عارف اني بفاجئك بطلبي ده.. لكن انا راجـ.ـل دوغري وبحب ادخل البيت من بابه.. تسمحيلي ياابلة فجر ادخل بيتكم من بابه؟
..................................
لولولويي
اطلقتها سحر بصوت عالي قبل ان توقفها فجر بكف يدها على فمها .
- اكتمي الله يخرب بيتك هاتفضحينا .
ازاحت سحر كف صديقتها قائلة بمرح :
- فرحانة يابـ.ـنتي .. اعبر عن حبي ازاي بس ياناس؟
- مـ.ـا.تعبريش دلوقتي ولا تتنيلي.. استني لما يحصل بجد .
- ليه بقى؟ مش بتقولي انك وافقتي وهو أخد ميعاد من والدك عشان يجيب والده ويجي يطلبك .
ابتسمت فجر تسعيد هذه اللحظات المـ.ـجـ.ـنو.نة.. حينما اومأت له برأسها موافقة ولكنه اصر لسماعها من فمها صريحة ..فردت موافقة على استحياء .. ليقفز بفرح كانه طفلٍ صغير وينزل مهرولًا لأبيها يطلبها مرة أخرى ..
بمفاجأة اصابت والديها حينما سألوها واجابت بنعم..
وحدث بعدها كل شئ سريعًا.. حينها دلفت اليها زهيرة تضمها وتحـ.ـضـ.ـنها بدmـ.ـو.ع الفرح والسعادة.
- انتي يابت انتي روحتي مني فين؟
عادت فجر من شرودها ترد بقلق :
- سرحت في اللي حصل النهاردة ياسحر .. بصراحة ماقدراش احط عيني في عيون والدي ووالدتي من الكسوف.
اطلقت سحر ضحكة بصوت عالي استفز فجر قبل ان ترد :
-  ههههه حاسة ان مشاعرك بقت مكشوفة قدامهم صح ؟ ودي حاجة مش متعودين عليها من الابلة فجر؟
لكزتها بقبضتها حانقة:
- صح في عينك.. هو انتي هاتعملي زي الزفتة شروق دي كمان.. اللي واخداني السليوة بتاعتها النهاردة ضحك ومسخرة .
علت سحر ضحكتها مرة أخرى :
- ههههه ياعيني عليكي يافجر.. دا انتي هاتشوفي ايام عنب معانا بكسوفك ده.ههههه.
لكزتها فجر مرة اخرى وقد اصبح وجهها كقطعة حمراء من الخجل .. سالتها سحر :
- ماقولتليش بقى.. هو والده هايجي امتى بالظبط يطلبك رسمي؟
- بكرة ان شاء الله بعد المغرب .
............................
ماخرجتش خالص! انت متأكد من كلامك ده؟
كان هذا سؤال حسين لحودة والذي اجابه بتأكيد :
- والنعمة زي ما بقولك كدة ياحسين باشا..من ساعة ما دخلت العمارة ماخرجتش منها تاني نهائي.. رغم مرور كذا يوم على كدة.
قال حسين بتحذير :
- حوودة .. اوعة يكون البت بتخرج وانت سهيت عنها .. ازعل منك بجد والله.
رد حودة وهو يلوح بكف يده في الهواء:
-والنعمة ماحصل ياحسين باشا.. دي حتى خضار مابتجبيش رغم ان سوق الخضار قريب منها .. الزفت سعد دخل عندها مرتين بالاكياس وبعدها مراحش تاني واكنها حابسها.
تنهد حسين وهو يطرق بيده على مقود السيارة المتوقفة.. فقال وهو يجز على اسنانه 
- ابن ال.... بس ماشي ..اكيد برضوا هاوصلها ..خليك انت مستمر في المراقبة ياحودة مع الرجـ.ـا.لة اللي معاك .. ابوس ايدك مـ.ـا.تغفلش عن أي حركة ماشي .
رد حودة بحماس:
- اكيد طبعًا ياحسين باشا.. خليك متأكد  وحط في باطنك بطيخة صيفي .
................................
صاحت عليه في الهاتف وهي تهز أقدامها بتعصب :
- بقولك زهقت وعايزة اخرج ياسعد.. انت هاتفضل قافل عليا بالمفتاح كدة لحد ما امـ.ـو.ت بقى واعفن في الشقة؟
صاح عليها من مكانه بحزم
- اترزعي واصبري لحد ما اشوفلك صرفة يابـ.ـنت انتي انا مش ناقصك.
صرخت هي:
- لحد امتى بقى؟ دا انا هكمل اسبوع من غير ما اشوف الشارع ودي عمرها ماحصلت .
رد باستهزاء:
- طبعًا يااختي انتي هاتقوليلي؟ ماانا عارف دا كويس .
مش وش بيوت ابدًا.
اصابتها الكلمة في كرامتها.. بلعتها داخلها وهي ترد عليه بتماسك:
- الله يسامحك يابن الاصول ..انا مش هارد عليك وهاصبر زي ما بتقول.. بس بقى ياحبيبى الأكل قرب يخلص من البيت.. يعني ابعتلي حد بالتومين يأما تيجي بنفسك ولا انت عايزني امـ.ـو.ت من الجوع بقى.
رد بغضب:
- اتنيلي استنيني هاجيبلك النهاردة اكل وتومين.. عايزة حاجة تاني يااختي؟ اقفلي بقى عشان انا قرفت.
وبدون استئذان انهى المكاملة مما اثار استيائها وحنقها اكثر .. فركت بيديها وهي تسب وتلعن عليه
- ماشي ياسعد ال..... ربنا يوريني فيك يوم.
ظلت على وضعها هذا لعدة لحظات حتى نهضت اَخير مقررة تسلية وقتها بعمل أي شئ في هذه الشقة المتواضعة والتي تذكرها بشقتها .. بدأت بالصالة ثم اتجهت لغرفة النوم تنظف الأتربة العالقة بها.. رفعت السجادة الباليه عن الارض واتجهت لتغير ملائة الفراش .. فتفاجئت ونزع كيس المخدات .. فصدر سقوط شئ ما امامها على الأرض.. دنت تتناوله فتوسعت عيناها وانفرج فمها بابتسامة ساخرة وهي تتلاعب بهذا القرط النحاسي الكبير بشكله المعلوم اليها جيدًا .
تمتمت وابتسامتها ازدادت اتساعًا :
- اه يا نرمين ال...... طب والنعمة كان قلبي حاسس.. ماهو على رأي المثل البيض المنشش يدحرج على بعضه! بس ياترى بقى جوزك عارف ؟
ولا حتى في أحلامه كان يطمح ان يتم الأمر بهذه السرعة.. فمنذ أسبوعٍ واحد فقط كان يتمنى ان تخرج له من شرفتها فيُملي عينه بالنظر إليها.. كم من ليلة مرت عليه وأرقه السهر في التفكير بها.. كم حرقه الشوق ليرى ضحكتها التي رأها مرة او مرتين فقط لكنها فعلت بعقلهِ الاَفاعيل حتى كاد ان يصيبه الجنون بها.. حتى بعد أن وافقت على طلبهِ بعد عـ.ـذ.اب.. حتى وهو يأخذ المبـ.ـاركة من أبيها بتحديد موعد مع والده للأتفاق على خطوبة رسمية أمام الناس فتأتي المفاجأة من أبيه الذي اقترح اختصار الوقت بعقد قران ابنيه الأثنين على الأختين متعشمًا بهذا بالتقارب الذي حدث بين العائلتين في هذه الفترة القليلة وتوطد العلاقة بينهم.. وكانت المفاجاة الأكبر حينما رحب ابيها ووافقت هي في الجسلة امام الجميع.. ليأتي هذا اليوم المبـ.ـارك ويعقد قران أخيه أولًا على شروق ثم يأتي دوره ليعقد على حبيبته التي كانت جالسة امامه في الصالة التي توسطت المنزل بجوار شقيقتها العروس ايضًا ووالدتها ووالدته وبعض النسوة من الأقارب والجيران.. فالحفل صغير واخُتصر على عدد قليل من المدعوين على حسب الاتفاق.. على ان يتم الحفل الكبير بعد انتهاء شروق من اختبـ.ـاراتها الاَخيرة في الدراسة
حينما وضع كفه في كف العم شاكر يبدوا أن الرجل قد شعر برجفته فقال متفكهًا:
- إيدك بـ.ـاردة اوي يابني.. هو لدرجادي الوضع يخـ.ـو.ف؟
صدحت الضحكات العالية من المدعوين القلائل بصخب.. حتى علاء نفسه ضحك رغم تعرقه وتـ.ـو.تره.. ثم جاءت اللحظة الحاسمة.. فحبس انفاسه وهو يراها تدنو على الدفتر الكبير وتوقع بيدها الصغيرة عليه.. كانت دقاته قلبه العنيفة تقفز في صدره قفزًا من سرعتها وهو يراقبها.. فرغم كل ما يحدث الاَن كان ينتابه الخـ.ـو.ف من تراجعها المعتاد معه لاَخر لحظة.. حينما رفعت رأسها إليه بابتسامتها الساحرة وانطلقت الزغاريد الفرحة من الأحباب لأعلام الجميع باتمام المهمة وان فجر شاكر عبد المنعم أصبحت زوجة رسمية لعلاء ادهم المصري.. كاد قلبه ان يتوقف من الفرحة وهو يتلقى المبـ.ـاركات من أبيها وأبيه وشقيقه حسين والمدعوين من الرجـ.ـال 
.. حتى اقتربت زهيرة منهم بدmـ.ـو.ع الفرح تُعانق ابناءها بعد أن تم فرحها أخيرًا بزواجهم بأجمل الفتيات واقربهم الى قلبها رغم قصر المدة التى عرفتهم فيها ولكنها علمتهم جيدًا وعلمت أخلاقهم .
اخرجها من حـ.ـضـ.ـنه علاء ليقبل رأسها فضحك من قلبه على هيئتها الباكية:
- هههه إيه ياام علاء دا وقت بكى برضوا؟
قالها وهو يمسح بإبهام كفيه الإثنين الدmـ.ـو.ع العالقة وجنتيها .
ردت هي بصوتٍ مشحون بالعواطف:
- فرحانة اوي ياحبيبي بيكم.. أخيرًا ربنا حقق امنيتي وشوفتك عريس .
هزها حسين فجأة بعد ان لف ذراعها كتفها قائلًا بمرح:
- فرحانة بيه هو بس ياأم علاء؟ وانا ايه بقى؟ نسيتيني؟
لكزته بقبضتها الصغيرة على كتفه قائلة بحزمٍ محبب:
- بس ياواض بلاش غلاسة..انتوا الاتنين أكيد طبعًا فرحنالكم.. بس بقى فرحتي بعلاء مـ.ـا.تتوصفش عشان دا البكري واللي غلبني سنين طويلة لحد ماربنا اخيرًا هداه .
قالت الاَخيرة بتأثر واضح ارتد أثره على علاء الذي قربها منه يقبلها مرة أخرى على رأسها عدة قبلات.. جذبها فجأة حسين نحوه بملكية :
- إيه ياعم هي امك وحدك ؟ مـ.ـا.تسيب شوية للناس الغلابة.
صدرت ضحكة زهيرة النادرة من قلبها وابنها حسين يقبلها على رأسها ووجنتها بصبيانية امام علاء الذي اصابته عدوى الضحك من والدته.. فتوقفت ضحكته فجأة على صوت أبيه الذي اتى نحوهم ناهرًا حسين بوجه عابس:
- ابعد شوية عن امك ياض وبطل شغل عيال.. الناس بتبص عليكم .
خبئت ابتسامة زهيرة وهي ترى زوجها شـ.ـديد القرب منها هي وابنها الذي قربها أكثر يلف ذراعهِ حولها قائلًا بمزاح:
- ومالوا ياابو علاء؟ خليهم يبصوا براحتهم واحد فرحان وبيبـ.ـو.س في امه اللي زي القمر فيها حاجة دي؟
تجاهله ادهم وهو يحدق بزهيرة عن قرب بأعين مشتاقة فخاطبها قائلًا :
- مبروك ياام العرسان.. ربنا يفرحك بولادهم كمان .
اجابته بتماسك وأعين متهربة وهي تتملص من حسين :
- الله يبـ.ـارك فيك ياابو علاء ويفرحك انت كمان.. معلش بقى عن اذنكوا عايز اشوف الضيوف.
تركها حسين تذهب امام نظرات ابيه التي تعلقت عيناه بها وتحرك فمه دون صوت وكأنه يناجيها للتوقف حتى ابتعدت.. أصابه الإحباط فذهب هو أيضًا عائدًا لجسته مع شاكر .. تبادل حسين نظراته مع أخيه علاء الذي كان مراقبًا بصمت.. فانتقلت عيناه بتشفي نحو نيرمين الواقفة بإحدى الزويا مع جارة قديمة لهم وهي تغلي من الغـ.ـيظ   .
.............................
وفي الجهة الأخرى كانت فجر هي الأخرى لم تستوعب الأمر بعد.. هزتها سحر التي كانت جالسة بجوارها وهي تضحك بمرح :
- إيه يابـ.ـنتي مالك؟ إصحي كدة وفوقي وانا بكلمك .
رمشت بعيناها وهي تهز برأسها:
- افوق ازاي بس ياسحر؟ والنعمة مامصدقة اللي بيحصل دا كدة وبالسرعة دي. دا اول امبـ.ـارح بس كنت بستخبي واتهرب منه عشان مايشوفنيش ولا اشوفه وقبلها بسنين طويلة ما كنتش بكره في حياتي حد قده.. النهاردة بقى بقيت مـ.ـر.اته! لا بجد انا حاسة اني في غيبوبة.
ردت سحر بمشاكسة:
- غيبوبة ايه بس ياكهينة؟ هو انتي هاتعمليهوم عليا يابت؟ يعني لما وافقتي على كتب الكتاب ماكنتيش دريانة ياقطة .
ضحكت فجر وهي تبرر:
- والنبي ياشيخة انا لحد الاَن ما اعرف ازاي دا حصل؟ كل اللي فاكراه ان عمي أدهم كان موجود عندنا هو وعلاء وحسين بيتكلموا في الخطوبة ونده علينا انا وشروق نسلم عليهم ونقعد معاهم.. فجأة لقيته بيسألني وياخد رأيي في علاء.. طبعًا انا اتكسفت ومعرفتش اجاوب بس مع الإصرار هزيت دmاغي بالموافقة.. وكانت هي الإشارة ياستي.. لقيت الراجـ.ـل بيقول لابويا.. احنا بدل الفرحة نخليها فرحتين وبدل الخطوبة نخليها كتب كتاب للعريسين على البنات واحنا اهل وعارفين بعاضينا.. لقيت بقى والدي ووالدتي والحجة زهيرة بيرحبوا بلهفة وحسين وشروق كمان الفرحة مش سايعاهم.. فضل بقى علاء يبصلي برجاء وكاني هاكـ.ـسر قلبه لو رفضت .. من غير تفكير لقيت نفسي بهز دmاغي وقبلت.. وعنها بقى نزلنا تاني يوم جبنا الشبكة وادي اليوم التالت أهو بقيت مـ.ـر.اته! انت نفسك صدقتي؟
جذبتها سحر ترد عليها وهي تعانقها بسعادة:
- اصدق ياحبيبتي وماصدقش ليه بقى؟ ربنا يكتبلك الفرح والهنا ياروح قلبي .
بادلتها فجر التهنئة:
- وانت كمان ياحبيبتي.. ربنا يتمم فرحتك انتي و رمزي على خير وتتجوزوا قريب بقى وافرح فيكي.. هو فين صحيح مجاش معاكي ليه؟
- مين هو اللي مجاش ياعنيا؟ هو يقدر ؟ دا انا بس سيبته يدور على مكان يركن فيه عربيته ونزلت اجري عشان احصل كتب كتابك.. دلوقتي ان شاء الله يجي يبـ.ـارك ويهني ونتصور انا وهو معاكي انتي والمعلم علاء.. دي هاتبقى ذكرى حلوة قوي
قالت فجر بتشتت
- طبعًا هاتبقى ذكرة حلوة أكيد.. بس دا تسميه إيه دا اللي بيحصل معايا ياسحر؟ لأن انا بصراحة مش فاهمة.
أومأت سحر بعيناها ورأسها عن اقتناع:
- دا بقى اسمه النصيب ياحبيبتي عشان تفهمي بقى وتفوقي.. واتعلمي بقى من المحروسة اختك هي ومقاصيف الرقبة أصحابها وشوفي بيعملوا إيه .
قالتها وهي تشير بيدها نحو شروق الجالسة بالقرب منهم على مقعد وحدها وحولها عدة فتيات أصدقائها يتبادلن معها التقاط صور السيلفي بعدة أوضاع.. غير عابئين بنظرات الجميع حولهم.. ولا نظرات حسين التي تراقب اصدقائها بحسد للقرب منها في هذه اللحظة المهمة لهم وهو محاصر بعدد من أصدقائه واقاربه.. يستعجل التملص منهم للذهاب اليها .
........................
إيه يا حبيبتي هو انتي سرحتي مني؟
التفتت نيرمين على محدثتها مجفلة فسألتها بتشتت:
- نعم يااا...هو انتي كنتي بتقولي حاجة؟
ردت المرأة وهي تهدهد في ابنها الصغير النائم برأسهِ على كتفها وهي تحمله على ذراعها:
- انا ام مروان و ساكنة في الشقة اللي فوق.. هو انتي لحقتي تنسيني؟ دا انتي كنتي سرحانة بجد بقى وماخدتيش بالك من كل الكلام اللي قولتهولك .
ردت بسأم وابتسامة مصطنعة:
- معلش ياام مروان متأخذنيش يااختي.. اصلي حاسة بصداع كدة ودوخه....
قاطعتها بلهفة:
- انتي بتقولي دوخة؟ معقولة يكون عملتيها وحملتي؟ طب خلي بالك بقى من صحتك اليومين دول.. دي العيال بتجي بو.جـ.ـع القب.
ردت عليها نيرمين مستنكرة:
- حامل دا إيه ياستي انتي كمان؟ دي شوية دوخة كدة وهايروحوا لحالهم.. يعني لا حامل ولا زفت.
لوت المراة شفتيها وهي تتقرب منها وتهمس همسًا بالنصائح لها:
- طب شـ.ـدي حيلك بقى ياناصحة واتشطري عشان تلحقي تجيبلك حتة عيل قبل ما الراجـ.ـل يفلسع..يعني الشر بره وبعيد.. اصل الزمن دلوقتي ياحبيبتي مش مضمون.. واديكي شايفة بنفسك نظرة جوزك ناحية ضرتك.
توسعت اعين نيرمين بجزع من فراسة المراة والتي بدت و كأنها تقرأ افكارها بخبث.. وتابعت المراة بنفس الهمس:
- مـ.ـا.تبصيلش كدة ياحبيبتي بخضة.. دي حكاية باينة زي عين الشمس.. وضرتك زي ما انتي شايفة كدة حلوة ومش باين عليها سن.. دا اللي يشوفها وهي واقفة مع خالتي سميرة يديها هي السن الاصغر.. دا غير انها متحامية بولادها الرجـ.ـا.لة اللي بكرة يورثوا الجمل بما حمل مع بنات سميرة وتطلعي انتي من المولد بلاحمص لو ماخلفتيش عيل يشاركهم في الورث.
هبط قلبها بداخل صدرها وهي تتخيل سيناريو ما سيحدث بعد وفاة زوجها من زهيرة وابناءها..الكارهين لوجودها من الأساس.. فتعود هي لحياة الفقر والعوز مرة أخرى! استفاقت من شرودها على صوت رجاء والدة سحر وهي تهتف على أبراهيم الجالس بجوار السماعات:
- في إيه ياعم هيما؟ مـ.ـا.تشغلنا أغنية فرايحي خليها تفرفشنا كدة وتهيصنا عايزين نرقص دا احنا في فرح ياحبيبي .
- من عنيا ياخالتي رجاء.. أحلى اغنية لأحلى رجاء .
قالها إبراهيم ليصدح بعدها أغاني مهرجانات خاصة بالأفراح اشعلت الأجواء.. لترقص رجاء في الوسط وشروق وصديقتها يحاوطنها يصفقن بكفوفهن ويرقصن معها.. أمام سحر التي كانت تنظر اليها بيأس مع فجر التي كانت تضحك لها بمرح لإغاظتها.
................................
بعدها بقليل 
جلس علاء بجوارها على اَريكة ضمتهم هما الأثنان فقط.. ليلبسها خاتم زواجهِ بها ومعها محبس اخر من الذهب و أسورة جميلة زينت رسغها.. ليصدح صوت الزغاريد من النساء والفتيات التي اللتفت حولهم يشاهدن ويلتقطن الصور لهم بفرح تحول لهمهات منبهرة لرؤيته وهو يقبل كفها دون ان يأبه بهم ولا لخجلها الذي انعش قلبه بالفرحة بها أكثر .. اقبلت عليهم سحر وخطيبها رمزي بالتهنئة والتعارف مع علاء واللتقطت بعض الصور الجميلة لأربعتهم .. مما اثار غيرة حسين الذي سحب شروق من يدها لينحشرا بجوارهم على الاَريكة مما أثار امتعاض علاء الذي كشر بوجههِ لهم فبادله حسين النظرة بكل برود وفاجأه بقلبة سمجة على وجنته مسحها علاء بقرف فانطلقت ضحكات شروق بقهقه هي والفتيات أصدقاءها والمدعوين..وازدادت اللحظات الجميلة لتسجلها عدسات الكاميرات.. فتجفلهم سميرة فجأة برشة من الملح منعًا للحسد تسير امتعاض الجميع وثناء زهيرة التي كان قلبها ينبض بسرعة خـ.ـو.فًا من كم الفرح الكبير الذي أتى بعد سنواتٍ طويلة عجاف.
تحول وجه حسين فجأة وهو يومئ بعيناه لعلاء نحو مدخل الباب ويهمس:
- دعيته ليه ياعلاء؟ احنا مش قولنا قاعدة عالضيق وخلاص؟
أجفل علاء لحدة شقيقه فرد بدهشة هامسًا هو الاَخر:
- وافرض عالضيق ياحسين؟ مدعيش انا بقى صاحبي؟
قال الاَخيرة وهو ينهض قائمًا ليستقبل سعد الذي تنقلت عيناه بين صديقه وبين الجميلة ذات الثوب العسلي والذي تناسب مع لون عيناها وانعكس على بشرتها فزادها بياضًا ونضارة .. وقبل ان يصل اليهم تفاجأ بحسين الذي جذبها من يدها وابتعد بها عن مرمى عيناه.. 
حاول التماسك وهو يعانق علاء يهنئه ويغتصب الإبتسامـ.ـا.ت ليخفى بها اشتعال صدره من الداخل.. لقد فاجأه علاء حينما هاتفه في الظهيرة يخبره بعقد قرانه هو واخيه على الشقيقتان.. كالعادة ذهبت لغيره ولم يجد الفرصة للتقرب منها.. كالعادة حظه العسر يحول بينه وبينها.. وكالعادة يكبت مشاعره من داخله ليظهر العكس في الظاهر
............................
صدحت بعض الاغاني الخاصة لمحمد منير بناءًا على رغبة علاء الذي نسق مع ابراهيم لإذاعتها من السماعات.. فسحب فجر من يداها يراقصها عليها لتتمايل معه هي بخجل.. يعبر بيداه وجسده وفمه يردد مع كلمـ.ـا.ت الاغنية مايعبر عما بداخله ناحيتها.. فهو يعشق اغانيه ويعشق كلمـ.ـا.تها .
دلف حسين يشاركهم الرقص مع شروق واشتعلت الأجواء.. حتى انهم سحبوا سميرة وزهيرة أيضًا التي كانت تتمايل بخفة لظروف مرض ظهرها وعظامها.. بعبائتها التركواز وكأنها عادت طفلة صغيرة .. وقد خففت الفرحة عنها المها وتعبها.. غافلة عن اعين أدهم المصري الذي ارتكزت أبصاره عليها بحسرة ونـ.ـد.م .. انسته طعم الفرحة بزواج أبناءه الاثنان.. 
اما نيرمين فكان بداخلها بركانِ يغلي من التجاهل وهي تشعر بقزمها وضاَلتها بينهم .. علاء الذي تمنته حتى المـ.ـو.ت وهو لم يعيرها ادنى اهتمام ها هو الاَن يرقص مع هذه الفتاة القصيرة بفرحة لم ترها على وجهه طوال سنوات معرفتها به.. حسين وهو يراقص شروق وعيناه تحاصرها ولا ترى غيرها وكأنها قطعة منه.. مشاعر جميلة حرمت منها.. وضاعت سنين عمرها بين شقاء في العمل وعلاقات خفية مع اشخاص استغلوها فيرحلوا بعد أن تنتفي حاجتهم منها ..ثم الزواج برجل بعمر اباها وقد ظنت ان الدنيا فتحت لها ابواب الهناء.. وها هو ايضًا يبدوا انه قد مل منها .. حتى سعد الذي لطالما كرهته وكرهت علاقتها به.. لم يكلف نفسه حتى النظر اليها وكأنها ليست جميلة ولا تستحق الأهتمام كهاتين الفتاتين الملعونتين.. او حتى هذه المرأة العجوز التى خـ.ـطـ.ـفت قلب زوجها واعادت اليه الحنين اليها رغم بساطة ما ترتديه وتزين به وجهها..
سعد والذي كان ممسكًا بكوب العصير يتناول منه وكانه العلقم بحلقه مع مراقبته لهم ولفرحهم.. انتبه على ورود مكالمة منها تجاهلها في البداية ولكن مع رؤيته لرسالتها انتفض خارجًا من المنزل وذهب اليها بسرعة .
................................
فتح بمفاتحه باب الشقة ليدلف داخلها بسرعة هاتفًا عليها .
- انتي يازفتة انتي هببت إيه في الشقة؟
خرجت اليه أمينة مهرولة من المرحاض :
- انا مهببتش حاجة ياعنيا؟ سباكة الشقة بتاعتك هي اللي مصدية وقديمة.
تسمر مكانه وهو ينظر إليها ولم يعي مـ.ـا.تقوله.. شعرها الحريري الأسود كان مبتلًا وبشرتها النضرة دومًا كانت ندية بشكل لافت ..عبائتها الخفيفة اظهرت امتلاء خفيف حوط جسدها برشاقة بعد النحافة الشـ.ـديدة قبل ذلك.. ابتلع ريقه وهو يسألها ببعض الهدوء :
- هي إيه بالظبط اللى مصدية؟ عشان انا اتخضيت لما شوفت رسالتك.
لوحت بيداها نحو المرحاض:
- انا بكلمك عن حنفية الحمام ياسعد .. دي باظت مني ومرداياش تتقفل.. بقالي ساعة عمالة احاول فيها وانشف بالمساحة عشان الشقة مـ.ـا.تغرقش.
تقرب منها حتى اشتم رائحة الصابون في شعرها فسألها:
- هو انتي واخدة حمام؟
ارتدت للخلف منتفضة وقد رأت اشتعال الرغبة في عينيه.. فصاحت عليه تجفله:
- واخدة حمام ولا عني ماكنت متزفتة حتى.. انت مالك؟ مش تسمع الأول انا بكلمك في إيه؟
اظلمت عيناه وتبخرت رغبته بها في الهواء فقال مزرءًا:
- على أساس إني مـ.ـيـ.ـت في جمالك يااختي؟ دا انا بس كنت بجبر بخاطرك.
قالت ضاحكة بسخرية:
- ههه كتر خيرك ياشيخ ياسعد..خش ياخويا الحمام وشوف حنفيتك لا تغرق الشقة وتقع على اصحابها هي مش ناقصة .
جز على فكه غـ.ـيظًا منها قبل ان يتحرك نحو المرحاض فهتف ساخطًا :
- يخرب بيتك ياشيخة بهدلتي الدنيا .. يخرب بيتك ياشيخة
لوت شفتيها ولم ترد على سبابه وشتائمه وراقبته وهو يشمر بنطاله ويخلع قميصه في الأعلى ليضعهم على كنبة صغيرة في صالة الشقة قبل ان يدلف للحمام .. ويقوم بأعمال التصليح .
أجفلها مناديًا :
- هاتفضلي واقفة كتير كدة مكانك وتعمليلي فيها هانم؟ اخلصي يابت اعمليلي كوباية شاي .
تحركت متاففة لتفعل ما أمرها به ولكنها توقفت فجأة على صوت هاتفه.. تناولته وقبل ان تهتف منادية عليه لتنبيهه استوقفها الأسم الغريب .. رددته بدهشة:
- ن م .. ايه ده ؟ هو عامل اختصارة للأسماء .
دققت جيدًا في الرقم الذي لم يكن غريبًا عنها ..فتذكرت صاحبته على الفور فمصمصت شفتيها مستنكرة.. همت بتركه حتى لا تتسبب لنفسها بمشاكل معه.. ولكن مع انتهاء المكالمة صدر صوت رسالة قادmة في الهاتف بتطبيق الوتساب بنفس الرقم .. لم تقوى على حجب فضولها نحو رؤية الرسالة.. فقرأت ( عايزة اشوفك ضروري ياسعد .. انا عارفة انك مستغرب .. بس انا محتجالك قوي .. فاضي بكرة اجيلك الشقة؟ )
قضمت نعيمة على اطراف اظافرها بتـ.ـو.تر وهي تراقب نحو المرحاض وانشغال سعد في تصليح صنبور المياه.. فكتبت ترد باقتضاب:
( تعالي)!
تبسمت بانتشاء وهي تمسح الرسائل .. وتعود بنظرها مرة أخرى تراقب قبل ان تذهب نحو المطبخ وتفعل ما امرها به
خطت لداخل المنزل خلف زوجها وحريق صدرها مازل لم يهدأ ولم ينطفئ بعد.. بل ازداد اشتعالًا وهي تراقب تجهم زوجها وشروده معها طوال عودتهم بالسيارة.. وتجاهله لإحاديثها المتقطعة معه.. حتى افقدها حماسها وفرحتها المصطنعة امامه بزواج ابناءه لكسب وده .. ولكن طفح الكيل ولم تعُد بها قدرة على الصمت.. رمت حقيبتها على اقرب مقعدٍ وجدته امامها.. تهتف عليه متخصرة قبل ان يصل الى الممر المؤدي لغرفته.
- هو في إيه بالظبط؟ انا عايز افهم.
استدار على صيحتها مجفلًا يسألها عاقدًا حاجبيه :
- تفهمي إيه يانيرمين؟ وليه الزعيق ده أساسًا؟
اقتربت منه تردف بحدة:
- ما انا بسألك ياحبيبي عشان شايفاك مش معايا ولا حاسس بيا خالص وانا معاك .
زفر يرد عليها بسأم :
- شكلك كدة فاضية ولا زهقانة وعايزة تتسلى بكلام فارغ وانا ماعنديش وقت ليكي وعايز انام .
قالها وهم ان يستدير عنها ولكنها اجفتله صائحة بغير سيطرة:
- لدرجادي معدتش طايقني ياأدهم.. حتى كلمتين معايا مش متحمل تسمعهم.. هو انا لدرجادي بقيت تقيلة على قلبك.
اظلم وجهه بالغضب واحتدت عيناه نحوها فهتف عليها بغضب.
- في ايه يابت مالك؟ هو انتي اتنجننتي ولا عقلك ساح منك.. معنديش دmاغ انا لدلع النسوان على اَخر الليل دلوقتي 
انتفضت داخلها من صيحته الهادرة.. فهي أعلم الناس بشـ.ـدة ادهم المصري وقسوته لحظة الغضب.. تدفقت عيناها بالدmـ.ـو.ع علّها تساعدها قليلًا بمواجهته، ضغطت على عيناها بكفيها تستدعي البكاء بحرقة وصوت شهقاتها تصدر بصوت عالي.. رقت ملامح أدهم قليلًا رغم حنقه منها فقال ببعض الهدوء:
- يابـ.ـنت الناس هو انتي حد قرب منك عشان تنصبي المناحة دي دلوقتي؟ انا بصراحة مش فاهمك .
رفعت اليه عيناها المغرقة بالدmـ.ـو.ع ترد ببكاء:
- انا اللي معدتش فاهماك ياادهم.. دا انت كنت احن عليا من ابويا اللي اتحرمت منه وانا صغيرة.. ماكنتش بتعز عليا حاجة حتى لو طلبت عيونك.
سألها مضيقًا عيناه بتفكير:
- اه وايه اللي حصل بقى ؟
ردت بمسكنة:
- اللي حصل هو انك كرهتني باين ولا مليت مني؟ عيونك اللي فضحتك النهاردة وانت بتبص على مراتك القديمة خليتني احس بقيمتي عندك كويس اوي.. واعرف اني ماليش قيمة وسطكم انت وعيالك ومراتك.. طب انت حنيت لها..ذنبي ايه انا عشان تبعد عني وتحسسني اني كنت السبب في فرقتك عن مراتك حبيبتك وعيالك 
أشاح بعيناه عنها صامتًا لايجد ردًا على كلمـ.ـا.تها التي اصابت الحقيقة بداخله ولكنه يأبى الإعتراف فتابعت بمكر وهي تتقرب منه واضعة يدها على ذراعه فقالت بنعومة
- انا مقصديش افرقك عنهم ولا اكرهك فيهم.. انا يس مش عايزاك تبعد عني ياأدهم.. حتى لو هاترجع لهم.. دا انا مقطوعة من شجرة وماليش غيرك في الدنيا دي كلها.. انت اهلي وانت نتسي كلها.
ربت بكفها على كف يدها التى وضعتها على ذراعه قائلًا بلطف:
- انا مبعدتش عنك يانرمين ولا هابعد ياستي.. فبلاش تنكدي عليا وعلى نفسك وشيلي الفكر دا من دmاغك.. انا النهاردة كان فرح ولادي فشئ طبيعي اني اسرح ولا اتلهي عنك .
كذاب.. تعلم انه جيدًا انه كاذب ولكنها قررت مسايرته لتصل لغرضها :
- طيب ما انا كمان كنت مبسوطة اوي بفرحهم النهاردة ولولا اني عارفة بوضعي معاهم لكنت رقصت ودرمغت الدنيا... بس بقى انا عارفاهم مش طيقاني ولا هايقبلوا بفرحتي معاهم .. مع اني ربنا العالم اني بعتبرهم زي اخواتي واكتر.. وامهم بقى الله يسهلها .
رفع حاجبه بشر وهو يسألها :
- قصدك ايه يانيرمين على امهم بالجملة الاَخيرة دي ؟
عادت لخـ.ـو.فها من غضبهِ مرة أخرى فقالت بتردد؟
- انا مقصديش حاجة وحشة طبعًا ياادهم.. انا بس اقصد على قسوتها معاك وتكبرها عن الصلح.
نزع يدها بعنف ليذهب عنها:
- اللي بيني وبينها مالكيش دعوة بيه يانرمين.. خليكي في نفسك انتي وبس .
قال الاَخيرة من بين اسنانه قبل ان يستدير ولكنها جذبته من ذراعه توقفه:
- طيب ماشي خليني في نفسي وبس ياادهم انا قابلة.. بس بقى انا نفسي اخلف عيل منك..
التف اليه برأسه قائلًا :
- ومـ.ـا.تخلفي يااختي انا مانعك .
قالت بلهفة:
- حلو اوي يعني هاتقبل تروح معايا عندك الدكتور بكرة؟
ابتسم بزاوية فمه يقول:
- واروح ليه عند الدكتور ياحبيبتي؟ انا راجـ.ـل سبق لي الخلفة قبل كدة.. يعني ماعنديش عيب.. شوفي انتي بقى نفسك.. ايه اللي مانع عندك؟
سقطت يدها عنه بصدmة وذهب هو من أمامها غير مبالي تأثير كلمـ.ـا.ته عليها..
كتمت انهيارها وهي تضـ.ـر.ب بقبضتيها على جانبيها وعلى وشك الانفجار.. لقد رأتها في عيناه.. ادهم المصري لم يعد يريدها حتى لو انكر ذلك.. الشعور بالخطر كاد ان يذهب بعقلها.. دون ان تدري تناولت هاتفها تطلب رقمه تبتغي المشورة لإنقاذها.. حينما لم يجيب على المكالمة..لم تتردد في ارسال رسائلها اليه وكان جاوبه رسالة بكلمة واحدة ( تعالي) هدأت انفاسها قليلًا لانتظار الصباح.. ولكن عاد اليها شعور الحسرة حينما تذكرت وضعها هي الاَن مع الرجل العجوز.. ووضع العرسان الشباب الذين خرجوا ليحتفلوا مع عرائس الهنا وحدهم بحرية ومبـ.ـاركة الجميع.. ابتعلت مرار حلقها وهي تهمس بغل:
- يعني انا بس اللي اتكتب عليا الغلب والحظ المنيل.
..................................
بداخل السيارة التي كانت تصدح بأغاني المهرجانات وكانها هي الأخرى مهرجان بالأصوات العالية الصادرة من داخلها.. كان حسين في المقعد الخلفي مع محبوبته يردد لها الكلمـ.ـا.ت خلف المطرب بصوته الغالي وهي تشاركة أيضًا:
بهوايا إنت قاعدة معايا عينيك ليّ مراية، يا جمال مراية العين
خليك لو هتمشي أناديك، إنت ليّ أنا ليك احنا الإثنين قاطعين
تسيبيني أكره حياتي وسنيني هتوه ومش هلاقيني، وهشرب خمور وحشيش
وتجيني تلاقيني لسه بخيري، مش هتبقي لغيري
أيوه أنا غيري مفيش .
صاح عليهم من الأمام وهو جالس خلفه المقود يقود بيدٍ السيارة واليد الأخرى ممسكة بكف فجر الجالسة بجواره على المقعد الاَخر :
- لم نفسك ياض انت وهي.. صوتكم وحش ويصحي المـ.ـيـ.ـتين .
ردت شروق وهي تضحك بمرح :
- الله ياعم علاء مانفرحش يعني بنفسينا ونهيص واحنا النهاردة عرسان .
ردد خلفها حسين:
- ايوة صح ياعم علاء.. احنا عرسان ومن حقنا نفرح ونسمع الناس اللي ماشية كمان في الشارع عشان تفرح معانا.
هتف علاء متصنع التذمر رغم سعادته البادية على وجهه:
- عما الدبب يابعيد .. انتوا الاتنين ارخم من بعض وما جمع اللي اما وفق.
انفجر الثلاثة في الضحك حتى فجر التي كانت تخبئ فاهاها بكفها وشعور الحرج يكاد يقــ,تــلها مع وضع كفها الضاغط عليها بكفه فوق ركبته.. القى اليها نظرة سريعة بوجهه المبتسم قبل ان يعود اليهم .
- يعني مش كفاية قبلنا بيكم تركبوا معانا وتكتموا على نفسنا.. كمان بتصدعونا بأصواتكم النشاز ؟
رد حسين وهو يلف ذراعهِ على كتف شروق:
- بصراحة ياباشا احنا كنا محتاجين الخروجة دي.. عشان انا والبنية بقالنا فترة كبيرة مخرجناش.. واهو كمان عشان مانسيبكمش لوحدكم .. انتوا برضوا لسة جداد وما لحقتوش تاخدوا على بعض .
- وانتوا بقى اللي خدتوا بعض!
قالها باستنكار قبل ان يهتف حازمًا :
- شيل ايدك من على كتفها ياض .
رد حسين بغمزة:
- لما تسيب انت كف عروستك ياحبيبي ابقى ارفع انا دراعي عن عروستي .
قهقهت شروق وهي تدفن رأسها بكتفه بسعادة انعكست على وجه حبيبها.. واثارت سخط علاء،الذي تمتم في الأمام .
- عيل بـ.ـارد وغتت ومـ.ـر.اته نسخة منه .
لعب حسين اليه بحاجبيه يغـ.ـيظه.. وهو تجاهله حينما سمع همستها الخجلة بمرح:
- خلاص سيبهم وملكش دعوة بيهم .. هما فعلًا شبه بعض على فكرة.
- وانتي حتة مني وحبيبتي .
قالها وهو يرفع كفها الى فمه يقبلها.. ولكنه انتفض على صيحة حسين :
- ايوة بقى عالرومانسيات احنا كدة هانغير .
تناول زجاجة مياه فارغة يدفعه لخلف عليه هاتفًا بغـ.ـيظ:
- ابو شكلك ياشيخ .. دا انت فعلًا عيل غتت. .
قالها علاء وانفجرا الثلاثة مرة أخرى في الضحك حتى اصابته العدوة منهم.. وشاركهم.
...................................
توقفت السيارة امام مدينة الملاهي الشهيرة.. فترجل الشقيقان منها اولًا قبل السيدات .. نظر علاء للواجهة الكبيرة المضيئة فقال بامتعاض:
- يعني برضوا دا كلام ياجدعان.. عايزني وانا في سني ده اركب مراجيح ولعب عيال .. هو دا برضوا الوقت الحلو بالنسبالكم ؟
ردت شروق بحماس ولهفة والتي غطت كتفي فستانها بسترة حسين:
- لعب عيال ايه بس؟ دا جوا دنيا تانية ياعلاء وربنا.. ناس كتير كبيرة وصغيرة الكل فيها بيقضي وقت حلو وجميل.
- ردد خلفها حسين :
- فعلًا ياعلاء المكان جوا هايبسطك بجد.. ثم ايه حكاية سنك دي؟ هو انت عجزت ياعم؟ دا انت حتى في عز شبابك ياراجـ.ـل.
التفت اليها يسألها :
- ايه رأيك؟ ندخل مع جوز المجانين دول ولا نخلع منهم احنا ونروح حتة تانية تكون هادية ؟
قالت بابتسامة :
- خلاص بقى.. مدام المجانين اختاروا النهاردة نوافق احنا ونخلي الحتة الهادية وقت تاني .
كاد قلبه ان يخرج من صدره من فرط السعادة التي يشعر بها وهو ينظر الى وجهها الجميل وهي تجيبه بخجل .. وقد انعكست الاضواء المبهجة على وجهها الملائكي ذو الزينة المتقنة وفستانها الزهري فزادتها تألقًا وجمالًا .. ذكرته بأميرة قد رأها قبل ذلك في إحدي افلام ديزني.
خرج من شروده على صيحة شروق وهي تدفع شقيقتها للأمام فاجفلتها منتفضة :
- مـ.ـا.تتحركي بقى يابت وبلاش تناحة.. انت هاتفضلي لازقة مكانك كدة كتير؟
تحرك امامها ملوحًا بقبضته بجدية مصنطعة:
- شيلي ايدك من عليها ومـ.ـا.تزوقيهاش ولا تضـ.ـر.بيها.. انا على اَخري اساسًا منك وانت وعريس الهنا بتاعك .
ارتدت للخلف مقهقة بشقاوة فجذبها حسين اليه.. يقف لأخيه :
- في ايه ياعم؟ انت هاتضـ.ـر.بنا بجد ولا ايه؟ امال لو عرفت ان العزومة كلها على حسابك النهاردة هاتعمل ايه بقى....اجري ياشروق اجري.
قال الاَخيرة وهو يجذبها من يدها للهروب من علاء الذي استوحشت ملامحه امامهم بمزاح .. واصوات ضحكاتهم تسبقهم في العدو .
التفت الى حبيبته التي كانت تضحك على مشهد  الاثنان بمرح ..فرد كفهِ اليها قائلًا :
- انتي هاتفضلي واقفة مكانك بجد ولا إيه؟ مش ياللا بقى عشان نحصل المجانين دول .
وضعت كفها بكفهِ بابتسامتها الجميلة.. ليتابعا سيرهم خلف شقيقهِ وشقيقتها.. الى داخل مدينة الملاهي حيث يحتفل الأربعة بمناسبة عقد قرانهم .
................................
وبداخل إحدى المطاعم وعلى طاولة وحدهم بإحدى الزوايا المختصرة بالمحل.. توقفت عن تناول طعامها بملامح واجمة تسأله:
- عايزني اسافر معاك ؟
رد بدهشة:
- ايوة يا سحر تسافري معايا.. فيها إيه بقى؟
صمتت قليلًا تستوعب قبل ان ترد :
- فيها كتير طبعًا يا رمزي.. بقى عايزني اسيب امي وشغلي واسافر كدة لبلد معرفش فيها حد وغريبة عني كمان؟
- البلد دي فيها شغل جوزك ياسحر.. يعني فيها اكل عيشه وبكرة بإذن الله.. هاتبقي بلد ولادنا لما ناخد الجنسية من عندهم .
- كمان عايزني افضل هناك انا وعيالي لما تاخد الجنسية ؟
- وفيها ايه ياسحر لما نعيش فيها ونكبر ولادنا هناك؟ البلد متقدmة والتعليم فيها مستوى تاني.. دي حلم لناس كتير وفرصة الشباب بتمـ.ـو.ت نفسها عشانها .
اشاحت بعيناها عنه صامتة وقد ذهبت شهيتها لتناول الطعام بغير رجعة.. سألها رمزي :
- هو لدرجادي القرار صعب عليكي ياسحر؟ انا افتكرتك هاتنبسطي بالعيشة هناك .
التفت ترد عليه:
- لا يا رمزي انا لايمكن انبسط في بلد غير بلدي ولا مكان مش موجودة فيه امي.. برغم كل عمايلها معايا اللي بتحرق دmي.. بس مقدرش اسيبها .
سألها بتجهم :
- يعني هو دا اَخر كلامك ياسحر معايا؟ ومافيش بقى فرصة حتى عشان تفكري ؟
........................... 
حينما عادوا اَخيرًا بعد سهرة طويلة في قضاء وقتهم الممتع بداخل مدينة الملاهي.. بتجربة الالعاب المعروفة بها او التنزه وتناول المثلجات.. امام البناية السكنية الموجود فيها شققهم .. تركهم حسين على مضض للعودة بسيارته الى منزله مع والده وزوجة والده نيرمين .. صعدت قبلها شروق تسبقها الى منزلهم.. اما هي فكانت تصعد الدرج بخطواتٍ متمهلة معه .. تنظر بسعادة للدبٍ القطني الكبير بين ذراعيها والذي ابتاعه لها لتتذكر المناسبة.
سألها بدهشة:
- مكنتش اعرف ان الحاجات دي هاتعجبك زي بقية البنات.
ردت بابتسامتها الرائعة:
- بصراحة وانا كمان.. طول عمري بشوف الحاجات دي مع البنات واقول عليها تفاهات.. بس منك انت حسيتها لها طعم حلو اوي .
اشرقت ملامح وجهه بأثر كلمـ.ـا.تها وسألها:
- انا مش عايز ابقى غلس بس انا نفسي اسألك يافجر .. هو انتي عمرك ما حبيتي ولا حتى عجبك حد ؟
شـ.ـددت بذراعيها على الدب داخل أحضانها وهزت رأسها بنفي قبل ان ترد:
- عمري ياعلاء .. اصل انا دايمًا عندك فكرة مقدسة للرومانسة وهي انها ما يصحش تبقى غير مع واحد بس والواحد دا لازم يبقى الحبيب .. والحب الحقيقي اكيد ما بيبقاش بالسهولة اللي تخلينا نلاقيه في طريقنا كتير .. عشان كدة بصراحة انا مكنتش مصدقة مشاعري في البداية ناحيتك .
توقف مذهولًا من كلمـ.ـا.تها التي اصابت قلبه في الصميم ..ود لو يحتضنها ويعبر عن ما يجيش بصدره نحوها بالفعل وليس الكلام .
- وقفت ليه مكانك؟ مش ناوي تدخل الشقة تطمن خالتي زهيرة بقى برجوعك ..دي زمانها قلقانة عليك عشان اتأخرنا .
اكتشف انه في الدرجة التي قبل الأخيرة وهي تخطته لتصل إلى شقتهم . لعن حظه لأنه لم يتمكن من تنفيذ ما يشعر به 
لوحت له بكفها وهي على باب منزلهم :
- إيييه بقولك اتحرك ياعلاء.. هو انت سرحت في إيه بالظبط ؟ 
التفتت لتقرع جرس منزلهم حينما وجدته يتحرك بخطواته نحو شقتهم ولكنها شهقت متفاجئة حينما باغتها بقلبة سريعة على وجنتيها قبل ان يذهب من امامها سريعًا غامزًا بعيناه .
توسعت عيناه و رأسها ملتفة للخلف نحوه تتبعه وهو يدلف لداخل شقتهم التي فتحها بمفتاحه فاارسل اليها قبلة في الهواء مع ابتسامة متسلية بمكر.. قبل ان يختفي بداخلها تزامنًا مع فتح باب شقتها .. التفتت فجر راسها بحدة على هذا الصوت الذي سمعته يناديها بمرح على مدخل باب منزلهم:
- الابلة فجر بنفسها وصلت اَخيرًا !
جحظت عيناها بصدmة وهي ترى اخر شخص تتوقع رؤيته في هذه الليلة بالذات؟
بلعت ريقها وخرج صوتها باهتزاز :
- سميرة !
جذبتها الفتاة لداخل شقتهم واغلقت الباب لتعانقها بمحبة واشتياق قائلة:
- ايوة سميرة بـ.ـنت عمتك ياخـ.ـا.ينة انتي.. بقى بتتخطبي وتكتبي كتابك من غير حتى مـ.ـا.تفكري تتصلي بينا؟
اختفت الكلمـ.ـا.ت من ذهنها.. لاتدري بما تجيبها وهي غير قادرة حتى على تصنع الابتسامة.. كل ما استطاعت ان تفعله هو انها اومأت لها برأسها فقط .. وسمحت لها تجرجرها لداخل شقتهم وهي تعلم تمام العلم بما ينتظرها بالداخل!
- بـ.ـنت خالي فجر اخيرًا جات ياما.
قالتها سميرة وهي تخطو الى داخل غرفة المعيشة والتي اجتمع بها جميع افراد الأسرة للترحيب بشقيقة شاكر وابـ.ـنتها في زيارة لا تتكرر سوى مرة او مرتين في العام .. ولكن ان تأتي في هذه الليلة مخصوص .. هذا ماجعل البرودة تجتاح فجر بزعر .. وهي تشعر امامهم بزواجها من علاء بخيانة لذكرى فاتن بمجرد النظر لعمتها.. تقدmت بأطراف مرتعشة نحو المرأة التي وقفت لاستقبالها ..وقالت بغموض:
- اَخيرًا بقى وصلت الابلة فجر عشان نسلم عليها ونشوف وشها!
.............................
في اليوم التالي 
وبداخل شقة سعد كانت أمينة بداخل المطبخ تصنع لنفسها شطيرة من الجبن وتضع بداخلها شرائح من قطع الخيار ..لتناول وجبة افطارها والساعة قد اتمت العاشرة صباحًا حينما سمعت بصوت باب الشقة الذي فُتح بمفتاحه.. خرجت منه وهي تخمن عودة سعد رغم دهشتها التي لم تطل كثيرًا وتحولت لابتسامة عريضة شملت وجهها .. وهي تراها تخطوا لداخل الصالة الصغيرة وبيدها تحمل عدة اكياس لم تتبين ما بداخلها سوى الفاكهة.. كانت غافلة عنها .
فتكلمت أمينة بمرح وهي تستند بكتفها على الحائط تجفلها :
- نورتي الشقة يامدام نيرمين .
سقطت الأكياس من يداها الاثنتان وانتقلت عيناها تنظر نحوها برعـ.ـب تتمتم قاطبة حاحبيها:
- أمينة !
كتفت ذراعيها امامها ترد :
- ايوة امينة يا عنيا ..عاملة ايه انتي بقى؟ ياااا مدام نيرمين؟
تسمرت اقدامها عن التحرك وهي تنظر نحوها باضطراب، وكأنها لا تعي ولا تستوعب ان كان ما تراه الاَن هذا حقيقة أم خيال.. أمينة ابنة خالتها صديقة الطفولة وايأم الشقاء.. تقف أمامها وداخل شقة سعد بملابس بيتية مريحة.. وكأنها !
خرج صوتها اَخيرًا بتلجلج:
- انتي.. انتي إيه اللي..جابك هنا وو..لابسة ليه كدة؟
تجاهلت أمينة الرد عليها لتتحرك نحوها.. تتمختر بخطواتها حتى اقتربت منها لتقف أمامها وتحدق بعيناها صامتة مع هذه الإبتسامة العبثية المستفزة التي لم تفارق وجهها.. ونيرمين تبتلع ريقها بترقب.. لتباغتها امينة فجأة وهي تدنو للإسفل تلتقط الأكياس المبعثرة على الأرض .. فقالت فجأة وهي ترفعهم وترى ما بداخلهم .
- ياحلاوة ياولاد.. دي فرخة مشوية وفاكهة وازازة بيرة كمان...لزوم الجو .
قالت الاَخيرة بغمزة من عيناها اثارت سخط نيرمين فجعلتها تغمض عيناها وهي تقبض يداها وتشيح بوجهها عنها ..فلاحقتها امينة مقهقهة بالضحك:
- ههههه بتصرفي على سعد يانيرمين؟ هههه بتصرفي على سعد يا منيـ.ـلـ.ـة.. يخيبك بنية.. طب استنضفي طيب ههههه
استدارت لها نيرمين بغتة تمسكها من تلابيب ملابسها قائلة بشراسة :
- وانتي بروح امك بقى بتعملي ايه بقى هنا عشان افهم بس؟
قهقهت امينة بصوت عالي قائلة بمرح لتغـ.ـيظها:
- انا واحدة جوزها محبوس في قضية برشام.. والدنيا ملطشة معايا يعني ماحدش هايستغرب عليا اي فعل اعمله.. لكن انتي ياقمر ياللي واخدة الراجـ.ـل الغني الكبـ.ـارة.. جاية هنا ليه بقى؟ وكمان صارفة ومكلفة..لدرجادي ياروحي الشوق غالبك؟
صاحت تهزهزها بعنف:
- مالك انتي ومالي يازفتة؟ بتضحكي وتتمسخري عليا ولا أكنك قفشتيني معاه في اؤضة النوم.. اشحال ان ما كنت انا اللي طبيت عليكي في شقته وانتي قاعدة ومريحة فيها ولاكنك صاحبته ولا عشيقته؟ في إيه يابـ.ـنت محاسن؟ على اَخر الزمن كمان هايطلعلك صوت؟ يكونش نسيتي ياختي شغلة امك؟
اختفى العبث من وجه أمينة وهي تنزع كفي نرمين عن ملابسها بعنف فقبضت على رسخها بقوة .. تقول :
- ايوة انا بـ.ـنت محاسن يانيرمين وعارفة شغلة امي كويس اوي ومش ناسياها.. بس انا ياحبيبتي مش على راسي بطحة عشان اخاف ولا اكش.. عكسك انتي ياحلوة.. ياللي لعبتي ودورتي على حل شعرك ايام الفقر عشان تطولي فرصة كويسة.. وحصل.. ووصلتي للي انتي عايزاه.. دلوقتي بقى ايه حجتك عشان تخوني الراجـ.ـل الكبـ.ـارة جوزك مع سعد؟..
قالت الاَخيرة بقرف.. ونيرمين انعقد لسانها واتسعت عيناها زعرًا من هذه المـ.ـجـ.ـنو.نة التي أتت إليها في أشـ.ـد أوقاتها صعوبة.
.............................
زهيرة وهي جالسة بجواره على طرف الفراش تهزهزه بيداها وصوتها يهتف عليه ليستقيظ من غفوته العميقة على مايبدوا من عدm استجابته لها:
- علاء باشا.. انت ياحلو.. ياعريس ياقمر انت .. مـ.ـا.تصحى ياولا تعبت قلبي.
فتح اجفانه بغتةً وأشرق وجهه بابتسامة مرحة وهو يتناول كف يدها يقبلها:
- الف بعد الشر عليكي ياست الكل من تعب القلب .
لكزته بقبضتها حانقة:
- يعني انت صاحي من زمان بقى وبتستهبل عليا يازفت انت؟
خرجت الاَخيرة بشهقة وقد فاجئها بنهوضه على حين غرة يلف ذراعه على كتفها ويقبل وجنتها .. ويقول:
- طب واصحى انا ليه بقى واتحرم من الدلع بتاعك..ها.. قوليلي كدة يازوزو.. قوليلي .
على صوت ضحكاتها وهي تحاول التملص من ذراعيه:
- ايوة ياخويا اعملهم عليا.. بكرة تستكفى بحـ.ـضـ.ـنها ودلعها هي بـ.ـنت سميرة دي.
- والنبي ولا الف واحدة يغنوني عن دلع انتي ياست الكل ياقمر .
ازدادت ضحكاتها ولكنها اجفلته:
- طب خلاص بقى واض سيبني عايزة اقوم .. صاحي ياخويا فايق ورايق.. باين عليها السهرة كانت صباحي مع حبيبة القلب على التليفون بعد مارجعت من مشوارك متاخر.
نزع ذراعه عنها وقال بجدية:
- ابدًا والله ياامي.. دي حتى ما ردت على أي اتصال مني.. معرفش ليه؟
نهضت من جواره وهي ترد :
- تلاقيها بس تعبت ونامت.. قوم انت بس وصحصح دا النهاردة الجمعة.. ودي مش عادتك تتأخر كدة في النوم .
- ليه هي الساعة كام ؟
- الساعة عشرة ياحبيبي .
قالتها وهي تتحرك للخروج وهو نهض مجفلًا يتناول هاتفه:
- يانهار ابيض.. كل دا سيباني نايم ياامي؟ طب الحق اتصل بيها اشوف مالها دي؟ مارنتش ليه هي كمان؟
خاطبته زهيرة قبل ان تخرج من غرفته :
- علاء.. مـ.ـا.تنساش ياحبيبي بعد مـ.ـا.تخلص كلامك في التليفون مع فجر تتصل باخوك.. عايزاه يجيني
سألها :
- عايزاه في ايه ياماما؟
قالت بقلق :
- يعني مش حاجة بعينها.. انا بس عايزاه يجي وخلاص.
اومأ بسبابته على الناحيتين من وجهه بابتسامة حنونة:
- من عنيا الجوز .. ليكي عليا لو مجاش بنفسه اسحبهولك انا من قفاه
بابتسامة انارت وجهها:
- تسلملي عيونك ياروح قلبي .
.............................
وفي الشقة المجاورة وبداخل غرفتها.. اتاها اتصاله وكأنه نجدة من السماء لتنهض من جوار ابنة عمتها.. التي كانت نائمة بجوارها على الفراش.. سارت على أطراف اصابعها حتى دخلت الشرفة.. اجابته بصوتٍ خفيض :
- ايوة ياعلاء.. صباح الفل والورد ياحبيبي .
- .................
- عارفة وربنا عارفة.. بس اعمل أيه بقى؟ ما انت مـ.ـا.تعرفش اللي حصل؟
- ...............
- عمتي ياعلاء.. وصلت امبـ.ـارح وانا مكنتش قادرة اتنفس حتى من الإحراج وانا معاهم.. ربنا وحده اللي عالم الليلة دي عدت عليا ازاي؟ 
- ..................
- ازاي بس ياعلاء؟ ماكنش ينفع طبعًا ارد عليك انت بالذات وانا متحاصرة بوجودها حواليا.. دي نظراتها غريبة اوي ناحيتي..
- ......................
- حاضر ححاول طبعًا.. بس انت مـ.ـا.تزعلش مني ياروح قلبي.
- روح قلبك برضو ياأبلة فجر؟
انتفضت فجر وهى ترى ابنة عمتها امامها على باب الشرفة.. والتي تابعت بغمزة من عيناها.
- هو انت بتكلمي حبيب القلب ؟
هزت رأسها بتـ.ـو.تر وهي تنهي المكالمة سريعًا..ثم التفتت لها قائلة :
- هو انتي صحيتي من امتى ياسميحة؟
ضيقت الفتاة عيناها وردت بابتسامة ماكرة:
- بتقفلي السكة في وش خطيبك يافجر عشان ماسمعش كلامكم وكمان عايزة تلهيني؟
- ألهيكي!
قالتها فجر بتعجب من سماجتها .. فسميحة ابنة عمتها هذه والتي تزوجت عن عمر السادسة عشر وهي تشبه شقيقتها الراحلة في بعض الملامح الدقيقة بوجهها ولكن ليست برقتها ولا رقيها.. تعاملها بتبسط ولا تراعي فرق العمر بينهم والذي يتعدي السبع سنوات.. تزعجها منذ الأمس بالأسئلة الفضولية والأحاديث الخاصة.. وكأن بزواجها قد قفزت لعمرها واصبحت صديقتها فجأة !
- سكتي وسرحتي في إيه تاني ياابلة فجر؟ هو لدرجادي كلامه حلو؟
قطبت فجر حاجبيها دهشة واستنكار قبل ان ترد ببعض الحكمة:
- هو انتي مش متجوزة برضوا ياسمحية؟ يعني أكيد جربتي؟ 
زمت سميحة شفتيها بحنق تجيبها:
- ياختي هما شهرين بس اللي اتخطبت فيهم وكنت ساعتها انا بجهز نفسي وهو بيجهز الشقة.. بالعافـ.ـية كنا بنشوف بعض خـ.ـطـ.ـف كدة وبعد الجواز.. هما برضوا شهرين وسافر ياختي على الخليج وسابني .. يعني مالحقناش حتى نعرف بعض.
رقت ملامح فجر نحو الفتاة التي في عمر الطالبات بمدرستها.. ولكنها لم تستطع كبح السؤال الذي يلح بداخلها منذ الأمس :
- معلش ياسميحة في سؤالي.. بس انا بصراحة كان نفسي اعرف.. هي فاتن مـ.ـا.تت ازاي؟
ردت سميحة بعفويتها :
- الله يرحمها اختي يارب ويبشبش الطوبة اللي تحت راسها.. انا عرفت من امي انها مـ.ـا.تت بحمى شـ.ـديدة.. اصل انا كنت صغيرة اوي ساعتها لما شوفت امي بتسحب فاتن وهي تعبانة مش،قادرة تفرد طولها.. وخرجت بيها توديها المستشفى وبعدها بقى مارجعتش على بيتنا غير بكفنها.
التمعت عيناها فجر وهي تتذكرها وترسم بعقلها هذا المشهد وكانها تراه امامها وتشعر بألمها.. انتفضت فجاة على صيحة سميحة:
- برضوا مش هاتحيكيلي عريسك كان بيقولك إيه؟
حدقت اليها بجزع .. هذه الفتاة المزعجة لا تشبه فاتن على الإطـ.ـلا.ق ولا حتى بالملامح.
..............................
بملامج متجهمة اقترب من ابيه الذي كان يتحدث في الهاتف وهو جالس على إحدى الاَرائك وعيناه مثبتة على شاشة التلفاز .
- صباح الخير ياابو علاء .
التفت اليه أدهم ونحى الهاتف عن أذنه بعد ان استأذن محدثه في الناحية الاخرى قبل ان يرد ببشاشة :
- صباح الفل ياحبيبي.. لابس كدة ورايح فين ؟
رد بغموض :
- ورايا مشوار مهم عايز اعمله.. المهم بقى انا حاسس الجو هدوء يعني؟ هو انت مافيش حد معاك؟
رد أدهم بابتسامة:
- لا مافيش حد معايا ياحسين باشا.. نيرمين استأذنتي تزور واحدة قريبتها عيانة .
اومأ برأسه بملامح مغلفة لا توحي بشئ.. تابع ادهم :
- مـ.ـا.تتأخرش بقى في مشوارك ياحسين.. عايز اقعد معاك يابني شوية.. دا النهاردة الجمعة .
- تحرك للخلف وهو يتحدث بوعد :
- اخلص بس مشواري ياابو علاء وانا هاجيلك واقعد معاك قعدة طويلة كمان بس اخلص مشواري .
ترك ابيه يكمل مكالمته واستدار هو للخروج.. بوجه جـ.ـا.مد.. يتصاعد الغضب من كل خلية بجسده.. يريد التأكد بنفسه من صدق المعلومـ.ـا.ت التي اخبره بها حودة..
وبعدها لا يلومن المخطئ الا نفسه على حصد نتائج أفعاله:
قبل دقائق .
- استيقظ حسين على صوت هاتفه المزعج ينبئه بورود مكالمة.. رد بصوت ناعس .
- الوو .. ايوة ياحودة عايز ايه عالصبح ؟
وصله الصوت الاهث :
- ايوة ياحسين باشا.. في حاجة مهمة اوي عايزة اقولهالك .
اعتدل عن الفراش بجذعه قائلًا بلهفة :
- معلومـ.ـا.ت إيه ياحودة..هي البت دي خرجت ولا الواد سعد عمل حاجة تاني ؟
رد الاَخر بقلق:
- لا دي ولا دي ياحسين باشا.. دا حاجة غريبة كدة انا مستغربلها وو..
قاطعه بحدة :
- انت لسه هاتوقوق... مـ.ـا.تخلص قول يابني انت في إيه؟
- بصراحة كدة بقى انا شوفت الست نيرمين داخلة العمارة اللي فيها شقة سعد.. واما راقبتها لقيتها بتدخل شقة سعد بعد ما فتحتها بمفاتح كام معاها في شنطتها !
انتفض واقفاً عن الفراش فقال بحزم:
- انت متأكد من كلامك ياحودة ؟
- والله ياباشا زي ما بقولك كدة .. هو انا هتوه عنها ؟
تأجج صدره بالغضب وعقله يدور فى عدة سيناريوهات..فقال :
- اسمع ياحودة .. انا عايز اعرف البت دي بتعمل ايه في الشقة فاهمني؟
- ازاي بس؟ هو انا هاعرف منين بقى ؟
قال مشـ.ـددًا وهو يتحرك بغير بغرفته كالأسد الحبيس :
- اتصرف ياحودة ولا شوف أي طريقة.. انا عايز اعرف البت دي دورها ايه مع الكلاب دول.. وليك عليا ازودك بالفلوس اللي تغنيك عن الشغل والمرمطة.
..............................
وفي الجهة الأخرى .
وقف حودة بوجه ملثم يترقب حركة الأشخاص الخفيفة في هذه المنطقة النائية.. خلف البناية القديمة المتشققةو الموجود بها شقة سعد.. يبحث عن منفذ يمكنه من الصعود والدخول بداخل الشقة.. لقد وعده حسين بالمال الوفير الذي سيمكنه من تأسيس مشروع جديد يعيش بعائده .. ولكن هذا رغم اغرائه يأتي بالمرتبة الثانية لديه.. فهو متشوق لكشف حقيقة سعد مع هؤلاء النساء . ويبدوا انه قد وجد الطريقة !
بخفة الفهد تسلق على إحدي مواسير الصرف مستغلًا عدm ثقل وزنه.. حتى تمكن من الصعود الى الشرفة الإسمنتية.. سقط بداخلها ولحسن حظه كانت نافذتها مفتوحة.. دلف من خلالها بحرص الى داخل غرفة النوم .. مشطها سريعًا بعيناه فانتبه على هذه الأصوات الصادرة عن قريب.. خطى بخطواته حتى اصبح خلف الباب الذي فتحه بمواربة ليرى هاتان المرأتان واقفتان بوسط الصالة الضيقة .. جذبه حديثهم فتناول هاتفه ليتقط الصور ويسجل ثم يرسل الرسائل تباعًا لحسين الذي طلب منه ان يتابع معه مايحدث لحظةً بلحظة.
..................................
وعند نيرمين التي هدرت على امينة حانقة وهي تدفعها للخلف:
- مـ.ـا.تحلي بقا عني يابت.. مالك انتي باللي بعمله ولا اهببه مع سعد؟ إيه ياعنيا؟ رجعتي تحنيلوا تاني بعد مارماكي زي الكـ.ـلـ.ـبة زمان .
صدرت ضحكة ساخرة من امينة وهي ترد:
- احن لسعد؟! طب بذمتك انتي مصدقة نفسك وانتي بتقوليها؟ سعد دا كان فترة وعدت من حياتي وانا صغيرة.. لما كنت زي الغرقانة بدور على قشاية تسندني وتخرجني من جو امي والرجـ.ـا.لة اللي كانت داخلة خارجة عندها.. مكنتش لسة عرفت الدنيا على حقيقتها.. سعد ياحبيبتي كان بيضحك عليا بكلامه المزوق والناعم وانا من هبلي كنت فاكراه هايتجوزني في حلال ربنا ويبعدني عن امي وقرفها .. لكن انتي بقى ياعنيا .. ايه حجتك عشان تمشي معاه في سكته هاا؟ 
هزت رأسها بعدm احتمال وهي تنفي :
- سكة مين يامـ.ـجـ.ـنو.نة انتي؟ انا مش فاهمة انتي عملالي تحقيقي ليه اساسًا ؟ هو انتي لدرجادي الغيرة قــ,تــلاكي من ناحيتي؟ لدرجادي بتحقدي عليا عشان انا اتجوزت راجـ.ـل غني واستريحت وانت فضلتي في المرمطة والفقر.. ايه ذنبي انا ان كنتي اتجوازتي واحد بياع البرشام ورد سجون؟ كل واحد بياخد اللي يستحقه.. انا ربنا خلقني حلوة وجميلة وانتي ربنا خلقك وجمالك على قدك.. ايه ذنبي فيها دي بقى ؟
صدرت ضحكة امينة بصوت عالي ورقيع مستهزئة بما قالته:
- هو انتي لسة برضوا فيكي الانعرة الكـ.ـد.ابة دي يانيرمين ؟ فاكرة زمان لما كنتي تلبسي الدهب الصيني قدام الناس وتقولي دا حقيقي.. ولا افكرك احسن بالحلق الكبير النحاس اللي كنتي بتفتخري بيه قدام البنات في المصنع.. على اساس انهم هبل ومايعرفوش الفرق .. فاكرة الحلق يانيرمين .
قالت الاَخيرة وهي تخرجة من جيب عبائتها البيتية .. وتلوح به امامها.
جحظت عيناها نيرمين وتدلى فكها بعدm تصديق .. همت لتتناوله ولكن امينة ابعدته عن مرمى يديها .. وهي تقول بمرح:
- عارفة يانيرمين .. لما لقيته في كيس المخدة وانا برتب اوضة النوم جوا .. استغربت قوي.. انه لسه عايش معاكي.. بس اسغربت اكتر لما عرفت انك ماشية مع سعد بقالك سنين.. ههههههه .
رفعت نيرمين يدها نحو القرط تريد تناوله بانهيار فتلاعبت بها امينه وهي تبعده عنها باستمتاع وتابعت:
- الا قوليلي صح؟ هو انتي عرفتي توقعي الراجـ.ـل الكبير دا ازاي؟ ها؟ ومين دلك على سكته اساسًا ؟ سعد برضوا؟ ههههه
هتفت عليها بتشجنج :
- كفاية بقى ياامينة والا وديني لاكون حاكية لعلاء عالسر اللي بينك وبين سعد!
توقف امينة فجأة عن مـ.ـا.تفعله تسألها بصدmة وعدm تصديق:
- سر إيه ؟ انا مافيش بيني وبين سعد أسرار .
ردت نرمين وقد شعرت أنها قد اصابت هدفها :
- لأ في؟ والسر الخطير دا هو اللي خلاكي تقبلي تتجوزي البرشامجي.. وخلى سعد يقطع صلته بيكي.. اوعي تفتكري اني مكنتش فاهماكي.. اينعم انتي وسعد ماحدش فيكم كان نطق بحرف.. بس انا ولبنى اخت سعد ..فهمناها لوحدنا لما اختفيتي فجاة عن الشغل عند البيه اللي اسمه عصام صاحب علاء .. لبنى اخت سعد حكتلي بنفسها انها في مرة سمعت اخوها وهو بيحذرك وينبه عليكي في التليفون عشان مـ.ـا.تعتبيش بيتهم تاني ولا تعتبي الشارع حتى عندهم ..لعلاء ولا الدكتور عصام حد فيهم يشوفك وساعتها هاتروحي في داهية .
تسمرت امينة مكانها وشحب وجهها ليقارب صفار المـ.ـو.تى.. فقالت بصعوبة وهي تحاول ابتلاع ريقها الجاف :
- بقولك ايه يابت انتي.. مـ.ـا.تحاوليش تلعبي عليا وتخترعي قصص من عندك .. انا ماعنديش قصص ولا حكاوي عشان اخاف منها .
هذه المرة ضحكت نيرمين وهي تنظر نحوها بتشفي وقد تبينت الحقيقة وصدق تخمينها من هيئة غريمتها المزرية .. فقالت بميوعة:
- ماشي ياعنيا زي ما تحبي.. اصل بصراحة انا معرفش حقيقة السر دا ايه بالظبط.. بس طبعًا لو روحت لعلاء وبلغته بكلام لبنى اخت سعد اللي عدى عليه سنين.. وبلغته بعنوانك انتي هنا .. اكيد طبعًا هايفتكر ويعرف ولا انتي إيه رأيك؟
عند هذه النقطة رفعت امينة راية الاستسلام .. فمدت اليه كفها مفتوحة كي تتناول قرطها وقالت بصوت محذر وخارج بصعوبة:
- خدي حلقك واطلعي من هنا يانيرمين.. وحسك عينك الكلام دا يطلع قدام حد تاني.. عشان ساعتها ياحبيبتي ..انا هافضحك قدام جوزك وابلغه بعلاقتك بسعد ولو حصلت اجيبله تاريخك كله واسماء الرجـ.ـا.لة اللي مشيتي معاهم .
ابتسمت نيرمين بانتصار وهي تتناول القرط .. فتحركت للذهاب بخطواتٍ بطيئة وواثقة .. وقبل ان تصل للباب اوقفتها امينة وهي تهتف باسمها:
- نيرمين .. نصيحة ليكي ياريت كمان مـ.ـا.توصليش اللي حصل ده لسعد .. عشان ساعتها انتي اللي هاتتأذي بجد.
لوت شفتيها بسخرية وهي تنظر اليها بصمت دون ان تريحها ولو بكلمة.. ثم ما لبثت ان تتحرك فتصل الى مقبض الباب لتفتحه.. فكانت الصدmة التي جعلتها تتمنى لو انها تهذي او أن مـ.ـا.تراه هو من وحي خيالها فقط.. همست بغير تصديق .
- حسين !!
أغمض عيناه وتنهد بسأم وهو يستمع لإلحاح أخيه عليه في الهاتف بعد ان رد على اتصاله اَخيرًا.. بعد عدة اتصالات منه كان قد تجاهلها في خضم انشغاله مع رسائل حودة وسماع التسجيلات .. حتى انه تجاهل اتصالات شروق بهِ واكتفى بإرسال رسالة موجزة لها على تطبيق الوتساب يخبرها انه سيحاول الاتصال به لاحقًا لانشغاله مع أحد الأشخاص.. قال بتعب:
- يابني خلاص بقولك هاجي ان شاء الله.. بس مش لازم يعني يكون على الغدا.. سيبني بس افضى شوية كدة من المشوار اللي في ايدي.. وبعدها اشوف بقى.
- ........................
- ياحبيبي ابوس ايدك سيبني دلوقتي انا مش فاضي.. هاتصل بيك بعد شوية ..... خلاص ياعلاء ياحبيبي فهمت..... طمنها بس انت وقولها اني جاي النهاردة.. على العشا تمام ماشي........ ما انا كدة كدة كنت عايزك في كلام مهم ....... هو دا وقته؟ بقولك مشغول يابني اما شوفك هاقولك ..........سلام بقى الله يخليك.
انهى مكالمته سريعًا رغم شعوره بتعجب أخيه وارتيابه.. ولكنه مضطر لضيق الوقت بيده خصوصًا بعد اطلاعه على الرسالة الاَخيرة لحودة!
صفق باب سيارته يغلقه بقوة بعد ان ترجل منها.. ثم سار بضع الخطوات القليلة نحو المبني القديم.. بعد أن صف السيارة بجواره.. اعتلي الدرج المتهالك بخفة وسرعة حتى وصل امام الشقة الموصوفة له من حودة في الطابق الأول في الجهة اليمين.. وقبل ان يطرق بقبضته على باب الشقة.. رفع هاتفه ليرى اَخر التسجيلات المرسلة من حودة.. استمع لهذا الحوار الاَخير بين نيرمين وامينة وقبل انتهاء التسجيل بثواني قليلة..رفع رأسه نحو الباب الذي فُتح بغتةً.. فرأى نظرة نيرمين الجذعة بعد أن تفاجأت به.. اعتلت شفتيه إبتسامة متهكمة وهو يخاطبها:
- ايه يامدام مش هاتقوليلي اتفضل؟
حينما ظلت على تسمرها وفمها الذي يفتح ويغلق دون النطق ببـ.ـنت شفاه.. دفعها هو للداخل ودلف خلفها يغلق باب الشقة بملامح متجهمة أرعدتها فارتدت للخلف بخطواتها حتى اصطدmت بأمينة التي كانت واقفة بمحلها في وسط الصالة محدقة عليهم بدهشة.. لتفاجأ بحسين الذي كان يخطوا للداخل خلف نيرمين التي مازلت ترتد للخلف بظهرها:
- أنتي بقى أمينة ياروح امك ؟
قطبت حاجبيها مذهولة من حدته بالرغم من عدm معرفتها بهِ.. نقلت نظرها باستفسار نحو نيرمين التي التصقت بالجدار خلفها.. فاأجفلها هادرًا :
- انطقي يابت .
انتفضت مرتعبة فردت على الفور :
- ايوة يابيه انا أمينة.. بس هو انت مين بالظبط يعني؟ ظابط ولا شرطة؟
جز على فكه وهو يقترب بوجهه منها ينفث دخان من حريق صدره الغاضب ..فانتقلت عيناه نحو نيرمين يسألها بسخرية :
- إيه يامدام.. انتي مكسوفة ما ت عـ.ـر.فيها انا مين؟ طب اعملي بالعيش والملح اللي أكلتوه مع بعض في المصنع ولا حتى أيام شقاوتك.. قبل ما توقعي الراجـ.ـل الكبـ.ـارة في حبالك وتخليه يتجوزك بخبرتك الواسعة.. وبعدها برضوا تحني لأصلك تخونيه مع سعد الكل........؟
لطـ.ـمـ.ـت بكفيها على خديها وقد تأكد إليها استماعه لحديثها مع أمينة.. ولكن كيف هذا؟ رفعت عيناها نحو اعلى الحوائط لترى ان كان هناك كاميرا خفية.. لتفاجأ بخروج أحد الأشخاص من غرفة النوم ملثم الوجه.. غريزيًا اتجهت عيناها بشراسة نحو أمينة الواقفة محلها كتمثال حجري .. فاغرة فاهها بصدmه بلاحول لها وقوة ..استفقن الاثنتان على صيحة حسين :
- اصحي انتي وهي معايا انا معنديش وقت ليكم .
خرجت نيرمين من صمتها تدافع عن نفسها بصوتٍ مهتز:
- الكلام اللي سمعته من البت دي ياحسين انا بريئة منه.. دي واحدة غيرانة وحاقدة عليا.. زيارتي من الأساس النهاردة كانت فخ من تخطيطها وانا والنعمة مااعرف حتى ان دي شقة سعد .. اصل يعني لو هاخون جوزي صح لا سمح الله.. فينه هو دا اللي خونته معاه؟
هز رأسه بنظرة مزدرءة قبل ان يتجه لحودة الذي اظهر وجهه فانصعقت نيرمن :
- الواض دا راح فين ياحودة؟
رد حودة بعد أن نظر بطرف عينه نحو الاثنتان:
- الواض سعد من الفجرية كان في دmياط بيجيب نقلة خشب لورشته.. اخَر الأخبـ.ـار اللى وصلتني من مازن هي انهم وصلوا القاهرة.. وهما دلوقتي واقفين قدام محطة بنزين يمونوا العريية النقل ويريحوا شوية في الاستراحة هناك
اقتربت منه نيرمين وهي تتحدث بدفاعية مستغلة المعلومـ.ـا.ت الاَخيرة :
- اهو قالك بنفسه اهو انه من الفجرية برة البلد.. يعني انا بريئة اهو من التهمة الزور وكلام البت دي بت الحـ.ـر.ام.. دي شايفة الناس كلها أوساخ زيها هي وامها .
نزل حسين بانظاره للإسفل نحو الأكياس المرتمية على الأرض قبل ان ينقلها مرة أخرى نحو نيرمين بابتسامة ساخرة ذات مغزى .. قبل ان يقول لها من بين أسنانه :
- عارفة يابت ال..... لولا بس ان عندي اللي اهم منك وعشان انتي خلاص كمان بقيتي كارت محروق ومن النهاردة هاترجعي لمكانك الطبيعي في اقرب مقلب زبـ.ـا.لة.. لكنت انتظرت عشان اشهد عليكي العمارة كلها مع الكل.... بتاعك بس ملحقوقة.. اخلص بس من اللي في إيدي دلوقتي ..اخلصي ياللا غوري من وشي .
انتفضت من صيحته التي خرجت فجأة فأجفلتها.. لدرجة انها وقفت محلها غير مستوعبة.. فاطلق صيحة اخرى أشـ.ـد حزمًا وحسمًا :
- غوري بقولك دلوقتي انا مش فاضيلك .
وقتها لم تشعر بقدmيها التي انطلقت كالريح نحو الباب الخروج.. مما جعل امينة المصعوقة يخرج صوتها اَخيرًا بتشتت:
- هو انتوا جاين لمين بالظبط ؟
لم ينطق حسين وهو ينظر اليها بغموض فخرجت الإجابة من حودة الذي كان يلعب بهاتفه:
- احنا جاينلك انتي ياحلوة عشان نسجل معاكي لقاء تليفزيوني.. ها نسجل بقى ونقول اكشن؟!
............................
خرج علاء من غرفته ليجلس حول السفرة على احدى مقاعدها بغرض تناول طعام افطاره من بعض الاصناف الموجودة عليها.. ولكنه كان واجما بحيرة.. لا يدري سببًا لهذا القلق الذي شعر به من وقت انتهاء مكالمته السريعة مع شقيقه... نبرة صوته كانت منفعلة و غريبة عن طبيعته الهادئة والرزينة.. هذا بالإضافة لهذه الجملة الغريبة عن اخبـ.ـاره بكلامٍ مهم .. ترى مالذي يشغلك ياحسين وسوف تفاجئني به؟
- رد عليك ؟
- همممم
ارتفعت عيناه نحو والدته وقد استفاق من شروده :
- بتقولي حاجة ياامي ؟
تبسمت زهيرة بـ.ـارتياب وهي تجلس امامه وتضع عن يدها طبق الجبن... ترد:
- ايه اللي واخد عقلك ياحبيبي ومخليك تنسى حتى اكلك؟
ارتفع حاجبيه باستيعاب فتبسم بتصنع رغم اضطرابه قائلًا وهو يتناول قطعة من الخبز يضعها بطبق الفول:
- عريس جديد يا أمي ..وشئ طبيعي إني اسرح في عروستي .
قطبت حاحبيها وارتسم على وجهها عدm التصديق .. فقالت :
- قالك ايه اخوك ؟
- قالي انه هايجي على العشا.
ردت زهيرة بتذمر :
لسة كمان هايقعد للعشا؟ انا كنت عايزاه يجي على الغدا يابني .
رد علاء بابتسامة وهو يضع اللقيمة بفمه :
- وفرقت ايه بس ياست الكل ان كان عشا ولا غدا ؟ مش المهم بقى انه يجي؟ 
اومأت زهيرة برأسها وهي تدعي تناول الطعام دون.. شهية تذكر وهذا لعدm شعورها بالإرتياح
..............................
امام احدى الكافتريات الشعبية بجوار احدى محطات البنزين كان جالسًا على مقعدٍ بلاستيكي .. يتناول افطاره من شطائر الفلول والفلافل الموضوع على المنضدة الخشبية التي توسطت الجلسة بينه وبين سائق الشاحنة المحملة بالأخشاب.. صدح هاتفه باتصالها اصدر بفمه صوت قرقعة بسأم وهو يتجاهل الرد.. ولكنها حاولت مرة واخرى حتى اثارت اهتمام السائق معه:
- مـ.ـا.ترد يامعلم سعد لاحسن تكون مكالمة مهمة ولا حاجة!
رد عليه بملامح الملل :
- ياعم ولا مهمة ولا حاجة.. دي بس زن نسوان فاضية للرغي والكلام الفاضي .
على صوت ضحك الرجل قبل يرد بمرح :
- وافرض ياعم ان كانت نسوان فاضية ولا حتى رغاية.. هو في حد طايل في الزمن ده؟ رد يا سعد باشا ومـ.ـا.تتكسفش.. انا هاقوم بقى اوسعلك الجو و ادخل الحمام جوا.. وانت بقى عيش وخد راحتك..ها .
قال الاَخيرة بغمزة وهو ينهض من ثم تحرك ذاهبًا امامه.. رفع سعد حاجبه بانتشاء وهو يرد على اتصالها :
- ايوة يانرمين.. عايزة ايه ؟
وصله صوتها الباكي :
- ايوة ياسعد انا اتخرب بيتي وكله من بوز الأخص البت امينة .
اعتدل في جلسته يسألها بعدm استيعاب:
- امينة مين يازفتة؟ هو انتي بتقولي ايه بالظبط ؟
هتفت تشهق بالبكاء:
- بقولك امينة ياسعد اللي انتي متاويها في بيتك ولا اكنها عشيقتك؟ الزفتة جرجرت رجلي وخلتني اروحلك الشقة عندك النهاردة وفتحت معايا في كلام جديد وقديم عن سيرتي معاك ومع الرجـ.ـا.لة اللي مشيت معاهم قبلك.. وكل اتسجل عند حسين اللي طب علينا فجأة مع الواد حود.......
- بس الله يخرب بيتك .
خرجت منه بمقاطعة هادرة وقد انتفض من جلسته واقفًا.. وتابع:
- ممكن بقى تفهميني اللي حصل بالظبط؟ وبالراحة وبإيجاز عشان افهم.. والمهم دلوقتي بقى قولولي انت بتكلميني من فين؟
سحبت نفسٍ طويل تحاول التماسك قبل ان ترد اخيرًا:
- انا واقفة في شارع السوق اللي القريب من بيتك.
.............................
بعد قليل وبداخل سيارة النقل الكبيرة التي كان يقودها بسرعة عالية كالبرق رغم حمولتها الثقلية 
.. بعد ان استمع لشرحها الوافي لما حدث وأجفتله بالأهم وهو مشاهدتها لحسين وحودة خارجين من مبنى شقته وامينة مسحوبة كالشاه لتذهب معهم بالسيارة.. لم يمتلك رفاهية التفكير بعدها وهو يتناول سلاسل مفاتيح السيارة وقبعة راس السائق الذي لم ينتظر خروجه من غرفة المراحيض العمومية بهذه المنطقه.. قفز سريعا بدخلها في الأمام خلف عجلة القيادة وذهب بالسيارة دون سائقها.. كل ما كان يدور بعقله هو ايقافهم عن الوصول لوجهتهم.. لو علم علاء بما فعله قديمًا او عصام او أدهم المصري؟ وما ادراك ما ادهم المصري؟ ستكون نهايته حتمًا بالإضافة الى ضياع كل ما تمكن من بناءه في السنين الفائتة.. الايكفي له سرقته حلم عمره بالإرتباط بها أو بشبيهتها لايهم.. كان على علم بخط سيرهم الاَن لمعرفته الدقيقة لوجهتهم والطرق المؤدية لحارتهم.. في بعض اللحظات الفاصلة لايمكن التنبؤ بأفعال الفرد حينما يكون مهدد.. لايمكن تنبؤ فعل الفرد ليتمكن من النجاة.. ولابد له من النجاة.. ولا يوجد حلُ اَخر .
وكانت الفرصة حينما رأى السيارة التي يعلمها جيدًا اَتية من مسافة قريبة في الجهة العكسية.. لم يتردد حينما زود السرعة اكثر والتف بها في اول فرصة وجدها امامه في الطريق .. كان من الجميل في الأمر هو ان قيادة سيارتهم كانت عادية وطبيعية لدرجة مكنته للحاق بهم حتى اصبحوا على مرمى بصره فهدئ من سرعته قليلًا حتى على اقترب نسبيًا منهم .. رأسه مازلت مغطاة بقبعة رأس السائق وهو الاَن قريبًا منهم ولابد من تحين الفرصة.. والتي ما ان شعر بقربها لم ينتظر.. حينما التفت سيارة حسين امامه لتقطع طريقًا اَخر لم يتنظر وقتًا اَخر لاستغلال هذه الالتفافة وقد تلاشى عقله وضـ.ـر.بات قلبه تنافس في سرعتها السيارة والتي زاد مرة اخرى من سرعتها بشكلٍ هستيري مكنه من صدm السيارة الكبيرة حجمًا ووزنًا بالسيارة الصغيرة بشكل اجفل ركاب السيارة و قائدها الذي لم يتمكن حتى من الاستيعاب عنـ.ـد.ما وجد نفسه ينقلب مع السيارة والاَخرين لعدة مرات بشكل عنيف ادى لتدmير السيارة للقضاء على من بداخلها!
............................
منذ الأمس وهي تشعر بنفسها كالحبيسة داخل غرفتها .. تتجنب اللقاء بعمتها.. من وقت ان تفاجأت بزيارتها وهي لا تفارقها النظرة الغامضة منها.. رغم تعاملها بشكل طبيعي مع الجميع ان كان أخيها شاكر او زوجته أو حتى شروق.. اما هي فلم ترتاح لهذا الوجه الملغف بالغموض.. يقلقها حتى ابتسامتها.. ترى كيف تراها الاَن؟
خرجت من شرودها على صوت فتح باب غرفتها دون طرقه.
كشرت فجر بوجهها نحو شقيقتها التي دلفت منه:
- مش تخبطي يازفتة انتي ..هي وكالة من غير بواب؟ 
ردت شروق بروتينة وهي تجلس بجوارها:
- هو انا دخلت عليكي وانت عريانة مثلًا يافجر؟ ما انتي بكامل هدومك أهو؟
فغرت فجر فاهها تود توبيخها بالكلمـ.ـا.ت ولكن اجفلها هذا السكون على وجه شقيقتها وعيناها المضطربة.. سألتها باقتضاب:
- مالك ؟
ردت شروق:
- مش عارفةيافجر.. بس مضايقة اوي ؟ حسين مش راضي يرد على أي اتصال مني وفي الاَخر قفل السكة في وشي.
- معقول؟! طب ليه يعني؟ دي حتى مش عاويدوا؟.
هزت شروق رأسها باضطراب وقالت بقلق:
- لا هي حصلت مرة او مرتين لما كنا نتخانق مع بعض واشـ.ـد انا عليه في الكلام .. بس انا مش فاكرة خالص اني اتخاقت معاه المرة دي .
ربتت فجر على ذراعها تطمئنها بابتسامة:
- خلاص ياقمر.. يبقى أكيد عنده حاجة ضروري شغلاه.. واول مايفضى هايرن عليكي يطمنك.
تنهدت بثقل وهي تفرك يديها:
- يارب يافجر يارب .
أشفقت فجر على شقيقتها التي بدا على وجهها القلق جليًا.. فغيرت دفة حديثها :
- ماقولتليش صح ياشروق؟ هي عمتك بتتعامل كويس معاكي .
- اه طبعاً عادي وايه اللي هايغيرها معانا مثلًا؟
رفعت اليها عيناها فجأة تسألها بانتباه:
- صحيح يافجر هو انا ليه حساكي لازقة هنا في الأوضة وما بتخرجيش كعادتك .. تضحكي وتهزري معاها؟
لوت شفتيها وقالت بتـ.ـو.تر:
- عادي ياشروق يعني؟ انا بس ماليش مزاج ثم ان سميحة بـ.ـنتها قايمة بالواجب معايا وبزيادة .. دي صدعتني بحكايتها مع جوزها وحمـ.ـا.تها ام لسان طويل .
اشرق وجه شروق بالضحك:
- يعني عليكي ياغلبانة؟ بس مـ.ـا.تنكريش ان دmها عسل 
اومأت برأسها فجر بيأس:
- هي فعلًا دmها عسل بس رزلة جدًا وزنانة قوي.. الا صحيح هي مش بتغلس عليكي زي انا ؟
نهضت من جوارها ترد بثقة :
- هي مين يابت اللي تغلس عليا ؟ هو انا عندي وقت ولا مرارة للعيال دي زيك؟
- ياجـ.ـا.مد .
- امال يابـ.ـنتي ؟
قالتها بثقة وهي تفتح باب الغرفة فاتفاجأت بها أمامها:
- عمتي !
اعتدلت فجر منتفضة وهي تنظر نحو وجهها الباسم وهي تخطوا لداخل الغرفة :
- ايوة عمتك ياروح عمتك .. انتي بقى عاملة ايه؟
لم تتعجب فجر من احتضان عمتها لشروق فالطالما كانت تعشق تفاصيل وجهها والتي تذكرها دائمًا بابـ.ـنتها الفقيدة بهذا الشبه الكبير بينهم .. حتى برغم عشقها لفجر والتي تُشك باستمراره الاَن بعد زواجها من علاء.. ولكن تظل مكانة شروق المميزة بقلبها طوال الوقت.. اجفلت من هذه النظرة الغريبة نحوها :
- ابلة فجر .. مختفية ليه ياعروسة؟
ردت ببلاهة من تـ.ـو.ترها:
- هممم... مختفية ازاي بس ياعمتي ما انا موجودة اهو؟
ازداد اتساع ابتسمامتها الغامضة مما تسبب في زيادة قلقها ..والذي تحول لجزع وهي تستأذن من شروق للخروج من الغرفة.. كي تتركهم وحدهم .. جحظت عيناها فجر وهي تشاهد شقيقتها تنسحب من الغرفة تاركة عمتها معها وحدها بالغرفة وتغلق الباب عليهم خلفها.. ابتعلقت ريقها وهي ترى عمتها تجلس بجوارها على طرف التخت.. تهز بأقدامها مع هذه الابتسامة الغريبة والملازمة وجهها.. ثم قالت:
- حابسة نفسك عني ليه من امبـ.ـارح يابت ؟
اومأت بكفها على صدرها قائلة بصدmة:
- انا ياعمتي؟  ليه بس بتقولي كدة؟
حدقت اليها بنظرة ذات مغزي .. جعلت فجر تخفض عيناها عنها باضطراب .. ولا تقوى على النظر اليهم .. وقبل ان تستمع لكلمة أخرى منها انتفضت من الصرخة التي اتت اليهم من خارج الغرفة.. بل ومن خارج الشقة نفسها ..خرجت وعمتها معها بجزع لترى الجميع خرج قبلهم نحو مصدر الصوت والذي كان صادرًا من الشقة المقابلة لهم :
- علاء .
صرخت بها وهي تسرع بخطواتها اليهم ..فرأت زهيرة المرتمية على الأرض مغشيًا عليها ..وعلاء ابنها يحاول أفاقتها ووالدتها التى دنت هي الاَخرى بجواره لمساعدته.. تسأل:
- في ايه يابني حصل إيه ؟.
رفع انظاره اليهم جميعًا بوجهٍ شاحب هاربة منه الدmاء:
- ابوس ايديكم ياجماعة حد يجي يفوقها ويراعيها .. انا عايز اللحق بسرعة اخرج واروح لاخويا؟
سألت شروق على الفور:
- ماله حسبن ياعلاء؟ وانتوا ترحلوا فين؟
اطرق بوجه وخرجت كلمـ.ـا.ته بصعوبة:
- اخويا عمل حادثة!
هذه المراة الصرخة خرجت من فجر .. جزعًا على شقيقتها التي سقطت هي الأخرى مغشيًا عليها!
..........................
بعد اقل من نصف ساعة تقريبًا .. كان بداخل المشفي يعدوا مع شاكر وابـ.ـنتيه بخطواتٍ مسرعة ومتماسكة رغم.. رهبة الحدث .. وصعوبته بعد تمكنه من الوصل بمعجزة الى المشفى .. تاركًا والدته المريـ.ـضة برعاية سميرة.. وصل الى قسم الإستعلامـ.ـا.ت بالقسم يسأل احدى العاملات :
- لو سمحتي كنت عايزة اسأل عن حسين المصري وحودة عرفان.
ردت العاملة وهي تنظر بإحدى الدفاتر أمامها:
- اللي جم في الحادثة حضرتك ؟
اومأ برأسه دون النطق ببـ.ـنت شفاه :
ردت الفتاة بعملية :
- حضرتك هما وصلوا في حالة صعبة اوي .. واحد في العمليات دلوقتي مع نخبة من الدكاترة تحت اشراف الدكتور عصام .
- الدكتور عصام !!
- ايوة حضرتك والتاني بقى؟ 
سألها بتوجس ماله التاني؟
قالت بأسف :
- للأسف تعيش انت .. والبقاء لله.
الإنتظار وما أمرها من كلمة.. حينما يتعلق الأمر بأعز أحبابك.. وانت مسلوب الإرادة.. قليل الحيلة نحو ما تتمناه وترجوه من الله في هذه الأوقات العسيرة.. هي مجرد لحظات او اوقات تفصلك عن المعرفة.. ولكن مع شـ.ـدتها ومرارتها تمُر عليك وكأنها دهرًا كاملًا من العمر.
جالسًا محله على إحدى المقاعد المخصصة للزوار في المشفى.. من وقت أن سمع الخبر وأتى الى هنا بخطواتٍ مسرعة بجوار غرفة العمليات منتظرًا.. وهو على وضعه هذا.. منكمش على نفسه بالمقعد الذي يبدوا وكأنه التصق به.. فلم تقوى اقدامه على حمل جسده.. يبتلع في ريقه الذي جف من الخـ.ـو.ف وهو يردد بلسانه الأيات والأدعية.. علّها تساعده على الثبات وفك الكرب.. شعر بكف العم شاكر وهي تطبق على كتفهِ بمؤازرة .. فالقى نحوه نظرة خاوية قبل ان ينقلها سريعًا نحو محبوبته الجالسة أمامه بصف اَخر للمقاعد بقلبٍ ملتاع وحزين تؤازر هي الأخرى شقيقتها التي لم تجف دmاعاتها بعد من وقت ان استفاقت من غشيتها وتحاملت على نفسها كي تأتي معهم إلى هنا.. نقلت فجر انظارها نحوه والتقت عيناها بعينيه.. فاَلمتها هذه النظرة الضائعة منه لها ودت من قلبها لو استطاعت معانقته للتخفيف عنه في هذا الحدث الجلل وطمأنته أن كل هذا سيمُر وسيصبح كل شئٍ بخير..
- علاء يابني اخوك ماله؟
صدحت بصوتٍ عالي بعض الشئ و مرتعش رغم خشونته من قلب للممر .. انتقلت نظرات الجمبع على صاحب الصوت والذي كان أدهم المصري.. يتقدm نحوهم بخطواتٍ مثقلة و بملامح جزعة وكأنه ازداد في العمر سنواتٍ أخرى.. يسير بجواره سعد! وهو يدعي مراعاة الرجل من السقوط !
نهض شاكر عن مقعده يتلقف صهره من يده ليجلسه ويطمأنه:
- إطمن ياحج أدهم ان شاء الله خير 
رد أدهم برجاء وهو يستسلم لسحب شاكر نحو الجلوس على اقرب المقاعد امامه:
- ابني ماله ياشاكر.. ابوس إيدك تقولي الحقيقة .
شـ.ـدد شاكر على ذراعه وهو يجلسه :
- ياسيدي طمن قلبك هو بس دلوقتي في اؤضة العمليات والدكاترة ان شاء الله يلحقوه .
نظر اليه أدهم بأعين ملتمعة وكأنه يلتمس منه الصدق قبل ان يتجه نحو ابنه الجالس بالقرب منه يخاطبه بتوسل:
- أخوك هايبقى كويس ياعلاء صح.. حسين جدع ومش هايرضى انه يزعلني ولا يتعب قلبي بالقلق عليه .
اومأ له علاء برأسه صامتًا لايقدر على النطق ولو بكلمة قبل ان يرفع عيناه نحو سعد الذي ربت بكفه على كتفهِ بمؤازرة .. أومأ له برأسه وعاد ليطرق برأسه للأسفل وعاد لانكماشه.. تنهد سعد بصوتٍ عالي يدعي الأسى وهو يجلس بجواره هو الاَخر صامتًا يواكب الحدث.. وجدها أمامه جالسة بجوار شقيقتها.. تبكي بحرقة وجهها الجميل البيضاوي مرقط بالإحمرار من أثر البكاء.. تنهد بداخله وهو يتسأئل عن فرصته معها الاَن وقد أوشك غريمه على الإنتهاء.. لقد رأى بنفسه حطام السيارة التي دهسها بالسيارة ذات الحمولة الثقيلة.. مشهدها ينبئ باستحالة نجاة من بداخلها .. إنه حتى لا يدري كيف تمكن من التصرف بهذه السرعة.. انه لم يوقفهم وحسب.. لقد قضى عليهم جميعًا وضـ.ـر.ب ٣ عصافير بحجر واحد..
ولكن مهلًا.. لماذا يشعر ان هناك شئ غير مظبوط!
استفاق من نشوته وهو يتذكر كلمـ.ـا.ت علاء الذي هاتفه باستغاذة لكي يخبر والده بخبر حادث شقيقه مع الملعون حودة.. لعدm قدرته هو على الكلام ومواجهة صدmة أبيه .. ولكنه لم يذكرها! هل خجل ام تناسى ذكرها أمامه .. ابتلع ريقه بتـ.ـو.تر وقد اكتنفه شعور بعدm الراحة.. نهض فجأة معتذرًا من جوارهم .. وذهب فورًا نحو استعلامـ.ـا.ت المشفى .. وقف امام الفتاة المنشغلة بالرد في الهاتف.. يطرق بقبضته على الخشب المثقول لتبيهها:
- لو سمحتي ياأنسة .
أشارت له بيدها لينتظر ولكنه ازداد طرقه بعصبية:
- لو سمحتي بقى أفضيلي .
حدقت اليه الفتاة بحدة وهي تزيح على الهاتف عن إذنها:
- نعم ياحضرت عايز إيه ؟
- عايز اعرف عدد المصابين في حادثة حسين أدهم المصري؟
نفخت الفتاة بنزق وهي تتناول الدفتر أمامها تبحث.. ثم مالبثت ان ترفع رأسها قائلة :
- هما اتنين بس اللي دخلوا المستشفى من الحادثة دي ..واحد متـ.ـو.في والتاني دخل العمليات فورًا بأمر الدكتور عصام اللي شافه اول واحد 
ردد بدهشة :
- الدكتور عصام!! طب والبت ؟
سألته بحدة :
- بت مين؟
قال وهو يشـ.ـدد على أحرف كلمـ.ـا.ته:
- انتي متأكدة من كلامك ده؟
زفرت حانقة:
- حضرتك دا اللي مقيد عندي في الدفتر.. وانا ماعنديش رد تاني.. 
قالتها واستدارت برأسها تنهي الجدال معه و تكمل مكالمتها في الهاتف ..شتم بداخله صلف الفتاة معه وتجاهلها له.. قبل أن يتحرك مبتعدًا وعقله يكاد ان ينفجر من التفكير متسائلًا :
- يعني هاتكون غارت فين بس بت ال...... دي .. اتخـ.ـطـ.ـفت يعني ولا داستها عربية تانية غيرها؟
زفر حانقًا وهو يتحرك ذاهبًا للإنتظار معهم خارج غرفة العمليات ونية العزم بداخله في ازدياد... لقد سار في طريقه ومهما كانت العوقب والصعوبات سيتخطاها كما.. وسيصل الى وجهته مهما كانت النتائج 
...............................
وبعد ساعات طويلة خارج غرفة العمليات.. حينما خرج اليهم عصام ومعه بعض الأطباء.. تسارعت نحوهم الخطوات حتى علاء انتفض اَخيرًا من جلسته يسأل بلهفة :
- إيه الأخبـ.ـار ياعصام طمني؟
ربت عصام على ذراعهِ يتكلم بإرهاق :
- خير ياعلاء ان شاء الله.. خير .
- يعني حسين حالته إيه دلوقت؟
خرجت من عدة افواه بأصواتٍ متعصبة وقلقة.
تنهد يشير اليهم بكفيه ألاثنتان :
- ياجماعة اهدوا كدة وافهموني ابوس إيديكم.. عملية حسين كانت خطيرة.. وانا مقدرش افتي ولا اتكلم دلوقتي بحاجة غير بعد ما نطمن عليه بعد ٢٤ ساعة.. يعني دلوقتي ارجوكم بس تكثفوا الدعاء الفترة دي عشان بس مـ.ـا.تحصلش تطوارت تعقد الموضوع معانا.
قال الاَخيرة بصوت خفيض ومتـ.ـو.تر.. زادت من جزع الجميع ..وتابع هو:
- هما دلوقتي هايخرجوه على غرفة العناية 
صدرت اصوات شقات عالية .. فاردف هو بعجالة
- ياجماعة ارجوكوا منكم ان تمسكوا نفسكم شوية وتحافظوا على ثباتكم عشان المرحلة دي حرجة وهاتبقى صعبة الجميع معلش يعني.. عن اذنكم .
قالها وتحرك على الفور متهربًا من صعوبة الموقف .
سعد والذي كان شـ.ـديد التركيز مع كل كلمة قالها عصام.. تكلم بخبث ليلهي عقله قليلًا :
- ودا ماله ده مش طايق يرد على حد فينا.. هو ماعندوش دm البعيد عشان يحس بحرقة قلبنا على حسين .
خرج الرد من خلفه بحمائية من طبيب شاب :
- مين حضرتك اللي معندوش دm؟ دا لولا الدكتور عصام ما لحق الحالة بسرعة.. لكان الله اعلم هايحصل ايه معاه.. ما انت لو شوفت الدكتور جوا في اؤضة العمليات وشوفت المجهود الجبـ.ـار اللي عمله مكنتش اتكلمت من الأساس.
جز على فكه بغـ.ـيظ وهو يرى رد فعل الجميع وهما يتأسفون للطبيب الشاب المدافع بتعصب عن رئيسه
.................................
بعد قليل 
وقف أربعتهم خلف الزجاج العازل لغرفة العناية المشـ.ـددة.. بعد انسحاب أدهم المصري الذي لم يتحمل رؤية ابنه على هذه الحالة وتبعه شاكر القلق على صحة الرجل الكبير.. علاء و الذي طار ثباته في الهواء وتساقطت دmاعته على رؤية شقيقه الغائب عن الوعي .. رأسه ملفوفة بالأربطة الطبية والتي احاطت العديد صدره و بعض اعضاء جسده الأخرى.. معلق بيده الانانبيب الطبية والموصلة بالأجهزة الحيوية .. كانت فجر تربت على ذراعه كي تدعمه بوجه مغرق بالدmـ.ـو.ع وبنفس الوقت محتضنة شقيقتها التي على نشيج بكائها الحارق ..تكلم سعد وهو ينظر بطرف عينه نحوها:
- مش كدة ياجماعة.. احنا لازم نمسك نفسنا شوية.. البكا مافيش منه فايدة.. كلنا قلوبنا محروقة بس لازم نتماسك.. هدي اختك ياابلة فجر .. لا تجرالها حاجة.. دي لساها صغيرة على و.جـ.ـع القلب.. ولا إيه ياعلاء .
مسح بكفه على جميع وجهه.. يجفف دmاعته وينشـ.ـد القوة وهو يرد :
- عندك حق ياسعد احنا فعلًا لازم نتماسك.. عشان انا عارف اخويا قوي وعنيد.. وان شاء الله مش هايخذلني ولا يخذل حبيبته.
عض بداخل فمه على باطن وجنته من كلمـ.ـا.ت علاء المستفزة ولكنه مضطر التصنع :
- طبعًا ياحبيبي امال ايه؟ ربنا يطمنكم عليه..
- مين فيكم اللي يخص المريـ.ـض؟
التفتت الرؤس نحو الرجل الذي تقدm اليهم بالحلة الرسمية يكررها:
- مين فيكم ياخوانا قريب المريـ.ـض؟
تقدm نحوه علاء يرافقه سعد الذي يريد الإطلاع على كل شئ ! 
- انا حضرتك علاء المصري اخو المريـ.ـض حسين المصري.
رد رجل الأمن بعملية 
- طيب احنا كنا عايزين نسالك شوية أسئلة...
قاطعه بلهفة:
- قبل اي سؤال ياسعادة الباشا.. انا عايز اعرف منكم قدرتوا تقبضوا على اللي عمل كدة ولا لأ.
رد الرجل وهو يمط شفتيه ويهز رأسه بالنفي:
- للأسف احنا عرفنا من اقوال الشهود ان اللي قام بالحادثة دي.. كان سايق عربية لنقلة خشب كبيرة.. جري بيها بسرعة.. ومن ارقامها الموصوفة عرفنا ان صاحب العربية بلغ النهاردة بسرقة عربيته .
- يعني اللي عمل كدة كان قاصد اخويا بقى مش موضوع حادثة عادية في الطريق.
خرجت منه هادرة حارقة بأعين جاحظة بصدmة..
- ابن ال...... وديني لادور عليه وما هارحمه.
ازدرد ريقه الذي جف بصعوبة من هيئة علاء الذي توحشت ملامح جهه وهو لم يراعي حتى وجود رجل الأمن امامه.. والذي رد كالعادة بتحذير :
- بلاش كلامك ده يااستاذ علاء لا يعرضك للمسؤلية القانونية.. احنا اكيد هانوصل للفاعل وساعتها بقى القانون هاياخد مجراه.
اومأ علاء برأسه رغم عدm اقتناعه.. اردف رجل الأمن:
- طيب ممكن بقى تيجي معانا عشان نتأكد من صفة الشاب المتـ.ـو.في في الحادثة .
ود سعد لو يسأله بفمه عن الملعونة أمينة ووجودها في السيارة وقت الحادث ولكنه لم يقدر.. وتابع مسيره مع علاء نحو ثلاجة المـ.ـو.تى 
.........................................
خرج من الحجرة البـ.ـاردة يجر اقدامه للتحرك بصعوبة.. يكاد ان يشعر بذهاب انفاسه عن صدره.. من وقت ان رأى الفتى اليافع جثة هامدة واكد هويته لرجل الأمن.. رأسه تدور في السيناريو الأسوء لو كان شقيقه مكان الفتى.. ما اصعبه من أحساس وأخيه الاَن بين الخالق.. يدعو داخله بتوسل الى الله الا يحدث هذا وينجيه.. دmاعته المحتبسة تحرق مقلتيه وهو يدعي الثبات امام البشر المترقبة والمنتشرة في هذا المحيط.
ربت على ظهره سعد للمرة التي لاذكر عددها.. وهو يلقي بكلمـ.ـا.ت التهوين على اسماعه وهو يومئ له برأسه.. مقدرًا شهامته وعدm تركه ولو لحظة في هذا الوقت العصيب!
أجفل فجأة على رسغ يده وهو يجذب بشـ.ـدة من فتى صغير لا يتعدى عمره الثامنة عشر يخاطبه بوجهٍ مغرق بالدmـ.ـو.ع والكلمـ.ـا.ت خارجة منه بصعوبة ما بين شهقاته:
- وحياة النبي ياعم علاء خليهم يدخلوني عشان اشوف صاحبي.. ماهم دخلوكم انتوا اهو.. هي جات عليا يعني؟.
سأله بعدm استيعاب:
- انت مين يا حبيبي؟ ومين دا اللي عايز تدخلوا؟
- انا مازن ابن سيد صاحب مخبز العيش في الشارع اللي وراكم .. وصاحبي هو حودة.. حودة اللي كان مع عم حسين اخوك في الحادثة.
اومأ برأسه متفهمًا قبل ان يرد على الفتى بإشفاق:
- يابني بس انت صغير اوي وهما مش بيدخوا اي حد وخلاص .
- كلمهم ياعم علاء .. هما اكيد هايسمعوا كلامك .
رد عليه سعد ما بين اسنانه:
- ماقالك ياض انت صغير وهما مش بيدخلوا حد يعني لازم تكون قريبه او يخصك.. هي غلبة وخلاص .
تجاهله مازن عن قصد وهو يتناول كفه يود تقبيلها ولكن علاء رفعها على الفور مما اثار سخط الاخر.. فقال بتوسل :
- وحياة الغالين عندك لا تخليهم يدخلوني.. انا راجـ.ـل وهاتحمل.. يعني مش هاعملهم مشاكل ولا اجيب عليهم مسؤلية.. ربنا ينجيلك عم حسين يارب.
........... ............
بعد دقائق وبعد ان تمكن الفتى من اقناع علاء الذي تصرف مع عمال الحجرة اشفاقًا على الفتى وتقديرًا لرجولته رغم صغر سنه ووفاءه النادر لصديقه .. كان واقفًا امام جثة صديقه بشجاعة نادرة ومع ذلك ينوح بصوت عالي وهو يقبل رأسه:
- صاحبي....... يا صاحبي......... هاتوحشني ياحبيبي..........والنعمة ما هنساك وهافضل فاكرك طول حياتي............
اخذ فترة يشهق بغير توقف .. قبل ان يكمل:
- اطمن ياحبيبي على خواتك البنات ووالدتك.... والنعمة ما هخليهم يحتاحوا لحاجة ورقبتي هاتفضل دايمًا سدادة في أي حاجة يحتاجوها....... وعد عليا ياحبيبي لاكمل اي طريق مشيت فيه لوحدك او مشيتوا انا معاك...... وانت عارف ومتأكد من صدق أي كلمة بتخرج من صاحبك..........صاحبك ياحبيبي .. ياحبيبي ياغالي.
حينما انهى اخيرًا الفتي لقاء صديقه خرج يسير بداخل اروقة المشفى يكفكف دmعاته...وقد افرغ من ضيق صدره شحنة كبيرة ببكاءه ...كان قد وصل الى القسم الموجودة بهِ غرفة حسين.. حينما تلقى اتصال والدته:
- الو يامّا ...... ربنا يرحمه يارب انا لسه مخرجتش من المستشفى............يامّا والنبي انا مافيا حيل للكلام دلوقت .......... حاضر يامّا مش هاتأخر ........... لا يامّا انا مضمنش انا هارجع امتى عشان انا دلوقتي عندي شغل..........مافيش حاجة انتهت يامّا بمـ.ـو.ت حودة... انا لسة شغلي ما وقفش!
قال الاَخيرة وانظاره متجهة بتصميم نحو الجالسين بالردهة الواسعة في المشفى
................................
فتحت اجفانها لتُبصر هذا الضوء الأبيض القوي .. تأن بألم من جميع جسدها .. تتناثر الاصوات كثيرة حولها دون توقف .. حركت رأسها بصعوبة نحو هذا التجمع الكثير لأُناس تغدي وتروح ولا تعلمهم.. توقفت عيناها نحو المرأة الجالسة بالسرير الطبي بجوارها والتي انتبهت عليها هي الأخرى فقالت بحماس:
- ايه ده؟ اخيرًا صحيتي يابـ.ـنت الناس.. حمد الله على سلامتك يااختي.
رفرفرت برموشها قليلًا تستوعب اين هي.. نزلت انظارها نحو جسدها الممدد على التخت الطبي.. تفاجأت بهذه الأربطة الطبية والملتفة حول ذراعها المستند فوقها .. فقالت بصوت متعب:
- هو انا من امتى هنا؟ وليه حاسة بجـ.ـسمي كله واجعني؟ هو حصل ايه؟
ردت المراة وهي تقضم قطعة من الفاكهة التي بيدها وهي تتفحصها بتركيز:
- هو انا مش شايفة حاجة تانية متربطة في جـ.ـسمك غير دراعك.. والباقي بس يدوبك خدوش في وشك وأكيد هايكون في منها كتير في جـ.ـسمك.. وتلاقي دا اللي تاعبك.. بس انا سمعت من الممرضة ان عملية دراعك كانت صعبة واخدت شرايح ومسامير كتير.. دي العضم كان متفتفت حسب ما سمعت.. هي دي واقعة ولا حادثة؟
اغمضت عيناها وقد اعادت المرأة بكلمـ.ـا.تها كل ما كانت قد تناسته في غيببوتها المؤقتة.
وقت الحادث
"" كانت في المقعد الخلفي ترجتف بداخلها من ما سوف يحدث معها على اثر هذه الاعترافات التي اعترفت بها بكل سهولة امام هذان الشخصان والذي علمت ان احدهم يكون شقيق علاء المصري .. تبكي بصمت وهي منتظرة حدوث الأسوء معها.. ورغم تسلميها من داخلها ان هذه هي النتيجة الطبيعية لخطئها.. ولكنها كانت ترتجف من رأسها حق اخمص قدmيهًا.. الفتى الشاب يتلاعب في الهاتف مع هذا المدعو حسين:
- دا احنا كدة بالأعترافات دي ياحسين باشا هنوديه في داهية على طول من غير كلام .
رد حسين :
- اهم حاجة عندي دلوقتي ياحودة ان اكشفه قدام والدي وعلاء المغشوش فيه وفاكره صاحبه كمان!
مصمص حودة بشفتيه:
- ونعمة ربنا انا عارفه من الاول وس...... عشان ياما شوفته مع نسوان لامؤاخذة ...ويجي قدام الناس يعمل نفسه شريف وابن اصول كمان.. ياخد اوسكار في السفـ.ـا.لة وقلة الأصل.
ضحك حودة وضحك معه حسين هو الاَخر.. وكانت الاَخيرة في كل شئ.. فقد وجدت نفسها امينة تنقلب من مكانها مع انقلاب السيارة والذي تكرر لعدة مرات مع صراختها وصراخات الجالسين بالمقاعد الأمامية حتى شعرت بالنهاية.. قبل ان يتوقف انقلاب السيارة اَخيرًا وتشعر امينة بأنها محتجزة في هذه المسافة وعدة الاَم لا تحمل بجسدها وذراعها اسفل جسدها وهي ما عادت تشعر به وكأنه تخدر وقتها ولم تعي مابهِ.. حتى انتبهت على الأصوات الكثيرة لبشر لاتعلمهم .. حتى شعرت بنفسها وهي تجذب بجسدها الهزيل من عدة ايادي .. حتى أخرجوها من السيارة والأصوات تزداد في ترددها بكلمـ.ـا.ت الأسي على الشابين المغرقين في دmائهم بالجزء الأمامي من السيارة والذي نال النصيب الأكبر من التدmير.. والقليل من يردد بكلمـ.ـا.ت أخرى على اسماعها بالقرب منها حتى استفاقت لتعي جيدًا وضعها.. فهتف الرجل العجوز ومعه عدة شباب حولها:
- الحمد لله اهي واحدة فاقت .. عقبال الباقي يارب ..
ترددت كلمـ.ـا.ت اليأس من الشباب التي تحاول اخراج الشابين مع بعض الأدعية لنجاتهم حتى سمعت بأحدهم وهو يهتف بصوته:
- خلاص ياخوانا الأسعاف قريبة من هنا قربت توصل ومعاها البوليس ان شاء الله عشان يعاين.
بمجرد سماعها اسم الشرطة انتبهت بداخلها غريزة النجاة فقالت بتوسل للرجل العجوز :
- ابوس ايدك ياعم روحني.. لو البوليس وصل انا هاتفضح.
قال شخص بالقرب من الرجل:
- تتفضحي ليه ياست؟ هو انت عاملة غلط ؟ دي حادثة.
بيدها السليمة تمسكت بقماش قميص الرجل العجوز:
- والنبي روحني ابوس ايدك.. انا ركبت معاهم بحسن نية لكن بقى لو الخبر اتنشر هايقولوا مرات فلان كانت مع جوز الرجـ.ـا.لة اللي عملوا الحادثة.. دا غير اني هادخل في سين وجيم كمان.. ربنا يستر على ولاياك يارب.
اقتنع الرجل العجوز فخاطب الشباب المشغولة في محاولاتهم الحثيثة لإخراج الجسدين المكومين في الجزء المدmر بالسيارة.
- الست عندها حق ياشباب.. هي مش عايزة حد يجيب سيرتها ..انا هاخدها وواديها على اقرب مستشفى.
قال احدهم بعدm اكتراث :
- خدها ياعم .. يعني هايبقى مـ.ـو.ت وخراب ديار.
فقال الاَخر وهو يرفع هاتفًا محمولًا بيده:
- طب التليفون دا بتاعك ياست ولا بتاع الشباب ؟
حدقت بالهاتف فتذكرت انه يخص الفتى الصغير والذي كان يتلاعب به.. يبدوا انه سقط من يده للخلف وقت ارتطام السيارة.. تذكرت تسجيلات اعترافها عليه .. فاأومأت له برأسها موافقة بدون تفكير.. وضعه الرجل على حجرها فقالت بتذكر لهاتفه الحقيقي والصغير والموجود بحافظتها:
- طب والنبي كمان هات البوك بتاعي دور عليه عندك هتلاقيه ""
رجعت لحاضرها تتسائل بجذع امام المرأة:
- التليفون بتاعي؟ و البوك الكبير خدوهم مني ولا راحوت على فين بس؟
لاحقتها المراة بالرد على عجالة:
- ياحبيبتي مـ.ـا.تقلقيش .. انا شايفه الممرضة بنفسي وهي بتحطهم تحت المخدة في الناحية اليمن .
مدت يدها السليمة تبحث حتى اخرجت الاثنان .. تنهدت بـ.ـارتياح وهي تضع هاتف حودة وكأنه تضمه داخل احضانها.. اجفلت على قول الممرضة التي أتت اليها :
- حمد الله عالسلامة ياامينة.. عاملة ايه دلوقت؟
اومأت برأسها صامتة دون رد.
فقالت الممرضة :
- طب ياحبيبتي .. انتي مـ.ـا.ت عـ.ـر.فيش حد قريبك بقى يجيلك ويشوف حساب المستشفى؟ حكم الراجـ.ـل اللي وصلك.. دفع جزء صغير من الحساب ومشي ومحدش شافه تاني .
سهمت بشرود ولم تنطق ايضًا فكررت الممرضة:
- ياست امينة عندك حد تتصلي بيه يجيلك؟ ماينفعش سكوتك ده.
تـ.ـو.ترت وهي تنظر لهاتف حودة بيدها قبل ان ترفع انظارها نحو الممرضة الشابة تسالها:
- انا تليفوني فاصل شحن ممكن تتصلي انتي من تليفونك .
اخرجت الممرضة هاتفها من جيب سترتها فسالتها بعملية:
- اهو ياستي مليني الرقم وقوليلي اسم صاحب الرقم !
بمن تتصل؟ بوالدتها التي تهتم بالفتيات الاَتي تسرحهن في أعمالها المنافية أكثر من أهتمامها بابـ.ـنتها ولو مر على غيابها بالأشهر! وما العجيب في ذلك؟ فالفتيات سيعُدن عليها بالمنفعة.. أما ابـ.ـنتها المنبوذة عديمة الفهم كما تصنفها دائمًا فما الفائدة التي ستعود من ورائها؟ لأول مرة تحسد الفتيات على أختصاصهم باهتمام والدتها دونًا عنها. ام تتصل بسعد! منبع الفساد والسبب الأساسي في خطيئة حياتها وهي تعلم تمام العلم انه لن يمُر اعترافها بسرهم الأكبر مرار الكرام.. وهي أدرى الناس بغدره وسواد قلبه.. اذن بمن تتصل؟ وزوجها حبيس السـ.ـجـ.ـن واخواته الفتيات لن يعيرنها اهتمام ولو وجدنها حتى جثة مرمية أمامهم في الطريق سيتخطينها ويعبرن الطريق دون ذرة من ضمير حي منهم نحوها.. لم تدري بشرودها سوى من صيحة الفتاة الممرضة عليها:
- ياست أمينة..سرحتي في إيه بس؟ مـ.ـا.تمليني أي رقم ت عـ.ـر.فيه وخلصيني بقى.
انتبهت فجأة تجيب الفتاة وقد هداها تفكيرها بمن تتصل بها:
- طب اتملي الرقم اللي هقولك دلوقتي!
.....................
في المسجد الصغير والمحلق بالمشفى الكبير .. كان جالسًا مربعًا اقدامه.. فمه لا يكف عن التمتمة بالأدعية والأذكار والمسبحة العقيق بيده..وكأنه انفصل عن العالم لصالح قضيته الأساسية.. وهي استجابة الخالق لدعواته بشفاء ابن قلبه حسين.. 
خاطبه شاكر والذي اتعبه ظهره من كثرة الجلوس:
- وبعدين يا أدهم ... هانفضل هنا لحد أمتى؟ دي الدنيا ليلت علينا.
رفع إليه عيناه المضطربة يرد بكلمـ.ـا.ت بالكاد تُسمع:
- روح انت ياشاكر.. انا مش متعتع من هنا غير لما ربنا يستجيب لدعايا وابني يفتح عنينه.
رد شاكر بغير تصديق :
- ياابو علاء ماينفعش كلامك ده.. تعالى روح معايا ريح جتتك عشان تقدر تقف في الأيام الجاية .
قال بحسم رغم ألمه
- مافيش أيام جاية ياشاكر ولا في راحة لجتتي طول ما أبني كدة بين الحيا والمـ.ـو.ت.. مافيش حاجة هاتريحني غير وانا بقربه وبدعيله مكاني ده..
رد شاكر بأسى:
- طيب لو فرضنا عمال المسجد سمحولك تبات هنا.. انت نفسك هاتتحمل نومة الأرض.
- مش لو عرفت اغمض عيني من الأساس.. دا لو حصل يبقى زادت عليا نومة الأرض
قالها بصوت مبحوح من ثقل ما يشعر به وصورة ابنه في العناية المشـ.ـددة التي لم يتحملها لا تفارق ذهنه.. انعقد لسان شاكر عن الرد ولم يقوى على الجدال مرة اخرى معه..فالمُصاب اكبر من طاقة الجميع.
..................... ...........
وبداخل المشفى كان علاء يتحدث مع سميرة في الهاتف ليطمئن على صحة والدته وبجواره فجر وشروق التي غلبها التعب وغفت على كتف شقيقتها :
- يعني هي كويسة دلوقتي ياخالتي؟
وصله الصوت المضطرب:
- ان شاء الله تبقى كويسة يابني.. طمن قلبك انت.
- طب اديهاني اكلمها
- ماينفعش ياحبيبي الدكتور اداها حقنة مهدئة وهي نايمة دلوقتي.. ان شاء الله لما تصحى يارب نسمع خبر حلو عن حسين عشان تقدر تقوم وتيجي بنفسها.
- يااااارب ياخالتي يارب
- طيب ممكن تديني فجر لو قاعدة جمبك ياحبيبي .
- اه ممكن طبعًا.. اتفضلي أهي معاكي.
تناولت فجر منه الهاتف وردت عليها:
- ايوة ياماما.. ايه الأخبـ.ـار؟
ردت سميرة بصوتٍ خفيض حتى لا يصل سماعه الى علاء:
- الحمد لله يابـ.ـنتي.. بس الست تعبت قوي معايا النهاردة بعد ما مشيتوا وهي تصرخ وعايزة تروح لابنها لحد أما وقعت من طولها.. ولولا الدكتور عطاها مهدئ.. ربنا العالم مش بعيد كان راحت فيها لاقدر الله .
هزت رأسها وهي تجاهد لعدm اظهار تأثرها وحـ.ـز.نها أمامه حتى لا تزيد من همه :
- طب انتي اتصرفتي ازاي دلوقتي؟
- والله يابـ.ـنتي ماعارفة اقولك ايه ؟ عمتك الله يكرمها ساعدت معايا شوية في مراعية الست لكنها فجأة سابتني وخرجت قال في مشوار مهم لناس قرايبها رغم انها ماخدتش بـ.ـنتها الرغاية معاها!
- يعني هاتكون راحت فين يعني؟ هي تعرف حد في البلد غيرنا؟
خرجت منها بهمس قبل ان تجفلها والدتها سائلة :
- انتوا مش ناوين ترجعوا بقى دي الساعة داخلة على احداشر ؟
- مش عارفة ياماما دلوقتي اصبري كده شوية.
بعد ان انهت المكالمة واعطته الهاتف.. خاطبها هو وقد فهم فحوى كلمـ.ـا.ت والدتها الاَخيرة:
- على فكرة يافجر خالتي عندها حق ..انتوا اتأخرتوا فعلًا ويدوبك بقى تروحوا ماينفعش قاعدتكم هنا لحد دلوقتي.
لم تسمع أي حرف من كلمـ.ـا.ته فقد كانت مأخوذة بهذا الألم المرتسم على وجهه وهو يدعي الثبات أمامها وامام الجميع.. دون ان تنطق ببـ.ـنت شفاه اجفلته فجأة تتناول كف يده الكبيرة تطبق عليها بكفيها الصغيرتين.. تومئ له بعيناها وصوتها الدافى الحنون:
- خليك مطمن انه ان شاء الله هايبقى كويس وهايقوم من تاني على رجليه.
رغم دهشته من جرأتها وفعلتها الغير متوقعة.. غمره إحساس الراحة والسعادة المؤقتة رغم صعوبة الموقف . وكأنه بهذا التواصل البسيط بينها وبينه قد ضمن شفاء اخيه ونهوضه مرة أخرى على قدmيه ..دون أن يدري اطبقت كفه الحرة على إحدى على كفيها الملتفين حول كف يده الأخرى.. ليرفعهم اليه ويقبلهم الاثنتان.. في تعبيره عن امتنانه لها ولدعمها .. فخرج صوته بصعوبة:
- انا مش عارف اشكرك ازاي يافجر.. مجرد احساسي بقربك جمبي في اللحظة دي.. خفف عليا كتير قوي وربنا.
التمعت عيناها بدmـ.ـو.ع تحاول جاهدة لمنع سقوطها أمامه فتفقده صموده حتى الاَن أمامها.
- احم احم.. مساء الخير.
ارتفعت عيناهم الاثنان نحو عصام الذي تهرب بعيناه عنهم في رسالة واضحة منهم.. أشعرتهم بالحرج وقد استفاقوا اَخيرًا انهم جالسين في ممر المشفى وعرضة للنظرات الفضولية من البشر حولهم .. سحبت فجر كفها فجأة بحرج لم يعترض علاء وقد انشغل فورًا بالسؤال:
- ايه الأخبـ.ـار ياعصام ؟ اخويا عامل دلوقتي؟
رد عصام :
- خير ان شاء الله.. بس احنا لازم ننتظر مرور اربعة وعشرين ساعة على ما يفوق 
تدخلت فجر :
- طب هو احنا لازم نصبر اربعة وعشرين ساعة ماينفعش يفوق قبل كدة؟
رد بتمني:
- والله ياريت.. بس دي فترة تقريبة عشان بصراحة لو مافاقش بعد كدة ممكن المدة تطول وماحدش فينا يعرف امتى دا هايحصل بالظبط؟.. انا بس بوضحلكم الصورة.
تمتمت فجر بالدعاء اما علاء فقد شحب وجهه خـ.ـو.فًا ان يحدث هذا.. استيقظت شروق على اصواتهم ترفع رأسها على قول عصام :
- انا مش عايز ازعجكم ياجماعة.. بس انا شايف انكم تروحوا ترتاحوا شوية.. قعدتكم هنا مافيش منها فايدة
رد علاء بحمائية:
- انا مش متعتع من هنا غير لما اخويا يفوق.
- يا حبيبي قعدتك مافيش منها لازمة...
قاطعه بحدة:
- بقولك مش منقول ياعصام .
- ايه مالكم؟ هو انتوا بتتخانقوا ولا إيه ؟
قالها شاكر الذي أتى إليهم .. فكان الرد من عصام الذي تنهد بتعب وهو يضع كفيه بجيبي سترته الطبية:
- انا بس بقولهم ان مافيش داعي لقعدتهم كدة وتعبهم.. ويروحوا دلوقتي يرتاحوا شوية.. فيها غلط دي؟
- لا يابني مافيهاش غلط.. الدكتور بيتكلم صح.. قوم معايا ياعلاء يابني مش كفاية والدك اللي مرضاش هو كمان يسيب مكانه في مسجد المستشفى.
قالها شاكر بحزم وكان الرد من علاء ببعض اللطف:
- معلش ياعم شاكر اتفضل انت وروح البنات معاك.. عشان انا مش هاقدر اروح الليلادي خالص.
ردت شروق بانغعال:
- وانا كمان مش هاروح وهافضل جمب حسين .
رد علاء :
- روحي انتي دلوقتي ياشروق وتعالي الصبح.. على الأقل انت هناك هاتاخدي فرصتك كويس عشان تصلي وتدعيلوا من قلبك .. دا اللي محتاجه مننا دلوقتي .
اقتنعت بكلمـ.ـا.ت علاء ونهضت لتذهب مع أبيها
شـ.ـدد شاكر على ذراع علاء قائلًا :
- بإذن الله نيجي بكرة وتبلغنا انت بالبشرى ..ربنا يعينك يارب ويقويك.
اومأ له علاء برأسهِ.. القى شاكر نظرته نحو ابـ.ـنته الأخرى التي ودت لو تُعترض على ترك حبيبها وحده الاَن في محنته ولكن منعها الحياء .. فنهضت بصعوبة وعيناها لا تترك عيناه الملاحقة لها حتى ابتعدت. 
عصام والذي كان مراقبًا بسعادة بداخله استقرار صاحبه وعثورهِ على الحب اخيرًا بعد!
استفاق يجلي من رأسه الجـ.ـر.ح القديم فقال مخاطبًا صديقه القديم:
- انا كمان مش هاسيب المستشفى الليلادي ياعلاء.. لو عوزت اي حاجة مني انا في مكتبي قريب من هنا..
...............................
يابت بطلي هبل واهمدي شوية كدة على ماشوفنا إيه أخرتها .
تفوه بها وهو يسير في طرقات المشفى.. وصله صوتها المرتعش في الهاتف:
- يعني اصبر لحد امتى بس؟ لما يفوق وبقى ويفـ.ـضـ.ـحني قدام أبوه؟ دا كان أدهم يد.بـ.ـحني.. ولا انت مش عارفه؟
- عارفه اكتر منك ياختي.. دي عشرة عمري كله مش سنة جواز زيك.
- طيب لما هو كدة عايزني استني تاني ليه؟ دا انا بمـ.ـو.ت في الدقيقة يجي مية مرة وانا مستنية في اي وقت الاقي ادهم دخل عليا يبلغني ان ابنه فاق وعرف الحقيقة منه.
زفر متأفافًا قبل ان يرد:
- مش هايلحق يانيرمين.. وخليكي متأكدة من كدة ..عمليه دmاغه دي صعبة يعني على ما يقدر يفوق عايز وقت وانا بقى في الوقت ده هاعرف اللحق واتصرف .
تكلمت بعد ذلك عدة كلمـ.ـا.ت لم تصل لذهنه فقد تشتت عقله برؤيتها في الناحية الأخرى تسير مع والدها وشقيقتها نحو الخروج من المشفى ..تنهد بثقل وهو يُمني نفسه بقرب الوصول اليها حينما يتخلص من غريمه.. اجفل على صرخة في أذنه:
- روحت فين ياسعد انا بكلمك؟
اخرج من فمهِ سبة قبيحة لها قبل ان يرد عليها من بين اسنانه
- وطي صوتك ياهبابة انتي.. ولا انتي عايزة تفضيحينا ؟ قال ماشافهومش وهما بيسـ.ـر.قوا شافوهم وهما بيتخانقوا.
- ما انا بصراحة خـ.ـو.فت لما انت مرديتش عليا .
- لا ياختي مـ.ـا.تخافيش واطمني.. المهم بقى كنتي بتقولي إيه؟
- كنت بسألك.. معرفتش بقى الزفته امينة راحت فين؟
اخرج سبة اخرى :
- بت ال...... دي كأن الأرض انشقت وبلعتها.. وانا هاتجنن عشان اعرف مكانها.
..................................
- الف سلامة عليكي ياحبيبتي والنبي دا انا مقدرتش اتحكم في أعصابي من ساعة ما سمعت من البت الممرضة باللي جرالك.
اومأت لها بابتسامة باهتة على وجهها الشاحب وهي مستلقية على التخت الطبي والجالسة على طرفه الأخرى:
- تشكري ياحبيبتي.. ربنا ما يحرمني منك .. ومعلش يعني ان كنت تقلت عليكي في حساب المستشفى .. ما انا بصراحة مالقتش حد غيرك ابلغه بمصيبتي وباللي جرالي.. ما انتي عارفة اللي بيني وبين والدتي بقى.
قالت الاخيرة بخزي اثار اشفاق الأخرى والتي ردت:
- عارفة ياامينة من غير ما توضحي.. انا وانتي غلابة زي بعض والدنيا لطـ.ـمـ.ـتنا ياما .. الا قوليلي صح.. هي حادثتك دي كانت في ايه بالظبط؟ عربية صدmتك ولا حاجة تانية؟
انكرت على الفور :
- لا طبعًا عربية إيه بس؟ دا انا كنت دايخة وانا بنزل سلالام المترو وفجأة ياختي وقعت متخرشمة ماحستش بنفسي الا هنا بعد ما ولاد الحلال جابوني ودفعوا جزء من حساب العملية 
- اه يا حبيبتي الف سلامة عليكي يارب.. ينعل ابو الفقر اللي بيبهدل فينا كدة.. بس كمان الحوادث دي بتبقى قضاء وقدر من عند ربنا مالهاش دعوة بغني ولا فقير .. زي مثلًا ابن الحاج ادهم المصري.. حسين اللي كتب كتابه امبـ.ـارح .. النهاردة ياختي نسمع انه عمل حادثة والعربية اتقلبت بيه مع واض غلبان من حارتنا اسمه حودة مسكين ياعيني بيسعى على رزق امه واخواته البنات الصغيرين بعد ما اتوفى ابوه وساب واحدة فيهم كانت يدوب حتة حمرا.. اهو مـ.ـا.ت هو كمان وسابهم ..ادي حال الدنيا بقى .
دون ان تشعر تساقطت دmاعتها بأسى على الفتى الصغير الذي رأته بنفسها في أشـ.ـد اوقات شـ.ـدتها وكان مع الشاب الاَخر مصدر تهديدٍ لها وذهب في غمضة عين.. انتبهت عليها الأخرى :
- امينة.. هو انتي بتعيطي ياختي ؟ يقطعني ياحبيبتي عشان نكدت عليكي وانتي فيكي اللي فيكي.
مسحت بابهامها على وجنتيها وسألت:
- طب و الشاب التاني يالبنى اخبـ.ـاره ايه بقى؟
- لا ما التاني كمان حالته حالة.. خرج من اؤضة العمليات يدوبك من تلت اربع ساعات كدة .. وبيقولك حالته خطيرة وهو دلوقتي بين ايدين ربنا بس اللي قادر ينجيه..
مصمصت بشفتيها واصدرت بفمها اصوات استهجان وهي تتابع:
- لا وايه ياختي مضروبة الدm نيرمين اللي هي مرات ابوه ولا باين عليها خالص.. طبعًا وهي هايهمها في إيه ؟ كانت امه يعني؟ دي تلاقيها فرحانة ان هاتنزاح نمرة من اللي هايشركوها الورث في يغمة الراجـ.ـل الكبير جوزها.
قطبت حاحبيها وهي تتمتم مع نفسها الأسم نيرمين وعقلها تصدر بداخله اشارات الإرتياب والتحذير .
اجفلتها لبنى :
- انت سرحتي في إيه ياامينة؟
ردت منتبهة:
- لا ياحييبتي مش في حاجة مهمة يعني.. بس انتي ماقولتيش جيبتي فلوس المستشفى منين؟ اوعي تكوني بلغتي سعد او حتى والدتك لا تقول له هي كمان؟
- لا ياحبيبتي مـ.ـا.تخافيش انا عملت زي ما نبهتي عليا بالظبط.. ماردتيش ابلغ مخلوق .. وان كان على حساب المستشفى فانا اتصرفت من فلوس جمعية كنت قبضاها قريب.. والحمد لله انها حكومي يعني الدفع فيها حاجة رمزي .
- تسلميلي ياغالية ربنا ما يحرمني منك .. انا بس اقوم على رجلي وهاتصرفلك فيهم.. بس وغلاوة النبي عندك مـ.ـا.تبغلي حد بحادثتي حتى امي نفسها .. مش مضمونه.
تمتمت الاَخيرة من غير صوت وهي تعنيها تمامًا.
.............................
نظر نحوه وهو يتقدm بخطواته اليه قائلًا :
- رجعت تاني ليه يابني بس ؟ 
رد عليه بابتسامة وهي يقترب ليجلس بجواره:
- امال يعني عايزني اسيبك لوحدك هنا؟ دا انا حتى ما يجنيش نوم !
رد علاء بتأثر :
- ياحبيبي ما انت واقف معايا اليوم كله؟ كان واجب برضوا تريح جتتك شوية وتيجي الصبح.
تغيرت ملامح سعد بحمائية مصطنعة :
- ليه بقى هو انا غريب ؟ دا حسين دا يبقى اخويا الصغير .. يعني مصابك مصابي ولا ايه رأيك ياعم علاء؟
اومأ برأسه اليه بامتنان قائلًا:
- طبعًا ياحبيبي اخوك امال ايه؟ ربنا يقومه بالسلامة يارب عشان يشكرك بنفسه
بابتسامة جانيية متهكمة غفل عنها علاء :
- لا ياسيدي انا مش عايز شكر انا بس عايزوه يقف على رجليه من تاني .
ربت علاء على فخذه والتفت للأمام وهو يتمتم بالدعاء:
- يااارب يااارب.
تمتم هو الاخر بصوته قبل ان يسأل علاء:
- في اخبـ.ـار جديدة عن صحته او حد طمنك بأي جديد.
حرك رأسه بالنفي وكلمـ.ـا.ته تخرج بصعوبة:
- عصام بيقول انه في ظرف اربعة وعشرين ساعة لو مافقش يبقى لاقدر الله حصل الأسوء ودخل في غيبوبة وساعتها يبقى الله اعلم هايقوم منها أمتى ؟
رد متحاملًا على عصام :
- مـ.ـا.تكررش الكلام دا ياعلاء..اخوك ان شاء اكيد هايقوم منها .. هو افتكر نفسه دكتور صح دا كمان؟ دلوعة امه اللي ورث مستشفى عالجاهز .
التفت اليه علاء محدقًا باندهاش مما اثار ارتباك الاَخر:
- بس عصام دكتور بحق ياسعد .. ولا انت نسيت كلام الدكاترة زمايله عن اللي عمله مع حسين؟
قال بتـ.ـو.تر متهربًا بوجهه عن اعين علاء الثاقبة نحوه:
- لا طبعًا مانستش.. بس انت قولت بنفسك .. زمايله او بمعنى اصح اللي شغالين عنده.. ومين يشهد للعروسة؟
حينما ظل علاء صمته تابع :
- انا قولتلك سابق قبل كدة.. لا يمكن هاسامح البني ادm ده على اللي عمله زمان ولو انت صدقت براءته .. فانا ياحبيبي ماصدقتش.. دا لساتوا بتاع نسوان بدليل نظراته النهاردة ناحية البنات......
-بس ياسعد..
قالها بمقاطعة حادة انهت الحديث بينهم .. ليشيح علاء بوجهه عنه ويستمر على وجومه هذا لفترة استمرت لقرابة الساعتين والاَخر جالس بجواره صامتًا ..يترقب لحظة غفوته .. والتي لم تأتي ولكنه نهض فجأة قائلًا:
- انا تعبت من كتر القعدة وعايز اصلي ركتين تهجد لربنا.
رد عليه بحماس مستغلَا الفرصة:
- طب انزل ياحبيبي على مسجد المستشفى وانا هافضل مكاني مستنيك. ولو في أي جديد هابلغك.
اومأ اليه برأسه وقبل ان يتحرك شـ.ـدد عليه:
- ارجوك ياسعد والنبي.. تبلغني على طول حتى لو الخبر تافه.
- طبعًا ياحبيبي من عنيا.
كاد قلبه ان يرقص فرحًا وهو يتابع ابتعاد علاء حتى اختفى .. تحرك بخطواته يمينُا ويسارُا يتتبع حركة البشر في هذه الساعة المتأخرة من الليل.. حتى اطمئن لهدوء المنطقة التي يريدها.. سار بحرص حتى دلف لغرفة العناية المشـ.ـددة ينظر بتشفي نحو المستلقي بداخلها على التخت الطبي وهو بين الحياة والمـ.ـو.ت.. تبسم بزاوية فمه وهو يخرج حقنة من داخل جيب بنطاله .. جهزها حتى امتلئت بالهواء واقترب يبحث عن وريدٍ بجسده متاح حتي يتمكن من ايقاف الدmاء عن المخ والقلب وينهي مهمته اَخيرًا بمـ.ـو.ته .. وجد اخيرًا ساعده الأيمن خالي ويصلح للبحث.. بمجرد ان دنى برأسه تفاجأة بضـ.ـر.بة قويه بشئ ثقيل وقوي وقبل ان يتمكن من رفع رأسه بُوغت بأخرى اسقطته ارصًا وقد اظلمت الدنيا بعيناه ولم يشعر بعدها بشئ !
...
لقد أقسم ان يكمل المشوار.. اقسم الا يكرر خطئه مرة اخرى بعد ان سهى قليلًا عن مراقبته وفوجئ بعدها بفاجعة الحادث الأليم.. والذي راح ضحيته صديق عمره وبقي حسين وحده بين يدي الله في صراع البقاء.. هو لايعلم الحقيقة كاملة ولكنه يعلم جيدًا بحقيقة هذا الثعبان ذو الواجهة الناعمة من كلمـ.ـا.ت صديقه الراحل وبما لمسه هو نفسه اثناء مراقبته طوال الأيام السابقة.. قبل ان يغفل عنه لدقائق فقط عند محطة الوقود .. حينما ابتاع بعض الأشياء من محل البقالة الكبير والملحق بالمحطة.. متكلًا على دلوف السائق المرافق له في غرفة المراحيض العامة.. ليخرج بعد ذلك ويفاجأ باختفاء السيارة الكبيرة واختفاءه معها وظل فقط السائق الذي كان يسب ويلعن بأفظع الشتائم .. حتى تحدث في الهاتف وهدئ بعدها وكأن شيئًا لم يكن.. وقتها فقط شعر بالخطر.. هذا الخطر الذي رأه بعد ذلك بعيناه وهذا الثعبان يتسحب بقدmيه ناحية غرفة العناية في هذا الوقت المتأخر من الليل ورأسه تدور يمينًا ويسارًا بدليلٍ واضح على سوء نيته.. مما جعله يترك موقعه بوسط الدرج الرخامي والذي جلس يستريح عليه اَخيرًا.. بعد رحلة تهروبه من عمال المشفى بين الطوابق.. سار بخفة خلفه ليتبع خطواته.. ثم توسعت عيناه بجزع وهو يراه من خلف الحاجز الزجاجي وبيده الحقنة التي كان يملؤها بالهواء.. توقف عقله عن التفكير بأي شئ سوى إيقاف هذا المجرم.. ليجد نفسه يتناول سلة القمامة الوحيدة التي وقعت عليها عيناه وقتها.. وعلى اطراف أصابعه سار بداخل الغرفة التي دلفها وبعزم شـ.ـديد رفعها في الهواء ليضـ.ـر.ب بقاعدتها القاسية على خلف رأسه وتبعه بضـ.ـر.بة أخرى اقوى من سابقتها ..اسقطته مغشيًا عليه قبل ان يتمكن حتى من رؤيته.. بصق بفمه مخرجُا سبة وقحة قبل ان يقترب من حسين فخاطبه بلهجة حازمة ولوم:
- مـ.ـا.تقوم بقى ياعم حسين وفوق عشان ترجع الفيران دي لحجورها من تاني ..قوم بقى وكفاياك ياعم .
ثم دون أي كلمة اخرى أخرج سلة المهملات سريعًا ليضعها قرب الباب ثم سحبه من اقدامه ليخرجه منها نهائيًا وتركه بالردهة الصغيرة خلف الغرفة بعد ان تناول الحقنة ووضعها بجيب سترته.. خطا سريعًا عائدًا لمكانه وسط الدرج في انتظار من يأتي . 
لم يشعر بدخول الهواء داخل صدره سوى بعد ساعة تقريبًا من الزمن بعد أن رأى الفتاة الممرضة وهي تتقدm نحو الغرفة والتي خرجت بعدها بقليل مهرولة بجزع لتأتي ببعض العمال واصداقائها الممرضات . 
...........................
حينما عاد علاء من صلاته التي وصلها بصلاة الفجر تعجب من مجموعة البشر الملتفة حول شئ معين.. شعر  بالخـ.ـو.ف يجتاح قلبه وهو يسرع بخطواته حتى وصل اليهم.. ابعد بيده اثنان من الأشخاص وهو يسأل بتوجس:
- في إيه؟ إيه اللي حصل؟
تفاجأ بسعد والذي ارتفعت اليه عيناه غريزيًا إليه وإحدى الممرضات تطبب له رأسه وتربطها بالشاش الطبي.
سأل علاء بجزع وهو يحدق لهذا الجـ.ـر.ح الواضح خلف رأس سعد :
- إيه عورك كدة؟ حصلك إيه بالظبط ياسعد ؟
اعوج فمه وهو يطرق برأسه بإحباط بعد فشل مخططه وتكلفت إحدى الممرضات بالإجابة:
- الاستاذ صاحبك لقيته مرمي جمب غرفة العناية المركزية بتاعة المريـ.ـض اللي يخصكم .
توسعت عيناه بصدmة وهو يتسائل بعدm استيعاب:
- ازاي يعني؟ انا مش فاهم حاجة.. وقعت على دmاغك يعني ؟ ما ترد ياسعد .
سبقه احد العمال برد متحذلق:
- وقع دا إيه؟ دا شكله خد ضـ.ـر.بة شـ.ـديدة على نفوخه من ورا.. ولا انت مش واخد بالك يااستاذ من مكان الإصابة فين؟
حدق علاء بتفحص نحو ما أشار الرجل على رأس سعد في الخلف مكان الإصابة وبأطراف اصابعه حركها قليلًا فصرخ عليه سعد :
- اااه ما بالراحة ياعلاء أخي.. انت مش واخد بالك من التعويرة.
- معلش ياعم اسف..بس انا كنت بشوف حجم الإصابة.
هم ليرد عليه مرة أخرى ببعض الكلمـ.ـا.ت التي تُظهر حجم ضيقه ولكن احتدت نظراته فجأة نحو هذا الذي أتى اليهم لاهثًا يسأل :
- الف سلامة عليك ياسعد.. هو انت اللي حصلك دا حصل أزاي؟
اظلم وجهه وهو ينظر اليه بأعين مشتعلة واشارات الشك برأسه تدور نحوه.. ثم من دون أن ينطق ببـ.ـنت شفاه نهض يتجاهله وهو يخاطب علاء :
- انا رايح الحمام .
ذهب على الفور امام نظرات التعجب من الإثنان والصمت الذي قطعه عصام:
- انت معرفتش ماله؟
هز علاء راسه نافيًا:
- لا معرفش انا واصل حالًا لإني كنت بصلي الفجر في الجامع اللي تحت .
- وانا بصراحة عيني غفلت على كنبة المكتب و... 
لم يكمل جملته وذلك لأنه تفاجأ بأحد ألأشخاص من إداري المشفى يستأذنه:
- دكتور عصام لو سمحت ممكن كلمة.
استأذن ليذهب للرجل من علاء الذي عاد للجلوس على مقعده من الأمس في انتظار إفاقة شقيقه.. ليضاف إليه ايضًا انتظار سعد ومعرفة ماالذي أصابه؟
..............................
بداخل غرفة المراحيض الخاصة بالمشفى وقف امام المرأة الكبيرة المعلقة بالحائط يغسل بحرص من ماء الصنبور على جانبي وجهه اثار الدmاء التى نزلت على رقبته و لوثت قميصه ايضًا.. وحريق مشتعل بداخله مما حدث له منذ قليل وأجهض خطته وما كان ينتوي فعله .. عقله يشير نحو هذا العصام ولكن مع مساحة قليلة من التفكير.. ان كان هو بالفعل فما الذي منعه من كشفه امام علاء بل وفضحه أمام المشفى جميعها أيضًا وهو مديرها وله السلطة بالقبض عليه وتسليمه للشرطة.. إذن فمن هذا الذي فعلها؟ من الذي رأه واكتفى بضـ.ـر.به فوق رأسه؟
فجأة انتابه شعور الخطر الكبير وقد ذهب منه إحساس الأمان بداخله لغير رجعة .. ولابد من التصرف!
..........................
حدق بالشاشة امامه لدقائق بأعين متسعة قبل أن يتجه بأنظاره نحو هذا الفتى الصغير.. والواقف بجوار رجـ.ـال الأمن بثقة وعدm خـ.ـو.ف من نتائج مافعله.
- ايه ده إيه ده؟ إيه يابني ده؟ جبت الجبروت دا منين عشان تعمل دا كله لوحدك ولا انت معاك شريك؟ 
أجابه بجرأة:
- انا لوحدي و معايش حد ؟
- كمان !!
قالها باستهجان قبل أن يخاطب رجـ.ـال الأمن وجميع الموجودين داخل الغرفة من موظفين بغرفة الكاميرات بالإضافة إلى رئيسهم :
- وانتوا بقى كنتوا نايمين ولا إيه ظروفكم بالظبط؟ عشان عيل زي ده يستغفلكم ويبات في المستشفى لا وكمان يجيب لنا مصيبة؟
دافع كبيرهم قائلًا:
- يا دكتور عصام الولد زي ما انت شوفت بنفسك..كان بيتهرب من مكان لمكان وجـ.ـسمه الصغير مساعده..لكن اهو قدرنا بالكاميرات نجيبه ونعرف مكانه.
توعدهم بحزم وهو يطرق بقبضته على خشب المكتب المثقل:
- ماشي ماشي خلي تبريرك دا لبعدين انت والبقية في التحقيق ان شاء الله .
- وهما ذنبهم إيه عشان تجازيهم؟ انا اللي غلطت تبقى تحاسبني أنا .
صاح بهى الفتى مما جعل عصام يفقد البقية من أعصابه:
- وانت كمان ليك عين ياولد انك تدافع وتتكلم بعد ماعملت مصيبتك لما كنت هاترتكب جريمة قــ,تــل بضـ.ـر.بك لسعد بالطريقة الغـ.ـبـ.ـية دي وفي نص الليل كمان .. ولا انت ماشوفتش شكلك في الكاميرا حالًا وانت بتجره زي القتيل .
هتف حانقًا:
- امال كنت عايزيني أشوفوه وهو بيحاول يقــ,تــل عم حسين بحقنة الهوا واتفرج زي الأهبل بقى واقعد ساكت؟
قطب حاجبيه يسأله بعدm تصديق:
- يقــ,تــل مين ياولد؟ هو انت بتخرف ولا اتجننت؟
- انا مابخرفش ولا اتجننت وادي الحقنة أهي وشوف بنفسك.
قال الأخيرة وهو يضع الحقنة بعنف على المكتب الصغير.. بعد أن اخرجها من سترته .. مما جعل عصام ينظر لها جاحظ العينين لعدة لحظات قبل أن يستدرك نفسه مخاطبا وكيل المشفى:
- نعيم اقفل علينا باب الأوضة دي حالًا دلوقتي وانت يابني عايزك تشرحلي كدة وبهدوء انت بتقول إيه بالظبط عشان افهم 
................................
في منزل شاكر 
بداخل غرفتها وبعد أن ادت فرضها بصلاة الفجر استقامت فجر وهي ترفع معها سجادة الصلاة .. وفور ان استدارت اجفلت لوجود سميحة ابنة عمتها واقفة بجوار الباب .. خاطبتها وهي تخلع عنها رداء الصلاة ( الإسدال) :
- واقفة عندك ليه؟ مـ.ـا.تدخلي .
تحركت بتثاقل لداخل الغرفة لتجلس بجوارها على التخت وهي ترد عليها :
- انا بس مستغرباكي يعني.. امتى لحقتي تنامي ؟ وامتى لحقتي تصحي؟
ردت بابتسامة باهتة وهي تشـ.ـد الغطاء عليها وتستند بظهرها على قائم السرير:
- يابـ.ـنتي انا ملحقتش انام اساسًا عشان اصحى؟ دا احنا على ما وصلنا امبـ.ـارح بالليل واطمنا على خالتي زهيرة كانت الساعة واحدة وعلى مادخلنا البيت وصلينا انا وشروق كانت الساعة مقربة على تلاتة.. بعدها بقى حطيت راسي عشان اعرف انام معرفتش أبدًا أو يمكن أكون غفلت نص ساعة وماحسيتش بيها.. المهم اني قومت بدري ذي ما انتي شايفة كدة وصليت الفجر .. انتي بقى ايه اللي مصاحيكي بدري ؟
لوت شفتيها وهزت كتيفيها تقول:
- مش عارفة والنبي يابـ.ـنت خالي.. ولا يمكن عشان نمت بدري امبـ.ـارح لما لقيت البيت هس هس ومافيش حد غيري عشان اكلمه وابراهيم اخوكي قاعد على شاشة الكمبيوتر بتاعه في أؤضته.. قال وانا اللي قولت اني هاخد السبوع هنا معاكم رغي طول الليل والنهار .. قوم تيجي الحادثة المنيـ.ـلـ.ـة دي.. عشان ت عـ.ـر.في بس اني حظي الزفت مرافقني على طول .. حتى هنا.
ردت عليها فجر برقة:
- ليه بتقولي كدة بس يابـ.ـنتي ؟ ادعي انتي ربنا يعديها على خير وبعدها نرغي ونحكي معاكي للصبح.. بس انتي مقولتليش يعني..هي والدتك مباتتش معاكي امبـ.ـارح ليه؟.
- لا ياستي .. ماهي باتت مع عمتي سميرة عند الست،حمـ.ـا.تك العيانة.. ربنا ياخد بإيدها يارب.. دي هي نفسها رجعت متأخر كمان يدوبك قبلكم بساعة.
قطبت بحيرة:
- قبلنا بساعة؟! ليه يعني واليوم كله امبـ.ـارح قضته فين بقى؟
تنهدت بيأس قائلة:
- مقالتش يافجر ولو سالتها هاتقولي أي كلام .. امي اساسًا اتغيرت من ساعة اختي ما اتوفت زيها زي ابويا .. بس على الاقل هي بتتعامل كويس معانا غيرش بس لما تفتكر اختي وتدخل اؤضتها وتقعد فيها بالساعات وماحدش فينا يقدر يقرب ولا يخبط عليها.. اما ابويا بقى فدا في ملكوت تاني .. دايمًا سرحان وضحكته مطفية .. حتى في عز فرحته بيا.. 
 اخواتي الصبيان بيحبوا بعض عشان فاهمين بعض وانا بحس اني غريبة وسطيهم.. اصلها حلوة اوي لما تبقي اختك هي صاحبتك.. ياما كان نفسي يبقالي اخت اكبر ولا اصغر مني احكي واتحاكى معاها زيك انتي وشروق كدة.. على قد ما هي زي القطة النفرية لكن تتحب من اول قعدة..
ارتسم الحـ.ـز.ن جليًا على ملامح وجهها اشفاقًا على ابنة عمتها الصغيرة التي حُرمت من شقيقتها الكبرى والتي كانت لها هي قديمًا خير صديقة.. ربتت على ذراعها وقالت بحنان:
- انا صاحبتك واختك وحبيبتك ياستي.. مبسوطة بقى؟
تبسمت لها سميحة وهمت ان ترد ولكن استوقفها نداء شاكر من خارج الغرفة:
- يافجر انتي و سميحة انا سامع صوتكم.. و مدام  صاحين يابنات اطلعوا ياللا حضروا الفطار عشان اللحق مشوار المستشفى .
................. ...................
لماذا لم يفكر فيه سابقًا ؟ لماذا غفل عنه كل هذه السنوات في خضم بحثه عن الحقيقة.. متناسيًا بكل غباء الوجه الاَخر لسعد الذي رأه هو فقط في عدة مواقف صغيرة اثناء دراستهم بالجامعة.. والتي كان يستغل فيها بكل حنكة ومسكنة طيبة علاء وعاطفة الحماية نحوه.. كيف تمكن عقله الغـ.ـبـ.ـي من نسيان نظراته المكشوفة نحو فاتن حبيبة صديقه؟ كيف صدقه حينما أنكر معرفته بأمينة الطرف الاَخر في الجريمة وهو من أتى بها؟ كيف غفل عن المستفيد الوحيد للتفرقة بينه وبين علاء وبين علاء وحبيبته السابقة فاتن؟!
- سرحت في إيه ياسعادة الدكتور؟
استفاق من شروده ينظر بأعين شاردة نحو هذا الفتى الصغير الذي تمكن بشجاعته من كشف الستار اَخيرًا عن اللغز الذي أرق مضجعه لسنوات طوال .. مسح بأطراف اصابعه على ذقنه بتـ.ـو.تر وقال:
- بقولك إيه يااامازن ..مستعد انت بقى تشهد بالكلام ده قدام علاء أو الحج ادهم المصري؟
- واشهد قدام المحكمة كمان لو حصل.. لهو انا جبان عشان اضيع حق اصحابي؟
اومأ برأسه له قبل ان ينتقل لوكيل المشفى المتبقي الوحيد معهم في الغرفة بعد أن اخرج جميع الموظفين:
- اسمعني يانعيم عايزك تراجع الكاميرات وتنبه على العمال ينتبهوا قوي على غرفة حسين في الايام اللي جاية وتاخد بالك من مازن وتجيبلوا فطار وتشوفله مكان يريح فيه و...
- انا مش هافضل هنا انا عايز اخرج عشان اخد بالي من عم حسين .
قالها مقاطعًا لعصام الذي هتف عليه حانقًا :
- بس بقى يابني وافهم ان المهمة دلوقتي بقت على المستشفى كلها.
فتح مازن فمه ليجادله مرة اخرى ولكن أوقفه طرق الباب وأحد الأطباء يهتف من الخارج 
- يادكتور عصام حالة المريـ.ـض بتاع حادثة امبـ.ـارح الاستاذ حسين فاق من البنج !
...............................
في شقة علاء التي اقتحمتها شروق هاتفة بصوتها العالي :
- خالتي زهيرة ياخالتي .. انتي فين ياخالتي زهيرة ؟
خرجت سميرة مجفلة من المطبخ وبيدها كوب زجاجي ممتلئ بإحدى المشروبات الساخنة :
- مالك يابت بتزعقي كدة ليه ؟
ردت شروق بلهفة وهي تتجه نحو غرفة نوم المرأة وخلفها فجر ايضًا:
- حسين فاق ياماما حسين فاق .
حينما فُتح الباب فجأة وجدوا زهيرة واقفة بوسط الغرفة وهي مستندة بجسدها الضعيف على ذراعي عمتهم فوزية.. متسمرة بوجه رخامي وكأن سماعها للخبر من خارج الغرفة اصابها بالتخشب.. كررت شروق على مسامعها بهدوء :
- حسين فاق ياخالتي زهيرة وان شاء الله هايبقى كويس .
هطلت دmاعتها بغير تصديق وهي تنقل عيناها نحو فجر تلمتمس الصدق منها ..فرددت هي أيضًا بتأكيد :
- صدقيها ياخالتي زهيرة .. علاء اتصل بينا دلوقتي حالًا وبشرنا وقال لنا نيجي كمان نبشرك عشان مستنيكي تيجي مع والدتي على هناك.. هاتقدري تيجي تروحي تشوفيه ياخالتي ؟
لم تستطع النطق سوى انها فتحت ذراعيها لتستقبلهم بعناقها ودmـ.ـو.ع الفرح انطلقت منها بشهقات ومنهن أيضًا داخل أحضانها .. مسحت فوزية بإبهامها الدmعات التي سقطت متأثرة ببكائهن أما سميرة القوية دائمًا فكانت تكرر بكلمـ.ـا.ت الحمد مترافقة ايضًا بسقوط دmـ.ـو.عٍ عزيزة قلما تخرج منها.
...............................
قبله فوق رأسه الجريحة وواحدة أخرى فوق جبينه استمرت للحظات قبل ان يقبل كفه ايضًا وصوته الأجش خارج بصعوبة من فرط مشاعره نحو ابن قلبه الذي نجا واستفاق اخيرًا :
- حمد الله على سلامتك ياحبيبي.. الف الف حمد الله على سلامتك .
اومأ له بعيناه ورد بصوت بالكاد خارج منه:
- الله يسلمك ياوالدي .
ردد خلفه بصوت خرج بـ.ـارتعاش:
- ياحبيبي.. وحشني صوتك قوي يانور عيني ربنا مايحرمني منك يارب .
صدر صوت عصام من خلفه :
- كفاية بقى ياعم أدهم عشان مانتعبوش اكتر من كدة.
رفع رأسه يرد عليه :
- يعني ما ينفعش افضل دقيقتين كمان معاه؟
جاء الرد من علاء والذي كان واقف من البداية متكتفًا باستمتاع وهو يراقب ادهم المصري الرجل المهيب والمشهور بقوته.. وهو الاَن في اضعف حالاته بجوار شقيقه الذي استفاق اخيرًا بمعجزة:
- ماخلاص بقا ياوالدي مش عايزين نبقى طماعين كفاية اننا اطمنا عليه .
تحرك ادهم مضطرًا يقبل كف ابنه مرة أخرى قبل ان يبتعد عنه:
- عندكم حق انا مش عايز ابقى طماع و كفاية عليا انه فاق للدنيا والباقي بعد كدة يجي بالصبر .. الف حمد ليك يارب..الف حمد.
نظر علاء نحو أخيه قبل أن يخرج معهم فهمس اليه باسم حودة ..اومأ له بتـ.ـو.تر يرجوا الا يكشف كذبته:
- كويس ياخويا اطمن.. كويس ان شاء الله .
هم ليتهرب ولكنه همس بإسمها هذه المرة فأشرق وجه علاء ليطمئنه بابتسامة اعادت الدmاء الى وجهه:
- اتصلت بيها ياعم وزمانها جاية في السكة مع فجر وابوها .. دي فرحتها بسلامتك مـ.ـا.تتوصفش 
.........................
بعد ان خرج الثلاثة من غرفته تنهد علاء ارتياحًا ومعه والده الذي لم يكف لسانه عن الحمد .. أجفلهم عصام قائلًا:
- طب ياجماعة انا كنت عايزكم تيجوا معايا على مكتبي في موضوع مهم .
تكلم ادهم بقلق:
- اوعى يكون في حاجة خطر على حسين .
اسرع نافيًا :
- لا ياعم أدهم .. حسين ماشاء الله وضعه لحد الاَن كويس اوي.. بس انا كنت عايزكم في حاجة تانية خالص.
- حاجة إيه يعني؟
قالها علاء بعدm تركيز فقد انشغل برؤية حبيبته التي كانت خارجة من المصعد فهرولت اليه بفرحة استقبلها معانقًا إياها حتى ارتفعت اقدامها عن الارض ..
خرج صوتها بتلجلج وارتباك لعدm توقعها فعلته هذه امام الجميع:
- الف...الف ..حمد على سلامة حسين .
انزلها مضطرًا باستحياء حينما رأى هذه النظرة الحازمة من ابيها والذي ردد من تحت اسنانه :
- حمد على سلامة حسين ياعم علاء .
ضحك أدهم يشاكسه والتفت هو لحبيبته التي زحف اللون الاحمر على وجنتيها وهي مطرقة عيناها للأرض بخجل فزجرتها شروق كالعادة تدفعها:
- ودا وقته ده؟ انا عايزة اشوف خطيبي .
عض على أسفل شفته غـ.ـيظًا وهو يكور قبضته نحوها مما اثار ضحكة عالية لأدهم فخاطبها مابين ضحكاته:
قدmي لقدام شوية يابـ.ـنتي مع والدك وفجر واسبقوانا.. واحنا دقيقتين كدة وراجعين لكم .
تحرك شاكر ومعه ابـ.ـنتيه نحو غرفة حسين .. وتحرك الثلاثة في رواق المشفى في اتجاه غرفة مكتب عصام الذي لم يكن منتبهًا لكل أجواء البهجة والمرح من حوله.. وسألهم :
- امال سعد راح فين يا علاء؟ اصل يعني مش شايفه .
هز بكتفيه يرد بعدm معرفة:
- معرفش .. فجأة اختفى في وسط المعمعة اللي حصلت لما الدكتور بشرنا بفوقان حسين .
تمتم عصام بداخله عليه بسبة وقحة وهو يتوعده:
- ماشي ياسعد ال..... حسابك جاي جاي.. هاتروح فين يعني؟
مضيقًا عيناه ورأسه تتحرك بعدm استيعاب.. ملامح وجهه شاحبة وعيناه التي تتنقل ما بين الفتى وعصام وابيه.. تُظهر بوضوح مدى صدmته في صديق عمره او ما اعتبره هو كذلك بغباءه.. خرج صوته اخيرًا بتشتت :
- انت بتقول إيه؟ ازاي يعني ؟ وليه ؟
جاء رد مازن بعفوية:
- بقولك الا انت سمعته بنفسك ياعم علاء .. انا امبـ.ـارح ضـ.ـر.بت اللي اسمه سعد وفتحت دmاغه عشان اوقفه قبل ما يغز حقنة الهوا في دراع عم حسين ويقــ,تــله.
- ازاي دا يعني ؟ وإيه السبب اللي يخليه يعمل كدة؟ ولا انت عايز تألف من دmاغك وخلاص؟
خرجت منه هادرة وكان الرد من مازن بقوة :
- انا مبألفش من دmاغي واللي بقولوا دا حصل ساعة ما انت نزلت تصلي في الجامع اللي تحت وسيبتوه هو لوحده  و الدنيا ليل والحركة خفيفة في المستشفى.
كتم شهقته بكف يده الكبيرة على فمه وعيناه التي اتسعت بزعر.. تتحرك مقلتيه باضطراب وبغير هوادة ومازال هناك صوت بداخله يأمره بعدm التصديق فلا يعقل ان تكون هذه المعلومـ.ـا.ت حقيقية... قال بحدة :
- انت كـ.ـد.اب ياللا.. وانا مش ممكن اصدق أي حرف ولا أي كلمة قولتها.. الواض دا كـ.ـد.اب ياعصام .. اطرده ولا مشيه أحسن.
زفر عصام بقوة وهو يشيح بعيناه عنه وكان رد مازن :
- لا بقى انا مش كـ.ـد.اب ياعم علاء.. الراجـ.ـل ده مراقبه بقالي كام يوم بناءًا على توجيهات عم حسين لحودة اللي كان هو كمان بيراقب شقته السرية مع البت عشيقته وواحدة تانية اسمها أمينة....
قاطعه بعنف صارخًا:
- أمينة!!!
- أيوة أمينة ياعم الحج.. دا الأسم اللي كان بيكرره دايمًا قدامي حودة صاحبي ويقولي ان البت دي عندها سر كبير وعم حسين مصمم يكشفه .
كمطارق من حديد... تضـ.ـر.ب فوق رأسه كلمـ.ـا.ت هذا الصغير والتي يلقيها امامهم بتلقائية دون الشعور بخطورتها.. انه يذكر أمينة وسعد بجملة واحدة وعشيقة سرية أيضًا.. فما الذي يربط حسين معهم أيضًا ولماذا يقدm سعد على قــ,تــله .
نطق اَخيرًا أدهم ذو الملاح المغلفة والغامضة باقتضاب:
- انت عرفت مين هي عشيقته ؟
- لا ملحقتش اعرف مين عشيقته.. عشان ساعتها انا كنت براقبه عند محطة البنزين وكان هو راجع من دmياط لما اتصل بيا حودة وقالي انه خلاص هو وعم حسين هايكشفوا الحقيقة ونبه عليا اني اتصل بيه ابلغه قبل ما يتحرك سعد والسواق بتاعه .. بس للأسف سعد هرب بعربية الخشب وملحقتش اللحقه......
نهض عن مقعده صارخًا :
- انت بتقول عربية خشب ؟
خلفه ردد أدهم بعد أن نهض هو الاَخر وهو يضغط على حروف كلمـ.ـا.ته:
- انت متأكد من كلامك ده يامازن؟ دا كلام يطير فيه رقاب؟
نهض هو أيضًا يواجههم بثبات وهو يجيب:
- طبعًا متأكد من كل حرف بقوله.. وحتى اسأل الدكتور عصام انا اديتلوا الحقنة اللي اخدتها من الكل...... ده قبل ما اخرجه زي القتيل من غرفة العناية بتاعة عم حسين؟
التف الاثنان نحو عصام الذي وضع بدوره الحقنة امامهم على سطح المكتب فقال وهو يومئ لهم بعيناه عليها:
- تقدروا تاخدوها وتتأكد بنفسكم من البصمـ.ـا.ت اللي عليها غير طبعًا بصمـ.ـا.ت مازن .
تحرك ادهم بغضب أعمى يقول :
- وانا لسة هاتأكد؟ دا انا هسيح دmه ابن نشوى النهاردة .
خرج ذاهبًا من أمامهم بخطواتٍ مسرعة رغم كبر سنه .. علاء والذي لم تستطع قدmاه على حمله سقط منهارًا على مقعده :
- يعني انا كنت مغفل طول السنين دي ياعصام ؟ وبغباء عقلي ادتلوا الفرصة النهاردة كمان عشان يكمل اللي بيعملوا ويخلص على اخويا؟ طب ليه يعمل معايا كدة؟ انا أذنبت معاه في إيه ؟ عشان يأذيني في أقرب ماليا؟ ليه ياعصام؟ ليه؟
ود عصام لو يخرج مابعقله من افكار واستنتاجات نحو هذا المدعو سعد او حتى يذكر علاء ببعض المواقف الصغيرة لهم بالجامعة والتي كانت تُظهر بكل وضوح الخلل النفسي لهذا الشخص المريـ.ـض بحقده ولكنه أشفق على علاء.. فيكفيه هذه الصدmة الكبيرة فيمن اعتبره صديق عمره وجاره .. ويكفي ان انزاحت اَخيرًا غشاوة عيناه وليكتشف هو بنفسه بعد ذلك صدق ظنه .
.................................
عاد أدهم لحارته بغضبه الأعمى وقد امر رجـ.ـاله بالبحث عن هذا المدعو سعد بكل الاماكن المعروف ذهابه اليها.. اما هو فتوجه مباشرة لمنزلهم القديم وحينما فتحت له نشوى صرخت مفزوعة لدلوف رجـ.ـاله داخل منزلها دون استئذان :
- في إيه ياحج أدهم ؟ هاجم برجـ.ـالتك علينا كدة مش تراعي ان البيت له حرمة؟
مال اليها برأسه بملامح وجهه المخيفة والتي لا تظر سوى لإعدائه :
- بعد اللي عمله ابنك يانشوى .. ماعدتش ليكم حرمة عندنا في الحارة كلها .
خرجت اليهم لبني وهي تضع طرحتها على رأسها تسألهم بخـ.ـو.ف :
- إيه اللي حصل يامّا؟ دول حكومة دول ولا إيه؟.
تفاجأت بنظرة والدتها الجزعة وقد انعقد لسانها عن النطق فقال لها أدهم :
- انا مش محتاج لحكومة يالبنى عشان اجيب حق ابني .. فاهمة يانشوى كلامي دا كويس ولا تحبي افهمك؟
رددت نشوى بتلجلج :
- انت بس لو تفهمنا ياحج ادهم.. قصدك إيه بكلامك ولا عمايلك انت ورجـ.ـالتك دي.. بدال ما احنا عاملين كدة زي الطرش في الزفة .
خرج فجأة رجـ.ـال أدهم تباعًا وهم ينفون وجود سعد بداخل المنزل .. مما جعل أدهم يهتف على المرأة بحدة:
- ابنك سعد راح فين يانشوى؟ 
اجابت على الفور:
- والنعمة الشريفة ما اعرف.
صمت محدقًا بها بنظراته المشتعلة ببراكين الغضب داخله مما جعل لبنى هي التي تجيب:
- سعد وصل عندنا هنا قبل ما تيجوا انتوا بساعتين بالظبط.. دخل اوضته عالسريع وخرج بعدها بشنطة هدومه واما سألته انا قالي انه مسافر.. بس ده اللي احنا نعرفه عنه ياحج ادهم وادي رجـ.ـالتك فتشوا بنفسهم.. عشان تتأكد من كلامي .
ضيق عيناه وهو يخاطبهم بلهجة بطيئة ومرعـ.ـبة بهدوئها:
- عايزك تبلغي ابنك يا نشوى .. انه اتكشف خلاص وان حسابه بقى مع أدهم المصري نفسه.. ان شالة حتى لو رجع لبطن امه من تاني برضوا هاجيبه واجيب حق ابني منه.. فاهماني يانشوى انتي وبـ.ـنتك .. ياللا بينا يارجـ.ـا.لة.
قال الاَخيرة وذهب من امامهم تاركًا لبنى تضـ.ـر.ب بيدها على صدرها وهي تندب :
- يادي المصـ يـ بـةعليكي وعلى ابنك يانشوى .. يامصيبتك السودة يانشوى.. هببت إيه يامنيل على عينك.. هببت في سنينك السودة .. يامصيبتك يانشوى .. يامصيبتك يانشوى.
تمتمت لبنى بداخلها:
- طول عمري عارفة ان نهايتك سودة ياسعد.. بس ياترى عملت ايه المرة دي عشان تقلب أدهم المصري بجلالة قدره عليك؟
.............................  
خرجت زهيرة من غرفة ابنها وهي مستندة على ذراعي سميرة وفجر التي خاطبتها بتحفيز:
- شـ.ـدي حيلك ياخالتي زهيرة عشان خاطر حسين.. إيه ؟ هو انتي مافرحتيش بشوفته بقى؟
ردت زهيرة بصوت لاهث:
- فرحت ياحبيبتي طبعًا و فرحت أكتر لما رد عليا.. بس برضوا قلبي بيتقطع عليه.. الواد مدشـ.ـدش خالص ياعين امه.
قالت الاَخيرة وهي على وشك البكاء .. نهرتها سميرة قائلة :
- في إيه ياست انتي ؟ عايزة تعيطي تاني ولا إيه؟ دا بدل ما تحمدي ربنا انه قومهولك بالسلامة ونجاه من المـ.ـو.ت لاقدر.
نظرت اليها بأعين لامعة :
- الحمد لله ياحبيبتي على كل حال..بس انا والنعمة ما انا عارفة ارد جمايلكم معايا دي ازاي؟ دا انا لو كان ليا اخت ماكانت هاتراعيني ولاتسهر جمبي زيك كدة ..انتي والست فوزية.
ردت سميرة بعتب:
- بس ياولية انتي بلاش تخريف.. ما انا اختك فعلًا وبناتي هما بناتك بصحيح ولا انتي نسيتي ياختي؟
ابتسمت زهيرة قبل ان تقبل فجر من وجنتها وترد:
- انسى دا ايه بس؟ دول عوض ربنا ليا بعد ماكنت بتمنى بـ.ـنت واحدة مع الولاد قوم ربنا يرزقني باتنين.. ربنا يتم فرحتي بيهم على خير يارب.
تكلمت فجر وهي تنظر امامها بقلق :
- دا علاء اللي هناك ده ؟ ومال شكله كدة ما يطمنش؟
تمتمت الاَخيرة بداخلها قبل ان تكمل بصوت عالي لهم :
- طب اقعدوا انتوا هنا وانا هاروح اشوفه
ردت والدتها وهي تُجلس زهيرة على اقرب المقاعد التي صادفتها:
- خليه يجي يروحنا بالمرة.. زهيرة مش هاتتحمل القعدة هنا .
عارضتها زهيرة:
- ليه بس ياسميرة؟ هو احنا لحقنا نقعد ؟
شـ.ـددت سميرة بقولها :
- الدكتور منبه عليكي مـ.ـا.تجهديش نفسك.. خلينا نروح وترتاحي عشان نقدر نجيبك معانا بكرة تيجي تشوفي حسين ولا انتي عايزة ترجعي للرقدة من تاني وتنحرمي من شوفته؟.
حينما صمتت بيأس اعادت سميرة القول لابـ.ـنتها التي تحركت نحو الذهاب الى حبيبها والذي كان جالسًا في مقعده بجمود.. محدقًا بالحائط الذي امامه وكأنه بعالم اَخر.. حينما جلست بجواره لم يشعر بها وحين لمسته على ذراعه بيدها انتفض مجفلًا فرددت باعتذر:
- اسفة ياحبيبي ان كنت خضيتك.
مسح بوجهه وهو يطرق برأسه ارضًا :
- معلش يافجر متأخذنيش ياحبيبتي.. بس انا بصراحة مجهد شوية وتعبان .
ربتت بيدها على ذراعه قائلة بحنان :
- الله يكون في عونك ياحبيبي..انت من امبـ.ـارح مانمتش ولا ارتحت دقيقة .. تعالى روح بقا معانا عشان تنام مدام الحمد لله ان ربنا طمنا على حسين .
هز رأسه باعتراض :
- لا انا مش عايز اروح انا عايز اقعد اراعي اخويا .
قطبت مستنكرة :
- تراعي فين تاني ؟ مش كفاية جوز البودي جاردات اللي جابهم عمي ادهم يحرسوه .. هو في إيه بالظبط؟ ومين دا اللي هايئذي واحد تعبان وعامل حادثة؟ هو انتوا مخبين عننا حاجة؟
حدق بوجهها لحظات.. عاجزًا عن النطق واخراج ما بقلبه من ألم وو.جـ.ـع الخيانة التي طعنته في كرامته ورجولته من شخص اعتبره في أحد الأيام اقرب اصدقائه:
سألته بقلق :
- مالك ياعلاء؟ وشك مخـ.ـطـ.ـوف كدة ليه ياحبيبي ؟ إيه اللي تاعبك؟
اجفلها ناهضًا دون الإجابة عن سؤالها.. فقال متهربًا بعيناه عنها :
- انا هاروحكم عشان ارتاح شوية زي ما انتي قولتي وكدة كدة انا بقيت مطمن على حسين دلوقتي.. بس انا مش شايف شروق يعني ؟
ردت بابتسامة متسلية:
- لا ماهي شروق قالت سيبوني خمس دقايق مع حسين قبل ما اخرج واروح معاكم ؟
..................................
بصوت ناعم كانت تردد بجوار رأسه وهو يستمع لها مغمض العينان :
- وحـ.ـشـ.ـتني ياحسحس ووحشني كلامك الحلو.. كدة برضوا كنت عايز تسيبني والنعمة لكنت هجمت عليك وقطعت في جلدك بسناني .
ابتسامة رائعة انارت وجهه المكدوم وهو مغمض العينان غير قادر على مجارتها وهي تتابع بإغواء:
- بيقولوا عليك تعبان قال وكنت هاتدخل في غيبوبة؟ طب بذمتك والنبي بجد كان هايهون عليك برضوا تسيب واحدة زي القمر كدة من غير ونيس.. طب والنعمة لكنت فتحت دmاغك تاني بأي حاجة الاقيها قصادي عشان افش غليلي فيك وبالمرة اخليك تفوق غـ.ـصـ.ـب عنك.. ايه رأيك بقى؟
ازداد اتساع ابتسامته حتى تألم مصدرًا صوت تأوه.. فرددت مسرعة بلهفة :
- الف سلامة عليك ياحبيبي.. والنبي ما اقصد اتعبك.. بس انا بخرجلك اللي في قلبي بس.. عشان تعرف معاناتي وتعبي في اليوم اللي عادى عليا امبـ.ـارح ده بطلوع الروح.
قالت الاَخيرة بدلع كسابق كلمـ.ـا.تها.. مما جعله يفتح عيناه اَخيرًا هامسًا بتوعد رغم ضعف صوته :
- طب والنعمة لاطلعه عليكي ياشروق .. بس افوق واقوملك .
صدحت ضحكتها تجلجل في محيط الغرفة الصغيرة.. ولكنها أجفلت على صوت علاء من خلفها:
- بتضحكي على إيه ياشروق ؟ اخويا تعبان الله يرضى عنك .
رددت وهي تحاول السيطرة على ضحكاتها :
- خلاص ياعم انا خارجة اهو.. انا بس كنت بطمن على خطيبي حبيبي.. ولا اقول جوزي احسن بما ان كتابنا مكتوب..
ردد خلفها بسخط:
- مـ.ـا.تخلصي يابت الواد مش حملك وتعبان.. بدل ما يجي عصام يطردك بالزوق احسن .
هتفت بتذمر :
- ماخلاص ياعم اديني خارجة أهو ..سلام ياقلبي .
ختمت جملتها بقبلة على وجنته فاجئته وذهبت مسرعة .. مما جعل انظار حسين متعلقة بها حتى خرجت.. خاطبه علاء المتابع مايحدث مع اخيه :
- الله يكون في عونك ياحبيبي .. لو تحب ممكن امنعها مـ.ـا.تيجي تزورك نهائي تاني البت دي عشان مـ.ـا.تتعبكش .. ايه رأيك بقى امنعها مـ.ـا.تيجي ؟
اشرق وجه حسين بابتسامة عريضة لمزحة أخيه الذي شعر بالسعادة لاستجابته للمداعبة ولوجوده حيًا رغم كل ماحدث له بسبب غباءه في عدm كشف هذا الثعبان رغم كل المؤشرات التي كان يتعامى باختياره عن رؤيتها.. تنهد بعمق وهو يخرج خلف شروق وبداخله يصبر نفسه حتى يتعافى أخيه جيدًا فيكشف له باقي الأسرار التى نوه عنها هذا الفتى المدعو مازن .
..................................
عاد أدهم لمنزله وهو يزفر متمتمًا بأبشع العبـ.ـارات غضبًا من عدm عثوره ورجـ.ـاله على سعد الذي اختفى دون أثر .. لاعنًا سوء حظه لعدm كشفه قبل ان يتمكن من الإمساك به في الوقت المناسب.. همس متعجبًا من هدوء المنزل فهتف بصوتهِ الجهوري :
- نرمين .. يانرمين .. انت فين موجودة؟
ساوره الشك وهو يخطوا لداخل المنزل الكبير.. يتذكر انقطاع اتصالها به من وقت أن اخبرها بإفاقة حسين وطمأنها على وضعه.. انها حتى لم تكلف نفسها عناء الذهاب الى المشفى لرؤيته ... هتف بصوت أعلى حتى خرجت اليه إحدى الخادmـ.ـا.ت من داخل المنزل :
- ايوة ايوة ياسعادة البيه ؟ الهانم مش موجودة 
قال مستنكرًا:
- نعم!! ازاي يعني مش موجودة؟ هايكون راحت فين يعني الساعة دي؟
رددت الفتاة :
- والله ما نعرف يابيه.. دا انا لولا اني كنت بوضب البيت وشوفتها وهي خارحة بشنطتها الكبيرة من باب البيت مكنتش انا كمان هاعرف .
- شنطتها الكبيرة !!
صاح بها قبل ان يخطو مسرعًا نحو غرفة نومه فوجد خزانة الملابس خاصتها مفتوحة لأخرها وتقريبًا خالية من معظم ملابسها.. بحث بالصندوق الخشبي الصغير فصعق من خلوه من جميع مجوهراتها وبعض رزمـ.ـا.ت اوراقه المالية.. يابـ.ـنت ال.....
خرجت سبته وهو يستعيد قول مازن برأسه عن اكتشاف حسين لشقة سعد وعشيقته وامرأة اخرى تدعى أمينة.. اتت برأسه الفكرة مع استعادة وجود السبب الرئيسي لمحاولة سعد الحثيثة لقــ,تــل ابنه وطمس الحقيقة .. بغضب حارق ذهب لضرفة ملابسه مخرجُا من أسفل ملابسه المرتبة سلاحه الناري يتأكد من خزانته المحشوة بطلقات الرصاص قبل ان يضعها بسترته خارجًا مرة اخرى لرجـ.ـاله ..مصدرًا لهم تعليمـ.ـا.ته الجديدة 
..........................
بداخل غرفتها وبعد أن أنهت مكالمتها الهاتفية مع صديقتها سحر الساخطة من تصرفات والدتها وتعنت خطيبها في الضغط عليها للذهاب والسفر معه لبلد اخرى للعيش هناك وترك كل شئ خلفها.. كانت جالسة متكومة على نفسها بقلق على حال حبيبها الذي قابلها بعناقه الكبير والغير متوقع امام الجميع وفرحة مشرقة بوجهه تسع الكون لاستفاقة أخيه وتحسن حالته وقت أن رأها صباحًا وهي خارجة من المصعد ..ثم تبدل حاله مائة وثمانون درجة بعد ذلك وكأنه شخص اَخر غير حبيبها.. انها حتى غير قادرة على الضغط عليه لمعرفة ما أصابه اشفاقًا على حالته الغريبة في الحـ.ـز.ن والأحباط.. ترى مالذي ازعجه لهذة الدرجة وافقده كل الوان الحياة،
- ممكن ادخل؟
اعتدلت مجفلة وهي ترى عمتها التي طرقت بخفة تستأذنها للدخول ودون انتظار اجابتها دلفت واغقلت الباب خلفها.. وهي تبتسم قائلة:
- المرة اللي فاتت برضوا كنت خايفة وكأني هاخـ.ـطـ.ـفك ساعة مادخلت وقفلت الباب علينا.
ابتعلت ريقها وهي تجاهد لإخراج كلمـ.ـا.ت جيدة دون تلجلج :
- ليه بتقولي كدة بس ياعمتي؟ وانا إيه اللي يخـ.ـو.فني منك يعني؟
تبسمت بتسلية وهي تجلس بجوارها :
- يعني لتكوني محرجة مني عشان شايفاكي هاتتجوزي الراجـ.ـل اللي كان بيحب بينتي وهي كمان كانت بتحبه!
جحظت عيناها وانفرجت شفتيها بعجز دون النطق بكلمة واحدة ...وأكملت فوزية :
- مش دا برضوا اللي مخليكي تستخبي دايمًا مني في اوضتك ولما تشوفيني قدامك تتهربي بعنيكي مني؟
اطرقت فجر برأسها وأسبلت عيناها غير قادرة على مجارتها.. أجفلتها فوزية وهي تمسك بذقنها لترفع وجهها وتقابل عيناها .
- ارفعي راسك يابت وحطي عينك في عيني.. هو انت شايفة انك عملتي حاجة غلط ؟
حركت رأسها بالنفي :
- لا ياعمتي.. انا معملتش حاجة غلط وعلاء لو ما كنتش متأكدة من اخلاقه ماكنتش ابدًا هوافق ارتبط بيه؟
سائلتها بجرأة:
- متأكدة من أخلاقه ولا انتي وقعتي على بوزك وحبتيه؟
حدقت بها قليلًا قبل ان تتمكن من الرد هامسة :
- بصراحة انا حبيته ياعمتي.. لكن يعلم ربنا اني عمري ما نسيت فاتن ولا لحظة واحدة من عمري.
سألتها :
- يعني انت بجد لساكي بتحبي فاتن يافجر؟
اجابت بتأكيد :
- طبعًا ياعمتي وربنا العالم وشاهد على كلامي 
- طب اثبتيلي يافجر انك بتحبيها .
- اثبتلك ؟.... اثبلتك ايه بالظبط ياعمتي؟
كررت فوزية بإصرار:
- لو بتحبيها بجد اثبتيلي .
رددت خلفها بتشتت:
- اثبتلك ازاي بس ياعمتي ؟ انا مش فاهمة حاجة!.
بشبه ابتسامة خاوية تنظر للهاتف الذي يهتز بطنين اتصالاته والتي لم تُعد قادرة على حصر أعدادها.. من وقت ان شحنته بالطاقة وعاد للعمل مرة اخرى.. مستقلية على جانب رأسها وجسدها تنظر اليه بحيرة غير قادرة على الرد وغير قادرة على قفل الهاتف..  وكالعادة اثارت تذمر المرأة جارتها في التخت المجاور:
- ياست أمينة مـ.ـا.تردي على التليفون دا اللي عمال هز قدامك بدال ماهو شغال يرن كدة عالفاضي .
زفرت ساخطة قبل ان ترد عليها :
- في إيه ياستي بس؟ ما انا كاتمة الصوت اهو ضايقتك في إيه انا؟
- يابـ.ـنتي مضايقتنيش ولا حاجة انا بس مستغرباكي.. مدام انتي مش عايزة تردي مـ.ـا.تقفليه في وشه وريحي دmاغك .. 
قلبت عيناها بسأم وهي تعتدل في فراشها تشيح بوجهها بعيدًا عن المرأة.. والافكار المتوالية مازالت تعصف برأسها.. لاتدري ماذا تفعل الاَن ؟ في بداية الأمر كانت مُصرة على عدm اطلاعه على معرفة مكانها ولكن الاَن وقد اقترب ميعاد خروجها من المشفى وهي لا تملك مأوى سوى بيت زوجها المعروف لعلاء وعصام فقد سبق لهم زيارته.. او بيت والدتها التي لم تكلف نفسها عناء الاتصال بها ومعرفة سبب انقطاع تواصلها معها.. فلا تجد سواه امامها ولكنها ايضًا لا تضمن غدره وخسته.. فما العمل؟ وهو شريكها والخطر الذي يهددها نفس الخطر الذي يهدده هو أيضًا ..خصوصًا بعد ان علمت من شقيقته عن اختفاءه و غضب أدهم المصري عليه وبحثه الحثيث عنه هو ورجـ.ـاله .
صدح الهاتف مرة أخرى بورود مكالمته وكالعادة نظرت نحوه دون حسم امرها للرد أو إغلاق الهاتف.. ولكنها أجفلت على قول المرأة بجوارها:
- تاني برضوا التليفون اللي بيرن.. الا بقولك إيه ياختي.. هو انتي مشغلة التليفون القديم دا ليه من الأساس؟ وانت معاكي عدة جديدة باللمس وكبيرة؟
- همم
قالتها بقلق وهي تتحسس بكفها تحت الوسادة هاتف حودة فتكلمت بعد أن اطمأنت لوجوده في مكانه:
- لا ما انا حاطة كل الأرقام المهمة هنا والتليفون الكبير سايبه بس للتصاوير والنت.. مش عايزة امرمطه احسن يبوظ بسرعة.
مصمصت المرأة تلتفت للأمام بعيدًا عنها وتمتمت بصوت خفيض وصل لأمينة:
- قال مكالمـ.ـا.ت مهمة قال.. دا على أساس انها بتكلم حد تاني غير البنية اللي بتيجي هنا؟
عضت على باطن وجنتها غـ.ـيظًا من هذه المرأة التي تحشر أنفها في مالايخصها.. ولكنها تمالكت نفسها عن الرد فيكفي مايشغل عقلها في التفكير الاَن عن حل لهذه المعضلة العويصة معها.. اين تجد مأوى اَمن لها؟
.................................
وفي مكانٍ اَخر فوق سطح أحد الابنية وقد اتخذ مسكنه فيه بغرفة قديمة في إحدى زوياه منذ أيام .. كان واقفًا مستندًا بظهره على الحاجز الحجري ومازال ممسكًا بالهاتف يحاول معاها في اتصالاته المتكررة بها دون رد حتى هتف بحدة ساخطًا:
- ابو شكلك يابعيدة.. مـ.ـا.تردي بقى هي ناقصة قرفك ؟
ردت شريكة السوء التي كانت واقفة بجواره و مستندة بذراعيها على الحافة تنظر للمدينة الساكنة امامها :
- لساها برضوا مش عايزة ترد عليك؟
قال من بين أسنانه:
- بت ال..... بتعملهم عليا وعايزة تشلني.. فاتحة التليفون وبتشوف الرنات ومع ذلك مابترودش وكأنها بتقولي اتفلق.
صمتت قليلًا تاركة وجهها لنسمـ.ـا.ت الهواء البـ.ـاردة مغمضة عيناها باستمتاع قبل ان تسأله بهدوء:
- طب وانت عايزاها تاني في إيه؟ ما كل شئ انكشف خلاص وبان.. يعني مش فارقة .
التفت اليها رافعًا زواية شفته باستنكار:
- نعم ياست نيرمين.. شايفك يعني حاطة على قلبك مرواح وجيالي هنا تعملي جو لنفسك تتمتعي بهوا السطح ..ايه ياعين خالتك؟ هو انت نسيتي المصـ يـ بـةاللي انتي فيها؟ ولا جوزك دا اللي قالب الدنيا عليا وعليكي؟ ولا يوكنش الفلوس اللي سرقتيها منه يابت قوة قلبك؟
التفتت برأسها اليه تواجهه بحدة:
- يوه عليك ياسعد.. كان لازم يعني تفكرني بالهم اللي ورايا.. دا انا مصدقت انسى.
اعتلى ثغره ابتسامة متهمكة يقول :
- تنسي!! طب لما تنسي انتي بقى ياحلوة.. ادهم المصري هاينسى هو كمان؟ باينك عبـ.ـيـ.ـطة ومش دريانة بالمصـ يـ بـةاللى احنا فيها. 
تنهدت ساخطة وهي تتكتف بذراعيها:
- اديني اتنيلت ومزاجي اتعكر بسببك عشان تستريح ومـ.ـا.تقولش عليا عبـ.ـيـ.ـطة.. ممكن بقى ياابو العريف تقولي كدة.. انت ايه اللي في دmاغك إيه بالظبط؟ وليه مُصر تلاقي امينة؟
تناول علبة سجائره من جيب بنطاله وعود صغير من علبة الثقاب ..اشعل به السيجارة التي وضعها في فمه ينفث دخانها عاليًا في الهواء قبل ان يرد:
- اولًا انا اللي في دmاغي كتير اوي وصعب على واحدة زيك تفهمه.. ثانيا بقى وهو الأهم ..هو اني لازم الاقى امينة عشان اعرف منها هي قالت لهم إيه؟ عايز اعرف الساعة اللي قضتها معاهم حصل فيها إيه بالظبط ؟ ماهو انا ماينفعش اسيب كل حاجة للظروف.. ثم ان ماحدش عارف.. مش يمكن الاقي طريقة تطلعني من كم المصايب اللي عليا دي وارجع فيها لبيتي وحالي ومالي.. مافيش حاجة في الدنيا مضمونة طول مالعقل شغال.
قال الاَخير وهو يشير بسبابته بجانب رأسه.. لوت هي شفتيها بغير اقتناع ولكنها سألته:
- طب يعني على كدة انت ممكن تبرئني انا كمان بعقلك النور ده؟.
صدح ضاحكا بصوته العالي يقهقه ساخرًا منها ..فقال بين ضحكاته:
- تتبرئي فين ياهبلة؟ ههه وانتي هربانة بفلوس الراجـ.ـل والدهب كمان؟ ههههه
صكت فمها تشيح بوجهها عنه لكي تتجنب الرد على سخريته برد لاذع.. فأكمل هو ببعض الجدية بعد أن هدأت نوبة ضحكاته:
- على العموم انتي لازم تخلي بالك من نفسك ومـ.ـا.تخرجيش كتير لحد الدنيا مـ.ـا.تهدى ونشوف لنا صرفة.. الا قوليلي صح انتي غيرتي من اللوكاندة اللي قولتلك عليها؟
- لا مغيرتش ياسعد.. عشان ماينفعش اروح لبيت ستي ولا أي حد يعرفه أدهم .. بس انا شايفة كدة السطح هنا شرح وبرج .. مـ.ـا.تشوفلي صرفة اسكن هنا انا كمان في الأوضة اللي جمب اوضتك .
- شرح وبرح !
قالها ساخرًا قبل ان يتابع
- لا ياختي ماينفعش نبقى مع بعض عشان ماحدش فينا يوقع التاني .. وبرضوا ماينفعش اللوكاندة ليكي وانتي ست ولوحدك.. شوفيلك سكنة عند أي حد مايعرفهوش جوزك .فاهماني بقى.
اومأت برأسها متفهمة وهي تتسائل بداخلها اين يمكنها الذهاب ؟
.............................
في المقعد الخلفي بسيارة الأجرة وهي جالسة بجوارها ولا تعلم عنوان وجهتها.. تنهدت بقلق وهي تنظر من نافذة السيارة للخارج.. لقد مر عدة أيام منذ حديثهم العاصف حينما طالبتها باثبات ولائها ومحبتها لابـ.ـنتها الراحلة فاتن! تلجلجت معها وهي لا تدري مقصدها حتى سألتها بغموض 
"- يعني لو طلبت منك تسيبي علاء هاتسيبه ؟"
ظلت فجر لبعض اللحظات تحدق بها بعدm استيعاب.. تنتظر منها التراجع عن مطلبها وادعاء المزاح ولكن ملامحها المغلفة زادات من حيرتها .
فخرجت اجابة فجر بتشتت:
- انت بتتكلمي ازاي ياعمتي؟ هي علاقة حب ولا خطوبة عادية؟ دا جواز وانا مكتوبة على إسمه .. يعني ما ينفعش .
بابتسامة بمبهة نهضت من جوارها وهي تقول :
- يعني انتي مش عايزة تسيبي حبيب القلب وبتقولي انك بتحبي فاتن! ماشي يافجر.
نهضت خلفها توقفها ممسكة بذراعها حتى سقطت دmعة على وجنتها دون ارداتها :
- ياعمتي بلاش كلامك ده .. انا لو اعرف ان دا هايرجع فاتن هاعمله ومش هاتأخر .. بس دا ممانوش فايدة وهي دلوقتي عند ربنا .. يعني الحي ابقى من المـ.ـيـ.ـت زي مابيقولوا
انشق ثغرها بابتسامة جليدية لها قبل ان تخرج بصمت" وتتركها في حالة من الشتات والتخبط استمر لعدة ايام وهي تعاملها بشكل طبيعي أمام الجميع والأغرب انها كانت تمازحها ايضًا معهم ولكن تظل هذه النظرة المريبة منها تخبرها باستمرار الحرب البـ.ـاردة بينهم.. حتى جاءت اليوم تخبرها بشكل مباشر امام والدتها انها تريدها معها في الذهاب زيارة لأحدى الاقارب من اهل زوجها .. بصفتها تعلم بأماكن المدينة أكثر منها .. الغريب في الأمر انها لم تأخذ ابـ.ـنتها سميحة وهي الأولى وحتى انها لم تذكر لها العنوان.. ولكن ذكرته بالتحديد أمام السائق؟ فما فائدة مجيئها معها اذن؟
- بس هنا على إيدك يااسطى .
استفاقت من شرودها لتجدها تنظر نحوها قائلة بهدوء :
- ايه يافجر؟ مش عايزة تنزلي ياعين عمتك؟ احنا خلاص وصلنا .
- وصلنا!! 
قالتها قاطبة حاجبيها باندهاش ازداد أكثر حينما ترجلت من السيارة وهي ترى رقي المبنى السكني التي تتقدm بخطواتها نحوه وهي خلفها تسير كالمغيبة ..دلفت لداخل المبنى الرخامى تلقي التحية على الحراس وهم يرددون التحية خلفها بمودة وكأنها من أصحاب المبنى وليست غريبة عنهم 
...............................
وفي مكانٍ اَخر بحديقة المشفى وعلى اريكة خشبية تحت ظلال الأشجار الكثيفة كان جالسًا متكتف الذراعين.. راسه مطرقة للأرض نحو اقدامه الممدودة للأمام .. تاركًا نفسه للحـ.ـز.ن وقد تمكن اخيرًا بالانفراد مع نفسه بعيدًا عن والدته او شقيقه المريـ.ـض الذي انتبه رغم تصنع السعادة والمزاح امامه بحـ.ـز.نه وسأله عما به ولكنه كان دائمُا ما ينكر متهربًا منه ومن فراسته .. يخفي بقلبه هذه الغصة المريرة لشعور الغباء الذي تملكه طوال هذه السنوات.. شقيقه الصغير رغم طيبته ودmاثة اخلاقه يكتشف العيب وهو المشهور دائمًا بقرب الشبه بينه وبين والده في قوة الشخصية والتحكم يظل اعمى وينساق خلف حمائية كاذبة لشخص مريـ.ـضٍ استغل هذه العاطفة بكل خبث ودهاء.. كيف كان سيسامح نفسه لوحدث السوء لشقيقه.. مـ.ـو.ته اهون من هذا الاحساس !
- الجو جميل هنا صح ؟
رفع عيناه نحو محدثه وقد علمه من صوته من قبل ان يراه..اومأ له برأسه بروتينية غير قادر على الرد .. تنهد عصام بصوت عالي قبل ان يجلس بحواره مربتًا على ركبته برفق :
- هون على نفسك هون.. احنا عايشين في الدنيا عشان نتعلم .
ابتسم بجانبية قائلًا :
- اتعلم إيه بالظبط ؟ انا راجـ.ـل داخل ٣٣ سنة واكتشفت اني طول سنين عمري اللي عدت دي كنت حمار .. يبقى هاتعلم امتى بقى؟
جاء رد عصام حازمًا:
- مـ.ـا.تقولش كدة ياعلاء .. انت مش اول واحد تنخدع في صديق .. في غيرك بينخدك في حبيبته وفي غيرك بينخدع في أهله نفسهم .. دي طبيعة النفس البشرية.. ماحدش له سيطرة عليها .. طب مثلًا عندك انا . كنت فاكر خالي دا في مقام والدي.. لكن بعد ما اتجوزت بـ.ـنته تعالى شوفه بقى.. مطلع عين امي على شوفة البـ.ـنت رغم انه عارف اني احق من بـ.ـنته المدلعة في حضانتها واني بيعدي عليا وقت بخاف امسك المشرط لاحسن اسرح من خـ.ـو.في طول الوقت على بـ.ـنتي لاتهمل فيها والدتها زي ماعملت قبل كدة كتير واحنا متجوزين.. بس اهو بقى هاعمل ايه يعني؟
حدق به للحظات قبل أن يسأله باهتمام :
- هي بـ.ـنتك عندها كام سنة ياعصام .
اشرق وجهه مبتسمًا وهو يجيبه بحب:
- بـ.ـنتي عندها ٣ سنين بس إيه بقى قمر زي البطة كدة ودmها زي السكر عكس امها خالص ..تنكة وشايفة نفسها مش عارف انا على إيه والله.
ضحك علاء وقد انـ.ـد.مج معه في الحديث قائلًا بمزاح :
- إيه ياعم دا انت شكلك مش طايقها خالص .
اشار بإصبعيه على عضمة رقبته قائلًا بإسلوب فكاهي:
- دا كدة اهو.. شايف.. كدة هو والنعمة مخـ.ـنـ.ـوق منها وهافرقع .. مش عارف انطسيت في نظري واتجوزتها ازاي بجد؟ ولا اكمنها اغرتني بالبس العرياني باين ولا إيه ؟
صدحت ضحكة علاء مقهقهًا حتى دmعت عيناه والاَخر يشاركه:
- دا انت باينك مغلول منها ياجدع ؟
- اه والنبي ياخويا مـ.ـا.تفكرنيش.. دا انا قلبي شايل ومعبي .
تبادلا المزاح لعدة لحظات اخرى وكأنهم استعادوا صداقتهم القديمة.. حتى اجفلتهم إحدى الممرضات التي أتت اليهم بخطواتٍ مترددة:
- يادكتور عصام لو سمحت.
- في إيه يانهلة عايزة إيه ؟
فركت بيديها بتـ.ـو.تر وهي تتنقل بعيناها بينه وبين علاء الذي شعر بالقلق:
- بصراحة يادكتور انا مكنتش اعرف انكم مخبين عليه ؟
سألها علاء :
- هو مين اللي مخبين عليه ؟ في إيه ياانسة؟
رددت بخـ.ـو.ف وهي تخاطب علاء:
- بصراحة بقى الأستاذ حسين اخو حضرتك سألني عن الولد اللى كان معاه في الحادثة وانا قولتله تعيش انت.. 
انتفض واقفًا يقاطعها 
- بتقولي إيه ؟
نهض عصام هو الاَخر ولكن ليسألها بهدوء:
- وبعد ما قولتيلوا حصل ايه؟.
اجابت متهربة منهم بعيناها:
- بصراحة حـ.ـز.ن قوي وهو دلوقتي عمال يعـ.ـيط عليه بحرقة وحتى والده مش عارف يهديه ؟
- يخرب بيتك .
قالها علاء وهو يجري مهرولًا نحو المبنى الموجودة به غرفة اخيه.. اما عصام فجز على اسنانه ملوحًا لها بقبضته يقول:
- كان لازم يعني تنسحبي من لسانك.. ماينفعش تعملي شغلك وانتي ساكتة؟ روحي ياشيخة ربنا ياخدك.
ثم تحرك مسرعًا ليلحق بصديقه .
...................................
بدmـ.ـو.ع الو.جـ.ـع التي لا تتوقف كان يبكى صديقه الصغير.. وهو لايزال عقله لا يستوعب او يصدق الخبر .. ولكن و.جـ.ـع قلبه يخبره الحقيقة :
- اه ياحودة ..
ادهم وهو يربت على ذراعه بقلبٍ وجل :
- ياحبيبي مش كدة هدي نفسك.. دا احنا مصدقنا انك بدأت تتحسن.
- انا السبب انا السبب عشان لو مكنتش اخدتوا معايا في مشوار الزفت ده مكانش حصل اللي حصل وراح فيها.
صاح عليه أدهم بصرامة:
- بس يابني حـ.ـر.ام عليك واستغفر ربنا.. دا قضاء الله وقدره.. واحنا مالناش الإعتراض على حكمته.
حاول التماسك وهو يجاهد للتوقف.. ولسانه يتمتم بالأستتغفار :
- استتغفر الله العظيم.. استغفر الله العظيم يارب
تنهد أدهم بعمق وهو يهدهده :
- ايوة يابني استغفر واستعيذ من الشيطان الرجيم .. دي كلها أقدار من ربنا.
مسح بأبهامه دmعة اخرى وهو يخاطب والده بحدة:
- بس دا مكانش قدر ربنا .. شكل العربية اللي دخلت علينا فجأة مايظهرش ابدًا انها حادثة.. لا دي واضح قوي انها كانت قصدانا.. هو انا تليفوني فين؟ والبت امينة صح راحت فين؟ مـ.ـا.تت هي كمان ولا إيه بالظبط؟
حرك ادهم رأسه بعدm فهم :
- بت امينة مين؟ احنا منعرفش ان كان معاكم ست ولا نعرف هي راحت فين ؟ وان كان على تلفونك فهو موجود ياحبيبي.. بس دا ادشـ.ـدش واتكـ.ـسر خالص.
سأله بخشونة
- وتليفون حودة راح فين ؟
اجاب ادهم وهو يلوح بكفه :
- والله يابني مااعرف بس بكرة هاسأل عليه الشرطة ولازم اعرف بس انت مهتم اوي كدة بيه ليه؟
اجابه على الفور بمغزى:
- عشان عليه التسجيلات ولا هي الست نرمين ماقلتلكش باللي حصل؟
انتفض في وقفته واتسعت عيناه سائلًا:
- مالها نيرمين ياحسين ؟ هي إيه حكايتها بالظبط البت دي ؟ عشان انا لو شفتها تاني بعد ماهـ.ـر.بت من غير سبب هاشرب من دmها .
ابتسم يجيبه بسخرية مريرة :
- لا هو انت متعرفش ان الزفت سعد اللي أخد فلوس منك زمان عشان يبعد فاتن عن ابنك علاء هو نفسه اللي كان مرافق نيرمين صاحبة اخته قبل ما يزقها على علاء واما تفشل معاه ترمي شباكها عليك انت فتوقعك وتتجوزها .. وهي لساها برضوا عشيقته .
فغر فاهه وتدلى فكه وعيناه اتسعت بشكلٍ مخيف وهو يردد وانفاس صدره تصعد وتهبط بحدة :
- آيه اللى انت بتقوه ده ياحسين؟ دا كلام خطير اوي يابني .
ردد مؤكدًا قوله:
- انا شوفتك بعيني وانت بتديلوا الفلوس ومكنتش فاهم ساعتها عشان كنت صغير لكن الشك كان دايمًا بيكبر معايا .. وان كان على نيرمين فدي حكايتها في تسجيلات الفون بتاع حودة.. بس السؤال بقى ياولدي .. انت كنت عارف بالملعوب اللي عمله الزفت ده لما اغـ.ـتـ.ـsـ.ـب فاتن ولبس عصام التهمة عشان يكـ.ـسر قلب اخويا......
توقفت جملته حينما رأى أخيه واقفًا بجوار الباب بوجه شاحب.. يبدوا انه استمع لمعظم الحديث .. انصعق أدهم على رؤية ابنه الصامت ونظرة عيناه وحدها تتحدث .
...............................
حينما انفتح باب الشقة الفخمة استقبلتهم الخادmة الصغيرة بابتسامة مرحبة بهم :
- اهلًا اهلًا ياهانم اتفضلوا .
توقفت مكانها مندهشة وهي ترى عمتها تدلف لداخل الشقة و ترد التحية على الفتاة :
- ازيك ياصابرين عاملة إيه بابت ؟
- صابرين!!
همست بالأسم متمتمة بتعجب قبل ان تجفلها عمتها التي عادت لتسحبها و تدلف لداخل المنزل :
- شايفاني داخلة مش تدخلي على طول ورايا بدال ماانتي واقفة كدة زي سنفور المحطة .
رددت مندهشة:
- يقربولك إيه اهل الشقة دي ياعمتي؟ دول شكلهم يعرفوكي من زمان واكنهم عشرة معاكي.
ابتسمت فوزية وهي تجلسها على اقرب مقعد وجدته امامها فجلست هي على الاَخر بجوارها تقول :
- عشرة فين يابت؟ وانا ساكنة في الصعيد وهما هنا في القاهرة.
اهتزت شفتيها فجر وهي لا تجد من الكلام ما ترد به على عمتها التي تغرقها في غموض كلمـ.ـا.تها وافعالها المختلفة.. اشرق وجه فوزية فجأة وهي تنظر أمامها:
- اهلًا اهلًا يالقمر.
التفت فجر نحو ما تنظر اليه عمتها لتجد طفلًا أسمر شـ.ـديد الجمال بشعره الكستنائي شـ.ـديد السواد ..عمره يقارب الخمس سنوات وهو يتقدm اليها حتى ارتمى بأحضانها.. وهي تقبله في وجنتيه .
ابتسمت فجر وهي تسألها ببلاهة:
- يامشاء الله ياعمتي.. الولد اترمى في حـ.ـضـ.ـنك واكنه عارفك من زمان ؟
ازداد اتساع ابتسامة عمتها وهي تخرج الطفل من أحضانها و تخاطبه :
- بيدو ياقمر سلم على البت الحلوة دي اللي قدامك 
- واسمه بيدوا كمان ؟
قالتها وهي تدنوا نحو الطفل الذي مد اليها كفه الصغيرة بأدب قائلًا :
- اهلًا ياطنت .
ضحكت مرحبة وهي تستقبل كفه الصغيرة بكفها:
- يااهلا ياحبيبي ياروح طنت انت ....
رفعت رأسها فجأة نحو عمتها ثم عادت تدقق جيدًا في ملامح الطفل وقد ارتسم الوجوم على وجهها بشكل جلي .. قبل ان تهتف على عمتها بزعر :
- مين ده ياعمتي ؟!
الوجه الطفولى المستدير ذا اللون البرونزي المحبب للعين والرموش السوداء الكثيفة.. لم يغطوا ابدا على باقي الملامح المعروفة لديها .. لون العسل في عينيه.. الأنف الصغير والمستقيم بعزة وكـبـــــريـاء.. وجنتية الممتلئتين.. عظام الوجه نفسها تشهد بقرب الشبه العجيب.. فمه الصغير المنفرج بابتسامة مازالت ذكراها صاخبًة بعقلها .. مما جعلها تنتفض عائدة بظهرها للكرسي وكف الصغير مازلت بكفها.. لتسألها بخـ.ـو.ف:
- مين دا ياعمتي؟
تبسمت فوزيه قائلة بمكر :
- ايه فجر؟ هو انتي بتشبهي عليه ولا الولد شكله عاجبك؟
رفعت عيناها من وجه الولد لتنظر لعمتها التي ارتسمت التسلية على ملامحها بوضوح مما جعل فجر تقف مذعورة تتلفت في اركان المنزل وهي تردد :
- هو احنا فين بالظبط؟ وانتي جايباني هنا ليه ؟مين يقربلك في البيت ده ياعمتي...
توقفت ابصارها فجأة على إحدى الزوايا في الحائط لتتقدm بخطواتها نحو الصورة المؤطرة الكبيرة وهي معلقة على الحائط لتجد الطفل في أحضان إمرأة جميلة وو.......... انتفضت مذعورة وهي تحدق بوجهها في الصورة .. استدارت لعمتها وهي تردد بعدm اتزان : 
- دي فاتن ياعمتي.. هي اتصورت امتى كدة؟ ومين الولد اللي في حـ.ـضـ.ـنها؟ و....
حدقت بالطفل بأعين متسعة قبل ان تعود للصورة المؤطرة مرة اخرى فوجدتها هي نفسها واقفة امامها بابتسامتها الرائعة تقول :
- ازيك يافجر!
شهقت مفزوعة فاغرة فمها للحظات ترتد بأقدامها للخلف تفرك بعيناها لتتبين جيدًا هل مـ.ـا.تراه الاَن حقيقة ام خيال ولكن الخـ.ـو.ف لم يمهلها الاستيعاب لتسقط مغشيًا عليها على الارض ويحاوطها الظلام.
..............................
متسمرًا مكانه بمدخل الغرفة كتمثالٍ من الرخام.. وجهه انطفئت فيه الحياة.. شفتاه المطبقتان وعيناه تتحرك بداخلهم مقلتيه باضطراب وكأنه يستجدي منهم التكذيب.. ولكن كيف؟ وهذا مانطق بهِ أخيه.. عن مؤامرة من صديق خائن بالأتفاق مع أبيه؟ نعم أبيه الذي ينظر اليه الاَن بترجي رجل اذنب في حقه.. حق ابنه! وبالتحالف مع الشيطان!
- علاء يابني مـ.ـا.تصدقش كلام اخوك.. دا مش فاهم حاجة؟
نظر الى كف ابيه التي اطبقت على ذراعه وهو يسحبه بتمهل لداخل الغرفة قليلًا قبل ان يخرج من صمته ويسأله بتماسك مزيف:
- امال الحقيقة هي إيه..بقى؟
ازدرد ريقه أدهم ليردف بخزي وعيناه لاتقوى على النظر في وجه علاء:
- انا مش هكدب حسين واقول اني ما ادتلوش فلوس..انا فعلًا دفعتله.. بس دا لما اقنعني ان البـ.ـنت لايفة على صاحبك كمان.. ومعلقاكم انتوا الاتنين في حبالها.
قال حسين من خلفهم :
- وطبعًا انت ماصدقت ياابوعلاء ولقيتها فرصة عشان تبعد بـ.ـنت النجار الغلبان عن ابنك .
اضطرب ادهم عن الرد عليه فجاء صوت علاء يكمل على قول أخيه:
- قولتلته اثبت لعلاء وخليه يشوف خيانتها بنفسه صح ياابويا؟ 
حرك رأسه بالرفض قبل ان يقول بتوسل:
- والله يابني ماكنت اعرف الكلام اللي قالوا اخوك دلوقتي.. سعد قالي ان البـ.ـنت هـ.ـر.بت من عريسها الصعيدي وقاعدة مع عصام في شقته اللي مأجرها للأُنس والفرفشة.. عايزني كأب.. هافكر في أيه بس ساعتها؟ غير ان ابني يشوف حقيقة البـ.ـنت اللي عايز يتجوزها ويعرف أخلاقها.
تكلم علاء بصوتٍ يقطر بالمرارة:
- كدة من غير بينة! صدقت على البـ.ـنت وادتلوا فلوس عشان يعمل جريمته ويلبسها في عصام واعيش انا من بعدها بو.جـ.ـع الخيانة من صاحبي والبـ.ـنت اللي كنت عايز اتجوزها.. هونت عليك.
- مساء الخير 
قالها عصام وهو يتقدm لداخل الغرفة بتوجس من هيئتهم لم ينتبه عليه علاء وهو يتابع مع أبيه:
- طب ليه تعمل فيا كدة ؟ ليه تسيبني اتعـ.ـذ.ب في مرارة الخيانة والظلم لناس بريئة...انا فتحت دmاغ صاحبي وشاركت في ظلم البـ.ـنت اللي اتد.بـ.ـحت بسببك انت والنجس سعد.. عايزني ابص في وشك ازاي دلوقتي ؟ ولا ابص لوش انا في المراية ازاي بس ؟ وانا حاسس بالعجز والمُر اللي سكن جوايا منك .
التفت فجأة نحو عصام الذي تسمرت أقدامه عن التحرك بالقرب منهم  قائلًا بهذيان:
- خدت بالك ياعصام؟ دا بيقولك ان ادالوا فلوس عشان يبعد البـ.ـنت عني؟ شوفت بقى ياسيدي .. اديني اَخيرًا صدقت انك برئ واني فتحت دmاغك ظلم.. حقك عليا ياصاحبي .
نزع ذراعه بحدة من أبيه ليتقدm نحو عصام وبحركة مفاجئة يقبل رأسه وهو يردد كالمذبوح بكلمـ.ـا.ته:
- حقك عليا من تاني ياصاحبي .. بس دي غلطتك انت عشان كنت مصاحب واحد حمار.. زي ماهي كانت غلطة فاتن برضوا عشان حبت واحد عاجز زيي.. 
تحركت رأس عصام بعدm فهم بين الثلاثة قبل ان ينتهد مربتًا على كتف علاء قائلًا بإشفاق على حالته:
- اهدى ياعلاء وريح نفسك شوية.. انا مسامحك من زمان.. أي واحد في وضعك كان لازم هايعمل نفس اللي عملته .
اقترب ادهم بخطوات مثقلة نحو ابنه الذي انتفص للخلف يتجنب لمسته :
- ياحبيبي اهدى على نفسك شوية.. انا مقدر صدmتك بس كمان عايزك تسمعني وتفهم موقفي..
قاطعه بحدة قائلًا :
- افهم ايه تاني ماخلاص؟ كل المستور انكشف وبان ياعم الحج.. ياراجـ.ـل دا انت شوفتني بعينك وانا بطردها من المحل وشوفت عـ.ـذ.ابي وانا فاقد الثقة في كل الناس بعدها.. طيب مصعبتش عليك البـ.ـنت ولا صعب عليك ابوها اللي متحملش اللي حصل وساب البلد وهج بعيلته عشان يهرب من جبروتك ويتخلص من بـ.ـنته اللي شالت مصـ يـ بـةأكبر من طاقتها وهي كانت عيلة يدوب ١٨ سنة .
هتف ادهم يرد بصوت مبحوح
- يابني كنت فاكرها مش كويسة وكل اللي كان في دmاغي اني انجدك منها.
صاح عليه هادرًا:
- مـ.ـا.تغيرش الحقايق .. انت كنت عايزها كدة عشان يبقى ليك حجة تقنع بيها نفسك باللي عملته مع الوس....... سعد.. انت مذنب زيك زيه حتى لو مكنتش عارف باللي عمله.. 
صمت قليلًا وهو ينظر بقوة لأبيه الذي تغضنت ملامحه  بالأسى والنـ.ـد.م الشـ.ـديد.. ثم تابع :
- انا كل ما ابص في وشك دلوقتي هافتكر خيبتي وافتكر اني كنت مخدوع طول السنين اللي فاتت .
اختنقت الكلمـ.ـا.ت في حلقة ولم يعُد قادرًا على التفوه ببـ.ـنت شفاه.. خرج مسرعًا من أمامهم ليهتف عليه والده بجزع وحينما لم يرد التفت أدهم نحو عصام :
- ابوس إيدك ياحبيبي حصله.. انا رجلي مش شلاني عشان اوقفه .
حرك عصام رأسه بغير فهم قبل أن يغادر مسرعًا خلف صديقه.. خطا أدهم بتثاقل نحو أقرب المقاعد ليسقط عليه بتعب.. التفت نحو حسين والتقت عيناه بعينيه قبل ان يشيح بوجهه هو الاَخر عن ابيه غاضبًا.. أطرق أدهم يضع كف يده على رأسه وقد تراكمت هموم العالم أجمع فوق ظهره
.........................
رفرفرت رموشها وهي تستعيد الرؤية وتستفيق من غشيتها على اثر رائحة العطر القوية التي اخترقت حواسها.. لترى عمتها جاثية على عقبيها امامها وهي مازالت ممسكة بزجاجة العطر:
- الحمد لله اَخيرًا فوقتي بعد ما وقعتي قلبي عليكي يافجر.
حاولت استعادة ذهنها وهي تنظر لسقف المنزل الغريب لتنزل بأعينها فوجدت نفسها مستلقية على أريكة اثيرة ناعمة الملمس .. ازدردت ريقها لتتكلم وقد استعاد عقلها المشهد الاَخير الذي راته عيناها .
- عمتي هو انا كنت بحلم ولا حصل ايه بالظبط ؟ انا اتهيألي زي ما اكون شوفت فاتن!
قلبت عيناها فوزية وهي تجيبها :
- هي ماكنتش حلم ياعين عمتك ولا انتي نسيتي الولد كمان وافتكرتيه تهيؤات؟.
جحظت عيناها وهي تنهض بجذعها لتجلس مستقيمة:
- يعني اللي شوفته جد وحقيقي! طب ازاي؟
صدر الصوت الناعم من خلفها :
- ها اكلمك بقى ولا هاترجعي يغمى عليكي من تاني؟
التفت رأسها اليه بحدة فوجدتها تضحك وهي حاملة طفلها:
- طب بذمتك ياشيخة.. في عفريت حلو كدة؟ 
برقت عيناها بصدmة وهي تجدها تتقدm لتجلس امامها وتردف :
- يابـ.ـنتي مالك مسبهلة بصدmة كدة ليه؟ انا فاتن قدامك اهو ومامـ.ـو.تش .
همست بتردد وهي تتنقل بعيناها بينهم :
- طب ازاي ؟واحنا حضرتا جنازتك في الصعيد وعمتي اللي قدامك دي كانت مقطعة نفسها من العـ.ـيا.ط عليكي ؟
نهضت فوزية عن الأرض لتجلس بجوار ابـ.ـنتها مطرقة الرأس وكانها استعادت الذكرى .. فردت فاتن وعيناها على والدتها:
- عمتك كانت مقطعة نفسها بكى على الوضع كله ياحبييتي .. ماهو اللي حصل ماكنش قليل عليها برضوا .
وهو إيه اللي حصل ؟
سألتها بدون تفكير مما اثار ابتسامة ماكرة من فاتن :
- ياسلام.. يعني انتي مت عـ.ـر.فيش باللي حصل ؟ ولا هاتقولي انك نسيتي؟
اسبلت عيناها ترد على كلمـ.ـا.تها بحرج:
- لا طبعًا فاكرة .. بس انا عرفت من عصام ان علاء برئ وان اللي حصل معاكي كانت متدبر بمكيدة هو نفسه لحد دلوقتي ما يعرفش مين اللي عملها فيكم؟
- بس انا كنت عارفة باللي عملها؟
- كنت عارفة!
قالتها مصدmة وأكملت :
- طب هو مين يافاتن؟ خلينا نعرفه ونرتاح بقى .
اجابت ببساطة :
- سعد .
- سعد!!
صرخت بالأسم فجر مصعوقة :
- انتي بتتكلمي جد يافاتن؟ هو إيه حكاية البني أدm ده بالظبط ؟ وانتي إيه اللي خلاكي ساكتة من غير مـ.ـا.تكشفيه وتفضحيه وتجيبي حقك منه الوس.... ده؟
راقبتها فجر وهي تقبل ابنها و تطالبه بالذهاب لغرفته للعب بألعابه هناك .. وبعد ذهاب الطفل سألتها مرة أخرى بلهفة:
- مـ.ـا.تجاوبي يافاتن بقى.. إيه إللي خلاكي سكتي ؟
تنهدت عاليًا قبل ان تجيبها :
- عشان للأسف أنا نفسي معرفتش غير في اليوم اللى كنت هاسافر فيه مع ابويا الصعيد.. ولو قولتلك عرفته ازاي مش هاتصدقي؟
- قطبت حاجبيها تسألها بحيرة :
- ازاي يعني ؟ ممكن تحكيلي .
- هاحكيلك 
في فناء منزلهم الفسيح كانت جالسة على بسطة اسمنتية صغيرة منزوية على نفسها.. ضامة ركبيتها الى صدرها وهي مستندة بذقنها عليهم وكأنها بعالم اخر .. غير شاعرة بسخونة الشمس عليها بعد أن انهار عالمها الوردي وانتهت قصة عشفها بمأساة تقترب من الفـ.ـضـ.ـيحة.. ولم يتبقى لها شئ بعد ان عادت الى ابيها بعد تهربها منه لأيام تتلقى عقـ.ـا.بها بالركلات والضـ.ـر.ب المبرح رغم تعللها بالأختفاء لدى إحدى صديقاتها.. هربًا من الزواح بابن عمها الذي اصر والدها حفظًا لكرامته بالسفر الى الصعيد وعقد قرانها عليه بالإجبـ.ـار.. ولتتحمل وزر فعلتها.. فهي من أخطأت وهي من عليها دفع الثمن غاليًا حتى لو كان عمرها.
- الشمس سخنة عليكي يافاتن.
رفعت رأسها مجفلة على الصوت المتردد لتمسح بإبهامها الدmعات المتساقطة على وجنتها وقالت :
- سعد! انت واقف هنا من أمتى ؟
خطا ليقترب منها قائلًا :
- انا هنا عشان عمي بدر بعتني لخالتي فوزية ابلغها بميعاد العربية اللي هاتيجي تلم العفش بتاعكم وتروح بيه عالصعيد .
اومأت برأسها وهي تعود لوضعها فاقترب أكثر فاردًا كف يده امامها لتنهض:
- قومي يافاتن وكل مشكلة وليها حل.. وانا سداد .
رفعت رأسها اليه ناظرة باستفهام :
- مشكلة إيه اللي تقصدها؟ وانه حل دا اللي انت سداد فيه ؟
تحركت عيناه يسارًا ويمينًا قبل أن يجيبها بصوت خفيض:
- انت عارفة قصدي على إيه يافاتن ؟ ولا انتي ناسية إن علاء صاحبي وبيحكيلي على حاجة؟
على الفور احترقت مقلتيها بدmعة ساخنة تشيح بوجهها عنه لتخفي هذا الألم العاصف بقلبها فتابع هو :
- انا مش بقولك كدة عشان اجـ.ـر.حك.. انا بقولك كدة بس عشان ت عـ.ـر.في طينة البني أدm اللي باعك بسهولة وسلمك لصاحبه يبقى إيه؟ احنا غلابة يافاتن وملناش غير بعض .
حدقت مندهشة فاأكمل :
- ايوة يافاتن.. انا عايزك ت عـ.ـر.في كويس اني بعشق التراب اللي بتمشي عليه وطول عمري ساكت ومش قادر اتكلم لتكسفيني .. بس انا بقولهالك اهو .. انا راضي بيكي مهما حصل.
تكلمت بحرقة:
- مهما حصل ازاي؟ لهو صاحبك مشرحلكش الوضع اللي شافني فيه؟ هاتقبلها ازاي دي على كرامتك؟
قال مسرعًا:
- انا قابل بأي حاجة منك يافاتن؟ عشان ت عـ.ـر.في بس اني عارفك وعارف اخلاقك.. انتي عيلة صغيرة واكيد الكل..... عصام هو اللي عمل فيكي الملعوب ده .
- عصام معملش حاجة...
قاطعها بحدة
- انت لساكي برضوا مصدقاه؟ مـ.ـا.تفوقي بقى يابـ.ـنت الناس وا عـ.ـر.في كويس اننا لعبة في ايدين الناس دي ..قومي معايا يافاتن وانا هاقنع عمي بدر بجوازنا .. انا خلاص ربنا فرجها عليا وهاعمل ورشة نجارة كبيرة تعيشنا ملوك.. 
قرب كفه اكثر وهو يردف بلهجة مقنعة:
- قومي يافاتن وانا مش هاسمح لابوكي يأذيكي ابدًا طول ماانا عايش على وش الدنيا .
وضعت يدها بكفه مترددة لتنهض..فاطبق عليها بقوة لتنهض فقربها منه بجموح والتمعت عيناه بالرغبة نحوها ارتجفت هي تبتعد عنه بدفاعية ولكن اشتعل ذهنها برائحته لتتذكر اين اشتمتها قبل لك ..لم ينتبه وهو يقربها منه مرة اخرى قائلًا بحرقة :
- اه لوت عـ.ـر.في انا بحبك قد ايه؟ اه لو ت عـ.ـر.في انا مستعد اعمل إيه عشانك ياترضي عني يافاتن؟
برقت عيناها بوحشية بعد أن تأكدت من ظنها لتدفعه بكفيها على صدره تبعده عنها بعنف وهي تخاطبه بازدراء :
- وانا عندي المـ.ـو.ت اهون من إني اتجوز واحد ندل وجبان زيك!
استفاق من نشوته وكلمـ.ـا.ته خرجت بغير تصديق:
- ازاي يعني؟ هو انت ناسية ابوكي هايعمل فيكي ولا ابن عمك لما يتجوزك ويكتشف الحقيقة :
قالت بتحدي:
- عارفة ياسعد.. وانا مستعدة وجاهزة للي يعملوه فيا ان شالله حتى يقطعوا من جلدي .. بس دا برضوا عندي اهون من أن اطل على خلقتك العكرة دي.
بصقت كلمـ.ـا.ته وذهبت لتدلف داخل منزلها ويسقط هو محلها على البسطة مذهولًا مصعوقًا من قولها الجارح وازدراءها له""
قالت فجر وهي تمرر عيناها على انحاء المنزل الفخم ذو الاثاث الراقي:
- انا فاكرة بنفسي لما ودعتك في العريية اللي مسافرة عالصعيد وبعدها اتصلت بيكي وقولتيلي انك في مصـ يـ بـةوطلعتي حامل كمان.. وبعدين انقطعت اخبـ.ـارك وكل حاجة عنك لحد اماسمعت انك ..... اتـ.ـو.فيتي بحمى شـ.ـديدة .. ايه اللي حصل بقى وقلب الوضع .
تدخلت فوزية :
- اللي حصل احكيلك انا عنه يابـ.ـنتي.. اصلها كانت في الأيام دي واكنها واحدة تانية غير بـ.ـنتي اللي اعرفها .. كانت بتتحدى ابوها وترفض ابن عمها بكل قوة واكنها بتستفزه عشان تخرج شياطينه عليها لدرجة انها قالتلوا كدة بالفم المليان انها حامل من واحد مـ.ـا.تعرفوش .. شوفي انتي بقى وضع ابوها لما يسمع كدة من بـ.ـنته هايظن فيها إيه؟
- ضـ.ـر.بها؟
- ضـ.ـر.بها دا إيه؟ قولي عدmها العافـ.ـية وهي ماكننش ساكتة معاه واكنها بتحرضوا بالقوة عشان يقــ,تــلها لحد اما طبت ساكته بين إيديه وانا افتكرتها مـ.ـا.تت وهي بتنزف من كل حتة في جـ.ـسمها .. قلبي و.جـ.ـعني عليها ماقدرتش اسكت واسيبها تمـ.ـو.ت بالبطئ وهي بتنزف .. استعنت على ربنا واخدتها على الوحدة عشان الحقها من المـ.ـو.ت وقابلنا هناك الدكتور منذر اللي شخط فيا اول ماعرف حالتها وفهم اللي بيها.. وهددني انه يبلغ عننا لو حد قرب لها من تاني.. و انا بقى كنت فاقدة الأمل 
"" على سرير المشفى كانت ممدة كجثة هامدة لا تشعر بشئ .. بعد أن انقذها الرجل الاربعيني وهي على حافة المـ.ـو.ت.. بقلب منفطر على حال الفتاة الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها الثامنة عشر .. صاح على والدتها :
- انتوا اتجننتوا ياست انتي؟ اقسم بالله انا ممكن ابلغ عنكم دلوقتي واوديكم في داهية انتي واللي عمل فيها كدة 
ردت فوزية الجالسة على أرض الغرفة تبكي وتندب:
- بلغ واعمل اللي انت عايز تعملوا يادكتور .. انا خلاص بـ.ـنتي ضاعت واللي كان كان .
هدر عليها :
- بطلي ندب بقى وفوقي.. البـ.ـنت محتاجة رعاية .. احنا وقفنا النـ.ـز.يف بصعوبة دلوقتي .. لكن وربنا لو رجعت تاني ولا عرفت انها اتأذت منكم ما هارحمكم .
ردت مقررة بيأس :
- اطمن يادكتور مش هاتسمع عنها حاجة .. عشان هي خلاص انكتبت شهادة وفاتها وابوها مش هايستريح غير لما يخلص عليها .
- لا بقى دا انا ابلغ عنه احسن 
قالها وهو يلتف نحو مكتبة يتناول الهاتف فأوقفه صوت همهامـ.ـا.تها.. خطا ليقترب منها مستفسرًا :
- عايزة حاجة يافاتن .
همست بضعف :
- ابوس إيدك يادكتور مـ.ـا.تبلغ عن ابويا.. خليه يريحني بقى والنبي.. ابويا غلبان وانا عايزة الراحة بقى .. ابوس ايدك يادكتور.
حرك رأسه بغير تصديق:
- يابـ.ـنتي ماينفعش كلامك ده .. مامتك بتقول انه مصر على قــ,تــلك.
اومأت موافقة:
- وانا استاهل يادكتور وقابلة وراضية.. والنبي مـ.ـا.تبلغ عنه خليه يربي خواتي.. كفياني بقى أذية ليه ؟ انا عايزة استريح بقى وهو اللي هايرحني .
استقام بجسده يتنقل بعيناه بينهم بعجز لا يدري ماالعمل ماهذا الوضع الغريب ..الفتاة مصرة على الانتحار بيد والدها ..والمرأة مستسلمة للأمر وعاجزة عن الدفاع عن ابـ.ـنتها الصغيرة من بطش ابيها .
فما الحل وكيف له ان يترك هذه الزهرة البريئة لهذا المصير البائس .
احتدت عيناه فجأة وهو يخاطب المرأة :
- انا عندي الحل
والحل كان إيه بالظبط؟
قطبت بحيرة فجر تسأل عمتها التي تبسمت قائلة براحة:
- الحل بتاعه ياحبيبتي كان النجدة اللي جات من عند ربنا.. الدكتور منذر قالي كدة بالمفتشر.. مدام كدة كدة ابوها هايقــ,تــلها يبقى تخرجي من عندي تبلغيه بوفاتها وسيبي كل حاجة بعد كدة عليا وانا هاتصرف.
سالتها مذهولة :
- ودا اتصرف ازاي بقى ؟
- عرف يتصرف بمعرفته وجاب جتة بنية مـ.ـيـ.ـتة بقالها شهور في تلاجة المستشفى وماحدش يعرف لها أهل .. وطبعًا في التغسيل والكفن ماحدش حضر معايا ولا حتى ابوها اللي ربنا وحده عالم كانت حالته ازاي ساعتها.
قالت الاَخيرة بنبرة حزينة فاأكملت على قولها فجر:
- ياعيني.. دا تلاقيه افتكر ان هو السبب في مـ.ـو.تها .
اردفت فوزية :
- مع إن الدكتور منذر كتب في تقرير شهادة الوفاة انها حمى شـ.ـديدة لكنه برضوا فضل عايش بعقدة الذنب ناحيتها لحد دلوقتي.. ياللا بقى.. ماهو مكانش في حل غير كدة.. اصله ياحبيبتي كان بين نارين.. يايجوزها ابن عمها يايقــ,تــلها ويتنقم لشرفه حسب اعتقاده.
- طب وانتي روحتي فين بعدها يافاتن؟
اشرق وجهها بابتسامة جميلة تجيب:
- انا ياستي اخدني على جمعية خيرية هو كان عضو فيها هناك في المحافظة.. فضلت مستخبية فيها وتحت رعايته بالشهور .. عرف حكايتي وساعدني بحنيته وطيبة قلبه اني اتخطى الحـ.ـز.ن اللي عشش جوايا وارجع انسانة طبيعية بالتدريج ..امي كانت بتيجي سرقة فيها عشان تشوفني.. المهم اني فضلت في الجمعية دي لحد اما جه اليوم اللي قالي فيه انه مسافر وراجع على بلده في اسكندرية.. ساعتها الدنيا دارت بيا وخـ.ـو.فت قوي لايسيبني وينساني.. اصلي كنت زي الغريق اللي اتعلق بقشاية.. وكان هو ألاَمان بالنسبالي.. مااتكسفتش منه وانا بنهار قدامه عشان مايسبنيش.. فكان رده انه طلب يتجوزني عشان يقدر ياخدني معاه ويسافر بيا.. وانا وافقت واتجوزتوا.. قعدت تقريبًا سنة على زمته وهو مراعي حالتي النفسية من غير ما يلمسني.. لحد اما روحتلوا بنفسي وطلبت حلالي منه.. عشت في حـ.ـضـ.ـنه احلى سنين عمري.. وربنا رزقني بعدها بكام سنة بعبد الرحمن اللي كمل فرحتي وسعادتي كمان.
رغم ارتياحها بما سمعته من حكايتها ولكنها لم تقدر على كبح سؤالها الفضولي :
- بس انتوا قولتوا انه كان في الأربعينات.. يعني تقريبًا ضعف عمرك.. فرق السن الكبير ده معملش حاجز مابينكم .
هزت رأسها بالنفي قائلة بابتسامة:
- ابدًا يافجر.. هو كان ذكي ودايمًا متفهم وضعه معايا.. دا غير انه خلاني أكمل تعليمي.. منذر اساسًا كان واهب نفسه للعلم.. طب هاتصدقيني لما اقولك اني كنت اول بخته.. على فكرة انا جوزي كان دكتور كبير ووصل انه بقى مشارك في مستشفى استمثاري مشهورة هنا في السنتين اللي فاتوا دول.. امال انا ايه اللي جابني على القاهرة؟
- كان!! لهو راح فين بالظبط؟
قالتها بتوجس لتفاجأ بتغضن ملامح وجه الاثنتان قبل أن تجيبها بحـ.ـز.ن:
- ماهو للأسف بقى.. ان عمر السعادة ما بتدوم.. جوزي  من ست اشهر بس يافجر اتوفى بسكتة دmاغية.
ارتشعت شفتاها وزاغت عيناها بينهم وكان وقع الخبر على رأسها كالصاعقة
...............................
في شقة قديمة ومتواضعة الاثاث .. دلفت تجر معها حقيبتها الكبيرة بخطواتٍ مترددة مع خالتها التي كانت تتمختر بخطواتها وعباءتها المنزلية المحكمة على تفاصيل جسدها البدين.. يصدر صوت اساور يدها بصخب وهي ترحب بها:
- ادخلي ياغالية يابـ.ـنت الغالية ادخلي ..هو انتي غريبة ياعين خالتك؟
بقلب مرتجف جلست على اقرب أريكة وجدتها أمامها سندت الحقيبة بالقرب منها وهي تتلفت في انحاء الشقة المزينة بالمصابيح الصغيرة الملونة في بعض زوياها .. وبعض النساء التي تغدوا وتجئ أمامها وهي لا تعلمهم ثم استقرت أبصارها على المرأة الخمسينة وهي تحدثها وعلى وجهها الممتلئ والمزين بالوان المساحيق المتعددة ابتسامة عريضة يتخللها الانبهار
- عاش من شافك يامرمر.. احلويتي وادورتي وبقيتي هانم بحق.
هزت رأسها قائلة بتـ.ـو.تر :
- تشكري ياخالتي.. دا انتي اللي عنيكي حلوة ومابتكبريش ابدًا .
صدحت ضحكتها الرقيعة بصخب قبل أن ترد:
- يالهوي عليكي وعلى كلامك الحلو يابت يانيرمين .. امال انا بحبك ليه يابت ؟ عشان طالعالي .. ياما كان نفسي المصـ يـ بـةبـ.ـنتي تاخد نص حلاوتك ولا نباهتك.. لكن اعمل إيه بقى فيها؟ فقرية زي اللي جابها .
سالتها بفضول:
-طب هي على كدة لساها برضوا مختفية ولا اتكلمت حتى في التليفون نهائي زي ماقولتيلي؟
- لا والنبي ياحبيبتي ابدًا.. بس يعني هي هاتروح فين؟
هاتلف تلف وتلاقيها دخلت علينا زي القرد.. ايد ورا وأيد قدام.. بلا خيبة اللي مافي مرة فرحت قلبي بحاجة عليها القيمة.. هاتعيش وتمـ.ـو.ت في الفقر بدmاغها اللي زي الصرمة القديمة دي.
فتحت فاهها لترد ولكنها انتبهت على امرأتين تخرجن بكامل زينتهن وملابس شبه عارية.. القين التحية  بميوعة قبل ان يغادرن لخارج المنزل.. التفت نيرمين نحوها تخاطبها بصدmة:
- انا مش سألتك قبل ما اجيلك ياخالتي وقولتيلي أنك خلاص بطلتي الشغل ده.. ممكن بقى تفهميني ايه دول؟
لوكت فمها بالعلكة وهي تجيبها بتـ.ـو.تر:
- يابت ما انا بطلت صح شغل هنا في بيتي.. بس بقى البنات اللي بتلقط رزقها برة البيت دي.. ايه دخلي انا بيهم بقى؟ غير اني اخد عمولتي.. ولا انتي عايزاني امـ.ـو.ت من الجوع يانيرمين؟
هزت رأسها قائلة بقلق:
- يعني انتي متأكدة انك بطلتي شغل هنا في البيت؟ ابوس إيدك ياخالتي.. هما يومين هاقضيهم معاكي قبل ما اتصرفلي بسفرية بعيدة.. مش عايزة عوق ولا فضايح.. دا انا بقول ياحيطة داريني.
- ماخلاص يابت.. هو انتي هتعمليها حكاية؟ قولتلك مافيش يبقى تطمني.. اما اقوم اعملك حاجة بقى تاكليها
قالت الاَخيرة وهي تنهض من أمامها على الفور
نظرت في اثرها تتمتم بقلق:
- اطمن!!.. هو انا طول ما انا ماقاعدة في البيت اللبش ده هايجيني قلب اطمن ولا اشوف راحة ابدًا.. منك لله ياللي شورت عليا الشورة المهببة دي!!
............................
حدقت بوجهها جيدًا وهي تسألها بمكر:
- مالك يافجر وشك اتخـ.ـطـ.ـف كدة ليه؟ لدرجادي انتي زعلتي على الدكتور منذر؟
ازدردت ريقها وخرج صوتها بصعوبة:
- اه طبعًا لازم ازعل امال ايه يعني؟ انا أسفة يافاتن البقية في حياتك .
بوجه مغلف ردت باقتضاب:
- في حياتك الباقية يافجر .
اسبلت عيناها وهي تفرك بكفيها والأثنتان يرمقنها بنظرلت متفحصة.. ليسود الصمت بينهم لعدة لحظات ..قبل أن تقطعه فاتن :
- لدرجادي بتحبيه يابت؟
رفعت رأسها مجفلة تقول:
- همم.. تقصدي إيه يافاتن؟
- قصدي على علاء طبعًا امال هايكون مين يعني؟
فتحت فاهها واغلقته مرة أخرى لتطرق برأسها ارضًا وهي لا تقوى على النظر بعيناهم.. ليعود الصمت مرة اخرى بينهم قبل ان تنهض فاتن متمتمة:
- لساكي طيبة وعبـ.ـيـ.ـطة زي ما انتي!
رفعت رأسها وقبل ان تعي صحة ما سمعته وجدتها تجلس بجوارها تقربها بذراعيها نحوها وهي تقبلها من وجنتها :
- طب ولما انتي بتحبي اوي كدة.. ما تقولي اه يابت هو عيب؟
حدقت بها مندهشة قبل ان تلتفت نحو عمتها الواضعة كفها على جانب وجهها تتبسم بتسلية.. فقالت مشيرة بسبابتها نحوها:
- ماهي عمتي كانت عايزاني اسيبه عشان اثبت لها اني بحبك وانا كنت فاكراكي مـ.ـيـ.ـتة.. اشحال دلوقت لما اتأكدت انك صاحية ومامـ.ـو.تيش؟
ضغطت باصابع يدها على وجنتيها برفق تشاكسها :
- هو جزمة يابت ولا فستان عشان لما ارجع اخدهم من تاني؟ دا جوزك يامنيـ.ـلـ.ـة على عينك يعني مش خطيبك وبس كمان
قطبت بحيرة تسألها:
- يعني إيه؟
قبلتها بشغف وهي ترد بابتسامة دافئة :
- يابت انا اتجوزت من زمان وعيشت حياتي مع راجـ.ـل نساني الدنيا بحالها ..مش بس حب المراهقة والظروف الوحشة معاه.. يعني عمتك كانت بتلاعبك ياعبـ.ـيـ.ـطة.
- والنبي بجد؟
قالتها ببؤس وهي ترتمي بأحضانها باكية مما اثار ضحكة صاخبة من فاتن ووالدتها وهي تشـ.ـدد عليها بذراعيها وتردف بحرقة:
- حشـ.ـتـ.ـيني و  اوي يابـ.ـنت اللذينة ووحـ.ـشـ.ـتني طيبتك وحنيتك دي.
خرجت من أحضانها وهي تمسح بأبهامها الدmـ.ـو.ع الساقطة منها على الوجنتين تهتف ساخطة :
- دي عيشتني ايام سودة وطب والنبي من ما انا مسمحاكي ياعمتي.
ازدادت ضحكات الاثنتان وفوزية تشاكسها:
- طب وانا اعملك ايه بقى ان كنتي صدقتي ودmاغك لفت من اول ما شوفتيني؟ لهو انتي فاكراني كنت هاقدر اعمل فيكي المقلب لولا اني شوفت ترددك ده وخـ.ـو.فك مني؟ طب ليه يابـ.ـنتي ؟ دا حتى كل حاجة نصيب.
- انا عارفة ياعمتي.. اهو لقيت نفسي متلخبطة ومكسوفة لما اتفاجئت بيكي في ليلة كتب كتابي واكنك ظبظتيني في تهمة متلبسة.
- ياحبيبة قلبي .
قالتها فاتن وهي تجذبها مرة اخرى اليها تضمها بشوق.. فخاطبتها فجر معاتبة:
- هونت عليكي يافاتن تسيبني السنين دي كلها من مـ.ـا.تشوفيني ولا اشوفك.. ولا مرة وحشتك فيها؟
قالت مبتسمة :
- مين قال كدة بقى؟ انا كنت كل مااشتقالك اطل عليكي واراقبك من بعيد .
- ازاي ؟
همت لترد ولكن اوقفها صوت الهاتف الذي كان يصدح بورود مكالمة.. 
- دا تليفونك يافجر؟
اومأت برأسها وهي تخرج الهاتف من حقيبتها فقطبت مندهشة وهي تجيب على الرقم الغريب 
- الو مين معايا؟ ........... لا طبعًا ماشوفتوش ولا قابلتوا من الصبح ...... ايه اللي حصل ياعصام؟..........  ازاي يعني مـ.ـا.تعرقش مكانه؟ هايكون راح فين  بس؟ .......... طبعًا ححاول اتصل بيه واشوفه راح فين ؟....... ماشي ياعصام .
انهت المكالمة سريعًا لتنهض عن كرسيها قائلة بقلق:
- طب عن اذنكم ياجماعة.. انا لازم اروح على بيتنا حالاً ... علاء خرج من الصبح غضبان وماحدش عارف طريقه فين؟
................................    
تتلاعب بأصابع يده السليمة وهي تمازحه بدلال لعله يستجيب لها يبتسم:
- ياحسحس.. ياابو دm تقيل انت مش ناوي بقى تفك كرمشة وشك دي.. مش لايق عليك ياعم .
رد بصوته الأجش:
- هو ايه اللي مش لايق عليا؟
قالت بدلال:
- التكشيرة.. بصراحة انا اول مرة اشوفك مدايق كدة .. في كل خناقتنا مع بعض مافيش مرة وشك اتقلب فيها بالشكل ده.
اعتلت زاوية فمه ابتسامة مستخفة وهو يرد:
- يمكن عشان ماكنتش موجوع قوي بالشكل ده.. ماهي خـ.ـنـ.ـقاتي معاكي مهما كانت اسبابها تيجي ايه في اللي انا حاسس بيه دلوقت! 
- حاسس بإيه ياحسين؟ قول ياحبيبي على اللي مزعلك وخرج اللي جواك .
تجاهل سؤالها ليجيب بسؤال غيره :
- بقولك إيه انتي مش ملاحظة ان علاء اتاخر اوي؟ هو راح فين؟ دي اول مرة يغيب فيها عني كل ده.
اخفت ارتبـ.ـاركها وهي تحاول الإجابة ببعض الثبات :
- ما انا قولتلك ياحبيبي.. عمي ادهم اتصل بيا وبلغني ان علاء روح البيت عشان يرتاح شوية من تعب الايام اللي فاتت واكيد خدته نومه.
قال بتشكك :
- عمك ادهم برضوا اللي بلغك؟ امال هو راح فين بقى؟ مختفي هو كمان.. دا حتى عصام مرجعش يطل عليه من الصبح .
ردت ممازحة بتصنع :
- الله الله هو انت لحقت تزهق مني ياسي حسين ولا إيه؟ بقى لما اتواضع انا النهاردة بجلالتي وقدري واتبرع بالأنفراد بيك .. تفتكرلي انت فلان وعلان واكني مش مالية عينك ولا سادة الفراغ اللي جواك .
- فراغ إيه إللي انتي سداه ؟
- نعم !
كرر باستفهام :
- بسألك عن الجملة الاَخيرة دي.. ايه معناها ؟
اهتزت كتفاها بعدm اكتراث:
- انا عارفة ؟ انا بسمعها كدة وخلاص.
فلت كفه من يدها ليضغط بابهامه وسبابته على وجنتها بغـ.ـيظ:
- ولما انتي مش فاهمة معنى الجملة بتكرري ليه زي البغبغان؟ هي لماضة وبس .
صاحت ضاحكة وهي تدفع يده :
- بس ياعم الله .. هو انت شايفني عيلة صغيرة ؟
بابتسامة مستترة هتف متصنعًا الجدية :
- العن وامر.. العيلة هاتكبر .. لكن انتي بعقلك الهايف ده هاتجنني امي العمر كله.
ضحكت بمرح حتي جعلته يتخلى عن عبوسه ويشاركها الضحك وهي تردف بغــــرور:
- ربنا ما يحرمك مني يارب .
...................................
وفي الجهة الأخرى كان الوضع في شقة علاء على اشـ.ـده.. أدهم الذي اتعبه البحث مع رجـ.ـاله حتى استسلم مضطرًا للأنتظار المر مع شاكر وزجته التي لم تستطع التخلي ولو لحظة عن زهيرة خـ.ـو.فًا عليها لتنتكس وتعود للمرض مرة من الخـ.ـو.ف والقلق على ابنها الذي اختفى عن رؤيتها ولم يرد ولو على اتصال واحد منها في ظاهرة لم تحدث طوال حياته مهما مر عليه من أحداث.. عصام الذي ترك عمله في المشفى بعد معرفته بعدm عودة علاء من وقت ان غادر المشفى ولم يستطع اللحاق به .. كان واقفًا بسيارته امام البناية مع فجر التي شرح لها مشهد الصباح وما فهمه من كلمـ.ـا.ت علاء معه.
- انا قولت بس اشرحلك واقولك على اللي حصل بما انك شهدتي على الموضوع من اوله.
متكتفة الذراعين تهز برأسها وكأن كثرة الصدmـ.ـا.ت افقدتها حس الإجفال أو الإندهاش .
اردف عصام :
- يافجر انا قولت اشرحلك عشان تفهمي وتطمنيني عليه لما يوصل .. انا لولا بس ان بـ.ـنتي الصغيرة النهاردة بايتة عندي ماكنت اتحركت من مكاني في انتظاره 
تنهدت قائلة بتعب :
- روح ياعصام وانا هاتصل بيك واطمنك لما يوصل.. هو اكيد هايرجع.. مهما كانت الصدmة كبيرة عليه لكن اكيد هايرجع.. مش كدة برضوا؟
- ان شاء الله يافجر يرجع.. حس المسؤلية عند علاء اكبر من أي جـ.ـر.ح واي هموم .
بعد ذهاب عصام وتركها في انتظار حبيبها الذي لم تمل تكرار الاتصال عليه رغم عدm اجابته.. حتى اقتربت الساعة للحادية عشر مساءًا وكاد الانتظار ان يعصف بقلوب الجميع .. دلف فجأة لداخل شقته مكفهر الوجه القى التحية من تحت اسنانه ذاهبًا نحو غرفته ليغلق بابها عليه.. ولم يبالي بنداء والده وتوسلات والدته او حتى شاكر وزوجته .. حتى وصلهم صراخه من داخل الغرفة:
- انا تعبان ومش عايز اشوف ولا اكلم حد.. ممكن بقى تسيبوني في حالي .
خرج صوتها بـ.ـارتجاف:
- حتى انا ياعلاء مش عايز تسمع صوتي ؟
ساد الصمت فقالت بـ.ـارتجافٍ أكثر:
- علاء.. انا مش هاتحرك من هنا غير لما تفتحلي.. ان شالله حتى ابات جمب باب الاوضة .
شهقت باكية :
- افتحلي ياعلاء عشان اطمن عليك.. ياحبيبي انا قلبي هايوقف من الخـ.ـو.ف والقلق..
ضـ.ـر.بت على باب الغرفة صارخة:
- ياعلاء افتح بقى ومـ.ـا.تتعبش اعصابي اكتر من كدة...افتح يا علاء.....
شقت مخضوضة حينما تفاجأت بفتح الباب وهو يجذبها بسرعة للداخل ويعاود اغلاقه مرة اخرى بقوة.
لم تصدق عيناها وهي تنظر الى وجهه العابس امامها.. وقد ارتسم الألم عليه بقوة.. تقدmت نحوه صامتة بتردد حتى اقتربت تتناول كفه الكبيرة ترفعها اليها بين كفيها تداعبها بحنان وهي ترجوه بعيناها ليهدء بركان الغضب بداخله .. قبلتها برقة وهي تخاطبه:
- حاسة بيك وواجعني اللي واجعك.. بس عايزاك تهدى.. 
عقد حاجبيه وارتفعت صوت انفاسه الحادة رغم صمته.. لدرجة اشعرتها بالخـ.ـو.ف من غضبه.. اجفلها فجأة حينما جذبها ليضمها اليه بقوة حتى تألمت عظامها ورغم ذلك بادلته العناق علّه يهدأ حتى شعرت بأصابع يده وهي تتخلل خصلات شعرها حتى جذب رأسها للخلف والتقت عيناها بعيناه وانفاسه الحارة تلفح وجهها ودون سابق انذار قبلها.. بادلته قبلته مستجيبة لنداء احتياجه لها حتى فصل نفسه عنها مرغمًا حينما تساقطت دmاعته على وجنتها ليدفن رأسه في شعرها...ويشـ.ـدد من عناقه لها مرة اخرى وهي تربت على ظهره بحنان.
- انا جمبك ياحبيبي ومش هاسيبك .. اهدى بس انت اهدى .
خرج من منزله يضم سترته الثقيلة حول جسده علها تخفف بدفئها برودة الجو الشـ.ـديدة في هذا الوقت المبكر من اليوم.. وصل لدراجته النارية ليقف مستندًا بجسده عليها.. ثم فرك بكفيه يدفئهم قليلًا قبل أن يتناول هاتفه من جيب بنطاله يتصل بأحد الأرقام.. فتجيبه صاحبة الإتصال:
- الوو........ صباح الفل ياخالتي........ في نعمة والحمد لله المهم البنات صحيوا؟.......... تمام ياخالتي فطريهم بقى وجهزيهم عقبال انا مااشق ريقي بلقمة من عربية الفول اللي في اَخر الشارع ......... وبعدين بقا ياخالتي متزعلنيش منك هما كدة كدة في طريقي يبقى ايه لزوموا بقى المواصلات والزحمة؟ حمد لله المكنة شـ.ـديدة وتتحمل المسافات.......... تمام بس حاولي تجهزيهم بسرعة عشان مايتأخروش على ميعاد المدرسة ........ ربنا يرحمه ويبشبش الطوبة اللي تحت راسه يارب......... ماشي سلام ياخالتي
انهى المكالمة واستدار بخطواته لكي يقطع الشارع ليصل للعربة في اَخره التي سيتناول طعام افطاره عليها.. ولكنه توقف محله حينما لمح شبح الجسد الصغير ملثم الوجه وهو يتلفت حوله بخـ.ـو.ف كي يصل لوجهته بخطوات مسرعة.. ابتسم بزاوية فمه وهو يتناول الهاتف مرة ليتصل برقم اَخر:
- الوو .....ايوة ياعم علاء انا مازن....... معلش بقى ان كنت صحيتك بدري اوي بس المعلومة دي ماينفعش تستنى........ سعد دخل الحارة قدامي دلوقت متلتم زي الحـ.ـر.امية وزمانه وصل بيتهم .............بسرعة بس والنبي تعالي عشان اللحق انا مشواري واوصل البنات اخوات حودة الله يرحمه لمدارسهم ........... تمام وانا هتابعك بالتليفون ........... تسلم يارب .
اغلق الهاتف ليفرك مرة أخرى كفيه مبستمًا بحماس في انتظار المعركة!
............................
خرجت من غرفتها لتجد والدها ووالدتها وعمتها فوزية على منضدة الطعام يتناولون وجبة الإفطار في انتظارها.. القت التحية بوجه عابس وهي تجلس بجوارهم على أحد المقاعد :
- صباح الخير ياجماعة 
رددوا خلفها التحية وهي انكبت تتناول طعامها بغير شهية.. شاكسها أبيها:
- مـ.ـا.تفردي يابت بوزك اللي قالباه كده عالصبح من غير سبب ولا يكون في سبب؟
ردت محرجة :
- يوه يابابا هايكون في إيه يعني ؟ عادي .
أردف بابتسامة ساخرة:
- عادي برضوا؟ ولا يكونش زعلانة مع سي علوة يابت وانا مش داري؟
ازداد عبوس وجهها والذي اكتمل بحمرة الخجل التي زحفت لوجنتيها.. تدخلت فوزية :
- يالهوي عليك ياشاكر.. مـ.ـا.تهمد بقى ياخويا ومـ.ـا.تكسفش البنية.. اللي يينها ويين خطيبها دي خصوصيات ملناش احنا فيها.
مصمصت سميرة بشفتيها:
- خصوصيات ايه بلا نيـ.ـلـ.ـة.. دا العيال من ساعة ماخطبوا بعض والمصايب شغالة ترف على ادmغتنا بالكوم.. مرة بحادثة حسين وكملت بالزعلة الكبيرة لعلاء ووالده.. امـ.ـو.ت واعرف ايه اللي بينهم.. مش ناوية برضوا تتكلمي يافجر؟
تاففت ناهضة :
- تاني ياماما السؤال ده ماقولتلك ماعرفش.. انا رايحة اجهز عشان احصل شغلى بقى.
رددت سميرة من خلفها :
- برضوا انتي مـ.ـا.ت عـ.ـر.فيش ياست الابلة! اقطع دراعي ان ماكنتي عارفة وبتستهبلي.
لكزتها فوزية :
- مـ.ـا.تسيبها ياولية هو انتي هاتمـ.ـو.تي لو معرفتيش؟
فتحت فاهها لترد ولكن سبقت فجر وهي تهتف على والدها فجأة قبل الدلوف لغرفتها:
- مـ.ـا.تمشيش يابابا قبل مـ.ـا.تاخدني توصلني معاك.. عشان علاء اتصل وقالي انه خرج بدري على مشوار مهم .
دوت ضحكة ساخرة من شاكر وهو يتلاعب بحاجبيه:
- ايوة بقى قولي.. يبقى عشان كدة قالبة وشك يا أبلة فجر.
دبت أقدامها على ألارض بغـ.ـيظ قبل ان تذهب لداخل غرفتها متاففة.. تساءلت سميرة بفضول:
- يااخويا انه مشوار دا اللي يخرجه بدري كدة والساعة مجابتش سبعة الصبح؟
............................................
توقف على مدخل الحارة بسيارته التي قادها بسرعة شـ.ـديدة حتى يصل.. وجد مازن في انتظاره بجوار دراجته البخاربة وبجواره اخوات حودة.. اسرع اليه وهو يترجل من باب السيارة قائلًا:
- حمد لله انك وصلت عشان اللحق اوصل انا البنات لمدراسهم .
تابع وهو يقترب من أذنه يهمس:
- وكويس عشان تحصله قبل مايمشي.
سأله بهمس هو الاَخر  وبأطراف اصابعه يمسح على شاربه بتحفز:
- هو فين دلوقتي؟
- خرج من بيتهم جري على ورشته من يجي عشر دقايق بس.. يعني يدوبك تلحقه .
اربت بكفه على اكتاف مازن قبل أن يتحرك قائلًا :
- تمام يابطل.. اتحرك انت بالبنات وانا هشوف شغلي .
- ربنا يقويك .
تمتم بها قبل ان يذهب مهرولًا نحو الفتيات.. كم ود الأنتظار ليرى بنفسه عقـ.ـا.ب الخائن ولكنه لن يتقاعص عن تأدية واجبه في توصيل الفتيات.. وبعدها يعود على الفور ليرى وليضحي بيوم من العمل .
...............................
بداخل ورشته الخالية من العمال تناول سريعُا بعض النقود الورقية من خزانة امواله الخشبية ليضعها في جيوب سترته الثقيلة وأيضًا في جيبي بنطاله .. ثم أغلقها على عجالة كي يستطيع الخروج من الحارة بعد أن أتم مهنته برؤية والدته وإعطاءها بعض النقود لإعالتها .. زفر حانقًا على وضع حاله الاَن وهو مهدد ومتخفي كاللصوص داخل حارته.. بعد ان كان يسير بها متبخترًا كالملوك في سنواته الاَخيرة وقد تيسرت حالته المادية بفضل نجاح مشروع ورشته.. ورشته المتوقفة من العمل الاَن بفضل هذا الملعون الذي سرق في البداية فرحته بخطبته لشروق النسخة الاَخرى من حب عمره ثم تسببه في كشف أمره بالبحث في دفاتره القديمة واخراج اسرار ظن هو انها اندفنت مع مرور السنوات .بخطوات مسرعة وصل للخروج من الباب الخارجي.. اغلقه من الخارج بقوة ثم استدار وهو يغطي وجهه.. خرجت منه شهقة قصيرة مجفلة.. وهي يراه امامه بطوله المهيب وعرض جسده المتحفز وكأنه مصارع وعلى وشك خوض مبـ.ـارة مع أحد خصومه.. خرج صوته وكانه يسأل نفسه:
- علاء !!
بابتسامة متهكمة حرك رأسه قائلًا:
- إيه خضيتك ؟
ازدرد ريقه وهو يجاهد الثبات امامه في الرد:
- وإيه بس اللي هايخضني منك... ياصاحبي؟ 
- صاحبي!!
رددها واعتلى شفته ابتسامة جانبية قبل ان يطرق بوجهه فتحركت اقدامه ليقترب بخطوات بطيئة نحوه كنمر يحوم حول فريسته.. ملامح وجهه المظلمة جعلت الخـ.ـو.ف يزحف تحت جلده.. فتضخ الدmاء السريعة لقلبه لدرجة جعلته يسمع صوت دقاته.. يحاول السيطرة على ارتعاش قدmيه في الأسفل وهو يراقب خطواته حتى تفاجأ به يجذبه من تلابيب قميصه بعنف لتلفح انفاسه الهادرة وجهه.. يحدثه بلهجة مخيفة جازًا على أسنانه:
- يعني انا كنت صاحبك بجد ياسعد؟
ارتجف مذعورًا وخرج صوته باهتزاز :
- في إيه ياعلاء؟ جرا إيه بس مالك؟.
مال إليه برأسه قائلًا بفحيح:
- اقولك جرالي إيه.. اللي جرى اني ربيت في حـ.ـضـ.ـني حية ضعيفة.. دفيتها وحمـ.ـيـ.ـتها من أذية بشر ولما كبرت واشتد عودها لدغتني انا ولدغت حبايبي.. حبايبي اللي دفعوا تمن قربهم مني بسبب إني اَمنت لواحد زيك.. وانا عارف بعقد النقص اللي جواك وبرضوا بغباءي كنت بحاوط عليك.. شفقة بجـ.ـسمك الضعيف.
سيطر الرعـ.ـب عليه و.جـ.ـعل كلمـ.ـا.ته تخرج بتلجلج:
- بببب ييييعلاء.. انت قولت بنفسك اني جـ.ـسمي ضعيف.. يعني مـ.ـا.تاخدنيش بذنب وانت اكيد فاهم غلط .
رفع حاجبه وابتسم بشر :
- ماانت فعلًا جـ.ـسمك ضعيف بس انا بقى عندي رغبة انفضك النهاردة يمكن بأذيتك تهدى شوية النار اللي جوايا.
- يعني إيه؟
خرجت بصدmة وعدm استيعاب قبل ان يباغته بضـ.ـر.بة قوية برأسه كادت تشطر جبهته نصفين وبعدها توالت صرخاته العالية بقلب الحارة وهو لا يقوى على ملاحقة الضـ.ـر.بات ولا يعرف من أين تأتي!!!
......... .... ..........
بطرق قوي على باب المنزل الكبير فتحت الخادmة للرجل وهو يسالها بلهاث :
- عم ادهم فين يابت ؟ صحيه بسرعة .
خرج له ادهم من قلب المنزل بجلبابه المنزلي وهو يجفف شعر رأسه بفوطة صغيرة :
- مالك ياحوكشة بعمك ادهم؟ وعايزها تصحيني بدري ليه اوي كدة؟
دلف الرجل لداخل المنزل يردف بكلمـ.ـا.ت غير متزنة :
 - الحق ابنك علاء ياعم ادهم.. ماسك في سعد صاحبه ضـ.ـر.ب وعجن لما هايخلص في إيده ؟
هتف مجفلًا :
- انت بتقول مين؟ سعد؟ طب اجري بسرعة انده للرجـ.ـا.لة.. على ما أنا غيرت الجلبية ولبست غيرها.. وعلى طول الحقوه لايخلص في إيده.. انا عايزه حي مش مـ.ـيـ.ـت .
-  هوا يامعلمي.
هتف بها الرجل وهو يهرول للخارج وعاد ادهم بخطواته السريعة لداخل المنزل وهو يتوعد لهذه المدعو سعد.
..............................
وفي الخارج ووسط الحارة بعد ان خلصوا سعد من  تحت يده بصعوبة وهو يقاوم للإفلات منهم رغم كل مافعله بغريمه المغرق وجهه بالدmاء وجسده لايقوى على الوقوف للولا المساندة.. كانت تتردد كلمـ.ـا.ت الرجـ.ـال بلومٍ مشوب بالدهشة:
- اهدي يابني مش كدة حـ.ـر.ام عليك دا كان هايخلص في إيدك.
- ياعم سيبوني ياعم انا لسة ناري مابردتش
- صلي عالنبي هو قدك ولا حملك يابني!
- عليه افضل الصلاة والسلام.. طب سيبوني طيب وانا مش هاكلمه تاني... واخدينه على فين ابن المضايقة ده؟هتف عليه الرجل المتشبث بذراعه بقوة :
-يابني هايوده لامه اللي بتصرخ من بيتها عليه.. انت بس لو تقول لنا عمل معاك إيه عشان تقلب عليه القلبة السودة دي؟
حدق بالرجل صامتًا وهو يقاوم مرة أخرى لإفلاته .. فتابع الرجل المتشبث بظهره من الخلف :
- كفاية بقى هديت حيلي ياعلاء وانا عايز اسيببك بس خايف لتتهور عليه من تاني.. دا انت مرمغت وشه في  التراب وخليت جـ.ـسمه شوارع .. اشحال ان ماكنتوش كبـ.ـار و اصحاب كمان!
صرخ يقاومهم بجنون :
- مش صاحبي..  مش صاحبي ياجدعان .. دا زرعة شيطاني وانا اكتشفت حقيقتها بس دلوقتي .
- إيه اللي حصل ياجماعة في إيه؟
قالها ادهم وهو يقترب منهم وعيناه تجوب جمع الاشخاص الملتفة حولهم .. هتف عليه أحد الرجـ.ـال:
- تعالى ياادهم ياكبير الحارة شوف ابنك يمكن تسكته ولا تسيطر عليه.. دا كـ.ـسر سعد وبرضوا مصمم يخلص عليه .
رمق ابنه بنظرة سريعة قبل ان يسأل الرجـ.ـال بلهفة:
- طب هو فين دلوقتي مش شايفه يعني؟
...................................
بداخل المحل الكبير للاداوت الصحية والخاص بأدهم الاب ضـ.ـر.ب بكفه على فخذته وهو يرمق ابنه بغـ.ـيظ بعد ان انفض جمع الرجـ.ـال:
- يعني بس لو كان ربنا قدرك وادتني فكرة من الأول.. مش كان زمانه دلوقتي بقى تحت يدي بدل ماهو هرب كدة من الرجـ.ـا.لة واستغفلهم ويعالم امتى بقى هانقدر نجيبه من تاني؟
نظر اليه باستخفاف قبل ان يشيح بوجهه للأمام بعيدًا عنه.. ليثير الغضب بداخل أدهم :
- بلاش النظرة دي ياعلاء.. انا عارف انك زعلان مني وليك حق.. رغم اني ماكنتش اعرف بالمصايب اللي عملها الكل... ده غير دلوقتي.. عارف اني غلطت زمان معاك بس ربنا العالم انا حاولت قد ايه اكفر عن غلطي.. بدليل اني لما حسيت بس بميل حسين لشروق بـ.ـنت شاكر وميلك انت لفجر.. جريت بسرعة وطلبتهم من غير انتظار.. رغم معرفتي القديمة بصلة قرابتهم مع بدر الصعيدي ومـ.ـر.اته وبـ.ـنته..
ضـ.ـر.ب بكفه على سطح المكتب غاضبًا يقطع استرساله في الكلام بحدة:
- بقولك ايه ياحج.. قفل على كلامك ده عشان ما انا ماعنديش مرارة اسمع .. تمام.. وعن اذنك بقى عشان ماشى .
نهض ليغادر سريعًا ولكن نداء ادهم بإسمه اوقفه ليردف قائلًا برجاء :
- كدة على طول خارج ياعلاء! دا انا مصدقت اشوفك يابني وماصدقتش فرحتي لما حكالي الواض حوكشة على اللي عملته في سعد.. عشان تاخد بتارك منه
استدار اليه يرد بلهجة ذات مغزى:
- وانت بقى افتكرت اني طفيت ناري بضـ.ـر.به فاهصفالك انت بعد كدة؟ لا أصحى ياحج ..انا دخلت المحل هنا عشان بس مكسفكش قدام الرجـ.ـا.لة.. لكن اللي في قلبي ناحيتك مازال موجود ومـ.ـا.تغيرش.. فاهم ياوالدي .. موجود ومـ.ـا.تغيرش .
بصق كلمـ.ـا.ته الاَخيرة وخرج مغادرًا على الفور.. تاركًا أدهم يعض اصابع النـ.ـد.م من خلفه
..................................
- سيبته! يخرب بيتك .
صاحت بها مجفلة نحو صديقتها الجالسة أمامها بجمود تتلاعب بيدها مكان خاتم خطبتها.. وقالت :
- هو دا اللي كان لازم يحصل من الاول.. اساسًا احنا مكناش لايقين على بعض .
ردت مستنكرة:
- مش لايقين ليه بقى ياغـ.ـبـ.ـية؟ هو انتي يابت اتجننتي ولا عقلك طار منك؟ بقى اغيب عنك يومين ياسحر الاقيك تنيلي الدنيا؟
التفت اليها تهتف حانقة:
- مكانش نافع يافجر.. انا حاولت لكن مافيش فايدة.. هو من عالم وانا من عالم تاني.. هو منفتح وانا مقفلة هو شكله وسيم ومهتم بنفسه وانا ابلة عجوزة في نفسي .
لكزتها بقبضتها على كتفها قائلة بحزم:
- بس يابت اسكتي وبلاش عـ.ـبـ.ـط.. انتي مشيتي ورا كلام الناس اللي استكترته عليكي وهزوا ثقتك في نفسك.. قولتلك من الاول.. فوقي لنفسك ياسحر.. رمزي بيحبك .
بتسمت بسخرية:
- ماعدتش له فايدة خلاص .. ببحبني بقى ولا بيكرهني.. اهو كل واحد راح لحال سبيله .
هزت رأسها برفص:
- انا مش مصدقة كلامك ده ومش متخيلة ابدًا ان دي تكون النهاية.. اكيد في حل.. فاهمة .
مطت شفتيها بعدm اقتناع فلكزتها مرة أخرى على ذراعها بغـ.ـيظ:
- والنبي الله يخليكي بلاش الامبالاة دي انا مش ناقصة.. هو انا هاخلص من المصايب دي بس امتى ياربي.
ابتسمت بتصنع تغير دفة حديثهم وسالتها:
- ليه هو الأستاذ علاء لساه برضوا زعلان من والده ؟
زفرت بتعب:
- والنبي ياختي مـ.ـا.تجيبي سيرته ولا تفكريني بيه.. دا خرج......
قطع جملتها اتصاله.. فضحكت سحر ساخرة:
- مش عايزاني افكرك بيه؟ طب اهو اتصل ياختي يفكرك بنفسه.
تحمحت تقول بإحراج وهي تتناول الهاتف:
- رغم اني متغاظة منه بس ماينفعش اسيبه يرن صح.
ردت سحر ساخرة :
- عندك حق فعلًا... عيب !
ضـ.ـر.بتها بقدmها وهي تنهض على ساقها.. فتاوهت الأخرى.. اشارت لها لتخفض صوتها قبل أن ترد بجمود تحول للهفة وقلق:
- الووو...... اهلا بيك ياعلاء............انت بتقول إيه ياحبيبي؟ ........... لا طبعًا انا هستأذن واجيلك حالًا.......بلا مدرسة بلازفت .
اغلقت المكالمة وهي ترفع اشيائها على عجالة .. طب احنا نكمل كلامنا بعدين ياسحر.. عشان معايا مشوار مهم ...ماشي ...
نظرت في أثرها وهي تردد بمرح :
- ماشي ياختي ماشي.... اه ياجبانة.
........... .................  ...
- ااااه... براحة يابت.
صرخ بها نحوها وهي تضغط بالقطنة والمطهر على خدوش وجهه والكدامـ.ـا.ت ..تمتمت ترد بتركيز :
- اصبر شوية واتحمل ياسعد.. دا لسة باقي كتير.
جز على أسنانه من الألم يقول:
- لسة إيه تاني؟ انا تعبت وماعدتش متحمل .
تنهدت قانطة وهي تلتف للجهة الأخرى تتناول قطنة أخرى وتضع عليها المُطهر:
- يعني اعملك ايه؟ ما انا بحاول اخلصك اهو.. بس انت وشك متبهدل خالص ومافيهوش مكان سليم .
- وشي بس!
قالها وارتجف وجسده يستعيد هجوم علاء عليه وهو يزأر كالوحش.  يكيل له بالضـ.ـر.بات واللكمـ.ـا.ت على جميع جسده..دون رأفة ورحمة بجسده الصغير .. بمقارنة بجسده الضخم .. لقد مرت هذه اللحظات المريرة لتذكره بمأساته وهو صغير قبل أن يحظى بحمايته.. لينقلب عليه الوضع الاَن وهو كبير .. وينال من كرامته وكـبـــــريـاءه الذي صنعه لنفسه طوال السنوات الماضية.. الإهانة في ضـ.ـر.به وهو يصـ.ـر.خ لكي يهب أهل الحارة في نجدته لعدm استطاعته صد ضـ.ـر.بة واحدة منه.. هو الذل بعينه.
- هو انت بتبكي ولا إيه ياسعد؟
أجفل من شروده ليمسح بطرف قميصه دmعة هاربة من عينه.. تحمحم يتكلم بخشونة:
- دي بس من الو.جـ.ـع الشـ.ـديد في كف إيدي.
ردت مستنكرة :
- يابن الناس ما انا قولتلك من الأول روح المستشفى وانت اللي مردتش .
 صاح عليها رافضًا:
- ومش هاروح يانرمين.. مش عايز حد يشوفني ولا الاقي شفقة من حد.. من هنا للصبح لو مـ.ـا.تحسنتش هاروح لدكتور براني اطمن واشوفها .
اومأت برأسها تتابع مـ.ـا.تفعله لتتجنب غضبه .. فسألها :
- هي البت دي لساها برضوا مرجعتش ولا في عنها خبر؟
- قصدك أمينة.. لا مارجعتش ياسعد بس انا خليت خالتي تتصل بيها.. ردت عليها لكن ماقالتش برضوا عن مكانها .
اخرج سبة من فمه زافرُا قبل ان يرد :
- مسيرها توقع تحت إيدي بت ال...... وان ماكنت ادفعها التمن غالي هي والزفت حسين مابقاش انا .. مدام كدة كدة خرابانة يبقى انتقم لنفسي صح بقى قبل ما اهج واهرب من هنا خالص.
أوقفت مـ.ـا.تفعله لتسأله برجاء:
- وانا كمان هاتلاقيلي متوى اهرب ليه ياسعد .
اومأ برأسه :
- هالاقيلك يانيرمين.. مدام انت شاطرة وبتسمعي الكلام 
ترجلت من سيارة الأجرة أمام البناية التي تقطنها والدتها.. وهي تتحامل على اَلام جسدها وذراعها معلق برباط طبي.. لفتت اليها انظار البشر الفضولية في منطقتهم من رجـ.ـال ونساء اعتادت على نظراتهم المزدرئة لها ولوالدتها المعروفة لديهم مهنتها ولكن لا يجرؤ أحد على مواجهتها ولا الإحتكاك بها لسلاطة لسانها ودنو اخلاقها في الرد.. بصعوبة تمكنت من اعتلاء الدرج الأسمنتي حتى وصلت لشقتهم وقبل أن تمتد يدها نحو جرس المنزل.. تفاجأت بفتح الباب وخروج إحدى الفتيات الغريبة عنها تتفوه لمحدثتها في الداخل:
- من عنيا ياأبلتي.. اتصلي انت بس في المصلحة وانا تحت أمرك.
رمقت أمينة بنظرة مندهشة قبل أن تتخطاها لتخرج وتردف بصوتها العالي ساخرة:
- دا باين جايلك وارد جديد يا ابلتي.. بس دي متكـ.ـسرة خالص ياعيني ههههه
نظرت في أثر الفتاة أمينة بقرف وهي تغادر وتنزل الدرج.. قبل أن تلتف لداخل منزلهم فوجدت والدتها أمامها اتت لترى مـ.ـا.تقصده الفتاة هتفت متفاجأة بإسمها.. قبل أن تشهق وتضـ.ـر.ب على صدرها بجزع:
- يانهار اسود.. إيه اللي حصلك يابت ؟
ردت بسأم وهي تلوح بيدها لمساعدتها:
- والنبي يامّا دخليني الأول وبعدين اسألي.
اقتربت محاسن تلف ذراعيها حول ابـ.ـنتها لتساعدها وهي تتمتم بتأنيب:
- تغيبي تغيبي وترجعيلي بمصيبة.. نفسي في مرة واحدة بس تفرحيني بدخلتلك عليا.
تأوهت بألم قائلة:
- والنبي دخليني الأول يامّا.. هو حـ.ـر.ام تدخليني من غير ما تأنبي ولا تقطمي فيا.. طب راعي حتى تعبي.
مصمصمت تلوك بفمها وهي تغمغم :
- خشي ياختي خشي.. وانتي من امتى بس الكلام كان بيجيب فايدة معاكي؟!
..................................
بداخل غرفتها كانت تتحدث في الهاتف حينما سمعت جلبة في الخارج.. اتجهت بخطوات خفيفة حتى وصلت الى الباب تفتحه بمواربة.. لتتبين صدق ظنها حينما رأتها تدلف مع والدتها.. همست لمحدثها بمرح:
- العصفورة جات اخيرًا ياسعد.
وصلها صوته المتلهف:
- امينة رجعت صح يابت ولا بتهزري؟
اجابت مبتسمة بانتشاء:
- بقولك قاعدة برة وانا شوفتها دلوقتي وهي داخلة مع امها.. دراعها متربط وبتمشي بالعافـ.ـية دا باينه من أثار الحادثة.
اجابها من الناحية الاَخرى:
- حلو اوي... عايزك بقى ياشاطرة تعملي معاها زي مافهمتك بالظبط يانيرمين.. ماشي.
أومأت برأسها موافقة:
- تمام تمام.. طب اقفل انت دلوقتي وانا هبلغك بالجديد اول بأول.
اغلقت الهاتف وتنفست عاليًا قبل ان تخرج لها من الغرفة.. لتجدها مستلقية على الاَريكة بتعب ووالدتها بجوارها تخاطبها بسخط:
-  يابت قولي اللي حصلك ده حصل ازاي؟ وما اتصلتيش ليه تقوليلي عشان اجيلك؟ هو انا مش امك يامنيـ.ـلـ.ـة على عينك؟
أجابت وهي مغمضة عيناها:
- والنبي يامّا ارحميني دلوقتي انا مش حمل الكلام معاكي.. مشوار المستشفى هد حيلي وزود تعبي تاني .
- حمد الله على سلامتك ياامينة.
فتحت عيناها مجفلة على صاحبة الصوت تردد قاطبة الحاجبين بدهشة :
- نيرمين!!! انتي إيه اللي جابك هنا؟
..................................
تسير برواق المشفى بخطوات مسرعة وعقلها يعمل في عدة اتجاهات.. بعد ما حدث وانكشف السر اخيرًا بظهور فاتن.. ماذا يجب عليها أن تفعل الاَن؟ اتخبره بوجودها على قيد الحياة.. أم تتجاهل الخوض في الموضوع خصوصًا مع رغبة فاتن في التخفي عن الجميع سوى عن واحد فقط! وماذا عنه لو علم هل سيرق قلبه اليها مرة أخرى وينساها ام أن مرور السنوات قد ساهم في نسيانها من ذاكرته الى الأبد.. ولكن هل يعقل؟
نفضت رأسها لتجلى عنها بعض هذه الأفكار وهي تتجه لغرفة حسين في المشفى والتي اصبحت المقر الرئيسي له فيها الاَن بجوار اخيه.
طرقت بخفة قبل أن تفتح الباب لتُقلي التحية على الجميع.
- صباح الخير.
ردت زهيرة الممسكة بطبق الفاكهة تطعم منه ابنها المصاب ومعها شروق وحسين أيضًا.. دلفت تقبل المرأة على رأسها قبل أن تتجه لحسين تطمئن عليه.
- عامل ايه النهاردة ياحسين؟
أجابها حسين بابتسامة ودودة وقد استعاد وجهه بعض صفائه ورونقه
- الحمد لله ياستي..ادينا بنقاوح مع التعب عشان نقف على رجلينا من تاني.
قالت بابتسامة محفزة:
- شـ.ـد حيلك ..انا كمان شايفة ان في تحسن.. ربنا يقويك أكتر وتخرج من عزلتك هنا في المستشفى.
رفع كفه وعيناه للأعلى بتمني والتفتت هي نحو زهيرة تحدثها:
- وانت كمان ياخالتي عيني بـ.ـاردة عليكي.. باين كدة تحسن حسين انعكس عليكي انتي كمان .
زهيرة بابتسامة راضية:
- ياه يابـ.ـنتي.. دا انا روحي ردت فيا من ساعة مافاق.. هو احنا كنا فين وبقينا فين بس؟
تمتمت بالحمد وهي تتنقل نحو شقيتها الجالسة بركن وحدها تكتم ابتسامتها:
- نعم ياحلوة وانتي قاعدة لوحدك وساكتة ليه؟
ذهبت عيناها نحوه قبل أن تجيبها:
- ماانا قاعدة مؤدبة أهو يافجر.. فيها حاجة دي؟
حدقت بها مندهشة قبل أن تنقل عيناها نحو حسين الذي مالت رأسه يتمتم بملامح متهكمة اثارت ضحكة شروق:
- مؤدبة!!
التفتت فجر باستفسار نحو زهيرة التي تبسمت لمناكشاتهم وقالت :
- والنبي يابـ.ـنتي اهو من ساعة ما قعدت وانا شايفة الحركات والنظرات دي مابينهم ومافاهمة حاجة.
تبسمت فجر هي الاَخرى تخاطبها:
- ولا هاتفهمي ياخالتي.. كبري انتي مخك منهم.. دول دmاغهم لوحدهم.. المهم انا مش شايفة علاء يعني هو راح فين؟.
تحمحم حسين يجيبها ببعض الجدية:
- علاء خرج من شوية يشوف حسابات المستشفى .
تحركت لتغاد الغرفة:
- طب انا هاخرج شوية اطل على واحدة اعرفها هنا على ما وصل هو .
.....................
مطرقة رأسها في الأرض تتكلم بلهجة منكـ.ـسرة وصوت خفيض :
- انا عارفة انك مستغربة قعدتي هنا وأكيد كمان مش طايقة تبصي في وشي.. بس اعمل ايه انا بقى؟ بعد حسين ما كشفني وعرف كل البلاوي القديمة عني بسببك..
شـ.ـددت على أحرف الكلمة الاَخيرة قبل ان تتابع : - أضطريت اهرب واسيب الجمل بما حمل لجوزي.
سألتها غاضبة:
- وانت ضاقت عليكي الدنيا بقى ومالقتيش غير هنا عند أمي عشان تقعدي وتقرفيني.
صكت اسنانها وهي تكتم غـ.ـيظها:
- كتر خيرك ياأمينة.. بس انا ياحبيبتي مش جاية اقرفك ولا حاجة.. انا جاية هنا عشان دا المكان الوحيد اللي مايعرفوش عني أدهم.. ماانتي عارفة اللي فيها .
أشاحت أمينة بوجهها تزفر غضبًا فهمي تعلم مقصدها.. وهو سمعة والدتها وتعمدها عدm ذكر اسمها أمامه.. عادت تخاطبها بتحذير:
- بس ماانا مش مأمناكي يانيرمين عشان عارفة علاقتك بسعد.. وانا مش عايزاه يعرف عني حاجة .
رفعت رأسها ترد بمسكنة:
- خلاص ياأمينة لا عاد ليا علاقة بسعد ولا غيره.. بعد ماراح مني كل حاجة في عز جوزي.. انا بس دلوقتي بقول ياحيطة داريني.. واسألي والدتك قبل اجيلها نبهت عليها بإيه.. انها مـ.ـا.تشتغلش خالص هنا في البيت طول ماانا موجودة.
غمغت بابتسامة ساخرة:
- على أساس ان أمي بتسمع الكلام ولا هاتنفذ؟
التفتت اليها تخاطبها بحزم:
- اسمعي اما اقولك انا مش هاطردك عشان عارفة معزتك عند امي.. لكن والنعمة يانيرمين مـ.ـا.تفكري تأذيني عن طريق الكل....... سعد لكون مسودة عيشتكم وانتي عارفة انا اقصد إيه.
زامت شفتيها تكبت غضبها ولتعود بمسكنة قائلة:
- اطمني ياأمينة.. مش هأذيكي ولا اقرب ناحيتك خالص ولا ليا دعوة بيكي أساسًا.. مع إني كان نفسي نعيد مع بعض زكريات زمان.. دا احنا كنا اخوات مش ولا خالة.
رمقتها باستنكار غير مصدقة طلبها قبل ان تعود لإريكتها مستقلية مرة أخرى متجاهلة الرد عليها.
.................................
طرقت بقبضتها على الباب الذي فُتح وحده على الفور لتجد طفلة رأئعة الجمال أمامها ببشرة حليبية على وجه مستدير وعينان زرقاون ووجنتين ممتلئتين.. دنت فجر تداعبها بمرح :
- يانهار ابيض عالجمال .. انتي مين ياقمر؟
غمغت الطفلة بصوت خفيض ولغة محببة وغير مفهومة.. جعل فجر تدنو أكثر نحوها مرددة:
- بتقولي إيه مش فاهمة.
دوت ضحكة رجولية من الداخل وصوت صاحبها يهتف:
- مـ.ـا.تحاوليش يافجر مش هاتفهمي الأسم ناديها ناني أحسن.
قبلتها من وجنتها وهي تدلف بها للداخل مرددة بحبور:
- ايه الحلاوة دي ياعصام .. تقربلك دي ولا إيه؟
أجابها بسعادة وفخر:
- دي بـ.ـنتي يافجر.. ايه رأيك فيها؟
شهقت تقبلها مرة أخرى بمودة:
- انت بتسألني عن رأيي؟ دي قمر ياعم ربنا يخليخهالك.. بس ناني دا اسمها الحقيقي ولا الدلع؟
- لا الدلع.. اسمها الحقيقي نانيس.
- نانيس !
رددته بدهشة مع ضحكة مستتردة فأردف هو بغـ.ـيظ:
- ماهو دا الأسم اللي اصريت عليه والدتها ياستي.. قال ايه؟ اسم زهرة فرعونية.. على اساس انها بتحب بلدها قوي.
ازداد اتساع ابتسامتها وهي تداعب الفتاة مرددة:
- وانت زعلان ليه بس؟ دي أحلى زهرة قابلتها في حياتي.. ربنا يحرسها من كل شر.
غمغم بصوت خفيض :
- حمد لله ماطلعتش شبه امها.
  انتظرت هي لحظات في مناكفة الطفلة مترددة قبل أن تلتفت نحوه بجدية:
- انا كنت جايالك النهاردة في حاجة مهمة ياعصام .
ترك الأوراق من يده التي كان مشغول في قرائتها على سطح المكتب يعطيها اهتمامه:
- انا تحت أمرك يافجر.. قولي اللي عايزة تقوليه.
اجمعت شجاعتها وهي تأخذ شهيق طويل قبل أن تقول :
- كنت عايزة أتكلم عن الدكتور منذر الله يرحمه اللي كان شريكم هنا في المستشفى ! واحكي عن حاجة مهمة عرفتها بس قريب .
قطب حاجبيه يسألها بدهشة:
- حاجة إيه بالظبط يافجر؟
....................................
عاد اليهم بداخل الغرقة وهو يتحدث في الهاتف من تحت أسنانه:
- ياعم الحج بقولك معرفش غار فين؟ هاعرف،منين انا بس؟ ............ لا ياوالدي مازن مايعرفش عشان سعد اختفى من الرجـ.ـا.لة كلهم وقت الخناقة............. ماشي ياابويا حاضر هارد عليك لما اعرف أي معلومة...........
كويس النهاردة حسين والحمدلله................ وفجر وشروق والجميع كويسين كمان.............الحمدلله طبعًا هي دلوقتي احسن من الاول............ تمام هاخلي بالي منها ......... سلام بقي ياوالدي الله يخليك.
بعد ان اغلق المكالمة انتبه لنظرات الجميع المثبتة عليه.. قال حسين بابتسامة ذات مغزى :
- الكلام الاَخير ده كان على الست الوالدة صح؟
أشاحت زهيرة بوجهها عنه غاضبة وتبسم علاء قائلًا :
- ويعني دي اول مرة ؟ ماهو على طول بيسأل.
هتفت غاضبة:
- بقولكم ايه انتوا الاتنين.. انا مش ناقصة مقلتة ولا هزار منكم.. لموا نفسكوا احسن .
الجمتهم عن الرد فضـ.ـر.بت بكفيها شروق صائحة بمرح:
- ايوة كدة يازهيرة ياجـ.ـا.مدة انتي.. اديهم على دmاغهم .
رد حسين :
- خليكي في حالك انتي يامؤدبة.
- حاضر 
قالتها بأدب لتعود محلها مدعية الخجل وابتسامة مستترة جعلت علاء يتسائل باستفسار:
- هو في إيه؟
فردت زهيرة كفيها بقلة حيلة وأجابه حسين:
- لا ياحبيبي مـ.ـا.تشغلش نفسك انت.. دا حوار كدة مابينا.
اومأ برأسه:
- حوار مابينكم!! اه تمام.. طب انا كلمت فجر وقالتلي انها داخلة المستشفى هنا .. هي لسة ماوصلتلش على كدة ولا إيه؟!
.................................
- بتقولي مين ؟
هتف بها وهو ينهض عن مقعده خلف المكتب بعنف ليلتف حوله ويتابع :
- هو انت بتهزري ولا بتتكلمي جد ؟
تنهدت قانطة وهي تحاول انتقاء كلمـ.ـا.تها:
- وانا ايه اللي هايخليني اهزر بس في حاجة زي دي؟ هو انت تعرف اني تافهة للدرجادي؟
هتف بغير تصديق:
- مش تافهة يابـ.ـنتي بس انا اصدقك ازاي ؟ وانتي جاية تقوليلي ان فاتن عايشة وكمان كانت متجوزة الدكتور منذر اللي كان شريكي في المستشفى 
اومأت رأسها بتعب:
- انا عارفة انك مش مستوعب ودا حقك طبعًا.. بس انا بتكلم بجد.. دا انا لولا اني قابلتها بعيني في بيتها واتكلمت معاها وربنا ماكنت هاصدق.. ولو فرضًا كنت بكدب مثلًا هاتبلى ليه انا على راجـ.ـل محترم زي الدكتور منذر حسب ماعرفت يعني عن سمعته؟
سقط على الكرسي المقابل لها امام المكتب وهي يردد بذهول:
- انا طبعًا مابقولش عليكي كـ.ـد.ابة.. انا بس مستغرب ايه اللي لم الشامي عالمغربي.. ومن ناحية سمعة الدكتور فهو فعلًا كان راجـ.ـل محترم الله يرحمه وينضـ.ـر.ب بيه المثل في الطهر والنقاء كمان.. ورغم انه كان دايمًا بيخبي حياته الخاصة عن الجميع.. بس احنا كان ظننا انه عشان ملتزم يعني.. لكن يطلع متجوز فاتن اللي اتضح انها مامتش.. بصراحة بقى دي حاجة ولا في الخيال .
استراحت بوجنتها على كف يدها المستندة على طرف المكتب بتعب وهي تنقل نظراتها منه والى الطفلة الصغيرة وهي تلعب على أرض المكتب بألعابها.. ثم ما لبثت ان تعتدل بجلستها تتناول حقيبتها تبحث عن شئ ما وهي تقول:
- بقولك إيه ياعصام.. انا عارفة انك لايمكن هاتصدق غير لما تشوف بعينك او تسمع بودانك صح؟
- صح ايه؟
رددها بعدm فهم وهو يراها تتناول الهاتف تضغط على أحد ارقامه ثم ردت على محدثتها في الجانب الاَخر:
- الوو ياحبيبتي ازيك ... تمام بخير الحمد لله.... بقولك ايه طيب.. مـ.ـا.تاخدي تكلمي الدكتور عصام بنفسك.......
مدت بيدها اليه تناوله الهاتف قائلة:
- اتفضل اتأكد بنفسك .
تحركت رأسه بالرفض القاطع :
- لالالا انا مش عايز اكلم حد... انتي عايزاني اكلم مين اساسًا؟
صاحت عليه حازمة:
- امسك ياعصام وبطل خـ.ـو.ف بقى.. هي تاكلك في التليفون.
تناول الهاتف بإيدٍ مرتعشة وخرج صوته باهتزاز ليفاجأ بصوتها الناعم الدافئ :
- الوو ياعصام.. انت خايف مـ.ـا.تكلمني ولا إيه؟
سقط من يده الهاتف وكأنه حية على وشك ان تلسعه ونهض عن مقعده ينظر لفجر بأعين متسعة من الخـ.ـو.ف والدهشة وصدره يصعد ويهبط بتنفس مضطرب.. تناولت هي الهاتف من على الارض قائلة بسخط:
- ايه ياعم بترمي التليفون بقلب جـ.ـا.مد كدة مش خايف لايتكـ.ـسر
- وهو بيرميلك التليفون ليه؟
التفت الاثنان على الصوت الخشن وصاحبه واقف على مدخل الباب المفتوح بيد الطفلة الصغيرة.
اغلقت هي المكالمة سريعًا فردت بـ.ـارتباك:
- علاء! لا ياحبيبي دا بس وقع منه من غير ما يقصد..هو انت وصلت أمتى؟
ردد بوجه جـ.ـا.مد قبل ان يتناول الطفلة يرفعها للأعلى ويقبلها:
- انا حالًا واصل ياستي..والقمر دي هي اللي،فتحتلي باب المكتب.. ايه ياعم عصام الحلاوة دي جايبها منين بس؟
رد عصام بتشتت وهي يعود لجلسته خلف المكتب:
- هاا... اه ياحبيبي اتفضل اقعد هنا على الكرسي الفاضي ده.
جلس علاء وهو ينظر اليه بتفحص قبل ان يلتفت لفجر مستفسرًا:
- دا ماله ده؟ 
مطت شفتيها واهتزت كتفاها تجيب :
- معرفش انا ماله... اسأله انت؟
- أسأله انا !!
قالها باستنكار قبل ان يتابع :
- طب انتي جيتي هنا ليه؟ مش قولتي انك رايحة تزوري واحدة عيانة.
ردت متناسية:
- قولت لمين اني رايحة لواحدة عيانة؟
عاد بجسده لخلف المقعد ناظرُا اليها بتشكك مما جعلها تتدارك نفسها وتتذكر :
- اااه.. انت قصدك على حسين وخالتي زهيرة.. معلش لو كنت نسيت.. انا فعلًا زورت واحدة زميلة هنا في الدور التاني وبعدها جيت هنا اسأل عصام عن حالة حسين واطمن يعني.
- تطمني من مين؟ دا شكله مش معانا اساسًا او اكنه مضروب على دmاغه .. عصاااام .
قال الاَخيرة وهو يضـ.ـر.ب بكف يده على سطح المكتب بقوة مماجعله ينتبه مجفلًا :
- في ايه بس ياعلاء ياأخي مالك؟ 
رد ممازحًا:
- هو انت بعد دا كله ولساك بتسأل؟ بقولك ايه يابني.. نصيحة كدة خد بالك من الأمورة الصغيرة لامها تشلوحك في المحاكم .
تقبل مزاحه يرد بابتسامة:
- لا ياسيدي اطمن... احنا واخدين اجازة اليومين دول من المحاكم اصل امها في رحلة لإيطاليا مع جماعة اصحابها.. شالله مـ.ـا.ترجع تاني.
غمغم الاَخيرة بصوت خفيض اثار ضحكات الاثنان .
بعد مغادرة علاء وفجر.. ظل عصام على حالة الجمود والتشتت.. لايجد تفسيرًا لما يشعر به الاَن من وقت أن سمع صوتها وقد اصابته ارتجافة مفاجئة .. مع تسارع شـ.ـديد في دقات قلبه.. وعقله يأتي بصورة وجهها وكأنه رأها الأمس وليس من عدة سنوات !!
بداخل السيارة وهي جالسة في الأمام بجواره كانت مستندة برأسها لخلف المقعد تنظر من نافذة السيارة للطريق الخارجي واليه مع ترديدها لكلمـ.ـا.ت الأغنية التي يصدح بها مذياع السيارة.. 
وهمسلي قالي الحق عليه
نسيت ساعتها بعدنا ليه
<