رواية امراة العقاب هي رواية رومانسية والرواية من تأليف ندي محمود توفيق في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية امراة العقاب لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية امراة العقاب هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية امراة العقاب تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة
رواية امراة العقاب من الفصل الاول للاخير بقلم ندي محمود توفيق
دقائق طويلة قاربت على النصف ساعة وهي تقف بشرفة المنزل ، تستند بمرفقيها على سور الشرفة ، وعيناها معلقة على بوابة المنزل الكبيرة منتظرة على أحر من الجمر وصول والدها ، لقد طال غيابه هذه المرة عنهم ولم تراه منذ اسبوعين .. وعنـ.ـد.ما علمت من أمها أن اليوم هو يوم عودته قفزت فرحًا وسعادة وأخذت تجهز كل ما ستخبره به من أحداث حدثت طوال الفترة الماضية ، تخرج الألعاب الجديدة التي قامت بشرائها حتى تريه إياها عنـ.ـد.ما يعود ورسومـ.ـا.تها الطفولية التي قامت برسمها بألوان مختلفة وجميلة اهداهم إليها عمها ! .
وأخيرًا ها هي سيارته الفخمة تعبر البوابة الحديدية ، وثبت من مكانها بفرحة ودخلت إلى المنزل تصرخ بطفولية متجهة نحو الباب حتى تخرج له :
_ بابا جه .. بابا جه
لم تبالي لتنبيهات أمها الصارمة بأن تهدأ من ركضها حتى لا تسقط .. فتحت باب المنزل ورأته وهو يتجه نحوها وابتسامة مشرقة وعريضة تعلو وجهه بعدmا نزل من سيارته ، ركضت نحوه وارتمت بين ذراعيه ليحملها هو ويدور بها ويمطرها بوابل من قبلاته المشتاقة هامسًا :
_ حشـ.ـتـ.ـيني و أوي ياهنايا
إجابته بصوت طفولي سعيد به بعض الكلمـ.ـا.ت الغير مترتبة :
_ وأنت كمان شوحتني يا بابا !!
قهقه عاليًا ثم انحنى عليها يطبع قبلاته الحانية على وجنتيها ليشبع شوقه منها بينما هي فقالت بطفولية :
_ تعالي هوريك حجات حلوة اشتريتها
حملها على ذراعيه واستقام واقفًا وهو يتجه بها إلى داخل المنزل متمتمًا بصدmة مازحًا :
_ اشتريتي حجات حلوة من غيري .. لا كدا أنا زعلت منك يا هنا
انحنت على وجنته وطبعت قبلة لطيفة متمتمة برقة :
_ لا متزعلش عشان خاطري مش هشتري حاجة تاني من غيرك يابابا
دفن وجهه بين رقبتها يدغدغها بفمه ويقول بمشاكسة وضحك :
_ حبيبة قلب بابا
تعالت ضحكاتها وهي تحاول الإفلات من بين مشاكسة أبيها لها ولكن باتت محاولاتها كلها بالفشل .
فاق من شروده على صوت زوجته الأولى وهي تتمتم باستغراب :
_ عدنان أنا ليا ساعة بكلمك وأنت مش معايا خالص !!
تنهد الصعداء بحنق وتمتم بعبوس :
_ معلش يافريدة سرحت شوية
لوت فمها بغـ.ـيظ وهتفت :
_ في جلنار مش كدا !
ظهرت الحدة على محياه بمجرد ذكرها لاسم زوجته الثانية وهتف بغضب :
_ لا في بـ.ـنتي يافريدة اللي هتجن وأعرف خدتها وهـ.ـر.بت بيها على فين
تأففت ووقفت ثم اقتربت منه وجلست بجواره على الأريكة تملس على شعره بحنو متمتمه بحب :
_ بـ.ـنتك هتلاقيها ياحبيبي متقلقش
ثم استكملت بنظرات نارية وشيطانية :
_ بس الأهم إنك متسيبش الهانم من غير عقـ.ـا.ب على عملتها دي ، الله اعلم خدت بـ.ـنتك وهـ.ـر.بت مع مين !
رمقها بنظرة مرعـ.ـبة فهمت أنها حصلت على مبتغاها تمامًا وهو إشعال النيران في صدره حتى لا تتسنى لجلنار فرصة في الدفاع عن نفسها عنـ.ـد.ما يجدها ! .
***
بمكان آخر داخل أحد المنازل المتوسطة في ولاية كاليفورنيا بأمريكا الشمالية ...
انتهت من حمامها الصباحي الدافئ وخرجت ثم وقفت أمام المرآة تسرح شعرها وتجففه ، كانت تملك عينان بندقية ساحرة وشعر أسود طويل وملامح وجه رقيقة وصغيرة لا تناسب أم أبدًا بل فتاة مراهقة مازالت في سنها الثامن عشر ، حتى جسدها الممشوق والمثير يعطيها لمسة أنوثية مذهلة .
رغم مرور أربع سنوات على زواجها ولكنها لا تزال محتفظة بنضارتها وجمالها ، لم تترك الهموم والحـ.ـز.ن يؤثر عليها ويغير من طبيعتها ووجهها ، وقفت صامدة أمام أقوى الظروف ولا تزال بقوتها .. لم يكن بالنسبة لها زواج بالمعنى الحقيقي ، بل هو صفقة عمل كما وصفها أبيها " نشأت الرازي " رجل الأعمال المشهور والكبير عنـ.ـد.ما تسنت له الفرصة حتى يحافظ على علاقاته العملية وصفقاته وأمواله مع إمبراطورية الشافعي الضخمة لم يتركها تضيع هباء .. وكانت موافقتها على الزواج من عدنان الشافعي أحد نجاح مخططاته في الوصول لمستوى مرموق وأكبر يرضي به اهوائه وجشعه ، أجبرها على الموافقة من رجل متزوج ويرغب في الزواج مرة أخرى حتى يحصل على الطفل الذي لم يحصل عليه من زوجته الأولى ، وكانت هي الوسيلة لحصوله على الطفل وحتى الآن هي بالنسبة له ليست سوى آلة تزوجها للإنجاب فقط ، ووالدها يرضى بهذه الوضع المهين الذى وضعها به ولكن السجينة خرجت عن طوع سجانها بعدmا طفح كيلها وقررت أن تعلن تمردها ولا تقبل بالإهانة ! .
جلنار الرازي .. المرأة صاحبة الجمال الصارخ كما وصفها بعض الرجـ.ـال ، ترعرعت ونشأت في بلاد الغرب حتى أصبحت تأخذ من طباعهم وحتى جمالها يقارب لجمالهم المثير ، طالما وصفتها قريناتها من النساء بصاحبة الأنف المرتفع ! .. أي المتعجرفة .
انتهت من ارتداء ملابسها وهتفت بصوت مرتفع بعض الشيء :
_ هنا تعالي يلا ياحبيبتي عشان تلبسي
ركضت الصغيرة نحو والدتها وكانت هي قد ارتدت ملابسها كاملة معادا حذائها فقالت جلنار بضحكة مندهشة :
_ إنتي لبستي وحدك شطورة ياحبيبتي
جلست الصغيرة على المقعد وبدأت في ارتداء حذائها وأمها تساعدها في ارتدائه بشكل صحيح ، لكنها تصلبت بأرضها عنـ.ـد.ما سمعت سؤال صغيرتها وعيناها حزينة تقول :
_ هو إمتى بابا هياجي يامامي ، وحشني أوي
ثبتت نظرها على ابـ.ـنتها وتنهدت الصعداء بخـ.ـنـ.ـق ثم مدت يدها وملست على شعرها مغمغمه بوداعة :
_ بابا مش هياجي دلوقتي يا هنا
ما يقارب الشهرين وهي كلما تسأل والدتها عن أبيها تجيبها بإجابات غامضة وناقصة هكذا لا تفهمها ، وكأنها بدل أن تجيب تطرح عليها الأسئلة ! .
زمت هنا شفتيها للأمام بيأس وقالت :
_ طيب ليه مش بيكلمنا ؟!
ليتها تستطيع الإجابة .. ليتها تتمكن من العودة له لأجل طفلتهم فقط ، ولكن ارتيعادها يزداد كلما تتذكر عزمه على أن يأخذ ابـ.ـنتها منها فور طـ.ـلا.قهم ، مما دفعها للهروب بها ! .
ابتلعت جلنار ريقها وقالت بإيجاز وهي تهب واقفة :
_ يلا بينا اونكل حاتم مستنينا تحت ، كدا هنتأخر عليه
استقامت هنا واقفة وسارت مع أمها إلى الخارج وعلى ملامحها العبوس والحـ.ـز.ن لا ترفع نظرها عن الأرض ، خرجت واستقبلت حاتم الذي كان بانتظارهم ، لفت نظرها الصغيرة التي لم تلقي عليه التحية بحرارة وتعانقه بسعادة ككل مرة ، بل اتجهت إلى السيارة واستقلت بالمقعد الخلفي بمكانها دون أن تنتطق وكانت معالم وجهها الحزينة تحكي بدلًا عنها .
نظر إلى جلنار وهز رأسه باستغراب بمعنى " ماذا بها ؟! " لتتنهد الأخرى بضيق وتهز كتفيها لأعلى بعدm حيلة فيفهم فورًا السبب ويقول بخشونة :
_ عدنان مش كدا !!
_ ايوة مبقتش عارفة اقولها إيه تاني ياحاتم بتسأل علي باباها كل يوم وأنا زهقت .. ومقدرش اخليها تكلمه كمان ، أنا خايفة يلاقينا وياخدها مني ياحاتم .. خايفة أوي مش هقدر اعيش من غيرها
رأى الدmـ.ـو.ع المتجمعة في عيناها الجميلة ونبرتها العاجزة آثرت قلبه فلم يتمكن من الصمود أمامها حيث لف ذراعيه حولها يضمها لصدره متمتمًا بصوت رخيم ويداه تملس على شعرها :
_ متخافيش أنا معاكي ومش هيقدر ياخدها منك
سكنت بين ذراعيه للحظات قصيرة لكن عصفت بذهنها صورة عدنان وأدركت الوضع الذي يحدث الآن فابتعدت عن حاتم بهدوء وجففت دmـ.ـو.عها تقول بجدية بسيطة :
_ يلا عشان منتأخرش على الشغل
أجابها مازحًا وهو يتجه نحو السيارة :
_ نتأخر إيه بقى ما انتي مع المدير نفسه وبياجي وياخدك كمان
سارت خلفه وهي تطرح عليه سؤالها بالإنجليزية وبنظرات ماكرة :
_ what do you mean ? . ( !ماذا تقصد ؟ )
تمتم يرد عليها بضحكة بسيطة :
_ nothing babe ( لا شيء يا عزيزتي )
استقلت بجواره في المقعد الأمامي بالسيارة والقت نظرة على ابـ.ـنتها التي تنظر من النافذة بسكون تام دون أي حركة ، فتصدر زفيرًا حارًا في بؤس وتتابع الطريق من أمامها .
***
يمسك بيده فرشاة ويجلس على مقعد خشبي طويل مخصص للرسم ، وأمامه لوحته المميزة التي يعمل عليها منذ أيام طويلة بإتقان وتركيز حتى يكون الشكل النهائي لها مذهل كباقي أعماله الفنية ، كرس حياته منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة لممارسة هوايته المفضلة وهي الرسم ، حتى أنه افتتح معرضه الفني الخاص به والذي يأتي إليه الناس من مختلف الأماكن حتى يقتنوا لوحاته المذهلة ، بعدmا تمكن وبفترة قصيرة أن يصنع اسمه في المجال الفني ويتصدر الصدارة .
آدm الشافعي .. الشاب اليافع الذي يبلغ من العمر خمسة وعشرون عامًا ، كانت تتسابق الفتيات في جامعته على التقرب منه ليس لجمال مظهره وشكله فقط ، بل حتى لثقافته ولطفه مع الجميع وموهبته الفريدة .. لكنه لم يكن من هواة النساء والتسكع .. الأمر الذي جعلهم ينفرون منه بالنهاية بعدmا يأسوا من محاولاتهم الفاشلة معه ! .
طرقت الباب عدة طرقات صغيرة قبل أن تفتحه وتدخل لتتسع على شفتيها ابتسامة عريضة .. ثم اقتربت ووقفت خلف أبنها تطالع لوحته التي لم تكتمل بعد بإعجاب شـ.ـديد ، بينما هو فالتفت برأسه نحوها يحدقها بثغر مبتسم ليخرج همسها أخيرًا :
_ إنت مش ناوي تخلصها ولا إيه ياحبيبي ، أنا متشوقة جدًا اشوفها بعد ما تكمل
_ هانت خلاص ياماما فاصل فيها شوية لمسات صغيرة وتبقى انتهت تمامًا .. بس إيه رأيك فيها ؟
أجابته بانبهار بعدmا أعادت النظر فيها من جديد تتفحص تفاصيلها الدقيقة والمذهلة :
_ جميلة أوي يا آدm .. قولي بقى هو إمتى هيكون افتتاح المعرض
تمتم وهو يمسك بالفرشاة من جديد ويستكمل ما توقف عنده قبل دخولها :
_ خلال الاسبوعين الجايين إن شاء الله
انحنت وطبعت قبلة على شعره ثم هتفت بحنو :
_ ربنا يوفقك ياحبيبي .. أنا هروح اعملك فنجان قهوة من اللي بتحبه عشان تعرف تبدع كدا يافنان
قهقه بخفة وأجابها وهو يغمز لها بمداعبة :
_ ربنا يخليكي ليا ياسمسم يافهماني إنتي
بادلته الضحك وهي تتجه نحو الباب لتنصرف وتتركه يستأنف عمله .
أسمهان الشافعي .. والدة عدنان وآدm ، تبلغ من العمر خمسة وخمسين عامًا ، رغم تقدmها في السن إلا أنها لا تزال بكامل صحتها وجمالها .. عرفت بالمرأة المتسلطة والصارمة ، لديها من النرجسية ما يكفي لجعل الكثير يبغضها ويبتعد عنها ، ولديها طبع حاد لا يتحمله أحد خصوصًا مع من تكرهه ، لكنها تكون بكامل حنانها ولطافتها مع أولادها وربما بعض الشيء مع زوجة ابنها ( فريدة ) ، نظرًا لأن علاقتهم جيدة وأشبه بالأصدقاء لكن جلنار لم تحصل منها سوى على الكره والمكائد والنفور لأنها لم تكن موافقة على هذا الزواج منذ البداية .
***
بولاية كاليفورنيا ....
تجلس بمكتبها على الأريكة الصغيرة وبيدها كوب القهوة الخاص بها تحتسيه بهدوء وعقلها مشغول بالتفكير في زوجها ، بالتأكيد أنه لم يترك مكان إلا وبحث فيه عنهم ، ولابد أنه الآن يعاني أشـ.ـد العناء من فراق ابـ.ـنته ويتوعد لها بعقـ.ـا.ب عسير عنـ.ـد.ما يجدها .
قذفت بذهنها ذكرى مأسوية لهم من شجارتهم الدائمة وكانت هذه هي آخر مشاجرة بينهم قبل أن تأخذ ابـ.ـنتها وتذهب لأمريكا .
_ عايزة أطلق يا عدنان !
كانت جملة صريحة منها تحمل الغضب والانفعال بينما هو فأجابها بكامل هدوئه دون أن يعير انفعالها أي اهتمام :
_ واحنا اتكلمنا في الموضوع ده مـ.ـيـ.ـت مرة ياجلنار وكان ردي واضح
صاحت به بنبرة مرتفعة وسـ.ـخط :
_ نتكلم تاني وتالت وعاشر وللمرة المليون كمان .. لغاية ما تفهم إني مبقتش عايزاك خلاص وعايزة أطلق
جز على أسنانه بغـ.ـيظ فقد بدأ الغضب يستحوذ عليه هو الآخر حيث صرخ بها بصوته الجهوري :
_ وعايزة تتطلقي ليه .. ما إنتي عايشة ملكة وكل اللي بتعوزيه بيكون عندك
_ عشان أنا مش هقبل أكون على الرف تاني كفاية أوي اربع سنين عشتهم معاك وأنا بتعـ.ـذ.ب من عدm اهتمامك بيا وكأني نكرة مش موجودة .. أنت حياتك كلها عبـ.ـارة عن أسمهان هانم وشغلك وأخوك وبـ.ـنتك وطبعًا من هننسى فريدة هانم دي أهم حاجة ، وجلنار ملهاش أي جزء من حياتك ، ومتحاولش تقول أي حاجة لإني عارفة كويس اوي إنك عمرك ما حبتني ولا هتحبني ، أنت قلبك وعقلك مستحوذة عليه مراتك وأنا مليش مكان فيه
بقى صامتًا يستمع لحديثها كامل حتى انتهت فيجيبها بعند :
_ مش هطلقك غير بمزاجي ياجلنار متتعبيش نفسك
ثم تركها واتجه نحو الباب فركضت هي خلفه وامسكت بذراعه ترغمه على الوقوف وتهتف بإصرار :
_ هتطلقني ياعدنان غـ.ـصـ.ـب عنك فاهم ولا لا
حدقها بصمت لثواني معدودة ثم نفض يدها عن ذراعه وأكمل طريقه نحو باب المنزل لينصرف ، لكنه توقف عند الباب لدقيقتين تقريبًا ثم التفت برأسه نحوها وكأنه تحول مائة وثمانون درجة حيث تمتم بجمود مزيف :
_ تمام طالما دي رغبتك ومصرة عليها يبقى تستحملي النتائج ، هطلقك ياجلنار موافق
ألقى بجملته النارية عليها وانصرف ليتركها تتطرح الأسئلة عن معنى كلمـ.ـا.ته وماهي النتائج التي يقصدها ؟ ، ولم تحصل على إجابتها إلا عنـ.ـد.ما عرفت بمخططه هو وأبيها ! .
أفاقت من ذكرياتها عنـ.ـد.ما أحست بالماء الدافئة التي تجري على وجنتيها ، فمدت أناملها وجففتهم بسرعة وهي تهمس بصوت مسموع :
_ مس هسمحلك تاخد بـ.ـنتي مني ياعدنان
***
عودة إلى القاهرة ....
وصلت إلى منزل خالتها ووقفت بالحديقة تتطلع لأعلى تحديدًا لنافذة غرفته ، فرأت ظلًا يتحرك في الغرفة ، عرفت فورًا أنه بالمنزل .. أخذت نفسًا عميقًا وقالت بـ.ـارتباك :
_ أهدى خالص يازينة مش هتتـ.ـو.تري زي كل مرة فاهمة ولا لا ، اتصرفي بطبيعية جدًا .. ده آدm يعني مش حد غريب !
قادت خطواتها المرتبكة إلى الداخل ، فقد حدثتها خالتها بالهاتف وطلبت منها أن تأتي إليها حتى تتحدث معها تحت مسمى الشوق ، وأنها اشتاقت لها .
وقفت أمام الباب ورفعت يدها حتى تطرق على الباب ولكن دهشت بأسمهان التي فتحت لها قبل أن تطرق حتى ، ضيقت زينة عيناها باستغراب من أفعال خالتها الغريبة ، وباللحظة التالية فورًا كانت أسمهان تضمها معانقة إياها بحرارة وهي تتمتم بحب :
_ عاملة إيه ياوزة حشـ.ـتـ.ـيني و يابـ.ـنت !
خرجت من حالتها المتعجبة ليتمكن منها الغضب وهي تهتف محتجة :
_ وبعدين ياخالتو كام مرة هقولك متقوليش الاسم المستفز ده .. إيه وزة ده كمان !!
قهقهت أسمهان بملأ شـ.ـدقيها ثم دفعتها للداخل وأغلقت الباب وهي تهتف :
_ طيب ادخلي يلا
دارت زينة بنظرها في أرجاء المنزل وكأنها تتأكد من عدm وجوده ثم تنهدت بـ.ـارتياح وسألت بريبة :
_ هو في حاجة ياخالتو ولا إيه ؟!
جذبتها من ذراعها واجلستها على الأريكة أمامها ثم همست بصوت منخفض :
_ آدm بيجهز في المعرض
سرت برودة في جسدها بمجرد سماعها لاسمه وبدأ قلبها ينبض كالمطرقة ، ثم أجابت على خالتها بصوت مرتبك :
_ بجد .. أنا كنت فاكرة أنه لسا فاضل وقت عليه
_ اتلحلحي كدا وروحي ساعديه واقفي معاه .. قربي منه واتكلموا مع بعض
اتسعت عيناها وأشارت بسابتها على نفسها تهتف مندهشة :
_ أنا !!!
لكزتها أسمهان في كتفها ثم استكملت همسها وهي تغمز لها بمكر :
_ أيوة إنتي ، هتعملي نفسك مش فهماني
_ أحم .. إنتي فاهمة غلط يا أسمهان هانم على فكرة ، الموضوع مش كدا خالص
كادت أن تجيبها ولكن صوت آدm الذي كان ينزل الدرج جعلها تبتلع جملتها في جوفها ، حيث كان يهتف بعذوبة :
_ إيه ده وزة بنفسها عندنا !
ظلت تحدق بها بهيام وهي مبتسمة وهمست لنفسها بصوت غير مسموع بعدmا سمعته يقول لها بنفس الاسم الذي سمعته من خالتها للتو :
_ لا إنت تقول اللي عايزه براحتك !
وصل لها أخيرًا ومد يده وهو يقول بابتسامته المذهلة :
_ عاملة إيه يازينة ؟
تـ.ـو.ترت وتزايدت نبضات قلبها حتى أحست أنه يسمعها ، كانت قد عزمت على أنها لن تتـ.ـو.تر عنـ.ـد.ما تراه ولكن سرعان ما فعلت العكس ! .
مدت يدها بعد ثواني مرت كالسنين بالنسبة لها وصافحته بخجل مفرط تجيب عليه بصوت متلعثم :
_الحمدلله كـ..ويسة
قررت أسمهان أن تنقذ ابنة اختها من الوضع المرهق للأعصاب التي هي فيه حيث ثبتت نظرها على ملابس ابنها وسألت :
_ إنت خارج ولا إيه يا آدm ؟
قال بإيجاب :
_ آه ورايا كام مشوار كدا هخلصهم وبعدين هروح الشركة عند عدنان
_ طيب ياحبيبي خلي بالك من نفسك
اكتفى بابتسامته ثم نظر لزينة مرة أخرى وقال بلطافة مألوفة عليه :
_ عايزة حاجة يازينة ؟
كلما يوجه لها الحديث يعود تـ.ـو.ترها وارتباكها ليصبح الضعف وتسير رعشة في جسدها ، حتى أن وجنتيها تصعد الحمرة إليهم ، أبت الرد عليه حتى لا تتفوه بحماقات وسط تعلثمها وخجلها واكتفت بهز رأسها بالنفي وهي ترسم على شفتيها ابتسامة مرتبكة .
***
_ يعني إيه مطلعتش هيا !!
كانت صيحة عنيفة انطلقت منه فأجابه الطرف الآخر هاتفيًا :
_ ياعدنان بيه حصل لبس في الأسماء مش أكتر واختلط علينا الأسم ، لكن اسم زوجة حضرتك مش موجودة في سجلات المطار نهائي ، والمعلومـ.ـا.ت اللي وصلت لحضرتك عن الاسم كان خطأ وتشابه اسماء في الاسم الأول فقط
لم يتمكن من الرد عليه أو حتى تكملة المكالمة حيث ألقى بالهاتف على الأريكة وهو يخرج من بين شفتيه سباب لاعنة وألفاظ نابية على الجميع ، شهرين كاملين وهو يبحث عن زوجته وابـ.ـنته ولا أثر لهم وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم ، لم يعد يحتمل التـ.ـو.تر والخـ.ـو.ف أكثر من ذلك .. قلبه يعتصر ألمًا وشوقًا لابـ.ـنته يخشى أن يصيبها مكروه ، وعقله لا يتوقف عن بث الأفكار السيئة في ذهنه حول هروب زوجته مع رجل آخر وأخذها لصغيرته معها .. كلما تقذف هذه الأفكار في عقله يشعر وكأنه على وشك أن يتحول لبركان سيقضى على الأخضر واليابس .
جذبه من موجة غضبه العاتية طرق الباب ودخول نشأت الرازي ، طالعه عدنان مبتسم بعدوانية وقال بنظرة مريبة :
_ أهلًا يا نشأت بيه .. ولا اقولك ياحمايا .. نورت المكتب والله ، لا ده الشركة كلها نورت
هتف نشأت بحزم :
_ بلاش الاسلوب ده ياعدنان .. أنا جاي اسألك لو عرفت حاجة عن جلنار أنا دورت في كل مكان ومفيش أثر ليها
ضحك عدنان وأجابه باستهزاء وأعين ثاقبة :
_ أشك إنك دورت أصلًا عليها
استشاط نشأت غـ.ـيظًا وهتف بتحذير :
_ متنساش إنها بـ.ـنتي كمان .. وأكيد هبقى خايف عليها زيك واكتر
هتف عدنان بوجه جـ.ـا.مد خالي من المشاعر وبنبرة غليظة :
_ ومين قالك إني خايف عليها أساسًا .. أنا كل اللي يهمني بـ.ـنتي ، أما بـ.ـنتك فحسابها هيكون عسير أوي معايا لما الاقيها
اندفع نحوه نشأت ورفع سبابته في وجهه يقول بنبرة منذرة لأول مرة تكون حقيقية ويرى الغضب ومشاعر الأبوة الحقيقية في عيناه :
_ احنا اتفاقنا كان إنك هتطلق بـ.ـنتي زي ما هيا عايزة وهتاخد بـ.ـنتك ، لكن لو إيدك لمست شعرة واحدة منها هوديك ورا الشمس ياعدنان
خرجت ضحكة عالية من عدنان كانت تحمل السخرية والشر ثم أجابه من بين ضحكه :
_ إيه مشاعر الأبوة الجديدة دي اللي ظهرت عليك مرة واحدة مش هي دي برضوا بـ.ـنتك اللي ما صدقت تجوزها ليا لما لقيت أن هيكون في مصلحة حلوة ليك من ورا الجوازة دي .. دلوقتي جاي بتهددني وإني مقربش منها .. ثم إن اتفاقنا ده كان قبل ما الهانم بـ.ـنتك تاخد بـ.ـنتي وتهرب بيها ، ونصيحة مني واحد زيك ميحقلهوش أنه يهددني أصلًا لأن انا اللي اقدر اوديك ورا الشمس بحركة واحدة مني
لم ينكر نشأت أن شعور الخـ.ـو.ف بداخله بدأ يتفاقم من تهديد عدنان له بالأخص وهو يعرف أنه يعي تمامًا ما قاله وأنه بإمكانه بالفعل أن يطيح به إلى الهاوية ، لكن أبى أن يظهر له مشاعر التـ.ـو.تر التي تملكته واكتفى بنظراته النارية له وجملته قبل أن يستدير وينصرف :
_ أنا قولت اللي عندي ياعدنان
***
في أمريكا ....
توقفت سيارته أمام المنزل ، ثم نظرت جلنار إلى ابـ.ـنتها النائمة في المقعد الخلفي وظهر الحـ.ـز.ن على محياها ، فشعرت بكف حاتم وهو يملس على ظهر كفها متمتمًا بنظرة ذات معنى :
_ متقلقيش لما تصحى هتبقى كويسة ، طبيعي تزعل بالشكل ده خصوصًا إنها متعلقة بأبوها جدًا
اعتدلت في جلستها وزمت شفتيها للأمام بعبوس وغمغمت :
_ أحيانًا لما بقعد مع نفسي ، بفكر وأقول هو أنا غلطت لما اخدتها وهـ.ـر.بت بيها وحرمته منها رغم إني عارفة أن روحه فيها وأكيد هو حاليًا بيتعـ.ـذ.ب عـ.ـذ.اب بشع من كتر خـ.ـو.فه وشوقه عليها ، وفي نفس الوقت برجع وبقول ما هو كمان كان هيحرمني منها ومهمتش بيا ولا أني ازاي هقدر أعيش من غيرها
أجابها حاتم بنظرات حازمة :
_ مش هيفرق دلوقتي اللي حصل ده كان غلط أو صح ، أهم حاجة إنك مسكتيش عن اللي بيحصلك وطلبتي الطـ.ـلا.ق واصريتي عليه ، واحد زي عدنان ميستهلكيش ولا يستاهل بـ.ـنته حتى
بدت على ملامحها الاستياء من آخر جملة تفوه بها وقالت بحدة :
_ حاتم أنا مطلبتش الطـ.ـلا.ق بسبب أن عدنان وحش .. هو عمره ما كان بني آدm مش كويس معايا ، أنا طلبت الطـ.ـلا.ق ليه لأني مستحملتش أكون مهملة بالشكل ده اكتر من كدا
حاتم بعصبية شـ.ـديدة :
_ ولما هو مش وحش اتفق مع ابوكي أنه يطـ.ـلقك وياخد بـ.ـنتك منك ليه ياجلنار .. فوقي وفتحي عينك ، شكله قلبك لسا متعلق بيه رغم كل اللي عمله وبيعمله معاكي
_ أنت عارف كويس أوي ياحاتم أني مبحبش عدنان فبلاش تتكلم بالأسلوب ده معايا
ابتسم بغضب واجابها باستنكار :
_ آه فعلًا واضح جدًا إنك مش بتحبيه وخصوصًا وإنتي بتدافعي عنه قدامي
انفعلت بشـ.ـدة وظهر الأحمرار في عيناها فنزلت من السيارة وفتحت الباب الخلفي ثم حملت ابـ.ـنتها على ذراعيها وقالت وهي تبتعد عن السيارة :
_ I think إن انت محتاج ترتاح شوية ياحاتم لأن شكلك مرهق وتعبان
نزل من السيارة وصاح مناديًا عليها بسخط :
_ جلنار استني !
أتاه صوتها الجاف وهي تقول دون أن تلتفت له :
_ نتقابل بكرا في الشغل ياحاتم إن شاء الله ، روح وارتاح في بيتك وبعدين نتكلم
تأفف بقوة حتى وصل صوته لأذنيها ثم استقل بسيارته مرة أخرى وانطلق بها وهو مشتعل بنيران الغـ.ـيظ والغضب .
***
عودة إلى القاهرة مرة أخرى ...
داخل منزل عدنان الشافعي كانت تجلس كل من أسمهان وفريدة بالصالون ويتحدثون بين بعضهم البعض عن جلنار ، حيث هتفت فريدة بسخرية ولهجة تحمل السعادة :
_ لغاية دلوقتي مفيش أي خبر عنها ياماما كأنها فص ملح وداب !
أجابت أسمهان بنبرة محتدmة :
_ ياخـ.ـو.في لتطلع هربانة مع راجـ.ـل تاني .. مش بعيد عليها مش بـ.ـنت نشأت الرازي هتطلع لمين
التزمت فريدة الصمت لدقائق معدودة وهي تفكر بأمر زوجها ، تخشى أن تكون تلك المرأة قد تمكنت من قلبه والأمر ليس مجرد خـ.ـو.فه على ابـ.ـنته فقط ! .
خرج صوت فريدة المختنق :
_ خايفة يكون عدنان الموضوع مش موضوع بـ.ـنته بس
ظهر الغل والحقد في عيني أسمهان التي هتفت فورًا :
_ وإنتي فكرك إني هسمحلها تكمل مع ابني اكتر من كدا الحقيرة دي .. أنا معنديش غير مرات ابن واحدة وهي إنتي يافريدة
لاحت ابتسامة كلها ثقة وغرور على ثغر فريدة وفي صميمها تحمل الوعيد والضغينة لجلنار .
قطع حديثهم انفتاح الباب ودخول عدنان وذهابه نحو غرفته فورًا دون أن ينظر لهم حتى وكانت معالم وجهه تكشف عن حالته ، تبادلا الاثنين النظرات المتعجبة بينهم وهبت فريدة واقفة ولحقت به لأعلى في غرفتهم .. فتحت الباب ودخلت ثم اغلقته خلفها ببطء ، وقعت عيناها عليه وهو يقف أمام النافذة ويشعل سيجارته ثم يضعها في فمه ويخرجها لينفث دخانها بشراسة من بين شفتيه .
اقتربت منه بخطوات رقيقة مدروسة ثم وقفت خلفه ومدت يدها تملس على شعره متمتمة بهمس أنوثي :
_ عدنان !
اتاها صوته المتحشرج وهو يقول :
_ سبيني لوحدي يافريدة من فضلك
تحركت ووقفت أمامه ثم جذبت السيجارة من بين أنامله وهي تبتسم باغواء ، وتهمهم برقة ونظرات عاطفية تعرف أثرها عليه :
_ وهو في مرة كنت مضايق بالشكل ده وفريدتك سابتك وحدك ، مقدرش أسيبك ياحبيبي .. قولي مالك ؟
نجحت في امتصاص غضبه بسهولة حيث علت الابتسامة المحبة على وجهه وأمسك بكفها يرفعه إلى شفتيه ليثلمه متمتمًا :
_ كفاية وجودك جمبي ياحبيبتي .. إنتي وبـ.ـنتي أهم اتنين بنسبالي دلوقتي
ها هي تنجح تدريجيًا في نزع كل جزء جيد يكنه في قلبه لتلك الزوجة المتمردة ، حتى تعود من جديد هي الفريدة من كل شيء ولا نظير لها .
ارتمت بين ذراعيه وهي تهمس بهيام :
_ أنا بحبك أوي ياعدنان
_ وأنا كمان بحبك ياروح عدنان
جالت بعقلها جملة قالتها لها " أسمهان " ذات مرة ( ستظلين الأولى في كل شيء بالنسبة لعدنان ، لطالما حافظتِ على الصدارة ولم تخسريها ! ) .
***
أشعة الشمس المتسللة من النافذة اخترقت جفنيها فسببت لها الازعاج في نومها ، تململت في الفراش بضيق وهي تدفن وجهها في الوسادة حتى تختبأ من أشعة الشمس ولكن دون فائدة .. فتحت عيناها وهي تزفر بخـ.ـنـ.ـق ثم نظرت إلى جانب الفراش الفارغ من ابـ.ـنتها فقطبت جبينها ، ثم استقامت جالسة وهي تفرك عيناها لتزيح أثر النوم وترجع بخصلات شعرها الناعمة إلى خلف أذنيها ، ثم نزلت من الفراش وسارت إلى خارج الغرفة وهي تصيح منادية على ابـ.ـنتها :
_هنا !
لم تجد إجابة منها ، فكانت وجهتها الأولى نحو التلفاز فلم تجدها ، عادت و اتجهت نحو غرفة صغيرتها ولا يوجد لها أثر أيضًا بها .. انقبض قلبها وبدأ الخـ.ـو.ف يتسلل لقلبها وزاد تدفق هرمون الادرينالين في جسدها حيث اندفعت تبحث عنها في باقية المنزل وهي تصيح بـ.ـارتعاد :
_ هنا .. هنا !
↚
انقبض قلبها وبدأ الخـ.ـو.ف يتسلل لقلبها وزاد تدفق هرمون الادرينالين في جسدها حيث اندفعت تبحث عنها في باقية المنزل وهي تصيح بـ.ـارتعاد :
_ هنا .. هنا !!!
بينما هي تمر من جانب الشرفة لمحت شيء بالحديقة ، فعادت مرة أخرى ونظرت من النافذة وإذا بها تجد ابـ.ـنتها مع حاتم ويلعبون معًا ، أصدرت تنهيدة حارة بـ.ـارتياح ثم ابتعدت عن الشرفة واتجهت لتغادر المنزل بأكمله وتقترب منهم وهي على وجهها ابتسامة معاتبة فنظر لها حاتم وقال بإحراج :
_ عارف إننا اتخانقنا إمبـ.ـارح .. أو هي متعتبرش خناقة بس حبيت أجي واعتذر منك لو ضايقتك
ضحكت باستهزاء ثم اقتربت ونكزته في كتفه وهي تقول بمداعبة :
_ مفيش زعل بينا ياحاتم ، مقدرش ازعل منك أصلًا ..ثم انك فسرت نظرتي غلط أنا ببصلك كدا لأنك جيت ومصحتنيش واخدت " هنا " وبتلعبوا انت وهيا هنا وأنا لما صحيت وملقتهاش جمبي اتخضيت
غمز لها بعيناه في مغازلة صريحة وهمس :
_ سلامتك من الخضة ياجميل أنت !
كبحت ابتسامتها الخجلة من الظهور وضـ.ـر.بته على ذراعه بخفة تهتف في جدية شبه مصطنعة :
_ احترم نفسك
خرج صوت هنا وهي تقول بتذمر :
_ ماما أنا جعانة
انحنت عليها جلنار وطبعت قبلة على شعرها وهي تهتف بحنو امتزج بالمزح :
_ حاضر ياحبيبتي هروح احضر breakfast بس عمو حاتم مش هيفطر معانا
احتجت الصغيرة وتشبثت بقدm حاتم وهي تقول بغضب :
_ لا هيفطر معانا
قهقه حاتم وقال ضاحكًا :
_ ظهر الحق .. عشان بتأجي عليا ياظالمة ده أنا حتى غلبان .. اخص على الندالة اخص ، هي مفيش غير البـ.ـنت هنا دي حبيبتي
ثم رفعها من على الأرض وحملها ليلثم وجنتها بحب فتتعالى ضحكات جلنار وتتركهم وتتجه للداخل حتى تقوم بتحضير الفطار بينما حاتم نظر لهنا وقال يترقب :
_ يعني إنتي عايزاني أقعد
هزت رأسها بإيجاب في ابتسامة جميلة فيقول هو بحـ.ـز.ن مزيف :
_ انا بقول امشي افضل بكرامتي لاحسن مامتك تطردني
ظهر الغـ.ـيظ على ملامح هنا الطفولية لتقول بلهجة مثيرة للضحك :
_ مش تمشي ياعاتم
حاتم :
_ عتمتيني ليه يا ام لسان مقطوع .. عارفة يابت ما اسمعك بتقوليلي عاتم تاني لامسكك السلك عريان
أخفت هنا ضحكتها الخجلة بكفها وهي تضحك على سخطه ونطقها الخطأ لاسمه .
***
كان كل من آدm وأسمهان يجلسون على مائدة الطعام والصمت يغلف المكان من حولهم إلا عند نزول فريدة من غرفتها وهي ترتدي ملابسها تستعد للخروج ، فنظرت لها أسمهان باستغراب فتقول فريدة بابتسامة صفراء بعض الشيء :
_ أنا خارجة هشتري كام حاجة وراجعة بسرعة ياماما
أسمهان بتعجب :
_ مش هتفطري طيب ياحبيبتي !
_ لا لا مش جعانة لما ارجع هبقى أكل
ثم اندفعت مسرعة إلى خارج المنزل مما جعل أسمهان تحدق بها بريبة ، أما آدm فهتف ببرود وهو يلقي بقطعة خيار في فمه :
_ مش ملاحظة إن خروج فريدة زاد أوي الفترة دي ، وكل مرة بتخرج لنفس السبب .. هو عدنان عارف بخروجها المستمر ده !!
رمقته أسمهان بتهكم ولم تجيب عليه بينما هو فاستكمل أسألته وهو يطرح هذه المرة السؤال بخصوص زوجة أخيه الثانية :
_ لسا مفيش أخبـ.ـار عن جلنار وهنا
أسمهان بصيحة عنيفة :
_ متجبليش سيرتها يا آدm .. أنا مش ناقصة حرقة دm على الصبح
ابتسم بسخرية وهب واقفًا دون أن يكمل طعامه ثم قال بنظرة ممـ.ـيـ.ـتة :
_ هتفضلي كدا دايمًا يا أسمهان هانم مش بتقتنعي غير باللي على مزاجك .. ولعلمك بقى فريدة فيها حاجة مش مظبوطة وصدقيني لو طلع اللي في دmاغي صح مش هسكت
***
انتهت كل حلوله للوصول إليها ولم يعد يعرف كيف يصل إليها بعد محاولات لا تعد من كثرتها وجميعها باتت بالفشل .
وقرر بالأخير أن يلجأ للورقة الأخيرة وهي صديقتها المقربة لعلها تكون تعرف مكانها وتخبره ، ترجل من سيارته أمام مقهى صغير ومعروف ملكًا لها ثم قاد خطواته إلى الداخل ووقف بين الطاولات ينقل نظره بين الجميع يبحث عنها .. حتى وجدها تقف مع أحد العاملين بالمكان ، فتحرك نحوها حتى وقف خلفها وهتف بصوت رجولي قوى :
_ ازيك يا هبة
التفتت بكامل جسدها للخلف مفزوعة على أثر الصوت وبمجرد ما وقعت عيناها عليه تمتمت بدهشة :
_ عدنان !
_ أنا كنت جاي اسألك لو ت عـ.ـر.في حاجة عن جلنار ، هي ملهاش اصدقاء غيرك تقريبًا
ارتبكت بشـ.ـدة وهمت بالابتعاد عنه وهي تقول بعجلة :
_ معرفش حاجة عنها
أمسك برسغها قبل أن تذهب وقال بحدة :
_ هبة إنتي قريبة من جلنار جدًا وأكيد هتكون قالتلك حاجة قبل ما تختفي أو يمكن لسا بتتواصل معاكي كمان
حاولت إفلات يدها من قبضته وهي تقول باضطراب :
_ قولتلك معرفش عنها حاجة ياعدنان ، وسبب إيدي لو سمحت
التفت عدنان برأسه ينظر للزبائن التي بدأت تلاحظ الوضع المشحون بالتـ.ـو.تر بينهم فجذبها من ذراعها عنوة إلى خارج المقهي وهتف بشبه صيحة وهو يضغط على ذراعها بقوة:
_ قولي اللي ت عـ.ـر.فيه ياهبة
تأوهت بألم وقالت بسخط ونبرة مرتفعة :
_ سيب إيدي أنت اتجننت !!
ترك يدها ورفع كفيه لأعلى كدليل على أنه لن يلمسها مجددًا ثم قال بنظرات مشتعلة :
_ اديني سبتها أهو .. يلا اتكلمي
أجابته بنظرات مستاءة وهي تدلك ذراعها موضع قبضته المؤلمة عليه :
_ معرفش غير إنها برا مصر وهي مقالتش ليا حاجة غير ده وآخر مرة أشوفها أو اكلمها كان قبل ما تسافر ومن وقتها معرفش عنها حاجة ..خلاص عرفت وياريت بقى متجايش تاني الكافيه عندي
ثم تركته ودخلت إلى المقهى مرة أخرى ، بينما هو فأخذ يطرح الأسئلة على ذهنه بحيرة ودهشة .. كيف خارج مصر ، وهي ليس لها أثر في سجلات المطار نهائي ؟ .
***
وقفت أمام المعرض مترددة .. اتستمع لنصيحة خالتها أم تستدير وتعود مرة أخرى من حيث أتت ، رؤيتها له تثير الكثير من العبث في نفسها المتيمة به .
منذ سنين وهي تعاني من عـ.ـذ.اب الهوى ، ولا تتمكن من الاعتراف أو حتى الأقتراب منه .. كلما تأخذ خطوة وتبرر أنها ستتقرب منه أكثر لعله يشعر بمشاعرها تجاهه خجلها يرجع بها للخلف ألف خطوة ، لكنها هذه المرة عزمت على أن تتخلي عن هذه الخجل أو ربما القليل منه ! .
رأته وهو يخرج من المعرض فارتبكت واستدارت فورًا متخلية عن قرارها ولكن صوته الهادئ وهو ينده عليها جمدها بأرضها :
_ زينة !
لعنت نفسها ألف مرة وهمست بنـ.ـد.م :
_ يارتني ما سمعت كلامك ياخالتو
أخذت نفسًا عميقًا ثم استدارت له مرة أخرى. بجسدها وانتظرته حتى اقترب ووقف أمامها لتهتف متلعثمة كالعادة :
_ أااصل ..أصل أنا كـ.. كنت معدية بالصدفة من قدام المعرض وقولت ادخل اسلم عليك بس خـ.ـو.فت تكون مش فاضي ولا حاجة فكنت هرجع تاني
أجابها آدm ضاحكًا :
_ لا فاضي .. تعالي ادخلي هفرجك على التجهيزات اللي خلصت ونقعد نشرب فنجانين قهوة مع بعض
زينة بابتسامة متـ.ـو.ترة :
_ مبحبش القهوة !
آدm :
_ خلاص هنشرب شاي يازينة .. ادخلي يابـ.ـنتي مالك متصنمة كدا ليه !
سارت معه للداخل باستحياء ثم بدأ هو يعرض عليها ويريها كل مكان بالمعرض وكل لوحة سيتم عرضها وهي تتابع فقط بصمت وتكتفي بكلمة واحدة على كل شيء تراه من فرط خجلها ( جميلة ! ) .
لم يكن آدm بأحمق حتى لا يفهم مشاعرها تجاهه ولكنه كان يتصرف بطبيعية تمامًا وكأنه لا يدري بأي شيء .
***
في أمريكا ....
غربت الشمس وحل الظلام وكانت جلنار تجلس مع ابـ.ـنتها على الأريكة أمام التلفاز يشاهدون أحد أفلام الأطفال المحببة لهنا .. لكنها لم تكن في حالتها المعتادة عنـ.ـد.ما تشاهد هذا الفيلم ، حيث كانت تجلس بجوار والدتها وتضع كفها أسفل وجنتها وعيناها معلقة على التلفاز دون أن تظهر أي تعبير وجه أو تفاعل ، فقط العبوس يستحوذ عليها .
كانت جلنار تلقى نظرة عليها كل آن وآن ، قلبها يتمزق ألمًا كلما تراها حزينة هكذا من فراق أبيها وشوقها له ، وبنفس اللحظة تخشي أن تتصل به فيعرف مكانهم .. الهروب ليس من شيمها أجل لكن حين يتعلق الأمر بصغيرتها هي على استعداد أن تفعل أي شيء من أجلها .
حين يتصرف الولدين بأنانية وعدm حكمة ورزانة يكون الضحية الوحيدة بينهم هو الطفل .
وهذا ما حدث بالضبط .. كل منهم فكر في طريقة تروق له حتى يكون مع صغيرته ولم يفكروا بماذا تريد هي ، وكانت النتائج هكذا ، تجلس الطفلة حزينة تعاني من اشتياقها لأبيها ولا تقوى على فعل شيء سوى الاستماع لحجج والدتها الواهية في غياب أبيها عنهم وابتعادهم عن منزلهم لكل هذه الفترة الطويلة ! .
تنهدت جلنار بعدm حيلة واقتربت من ابـ.ـنتها تقول بخفوت :
_ هنا .. هنكلم بابا بس بشرط
تهللت أساريرها فورًا وقالت بفرحة غامرة :
_ إيه هو ؟
_ مش هنقوله احنا قاعدين فين .. لأن كدا المفاجأة اللي احنا عاملينها ليه هتبوظ
هنا باستغراب :
_ مفاجأة إيه ؟
أجابت جلنار بابتسامة عـ.ـذ.بة :
_ مش بابا عيد ميلاده قرب احنا هنعمله مفاجأة حلوة وهنرجع البيت في يوم عيد ميلاده عشان يتفاجيء بينا ، لكن لو قولناله مكانا هياجي هو والمفاجأة هتبوظ
وثبت الصغيرة فرحًا على الأريكة بمجرد سماعها لجملة والدتها حول عودتهم القريبة إلى منزلهم الأصلي وقالت بإيجاب في ابتسامة ماكرة وهي تغمز لها :
_ مش هنقوله
أمسكت جلنار بهاتفها وطالعت صغيرتها بابتسامة متـ.ـو.ترة ، بدأت دقات قلبها تتسارع وصوت بعقلها يلح عليها بطريقة مرهقة للأعصاب ( تراجعي لا تفعليها !! .. ستنـ.ـد.مين صدقيني ) ، كانت على وشك التراجع بالفعل لكنها لم تفعلها على آخر لحظة فقط من أجل صغيرتها التي تتحرق شوقًا لمحادثة والدها بعد غياب شهرين ، وربما حتى هي التفكير بأنها ستحادثه بعد كل هذا الغياب أربكها .
كان عدنان بمكتبه الخاص في المنزل يمسك بصورة لابـ.ـنته يحدق بها في أسى وشوق ، ثم رفعها لشفتيه وقبلها بحنو وقد لمعت عيناه بالدmـ.ـو.ع .. كانت دmعة تقف على أعتاب جفنيه وما منعها من النزول سماعه لصوت رنة مميزة خرجت من هاتفها ، كانت رنة أحد تطبيقات السوشيال ميديا ، ضيق عيناه بريبة وأمسك بالهاتف يحدق في اسم المتصل بدهشة حيث كان الملف الشخصي الخاص بزوجته ، رفرف قلبه بتلهف امتزج بالغضب المدmر وأجاب فورًا بصوت جهوري :
_ جلنار أااا ...
توقف عن الكلام ودخلت السكينة لصدره وكأن الحياة أعطته فرصة جديدة ليحيا وهو يستمع لصوت فتاته وهي تهتف بفرحة :
_ وحـ.ـشـ.ـتني أوي يابابا
لاحت الابتسامة الأبوية والحانية على شفتيه ليحيبها بصوت ضعيف بعد أن تلألأت العبرات في عينه :
_ وإنتي كمان ياهنايا حشـ.ـتـ.ـيني و أوووووي .. عاملة إيه ياقلب بابا .. إنتي كويسة ؟
أخذت جلنار الهاتف من على أذنها وضغطت على زر فتح محادثة الفديو ثم أعطتها الهاتف مرة أخرى وهمست في أذنها بصوت منخفض :
_ قوليله افتح الفديو يابابا
قالت هنا بحماس طفولي وصله في صوتها تردد ما قالته لها والدتها :
_ افتح الفديو يابابا
انزل الهاتف من على أذنه فور سماعه لجملتها وضغط هو الآخر على زر محادثة الفديو فانفتح الفديو .. رأى صغيرته وهي تحدق بشاشة الهاتف التي تراه فيها وهي تضحك بسعادة فاتسعت ابتسامته أكثر ، وكانت جلنار تجلس بجانب صغيرتها تتابع انفعالات وجهه ، لوهلة شعرت بالنـ.ـد.م الحقيقي والإشفاق على وضعه ، ترك لحيته حتى نمـ.ـو.ت وكبرت وظهرت الهالات السوداء أسفل عيناه التي توضح عدm نومه المنتظم من فرط التفكير والحـ.ـز.ن .
لكنه لا يزال تمامًا كما اعتادت أن تصفه كالعُقاب قوى في نظراته وصلب وشامخ حتى في أشـ.ـد لحظات ضعفه ، ولطالما كانت ترى عيناه الواسعة تشبه عيني العُقاب في حدة نظرها وفي لونها البنى الغامق وحاجبيه المقطبين مما يعطيه مظهرًا رجوليًا مثيرًا .
هتف عدنان بتلهف :
_ إنتوا فين ياحبيبتي ؟
_ مش هينفع عشان المفاجأة
_ مفاجأة إيه ؟!
نظرت هنا لأمها التي هزت سبابتها ورأسها بالنفي تحذرها من أن تخبره بشيء ، لاحظ عدنان وجود جلنار بجانب ابـ.ـنته فقال بصوت غليظ ومستاء :
_ اديني ماما يا هنا
حولت شاشة ناحية أمها فانتفضت جلنار فورًا من مكانها تبتعد عن الكاميرا ثم جذبت الهاتف من يد ابـ.ـنتها واخفت الكاميرا بكفها فسمعت صوته الخشن وهو يحاول تمالك أعصابه حتى لا تسمعه ابـ.ـنته ويقول بلهجة صارمة :
_ ابعدي ايدك من على الكاميرا ياجلنار
هبت جلنار واقفة واتجهت إلى الغرفة وأشارت لأبـ.ـنتها أن تنتظرها بمكانها وستعود لها ، أغلقت الباب وازاحت يدها من على الكاميرا ولكنها أبعدت الهاتف من أمام وجهها وقالت بصوتها الرقيق المعتاد :
_ انا اتصلت بس عشان هنا .. كانت زعلانة وعايزة تشوفك وتكلمك لأنك وحشتها
_ اخدتي بـ.ـنتي ورحتي بيها فين ؟
كان سؤال صريح ومحتدm منه لتجيبه هي بهدوء مستفز :
_ والمفروض إني اقولك عشان تاجي وتاخدها مني زي ما اتفقت مع بابا
سمعت صيحته العالية التي خرجت من سماعة الهاتف :
_ مش إنتي رغبتك كانت الطـ.ـلا.ق وصمتتي عليه .. كنتي متوقعة إني هسيبلك بـ.ـنتي
انفعلت هي الأخرى لتصرخ به في عصبية :
_ دي مش بـ.ـنتك وحدك .. دي بـ.ـنتي أنا كمان ، وأنا أمها ومن حقي تعيش بـ.ـنتي معايا خصوصًا وهي في السن ده
استشاط غـ.ـيظًا وصرخ بها مغتاظًا :
_ جيبي الزفت التلفون ده على وشك مش بكلم نفسي أنا
عدلت الهاتف ووجهت الكاميرا على وجهها لتصيح به في وجه أحمر من فرط الغـ.ـيظ :
_ متزعقليش فاهم ولا لا
تمعن للحظات في صورة وجهها الظاهرة أمامه في الهاتف وشعرها الناعم الذي ينسدل على كتفيها بانسيابية ووجهها الأبيض البريء والجميل ، وبعد أن امتصت رؤيته لها غضبه عاد يظهر على ملامحه من جديد وهو يهتف بنظرة نارية بعد أن وقعت عيناه على شفتيها المزينة بأحمر شفاه من اللون البنفسجي :
_ حاطة الروج ده ليه !
قالت بقرف وهي تقصد إشعال نيرانه أكثر :
_ عشان بخونك
خرجت صيحة عنيفة منه كانت كافية لتوضح أنها نجحت بكلمتين فقط أن تثير جنونه :
_ جـــلـــنـــار
صاحت هي الأخرى باندفاع :
_ في إيه !! .. مش لما تسأل أنت الأول أسئلة منطقية هبقى ارد عليك كويس
مسح على وجهه وهو يتأفف بقوة وبنفاذ صبر ليسأل للمرة الثالثة على التوالي :
_ آخر مرة هسألك .. إنتي فين ؟
جلنار بعناد وبنظرة متشفية :
_ مش هقولك ياعدنان وخليك كدا عشان تجرب الاحساس اللي كنت هتخليني احسه لما تاخد بـ.ـنتي مني ، ولما تعرف أن الله حق وإنك أناني ومش بتفكر غير في نفسك سعتها هبقى اقولك احنا فين
ولما تنتظر أن تستمع لرده الذي كان سيستمر في صياحه عليها حيث ضغطت على زر إنهاء المحادثة والقت بالهاتف على الفراش ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بابتسامة متشفية ومتغطرسة :
_ احسن أنت تستاهل أصلًا تقعد محروم من بـ.ـنتك كدا لفترة عشان تبطل نرجسيتك دي ، خليك على نار لغاية ما تتربي شوية .. مبقاش أنا جلنار الرازي أما ربيتك ياعدنان
بينما هو فألقي بالهاتف بعنف على سطح المكتب وهتف بوعيد حقيقي وهو يجز على أسنانه بغـ.ـيظ :
_ ماشي ياجلنار وحياة أمي لأوريكي النجوم في عز الضهر بس الاقيكي
***
في مساء ذلك اليوم....
تتابع الطريق بصمت من نافذة السيارة .. وكل آن وآن تلقى نظرة خاطفة على الجالس بجوارها في مقعد القيادة ، لا تصدق أنها قضت اليوم كاملًا معه تساعده في كل شيء ويتبادلون أطراف الحديث بتلقائية لم تكن تصدق أنها ستتحلى بها أمامه .. رغم أنها كانت ساعات مرهقة للأعصاب إلا أنها سعدت جدًا بها وبقربها الجديد منه .. وكعادته كان لطيفًا ومرحًا يشعر بـ.ـارتباكها منه فيحاول امتصاصه بشكل غير مباشر ، حتى تمكن بالأخير من فك قيود حيائها ! .
سمعت صوته الرخيم ليجذبها من شرودها :
_ زينة تلفونك بيرن !!
انتبهت لاهتزاز هاتفها في يدها وصوته الصاخب فأجابت فورًا على والدتها :
_ أيوة ياماما
_ إنتي فين يازينة .. ليه اتأخرتي كدا ؟!
نظرت لآدm بابتسامة صافية ثم أجابت على أمها بصوت خافت :
_ كنت مع آدm يا ماما في المعرض ، وجاية في الطريق أهو معاه
_ طيب ياحبيبتي وسلميلي عليه أوي الندل ده
وصل صوتها في الهاتف إلى أذنه فقهقه عاليًا وقال بصوت عالي حتى يصل لها :
_ ربنا يخليكي ياخالتو ياحبيبتي .. جهزي عشا حلو بقى من إيدك الحلوة عشان الندل هيتعشى معاكم النهردا
انزلت زينة الهاتف وفتحت مكبر الصوت ليسمع صوت خالته وهي تقول بفرحة :
_ ده بجد ياولا .. تتحسد يا آدm ، من عنيا هجهزلك احلى عشا وخلي أسمهان تولع فيا وفيك بقى
_ لا متقلقيش عدنان وفريدة هيتعشوا معاها النهردا مش هتتعشى وحدها
_ طيب الحمدلله .. يلا توصلوا بالسلامة
أعادت زينة الهاتف إلى أذنها وودعت والدتها ثم اغلقته ، وبذهنها صراعات عنيفة ، ستقضي المزيد من الوقت معه وهذا يعني المزيد من الاضطراب .. جذبها بصوته للمرة الثانية ولكن بنبرة متعجبة :
_ إنتي لحقتي تسرحي تاني يابـ.ـنتي !
ابتسمت وهتفت بتلعثم :
_ مـ.. معلش أصل بفكر في كام حاجة فعشان كدا سرحت .. صحيح قولي مفيش أخبـ.ـار عن جلنار وهنا يا آدm ؟
تنفس الصعداء وهتف بعبوس :
_ للأسف مفيش .. محدش عارف يوصلهم وعدنان من كتر الهم والزعل بقى شخص تاني تمامًا
زمت شفتيها وقالت بإشفاق :
_ طبيعي هو متعلق بهنا أوي ، وجلنار غلطانة جدًا في اللي عملته
آدm بخـ.ـنـ.ـق :
_ أنا رغم ضيقي منها وغضبي على اللي عملته ، إلا إني برضوا مديها العذر وشايف إن عدنان يستاهل يجرب بعده عن بـ.ـنته بيتعب إزاي بعد ما كان عايز ياخد بـ.ـنتها منها
أصدرت زينة زفيرًا حارًا وقالت بنبرة رقيقة وكلها ثقة :
_ هترجع أنا واثقة هي شكلها بس محتاجة تاخد شوية وقت عشان تعرف هتتصرف إزاي بعدين مع أخوك
خرجت تنهيدة قوية من آدm وهو يجيب بتمنى :
_ يارب يازينة .. البـ.ـنت المفعوصة الصغيرة وحـ.ـشـ.ـتني أوي والله
طالعته بابتسامة واسعة في حب غير منتهبة لنظرتها وسرعان ما اشاحت بوجهها للجهة الأخرى بتـ.ـو.تر بعدmا وجدته لاحظ نظرتها .
***
قبل أربع سنوات ....
_ في عريس متقدmلك
لاحت بشائر الابتسامة العريضة على شفتيها لترد على أبيها بحياء بسيط :
_ عريس مين ده يابابا ؟
خرج صوت نشأت خشن وصلب :
_ عدنان الشافعي
سكنت للحظات تستعيد ذلك الاسم في ذاكرتها .. أين سمعته ومتى رأته ؟! ، فقذفت صورته في ذهنها فورًا ولترتفع الصدmة على محياها وهي تقول :
_ مش ده اللي كنت شريك معاه في صفقة من فترة .. واعتقد أنه متجوز صح ؟!
هز رأسه بإيجاب وقال بحزم :
_ آه بس مـ.ـر.اته مش بتخلف
تمتمت جلنار بنظرات كلها ريبة وحيرة ، من طريقة أبيها وهدوئه الغريب :
_ وإنت بتعرض عليا حاجة زي إزاي يا بابا أنا لا يمكن اوافق واتجوز واحد متجوز
يبدو أنها فهمت صيغة الحديث بشكل خاطيء ، فهو لم يكن يعطيها حرية الموافقة أو الرفض بل كان يخبرها بما سيحدث خلال الأيام القادmة .. فرصة كهذه مع إمبراطورية الشافعي لن يضيعها مهما حدث ، ولا يهتم بنقطة زواجه .. كل ما يهمه أن ذلك الزواج سيعود عليه بالنفع ولن يسمح لابـ.ـنته بأن تخربه .
نشأت بصوت جاف لا يحمل الرفق :
_ أنا مش بخيرك يا جلنار .. أنا رديت عليه وخلاص كتب الكتاب هيكون بعد يومين
_ what !! .. يعني إيه رديت عليه يابابا إزاي توافق هو انا مليش رأى .. أنا لا يمكن اتجوز البني آدm ده
قبض على ذراعها وصاح بها في صوت جهوري نفضها في أرضها وهو يقول بلهجة لا تقبل النقاش :
_ هتتجوزيه ياجلنار غـ.ـصـ.ـب عنك .. أنا معنديش استعداد اضيع فرصة زي دي من إيدي عشان دلع البنات بتاعك ده ، الجوازة دي هتخلي اسم نشأت الرازي في مكان تاني خالص ، وإنتي عايزة تضيعي الفرصة اللي جات لابوكي بسهولة عشان متجوز وكلام فارغ
انهمرت دmـ.ـو.ععها غزيرة على وجنتيها من قسوة أبيها .. لطالما كانت تعاني من إهماله لها ومعاملته الجافة في كل شيء وبالأخص بعد وفاة والدتها ، حيث أصبحت بمفردها في مواجهة قسوة أب لا يعرف الشفقة ولا كيف تكون مشاعر الأبوة حتى ، لكن أبدًا لم تكن تتوقع أن يصل به الحد ليجبرها على الزواج من رجل لا تعرفه ولم تراه قط .. فقط كانت تستمع للأحاديث التي تروى عنه ، وفوق كل هذا متزوج ! .
ترك ذراعها وهتف يلقي بجملته الأخيرة غير مباليًا بانهيارها ودmـ.ـو.عها ، ليعطيها أوامره التي لا تقبل النقاش وهو يصدر مرسوم قــ,تــلها :
_ جهزي نفسك وخدي صحبتك وانزلي اشتري فستان لكتب الكتاب يليق ببـ.ـنت الرازي .
***
عودة للوقت الحاضر ...
فتحت أسمهان باب المكتب ودخلت ، لتلقي نظرة على ابنها الجالس على الأريكة وبيده سيجارة يضعها في فمه ثم يخرجها ويزفر معها الدخان بشراسة ، كلما تخطر بذهنه احتمالية أن تكون جملتها ( عشان بخونك ) حقيقة تشتعل النيران بداخله ويشعر وأنه على وشك أن يطيح بكل شيء يراه أمامه ، تلك الحمقاء تختبر صبره وهي تعلم أن خروجه عن أطار الهدوء والثبات المزيف الذي يدعيه يعني وقوع كوارث .
جلست أسمهان بجواره وملست على كتفه هامسة بتـ.ـو.تر :
_ مالك ياعدنان ؟
أتاها صوته المتحشرج وهو يجيب :
_ بـ.ـنت الرازي اتصلت أخيرًا
اتسعت عيني أسمهان بصدmة وسألت بحماس :
_ وقالتلك مكانها ؟!
اخرج السيجارة من فمه وقال بنبرة ملتهبة :
_ مقالتش بس هلاقيها هتروح مني فين ، وسعتها هعرفها بطريقتي ازاي تاخد بـ.ـنتي وتهرب بيها تاني
_ طيب وهنا اطمنت عليها هي كويسة
هز رأسه بالإيجاب فتنهدت الصعداء بـ.ـارتياح ، ولاحت ابتسامة شيطانية على شفتيها لتهمس في براءة مزيفة :
_ طيب إنت متعرفش صديق ليها ، ساعدها في الهرب تقدر من خلاله توصلها
رقمها بنظرة ممـ.ـيـ.ـتة ليهتف بعصبية بعدmا اخترقت اذناه كلمة " صديق " :
_ أنا على أخرى وأنتي بتقوليلي صديق وزفت يا أمي ، إنتي عايزة تجننيني !!
تصنعت الحـ.ـز.ن وقالت باعتذار وملامح وجه عابسة :
_ أنا مقصدش حاجة ياحبيبي .. أنا بس بفكر وبقول بما أن ابوها ميعرفش حاجة عنها ولا صحابها ولا أي حد ، فازاي هتقدر تهرب لوحدها من غير ما حد يكون معاها عشان يساعدها
نجحت بكلمـ.ـا.تها أن تثير الشك في نفسه أكثر حيث نظر لها بتفكير وبعينان مشتعلة بنيران الغيرة والشك ، اقسم في نفسه أنه لو كان هذا الاحتمال صحيح وأنها بصحبة رجل آخر الآن ، سيذيقها الوان العـ.ـذ.اب المختلفة .
استقام واقفًا واتجه نحو النافذة يقف أمامها ومازالت بيده السيجارة ووجه تحول للأحمر القاتم من شـ.ـدة السخط .. لمح زوجته ( فريدة ) تقف في الحديقة بالخارج وتتحدث في الهاتف وتضحك بملأ شـ.ـدقيها ، نظر في ساعة يده ووجدها الثانية عشر بعد منتصف الليل ! ... مع من تتحدث في ذلك الوقت المتأخر !!
أطفأ السيجارة والقاها في منفضة السجائر ثم اتجه إلى خارج المكتب تمامًا وسط نظرات أمه المستغربة التي نهضت فورًا واتجهت إلى النافذة لتنظر إلى ما كان ينظر إليه للتو و.جـ.ـعله يندفع للخارج بسرعة هكذا !
انتفضت واقفة بفزع على أثر صوته من خلفها .. انزلت الهاتف فورًا من على أذنها والتفتت له بجسدها تهمس بنظرات مرتبكة جاهدت في إظهارها طبيعية :
_ نعم ياحبيبي
عدنان بصوت رجولي حازم :
_ بتكلمي مين ؟
نظرت إلى الهاتف وفورًا قذفت كذبة في عقلها فعادت بالهاتف بأذنها مرة أخرى وهي تقول بابتسامة صفراء :
_ طيب سلام دلوقتي يا لميا هبقى اكلمك بعدين ياحبيبتي
وسرعان ما أنهت الاتصال بعد جملتها لتتطلع في وجهه الذي يعطي علامـ.ـا.ت استفهام فقالت وهي تقترب منه وتلف ذراعيها حول عنقه هاتفة بغنج :
_ دي لميا كان عندها شوية مشاكل واتصلت بيا تحكيلي وتفضفص معايا شوية ، هو بقى ممنوع اكلم صحابي ولا إيه ياعدنان بيه !!
نظر لذراعيها الملتفين حول رقبته وقال لها بابتسامة ماكرة :
_ هي مشاكلها بتضحك أوي كدا !
انطلقت منها ضحكة أنثوية متأججة لتجيبه بمشاكسة :
_ لا انا اللي كنت بفرفشها شوية عشان أخرجها من المود
انكمشت معالم وجهه بعد ضحكتها العالية ودار بنظره في الأرجاء من حولهم ثم قال بحزم :
_ مـ.ـيـ.ـت مرة أقولك متضحكيش بالشكل ده واحنا مش في اوضتنا !
كتمت فمها بكفها وظهرت علامـ.ـا.ت الدهشة على وجهها ثم همسات بدلال وهي تقترب لتطبع قبلة رقيقة على وجنته :
_ أسفة ياحبيبي مخدتش بالي
لمعت عيناه بوميض خبيث .. ومال برأسه عليها يهتف في نظرات راغبة :
_ بتاكلي بعقلي حلاوة بالبوسة الناشفة دي يعني
رجعت برأسها للخلف وهي تبتسم بجراءة لكنها لمحت أسمهان التي تقف في مكتبه أمام النافذة وتتابعهم ، فعادت بنظرها له وهمست بضحكة خفيفة :
_ أسمهان هانم بتراقبنا في صمت شكلها
التفت برأسه للخلف ناحية مكتبه ليرسل لأمه ابتسامة صفراء لترد عليه بضحكة بسيطة ، ثم يعود بنظره لزوجته من جديد ويقول وهو يلف ذراعه حول كتفيها :
_ امممم انا بقول نطلع أوضتنا ونكمل كلامنا على رواق فوق براحتنا أفضل
ثم انحنى وخـ.ـطـ.ـف قبلة سريعة من جانب ثغرها فضحكت هي وسارت معه للداخل ثم لأعلى نحو غرفتهم بالطابق العلوي من المنزل .
***
مائدة صغيرة متوسطة في منتصف الحديقة ، وتقف هي أمامها تنظمها بشكل راقي وجميل وابـ.ـنتها تدخل للداخل ركضًا ثم تخرج وهي تحمل الصحون واللمسات الصغيرة التي ستزين بها والدتها المائدة .
فقد أعدوا مفاجأة صغيرة ولطيفة لحاتم بمناسبة يوم ميلاده ، وكانت " هنا " أكثر من مرحبة بالفكرة وتحمست لها كثيرًا وظلت تجهز كل شيء مع والدتها من بداية اليوم حتى أنها قامت بشراء هدية لطيفة مثلها بمساعدة جلنار بالطبع .
لم تنسى جلنار معروفه حين طلبت مساعدته ولم يتأخر عنها ، ساعدها في السفر والقدوم لأمريكا ومن ثم اسكنها بمنزله القديم وعرض عليها العمل معه بشركته الصغيرة ، كان خير صديق في لحظات احتياجها للمساعدة ، وخلال الشهرين الماضيين تعمقت صداقتهم أكثر وأصبحت تراه ربما أكثر من مجرد صديق بل أخًا لها أيضًا ، ولا يزال حتى الآن يثبت لها أنها لم تخطئ حين لجأت له للمساعدة .
ركضت " هنا " نحو والدتها وهي تهتف بحماس طفولي جميل :
_ ماما عمو عاتم جه
انحنت جلنار عليها وهتفت بحماس مماثل لها :
_ طيب انا هدخل جوا وزي ما اتفقنا هاا
هزت رأسها بالإيجاب وغمزت لأمها بخبث فضحكت جلنار وطبعت قبلة سريعة على شعرها ثم ذهبت لداخل المنزل مسرعة قبل أن يدخل ويراها .
لحظات قصيرة وظهر حاتم من بوابة المنزل وهو يسير للداخل فركضت " هنا " نحو وهي تصيح بسعادة :
_ عااااتم
توقف على أثر صوتها الصغير والتفت بجسده ناحيتها وفورًا انفجر بالضحك وهو يراها تركض نحوه وتهتف باسمه بطريقتها العجيبة ، انحنى وحملها على ذراعيه بمجرد وصولها إليه ولثم وجنتها هاتفًا بمداعبة :
_ يعني بتنهديني حاف من غير اي حاجة وكمان بتقولي اسمي غلط .. ارحميني يا هنا
أظهرت عن سخطها اللطيف وهي تقول بقرف :
_ إنت اسمك وحش .. أنا اسمي جميييل
قهقه عاليًا وهتف بتقبل اهانتها الصريحة لاسمه :
_ أنا اسمي وحش !! .. طيب ياستي شكرًا على ذوقك
لفت نظره الطاولة الصغيرة والمزينة وفوقها صحون مسطحة مزخرفة على الحافة بأشكال جميلة ومنظمة بطريقة فخمة ، وكاد أن يتكلم يكمل حديثه المرح مع الصغيرة ويسألها عن سبب تزين الحديقة والطاولة ، لكن خروج جلنار من المنزل وهي تحمل فوق يديها كعكة عيد الميلاد ذهب بكل كلمة كان سيتفوه بها ، جمالها سرق عقله بنظرة واحدة .. ترتدي فستان ضيق من اللون الأسود يصل إلى أسفل ركبتيها وبأكمام طويلة ، وحذاء من اللون الأبيض بكعب عالي يعطيها لمسة أنوثية صارخة ، وشعرها الأسود الناعم ينسدل على كتفيها بحرية دون أي مجهود منها لتجمله بالتسريحات العصرية ، وتضع القليل من مساحيق الجمال التي لا تحتاجها أساسًا ! .. كانت تمامًا ككتلة من الإثارة تسير على الأرض باتجاهه .
ازدرد ريقه بتـ.ـو.تر يحاول التحكم في ذاته ، ثم انزل " هنا " من على ذراعيه لتبدأ في الهتاف كما تقول والدتها لكن بطريقتها الطفولية والخاطئة كالعادة لنطق الكلمـ.ـا.ت بالأخص أنها إنجليزية ! :
_ Happy birthday to you
وقفت أمامه وقالت برقة جذابة :
_ كل سنة وإنت طيب ياحاتم
أجابها بنظرات تحمل معانى جمة :
_ وإنتي طيبة .. إيه المفاجأة الحلوة دي بس
_ دي أقل حاجة .. كفاية وقفتك جمبي أنا وبـ.ـنتي
أمسكت " هنا " ببنطاله وهي تشـ.ـده برفق حتى ينتبه لها وتقول بتشويق :
_ عاتم .. عاتم تعالى شوف الهدية
تغاضي عن اسمه ونظر لها مبتسمًا ثم نقل نظره لجلنار بنظرات مستفهمه ، كان كالذي يقف مسلوب الوعي ، بجد صعوبة في إدراك كل كلمة توجه إليه .. والفضل يرجع لتلك الأنثى الفاتنة التي تقف أمامه ! .
هتفت جلنار بصوتها الانوثي :
_ جايبالك هدية ياسيدي ، وفرحانة بيها أوي من الصبح وقاعدة على نار مستنياك عشان تدهالك
قهقه ببساطة ثم حملها على ذراعيه مرة ويقول بعذوبة وحنو بعد أن طبع قبلات صغيرة على وجنتيها :
_ ده هتبقى أحلى هدية جاتلي في حياتي
ركضت " هنا " إلى داخل المنزل ثم بعد دقائق عادت ركضًا وهي تحمل في يد هديتها وبالأخرى هدية والدتها ، مدتهم لحاتم وهي تقول بإشراقة وجه رائعة :
_ دي تاعتي ( بتاعتي ) .. ودي تاعت ماما
التقطهم من بين يديها ثم بدأ بفتح خاصتها أولًا ، وكانت ربطة عنق من اللون الفصي المنقط بالاسود .. انبهر بها وأعجبته بشـ.ـدة ...
اتجه للعلبة الثانية الخاصة بجلنار وقام بفتحها ، فوجد بداخلها إحدى الكتب الخاصة بالادب الانجليزي وللكاتب المفضل له ، لاحت ابتسامة خفيفة على شفتيه وهو يمسك بالكتاب بين يديه ويحدق في اسمه ، حتى سمعها تقول باستحياء يليق بها :
_ مكنتش عارفة اجبلك ايه الصراحة وكنت محتارة جدًا ، فلما افتكرت إنك من محبي القراءة وخصوصًا في الأدب الإنجليزي جبت ده .. يارب يعجبك
رقمها بأعين لامعة بوميض غريب لم تراه في عيناه من قبل ، ثم مد كفه ليضعه فوق كفها متمتمًا بعاطفة :
_ كفاية إن إنتي اللي جيباه ياجلنار .. اكيد عجبني هو والمفاجأة اللي مكنتش متوقعها دي الصراحة
ارتبكت من لمسته ليدها فبادلته ابتسامة مضطربة وسحبت يدها ببطء من أسفل يده ، ثم بدأوا جلستهم المرحة كالعادة وهم يتبادلون الأحاديث بينهم والصغيرة لا تتوقف بالطبع عن الكلام واللهو والمزاح معهم .
لم ينتبهوا للأعين التي تراقبهم من بعيد وتلتقط الصور لهم في كل وضعية تلقائية ليست مناسبة تحدث بينهم .
***
داخل غرفة عدنان وفريدة ....
ساكنة تمامًا بين ذراعيه ، وهو يعبث بأنامله في خصلات شعرها برقة وعيناه معلقة على السقف يفكر بأكثر من شيء أولهم ابـ.ـنته ، ولم يكن وضعها هي أفضل منه حيث تعصف بذهنها ذكرى اليوم التي أخبرته بأنها لن تتمكن من إنجاب الأطفال له ، ورغم اختلاف أشكال العلاج التي تلقتها حتى تتمكن من الإنجاب لكن كانت النتائج سلبية بكل مرة .. بالتأكيد أنها ودت لو أنجبت طفل حتى يحمل اسم إمبراطورية الشافعي الكبيرة ، وتصبح هي الآمرة والناهية في كل شيء حتى من تتمكن كـ.ـسر أنف تلك المتعجرفة " أسمهان " ، فلو أنجبت ولي العهد المنتظر لكانت الآن ستكون السلطانة الكبيرة لقصر الشافعي .. ولكن ظهرت تلك المعضلة دون أي حسبان ، وسرقت منها عرشها .. لتتربع هي فوقه بمجرد انجابها لطفلة تافهة ، وهي الآن تفكر بالحال الذي سيؤول إليه وضعها إذا أنجبت له ولي العهد ! .. لكنها لن تسمح بهذا حتى لو اضطرت للتخلص نهائيًا منها .
... قبل خمس سنوات ...
شعرت بلمسته الدافئة على شعرها ثم جلس بجوارها وهي توليه ظهرها ويهمس في حب :
_ مالك ياحبيبتي ؟
بكت ولم يكن بكاءًا مزيفًا ، بل ربما لأول مرة تبكي من أعماقها .. لكن السؤال هنا ما السبب الخفي وراء بكائها ؟! .
ضيق عيناه بدهشة عند سماعه بكائها وأدارها ناحيته فورًا ، ثم قال باهتمام :
_ بتعيطي ليه يافريدة !
تنفست الصعداء وتمالكت نفسها من البكاء قليلًا لتهتف بنفس عاجزة :
_ اتجوز ياعدنان اسمع كلام مامتك واتجوز
استغرق لحظات طويلة يستوعب ما سمعه للتو منها ، ليبتسم باستنكار ثم يهتف بنبرة قوية :
_ اتجوز !!!!
_ أيوة وأنا بنفسي بقولك اتجوز .. ده حقك طالما أنا مش هقدر اجبلك الطفل اللي نفسك فيه و....
لم يدعها تستكمل ثرثرتها ، فكلما تطرح عليه أمه تلك الفكرة يستشيط غضبًا .. والآن تلك الحمقاء تطلبها بذاتها ، رغم معرفتها أن الأمر بات طبيعيًا بالنسبة له ولم يعد يهتم به كثيرًا .
صاح بها بعصبية :
_ أنا عندي استعداد إننا نصبر لعشر سنين قدام كمان لغاية ما ربنا يكرمنا بالطفل اللي بـ.ـنتمناه ، لكن إنتي معنكديش أمل يافريدة وبتدوري على الحل الأسهل ، واللي أنا لا يمكن اوافق بيه
أطرقت رأسها أرضًا وأغمضت عيناها بقوة تستجمع شجاعتها وقوتها الهشة لتستكمل ذلك الحديث ، فلولا " أسمهان " التي أجبرتها وهددتها لما كانت الآن تجلس أمامه وتحاول أقناعه بالزواج من أخرى ! .
تمتمت بصوت مبحوح وهي تمسك بيديه :
_ احنا لينا سنين بنحاول ومفيش فايدة ، ومتحاولش تقولي إن موضوع الأطفال مش فارق معاك ، أنا عارفة وحاسة إزاي أنت نفسك في طفل يشيل اسمك .. وأنا مش هقبل إنك تتحرم من الاحساس ده بسببي ، أرجوك وافق ياحبيبي
اشتدت حدة ملامحه الرجولية ، وقرر عدm المجادلة معها بأمر مفروغ منه بالنسبة له .. حيث هب واقفًا وانحنى على شعرها يطبع قبلة كانت قوية بقدر رقتها وحملها لمشاعر العشق الذي يكنه لها في قلبه .. وخرج صوته حازم لا يقبل النقاش أكثر من ذلك :
_ نامي ياحبيبتي وارتاحي .. والموضوع ده متفتحهوش معايا تاني وطلعيه من دmاغك
ثم انتصب في وقفته واستدار وغادر الغرفة ليتركها تتخبط قهرًا وغـ.ـيظًا ، تتوعد لتلك الشيطانة " أسمهان " المتسببة بكل شيء وبالوضع الذي هي فيه الآن !! .
...عودة للوقت الحاضر ...
استفاقت من ذكرياتها وقد احتدm وجهها بنيران الحقد والغل .. الآن هي لم تعد تلك الفتاة الصغيرة الحمقاء وقليلة الخبرة ، بل أصبحت أكثر شراسة وشرًا .. لم تعد تهتم بأي شخص سوى هدفها ، وستبدأ أول شيء بالزهرة الضعيفة " جلنار " ومن ثم ستتفرغ للأفعى الكبرى " أسمهان " .
***
في صباح اليوم التالي بإحدى المناطق العشوائية بالقاهرة ....
يسير طفل في العاشرة من عمره يحمل أكياس بها أصناف مختلفة من الخضار ومستلزمـ.ـا.ت المنزل ، وكل خطوتين ينزل الاكياس على الأرض حتى يريح عضلات ذراعيه من ثقلها ، وإذا به فجأة يشعر بكف ينزل على عنقه من الخلف فينتفض واقفًا ثم يلتفت لها ويقول بغضب :
_ متضـ.ـر.بيش مش كفاية شايلك الأكياس بتاعتك
جذبته من ملابسه وانحنت عليه تهتف بنظرة خبيثة وابتسامة عريضة :
_ هتشيل وأنت ساكت ولا افضحك واروح اقول لعمي مدحت أن أنت اللي سرقت كيس السكر
زفر بغضب وقال مغلوبًا على أمره وهو ينحنى ليحمل الأكياس مرة أخرى :
_ هشيل بس متضـ.ـر.بيش
ضحكت وقالت بمرح :
_ أنا برضوا بقول هو مفيش غير الواد ميدو في الحارة دي كلها حبيبي ، يعني قولي كدا أنا من غيرك كنت هلاقي مين يشلي الطلبات
صاح بعصبية وهو يشير بعيناه على قرنائه اللذين يلهون ويلعبون من حولهم :
_ ماهو العيال كتير ولا هو مفيش غيري
ضـ.ـر.بت على رأسه بخفة وهي تهتف مستكملة مزاحها :
_ يالا ياعبـ.ـيـ.ـط .. دول أطفال أبرياء لكن أنت مش طفل ، ومتكترش في الكلام معايا احسن الف وارجع لعمي مدحت
_ خــلاص ياعم
وصلت أمام باب بنايتها الصغيرة المكونة من طابقين .. تسكن هي وجدتها العاجزة بالطابق الثاني وجارتها الست " سميحة " بالطابق الأول .
سمعت صوت جارتها الفضولية التي تطل من نافذة منزلها :
_ يامهرة
التفتت لها بجسدها كاملًا ثم أشارت للفتى الصغير أن يترك الأكياس ويذهب ، اقتربت من نافذتها ووقفت أمامها تقول بلهجة كوميدية :
_ نعم ياخالة سميحة
نظرت سميحة لشعر مهرة الناعم والذي يعطي لونًا بنيًا بعض الشيء وترفعه بذيل حصان ، ثم قالت :
_ بتحطي إيه لشعرك .. ده أنا شعري جربت فيه كل حاجة ومفيش فايدة
انحنت برأسها عليها وهمست في جدية ظنتها حقيقية :
_ اقولك على الحل
هتفت بنظرات متشوقة ومتحمسة :
_ قولي
_احلقيه وسبيه ينبت من أول جديد
ألقت بجملتها ثم هرولت مبتعدة عنها لتحمل أكياسها وتتجه بهم نحو شقتها فتسمع صوت جارتها وهي تهتف بغـ.ـيظ ممكسة بخصلات شعرها المعقدة تفك العقد :
_ احلقه قال ، ده أنا شعري حرير !
***
كان عدنان جالسًا على مقعده أمام المكتب في شركته وينهي بعض الأعمال المهمة ويرتدي نظارته الطبية الخاصة بالقراءة ، ولم يرفع نظره عن الأوراق إلا عنـ.ـد.ما وجد الباب ينفتح ليظهر من خلفه شاب في اوآخر عقده الثالث ، طويل البنيه ولديه جسد رياضي مثير ، مع عينان عسلية وبشرة قمحية .
عاد بنظره مرة أخرى إلى اوارقه وقال بجدية بعدmا رأى ابتسامته الواسعة :
_ المرة دي اعتبر نفسك مرفود لو قولتلي مخلصتش الملف لسا يابشمهندس
ارتفعت صوت ضحكته العالية وتحرك باتجاه المقعد المقابل لمكتبه ليجلس عليه ويلقى بالملف أمامه على سطح المكتب وهو يقول بغرور :
_ عيب عليك يا بوص هو أنا برضوا بتاع الحركات دي
ضحك عدنان بخفة ثم التقط الملف وقال بنظرة ماكرة من أسفل نظارته :
_ متنفخش نفسك أوي كدا لما اشوف الأول هببت إيه بس
قطع حديثهم دخول آدm المكتب ولكن بمجرد رؤيته لصديق أخيه المقرب في العمل وهو يجالسه ، تقوست معالم وجهه ورسم الابتسامة المتكلفة على وجهه بصعوبة وهو يهتف بحزم :
_ عايز اتكلم معاك شوية ياعدنان .. على انفراد !
كان عدنان على وشك أن يجيب على أخيه برد يستحقه بعد طريقته الفظة في الحديث لكن نادر هز رأسه لعدنان بهدوء يرسل لها إشارة لا بأس ، ثم استقام واقفًا وقال :
_ نبقى نكمل كلامنا بعدين
ثم تحرك باتجاه الباب ومر من جانب آدm ثم رتب على كتفه وقال بابتسامة كانت تماثل الابتسامة التي أرسلها له منذ قليل :
_ مبروك على المعرض يا فنان
لم يجيب آدm بل اكتفى بنظرته السمجة له وانتظره حتى انصرف لينظر لأخيه الذي هتف به بغضب :
_ إيه الطريقة اللي بتتكلم بيها دي يا أستاذ
سار باتجاه الأريكة المتوسطة في منتصف المكتب ليجلس عليها ويقول بقرف :
_ ده بني آدm مستفز مش عارف أنا أنت مستحمله إزاي
_ اخلص يا آدm عايز إيه ؟
كان ردًا عنيفًا من أخيه يوضح له استيائه من مجرى الحديث وإشارة له بأن لا يتخطى حدوده أكثر من ذلك ، فقال ببرود ونبرة تحمل المشاكسة :
_ بني آدm واخلص يا آدm .. لا تصدق حلوة وماشية على نفس الوزن !
_أه أنت جاي تستظرف بقى !!
أصدر ضحكة عالية ليقول بمرح :
_ ده جزاتي إني بحاول افرفشك يعني
ابتسم عدنان ونزع نظارته عنه ثم هتف بلؤم يرمي بتلميحاته الوقحة :
_ لا أنت كدا بتحاول تعمل حاجة تاني
استغرق الأمر ثلاث ثواني بظبط حتى فهم مقصده فانفجر ضاحكًا وهتف :
_ ولد عيب في أخ يقول لأخوه الصغير حجات مش لطيفة زي كدا .. عايز تبوظ أخلاقي
ضحك عدنان وقال بمشاكسة :
_ أنا برضوا اللي هبوظها ولا هي جاهزة .. يإما تقعد محترم ومتستفزنيش بأفشاتك واستظرافك ده يإما تمشي
_ ماشي هقعد محترم يا عم المحترم هااا !
انهي جملته بغمزة خبيثة منه فيجد صوت أخيه الصارم وهو يهتف محاولًا إخفاء ابتسامته :
_ اظبط يا آدm بدل ما اظبطك
تعالت صوت ضحكته الرجولية ثم استكملوا حديثهم في أمور مختلفة ، وتجنب آدm تمامًا الحديث عن جلنار وهنا حتى لا يعيد العبوس على وجه أخيه مرة أخرى .. حيث أنه جاء إليه لكي يخرجه من حالته الغريبة هذه ! .
***
خرج نشأت من الحمام بعد أن أخذ حمامًا صباحي دافيء واتجه نحو المنضدة الصغيرة ليتلقط الهاتف الذي لا يتوقف عن الرنين منذ دقائق ويجيب على المتصل بانفعال :
_ في إيه يا متـ.ـخـ.ـلف أنت .. رن رن رن طالما مردتش يبقى مش فاضي
أجابه الآخر باعتذار وخـ.ـو.ف :
_ حقك عليا ياباشا مقصدش .. أنا اتصلت بس عشان اقولك على الأخبـ.ـار اللي تخص بـ.ـنت حضرتك
جذب كامل انتباه عنـ.ـد.ما هتف باسم ابـ.ـنته وأجاب عليه بغلظة صوته الرجولي متلهفًا :
_ ومستني ايه اخلص اتكلم !
هتف الطرف الآخر يطلعه بكافة المعلومـ.ـا.ت التي توصل إليها :
_ شكك طلع في محله ياباشا هي فعلًا قاعدة مع اللي اسمه حاتم الرفاعي ده في أمريكا
لاحت الابتسامة السعيدة على شفتيه وقال بلهجة آمرة :
_ خلال أربعة وعشرين ساعة عايز اعرف كل حاجة عن حاتم بيته فين ومكان شغله كل التفاصيل ، والأهم تعرفلي عنوانها
_حاضر يا باشا بكرا هتكون كل المعلومـ.ـا.ت عندك
انهي معه الاتصال والقاه على الفراش والإبتسامة لا تزال تزين ثغره ، هاهو أخيرًا سيجد ابـ.ـنته بعد رحلة بحث مرهقة لمدة شهرين عنها .. لا يعرف كيف لم يفكر بذلك الشاب من البداية واحتمالية وجودها معه التي ثبتت بالفعل .. كانت والدته صديقة زوجته من سنوات طويلة منذ أن كانت ابـ.ـنته تبلغ من العمر الخامسة عشر ، وتعرفا على بعضهم واصبحوا اصدقاء مقربين منذ ذلك الوقت ، ولكنه الآن حين كان عليه أن يفكر به هو أول شخص ويضع احتمالية اختباء ابـ.ـنته معه لم يخطر على ذهنه إلا مؤخرًا ! .
***
بمنزل جلنار في أمريكا ....
تمسك بهاتفها تتصفح مواقع التواصل وهي جالسة على الأريكة في الصالون ، وبيدها كوب اللبن الصباحي الخاص بها .. ترتشف منه القليل ثم تضعه على المنضدة الصغيرة التي أمامها وتكمل تصفحها ومن ثم تعود وتلته لترتشف منه مرة أخرى وهكذا على هذا الوضع الوضع .. حتى ظهرت أمامها فجاة على الهاتف صورة لفريدة وكانت بين أحضان عدنان على متن مركبة صغيرة ( يخت ) ، ومن حولهم المياه .. توقفت أصابعها عن التقليب وبقت تحملق بالصورة بوجه خالي من التعابير ، فقط قسمـ.ـا.ت وجهها تشجنت وعيناها ثابتة على الصورة تتفحص كل تفصيلة بها .. ابتسامتهم العريضة والطريقة التي يضمها بها واحتوائه لها بحب يظهر في عيناه .. نزلت بعيناها على تاريخ نشر الصورة فوجدتها في صباح اليوم ! ، ارتفعت ابتسامة ساخرة على ثغرها وهي تهتف باستنكار :
_ واضح أوي غضبه وزعله على بعد " هنا * عنه واختفائنا
كانت على وشك أن تعود وتستكمل تفحصها للصورة لكنها نزلت بأصبعها لأسفل على شاشة هاتفها اللمس حتى تمر هذه الصورة وهي تهتف بغضب :
_ بلا قرف أنا مالي .. كدا كدا هطلق غـ.ـصـ.ـب عنه
خرجت " هنا " من غرفتها وهي تركض باتجاه أمها وتمسك بالمجـ.ـسم الصغير الذي صنعته بمكعابتها الخاصة وترفعه أمام أعين والدتها تقول بفرحة طفل أنجز عملًا مبهرًا بالنبسة له :
_ بصي مامي الهرم اللي عملته
اطالت النظر في المجـ.ـسم الذي ترفعه ابـ.ـنتها أمامها بشرود للدرجة التي جعلتها لم تراه حتى فقط تحدق به بعدm وعي ، لكن شعرت بكف صغيرتها وهي تهزها في قدmها وتهتف :
_ مامي
عادت لواقعها ونظرت مرة أخرى للمجـ.ـسم وهذه المرة أدركت الشكل البسيط التي صنعته صغيرتها ، فارتفعت الابتسامة لشفتيها وقالت بانبهار حتى تعلي من معنويات طفلتها :
_ الله جميل أووي ياحبيبتي .. عملتيه إزاي ؟
جلست " هنا " على الأرض وبدأت بفك المجـ.ـسم وهي تهتف بحماسة لتعلم أمها الطريقة التي فعلته بها :
_ هوريكي
تابعتها وهي تعيد بنائه من أول وجديد وتبتسم بحنو أمومي ، ومن دون أن تشعر وجدت عيناها تذرف الدmـ.ـو.ع ، لا تعرف لما بكت ولكن هناك غصة مريرة بحلقها وقلبها يـ.ـؤ.لمها بشـ.ـدة .. لم تكن يومًا تتوقع أن جلنار الرازي سيحدث فيها هكذا ، تلجأ لبلاد غريبة هي وابـ.ـنتها هربًا من ظلم أبيها وزوجها لها .. لم يعد لديها أحد ، هي فقط بمفردها بصحبة حاتم .
رفعت الصغيرة رأسها لأمها بعد أن انتهت حتى ترى ردة فعلها فوجدت وجهها مملتيء بالدmـ.ـو.ع ، اختفت ابتسامتها ودفن حماسها في لحظة ، لتهب واثبة من الأرض وتجلس بجوار أمها تقول بعينان حزينة :
_ انتي بتعيطي ليه يامامي ، الهرم اللي عملته وحش !!
جففت دmـ.ـو.عها فورًا ونظرت لها تقول بحب وهي تحتضن وجهها الصغير بين كفيها وتلثم وجنتيها :
_ لا بالعكس ده رائع ياقلب مامي .. أنا تعبانة شوية ياحبيبتي بس
ارتمت الصغيرة عليها تتعلق برقبتها وتقول بعبوس وضيق :
_ طب مش تعيطي ، نروح الدكتور عشان تبقي كويسة
ضحكت ببساطة وزدات من ضم صغيرتها إليها لتقول بمداعبة :
_ حاضر مش هعيط تاني .. أنا كويسة .. إيه رأيك نعمل آيس كريم
ابتعدت " هنا " عن أحضان أمها وهي تطالعها بملامح وجهها الحزينة ، وعنـ.ـد.ما رأت جلنار الدmـ.ـو.ع متجمعة في عيني ابـ.ـنتها استقامت واقفة وحملتها على ذراعيها وهي تلثم كل جزء في وجهها وتقول بمشاعر جيَّاشة محاولة التحكم في زمام دmـ.ـو.عها :
_ حبيبة قلبي أنا مقدرش اشوف دmـ.ـو.عك .. أنا كويسة والله وهنروح نعمل آيس كريم جميل دلوقتي أنا وإنتي .. هاا إيه رأيك ؟
اماءت لها " هنا " بالموافقة وقد بدأت الابتسامة ترتفع لشفتيها تدريجيًا ثم اقتربت من وجنة أمها وطبعت قبلة رقيقة مثلها وهي تخرج همسة لطيفة تسرق القلب :
_ بحبك أوي يا مامي
_ وأنا كمان بحبك أوي ياروحي
ثم اتجهت بها نحو المطبخ وبدأت جلنار في تحضير الآيس كريم بمساعدة " هنا " بالتأكيد التي عادت إشراقة وجهها بسرعة إليها وضحكتها الساحرة .
***
كانت هي تقف بالمطبخ تقوم بتحضير الغذاء وترتدي بنطال منزلي أسود اللون وأعلاه تيشرت رجـ.ـالي لا يناسب فتاة مطلقًا وترفع شعرها الحريري بمعلقة خشبية ! .
.. وتتمايل على الحان اغنية شعبية وتردد معها .
تمتلك عينان خضراء وبشرة بيضاء ناعمة مع شفاه صغيرة وأنف رفيعة ، وجسد أنوثي مثير برغم الملابس التي لا تناسب الفتيات أبدًا التي ترتديها دومًا .
صك سمعها صيحة عالية باسمها انبعثت من الغرفة الخاصة بجدتها فتركت ما بيدها فورًا وركضت باتجاهها لتقول بسخط مزيف :
_ في إيه يا ولية سرعتيني .. هو أنا في الشارع التاني
لم تبالي فوزية بردها وقالت بحدة وهي تشير لها أن تقترب منها :
_ خدي هنا يا بـ.ـنت الهبلة
ضـ.ـر.بت مهرة على صدرها وأجابت بامتنان على إهانة جدتها لها :
_ طالعة زي العسل من بوقك والله يا زوزا
_ يابت قربي متتعبنيش عايزة اتكلم معاكي في موضوع
اقتربت وجلست بجوارها وهي تقول بتصنع الرقة والأدب :
_ قولي يانينا .. أنا كلي آذان صاغية
طالعتها فوزية بنظرة مستنكرة وتمتمت بسخرية :
_ نينا !! .. طيب ركزي ياختي معايا ، ابن ممدوح الأعور طلب إيدك وأنا وافقت وجايين بكرا بليل عشان يتقدmوا
انحنت على جدتها وقالت بهمس ساخر :
_ انهي واحد في ولاده .. العبـ.ـيـ.ـط ولا الاهطل !
صاحت بها فوزية مغتاظة :
_ طاب عليا النعمة الشريفة مافي حد اهطل غيرك .. ده ابنه اللي اسمه صابر ، الله اكبر عليه طول بعرض وحلاوة وكمان حالتهم مرتاحة ماشاء الله يعني هيريحك
مهرة بنبرة مختنقة تحمل المزاح :
_ لا أنا عايزة واحد اسمه مراد عشان اقوله مراد بيك لا تتركني هيك .. زي المسلسل التركي اللي بسمعه
استشاطت فوزية غـ.ـيظًا ومالت على الأرض وجذبت الشبشب وقبل أن تلقيه عليها كانت الأخرى قد وثبت واقفة وركضت نحو الباب وتفادت ضـ.ـر.بة الشبشب وهي تتلاعب بحواجبها وتقول متعمدة إثارة جدتها أكثر :
_ كبرتي وخيبتي يا زوزا .. لو مش عارفة تنشلي عليا قولي وانا اعلمك
صرخت بها بعصبية :
_ خلاصة الكلام .. عارفة يامهرة ما تعملي حركة من حركاتك اللي علطول بتعمليها كل ما ياجي عريس وتطفشيه لاطفشك أنا من البيت
وقفت وعقدت ذراعيها في خصرها وتقول باحتجاج ولهجة كوميدية :
_ طيب انتي ترضهالي .. اتجوز واحد اسمه صابر الأعور وبعدين اخلف عيل ويعايروه العيال يقولوله يا أعور يا ابن الأعور ، وشوية كمان ويبقى اسمي مهرة العورة
مالت للمرة الثانية على الأرض تلتقط الفردة الثانية وتقذفها بها وهي تصرخ بانفعال :
_ امشي يابت غوري من وشي .. هتجلطيني ، وجهزي نفسك لبكرا .. قال مهرة العورة ، ده انتي المفروض يسموكي مهرة الهطلة .
ضحكت بقوة وهزت كتفيها بعدm اكتراث لتشبيه جدتها لها ثم انصرفت وتركتها تضـ.ـر.ب كف على كف من جنان حفيدتها ! .
***
_ أيوة واخرتها هتفضلي لغاية امتى كدا مش عارفة تتكلمي يازينة ؟!
كانت جملة صريحة ومستاءة من صديقتها وهم يجلسون معًا في غرفتها بعد جاءت لزيارتها وقضاء بعض الوقت معها .
تنهدت زينة بيأس وقالت :
_ خايفة يا سمر يكون أصلًا أنا مش في باله وهو ده اللي أنا متوقعاه ، وفي نفس الوقت خجلي منه بيصعب عليا الوضع
انتصب صديقتها في جلستها وقالت بجدية تسألها بوضوح :
_ دلوقتي مش إنتي بتحبيه ؟!
هزت زينة رأسها بإيجاب في استحياء بسيط لتستكمل صديقتها حديثها من عند أجابتها وتقول بصرامة :
_ يبقى مفيش حاجة اسمها بتكسف وخايفة ومعرفش إيه .. بتحبيه يبقى قربي منه واكسبي قلبه مـ.ـا.تفضليش قاعدة مكانك زي الهبلة كدا ومستنياه يحبك ، شوفي هو اهتمامـ.ـا.ته إيه مثلا وشاركيه فيها ، أو هو بيحب إيه واعملهوله .. ا عـ.ـر.في هو بينجذب للبنات اللي من نوع إيه واتصرفي بالشكل ده
هتفت زينة برفض وتذمر :
_ لا أنا مش هغير نفسي .. أنا عايزاه يحبني زي ما أنا
_ طيب يابـ.ـنتي ما تتحركي واتصرفي على الاقل قربي منه هو مش ابن خالتك برضوا يعني الموضوع هيكون سهل .. بعدين لما تاجي واحدة تخـ.ـطـ.ـفه منك متزعليش بقى
هتفت زينة بتهكم وبؤس :
_ الله في إيه ياسمر .. يعني أنا بشكيلك وبفضفضلك وإنتي تقوليلي واحدة تخـ.ـطـ.ـفه منك !!
كادت أن تجيب عليها لكن زينة ضـ.ـر.بتها على فخذها بخفة بعدmا سمعت صوت الباب ينفتح وهمست بتـ.ـو.تر :
_ بس خلاص ماما جات
دخلت والدتها وهي تحمل على صينية كلاسيكية راقية فوقها كأسين من عصير المانجا وتهتف بوجه بشوش :
_ منورانا ياسمر والله ياحبيبتي
أجابت سمر بضحكة وسعادة صافية :
_ ده نورك ياطنط ميرفت والله .. ربنا يعلم حشـ.ـتـ.ـيني و قد إيه ، يمكن كمان اكتر من البـ.ـنت زينة النكدية دي
قهقهت ميرفت بصوت عالي بينما زينة زمت شفتيها وقالت بغـ.ـيظ تجيب على صديقتها :
_ أنا نكدية .. ماشي ياسمر
تعالت ضحكاتهم معادا زينة التي كانت تحدجهم باغتياظ ولكن سرعان ما انـ.ـد.مجت في الحديث معهم وشاركتهم الضحك وحوارهم الذي بدأ يأخذ منحنى مرح ولطيف .
***
هب عدنان واقفًا من مقعده بعد ساعات طويلة من العمل أرهقت جسده وعقله ، جذب سترته وارتداها ثم مفاتيح سيارته وكذلك هاتفه ولكن قبل أن يضعه بجيبه ارتفع صوت رسالة وصلت إليه للتو .. كان سيتجاهلها لكن ارتفع الصوت أكثر من مرة مما يشير إلى أن الراسل ارسل أكثر من رسالة في وقت واحد .
فتح هاتفه ودخل على الرسائل وكانت رسالة من رقم مجهول لا يعرفه ، فتح الرسالة وكانت عبـ.ـارة عن صورتين انتظر لثواني قليلة حتى تظهر الصور ، وإذا بالصدmة تتملكه تمامًا وهو يرى أن الصور لجلنار وهي تجلس بجانب رجل وتضحك بملأ شـ.ـدقيها وأمامهم كعكة عيد ميلاد والصورة الأخرى كان يمسك بيديها وينظر لها ويبتسم بنظرة تشبه نظرة رجل عاشق .
↚يحدق في الصور ويده تقبض على الهاتف بعنف حتى كاد أن يهمشه إلى أجزاء بين قبضته ، لا يفكر بأي شيء سوى بما تراه عيناه أمامه الآن ! .. كيف أنها تبتسم لذلك الجالس بجوارها .. وكيف سمحت له أن يلمسها ! ، كلما تعصف بذهنه احتمالية خيانتها له وأن قد يكون هناك رجل آخر .. يصاب بالجنون وتتملكه حالة من الغضب المدmر ، والآن تلك الفكرة تستمر في التردد بذهنه دون توقف حتى أوشكت على سلبه لما تبقى من عقله .
مسح على وجهه وهو يزأر من بين شفتيه كالوحش الجائع لالتهام فريسة ، ويجز على أسنانه بقوة .. نظر لهاتفه وفتح إحدى تطبيقات السوشيال ميديا التي قامت مؤخرًا بمحادثته عليه ، وضغط على زر الاتصال بها ، يضع الهاتف على أذنه وينتظر ردها ومعالم وجهه مرعـ.ـبة ، وعيناه حمراء تمامًا كنيران ملتهبة .
لم تجيبه بعد رنات طويلة فعاد مرة أخرى يتصل ومن بين شفتيه يطـ.ـلق الفاظ نابية يتوعد لها بمجرد أن تفتح الاتصال .
على الجانب الآخر كانت جلنار تمسك بهاتفها ورنينه يرتفع أكثر فأكثر بين يديها ، وسؤال واحد تطرحه في ذهنها بتردد ( هل أجيب عليه أم لا ! ) .. وبعد لحظات طويلة من الوقت قررت أن تجيب وترى ماذا يريد .. فتحت الاتصال ووضعت الهاتف على أذنها وبمجرد ما أن فتحت افحمها بصيحة جهورية منه :
_ وياترى الهانم مبتردش عليا ليه بقى !!
ضيقت عيناها بدهشة وهتفت بخفوت مضطرب :
_ في إيه ياعدنان ؟!
عاد يصـ.ـر.خ ولكن هذه المرة بنبرة ارعـ.ـبتها حقًا :
_ مين اللي متصورة معاه ده في عيد الميلاد يا مدام
سكتت لبرهة من الوقت لا تفهم ما يقصده ، أي عيد ميلاد يقصد !! .. ومن هو الذي التقطت معه الصور !! .. ( حاتم !!! ) همستها لنفسها بصدmة ، ثم هتفت بهدوء بسيط تجيب عليه :
_ قصدك على مين بظبط ؟
ضحك من بين حالته المخيفة وهتف بعصبية :
_ على مين !! .. ليه هو في كام واحد يا بـ.ـنت الرازي ، اقسم برب العزة لو طلعتي بتخوينني لأكون .....
انفعلت هي الأخرى وصرخت به تقاطعه :
_ بخونك إيه أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن !!
_ جاوبي على **** السؤال
كانت صرخة عنيفة منه بعثت القليل من الرهبة في نفسها لتجيبه باستياء :
_ ده صديق ليا وهو اللي بيساعدني هنا ، مفيش حاجة اكتر من كدا
كور قبضة يده وقال محاولًا تمالك أعصابه :
_ اممممم صديق وبيساعدك
شعرت بغصة مريرة في حلقها من اتهامه المؤلم لها وصاحت بسخط :
_ والله العظيم ما في حاجة بينا كفاية شك ياعدنان حـ.ـر.ام عليك
_ إنتي وبـ.ـنتي فين ؟
سقطت دmعة حارة على وجنتيها ولم تجيبه خشية من أن يظهر اهتزاز صوتها ويكتشف بكائها ، فوجدت صرخة نفضتها بأرضها تخرج من الهاتف لاذنيها وهو يقول :
_ بقولك إنتي فين
تمتمت بصوت يحمل بحة البكاء :
_ مش هقولك ومش هتعرف وحتى لو عرفت مش هتقدر تاخد بـ.ـنتي مني
عدنان بوعيد حقيقي ونبرة مرعـ.ـبة :
_ تمام براحتك ، بس قريب اوي هلاقيكي وصدقيني هوريكي النجوم في عز الضهر وهخليكي تشوفي مين هو عدنان الشافعي على حق
انهمرت دmـ.ـو.عها بغزارة على وجنتيها ولكنها جاهدت في عدm اظهار هزة صوتها وهي تهتف بقوة مزيفة وباحتدام :
_ بكرهك ياعدنان .. بكرهك
وفور انتهاء جملتها أنهت الاتصال فورًا والقته على الفراش ثم جثت على الأرض بجواره ودفنت وجهها بين راحتي كفيها تبكي بحرقة وبألم ، تبكي كل شيء في حياتها .. على زواج فاشل يقف على أعتاب الانتهاء ، وعلى ابنة ستعيش مصير مجهول وحزين لا تستحقه ، وعلى أب قاسي لا يبالي بشيء سوى بمصالحه الشخصية وأمواله ، وأخيرًا على قلب مهشم يدعي القوة .
بينما هو فكان يقف كالبركان الذي تطفح حممه البركانية على سطحه وأمامه لحظات قصيرة قبل أن يعلن انفجاره ، ولم يتمكن من التحكم في انفعالاته أكثر من ذلك حيث نظر إلى محتويات سطح مكتبه وازاحها بيديه كلها دفعة واحدة لتنزل على الأرض محدثة ضجيجًا عاليًا .
***
بقصر الشافعي .....
كانت أسمهان تجلس على المقعد الهزاز في الحديقة وبيدها كوب القهوة خاصتها ترتشف منه ببطء وبجانبها مسجل كلاسيكي جميل يصدح صوته بفيروزات الصباح ، حتى ارتفع صوت رنين هاتفها بجوارها ، فمدت يدها على المسجل واغلقته ثم أمسكت بالهاتف وأجابت بحزم :
_ ايوة عملت إيه ؟
_ كله تمام ياهانم .. الصور وصلت لعدنان باشا وهو شافها
ارتفعت الابتسامة الشيطانية على شفتيها وهدرت بحدة :
_ اوعي تكون عملت حركة غـ.ـبـ.ـية كدا ولا كدا وعرفته مكانها ، عارف لو ده حصل هعمل فيك إيه
هتف بثقة تامة وغطرسة :
_ عيب يا هانم هو أنا مبتدأ .. ده أنا تربيتك ، بس بيني وبينك الست جلنار دي وتكة عنده حق الباشا يغير عليها
خرجت صيحة صارمة من أسمهان وهي تهتف بقوة :
_ اخرص ياحـ.ـيو.ان .. أنت ملكش دعوة بأي حاجة غير اللي بطلبه منك بس وتنفذه من غير كلام
لوى الرجل فمه بتهكم وقال بخـ.ـنـ.ـق :
_ حاضر ياست هانم .. وأنا تحت امرك
انزلت الهاتف من على اذنها وأنهت الاتصال وهي تهتف باشمئزاز :
_ جاتك القرف
ثم عادت الابتسامة تعلو شفتيها من جديد وتهمس بسعادة ووعيد :
_ مبقاش أنا أسمهان الشافعي أما خليت ابني يطـ.ـلقك ويرميكي برا زي الزبـ.ـا.لة
رأت آدm وهو يخرج من باب المنزل ويتجه نحو سيارته فقالت بحنو وصوت عالي نسبيًا :
_ رايح فين يا آدm
توقف للحظات وأجابها بابتسامة هادئة :
_ رايح المعرض ياماما عايزة حاجة اجبهالك معايا
_ لا ياحبيبي عايزة سلامتك .. خلي بالك من نفسك
ارسل لها قبلة في الهواء وهو يبتسم ثم أكمل طريقه نحو سيارته ليستقر بها وينطلق نحو معرضه الخاص .
***
في مساء ذلك اليوم ....
وصلت زينة أمام باب المعرض وهي تحمل بين يديها طعام ! .. تارة تنظر للمعرض وتارة للكيس الذي يحتوي بداخله على ورق عنب ! .. وتفكر بينها وبين نفسها هل أخطأت عنـ.ـد.ما جاءت له بالطعام أم أنها فكرة رائعة .. فتجيب على نفسها بصوت مسموع بعض الشيء :
_ مش سمر قالتالي شوفي هو بيحب إيه واعملهوله .. هو بيحب ورق العنب !!
وكالعادة كلما تكون تقف تتشاور مع نفسها في حوار يخصه يقطع هو حوارها مع نفسها .. سمعت صوته وهو يخرج من الباب ويقول بوجه بشوش :
_ زينة واقفة كدا ليه تعالي !
اقتربت منه ووقفت أمامه تمامًا ثم قالت بابتسامة عريضة تحاول التحلي بالثقة وعدm الخجل :
_ عامل إيه يا آدm ؟
نظر للكيس الذي بين يديها رافعًا حاجبه باستغراب ثم نظر لها وقال بلطف :
_ كويس الحمدلله .. إيه الكيس ده ؟!
ابتسمت بحياء وقالت وهي تتجه لداخل المعرض وتقول :
_ تعالى هقولك جوا
دخل خلفها وهو يبتسم بحيرة فوجدها تجلس فوق أحد المقاعد وتجذب الطاولة الصغيرة أمامها ثم تبدأ بإخراج علبة بلاستيكية صغيرة شكلها رقيق وتضعها على الطاولة وهي تقول بحماس :
_ عملت ورق عنب وقولت لازم تدوقه فجبتلك معايا منه ، عشان تدوقه وتقولي رأيك
قهقه بصوت عالي على طريقتها وقال بنظرات مشتهية :
_ طال والله انتي بـ.ـنت حلال .. ت عـ.ـر.في كان نفسي فيه
_ يلا ياعم عد الجمايل بقى
اقترب وجذب مقعد آخر ليجلس قبالتها ويفتح العلبة ثم يلتقط الشوكة الموضوعة بالداخل ويغرزها في واحدة ثم يرفعها لفمه ويأكلها ، ظهر الإعجاب على وجهه بعد أن تذوق طعمه ثم القى بالشوكة على الطاولة وقال ساخرًا :
_ لا شوكة ايه بقى ده مش عايز شوكة
خرج صوتها الرقيق وهي تقول برقة :
_ عجبك ؟
أجابها وهو يأكل بنهم واستمتاع :
_ اممم جميل أوي يازينة .. انتي اللي عملاه ؟
ابتسمت باستحياء وقالت بخفوت :
_ أيوة
_ تسلم ايدك
اتسعت ابتسامتها وبقت تتأمله وهو يأكل وعيناها تطلق شرارات العشق ، وبذهنها تعصف أفكار منحرفة .. لكم تود معانقته الآن وتقبيله لكن لو قــ,تــلوها لن تفعلها بالتأكيد ، لماذا لا يفعلها هو !! .
لاحظ هو نظراتها إليه فتوقف عن الأكل وتنحنح بإحراج بسيط لتنتصب في جلستها وتقول بتلعثم :
_ بــ .. بالهنا والشفا
هز رأسه بابتسامة بسيطة ثم قال بجدية :
_ اخبـ.ـار كليتك إيه ؟
_ أهو فاضل شهرين وامتحن واتخرج واخلص خالص
آدm بنبرة رزينة ورائعة :
_ هانت خلاص شـ.ـدي حيلك واستحملي الشهرين دول
اماءت لها بتفهم وهي تبتسم باضطراب ملحوظ ، ثم بدأت تلاحظ التجديدات التي طرأت على المعرض ولفت انتباهها إحدى لوحاته الفنية لتقول بانبهار :
_ الله جميلة أوي اللوحة دي يا آدm
التفت برأسه للخلف ينظر إلى ما تنظر إليه ثم عاد برأسه إليها مرة أخرى وقال بغمزة :
_ اعتبريها هدية مني ليكي في احتفالية المعرض
زينة بصدmة :
_ بتهزر !!
_ لا طبعًا مش بهزر .. طالما عجبتك يبقى حلال عليكي
وثبت واقفة ومن دون أن تشعر وجدت نفسها ترتمي عليه ونعانقه وهي تهتف كالمتغيبة عن الواقع :
_ ميرسي أوي يا دوما بجد
فور انتهائها من جملتها ، علت الصدmة الحقيقية لمعالمها وهي لا تزال متعلقة برقبته ( فعلتها .. عانقته ، كيف !! ، يبدو أنني فقدت عقلي ) .. ارتدت للخلف بسرعة وقالت بنظرات زائغة وصوت مرتبك ومتلعثم :
_ ااا... آسفة مـ .. مقصدش
ابتسم آدm بطبيعية وقال بعذوبة ومرح محاولًا امتصاص خجلها رغم أنه هو أيضًا اندهش من فعلتها ولم يكن يتوقعها أبدًا :
_ في إيه عادي يابـ.ـنتي .. تعالي هفرجك على بقية اللوح اللي جوا
هزت رأسها بالنفي وقالت بتـ.ـو.تر ملحوظ :
_ لا لا أنا همشي عشان متأخرش
_ متخافيش أنا هوصلك
_ خليني امشي افضل احسن أنت عارف خالتك لما بتتعصب وأنا قولتلها إني مش هتأخر
تنهد بهدوء وقال بلطف :
_ طيب براحتك يلا هوصلك
هتفت برفض سريع ولهجة خجلة وقد ارتفعت الحمرة لوجنتيها :
_ لا مش عايزة اتعبك أنا هروح وحدي
آدm بصوت رجولي خشن وحاد :
_ مش هسيبك تمشي وحدك طبعًا يازينة ، يلا بلاش كلام كتير وشكرًا على ورق العنب
لانت نبرته في جملته الأخيرة لتظهر بشائر الابتسامة على ثغره وهو يقولها فتبادله الابتسامة بأخرى مضطربة دون أن تجيب ! .
***
استقامت جلنار واقفة من على الأريكة بعدmا سمعت صوت طرق الباب ، جففت دmـ.ـو.عها التي لم تتوقف منذ مكالمتها مع عدنان .. حملت ابـ.ـنتها النائمة على قدmيها وذهبت بها إلى غرفتها لتضعها على فراشها برفق ثم دثرتها بالغطاء وعادت للخارج في اتجاه الباب .
فتحت الباب وهي تقف بثبات لتواجه أمامها حاتم الذي كان يبتسم باتساع ولكن تلاشت ابتسامته تدريجيًا عنـ.ـد.ما رأى وجهها الشاحب وعيناها المنتفخة من أثر البكاء ودخل فورًا ثم اغلق الباب وقال بزعر :
_ مالك ياجلنار ؟
تكلفت الابتسامة وقالت بصوت جاهدت في إخراجه طبيعيًا :
_ مفيش حاجة مرهقة شوية بس ياحاتم .. تعالى نتكلم جوا
ثم سبقته هي بالسير إلى الداخل وكان هو خلفها ، ثم جلس بجوارها على الأريكة وقال باهتمام ونبرة حانية :
_ احكيلي في إيه ؟!
تنفست الصعداء بخـ.ـنـ.ـق وقالت بخفوت :
_ عدنان كلمني
قطب حاتم حاجبيها باستغراب فكيف اتصل بها ورقمها تغير منذ أن جاءت هنا .. هتف بحيرة :
_ اتصل بيكي إزاي يعني ؟!!
_ على الانترنت شاف صورنا في عيد الميلاد وكلمني واتخانق معايا
رمش بعيناه عدة مرات في عدm فهم ثم اعتدل في جلسته وقال بهدوء ونبرة بدأت تتحول للغلظة :
_ واحدة واحدة ياجلنار .. صور إيه اللي شافها وإزاي شافها وعرف يكلمك على الانترنت إزاي أصلًا !!!
أحست بأن دmـ.ـو.عها على وشك الانهمار مجددًا فشـ.ـدت على محابسهم وقالت بثبات مصطنع :
_ واضح إن في حد اخدلنا صور ليا أنا وأنت وبعتها ليه وهو اتجنن طبعا لما شافها وافتكرني بخونه
ظهرت الغيرة في عينان حاتم الذي قال بغضب :
_ ما يتنيل يفتكر اللي يفتكره .. إنتي زعلانة ليه ، مش هتطلقي منه لما ترجعي إيه اللي مضايقك
جلنار باستياء :
_ لازم اضايق ياحاتم .. لما يتهمني بحاجة زي كدا يبقى لازم اضايق ، أنا من ساعة ما اتجوزته ومبصيتش لراجـ.ـل غيره وكنت محترمة جوازنا حتى لو كان فاشل وكنت مجبرة عليه
ازعجه بشـ.ـدة اعترافها حول محافظتها على قلبها من أجل زوجها وهذا يوضح شيء واحد وهو حبها له .. وأنها لم تفكر بالجالس أمامه هذا أبدًا من قبل ! .
تمتم بصوت متحشرج :
_ وكلمك إزاي برضوا ؟
_ أنا كلمته مرة فديو على نفس التطبيق فهو اتصل بيا عليه النهارده
خرجت صيحة قوية منه حاتم وهو يهتف بسخط :
_ نعم كلمتيه ليه !!!
جلنار بنظرات صارمة وصوت تبدلت نبرتها الهادئة إلى أخرى محتدmة :
_ مكلمتهوش عشان سواد عيونه ياحاتم .. " هنا " كان واحشها أوي وفضلت زعلانة ومضايقة إنها مش عارفة تكلمه ولا هو بيتصل فاضطريت اتصل بيه عشانها
حاتم بغضب تعجبت منه :
_ وهو احنا مش اتفقنا أن إنتي مش هتتواصلي معاه ولا تكلميه خالص ياجلنار إلا لما ترجعي وتتطلقي منه
جلنار :
_ مقدرتش ياحاتم اشوف بـ.ـنتي زعلانة بالشكل ده .. ثم إن كدا كدا هيعرف مكاني سواء هو أو بابا مش هفضل هربانة منهم كتير ، أنا كنت بحاول اكسب وقت بس بعيد عنهم عشان افكر هتصرف إزاي لما ارجع
هتف بنظرة ساخرة لا يصدق ما يسمعه من فمها وكأنها على وشك التراجع في قرارها الذي جاءت إلى هنا وهي مصرة عليه :
_ليه هو إنتي ناوية ترجعي في كلامك وتتراجعي عن الطـ.ـلا.ق ولا إيه !!
لا تفهم سبب حرصه الشـ.ـديد على طـ.ـلا.قها هذا ولماذا كل هذا الغضب والانفعال بمجرد أن أخبرته أنها حدثت عدنان ، لكنها لم تهتم كثيرًا حيث قالت بإصرار وعناد شـ.ـديد :
_ مستحيل اتراجع .. هيطـ.ـلقني غـ.ـصـ.ـب عنه .. أنا سكت عن حجات كتير بس مش هسكت على شكه فيا
لم يعجبه حديثها مطلقًا واحس أنه على وشك خسارتها وأن ذلك " العدنان " سيعود ويسلبها عقلها فتصبح مسيرة بأوامره وبقلبها الذي سبنبض من أجله فقط .
زفر الهواء من فمه بحنق ظاهر ومسح على وجهها متأففًا دون أن ينظر لها بينما هي فظلت تتابع انفعالاته الغرببة بتعجب !! .
***
هرولت فوزية مسرعة نحو باب الشقة بعد سماعها لرنة الجرس ، وعلى وجهها ابتسامة مشرقة وعريضة .. فقد وصل العريس ومعه عائلته .
فتحت الباب وكانت في المقدmة والدة العريس التي اقتربت وعانقت فوزية بعناق حار وهتفت فوزية بسعادة :
_ أهلًا وسهلًا .. اتفضلوا
ابتعدت عنها والدة العريس ودخل من خلفها الحاج ممدوح الأعور ( والد العريس ) وهو يتنحنح بأدب ويحمل بين يديه علبة مستطيلة من التفاح الأحمر :
_ ازي الصحة ياحجة فوزية
_ بخير الحمدلله ياحج اتفضل اتفضل .. ولا كنش له لزوم والله التعب ده ياحج
أجابها ممدوح بوجه مبتسم :
_ يزيد فضلك .. ولا تعب ولا حاجة دي حاجة صغيرة كدا
وأخيرًا كان آخرهم يدخل صابر ( العريس ) ويحمل على ذراعيه قفص كبير من المانجا .. القى التحية على فوزية التي رحبت به ترحيب حار وببشاشة .
كانت مهرة من داخل غرفتها تدور يمينًا ويسارًا منتظرة شيء معين ، حتى سمعت صوت صافرة من أسفل شرفتها .. فخرجت إلى الشرفة تطل منها تنظر للصبي الصغير ( ميدو ) وتشير له باصابعها الخمسة وتهمس بصوت غير مسموح :
_ خمس دقايق
دخلت للداخل فورًا ثم ألقت نظرة أخيرة على مظهرها في المرآة ثم غادرت الغرفة فور سماعها لصوت جدتها وهي تنده عليها .. اتجهت نحوهم وكانت نظراتهم مستنكرة ومدهوشة لما ترتديه .. حيث ترتدي بنطال بني اللون واسع وعريض يخص جدها المتـ.ـو.في وأعلاه تيشرت من اللون الأبيض ولم تبذل أي مجهود في تسريح شعرها جيدًا رغم نعومته .. جلست بجانب جدتها دون أن تصافحهم حتى وظلت تنقل نظرها بينهم بابتسامة بلهاء وهي ترى الاشمئزاز على وجههم والغضب الذي سيطر على ملامح جدتها .. لتقول بمزاح وهي تضحك :
_ لا مؤاخذة أصل البنطلون غسلته الصبح ومنشفش .. والجيش قال اتصرف
تبادلوا النظرات المنصدmة بين بعضهم البعض بينما فوزية انحنت على حفيدتها وهمست بوعيد حقيقي وهي تستشيط غـ.ـيظًا :
_ والنعمة الشريفة لاربيكي يامهرة .. إيه اللي لابساه ده
_ بنطلون الحج الله يرحمه عارفة لو لبستيه يازوزا هياكل منك حته صدقيني .. تحبي اروح اغيره وتلبسيه
تمالكت أعصابها واشاحت بنظرها عنها تنظر للضيوف وهي تبتسم بتصنع ونيران الغـ.ـيظ مشتعلة بداخلها .. هم ممدوح بأن يتحدث متجاهلًا منظر مهرة لكنها قاطعته وهي تهب واقفة وتقول :
_ يوه يقطعني .. لا مؤاخذة نسيت الشربات ، وحياة قرعتك اللي بتلمع دي ياحج ما أنت قايل حاجة غير لما تشربوا الشربات الأول
رفع ممدوح يده إلى رأسه يتحسس ملمسها الأملس والناعم لعدm وجود أي شعر بها ونقل نظره بين الجميع بوجه مكتوم من الغـ.ـيظ .. بينما والدة العريس فاقتربت على فوزية وهتفت بنظرات ساخرة بعد رحيل مهرة :
_ هي مالها بـ.ـنت بـ.ـنتك يافوزية !!
ابتسمت فوزية بتكلف وقالت بإحراج :
_ معلش صغيرة بقى وهي بتحب تهزر كدا كتير .. دmها خفيف ماشاء الله
ظلت مهرة تجوب في المطبخ إيابًا وذهابًا وهي تهتف باغتياظ :
_ ماشي ياميدو الكـ.ـلـ.ـب .. وحياة امك لاربيك
ثم صك سمعها صوت طرق الباب العنيف ولم يكن لايدي واحدة فركضت للخارج فورًا حتى تفتح الباب ودخلت مجموعة من أطفال المنطقة ثم أشارت لهم على الداخل وهي تغمز .. فركضوا فورًا متصنعين أنهم في طريقهم للغرفة الداخلية التي سيأخذوا فيها الدرس المزيف لكن توقفوا عند مرورهم من أمام الصالون الذي موجود به العريس وعائلته وصاح واحدًا منهم وهو يشير على صابر :
_ الحقوا
نظروا جميعهم إلى إشارة اصبعه واسرعوا إلى الداخل ووقفوا جميعهم وهم يرددون ويتراقصون بأجسادهم الصغيرة ويخرجون لسانهم :
_ ياصابر ياجزمة يالي ملكش لزمة
نظر صابر وتبادل النظرات النارية مع والديه فوزية ، بينما مهرة هرولت راكضة من الخارج إلى الأطفال وهي تصيح عليه بغضب مزيف حتى تدفعهم للغرفة الداخلية ، بينما صابر نظر لفوزية وقال باحتدام :
_ إيه ياحجة فوزية هو احنا جايين بيتك نتهزق ولا إيه
هبت فوزية واقفة وصاحت في الأطفال بعصبية وهي تدفعهم للخارج بينما مهرة فقالت وهي تهتف محدثة صابر بابتسامة مستفزة :
_ لا مؤاخذة ياجزمة .. اقصد ياصابر اصل انا بقيت بدي دروس والنهردا معاد الدرس
صرخت فوزية بانفعال :
_ دروس إيه دي ومن امتى ؟!
هزت مهرة أكتافها بعدm مبالاة وقالت ببرود :
_ من النهاردة
استقام ممدوح واقفًا وهو يقول بوجه محمر من الغضب :
_ لا ده كدا زادت قوي .. قوم بينا ياصابر ويلا ياحجة وهات علبة التفاح وقفص المانجا ده معاك كمان
استقاموا وحملت والدته علبة التفاح وهو القفص واتجهوا للخارج وسط محاولات فوزية للإعتذار منهم عن ما صدر عن حفيدتها بينما مهرة فهتفت وهم على الباب وتقول ببرود وهي تكتم ضحكتها :
_ طاب سيب كيلو مانجا حتى اتسلى عليه وهندفعلك حقه
ثم همست لنفسها وهي تلوي فمها بقرف :
_عيلة نتنة بصحيح
ثم رفعت نظرها لجدتها التي طردت الاطفال وصرخت فيهم بصوتها المرتفع ثم أغلقت الباب ونظرت لمهرة وعيناها حمراء كالدm من الغضب ثم التقطت حذائها من قدmها وقالت بوعيد :
_ شايفة الجزمة دي .. هنزل بيها على نفوخك وهدعكك بيها
شهقت مهرة بفزع وأسرعت ركضًا نحو غرفتها وأغلقت الباب عليها لتسمع صوت جدتها من خلف الباب وهي تصرخ :
_ أما ربيتك يابـ.ـنت رمضان الأحمدي مبقاش أنا فوزية
سمعت صوتها الساخر وهي تهتف ببرود ضاحكة :
_ طلقني .. لو مش عاجبك طلقني
_ الصبر من عندك يارب .. هتجلطيني يابـ.ـنت ****
ارتفعت ضحكات الأخرى من الداخل بينما فوزية فظلت تحاول فتح الباب ولكن باءت كل محاولاتها بالفشل فجذبت مقعد وجلست أمام الباب تقول بنبرة متوعدة :
_ طيب اديني قعدالك اهو أما اشوف هت عـ.ـر.في تطلعي ازاي من جوا .. خليكي قاعدة عندك
***
فتح عدنان الباب ودخل فوجد أمه تجلس على الأريكة أمام التلفاز وتشاهد أحد المسلسلات الكلاسيكية ، تنهد بقوة واقترب منها من الخلف وانحنى على رأسها يطبع قبلة حانية عليه ويهتف بوجه واضح عليه الهم والضيق :
_ عاملة إيه ياست الكل
التفتت له أسمهان بجسدها وطالعته بنظرة قلقة وهمست :
_ كويسة ياحبيبي .. إنت مالك شكلك مضايق من حاجة ؟!!
عدنان بخفوت فهو ليس في مزاج أبدًا للحديث :
_ مفيش حاجة متقلقيش تعبان بس من الشغل ، هطلع اريح في اوضتي شوية
هزت رأسها بأيجاب وقالت بحنو وهي تضغط على كفه بحب :
_ ماشي ياحبيبي ريح دلوقتي وبكرا نبقى نتكلم
هز رأسه بالموافقة في ابتسامة باهتة ثم استدار واتجه نحو الدرج وقبل أن يصعد أول درجاته هتفت أسمهان بنبرة ليست طبيعية :
_ صحيح فريدة مش فوق
تسمر بأرضه على أثر جملتها .. كيف ليست بالأعلى ، الساعة الآن تجاوزت الثانية عشر بعد منتصف الليل !! .. التفت بجسده ناحية أمه وهتف بنبرة غليظة :
_ إزاي يعني مش فوق .. امال فين ؟!!
أسمهان بنبرة واضح عليها الحنق :
_ هي مقالتلكش !! .. طلعت من الصبح وقالت إن في واحدة صحبتها عملت حادث وهتروح تزورها في المستشفى واحتمال تتأخر ولغاية دلوقتي مرجعتش ورنيت عليها مش بترد
عدنان بوجه بدأت تظهر عليه بشائر حالته المرعـ.ـبة :
_ مش بترد .. وقاعدة برا لغاية الوقت ده ! .. تمام لما ترجع قوليلها إني مستنيها فوق
ثم استدار وصعد الدرج متجهًا إلى غرفته وهو يخرج هاتفه ويجري اتصال بها ولكن بلا إجابة منها .. مما هيج عواصفه أكثر ، فما فعلته جلنار والغضب المكبوت بداخله منذ لحظتها يبدو أنه سيكون من نصيب فريدة وستحظى بضعف حالته العصبية بالصباح .
فتح الباب على مصراعيه ودخل ثم جلس على الفراش وقدmاه تهتز بشـ.ـدة من فرط السخط .. ينتظر عودتها حتى تنال عقـ.ـا.بها المستحق .
دقائق مرت حتى أصبحت ساعة كاملة !! ، وأخيرًا وصلت وكانت وجهتها فورًا إلى غرفتها بالاعلى بعد أن أخبرتها أسمهان بأن زوجها بانتظارها بالأعلى وكانت يبدو عليها الحنق والقرف منها وهي تحادثها مما أكد لها أن عدنان هو عبـ.ـارة عن قنبلة موقوتة بالأعلى وتنتظرها حتى تنفجر بها ! .
فتحت الباب ببطء وخـ.ـو.ف ثم دخلت وهي تنظر للجالس على الفراش وهيئته مرعـ.ـبة ، رمقها بنظرة دبت الرعـ.ـب في أوصالها فظلت واقفة مكانها لا تتحرك كالصنم تمامًا ، حتى سمعت همسة متحشرجة خرجت منه وهو يسأل بهدوء ما قبل العاصفة :
_ إنتي عارفة الساعة كام دلوقتي ! .. الساعة واحدة يا مدام يامحترمة
ابتلعت ريقها بتـ.ـو.تر وقالت بخـ.ـو.ف بسيط :
_ أنا أسفة بس صحبتي كانت تعبانة أوي ياعدنان واضطريت اقعد معاها وأنا مرجعتش وحدي .. باباها وصلني
وثبت واقفًا وغار عليها كالثور الهائج وهو يصـ.ـر.خ بصوت جلجل في أرجاء القصر كله حتى أن آدm الكامن بغرفته سمع صوت صياح أخيه :
_ أنا مليش دعوة بالزفت اللي بتقوليه ده ولا بصحبتك ولا قرف .. أنا ليا دعوة بمراتي اللي قاعدة برا البيت لغاية الساعة واحدة بليل من غير ما تقولي ومبتردش على تلفونها كمان
كانت أسمهان من الأسفل تسمع صوت صياح ابنها وتبتسم بشمـ.ـا.تة في تلك الشيطانة الصغيرة .. بينما فريدة بالاعلى فصابتها نفضة فور صرخته العنيفة بها وقالت بـ.ـارتعاد :
_ التلفون كان في الشنطة والله ياعدنان ومسمعتهوش
قبض على ذراعها بقسوة وجذبها إليها وهو يهتف بنبرة مرتفعة وانفعال :
_ أنا ليا فترة سايبلك السايب في السايب وبتطلعي وتدخلي براحتك من غير مـ.ـا.تقوليلي وأنا مطنش بمزاجي عشان مش عايزة ازعلك مني .. بس لغاية هنا وكفاية أوي ، قسمًا عظمًا يافريدة لو رجلك عتبت برا عتبة القصر من غير أذني لتشوفي اللي عمرك ماشوفتيه مني فاهمة ولا لا .. واللي حصل النهارده ده اعتبريه اول تحذير مني ليكي
ثم سكت لبرهة وهدأت نبرة صوته قليلًا ليقول بصوت أشبه بفحيح الأفعى :
_ مش معنى إني بحبك وإنك اغلي حاجة عندي يبقى تستغلي النقطة دي وتعملي اللي على هواكِ ، أنا صبري ليه حدود وإنتي عارفة ده كويس ، متضطرنيش إني اتصرف معاكي بالطريقة دي تاني ياريت
ثم ترك ذراعها بجفاء ونزع سترته وهو يستدير ويلقيها على الفراش وهو متجه نحو الحمام .. تاركًا إياها تقف بصدmة لا تصدق أن هذا هو عدنان الذي طالما كان مثال في الحنان والحب ولم يعاملها بهذه الطريقة قط منذ زواجهم ، لابد أن تلك الأفعى جلنار هي السبب ! .
***
أجاب نشأت على الهاتف بتلهف ليسمع صوت الطرف الآخر وهو يقول بحماس :
_ عايز الحلاوة الاول بقى ياباشا على الأخبـ.ـار السكرة اللي جبتهالك دي
_ اخلص ياحـ.ـيو.ان .. اتكلم وإلا اقسم بالله أااا ....
قاطعه وهو يقول بخـ.ـو.ف وضيق :
_ خلاص وعلى إيه ياباشا من غير إلا .. بـ.ـنت سيادتك موجودة في أمريكا مع الواد اللي اسمه حاتم الرفاعي .. بس مش قاعدة معاه في نفس بيته هو في بيت وهي في بيت وبتشتغل معاه في شركته
_ والعنوان ؟
_ العنوان في كاليفورنيا ( .......)
هتف نشأت بفرحة :
_ استنى اتصال منى عشان اقولك تاجي وتاخد بقية فلوسك
أجاب الآخر بنظرات جشعة وصوت مسرور :
_ تسلم ياباشا .. وأنا هستنى اتصالك
انهى معه الاتصال وألقى بالهاتف بجواره وهو يبتسم بسعادة .. وبدأ يعد الخطط الجديدة من الآن فعثوره على ابـ.ـنته خير فرصة له بكل شيء وليس عمله فقط ! .
↚كانت جلنار تجلس في حديقة المنزل وتتصفح هاتفها وتشرب كوب اللبن الصباحي الخاص بها وبجانبها صغيرتها كذلك تمسك بكوب اللبن وترتشف منه ببطء .. حتى صاحت فجأة بسعادة طفولية :
_ مامي .. خلصت اللبن
نظرت لها جلنار وشهقت بدهشة مصطنعة وهي تبتسم ثم قالت :
_ بالسرعة دي
هزت " هنا " رأسها بإيجاب بينما جلنار فانحنت عليها وطبعت قبلة عميقة على وجنتها وهتفت بحنو :
_ شطورة ياحبيبة مامي
ثم ابتعدت عنها وضيقت عيناها بذهول وهي تحدق في الجهة التي أمامها وتهمس بوجه معالمه جادة ومريبة :
_ إيه اللي هناك ده
التفتت الصغيرة فورًا برأسها للجهة التي تنظر منها أمها وبمجرد ما التفتت برأسها غارت جلنار عليها تدغدغها في جسدها الصغير بقوة فتنطلق منها ضحكات عالية وهي تحاول الفرار من أمها وتارة يمتزج ضحكها بصراخ .. حتى تركتها وهي تبادلها الضحك ، وثبت " هنا " جالسة بعد أن التقطت أنفاسها من شـ.ـدة الضحك وقالت وهي تلتصق بأمها :
_ هو احنا مش هنكلم بابي تاني !!
اختفت ابتسامة جلنار وقالت بخفوت :
_ بابي أول مايفضى هيكلمنا ياحبيبتي
_ طيب احنا إمتى نرجع بيتنا ؟
اطالت النظر في أعين ابـ.ـنتها الحزينة وقالت بأسى :
_ مش عارفة
أطرقت الصغيرة رأسها لأسفل بيأس ثم عادت تستكمل اسألتها :
_ بابي قاعد مع تيتا وطنط فييدة ؟
تأففت جلنار بصوت مسموع بعد سماعها لاسم فريدة من ابـ.ـنتها واعتدلت في جلستها لتقول بحدة بسيطة :
_ هنا أنا قولتلك كذا مرة ياحبيبتي طنط فريدة مش بتحبنا خالص
اتسعت عيني الصغيرة وقالت بتعجب :
_ يعني طنط فييدة وحشة
مسحت جلنار على وجهها وهي تزفر بخـ.ـنـ.ـق ثم أجابت على ابـ.ـنتها بحزم :
_ أيوة .. ويلا بينا ندخل عشان الجو برد وكدا ممكن تتعبي
استقامت " هنا" واقفة وامسكت بيد أمها وسارت معها إلى الداخل ، وهي تفكر متى سيعود والدها فلقد اشتاقت له كثيرًا .
***
تمسك بيدها كوب شاي وباليد الأخرى قطعة بسكوت تغمرها في الشاي وتخرجها لتضعها في فمها وهي تشاهد التلفاز على إحدى قنوات المسلسلات التركية المدبلجة .. زاد انتباهها وتركيزها على المشاهدة عنـ.ـد.ما جاء مشهد بين أبطال المسلسل وهم يتشجارون ، فظلت محدقة بالتلفاز وهي تلوي فمها بقرف من شخصية البطل في المسلسل .. ثم التقطت قطعة بسكوت أخرى وفعلت معها كما فعلت بالأخرى وهتفت بقرف وهي تلقيها بفمها قاصدة بطل المسلسل :
_ طاب والله العظيم الواد مراد ده بني آدm براس كـ.ـلـ.ـبة
سكتت للحظات تستمع لرد البطلة على البطل في التلفاز ثم هتفت بخـ.ـنـ.ـق :
_ هما إيه المتـ.ـخـ.ـلفين عقليًا دول .. يابت سبيه هما كلهم صنف عرة والله
وفجأة شعرت بكف قوى نزل على رقبتها من الخلف فانتفضت واقفة والتفتت بجسدها للخلف فوجدتها جدتها ، صاحت في ضيق :
_ هو حد جه جمبك ياحجة بتضـ.ـر.بي ليه
اقتربت منها فوزية وهي تشمر عن أكمامها وتقول بوعيد وابتسامة متشفية :
_ لتكوني فاكرة عشان غلب عليا النوم امبـ.ـارح وهـ.ـر.بتي مني هسيب اللي عملتيه يعدي بسهولة كدا
ظلت مهرة تتقهقر للخلف وهي تقول بنبرة خائفة:
_ استهدي بالله بس وهنتفاهم .. طب بزمتك إنتي كنتي ترضهالي .. ده عبـ.ـيـ.ـط جاي يتقدm ولأبس بنطلون فسفوري ، اللون رشق في عيني جابلي حول والله
فوزية بغـ.ـيظ :
_ ياختي بركة !
ابتسمت مهرة ببلاهة بعدmا أحست بهدوء انفعال جدتها قليلًا ثم تحركت بحذر وخبث نحو جدتها حتى قفزت بجوارها ولفت ذراعيها حول أكتافها تقول بمكر :
_ يازوزا أنا مواصفات فتى أحلامي مختلفة
_ أكيد اهطل زيك
مهرة بشفتين مزمومتين :
_ لا لا انتي مش هتفهميني وبتستهزئي بأحلامي التافهة
تنهدت فوزية بعدm حيلة ثم اتجهت وجلست على الأريكة لتقول بصوت مرهق :
_ يابـ.ـنتي حـ.ـر.ام عليكي عايزة اطمن عليكي وافرح بيكي قبل ما امـ.ـو.ت .. انتي أمانة امك الغالية الله يرحمها لو حصلي حاجة هسيبك لمين
إجابتها بسخافة وهي تضحك :
_ سبيني لضميري
انحنت فوزية وهمت بالتقاط شبشبها لكن مهرة قفزت وجلست بجوارها فورًا وهي تحتضنها وتهتف بضحك ومرح :
_ تمـ.ـو.تي فين بس ده انتي صحتك زي البومب ، ده أنا قرب يجيلي كساح وإنتي بتجري زي الخيل
دفعتها فوزية بخفة هاتفة بسخط بسيط :
_ نقي عليا يا بـ.ـنت رمضان مش كفاية فقعالي مرارتي عايزة تجيبي اجلي كمان
انحنت عليها وطبعت قبلة عميقة على جبهتها وهي تقول بعذوبة :
_ ربنا يديكي الصحة يازوزا ويخليكي ليا .. هو أنا أقدر أعيش من غيرك برضوا
طالعتها فوزية بحنان ثم جذبتها لأحضانها وهي تملس على شعرها وتطبع قبلات متفرقة عليه بحب ...
***
داخل منزل شقيقة أسمهان ....
سارت باتجاه أسمهان وهي تحمل كأسين من العصير الطازج ثم وضعتهم على منضدة صغيرة أمامهم وجلست بجوار شقيقتها وهي تسأل باهتمام :
_ لسا مفيش خبر عن جلنار يا أسمهان ؟
هتفت أسمهان بخـ.ـنـ.ـق محدثة شقيقتها :
_ يعني أنا جيالك يا ميرفت عشان تجبيلي سيرة اللي ما تتسمى دي
ميرفت بعدm فهم :
_ أنا نفسي افهم إنتي مش طيقاها ليه .. هي البـ.ـنت عملتلك إيه ، دي حتى جيبالك حفيدة زي القمر ماشاء الله
أسمهان بغل وحقد :
_ مش طيقاها عشان بـ.ـنت نشأت الرازي .. ده راجـ.ـل قذر وكل يوم مع ست شكل .. وكل همه الفلوس ومصلحته وبس واهي بـ.ـنته زيه لما لقت مفيش فايدة من ابني ومش هتعرف تاخد حاجة منه قالت اطلب الطـ.ـلا.ق ولما رفض خدت البـ.ـنت وهـ.ـر.بت والله اعلم بقى قاعدة مع مين دلوقتي ولا بتعمل إيه
ميرفت بلطف وإشفاق :
_ يا أسمهان حـ.ـر.ام عليكي متظلميش البـ.ـنت .. جلنار كويسة وتستاهل أفضل حاجة .. متحسسنيش إن عدنان ملاك نازل من السما ، ماهي البـ.ـنت هـ.ـر.بت لما عرفت أنه عايز ياخد بـ.ـنتها منها ومش كفاية معـ.ـذ.بها معاه ومهملها ، و كل اهتمامه مديه لفريدة ولبـ.ـنته ، وبعدين مش إنتي اللي كنتي عايزاه يتجوز تاني عشان يخلف وفضلتي تزني عليه لغاية ما تعب من الزن ووافق
أجابتها وهي تعتدل في جلستها وتقول بنظرات مشتعلة :
_ كنت هجوزه بـ.ـنت سليم العايد ، نسب نتشرف بيه مش نشأت القذر ده .. لكن تقولي إيه بقى في عمته .. عارفة لو كانت عايشة لغاية دلوقتي أنا كنت اكلتها بسناني
تنهدت ميرفت بعدm حيلة مش حقد شقيقتها وبغضها للجميع الذي لا ينتهي أبدًا وقالت بتهكم :
_ده بدل ما تدعي للست بالرحمة وتقولي ربنا يرحمها
_ مـ.ـا.تت وسابتلي البلوة اللي اسمها جلنار دي بعد ما اقنعت عدنان أنه يتجوزها
ميرفت بنفاذ صبر :
_ طيب اشربي العصير يا أسمهان وخلينا نتكلم في حاجة تاني
زفرت أسمهان بعصبية بسيطة ثم التقطت كأس العصير وبدأت ترتشف منه بهدوء وهي تفكر في طريقة للتخلص من زوجة ابنها الثانية حتى تتفرغ بعد ذلك لفريدة .
***
دخلت إلى غرفة قديمة بالقصر لا يدخلها أحد إلا نادرًا ثم وقفت على عتبة الباب وأخرجت رأسها و.جـ.ـعلت تتلفت يمينًا ويسارًا لتتأكد من عدm وجود أحد ثم أغلقت الباب جيدًا ودخلت لتجيب على الهاتف وهي تهتف باستياء :
_ أنا مش قولتلك مليون مرة متتصلش بيا خالص إلا لو في حاجة ضروري
أتاها صوت الآخر وهو يهتف بهيام :
_ ماهو في حاجة ضروري وهي إنك حشـ.ـتـ.ـيني و ياديدي
ارتفعت الابتسامة المحبة على شفتيها وقالت بدلال :
_ هو إنت لحقت ما أنا كنت معاك امبـ.ـارح اليوم كله
_ إنتي بتوحشيني كل دقيقة ياحبيبتي .. طمنيني عملتي إيه امبـ.ـارح لما رجعتي
تنفست الصعداء بضيق وقالت :
_ حصلت مشكلة كبيرة وعدنان كان على أخره ومن امبـ.ـارح مش بيتكلم معايا
_ وبعدين مع عدنان أنا قولتلك اديني بس الإشارة وصدقيني هنرتاح منه خالص يافريدة
صاحت بصوت مرتفع نسبيًا :
_ أنت اتجننت نرتاح منه إيه .. أنا مقدرش اعمل حاجة زي كدا ، واحدة واحدة نخلص من جلنار دي الاول وبعدين هشوف هتصرف إزاي مع عدنان
_ زهقت يافريدة عايزاك تخلصي منه أو تتطلقي حتى عشان تكوني ليا لوحدي .. مبقتش قادر استحمل
سكتت لبرهة من الوقت وهي تستعيد في ذهنها كافة الأحداث منذ زواجه بجلنار وحتى الآن .. كيف كانت فرحته وهي تراه يحمل ابـ.ـنته بين ذراعيه لأول مرة ونظراته الدافئة لجلنار منذ ولادتها ، خـ.ـو.فه وجنونه عليها الآن وهي بعيدة عنه وغيرته المفرطة عليها .. لقد اشبعها من كلمـ.ـا.ته حول حبه الوحيد لها وأن جلنار لا تعنيه بشيء ولكن أفعاله أظهرت العكس تمامًا .
هتفت فريدة بقسوة :
_ اطمن عدنان أصلًا مبقيش ليه أي مكان في قلبي .. أنا مستنية الوقت المناسب وبعدها صدقني هكون ليك لوحدك ومفيش حاجة هتقدر تفرقنا
ثم هتفت فورًا باضطراب بسيط :
_ أنا هقفل عشان ممكن حد يسمعني وانا مش ناقصة مصايب مش عايز ادي فرصة لعدنان أنه يشك فيا حتى
_ طيب ياحبيبتي خلي بالك من نفسك
_ وإنت كمان .. سلام
أنهت معه الاتصال ثم جلست على الفراش الذي خلفها وبقت تحملق أمامها بعينان تطلق شرارات الغضب والغـ.ـيظ ....
***
داخل مكتب عدنان في القصر ...
جالسًا على الأريكة ويمسك بصورة صغيرة بين يديه ويحدق بها في أعين مشتاقة ومتألمة .. لم يعد يحتمل فراق صغيرته عنه أكثر من ذلك .. قلبه يصـ.ـر.خ شوقًا لها ، وروحه تائهة في الفضاء تبحث عن مستقرها ، ولن تعود له إلا عند عودة فتاته إليه .
جلنار اختارت العِقاب الأمثل له ، بدلًا من أن تعـ.ـذ.به بأي شيء آخر اختارت الأكثر ألمًا بالنسبة له وهو إبعاد ابـ.ـنته عنه .. والآن هو يتخبط بيأس باحثًا عن أبرة في كومة من القش ولا يتمكن من إيجادهم .. من جهة ابـ.ـنته وخـ.ـو.فه عليه واشتياقه لها ومن جهة أخرى تلك الماكرة التي تفعل كل ما بوسعها حتى تثير جنونه وغيرته ، لم يتمكن من إخراج صورتها من عقله مع ذلك الرجل منذ أمس .. وكلما تعصف بذهنه يظهر الاحمرار في عيناه ويزداد وعيده لها أكثر ، وليت عقله اللعين يتوقف عند هذا الحد فقط بل يستمر في طرح أسئلة وتخيلات تزيد من جنونه أكثر .. ماذا كان رد فعلها هل كانت سعيدة بلمسة ذلك الوغد لها أم أنها نفضت يده عنها ؟ .. من يكون ذلك الرجل ؟ .. هل الأمر تخطى مجرد لمسة يد ؟! .. ( ماذا تفعلين ياجلنار ، اقسم لكِ إنني حين أجدك ستنالين العقـ.ـا.ب الذي تستحقينه مني وسأجعلك تتوسلين أن ارحمك ولن أشفق عليكِ )
كانت جملة قاسية وجافة يهمسها لنفسه تعبر عن مدى دmاره الداخلي من كل شيء تفعله تلك المتمردة .
عاد ينظر إلى الصورة التي بيده من جديد ويبتسم بصفاء ثم تقذف بذهنه فجأة ذكرى له مع صغيرته .
فتح باب غرفتها ببطء شـ.ـديد ثم ادخل رأسه أولًا فوجدها تجلس على الأرض ومنشغلة باللعب بألعابها الخاصة ، وحين فتح الباب كاملًا ودخل بجسده كله فالتفتت هي برأسها نحو الباب ووثبت واقفة بفرحة وركضت نحوه تتعلق بقدmيه وهي تهتف بصوت طفولي :
_ بابي
انحنى إليها وامطرها بوابل من قبلاته الحانية على وجهها كله وهو يهمس بصوت ينسدل كالحرير ناعمًا :
_ ياروح بابي .. جبتلك حاجة حلوة معايا
لمعت عيناها بوميض متشوق وقالت بحماس :
_ شوتلاته ؟ ( شوكولاته )
قهقه عاليًا وهز رأسه بإيجاب ثم هتف بخبث جميل :
_ بس مش هتاخديها إلا بشرط
اختفت ابتسامتها وحل محلها اليأس فوجدته يميل بوجهه للجانب يشير إلى وجنته هامسًا :
_ عايز بوسة كبيرة اوووووي
ارتمت عليه تعانقه وهي تعطيه قبلة قوية وعميقة على وجنته فيهتف بضحكة بسيطة وبهيام :
_ الله .. احلى بوسة في حياتي
ثم مال بوجهه للجانب الآخر وأشار لوجنته الأخرى :
_ وحدة هنا كمان
فعلت بالمثل وبقوة أشـ.ـد على وجنته الآخرى ثم ابتعدت ووقفت تنظر له منتظرة أن يخرج لها الحلوى .. فمد يده في جيبه سترته وأخرج قطعة شوكولاته كبيرة نسبيًا مغلفة بورقة جميلة فصاحت " هنا " بسعادة وجذبتها من يده ثم فورًا بدأت تزيل الغلاف عنها ووضعت جزء منها في فمها وهي تأكلها بفرحة ولطخت فمها كله ويديها بها ، ثم نظرت لأبيها الذي يتابعها بحنو وحب وكـ.ـسرت قطعة صغيرة منها ومدت يدها بها إلى فمه ثم لفت ذراعيها حول عنقه وعانقته وهي تطبع قبلة صغيرة على وجنته وتهمس :
_ بحبك أوي يابابي
لم تمهله اللحظة ليجيب عليها حيث بمجرد ما ابتعدت عنه ورأت الشوكولاته التي طبعت على وجهه بسبب فمها الملطخ بها .. انفجرت ضاحكة بصوت عالي ، ضيق هو عيناه باستغراب ثم تحسس وجنته بانامله فاتسعت عيناه بدهشة وغـ.ـيظ مزيف ، وباللحظة التالية كان يحملها ويلقي بها على فراشها الصغير ويتولي مهمة دغدغتها بوجهه كله في جسدها ورقبتها وهي تطلق ضحكات جلجلت أرجاء المنزل كله حتى وصلت لأذن أمها التي سمعتها وهي بالمطبخ وابتسمت بحب ....
جذبه من ذكرياته الجميلة مع ابـ.ـنته ، صوت انفتاح الباب ودخول فريدة ، وضع صورة ابـ.ـنته على المنضدة الصغيرة التي بجانب الأريكة ، وتصنع تجاهله لها تمامًا حتى وجدها تجلس بجواره وهي تهتف بأسف :
_ أنا آسفة يا عدنان .. اوعدك إنها مش هتتكرر تاني
رمقها بنظرة دبت الرعـ.ـب في أوصالها وقال بشراسة :
_ أنا مش هنتظر منك توعديني يافريدة .. إيه اللي حصل امبـ.ـارح ده واللي كنتي بتعمليه وخروجك من غير أذني مش هيتكرر غـ.ـصـ.ـب عنك لأن لو حصل واتكرر أنا مش مسئول عن تصرفاتي بعد كدا
هتفت بنظرات مستاءة ووجه يعطي احمرار مريب :
_ أنت بتتصرف معايا بالطريقة دي ليه ياعدنان .. أنت عمرك ما عاملتني كدا ، أكيد بسبب الحقيرة اللي اسمها جلنار
مسح على وجهه وهو يزفر بحنق ثم أجابها بنظرة قوية :
_ إنتي عارفة إنك بنسبالي متتحطيش في مقارنة لا مع جلنار ولا غيرها .. لكن إنتي اللي شكلك مش قادرة تتقبلي خطأك وإنك لازم تتعـ.ـا.قبي ، متقارنيش نفسك بحد .. إنتي غلطتي وكان لازم تتعـ.ـا.قبي
تنفست الصعداء وهي بداخلها تشتعل بنيران الغضب ، أتت للإعتذار منه فقط حتى تحافظ على المتبقى من علاقتهم بالنسبة لها إلى حين تتخلص منها ومنه نهائي .
خرجت صوتها مكتوم بالغـ.ـيظ :
_ واللي عملته معايا إمبـ.ـارح مكنش عقـ.ـا.ب كفاية بنسبالك !!
عدنان بحزم :
_ انفعالي عليكي امبـ.ـارح إنتي السبب فيه لأنك استنفذتي كل طاقة صبري على تصرفاتك في الفترة الأخيرة
فريدة بوجه محتدm :
_ وعقـ.ـا.بك ليا ده هيستمر لغاية إمتى ؟!
عدنان بجفاء وبرود :
_ لغاية ما احس إنك اتعلمتي من غلطك واشوفك بتنفذي اللي قولت عليه
لم تبذل أي مجهود في محاولة استعطافه أو جعل قلبه يلين لها قليلًا ، رغم معرفتها أنها إذا حاولت وبمجرد كلمـ.ـا.ت بسيطة منها ستنجح في الأمر لكنها لم تهتم كثيرًا للحصول على مسامحته أو غيره من الأساس .. استقامت واقفة وقالت بمضض :
_ انا هطلع اوضتي لو احتجت حاجة انده عليا
ثم اندفعت من المكتب بسرعة وهي عبـ.ـارة عن جمرة من النيران الملتهبة ولا تتوقف عن الوعيد لتلك المدعوة بجلنار !! .. بينما هو فظل يحملق على اثرها وهو يغضن حاجبيه بحيرة من أمرها !! .
***
عبر آدm من بوابة الشركة واتجه إلى المصعد الكهربائي واستقل به .. ثم ضغط على زر الصعود للطابق الثالث حيث يوجد مكتبه ومكتب أخيه ، لحظات عابرة وتوقف المقعد ثم انفتح الباب ليخرج ويتجه نحو مكتبه لكنه لمح نادر وهو يقف أمام باب مكتب أخيه ويهم بفتحه للدخول ، فغير وجهته فورًا وتحرك نحو مكتب أخيه وهتف بصوت مرتفع بعض الشيء :
_ نادر !
تصنم الآخر بأرضه وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يلتفت له بجسده كاملًا وهو يبتسم ببرود فوقف آدm أمامه وقال بخشونة :
_ خير واقف عند مكتب عدنان ليه ؟
نادر بنبرة ممتعضة :
_ كنت داخل احط الملفات دي على مكتبه عشان لما ياجي يشوفهم
آدm بصرامة :
_ تقدر تدهاني أنا وهوصلها ليه متقلقش
ابتسم نادر بسخرية وقال بضجر :
_ هو في إيه بظبط يا آدm .. أنت مضايق مني في حاجة وأنا معرفش !!
أجابه بشموخ واضعًا كفيه في جيبي بنطاله وهتف بصراحة مألوفة عليه .. دون أن يتردد لحظة في نطق أي كلمة سيقولها :
_ في إني مش مستلطفك يانادر ولا طايقك وده من غير أي سبب سبحان الله .. وأنا لما يكون مش مستلطف حد يبقى أكيد الشخص ده مش تمام فخليك حذر عشان أنا عيني عليك ، ومكتب عدنان طول ما هو مش موجود يبقى الافضل متدخلهوش خالص
ثم أخرج كفه من جيب بنطاله ورتب على كتف نادر بابتسامة بـ.ـاردة وهو يقول بنظرات ذات معنى :
_ يلا روح كما شغلك يابشمهندس
ثم استدار وعاد يتجه نحو مكتبه مرة أخرى بينما نادر فظل واقفًا وهو يتابعه بعيناه الملتهبة ويهتف بنظرة شيطانية :
_ شكلك مش هتجبها لبر معايا يا ابن الشافعي
***
في مساء ذلك اليوم .....
خرجت جلنار من الحمام وهي تلف حول جسدها منشفة وتمسك بأخرى صغيرة تجفف بها شعرها .. ثم اتجهت نحو خزانتها حتى تخرج ملابسها وبينما كانت تبحث عن منامة بعينها وسط الملابس ، وقعت يداها على فستان من اللون الذهبي ، طويل وبحاملات رفيعة ومن الخلف لديه فتحة ظهر واسعة أما الامام فينزل بشكل مستقيم في منتصف الصدر ليظهر جزء ليس صغير منه .. تجمدت يداها وهي تحدق به ، لا تعرف لماذا أخذته معها حين غادرت المنزل ولكنها لن تنسى حين أهداه لها بمناسبة عيد ميلادها منذ سنتين وكيف فرحت أنه تذكرها بشيء وسط إهماله الدائم لها .
أخرجته من الخزانة ومدت أناملها تتلمسه برقة وإعجاب ، ورغبت بشـ.ـدة أن ترتديه مجددًا .. ولم تتردد كثيرًا حيث سرعان ما شرعت في ارتدائه ثم وقفت أمام المرآة وهي تتفحص نفسها بنظرها ، كان مثالي تمامًا ويسـ.ـر.ق الأنفاس على جسدها الأنوثي للدرجة التي جعلها تقف تحملق بنفسها في إعجاب ، شردت فجأة بذهنها متذكرة اللحظة الأولى التي ارتدته فيها عنـ.ـد.ما أهداه لها .
تتلفت حول نفسها يمينًا ويسارًا أمام المرآة وهي تبتسم حتى تجمدت مكانها حين شعرت به من خلفها وهو يلف إحدى ذراعيه حول خصرها بتملك والآخر يضعه على ذراعها وينظر الانعكاس وجهها في المرآة وثم إلى الفستان الذي حبس أنفاسه وهمس :
_ كأنه متفصل خصيصًا ليكي
أحست بتسارع نبضات قلبها وتمتمت باستحياء بسيط ورقة :
_ ميرسي ياعدنان شكله جميل أوي وعجبني جدًا
سمعت همهمته بالقرب من أذنها التي أثارت في جسدها رعشة بسيطة وهو يحملق بها بنظرات خبيثة ويبتسم :
_ أنا مش قادر أشيل عيني من عليكي
بادلته الابتسامة ثم التفتت له بجسدها و.......
انتشلها من شرودها صوت رنين الهاتف الصاخب ، نظرت لنفسها بصدmة فكأنها كانت بعالم آخر لا تشعر بشيء ، نفضت عن رأسها تلك الذكرى وأفكارها كلها ثم أمسكت بالهاتف وأجابت على المتصل بصوت خافت :
_ أيوة ياحاتم
_ عاملة إيه ياجلنار ؟
سؤال بالتوقيت المناسب تمامًا .. وليتها تتمكن من الإجابة عليه بصدق ، لكنها ستؤثر الرد التقليدي على سؤال كهذا بالطبع حيث ردت بعبوس :
_ كويسة
حاتم في إيجاز ونبرة جادة :
_ طيب أنا جايلك دلوقتي عايز اتكلم معاكي في كام حاجة كدا
_ تمام مستنياك
أغلقت الاتصال معه ثم تنفست الصعداء بضيق وهمت بتبديل ملابسها لكن صوت طرق الباب جعلها تقف بتعجب
.. لا يعقل أن يكون وصل بهذه السرعة بالطبع ، لحظة أخرى وعاد الطرق من جديد لكن بقوة أشـ.ـد فخافت من أن تستيقظ ابـ.ـنتها من الصوت المزعج ، ألقت بشال قصير على كتفيها حتى يخفي نصف جسدها العاري من الأعلى وغادرت الغرفة متجهة نحو الباب وفتحت بوجه مضطرب وغاضب بنفس اللحظة .
تجمدت الدmاء في عروقها وهي ترى أبيها أمامها ..
كيف وصل وعرف مكانها كل هذا لا يهم .. الأهم أن الآن لم يعد هناك مجال للهرب مرة أخرى وحتمًا ستعود لما فرت هاربة منه .. شعرت بصفعته القوية التي نزلت على وجنتها وهو يدخل ويغلق الباب ويصيح بها :
_ بتاخدي بـ.ـنتك وتهربي بيها .. هي دي آخرة التربية اللي ربتهالك ياجلنار
وضعت كفها على وجنتها ورمقت أبيها بنظرة نارية ثم قالت بسخط :
_ إنت إيه اللي جابك !!
جذبها من ذراعها وهو يهتف بعصبية :
_جاي ارجع بـ.ـنتي وحفيدتي اللي هربانة بيها مني ومن أبوها
استقامت بشموخ وقالت بانفعال :
_ بـ.ـنتك وحفيدتك !! .. كانت فين بـ.ـنتك دي لما أجبرتها على الجواز .. كانت فين لما فضلت تتوسلك عشان تطلقها منه وأنت مكنتش بتوافق .. كانت فين لما اتفقت مع عدنان إنه ياخد بـ.ـنتي مني ويطـ.ـلقني .. هااا كانت فين اتكلم يا نشأت الرازي
تمتم نشأت بهدوء مستفز :
_ أنا كلمت عدنان قبل ما اركب الطيارة وآجي وهو أكيد ركب في الطيارة اللي بعدي وجاي دلوقتي
ثم سكت لبرهة من الوقت واقترب منها يمسك بذراعيها بكلتا يديه ويقول بنبرة مهتمة ورخيمة :
_ طلعي الطـ.ـلا.ق ده من دmاغك ياحبيبتي .. أنا مش هقدر على عدنان الشافعي ، تراجعي ولو مـ.ـر.اته التانية هي اللي مسببة ليكي المشكلة ، أنا واثق إنك تقدري تخليه يطـ.ـلقها ويبقى ليكي لوحدك .. صدقيني كدا أفضل ليكي
ابتسمت بعدm استيعاب لما يخرج من بين شفتيه ،لا تصدق أن ذلك الرجل هو أبيها .. هو لا يصلح حتى أن يطـ.ـلق عليه اسم أب !! .
دفعت يديه بعيدًا عنها بعنف وتراجعت للخلف وهي تقول بسخرية وأعين دامعة :
_ قصدك أفضل ليك أنت .. عشان مصالحك وشغلك معاه ميوقفش ومتخسرش مشاريعك وصفقاتك يا نشأت بيه الرازي .. صح ولا لا ! .. أنت لا يمكن تكون أب ، أنا أصلًا بعتبرك مـ.ـيـ.ـت ومليش أب
صاح بها في صوت مرتفع :
_ المشاريع والصفقات دي هي اللي هترجع اسم الرازي تاني في السوق .. احنا على عتبة الإفلاس لو مش حاسة ، لما تتطلقي منه فكرك إنك هترجعي تعيشي في قصر ابوكي وفي الهنا والعز اللي كنت عايشة فيه .. لا وقتها هنكون افلسنا ياجلنار يمكن حتى القصر هيتحجز عليه ومش هيفضل معانا ولا أي حاجة
انهمرت دmـ.ـو.عها على وجنتيها بحرقة .. ليتها ولدت يتيمة من دون أب حتى لا ترى كتلة القسوة والجفاء المتجسدة أمامها في هيئة أب ، ظلت تتقهقر للخلف وهي تشهق ببكاء حار حتى اصطدmت بالأريكة من خلفها وارتدت جالسة عليها ثم قالت بصوت موجوع :
_ ملعون الفلوس كلها اللي تخليك تبيع بـ.ـنتك عشانها .. وترميها لراجـ.ـل قاسي ومبيحبهاش عشان مصلحتك وشغلك
اقترب منها وجثى أمامها ثم أمسك بكفها وهتف في نظرة تحمل الوعيد ونظرات دافئة :
_ عدنان مش. هيقدر يأذيكي حتى لو رجعتيله مش هيقدر .. وطول ما ابوكي عايش متخافيش مش هسمح لحد أن يمس شعرة منك
اندفعت صارخة به بهستريا وهي تجذب يدها من بين يديها :
_ أنت مش ابويا .. أنت بنسبالي نشأت الرازي وبس .. وصدقني لو اقدر اغير هويتي واشيل اسمك من حياتي كلها هعملها ، كان نفسي ماما تكون موجودة دلوقتي وتشوف اللي بتعمله فيا عشان مصلحتك وفلوسك .. بس خلي في علمك أنا مش هسكت اكتر من كدا .. سكت لاربع سنين وأنا مستحملة جشعك وطمعك وإهمال عدنان ليا وكأني نكرة مش موجودة ، بس كفاية أوي لغاية كدا وهتشوفوا جلنار الرازي اللي على حق من هنا ورايح
كان سيجيب عليها لكن صوت الرنين الباب أوقفه .. استقام واتجه نحو الباب ليفتح فوجد حاتم أمامه ،ابتسم له باستهزاء وقال :
_ أهلًا أهلًا
اطال حاتم النظر فيه بصدmة وسرعان ما دفعه من طريقه ودلف للداخل وهو يهتف :
_ جلنار فين !!
وجدها جالسة على الإريكة وتحدق في اللاشيء أمامها بوجه مهموم وممتلئ بالدmـ.ـو.ع .. هرول نحوها وجثى أمامها يهتف بتلهف وقلق :
_ جلنار إنتي كويسة ؟ .. عملك حاجة ؟!
هزت رأسها بالنفي دون أن تتفوه ببـ.ـنت شفة بينما نشأت فهتف باستياء وغضب وهو يجذب حاتم من أمام ابـ.ـنته :
_ أنت تبعد عن بـ.ـنتي خالص ومتقربش منها نهائي فاهم ولا لا ياوا.طـ.ـي
دفع حاتم يده عنه وصاح به بانفعال :
_ أنا برضوا اللي وا.طـ.ـي .. ياراجـ.ـل يامهزق ، وليك عين كمان تتكلم وتقولي متقربش منها
نشأت بعينان التهبت بالنيران :
_ لا ده أنت كدا عايز يتقرص على ودنك كويس يا ابن الرفاعي عشان تعرف بتتكلم مع مين
_ بتكلم مع واحد حقير باع بـ.ـنته وحفيدته عشان مصلحته والفلوس .. أنا اللي حايشني عنك إنك راجـ.ـل كبير بس مش اكتر
هم نشأت بأن يندفع نحوه ليضـ.ـر.به لكن جلنار وثبت ووقفت في المنتصف بينهم صارخة بانهيار :
_ بس كفاية
ثم نظرت لحاتم وقالت بوجه منفتر :
_ ملوش لزمة ياحاتم خلاص عدنان جاي في الطريق
لجمت الدهشة لسانه وظل يحملق بها للحظات طويلة دون أن يتحدث وفجأة ارتفع صوت جرس الباب للمرة الثالثة ، وهذه المرة كان الطارق معروف .. نظرت جلنار لحاتم الذي اندفع نحو الباب بعصبية ووجه يشع غضب ونقم ، فاندفعت خلفه وهي تهتف برجاء :
_ حاتم استني ارجوك متفتحش .. حاتم !
لكن لا حياة لمن تنادي حيث وقفت هي على مسافة بعيدة منه وهي تراه يفتح الباب ليظهر من خلفه عدنان بهيئته المعتادة ووجهه كان يظهر عليه مدى ثورانه الداخلي .
↚لحظات مرت كالساعات وعدنان لا يزال يقف يحدق بذلك الواقف أمامه ، وحين دقق النظر في ملامح وجهه تذكره جيدًا ، أنه نفس الرجل الموجود بالصور مع زوجته ، التهبت عيناه وباللحظة التالية فورًا وغار على حاتم وهو يوجه له عدة لكمـ.ـا.ت عنيفة ويصيح :
_ أنت بتعمل إيه هنا يا ****
تصلبت جلنار بأرضها وهي فاغرة شفتيها لا تصدق ما تراه أمامها أما نشأت فكان يقف بهدوء تام ونظرات متشفية في حاتم .. الذي وقف من على الأرض ورد اللكمة لعدنان فسالت الدmاء من فمه على اثرها وهتف بنظرات نارية :
_ امشي بالذوق ياعدنان بدل ما اتصل بالبوليس واخليه ياجي ياخدك
مسح عدنان بإبهمامه الدmاء من جانب فمه وهي يرمقه بنصف نظرة ممـ.ـيـ.ـتة ثم اندفع نحوه كالثور الهائج وقبض على رقبته ودفعه بقوة ليصطدm بالحائط ويحاصره وهو ممسكًا برقبته ويهتف في وجه مخيف ونظرة دبت الرعـ.ـب في أوصال جلنار :
_ طيب اسمع انت بقى ياشاطر .. هتبعد عن مراتي وبـ.ـنتي ومتقربش منهم وإلا اقسم برب العزة ادفنك في أرضك دلوقتي ولا أنت ولا البوليس بتاعك يقدر يعملي حاجة
ركضت جلنار نحوهم وامسكت بعدنان تحاول إبعاده عن حاتم وهي تصيح بخـ.ـو.ف :
_ أنت اتجننت .. ابعد عنه ياعدنان
استقرت نظرة في عيناه قذفت الرعـ.ـب في نفسها جعلتها تتراجع خطوة للخلف ، بينما حاتم فأفلت نفسه من بين براثن عدنان بصعوبة وهم بالانقضاض عليه مرة أخرى لولا جلنار التي هرولت نحوه ووقفت أمامه تهتف بتوسل :
_ امشي ياحاتم ابوس إيدك عشان خاطري .. متقلقش عليا ااا.....
أطلقت شهقة عالية وهي تشعر بقبضة عدنان التي قبضة على ذراعها بعنف وجذبها إليه وهو يصـ.ـر.خ بها بصوته الجهوري :
_ إنتي تعالي هنا .. لسا حسابك جاي معايا
كور حاتم قبضته بقوة حين رآه وهو يمسكها بهذه الطريقة ويصـ.ـر.خ بها لكن نظرة جلنار المتوسلة له جعلته يتراجع مجبرًا واستدار وانصرف متوعدًا لعدنان .
بمجرد انصرافه دفعت عدنان بعيدًا عنها وهي ترمقه بنظرة مشتعلة كلها غضب وغل ، بينما الآخر فعاد يجذبها من ذراعها وهو يصيح بصيحة هادرة :
_ بيعمل إيه الحـ.ـيو.ان ده هنا !
تدخل نشأت وأبعد عدنان عن ابـ.ـنته وهو يهتف بحدة :
_ احنا اتفاقنا كان إني هقولك على مكان بـ.ـنتك بس متقربش من بـ.ـنتي ياعدنان
انطلقت ضحكة عالية من جلنار التي هتفت بهستريا :
_ اتفاق !!! .. اتفاق تاني إنتوا أقذر اتنين عرفتهم في حياتي ، أنا لو اقدر اقــ,تــلكم كنت عملتها من زمان .. بس للأسف واحد بابايا والتاني أبو بـ.ـنتي ومقدرش احرمها من باباها
صرخ بها عدنان بصوت نفضها بأرضها :
_ اخرسي مسمعش صوتك خالص
ثم نظر لنشأت وقبض على ذراعه وجذبه معه إلى إحدى الغرف وأغلق الباب عليهم .. بينما هي فجففت دmعة حارقة سقطت من عيناه ودخلت إلى الصالون وجلست على الأريكة وقدmاها تهتز بقوة من فرط سخطها .
استمر حديثهم لثلاث دقائق تقريبًا حتى خرج عدنان أولًا من الغرفة يتبعه نشأت الذي القى نظرة عاجزة على ابـ.ـنته واتجه النحو الباب وانصرف .. ضحكت جلنار باشمئزاز وهتفت لعدنان الذي تحرك نحوها :
_ إيه اديته قرشين وسكته بيهم !! .. ما هو أنتوا الاتنين أحقر من بعض
وصل عدنان إليها وانحنى عليها بنصف جسده العلوي وهمس بفحيح أشبه بفحيح الأفعى ونظرة متوعدة :
_ هدخل اشوف بـ.ـنتي وبعدين هفضالك
طالعته بقرف وغـ.ـيظ امتزج بابتسامه ساخرة منها بينما هو فانتصب في وقفته واندفع يبحث عن ابـ.ـنته في أرجاء المنزل .
***
فتح باب إحدى الغرف المزين برسومـ.ـا.ت أطفال من الخارج ، وادخل رأسه فقط فيجد صغيرته نائمة في فراشها وضوء الغرفة بني خافت مريح للأعصاب وتنام محتضنة بين أحضانها دmية جميلة قام بشرائها هو لها .. وقف على عتبة الباب يحملق بها بسكون وقلبه يتراقص فرحًا من الداخل .
دخل وأغلق الباب ثم اقترب من فراشها وجثى أمامها متأملًا ملامحها الصغيرة التي يعشقها .. الآن فقط يشعر بأن روحه التائهة عادت لمستقرها من جديد وهو يرى فتاته بخير أمامه ، تجمعت الدmـ.ـو.ع في عيناه وانحنى على رأسها يطبع عدة قبلات متتالية في شوق شـ.ـديد وبيده يملس على شعرها بحنو هامسًا في دفء وصوت مبحوح :
_ حشـ.ـتـ.ـيني و أوي ياهنايا .. لو ت عـ.ـر.في أنا كنت بتعـ.ـذ.ب إزاي في بعدك عني .. إنتي النفس اللي بتنفسه ومقدرش أعيش من غيرك لحظة واحدة ، بس اوعدك إن مش هسمح لحد ياخدك مني تاني أو يبعدك عني ياروح بابا
سقطت دmعة صادقة من عيناه وهو لا يتوقف عن تقبيلها بحذر حتى لا تستيقظ .. رغم أنه يرغب كثيرًا في رؤية ابتسامتها التي تأثره وسماع صوتها الذي يعيد الحياة لروحه البائسة وهي تقول له ( بابي ) ، إلا أنه عز عليه أن يوقظها من سباتها العميق .. فاكتفى ببث شوقه لها عن طريق قبلاته على شعرها ووجنتيها وكفها .
خرجت همسة تحمل الاعتذار وصوته واضح عليه البكاء :
_ أنا آسف ياحبيبتي
تململت في فراشها بانزعاج بسيط فابتعد فورًا عنها حتى لا يوقظها وانتظر للحظات قصيرة حتى تعمقت في النوم من جديد وعاد يطبع قبلته الأخيرة على وجنتها بعمق وعلى شفتيه ابتسامة أبوية حانية ثم استقام واقفًا على قدmيه ورفع أنامله مجففًا دmعته ليعود لطبيعته الشامخة والقوية في لحظة قبل أن يغادر غرفة صغيرته .
***
دخلت جلنار غرفتها وجلست على فراشها وهي تطرق بحذائها على الأرض في عنف وبيدها تمسح على وجهها زافرة بعصبية محاولة تمالك نفسها حتى لا تنزل دmعة واحدة منها فتظهر ضعيفة أمامه .
نزعت ذلك الشال الذي يخـ.ـنـ.ـقها أكثر والقت به بانفعال على الفراش في عشوائية متأففة بقوة ، وفجأة انفتح الباب على مصراعيه ودخل هو ثم اغلقه خلفه .. استقامت على قدmيها تقف أمامه بشموخ ، فوجدته يتحرك نحوها بخطواط بطيئة ونظرات لا تبشر بخير أبدًا ، حتى أصبح أمامها تمامًا وتمتم بصوت بعث القليل من الرهبة في نفسها :
_ مين الحقير اللي كان موجود برا ده !
ابتسمت ببرود قاصدة استفزازه وتمتمت بنبرة مثلجة :
_ انهي واحد فيهم أصل كان في حقراء كتير برا وفي واحد منهم لسا واقف قدامي أهو
أحمر وجهه وظهرت عليه بشائر فقدانه لصوابه تمامًا ، فأطلقت صرخة مكتومة حين جذبها من شعرها وهمس في أذنها بهمس قاسي وعينان ملتهبة :
_ متخلنيش اوريكي الحقارة اللي على حق ياجلنار .. هروبك ببـ.ـنتي واختفائك طول الفترة دي كوم وجودك مع راجـ.ـل غريب وسماحك ليه إنه يلمسك ويقربلك دي كوم تاني ، عارفة لو طلعتي بـ....
صرخت به بعصبية وهي تحاول أفلات شعرها من قبضته :
_ هتعملي إيه يعني هااا .. هتقــ,تــلني مثلًا !
_ يعني هو صح إنتي بتخونيني !!!
تمكنت أخيرًا من الأفلات من قبضته وصاحت به بهستيريا :
_هو إيه اللي صح ! .. إنت مـ.ـجـ.ـنو.ن ومريـ.ـض نفسي ، أنا لو عايزة اخونك هقولهالك في وشك ومش هخاف منك لكن مش أنا اللي أعمل كدا ، حاتم صديق ليا من واحنا صغيرين وأنا اللي طلبت منه إنه يساعدني وهو ساعدني في السفر لهنا وساعدني في كل حاجة حتى البيت ده بيته .. كان خير صديق وأخ ليا ، عارف يعني إيه تكون حاسس بالآمان مع حد غريب عنك .. أنا عمري ما حسيت بالآمان لا معاك ولا مع بابا ، وده كله ولسا بتشك فيا وبتقولي بخونك ياخي اتقي الله بقى وارحم نفسك وارحمني
انتبه لملابسها فتجاهل كلامها كله وهتف بغيرة ظاهرة في عيناه :
_ إيه اللي لبساه ده ! .. إزاي تطلعي بالشكل ده قدام الـ **** اللي كان موجود برا ده
اطالت النظر في وجهه بجمود تام وهي تجز على أسنانها بغـ.ـيظ وقالت بصوت قوي :
_ اطلع برا يا عدنان مش عايزة اشوفك .. مش طيقاك
نزل بنظره على جسدها المرسوم ومعالمه ظاهرة بوضوح حتى أن فتحة الصدر تظهر عن داخلها ، التهبت نيرانه أكثر وجلجلت نيران الغيرة في صدره ، فتقدm خطوة منها واستقرت في عيناه نظرة مريبة اربكتها جعلتها تتراجع للخلف وهو لا يزال يتقدm إليها حتى وجدت نفسه تصطدm بالحائط من خلفها ومحاصرة بين جدارين أحداهما حقيقي والآخر كان هو يقف كالسد المنيع بهيئته المريبة .. وضع كفه على الحائط بعنف مصدرًا صوتًا عاليًا أثار وغزة بسيطة في جسدها ويده الأخرى نزلت لخصرها يمسكها منه بتملك ويجذبها إليه في قوة ويهتف أمام وجهها مباشرة بتحذير حقيقي :
_ عارفة لو شفتك لابسة البتاع ده قدام حد تاني .. قولي على نفسك يارحمان يارحيم ياجلنار
ابتلعت ريقها بقلق واضطراب بسيط وهي تحملق بعيناه التي تظهر فيها علامـ.ـا.ت الغيرة الحقيقية ، ثم سمعته وهو يكمل بصوت الخشن :
_ و*** اللي اسمه حاتم ده .. انسيه تمامًا ومش عايز اشوفك بتتكلمي معاه مجرد كلام فاهمة ولا لا ، وإلا قسمًا عظمًا اخليكي تشوفي النجوم في عز الضهر يابـ.ـنت الرازي
ثم عاد ينزل بنظره مرة أخرى إلى ذلك الفستان الذي ترتديه ثم دفعها بعيدًا عنه بنفور مزيف وهتف بقسوة :
_ وغيري القرف اللي لابساه ده
شعرت بالراحة عنـ.ـد.ما حررها من بين براثينه وتمتمت بقرف وهي تفتح الخزانة وتجذب من ملابسها ما تجده أمامها وتتجه نحو الحمام متمتمة بقرف :
_ هو فعلًا مقرف زي اللي جايبه
ثم دخلت الحمام وأغلقت الباب واستمرت في التمتمة المرتفعة نسبيًا والتي وصلت لمسامعه في الخارج فسمعته وهو يهتف بصوت غليظ :
_ من غير برطمة
***
نزلت الدرج بهدوء حتى وصلت لآخر درجاته ووقفت تهتف محدثة أسمهان التي تجلس على مقعد وثير وبيدها كتاب تقرأ به :
_ هو عدنان فين ياماما ؟
أسمهان ببرود :
_ ومسألتهوش ليه قبل ما يطلع !؟
_ اصل كنت تعبانة شوية ونمت ويدوب دلوقتي اللي صحيت
لوت أسمهان فمها باستنكار وقالت بعدm اكتراث وهي تعيد نظرها إلى الكتاب مرة أخرى :
_ جاله تلفون فجأة وطلع على فوق غير هدومه ونزل ومشي ومردش عليا حتى لما سألته رايح فين
ضيقت فريدة عيناها باستغراب وظلت مكانها تفكر بتدقيق محاولة تخمين السبب الذي يجعله يخرج هكذا مهرولًا وسرعان ما ظهرت علامـ.ـا.ت الدهشة على محياها وهي تقترب من أسمهان وتقول :
_معقول يكون عرف مكان جلنار
ألقت أسمهان الكتاب من يدها بعنف وصاحت في انفعال :
_ متجبليش سيرة المقرفة دي .. ان شاء الله تكون غارت في داهية ولا مـ.ـا.تت وريحتنا منها
هتفت الأخرى بتمنى ونظرة مستنكرة أمنية أسمهان :
_ ياريت بس هو اللي زي دي بيحصلهم حاجة .. دي بسبع أرواح
تأففت أسمهان بخـ.ـنـ.ـق وامسكت بكتابتها مرة أخرى تعيد القراءة من جديد محاولة عدm التركيز على الجملة التي نطقت بها تلك الجالسة بجوارها .. حول معرفة عدنان لمكان زوجته ! .
***
خرجت من الحمام بعد أن بدلت ملابسها وارتدت منامة منزلية فضفاضة بعض الشيء ومريحة ، وجدته يتحدث في الهاتف مع أحدهم باللغة الإنجليزية وكان يتحدث عن منزل ! .
وقفت بمكانها لدقيقة حتى انتهى من اتصاله والتفت بجسده ناحيتها فقالت هي في وجه محتدm :
_ بيت إيه اللي بتتكلم عنه ده ؟
تفحص ملابسها الجديدة بنظرة ذات معنى ثم أجاب على سؤالها بإجابة مختلفة تمامًا :
_ جهزي نفسك ولمي هدومك يلا .. هنروح نقعد في بيت صغير لغاية ما نمشي
اندفعت نحوه بعصبية وهتفت بعناد :
_ أولًا أنا مش هرجع معاك .. ثانيا ماله البيت ده منقعدش فيه ليه
انحنى برأسه عليها وهمس محاولًا تمالك أعصابه حتى لا ينفجر بها كالبركان :
_ هو مش ده برضوا بيت الحـ.ـيو.ان اللي كان بيساعدك
جلنار بشجاعة ونظرات مشتعلة :
_ متغلطش فيه !
تستفزه عمدًا وهو أفضل شخص يمكنه معـ.ـا.قبتها على طريقتها الفظة في التعامل معه .. ابتسم بوجه غريب وهمس بصوت رجولي مريب :
_ بلاش تختبري صبري عليكي عشان هتنـ.ـد.مي ياروحي
جلنار بنبرة محتقنة ونظرات مستاءة :
_ جيت ليه ياعدنان .. لو فاكر إنك هتقدر تاخد بـ.ـنتي مني يـ ....
توقفت عن الكلام عنـ.ـد.ما سمعته يلتقط بقية العبـ.ـارة من فمها ويختمها هو بأسلوب متفنن وبنظرة ثاقبة وقوية كالعُقاب تمامًا :
_ تؤتؤ أنا هاخد بـ.ـنتي ومراتي مش بـ.ـنتي بس
انغمست في نظرته وتاهت بها ولكن سرعان ما عادت لوعيها فقالت بحزم وإصرار :
_ بس أنا عايزة أطلق
عدنان ببرود مستفز :
_ اعتقد إنك معجبكيش إن لو أطلقنا هاخد بـ.ـنتي ، فالأفضل إنك تنسي الموضوع ده .. وإنتي تفضلي مع بـ.ـنتك وأنا كذلك وهي تعيش وسط أبوها وأمها
_ إنت بتلوي دراعي يعني !!
ابتسم بعدm مبالاة ثم مد يده إلى شعرها وارجع إحدى خصلاتها المتمردة التي تثير جنونه إلى خلف أذنها وهمس بخفوت :
_ أبدًا .. أنا بالعكس بديكي احتمالات وبخيرك والاختيار ليكي إنتي يارمانتي
أحمر وجهها بغـ.ـيظ بعد سماعها لآخر كلمـ.ـا.ته التي طالما كان يقولها لها بسبب أسمها وأن جلنار هي زهرة الرمان .. دفعت يده عنها بعنف وصاحت :
_ متلمسنيش ومتقوليش رمانتي فاهم ولا لا
عدنان بابتسامة جانبية خبيثة وبصوت هاديء تمامًا :
_ روحي لمي هدومك إنتي وهنا يلا عشان نمشي
ظلت مستمرة بأرضها تحدجه بعينان ملتهبة من الغـ.ـيظ والبغض على تسلطه والضغط عليها من جهة ابـ.ـنتها في قرار طـ.ـلا.قهم ، لكنها لن ترضخ له ! .. تنهدت بعد لحظات من التحديق ببعضهم البعض هو نظراته كلها برود وعدm مبالاة وهي تستشيط غـ.ـيظًا وغلً ، قالت بقوة :
_ هاجي معاك دلوقتي بس عشان مليش وش أقعد في بيت حاتم بعد اللي عملته إنت وبابا معاه
تمكنت بلحظة من بث الضجر في نفسه حيث تحول إلى جمرة ملتهبة وقبض على ذراعها يهتف بنبرة مرتفعة ومنذرة :
_ ولو جبتي سيرته قدامي تاني ياجلنار هتروحي تحضري جنازته بكرا
طالعته من فوق لأسفل باستهزاء ثم انتشلت ذراعها من قبضته وغادرت الغرفة بكل ثبات وهدوء ، وتركته يقف يشتعل ويتوعد لها بعقـ.ـا.ب عسير على تصرفاتها المتعمدة وأسلوبها معه ! .
***
تجلس زينة بجوار أمها على طاولة صغيرة مكونة من مقعدين لهم فقط ، وتتجول بنظرها بين الوجوه في ذلك الزفاف الممل .. فقد احضرتها والدتها رغمًا عنها معها إلى هنا ، متحججة بأنه زفاف ابنة صديقتها المقربة وأنها قامت بدعوتها دعوة خاصة وأصرت على حضورها هي وابـ.ـنتها .
نظرت ميرفت لابـ.ـنتها وهتفت بحزم :
_ في إيه يازينة !
ردت عليها بخـ.ـنـ.ـق وتزمر :
_ كان لازم يعني ياماما تخليني آجي معاكي
ميرفت :
_ يابـ.ـنتي نيرمين أصرت عليا أني آجي واجيبك معايا وعيب لما متجيش ،افردي وشك بقى شوية يازينة الله مش كدا ! .. ده حتى العروسة قمر ماشاء الله عقبال ما افرح بيكي كدا ياحبيبتي
همست زينة لنفسها بيأس وهي تزم شفتيها :
_ مش لما يتلحلح ابن اختك ويحس بيا شوية الاول
هتفت أمها بحاحب مقتطب واستغراب عنـ.ـد.ما سمعت منها همهمة غير مسموعة :
_ بتقولي حاجة !
زينة بابتسامة صفراء :
_ بقول أيوة حلوة فعلا العروسة ربنا يسعدهم
ثم عادت بنظرها تتابع الزفاف والفتيات وهم يرقصون مع العروس ، والعريس الذي أخذ جزء له هو وأصدقائه يرقصون فيه .. وفجأة ظهر أمامها شاب يافع وطويل البينة ووسيم ، يبدو أنها لم تلاحظه وهو يقترب منهم بسبب انـ.ـد.ماجها في متابعة العروسين .. وجدت يمد يده ويصافح أمها بحرارة ويهتف ببشاشة :
_ ازيك ياطنط ميرفت
ردت عليه ميرفت بابتسامة عريضة وبعذوبة :
_ أزيك يارائد .. عاش من شافك كبرت ماشاء الله ، مبروك لنورهان ربنا يسعدها يارب
_ آمين يارب
التفت بنظره ناحية زينة التي كانت تحدقه بجمود وفهمت من خلال الحديث أنه شقيق العروس وابن صديقة والدتها ( نرمين ) فقالت ميرفت مبتسمة :
_ دي زينة بـ.ـنتي
ابتسم بإعجاب وطال النظر في زينة بينما هي فارتبكت من نظرته ، ثم هتف بنظرة لها تأثير خاص :
_ عقبالك
اكتفت بالابتسامة الخجلة ، وفجأة بدأت موسيقى رومانسية لطيفة فوجدته يلتفت برأسه نحو أمها وكأنه يرسل لها إشارة مبهمة لم تفهمها هي ثم رأته يعود برأسه ناحيتها وينحنى بجزعة للأمام ثم يبسط يده أمامها فتبادلت النظرات مع والدتها باستغراب ، لتجد الرد من أمها وهي توميء لها بالموافقة .. نظرت في عينان ذلك الرجل الغريب الذي تراه لأول مرة ويعرض عليها أن تشاركه الرقص ، تنهدت بعدm حيلة ثم شبكت يدها بيده في استحياء شـ.ـديد ووقفت وسارت معه إلى ساحة الرقص التي امتلأت بضيوف الزفاف وكل رجل معه امرأة اصطحبها للرقص معه .
وقفت في منتصف الساحة ووقف هو أمامها ثم شعرت بإحدى ذراعيه تلتف حول خصرها واليد الأخرى أمسك بكفها الرقيق .. انحبست أنفاسها عنـ.ـد.ما شعرت بيده على جسدها وتلفتت حولها بخجل ووجنتان حمراء كالدm ، وبتلقائية وضعت كفها على كتفه وعيناها تدور بكل مكان إلا على وجهه وبداخلها تدعو ربها أن تنتهى هذه الموسيقى سريعًا .
رائد بنبرة هادرة وابتسامة جذابة :
_ أنا رائد عندي 28 سنة وخريج كلية هندسة
اضطرت للنظر له وقالت بصوت خافت وحياء ملحوظ :
_ تشرفت بمعرفتك
_ أنا أكتر أكيد
هتفت زينة تسأل بصراحة دون أن تتردد .. بعد لحظات طويلة من الصمت من محاولاتها لتفادي نظراته الثابتة عليها :
_هو أنت مش شايف أنه غريب شوية إنك تعرض عليا ارقص معاك واحنا أول مرة نشوف بعض
رائد بهدوء تام وابتسامة واسعة وهو يهز رأسه بالنفي :
_ لا خالص .. بعدين أنا اعرفك من بدري إنتي بس اللي متعرفنيش
رفعت حاجبها بدهشة واحست بأن خجلها تلاشي كله وحل محله الذهول فسألته بفضول شـ.ـديد :
_ تعرفني إزاي ؟!!
نظر حوله وهو لا يزال مبتسم ثم قال بنظرة أعادت الخجل لوجهها مجددًا :
_ الموسيقى خلصت وتقريبًا مبقيش غيرنا اللي واقف
تلفتت حولها بصدmة فلم تجد أحد بالفعل غيرهم .. ابتعدت عنه بوجه مسيطر عليه لون الدmاء الأحمر ثم نزلت من على المسرح ولحق هو بها ليوقفها قبل أن تصل لطاولتها عند أمها .. التفتت بجسدها نحوه لتجده يقف ويهتف بثقة واضعًا كفيه في جيبي بنطاله :
_هنتقابل كتير الأيام الجاية وسعتها هقولك اعرفك إزاي
طالعته باستغراب وبنظرة متـ.ـو.ترة قليلًا ولكنها آثرت عدm الرد وفقط استدارت من جديد وسارت باتجاه والدتها التي كانت تتابعهم مبتسمة .
***
في أمريكا .....
دخلت جلنار لغرفة صغيرتها واتجهت نحو فراشها ثم جلست بجوارها على الحافة وهزتها برفق تهتف :
_ هنا ياحبيبتي قومي يلا عشان هنمشي
فتحت الصغيرة جزء من عيناها بتكاسل وهمست بصوت سمعته جلنار بصعوبة وهي تدفع يد أمها عنها بخـ.ـنـ.ـق :
_ لا
ابتسمت جلنار ثم انحنت على أذنها وهمست بجملة كانت تعرف جيدًا كيف سيكون نتائجها عليها :
_ بابا جه وقاعد برا مش هتقومي تشوفيه
استيقظت جميع حواسها فور سماعها لاسم أبيها وفتحت عيناها كلها دفعة واحدة بصدmة فضحكت جلنار بقوة ثم قالت :
_ قومي يلا اجري روحي شوفيه
هبت الصغيرة جالسة ونزلت من فراشها وغادرت غرفتها وهي تفرك عيناها لتزيح أثر النوم عنها وتتمكن من الرؤية في الضوء بوضوح ، وصلت إلى الصالون ورأت أبيها يقف في الشرفة متكيء على السور بساعديه .. فاتسعت عيناها بذهول أشـ.ـد وصاحت بفرحة غامرة :
_ بابي
صك صوتها أذنيه فالتفت فورًا للخلف بتلهف وباللحظة التالية فورًا .. كانت هي تركض نحوه في سعادة حتى وصلت إليه فانحنى وحملها على ذراعيه وعاد يمطرها بوابل من قبلاته المشتاقة والحنونة بينما هي فهتفت بفرحة :
_ وحستني ( وحـ.ـشـ.ـتني ) أوي
دفن وجهه بين شعرها يشم رائتحها التي تعيد لروحه الحياة من جديد ويهمس بصوت يحمل في طياته كل الشوق والحب الأبوي :
_ وإنتي حشـ.ـتـ.ـيني و أوووووي ياهنايا
نظرت له بابتسامة عريضة فاتسعت هو الآخر ابتسامته على أثر ثغرها الجميل المبتسم وقال باهتمام وحب :
_ عاملة إيه يا سلطانة بابي ؟
_ كويسة
ردت عليه بلطافة تسرق القلوب والعقول ثم سألت بحماس ووجه مشرق :
_ هنرجع البيت ؟!
عدنان بعدm تردد :
_ طبعا ياروحي هنرجع بيتنا .. لا يمكن اسيبك تاني ولا ابعدك للحظة عني
_ وماما ؟!
رفع نظره عن ابـ.ـنته ونظر لجلنار التي تقف على مسافة منهم وتستند بكتفها على الحائط وتتابعهم مبتسمة بصفاء ، لكن سرعان ما اختفت ابتسامتها حين وقعت عيناه عليها .. بينما هو فهمس لابـ.ـنته بنبرة تحمل المرح البسيط :
_ مامي هتاجي معانا طبعًا هي تقدر تقول لا أصلًا
التفتت هنا برأسها نحو أمها وارسلت لها ابتسامة مشرقة وسعيدة فبادلتها إياها جلنار بنظرات دافئة .
***
في صباح اليوم التالي .......
توقف آدm بسيارته في أحد المناطق الشعبية يدخلها للمرة الأولى .. ضغط على زر في باب السيارة ونزل الزجاج ليكشف له بوضوح عن طبيعة الحياة في هذه المنطقة .. أطفال يرتدون ملابس متسخة ويركضون ويلهون ، بعضهم ينحنى ويضم يده في الأرض ويملأ قبضته بالتراب ثم يقف ويليقها على قرينه الذي كانوا يلعبون مع بعضهم للتو وتشاجروا على شيء .. نساء تسير حاملة بيديها أكياس ومستلزمـ.ـا.ت منزلها من السوق .. ضجة وأزعاج رهيب بهذا المكان !! .
تلفت برأسه يمينًا ويسارًا بتعجب محاولًا إيجاد أي شيء من الذي وصفه له صديقه .. تنهد بالأخير بخـ.ـنـ.ـق وأخرج هاتفه من جيبه واجري اتصال بصديقه الذي أجاب عليه بعد ثواني معدودة :
_ أيوة يا آدm أنت فين ؟
آدm بنفاذ صبر :
_ اوصف الزفت المكان كويس يازياد .. أنا شكلي توهت ودخلت في منطقة غلط !
قهقه صديقه بصوت مرتفع وقال :
_ توهتي يانوغة
آدm بتحذير وانفعال من استهزاء صديقه به :
_ احترم نفسك عشان مغلطش فيك وأنا لساني قليل الأدب
زياد ضاحكًا :
_ طيب ياعم خلاص اوصفلي أنت دخلت فين بظبط عشان اقولك ترجع وتاجيلي إزاي
هدأ آدm قليلًا وبدأ يصف له المكان الذي هو فيه وينظر إلى أعلى المحلات يقرأ اسمائها ويخبره بها .. لكن فجأة وجد طفل صغير يمد يده من زجاج السيارة ويجذب الهاتف من يده ويركض !! .
***
فتح عدنان عيناه ببطء في الصباح الباكر وهو يشعر بعضلات جسده كلها متشنجة ، فقد جلس طوال الليل على مقعد بجوار فراش صغيرته بعدmا ذهبوا للمنزل الجديد وظل يقرأ لها القصص حتى نامت ولم يشعر بنفسه إلا وهو يذهب بالنوم معها .
اعتدل في جلسته ورفع ذراعيه لأعلى يتمطع بألم وأسند الكتاب الصغير الذي كان يقرأ منه القصص لابـ.ـنته على المنضدة الصغيرة بجواره ، ثم هب واقفًا وفرك عيناه وانحنى عليها يطبع قبلة رقيقة على شعرها قبل أن يرفع الغطاء عليها ويدثرها جيدًا .
اتجه نحو باب الغرفة وفتحه بحذر شـ.ـديد حتى لا يزعجها في نومها وغادر وتركه مواربًا .. رفع كفه لرقبته يفركها بألم ويحركها على الجهتين برفق ، أصدر تأففًا حارًا ثم وقع نظره على الغرفة المقابلة له والتي لازمتها جلنار منذ قدومهم بالأمس ، تحرك بخطواته الثابتة نحوها ثم فتح الباب ودخل فوجدها نائمة في فراشها ووجها مقابل للباب وشعرها مفرود بجوارها على الوسادة ، ترتدي منامة منزليه تصل لركبتيها ولكن ارتفعت قليلًا لما فوق الركبة دون أن تشعر وهي نائمة .
مالت شفتيه درجة واحدة لليسار وهو يتأملها قبل أن يقترب منها بخطواته في بطء حتى لا تشعر به ويقف أمام الفراش ينظر لها وهي منكمشة بجسدها من البرد ، انحنى عليها قليلًا ومد يده إلى منامتها حتى ينزلها ولكنها انتفضت جالسة كالتي لدغتها عقرب بمجرد ما شعرت بلمسة يده ، وقالت بغضب :
_ بتعمل إيه !!
عدنان بنظرات ثاقبة ونبرة جافة :
_ مالك اتخضيتي كدا ليه
_ المفروض متخضش يعني لما اكون نايمة وأحس بلمسة حد على جـ.ـسمي
مالت برأسها للخلف في ارتباك بسيط عنـ.ـد.ما وجدته ينحنى بجسده ووجهه عليها ليهمس في نبرة غليظة :
_ أولًا أنا مش حد .. ثانيًا مفيش غيرنا في البيت
استعادت شجاعتها وقوتها لتجيب عليه بنظرات شرسة وتحذيرية :
_ متلمسنيش تاني مفهوووم ياعدنان
لاحت بشائر ابتسامته المستهزئة وقال ببرود وبعينان حادة النظر :
_ مفهوم !!!! .. ولو لمستك بقى هتعملي إيه !
همت بأن تجيب عليه لكن رنين الباب أوقفها و.جـ.ـعلها تتبادل معه النظرات باستغراب .. ثم انتصب هو في وقفته واستدار مغادرًا الغرفة متجهًا نحو الباب وهي لحقت به .
أمسك بالمقبض واداره ثم جذب الباب إليه ليجد أمامه ضباط شرطة يرتدون الزي العسكري الأمريكي .. اتسعت عينان جلنار بصدmة وهرولت تقف خلفه وهي تنظر إلى الضباط بدهشة ! .
↚كانت في طريقها إلى منزلها بعد عودتها من يومها الأول في العمل بإحدى المكتبات ، وتحمل بيدها كيس يحتوي على علب اقراص الدواء الخاص بجدتها .. وإذا بها تجد الكيس يسقط من يدها بعدmا اصطدm بها أحد أطفال جارتها وهو يركض بخـ.ـو.ف ، قبضت على الطفل وامسكته من ياقة قميصه وهتفت بغـ.ـيظ هي تنحنى عليه :
_ وبعدين معاك يا ....
لم يدعها تكمل جملتها حيث حاول إفلات يدها عن قميصه وهو يصـ.ـر.خ :
_ابعدي يامهرة هيمسكني
التفتت برأسها للخلف لم تجد أحد فعادت له وقبل أن تتفوه ببـ.ـنت شفة انتبهت إلى الهاتف الذي بيده فصاحت به وهي تضـ.ـر.به بخفة على رأسه :
_ تلفون مين ده .. أنت محرمتش يالا ، هات التلفون ده
صرخ بها وهو يتململ بين قبضتها محاولا الهرب :
_لا وابعدي بقى بدل ما اضـ.ـر.بك
مهرة بضحكة ساخرة :
_ تضـ.ـر.ب مين يا ابن الهبلة وأنت قد عقلة الاصبع كدا .. ده أنا لو دوست عليك هفعصك ، هات التلفون عشان نرجعه لصاحبه
لمح الصغير آدm وهو يقترب منهم بخطواته السريعة فصاح بمهرة وهو يحاول الإفلات منها :
_ جه يامهرة ابعدي ابو شكلك
شهقت بصدmة ثم رفعته من قميصه بكف واحد لأعلى وقالت أمام وجهه بنظرات مغتاظة :
_ ابو شكلي أنا ! .. ده أنا هعملك زعافة يابن سعاد القرعة
وصل آدm ووقف أمامهم وهو يغلي من الغضب وعلى وشك أن يمسك بذلك الطفل ويخـ.ـنـ.ـقه ، بينما مهرة فانتفضت واقفة بفزع وانزلت الصغير وهي تهتف بفزع :
_ بسم الله حد يخض حد كدا ياعم أنت
انتبهت لهيئته الفخمة وملامح وجهه الوسيمة وعيناه الخضراء وملابسه التي تعكس طبيعة حياته ، ابتسمت ببلاهة ثم نظرت الصغير وهتفت بنظرات زائغة :
_ مين ده ؟!
أجابها بقرف وضيق :
_ صاحب التلفون
اتسعت عيناها والقت نظرة على آدm الذي كان يقف ويحدقهم بنظرات نارية ثم عادت بنظرها للصغير وضـ.ـر.بته بخفة على رقبته بغـ.ـيظ :
_ وأنت من امتى بتسرق الناس الحلوة دي !
خرج صوت آدm الخشن والمنفعل وهو يجذب هاتفه من يد الصغير :
_ اه ده انتوا عصابة بقى .. طيب أنا هعرفكم إزاي تسرقوا كويس بعد كدا
ضغط على شاشة هاتفه يجري اتصال بالشرطة وقبل أن يضغط على زر اتصال .. هتفت مهرة مسرعة بابتسامة بسيطة :
_ اهدى في إيه ياعم .. وحقك علينا ده ولد صغير وغلط واحنا هنشـ.ـد عليه كويس أوي
_ وإنتي مين أصلًا ؟!
همت بأن تجيب وهي تمد يدها له بثقة حتى تصافحه وبابتسامتها الواسعة لكن الطفل هتف قبلها بابتسامة شيطانية :
_ مهرة الهطلة !
وجد الصغير كفها ينزل على رقبته بعنف حتى أسقطه على الأرض وهي تهتف جازة على أسنانها بغـ.ـيظ :
_ اكتم ياجحش
ثم عادت ترسم ابتسامتها من جديد في وجه آدm وتقول بضحكة بلهاء :
_ لا مؤاخذة أصل احنا عندنا في الحارة خراتيت صغيرة كتير أمثال الخرتيت ده
نزل آدm بنظره إلى كفها الممدود ونظر لها باشمئزاز قبل أن يهتف بصوت رجولي غليظ وغضب :
_ لولا أنه طفل بس كان زماني دلوقتي اتصلت بالشرطة وبلغت عنكم
_معلش امسحها فينا يا يابـ.....
لم تكمل جملتها ووجدت الولد يمسك بملابسها ويمسح أنفه بها فدفعته بعيدًا عنها وهي تصيح به باشمئزاز :
_بتعمل إيه يامبقع يا ابن المبقعة
الطفل بابتسامة بـ.ـاردة وهو يتلاعب بحاجبيه قاصدًا استفزازها :
_بمسحها فيكي
رمقهم آدm بقرف ثم استدار وانصرف وهو يجيب على صديقه في الهاتف الذي يستمر في الرنين ، وصاح به بغضب :
_ وحياة أمي لاظبطك يا زياد لما اشوف خلقتك بس
زياد ضاحكًا :
_ليه ياعم بس حصل إيه .. أنت قفلت فجأة ليه من شوية
_ اقفل اخلص أنا على اخري
بينما مهرة فنظرت مكان آدm ولم تجده ثم نزلت إلى الصغير ووجدته يركض بعيدًا عنها فصاحت عليه بوعيد :
_ هتروح مني فين يعني مسيري هجيبك
ثم نظرت لملابسها وكانت على وشك التقيء فأخذت تلعن وتسب بذلك الولد .. انحنت على الأرض والتقطت كيس الدواء واكملت طريقها نحو منزلها وهي تهتف بتحسر :
_ منك لله يا ابن سعاد القرعة .. فضحتني قدام الواد التركي ، ده بينور في الضلمة من حلاوته .. على سيرة الضلمة كنت هنسى والله أما اروح اشتري لمبة للمطبخ احسن فوزية تعلقني في السقف بدالها
***
تجوب الغرفة إيابًا وذهابًا وهي تفرك وجهها بتـ.ـو.تر .. منذ قليل ذهب زوجها مع الشرطة بعدmا أخبروه أن حاتم الرفاعي قام بتقديم شكوى ضده نتيجة لأعتدائه عليه بالضـ.ـر.ب في منزله .
حسمت أمرها بنهاية الأمر فليس لديها خيار آخر حتى تخرجه به .. اتجهت نحو خزانتها وأخرجت بنطال أبيض اللون فضفاض يعلوه توب دون أكمام وتركت شعرها منسدل على ظهرها واكتافها ثم غادرت غرفتها واتجهت إلى غرفة صغيرتها وايقظتها من نومها وهي تهزها برفق :
_ هنا قومي ياحبيبتي يلا
فتحت الصغيرة عيناها ونظرت لأمها بعينان ناعسة بينما جلنار فاستقامت واقفة وأخرجت ملابس مناسبة لابـ.ـنتها وعادت لها وهي تساعدها على الوقوف وتهتف بعجلة :
_ يلا فوقي بقى عشان رايحين لاونكل حاتم
فركت " هنا " عيناها بتكاسل وجلنار حملتها على ذراعيها واتجهت إلى الحمام وهي تهتف :
_ نغسل وشنا عشان نبقى حلوين وبعدين نلبس
وقفت أمام المرحاض وغلست لها وجهها جيدًا ثم عادت بها مرة أخرى إلى الغرفة وبدأت تساعدها في ارتداء ملابسها ، ثم خرج صوت الصغيرة الخافت والناعس :
_ بابي فين ؟
أجابتها جلنار بطبيعية وكأن كل شيء على ما يرام وهي تمسك بذراعيها وتضعهم في أذرع الجاكت :
_ بابي راح مشوار وجاي
جلست هنا على الفراش بعدmا وجدت أمها تحملها وتجلسها فوقه وتمسك بقدmها وتلبسها حذائها ثم تلتقط فرشاة الشعر وتسرح لها شعرها سريعًا برفق ، وأخيرًا أمسكت بيدها وهي تهتف بعجلة شـ.ـديدة :
_ يلا
كانت هنا تسير بخطوات غير متزنة ومتمايلة بفعل تأثير النوم الذي يستحوذ عليها إلى الآن فوقفت جلنار عند باب المنزل وارتدت حذائها وعلقت حقيبتها على كتفها ثم انحنت وحملت ابـ.ـنتها على ذراعيها وغادرت بها المنزل بأكمله .
***
خرجت أسمهان من غرفتها وكانت في طريقها إلى أسفل لكن اخترقت اذناها همهمـ.ـا.ت قادmة من غرفة عدنان .. ضيقت عيناها باستغراب ثم تحركت ببطء شـ.ـديد حتى لا تثير أي ضجة .. وقفت أمام الباب ثم وضعت أذنها عليه تستمع لجملة فريدة الأخيرة وهي تهتف ضاحكة :
_ خلاص هاجي حالًا حاضر ملوش لزمة العصبية دي كلها
ثم توقفت عن الكلام لثواني تستمع لرد الطرف الآخر وردت بعدها :
_ باي باي
انتصبت أسمهان في وقفتها وظهر الشر في عيناها فمدت يدها لمقبض الباب وفتحته بقوة دون أذن وندفعت نحوها تهتف بحدة :
_ رايحة فين ؟
رفعت فريدة حاجبيها بدهشة وهتفت بابتسامة مرتبكة بعض الشيء خشية من أن تكون سمعت حديثها :
_ إيه ياماما مش تخبطي بس خضتيني
أسمهان بنظرات ساخرة ولهجة صارمة :
_ تعليمـ.ـا.ت ابني كانت واضحة أوي لما قالك مفيش خروج من البيت إلا بإذنه
ابتسمت فريدة ببرود وهتفت محاولة تمالك أعصابها :
_ بس ابنك مش موجود ومش عارفين هو فين أصلًا ومش بيرد على حد
أسمهان بصوت مرتفع :
_ يبقى تستني لغاية ما ياجي يامدام يامحترمة وبعدين تطلبي منه الأذن عشان تخرجي
تحركت خطوة نحوها وهمست بنظرات مستنكرة تحكمـ.ـا.تها الجديدة بها :
_هو في إيه يا أسمهان هانم .. من امتى وإنتي بتتحكمي فيا وفي خروجي ودخولي !
أسمهان بنظرة متقدة وتحمل إشارات تحذيرية وصلت لفريدة جيدًا :
_ من وقت من بدأت أتساءل على اتصالاتك المستمرة وخروجك وحججك
لم تنكر أن الخـ.ـو.ف تسلل لها من تهديدها وشكها الصريح بها الذي اوضحته في كلمـ.ـا.تها .. لكنها قررت بإلقاء ورقتها الرابحة حتى تحسم المنافسة بينهم .. انحنت على أسمهان وهمست لها بغمزة ماكرة ونظرات استفزازية :
_ أنا بقول إنك تطلعيني من دmاغك أفضل عشان لا أنا ولا إنتي حابين عدنان يعرف إنك ت عـ.ـر.في مكان جلنار وإنك إنتي اللي بعتيله صورها .. والكبيرة محاولتك لقــ,تــل حفيدتك لما كانت في بطن مامتها وأنا اللي نقذتك وخليت الدكتور يقول إنه مجرد تسمم وإنها أكلت أكل فاسد
تشنجت عضلات وجه أسمهان وأحمرت عيناها من فرط الغضب والغـ.ـيظ .. وفجأة قبضت على ذراع فريدة وجذبتها إليها وهي تهمس أمام وجهها بعينان نارية ونبرة منذرة تحمل الشر الحقيقي :
_ جربي كدا وقوليله وشوفي هعمل فيكي إيه ياقذرة لتكوني نسيتي أصلك يابيئة ياتربية الشوارع .. لولا ابني كان زمانك في مكانك الطبيعي في الشارع ، عيشتي عيشة الملكات في القصور ولبستي انضف لبس ونضفتي على حسابنا .. حساب أل الشافعي ، اللي إنتي متطوليش ضفر أصغر واحد فيهم
اشتعلت عيني فريدة بغـ.ـيظ وقهر ثم دفعت يد أسمهان عنها وقالت بنظرات غريبة وبابتسامة لئيمة :
_ غلطانة أنا طولت قمة أل الشافعي .. ابنك وقدرت اخليه يعشقني وبقى روحه فيا وحتى لما اتجوز عليا مقدرش يحب جلنار بسبب حبه ليا .. ثم أني صحيح تربية شوارع وتصرفاتي اللي مش بتعجبك قد تكون بسبب تربيتي والبيئة اللي جيت منها .. لكن إنتي إيه يا أسمهان هاااانم !!!
تلون وجهه أسمهان وأصبح أحمر كالدm من فرط غـ.ـيظها وهي تستمع لاهانتها الصريحة لها .. رفعت كفها في الهواء وهوت به على وجنتها في قوة وهي تصيح بها :
_ أنا هعرفك أنا مين كويس أوي يابـ.ـنت فاطمة الخدامة
ثم استدارت واندفعت لخارج الغرفة وهي تستشيط غـ.ـيظًا وتتوعد لها بأن لن تدع أهانتها لها تمر مرار الكرام .. ومن الواضح أن يجب عليها أن تبدأ في التخلص من فريدة أولًا ومن ثم تتفرغ لابنة الرازي .. اصطدmت بآدm الذي كان خارجًا من غرفته ومتجه لأسفل حتى يذهب لمعرضه .
آدm بنظرات متعجبة وهو يرى وجهها المحتدm :
_ مالك ياماما ؟
أسمهان وهي تحاول تمالك انفعالاتها أمام نجلها الأصغر وتهتف بطبيعية مصطنعة :
_ مفيش ياحبيبي .. معرفتش أخوك راح فين ؟
آدm وهو يهز رأسه بالنفي :
_ لا بس متقلقيش عليه هو تلاقيه ظهرله شغل مفاجيء أو حاجة .. مش جديد على عدنان الاختفاء فجأة كدا يعني ، بكرا ولا بعده هيرجع ونعرف كان فين
مسحت على كتفه بحنو وهمست بابتسامة دافئة :
_ ربنا يستر .. خلي بالك من نفسك ياحبيبي
انحنى وخـ.ـطـ.ـف قبلة سريعة من وجنتها وهو يجبها بمزاح :
_ حاضر يا أسمهان هانم
اكتفت بابتسامة حانية رسمتها بصعوبة بسبب النيران المشتعلة في داخلها من حديثها مع فريدة .. بينما آدm فتركها وأكمل طريقه إلى خارج القصر تمامًا ليستقل بسيارته ويرحل .
***
وقفت أمام الباب وطرقت عدة طرقات متتالية و ابـ.ـنتها تقف بجانبها وتتجول بنظرها في أرجاء الحديقة بنظرات طفولية لمكان جديد تراه للوهلة الأولى .
لحظات قليلة وفتح الباب لتظهر الخادmة التي يبدو عليها تقدm العمر فهتفت جلنار بجدية تامة تحدثها باللغة الأنجليزية :
_ أين السيد حاتم ؟
أجابتها الخادmة برسمية :
_ موجود بمكتبه ياسيدة جلنار تفضلي
دخلت ولحقت بها الصغيرة ورأسها لا تتوقف عن التلفت بكل جزء في المنزل .. وقفت جلنار قبل مكتب حاتم واستدارت باتجاه ابـ.ـنتها وانحنت عليها تهمس بحنو :
_ خليكي هنا ياهنون أنا هدخل أقول حاجة لعمو حاتم وهطلع .. اقعدي على الكرسي ومتتحركيش تمام
تمتمت هنا بتذمر :
_ دخليني معاكي
طبعت قبلة عميقة على وجنتيها وهتفت بلطف :
_ لا ياحبيبتي مش هينفع خليكي هنا ، أنا عارفة هنا شطورة وحبيبة مامي هتسمع الكلام مش كدا
زمت شفتيها بيأس وأماءت لها بالإيجاب في خـ.ـنـ.ـق ثم استدارت وتحركت باتجاه المقعد التي أشارت لها عليه أمها وجلست فوقه .. بينما جلنار فذهبت ووقفت أمام الباب وطرقت بخفة لتسمع صوته وهو يسمح للطارق بالدخول .
فتحت الباب ودخلت ثم أغلقته خلفها ، رفع هو عيناه عن الورق الذي أمامه ظنًا منه أنها الخادmة الخاصة بمنزله لكن لجمت الدهشة لسانه عنـ.ـد.ما وجد جلنار أمامه خصوصًا أنها المرة الأولى لها التي تخطو فيها منزله الخاص .. استقام واقفًا وهتف باستغراب :
_ جلنار !
ظلت متصلبة بأرضها تحدق به بنظرات معاتبة ومتضايقة ، ولم يكن هو بحاجة لوقت طويل حتى يفهم سبب زيارتها الأولى والمفاجئة وحتى نظراتها الغريبة هذه .. تحرك من مكانه واقترب بخطواته حتى وقف أمامها مباشرة واستمر في التحديق بها بصمت وبأعين ثاقبة كالصقر فخرج صوتها مستاءًا :
_ ليه عملت كدا يا حاتم ؟!!
أجابها بثبات انفعالي وباستنكار واضعًا كفيه في جيبي بنطاله :
_ لا متقوليش إنك مضايقة عليه !!!
جلنار باندفاع :
_ مهما كان اللي بيني وبين عدنان ومشاكلنا ورغبتي في الطـ.ـلا.ق ، لا يمكن أقبل أن يتسـ.ـجـ.ـن ياحاتم .. هيفضل أبو بـ.ـنتي وأكيد مش هكون حابة إن بـ.ـنتي تشوف أبوها في الموقف والوضع ده
رفع أنامله لذقنه الخفيفة يحكها بغـ.ـيظ ثم هتف في نظرات مشتعلة :
_ متتحججيش بهنا ياجلنار .. إنتي اللي مش قادرة تتقبلي الفكرة عشان للأسف بتحبيه
ضـ.ـر.بته في صدره بعصبية وهي تصرّ على أسنانها وتصرخ :
_ قولتلك مليون مرة مش بحبه .. ثم إن حتى لو بحبه إنت إيه مشكلتك مش فاهمة !! ، إنت عايز تساعدني ولا ....
قبض على رسغها الذي ضـ.ـر.بته به على صدره وفي عيناه نظرة رجولية صارمة وقوية ، ولم يتردد للحظة في البوح بما يضمره لها في قلبه .. فلا مجال للإخفاء أكثر من ذلك :
_ أنا بحبك !
ارتخت عضلات يدها وكذلك وجهها الذي تحول من الغضب إلى الجمود الممتزج بالصدmة من الذي تفوه به .. أبدًا لم تكن تتوقع أنه يكن لها مشاعر كهذه ، وإلا كانت وضعت الحدود بينهم منذ قدومها إلى أمريكا هنا .
انتشلت يدها من بين قبضته بقوة وتراجعت خطوة للخلف وهي ترمقه بذهول بينما هو فاستكمل بجراءة لم تعهدها منه من قبل :
_ بحبك أوي يا جلنار من زمان وزاد حبي لما قعدتي الشهرين دول معايا .. ومستعد اعوضك عن كل حاجة شوفتيها في حياتك ، عن عدنان الحقير وعن ابوكي القذر اللي كل همه الفلوس .. لكن إنتي رغم كل اللي عمله معاكي عينك مش شايفة غيره .. اللي بهدلك واللى انتي أصلًا متهمهوش في شيء وأهم حاجة عنده مـ.ـر.اته وبـ.ـنته ، ت عـ.ـر.في إني كنت منتظر اللحظة اللي هتتطلقي فيها منه عشان اعرض عليكي الجواز ، ولما لقيت الفرصة إني اخلص منه نهائي واسـ.ـجـ.ـنه مترددتش .. وده هيكون في صالحك إنتي كمان لأنه كدا ممكن يتحط في موقف صعب وميقدرش يرفض طلبك للطـ.ـلا.ق ويطـ.ـلقك بالإجبـ.ـار وغـ.ـصـ.ـب عنه
تلألأت العبرات في عيناها ، لا تعرف السبب لكن هناك مشاعر متضاربة اختلطت في نفسها .. جميعهم اندرجوا أسفل كلمة " انكسار " ، أهي دmـ.ـو.ع على سنين من حياتها اهدرتهم مع رجل لا يحبها ولا يراها أساسًا .. أم على حبيب خفي لم يظهر في اللحظات الأسطورية كالأفلام قبل أن تذبل الزهرة بفعل العواصف القاسية التي دmرتها وكانت تقف هي بمفردها أمامها .
انهمرت دmعة حارقة موجوعة على وجنتيها ثم تمتمت بألم :
_ ولما أنت بتحبني كدا ومن زمان .. كنت فين ياحاتم قبل ما يحصلي كل ده .. كنت فين قبل ما بابا يستغلني كورقة رابحة ليه عشان شغله وفلوسه ، قولي كنت فين قبل ما اتجوز عدنان .. مكنتش موجود مش كدا ومكنتش هتكون لولا إني أنا اللي طلبت مساعدتك .. ياريتك قولت الكلام ده في وقت غير الوقت ومكان غير المكان بس للأسف ملوش لزمة دلوقتي .. أنا فعلا هطلق من عدنان ومش بحبه بس لسا مـ.ـر.اته وأنا مش خـ.ـا.ينة عشان ادخل في علاقة وأنا على ذمة راجـ.ـل
ثم استدارت وهمت بالرحيل لكنها توقفت عند الباب وتمتمت دون أن تلتفت برأسها له في نبرة عادت لقوتها من جديد :
_ مش هقولك لو بتحبني ، هقولك لو بتحب هنا ويهمك مصلحتها اسحب شكوتك
ولم تنتظر رده حيث اندفعت إلى خارج المكتب فورًا واتجهت إلى ابـ.ـنتها التي وجدتها تقف أمام النافذة تتابع الحديقة من الداخل .. أمسكت بكفها وهتفت :
_ يلا ياهنا
ذهبت مع أمها التي تسحبها خلفها والتفتت برأسها إلى حاتم الذي وقف عند باب مكتبه ولوحت له بكفها الصغير وعلى وجهها ابتسامة عريضة صافية ليبادلها هو بابتسامة بسيطة وآخر مـ.ـا.تفوهت به جلنار قبل رحيلها بتردد في ذهنه دون توقف .
***
تجلس على الأريكة أمام التلفاز تشاهد أحد الأفلام الأجنبية وتمسك بيدها صحن ممتلئ بالفشار وكل ثانية والأخرى تلتقط حبة وتلقيها في فمها وهي لا تحيد بنظرها عن شاشة التلفاز .. حتى أنها لم تلاحظ انضمام أمها معها على الأريكة وجلست تشاهد معها حتى هتفت بعد لحظات طويلة من الصمت :
_ مقولتيش صحيح يازينة إيه رأيك في رائد ؟
كانت تمسك بحبة فشار وتسير بها في طريقها لفمها لكنها توقفت بيدها في منتصف الطريق ونظرت لأمها بصدmة وغمغمت :
_ رائد !! .. إيه السؤال الغريب ده ياماما ، ده إنتي عمرك ماعملتيها
ميرفت بابتسامة جانبية خبيثة :
_ يعني أصل شوفتكم انـ.ـد.مجتوا مع بعض وكمان في خبر تاني كدا
_ خبر إيه ؟!!
اعتدلت ميرفت في جلستها وقالت بسعادة واشراقة وجه جميلة :
_ نيرمين كلمتني الصبح وقالتلي إن رائد طالب إيدك
وضعت زينة صحن الفشار على الطاولة بعنف وصاحت بدهشة :
_ نعم وهو شافني إمتى غير إمبـ.ـارح أصلًا عشان يطلب إيدي
ثم استكملت بحزم ووجه مختنق :
_ مش موافقة طبعا
ميرفت بسخط :
_ هو إيه اللي مش موافقة هو كل ما يجيلك عريس ترفضي كدا .. في إيه !! .. ليكون في حد وهو اللي مخليكي ترفضي العرسان كدا
علت معالم وجهها الارتباك وظهر الاضطراب في صوتها وهي تجيب على أمها بعصبية محاولة إخفاء اضطرابها :
_ حد مين يعني ! .. مفيش حد طبعا ياماما ، كل ما في الموضوع إني مش حابة ارتبط واتجوز دلوقتي وبعدين رائد ده محبتهوش خالص ومستريحتلهوش
قبضت ميرفت على ذراعها بقوة وقالت بحدة :
_ نعم ياختي مش حابة ارتبط واتجوز .. اتكلمي يازينة بالذوق بدل ما اتصل بأبوكي واخليه هو يتصرف معاكي بطريقته
افلتت ذراعها من قبضة أمها بصعوبة ووثبت واقفة وهي تهتف بتذمر وخـ.ـنـ.ـق ممتزج بتـ.ـو.ترها :
_ اووووف ياماما قولتلك مفيش حد طبعًا .. أنا داخلة انام تصبحي على خير
ثم اندفعت نحو غرفتها فورًا بسرعة البرق وأغلقت الباب عليها و استندت بظهرها عليه مصدرة تنهيدة حارة بـ.ـارتياح ، فلو كان استمر جدالها مع أمها لفترة طويلة كانت اعترفت بكل شيء ، لكنها تمكنت من الهرب منها قبل أن ينفضح الأمر .
***
_ طيب والأشكال النضيفة دي بتعمل إيه في المنطقة عندنا !!
كان سؤال عشوائي دون تفكير من صديقتها المقربة وهي تسألها فنظرت لها مهرة باستنكار وهتفت :
_ يعني بالعقل كدا يا اذكى اخواتك هعرف منين الأشكال النضيفة دي بتعمل إيه في المنطقة !! .. بعدين قولتلك متفكرنيش بالولا الاخضريكا ده لاحسن ارزعك بالطبق اللي في إيدي اخلي وشك زي قفاكي
انتصبت صديقتها في جلستها وضـ.ـر.بتها على ذراعها بخفة وهي تجيب بغـ.ـيظ :
_ لمي لسانك اللي عايز قطعه ده .. وبعدين إيه اخضريكا دي !!
مهرة بهيام وابتسامة رُسمت بتلقائية على شفتيها :
_ أصل عيونه خضرا وحلوة أوي يابت .. أهو ده اللي يتقاله مراد بيك لا تتركني هيك .. كل ما افتكر اتحسر واقول بت يامهرة ما كان عندك البنطلون الاصفر والبلوزة البيضة ملبستهمش ليه الهي تنشكي .. كان زمانا دلوقتي بنغني أنا والولا الاخضريكا كان يوم حبك اجمل صدفة
_ نعم ياختي يوم حبك .. هو انتي لحقتي !!
مهرة بنظرة مشتعلة وبغـ.ـيظ :
_ بتخيل إيه متخيلش ! .. بس هو تقريبًا كان قرفان مني معرفش ليه هو أنا فيا حاجة تقرف !!
نظرت لها صديقتها بنظرة متفحصة تحمل الاستهزاء ثم قالت بوجه مبتسم ببرود :
_ أه لبسك يقرف .. والبسي زي البنات بقى ياشيخة قرفتيني
طالعتها مهرة بأعين مريبة ثم نظرت إلى ملابسها ببؤس وسرعان ما رسمت ابتسامة متغطرسة على ثغرها ورجعت بظهرها على الأريكة وبسطت ذراعيها على أعلى الأريكة ووضعت ساق فوق الأخرى هاتفة بغرور :
_ اللي منعجبهوش بطبيعتنا ميلزمناش
قهقهت الأخرى وأجابت ضاحكة :
_ لا والله .. لا يبقى هتفضلي قاعدة جمبك جدتك كتير
مهرة بمرح :
_زوزا دي روحي .. فكرك يعني إني لو اتجوزت هسيبها ده أنا هاخدها معايا وانومها وسطنا كمان
رفعت صديقتها حاجبها بدهشة وتمتمت تجيب عليها بسخرية :
_ وسطكم !! .. جاتك هطل على هطلك ، أنا هقوم اطمن على خالتي فوزية وبعدين همشي وخليكي إنتي في الاخضريكا بتاعك
ثم استقامت واتجهت إلى الغرفة الداخلية حيث تجلس فوزية .. بينما مهرة فنزلت بنظرها مرة أخرى إلى ملابسها زامة شفتيها بيأس ثم وثبت واقفة وركضت نحو غرفتها ووقفت أمام المرآة تنظر لهيئتها وملابسها ، فابتسمت بحب وقالت وهي ترسل لنفسها قبلات في المرآة :
_ ياختي عسل خدي بوسة يابت يامهرة وإنتي قمر كدا
ثم قلدت طريقة صديقتها بطريقة كوميدية ورسمت معالم وجهها بشكل مضحك لتهتف بقرف :
_أه لبسك يقرف .. بـ.ـنت رزلة بصحيح
***
تجلس في الشرفة الخارجية على مقعد واسع ومريح وعيناها معلقة على بوابة المنزل .. منذ الصباح لا تعرف أي أخبـ.ـار عنه ، ولا تدري هل حاتم تراجع عن شكوته أم أنه أصر عليها رغم طلبها .. لكنها تنتظر على أمل عودته ولا تعرف كيف .
ظلت " هنا " مستيقظة لوقت طويل ترفض النوم إلا عنـ.ـد.ما يعود والدها حتى يسرد لها قصتها المعتادة قبل النوم وينام بجوارها ، ووسط محاولات جلنار الكثيرة معها حتى تجعلها تخلد للنوم موضحة لها أن والدها سيتأخر بالخارج ولن يعود الآن .. لكن الصغيرة صممت على قرارها وبقت جالسة على الأريكة بالصالون بانتظار والدها ، ومرت ساعة وأكثر حتى بدأ النوم يصعد لعيناها وسيطر عليها تمامًا فلم تتمكن من مقاومته وخلدت للنوم مكانها على الأريكة .. فحملتها جلنار وذهبت بها إلى الغرفة الصغيرة ووضعتها على الفراش برفق ثم دثرتها بالغطاء وطبعت قبلة حانية على شعرها قبل أن تستدير وتغادر .. وتولت هي المهمة بدالها حيث لازمت الشرفة منذ نومها متأملة أن حاتم قد تراجع .
جلست بإريحية أكثر ورفعت قدmاها على المقعد لتغير وضيعة جلستها إلى الجانب الآخر مستندة على ذراعها الأيسر وعيناها تتجول بكل مكان وبالأخص على البوابة .. لفت ذراعيها حول قدmاها وضمتها لصدرها كنوع من بث الدفء لجسدها ، وبقت على وضعيتها هذه لما يقارب الساعة حتى وجدت عيناها تغلق رغمًا عنها ودون أن تشعر غرقت بالنوم .
وصل أخيرًا إلى المنزل .. فتح الباب ودخل ثم نزع حذائه ودار بنظره في الأرجاء يبحث عن وجودها هي أو ابـ.ـنته ، ولوهلة ظن أنها هـ.ـر.بت مرة أخرى فاندفع إلى الداخل يبحث عنها بالغرف لكن لا أثر لها .. حين فتح باب الغرفة الصغيرة ووجد ابـ.ـنته نائمة في فراشها هدأت نفسه الثائرة وزفر بقوة ببعض الراحة ، ثم دخل واقترب من فراشها وانحنى عليها يلثم وجنتها وشعرها بعدة قبلات رقيقة وحانية قبل أن ينتصب في وقفته ويغادر بحذر شـ.ـديد حتى لا يوقظها .. اندفع يبحث عن جلنار بكل جزء في المنزل فإذا به يجدها بالشرفة جالسة على مقعد بوضيعة الجنين وشعرها تلفحه نسمـ.ـا.ت الهواء البـ.ـاردة فيغطي وجهها كله ، تقدm إليها في خطوات هادئة جدًا حتى وصل إليها ثم انحنى عليها بنصف جسده ومد أنامله يزيح خصلات شعرها بوداعة من على وجهها ، ليظهر جمال وجهها وملامحها الساحرة وهي غارقة بالنوم وانفاسها الدافئة لفحت باطن كفه .. اطال التأمل بها للحظات في عينان تحمل لمعة مختلفة ثم حرك ظهر أنامله برقة شـ.ـديدة بداية من وجنتها نزولًا إلى رقبتها .. تحركت برأسها بعدmا ازعجتها لمساته ، وفتحت عيناها ببطء وبمجرد ما وقعت عيناها عليه انتفضت في جلستها فورًا وقالت بصدmة :
_ إنت جيت إمتى ؟!
عدنان :
_ دلوقتي
استقامت واقفة وقالت باهتمام أسرعت في إخفائه مسرعة بعد جملتها :
_ أنت كويس طيب ؟ .. اقصد طلعت إزاي ، حاتم سحب الشكوى ؟!
كادت أن ترتفع الابتسامة على ثغره من اهتمامها الواضح به لكن سرعات اندثرت وحل محلها الصرامة وهو يهتف بنظراته الشرسة :
_ حاتم ! .. لا متراجعش وأنا مش محتاج إنه يسحبها أصلًا ، مش حتة عيل عبـ.ـيـ.ـط زي ده هيعرف يسـ.ـجـ.ـني .. بس أنا عارف هعرفه مقامه إزاي عشان ميفكرش بعد كدا أنه يلاعبني أو يقرب من مراتي وبـ.ـنتي
جلنار بعصبية واندفاع :
_ مش هتقربله ياعدنان فاهم ولا لا .. أنا اتكلمت معاه وهو خلاص مش هيقربلي تاني ولا أنا هكلمه
أخطأت فيما قالته عن دون قصد حيث ألهبت نيرانه المرعـ.ـبة وهتف بصوت رجولي يحمل لمسة مريبة :
_ كلمتيه !!!
اربكتها نبرته وقسمـ.ـا.ت وجهه التي تحولت لكنها أجابت عليها بثبات وشجاعة دون أي خـ.ـو.ف ظاهر :
_ أيوة روحتله بيته عشان اقوله يتراجع عن شكوته ومش عشانك ده عشان هنا بس عملت كدا
قبض على ذراعها بعنف وجذبها إليه صائحًا بها بصوت جهوري وعينان مشتعلة بالغيرة :
_ يعني إيه روحتيله بيته ! .. إنتي بتكـ.ـسري كلامي ياجلنار ، سبق وحذرتك إن عقـ.ـا.بك هيكون عسير لو عرفت إنك كلمتي ال*** ده تاني .. بس شكلك حابة تجربي
تململت بين قبضته ودفعت يده عنها بصعوبة صارخة به :
_ أنت ملكش حق تتدخل في حياتي ، وأعمل اللي أنا عايزاه .. ومتنساش إننا أول ما نرجع مصر هتطلقني
صاح بها بعنف وعينان بها نظرات مرعـ.ـبة ومنذرة :
_ انسي الطـ.ـلا.ق ده نهائي وطلعيه من دmاغك .. طـ.ـلا.ق مش هطلق
ظهرت في عيني جلنار نظرات مشتعلة انـ.ـد.مجت بالتحدي وهي تجيبه بثقة واستنكار :
_ هنشوف ياعدنان .. لأن باختصار لو مطلقتنيش هخلي عيشتك سودا ، وهعرفك جلنار الرازي تقدر تعمل إيه .. هروبي بهنا ده كان أول تحذير مني ليك ، بعد كدا مش هتكون تحذيرات لا أفعال .. وصدقني أنا لو عايزة ادmرك هعملها وبسهولة جدًا
علت صوت ضحكته وهو يجيبها مستهزئًا :
_ تدmريني ! .. كبيرة أوي الكلمة دي وإنتي مش قدها
جلنار بتحدي وغضب :
_ هتشوف قدها ولا لا
ثم اندفعت إلى خارج الشرفة في طريقها إلى غرفتها لكن قدmها التوت فجأة فاصدرت صرخة عالية بألم وسقطت على الأرض جالسة تتأوه بتو.جـ.ـع شـ.ـديد ممسكة بكاحلها ، ذهب إليها وجلس القرفصاء أمامها ثم هم بإمساك قدmها لكنها دفعت يده بعنف وصاحت به بسخط :
_ Don't touch me ( لا تلمسني )
رمقها بنظرة بـ.ـاردة وتابعها وهي تحاول النهوض مرة أخرى على قدmها ولا تستطيع ، فتنهد بابتسامة مخفية ووقف ثم انحنى عليها وحملها على ذراعيه متجهًا بها نحو الغرفة ، رأت ابتسامته الجانبية على شفتيه فقالت بخـ.ـنـ.ـق :
_ اعتقد أن مفيش حاجة تضحك
طالعها بطرف عيناه في وجه مبتسم بمكر امتزج بالسخرية :
_ بعد الوقعة دي إنتي اخرك تدmري مجـ.ـسم مكعبات مش تدmريني
جلنار بقرف :
_ it's not funny ( أنه ليس مضحك )
على فكرة .. ونزلني
لم يبالي بكلمتها الأخيرة فصاحت به مرة أخرى باستياء :
_ نزلني ياعدنان
وكان رده عليها بالتجاهل حتى وصل إلى الغرفة ودخل ثم وضعها على الفراش وجلس على حافة الفراش بجوارها ممسكًا بكاحلها ويقول بهدوء :
_ الألم هنا ؟
دفعت يده عنها وصاحت به بانفعال :
_ قولتلك متلمسنيش
عدنان بحدة :
_ اسكتي ومتعصبنيش .. معانا سفر بكرا الصبح مش هتصحى وتقوليلي مش قادرة أقف على رجلي
سكتت مجبرة فالألم لا يحتمل حقًا ولا تستطيع تحريكها حتى فكيف ستقف عليها ! .. بدأ هو يقوم بتمرين بسيط لقدmها بحركات مدروسة وغير عشوائية ، لكنها أصدرت تأوهًا مرتفعًا وهي تبعد يده هاتفة بتألم :
_ أه .. ابعد ياعدنان بتو.جـ.ـعني اكتر
_ لازم هتو.جـ.ـعك
قالها بجمود ووجه خالي من التعابير ثم استكمل ما كان يفعله وهي تتأوه بصمت وألم شـ.ـديد ، ثم نهض واتجه إلى الحمام وفتح صيديلة الحمام الصغيرة المعلقة فوق المرحاض وأخرج منها ضمادة مرنة بيضاء .. ثم عاد لها وبدأ بلفها في بطء حول كاحلها ويضغط عليها ، بينما هي فكانت بمكان آخر تتأمل بلحيته التي نمت كثيرًا وأصبحت كثيفة ، وملامح وجهه المتغيرة بعض الشيء حتى شعره الكثيف تغير .. وجدت نفسها تهتف بدون وعي وهي تسحب قدmها من بين يديه وتقول بسخرية :
_ كنت فاكرة إنك على الأقل مهتم ببـ.ـنتك ومضايق على فراقها بس اتضح العكس لما شوفت صورك مع فريدة
ضيق عيناه وسأل باستغراب :
_ صور إيه ؟!
جلنار بنظرات جانبية وبامتعاض :
_ صوركم مع بعض وانتوا على اليخت .. كانت منزلاها من يومين
زاد التعجب أكثر على ملامحه وهتف :
_ أكيد صور قديمة .. أنا مكنتش فاضي ولا فيا دmاغ للخروجات اساسًا اليومين اللي فاتوا
جلنار بعينان متسعة بذهول :
_ يعني هي منزلاها قصد عشان تغـ.ـيظني
عدنان :
_ تغـ.ـيظك !!
قالت بغرور تصحح له مفهومه الخطأ :
_ أيوة لأن زي ما قولت كنت فاكرة إنك مهتم ببـ.ـنتك وبينا مش بتخرج وتتفسح معاها
هتف مبتسمًا بلؤم وببعض الدهشة حيث أنها المرة الأولى منذ زواجهم التي توضح له انزعاجها من فريدة وقربه منها :
_ إنتي غيرانة ياجلنار ؟!!!
بادلته الابتسامة ولكن بأخرى مستهزئة جملته السخيفة ثم تحاملت على قدmها ونهضت من على الفراش وأجابت وهي تثبت نظراتها على عيناه وتقول بقوة وجفاء :
_ أغير !! .. اعتقد إن الغيرة دي بتكون على شخص بتحبه وأنا لا حبيتك ولا هحبك
ثم تحركت ببطء وهي تسير برفق وحذر على قدmاها باتجاه الحمام ، بينما هو فعض على شفاه السفلى بغـ.ـيظ محاولًا تمالك أعصابه وبعيناه الملتهبة يتابعها وهي تسير باتجاه الحمام .
***
في صباح اليوم التالي .....
توقفت فريدة بسيارتها أمام أحد البنايات الضخمة والمرتفعة ثم نزلت من السيارة وقادت خطواتها إلى الداخل بعدmا القت التحية على حارس البناية الذي رد عليها التحية بترحيب حار .. واتجهت نحو المصعد الكهربائي لتستقل به وينغلق عليها بمجرد ضغطها على زر الطابق الخامس .. بعد لحظات طويلة قليلًا توقف أمام الطابق المطلوب وانفتح فخرجت وتحركت باتجاه الشقة المقابلة ، ثم طرقت الباب عدة طرقات بسيطة ووقفت تنتظر الرد وعلى وجهها ابتسامة واسعة ، ثواني بسيطة حتى انفتح الباب وظهر هو من خلفه ..
↚ثواني بسيطة حتى انفتح الباب وظهر هو من خلفه .. قابلها بوجهه المشرق ثم أفسح لها المجال للدخول واغلق الباب خلفها ، ارتمت عليه تعانقه بحب حقيقي وتهتف :
_ وحـ.ـشـ.ـتني أوي ياحبيبي
لثم رقبتها بعدة قبلات متفرقة ثم اتجه لوجنتها ويهمس من بين قبلاته :
_ وإنتي كمان ياروحي
ابتعدت عنه واتجهت إلى الداخل نحو الأريكة ثم ألقت بحقيبتها في عشوائية على المنضدة وجلست هاتفة بضيق :
_ أنا جيت بصعوبة يعني مش هقدر اطول ممكن ساعتين وامشي
ظهرت علامـ.ـا.ت اللؤم على ملامحه فاقترب وجلس بجوارها هامسًا بنظرة وقحة :
_ وهما الساعتين دول قليلين ياحبيبتي
ارتفعت ضحكتها لتجيبه بدلال وهي تقترب وتخـ.ـطـ.ـف قبلة سريعة منه :
_ مش وقته خالص يانادر أنا جيت عشان نتفق أنا وأنت هنعمل إيه في جلنار
_ هي رجعت ؟!!
فريدة بجدية :
_ لا بس أنا حاسة أن سفر عدنان المفاجئ ده وراه حاجة ومش بعيد يكون عرف مكانها وراح يجبها
نادر بقرف وعدm اهتمام :
_ أنا مش عارف إنتي شاغلة بالك بيها ليه يافريدة .. كدا كدا هتطلقي من الزفت ده قريب ، فكك منها ياحبيبتي
فريدة بعصبية :
_ إيه اللي بتقوله ده .. عايزني اسيبها تاخد كل حاجة هي وبـ.ـنتها على الجاهز ، على جثتي لو طالت حاجة من عدنان ، كل ده من حقي أنا
غمز لها بعيناه في نظرات شيطانية وغمغم بمكر :
_ هتاخدي كل حاجة ياحياتي .. بس سبيني اتصرف معاهم بطريقتي ، صنف جلنار دي أنا عارفه كويس أوي .. أما عدنان فده محوشله التقيلة من زمان
اعتدلت في جلستها وطالعته بنظرات راجية ثم هدرت بقلق :
_ نادر بلاش تعمل حركة غلط تودينا في داهية ارجوك ، عدنان لو شك مجرد شك هيقــ,تــلك ويقــ,تــلني
همس لنفسه ساخرًا وعلى وجهه ابتسامة تحمل الغل ( ده لو لحق أصلًا !! ) .. ثم أجاب عليها بصوته الطبيعي :
_ متخافيش أنا يعتبر مظبط كل حاجة فاضل بس التنفيذ وقريب أوي هيتم
ثم اطال النظر في وجهها بعينان راغبة وفجأة وثب واقفًا وحملها على ذراعيه متجهًا بها نحو الغرفة وهو يتمتم بابتسامة خبيثة :
_ أنا بقول نخـ.ـطـ.ـفلنا ساعة ساعتين كدا مع بعض عشان انتي حشـ.ـتـ.ـيني و أوي
هتفت ضاحكة باعتراض بسيط :
_ مش هينفع يانادر نزلني بقولك مستعجلة ولازم امشي
_ هو دخول الحمام زي خروجه ياقلب نادر
ثم فتح باب الغرفة بقدmه ودخل بها ثم اغلقه بطرف قدmه وانغمسوا معًا في ملذاتهم المحرمة غير مباليين لأي شيء ! .. غابوا ببحر المحرمـ.ـا.ت منذ أربع سنوات ولم يضعوا بالحسبان لحظة العقـ.ـا.ب الكبرى أمام ربهم !!! ...
***
تقف بالمطبخ تقوم بتحضير وجبة الإفطار وتجلس صغيرتها فوق رخام المطبخ وتتلاعب بقدmاها الصغيرة في الهواء وتمسك بيدها قطعة شيكولاتة تأكلها باستمتاع ، حتى هتفت بصوت طفولي حماسي :
_ احنا راجعين بيتنا ياماما
تنهدت جلنار بخـ.ـنـ.ـق وأجابت على ابـ.ـنتها بمضض حاولت إخفائه :
_ امممم للأسف ياحبيبتي
هنا بتشويق وسعادة :
_ يلا نلبس
جلنار بنفاذ صبر :
_ لما نفطر الأول ياهنا بعدين هنلبس ونمشي
نظرت الصغيرة لخارج المطبخ تتأكد من عدm وجود أبيها ثم اقتربت وانحنت على أذن أمها وهمست بصوت فرح :
_ بابي قالي هنروح عند تيتا لما نرجع .. بس اوعي تقولي إني قولت ليكي
رمقتها جلنار بنظرة نارية وهتفت بغـ.ـيظ مكتوم :
_ هو قالك كدا ؟!
هزت رأسها بإيجاب وهي لا تزال تبتسم باتساع فنظرت جلنار للطماطم التي تقوم بتقطيعها ونزلت السكين عليها في عنف تهمس بصوت غير مسموع وأعين مشتعلة بوعيد :
_ ده بعينه إن شاء الله .. قال تيتا ، أمه القرشانة دي هو أنا ناقصة
صاحت هنا بصوت عالي في حب عنـ.ـد.ما وجدت والدها يدخل المطبخ فاقترب هو منها وحمله على ذراعيها ومد يده يعبث بخصلات شعرها الحريرية ويهمس في مداعبة :
_ إيه الحلاوة دي بس يابابا
ابتسمت الصغيرة باستحياء بسيط في وجه طفولي يسـ.ـر.ق القلب ليقهقه هو بخفة ثم ينحني عليها ويطبع قبلة عميقة على وجنتها ، بينما جلنار فالتفتت نصف التفاتة برأسها له ورمقته بنظرة مشتعلة ثم اشاحت بنظرها عنه عنـ.ـد.ما وجدته ينظر نحوها .. اختفت ملامحه اللينة وظهر محلها الصرامة حيث هتف بغلظة صوته الرجولي :
_ مالك ؟!!!
تجاهلته تمامًا ولم تجب ولم تنظر له حتى مما استفزه بشـ.ـدة فأنزل ابـ.ـنته من على ذراعيه وهتف بابتسامة رسمها بصعوبة :
_ روحي ياهنايا استنيني برا وأنا هاجي وراكي
رفعت هنا نظرها إلى أمها الواقفة وتوليهم ظهرها منشغلة بما تفعله أو تتصنع هذا ثم عادت بنظرها لأبيها وتنهدت بيأس لتستدير وتتجه لخارج المطبخ متمثلة لأوامر والدها .
تحرك خطوة إليها حتى كاد يكون ملتصق بها وهتف بلهجة غريبة :
_ لما اكلمك تردي عليا
قالت بعد مبالاة واشمئزاز :
_ مش طايقة اكلمك أو اسمع صوتك أساسًا
جز على أسنانه بغـ.ـيظ ثم قبض على أعلى ذراعها بقبضته الفولازية وتتمتم بتحذير :
_ أنا لغاية دلوقتي هادي معاكي ياجلنار رغم اللي عملتيه ، فاتكلمي باحترام وبأسلوب مظبوط بدل ما اظبطك أنا بأسلوبي
تحاملت الألم ولم تظهرهه على ملامحها حيث استقرت بعيناها نظرة حاقدة وهمست بصوت أنوثي شرس :
_ سيب إيدي ومتقربش مني .. وتهديداتك الفارغة دي روح هدد بيها حد غيري مش أنا
أحست وأنه لوهلة ستخرج النيران من عيناه وتحرقها بأرضها من فرط سخطه ، ووجدته يزيد من ضغطه على ذراعها بعنف فلم تتمكن من أخفاء المها أكثر حيث أغمضت عيناها في محاولة بائسة لعدm الظهور ضعيفة أمامه ، ووجدته يقترب منها وينحنى على أذنها هامسًا بصوت يشبه فحيح الأفعى :
_ لولا أن البـ.ـنت برا كنت وريتك التهديدات الفارغة دي كويس
لانت قبضته تلقائيًا على ذراعها حين دخلت لأنفه رائحة عطرها المثير فأغلق عيناه محاولًا تمالك انفعالاته الداخلية حتى لا يضعف ، وكان على وشك أن ينصاع خلف رغبته لكنه استفاق فورًا وترك ذراعها ثم نظر بعيناها وقال في صوت خشن وجاف :
_ بعد الفطار ادخلي خدي دش والبرفان ده متحطهوش تاني .. وإياكي تحطيه وإنتي خارجة
ثم القى عليها نظرة قاسية أخيرة قبل أن يبتعد عنها ويرحل بينما هي فظلت ملتفة برأسها للخلف تتابعه وهو ينصرف بغضب وممسكة بذراعها ثم همست بغل :
_ حقير .. بس ورحمة ماما لأخليك تنـ.ـد.م على كل حاجة عملتها معايا ياعدنان
تركت ذراعها وعادت تكمل تحضير الفطار وهي تهتف بقرف :
_ لو اقدر احط سم كنت حطيته عشان تطفحه واخلص منك نهائي
***
كانت زينة بأحد المقاهي المشهورة والمطلة على النيل ، تجلس على أحد المقاعد وأمامها طاولة مستديرة ومتوسطة الحجم ويقابلها مقعد آخر فارغ .. وبيدها تمسك كوب عصير مانجا طازج وتتأمل منظر الماء من أمامها بشرود ، وبداخلها خلافات عنيفة .. وسؤال تطرحه باستمرار على نفسها .. لماذا تجلسِ بمفردك ولم تذهبِ له بدلًا من الجلوس هكذا كالحمقاء .. لكنها باتت تشعر أن كرامتها على حافة الهاوية ، ولا تستبعد أن يكون قد فهم مشاعرها تجاهه ويتجاهلها بتصرفاته الطبيعية معها ، لا مجال لمزيد من الركض خلف أحلام واهية .. ستترك كل شيء يسير كما هو مقدر له ! .
فجأة وجدت أحدًا يجلس مقابلًا لها على المقعد الفارغ فالتفتت برأسها فورًا له وعنـ.ـد.ما وقعت عيناها عليها ظهرت الدهشة والخـ.ـنـ.ـق حيث بقت تحدق به لفترة وجيزة بعدm فهم حتى هتفت بحزم :
_ أنت بتراقبني !!!
ابتسم رائد وقال بخفوت ضاحكًا :
_ أكيد لا .. أنا شفتك بالصدفة وقولت اسلم عليكي ونتكلم شوية لو مفيش عندك مانع طبعًا
احتدm وجه زينة بغـ.ـيظ ثم التقطت هاتفها وأشيائها من فوق سطح الطاولة واستقامت واقفة وهي تقول باعتذار صارم :
_ أسفة بس أنا ورايا مشوار ومستعجلة وكنت ماشية قبل ما حضرتك تاجي
همت بالانصراف لولا قبضته التي أمسكت برسغها في لطف وهتف بوداعة :
_ لحظة بس إنتي متعصبة مني ليه كدا ! .. لو قولت حاجة ضايقتك من غير قصد سواء دلوقتي أو يوم الفرح أنا آسف مقصدش والله
زينة باقتصاب :
_ مفيش زعل يا أستاذ رائد أنا زي ما قولتلك مستعجلة بس وبخصوص الموضوع اللي والدتك فاتحت ماما فيه فـ.....
رائد مقاطعًا إياها بنظرات ذات معنى وجذابة :
_ أنا مجيتش اتكلم معاكي عشان اسألك موافقة أو لا .. خالص بالعكس أنا كنت حابب نتكلم وندردش مع بعض مش أكتر
أحست أنها قست قليلًا عليه في حدة كلامها فتنهدت بهدوء وتمتمت في صوت رخيم وابتسامة بسيطة :
_ مرة تاني إن شاء الله .. عن أذنك
ثم سحبت يدها من قبضته واندفعت إلى خارج المقهى بأكمله مسرعة دون أن تلتفت خلفها ، بينما هو فتنهد بقوة ورفع يده يمسح على وجهه بيأس ! .
***
يقف أمام المرآة يقوم بتسريح شعره بعد ارتدائه لملابسه ويستعد للمغادرة ثم أمسك بزجاجة العطر الخاص به ونثر على ملابسه بكثرة حتى امتلأت الغرفة كلها برائحته .. انفتح الباب وظهرت من خلفه أسمهان التي وقفت للحظات تتطلع إلى ابنها الأصغر في حنو ، كلما تنظر له يذكرها بأبيه يمتلك نفس عيناه ووسامته الساحرة ، وشغفه وحبه للحياة والمرح .. لم تنسى يوم ولادتها عنـ.ـد.ما قال زوجها ( سيكون آدm الأحن بيننا أما عدنان فهو عُقاب يصعب ترويضه ) ! .
اقتربت ووقفت خلفه ثم وضعت كلتا كفيها على كتفيه من الجهتين وقالت بنظرة جانبية خبيثة وحانية :
_ مش ناوي تفرحني كدا يابني وتخليني اشوفلك عروسة وافرح بيك
التفت لها بجسده وقال ضاحكًا بمشاكسًا :
_ لا ريحي نفسك ياست الكل لما احب اتجوز أنا اللي هختارها
أسمهان رافعة حاجبها باستنكار ووجه جاد :
_ لا والله !
آدm ببشاشة وبرود متعمد :
_ طبعًا يا سلطانة .. اعذريني مش هسمحلك تتولي المهمة دي بذات ، ده جواز مش لعبة
_ أنت هتعمل زي أخوك !!
زم شفتيه بعدm اكتراث وتمتم :
_ ماله عدنان !
أسمهان بقرف وغـ.ـيظ :
_ مش لو كان سابني انقيله عروسته على مزاجي كان زمانه دلوقتي عايش مبسوط ومتهني في حياته ، لكن البيه لعبت بعقله حلاوة بـ.ـنت فاطمة الخدامة وخلته مش شايف غيرها .. ولما جات الفرصة إنه يتجوز تاني راح واتجوز بـ.ـنت نشأت غـ.ـصـ.ـب عني
مسح آدm على وجهه متأففًا وقال بصوت غليظ واستياء حقيقي :
_ عدنان هيكون مبسوط ياماما لما تتخلي عن تصرفاتك ومحاولاتك في إنك تتخلصي من جلنار ودلوقتي بقت فريدة ، سبيه ومتدخليش في حياته ومتخقليش مشاكل بينهم
ثم اندفع لخارج الغرفة بأكملها فصرخت هي منادية عليه في سخط :
_ آدm
ثم أكملت بعينان ملتهبة بالغـ.ـيظ والغل عنـ.ـد.ما لم يجب عليها :
_ مش كفاية ساحرة لعدنان بـ.ـنت الرازي كمان حتى ابني التاني مش بيستحمل يسمع عليها كلمة .. ماشي يا جلنار مبقاش أنا أسمهان الشافعي أما طردتك من حياة ابني ومن حياتنا كلها
***
انتهت من ارتداء ملابسها وكل شيء استعدادًا لعودتها إلى وطنها ، ثم جلست على الفراش وامسكت بالهاتف وبحثت بقائمة الأسماء عن رقمه وظلت تحدق به بتردد .. تتصل به وتخبره أنها راحلة أم لا ؟! ، قذفت بذهنها كلمـ.ـا.ته وهو يعبر لها عن حبه الخفي لها ( بحبك أوي ياجلنار ) .. نفضت عن ذهنها تلك الكلمـ.ـا.ت وهزت رأسها بالنفور وهي تحسم قرارها بعدm الاتصال به وبل وعدm التواصل معه تمامًا .
انفتح الباب ودخل عدنان ثم وقف للحظات قصيرة يحملق بها وقال بخشونة :
_قاعدة كدا ليه يلا
طالعته بعينان محتقنة بالدmاء ثم استقامت واقفة وجذبت حقيبتها الصغيرة والقت نظرة أخيرة على الغرفة بأكملها تتأكد من عدm نسيانها لشيء ما .. ثم اتجهت نحوه وقبل أن تعبر من الباب بجانبه قبض على ذراعها ليوقفها ورفع كفها الأيمن لأعلى ينظر إلى أناملها الخالية من خاتم زواجهم ، فاستقرت في عيناه نظرة قوية مردفًا :
_ خاتمك فين ؟!
سحبت يدها من بين يده بهدوء وهي تزفر بخـ.ـنـ.ـق وتهتف باقتضاب :
_ في الشنطة
_ طلعيه
كانت كلمة صارمة صدرت منه لا تقبل الجدال بنظرات حادة ، فتنهدت هي بنفاذ صبر ووضعت كفها في الحقيبة الصغيرة تفتش عن خاتمها ولم تجده أو هي من أرادت هذا حيث أجابت عليه بالامبالة وهي تهم بالانصراف :
_ مش لاقياه بعدين هبقى اشوفه وألبسه
جذب حقيبتها من يدها بعدmا فهم حيلتها وتصنعها ثم فتحها ونظر فيها يفتش بنظره عنه حتى وجده ، التقطه وامسك بكفها يرفعه ثم يلبسها الخاتم ويهتف في صوت رجولي ساخط :
_ ده مـ.ـيـ.ـتقلعش تاني مفهوم ولا لا
جلنار بسخرية :
_ ليه بقى !!
أجابها في شيء من الغرابة وبعينان ثاقبة :
_ عشان يفكرك دايمًا إنك هتفضلي مراتي ومفيش طـ.ـلا.ق ياجلنار
استشاطت غـ.ـيظًا وغلً فاقتربت بوجهها منه وقالت في ثبات وأعين تشع شرارة الشر والمكر :
_ هطلق سواء طالت أو قصرت مسيرك هتطلقني ، واوعى عقلك الباطن يصورلك إنك حتى لو مطلقتنيش لما نرجع هسمحلك تقرب مني أو تلمسني ، بعينك ياعدنان أنه يحصل
رغم اشتعال نيران الغـ.ـيظ في داخله من كلمـ.ـا.تها إلا أنه أظهر العكس تمامًا حيث ابتسم ببرود وهمس بخبث وهو يقترب بشفتيه منها ليستفزها :
_ هنشوف يارمانتي الموضوع ده لما نرجع إن شاء الله
رمقته بقرف وتمتمت :
_ بكرهك
عدنان بوجه مبتسم في نظرات مثلجة :
_ عارف وعشان كدا مش هطلقك
احتدm وجهه وتحول إلى الأحمر القاتم من شـ.ـدة الغـ.ـيظ وهي تطالعه باستياء مكتوم .. تود لو تلكمه وتفرغ شحنة غـ.ـيظها به .. أو تخـ.ـنـ.ـقه بيديها ، لكنها أثرت عدm الاصطدام معه الآن في شجار هي ليست في مزاج لتحتمله .. حيث اندفعت إلى الخارج وهي تتمتم بعض الكلمـ.ـا.ت الغاضبة ، بينما هو فخرج خلفها وكانت الصغيرة تنتظر في الحديقة وهي تلهو بدmيتها ، وعنـ.ـد.ما رأت والديها باتجاه السيارة ركضت هي قبلهم واستقلت بالمقعد الخلفي في مكانها المخصص وثواني واستقل عدنان بمقعد القيادة وجلنار بجواره ثم التفتت برأسها للخلف لابـ.ـنتها وهتفت في لؤم قاصدة إثارة ضيقه :
_ استعدي بقى ياهنون عشان أول ما نرجع هنروح نقعد عند خالتو إنتصار
استعت مقلتي الفتاة بدهشة وقفزت فرحًا في مقعدها تقول بفرحة :
_ هييييه
بينما هو فحدقها بنظرة مشتعلة وهتف :
_ مين اللي قال هتروحوا !
جلنار ببرود يماثل بروده معها منذ قليل :
_ أنا قولت ! .. وبعدين حتى هنا عايزة تروح وفرحت أهي .. إيه هتكـ.ـسر بنفس بـ.ـنتك !
عض على شفاه السفلى محاولًا تمالك أعصابه وهمس في غـ.ـيظ :
_ ده أنا اللي هكـ.ـسر دmاغك
وثبت الصغيرة على مقعد والدها وهي تعانقه من الخلف وتقول برجاء :
_ نروح عند خالتو يابابي .. اردوك ( أرجوك )
نظر مطولًا لابـ.ـنته فلم يتمكن من المقاومة أمام نظراتها المستعطفة والحاحها فقال بمضض :
_ ماشي ياحبيبتي خلاص هنروح
اشاحت جلنار بوجهها للجانب الآخر تخفي ضحكتها الشامتة والخبيثة بكفها ثم رجعت برأسها نحوه بعدmا انطلق بالسيارة وقالت في خفوت مستفز :
_ سوق على مهلك يا بيبي
رفع حاجبه مستنكرًا كلمتها الأخيرة ورمقها بنظرة متوعدة وهو يتمتم بصوت منخفض سمعته :
_ ماشي لما نرجع بس اصبري عليا
ابتسمت في عدm مبالاة وتمتمت لنفسها في نشوة ووعيد ماكر :
_ أنت لسا شفت حاجة .. دي البداية بس !
ثم التفتت برأسها مرة أخرى إلى ابـ.ـنتها وظلت تتحدث معها وتضحك وهي تشاكسها ، بينما هو فيتابعهم بعيناه في مرآة السيارة العلوية .. يتأمل ضحكهم وانـ.ـد.ماجهم الجميل الذي يدخل السرور على قلبه ودون أن يشعر انحرفت شفتاه قليلًا لليسار مفترة عن ابتسامة دافئة ومحبة !! .
***
خرجت من الحمام وهي تلف حول جسدها منشفة كبيرة وتمسك بمنشفة صغيرة أخرى تجفف بها شعرها .. بعد لحظاتها الغرامية مع عشيقها السري ، وبينما تسير في اتجاه المرآة رفعت نظرها بتلقائية فارتدت للخلف في زعر عنـ.ـد.ما رأت عدنان أمامها يقف عند الباب ويطالعها بعيناه المرعـ.ـبة والمعاتبة .. فرت الدmاء من عروقها واحست بأنها ستفقد وعيها بعدmا ظنته لوهلة حقيقيًا ، لكن سرعان ما اختفى شبحه من أمام عيناها .. التقطت أنفاسها المتسارعة في فزع وألقت بالمنشفة الصغيرة على الفراش ثم شرعت في ارتداء ملابسها فورًا حتى تغادر ، وبعد انتهائها سمعت صوت رنين هاتفها فأجابت بصوت جاهدت في أظهاره طبيعيًا :
_ خير ياسمير ؟!
أجابها الآخر في مكر وشيطانية :
_ الست أسمهان هانم طلبت مني النهاردة اراقبك وإنتي خارجة وأنا عملت الواجب
يبدو أن اليوم هو يوم الصدmـ.ـا.ت المخيفة ، هتفت في ارتعاد :
_قولتلها إيه انطق !!
_ اطمني ياست الكل قولتلها إنك في النادي روحتي تشوفي واحدة صحبتك
فريدة بانفعال :
_ غـ.ـبـ.ـي ممكن تبعت حد على هناك عشان تتأكد ده لو مرحتش هي بنفسها .. اقفل اخلص خليني ارجع قبل ما تعملي مشكلة الحرباية دي
أنهت معه الاتصال ووضعت الهاتف في حقيبتها ثم اندفعت إلى الخارج وكان نادر يجلس على الأريكة أمام التلفاز ينتظرها حتى تخرج من الحمام وعنـ.ـد.ما وجدها قد ارتدت ملابسها ومستعدة للرحيل فقال بحيرة وهوويهب واقفًا ويقترب منها :
_ رايحة فين ؟!
فريدة :
_ ماشية يانادر اتأخرت أوي وأسمهان مش هتجبها لبر معايا .. بعتت سمير ورايا عشان يراقبني والغـ.ـبـ.ـي معرفش يتصرف ولو مرجعتش دلوقتي ممكن كل حاجة تتكشف
تأفف بقوة في حرارة ثم أجابها بخـ.ـنـ.ـق مغلوبًا على أمره :
_ تمام يافريدة خلي بالك من نفسك ولما توصلي كلميني وطمنيني
انحنت برأسها عليه وخـ.ـطـ.ـفت قبلة سريعة من وجنته متمتمة بعجلة في ابتسامة عاشقة :
_ حاضر ياحبيبي هكلمك .. سلام
أنهت جملتها واندفعت إلى خارج المنزل بأكمله ومنه إلى المقعد الكهربائي حتى ينزل بها للطابق الأرضي ، بينما هو فظل واقفًا بأرضه ورفع كفه إلى شعره يمسح عليه بحنق .
***
خرجوا من إحدى البنايات بعد زيارتهم للطبيب الخاص بجدتها وكانت فوزية تستند عليها وتقول الأخرى بمشاكسة :
_ أنا مش فاهمة إيه اللي بيعصبك بس يازوزا .. الدكتور قالك بلاش العصبية وإنتي برضوا مفيش فايدة ، حد معاه ملاك زي ويتعصب
فوزية بشيء من العصبية :
_ بت متنرفزنيش اكتمي خالص ومسمعش حسك
قهقهت بخفة وقالت في نبرة شبه جادة :
_ أنا هروح اجيب العلاج من الصيدلية دي وجيالك استنيني هنا يازوزا
هزت رأسها بالإيجاب بعدm حيلة وتابعتها وهي تتجه نحو الصيدلية .. فبقت واقفة للحظات طويلة بانتظارها وعنـ.ـد.ما تأخرت فكرت بأن تذهب وتشير لسيارة أجرة إلى حين خروجها ، سارت بخطواتها الهادئة إلى الشارع وتلفتت حولها تتابع حركة السيارات منتظرة أن يخف اكتظاظها قليلًا وعنـ.ـد.ما وجدت الفرصة فسارت بسرعة تعبر الطريق ولكن فجأة كان هناك سيارة تسير مسرعة وقبل أن تصطدm بها توقفت بقوة ، كادت فوزية أن تسقط من أثر الصدmة .. وباللحظة التالية فورًا نزل منها شاب في منتصف عقده الثالث وركض نحوها يمسك بذراعها هاتفًا بزعر :
_ إنتي كويسة يا حجة
فوزية بصوت خافت به بعض الزعر :
_ كويسة يابني الحمدلله متقلقش
آدm باعتذار ونظرات مرتعدة :
_ أنا آسف جدًا والله مخدتش بالي
_ ولا يهمك يابني حصل خير
خرجت مهرة من الصيدلية ووقفت تبحث بنظرها عن جدتها وإذا بها تجدها تقف ويمسك بذراعها شاب ويبدو على ملامحها الزعر وأنها كانت على وشك الاصطدام بسيارة ، فهرولت راكضة نحوها غير مكترثة بحركة السيارات وعنـ.ـد.ما وصلت إليها أمسكت بها وقالت في ملامح وجه مزعورة :
_ تيتا إنتي كويسة ؟!
هزت فوزية رأسها بإيجاب وقالت بابتسامة باهتة :
_ كويسة والله يامهرة متخافيش ياحبيبتي
صاحت مهرة بعصبية وهي توجه حديثها لآدm :
_ مش تركز في الطريق ولا البعيد اعمى ومبيشوفش
ادرك آدm أنها نفس الفتاة التي قابلها في المنطقة الشعبية فاستشاط غضبًا وقال بانفعال مكتوم :
_ احترمي نفسك يابت
مهرة بصوت مرتفع نسبيًا وسـ.ـخط هادر :
_ بت في عينك ياجربان
_ أنا جربان !!!!
قبضت فوزية على ذراع حفيدتها وهتفت باستياء ونظرات تحذيرية :
_ مهرة بس اكتمي إيه اللي بتعمليه ده
ثم نظرت إلى آدm وقالت بصوت مختقن :
_ وأنت يا أستاذ خلاص قولتلك حصل خير ، اركب عربيتك وامشي
تنهد آدm وقال معتذرًا وهو ينظر لمهرة بقرف :
_ حقك عليا ياحجة .. لو تحبي اتفضلي معايا اوصلكم في طريقي
ردت مهرة بنبرة فظة وهي تطالع سيارته بسخرية :
_حتى عربيتك جربانة زيك
عض آدm على شفاه السفلى بغـ.ـيظ يحاول تمالك أعصابه حتى لا يرتكب بهذه الفتاة جريمة ، بينما فوزية فصاحت بها بنبرة مرتفعة بعض الشيء :
_ بس مسمعش صوتك
فوزية محدثة آدm بإحراج بسيط :
_ حقك علينا احنا يابني .. وشكرًا مش عايزة اتعبك واعطلك على شغلك ، عن أذنك
ثم جذبت مهرة من ذراعها معها ووقفت تشير إلى إحدى السيارات الأجرة وفتحت الباب ثم أدخلتها هي أولًا ودخلت هي من بعدها وتحركت بهم السيارة فورًا ، وبعد دقائق من نظرات جدتها النارية لها وهم مازالوا في السيارة وبعد أن هدأت عصبيتها تدريجيًا ، فلوت فمها بنـ.ـد.م وهمست لنفسها بغـ.ـيظ :
_ كان لازم تتعصبي أوي كدا يعني وتقوليله جربان ! ، بقى بزمتك واحد زي ده يتقاله جربان .. طيب هزقيه بحاجة صح حتى ! ، اوووف لا عيد الخناقة تاني لو سمحت
***
توقفت السيارة أمام المطار وترجلا منها وتولى أحد الرجـ.ـال حمل حقائبهم ، بينما زوجها كان يمسك بكف فتاته الصغير ويسيرا معًا إلى الداخل وهي بجواره .. ظلت تسير لمسافة طويلة حتى وصلا إلى الطائرة وكانت صغيرة بعض الشيء ليست طائرة لركاب مطلقًا ، ضيقت عيناها بدهشة وظلت تتحرك دون أن تتفوه ببـ.ـنت شفة فقط منظر الطائرة يثير ذهولها .. متى قام بشراء طائرة خاصة ؟!! ، سؤال تطرحه في ذهنها بحيرة ولكنها تجاهلته وفضلت تصنع اللامبالاة .
كانت ترتدي فستان قصير بعض الشيء من اللون الأبيض ويعطي اتساعًا جذاب من منطقة الوسط حتى آخره وتترك الحرية لشعرها الأسود الحريري وترتدي فوق عيناها نظارة سوداء وحذائها العالي الذي من نفس لون الفستان يعطيها لمسة أنثوية صارخة .
كان بانتظارهم أمام الطائرة رجل يرتدي زي رسمي وبمجرد وصول زوجها انحنى برأسه في احترام وابتسامة مشرقة فاكتفى عدنان بإماءة رأسه البسيطة ووقف قبل أن يصعد على الدرج المتدلي من الطائرة ينتظر صعودها هي أولًا ، طالعته بنظرة خالية من أي تعابير ثم صعدت هي أولًا وانحنى هو على ابـ.ـنته يحملها على ذراعيه ويصعد بها الدرج حتى وصلا ودخلا ، تحركت في الردهة الصغيرة للطائرة حتى وصلت للمقاعد وكانت مقاعد محدودة وقليلة بعض الشيء لكنها رائعة من اللون البني والجلد الطبيعي .
ركضت هنا باتجاه أحد المقاعد المجاورة للنافذة وقالت بانبهار وسعادة :
_ اقعد هنا يابابي
ابتسم وانحنى عليها يلثم وجنتها هامسًا بدفء وحب :
_ اقعدي في المكان اللي تحبيه ياروح بابي .. الطيارة كلها بتاعتك
تعلقت برقبة والدها وقبلته من وجنته بقوة في حب نقي يلمع بعيناها البندقية الصغيرة فزاد هو من ضمها بحنان ثم ابتعدت وعادت تلازم مقعدها الخاص بجوار النافذة بينما جلنار فجلست على أحد المقاعد المجاورة لمقعد ابـ.ـنتها على الجانب الآخر بعدmا جلس عدنان هو بالمقعد المجاور لابـ.ـنته تمامًا .
نزعت عنها نظارتها ورفعت ساق تضعها فوق الأخرى وامسكت بهاتفها تتصفحه ، بينما هو فأخرج إحدى المجالات وفتحها وبدأ في القراءة .. وقعت عيناه بالصدفة عليها ورأى قدmها العلوية عارية إلى أعلى الركبة نسبيًا بفعل فستانها الذي بالطبيعي يصل إلى الركبة وبعد الوضعية التي اخذتها في جلوسها ارتفع لأعلى أكثر ، ظلت عيناها ثابتة علي ساقها وتطلق شرارات نارية يحاول تمالك أعصابه .. انتبهت بعد ثواني لنظراته فمرقته بطرف عيناها ونظرت إلى مستقر عيناه فتنهدت بخفوت ومدت يدها تسحب الفستان للأمام ، لكنه لا يزال ينظر وكأنه لم يعجبه حتى الآن ومازال ظهور ساقها يثير جنونه ، فتجاهلته وعادت بنظرها إلى هاتفها تتصنع عدm الاكتراث بنظراته الملتهبة .. حتى سمعت صوته المريب وهو يهتف بلهجة آمرة :
_ نزلي رجلك
نظرت له وقالت بهدوء مستفز :
_ نعم !
تأفف بقوة في عصبية مكتومة وألقى بالمجلة التي بيده على المقعد وهب واقفًا ثم اقترب منها ومد يده يسحب فستانها على قدmها بعنف ليسترها ويقول بنظرة قـ.ـا.تلة وحادة :
_ ياتقومي تدخلي الحمام وتغيري الزفت اللي لابساه ده يا تقعدي مظبوط
جلنار بسخط محاولة خفض نبرة صوتها :
_ وإنت إيه اللي مضايقك اعتقد مفيش غيرنا في الطيارة
عدنان بنبرة رجولية ونظرة متقدة :
_ طاقم الطيارة كله رجـ.ـا.لة ياهانم وممكن في أي لحظة حد يدخل
انزلت ساقيها وجلست بطبيعية وهي تجيبه بتأفف وخـ.ـنـ.ـق امتزج بانفعالها :
_ أهووو .. حلو كدا !!
استقرت في عيناه نظرة ثاقبة وهو يتفحصها بنظرها من من قمة رأسها حتى أطراف أصابع قدmها ، هدأت حدة نظراته قليلًا وانتصب في وقفته ثم عاد إلى مقعده وسط نظراتها المستاءة له .. كانت هنا تتابع بعيناها الحديث المنخفض المشحون بطاقة سلبية بين والديها دون أن تتمكن من سماع ما يقولون ، وعنـ.ـد.ما جلس أبيها بجوارها مرة أخرى ابتسمت بلطافة ليبادلها هو بابتسامته المعتادة التي تنضج بالدفء والحب .
دقائق قصيرة مرت حتى بدأت الطائرة في الإقلاع وبلحظة ارتفاعها عن الأرض قبضت جلنار بيدها على ذراع مقعدها وارجعت رأسها للخلف مغمضة عيناها بقوة بعدmا داهمها الدوار فجأة وتسارعت أنفاسها ونبضات قلبها بشكل مريب أثار القلق في نفسه .
↚دقائق قصيرة مرت حتى بدأت الطائرة في التحرك وبلحظة ارتفاعها عن الأرض قبضت جلنار بيدها على ذراع مقعدها وارجعت رأسها للخلف مغمضة عيناها بقوة بعدmا داهمها الدوار فجأة وتسارعت أنفاسها ونبضات قلبها بشكل مريب أثار القلق في نفسه .. علق نظره عليها يتابع تغيراتها المفاجئة ، وحدة أنفاسها تزداد وبدأت تجد صعوبة في التقاطها ، فور رؤيته لها على هذا الوضع هب من مقعده ووقف أمامها منحنيًا بجزعة للأمام ويقول بأعين قلقة :
_ جلنار إنتي كويسة ؟
لم تجيبه فقط فتحت عيناها وهي تطالعه بأعين ضعيفة وتحاول تهدئة أنفاسها المتسارعة ، تملك منه الزعر وصاح مناديًا على أحد من طاقم العمل بالطائرة الذي جاء فورًا مسرعًا ، وسمع عدنان يهتف دون أن ينظر له فقط منشغل بزوجته :
_ هات مايه بسرعة
امتثل لطلبه فورًا بينما هو فهتف بأعين تحمل القلق الملحوظ ويحتضن وجهها بين كفيه :
_ خدي نفس ياجلنار
ثم أخذ شهيقًا طويل وأخرجه زفيرًا متهملًا حتى تفعل مثله .. ففعلت هي بصعوبة وسط نبضاتها العنيفة ، لحظات معدودة بالضبط ووصل الماء .. التقط الكأس منه وأعطاه لها هامسًا باهتمام :
_ خدي اشربي
جذبت الكأس منه بيد مرتعشة ورفعته إلى شفتيها تشرب بتمهل وهو يساعدها في إمساك الكوب ، ثم مد أنامله يبعد خصلات شعرها عن عينيها بلطف حتى لا تزعجها ويتابعها بعيناه المترقبة حتى انزلت الكأس من فمها وقد ظهر على ملامحها هدوء أنفاسها قليلًا ، سألها بخفوت مهتم وقلق ممسكًا بكفها :
_ هااا احسن دلوقتي ؟
هزت رأسها بالإيجاب في أعين ضعيفة وقسمـ.ـا.ت وجه بريئة تسرق القلب .. تنهد بـ.ـارتياح واستطرد بحزم يوبخها في عنف بسيط ، وبإبهامه يملس على ظهر كفها الذي يحتضنه بين قبضته .. كأن نبرته وقمساته الغليظة تقسو ولمساته تحنو ! .
_ أكيد نسيتي تاخدي المهدئ قبل ما تركبي الطيارة صح !
جلنار بخفوت رقيق :
_ أيوة
عدنان باستياء من إهمالها :
_ الإهمال ده مـ.ـيـ.ـتكررش تاني ياجلنار .. المفروض إنك عارفة أن إنتي مش بتستحملي الارتفاع والطيارة وعندك رهاب منها وبتجيلك النوبات دي يبقى مش محتاجة حد يفكرك أو يقولك خدي المهدئ
اقتربت هنا من أمها ووقفت بجوار مقعدها تقول بنظرة مرتعدة ونبرة طفولية حزينة بعدmا تابعت بعيناها حالة والدتها المريبة وزعر والدها وهو يحاول تهدئتها :
_ إنتي كويسة يامامي ؟
نظرت لها بعين كلها دفء وحب ثم انحنت بجزعة من على مقعدها وحملتها على قدmيها تلثم وجنتها بحنو متمتمة بابتسامة ساحرة :
_ أنا كويسة ياروح مامي متخافيش
ابتسمت لها هنا بـ.ـارتياح بسيط ظهر على ملامحها الصغيرة ، بينما هو فظل نظره معلقًا عليها يتفحصها بنظراته جيدًا كأنه يتأكد من انتظام أنفاسها وعودتها لطبيعتها ، وبعد ثواني من التحديق بها وهي منشغلة بالحديث مع ابـ.ـنته ومداعبتها ، انتصب في وقفته ووجد نفسها بتلقائية ينحني على رأسها ويطبع قبلة على شعرها بلطف ثم يبتعد عنهم ويتجه نحو حمام الطائرة .. رفعت هي رأسها عن ابـ.ـنتها بدهشة بعدmا أحست بقبلته والتفتت برأسها للخلف إليها تتابعه بنظراتها المتعجبة وهو يتجه نحو الحمام ، فزمت شفتيها بحيرة ولم تشغل عقلها بالتفكير كثيرًا حيث سرعان ما عادت بنظرها إلى ابـ.ـنتها تستكمل حديثها المرح معها ! .
***
تجلس أسمهان على الأريكة بغرفتها والتساؤلات والشكوك تنهش عقلها .. لم تصدق الكذبة التي قالها لها " سمير " ، لابد أن الأفعى الصغيرة " فريدة " تعد مكيدة دون علمهم ، ولن يهدأ لها بال إلا حينما تكشف مكيدتها ويتسنى لها التخلص منها .
لن تترك أرث إمبراطورية الشافعي لابنة الخادmة أو لابنة ذلك الحقير نشأت .. لقد صبرت وتحملت فريدة لسبع سنوات بل وتظاهرت بالود والحب معها فقط حتى لا تخسر ابنها ، لكن الآن هي على يقين أنها إن لم تتخلص من الأفاعي المحيطة به فبالتأكيد ستخسره بالفعل ! .
ستخلصه من جشع تلك الفقيرة " فريدة " وكذلك مكر ابنة الرازي .. ومن ثم ستزوجه هي من امرأة يستحقها تكون له خير الزوجة والأم ، وكذلك امرأة تليق بمركز عائلتهم الكبيرة ومركزه ! .
انتشلها من شرودها صوت توقف سيارة بالاسفل فهبت واقفة واقتربت من النافذة تنظر منها وإذا بها تجد فريدة تخرج من الباب الخلفي للسيارة وهي ترتدي نظارة شمس وملابسها الفخمة وتتجه نحو الداخل ، فابتسمت أسمهان بمكر وهي تهمس :
_ كان لازم تاخدي حذرك الأول قبل ما ت عـ.ـر.في بتلعبي مع مين يابـ.ـنت الخدامة .. استحملت قرفك كتير عشان ابني بس لغاية هنا وكفاية ، جهزي نفسك عشان الأيام الجاية دي آخر أيامك في العز وبعدين هترجعي للشارع والزبـ.ـا.لة اللي جيتي منها
ثم دخلت إلى الداخل مجددًا والتقطتت هاتفها تحاول اجراء اتصال بابنها المختفى منذ أيام وبعدmا أتاها نفس الصوت الذي يخبرها بكل مرة أن الهاتف مغلق .. تأففت بقوة وصاحت في سخط امتزج بالقلق :
_ روحت فين بس ياعدنان ! .. ياخـ.ـو.في لتكون لقيت اللي ما تتسمى بـ.ـنت نشأت !
***
وصلت زينة إلى منزل خالتها بعدmا طلبت منها أن تمر عليها وهي ذاهبة للمنزل .. لبت طلب خالتها على مضض حينما توقعت نوع الحديث الذي تريد مشاركتها فيه ، فهي منذ أيام تحاول التعافي من مشاعرها الوهمية وليست في حالة تسمح لها بالانخراط مجددًا في أوهامها أو مجرد لمعة أمل بسيطة تدفعها إليها خالتها بكلمـ.ـا.تها التي لا فائدة منها .
خرجت أسمهان من غرفتها فور رؤيتها لابنة أختها واستقبلتها بحرارة وحب كعادتها بينما زينة فكانت جـ.ـا.مدة لا تظهر أي معالم حتى أنها لم تتجول بنظرها في المنزل بحثًا عنه ككل مرة تذور منزل خالتها فيه .. مما أثار الشك في نفس أسمهان التي جذبتها من ذراعها واجلستها على الأريكة وسألتها بريبة :
_ مالك يازينة ؟!
_ مليش ياخالتو مرهقة شوية بس
سكتت أسمهان لبرهة من الوقت وهي تمعن النظر في ملامحها تحاول توقع سبب ضيقها وبؤسها فهتفت بترقب :
_ آدm زعلك في حاجة !!
رمقتها زينة بيأس وتمتمت لأول مرة بصوت مبحوح دون خجل أو ارتباك كعادتها :
_ خالتو بليز متكلمنيش عن آدm .. أنا وإنتي عارفين إنه مبيحبنيش ومش هيحبني
تنهدت أسمهان وقد ظهرت القوة على ملامحها فقالت بنظرة جانبية لئيمة :
_ ومين قالك إنه مبيحبكيش !
وقع أثر جملتها على أذنها وقع الرعد .. حيث حدقت بخالتها في صدmة امتزجت بالفرحة الداخلية والأمل الذي سرعان ما عاد يلمع في عيناها وهي تهتف بتلهف وعدm تصديق :
_ هو قالك إنه بيحبني ؟!
ضحكت أسمهان وقالت بهدوء في نظرة تنضج بالخبث :
_ مقالش وحتى لو مبيحبكيش بس أنا عارفة ابني كويس وعارفة هو بيعزك إزاي .. يعني لو استغليتي النقطة دي لصالحك هتكسبي قلبه بسهولة وآدm مش زي عدنان خالص ، آدm بأبسط الأشياء والأفعال تقدري تكسبيه وتخليه يحبك
انطفأ اللمعان في عيناها من جديد واجفلت نظرها أرضًا بحـ.ـز.ن متمتمة :
_ أنا مش في باله أساسًا ياخالتو وخلاص مبقيش عندي طاقة أحاول تاني حاسة إني بهين نفسي ، ومش بعيد يكون بيحب واحدة تاني عشان كدا مش ملتفت ليا خالص
أسمهان بحزم ونبرة جادة :
_ وفكرك إني هقبل إنه يتجوز واحدة غيرك
زينة بابتسامة منطفئة :
_ أنا اللي مش هقبل لو مكنش بيحبني
أسمهان بثقة وعينان كلها خبث :
_ هيحبك متقلقيش
لم تنظر لخالتها فقط استمرت في التحديق بالفراغ أمامها في بؤس ، وتحاول منع الأمل من التمكن منها من جديد ، حتى لا تعطى لنفسها آمال واهنة مبنية على حججة وهمية ! .
***
رنين الهاتف لا يتوقف منذ لحظات وهو منشغل بآخر التجهيزات لافتتاح معرضه الذي سيكون بعد يومين ، لكن الرنين الصاخب يشتت ذهنه وبدأ يزعجه فترك ما بيدها واتجه نحوه والتقطه وكان على وشك أن يجيب على المتصل بعصبية وانفعال لكنه هدأ فور رؤيته لاسم أخيه يصدح على الشاشة .. أجاب مسرعًا وتمتم :
_ إيه الأخبـ.ـار يا Boss
عدنان بصوته الخشن :
_ أنا وصلت مصر وجاي في الطريق .. إنت فين ؟
آدm باندهاش بسيط :
_ وصلت مصر ! .. طيب اتصل بيا حتى وقولي ، على العموم أنا في المعرض
_ جبت سيرة لماما ولا فريدة على حاجة ؟
هتف آدm ضاحكًا بخفة :
_ عيب عليك أصلًا ماما كل يوم بتسألني عليك وأنا بسببك هتحدف في نار جهنم من الكدب اللي بكدبه عليها
ثم استكمل وهو يسأله بجدية واهتمام هذه المرة :
_ المهم طمني جلنار وهنا كويسين ؟
كان يقف مستندًا بظهره على السيارة فالتفت برأسه للخلف حيث كانت جلنار تجلس في المقعد المجاور لمقعده الخاص بالقيادة بينما صغيرته فقد غفت بالمقعد الخلفي ونامت .. عاد يشيح بنظره عنهم وأجاب على آدm :
_ كويسين .. استناني في البيت عشان عايز نتكلم شوية
آدm باقتصاب بسيط ممزوج بمرح :
_ لازم دلوقتي !
انتصب عدنان في وقفته والتفت حول السيارة ليفتح باب مقعده ويجيب على أخيه بصرامة :
_ دلوقتي يا آدm .. سلام
اغلق الاتصال واستقل بالسيارة بجوارها وسط نظراتها الدقيقة له وهي تقول بخفوت :
_ آدm ده ؟
رد عليها دون أن ينظر لها في صوت أجشَّ :
_ امممم .. هنروح عند ماما الأول عشان تشوف هنا وبعدين هوديكي البيت
اشتعلت نيران الغـ.ـيظ في عيناها فهتفت في صوت حاولت خفضه :
_ مش هروح البيت ده أنا .. مامتك عايزة تشوف هنا يبقى تاجي في بيتي
_ هتروحي ياجلنار .. أنا مش بخيرك ، بعدين هما كلهم كام ساعة وهتمشي
جلنار بعصبية وتصميم :
_ ولا دقيقة حتى ، مش كفاية هستحمل مامتك كمان هستحمل فريدة وحركاتها المستفزة
عدنان ببرود تام :
_ خلاص يبقى اوصلك البيت واخد بـ.ـنتي واروح بيها تشوف جدتها
ضحكت ساخرة وقالت بشراسة :
_ بـ.ـنتي مش هتبعد عني لحظة واحدة .. أنا إيه اللي يضملي إنك تاخدها ومترجعهاش ليا تاني أو مراتك الحرباية دي تعمل حاجة في بـ.ـنتي
استقرت في عيناه نظرة متقدة حدقها بها لكنها لم تكترث وهتفت باستهزاء :
_ إيه لتكون اضايقت عشان غلطت في سفيرة الأفاعي بتاعت سيادتك !
أوقف السيارة جانبًا وانحنى بوجهه عليها يهمس في نبرة مريبة وغضب مكتوم :
_ أنا مش عايز اتعصب واعلي صوتي عشان البـ.ـنت نايمة .. خلي يومك يعدي علي خير ويا تيجي معايا من غير كلام كتير .. يا تروحي على البيت وتستنينا هناك
صرت على أسنانها بغـ.ـيظ تحاول تمالك أعصابها وهي تطيل النظر في وجهه وبالأخص عيناه القاسية ، فبادلته نظرته القاسية بأخرى خالية من المشاعر فقط البغض الذي يظهر .. بينما هو فهدأت نفسه الثائرة قليلًا وقال وهو يعود وينتصب في جلسته ليبدأ في تشغيل محرك السيارة من جديد :
_ أفهم من سكوتك ده إنك هتيجي خلاص
لم تجيبه فقط ظلت تضـ.ـر.ب بمشط قدmها على أرضية السيارة في شكل متتالي بغـ.ـيظ واحتدام جعل وجنتيها البيضاء إلى حمراء ، واستمر اهتزاز قدmها هكذا للحظات طويلة وهو يتابعها بعيناه حتى وجدته يضع كفه على فخذها يمنعها من الحركة أكثر ويقول بحدة :
_ اثبتي عصبتيني !!
دفعت يده عن جسدها ورمقته بنظرة شرسة لم تغضبه بقدر ما أعجبته و.جـ.ـعلته يبتسم بتلذذ ، وكانت صيحتها المنذرة فور نظرتها تمامًا :
_ قولتلك مليون مرة متلمسنيش
رمقها بنظرة جانبية في ابتسامة كانت شبه بـ.ـاردة لكنها في الحقيقة تضمر خلفها سخط مكتوم ووعيدًا لها حين ينفرد بها بمنزلهم ، ستكون قد حانت لحظة عقـ.ـا.به الحقيقي لها ! .
***
في مساء اليوم وفقًا لفرق التوقيت بين مصر وكاليفورنيا .
كان بإحدى الحانات المشهورة يجلس على المقعد المرتفع أمام البـ.ـار .. وبيده كأس قصير بيضاوي يمده إلى الشاب الذي يقف على البـ.ـار فيملأ جزء صغير منه ، ليعود هو بالكأس إلى فمه ويبتلع النبيذ كله دفعة واحدة .
لا يأتي إلى هنا إلا نادرًا واليوم شعر بأنه في حاجة ليتغيب عن الواقع لساعات ويتناسى همومه ، وصلته الأخبـ.ـار برحيلها صباح اليوم معه .. لم تخبره حتى ومنذ آخر مقابلة بينهم أو بالأحرى منذ عودة ذلك الشيطان لم تسأل عنه وتجاهلت وجوده تمامًا ، هل كل ما فعله من أجلها ذهب هباءًا هكذا بلحظة واحدة ! .. لكنه هو المخطئ ، كان عليه أن يتفهم من البداية حنينها وعشقها الدفين للرجل الذي كان سببًا في تدmير زهرته المتفتحة ، هو من أوهم نفسه ومنح ذاته آمال حمقاء مثله وصدقها .. والآن يتسكع ويتخبط في أحزانه الساذجة.. كما وصفها !! .
بدأ يفقد توازنه شيئًا فشيء وكذلك وعيه من فرط كمية النبيذ التي تناولها ، وكان على وشك أن يمد الكأس مرة أخرى حتى يملأه له لولا اليد الرقيقة التي قبضت على رسغه أولًا ثم انتزعت الكأس من قبضته وهتفت في عتاب باللغة الإنجليزية :
_ حاتم .. لقد بحثت عنك بكل مكان ، ماذا تفعل هنا ؟!
رفع نظره لها وابتسم ببلاهة ثم أمسك بالكأس مرة أخرى ورفعه أمامها يريها ما الذي يفعله وهم بأن يقربه من فمه لكنها انتشلته من يده بحدة وقالت :
_ يكفي .. يبدو إنك شربت كثيرًا ، هيا سأصطحبك للمنزل
أجابها بصوت ثملًا بعدm اكتراث وهو برفض النهوض :
_ سأبقى لبعض الوقت .. اذهبِ إنتِ
اخرجت من حقيبتها نقودًا ودفعتهم لصاحب الحانة ثم أمسكت بذراع حاتم تساعده على النهوض وهي تهتف بغضب :
_ هيا سنذهب لن اتركك أكثر من ذلك .. ستؤذي نفسك
نهض من على المقعد وسط جذبها له وبمجرد وقوفه اختل توازنه وكان على وشك السقوط لولا أنها لحقته وحاوطت خصره بذراعها فرفع هو ذراعه بتلقائية يضعه على كتفه ليستند عليها وسارا معًا للخارج .
همهم في نبرة مهمومة :
_ ذهبت وتركتني !
لم تجيب عليه فقط ظلت تحاول مساعدته على السير حتى لا يسقط وتتجه به نحو سيارتها حتى اصبحا على بضع خطوات صغيرة منها فسمعته يهتف للمرة الثانية بعدm وعي وهو يبتسم بابتسامة لعوب :
_ إنتِ جميلة جدًا اليوم ، ما رأيك في أن نقضى بعض الوقت اللطيف معًا !
رفعت رأسها لها وحدقته بدهشة ثم قالت بابتسامة جانبية في حدة متحدثة بلغتها الأم اللبنانية :
_ ما راح حاسبك هلأ مشان شكلك مو بوعيك أبدًا ، بالصبح بس تفيق بيكون النا كلام تاني
قهقه بخفة ثم وصلا إلى السيارة ففتحت هي باب المقعد الخلفى وساعدته على الدخول والجلوس وقبل أن تغلق الباب وتتجه إلى مقعد القيادة الخاصة بها ، هتف هو يستكمل كلمـ.ـا.ته الغير واعية وهو يغمز :
_ لن اتركك اليوم .. فليكن بعلمك !
أجابته بغـ.ـيظ محاولة كتم ابتسامتها من كلامه الغريب :
_ اصمت ولا تجعلني انـ.ـد.م على قدومي إليك ياوقح
ثم أغلقت الباب واتجهت إلى مقعدها وحركت محرك السيارة منطلقة بها نحو منزله الخاص بينما هو فأرجع رأسه للخلف واغمض عيناه بعدmا بدأ النوم يصعد لعيناه ولا يستطيع مقاومته ...
***
خرج نادر من مكتبه وقاد خطواته نحو مكتب عدنان ، وقف أمام المكتب والتفت برأسه يمينًا ويسارًا يتأكد من عدm ملاحظة أحد له ، فمد يده وهم بأن يمسك بالمقبض لولا الصوت الأنوثي الذي استوقفه ، فالتفتت بجسده للخلف ناحيتها لتهتف الفتاة في تعجب :
_ نادر هو إنت داخل مكتب عدنان بيه ليه ؟!
رفع حاجبه مستنكرًا سؤالها وأجابها بحزم وغطرسة :
_ نعم !
الفتاة في رسمية وجدية :
_ مستر آدm منبه إن محدش يدخل مكتب عدنان بيه طول ما هو مش موجود
نادر بأعين ساخرة وشرسة وغير مكترثًا بما قالته :
_ وأنا مش أي حد يا ليلي ياحبيبتي .. الأوامر دي تمشي على الموظفين كلهم في الشركة إلا أنا
ثم التفت بجسده مرة أخرى ناحية الباب وفتحه ودخل وأغلقه خلفه ، واندفع فورًا نحو مكتب عدنان .. حاول فتح الإدراج ولكن كلها كانت بأقفال فأخرج من جيبه المفاتيح التي أعطته لها فريدة بعدmا أخذتهم من عدنان ، وفتح واحدًا تلو الآخر يبحث بكل واحد منهم عن ملف بعينه حتى أخيرًا عثر عليه .. رفعه لأعلى أمام عيناه يحدق به بنظرات شيطانية ويقول بسعادة ولؤم :
_ أخيرًا لقيتك .. خلينا نتفرج ونستمتع بمشاهدة الامبراطور الأكبر لأل الشافعي وهو بيخسر تعب ومجهود سنين
أخفى الملف في سترة بذلته واتجه نحو الباب وانصرف لكنه نسى أن يغلق الأدراج كما كانت بالمفاتيح ! .
***
توقف بالسيارة أمام قصر الشافعي وبمجرد وقوف السيارة فتحت " هنا " عيناها ببطء لتسمع صوت أبيها وهو يهتف باسمًا :
_ يلا ياهنايا عشان نشوف نينا
اعتدلت جالسة وتلفتت بعيناها الناعسة حولها حتى أدركت المكان فابتسمت بعفوية وأخذت تفرك عيناها لتزيح أثر النوم عنهم .. بينما هو فنزل من السيارة وفتح باب المقعد الخلفي ومد ذراعيه لها فتعلقت به وحمله هو على ذراعيه بعدmا لثم شعرها بعدة قبلات حانية ، ثم نظر إلى جلنار التي مازالت جالسة بمقعدها ولم تنزل وقال بنبرة بـ.ـاردة :
_ هتفضلي قاعدة في العربية ولا إيه !
هزت رأسها بإيجاب في مضض فهي ليست في مزاج يسمح لها لمقابلة والدته وفريدة ، لم يظهر أي تعبير فقط اغلق باب المقعد الخلفي واستدار متجهًا بابـ.ـنته إلى الداخل بينما هي فقالت قبل أن يبتعد عنها في خـ.ـنـ.ـق :
_ متتأخروش
لم يجبها فقط استمر في طريقه للداخل حتى وقف أمام الباب الرئيسي وانزل ابـ.ـنته من على ذراعيه لتتولى هي مهمة الطرق على الباب في حماس برئ لرؤية جدتها ، وبعد لحظات قصيرة فتحت لهم سيدة في نصف الأربعين من عمرها ولجمت الدهشة لسانها وهي تحدق بعدنان وهنا التي تقف أمامه .. وسرعان ما ارتسمت البسمة المشرقة على شفتيها وقالت بفرحة عـ.ـذ.بة :
_ حمدلله على السلامة ياعدنان بيه
وانحنت قليلًا على هنا وقبلتها بحب وهي تقول بمشاكسة :
_ وحشتينا ياهنون
ابتسمت هنا بخجل بسيط على خادmة منزل والدها التي تعرفها وتحبها كثيرًا وردت عليها برقة :
_ وإنتي كمان ياطنط
ضحكت السيدة وضمتها إليها معانقة إياها بينما عدنان فرد مبتسمًا بود وهو يدخل ويغلق الباب :
_ ماما فين يا أم ياسين ؟
انتصبت في وقفتها وصاحت بصوتها المرتفع في سعادة :
_ يا أسمهان هانم .. عدنان بيه وصل ومعاه هنا
وصل صوتها إلى فريدة أولًا التي اتسعت عيناها بصدmة فور سماعها لاسم " هنا " .. هذا يعني أنه وجد جلنار ! ، وثبت واقفة من فراشها كالذي لدغتها عقرب وهرولت إلى الخارج وعند خروجها كانت أسمهان قد خرجت أيضًا من غرفتها وعلى وجهها ابتسامة فرحة بعودة حفيدتها رغم الدهشة التي اجتاحتها بالبداية مثلها بسبب عودة جلنار ، إلا أن فرحتها بعودة حفيدتها انستها الأمر مؤقتًا .
كانت أسمهان متقدmة وفريدة خلفها في نزول الدرج ، حتى وصلا أخيرًا فاقتربت أسمهان من الصغيرة وحملتها تطبع قبلاتها الحانية على وجنتيها متمتمة :
_ حشـ.ـتـ.ـيني و ياقردة .. عاملة إيه ياحبيبتي ؟
هنا بلطافة معهودة منها وهي تبتسم باستحياء :
_ كويسة يانينا .. إنتي كمان وحستيني ( حشـ.ـتـ.ـيني و )
عادت تلثم وجنتيها بشوق وهي تضحك بخفة .. بينما فريدة فتحركت باتجاه عدنان وعانقته بضيق ملحوظ متمتمة بخفوت :
_ حمدلله على السلامة
طبع قبلة سريعة على شعرها دون أن يلاحظ أحد وبالأخص ابـ.ـنته وقال بنظرة دافئة بعدmا أدرك سبب ضيقها :
_ أنا آسف .. اضطريت إني اسافر فجأة
فريدة بتذمر وصوت خافت :
_ إنت حتى متصلتش بيا ياعدنان وقولتلي .. أنا متفهمة خـ.ـو.فك على بـ.ـنتك ولهفتك أكيد أول ما عرفت مكانها بس كنت قولي على الأقل
القى نظرة على أمه ووالدته ووجدهم منـ.ـد.مجين مع بعضهم وغير منتبهين لهم تمامًا فانحنى عليها مجددًا وهذه المرة سرق قبلة عميقة من وجنتها وتمتم غامزة بمداعبة :
_ طيب خلاص مش وقته الكلام ده دلوقتي .. أنا هصالحك ياجميل بعدين
ابتسمت بابتسامة جانبية بسيطة وعقدت ذراعيها أمام صدرها بينما أسمهان فأخيرًا تحدثت وقالت بقرف واضح :
_ امال بـ.ـنت نشأت فين ؟
تنهد الصعداء وهتف بصوته اصبح غليظًا :
_ برا مستنية في العربية
فريدة بغضب :
_ هو إنت ناوي ترجع معاها ولا إيه !
_ هوصلها البيت هي وهنا يافريدة وهرجع في إيه !!!
جزت على أسنانها بغل بينما أسمهان فهتفت في لؤم ووعيد لمحه بعيناها :
_ طيب ما تخليها تاجي عشان اشوفها وارحب بيها كويس
مسح على وجهه متأففًا وقال بحزم :
_ مش وقته ياماما .. أنا في دmاغي مية حاجة ومش عايز مشاكل ولا خناق
انتبهت فريدة أخيرًا إلى هنا فتحركت باتجاهها ومدت يدها لتصافحها في ابتسامة متكلفة :
_ عاملة إيه ياصغننة ؟
طالعتها هنا مطولًا في تفكير وسرعان ما هرولت نحو والدها وتشبثت بقدmه تقول بنفور واحتدام :
_ مامي قالتلي إنتي وحشة ومس ( مش ) بتحبينا
رفعت فريدة نظرها إلى عدنان وحدقته بحاحبان مرفوعان بابتسامة ساخرة فانحنى هو على ابـ.ـنته وحملها هامسًا لها في صوت حازم يحمل بعض الرفق :
_ عيب ياحبيبتي .. طنط فريدة بتحبك طبعًا ، اعتذري منها يابابا يلا
هزت رأسها بالنفي ودفنت وجهها الصغير بكتفه العريض فهتفت أسمهان وهي تحاول إخفاء ابتسامتها :
_ سيبها ياعدنان خلاص على راحتها متغطش عليها
زفر بحرارة وعصبية بدأت ترتفع لمحياه ثم انزلها على الأرض وقال بخشونة :
_ أنا هطلع اغير هدومي فوق ونازل
***
أخبرته بألا يتأخر ولكنه تجاهلها تمامًا وهاهو بالداخل منذ وقت طويل وحتى محاولاتها للاتصال به لا يجيب عليها ، استشاطت غـ.ـيظًا وغضبًا ونزلت من السيارة ثم رفعت نظارتها لأعلى تثبتها عند مقدmة شعرها وقادت خطواتها نحو الداخل وهي عبـ.ـارة عن جمرة نيران متوهجة .. وقفت أمام الباب وطرقت عدة طرقات متعددة على الباب ففتحت لها بعد ثواني معدودة أسمهان التي طالعتها بابتسامة خبيثة وقالت بحقد :
_ أهلًا ببـ.ـنت الرازي
جلنار بعدm مبالاة بنظراتها وبتجاهل تمامًا تجولت بنظرها في أرجاء المنزل وهي تقف على عتبة الباب وهتفت :
_ بـ.ـنتي فين ؟
التهبت عيني أسمهان فقبضت على ذراعها بعنف وجذبتها إليها تقول بوعيد ونظرات تنضج بالشر :
_ إنتي فاكرة نفسك مين عشان تاخدي حفيدتي وتهربي بيها .. لا وكمان بتتسرمحي مع الرجـ.ـا.لة
دفعت يدها عنها بعنف وصاحت بها بعصبية دون أي خـ.ـو.ف أي اكتراث لأي شيء :
_ حاسبي على كلامك معايا يا أسمهان هانم
قهقهت أسمهان بقوة في استهزاء وكانت على وشك أن تجيب عليها لولا فريدة التي اقتربت منهم ووقفت أمام جلنار بالضبط وقالت في مكر وأعين مشتعلة :
_ معلش اعذريها يا ماما .. تلاقيها جات مغـ.ـصو.بة ومكنتش قادرة تسيب حبيب القلب اللي هـ.ـر.بت معاه
ثم اقتربت بوجهها منها كثيرًا وهمست في خبث قاصدة استفزازها :
_ صراحة مندهشتش وواضح إنه مش جديد عليكي .. أنا قولت من الأول إن إنتي ****
نزل عدنان على أثر الصوت المرتفع بينما كانت جلنار تقف شامخة كالجبل أمامها بكل قوة وصلابة لكن آخر ما توفهت به من إهانة فظة وجهتها إليها جعلها تخرج عن إطار هدوئها المزيف وانفجر بركانها الخامد ، فرفعت كفها في الهواء وهوت به بكل قوة فوق وجنتها ثم تمتمت في نظرات نارية وتحذير مريب ومخيف :
_ مفضلش إلا واحدة بيئة زيك تغلط فيا .. ا عـ.ـر.في مقامك كويس يافريدة ومتنسيش أنا مين
↚خرج صوت جهوري أسكتهم جميعًا :
_ إيه اللي بيحصل ده !
نظرت فريدة إلى جلنار شزرًا وتحولت عيناها إلى الأحمر القاتم ، وحرارة غضبها كانت تخرج منها كلهيب النيران ، أوشكت أن تنقض على جلنار وتجذبها من خصلات شعرها لتفرغ بها شحنة غـ.ـيظها .. لولا صيحة عدنان المهيبة للأبدان وهو يندفع نحوهم :
_ فـريـــدة
توقفت بأرضها مجبرة بعد صيحته بها ، بينما جلنار فوقفت بصمود وقالت في قوة وشراسة تليق بها :
_ من هنا ورايح مش هسكت عن أي إهانة ليا ، وأي حد هيتخطى حدود معايا هيشوف حقيقة بـ.ـنت الرازي و.....
توقفت عن الكلام عنـ.ـد.ما جذبها من ذراعها بعنف وهو يرمقها بنظراته الممـ.ـيـ.ـتة ووجهه الذي لا يختلف كثيرًا عن وجه فريدة ، وخرج منه صوت مريب يدوب الرعـ.ـب في الأبدان :
_ اكتمي ومسمعش صوتك .. تعالى
كان على وشك أن يستدير ويغادر بها المنزل وهو يجذبها من ذراعها لولا فريدة التي أوقفته بصوتها الملتهب وهي تصيح :
_ إنت ماخدها على فين من غير ما تخليها تعتذر !
استقرت في عيني عدنان نظرة غريبة ، كانت قوية وصارمة مما جعلها تتركه بتلقائية في تعجب من نظرته .. وأسمهان كانت تتابع ما يحدث بابتسامة ماكرة .
سار بها في اتجاه السيارة وهي تحاول التملص من قبضته هاتفة بعصبية :
_ سيب إيدي ياعدنان
لم يعيرها اهتمام واستمر في جذبها بقسوة حتى وصلا إلى السيارة ففتح باب المقعد المجاور له وادخلها ثم اغلق الباب بعنف مما أحدث صوتًا عاليًا ، أثار نفضة بسيطة في جسدها .. خرجت هنا من المنزل بعدmا ارتدت حذائها وهرولت راكضة نحو سيارة أبيها واستقلت بمقعدها الخلفي المخصص لها ، وباللحظة التالية كان هو ينطلق بالسيارة متجهًا نحو منزله الثاني .
***
ظلت تجوب الغرفة إيابًا وذهابًا وهي عبـ.ـارة عن جمرة مشتعلة وتزأر من بين شفتيها بغضب عارم .. كيف تجرأت ورفعت يدها عليها ، وما جعل النيران تزداد اشتعالًا بداخلها أكثر نظرته لها عنـ.ـد.ما طلبت أن يجعلها تعتذر ، ومن ثم مغادرتها بها ، دون أي ردة فعل منه على فعلتها ! .
ارتفع رنين هاتفها باللحظة المناسبة تمامًا فأمسكت به وأجابت على المتصل الذي كان نادر :
_ أيوة يانادر
نادر بمغازلة :
_ وصلتي كويسة ياحبيبتي ؟
هتفت في هدوء لا يتناسب مع وضعها أبدًا :
_ إنت مش قولتلي إنك هتتصرف مع الحقيرة اللي اسمها جلنار وتخلصني منها نهائي
_ هي رجعت ولا إيه ؟!!!
سألها باستغراب ودهشة فهتفت هي بانفعال بدأ يظهر في نبرة صوتها :
_ أيوة .. هتساعدني ولا اتصرف معاها واخلص منها لوحدي
نادر بحيرة وعدm فهم :
_ طيب فهميني حصل إيه الأول ؟!
فريدة بصيحة مرتفعة وعصبية :
_ من غير ما يحصل زفت .. أنا خلاص جبت أخري منها وهخلص منها بأي شكل كان
_ طيب خلاص اهدي ياحياتي ، وسيبهالي أنا وهريحك منها تمامًا
أخرجت زفيرًا حارًا وبعيناها نظرات كلها وعيد وغل ، وكلما تتذكر صفعتها لها تشتعل أكثر من الغـ.ـيظ ...
***
توقفت السيارة أمام ڤيلا صغيرة لكنها مذهلة ، تحيط بها من جميع الجهات حديقة ارضها كلها عشب أخضر والأشجار العالية تزيد من جمال المنزل .
نزلت جلنار أولًا من السيارة وقادت خطواتها السريعة للداخل ووجهها الابيض يعطي لونًا أحمر من فرط الغضب ،بينما الصغيرة فنزلت من السيارة وقفزت بفرح وهي تهتف :
_ هييه أخيرًا ردعنا (رجعنا ) بيتنا
التفتت إلي أبيها الذي فتح حقيبة السيارة ليخرج حقائب سفرهم واقتربت منه لتقف بجواره وتقول بنظرات عابسة :
_ بابي إنت هترجع عند نينا تاني ؟
عدنان بهدوء وهو يخرج الحقائب ويضعهم على الأرض :
_لا ياحبيبتي هروح الشغل
حدقته بعينان راجية وتمتمت برقة تذيب القلب :
_ خليك معانا .. بليييز
خفض نظره إليها وابتسم بحنو ثم انحنى عليها ومد يده يملس على شعرها بلطف ويقول بصوت ينسدل كالحرير ناعمًا :
_ مش هينفع يابابا لازم اروح الشغل ، بليل أول ما اخلص هاجي تاني
هنا زامة شفتيها بحـ.ـز.ن :
_ وعد !
ضمها إليه ولثم جانب شعرها بعدة قبلات متمتمًا :
_وعد ياهنايا .. يلا ادخلي جوا وأنا هجيب الشنط واجي وراكي
هزت رأسها بالموافقة في وجه ظهرت عليها الابتسامة المشرقة فور حصولها على الوعد منه ، واستدارت وهرولت راكضة للداخل بينما هو فحمل الحقائب وسار بهم خلفها .
دخل المنزل واتجه إلى أعلى حيث غرفة نومه ، فتح الباب بقدmه ودخل ثم وضع الحقائب على الأرض واغلق الباب ، ووقف لثلاث ثواني بالضبط يتطلع لجلنار الجالسة على فراشها وساقيها تهتز بعنف كدليل على سخطها الشـ.ـديد ثم تحرك بخطواته الواثقة نحوها وانحنى عليها يهمس في نظرة قوية وصوت خشن :
_ اللي حصل ده مـ.ـيـ.ـتكررش تاني فاهمة ولا لا !
وكأنه سكب الماء على النار فزاد من اشتعالها حيث انفجرت به صائحة في شراسة :
_ صدقني ده ولا حاجة .. لو غلطت فيا تاني سعتها مش هيكون مجرد قلم لا ده أنا هخليها .....
جز على أسنانه بغـ.ـيظ مكتوم وهتف بهدوء ما قبل العاصفة مقاطعًا إياها :
_ صوتك ميعلاش
صرخت بأعلى نبرة لديها :
_ وميعلاش ليه .. جاي تحاسبني وتقولي اللي حصل ده مـ.ـيـ.ـتكررش .. المفروض القلم ده كنت إنت اللي تدخولها مش أنا بعد اللي قالته ، لكن إزاي دي حبيبة القلب وقلبك ميطاوعكش تمد أيدك عليها ، لكن جلنار عادي مش كدا
أجابها بخفوت مريب وهو يحاول تمالك أعصابه :
_ جلنار أنا هادي معاكي متخلنيش اتعصب .. عارف وسمعت اللي قالته فريدة وليها حساب معايا لما ارجع البيت ، فبلاش تنرفزيني عليكي عشان أنا على أخري أساسًا
ضحكت بخفة في استهزاء ثم وقفت على قدmيها وتحركت نحوه حتى أصبحت شبه ملتصقة به ، فمدت سبابتها إلى وجهه تمررها على وجنته نزولًا إلى لحيته وتهمس بنبرة تحمل في طياتها الوعيد وبعين مظلمة وثاقبة كعينه تمامًا :
_ لا وعلى إيه أنا خدت حقي خلاص بنفسي وعرفتها قيمتها .. وقريب أوي هاخد حقي وحق بـ.ـنتي من الكل وأولهم إنت وبعديك علطول هتكون أسمهان هانم أصلها أذتني أوي وليا حساب تقيل معاها ، خلاص جلنار الضعيفة والمكـ.ـسورة مبقتش موجودة من هنا ورايح اللي هيفكر إنه يدوس عليا أنا أو بـ.ـنتي هنسفه من على وش الأرض .
صمتت للحظة ثم استأنفت حديثها بخبث وابتسامة جانبية كلها نقم :
_ والافضل إنك تطلقني بالذوق عشان لو مطلقتنيش اوعدك إنك هتنـ.ـد.م وبعد ما انـ.ـد.مك هرفع عليك قضية خلع وهكسبها وهتطلقني غـ.ـصـ.ـب عنك ، وتبقى طلعت من المولد بلا حمص زي ما بيقولوا
ثم ابعدت يدها عنه والقت عليه نظرة نارية بابتسامتها البـ.ـاردة قبل أن تستدير وتهم بالابتعاد عنه ، لكنها أصدرت شهقة مرتفعة عنـ.ـد.ما وجدته يجذبها من ذراعها إليه فاصطدmت به بقوة ملتصقة بصدره ونزلت يده إلى خصرها يحاوطها منه بتملك وقسوة ويهمس باسمًا بازدراء ونظرة متقدة :
_ وهترفعي عليا قضية من فين بقى .. من فلوس أبوكي اللي تحت إيدي ولا من فلوسي
ضحكت وقالت ساخرة بثقة :
_ مشكتلك إنك مستهون بيا بس عندك حق أنا اللي كنت ساذجة وضعيفة وسمحتلك تذلني وتهيني وتهمشني لغاية ما وصل الوضع بيا لكدا ، بس اوعدك إني هغيرلك نظرتك الخاطئة عني دي
شـ.ـدد من ضغطه عليها وهو يقربها منه أكثر كأنه يثبت لها ملكيته عليها وأنها ستظل ملكيته الخاصة طالما يريد هذا ، أكمل همسه بنبرة مثلجة ومستنكرًا تهديداتها :
_ لو فاكرة إن كدا بتلوعي دراعي مثلًا أو بتجبريني فتبقى فعلًا ساذجة .. طول ما أنا مش عايز اطلقك مش هتطلقي لو عملتي إيه ، والصراحة حمستيني عشان أشوف انتقامك وحقك هتاخديه إزاي مني أو هتخليني انـ.ـد.م إزاي يارمانتي
مازالت ترتدي حذائها العالي حتى الآن لم تنزعه ، وملامسته لها بهذا الشكل الحميمي ازعجتها بشـ.ـدة ، فرفعت قدmها من على الأرض ونزلت بها على قدmه تضغط بحذائها بقوة عليه ، فارتد هو للخلف بحركة تلقائية منه بألم وحررها من قبضته ، فقالت هي بوجه مبتسم في حدة :
_ دي عشان حذرتك كذا مرة متلمسنيش
أيقظت الوحش النائم وآخر كلمـ.ـا.تها استفزته بشـ.ـدة ، قد كان يجاهد أن يبقى هادئًا بكل مرة تظهر فيها نفورها منه بكلمتها " متلمسنيش " لكن فاض الكيل .. جذبها إليه للمرة الثانية منحنيًا على وجهها وهذه المرة كان على وشك أن ينقض عليها ليعـ.ـا.قبها على كلمتها التي تكثر منها عمدًا حتى تستفزه وليشبع شوقه إليها الذي لم يستطيع إنكاره منذ اللحظة التي وجدها فيها بعد غياب لشهرين وأكثر .. لكن الطرق اللطيف على الباب قطع اللحظة وصوت هنا وهي تهتف من خلف الباب :
_ بابي .. ادخل ؟
توقف على بعد سنتي مترات لا تحسب وأغمض عيناه بغـ.ـيظ مكتوم بينما هي فدفعته بعنف وطالعته بنظرة نارية ، ثم اتجهت إلى الباب وفتحت لصغيرتها التي طالعت أمها بضيق وقال بعبث :
_ أنا وحدي برا !
انحنت وحملتها على ذراعيها تهتف بحنو أمومي مبتسمة :
_ أنا آسفة ياروحي .. دلوقتي هنغير هدومنا أنا وإنتي وبعدين هنطلع الهدوم من bags ونحطها في الدولاب .
هنا بحماس طفولي :
_ وأنا اساعدك
جلنار ضاحكة :
_ طبعًا هتساعديني احنا كبرنا خلاص ومبقناش صغيرين .. right ؟
هزت رأسها بإيجاب في إشراقة وجه ساحرة ، ثم نظرت لوالدها الذي جلس على الفراش وأخذ يتابعهم بعيناه مبتسمًا فوضعت باطن كفها على فمها ضامة شفتيها ثم ابعدت كفها وارسلت له قبلة في الهواء ، قهقه هو على حركتها ورفع كفه ثم ضمه ممسكًا بالقبلة في نوع من المشاكسة اللطيفة وقرب كفه من جيب سترته العلوية ووضع قبلتها به ثم غمز لها بخبث فارتفع صوت ضحكتها العفوية على مداعبته لها ولعبهم ، نزلت من على ذراع أمها وهرولت راكضة إليه ثم قفزت عليه فتلقاها هو والقى بها على الفراش وانحنى عليها بجسده يدغدغها فانطلقت منها ضحكات عالية وهي تتلوى بين ذراعيه وتهتف بصوت غير واضح من فرط ضحكها الهيستيري :
_ خلاث يابابي .. شيبت ( شربت ) مايه كتير وبتتحرك
توقف عن دغدغتها وأجابها ضاحكًا باستغراب :
_ بتتحرك إزاي !
أخذت أنفاسها بصعوبة ورفعت كفيها لأعلى تهزهم يمينًا ويسارًا هاتفة بثغر مبتسم في نعومة :
_ كدا بق بق بق بق
انطلقت منه ضحكة رجولية مرتفعة على طريقتها اللطيفة وكذلك جلنار التي علت صوت ضحكتها بالغرفة ، بينما الصغيرة فاستقامت جالسة وتعلقت برقبة والدها تقول بمشاغبة في رجاء :
_ إيه رأيك نلعب لعبة حلوة .. بس من غير زرزغة ( زغزغة )
ضحك مرة أخرى بقوة على كلمتها الأخيرة ولثم وجنتها بقوة في حب وهتف لها من بين ضحكاته :
_ طيب نخليها بليل وهنلعب كتيييير أوي عشان دلوقتي أنا مستعجل ياروحي واتأخرت على الشغل
عبس وجهها وزمت شفتيها للأمام بضيق فعاد ولثم وجنتيها مرة أخرى هامسًا باعتذار محب وحاني :
_ لا مقدرش على زعلك ياهنايا .. معلش ياحبيبتي ، ووعد تاني مني هنلعب كتير أوي اول ما آجي بليل ، خلاص ؟!
رفعت كفها وقالت بسخط طفولي وهي تلقي بأوامرها عليه :
_ هنلعب خمسة لعبة .. لا عشرة كمان
_ إن شاء الله نلعب للصبح هو احنا ورانا حاجة
اتسعت ابتسامتها معبرة عن رضاها أخيرًا فانحنى عليها يمد وجنته إليها هامسًا :
_ يلا بوسة كبيرة لبابي بقى قبل ما يمشي
طبعت بشفتيها الصغيرة قبلة قوية على وجنته ثم اتجهت لوجنته الأخرى وفعلت المثل بقوة أشـ.ـد .. بينما جلنار فكانت تتابعهم بابتسامة الصافية ، رغم الخلافات الذي بينهم ونقمها عليه إلا أنها تحب كثيرًا حبه وتعلقه بصغيرتهم وتعشق رؤية لحظاتهم معًا .. ربما لحظاته وحبه وحنوه على ابـ.ـنتهم هو من جعلها تستمر معه حتى الآن على أمل أنه قد يأتي يوم وتنل من هذا الحب بعضًا ، لكن اتضح أنها كانت تتوهم وتتبع سراب ! .
***
سار باتجاه الباب وهو يفرك جبهته بقوة من الألم الذي يجتاحه منذ أن فتح عيناه .. يحاول تذكر تفاصيل الأمس ولكن لا يوجد بذهنه شيء سوى بعض الاشياء الناقصة أهمهم " نادين " ! .
فتح الباب مضيقًا عيناه من قوة الضوء ، وظهرت هي من خلف الباب .. كانت امرأة فاتنة بشـ.ـدة ، متوسطة الطول تمتلك جسد انوثي جذاب وشعر بني اللون مع عينان كلون العسل وشفاه صغيرة وردية .. كل من يراها يفتن بها .
ابتسم بعذوبة وافسح لها المجال للدخول وهو يهتف بترحيب :
_ ادخلي يانادين عاملة إيه ؟
دخلت وأجابت عليه في نظرات مهتمة :
_ منيحة وإنت ؟
أغلق حاتم الباب وتوجه نحو الأريكة المتوسطة والقى بجسده جالسًا ممسكًا بجبهته ومرجعًا رأسه للخلف متمتمًا بألم :
_ صداع هيفرتك دmاغي يانادين
تحركت نحوه ثم جلست بجواره وقالت في شيء من السخط :
_ أي طبيعي بعد كل هاد الشرب يالي شربته مبـ.ـارح بتحس بهيك صداع .. من متى وإنت عم تشرب ياحاتم !!
مسح على وجهه متأففًا وأجابها بخـ.ـنـ.ـق :
_ نادين ارجوكي أنا مش مستحمل تأنيبك ليا أو كلامك اللي على علطول بتسمعهوني
اتسعت عيناها بدهشة امتزجت بالاستياء ثم غمغمت تعيد عليه جملته بعدm تصديق :
_ مو متحملني !! .. أي تسلم أنا عن جد غلطانة إني جيت لألك حتى اطمن عليك
ثم استقامت واقفة وهمت بالرحيل لكنه أسرع وقبض على ذراعها يوقفها هاتفًا باعتذار صادق وضيق :
_ أنا آسف والله مقصدش .. أنا بس الايام دي مضغوط وإنتي عارفة ، اقعدي يا نادين حقك عليا
نادين بنظرة قوية وهي تنتزع يدها من قبضته :
_ لا نحنا الاتنين بنعرف كتير منيح إنك مانك مضغوط ولا شيء ، إنت .....
قاطعها مبتسمًا بساحرية وتمتم بهدوء :
_ طيب بلاش نفتح السيرة دي دلوقتي واقعدي يلا وشوفيلي حل للصداع ده بدل ما إنتي قافشة عليا كدا
صاحت به في انفعال :
_ وليش لأشوفلك حل .. حدا خبرك إني والية امرك ! ، كل شيء نادين تعي سوى هاد .. بتنام متأخر بليل وبتيجي تقول لا تنسي تفيقيني بالصبح مشان ما أتأخر على الشغل .. نادين بدي ياكي تساعديني لأختار شو بلبس بهاي المناسبة .. نادين شو بسوى مع جلنار .. نادين .. نادين .. نادين ، لك نادين طهقت أنا ماني امك
قهقه عاليًا بصوته العالي ثم غمز لها في مشاكسة يجيب عليها بلهجتها اللبنانية :
_ يقبرني هاد العصبي
_ احترم حالك .. أنا لحد هلأ ما حاسبتك على اللي قلته مبـ.ـارح
تغيرت ملامحه وأخذت الجدية ليقول بإحراج بسيط :
_ اللي قولته !! .. هو أنا خرفت في الكلام أوي !
ضيقت عيناها وسألت بعدm فهم :
_ شو يعني خرفت ؟!
حاتم بنبرة حادة وبوجه يعطي تعبيرات الاعتذار مقدmًا :
_ يعني قولت كلام مش لطيف يانادين !
هزت رأسها بإيجاب وتمتمت بصرامة ونظرات شرسة :
_ اممم مو لطيف أبدًا ، ولولا إنك ما كنت بوعيك كنت بهدلتك
زم شفتيه وقال معتذرًا بأدب ورقة :
_ أنا آسف بجد .. بس نفسي أفهم إيه اللي جابك ليا من الأساس
نادين بزمجرة :
_ كنت بتركك مثلًا وإنت بهاي الحالة !
ابتسم لها بمشاعر نقية وامسك بكفها يتمتم في ود جميل :
_ ربنا يخليكي ليا .. أنا بجد من غيرك معرفش كنت هعمل إيه يانادين ، من غير زعل بس أنا بحسك امي بجد
صرخت به بغـ.ـيظ وعصبية وهي تسحب كفها :
_ لك لا تجنني .. شو امك !! ، شايفني عجوزة لتقولي امك
عاد يضحك مجددًا وتمتم يصحح لها الفكرة ببساطة :
_ مش المعنى كدا .. مش عارف افهمالك إزاي ، بس انا بعتبرك كدا بسبب إنك قريبة جدًا مني وتقريبا معتمد عليكي في كل في حياتي .. شغلي وحتى حياتي الخاصة انتي اللي بتظبطي ليا كل حاجة فيها ، يعني لو ماما كانت عايشة مكنتش هتهتم بيا زيك كدا
هدأت ثورتها ولانت نظراتها فهتفت برقة رائعة مع نبرة صوتها الرقيقة :
_ الله يرحمها
حاتم في خفوت جميل امتزج بمداعبته وفضوله الخبيث قاصدًا إثارة سخطها :
_ آمين .. لكن مقولتيش أنا قولت إيه امبـ.ـارح صحيح ، عشان للأسف مش فاكر
طالعته بنظرة نارية ومغتاظة فسرعان ما ارتفعت صوت ضحكته الرجولية لأنه نجح بكل سهولة في تحقيق مبتاغه من جملة واحدة ! .
***
بعد صباح مرهق ومتعب ككل يوم في العمل ، كانت في طريقها للمنزل وهي تسير في شوارع حارتها وسط ضجة الاطفال والبائعين ، وإذا بها تذكرت أنهم ينقصهم الارز بالمنزل ولن تتمكن من تحضير وجبة غذاء اليوم بدونه .. فانحرفت بقدmها لليسار نحو أحد محلات البقالة ووقفت تهتف بابتسامة خافتة من الإرهاق :
_ ازيك يا أم سلامة
رفعت السيدة نظرها إلى مهرة وطالعتها بعين ثاقبة ثم وقفت وقالت بهدوء :
_ نحمدو .. أخبـ.ـار الحجة فوزية إيه ؟
مهرة بإيجاز وهي تخرج حقيبتها الصغيرة :
_ كويسة الحمدلله .. اديني كيلو رز يا أم سلامة
تحركت السيدة خطوتين في محلها الصغير والتقطت كيس ارز متوسط الحجم ثم وضعته في كيس أصفر اللون وأعطته لها ، وقبل أن تلتقط منها النقود ، انحنت للأمام مستندة برسغها على سطح المنضدة الخشبية الكبيرة التي تفصل بين الشارع والمحل من الداخل وغمغمت بعين خبيثة وابتسامة ساخرة :
_ ألا صحيح يابت يامهرة اللي عملتيه مع صابر الأعور ده !
رمقتها مهرة بابتسامة صفراء ومثلجة بينما الأخرى استكملت بخبث أشـ.ـد :
_ ده سيرتك على كل لسان في المنطقة .. قال إيه بـ.ـنت رمضان الأحمدي بتطفش العرسان عشان لا مؤاخذة يعني مشيها بطال .. صحيح الكلام ده يابت ؟ ، قوليلي ومتخافيش ده أنا برضوا يهمني مصلحتك ، اصل لو الكلام ده غلط أنا اقطع لسان كل واحد يقول كلمة وحشة عنك
اختفت ابتسامتها وتحولت نظراتها المثلجة إلى نيران متوهجة وتشنجت عضلات وجهها حتى أصبح وجهها اللطيف مرعـ.ـبًا ، وخرج صوتها شبه عاليًا بانفعال هادر :
_ اقولك إيه يا ولية ياخرفانة انتي .. بعدين مين دي اللي مشيها بطال ، ده أنا اشرف منك ومن عيلتك كلها ، لتكوني فكراني مفياش لسان ومش هعرف ارد عليكي لا ده أنا لساني طويل وزفر أوي كمان
رفعت السيدة ذراعيها لأعلى وصرخت باعلى صوتها صائحة باستهزاء وغضب :
_ بقى أنا خرفانة يابـ.ـنت حليمة الشحاتة .. لكن هقول إيه ماهو صحيح تربية **** ، والدور والباقي على الحجة فوزية اللي معرفتش تربي بـ.ـنت ابنها
تجمع جميع من بالجوار من أهل الحارة على أثر صياح أم سلامة ، بينما مهرة فوصلت إلى ذروتها حيث ألقت ما بيدها من أكياس وهمت بأن تهجم على أم سلامة لولا أن إحدى الشابات بالمنطقة كبلت مهرة تمنعها وهي تهتف :
_ خلاص يامهرة
صرخت مهرة باعلى صوتها محدثة أم سلامة وهي تحاول التملص منها :
_ طاب إيه رأيك أنا هوريكي التربية **** اللي على حق
تمكنت من التملص من الشابة التي تمسك بها واندفعت نحو أم سلامة التي كانت في بداية العقد الخامس من عمرها ، وجذبتها من حجابها صائحة بأسلوب الحواري التي ترترعت به :
_ عارفة لو سيرة أمي جات على لسانك ال*** ده تاني هكون قطعهولك ، أصل إنتي ست عايبة وبجحة ومفيس راجـ.ـل عرف يحكمك
هرولت سيدات المنطقة كلهم وابعدوا مهرة عنها وهم يصـ.ـر.خوا بها بأن تتوقف ، بينما ام سلامة فصفقت بيديها بأسلوب منحدر وهي تهتف ضاحكة :
_ بدل ما تتشطري عليا روحي داري على فضايحك وسيرتك اللي على كل لسان دي
صاحت بها سيدة متقدmة في العمر :
_ جرا إيه يا أم سلامة .. كفاية خلاص ميصحش اللي بيتعمليه ده
ثم أمسكت بذراع مهرة تجذبها معها عنوة إلى خارج الحشـ.ـد الذي تجمع على أثر المشاجرة العنيفة ، بينما مهرة فكانت عبـ.ـارة عن قنبلة موقوتة والسيدة التي تمسك بها هامسة في خفوت ولطف محاولة تهدئتها :
_ خلاص يابـ.ـنتي اهدي وسيبك من كلام بدرية ما إنتي عارفة هي كدا بتحب تنكش في اللي رايح وجاي وتتخانق مع أي حد
مهرة بحرقة :
_ إنتي مسمعتهاش بتقولي إيه ياحجة أمينة !
_ سمعتها يابـ.ـنتي بس انتي غلطانة مكنش ينفع تردي عليها أصلًا وكنتي سبتيها ومشيتي
_ يعني تغلط فيا وفي أهلي واسكتلها !!
هرول إحد الأطفال خلفها وهو يحمل أكياسها ويقول بحب بريء :
_ خدي يامهرة الكياس بتاعتك ومتزعليش نفسك دي ست شعنونة
هتفت أمينة بحزم وهي تجاهد في إخفاء ابتسامتها :
_ هات الكياس دي وامشي ياولا بلاش لسان طويل
جذبت منه الأكياس واعطتها لمهرة وهي تقول بحنو وعذوبة :
_ خدي يلا يامهرة وروحي لجدتك يابـ.ـنتي وفكي وشك كدا عشان فوزية متحسش بحاجة ، لأحسن ممكن يجرالها حاجة لو عرفت باللي حصل
مهرة بابتسامة جميلة وهادئة :
_ حاضر ياحجة أمينة اطمني أكيد مش هقولها .. وشكرًا بجد
_ إنتي زي بـ.ـنتي يامهرة متقوليش كدا
اقتربت منها مهرة وعانقتها بود ثم التقطت الأكياس منها وسارت متجهة نحو منزلها وهي تشـ.ـد على محابس دmـ.ـو.عها ، فما سمعته كان ثقيل جدًا رغم أنها أظهرت القوة أمام الجميع .
***
داخل مقر شركة أل الشافعي تحديدًا بمكتب عدنان ......
يجلس على الأريكة الصغيرة المتوسطة في منتصف الغرفة وأمامه على منضدة قصيرة مجموعة من الملفات والأوراق الخاصة بالعمل ، منشغلًا بها ومنكبًا عليها منذ أن جاء .. يرتدي نظارته الطبية الخاصة بالقراءة ويمسك بيده قلم فخم يعمل به في تركيز ، انفتح الباب بهدوء بسيط وحرص من السكرتيرة الخاصة به التي كانت تحمل كوب قهوة له واقتربت منه دون أن تتفوه ببـ.ـنت شفة بعدmا أخذت التعليمـ.ـا.ت بعدm مقاطعته بتاتًا أثناء العمل حتى لا تنل من بطشه نصيبًا ، انحنت جزعة للأمام ووضعت الكوب بجواره على المنضدة ثم انتصبت في وقفتها وهمت بالاستدارة والرحيل لولا صوته الغليظ وهو يسأل دون أن يرفع نظره عن الأوراق :
_ آدm وصل ولا لسا ؟
ردت عليه برسمية شـ.ـديدة وارتباك خصوصًا أنها الأيام الأولى لها بالعمل :
_ لا يافنـ.ـد.م لسا موصلش
انتبه لنبرة الصوت المختلفة والغير مألوفة عليه فرفع نظره لها وحدقها بنظرة دقيقة وقوية ثم تمتم بخشونة :
_ إنتي مريم مش كدا ؟
هزت رأسها بإيجاب في اضطراب واضح ، فالتقط أحد الملفات التي أمامه ومده لها وهو يهتف بنبرة صارمة وجدية يجيب عليها :
_ طيب وصلي الملف ده لمستر نادر .. وقوليله يخلصه خلال ساعة ويبعتهولي فورًا
التقطت منه الملف وتمتمت بالموافقة وهي تهز رأسها :
_ حاضر يافنـ.ـد.م
ثم استدارت واتجهت نحو الباب وانصرفت .. بينما هو فعاد يستأنف عمله لكن محفظة نقوده الخاصة الصغيرة سقطت من فوق المنضدة ، فانحنى ليتلقطها .. ولكنه رأى صورة تجمعه مع ابـ.ـنته وجلنار كان محتفظ بها وسقطت من حافظته على الأرض ، وضع المحفظة على المنضدة والتقط الصورة ثم اعتدل في جلسته وتأمل في ملامح وجه صغيرته الذي يحملها على ذراعيه وهي تضحك بسعادة وشعرها القصير يتطاير من حولها بفعل الهواء .. أما جلنار فكانت ترتدي فستان طويل أبيض اللون وتضع فوق شعرها قبعة دائرية من اللون النبي حتى تحجب أشعة الشمس عن رأسها ، وتقف بجانبه وعيناها متعلقة على ابـ.ـنتهم تنظر لها وتضحك معها بحب .. أما هو فما يتذكره أنه نظر لها وابتسم على ضحهكم ومن الواضح أن المصور قد استغل الفرصة وقام بالتقاط الصورة في هذا الوضع العائلي الدافيء .
كانت هذه الصورة منذ سنة ونصف تقريبًا عنـ.ـد.ما ذهبوا لأول مرة في رحلة قصيرة لأحد المدن الساحلية " مرسى مطروح " وقضوا أكثر من أسبوع بها .. كانت إجازة ممتعة ولطيفة وسط زيارتهم لكل مكان في المدينة وحتى تسوقهم لمحلات الملابس والمحلات النسائية لم ينساها حيث حرص على أن تقوم بشراء كل ما تشتهيه مصرحًا لها أن الاسبوع كان لها هي وصغيرته فقط في كل شيء وكل ما تطلبه هو أمر وينفذ .. وقاموا بالتقاط هذه الصورة أمام الشاطيء عنـ.ـد.ما كانوا يسيرون في الصباح أمام البحر ووجدوا بالصدفة شابًا يحمل كاميرا ويقوم بالتصوير لكل من يرغب ، ويتذكر حينها إن " هنا " أصرت على أن يلتقطوا صورة فلم يتمكن من رد طلبها كالعادة .
غاب عن الواقع للحظات يتذكر جزء من ذلك الموقف أثناء سيره معها على الشاطيء .....
كانوا يسيران على شاطيء البحر والماء ترتطم بقدmيهم بفعل المد والجذر ، بينما هنا فكانت تركض أمامهم وتلعب بالماء بقدmيها الصغيرتين ، كان يسير واضعًا كفيه في جيبي بنطاله وهي تتنقل بعيناها بين البحر تارة وبين ابـ.ـنتها تارة أخرى .. تتابع فرط سعادتها وهي تضحك باللعب في الماء فقالت بتلقائية محدثة إياه وهي تبتسم بعاطفة أمومية جميلة :
_ واضح إن" هنا " مبسوطة جدًا من Holiday دي
عدنان بابتسامة جانبية وهو ينظر لها بتعجب :
_ هي هنا بس اللي انبسطت يعني !
طالعته بابتسامة هادئة وقالت في خفوت ورقة :
_ لا وأنا كمان ياعدنان .. خصوصًا إن دي أول مرة احس باهتمامك بيا
_ ومش هتكون آخر مرة يارمانتي .. كل ما يكون معايا وقت فاضي من الشغل هختلس يومين ونطلع في إجازة لطيفة زي دي تاني
رمقته بنظرة جانبية وهي تبتسم على وصفه الدائم لها بالرمانة .. فهم مقصد نظرتها فضحك بخفة وانحنى عليها يطبع قبلة عميقة على وجنتها هامسًا في مغازلة نادرة ما تطرأ منه :
_ معايا رمانة تخـ.ـطـ.ـف العقل من جمالها
خجلت ربما لأنها ليست معتادة على سماع مثل تلك الكلمـ.ـا.ت منه بل لا تتذكر أنه قام بمغازلتها منذ زواجهم سوى مرتين أو ثلاثة وهذه قد تكون الرابعة ! .
عاد إلى الواقع مرة أخرى متنهدًا بقوة كانت هذه هي آخر اللحظات اللطيفة بينهم .. وما كان بعدها حتى الآن ماهو إلا شجار وجفاء مستمر ، عنـ.ـد.ما بدأت فجأة في التذمر من غيابه الدائم وإهماله ، وشجار بآخر أوضحت عن رغبتها الصريحة في الطـ.ـلا.ق وأصرت عليه .. فساءت العلاقة بينهم أكثر فجأة بشكل غريب ، وانتهى المطاف بهروبها بابـ.ـنته بعدmا وافق على الطـ.ـلا.ق بسبب الحاحها ولكن كانت شروطه واضحة حول بقاء صغيرته معه ، فلجأت للهروب كطريق للفرار من الاتفاق الدنيء كما وصفته ! .
ارتفع صوت رنين هاتفه الصاخب فجذبه وأجاب على المتصل :
_ الو
_ أيوة ياعدنان بيه .. كاميرات بوابة القصر اللي عطلت انتهى إصلاح التلف اللي فيها كله دلوقتي
هتف عدنان بصوت رجولي قوي :
_ العطل ده حصل لوحده ولا في حد عمل كدا ؟
_ للأسف العطل كان واضح جدًا إن في حد كان قاصد يتلف الكاميرا ويوقفها
عدنان بصوت يحمل بعض الزمجرة :
_ طيب اقفل وابعتلي آخر التسجيلات كلها اللي كانت عليها قبل العطل
انهى معه الاتصال فورًا ثم جذب حاسوبه المتنقل الخاص به وفتحه وانتظر لدقائق حتى وصلت له رسائل بالفيديوهات الأخيرة لتسجيلات الكاميرا .. قام بمشاهدتها جميعها ولم يكن بها شيء سوى إنه لاحظ خروج فريدة كل يوم بموعد مختلف وعودتها بعد ساعات ليست بقليلة وآخر تسجيل كان في مساء الأمس للحارس الخاص بالمنزل وهو يتحدث مع رجل ملامحه ليست واضحة جيدًا ثم بدأت الصورة تهتز حتى انقطت تمامًا .
اعاد التسجيل الأخير لأكثر من مرة وقام بالتقريب على وجه الرجل في محاولة لرؤية ملامحه المبهمة ولكن دون فائدة ! .
اغلق الحاسوب وهو يحك ذقنه الكثيفة في عينان حمراء من فرط الغضب .. من جهة خروج زوجته المتكرر بشكل يثير الريبة متجاهلة تعليمـ.ـا.ته في عدm الخروج دون إذنه .. ومن جهة ظهور ذلك الرجل الغريب وتوقف الكاميرا فجأة ، كيف توقفت ! ، هناك شيء مبهم وغير مفهوم بهذا الأمر .. ولن يطول كثيرًا إلى أن يعرف كل شيء وهوية ذلك الرجل وماذا يريد ؟!
***
في مساء ذلك اليوم ....
توقفت سيارته أمام بوابة المنزل ونزل ثم قاد خطواته إلى الداخل ، وكان الهدوء يملأ القصر بأكمله .. تحرك باتجاه الدرج وصعد درجاته في خطا قوية ثم اتجه إلى غرفته وعند وصوله وقف أمام الباب للحظة يحاول تهدئة نفسه الثائرة منذ صباح اليوم ، فهو يعلم جيدًا أنه سيجدها مستيقظة بانتظاره .
مد يده وفتح الباب ثم دخل وأغلقه خلفه ببطء مريب ، وكانت هي تجلس على المقعد الخاص بها المقابل للمرآة .. تابعته وهو يدخل وينزع عنه سترته ليعلقها في حاملة الملابس الخشبية .. بينما فريدة فظلت تتابعه بعيناها النارية والمغتاظة فخرج صوتها ساخرًا وملتهب :
_ كنت عندها أكيد !
يتجاهلها عمدًا فإذا حرر الوحش الذي يصـ.ـر.خ في أعماقه حتى يخرج فستحدث كوارث .. منذ أن رأى تسجيلات الكاميرا بالصباح وهو عبـ.ـارة عن جمرة من النيران الملتهبة وتنتظر الفرصة لتمسك بأى أحد .
هبت واقفة واقتربت منه تهتف بغضب :
_ أنا بكلمك ياعدنان
رمقها بنظرة قذفت الرعـ.ـب في أوصالها ثم وقف على قدmيه وتقدm خطوة إليها حتى أصبح أمامها مباشرة وغمغم بنبرة تحمل الخفوت المرعـ.ـب :
_ هو أنا تعليمـ.ـا.تي شفافة وكلامي ملوش لزمة !
فريدة بثبات مزيف :
_ تعليمـ.ـا.ت إيه ؟!
عدنان بوجه محتدm وهمس كان كافي لبث الرعـ.ـب في قلبها :
_ كنتي بتطلعي بتروحي فين في غيابي يافريدة
تحولت من وضع الهجوم إلى الدفاع ، وظهر على محياها الاضطراب الذي حاولت إخفائه بصعوبة وابتلعت ريقها ثم تمتمت بتـ.ـو.تر ملحوظ :
_ مكنتش بروح مكان !
بحركة عفوية رفع حاجبه مستغربًا وتمتم باسمًا باستنكار :
_ بتكذبي عليا كمان !!!! .. من إمتى وإنتي بتكـ.ـسري كلمتي أو بتكذبي وتخبي عني !
فريدة بحنق وانفعال كوسيلة لمحاولة إخفاء تـ.ـو.ترها :
_ اخبي عنك إيه ياعدنان !! .. بعدين إنت سبت اللي عملته جلنار معايا الصبح ومن غير ما تحاسبها ولا تقولها أي حاجة اخدتها ومشيت وسبتني
خرج عن إطار هدوئه وصرخ بها بصوته الرجولي الجهوري :
_ احنا دلوقتي في إيه .. عشان تقوليلي جلنار ! ، اللي إنتي أصلًا غلطانة واللي قولتيه مغلطتيش فيها قد ما غلطتي فيا أنا
أصابتها وغزة بسيطة بجسدها من صرخته وهتفت بذهول وعدm تصديق :
_ إنت بتزعقلي عشانها ومهتمتش إنها رفعت إيدها عليا قدامك
تراخت عضلات وجهه وجسده ، ليقف في سكون يطالعها بنظرة ثاقبة وحادة ، تتهرب من الإجابة ومن السبب الرئيسي لأنفجار بركانه وتحاول الهائه بحادثة الصباح بينها وبين جلنار ، أصبح الآن متيقنًا أن بها شيء ليس طبيعي ! .
خرج صوته هادئًا تمامًا على عكس نبرته السابقة ونظرته كانت مبهمة لكنها لا تبشر بالخير :
_ متتذاكيش عليا .. إنتي عارفة إن الحركات دي مبتخيلش عليا ، بس أنا هطنش كمان المرة دي بمزاجي وخليكي فاكرة إن دي المرة التانية والعداد شغال
( ماهذه الطريقة ؟ .. هل يعقل أن يكون شك بأمري ؟! .. لا بالتأكيد لا فلو كان لديه ذرة شك واحدة لن يكون هادئًا هكذا ! .. أذا فلماذا ينظر لي بطريقة مرعـ.ـبة هكذا ؟!!! ) أسئلة كثيرة طرحتها في ذهنها من فرط الارتباك ، فلم يسبق لها ورأت هذه النظرة بعيناه ، ولم تعد تفهم مالذي دهاه وما التحول الرهيب الذي طرأ عليه فجأة بهذا الشكل ! .. لكن ما يهدأ من روعها أن رغم حالاته البركانية الجديدة لا تزال ترى وميض من حبه لها بعيناه وسط أشـ.ـد لحظات غضبه منها وهو ما يمنعه عن الاستسلام لجموحه أمامها .
مد يده والتقط سترته مجددًا ثم هم بالرحيل لولا قبضتها على رسغه التي اوقفته وهي تسأل :
_ رايح فين ؟!
طالعها للحظات في جمود قبل أن يسحب يده من قبضتها ببطء ويبتعد متجهًا إلى باب الغرفة لكنها هرولت خلفه وسدت عليه الطريق هاتفة بشراسة :
_ رايحلها !
_ فريدة ابعدي من قدامي لأني مش ضامن ردة فعلي لو اتعصبت اكتر من كدا عليكي
صاحت بغل وعناد :
_ مش هبعد ياعدنان .. واضح إن اللي كنت خايفة منه حصل ، بس صدقني أنا مش هسمح بده أبدًا
فهم مقصدها جيدًا وتلمحياتها حول مشاعره تجاه جلنار فمسح على وجهه متأففًا وهتف بنبرة شبه مرتفعة :
_ إنتي عايزة إيه دلوقتي .. ابعدي
تصلبت بأرضها بقوة وقالت في نظرات كلها حقد وغـ.ـيظ :
_ عايزاك تطلقها !
↚تصلبت بأرضها بقوة وقالت في نظرات كلها حقد وعيظ :
_ عايزاك تطلقها !
عقد حاجبيه باستغراب من جملتها .. والتزم الصمت لثواني معدودة حتى أردف ببرود :
_ مش هينفع
فريدة بعصبية :
_ ومش هينفع ليه بقى
_ عشان بـ.ـنتي
تلونت عيناها بلون الدmاء الحمراء .. ليست غيرة ولكنها نقم وضغينة تحملها لجلنار ، وربما خـ.ـو.فًا من خسارتها لكل شيء سعت في بنائه .
هتفت في نظرة مشتعلة :
_ عشان بـ.ـنتك .. ولا عشانها هي ياعدنان !
انتصب في وقفته ووضع قبضتيه في جيبي بنطاله هامسًا :
_ هتفرق معاكي في إيه
_نعم !!
كان ردًا عنيفًا منها تبعه رده الهادئة بشكل مثير للأعصاب :
_ يعني متحطيش نفسك في مقارنة يافريدة
القى بكلمـ.ـا.ته ثم عبر من جانبها وانصرف .. بقت هي بأرضها تعيد تكرار ما قاله في عقلها ، وتتساءل ماذا يقصد ! .. جملته مبهمة لكنها تحتمل شقين ! .
التقطت عيناها كأس الماء الموضوع فوق المنضدة .. فمدت يدها وجذبته ثم ألقته على الأرض بكل غل وهتفت بوعيد شيطاني :
_ لا يمكن اسمحلك إنتي وبـ.ـنتك تسرقي مني كل اللي بنيته .. استحملت حجات كتير وأولهم عدنان رغم عدm حبي ليه بس عشان اوصل لهدفي ، وإنتي دلوقتي عايزة تاخدي كل حاجة على الجاهز .. نهايتك قربت يابـ.ـنت الرازي .
***
تجلس على الأريكة المقابلة للتلفاز والذي يعرض أحد مسلسلاتها المفضلة ، وجهها تعتليه معالم الحـ.ـز.ن والعجز وعيناها فقط ثابتة على الشاشة لكن عقلها يفكر في حادثة الصباح .
بقدر قوتها إلا أن الطعن في الشيء الوحيد الذي يتبقى للفتاة .. أو.جـ.ـعها بشـ.ـدة ، لا تعرف متى وكيف ومن الذي تناقل هذه الشائعات والاتهامـ.ـا.ت البشعة بين أهل حارتها .. لكن لا يهمها أحد بقدر خـ.ـو.فها على جدتها إذا عرفت بما حدث أو وصلت لأذناها تلك الكلمـ.ـا.ت القبيحة عنها .
منذ الصباح وهي تجاهد في الظهور بصلابة وتشـ.ـدد على محابس دmـ.ـو.عها .. لكن حتمًا ستصل للحظة فاصلة وستنفجر بها لتفرغ عن نفسها ثقلها المؤلم الذي يقــ,تــلها .
خرجت فوزية من غرفتها وبحثت في أرجاء المنزل عنها فسمعت صوت التلفاز .. تحركت بخطواتها البطيئة نحو الصالون ورأت حفيدتها تجلس تشاهد التلفاز بسكون مريب .. تأملتها بنظرها من بعيد للحظات ففهمت فورًا أن بها شيء ليس طبيعي ، منذ أن عادت من العمل صباحًا وهي بحالة غريبة ليست على عادتها المرحة والمشاكسة ، واقنعت نفسها بأنه ربما من ضغط العمل وإرهاقه .. لكن جلوسها بهذا الشكل أصبح غير مُطمئن مطلقًا ! .
اقتربت منها وجلست بجوارها على الأريكة ثم هتفت بنظرة دقيقة :
_ مهرة !
انتبهت لصوت جدتها فاعتدلت في جلستها بسرعة ونظرت لها تبتسم بابتسامة باهتة :
_ إنتي لسا صاحية يازوزا !!
فوزية بنظرات مترقبة لردها :
_ كنت رايحة انام وقولت اشقر عليكي الأول في اوضتك ملقتكيش .. هو في حد مزعلك ولا إيه ؟!
مهرة بمرح مزيف حتى أنه لا يحمل طريقتها الكوميدية كالعادة :
_ فشر مين ده اللي يقدر يزعلني
فوزية بحدة :
_ مهرة .. أنا مش هبلة عشان معرفش إذا كان في حاجة مضيقاكي ولا لا ، قولي يلا !
التزمت الصمت لثلاث ثواني بالضبط ثم قالت بأسلوب ساخر لا يلائم الوضع أبدًا :
_ الصراحة في .. المحفظة بتاعتي اتسرقت ، كنت بطلع الفلوس عشان ادي السواق الأجرة وجه واحد ابن حـ.ـر.ام نتشها مني وجري
رفعت فوزية حاجبها مستنكرة كذبتها السخيفة بينما الأخرى فكأنها وجدت الفرصة لتنفجر بالبكاء حيث انهمرت دmـ.ـو.عها وهي تبكي بصوتها المرتفع .. فاردفت فوزية :
_ إيه العـ.ـيا.ط ده !! .. امال كان فيها ملايين !
ردت عليها من بين بكائها وهي تخرج منديل من جيبها :
_ لا كان فيها ملبساية كنت همـ.ـو.ت عليها
صاحت فوزية بها بغـ.ـيظ :
_ بـــس .. محفظتك موجودة جوا على التسريحة يامهرة
توقفت عن البكاء فورًا وأدركت مدى سذاجتها ثم نظرت لجدتها ورمشت بعيناها عدة مرات بدهشة ، لتقول بسرعة محاولة تفادي كذبتها وهي تجفف دmـ.ـو.عها بظهر كفها كالأطفال :
_احلفي !
لم تجد الرد من جدتها ، فقط طالعتها بنظرة مشتعلة بينما مهرة فسكتت للحظة وقالت وهي تهب واقفة بابتسامة تصنعتها بمهارة :
_ حيث كدا بقى اروح اشوف الملبساية بتاعتي .. لاحسن واكلة دmاغي من الصبح
ثم هتفت وهي تتجه نحو الغرفة في أسلوب ساخر منها :
_ جيالك ياغالية
***
منكمشة في فراشها .. ترفع ساقيها إلى بطنها متطورة كالجنين في رحم أمه ، وتأن بصوت منخفض من الألم الذي ينهش معدتها وبيدها تضغط على بطنها في محاولة بائسة منها لتخفيف الألم .. باتت عيناها حمراء كالدm وشفتيها تورمت بشكل مثير للقلق ، أما جسدها فكل لحظة والأخرى تجتاحه هزة عنيفة تنفضها في فراشها نفض .
التزمت الصغيرة الفراش بجوار أمها وأخذت تملس على شعرها في خـ.ـو.ف بريء ونظرات مضطربة ، لا تفهم مالذي يحدث لكن ما تراه أن أمها ليست بخير ، فهي ملتزمة الفراش منذ دقائق طويلة وهي تتلوى من الألم وأصبح وجهها اللطيف متورمًا بشكل مثير للرعـ.ـب .
أدmعت عيني " هنا " بخـ.ـو.ف عفوي على أمها وسرعان ما وثبت من الفراش وهرولت لتجلب هاتف والدتها ثم عادت به إليها وتمتمت في صوت مبحوح :
_ كلمي بابي ياماما
ردت عليها جلنار بصوت خافت ممسكة بيدها الصغيرة وتقربها من شفتيها تطبع عليها قبلة رقيقة :
_ أنا هبقى كويسة ياحبيبتي
لم تكمل كلمـ.ـا.تها وإذا برنين الهاتف يرتفع بين يدي " هنا " فنظرت فورًا إلى شاشته وتمكنت من معرفة هوية المتصل إنه أبيها من خلال صورته التي علت شاشة الهاتف ، مرت بأصبعها الصغير على شاشة اللمس لتفتح الاتصال ووضعت الهاتف على أذنها تهتف :
_ بابي ماما تعبانة
كان عدنان يقود السيارة في طريقه إليهم بالفعل ، لكنه أراد أن يتصل أولًا ليسأل إن كانوا يحتاجون لشيء ، وبمجرد سماعه لجملة طفلته وصوتها المتلهف فضيق عيناه بتعجب وقد تحولت نبرته من الهدوء إلى القوة :
_ ماما مالها ياحبيبتي ؟
تململت جلنار في الفراش عنـ.ـد.ما اشتد ألم معدتها ودون أن تشعر خرجت منها آه متألمة وصلت لأذنيه من الهاتف فقال فورًا بقلق :
_ ادي التلفون لماما ياهنا
مدت هنا يدها بالهاتف لأمها وقالت بنظرات حزينة :
_ خدي ياماما
كانت توليها ظهرها فرفعت كفها في إشارة لعدm قدرتها ورغبتها بالحديث فعادت هنا بالهاتف على أذنها وقالت بتلقائية :
_ مش عايزة
عدنان بصوت غليظ :
_ طيب اقفلي يابابا .. وأنا جاي دلوقتي
انزلت هنا الهاتف من على أذنها ووضعته على المنضدة الصغيرة المجاورة للفراش وقالت محدثة أمها في بريق أمل واطمئنان انبعث من عيناها الجميلة :
_ بابي قالي جي .. أول ما يجي هيجيب الدكتور وهتبقى كويسة ياماما
ابتسمت لها جلنار بنظرات دافئة وأشارت لها بسبابتها أن تنحنى عليها وبمجرد انحنائها اقتربت من وجنتها ولثمتها بعاطفة جيَّاشة متمتمة :
_ ربنا يخليكي لماما ياحياتها
بقت الصغيرة ملازمة أمها في الفراش حتى صك سمعها صوت فتح الباب فوثبت من مكانها وهرولت إلى الخارج لترى والدها .. وجدته دخل وأغلق الباب ثم اندفع إلى الداخل مسرعًا نحو غرفة أمها ، فلحقت به مجددًا إلى الداخل .
دخل والقى نظرة سريعة على جلنار المتكورة في فراشها وتوليه ظهرها ممسكة ببطنها وجسدها ينتفض ، تحرك نحوها وجلس بجوارها على الفراش هاتفًا في قلق ملحوظ في نبرة صوته :
_ جلنار إنتي كويسة ؟!
هزت رأسها بالإيجاب وهي تحاول جاهدة في إخفاء وجهها عنه حتى لا يرى تورم شفتيها واحمرار عينيها .. خشية من تعنيفه لها .. سيعرف فورًا سبب التعب إذا رأى وجهها ، ولن تسلم من توبيخه وسيغضب بشـ.ـدة .
شعرت بكفه الذي رفعه وملس على شعرها ثم امتدت أنامله إلى خصلاتها المتمردة وأبعدها عن وجهها متمتمًا بصوت لين :
_ بصيلي ياجلنار وقوليلي إيه اللي تاعبك .. اتصل بالدكتور عشان يجي طيب
تنظر له !! ، تعترف أنها تخشى من غضبه هذه المرة ، إذا عرف أنها أكلت الموز وهي لديها حساسية مفرطة منه ويسبب لها أعراض قاسية كالتي تحدث لها الآن ، ستكون ردة فعله عنيفة .. فمن أهم القوانين التي تسير بالمنزل منذ زواجهم هو عدm دخول فاكهة الموز مطلقًا ، بعدmا تناولت منه ذات مرة وأصابتها أعراض قد تكون أشـ.ـد وأعنف من هذه وتتذكر حتى الآن كيف كان وجهها يعتليه الزعر الحقيقي لأول مرة ، وهو يراها أمامه لا تتمكن من التقاط أنفاسها حتى وجسدها يرتعش بعنف ووجهها كله تورم وتتألم من ألم معدتها ، منذ ذلك اليوم وهو منع دخوله إلى المنزل وكانت تحذيرياته صريحة وقاسية إذا حدث واخترقت تعليمـ.ـا.ته .
لا تنظر له ولا تجيب فقط تدفن وجهها في الوسادة وتفكر في حيلة حتى تتخلص بها من بطشه .. عاد يهتف ولكن هذه المرة بحيرة من تصرفاتها وقال وهو يبعد خصلاتها المحيطة بوجهها :
_ جلنار !!! .. تعبانة من إيه ردي عليا !
ثلاث ثواني بالضبط حتى وجدت نفسها تهتف بتلقائية لتتهرب منه وهي لا تزال دافنة وجهها بين ثنايا الوسادة :
_ظروف
استحوذ الصمت عليه للحظات قصيرة وهو يرفع حاجبه متعجبًا ردها المبهم في باديء الأمر .. لكن سرعان ما ارتحت عضلات وجهه وفهم كلمتها ، فاخفى ابتسامة كانت ستنطلق على شفتيه والتفت برأسه للخلف إلى ابـ.ـنته التي تقف أمام الفراش وتتابع والديها بنظرات بريئة كلها اهتمام وخـ.ـو.ف على أمها ، ارسل لها ابتسامة عـ.ـذ.بة فبادلته هي إياها بعفوية .. ثم عاد برأسه مرة أخرى إليها وانحنى على أذنها يهمس بمكر متمالكًا ضحكته :
_ والكسوف ده إيه .. هرمونات الظروف !!
نكزته بمرفقها في غـ.ـيظ وتمتمت :
_ بلاش وقاحة
لا تزال تخفي وجهها عنه لا تريده أن يراها مما جعله يدرك إن الأمر قد لا يكون كما قالت فقط ، انتصب في جلستها ثم نهض والتف حول الفراش من الجهة الأخرى وهتف بلهجة صارمة :
_ طيب ارفعي وشك اللي مخبياه ده .. خليني اشوف الظروف دي مالها !
اجتاحها ألم لا يحتمل مما جعلها تتأوه بصوت مرتفع من الو.جـ.ـع .. وفجأة شعرت بأن معدتها تنقلص وتنطوي ورغبت في التقيء فوثبت من الفراش واقفة وهرولت نحو الحمام فورًا ، اختفى لين ملامحه وظهر محله الزمجرة بعدmا توقع سبب الآمها ، استقام واقفًا ولحق بها إلى الحمام سامعًا صوت تقيأها القاسي ، اقترب ووقف بجوارها ثم مد يده يرجع خصلات شعرها للخلف وقد اتضح تورم شفتيها واحمرار عيناها أمامه .
لحظات حتى توقفت عن التقيأ فأسندها واتجه بها نحو المرحاض ووقفا أمامه ثم فتح صنبور الماء وغسل لها وجهها وهي لا تقوى على فتح عيناها من التعب وترتعش بين يديه .
انحنى وحملها على ذراعيه وخرج بها إلى خارج الحمام فاسندت رأسها هي على صدره وقالت باستسلام وألم حقيقى بعدmا كشف فعلتها :
_ اتصل بالدكتور ياعدنان
وصل بها إلى الفراش ووضعها عليه بحذر شـ.ـديد ، ثم أخرج هاتفه من جيبه ورد عليها بصوت حاد ونظرة كلها سخط لا تبشر بالخير :
_ هتصل بيه وليكي حساب معايا بعدين
خرج إلى شرفة الغرفة وأجرى اتصال بالطبيب وطلب منه حضوره في اسرع وقت ، ثم دخل مجددًا لهم واقترب من ابـ.ـنته لينحنى إلى مستواها ويقول بهمس لم يصل إلى أذن جلنار رغم محاولتها في سماع ما يقوله لها :
_ مين اللي جاب الموز ياهنايا ؟
ردت الصغيرة على أبيها ببراءة :
_ عمو حامد
كان وجهه متشنجًا بشكل مخيف من فرط سخطه ، انتصب في وقفته والقى نظرة ثاقبة على جلنار قبل أن يندفع لخارج الغرفة والمنزل بأكمله .
وقف على عتبة المنزل الداخلية وصاح بصوت جهوري :
_ حــــامــد !
وصلت صيحته إلى " حامد " حارس البوابة الرئيسية للمنزل ، فهب واقفًا من مقعده وهرول راكضًا إليه حتى وقف بمقابلته وقال :
_ نعم يا عدنان بيه
عدنان بعصبية وصوت مخيف :
_ أنا مش منبه عليك إن ممنوع الموز يدخل البيت ، ضمن أي طلبات تجيبها للمدام .
اجفل الآخر نظره أرضًا بأسف وقال باعتذار :
_ أنا آسف يابيه .. بس المدام هي اللي طلبت والله عشان بـ.ـنت حضرتك ، وأنا موافقتش في البداية عشان وضع الهانم وتعليمـ.ـا.ت سياتك .. وقالتلي إنها مش هتاكل منه وأنا مقدرتش ارفض طلبها الصراحة
عدنان بصيحة رجولية عنيفة :
_ انا ميخصنيش كل الزفت ده .. كلامي كان واضح لما نبهت وقولت ممنوع يدخل البيت ، واللي حصل منك ده تجاهل لتعليمـ.ـا.تي ، أنا سايبك هنا وسايب مراتي وبـ.ـنتي أمانة معاك في غيابي وإنت تتصرف بالإهمال ده
حامد بحرج وضيق شـ.ـديد من نفسه معتذرًا بصدق حقيقي :
_ حقك عليا ياعدنان بيه حضرتك عارف معزة الست هانم عندي إزاي ولا يمكن ارضى لها بالاذى أبدًا والله ، أنا بس محبتش اكـ.ـسر بطلبها.. بس اوعدك إن اللي حصل ده لا يمكن يتكرر تاني
رد عليه عدنان بزمجرة :
_ وأنا مستنيك توعدني .. اعتبر دي أول غلطة ليك والغلطة التانية هتكون بحساب عسير
هو حامد رأسه بالموافقة بينما عدنان فاستدار وعاد للداخل حيث زوجته وابـ.ـنته ، متوعدًا لجلنار بعد أن تتحسن حالتها بسبب إهمالها في صحتها .
***
تمسك بهاتفها وتعبث به فقط دون أن تفعل أي شيء مفيد .. ملازمة غرفتها وفراشها منذ أيام ولا تخرج منها إلا قليلًا ، وبدأت والدتها تستاء من وضعها وحاولت أكثر من مرة فهم حالتها المزاجية والتحدث معها لكن الرد لا يتغير بكل مرة ( أريد فقط البقاء بمفردي لبعض الوقت ) .. ماسبب عزلتها المفاجئة أو حتى مزاجيتها الغريبة ، لا تعرف لكنها تشعر أن ابـ.ـنتها ليست بخير .
أما هي ففضلت الابتعاد لأيام عن الجميع وبالأخص عنه ، تريد جمع شتات نفسها المبعثرة ، واستعادة روحها المهدرة بنار الهوى لسنوات .. هوى لم يجلب لصاحبه سوى الألم والشجن .
ستعاني وربما ستتعـ.ـذ.ب في محاولاتها التي ستجدها بائسة في بداية رحلتها ، لكن يكفي إهدارها لمشاعرها وروحها ، ولن يكون هناك أيضًا إهدار لكرامتها .
بينما هي تعبث في الهاتف على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي ، ظهرت صورته أمامها .. صورة التقطها بالمعرض بعدmا انتهت جميع التجهيزات والافتتاح سيكون بعد غد كما تعرف .
توقفت للحظة تحدق بصورته ، تتفرس ملامحه الوسيمة .. ابتسامته الجذابة التي تزين ثغره ، لم تشعر بنفسها سوى وهي تتأمل في صورته هكذا حتى وجدت أصبعها يضغط على ملفه الشخصي وتقلب في ملفه تشاهد صوره الأخيرة .
طرقة واحدة على الباب ثم انفتح ودخلت والدتها ، فأدركت ما تفعله بهذه اللحظة وأسرعت في إغلاق صوره وملفه الشخصي وتصنعت تصفحها لآخر الأخبـ.ـار التي تظهر تلقائيًا في صفحة الفيس بوك .
اقتربت ميرفت منها وجلست بجوارها على الفراش وهتفت بنفاذ صبر :
_ وبعدين يازينة .. هتفضلي حابسة نفسك في الأوضة كدا كتير
زينة ببساطة :
_ لا ياماما .. ثم أولًا أنا مش حابسة نفسي ، أنا بس حابة اخد فترة استجمام مع نفسي بعيد عن الناس
ميرفت بعصبية :
_ وأنا من الناس دي بقى ولا إيه !!
ضحكت زينة بخفة وانحنت على أمها تحتضن وجهها بين كفيها وتلثم وجنتها بحب متمتمة :
_ لا طبعًا وهو أنا اقدر أصلًا .. ما أنا قاعدة معاكي أهو ياماما
_ قاعدة معايا فين .. ده أنا مش بشوفك في البيت غير كام مرة في اليوم ، طول الوقت حابسة نفسك في الأوضة
_ خلاص أنا آسفة وعد إني مش هقعد وحدي في الأوضة تاني .. حلو كدا ؟
تنهدت ميرفت بـ.ـارتياح بسيط ثم قالت برضا :
_ أهاا حلو .. هتحضري افتتاح معرض آدm بكرا ولا كمان حابة تستجمي !
عاد العبوس يظهر على محياها وقالت بصرامة :
_ لا مش هحضر .. مش قادرة ومليش نفس الصراحة ، ابقى اعتذريله نيابة عني هو وخالتو
رفعت والدتها حاجبها بحيرة وقالت بنظرة دقيقة :
_ اعتذرله نيابة عنك ! .. ياسلام وده من إمتى بقى ، ده إنتي كنتي معاه في كل التجهيزات وكنتي متحمسة أوي ليوم الافتتاح
_ مش عارفة ياماما مليش مزاج احضر .. اعملي زي ما بقولك بس عشان خاطري
اطالت ميرفت النظر في ابـ.ـنتها للحظات بشك وبلؤم ثم اعتدلت في جلستها وقالت بحدة مصطنعة :
_ اممممم .. طيب قوليلي بقى إيه اللي حصل
قهقهت وقالت ضاحكة :
_ ياماما يا لئيمة .. مفيش حاجة صدقيني أنا زي ما قولتلك عندي حالة مزاجية اليومين دول ومش عايزة اروح أي مكان
أصدرت ميرفت زفيرًا حارًا بعدm حيلة وقالت في نظرات حانية ومهتمة :
_ طيب ياحبيبتي خلاص مش هضغط عليكي .. بس متأكدة إن مفيش حاجة ؟
هزت راسها بالنفي وهي تبتسم بصفاء ، ثم انحنت معانقة والدتها في ثبات مزيف تتصنعه بصعوبة أمامها .. ابتعدت بعد لحظات عنها فتوقفت ميرفت وقالت بضيق على حالة ابـ.ـنتها فكل ما قالته لم تصدقه واحساسها يخبرها بأن هناك شيء آخر تخفيه عنها :
_ طيب يلا تعالي ورايا عشان نتعشى مع بعض
_ حاضر
استدارت ميرفت وسارت باتجاه باب الغرفة وانصرفت ، فتنهدت زينة الصعداء بأسى ومسحت على وجهها بحنق ثم نزلت من الفراش واتجهت خلف أمها.
***
يجلس على مقعد أمام فراشها ويحدقها بعيناه الثاقبة ، بينما هي فتجلس على الفراش وتستند على ظهره ، وتتعمد مفادة نظراته المشتعلة .
رحل الطبيب منذ دقائق قليلة وقد املى عليها تعليمـ.ـا.ت صارمة وجادة حول عدm أكلها لفاكهة الموز مرة أخرى .. وأوضح لها أن كل مرة ستكون الأعراض اقوى وأشـ.ـد ، امتثلت لتعليمـ.ـا.ته وسط محاولاتها لتفادي نظرات زوجها القـ.ـا.تلة .
أخيرًا خرج صوته قـ.ـا.تلًا الصمت المهيمن على الوضع بينهم بعدmا تركتهم هنا وذهبت لفراشها حتى تنام :
_ أنا ماسك نفسي منك بالعافـ.ـية ياجلنار
هتفت بانفعال غير مقصود بسبب الأجواء المشحونة بالتـ.ـو.تر من نظراته :
_ خلاص ياعدنان قولتلك آخر مرة ومش هاكله تاني ، متفضلش تبصلي بنظراتك دي
اتسعت عيناه ببعض الدهشة من أنفعالها الغير مناسب لوضعها أبدًا ، تستخدm أسلوب الهجوم وهي في وضع الدفاع .. فتمتم بهدوء مزيف لا يزال يتحلى به أمامها :
_ صوتك ميعلاش عليا وخصوصًا لما تكوني غلطانة
جلنار بعناد :
_ أنا مغلطتش .. طلبت من عم حامد يجيبه عشان " هنا " وقولت إني لو اكلت واحدة مش هتعمل حاجة ، متوقعتش إن واحدة بس هتعمل كل ده أكيد .. بعدين إنت مهتم ليه مش فاهمة .. على العموم أي كان السبب شكرًا على اهتمامك أنا بقيت كويسة دلوقتي ، ياريت تمشي بقى وتروح عند مامتك ومراتك
هذه المرة هدوءه لم يكن مزيفًا حيث لاحت شبه ابتسامة على ثغره وهو يطالعها بنظرة متفحصة ، آخر كلمـ.ـا.تها أظهرت له مدى سذاجتها .. رغبت في أن تظهر له نفورها من وجوده لكنها فعلت العكس ولم يفهم من نبرة صوتها الرقيقة سوى الغـ.ـيظ .
جلنار بسخط من تجاهله كلامها وابتسامته :
_ بقولك امشي يا عدنان
قرر أن يلعب بالأوراق الرابحة مثلها حتى يتحقق التعادل في مبـ.ـارة تكاد تخرج منها هي رابحة بكل مرة ، فقال بهدوء أعصاب مستفز وبعدm اكتراث جسَّده بمهارة لاعب محترف :
_ ده بيتي يعني اجي وقت ما أنا عايز وامشي وقت ما عايز .. ثم متقلقيش وجودي مش هيأثر بحاجة عشان ممكن يكون عقلك خيل ليكي إني ممكن اقرب منك يعني ، أنا لو قربت منك فهيكون لسبب واحد وهو اللي اتجوزنا عشانه
التهبت عيناها بنيران الغضب .. وتحول وجهها إلى جمرة جعلت منه أحمرًا كالدm من الغـ.ـيظ ، ولوهلة أحست بأنها تود التقاط كأس الماء الذي بجوارها وتلقيه عليه فتتخلص منه نهائيًا .. جملته الأخيرة لم تكن تثير الغضب بقدر ما استهدفت الإعماق فأو.جـ.ـعت بشـ.ـدة .
وثبت من فراشها واقفة وثائرة ثم هتفت بقوة وثبات حاولت إظهارهم بصعوبة بعد جملته المؤلمة ، وبعينان كلها نقم واشمئزاز :
_ قصدك اليوم الأسود اللي اتجوزنا فيه .. أنا عمري ما نـ.ـد.مت على حاجة في حياتي قد ما نـ.ـد.مت على إني استسلمت ووافقت اتجوزك ، تعرف أنا نـ.ـد.مانة إن سمحتلك تلمسني أصلًا .. وبنـ.ـد.م إن عندي طفلة منك ، كان نفسي أول بـ.ـنت ليا تكون من راجـ.ـل بحبه وبيحبني ويستحق إن مامتها تضحي بكل حاجة عشانه وعشانهم بس إنت متستهلش التراب حتى ، ودلوقتي متخيل إني ممكن اكرر الغلط مرتين واسمحلك تاني تقرب مني ويكون عندي طفل تاني منك .. يبقى بتحلم ، أحب اقولك إن إنت هتفضل النقطة السودا اللي في حياتي حتى بعد طـ.ـلا.قنا
تحولت الأجواء من الهدوء الممـ.ـيـ.ـت إلى الثوران ، حيث هب واقفًا من مقعده وهتف بزمجرة صوته الرجولي وغيرة واضحة بعيناه :
_ وهو مين ده بقى الراجـ.ـل اللي بتحبيه وبيحبك !
ابتسمت بسخرية ونظرة نارية كلها غل ، ثم قالت بتعمد في شراسة حتى تجعله يزداد اشتعالًا :
_ حاتم مثلًا !
تشنجت عضلات وجهه وتحول كوحش مفترس يستعد للهجوم على فريسته .. يعرف أن نطقت ذلك الاسم خصيصًا لتزيد من غيرته أكثر .
ججذبها من ذراعها يقبض عليه بعنف ويقول بنظرة مرعـ.ـبة أمام عيناها مباشرة وبصوت يشبه فحيح الأفعى :
_ عشان يكون في معلومـ.ـا.تك ، إنتي كنتي ليا وهتفضلي ليا .. وإن مكنتيش ليا ياجلنار مش هتكوني لغيري ، خليكي فاكرة ده كويس أوي
لا تنكر أن تهديده ونظرته اربكتها ، ظلت تنقل نظرها بين عينيه الثاقبتين ، لم تخطئ حين وصفته بالعُقاب .. يشبهه بكل شيء ، يمتلك نفس العينان الثاقبة والشموخ الذي يسبح في نظراته دومًا .. صلب وقاسٍ ولا يرحم ، لديه من الشراسة والقوة ما تكفيه ليكون في الصدارة ! .
انزوت نظرها عنه و دفعت يده بعيدًا عنها في قوة ثم اتجهت إلى الحمام تاركة إياها يزأر كالأسد .
***
في صباح اليوم التالي .....
اتجهت فوزية إلى الباب وفتحت فوجدت أمامها صديقة مهرة وابنة حارتهم البالغة من العمر الرابعة والعشرون مثل حفيدتها .. فقالت ببشاشة :
_ أهلًا وسهلًا ياسهيلة ادخلي يابـ.ـنتي
دخلت وقالت بعذوبة :
_ متشكرة ياخالتي .. إنتي اخبـ.ـار صحتك إيه !
_ بخير الحمدلله يابـ.ـنتي .. والله جيتي في وقتك لاحسن البـ.ـنت مهرة مجنناني من امبـ.ـارح وشكله في حاجة ومش عايزة تقولي ، بس يمكن تقولك إنتي
تنهدت سهيلة بضيق بعد تذكرها لما حدث بصباح الأمس فقالت بلطافة :
_ متقلقيش ياخالتي أنا هعرف مالها وهقولك .. هي فين ؟
أشارت فوزيه بيدها في اتجاه الغرفة متمتمة بقلة حيلة :
_ في الأوضة من وقت ما صحيت من النوم مطلعتش منها
_ طيب أنا هدخلها اشوفها وإنتي اعمليلنا كدا كوبايتين ليمون
من إيدك الحلوة دي عشان نهديلها أعصابها بيهم
ضحكت فوزية بخفة وأماءت لها بالموافقة في صفاء بينما سهيلة فاتجهت إلى غرفة صديقتها وفتحت الباب دون استاذآن حتى ! .. فوجدت مهرة جالسة على الفراش بسكون .
قالت مهرة بقرف :
_ أنا برضوا قولت هو مفيش غير واحدة بس اللي تفتح الباب من غير أذن كدا .. إنتي يابت ابوكي وأمك معلموكيش إني في بيبان بتتخبط الأول قبل ما تدخلي
قالت سهيلة مازحة بضحكة جريئة :
_ لا اصل احنا عيلة متفتحة
_ قصدك عيلة منحرفة
ضحكت الأخرى ثم بلحظة وفي وثبة واحدة وجدتها تجلس أمامها على الفراش وتقول :
_ طيب بصي بقى أنا جيت عشان اقولك كلمتين وسد غطاهم .. بكرا في مشوار وهتروحي معايا عشان مش حلوة اروح وحدي ، أما مشوار إيه فهو مفاجأة
ثانيًا وده الأهم ، مش مهرة بـ.ـنت رمضان الأحمدي اللي تفضل قاعدة في اوضتها ومتروحش شغلها عشان ست **** زي اللي اسمها بدرية دي قالت كلمتين ملهمش اي تلاتين لزمة
مهرة باستياء :
_ أولًا أنا مروحتش الشغل عشان حد .. ثانيًا أنا عرفتها مقامها كويس أوي واخدت حقي
سهيلة بانفعال على صديقتها :
_ اخدتي حقك آه بس كذابة .. إنتي منزلتيش الشغل عشان خايفة من نظرات أهل المنطقة .. دي مش مهرة اللي أنا اعرفها ، عشان صحبتي واختي اللي متربية معاها طول ما هي معملتش حاجة غلط متخفش من اتخن تخين فيكي يا بلد ولو حد قال كلمة تحط صباعها في عينه
اشاحت مهرة بنظرها عنها للجهة الأخرى وهي تهز قدmيها بغـ.ـيظ وحرقة ، ثم قالت بصوت خافت :
_ إنتي عايزة إيه يعني دلوقتي ياسهيلة
سهيلة بابتسامة عريضة وبشراسة :
_ عايزاكي تقومي تلبسي وتروحي شغلك .. وتمشي وإنتي رافعة راسك ومتقلقيش وراكي رجـ.ـا.لة هنا يعني أي حد لسانه هتيعوج بالكلام عليكي في ضهرك هنقطعهوله
وتجهزي نفسك كمان مقدmًا لطلعة بكرا ، عشان دي مش أي طلعة
_ طلعة إيه ؟!
_ خليها مفاجأة احسن .. أو هي مش مفاجأة انا مش عايزة اقولك عشان عارفاكي فقرية ولو قولتلك هتقولي مش هروح
_ يعني إنتي عارفة إني لو عرفت مش هروح ورغم كدا عايزة تاخديني
سهيلة بمزاح وطريقة كوميدية :
_ آه أصل أنا بعيد عنك بـ.ـنت لزقة ، بلزق زي الغرى كدا في البني آدm .. هتقولي مش هروح هفضل اون فوق دmاغك لغاية ما تخبطيني بحاجة فوق راسي وبرضوا مش هيأثر فيا
_ قصدك جبلة يعني !
_ بظبط كدا عليكي نور .. قولتي إيه بقى هتروحي أكيد صح !
اطالت مهرة النظر فيها بنظرات مشتعلة من الغـ.ـيظ ، فتـ.ـو.ترت الأخرى وقالت صائحة بخـ.ـو.ف :
_ الليمون ياخالة فوزية بسرعة
***
طرقت عدة طرقات خفيفة على الباب حتى سمعت صوته وهو يسمح للطارق بالدخول ، فتحت الباب ودخلت فوجدته جاهزًا للخروج ويجلس على الأريكة الصغيرة بغرفتة الواسعة ويمسك بهاتفه يتطلع إليه كأنه ينتظر اتصال من أحدهم .
فسألته بحنو :
_ إنت مخرجتش ليه ياحبيبي ؟
آدm بخفوت :
_ مستني مكالمة ياماما وبعدين همشي
تحركت نحوه ثم جلست بجواره وغمغمت بنبرة تحمل في طياتها اللؤم :
_ طيب أنا عايزة اتكلم معاك في موضوع مش هياخد دقيقتين
ظن أن الأمر هامًا وجادًا ، حيث ثبت كل تركيزه عليها وقال باهتمام :
_ خير ياماما اتفضلي
أسمهان بابتسامة خبيثة :
_ أنا لقيت ليك العروسة .. اكتر واحدة مناسبة ومفيش بـ.ـنت هتكون احلى منها أو هتحبك زيها
تلاشت ابتسامته تدريجيًا من بداية كلامها وعنـ.ـد.ما وصلت لآخر كلمة فهم من هي الفتاة التي تقصدها ، فهتف منفعلًا برفض تام :
_ الفكرة دي مرفوضة تمامًا بنسبالي ، واللي بتفكري فيه ده لا يمكن يحصل
أدركت أنه فهم هوية الفتاة فقالت بعصبية مماثلة له :
_ ومرفوضة ليه يا آدm ، إنت هتلاقي فين بـ.ـنت تحبك زيها ، وبـ.ـنت خالتك يعني اكتر بـ.ـنت مناسبة ليك
استقام واقفًا وصاح :
_ ماهي المشكلة إنها بتحبني وللأسف أنا عارف وحاولت اكتر من مرة ابادلها نفس المشاعر بس مش قادر ، ولو سمحتي ياماما متحاوليش تقربيها مني بأي شكل من الأشكال .. أنا مش عايزها تتعلق بوهم وبحاجة مش هتحصل .. وياريت كمان لو تطلعي موضوع جوازي ده من دmاغك أنا قولتلك وقت ما الاقي البـ.ـنت المناسبة ليا هاجي بنفسك واقولك إني هتجوز
هبت أسمهان واقفة وهتفت بسخط :
_ وياترى البـ.ـنت اللي هتختارها دي هتكون زي اختيارات اخوك كدا ولا إيه يا أستاذ
ضحك من وسط نيرانه الملتهبة ثم هتف بخفوت مريب وبنظرات نارية مثبتها على عينان والدته :
_ خلينا متفقين يا أسمهان هانم إن فريدة هي الاختيار الغلط ، لكن جلنار هي أكتر واحدة مناسبة لابنك .. وأنا وإنتي عارفين كويس أوي سبب كرهك ليها ، وده بيأكد ليا حاجة واحدة إنك لسا ......
لم تدعه يستكمل بقية عبـ.ـارته حيث هوت بكفها على وجنته وصاحت بغضب :
_ اخرس .. إنت بتقول وبتفكر كدا ، أخص يا آدm أخص
ثم ألقت عليه نظرة أخيرة وهي تراه لا يزال يزيح بوجهه للجهة الأخرى بسبب صفعتها له و يتطلع أرضًا ، استدارت واتجهت لخارج الغرفة بأكملها ، وبينما كانت في طريقها إلى الأسفل .. ارتفع رنين هاتفها فنظرت إلى الشاشة تقرأ هوية المتصل وأجابت بدون تردد :
_ أيوة ياعدنان
عدنان بحزم :
_ فريدة موجودة في البيت ياماما
أسمهان بقرف وخـ.ـنـ.ـق :
_ أيوة مرزوعة فوق
_ طيب عايزك تخلي عينك عليها في كل حاجة بتعملها سواء جوا البيت أو برا طول ما أنا مش موجود وأنا عارف إن إنتي مش هتتوصي في حاجة زي كدا
توقفت عن السير ولمعت عيناها بشرارة شيطانية ثم هتفت بمكر :
_ هو حصل حاجة ولا إيه ؟
عدنان بخشونة :
_ محصلش بس تحركاتها وتصرفاتها مش عجباني الفترة دي وعايز اعرف النفس اللي بتتنفسه بيخرج امتى وبيرجع امتى
أسمهان بغل وهي تتلفت برأسها للخلف حتى تتأكد من عدm وجودها بالجوار :
_ حتى أنا حاسة إن في وراها حاجة ، متقلقش ياحبيبي هتفضل تحت عيني
ودعها وانهى الاتصال بينما هي فانزلت الهاتف من على أذنها وأخذت تضـ.ـر.ب به على كفها بخفة وهي تبتسم بخبث وتتمتم :
_ شكل نهايتك قربت أوي يابـ.ـنت الخدامة .. والعد تنازلي بتاعك بدأ ، فاضل بس بـ.ـنت الرازي وابقى خلصت منكم إنتوا الاتنين
***
انتظم الجميع فور معرفتهم وصول رب عملهم .. من كان يمسك بيده شيء توقف بأرضه احترامًا له حتى يعبر والباقية جلسوا جميعهم أمام مكاتبهم الصغيرة ويتابعونه بعيناهم وهو يمر من أمامهم بهيئته وخطواته المربكة للأعصاب .. وبمجرد عبوره تنهد الجميع براحة .. وصل إلى غرفة مكتبه وقبل أن يدخل تحدثت السكرتيرة الخاصة به " ليلي " قائلة :
_ صباح الخير يافنـ.ـد.م النهادره في ....
عدنان بلهجة قوية وهو يفتح الباب ويدخل :
_ الغي أي مواعيد مش فاضي اقابل حد النهارده
_ حاضر
دخل وأغلق الباب خلفه ثم نزع سترته عنه ووضعها على ظهر مقعده ثم جلس على المقعد .. وانحنى بجسده قليلًا على الدرج السفلي من المكتب وفتحه وأخذ يبحث فيه عن أحد الملفات المهمة ، فلم يجده ! .. ضيق عيناه بحدة ثم اندفع يبحث في بقية الأدراج بشيء من بشائر الغضب التي بدأت ترتفع لوجهه ، ولكن فجأة توقف عن البحث وهو ينظر على الدرج وعصفت بذهنه لحظة الأمس حين جلس على المقعد وأخرج من نفس الدرج إحدى الملفات ولم ينتبه أنه كان مفتوحًا بسبب تعجله .
تحولت نظراته وصاح بصوته الجهوري :
_ لـــيــلـــى
انتفضت ليلى في مقعدها بالخارج ووثبت واقفة بفزع على أثر صرخته الجهورية ، وفتحت الباب فورًا فقابلت منه صرخته وهو عبـ.ـارة عن لهيب من النيران :
_ مين اللي دخل مكتبي وأنا مش موجود
ليلى بخـ.ـو.ف ملحوظ :
_ محدش يافنـ.ـد.م دخل
عدنان بصوت مرتفع وصل لجميع آذان الموظفين بالخارج :
_ محدش دخل إزاي يا أنسة في ملفات ناقصة من المكتب .. المفروض إن دي مسؤوليتك
_ والله يافنـ.ـد.م مفيش أي حد دخل مكتب حضرتك في غيابك
_ شوفيلي تسجيلات الكاميرات فورًا وهاتيها ليا
اماءت له عدة مرات متتالية في خـ.ـو.ف واندفعت للخارج مسرعة ممتثلة لأوامره .. بينما هو فظل يجوب بالغرفة إيابًا وذهابًا وهو بركان ثائر تفوح حممه البركانية على سطحه ، اختفاء ملفات كهذه ستكون خسائرها فادحة على امبراطورية الشافعي .
***
توقفت بالسيارة أمام إحدى المنازل الضخمة .. ثم ترجلت منها وقالت محدثة السائق الخاص بها :
_ استناني هنا
_ حاضر يا هانم
قادت خطواتها إلى الداخل بخطوات كلها ثقة وشراسة وهي تتطلع من خلف نظارتها الشمسية إلى المنزل ، حتى وصلت إلى الباب فطرقت عدة طرقات قوية على الباب وبعد لحظات معدودة فتح الباب وظهرت من خلفه خادmة في مقتبل العشرون من عمرها .. انزلت جزء من نظارتها وحدقتها بنظرة متفحصة وهي تبتسم بسخرية ومكر فقالت الفتاة برسمية :
_ أيوة حضرتك عايزة مين ؟
ردت عليها وهي لا تزال تطالعها بنفس النظرة :
_ نشأت موجود
تعجبت الفتاة من نطقها لاسم رب عملها دون أي القاب كأنها تعرفه منذ زمن ولكنها ردت عليها بخفوت :
_ أيوة موجود .. اقوله مين ؟
انزلت النظارة من على عيناها وهتفت في شموخ :
_ أسمهان الشافعي
↚منتظرة بغرفة المكتب الخاصة به لما يقارب ثلاث دقائق بالضبط ، جالسة على مقعد وثير بجانب المكتب واضعة ساق فوق الأخرى ، وبنظرها تتجول بين أرجاء الغرفة .. تتأمل أثاثها الكلاسيكي والرث بالنسبة لها ، حتى الوانها باهتة وتبعث طاقة سلبية في نفس الناظر إليها .. يبدو أن الزمن ترك آثاره حتى على المنزل فجعله كالقصور المتهالكة ، أو ربما هو ليس كالقصور المتهالكة هو بالفعل كذلك .. خالي من الروح والحياة ، منزل كئيب ومظلم ، يعطي انطباع من الخارج أنه مهجور ولا يسكنه بشر ! .
قطع جلسة تأملها في جدارن وأثاث الغرفة دخوله عليها وهو يقول بابتسامة تحمل القليل من الاستنكار :
_ معقول أسمهان هانم بنفسها في بيتي !
بقت بمقعدها دون أن تقف أو تتحرك حركة واحدة ، فقط تطلعت إليه بثبات انفعالي مميز وانتظرته حتى اقترب منها وجلس على المقعد المقابل لها هاتفًا بابتسامة سمجة :
_ قبل أي حاجة .. تحبي تشربي إيه ، دي أول مرة تدخلي فيها بيتي ولازم اضيفك
ملامح جـ.ـا.مدة لم تتغير منذ دخوله ، تحدجه بها حتى الآن دون حتى ابتسامة بسيطة متكلفة ، وكيف تتكلف وهي لا تجيد الابتسام أساسًا ! .
أسمهان بلهجة حازمة :
_ أنا مش جاية اشرب يا نشأت .. هما كلمتين جاية اقولهم ليك وهمشي
رجع بظهره للخلف على مقعده يجلس باسترخاء متمتمًا بهدوء أعصاب مستفز :
_ وأنا سامعك ، اتفضلي
تجاهلت نظراته ولهجته وتصرفت بطبيعتها الجافة حيث قالت في أعين تنبع بشرارة الشر والوعيد :
_ هتخلي بـ.ـنتك تبعد عن ابني واعتقد دي مش مهمة صعبة عليك .. زي ما اقنعتها تتجوزه هتقنعها إنها تطلق ، وإلا صدقني مش هتشوفها تاني
نشأت بنظرة كلها تحدي :
_ متقدريش يا أسمهان تلمسي شعرة واحدة منها .. عشان سعتها أنا اللي هاخد روحك ومش هعمل حساب لأي حاجة ، واظن كمان إن حتى إنتي عارفة أنا قد إيه راجـ.ـل **** وممكن اعمل إيه ، ثانيًا لما تحبي تهدديني ببـ.ـنتي كان المفروض تكون معلومـ.ـا.تك كاملة
أسمهان بزمجرة :
_ قصدك إيه !
انتصب في جلسته وقال بحدة تليق بصوته الرجولي :
_ قصدي إن ابنك اللي متمسك ببـ.ـنتي ورافض يطـ.ـلقها مش هي ، وطلب مني إني اديله المساحة عشان يحاول يصلح علاقته بيها تاني وتفضل بـ.ـنتهم عايشة وسط باباها ومامتها
استشاطت غـ.ـيظًا فور سماعها لتلك الكلمـ.ـا.ت وووقفت ثائرة وهي تهتف :
_ عدنان لا يمكن يقول حاجة زي ، بـ.ـنتك متفرقش معاه بحاجة وهي اللي واضح أوي نيتها أيه من الجواز دي ، الصراحة مكنتش متوقعة إنها هتطلع نسخة حقيرة ومصغرة من أمها كدا
وثبت هو الآخر ثائرًا وصاح بها منفعلًا :
_ أسمهان الزمي حدودك وا عـ.ـر.في إنتي بتتكلمي عن مين ، الغل والحقد اللي في قلبك ده يكون بيني وبينك وتصفية حسابات لو حابة يبقى نصفيها مع بعض ، لكن بـ.ـنتي خط أحمر
رمقته بنظرة ساخرة أخيرة قبل أن تردف بثقة :
_ انا قولت اللي عندي وإنت فهمتني
ثم استدارت واتجهت إلى خارج الغرفة بأكملها وتركته يشتعل بأرضه من الغضب .
***
داخل مقر شركة أل الشافعي .....
يجلس على مقعده أمام المكتب ويشاهد آخر تسجيلات كاميرات المراقبة على الحاسوب النقال ، وتقف بجواره ليلى التي تتابع كل التسجيلات الأخيرة ، وما لاحظه عدنان أن هناك تسجيلات محذوفة ترجع ليوم الثلاثاء .. منذ يومين بالضبط .
رفع نظره لليلى التي كانت تحدق بالحاسوب قاطبة حاجبيها باستغراب وقال بحزم :
_ في تسجيلات محذوفة !
سكتت لوهلة من الوقت تعيد تفاصيل يوم الثلاثاء في ذهنها بالكامل ، وفجأة لمعت عيناها وقالت مسرعة بحيرة :
_ أيوة صح .. في اليوم ده دخل مستر نادر المكتب ولما حاولت امنعه قالي إن داخل هيحط ملف مهم لحضرتك على المكتب عشان أول ما نرجع تشوفه .. وبعدها في آخر اليوم طلب مني يشوف التسجيلات بتاعت مكتب حضرتك
أظلمت عيناه بشكل مخيف وظل يتطلع إليها لبرهة من الوقت ، يحاول أن لا يدع الشك يتسرب إليه .. لكن كل ما يظهر أمامه من أدلة ، يشير إلى حقيقة واحدة ! .
عدنان بصوت غليظ ومريب :
_ متأكدة من الكلام ده يا ليلى !
ليلى بثقة تامة :
_ أيوة يافنـ.ـد.م متأكدة .. حتى آدm بيه كان منبه عليا إن محدش يدخل مكتب حضرتك وأنت مش موجود وخصوصًا مستر نادر .. ولما حب يدخل وقولتله اللي قاله آدm بيه اتعصب ودخل غـ.ـصـ.ـب عني
مسح عدنان على وجهه بعدm استيعاب .. وهناك صوتًا في عقله يستمر بتأكيد ظنونه له ، لكنه لا يرغب بالإستماع أليه قبل أن يتأكد بنفسه .. وخصوصًا أن نادر من أقرب الأشخاص لديه ، فعقله يجد صعوبة في تصديق أنه قد يكون المتسبب في هذا ! .
تمتم بنبرة محتقنة :
_ إنتي عارفة اللي بتقوليه ده معناه إيه لو طلع صح
هزت راسها بإيجاب وتمتمت في خفوت :
_ أنا من رأى نتأكد الأول ، لأن ممكن يكون ملوش ذنب
استقام من مقعده واقفًا وتحدث إليها بلهجة صارمة ونظرة ثاقبة كلها قوة وجفاء :
_ لو اللي بنفكر فيه صح يبقى كل حاجة هتظهر أكيد ..
المهم انتي هتدخلي مكتبه وهتدوري على الملف ده وهتراقبي كل تحركاته الفترة الجاية في الشركة وهتبلغيني بكل تفصيلة تشوفيها .. بس من غير ما نخليه يحس نهائي إننا شاكين فيه
اماءت لها ليلى بالموافقة وقالت برسمية :
_ تحت أمرك
ابتعد من أمامها وتحرك باتجاه النافذة التي بطول الحائط ووقف أمامها واضعًا كلتا قبضتيه في جيبي بنطاله مردفًا بتفكير :
_ خلاص تقدري تتفضلي يا ليلى
تحركت نحو الباب بصمت تام وغادرت وتركته بين تساؤلاته التي تنهش عقله نهش ! .
***
في مساء اليوم .......
يقود سيارته في طريقه إلى قصر الشافعي ويضع هاتفه أمامه يجرى عدة اتصالات بجلنار حتى يطمئن عليها لكن دون إجابة ، يستمر الهاتف في الرنين وبلا جدوى ، مرة واثنين وثلاثة والنتيجة نفسها ، ضيق عيناه باستغراب ممتزج ببعض القلق .. وعقله لا يتوقف عن توقع السوء .
أدرك أن لا مجال لراحة تفكيره ونفسه القلقة سوى الذهاب والاطمئنان عليها بنفسه .. غير وجهة سيارته واستدار بها عائدًا إلى منزله الثاني .
بعد دقائق من القيادة السريعة توقف بالسيارة في المكان المخصص لها داخل المنزل ، وفتح الباب ثم نزل وقاد خطواته المضطربة نحو الباب الداخلي .
أخرج المفاتيح من جيبه ووضعها في قفل الباب فانفتح ، دخل ثم أغلقه خلفه بهدوء ونزع حذائه بجانب الباب ثم سار نحو الداخل .. كان الهدوء يهيمن على المنزل كله والأضواء خافتة ، فقط هناك صوت بسيط ينبعث من الصالون ، تمامًا كصوت التلفاز .. تحرك نحوه بخطوات طبيعية ، وإذا به يراها جالسة على الأريكة المقابلة للتلفاز وتستند بكلتا يديها على ذراع الأريكة واضعة رأسها فوق ظهر كفيها ونائمة ووساقيها المكشوفان للركبة تفرد جزء منهم بجانبها على طول الأريكة .
بقى متسمرًا مكانه للحظات يتطلع إليها بتمعن حتى أصدر تنهيدة حارة بـ.ـارتياح واقترب منها بحذر ، ثم انحنى والتقط جهاز التحكم الخاص بالتلفاز واطفأه ، والتفت إليها ليعود وينحنى عليها قبل أن يمد إحدى ذراعيه أسفل منتصف ساقيها والآخر أسفل منتصف ظهرها ليحملها فوق ذراعيه ويسير بها إلى غرفتهم .
فتحت عيناها بخمول ورأت صورته مشوشة قليلًا بسبب نعاسها ، لكنها أدركت أنه هو ، ودون أن تشعر وجدت نفسها تلف ذراعيها حول رقبته وتنحنى برأسها تدفنها بين ثنايا رقبته هامسة بصوت ناعس وغير واعٍ دون أن تفتح عيناها :
_ بكرهك
انزل نظره إليها ، يرمقها مطولًا ثم يبتسم بساحرية وينحنى برأسه عليها هامسًا بمشاكسة :
_ قولتيها كتير أوي لدرجة إني بدأت أشك إن قصدك بيها العكس
سمعت همهمـ.ـا.ت خافتة بصوته الهاديء في أذنها لكنها لم تدرك أي شيء وكان النوم هو العامل الأكبر الذي يسيطر عليها الآن .
وصل بها إلى الغرفة واقترب من الفراش فانحنى ووضعها برفق شـ.ـديد في المنتصف ، ثم جذب الغطاء ورفعه على جسدها يدثرها به جيدًا ، وكانت ردة الفعل التلقائية منها أنها ضمت الغطاء إليها أكثر في شعور طبيعي بالدفء .. جلس على حافة الفراش بجوارها ثم مد أنامله وأبعد خصلاتها عن وجهها الجميل ، يتأمل جمالها الساحري والمثير ، وبحركة لاشعورية منه نزلت أنامله بلمساتها إلى بشرة وجهها الناعمة يستشعر الاختلاف ، واستمرت لمساته في التنقل على بشرتها بعدm وعي .. لا يذكر متى كانت المرة الأخيرة التي اقترب منها فيها ولمسها دون أو يواجه نفورها الدائم لكل لمسه تخطها يده على جسدها ، لأول مرة منذ زواجهم روحه تطالب بها .. تتخبط في الأعماق مصرحة بشوقها إلى زهرة العُقاب التي تظهر له كل يوم مدى قسوتها ، يبدو أن انتقامها سيكون أشـ.ـد مما توقعه .
تمعن ملامحها الهادئة يفحص إذا كانت آثار تحسسها من فاكهة الموز لا تزال على وجهها أم لا ، كان هناك تورم بسيط لا يلحظ بعيناها وكذلك شفتيها الوردية ، بالعادة هي تمتلك شفاه صغيرة وناعمة كالأطفال ، لكن تورمها بفعل الحساسية جعلها منتكزة تثير الفطرة الطبيعية ، اشاح بوجهه للجهة الأخرى يبعد نظره عنها بعدmا احس بدنو استسلامه وضعفه أمامها .. وبتلك اللحظة تحديدًا صدع صوت رنين هاتفه فانتفض في جلسته ومد يده بجيبه مسرعًا ليخرجه ويكتم الصوت حتى لا يوقظها .
استقام وسار مبتعدًا قليلًا عن فراشها يجيب على الهاتف :
_ أيوة يافريدة
وصله صوتها وهي تأن من الألم وتقول بنبرة متو.جـ.ـعة :
_ تعالى ياعدنان بسرعة .. أنا تعبانة أوي آاااه
أجابها فور سماعه تأوهاتها المرتفعة :
_ حاضر .. مسافة الطريق وأكون عندك .. هجيب الدكتور معايا
فريدة برفض مسرعة :
_ لا لا متجبش الدكتور .. تعالى إنت بس
_ طيب
انهى معها الاتصال واندفع مغادرًا الغرفة وقبل أن يرحل ، توجه إلى غرفة صغيرته والقى نظرة عليها وهي نائمة في فراشها ثم دثرها بالغطاء جيدًا وانصرف .
***
ظلت ممسكة بالهاتف بعدmا انهت الاتصال معه وهي تحدق أمامها بغل وتتمتم بشر يظهر في نظراتها :
_ يلا خلينا نشوف هيروح يقعد عندك إزاي يابـ.ـنت الرازي .. مبقاش أنا فريدة إما خليته واحدة واحدة هو بنفسه اللي يطـ.ـلقك
ذهبت وانضمت إلى فراشها وتدثرت بالغطاء تستعد لتمثيل دور المريـ.ـضة عند وصوله حتى تكتمل كذبتها ! .. مرت دقائق طويلة قاربت على الساعة وهي بانتظاره وعيناها معلقة على ساعة الحائط ، وها هي تسمع صوت خطواته المميزة تقترب من الغرفة أخيرًا ، فهرولت وعدلت من وضعية نومها وامسكت بمعدتها ورسمت على محياها علامـ.ـا.ت الألم والتعب ، وبعد ثواني انفتح الباب وظهر هو من خلفه .. تعمدت عدm النظر إليه واغمضت عيناها وهي متكورة بفراشها ! .
اقترب منها مسرعًا وجلس بجوارها على الفراش ممسكًا بيدها وهاتفًا بقلق :
_ مالك يافريدة ؟
أجابته بخفوت :
_ كنت تعبانة وكان جـ.ـسمي كله متكـ.ـسر ومعدتي كانت بتآلمني أوي
مد يده إلى جبهتها يتحسس حرارة جسدها فوجدها طبيعية ، أردف بريبة :
_ حرارتك مش عالية !
فريدة بتوضيح مضيفة القليل من البهارات على كذبتها :
_ الحرارة ممكن تكون من الداخل .. بس أنا اخدت علاج قبل ما إنت تيجي وبقيت كويسة شوية الحمدلله
_ علاج إيه ده ! .. وإزاي تاخدي حاجة من نفسك يافريدة !
كانت جملته تحمل الانفعال والاستياء فردت هي عليه بهدوء :
_ متقلقش ياحبيبي أنا متعودة باخده دايمًا لما بتعب كدا
رمقها بنظرة مطولة ثم أخرج هاتفه من جيب بنطاله وهم بالاتصال بالطبيب ، فأمسكت بيده وقالت وهي تعتدل جالسة :
_ أنا بقيت كويسة شوية صدقني مش مستاهلة دكتور ، لو كنت تعبانة أوي زي قبل ما تيجي كنت هخليك تكلمه
تفحص معالم وجهها لثواني ثم انزل الهاتف مستسلمًا ، ومد يده إلى وجنتها يملس عليها بحنو هامسًا :
_ طيب اتعشيتي ولا لسا ؟
هزت رأسها بالإيجاب ثم لفت ذراعيها حول رقبته وقالت بدلال أنوثي :
_ أنا آسفة عارفة إني ضايقتك كتير الأيام اللي فاتت مني .. وكنت غلطانة ، بس وعد كل اللي حصل ده مش هيتكرر تاني ووعد إني هرجع فريدتك وحبيبتك تاني وهعوضك عن فترة الخلافات اللي كانت بينا دي
ابتسم بلؤم يليق به ثم استطرد بجملة غير متوقعة تمامًا :
_ فريدة هو إنتي تعبانة بجد ؟!
استغربته واستقرت بعيناها نظرة حائرة .. حتى فهمت ما يرمي إليه فقررت أخيرًا آثر الحقيقة ، وقالت بهمس به لمسة خبيثة :
_ الصراحة لا .. بس بما إننا يعتبر كنا متخانقين فمكنش في طريقة اخليك تيجيلي بيها غير دي للأسف ، وأعتقد إن إنت كنت عند جلنار مش كدا ؟
_ إنتي من إمتى بقيتي تغيري منها !
فريدة بنظرة شرسة :
_ من وقت ما بدأت أحس إنها بقت تشاركني فيك فعلًا
مالت شفتيه لليسار في ابتسامة مداعبة ثم انحنى عليها يهمس أمام وجهها ببحة رجولية مثيرة :
_ خلينا نفترض إن كلامك صح .. هل ده هيغير حاجة
تصنعت عدm الفهم وعزمت على أن تكون الليلة هي ليلتهم ، وتبادر هي ببدأها :
_ يعني !
تمتم بعين تلمع بوميض الرغبة :
_ يعني بحبك يافريدتي
ليلة أخرى .. ستكون فيها معه جسد فقط بلا روح ، تستغل الفرص المعطاة لها حتى تحافظ على زواج لا تريده سوى للمصلحة ، تظهر الحب والوفاء لزوج وتطعنه بشرفه في الظهر ، ورغم كل هذا تتقرب منه كأسلوب منحدر منها حتى تمنعه عن التفكير بغيرها ، وتظل هي المهيمنة والآمرة ولا ينهدm ما قامت ببنائه لسنوات ! .
***
في تمام الساعة الثالثة فجرًا ......
صدع صوت رنين هاتفها على المنضدة الصغيرة المجاورة لفراشهم .. فوثبت كمن لدغه عقرب والتقطت الهاتف مسرعة وكتمت صوت الرنين حتى لا يستيقظ ، القت عليه نظرة دقيقة وقد كان متسطح على ظهره واضعها كلتا كفيه أسفل رأسه ونائمًا عاريًا الصدر .. دققت النظر في وجهه أكثر لتتأكد من انغماسه في النوم ، ثم تسللت من الفراش بحذر شـ.ـديد كلص والتقطت الروب الطويل ترتديه فوق قميص النوم القصير .. جذبت الهاتف معها وسارت على أطراف أصابعها إلى خارج الغرفة حتى تجيب على الهاتف .
بمجرد ما أن فتحت الباب وخرجت ، فتح هو عيناه دفعة واحدة كالذئب المترصد لفريسته ، بقى معلقًا نظره على السقف للحظات وانفتح فمه قليلًا بانحناءة مرعـ.ـبة ولسانه بدأ يسير على ضروسه العلوية في عينان حمراء كالدm ، ونفس ثائرة على وشك أن تعلن قيام عاصفتها المدmرة .. يستمع إلى همهاتها القادmة من الخارج وهي تتحدث في الهاتف ويزداد ثورانه .
مد يده إلى الغطاء وأبعده بعنف عن جسده ، ثم استقام من الفراش وتحرك باتجاه الباب ، رآها تقف على مسافة قصيرة من الغرفة مولية ظهرها للباب .. تحرك نحوها في خطوات من شـ.ـدة هدوئها وترصدها لم تشعر به ، ولحسن حظها أنها كانت تنهي اتصالها مع نادر بعدmا كان يخبرها بأمر هام يخص الملفات الذي أخذها من مكتب عدنان .
أنهت معه الاتصال واستدارت بجسدها حتى تعود إلى الغرفة ، لكنها اصطدmت به كحائط منيع يقف بظهرها تمامًا .. أصدر شهقة كانت أشبه بصرخة وارتدت للخلف في زعر ، تتطلع إلى هيئته المرعـ.ـبة ونظراته القـ.ـا.تلة التي يرمقها بها ، كأنه نام شخص وأستيقظ آخر ! .. أين اختفت نظرات الدفء والعشق التي أمطرها بها طوال ليلتهم منذ ساعات ، ازدردت ريقها بخـ.ـو.ف واضطراب حقيقي هذا المرة .
عدنان بصوتًا كان كافي لبث الزعر في نفسها :
_ كنتي بتكلمي مين ؟
نزلت بعيناها إلى الهاتف الذي بيدها تلقي نظرة مرتبكة عليه ثم عادت بنظرها إليه وقالت متلعثمة في كذبة كانت سخيفة جدًا هذه المرة :
_ دي .... دي لميا بتكلمني تسألني عن حاجة
رفع حاجبه مستنكرًا كذبتها :
_ في الوقت ده !
فريدة بتـ.ـو.تر ملحوظ :
_ آه ما إنت عارف إنها قريبة جدا مني ومش بتعرف تعمل حاجة غير لما تاخد رأى الأول
تحرك حاجبيه باستهزاء في شكل مثير للأعصاب ثم مد يده حتى يجذب الهاتف من يدها لكنها ضغطت عليه بتلقائية كنوع من الرفض ، لكنه باغتها بصرخته العنيفة بها :
_ هاتي الزفت ده
أرخت عضلات يدها عليه فجذبه من يدها وفتحه لكن ظهرت شاشة ادخال الرقم السري أولًا ، فرفعه أمام وجهها وهتف بحدة :
_ افتحيه
مدت يدها وفتحته وهي تقول بغضب امتزج باضطرابها :
_ هو في إيه بظبط ياعدنان ما تفهمني !
_ هنفهم كلنا دلوقتي في إيه
فتح آخر المكالمـ.ـا.ت وقام بالاتصال على آخر رقم في قائمة الاتصالات ، بسط الهاتف في المنتصف بينهم وفتح مكبر الصوت ، ينتظر الرد .. أحست هي بأنها ستفقد وعيها وانفاسها انسحبت في رئتيها من الخـ.ـو.ف ، يبدو إنها وصلت لنهاية الطريق ، ظل صوت الرنين يعلو صوته في أذنها كالبرق وهي تدعو ربها أن لا يقوم نادر بحركة متسرعة ويجيب .
انتهى الرنين دون رد فحدقها بنظرة ممـ.ـيـ.ـتة وقال :
_ إنتي مش لسا كنتي بتكلميها برضوا .. مبتردش ليه
_ معرفش يمكن دخلت الحمام .. بعدين أنا عايزة افهم إنت إيه اللي بتعمله ده
كانت كلمـ.ـا.ت اندفاعية منها وهي تسحب الهاتف من يده ، لكنه باغتها بحركة مفاجأة منه وهو يجذبها من ذراعها ويضغط عليها بقسوة هامسًا بنبرة دبت الرعـ.ـب في أوصالها :
_ اللي حصل بينا من كام ساعة ده .. كان برغبة مني عشان أتأكد من حاجة وأتأكدت ، حابب أقولك إن الحصانة بتاعتك خلصت يافريدة واستنفذتي كل الفرص اللي ادتهالك
كلمـ.ـا.ت كلها مبهمة لا يُفهم منها سوى شيء واحد ، أنها أصبحت على الهاوية ، وأن النهاية المحتومة تقف على أعتاب الباب .
هل كان كل الحب والحنان الذي امطرها به في ليلتهم ، متصنعًا حتى يحقق مبتغاه المجهول ! .. كيف ؟!!! ، لا تفهم شيء من الذي يحدث سوى أنه شك بل وأصبح شبه متأكدًا من خيانتها له ! .
***
تجلس بجوار ابـ.ـنتها في فراشها الصغير وتملس على شعرها بحنو ، حتى تخلد للنوم .. بعدmا كثرت اسألتها التي لم تجد لها إجابة حول غياب والدها منذ مساء الأمس .
بينما هي فهناك بعض التفاصيل تتذكرها ، جميعها كان موجود بها بالأمس .. لا تتمكن من التذكر جيدًا لكن هناك صور بعقلها له وهو يحملها ويتجه بها للغرفة ، تتذكر أنها رأت وجهه وابتسامته وهو يحملها ، وبعد ذلك لا يوجد اي شيء بذاكرتها .. ظنته حلم عنـ.ـد.ما استيقظت من النوم في صباح اليوم التالي ، لكن كيفية وصولها إلى الفراش وهي كانت نائمة على الأريكة أمام التلفاز بالخارج ، هذا ما جعلها تتأكد من أنه جاء في المساء .
ألقت نظرة دافئة على صغيرتها التي خلدت للنوم بعمق ، ثم انحنت عليها وطبعت قبلة رقيقة على جبهتها واستقامة واقفة لتغادر الغرفة بهدوء شـ.ـديد .. وصلت إلى غرفتها ورفعت يدها تنزع المشبك الذي تثبت به شعرها .. همت بالدخول للفراش حتى تنام ، لكن صوت الباب وهو ينفتح سمرها مكانها .. ظلت ثابتة مكانها تستمع إلى خطواته ، معتقدة إن وجهته الأولى ستكون إليها كالعادة ، لكن ما أصابها بالتعجب أن صوت خطاه توقف ولم يدخل للغرفة .. رفعت حاجبها بحيرة ثم استدارت واتجهت بخطا قدmاها الناعمة إلى الخارج .. رأته يجلس على الأريكة بالصالون ويرجع برأسه للخلف إلى الحافة العلوية من ظهر الأريكة مغمضًا عيناه ، لم تكن علامـ.ـا.ت التعب أو الإرهاق بادية على وجهه .. بل أخرى كلها غضب وحنق ويحدق في السقف بفراغ كالذي ارهقه التفكير فلم يعد يعرف بماذا يفكر أكثر ! .
صوت في ثناياها ألح عليها أن تُقبل عليه وتسأله مالذي به ، لكنها قــ,تــلت ذلك الصوت وفضلت التجاهل ، وكانت على وشك أن تستدير وتعود لغرفتها لكن همسته القوية باسمها أوقفتها بأرضها :
_ جلنار
ظلت مكانها لا تلتفت له ولا تجيب عليه ، فقط تنتظر منه أن يستكمل جملته .. فخرج صوته مستكملًا :
_ تعالى عايز اتكلم معاكي شوية
ردت ببرود وعدm اكتراث :
_ أنا تعبانة وعايزة انام .. تصبح على خير
أنهت جملتها وتحركت نحو غرفتها ، بينما هو فاستشاط غـ.ـيظًا وبلحظة هب ثائرًا من مكانه واندفع خلفها كالوحش .. جذبها من ذراعها إليه قبل أن تخطو قدmاها الغرفة ، أصدرت شهقة مفزوعة ووجدت نفسها تستدير إليه وتصطدm بصدره بفعل جذبته العنيفة ، وخرج صوته متحشرجًا في عينان ملتهبة :
_ خدي هنا أنا بكلم نفسي
لكمته في صدره بشراسة الأنثى الناعمة وصاحت به مغتاظة وهي تحاول الإفلات من بين براثينه :
_ عايز إيه .. ابعد عني !
عدنان بصيحة رجولية :
_ إنتي اللي عايزة إيه بظبط فهميني !
جلنار بتحدٍ وعصبية :
_ إنت عارف أنا عايزة إيه كويس
لحظة عابرة ممن الصمت مرت حتى استكمل صياحه المرتفع بها منفعلًا :
_ وأنا قولتلك مليون مرة انسى الطـ.ـلا.ق ده نهائي
اردفت جازة على أسنانها بغـ.ـيظ في خفوت :
_وطي صوتك البـ.ـنت نايمة
انتقل بنظره إلى باب غرفة ابـ.ـنته ثم جذبها من ذراعها خلفه ودفعها لداخل الغرفة ثم دخل هو واغلق الباب فصرخت به بسخط عارم :
_ إنت مش طبيعي والله
_بالعكس أنا لغاية دلوقتي طبيعي وهاديء أوي معاكي كمان ، بس شكلك مش هتخليني استمر في الهدوء ده كتير
اندفعت نحوه ثائرة حتى وقفت أمامه مباشرة شبه ملتصقة به وغمغمت في غل :
_ أعمل ما بدالك ياعدنان .. وبرضوا هطلق طالت أو قصرت هتطلقني غـ.ـصـ.ـب عنك
ضحك بازدراء منها فاستكملت هي :
_ بعدين مش احنا كنا متفقين إننا هنطلق
_ ده كان قبل ما تاخدي بـ.ـنتي وتهربي بيها
_ وفرق إيه دلوقتي
انحنى عليها يهمس أمام وجهها تمامًا في نبرة مثلجة :
_ مفرقش حاجة بس أنا غيرت رأى ومش هطلق
تلألأت العبـ.ـارات في عيناها بحرقة وألم من بطش وقسوة ذلك الظالم ، لوهلة احست بضعفها أمامه وأن لا يسعها شيء سوى استخدام قواها الضعيفة مقارنة بقوته الجـ.ـسمانية الضخمة .. فغارت عليه تلكمه في صدره بشراسة صائحة به في صوت مبحوح وعينان تلمع بالعبـ.ـارات :
_ إنت واحد حقير .. ومتستهلش إيه حاجة في يوم عملتها عشانك .. عايز كل حاجة تكون ليك وحدك ، متملك ومغرور ومش بتتقبل أخطائك .. إنت أناني ياعدنان ، بتحب فريدة وفي نفس الوقت عايز جلنار تكون معاك ، مفكرتش في مرة إيه احساس فريدة أو احساسي أنا .. عارف ليه عشان إنت مبتفكرش غير في نفسك ، مش معنى إنها وافقت على إنك تتجوز عليها وإنت فهمتها قد إيه بتحبها يبقى خلاص هي تقبلت الفكرة بصدر رحب ، لا يمكن يكون في ست تتقبل فكرة إن جوزها يتجوز عليها .. وأنا رغم إني مش بحبك بس فكرة إني على الرف بتقــ,تــلني صدقني احساس الست إنها في خانة الاحتياط بيوجـ.ـع أووووي ، وأنا استحملت الاحساس ده كتير ومش هقدر استحمل اكتر من كدا
استهدفت بكلمـ.ـا.تها الهدف ، لم تخطأ في حرف واحد .. لكن أخطأت في الوصف .. بقدر جفاء وحدة الكلمـ.ـا.ت بقدر ما وصلت لأعمق نقطة من قلبه ، خرجت هذه الخناجر من فمها بالوقت الخطأ .. في وقتًا كان يحاول هو لملمة شتات نفسه المبعثرة بعد الوساوس التي تنهش عقله نهشًا منذ مساء الأمس وهو يفكر بأفعال زوجته المريبة ، محاولًا إسكات الصوت الوحيد الذي يتردد في ذهنه منذ إيام ( خيانة .. خيانة .. خيانة !! ) ويرفض حتى مجرد التفكير في فكرة لعينة كهذه ، جاءت زهرته وواجهته بحقيقته التي يحاول التغافل عنها وزادت من سوء الوضع ، لكن حتمًا أن أنانيته تضمر خلفها أحد الأسباب الحقيقية الذي يرغب باحتفاظه بها لنفسه .
تنهد الصعداء بعبث وغمغم أخيرًا بنظرة تائهة يؤكد لها تصورها عنه :
_ عندك حق ، ولو تمسكي ببـ.ـنتي ومراتي بالنسبة ليكي أنانية فأنا معنديش مشكلة في كدا
تطلعت إليه بدهشة من اعترافه الصريح بتمسكه بها ، وأحست أن لسانها قُيد فلم تتمكن من الرد عليه ، فقط تابعته وهو يبتعد عنها ويتجه إلى الحمام .
***
يمسك بيده كأس من الڤودكا ويرفعه لفمه فيبتلعه دفعة واحدة ويعود ويملأ الكأس من جديد ، على الجهة المقابلة له يجلس أحد أصدقائه أمامه يتابعه بعيناه في سكون .. حتى خرج صوته أخيرًا بحنق :
_ ما كفاية يانادر شرب بقى
قهقه الآخر بصوت مرتفع وتمتم :
_ أنا النهاردة في أسعد أيام حياتي .. الصفقة اللي ليه سنين ابن الشافعي شغال عليها كل يومين وتكون ليا أنا ، ووقتها هقف اتفرج عليه وهو مقهور على الملايين اللي خسرها
_ وإنت واثق في فريدة أوي للدرجة اللي تخليك مطمن إنها متقولش لعدنان حاجة عنك
ضحك نادرًا ساخرًا وأجابت بثقة تامة :
_ مين فريدة !! .. إنت عبـ.ـيـ.ـط يالا تقوله إيه ، هتقوله إن أنا اللي سرقت الملفات ولا إن هي اللي ساعدتني وادتني مفتاح المكتب .. ولا بقى هتقوله إنها بتخونه معايا ! ، متقلقش من فريدة
هتف صديقه بابتسامة ساخرة :
_ والله شكلها هي اللي هتجيب اجلك
تجاهل نادر جملته وهتف بجدية :
_ قولي عملت إيه مع الرجـ.ـا.لة واللي اتفقنا عليه
رد في هدوء مبتسمًا بشر :
_ يومين بالظبط وتسمع الأخبـ.ـار
لاحت ابتسامة جانبية شيطانية على ثغره وهو يلتقط كأس آخر من الڤودكا ويرد بمكر :
_ وأنا مستني
***
في بصباح اليوم التالي .......
ترجلا من سيارة أجرة أمام مقر المعرض .. ونزلت سهيلة أولًا ثم تبعتها مهرة ، التي بعد محاولات مرهقة وكثيرة من كل من صديقتها وجدتها وافقت على أن ترتدي بنطال ضيق من اللون الأسود يعلوه كنزة بيضاء قصيرة وفوقها بالطو من اللون الجملي طويل ، ورفعت شعرها لأعلى ذيل حصان ، وارتدت حذاءها الرياضي المعتاد .
نظرت لصديقتها أولًا قبل أن تتطلع للمعرض وقالت بخـ.ـنـ.ـق :
_ يارب تكوني مبسوطة وأنا مش طايقة اللبس الملزق اللي عليا ده
كانت سهيلة ترتدي رداء طويل من اللون الوردي وتترك الحرية لشعرها ، وعيناها معلقة على بوابة المعرض من الخارج تتأمل منظره الفخم ، وقالت تجيب على مهرة بقرف :
_ ده جزاتنا أننا عايزين نخليكي بـ.ـنت .. إنتي مش شايفة العربيات والأشكال النضيفة اللي داخلة وخارجة دي ، لازم ناجي متشيكين يابت
مهرة بتأفف :
_ معلش احنا اللي أشكال زبـ.ـا.لة .. اخلصي بقى خلينا نخلص من أم الطلعة المنيـ.ـلـ.ـة دي
تحركا باتجاه الباب لكن الحارس اوقفهم يمنع دخولهم قبل رؤية التذاكر الخاصة ، فأخرجت سهيلة من حقيبتها الكلاسيكية التذاكر ومدتها إلى الحارس الذي التقطها وحدق بالتذاكر ثم بهم لثواني يتحفص هيئتهم التي تختلف عن جميع زوار المعرض اللذين من الطبقة المخملية ، لكنه أفسح لهم الطريق للعبور وبمجرد عبورهم قبضت مهرة على ذراع سهيلة وقالت بغـ.ـيظ من نظرات الرجل لهم :
_ إنتي جبتي التذاكر دي منين يابت .. مشوفتيش الحارس بيبصلنا إزاي
سهيلة بعدm مبالاة :
_ ما يبص براحته .. خليكي فريش يامهرة احنا جايين نتفرج .. بعدين عيب تسأليني سؤال زي دي ، صحبتك مش سهلة برضوا
لم تتجادل معها كثيرًا فهي ليست في مزاج للنقاش سترافقها فقط وتستمتع كما قالت ثم تعود لمنزلها ..
بمجرد دخولهم إلى ساحة المعرض ، دارت سهيلة بنظرها في جميع الزوايا الممتلئة باللوحات الفخمة والحوائط المطلية بطلاء بني فاتح لامع .. والأضواء تحيط بكل جزء في المكان وبجانب كل لوحة مصباح داخل الحائط يعكس الضوء على اللوحة فيظهر جمالها وتفاصيلها أكثر .
بينما مهرة فكانت نظراتها معلقة على الزوار ، أناس من عالم آخر تمامًا كالذي يشاهدونهم بالأفلام والمسلسلات ، الرجـ.ـال يرتدون حلل سوداء ويتجولون في أرجاء المكان يتفحصون اللوحات ، نساء مرتدية ملابس تكشف أكثر ما تستر ، وأحذية الكعب التي في قدm كل امرأة تصدر أصوات مزعجة .
خرج صوتها ساخرًا متمتمة :
_ هو ده افتتاح معرض ولا مصيف !
على الجانب الآخر كان آدm يتجول بين كل الزبائن ويتحدث مع هذا دقيقة ومع ذاك أثنين في وجه بشوش ، بينما عدنان فكان يقف مع أحد رجـ.ـال الأعمال المهمين أمام إحدى اللوحات التي نالت إعجابه وعزم على شرائها ويتحدث معه بقليل من الرسمية حول أمور متنوعة تخص العمل والمعرض واللوحات .
ظهرت من مقدmة المعرض جلنار وهي ترتدي رداء طويل من اللون الفيروزي ولديه أكمام سميكة تنزل عند منتصف أكتافها .. مما جعل الجزء العلوي من جسدها شبه مكشوفًا بداية من أكتافها حتى مقدmة صدرها التي لا تظهر داخلها ، لفتت أنظار الجميع إليها بهيئتها المثيرة وهم يتطلعون إليها بإعجاب ملحوظ .
أما صغيرتها فكانت ترتدي فستان يشبه امها قليلًا لكن اللمسة الطفولية اضفت عليه شكلًا مختلفًا أكثر رقة ، ظلت واقفة بجوار أمها تبحث بنظرها عن عمها وأبيها فلمحها آدm أولًا ، اتسعت ابتسامته لنهاية شفتيها واتجه إليها مسرعًا ، لتقبل هي عليه ركضًا .. انحنى عليها وحملها على ذراعيه يمطرها بوابل من قبلاته الحانية .
آدm محدثًا أياها في مشاكسة :
_ اتأخرتي يا هنون عليا وكدا المفاجأة قيمتها هتقل
زمت الصغيرة شفتيها بعبوس وقالت وهي تشير إلى أمها بحنق :
_ دي ماما مش أنا اللي اتأخرت
قهقهت جلنار عالية بينما هو فنظر لزوجة أخيه وقال بعذوبة :
_ عاملة إيه ياجلنار ؟
جلنار بمداعبة ونظرة سعيدة :
_ عايز الحقيقة ، فرحنالك بشكل لا يوصف .. مبروووك وعقبال نجاح كتير أوي جاي أن شاء الله يافنان
ضحك آدm والتفت برأسه حوله في شيء من الخـ.ـو.ف المزيف وهتف مشاكسًا :
_ مجهزلك مفاجأة بمناسبة الافتتاح .. بس من غير ما يحس عدنان تاخديها وعلى البيت عدل ، عشان ده مـ.ـجـ.ـنو.ن وممكن يتخانق معايا أنا
غمزت له ضاحكة وتمتمت بمرح وحماس :
_ متقلقش اطلع إنت بس بالمفاجأة وملكش دعوة بالباقي
كانت نظرات أسمهان وفريدة معلقة على جلنار ونظراتهم الحارقة لو كان بإمكانها إخراج النار لحرقت جلنار بأرضها .. تتابع أسمهان ضحكاتها وتبادلها أطراف الحديث مع ابنها بعفوية وتلقائية وهي تشتعل غـ.ـيظًا ، بينما الآخرى فكانت تحدجها بأعين كلها وعيد ونقم .
أبعد عدنان نظره بتلقائية عن الرجل الذي يبادله أطراف الحديث ليقع نظره عليها ، التقطت عيناه فستانها الضيق والمكشوف من الأعلى ، شعرها المنسدل بانسايبة جزء منه على ظهرها والجزء الآخر على كتفها ، عيون الجميع متعلقة عليها يأكلونها بنظراتهم أكلًا .
أظلمت عيناه بشكل مخيف ونيران الغيرة تأججت في صدره ، كان سيندفع إليها كالثور الهائج لكنه تمالك أعصابه لعدm ملائمة المكان والوقت لما يود فعله بها الآن .. نظر إلى الرجل وقال بصوت محتدm :
_ استأذنك لحظة ياسامي بيه
هز رأسه الآخر بالموافقة وقال باحترام متبادل :
_ اتفضل أكيد
سار نحوها وعيناه لا ترى شيء سوى هدفه ، لدرجة أن من سيتطلع إليه ويرى وجهه سيصاب بالصدmة من مظهره المريب ، في تلك اللحظة انتهي آدm من حديثه معها وابتعد بهنا عنها قليلًا .
التفتت هي برأسها في عفوية على الجانب فوجدته مندفع نحوها ووجهه يشع بشرارة الغضب ، وقفت بثبات تام حتى وصل إليها وانحنى عليها يهمس في أذنها بصوت متحشرج محاولًا تمالك أنفعالاته :
_ إيه اللي لبساه ده !
قد عزمت على ارتداء هذه الفستان عمدًا حتى تشعله بالنيران كنوع من الكيد ، ردت عليه ببرود :
_ فستان !
عض على شفاه السفلى ونقل نظره في حركة سريعة بين الزوار ثم هتف بغـ.ـيظ مكتوم :
_ مش عايز استعباط .. إنتي لبستي ده بالعند فيا يعني رغم إني الصبح منبه عليكي إنك متطلعيش بلبس مكشوف
جلنار بابتسامة سمجة ومستفزة :
_ وأنا اعند معاك ليه ياروحي .. كل ما في الحكاية إني بحب الفستان ده وشكله حلو عليا عشان كدا لبسته ، ودي مش أي مناسبة فكان لازم البس اجمل حاجة
كور قبضة يده يجاهد في التحكم بنفسه ثم رد عليها بوعيد حقيقي كله سخط :
_ ماشي ياجلنار حسابك معايا في البيت أنا هربيكي كويس
نظرت إلى الرجل الذي كان يقف معه ولاحظت أنه بين آن والآخر ينظر بتجاههم فقالت ببرود متعمد وهي مبتسمة بشمـ.ـا.تة :
_ روح ياحبيبي عيب تسيب الراجـ.ـل مستنيك كدا
نظرة مطولة بينهم كانت نارية منه وثلجية منها ، تنضج بالوعيد منه وغير مبالية منها .. حتى قطعت النظرة هي عنـ.ـد.ما تركته وابتعدت متجهة إلى اللوحات حتى تشاهدهم .
***
ظلت مهرة واقفة أمام إحدى اللوحات لدقائق طويلة ، تحاول فهم المعنى الفني من وراء لوحة عبـ.ـارة عن تداخل الون وتزاحمها بشكل غير مفهوم فتظهر في النهاية في شكل لوحة فنية ! .. أين الفن في مزج الون مختلفة بشكل عشوائي ، لو كان هذا يسمى الفن فما اسهله .
تتطلع إلى اللوحة تارة من جهة اليسار وتارة من اليمين هاتفة لنفسها بتفكير :
_ أيوة فين المغزي برضوا .. ماهو أنا عايزة الاقي سبب مقنع يخليني ادفع فلوس في لوحة الشوارع دي
_ لوحة إيه !!!
انتفضت بأرضها على أثر الصوت الذي أتاها من ظهرها والتفتت فورًا بكامل جسدها فقابلت نفس الشاب الوسيم أو التركي كما وصفته ! .. والغريب أن للمرة الثالثة تقابله بمحض الصدفة ! .
تصنعت الثبات وقالت بشموخ :
_ افنـ.ـد.م
آدm بنظرة قوية :
_ إنتي كنتي بتقولي إيه دلوقتي على اللوحة !
التفتت برأسها إلى اللوحة ورجعت برأسها إليه لتقول بثقة معبرة عن رأيها :
_ بقول إنها لوحة شوراع
أشار إلى لوحته بدهشة وهتف يعيد جملتها بنبرة مستاءة من إهانتها له بمعرضه وأمامه :
_ دي لوحة شوراع !
مهرة بقرف وعدm إعجاب :
_ أيوة فين الفن فيها .. دي شبه شارع السوق عندنا لما بيكون يوم الخميس وتفضل ماشي وسط خلق الله مش شايف حد ولا عارف إنت فين
مسح آدm على وجهه بغـ.ـيظ وهتف :
_ إنتي بتقولي إيه !! .. وبعدين إزاي دخلتي أصلًا
ردت عليه مهرة في نبرة فظة وبغطرسة :
_ وإنت مالك دخلت إزاي هو كان معرض اهلك .. بعدين مالك محموق أوي كدا على اللوحة شكلك دفعت فيها الفلوس ومرضيوش يرجعهالك ، أنا قولت برضوا والله لوحة زي دي خسارة فيها ربع جنية
انحنى عليها أدm وهمس بنظرة مشتعلة ونبرة محذرة :
_ بت انتي احترمي نفسك أنا مش عايز أقل ادبي عليكي .. يعني جاية معرضي وبتغلطي في لوحتي وكمان بتقلي ادبك عليا
رمشت بعيناها عدة مرات تستوعب ما سمعته ، معرضه ولوحته ! .. ظلت تتلتفت برأسها بين اللوحة وبينه حتى قالت أخيرًا بذهول :
_ دي لوحتك إنت !!!
_ آه تخيلي
عادت تلقي نظرة متفحصة على اللوحة ثم عادت له وهمست بخفوت وجدية كان ملحوظ في نبرتها :
_ هو إنت عندك حالة نفسية .. يعني اهلك كانوا لا مؤاخذة بيضـ.ـر.بوك إنت وصغير فطلعت معقد ، أصل أنا أعرف عيل عندنا في المنطقة كان عنده توحد وحالته شبهك كدا ، فكان أهله بيدوله كراسة الرسم ويفضل يشخبط بالالوان بس .. لدرجة أنهم شكوا أنه ملبوس و....
أوقفها عن الكلام وصاح بها منفعلًا :
_ بس إيه العـ.ـبـ.ـط اللي بتقوليه ده !
_ ده مش عـ.ـبـ.ـط دي دراسات نفسية .. نصيحة مني الحق نفسك قبل ما الحالة تتدهور
جز آدm على أسنانه وقال :
_ إنتي قولتيلي اسمك إيه ؟!
_ مهرة
_ طيب يامهرة برا
تنهدت الصعداء وقالت باستسلام في وجه متأثر :
_ طيب خلاص تصدق صعبت عليا .. هشتريها منك بس مش هدفع فيها اكتر من خمسة جنية وكترت عليها الصراحة
ابتسم آدm بسماجة وقال في نبرة فظة :
_ شرفتيني يامهرة واتمنى تكون آخر مرة نتقابل فيها
ألقت عليها نظرة ساخرة وهي تلوى فمها ثم قالت وهي تبتعد عنه :
_ كل الغرور دي على حتة اللوحة دي .. امال لو رسمتلك كام لوحة تاني كنت هتعمل إيه هتمشي تدوس على الناس برجلك
تابعها بعيناه وهي تبتعد متجهة إلى خارج المعرض بأكمله ، ونظراته كلها استغراب من هذه الفتاة التي تظهر له بكل مكان .. التفت برأسه وتطلع إلى لوحته وبتلقائيًا ضحك عنـ.ـد.ما تذكر محادثتهم وكلمـ.ـا.تها ، ولا يمكنه إنكار أنها فتاة مسلية ! .
***
لمحت جلنار فريدة التي تقف وتتلفت حولها كأنها تتأكد من عدm متابعة أحد لها ، ثم أجابت على الهاتف بمكان بعيد عن أنظار الجميع وبعد لحظات قصيرة أنهت مكالمتها واتجهت إلى خارج المعرض بأكمله .. ضيقت جلنار عيناها بحيرة واحست أنها تخطط لشيء شيطاني كعادتها ، ووجدتها فرصة مناسبة حتى تعرف مخططها وتستغله في تحقيق انتقامها .
وقفت وأشارت إلى ابـ.ـنتها أن تأتي إليها ثم اندفعت إلى الخارج فورًا دون أن يلاحظها أحد باستثناء آدm الذي لمحها وهي تنصرف على عجلة ومعها الصغيرة .
↚_ ماما هو احنا ليه مشينا ؟!
كان سؤال متذمر من " هنا " التي تجلس بجوار أمها في السيارة منذ وقت طويل وهي تقود بهم .
ردت عليها جلنار دون أن تحيد بنظرها عن السيارة التي تلحق بها أمامها :
_ هنرجع تاني ياحبيبتي متقلقيش
كانت فريدة قد استقلت بسيارتها الخاصة بها وانطلقت بسرعة ، فاستقلت جلنار أيضًا بسيارتها هي وابـ.ـنتها ولحقت بها دون أن تلاحظ مراقبتها لها خلال الطريق .
بعد وقت طويل من القيادة .. توقفت سيارة فريدة أخيرًا أمام إحدى البنايات الجميلة بأحد المناطق الراقية وترجلت من سيارتها ، قادت خطواتها إلى بوابة البناية وكان الحارس يجلس على مقعده الخاص أمام البناية وبمجرد رؤيته لها توقف والقى عليها التحية في وجه سمح ، مما أكد لجلنار أنها ليست المرة الأولى التي تزور بها هذه البناية ويبدو أن تتردد كثيرًا لهنا .
انتظرت حتى دخلت واستقلت بالمصعد الكهربائي واختفت عن انظارها ، فالتقطت شالًا من نفس لون فستانها ووضعته على أكتافها ثم انحنت على ابـ.ـنتها وغمغمت بحنو :
_ خليكي هنا يا ماما أنا هروح عند عمو اللي واقف هناك ده وهرجعلك علطول .. متتحركيش من العربية
هزت هنا رأسها بالموافقة وتمتمت :
_ حاضر
فتحت جلنار باب السيارة ونزلت ثم عبرت الطريق متجهة إلى البناية ، وعند وصولها وقفت أمام الحارس الذي طالعها بنظرة متفحصة بسبب فستانها وهيئتها التي توحي بأنها قادmة من إحدى الحفلات الصباحية .
_ اؤمري ياست هانم .. اقدر اساعدك في إيه !
هتفت جلنار بنظرة دقيقة :
_ هي اللي طلعت دلوقتي دي طالعة لمين ؟
_ قصدك فريدة هانم
_ أيوة
نزل بنظره إليها وبنظرته الخبيرة فهم أنها من الطبقة المخملية ، فقال بنظرة لئيمة رافضًا :
_ آسف ياست هانم بس مقدرش افيدك بحاجة
اطالت جلنار التحديق به حتى توقعت ما يرمي إليه بنظراته اللئيمة ، فمدت يدها في حقيبة يدها وأخرجت نقود .. ثم وضعتها في يده بنظرة مشتعلة .. تفحص النقود وتحقق من عددها بعين لامعة ثم رفع نظره لها وقال مبتسمًا :
_ طلعت لواحد اسمه نادر المصري
ظهر الذهول على محياها فور سماعها لاسم نادر ، وبقت للحظات تحدق بالرجل في عدm فهم ثم سألت بترقب لإجابته :
_ طيب متعرفش طلعت عنده ليه ؟
رمقها بنظرة جانبية تشبه السابقة وقال :
_ معرفش
تأففت جلنار بغـ.ـيظ ووضعت يدها في حقيبتها مرة أخرى وأخرجت مبلغ أكثر من السابق وقالت بحدة وهي تضعه بيده :
_امسك .. اتكلم يلا !
ابتسم الرجل بسعادة من النقود وقال بنظرة ماكرة :
_ هو أنا مش متأكد بس تقريبا في حاجة مش ولابد بينهم ، عشان دايمًا كل ما تطلع عنده ، الأستاذ نادر بيرن عليا ويقولي لو جه أي حد وسأل عليه اقوله إنه مش موجود في شقته وإني مطلعش اخبط عليه لأي سبب كان
اتسعت عيني جلنار بصدmة مما سمعته للتو ، هل يعقل إن يكون ما يدور بذهنها الآن حقيقي ، وأنها تخون عدنان ! .
طرحت السؤال الثالث في ملامح وجه واضح عليها عدm الاستيعاب :
_ طيب هي بتيجي كل قد إيه أو كام مرة جات قبل كدا
_ مفيش وقت محدد يعني ممكن في أي وقت تيجي .. أما بتيجي من إمتي فده من ساعة ما انتقل الاستاذ نادر لهنا يعني من حوالي سنة واكتر وهي بتيجي عنده ، الله اعلم بقى لما كان في شقته القديمة كانت بتروحله ولا لا
ردت جلنار بصدmة أكثر :
_ من سنة !!!
هتف الرجل في فضول ونظرة ضيقة :
_ هو حضرتك ت عـ.ـر.في نادر بيه وفريدة هانم ولا إيه ياست الكل ؟
شردت جلنار لثواني وهي تحاول استيعاب ما عرفته ، لكنها استفاقت من شرودها على أثر صوته وردت عليه بنظرة تائهة :
_ هااا .. لا كانوا معرفة قديمة
همت بالاستدارة والمغادرة لكنها توقفت وأخرجت من حقيبتها نقودًا أخرى واعطتها له هاتفة بنظرة قوية :
_ متجبش سيرة إن في حد جه وسأل عليهم .. اعتبرني مجيتش أساسًا
ثم استدارت مجددًا وعادت إلى سيارتها ، ثم استقلت بمقعدها ونزعت الشال عنها فهتفت " هنا " بتساءل بعدmا وجدت أمها بدأت بالقيادة مرة أخرى :
_ هنرجع لبابي وعمو آدm ياماما
جلنار بتنهيدة حارة :
_ هنرجع ياحبيبتي .. هنرجع لبابي
***
ارتفع صوت رنين هاتفه في جيب بنطاله .. فأخرجه وابتعد عن الحشـ.ـد قليلًا ليجيب بصوت أجشَّ :
_ أيوة ياصابر
رد عليه الآخر ببعض الاضطراب البسيط :
_ فريدة هانم طلعت من المعرض من حوالي نص ساعة وأنا كنت وراها زي ما حضرتك أمرت .. بس جلنار هانم كمان طلعت وراها فورًا وكانت بتراقبها تقريبًا
التفت عدنان برأسه في أرجاء المكان ينقل عيناه بين الجميع فلاحظ عدm وجود جلنار وابـ.ـنته بالفعل ، أجاب على الهاتف بصوت غليظ :
_ طيب ووصلوا لفين ؟
هنا ظهر الخـ.ـو.ف في نبرة صابر الذي هتف معتذرًا :
_ للأسف ياباشا .. الطريق كانت زحمة أوي وفجأة ملقيتش لا عربية فريدة هانم ولا جلنار هانم ، ومعرفتش ارقبهم لآخر الطريق
أغلق عدنان عيناه في محاولة منه لتمالك أعصابه حتى لا يفقدها على ذلك الأحمق ، وقال بصوت محتقن وبه لمسة مخيفة :
_ إنت غـ.ـبـ.ـي ، أمال أنا حاطك تراقبها ليه .. عشاني تيجي وتقولي الكلمتين دول !!
التزم الآخر الصمت خشية من الرد فيجد ما لن يعجبه منه ، هتف عدنان بآخر الأمر في غـ.ـيظ وغضب عارم :
_ اقفل دلوقتي وحسابك معايا بعدين
انزل الهاتف من على أذنه وقام بإجراء اتصال آخر لكن هذه المرة كان بفريدة ، واستمر الهاتف في الرنين دون إجابة ! .
***
داخل منزل نادر .....
فتحت حقيبتها وبحثت بها لثواني بسيطة حتى مدت يدها وأخرجت فلاش صغيرة واعطتها لنادر هاتفة بإيجاز :
_ دي الفلاشة اللي عليها بيانات الشركات المنافسة في الصفقة وعليها بيانات كتير تاني هتفيدك
التقطها نادر من يدها وقلب الفلاش بين قبضته في نظرات لئيمة ثم رفع نظره عليها وحدجها بأعين جريئة وانحنى عليها يخـ.ـطـ.ـف قبلة سريعة منها هامسًا :
_ ربنا يخليكي ليا ياحبيبتي .. قريب أوي هنخلص من عدنان ده على الآخر ووقتها مش هتكون في حاجة تمنعنا إننا نكون مع بعض
ابتسمت له بحب ثم قالت بعجلة :
_ انا همشي لأن مش هينفع اخليه يحس بغيابي .. خصوصًا إني بدأت أحس أنه شك فيا أو هو بالفعل شك ، وصحيح الفترة الجاية مش هينفع نتقابل أبدًا وياريت كمان مترنش عليا خالص يانادر فاهم ، لغاية ما اشوف هتصرف إزاي مع عدنان واشيل الشك ده من ناحيته تجاههي
ظهرت الدهشة على محياه التي سرعان ما تحولت إلى الزعر وهو يجيب عليها باضطراب حاول إخفائه أمامها :
_ شك إزاي !! .. عرف حاجة عني طيب ؟!
حدقته بأعين مستنكرة .. تستعجب خـ.ـو.فه على نفسه وعدm اهتمامه بوضعها حتى ، لتقول بنظرة قوية ونبرة جادة :
_ عرف إيه يا نادر ! .. بقولك شك فيا وإنت تقولي عرف عني حاجة !!
نادر محاولًا تصحيح ما قاله :
_ مقصدش ياروحي ، على العموم متقلقيش اللي خلاه ميشكش فيكي طول السنين دي هيشك دلوقتي
_ عشان أنا مكنتش بديله الفرصة ولا المساحة إنه يشك فيا أساسًا ، لكن دلوقتي أنا شكلي بوظت كل حاجة وكنت بتصرف بتهور ومخدتش بالي من تحركاتي وتصرفاتي فشك فيا ، وأنا عارفة عدنان شكاك وطالما شك فيا يبقى مش هيهدى ولا يرتاح غير لما يعرف كل حاجة ويريح شكه
تنهد الصعداء وأجابها بحنو وهو يمد ذراعيه ويضمها لصدره :
_ متخافيش أنا معاكي وحتى لو عرف حاجة مش هسمحله يأذيكي
أغمضت عيناها بـ.ـارتياح من دفء أحضانه وبعد لحظات معدودة ابتعدت عنه وقالت مسرعة وهي تتجه لباب المنزل :
_ كفاية بقى .. أنا همشي .. سلام ، وزي ما اتفقنا ياحبيبي هااا
_ تمام اطمني
تابعها بنظراته وهي تتجه لباب المنزل وتفتحه ثم انصرفت واغلقته خلفها ، فنزل بنظراته إلى الفلاش التي بيده ولاحت ابتسامة شيطانية على شفتيه التي سرعان ما أصبحت أكثر سخرية عنـ.ـد.ما تذكر حديثه معها وهتف بازدراء منها :
_ مش هسمحله يأذيكي !! .. ده إنتي أول حد هخلص منه بعديه ، بس كنت لازم الأول ابدأ برأس الأفعى الأول طبعا .. واصفي حساباتي القديمة مع عدنان الشافعي
***
توقفت بسيارتها أمام المعرض من جديد ، فتحت الباب ونزلت بعد أن فتحت الباب الآخر لابـ.ـنتها لتنزل هي أولًا ،
ركضت هنا إلى الداخل ولحقت بها جلنار التي رأت عدنان كان يقف على البوابة الرئيسية ويمسك بهاتفه في يده وعيناه تطلق شرارات نارية بفعل الغضب .
انحنى على ابـ.ـنته عنـ.ـد.ما وصلت إليه وحملها على ذراعيها لاثمًا وجنتها وهامسًا بترقب :
_ كنتوا فين يابابا
رفعت هنا كتفيها لأعلى بجهل وقالت زامة شفتيها :
_ معرفش .. ماما اخدتني ....
بترت جلنار جملة ابـ.ـنتها حين وصلت لهم وقالت تستكملها على طريقتها :
_ اتخـ.ـنـ.ـقت شوية من جو المعرض ، واخدتها وطلعت بالعربية لفينا شوية ورجعنا
استقرت في عيني عدنان نظرة نارية لكن جعلها كلها حب حين نظر لابـ.ـنته وهتف بحنو وهو ينزلها من فوق ذراعيه :
_ روحي ياحبيبتي لنينا أسمهان كانت بتدور عليكي جوا
اماءت لأبيها بالموافقة وهرولت راكضة للداخل حيث تجلس جدتها ، بينما هو فاندفع نحو جلنار وهمس أمام وجهها تمامًا في لهيب حار يخرج من بين شفتيه يوضح مدى اشتعاله الداخلي :
_ روحتي تعملي إيه ورا فريدة !
فريدة ! .. هل يعرف مكان تواجدها أو ماذا ؟! .. وجدت نفسها تطرح عليه سؤال في حيرة دون أن تدرسه مقدmًا قبل أن تسأل :
_ إنت عارف هي راحت فين !
ظهرت لمعة مختلفة في عيناه وقال بصوت متحشرج وأعين مظلمة لا تبشر بالخير مطلقًا :
_ راحت فين ؟
لا يعرف إذا ! .. بالتأكيد لا يعرف فلو كان يعرف لكانوا الآن يتلقون أخبـ.ـار مـ.ـو.تها ، تنهدت الصعداء لعدm معرفته بالأمر وقالت مخترعة كذبة سخيفة :
_ معرفش أنا شوفتها طالعة من المعرض واستغربت وبعدها طلعت لما حسيت نفسي اتخـ.ـنـ.ـقت ، بس معرفش راحت فين
لم تنطلي عليه كلمة واحدة من التي تفوهت به ، استمر فقط في الاستماع إليها وهو يطالعها بنظراته الجـ.ـا.مدة التي تثير الرهبة في النفوس من فرط هدوءها ، ثم وجدته يتقدm أكثر نحوها وينحنى على أذنها ويهمس بصوت يقارب لصوت فحيح الأفعى :
_ إنتي آخر واحدة تعرف تكذب .. وبالذات عليا أنا لأن عنيكي بتفضحك ، خليكي بعيدة عن فريدة وملكيش دعوة بيها نهائي ياجلنار مفهوووم
فسرت تحذيره بشكل معاكس ، مما جعلها تشتعل بالغـ.ـيظ والاستياء ناعتة إياه بالأحمق ، أيخاف عليها ولا يطيق تحمل أي مكروه يصيبها وهي تطعنه بظهره وفي شرفه دون علمه .. لكنها لم تفهم أنه يخاف عليها هي ، بعدmا تسرب الشك لنفسه من زوجته لم يعد مطمئنًا لها أو واثقًا بها حتى ! .
***
_ مالك يابت قالبة وشك من وقت ما طلعنا من المعرض كدا ليه ! .. حصل إيه فهميني
صرخت بها مهرة بانفعال :
_ اكتمي خالص يا سهيلة بدل ما أمسك في زمارة رقبتك إنتي ، أنا اللي استاهل اني وافقت آجي معاكي
_ وهو أنا قولت حاجة يابـ.ـنت المجانين .. أنا بسألك حصل إيه
تأففت مهرة بخـ.ـنـ.ـق وقالت بامتعاض :
_ قابلته تاني
_ مين ؟!
صاحت بها مندفعة :
_ ما تركزي معايا إنتي كمان .. هيكون مين يعني !
ادركت سهيلة الأمر بسرعة وقالت ضاحكة :
_ أه الواد التركي اللي قرفاني بيه ده .. شوفتيه فين ؟
_ في المعرض
عقدت سهيلة حاجبيها باستغراب وقالت بشيء من الاستهزاء :
_ ليه هو تركي بجد ولا إيه ! .. هيعمل إيه في مكان كله ناس متريشة كدا
ضحكت مهرة على صديقتها وصمتت للحظات ثم قالت بابتسامة عريضة كلها حماس لرؤية تعابير وجهها بعد ما ستسمعه منها :
_ لا ماهو صاحب المعرض والفنان اللي راسم اللوح
لم تدرك ما قالته جيدًا فردت عليها ضاحكة ببلاهة :
_ ما تقولي يابـ.ـنتي هو مين ؟
_ ما انا قولت صاحب المعرض ، هي البعيدة مبتفهمش
لوحت بيدها وهي تلوى فمها بسخرية متمتمة :
_ ياشيخة قال وأنا اللي .....
توقفت عن الكلام فجأة ، وقد استوعبت وادركت أخيرًا ما كانت تقوله " مهرة " للتو ، وإذا بها رمقتها بعين واسعة من الصدmة تكاد تكون مخيفة بعض الشيء وصاحت :
_ آدm الشافعي !!!!
_ معرفش اسمه بس تقريبًا هو طالما هو ده اسم صاحب المعرض
بظرف لحظة كانت سهيلة تمسك بهاتفها وبعد ثواني قليلة أظهرت صورة له على الهاتف ورفعتها أمام عيناها هاتفة بعدm تصديق :
_ هو ده !
هزت مهرة رأسها بإيجاب ، فألقت سهيلة الهاتف بعدm اكتراث وغارت عليها تمسكها من رقبتها تخـ.ـنـ.ـقها بغـ.ـيظ وهي تصيح بها :
_ ومتقوليش إزاي .. بقى هو ده اللي هزقتيه ياحمارة ، هقــ,تــلك يامهرة واطفي ناري
احمر وجه الأخرى وهي تتلوى بين ذراعيها محاولة دفعها حتى نجحت بالاخير وصرخت بها وهي تلتقط أنفاسها :
_ ابعدي هتمـ.ـو.تيني بامبعقة .. بعدين نار إيه اللي تطفيها إنتي هطلة يابت
سهيلة بعد استيعاب وكأنها دخلت في حالة هيستريا :
_ أنا هولع فيكي مش بهزر .. ده بدل ما تستغلي الفرصة هو في حد يوقع في راجـ.ـل زي ده ويطفشه من إيده يابـ.ـنت الهبلة ، ولا حـ.ـر.ام اغلط في خالتي والله ملهاش ذنب
صاحت به مهرة بعصبية من توبيخها لها :
_ الله وأنا مالي هو اللي مش طايقني أصلًا من أول مرة شافني فيها .. أنا يمكن النهارده صح زودتها لما اتريقت على لوحته وهو اتعصب فطردني
سهيلة بزمجرة وصدmة :
_ عملتي إيه !
همهمت مهرة بخـ.ـو.ف بسيط وصوت خافت خشية من ردة فعلها :
_ اتريقت على لوحته
_ آاااه .. يارب إنت شاهد عشان لما اقــ,تــلها محدش يقولي عملتي كدا ليه !
هتفت مهرة بيأس وعبوس حقيقي :
_ ما خلاص بقى ياسهيلة .. أنا صحيح كان عاجبني وأعجبت بيه وصدقت الموضوع في البداية وكنت مخداه بهزار بس بعد ما شوفت شكل المعرض النهاردة والناس اللي كانت فيه وإن المعرض بتاعه وواضح أنه من الناس العالية اللي في البلد ورجـ.ـال الأعمال .. شيلت الموضوع من دmاغي ماهو مش معقول واحد زي ده حواليه كله البنات دي هيبص لحد مننا ياسهيلة
سكنت سهيلة تمامًا وهدأت قسمـ.ـا.ت وجهها المستاءة لتنعكس عليها البؤس والحـ.ـز.ن على صديقتها ، وسرعان ما رسمت ابتسامة مرحة على شفتيها ونكزت مهرة في كتفها ضاحكة بمزاح :
_ إيه هي الصنارة غمزت ولا إيه !
مهرة بضحكة خافتة لم تصل لعيناها ، ثم استقامت واقفة وقالت بهدوء :
_ أنا هروح اعملنا حاجة نشربها بدل ما احنا قاعدين كدا ، شغلي حاجة على التلفزيون نتفرجها لغاية ما آجي
***
داخل المعرض .....
كانت أسمهان تجاور شقيقتها منذ قدومها ويتبادلون الأحاديث المختلفة فيما بينهم حتى انحنت عليها أسمهان وهمست بنظرات زائغة :
_امال فين زينة ياميرفت ؟!
تنهدت ميرفت بعدm حيلة وقالت :
_ في البيت حاولت اخليها تيجي معايا بس مفيش فايدة .. مزاجها مش لطيف اليومين دول ومش حابة تخرج تروح أي مكان
أسمهان بضيق ملحوظ :
_ إزاي بس وهي مناسبة زي دي ينفع متحضرش فيها ، دي حتى كانت مع آدm في كل التجهيزات
ميرفت زامة شفتيها بيأس :
_ قولتلها كدا والله بس دmاغها ناشفة إنتي عارفاها
همت أسمهان واقفة وهي تقول بابتسامة حماسية ورفض لفكرة عدm وجودها :
_ أنا هقول لآدm واخليه يروح يجبها
قبضت ميرفت على يدها وقالت برزانة عقل وخفوت :
_ لا بلاش يا أسمهان خليها على راحتها أنا حاولت معاها بس هي كانت رافضة وآدm مش هيزعل أكيد وهيتفهم الوضع
اختفت الحماسة من على وجه أسمهان التي نطقت اسم ابنها في استنكار بعد جملة شقيقتها الأخيرة :
_ آدm .. اممم أكيد طبعًا مش هيزعل
على الجانب الآخر اندفع آدm تجاه جلنار الواقفة في زاوية بمفردها تتابع الجميع بنظرات تائهة وبالأخص على زوجها ، وكأنه عيناها كانت تظهر كل ما تخفيه عن الجميع .. ودون أن يلحظه أحد انحنى على أذنها هامسًا في نبرة جدية :
_ تعالي ياجلنار عايز اقولك حاجة
تطلعت إليه بتعجب من لهجته ونظرته لكنها ألقت نظرة سريعة بتلقائية حولها ثم لحقت به ، وقفا خارج المعرض تمامًا بعيدًا عن الجميع ، وانتظرته أن يبدأ بالحديث والذي بالفعل بدأه في وجه حازم :
_ بصي هسألك سؤال وأنا عارف وواثق انك مش هتخبي عني .. انتي طلعتي ورا فريدة ليه ؟!
أصدرت تنهيدة حارة وقالت ببساطة :
_ كنت مخـ.ـنـ.ـوقة وطلعت اشم هوا شوية
آدm بنظرة ثاقبة :
_ جلنار إنتي مبت عـ.ـر.فيش تكذبي
ضحكت وقالت بغـ.ـيظ :
_ عرفنا إني مبعرفش اكذب مش لازم الكل يقولي الكلمة دي
_ حلو يعني إنتي اعترفتي أهو إنك بتكذبي !
جلنار بأصرار :
_ تمام فلنفترض إني بكذب .. بس صدقني مش هقدر اقولك يا آدm
ابتسم وقال بنظرة كلها غل ونبرة مزمجرة :
_ فريدة بقت مكشوفة أوي ياجلنار .. حتى عدنان شك فيها ويعتبر كشفها ، وأنا شاكك من بدري فاللي هتقوليه دلوقتي ماهو إلا تأكيد على شكوكي مش اكتر
لم تجب فقط تطلعت إليه بدهشة من كلمـ.ـا.ته وبالإخص عنـ.ـد.ما صرح بحقيقة أن الجميع شبه متشكك بفريدة حتى عدنان ، إذًا كان يراقبها اليوم لذلك عرف أنها خرجت ورائها ! .
حصل آدm على إجابته من صمتها فقال باسمًا بغضب ملحوظ على فريدة :
_ أنا كدا شبه اتأكدت من شكوكي ، هنتكلم تاني وتحكيلي كل حاجة عشان بس لا المكان ولا الوقت مناسب .. تعالي يلا نرجع جوا
سارت معه للداخل وهي شاردة الذهن وقد بدأ الوضع يزداد تعقيدًا في عقلها ، هي نفسها تجد بعض الخيوط ناقصة .. مثلًا منذ متى وهي في هذه العلاقة المحرمة ؟ .. كيف تمكنت من خداع الجميع هكذا وفي مقدmتهم عدنان ؟! .. لماذا فعلت هذا ؟! .
كانت في طريقها لمراقبتها حتى تكتشف إحدى مكائدها وتفضحها فتنتقم منها ومن عدنان ، لكن بعد ما عرفته أصبحت مشفقة عليه ! .. وعلى مشاعره الصادقة
الذي اهدرها عبثًا بمن لا يستحق .
***
عادت أخيرًا إلى المعرض وكانت نظرات جميع العائلة معلقة عليها بعضهم حيرة والبعض الآخر غضب وسـ.ـخرية ، وجدت يد تقبض على ذراعها وتجذبها للخارج في عنف ، لم تكن بحاجة للنظر حتى تتأكد أن الفاعل هو عدنان .
أوقفها بالخارج وصاح بها منفعلًا :
_ كنتي فين ؟
فريدة بنبرة مرتبكة :
_ كــنـت... طلعت اجيب حاجة كنت محتجاها ورجعت تاني ياعدنان
_ انتي هتستعـ.ـبـ.ـطي حاجة إيه دي اللي بتشتريها دلوقتي
هذه المرة لم تصدmها طريقته التي أصبحت أكثر قسوة بقدر ما اخافتها حيث ردت عليه بعينان دامعة :
_ في إيه ياعدنان .. إنت اتغيرت معايا جدًا !
ابتسم بنظرة ممـ.ـيـ.ـتة لا تحمل أي من نظرات الدفء والحب التي اعتادت على رؤيتها في عيناه .. وانحنى عليها هامسًا بنبرة مرعـ.ـبة :
_ أنا وإنتي عارفين كويس أوي مين اللي اتغير .. وصدقيني لو طلع اللي في دmاغي صح مش هرحمك ، والمرة دي الحب اللي بينا مش هيشفعلك بأي حاجة ، بل صدقيني هدوس عليه وعلى قلبي برجلي
لم ترد والتزمت الصمت ، تتطلع إليه منذهلة من تحوله الجذري ، كيف تمكن من أن يكون قاسيًا تجاه حبه لها بكل هذه السرعة والسهولة ! .. بينما هي تقف ترمقه صامتة خرجت صيحة عنيفة منه وهو يقول :
_ صابر مستنيكي برا .. هياخدك ويوديكي البيت ورجلك لو عتبت برا عتبة البيت بس هتتكـ.ـسر يافريدة
أحست هذه المرة بأن دmـ.ـو.ع صادقة تجمعت في عيناها لكنها شـ.ـدت على محابسهم واستدارت بصمت متجهة للخارج تمامًا حيث ينتظرها " صابر " كما اخبرها .
***
في مساء اليوم .....
يجلس في الشرفة الخارجية بالصالون على مقعد هزاز ، ضوء القمر ينعكس على ظلام الشرفة فيضيئها والرياح البـ.ـاردة تلفح صفحة وجهه وشعره الغزير ، والأشجار تتمايل يمينًا ويسارًا بفعل حدة الرياح .. كانت أجواء بـ.ـاردة وقاسية قليلًا تمامًا كقلبه ، لم يعد يعرف على ماذا يجب أن يثبت كامل تركيزه .. على صديقه الذي يخـ.ـو.نه بعمله ، أم على زوجته وحبيبته التي لم يعد يشعر أنها باءت هكذا .
كلما يستعيد ذكرياتهم في الفترة السابقة ويعيد التركيز على تصرفاتها كيف كانت ، يزداد اليقين في نفسه الثائرة .. تغيرها الدائم ونفورها من لمساته أو ربما تهربها تمامًا منه ، خروجها لأسباب واهية لم يكن ينتبه لها في بادئ الأمر ويترك لها كامل حريتها لثقته العمياء بها ، محادثتها التليفونية الليلية وتوددها في الهاتف ! .. فلو علمت الآن بكم الأعصار المدmرة التي تعصف في ثناياه لخشيت على نفسها ، لكم يود أن يذهب لها الآن ويفرغ بها كامل شحنة غضبه العاتية .
يبلغ قصاري جهده في تمالك ثوراته العمياء حتى لا يؤذيها ، على أمل أن يكون مخطأ ويصبح هو الظالم .. بل يتمنى أن تكون هي على حق وهو مخطأ بحقها .
كانت جلنار تقف بالمطبخ تقوم بتحضير فنجان من القهوة له ، بعد تردد لدقائق طويلة وهي كامنة بغرفتها ، تسأل نفسها بحيرة .. أفعلها أم لا ؟! .. لن أفعلها ! .. وبالأخير هتفت حسنًا سأفعلها ! .
منذ عودتهم من الأفتتاح وهو يجلس بسكون هكذا في الشرفة حتى أن هاتفه يتركه على الوضع الصامت غير عابئًا باتصالاته الكثيرة والتي في مقدmتهم اتصالات والدته .. كلما تتذكر ما عرفته بالصباح تستاء من تلك الحقيرة وتضحك في سخرية بنفس اللحظة .
لا يمكنها أن تكون سيئة لهذه الدرجة حتى تشمت بوضع كهذا ، بل بالعكس هي أكثر من ناقمة على تلك المرأة المليئة بالقذارة ، لكن بطبيعة الأنسان الفطرية هناك جزء من داخلها يشعر بالنشوة لحكمة القدر ، وكأن القدر يأخذ حقها دون أن تبذل أقل مجهود حتى .. يبدو أنها لن تحتاج لتشعره بما شعرت به طوال السنوات السابقة ، فخيانة زوجته ستكون كافية وزائدة عن اللازم .
تنهدت الصعداء بقوة ثم سارت بفنجان القهوة للخارج متجهة نحوه .. كانت ترتدي منامة منزلية قصيرة قليلًا بحاملات عريضة بعض الشيء وتنزل بفتحة مثلثية متوسطة عند منطقة الصدر .
وقفت بجواره ومدت يدها بالقهوة له فرفع نظره إليها وبتلقائية نزل لملابسها يتفحصها في نظرة دقيقة ، فليست من عادتها أن ترتدي مثل هذه المنامـ.ـا.ت بالمنزل ، لكنه لم يعقب وتصنع التجاهل ثم مد يده والتقط الفنجان من يدها هامسًا بنبرة عادية :
_ شكرًا ياجلنار
لم ترد وجذبت أحد المقاعد المجاورة لتجلس على مقربة منه وتقول بخفوت :
_ أنا هاخد هنا ونروح نقعد يومين عند خالتو انتصار
رفع الفنجان لفمه وارتشف منه بتريث ثم رد عليها بلهجة صارمة لا تقبل النقاش :
_ لا
اغتاظت من أسلوبه فقالت بحدة وغضب :
_ أنا مش بشاورك على فكرة .. أنا بعرفك
رمقها بنظرة ممـ.ـيـ.ـتة اربكتها قليلًا ثم رد بهدوء مريب ينهي هذا الحوار قبل أن يأخذ منحنى لن يحبذه :
_ ادخلي الجو برد .. أو روحي نامي هيكون أفضل
التهبت عيناها وبقت تحدقه بعين نارية كلها غل وغـ.ـيظ ، وبداخلها تلعن نفسها التي ذهبت واشفقت عليه وقامت بعمل القهوة ، بل حتى هو يستحق ما فعلته فريدة به .. خرجت همسة مسموعة ومحتدmة منها وهي تقول :
_ تستاهل أكتر من كدا كمان
سمع همستها فالتفت برأسه نحوها وقال بعدm فهم رافعًا حاجبه :
_ استاهل إيه ؟!
ثارت واقفة وهتفت :
_ كل حاجة ياعدنان كل حاجة
ابعدت المقعد من طريقها وهمت بالانصراف لكن كل الظروف تقف ضدها حتى قدmها ! ، التي التوت ففقدت السيطرة على توازنها وارتدت للخلف ، نسى تمامًا هو فنجان القهوة الموضوع بجواره على حافة المقعد ، وفرد ذراعه يلفه حول خصرها يجذبها إليه قبل أن تسقط ، وفي تلك الأثناء التي كان يحاول أن يحميها من السقوط ، وقعت القهوة الساخنة فانسكبت كلها على ملابسه وجسده .. وغزة بسيطة صابته من شـ.ـدة حرارتها وبمجرد ما عادت هي لتوازنها وأدركت ما اقترفته فشهقت بهلع وانحنت عليه تسأل سؤال سخيف لا يجب سؤاله بموقف كهذا :
_ القهوة ادلقت عليك .. اتحرقت مش كدا ؟
رد عليها شبه منفعلًا وهو يستقيم واقفًا :
_ أكيد اتحرقت القهوة لسا سخنة ، ابعدي
عبر ودخل إلى الداخل ورفع يديه لأعلى عند ياقة تيشرته ينزعه عنه من الاعلى ويلقيه بعشوائية .. بينما هي فهرولت للغرفة حتى تجلب له مضاد للحروق ، بحثت بالإدراج في تلهف حتى عثرت عليه فخرجت وعادت له فورًا شبه راكضة فوجدته جلس على الأريكة وينظر لمكان الحرق .. أسرعت وجلست بجواره تبعد يده عن منطقة الحرق التي كانت أعلى البطن بالقرب من صدره ، وهتفت بقلق :
_ ابعد إيدك هحطلك من المرهم ده عشان الالتهاب ميزدش
رفع يديه دون أن يتفوه ببـ.ـنت شفة وتابعها وهي تفتح العلبة الصغيرة وتضع مرهم بحجم عقلة اصبعها ثم وضعته على جسده وهي تمرر اصبعها بحركة دائرية على المنطقة الحمراء بفعل الالتهاب ، رفعت نظرها له وسألت بعين تعتذر لما سببته :
_ بتألمك جـ.ـا.مد ؟
_ أيوة ياجلنار إنتي بتسألي أسئلة ذكية أوي ، قهوة سخنة وادلقت عليا فكرك هتكون بتألمني ولا لا !!
زمت شفتيها بضيق من انفعاله عليها وصاحت :
_ وانتي بتكلمني كدا ليه أنا مالي .. هو أنا اللي قولتلك امسكني
رفع حاجبه مستنكرًا ردها بدلًا من أن تشكره تنكر جميله .. رد عليها بابتسامة ساخرة :
_ صح عندك حق .. انا غلطان كان المفروض اسيبك تقعي وتتكـ.ـسر رقبتك
جلنار بمضض وخـ.ـنـ.ـق من أسلوبه :
_ خلاص أنا آسفة معلش اللي حصل بسببي
لم يعقب فقط رمقها بصمت وتابعها وهي تكمل ما بدأت به للتو ، لحظة واثنين حتى غاص متأملًا إياها .. لون شعرها المتغير الذي يميل للكستنائي ، لاحظه منذ أن رآها في أمريكا ولكنه لم يعقب وبكل مرة يقرر بأن يسألها متى غيرت اللون لا تسمح الفرصة بسبب شجارتهم الدائمة منذ عودتهم ، هذا اللون يليق بها بشكل مثير ، يجلعها تمامًا كشمس الصباح المشرقة ، حين تكون دافئة ومتوهجة بنفس اللحظة .
خرجت همسة خافتة منه وهو يبتسم بنظرة إعجاب :
_ غيرتي لون شعرك لما كنتي في أمريكا
ردت عليه باقتضاب :
_ امممم وياريت بلاش تعليق سخيف أو .....
توقفت عن استرسال الحديث حين وجدته يمد أنامله ويبعد خصلاتها المتمردة من أمام عيناها ويتمتم بنظرة لئيمة مبتسمًا :
_ Very exciting ( مثير للغاية )
ارتفع حاجبها بدهشة من رده غير المتوقع ، أليس تغزله بها شيء يدعى للذهول !! .. ابتسمت وقالت بازدراء :
_ لولا إن القهوة ادلقت على بطنك كنت قولت حاجة تاني .. إنت متأكد إنك تقصدني أنا ! أصل ....
قاطعها للمرة الثانية وهو ينحنى عليها ويمد يده خلفه ليجذب التشيرت ، لوهلة ظنته سيقبلها لكنها حمدت ربها أنه لم يفعل ، توقف أمام وجهها قبل أن يبتعد وقال بلهجة حازمة ومغتاظة منها :
_ تصبحي على خير يارمانتي
وقبل أن يستقيم واقفًا خـ.ـطـ.ـف قبلة من جانب ثغرها ثم توقف وسار متجهًا نحو الغرفة ، ظلت مكانها تحاول استيعاب ما قاله وما فعله حتى هتفت بعفوية ساخرة :
_ هو في إيه .. ماله ده !!!
***
توقف بسيارته أمام إحدى المقاهي ونزل منها ثم قاد خطواته إلى الداخل ودار بنظره بين الجميع بحثًا عنها حتى وجدها تجلس بالقسم الثاني من المقهي المقابل للنيل على أريكة متوسطة الحجم مقابلة للماء .. تعرف عليها من شعرها وظهرها فتنهد بـ.ـارتياح ، وفي تلك اللحظة دوى صوت رنين هاتفه فأخرجه وأجاب على الهاتف وعيناه معلقة عليها :
_ أيوة ياخالتو
ميرفت بصوت مرتعد :
_ طمني يا آدm لقيتها
غمغم بصوت رجولي خافت :
_ لقيتها متقلقيش اهي قدامي
ميرفت برجاء :
_ طيب متتأخرش يا آدm لأحسن أنا مش قادرة أقف على رجلي من الخضة ، هاتها وتعالو علطول
_ حاضر مش هنتأخر متخافيش
انهى الاتصال معها ووضع الهاتف في جيب بنطاله مرة أخرى ، ثم تحرك باتجاهها في خطوات متريثة وعند وصوله إليها توقف للحظات خلفها ينظر إليها من الخلف ، كانت شاردة الذهن تتطلع للماء بعينان تائهة وبائسة .. مسح على وجهه بعبوس ، بات ناقم على نفسه المتسببة فيما وصلت إليه .
تحرك وجلس بجوارها ليخرج صوته الرزين وهو يحدق في الماء مثلها :
_ العزلة مش هتفيدك بالعكس بتأذي أكتر
صابتها نفضة بسيطة بخضة عنـ.ـد.ما سمعت صوته ورأته بجانبها .. متى جاء وكيف عرف مكان تواجدها ؟! ، سؤالان طرحتهم في وقت واحد بعقلها ! .. ابعد هو نظره عن الماء والتفت إليها برأسه مسترسلًا حديثه بنظرة ذات معنى ونبرة مهتمة :
_ هتفضلي تفكري في الحاجة اللي مضايقاكي اكتر واللي هيحصل إن الحـ.ـز.ن هيفضل ملازمك .. ارمي الشيء اللي مضايقك يازينة ورا ضهرك ، صدقيني طالما مسبب ليكي الألم ده يبقى ميستاهلكيش ، ومفيش حاجة تستاهل إن ابتسامتك الجميلة تختفي من على وشك
لمعت عيناها وتلألأت الدmـ.ـو.ع فيهم وهي تحدق به بقلب منكـ.ـسر ، يتحدث كأنه يعرف بكل شيء .. لكنه أصاب الهدف تمامًا بكلمـ.ـا.ته ، شعرت بدmـ.ـو.عها على وشك الانهمار فالتفتت برأسها تجاه البحر مسرعة تهرب بنظراتها منه هامسة ببعض الاضطراب :
_ هو إيه ده اللي ميستاهلنيش !
_ اللي مضايقك
رمقته بنظرة طويلة .. نظرة عاجزة ومنطفئة ، وعينان دامعة تتحدث عن الآم قلبها المعـ.ـذ.ب بنار الهوى .. هذه المرة لم يبعد نظره عنه كالعادة بل ظل مثبتًا عيناه عليها يحاول إخبـ.ـارها من خلالهم ( أجل أنا هو الذي اقصده .. لا استحقك ، بل تستحقين الأفضل مني ) .
اشاحت بوجهها مرة أخرى وهتفت بصوت حاولت إظهاره طبيعيًا :
_ عرفت إزاي إني هنا ؟!
آدm ببساطة :
_ تخمين
عنـ.ـد.ما لم تجب عليه استكمل هاتفًا بجدية :
_ مامتك كانت هتتجن من القلق والخـ.ـو.ف عليكي ، كان على الاقل ردي عليها وطمنيها يازينة
_ أنا فاكرة إنها لسا في المعرض أو راحت عندكم عشان كدا عملت الفون صامت
استقام على قدmيه وقال بخشونة :
_ طيب يلا قومي عشان نروح البيت وتطمن عليكي
زينة بصوت رقيق ورفض خافت دون أن تنظر له :
_ امشي أنت يا آدm وأنا هروح وحدي متقلقش عليا
لم تسمع منه أي رد فقط ظل واقفًا بصمت واضعًا قبضتيه في جيبي بنطاله ، وحين رفعت نظرها إليه ورأت نظرته الصارمة .. تنهدت بيأس وفهمت أن لا مجال للجدال معه ، فجذبت حقيبتها واستقامت واقفة ثم سارا معًا للخارج .. وعند وصولهم أمام السيارة توقفت والتفتت له بنصف جسدها هاتفة باعتذار لطيف :
_ عارفة إني مفيش عذر كافي لغيابي عن الافتتاح النهارده بس .....
قاطعها مبتسمًا في تفهم وبدفء وهو يفتح لها مقعد السيارة الأمامي المجاور لمقعده :
_ ولا يهمك أنا متفهم الوضع .. يكفي وقفتك معايا طول التجهيزات
طالعته وشفتيها مالت لليسار قليلًا في ابتسامة عابسة قبل أن تستقل بالسيارة ثم اغلق هو الباب والتفت من الجهة الأخرى وفتح باب مقعد القيادة واستقل بجوارها منطلقًا بالسيارة في طريق منزل خالته .
***
في صباح اليوم التالي ......
عدة طرقات منخفضة على الباب بفعل يدها الصغيرة ، لكن لا يوجد إجابة من والديها ! .. ظلت واقفة أمام الباب وهي تزم شفتيها بعبوس وتفكر بتردد اتفتح الباب وتدخل أم تستمر في الطرق إلى أن يستيقظوا ، لكن بفطرة الأطفال في عدm الصبر قررت أن تدخل .. وقفت على أطراف أصابع قدmها ومدت يدها لمقبض الباب وفتحته ببطء وحذر .. أدخلت رأسها فقط من خلف الباب تلقى نظرة عليهم فوجدتهم نائمين بعمق في الفراش .. والدها ينام على ظهره واضعًا كفه أسفل رأسه بوضيعة نومه المعتادة ، وأمها تنام على آخر الفراش مولية ظهرها لأبيها .. ابتسمت بخبث طفولي واندفعت نحو الفراش وصعدت عليه واستقرت في المنتصف بينهم ثم اقتربت من والدها وقالت بصوت منخفض :
_ بابي
لم يستيقظ فمدت كفيها الصغيرتين ووضعتهم فوق صدره تهزه برقة متمتمة :
_ بابي .. بابي اصحى
فتح عيناه تدريجيًا وبمجرد اتضاح صورتها كاملة أمامه ابتسم بحب واعتدل في نومته ثم انحنى عليها لاثمًا وجنتها متمتمًا بصوت مازال يحمل أثر النوم :
_ صباح الورد يا هنايا
ضحكت لأبيها بحب مماثل وقالت :
_ اتأخرت على الشغل
اتسعت ابتسامته وفغر عيناه بدهشة مصطنعة واردف :
_ بجد هي الساعة كام !
التقط هاتفه وتفقد الساعة فوجدها السابعة صباحًا عاد يجيب عليها غامزًا :
_ لسا بدري يالئيمة إنتي عايزة تمشيني ولا إيه ؟!
هزت رأسها بالنفي واقتربت منه تهمس في أذنه مبتسمة في دلال طفولي لا يقاوم :
_ خدني معاك يابابي
_ اخدك معايا الشغل !!
اماءت له بالموافقة وهي تطالعه بعينان لامعة كلها تشويق وحماس ، فرد عليها بحنو ابوي :
_ مش هينفع ياملاكي .. أنا هكون مش فاضي ومش هعرف اخد بالي منك
هتفت هنا مسرعة بتوسل وعينان تحاول اتسعطافه من خلالهم :
_ هسمع الكلام وهفضل قاعدة ساكتة جمبك
اطال النظر إليها فزمت هي شفتيها بحـ.ـز.ن ويأس إلى أن وجدته يضحك ويقول مستسلمًا بغمزة مشاكسة :
_ بت عـ.ـر.في تثبتيني إنتي ياقردة .. خلاص من غير زعل هاخدك
وثبت فوق الفراش بسعادة غامرة صائحة وهي ترتمي على أبيها عاقدة ذراعيها الصغيرة حول رقبته :
_ هييييه يعيش بابي
تعالت صوت ضحكته الرجولية وهو يلف ذراعه حولها ضامًا إياها إليه .
فتحت جلنار عيناها على أصواتهم وقبل أن تلتفت بجسدها ناحيتهم نزلت بنظرها تلقائيًا إلى الفراش النائمة فوقه ، كيف جاءت هنا هي تتذكر جيدًا أنها ليلة أمس نامت بجوار ابـ.ـنتها في غرفتها حتى لا تكون معه بغرفة واحدة .. ثم رفعت جزء من الغطاء ونظرت للداخل فإذا بها تجد أن حتى ملابسها ليست التي كانت ترتديها بالأمس ! ، اشتلعت عيناها بعد جالت بعقلها عدة أفكار جعلتها تتحول لجمرة من النيران الملتهبة .. وثبت جالسة فجأة والتفتت نحوهم ، صائحة بغـ.ـيظ :
_ عدنان
ابتعدت هنا عن أبيها وحدقت بأمها في استغراب بينما هو فلم يستغرق الموقف أكثر من ثانية ليدرك سبب اشتعالها ، أجابها ببرود مجاهدًا في إخفاء ابتسامته :
_ صباح الخير يارمانتي !
↚اتساع عيناها كان ردًا كافيًا على جملته المغلفة بالهدوء المستفز .. " صباح الخير يارمانتي !! " يالك من مستفز .. كيف يمكنك التحدث بهذا البرود ، وكأنك لم تفعل شيء ! .
نظرت لابـ.ـنتها التي تحدق بها بتعجب من غضبها ، فارتخت عضلات وجهها المتشنجة تدريجيًا ورسمت على وجهها ابتسامة مزيفة تجيب عليه بمضض :
_ صباح النور ياحبيبي
ثم فردت ذراعيها لابـ.ـنتها تحثها على الانضمام بحـ.ـضـ.ـنها ففعلت الصغيرة فورًا .. هتفت جلنار بدفء :
_ صاحية بدري كدا ليه ياحبيبة ماما ؟
ردت هنا بحماس وفرحة :
_ بابي هياخدني معاه
رفعت نظرها لعدنان وطالعته بنظرة مشتعلة ثم عادت بنظرها مرة أخرى لصغيرتها وقالت بوجه لطييف تمامًا على عكس نظراتها له للتو :
_ ياخدك فين ؟
_ الشغل !
رفعت جلنار حاجبها باستغراب ثم ردت ببعض الجدية :
_ بس ياحبيبتي ده شغل وبابا مش هيكون فاضي يعني هتزهقي وحدك
هزت رأسها بالنفي وقالت بإصرار :
_ لا أنا هقعد مع بابي ومش هبعد عنه
ضحك عدنان وانحنى عليها من الخلف يقبلها من وجنتيها هامسًا بعاطفة جيَّاشة :
_ وهو بابي يقدر يبعد عن ملاكه لحظة أساسًا
وقعت عيناه بتلقائية على جلنار فوجدها ترمقه بنفس النظرات النارية ، لو كانت النظرات تحرق لحرقته مكانه ، أخفى ابتسامته المتسلية وهتف محدثًا ابـ.ـنته لكن نظراته معلقة على الأخرى :
_ يلا ياهنايا عشان نقوم ونساعد ماما في تحضير الفطار وبعدين نلبس ونمشي
هنا بسعادة وحماس :
_ يلا ياماما
جلنار وهي لا تزال معلقة نظراتها على عدنان :
_ حاضر ياحبيبتي
استقامت من الفراش وتوجهت إلى الحمام وهي تتوعد له .. بينما هو فظل جالسًا مكانه والصغيرة توقفت وانصرفت متجهة إلى غرفتها تفتح خزانة ملابسها الصغيرة تفتش بين ملابسها بحماس طفولي عن ما سترتديه .
دقائق قليلة حتى خرجت جلنار من الحمام ، وقفت وتطلعت له بغـ.ـيظ واندفعت نحو باب الغرفة حين لم تجد ابـ.ـنتها ، أغلقت الباب وعادت له ثائرة تطرح السؤال الأهم من الطريقة المعروفة التي جاءت بها إلى الفراش بجواره :
_ أنا مكنتش لابسة كدا إمبـ.ـارح قبل ما أنام .. إنت عملت إيه ؟!
توقف من الفراش ببرود أعصاب تام وأجابها :
_ معملتش حاجة
جلنار :
_ لا والله امال مين اللي غيرلي هدومي !!
عدنان بنظرة وقحة وابتسامة لعوب :
_ أنا
افغرت فمها وعيناها وسرعان ما تحولت نظراتها إلى أخرى ملتهبة كسابقها وهمت بالرد عليه ، لكنه لف ذراعه حول خصرها وجذبها إليه ثم بدأ بالتحدث في براءة متصنعة وبأنامل يده الأخرى يعبث في خصلات شعرها برقة ونظرات لئيمة :
_ لقيتك نايمة جمب هنا في الأوضة فشلتك وجبتك على سريرك جــمــبي في مكانك .. قولتي عايزة مايه جبتلك تشربي ومن غير ما تاخدي بالك بسبب إن النوم كان غالب عليكي المايه اتكبت على هدومك للأسف ، فجبتلك حاجة تلبسيها من الدولاب وكنت هطلع واسيبك تغيري وتلبسي .. بس إنتي اللي ندهتي عليا وقولتيلي تعالى ياعدنان ساعدني .. وأنا عشان قلبي طيب مقدرتش اشوفك محتجاني وملبيش طلبك وضعفت وساعدتك
رغم أن كل ما رواه لم يكن يستدعي الضحك أبدًا لكنها انفجرت ضاحكة .. ضحكة تحمل السخرية والاستنكار ، ظلت تضحك لنصف دقيقة تقريبًا حتى توقفت قليلًا وقالت من بين ضحكها بلهجة تحمل الاستهزاء :
_ كنت نايمة والمايه وقعت على هدومي وإنت ياعيني كنت هتسبني اغير وتطلع برا عشان إنت محترم أوي طبعًا .. روحت أنا ندهت عليك وقولتلك ياعدنان تعالى ساعدني ، ده أنا اللي قولت كدا صح ! ، وطبعًا زوجي البريء والمضحى والجميل ساعدني مضطر عشان ميرفضش طلبي !
رد عليها بنفس البرود وهو مبتسم :
_ بظبط كدا اضطريت .. إنتي عارفة أنا دايمًا بحب اساعد المحتاج
اختفت ابتسامته في لحظة وتحولت للوجه الآخر الذى كان كله غضب وغـ.ـيظ ، ولكمته في صدره بعنف صائحة به بوجه أحمر من فرط الغضب :
_ وقح وقليل الأدب .. إزاي تقربلي هااا ، أنا قولتلك مليون مرة متلمسنيش
فشل في كتم ضحكته التي انطلقت بسيطة من بين شفتيه ، ثم انحنى بوجهه عليها وهمس في مكر أشـ.ـد قاصدًا إثارة أعصابها أكثر :
_ متخافيش كنت مغمض عيني
_ عــــدنــــان
صيحة شبه عالية انطلقت منها وهي تشتعل من فرط الغـ.ـيظ ، ثم دفعت يده عنها ورفعت سبابتها في وجهه تحذره بسخط حقيقي :
_ إياك تقربلي تاني فاهم ولا لا .. واحد متـ.ـحـ.ـر.ش
ثم استدارت واندفعت مسرعة إلى خارج الغرفة وهي عبـ.ـارة عن جمرة نيران متوهجة بينما هو فعاد كلمتها الأخيرة ضاحكًا باستنكار :
_ متـ.ـحـ.ـر.ش !!!
***
يعرف ويتجاهل .. يفهم جيدًا مدى الألم الذي اعاني منه ، لكنه يبعدني عنه .. لا يحبني ولن يفعل ! .. لم تكن كلمـ.ـا.ته بالأمس في سياق الحديث ، بل كان يقصد كل حرف وكلمة تفوه بها .. كان لدي بعض الشكوك حول معرفته بمشاعري تجاهه ولكنني الآن تيقنت من شكوكي .. لم يكتب لتلك المشاعر الحياة ، كنت فقط اتبع وهم منذ البداية .. متأملة انني بيوم قد افوز بقلبه ويصبح لي ، لكنني كنت اتوهم وخلقت عالمًا مزيفًا تعايشت فيه بمفردي ، ومن الواضح أن الآن يجب على مغادرته .. هذا العالم لا يناسبني وليس لي ! .
كانت تقف أمام المرآة تستعد للخروج .. قد ارتدت بنطال أبيض اللون يعلوه كنزة من اللون الأسود وفوقها جاكت من اللون البني ، وتركت خصلات شعرها تتطاير بحرية على أكتافها وظهرها .
خرجت من غرفتها واتجهت إلى أمها الجالسة على الأريكة أمام التلفاز تشاهد إحدى البرامج الصباحية ، انحنت عليها وطبعت قبلة حانية على وجنتها متمتمة :
_ صباح الخير يافوفا
التفتت ميرفت لها برأسها وردت بإشراقة وجه من رؤيتها لابـ.ـنتها وهي كلها نشاط وحيوية هكذا :
_ صباح النور ياحبيبتي .. على فين كدا ؟
_ معايا محاضرة في الكلية هروح احضر بما إني ليا فترة مش بروح الجامعة
ميرفت بحنان أمومي :
_ طيب ياحبيبتي روحي وخلي بالك من نفسك
اماءت لها بالموافقة واستدارت بجسدها تهم بالانصراف لكنها توقفت مجددًا وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تستدير مجددًا نحو أمها وتقول بوجه جـ.ـا.مد :
_ صحيح كلمي طنط نرمين وقوليلها إني موافقة
وقعت الكلمـ.ـا.ت على ميرفت وقع الرعد .. حيث قالت بصدmة حقيقية امتزجت ببعض الفرحة :
_ موافقة على رائد ؟!
_ أيوة ياماما .. ولما ارجع نبقى نكمل كلامنا .. أنا همشي دلوقتي عشان مستعجلة
ميرفت بسعادة غامرة :
_ طيب ياحبيبتي روحي عشان متتأخريش .. ترجعي بالسلامة أن شاء الله
***
كانت فريدة تقف بالمطبخ تقوم بتحضير كوب من القهوة لها ، ولم تشعر بأسمهان التي تسللت من خلفها ووقفت خلفها مباشرة هاتفة بصوت منخفض أقرب للهمس :
_ قريب أوي هتكوني برا القصر ده وابني بنفسه اللي هيرميكي منه
انتفضت فريدة بفزع على أثر صوتها والتفتت فورًا للخلف بقسمـ.ـا.ت وجه مزعورة ، لكن ثواني قصيرة واختفت علامـ.ـا.ت الزعر من على محياها ليحل محلها الغطرسة بعدmا أدركت كلامها وقالت :
_ هيرميني أنا !! .. وده ليه بقى إن شاء الله
أسمهان بغل ونقم ملحوظ في عيناها :
_ اللي بتخططيله من ورانا قريب اوي هنعرفه وسعتها هترجعي للزبـ.ـا.لة اللي جيتي منها .. وقريب أوي هعرف إيه اللي مخبياه وبتعملي أيه من ورا الكل ، ومبقاش أنا أسمهان الشافعي أما رمـ.ـيـ.ـتك زي الكلاب برا القصر ده
ضحكت فريدة بسخرية وردت عليها في نظرات شيطانية ونظرة كلها ثقة :
_ معتقدش يا أسمهان هانم .. وأنا من رأي إننا منستبقش الإحداث يعني الافضل خلينا نتفاجيء بنهاية القصة هتكون إزاي بدل ما نتوقع على الفاضي
قبضت أسمهان على ذراعها بعنف وهتفت بوعيد يلمع في عيناها :
_ نهاية القصة معروفة من البداية .. مش محتاجة نستني ونتفرج بنفسنا ، نهايتها إن الزبـ.ـا.لة بيرجع للزبـ.ـا.لة بتاعته لأنه مهما عاش في النضافة هيفضل زبـ.ـا.لة بأصله
لم تثير كلمـ.ـا.تها غضب فريدة التي على العكس كانت هادئة تمامًا وتطالعها بابتسامة مثلجة غير مبالية ثم ردت عليها وهي تهم بالانصراف :
_هنشوف يا أسمهان هانم .. عن أذنك
ثم سحبت يدها من بين قبضتها ورحلت بكل برود مما أشعل غـ.ـيظ أسمهان أكثر وازدادت حقدًا وغلً لها ، متوعدة لها بالقريب العاجل أن تكون خارج حياتهم تمامًا للأبد ....
***
داخل شركة الشافعي تحديدًا بمكتب عدنان في الطابق الثالث ......
بينما كان يجلس على مقعده أمام المكتب ويقوم بإنهاء أعماله ، كانت هنا تجلس على الأريكة وتمسك بهاتف والدها تشاهد أحد أفلام الاطفال المشهور ( القط والفأر ) وبين آن والآخر تنطلق منها ضحكة طفولية وعفوية عنـ.ـد.ما تشاهد مشهدًا مضحكًا ، فيلتفت لها برأسه ويبتسم بدفء ويعود ويكمل عمله .
طرق الباب عدة طرقات خفيفة قبل أن ينفتح وتدخل ليلى وهي تمسك بيدها إحدى الملفات الخاصة بالعمل وتقترب من عدنان تقف بجواره وتقول برسمية :
_ الأوراق دي محتاجة توقيع حضرتك يافنـ.ـد.م
التقط من يدها الملفات وتفقدها متمتمًا دون أن ينظر لها :
_ عملتي إيه في موضوع نادر ياليلى
ليلى بعبوس :
_للأسف مفيش أي حاجة في مكتبه وتصرفاته كلها طبيعية حتى الآن !
رفع نظره عن الأوراق ونظر لها وهو يهز رأسه بإيجاب وعينان شاردة تفكر بشيء آخر .. فطرحت ليلى سؤالها وقالت بتساءل واهتمام :
_ طيب حضرتك هتعمل إيه ياعدنان بيه الملفات دي مهمة جدًا وفيها صفقة بملايين !
ابتسم عدنان بنظرات غريبة ثم قال بثقة وصوت خشن :
_ إنتي لسا جديدة معايا ومتعرفنيش .. اصبري واتفرجي ياليلى هعمل إيه
لاحت ابتسامة على ثغر الأخرى .. نظرة كلها ثقة وتشوق .. بينما هو فقال وهو ينظر لابـ.ـنته :
_ اطلبي ليا ولهنا يا ليلى غدا من المطعم
نظرت إلى هنا المنشغلة بالمشاهدة على الهاتف وابتسمت ثم رجعت برأسها ناحيته وقالت بود :
_ تحت امر حضرتك
عدنان بنظرة محبة :
_ هنون .. تعالى ياملاكي
تركت الهاتف من يدها فور سماعها لصوت أبيها وهو يطلب منها القدوم إليه .. توقفت وتحركت إليه حتى وقفت أمامه فحملها واجلسها على سطح المكتب أمامه وغمغم بحنو أبوي :
_ دلوقتي وقت الغدا جه .. وطنط ليلى هتجبلنا الأكل عشان نتغدا .. تحبي بقى ناكل إيه ياحياتي
انحنت ليلى عليه وقالت بمداعبة بسيطة شبه ضاحكة :
_ مش كبيرة عليا شوية طنط دي ياعدنان بيه
انطلقت منه ضحكة بسيطة ثم أجابها من بين ضحكته :
_ خلاص يا ليلي .. هخليها تقولك ليلى من غير أي حاجة حلو كدا
ليلى كاتمة ضحكتها :
_ حلو .. هااا ياسكرة تحبي تاكلي إيه النهارده ، ده بابي أول مرة يعملها ويتغدا في المكتب هنا .. وده عشان إنتي موجودة بس يعني استغلي الفرصة
تطلعت هنا إليها بخجل دون أن تجيب عليها ، وطال صمتها للحظات حتى انحنت على أذن أبيها وهمست في خفوت وخجل طفولي لطيف بنوع الطعام الذي تريده ، وكان صوتها واضحًا رغم محاولتها لإخفاضه حتى لا يصل لأذن ليلى التي سمعت ما همست به في أذن والدها جيدًا .. بينما عدنان فنظر لليلى وغمز لها باسمًا دون أن يتكلم لمعرفته بأنها سمعت كل شيء ، أماءت له بالموافقة الأخرى بابتسامة عـ.ـذ.بة قبل أن تستدير وتنصرف .
فور انصراف ليلى نظر هو لصغيرته وقال :
_ هااا قوليلي كنت بتتفرجي إيه بقى ؟
هتفت هنا بلطافة لا تقاوم وقد عادت لطبيعتها على عكس الخجل الذي كان يهيمن عليها للتو :
_ Tom and jerry ( القط والفأر .. توم وجيري )
_ طيب إيه رأيك أول ما يجي الأكل نطلع وناكل فوق على الروف ، هيعجبك أوي
هزت رأسها بإيجاب في وجه مشرق بإبتسامتها الرائعة ، ثم عبست وقالت بحـ.ـز.ن :
_ بابي ماما كانت زعلانة الصبح
_ ليه !!!
_ عشان أنا سبتها وحدها وجيت معاك
قهقه بقوة وأجاب على ابـ.ـنته :
_ بجد !! .. طيب تعالي هنكلمها ونشوفها لسا زعلانة ولا لا
أمسك بهاتفه وأجرى مكالمة فديو بها .. وبعد لحظات من الرن المستمر انفتح الاتصال أخيرًا وثواني حتى ظهر وجهها بشاشة الهاتف ، كانت قاطبة حاجبيها من اتصاله حتى وجدته يهتف وهو يوجه الهاتف عليه هو وهنا ويقول باسمًا :
_ هنون بتقول إنك كنتي زعلانة ياماما الصبح عشان سابتك وجات معايا .. فقولنا نتصل ونشوف ماما لسا زعلانة ولا إيه بظبط
كتمت جلنار ضحكة عالية كانت ستنطلق منها ورسمت العبوس والضيق على وجهها بمهارة لتجيبه بتأكيد :
_ أيوة زعلانة ، يهون عليها تسيب مامي وحدها في البيت كدا !
ردت هنا على أمها بوجه حزين لعبوس والدتها :
_ خلاص مش تزعلي .. هنجبلك شيكولاته احنا وجايين
_ هتجبيلي قد إيه ؟!
فتحت ذراعيها على أخرهم وقالت برقة :
_ كتييييير أوي ، قد كدا .. مش صح يابابي ؟
أجابها عدنان ضاحكًا :
_ صح ياروح بابي .. تحبي نجبلك حاجة تاني ياماما واحنا جايين
_ لا كفاية الشيكولاته
تفوهت به جلنار وهي شبه ضاحكة ، حتى قالت بتذكر وجدية :
_ أكلتوا ولا لسا ؟
ردت هنا مسرعة وحماس :
_ لسا طنط ليلى راحت تجيب الأكل
هتفت جلنار باهتمام وحزم :
_ خلي بالك ياعدنان ومتجبوش أكل مش healthy وأهم حاجة تخليها تغسل إيدها كويس أوي قبل الأكل وكمان .....
_ خلاص ياجلنار .. أنا عارف كل ده أكيد ، متقلقيش كل حاجة زي الفل الحمدلله .. يلا سلام هقفل عشان ورايا كام حاجة عايز اخلصها
ثم وجه الهاتف على وجه صغيرته وهتف :
_ يلا قولي باي لماما
لوحت هنا بيدها لأمها ثم كتمت بكفها الصغير على فمها ترسل لها قبلة في الهواء من خلف شاشة الهاتف ففعلت جلنار بالمثل وهي تضحك بحب ودفء .
***
دوى صوت رنين باب المنزل فور انتهائها من حديثها مع ابـ.ـنتها وزوجها في الهاتف .. ضيقت عيناها باستغراب وظنته في باديء الأمر أنه " حامد " ، فاتجهت نحو الباب وفتحت في وجه معالمه عادية تمامًا .. حتى رأت أبيها أمامها فتحولت لنظرات الدهشة الممتزجة بالاستياء .
هتف نشأت بخفوت :
_ عاملة إيه يابـ.ـنتي
جلنار بجفاء وصرامة :
_ جاي ليه !! .. ياترى هتسلمني لمين المرة دي كمان !!
_ أنا عملت كدا لمصلحتك ياجلنار
صاحت به منفعلة :
_ مصلحتي في إني أبعد عن عدنان وأطلق منه .. لكن إنت مش شايف كدا عشان طبعا مصلحتك إنت إني أفضل متجوزاه
هم بالاقتراب منها وهو يتمتم بتأثر وضيق :
_ يابـ.ـنتي والله مبقيش يهمني حاجة .. أنا عايز ترجعي تاني لحـ.ـضـ.ـني ، كرهك ليا ده بيقــ,تــلني ، ولولا إني حسيت إن عدنان عايزك بجد مكنتش هسيبك في أمريكا معاه وأرجع
تقهقهرت للخلف حتى لا يلمسها ويقترب منها وقالت ضاحكة بسخرية :
_ عايزني !! .. هو فعلًا عايزني بس مش بيحبني ، عايزني عشان السبب اللي أنت أجبرتني اتجوزه عشانه
نشأت بصدق ونظرات مشتاقة لابـ.ـنته :
_ لا المرة دي مختلفة صدقيني هو عايزك إنتي وبـ.ـنته بجد اديله فرصة .. وكمان ارجعيلي يابـ.ـنتي ابوس إيدك
اطالت النظر إليه واحست بأنها ستضعف أمامه .. رغم كل ما فعله بها سيظل أبيها ولن تتمكن من حمل الضغينة والكره له في قلبها ، ولته ظهرها وقالت بقسوة وصوت مبحوح :
_ امشي يابابا لو سمحت مش عايزة اشوفك وياريت متجيش تاني كمان ، أنت بعتني من الأول وتخليت عني فمتحاولش تمثل قدامي دلوقتي مشاعر الأبوة اللي ممكن تكون مش حقيقية أساسًا
تحرك خطوة نحوها حتى وقف خلفها مباشرة وبمجرد ما لمس كتفها بيده نفرت منه بتلقائية وقالت وهي تبتعد عنه أكثر :
_ قولتلك امشي من فضلك
توقف بأرضه للحظات طويلة يحدق بها بأسى وعجز ووجه يائس حتى أصدر تنهيدة حارة واستدار مغادرًا المنزل .. التفتت برأسها نحو الباب بعد رحيله وانهمرت على وجنتيها دmـ.ـو.عها بحرقة وألم ، قلبها يـ.ـؤ.لمها على كل شيء .. تريد مسامحته لكنها لا تستطيع ، نفسها الثائرة والمنكـ.ـسرة لا تسمح لها بالصفاء وربما لن تصفو ! .
***
في مساء ذلك اليوم وداخل معرض آدm بعد رحيل جميع الزوار ......
انتهت جميع اللوحات المعروضة للبيع بالمعرض معادا واحدة .. كان يقف آدm أمامها يتأملها بسكون متذكرًا محادثته مع تلك الفتاة ، جميع اللوحات تم بيعها معادا هذه اللوحة .. لا يذكر أن أحد توقف أمامها وأعجبته سواها ، رغم أنها لم تعجبها وسـ.ـخرت منها لكنها الوحيدة التي توقفت أمامها .. رأتها لوحة متزاحمة ومعقدة ولم تخطأ حين ربطت اللوحة به ، هي تشبه تعقيدات نفسه المتداخلة والتي لا يجد لها تفسير ، فأخرج تلك المشاحنات التي تعصف بروحه في هذه اللوحة .. التي لم ينتبه لها أحدًا سواها .
انتشله من شروده صوت صديقه " زياد " الذي هتف بسعادة وعين تلمع بوميض النصر :
_ مبروووك يافنان .. اللوح كلها اتباعت مفضلش غير اللوحة دي
_ مش هبيعها
رد زياد بتعجب :
_ هي إيه دي اللي مش هتبيعها
تمتم آدm وهو معلق نظره على اللوحة :
_ اللوحة دي
_ هتحتفظ بيها لنفسك يعني ولا إيه ؟!
لوى آدm فمه ورد بإيجاب وهو يهز رأسه ببساطة :
_ حاجة زي كدا
هتف زياد بمرح ضاحكًا :
_ مش مهم ياعم .. المهم هو نجاح المعرض ، مبروووك ياصاحبي
_ الله يبـ.ـارك فيك
_ طيب أنا هسبقك واستناك برا بقى تمام
اماء له آدm بالموافقة وظل واقفًا كما هو يتطلع للوحة بتمعن ، حتى مرت دقيقة أو أكثر تقريبًا وهم بالاستدارة والانصراف لكنه لمح عقدًا فضي اللون به فصوص بيضاء لامعة على طول العقد كله .. انحنى على الأرض والتقطته ينظر إليه بتدقيق ، ظنه في باديء الأمر أنه سقط من إحدى الفتيات الذين مروا من أمام اللوحة ، لكن عنـ.ـد.ما عصفت بذهنه صورتها تذكر أنه لمح برقبتها نفس هذا العقد ، كانت ترتديه ويظهر بوضوح حول رقبتها البيضاء .. بقى للحظات وهو يحدق بالعقد حتى تأكد أنه لها فلاحت ابتسامة جانبية على شفتيه واعتدل في وقفته ثم وضع العقد في جيبه واتجه لخارج المعرض بأكمله بعد أن أطفأ جميع الأضواء .. ووقف أمامه من الخارج ثم أمسك بالباب واغلقه بالمفتاح جيدًا وسار باتجاه صديقه الذي كان بانتظاره في السيارة .
***
بعد مرور ساعات بسيطة ....
مجتمع هو ووالدته وأخيه على المائدة ويتناول الطعام بصمت .. عدm وجودها على المائدة معهم يثير جنونه ويحاول تجاهل الأمر ، لكن ثورانه الداخلي منعه من الصمود كثيرًا ، حيث فجأة القى بالشوكة التي بيده على سطح الطاولة وقال بعصبية :
_ منزلتش تاكل ليه دي كمان !!
زمت أسمهان شفتيها وقالت بعدm اكتراث :
_ معرفش .. سيبها ياحبيبي هي لو عايز كنت نزلت واكلت
عض على شفاه السفلية في غـ.ـيظ متمالكًا أعصابه بصعوبة ، استقام واقفًا واندفع إلى الأعلى باتجاه غرفته ، تابعته أسمهان بأعين نارية وناقمة على فريدة أما آدm فتأفف بخـ.ـنـ.ـق وقرف ! .
فتح الباب على مصراعيه بعنف ودخل فوجدها تجلس على الأريكة وتمسك بهاتفها تعبث به ، اندفع نحوها وجذب الهاتف من يدها هاتفًا بزمجرة :
_ قاعدة هنا ليه !! .. الأكل لما يتحط ياهانم الكل يكون على السفرة
تعمدت عدm النظر إليه وقالت بتمرد :
_ مش عايزة اكل ياعدنان
_ ليه بقى إن شاء الله
ردت عليه بحنق دون أن تنظر له :
_ وإنت مهتم بيا كدا ليه .. كفاية شكك فيا وكأننا متجوزين إمبـ.ـارح .. ولا قعدتك عندها تلات أيام مبتجيش البيت هنا وسايبني
انحنى بنصف جسده عليها وهمس في نظرة ممـ.ـيـ.ـتة ونارية :
_ أنا مشكتش فيكي من فراغ
هبت واقفة وصاحت به بغضب ودmـ.ـو.ع حقيقية انهمرت على وجنتيها :
_ إنت بتعاملني بطريقة عمرك ما عاملتني بيها قبل كدا .. بعدت عني .. أنا مشوفتكش ليا تلات أيام غير امبـ.ـارح في المعرض متخيل .. حتى مش بتتصل بيا ياعدنان ، وبتحاسبني دلوقتي على تغيري معاك .. طيب ما أنا اتغيرت بسببك ، شايفاك إزاي اتغيرت من وقت ما رجعت الهانم وأنت قاعد عندها علطول .. تفكيرك فيها علطول وخـ.ـو.فك عليها وكنت بتحجج وتقولي إنك خايف على بـ.ـنتك ، بس الحقيقة كانت إنك زي ما خايف على بـ.ـنتك خايف عليها كمان .. لما اتجوزتها وعدتني وقولتلي مستحيل يكون في قلبك واحدة غيري وإنك متجوزها عشان الطفل اللي نفسك فيه مش اكتر وبعدها هتطلقها .. وجابتلك الطفل اللي نفسك فيه .. طلقتها .. لا ، بالعكس بقيت أحس إنها بتسحبك واحدة واحدة من غير ما تحس ولا أي حد فينا يحس لغاية ما اهو أنت شايف بعينك الوضع وصل لفين .
توقفت عن الكلام وجففت دmـ.ـو.عها ثم استكملت بصوت مبحوح وهي مطرقة أرضًا :
_ متحاسبنيش على حاجة إنت السبب فيها
لانت نظراته ونبرته أمام كلامها ودmـ.ـو.عها ولوهلة رغب بضمها لصدره ليشعرها بحنانه مرة أخرى ويمطرها بحبه لها كالعادة ، لكن لا يزال الشك الذي تعشش في ثنايا يمنعه وبإمكانه القول أنه فقد جزء كبير من ثقته بها .
تنهد الصعداء بعدm حيلة وقال بنبرة لينة :
_ متعيطيش .. يلا تعالي ننزل عشان تاكلي
صرخت به بعصبية وعينان ممتلئة بالدmـ.ـو.ع :
_ مش عايزة اطفح ياعدنان .. سبني لوحدي لو سمحت .. أو اقولك روحلها تاني كمان أصلا مبقتش فارقة معايا من زمان اوووي
دهشه ردها عليها ، مما جعله يقف للحظات يتطلع إليها بعدm استيعاب واردف بابتسامة تحمل الاستنكار والصدmة بآن واحدًا :
_ مبقتش فارقة !!
اشاحت بوجهها عنه للجهة الأخرى بينما هو استمر في التحديق بها ينتظر منها أي توضيح ، لكن لا رد وفقط دوى صوت رنين هاتفه في جيبه فأخرجه وتطلع باسم المتصل وكانت جلنار .. القى نظرة مطولة عليها قبل أن يستدير وينصرف إلى الخارج مجيبًا على الهاتف شبه منفعلًا :
_ خير ياجلنار
أتاه صوت صغيرته العابس وهي تقول :
_ بابي إنت مش جاي ؟!! ، إنت قولتلي هتيجي ومش هتتأخر
مسح على وجهه متنهدًا وقال بخفوت في لطف :
_ أنا جاي ياحبيبتي متقلقيش ، استنيني ومتناميش
عادت البهجة لصوتها حيث ردت عليه بفرحة :
_ حاضر هستناك
في الداخل التقطت فريدة الوسادة الصغيرة والقتها بعرض الحائط هاتفة في صوت مبعثر وبائس :
_غـ.ـبـ.ـية إيه اللي قولتيه ده .. بدل ما تصلحي الوضع وتمحي شكه فيكي نيلتي الدنيا اكتر ، كان لازم يعني تنفعلي وتقولي اللي شايلاه جواكي !!
***
في مدينة كاليفورنيا بأمريكا تحديدًا داخل منزل حاتم ......
يجلس بغرفة مكتبه الخاصة وأمامه حاسوبه النقال ، يتنقل بين الصور بقلب منفطر ، اشتاق لها كثيرًا ولا ينكر هذا .. ومشاهدته لصورها ربما ترضى القليل من شوقه وتطفي النيران المشتعلة في صدره من فراقها ، حديثهم الأخير معًا وكلمـ.ـا.تها لا تزال تتردد في أذنه .. هي لديها الحق بكل كلمة ، لم يكن موجودًا في الوقت التي كانت فيه بحاجة إليه .. وحين عاد كان الآوان قد فات .. لكن هذا لا يمحي حقيقة حبه لها وأنه لا يزال حتى الآن يريدها وقلبه يعاني من فراقها .
انفتح الباب وظهرت من خلفه نادين وهي تحمل فنجانين من القهوة ، فانزل غطاء الحاسوب قليلًا حتى لا ترى الصور ونظر لها مبتسمًا فقالت وهي تقترب منه وتضع القهوة على سطح المكتب أمامه :
_ شو عم تسوي ؟
حاتم ببساطة وهو يتلقط فنجان القهوة :
_ ولا حاجة .. ميرسي على القهوة
نادين وهي تدقق النظر به :
_ العفو .. بس ليش شكلك مو عاجبني في شي صار ولا شو ؟!
_ مفيش حاجة يانادين متقلقيش ، أنا مخـ.ـنـ.ـوق شوية بس
جلست على المقعد المقابل له واستندت بمرفقها فوق سطح المكتب واسندت كفها أسفل وجنتها متمتمة برقة تليق بجمالها المذهل :
_ ويا ترى شو السبب ؟
ابتسم لها وقال بغمزة مشاكسة :
_ طبعًا لما تبعدي عني ببقى مخـ.ـنـ.ـوق ومش طايق نفسي
قهقهت بخفة على مشاكسته وبادلته إياها وهي تتصنع الخجل :
_ لك عم تحرجني هيك والله
علت ضحكته الرجولية ، وبعد لحظات قصيرة تلاشت ابتسامته تدريجيًا وجمدت ملامحه ثم نظر لها وسأل بنظرات تائهة :
_ نادين هو إنتي شيفاني شخصية إزاي !
تعجبت من سؤال وطالت النظر في وجهه ومعالمه العابسة فتنهدت بحرارة وقالت بنعومة مبتسمة :
_ عم شوفك .. أفضل صديق وأخ وأب ، إنت بتعرف إني ما إلى حدا غيرك .. يكفي إنك ضليت جمبي في أوقاتي الصعبة وما تركتني بنوب لحالي ، يمكن ما قلتلك هاي الكلام من قبل بس حقيقي إنت كِل بـ.ـنت تتمناك .. رِجال وقلبك كبير وكتير حنين وأهم شي إنك مخلص في حبك لأي شخص بحياتك .. يعني عن جد أنا ما بيكفيني اليوم كِله مشان احكي عنك واوصفك .. السنين اللي بينا ومواقفنا مع بعض هي ياللي بتحكي
امعن النظر بها في عينان تفيض حبًا صافيًا ونقيًا ، ربما سؤاله كان بدافع معرفته لجوانب شخصيته لربما يرضى ثورانه وعدm فهمه لمعارضة كل شيء له في حياته .. وظن أنه هو الذي يفسد كل شيء بأفعاله وجوانب شخصيته السلبية ، لكن لم يكن يتوقع أن يسمع منها كل هذا الكلام .
مد يده واحتضن كفها الناعم بين كفيه متمتمًا بنظرات دافئة :
_ وهفضل دايمًا جمبك لغاية ما اسلمك لعريسك بنفسي واكون مطمن عليكي
ظهرت ابتسامة شبه مختفية على شفتيها لم تصل لعيناها حتى وقالت بخفوت :
_ شو سبب السؤال ؟
_ مفيش سبب حبيت أسأل عادي .. بس دلوقتي أنا فهمت إنت مستحملاني ليه رغم عيوبي التي لا تحتمل
نادين بضحكة رقيقة ولطيفة :
_ أي مجبورة .. مو قدامي حدا غيرك .. لا عم امزح نحن اتعودنا على بعض ياحاتم وعيوبنا ما عادت بتضايق حدا منا .. بتعرف أنا بفرح وبحس بالفخر إني أنا الوحيدة ياللي بتقدر تهديك بوقت عصبيتك ولما يجن جنونك هيك وتضل تكـ.ـسر وتصرخ بالكل
حاتم ضاحكًا :
_ يجن جنوني !!
_ ما تتريق على .. بدل ما اضـ.ـر.بك والله
اماء لها بالموافقة كاتمًا ضحكته ، ثم رفع فنجان القهوة لفمه وارتشف منها ببطء وهتف بصدق :
_ تسلم إيدك على القهوة والله بجد
_ thank you ( شكرًا لك )
***
عودة للقاهرة بمصر .....
يقود عدنان السيارة وعقله مشغولًا بالتفكير في كلمـ.ـا.ت فريدة .. أو بالأخص في جملتها الأخيرة .. لم يعد يفرق معها !! .
أصدر تنهيدة حارة عنـ.ـد.ما وجد صوت رنين هاتفه يرتفع فمد يده وفتح الاتصال وكذلك مكبر الصوت ليجيب على ابـ.ـنته .. وبينما هو منشغل بالحديث والقيادة كانت تسير شاحنة نقل ضخمة باتجاهه من الشارع الموازي واصطدmت بسيارته بقوة .. !!!
↚دوى في الهاتف صوت اصطدام قوى وانقطع صوته فجأة ، انحبست أنفاس جلنار في صدرها التي كانت تجلس بجوار ابـ.ـنتها وهي تتحدث مع أبيها وتفتح مكبر الصوت .. جذبت الهاتف من يد " هنا " فورًا بزعر وهتفت :
_ عدنان .. عــدنـان !
انقطع الاتصال في لحظتها فحدقت بشاشة الهاتف في ذهول وقد بدأت نبضات قلبها تتصارع بشـ.ـدة ، أعادت الاتصال به مرة أخرى لكن ارتفع صوت سيدة في الهاتف تردد ( الهاتف الذي طلبته مغلق أو غير متاح !! ) .. ازدردت ريقها بصعوبة وبقت لدقيقة تتطلع في الهاتف ، تحاول السيطرة على نفسها التي تنتفض نفضًا ، وتستمر بتهدئة نفسها أن ما تظنه ليس حقيقيًا وأنها تتوهم وقد يكون هاتفه انتهت بطاريته .
تابعت هنا تقلبات وجه والدتها المزعور وسألت بحيرة وطفولية :
_ بابي ليه قفل ياماما ؟!
ردت عليها جلنار بصوت تائه ومبعثر :
_ مش عارفة ياحبيبتي .. إن شاء الله هيجي دلوقتي
***
بعد مرور ساعة تقريبًا .....
خرج آدm من الحمام بعدmا أخذ حمامًا دافئ ، وكان يلف حول نصفه السفلي منشفة طويلة ويمسك بأخرى صغيرة يجفف بها خصلات شعره السوداء .. ارتفع رنين هاتفه الملقي فوق الفراش ، فترك المنشفة من يده واقترب من الفراش لينحنى ويجذب الهاتف يجيب على الرقم مجهول الهوية :
_ الو
رد الطرف الآخر بنبرة متـ.ـو.ترة :
_ أيوة يا آدm أنا سمير
ابتسم آدm ورد عليه بحرارة مشاكسًا :
_ أهلًا ياعم بالناس اللي مش بتسأل .. اخبـ.ـارك إيه واخبـ.ـار عملياتك وشغلك اللي ماخدك مننا ده
سمير بنبرة خافتة ومرتبكة :
_ آدm عايزك تهدى كدا قبل ما تسمع اللي هقوله ده
ضيق عيناه بريبة وقد بدأ القلق يتسرب لقلبه فقال بحيرة :
_ في إيه يا سمير ؟!!
تنهد سمير وقال بأسى ونبرة واضح عليها الحـ.ـز.ن :
_ عدنان عمل حادث وموجود في المستشفى عندي وهيدخل على العمليات فورًا دلوقتي
وقعت الكلمـ.ـا.ت على أذنه أثر الرعد .. استغرق ثلاث ثواني يستوعب ما صك سمعه للتو ، حتى خرج صوته غير منظمًا من أثر الصدmة :
_ حـ .. حادث إزاي يعني !! .... طيب .. طيب أنا جاي يا سمير سلام
انهي الاتصال دون أن يسمع رده عليه حتى وكان سينبهه بألا يخبر أمه أو زوجته ، لكنه لم ينتظر ليسمع أي شيء .. القى بالهاتف وشرع فورًا في ارتداء ملابسه متلهفًا وبدأ قلبه يطرق كالمطرقة من الزعر على أخيه ، وفي ظرف دقيقتين انتهى من ارتداء ملابسه وجذب هاتفه واندفع إلى خارج المنزل شبه ركضًا مستقلاً بسيارته وانطلق بها بسرعة البرق .
دقائق ليست بطويلة وكانت سيارته قد توقفت أمام المستشفى .. ترجل من السيارة وهرول راكضًا إلى الداخل فتوقف عند الاستقبال وسألها فدلته على الطابق ورقم غرفة العمليات الموجود بها ، اسرع ركضًا نحو الدرج حتى دون أن ينتظر المصعد .. وصل أمام غرفة العمليات وكان سمير يقف مستندًا على الحائط عاقدًا ذراعيه أمام صدره ومطرقًا رأسه أرضًا بحـ.ـز.ن ، أحس بأن قلبه توقف للحظة فأسرع نحوه وهتف :
_ سمير !!!
رفع نظره له وبمجرد ما رأى معالم وجه آدm التي فرت منها الدmاء رد عليه بهدوء ليطمئنه :
_ أهدى متقلقش هو دخل العمليات من حوالي تلت ساعة
_ حصل إزاي الحادث ده !
زم شفتيه بجهل ورد عليه بتنهيدة حارة :
_ حادث سير عربية نقل خبطت في عربيته .. حالته كانت صعبة جدًا لما وصل المستشفى
عاد الزعر يظهر على ملامحه أشـ.ـد من السابق وقد تحول كالوحش وهو يصيح لاعنًا سائق تلك الشاحنة :
_ وهو فين ****** الي كان سايق العربية ***** دي !
_ نزل من العربية وهرب ومعرفوش يمسكوه بس البوليس بدأ يبحث عنه دلوقتي
استند بظهره على الحائط وانحنى بجزعة للأمام ماسحًا على وجهه بخـ.ـو.ف ملحوظ فرتب سمير على كتفه متمتمًا في شيء من بث الطمأنينة لنفسه :
_ متقلقش إن شاء الله يكون مفيش حاجة خطيرة ويطلع منها بخير
ردد آدm بتنهيدة حارة وصوت ينبع من صميم قلبه :
_ يااارب .. يارب
***
مرت ساعة وأكثر وهو لم يتصل ولم يصل حتى الآن !! .. تمسك بهاتفها منذ ساعة كاملة وتجوب الصالة إيابًا وذهابًا وعيناها معلقة على ساعة الحائط ، وتدعو ربها أن ما تعتقده يكون خاطئًا ، لكن صوت الاصطدام والضجة التي ارتفعت في الهاتف لا تزال تصدع في رأسها كالرعد .. بينما هنا فكانت جالسة على الأريكة تتابع أمها بنظرات عادية لكنها متعجبة من حالة أمها .. حتى سمعتها تهتف بقلق وهي تهز رأسها بالنفي :
_ لا أنا مش هقدر اصبر اكتر من كدا
رفعت هاتفها الذي بيدها واجرت اتصال بآدm .. وضعت الهاتف على أذنها تستمتع للرنين في انتظار الرد منه .
استمر آدm في التحديق في الهاتف وفي اسم جلنار الذي ينير الشاشة كلها ، يفكر مترددًا أيجيب أم لا .. لا يعرف سبب اتصالها ولكن يبدو أنها عرفت شيء .. بقى على هذا الوضع للحظات حتى انتهى الرنين ، لحظة وعاد الرنين يصدع مرة أخرى فتنهد بعدm حيلة واجاب عليها بصوت خافت :
_ أيوة ياجلنار
ردت عليه بصوت مزعور وخائف :
_ آدm .. عدنان تلفونه مغلق من ساعة .. كان بيكلمنا وفجأة سمعت صوت اصطدام ودوشة عالية والخط فصل ومن ساعتها موصلش وتلفونه مقفول
أخذ نفسًا متأففًا بأسى وقد أدرك أن لا مفر من الكذب عليها خصوصًا بعد ما قالته فلو حاول الكذب لن تصدقه .. أردف بنبرة مبحوحة :
_ عدنان في المستشفى ياجلنار
لجمت الدهشة لسانها رغم أنها كانت متوقعة هذا لكن سماعها للحقيقة كان أصعب .. تمالكت أعصابها وردت بصوت مضطرب وشبه متلعثم :
_ مستشفى .. إيه ؟
اخبرها باسم المستشفى وأستكمل حديثه بسرعة في جدية :
_ بس متجيـ .......
توقف عن الكلام عنـ.ـد.ما سمع صوت صافرة اغلاق الخط ، لم تنتظر وأغلقت الاتصال فورًا .. أصدر تأففًا مسموعًا وهو يمسح على وجهه ! .
دقائق قصيرة وكانت قد انتهت من ارتداء ملابسها وتجهيز ابـ.ـنتها وكل هذا تحاول الصمود بقوة وعدm إظهار أي شيء ، وقفت أمام صغيرتها وانحنت عليها هامسة :
_ هنون ياحبيبتي .. أنا هروح مشوار ضروري وهوديكي تقعدي عند خالتو انتصار واول ما اخلص هرجع اخدك .. اتفقنا ؟
هنا بعبوس طفولي :
_ وبابي فين ؟
تمالكت نفسها وقالت بابتسامة رسمتها بمهارة على شفتيها :
_ بابي كمان جاله مشوار مهم وأنا كلمته وقالي إنه هيتأخر ، وقالي كمان بوسيلي هنا لغاية لما ارجع وقوليلها متزعلش
انهت كلمـ.ـا.تها وطبعت قبلة عميقة على وجنتها متمتمة بنظرات حانية :
_ خلاص بقى مش هنزعل صح ؟!
اماءت لها بالموافقة في ابتسامة طفولية جميلة ، فاستقامت جلنار واقفة وسارا معًا للخارج .. استقلوا بسيارتها واتجهت أولًا إلى منزل الخالة انتصار حتى تترك لديها هنا ثم عادت مرة أخرى في طريق المستشفى .
***
تجوب في كل الغرفة .. تبحث بكل مكان تقع عيناها عليه .. في الخزانة وأسفل الفراش والإداج ، حتى كادت تفقد عقلها .. هي متأكدة أنها كانت ترتديه ومعها ، أين ذهب إذا ؟! .
دخلت فوزية الغرفة وقالت بإيجاز وهي تهم بالانصراف مرة أخرى :
_ يلا يامهرة عشان العشا
مهرة بخـ.ـنـ.ـق وشيء من العصبية :
_ ياتيتا مشوفتيش السلسلة بتاعتي
_ سلسلة إيه ؟!
ردت عليها وهي مستمرة في البحث :
_ السلسلة الفضي اللي فيها فصوص لونها أبيض
صمتت فوزية لوهلة تتذكر أين آخر مكان رأت فيه العقد ، حتى هتفت بسرعة متذكرة :
_ أيوة إنتي مش كنتي لبساها لما روحتي مع سهيلة المعرض ده ولا إيه !
توقفت عن البحث وتسمرت بأرضها تعيد في ذهنها ذكريات ذلك اليوم وبتلقائية رفعت يدها إلى رقبتها ، وعصفت بذهنها صورته عنـ.ـد.ما لاحظت عيناه انحرفت إلى رقبتها ينظر لعقدها .. فور تذكرها لتلك اللحظة أصدرت تأففًا قويًا وقالت باستياء وهي تضـ.ـر.ب قدmيها في الأرض كالطفل الصغير :
_ اووووف شكله وقع مني هناك
هدرت فوزية مبتسمة بحب :
_ خلاص يابـ.ـنتي مش مشكلة .. ابقى انزلي وجيبي ليكي واحد غيره
توجهت وجلست فوق الفراش تقول بوجه حزين وعينان بائسة :
_ ما إنتي عارفة يا تيتا إن العقد ده الذكرى الوحيدة اللي من ماما الله يرحمها
تنهدت فوزية بحرارة واقتربت منها تجلس بجوارها وتقول مقترحة فكرة :
_ طيب ما تروحي المعرض ده تاني وتشوفي يمكن تلاقيه
قفزت لعقل مهرة لحظة جدالها السخيف مع آدm الذي انتهى بطرده لها من المكان تمامًا أو من معرضه بمعنى أدق ! .. فردت على جدتها بيأس وهي تهز رأسها بالنفي :
_ لا مش هينفع اروح
كانت ستجيب عليها فوزية لولا أنها قاطعتها وهتفت بعبوس بعد شعورها باليأس لتوقعها بأنه سقط في ذلك المعرض :
_ خلاص يازوزا السلسلة ضاعت وخلاص .. هو العيب عليا من البداية معرفش إزاي وقعت من رقبتي ومخدتش بالي .. يلا عشان نقوم ناكل
هزت فوزية أكتافها بعدm حيلة وتوقفا معًا ثم سار للخارج حتى يتناولوا وجبة عشائهم البسيطة .
***
وصلت إلى المستشفى أخيرًا وهرولت مسرعة إلى الدرج لتصعد إلى الطابق الموجود به .. تتحامل على نفسها ولكنها تشعر بأن قدmاها لا تستطيع حملها من الخـ.ـو.ف .. توقفت في بداية الطرقة ولمحت آدm يقف مستندًا بظهره على الحائط ورافعًا رأسه لأعلى يتطلع في السقف بسكون تام ويجلس على مقربة منه شاب فوق مقاعد المستشفى الحديدية الخاصة .
اندفعت نحو آدm مسرعة وقد بدأ قلبها ينبض كالمطرقة وتستطيع سماع ضـ.ـر.باته العنيفة .. لمحها آدm فاعتدل في وقفته وتقدm نحوها عدة خطوات حتى وقف أمامها فوجدها تهتف بوجه مزعور :
_ حصل إيه يا آدm .. هو فين ؟
آدm بوجه لا يقوى على الحديث :
_ في العمليات لسا مطلعش
لمعت عيناها بلمعة بسيطة تثبت الدmـ.ـو.ع التي تحاول الانهمار ولكنها تمنع سقوطهم .. تمتمت بترقب وصوت شبه متقطع :
_ طـ..يب هو الحادث ده كان .. كان ....
قاطعها آدm بنظرة دافئة يبث لنفسها القليل من الطمأنينة التي هو بحاجة إليها أكثر :
_ ان شاء الله هيطلع بالسلامة متقلقيش .. هو وضعه كان صعب لما وصل ، بس بإذن الله هيقوم منها بالسلامة
سكنت تمامًا وانحرفت عيناها لتحدق في اللاشيء بنظرات تائهة .. حتى شعرت بيد آدm التي أمسكت بذراعها وهو يأخذها معه إلى أقرب مقعد ويتمتم :
_ تعالي اقعدي وهدي نفسك .. هي هنا فين ؟
ردت عليه كالمتغيبة دون أن تنظر له :
_ وديتها عند خالتو انتصار
اماء لها بالموافقة ثم اقترب وجلس على المقعد المجاور لها وبقى يحدق في الأرض وبحركة تلقائية منه تدل على فرط التـ.ـو.تر كانت قدmاه تهتز بشـ.ـدة .. بينما جلنار فكانت معلقة نظرها في الفراغ بسكون مريب ، لا تستوعب فكرة أنه قد لا يخرج من هذه الغرفة .. لا تريده أجل وترغب في الانفصال عنه ، لكن تريده حيًا .. هي ليست جاهزة لفراق قاسي كهذا .. لن تتحمله ! .
نصف ساعة أخرى مرت وهو لم يخرج من تلك الغرفة حتى الآن ومرور الوقت يقــ,تــلهم كالسيف من فرط الخـ.ـو.ف ، ولكن فجأة لمحوا أسمهان وفريدة وهم يركضون باتجاههم .. بقت جلنار بأرضها تتطلع إليهم بصمت بينما آدm توقف واقترب من أمه يهتف بحيرة :
_ إنتوا عرفتوا إزاي ؟
هتفت أسمهان بانهيار وبكاء عنيف :
_ عدنان فين يا آدm .. اخوك فين طمني يابني ابوس إيدك
حاوطها بذراعيها وتمتم في صوت رخيم :
_ اهدي ياماما هو لسا في العمليات إن شاء الله هيطلع بخير
انهارت باكية وهي تهتف بهستيريا وعدm وعي :
_ أنا عايزة اشوف ابني .. مش هقدر استحمل لو حصلته حاجة
_ يا ماما متقوليش كدا بعد الشر .. اهدي عشان خاطري
ثم امسك بذراعها وساعدها على الاقتراب من المقعد بينما هي لا تتوقف عن البكاء والنحيب ولا تنطق بشيء سوى اسم عدنان ، حتى امتلأ وجهها كله بالدmـ.ـو.ع وأصبحت لا تقوى على الوقوف .. اجلسها على آخر المقعد وجلس هو بالمنتصف بينها وبين جلنار ، التي كانت عيناها ثابتة على فريدة ترمقها بنظرات نارية .. وقفت فريدة في أحد الأركان منزوية تبكي بدون صوت .. لكن دmـ.ـو.عها كانت صادقة هذه المرة ، كانت تبكي بحرقة وألم وتتذكر مكالمتها لنادر فور معرفتها بخبر الحادث .
_ أنت اللي عملت كدا .. صح يانادر ؟!!
نادر بعدm مبالاة وبقسوة :
_ إنتي قولتي عايزة تخلصي منه يافريدة وأنا نفذتلك طلبك أهو
صرخت به بهستيريا ورعـ.ـب :
_ بس مقولتش تقــ,تــله .. إنت مـ.ـجـ.ـنو.ن ، أنا لا يمكن آذيه .. صدقني يا نادر لو عدنان حصله حاجة مش هرحمك
***
_ وافقتي إزاي يعني .. إنتي أكيد بتستهبلي يا زينة !!
كانت جملة مستنكرة وساخطة من صديقتها التي تشاركها بعض الوقت في منزلها ليتحدثوا قليلًا .. بينما زينة فتنهدت وقالت بيأس :
_ وافقت يا سمر .. كفاية أوي كدا وقولت مفيهاش حاجة لما ادي لنفسي فرصة وادي للشخص ده فرصة ، مش يمكن يكون هو الشخص الموعود وأحبه بعدين
سمر مستاءة :
_ تدي لنفسك فرصة أه بس مش كدا .. بالمنظر ده لا هت عـ.ـر.في تكوني سعيدة ولا هتقدري تحبيه .. على الأقل كنتي صبرتي شوية لغاية ما تفوقي من وهم آدm ده
زينة بوجه بائس ومنطفي :
_ أفوق أيه اكتر من كدا .. بقولك كلمني بوضوح والغـ.ـبـ.ـي يفهم ، أنا ضيعت سنين في وهم زي ما بتقولي ، وكفاية أوي كدا المفروض ابص لنفسي وأعيش حياتي
تنهدت سمر بعدm حيلة وقالت بعدm اقتناع :
_ وإنتي يعني متأكدة من القرار ده !! .. أنا عن نفسي الصراحة اللي اسمه رائد ده مستلطفتهوش نهائي حسيته بني آدm غتت كدا
ضحكت زينة ببساطة وقالت ساخرة :
_ وإنتي شوفتيه فين يابـ.ـنتي أصلًا !!!
_ في الصور اللي ورتهالي
زينة بضحكة بدأت تتضح أكثر :
_ وإنتي حللتي شخصيته من الصور بقى !
سمر بثقة وغرور :
_ طبعًا أنا ليا خبرتي يابـ.ـنتي في تحليل الشخصيات دي
_ أه بس مش من الصور ياروحي .. تحليل شخصية إيه ده اللي بيبقى من الصورة ! ، عمومًا أنا محسيتهوش كدا ، بالعكس لطيف والله
لوت سمر فمها بسخرية وردت عليها بقرف :
_ لا والله لطييف !! .. طيب لما نشوف اللطيف بتاعك ده ياست الحسن والجمال إنتي
انطلقت من زينة ضحكة عالية رغم الأجواء المغلفة بالكآبة إلا أنها ضحكت ، حتى أن سمر بادلتها الابتسامة عنـ.ـد.ما رأتها تضحك وسعدت لأنها تمكنت من رسم الابتسامة على وجهها العابس .
***
تتابعها منذ وصولها ، تتخبط في وقفتها وتبكي .. منتظرة من الجميع تصديق تلك الدmـ.ـو.ع الكاذبة ، لكن حتى لو صدقها الجميع لن تصدقها هي .. رؤيتها لها أمامها تثير جنونها ، وقد زاد الطين بلة عنـ.ـد.ما وصل ذلك الوغد والحقير " نادر " .. بين كل آن وآن ترمقه فريدة بنظرة مشتعلة ومستاءة ، ألا يخجلون من تبادل النظرات في تلك الأوضاع حتى لو كانت نظرات غضب ! .
لم تتمكن من تحمل مشاهدتهم أمامها وتجلس صامتة بهذا الشكل .. استقامت واقفة واتجهت نحو فريدة في وجه عبـ.ـارة عن جمرة ملتهبة .. وقفت أمامها وهمست في نبرة ناقمة :
_ دmـ.ـو.ع التماسيح ده بلاش منها أحسن
رمقتها فريدة باستغراب وهتفت في استياء بسيط وصوت مبحوح :
_ بتقولي إيه إنتي كمان
جلنار وقد ارتفعت نبرتها قليلًا من الهمس وهي على وشك الانقضاض عليها :
_ بقول إنك مش بعيد تكوني إنتي والحـ.ـيو.ان اللي واقف هناك ده السبب في الوضع اللي عدنان فيه دلوقتي
_ سبب إيه .. إنتي مـ.ـجـ.ـنو.نة !
تمالكت جلنار نفسها والقت نظرة قـ.ـا.تلة على نادر ثم عادت بنظرها إلى فريدة وقالت بتحذير حقيقي وبقرف :
_ قولي للحقير اللي واقف هناك ده يغور من هنا وإلا قسمًا بالله افضحكم إنتوا الأتنين
ارتبكت فريدة وظهر الزعر على وجهها فرفعت أناملها تجفف دmـ.ـو.عها وترد على جلنار بصوت مضطرب :
_ تفضحي إيه ؟!!
طالعتها جلنار شزرًا وقالت باشمئزاز :
_ إنتي فاهمة قصدي كويس أوي
فرت الدmاء من وجه فريدة التي أخذت تنقل نظرها بينها وبين نادر الذي كان يتابعهم بنظراته في قلق بسيط من نظرات جلنار له .
انحنت جلنار على أذن فريدة وهمست بصوت يقارب لفحيح الأفعى وبشراسة :
_ صدقيني لو طلع ليكم إيد في الحادث ده هوديكم ورا الشمس .. وهعرف لو ليكم إيد سعتها ابقى خليكي جاهزة للي هيحصلك
اقترب آدm منهم وقال بنظرات دقيقة ومتشككة :
_ في إيه ياجلنار ؟!
ردت عليه جلنار في شيء من الاستهزاء الملحوظ في نبرتها وهي معلقة نظراتها الممـ.ـيـ.ـتة على فريدة :
_ مفيش حاجة .. كنت بدي لفريدة منديل تمسح دmـ.ـو.عها أصلها منهارة زي ما أنت شايف !
انهت جملتها واستدارت عائدة إلى مقعدها بينما آدm فألقى نظرة متقرفة ومشتعلة على فريدة قبل أن يستدير ويعود هو الآخر لمقعده .. بينما جلنار فجلست على مقعدها وأشارت بنظرها في حدة وإنذار ناحية نادر .. فتأففت فريدة ورفعت هاتفها ترسل رسالة لنادر تطلب منه الرحيل فورًا ودونت في الرسالة بالتحديد ( جلنار عرفت كل حاجة وهددتني لو ممشيتش هتفضح كل حاجة .. امشي فورًا أنا مش ناقصة كفاية اللي أنت هببته )
تطلع لجلنار بنظرة غاضبة وكلها شر .. ثم القى نظرة أخيرة على فريدة قبل أن يستدير وينصرف تمامًا كما طلبت منه .
***
في صباح اليوم حسب فرق التوقيت بين ولاية كاليفورنيا ومصر .........
داخل غرفة الاجتماعات الكبيرة في شركة حاتم الخاصة ، كانت نادين تجلس بجواره تمامًا ويتابعون بعض الاوراق المهمة الخاصة بالعمل والاجتماع قبل اجتماع جميع الموظفين بالشركة .. فاكتشفوا أن هناك ورقة ناقصة نسى حاتم أن يجلبها معه وموجودة في مكتبه الخاص فاستقام واقفًا وقال :
_ هروح اجيبها وآجي
أمسكت بيده وتوقفت قائلة بجدية :
_ لا اقعد أنا بروح وبجيبها ، لأن كمان راح مر على مكتبي وبجيب شيء منه
اماء لها بالموافقة وجلس مرة أخرى واستمر من النقطة التي توقفا عندها .. بينما هي فغادرت الغرفة وسارت باتجاه مكتبه في خطوات طبيعية وهادئة ، حتى وصلت وفتحت الباب ثم دخلت واغلقته خلفها .. تحركت نحو المكتب وبدأت تبحث بالإدراج عن الورقة الناقصة حتى عثرت عليها ، رفعتها وأخذتها فظهرت أسفلها مجموعة صور مستطيلة ومتوسطة الحجم تجمعه بجلنار .. كانت صور حميمية قليلًا يضحكون ومتقربين من بعضهم بطريقة مثيرة للأعصاب .. فتركت الورقة والتقطت الصور تقلب بينها وهي تركز في كل تفصيلة بكل صورة .
تأججت نيران الغيرة في صدرها واحمرت عيناها من فرط الغـ.ـيظ والغضب .. لا تذكر أن هناك صورًا تجمعها به إلا قليلًا فكان بكل مرة يخبرها أنه يشعر بالاختناق قليلًا من كثرة الصورة وإذا تمكنت وأخذت معه صورة تكون بعد معاناة ، لكن مع جلنار الصور جميلة جدًا ولا تسبب له الخـ.ـنـ.ـق ! .
القت بالصور في عنف بالدرج ثم جذبت الورقة واندفعت إلى خارج المكتب وهي تشتعل غـ.ـيظًا وغيرة ، عادت إلى غرفة الاجتماعات ودخلت ثم وضعت الورقة أمامه بقوة وجلست .. رمقها بحيرة من تحولها الغريب ووجهها الذي أصبح لونه أحمرًا من فرط الغـ.ـيظ فسألها بخفوت :
_ في إيه يانادين ؟!
ردت عليه باقتضاب دون أن تنظر في وجهه :
_ ولا شيء
_ طيب في حد ضايقك أو قالك حاجة ؟!
بهذه اللحظة نظرت له وهتفت شبه صائحة بغضب هادر :
_ I said nothing ( قلت لا يوجد شيء )
ممكن نركز على الشِغل قبل الاجتماع ما يبدأ
ازاح الأوراق من أمامه بعدm اكتراث وقال باهتمام وهو يثبت كامل تركيزه عليها :
_ ملعون أبو الشغل كله ياروحي .. قولي يلا عشان طالما اتعصبتي كدا يبقى أنا اللي عصبتك
رمقته بنظرة جانبية في قرف ، بينما هو فظل يتطلع إليها بنفس النظرة منتظرًا منها أن تبدأ بالحديث ، فتأففت هي بعصبية وحنق لتهتف في غيرة ملحوظة في نظرتها ونبرتها :
_ أنت ليش كل ما اطلب منك نتصور مع بعض تقولي مو بتحب الصور وبتخـ.ـنـ.ـقك
ضيق عيناه باستغراب .. من غضبها وسؤالها الغريب !! ، ليرد عليها يؤكد سؤالها ولا تزال علامـ.ـا.ت الاستفهام تعلو وجهه :
_ لأني فعلًا مبحبش أتصور كتير وإنتي عارفة ده .. بس برضوا مش فاهم إيه اللي معصبك في كدا !!
صاحت به في انفعال شـ.ـديد وزمجرة :
_ كذاب ياحاتم مشان .........
توقفت عن الكلام عنـ.ـد.ما اقتحم الغرفة أحد الموظفين بسبب حلول وقت الاجتماع .. انحنى حاتم عليها وهمس بالقرب من أذنها بجدية بعدmا رأى انفعالها الحقيقي :
_ هنكمل كلامنا بعدين ونشوف الموضوع اللي مضايقك أوي ده ومخليكي تقولي عني كذاب !
تعمدت عدm النظر إليه ونظرت إلى الشاب الجالس أمامها وبدأت تتبادل معه أطراف الحديث باللغة الأنجليزية بخصوص العمل بينما هو فكان كل آن وآن ينظر لها وعقله مشغول في سبب غضبها منه ، يحاول توقع الشيء الذي جعلها تنفعل بهذا الشكل لكن لا يستطيع ! .
***
عودة إلى القاهرة ......
وأخيرًا بعد مرور ساعات من الانتظار خرج الطبيب من غرفة العمليات ، كان أول من هرول إليه هو آدm وتبعته أسمهان ، بينما جلنار فظلت واقفة في الخلف تستمع للطبيب وهو يقول بأسف :
_ احنا عملنا اللي علينا والعملية نجحت الحمدلله بس حالته مازالت غير مستقرة وخطرة ولازم هيفضل تحت المراقبة خلال 48 ساعة الجايين وهيدخل العناية المشـ.ـددة .. ادعوله هو محتاج دعواتكم دلوقتي
انهارت أسمهان باكية وكانت على وشك أن تفقد توازنها وتسقط لولا آدm الذي حاوطها بذراعيه وضمها لصدره متمتمًا بصوت حاول إخراجه طبيعيًا وصلبًا :
_ ادعيله ياماما وإن شاء الله ربنا هيقومه بالسلامة .. أنا واثق
خرج صوت أسمهان غير واضح من فرط البكاء وهي تدفن وجهها بين ثنايا صدر آدm :
_ آه يابني ياحبيبي .. عدنان
انسحبت جلنار بهدوء من بينهم عنـ.ـد.ما شعرت بأنها ستفقد التحكم بزمام نفسها التي تجبرها على البقاء صامدة منذ ساعات ، سارت باتجاه الحمام وهي شاردة الذهن ، تسير مسلوبة العقل لا ترى شيء ولا تسمع شيء فقط ترى صورته أمام عيناها .
عادت من الحمام بعد دقائق طويلة ووقفت في أحد أركان المستشفى بصمت تام لمدة نصف ساعة أو أكثر .. حتى وجدت قدmاها تقودها دون أن تشعر نحو غرفة العناية المشـ.ـددة .
وقفت أمام زجاج الغرفة الذي يعكس الغرفة بأكملها من الداخل ، رأته متسطح على فراش يناسب طوله وعرضه ، ووجهه به بعض الجروح الذي تخفيها اللاصقات الطبية وهناك جهاز صغير يقفل على أصبعه متصل بجهاز نبضات القلب ، وكانت تقف بجواره إحدى الممرضات تتابع حالته وتضع المحلول .. فظلت هي تتابعه بعينان شاردة ومنطفئة حتى فشلت أخيرًا بعد ساعات من محاولاتها لمنع دmـ.ـو.عها من السقوط .. انهمرت أخيرًا دmـ.ـو.عها على وجنتيها بصمت وهي تتطلع إليه في أسى ..
↚ظلت هي تتابعه بعينان شاردة ومنطفئة حتى فشلت أخيرًا بعد ساعات من محاولاتها لمنع دmـ.ـو.عها من السقوط .. انهمرت أخيرًا دmـ.ـو.عها على وجنتيها بصمت وهي تتطلع إليه في أسى .. ظلت تحدق به من خلف الزجاج في ثبات مزيف وعيناها تنهمر منها الدmـ.ـو.ع بصمت تام .. قلبها يـ.ـؤ.لمها حين تعصف بذهنها أفكار سيئة حول سوء حالته الصحية ، وهمسة خافتة خرجت منها بأعين بائسة ومتوسلة :
_ أنا طلبت منك تسيبني .. بس مش دي الطريقة اللي تسيبني بيها .. هنا محتجاك يا عدنان ، قوم
أتاها صوت آدm الخافت من خلفها وهو يقول :
_ جلنار !
رفعت أناملها وجففت دmـ.ـو.عها بسرعة ثم التفتت له بجسدها كاملًا وردت :
_ نعم
آدm برزانة :
_ إنتي تعبتي ، عم حامد مستني برا .. روحي البيت وأنا موجود هنا وهبلغلك بأي تطورات متقلقيش
التفتت برأسها نحو عدنان وهتفت رافضة وهي تهز رأسها بالنفي :
_ لا أنا هفضل موجودة لغاية ما يفوق
آدm متنهدًا بعدm حيلة :
_ وجودك مش هيفيد بحاجة والله صدقيني .. ريحي في البيت وتعالي بكرا الصبح
جلنار بإصرار :
_ قولتلك مش همشي يا آدm
_ جلنار بلاش عناد .. اسمعي الكلام حتى ماما وفريدة هيروحوا البيت ، وإنتي كمان لازم تمشي عشان هنا مينفعش تسبيها وحدها
عنـ.ـد.ما نطق باسم هنا .. لان اصرارها قليلًا والتفتت بنظرها تحدق بعدنان في تمعن قبل أن تعود بنظرها لآدm وتقول بعينان راجية :
_ طيب همشي بس وعد إنك هتتصل بيا لو حصل أي حاجة .. وكمان أول ما يفوق كلمني
ابتسم لها بلطف وتمتم بإيجاب :
_ حاضر هتصل بيكي والله متقلقيش
تنهدت الصعداء بحرارة وهي تلقي النظرة الأخيرة عليه من خلف الزجاج ثم استدارت وسارت مبتعدة عن الغرفة بصعوبة كمن أجبرت على الرحيل .. وصلت إلى بوابة المستشفى بعد لحظات من السير للخروج من المستشفى .. وجدت حامد بانتظارها أمام السيارة فأخذت نفسًا عميقًا واقتربت منه ثم استقلت بالمقعد الخلفي للسيارة واستقل هو بمقعده ثم هتف هو يسألها بتأكيد :
_ عند الحجة انتصار مش كدا ياهانم ؟
اماءت له بالإيجار في وجه عابس وتمتمت :
_ أيوة ياحامد
***
داخل منزل الخالة انتصار .....
كامنة في غرفتها منذ عودتها ، تجلس على مقعد خشبي قديم أمام النافذة ومستندة بمرفقها عليه واضعة كفها أسفل وجنتها ، تتأمل الفراغ من أمامها بشرود وعينان دامعة .. لا تفهم لما البكاء لكن قلبها يـ.ـؤ.لمها عليه وهناك صوت خافت في أعمق ثناياها ينادي به .. يرغب في رؤيته سالمًا يتحدث وربما أيضًا يغضب كعادته وينشب شجار عنيف بينهم ككل مرة .
فتحت هنا الباب بهدوء ودخلت ثم اقتربت من أمها ، فجففت جلنار دmـ.ـو.عها بسرعة والتفتت برأسها تجاه ابـ.ـنتها تقابلها بابتسامة حانية ، حتى وصلت ووقفت أمامها فسألت الصغيرة بعبوس :
_ هو بابي ليه مجاش ياماما ؟
ازدردت جلنار غصة مريرة في حلقها ثم انحنت عليها وطبعت قبلة دافئة على جبهتها متمتمة بعينان دامعة :
_ بابي تعبان شوية ياروحي .. والدكتور قاله لازم يقعد عنده لغاية ما يخف ، وعشان كدا هو قعد مع الدكتور في المستشفى .. بس وعد إنه أول ما يبقى كويس هنروح أنا وإنتي ونشوفه
زاد عبوس الصغيرة وتحول إلى حـ.ـز.ن فور سماعها بمرض أبيها ، ثم قالت بملامح وجه بائسة لا تليق بوجهها الملائكي الصغير أبدًا :
_ بس أنا عايزة اسوف ( اشوف ) بابي هو وحشني
تمالكت جلنار زمام دmـ.ـو.عها بصعوبة وردت عليها مبتسمة بثبات مزيف :
_ مش هينفع ياحبيبتي الدكتور قال مينفعش حد يشوفه .. أول ما يبقى كويس زي ما قولتلك هاخدك ونروحله ، تمام ؟
هزت رأسها بالموافقة مغلوبة على أمرها ثم طرحت سؤالها الثاني وهي تمعن النظر في وجه أمها وعيناها السابحة في الدmـ.ـو.ع :
_ إنتي زعلانة عشان بابي تعبان ؟
أخذت نفسًا عميقًا في محاولة بائسة منها لمنع دmـ.ـو.عها من الأنهمار لكنها فشلت وسقطت دmعة متمردة من عينها .. ثم هزت رأسها بإيجاب تؤكد سؤال صغيرتها وهي تفرد ذراعيها وتضمها إلى أحضانها ، فلفت الصغيرة ذراعيها حول رقبة والدتها وردت بحـ.ـز.ن طفولي :
_ وأنا كمان زعلانة
بتلك اللحظة انهارت جميع حصونها الضعيفة وتوالت الدmـ.ـو.ع على وجنتيها بغزارة لكن دون صوت ، دmـ.ـو.ع ألم وخـ.ـو.ف وشجن .. أبدًا لم تتخيل أن يأتي يوم وقلبها ينفطر حـ.ـز.نًا وخـ.ـو.فًا عليه من الفقدان .
قطع اللحظة الدافئة والمؤثرة بين الابنة والأم دخول الخالة انتصار التي فتحت الباب وهي تحمل فوق ذراعيها صينية نحاسية اللون وفوقها ثلاث صحون كل صحن يحتوي على نوع طعام مختلف .. ابتعدت هنا عن أمها ونظرت إلى الخالة ثم ركضت إليها وتعلقت بقدmها تقول بصوت عابس وعينان شبه دامعة :
_ بابي تعبان وماما زعلانة يانينا انتصار
نظرت انتصار إلى جلنار نظرة معاتبة لعدm تمالكها نفسها أمام الصغيرة ، ثم وضعت الصينية فوق الفراش وانحنت على هنا تحتضن وجهها الصغير بين كفيها وترد عليها بحنو وحب :
_ بابي تعبان شوية صغنين أوي ياحبيبتي وإن شاء الله هيبقى كويس وزي الفل
ثم ألقت نظرة سريعة على جلنار التي تتابعهم بعيناها وانحنت على أذن هنا وهمست :
_ و زي ما إنتي بتحبي بابا وزعلانة إنه تعبان ماما كمان زي كدا
التفتت الصغيرة برأسها ناحية أمها ثم عادت بها أخرى إلى الخالة وسألت بحـ.ـز.ن به لمسة الاطمئنان :
_ يعني بابي هيبقى كويس ؟
_ طبعًا هيبقى كويس ياحبيبتي إن شاء الله .. يلا بس إنتي زي الشطار كدا اجري على السرير ونامي عشان بابي لما يرجع ميزعلش إن هنون بتنام متأخر
ابتسمت هنا بلطافة وجهها الملائكي ثم ركضت فورًا نحو الفراش وتدثرت بالغطاء فضحكت انتصار بخفة وارسلت لها قبلة في الهواء ثم حملت الصينية مرة أخرى وأشارت لجلنار بأن تلحق بها .
الخالة انتصار .. كانت تعمل خادmة في منزل نشأت الرازي ، وكانت علاقتها بوالدة جلنار حميمية جدًا وتحبها كثيرًا .. ساعدتها في تربية جلنار من الصغر لذلك تعتبرها جلنار والدتها الثانية .. حتى بعد وفاة أمها في سن صغير كانت انتصار دائمًا بجوارها لم تتركها ، تمامًا كأمها ، وكانت جلنار تتردد على منزلها كل آن وآن بعدmا تركت العمل في منزلهم فور وفاة أمها .
خرجت خلفها وجلسا على الأريكة الكبيرة في الصالون فقالت انتصار بنبرة مشفقة :
_ كلي إنتي مكلتيش حاجة يابـ.ـنتي
جلنار برفض :
_ مليش نفس يادادا
_ احنا مش اتفقنا إنك تمسكي نفسك قدام البـ.ـنت ياجلنار
_ مقدرتش والله من غير احس لقيت دmـ.ـو.عي نزلت
تنهدت انتصار مبتسمة ثم قالت بوضوح وصراحة تامة وهي مثبتة نظرها عليها بثقة :
_ اللي يشوفك خايفة عليه بالشكل ده ميشوفكيش وإنتي عايزة تتطلقي منه
ارتبكت قليلًا وردت عليها بحزم :
_ دي حاجة ودي حاجة .. الاتنين ملهمش علاقة ببعض
انتصار ضاحكة :
_ لا إزاي ملهمش علاقة ببعض !! .. ده إنتي من ساعة ما رجعتي من المستشفى وإنتي دmـ.ـو.عك موقفتش ، وده معناه حاجة واحدة هي إنك بتحبيه
رمقت جلنار انتصار بدهشة امتزجت بالتـ.ـو.تر الذي سرعان ما حاولت إخفائه وهي تهتف نافية بجفاء :
_ لا طبعًا مش بحبه !! .. أنا بس زعلانة على الوضع اللي هو فيه وطبيعي ازعل ، في الأول والآخر هو أبو بـ.ـنتي .. بعدين بحبه إيه يادادا إنتي كأنك مت عـ.ـر.فيش اللي بينا
انتصار بابتسامة مستنكرة :
_ عارفة وعشان كدا مستغربة ! .. عمومًا ربنا يقومه بالسلامة يارب
همهمت جلنار بخفوت وصوت يكاد يسمع :
_ يارب
***
على الجانب الآخر من العالم ، بمدينة كاليفورنيا بأمريكا .....
انتهى الاجتماع أخيرًا وخرج الجميع تباعًا من الغرفة وقفت نادين وحملت أوراقها واشيائها تهم بالانصراف لكنه قبض على رسغها يجبرها على الجلوس ويهتف بجدية :
_ اقعدي احنا لسا مخلصناش كلامنا
ردت عليه بقسوة غير معهودة منها :
_ بعتقد انو خلص .. ممكن تترك إيدي
تأفف حاتم بنفاذ صبر ثم هب واقفًا واتجه نحو باب الغرفة في خطوات قوية واغلق الباب بعنف ثم عاد لها وهتف بشيء من العصبية :
_ نادين أنا خلقي ديق وإنتي عارفة كدا .. اتكلمي وقولي إيه اللي حصل
طالعته بابتسامة ساخرة وهدرت بعد ثواني معدودة من التحديق به في عدm اكتراث :
_وأنا مو طلبت منك تهتم بشو مضايقني .. إنت ياللي سألت وأنا رديت وقلتلك ولا شيء
حاتم بغضب :
_ ياسلام .. امال إيه موضوع الصور ده وكذاب ومعرفش إيه !!
نادين ببرود تام وهي تهم بالانصراف :
_ بتقدر تعتبرني ما قِلت شيء
القت بجملتها واندفعت نحو الباب في خطوات سريعة فلحق بها وجذبها من ذراعها هاتفًا بسخط :
_ أنا لسا مخلصتش كلامي يانادين
نظرت ليده المقبضة على ذراعها بقوة فاشتعلت نيران غضبها وصاحت به منفعلة وهي تسحب يدها من بين قبضته :
_ وأنا بالنسبة إلي الكلام خلص ياحاتم .. ما تنسي حالك وتقربلي بهاي الطريقة مرة تاني عم تفهم ولا شو !
رفع حاجبه في استنكار ملحوظ بنظرته من أسلوبها الجديد ولاحت ابتسامة متسلية فوق ثغره على عكس حالته الغاضبة منذ قليل .
وجدته يتقدm نحوها بخطوات متريثة وتلك الابتسامة المريبة تزين وجهه ، ارتبكت وتـ.ـو.ترت بشكل ملحوظ .. وبشكل تلقائي منها تقهقهرت للخلف وهي تهتف بتحذير سخيف وترفع سبابتها المضطربة مثلها تمامًا في وجهه :
_ لا تقرب .. حاتم لا تقرب قلتلك !!
لا يبالي لتحذيرها اللطيف ، كان هدفها بث الخـ.ـو.ف بهذا التحذير ولكنها فعلت العكس .. ظلت تتراجع وقد نست أن نهاية هذا الاتجاه هو الحائط ، فاصطدmت بظهرها به والتفتت برأسها للخلف تتطلع للحائط بتـ.ـو.تر ثم عادت برأسها إليه وحدقته بشراسة تليق بجمال أنثى فاتنة ورقيقة مثلها .. وقف أمامها وابتسامته المتسلية زاد اتساعها على ثغره ، ثم رفع كلتا ذراعيه وأسند كفيه على الحائط يحاوطها من الجهتين يرمقها بنظرة مشاكسة متحدثًا بنفس لهجتها اللبنانية :
_وإذا قربتلك شو بتسوي ؟!
ازدردت نادين ريقها بـ.ـارتباك واستحياء ملحوظ على وجهها ، ابتسامته ونظراته أذابتها في لحظة كقطعة ثلج وضعت فوق النيران ، ظلت تتأمله بهيام ولسانها انقعد فلم تتمكن من الرد عليه ، استمرت فقط في التحديق به مسلوبة العقل .
ابتسم باتساع اكثر حين رأى سكونها التام واستسلامها وهي تتطلع إليه بعينان شاردة ، فغمز لها بعيناه البندقية وتمتم شبه ضاحكًا :
_ شششش .. سرحتي في إيه
فاقت من رحلتها القصيرة على أثر صوته وغمزته المثيرة ، فزاد تـ.ـو.ترها وخجلها أكثر وبعفوية وضعت يديها الناعمتين على صدره ودفعته بعيدًا عنها فارتد هو للخلف ، وهرولت هي نحو الباب تفر منه قبل أن يمسك بها مرة أخرى .. فتحت الباب وكانت على وشك الرحيل لكنها توقفت والتفتت له برأسها هاتفة بغـ.ـيظ ووعيد حقيقي :
_راح حاسبك على هاد الشي اللي سويته هلأ
تفوهت بتلك الجملة ورحلت فورًا دون أن تغلق الباب حتى خلفها من فرط تـ.ـو.ترها ، بينما هو فضحك بخفة وهو يلوح بيده في عدm حيلة .
***
عودة إلى القاهرة في مصر .....
أخرج آدm هاتفه من جيب بنطاله بعد ارتفاع صوت رنينه الصاخب .. قرأ اسم المتصل الذي ينير الشاشة ثم رد بخشونة صوته الرجولي :
_ هاا عملت إيه ؟
رد عليه الطرف الآخر بأسف :
_ للأسف يا آدm بيه لغاية دلوقتي مقدرتش أوصله
صرخ به بصوت جهوري لكن سرعان ما حاول إخفاض نبرته عنـ.ـد.ما تذكر أنه موجود بالمستشفى :
_ وهو أنا باعتك تدورلي عليه عشان تقولي مقدرتش اوصله .. بكرا عايز **** ده يكون قدامي وقبل ما البوليس يمسكه فاهم ولا لا
أجاب عليه الآخر بنبرة متلعثمة قليلًا تحمل القليل من الخـ.ـو.ف :
_ حاضر يابيه
انزل الهاتف واغلق الاتصال ثم اتجه نحو أقرب مقعد وجلس فوقه ، قم رفع كفه ماسحًا على وجهه متأففًا بإرهاق وتعب .. لمح الطبيب يخرج من غرفة أخيه فتوقف وهرول مسرعًا يلحق به قبل أن يرحل .
اوقف الطبيب وسأله باهتمام :
_ طمني يادكتور حالته تحسنت شوية ولا لسا زي ماهي
لمس الطبيب نبرة القلق والارتعاد في صوت آدm فابتسم له وقال مربتًا على كتفه بنبرة متفائلة :
_ للأسف لسا زي ماهي .. بس متقلقش إن شاء الله هيقوم بالسلامة ، ولغاية بكرا الصبح ممكن كل حاجة تتغير وحالته تتحسن ويفوق كمان
تنهد آدm بأسى ورد في تمنى :
_ يارب .. متشكر جدًا يادكتور
_ على إيه ده واجبي
انصرف الطبيب وبقى آدm يقف بأرضه متسمرًا في حـ.ـز.ن .. ثم تحرك بقدmاه نحو زجاج الغرفة ووقف أمامه من الخارج ينظر لأخيه المتسطح على الفراش ، امعن النظر به في قلب منفطر للحظات حتى خرجت همسة تحمل في طياتها الوعيد وكلها غضب :
_ أنا شاكك في حد وصدقني لو طلع هو السبب في الوضع اللي إنت فيه دلوقتي ده مش هرحمه
***
خرجت فريدة من الحمام وهي تجفف وجهها بمنشفة صغيرة ، فصك سمعها صوت رنين هاتفها .. تحركت باتجاهه والتقطته تنظر للشاشة وتقرأ اسم المتصل الذي كان مسجل باسم " لميا " .. تأففت بخـ.ـنـ.ـق ثم حركت اصبعها على شاشة الهاتف لتفتح الاتصال ورفعت الهاتف تضعه على أذنها تجيب بشيء من السخط :
_ خير
نادر مبتسمًا بسخرية ونبرة لا تبشر بخير :
_ اخبـ.ـار اللي لو حصله حاجة مش هترحميني عشانه إيه ؟!! .. فاق ولا لسا ؟
ردت فريدة في استهزاء من سؤاله وبعصبية :
_ مهتم اوي يعني سيادتك مثلًا تعرف وضعه إيه .. طيب يانادر عدنان حالته خطرة ودخل العناية المشـ.ـددة ياترى إنت مرتاح كدا
ضحك ورد ببرود وفرحة داخلية :
_ جدًا .. الحقيقة أنا اللي مش فاهمك هو مش انتي برضوا بتحبيني ومش بتحبيه .. امال ايه لزمة الخـ.ـو.ف ده كله عليه ، ولا بقى إنتي كنتي مفهماني غلط وبتحبي عدنان
أصدرت زفيرًا حارًا بنفاذ صبر وردت عليه باستياء :
_ هو الكلام ده وقته دلوقتي يانادر .. بقولك حالته خطرة وممكن ميقومش منها وإنت بتقولي بتحبيني وبتحبيه و.....
قاطعها بخـ.ـنـ.ـق وصوت أجشَّ :
_ خلاص خلينا نركز في الأهم دلوقتي .. جلنار عرفت إزاي ؟
_ معرفش كانت نقصاها هي دي كمان .. لو مكتمناش نفسها هتفضحنا ووقتها عدنان هو اللي هيقــ,تــلنا
نادر بابتسامة شيطانية ونظرة لعوب لم تراها بسبب تحدثهم في الهاتف :
_ ده في حالة لو مكتمناش نفسها زي ما بتقولي
فريدة متأفف بقرف وحنق :
_ اقفل يانادر أنا مش في وضع يسمح ليا بالتخطيط والكلام دلوقتي خالص .. لما افوق وعدنان كمان يطلع من العناية وحالته تتحسن نبقى نفكر هنعمل إيه في المصـ يـ بـةاللي نزلت فوق راسنا دي
انهت الاتصال دون أن تنتظر رده حتى .. مما جعله ينزل الهاتف من على أذنه ويتطلع إليه بشيء من الدهشة مبتسمًا بازدراء ، ثم هدر بغل ينبع من صميمه :
_ عدنان ! .. أصلًا حادث زي ده المفروض كان يوصل المستشفى مـ.ـيـ.ـت لكن هو بسبع أرواح
ثم سكت للحظة يفكر بشيء وسرعان ما انفجر ضاحكًا وهو يهتف بتسلي لمجرد مرور الفكرة على ذهنه :
_ كنت ناوي اخلص منك ياديدي ياحبيبتي بنفسي ، بس هسيبك للي مش بيرحم بجد وهبقى ضـ.ـر.بت عصفورين بحجر واحد خلصت منك وعدنان الشافعي دخل السـ.ـجـ.ـن
ثم انحنى على كأس الڤودكا الموضوع فوق المنضدة الصغيرة وسكب منه في الكأس البيضاوي ورفع الكأس لفمه يرتشفه كله دفعة واحدة ويهتف مستكملًا ضحكه الشيطاني :
_ مجرد التخيل باللي هيعمله فيكي لما يعرف بخيانتك بيشعرني بالنشوة ياديدي
***
في صباح اليوم التالي داخل منزل نشأت الرازي ......
يمسك بفنجان القهوة الصباحي المعتاد ، جالسًا في حديقة المنزل على مقعد أمام طاولة بيضاء ودائرية ، مستمتعًا بالأجواء الهادئة من حوله واللون الأخضر الذي يملأ نظره .
قطع عليه خلوته الصباحية اقتراب مساعده الخاص ووقوفه أمامه مغمغمًا :
_ صباح الخير يانشأت بيه
_ صباح النور ياصلاح خير !
أردف صلاح بنبرة جادة تحمل القليل من التعجب :
_ هو سيادتك متعرفش آخر الأخبـ.ـار ؟
نشأت بحنق متأففًا :
_ لا معرفش .. اتكلم علطول من غير مقدmـ.ـا.ت في إيه ؟!
_ عدنان الشافعي عمل حادث خطير امبـ.ـارح وهو في العناية المشـ.ـددة دلوقتي
كان فنجان القهوة في فمه يرتشف منه .. فأخرجه فورًا وهو يبتلع القهوة التي في فمه بزعر .. ثم اسنده على الطاولة في قوة وهتف بصدmة :
_ حادث !! .. وإزاي متقوليش من امبـ.ـارح يابغل أنت !
صلاح معتذرًا ببعض الاضطراب :
_ ياباشا أنا يدوب لسا عارف الخبر ده دلوقتي .. وأول ما عرفت جيت لسعاتك جري عشان اقولك
نشأت بعصبية وهو يلوح بيده له في عنف :
_ طيب خلاص خلاص .. قول كل اللي عرفته اخلص
_ عربية نقل خبطت في عربيته وحالته كانت صعبة أوي لما وصل المستشفى قبل العمليات .. وكمان اللي فهمته أن الحادث ده مقصود والدليل أن آدm بيدور على سواق عربية النقل دي وقالب الدنيا عليه من إمبـ.ـارح .. وبـ.ـنت حضرتك هي والبـ.ـنت الصغيرة حفيدتك قاعدين عند الحجة انتصار
توقف عند كلمة " مقصود " وعقله بدأ يعمل .. من لديه الغاية في التخلص منه حتى يدبر له حادث كهذا ؟! .. سؤال طرحه على نفسه بتفكير وحيرة ، وبعد لحظات من الصمت القـ.ـا.تل خرج صوته وهو يملي تعليمـ.ـا.ته الصارمة على صلاح :
_ خلي حد من الرجـ.ـا.لة يفضل ورا الموضوع ده ويعرفلي مين اللي دبر الحادث ده .. أما أنت فعايزك تبقى ورا جلنار وهنا زي ضلهم لغاية ما نعرف مين اللي عايز يأذي عدنان .. وأياك عينك تغفل عنها لحظة واحدة فاهم ولا لا ، وأكيد مش محتاج أوصيك إنك متخلهاش تلاحظ إنك مراقبها وماشي وراها
هتف صلاح يقترح فكرة ليست سيئة لكنها بائسة :
_ طيب ياباشا ما تخلي جلنار هانم وبـ.ـنتها يقعدوا عندك في البيت هنا عشان تبقى قدام عينك ومطمن عليها اكتر
تنهد نشأت بيأس وهدر بوجه عاجز :
_ ياريت يا صلاح بس هي مش عايزة تبص في وشي ، فكرك هتوافق تقعد معايا
_ جرب ياباشا مش هتخسر حاجة
أصدر نشأت زفيرًا حارًا وتمتم :
_ روح أنت دلوقتي ياصلاح اعمل اللي قولتلك عليه بس
أماء له الآخر بالموافقة وهو يزم شفتيه ثم استدار وسار مبتعدًا إلى خارج المنزل بأكمله .. تاركًا نشأت يحاول تخمين من الذي دبر ذلك الحادث ، ومن جهة أخرى يفكر بابـ.ـنته وحفيدته وقد بدأ القلق يتسرب لقلبه خشية من أن يلحق بهم أي مكروه .. لكنه لن يسمح بهذا ! .
***
خرجت مهرة من البناية الصغيرة لمنزلها .. تسير في الشوراع الداخلية لمنطقتها لكي تصل إلى الشارع الرئيسي وتستقل بإحدى سيارات الأجرة وتذهب لعملها قبل أن تتأخر .. لكن أثناء مرورها من أحد الشوارع أوقفها شابًا يبلغ من العمر حوالي سبعة وعشرون عامًا من أبناء منطقتها .
قفز أمامها من بوابات أحد المنازل فجأة فانتفضت مهرة فزعًا وارتدت للخلف كردة فعل تلقائية ثم صاحت بعفوية بعدmا أدركته :
_ إنت اتهبلت ولا إيه يا ريشا
وقف أمامها وهتف بنظرة خبيثة :
_ على فين كدا يافرسة المنطقة
تجمدت معالم وجهها للحظة تستوعب جملته ، الجميع يعرف أنه ماجن ومنحرف لكنه لم يسبق له وتجرأ أن يتحدث معها بهذه الطريقة ! .
مهرة بتصنع عدm الفهم ووجه بدأت تعتلي ملامحه الغضب :
_ بتقول إيه لا مؤاخذة !
رد عليها الآخر بوقاحة وعينان جريئة تتفحص جسدها :
_ أنا أول مرة اشوف شغل بيبقى الصبح .. أصل اللي اعرفه أن الشغل اللي زي كدا بيبقى بليل بعد نص الليالي
اشتعلت مهرة غضبًا وصاحت به بصوت مرتفع وبعصبية :
_ أنت اتخبلت في نفوخك بتقول إيه يالا .. ابعد من وشي جاتك القرف
ابتعدت من أمامه وهمت بأكمال طريقها لكنه قبض على ذراعها وهتف بنظرة وضيعة وابتسامة جانبية ساخرة :
_ بقول المشي البطال ياما بهدل أبطال مش كدا ولا إيه يابطل الحتة
نظرت ليده القذرة الممسكة بذراعها ، ورفعت نظرها له تطالعه بعينان تطلق شرارات نارية يمكنها أن تحرقه وتحوله لرماد بلحظة .. أظهرت عن شراسة الانثى الشعبية التي تكمن داخلها .. حيث رفعت حقيبتها التي محاطة بالخارج بقطع حديدية تزين شكلها من الجوانب ومن الأعلى ، ثم غارت عليه تلكمه بها في وجهه ورأسها بكل عنف وشراسة وتهتف باستهزاء وغل :
_ بظبط زي ما انا هبهدل **** دلوقتي .. ياتربية *** وزبـ.ـا.لة وعرة
كان يحاول تفادي لكمـ.ـا.تها بحقيبتها الثقيلة والمؤلمة وهو يصـ.ـر.خ بها ويده تعبث في الهواء لكي تمسك بها وتوقفها لكنه لم يتمكن من مجابهة هجومها الشرس عليه .. وبعد لحظات من الضـ.ـر.ب المتواصل توقفت ونظرت لوجهه الذي بدأت تسيل الدmاء من اعلى جبهته وكذلك جانب ثغره ، فابتسمت بثقة وانتصار لتجيب عليه بنفس طريقته الشعبية في الحديث :
_ يا تخليك قد كلامك .. ياتخلي كلامك على قدك هااا
القت بجملتها ثم استدارت وسارت تكمل طريقها للخارج وهي تبتسم بتشفي .. بينما الآخر فرفع أنامله يتحسس دmاء جبهته وثغره وعيناه معلقة عليها تتابعها وهي تسير مبتعدة عنه ، ثم خرجت منه همسة متوعدة بغضب هادر وغل :
_ ماشي يابـ.ـنت رمضان الأحمدي وحياة أمي لأعرفك ريشا مين على حق
***
توسلات كثيرة من ميرفت وهي تحاول إقناع أسمهان بالبقاء وعدm الذهاب .. لكن الأخرى لا تسمع لأحد ومصرة على الذهاب لرؤية عدنان ، ولا تتفوه سوى بشيء واحد ( أنا هروح اشوف ابني مش هقعد هنا وهو قاعد في المستشفى ) .
توقفت ميرفت وهتفت برجاء ولطف :
_ يا أسمهان .. هتروحي تعملي إيه بس هو لسا في العناية ومفاقش وممنوع حد يدخله ، وآدm موجود هناك أول ما يفوق أكيد هيتصل بينا ويقولنا
أسمهان بعصبية وإصرار :
_ أنا قولت هروح يعني هروح ياميرفت
تنهدت ميرفت بعدm حيلة وتبادلت النظرات مع زينة التي رفعت كتفيها الأخرى مغلوبة على أمرها وقالت :
_ خلاص ياماما سبيها على راحتها هي هترتاح اكتر لما تروح وتفضل جمبه هناك
ارتفع صوت رنين ميرفت فأمسكت به ونظرت لاسم المتصل وردت فورًا بتلهف :
_ آدm طمنا يابني مفيش أخبـ.ـار ؟
ظهر التلهف المماثل والقلق على وجه كل من زينة وأسمهان بينما آدm فتنهد بأسى وقال نافيًا بنبرة صوت مختلفة من فرط الحـ.ـز.ن والإرهاق :
_ لا لسا مفاقش ياخالتو .. بس الحمدلله حالته احسن شوية من امبـ.ـارح ، انا اتصلت عشان اسألك عن ماما عاملة إيه ؟
ابتعدت قليلًا عن أسمهان وردت عليه بخفوت وصوت منخفض :
_ رافضة تاكل أي حاجة ودmـ.ـو.عها موقفتش من ساعة ما رجعت بليل من المستشفى ودلوقتي بتلبس ومصممة إنها هتروح المستشفى
_ طيب ادهاني ياخالتو هكلمها أنا
عادت ميرفت مرة أخرى إلى أسمهان ومدت الهاتف لها تهتف :
_ خدي كلمي آدm يا أسمهان عايز يكلمك
صاحت أسمهان بصوتها المرتفع وانفعال بعدmا فهمت سبب رغبته في الحديث معه :
_مش هتكلم أنا قولت كلمتي وخلاص
ضمت يدها مرة أخرى ورفعت الهاتف إلى أذنها تجيب على آدm بيأس :
_ سمعتها طبعًا
آدm متنهدًا بتعب :
_ طيب خلاص ياخالتو خليها تاجي بس تاكل الأول متطلعش من البيت من غير فطار وخلي بالك عليها معلش
_ حاضر ياحبيب خالتك متقلقش .. وخلي بالك إنت كمان من نفسك
رد عليها بالموافقة في نبرة لينة ثم انهى الاتصال وتحرك باتجاه غرفة أخيه ووقف أمام الزجاج يتابعه هكذا ملازمًا إياه منذ مساء الأمس دون أن تحيد نظراته عنه ! .
***
في مساء ذلك اليوم ......
منذ الصباح ولا توجد أي أخبـ.ـار سارة .. قلبها يتآكل خـ.ـو.فًا وحـ.ـز.نًا ، وكل ساعة والأخرى تجري اتصال بآدm تسأله عن إذا حدثت أي تطورات بحالته الصحية فيجيب عليها بالنفي .. تجاهد بصعوبة في تمالك دmـ.ـو.عها التي تحارب من أجل الأنهمار ، وصغيرتها لا تكف عن السؤال ( متي سيعود أبي .. هيا نذهب إليه إذًا ) وبكل سؤال لها تجيب هي عليها بحجة مختلفة وثبات مصطنع حتى لا تنهار أمام طفلتها .. وكانت تود أن تهتف وتخبرها من بين بكائها ( قلبي يـ.ـؤ.لمني على أبيكِ مثلك تمامًا ياصغيرتي ، ولأول مرة أشعر باشتياقي له ! ) .
تجلس على مقعدها الخشبي أمام النافذة .. ترفع ساقيها إلى صدرها وتلف ذراعيها حول ساقيها محتضنة نفسها كطفلة صغيرة تائهة .. وعيناها تحدق في الفراغ بشرود متذكرة إحدى لحظاتهم اللطيفة معًا في الماضي ...
منكبة على البكاء بحرارة وهي بين ذراعيه تدفن وجهها بين ثنايا صدره الدافيء وتبكي كالأطفال تمامًا ، بينما هو فيلف ذراعه حولها ويملس على أعلى ذراعها بلطف ورقة كي يساعد في تهدئتها لكنها تزداد في البكاء أكثر مما جعله يهتف بحيرة :
_ كفاية ياجلنار خلاص .. ليه العـ.ـيا.ط ده كله !
أجابت عليه من بين بكائها بصوت متقطع :
_ أنا خايفة أوي على دادا انتصار
عدنان متنهدًا بنفاذ صبر وهو مستمر بحركة يده التلقائية على ذراعها ويزيد من ضمه لها :
_ احنا مش كنا عندها دلوقتي ولسا جايين وكانت كويسة الحمدلله .. خلاص بقى ارحمي نفسك وارحميني
توقفت عن البكاء ورفعت رأسها قليلًا عن صدره وهي لا تزال بين ذراعيه وطالعته بوجه ممتليء بالدmـ.ـو.ع ونظرات بريئة .. احس لوهلة أن ينظر لطفلته الصغيرة التي لم تتعدى السنة ونصف فابتسم بتلقائية قبل حتى أن يسمع جملتها الألطف من نظراتها :
_ بكرا الصبح هروح اطمن عليها تاني
رد عليها بخفوت هاديء وابتسامة دافئة :
_ روحي هو أنا قولتلك لا !
اخفضت نظرها وعادت تدفن وجهها مجددًا بين ثنايا صدره واستمرت في البكاء من جديد فوجدته يهتف بنفاذ صبر حقيقي هذا المرة وبخـ.ـنـ.ـق :
_ اوووووف وبعدين ياجلنار !
هتفت بصوت تمكن من استيعاب كلمـ.ـا.تها من خلاله بصعوبة بسبب بكائها الحار :
_ إنت لما بتحـ.ـضـ.ـني أنا بعيط اكتر
فاقت من ذكرياتها ووجهها كله كان ممتليء بالدmـ.ـو.ع .. تبكي الآن ليس لمرض الخالة بل من أجله هو ، الجميع حولها سواه .. لا تعرف إلى متى سيظل نائمًا في ذلك الفراش البائس ، ألا يكفي هذا القدر ليعلم مقدار محبته في قلوبهم ، ألا يكفيه دmـ.ـو.ع الخـ.ـو.ف والرعـ.ـب التي تسيل من عيونهم كالدmاء .. لا يحق له أن يـ.ـؤ.لم قلبها في الخير والشر ! .. يكفيه اللآم التي الحقها بها .. ستثأر منه عنـ.ـد.ما يستيقظ لأنهم لم يتفقا على فراق قد يكون ابدي ! .
***
استقام آدm من مقعده بتلهف فور رؤيته للطبيب وهو يخرج من غرفة أخيه .. اسرع إليه شبه راكضًا وسأل بقلق :
_ وضعه إيه دلوقتي يادكتور !
علت ابتسامة مشرقة فوق ثغر الطبيب أعادت الأمل والروح لوجه آدm العابس منذ يومًا كاملًا .. وتابع الطبيب وهو يعطي البشرى المنتظرة بود وسعادة :
_ الحمدلله فتح عينه وتجاوز الخطر على حياته
تهللت أسارير آدm والبسمة ملأت وجهه كله ، وكأنه ثقلًا ازاحه عن صدره بتلك البشرى المنتظرة .. لمعت عيناه بسعادة غامرة ودفن وجهه بين ثنايا كفيه متمتمًا براحة مرددًا :
_ الحمدلله .. ألف حمد وشكر ليك يارب
رفع وجهه وهتف يسأل الطبيب :
_ طيب كدا هيخرج من العناية ولا لسا
_ لا للأسف لازم يفضل تحت الملاحظة تحسبًا لأي تطورات ممكن تحدث .. بس هو حتى الآن حالته مستقرة ومفيش خطر الحمدلله
اماء آدm برأسه في تفهم وعاد يطرح سؤاله الثاني بترقب :
_ طيب اقدر ادخل اشوفه ؟
هز الطبيب رأسة بالموافقة وتمتم ببعض للأسف :
_ تمام بس اتنين بس اللي هيدخلوا ليه و كل واحد ثلاث دقائق بحد أقصى وبدون كلام كتير عشان متحصلش مضاعفات ويتعب
_ تمام يادكتور شكرًا
_ على إيه .. وحمدلله على سلامته مرة تاني
_ الله يسلمك
ابتعد آدm بعد رحيل الطبيب وأجرى اتصال بأول شخص كان في آخر قائمة الاتصالات ووضع الهاتف على أذنه يستمع الرنين بانتظار رده .
التقطت جلنار هاتفها ونظرت لاسم المتصل فقفزت جالسة بفزع وأجابت هاتفة بتلهف وهي تجفف دmـ.ـو.عها التي مازالت فوق وجنتيها :
_ أيوة يا آدm
لاحظ بحة صوتها وهي تجيب عليه فابتسم بإشفاق وهتف في فرحة :
_ عدنان فاق ياجلنار وحالته كويسة الحمدلله
خرجت منها تنهيدة كان بمثابة عودة الروح لقلبها المنفطر ، وظهرت على شفتيها الشاحبتين ابتسامة شكر وعادت الدmـ.ـو.ع تتجمع في عيناها مرة أخرى من السعادة ، ثم ردت على آدm بصوت مبحوح :
_ الحمدلله .. طيب اقدر ادخل اشوفه لو جيت يا آدm
ابتسم الآخر واردف بوداعة :
_ انا متصل بيكي عشان كدا أساسًا .. الدكتور قال اتنين بس اللي يدخلوا ، تعالي عشان تدخلي تشوفيه وكمان ماما هتصل بيها وهتيجي عشان تدخل وتشوفه
اتسعت ابتسامتها أكثر ثم سرعان ما قالت بريبة :
_ وإنت مش هتدخل تشوفه ؟!
_ ياستي تعالي انتي بس وملكيش دعوة بيا
هبت من مقعدها واقفة وقالت بحماس وفرحة :
_ طيب طيب انا هلبس وآجي دلوقتي فورًا
↚ارتدت الملابس الطبية الخاصة بالزيارة .. ووقفت أمام باب غرفته للحظة تسحب أنفاسها لصدرها في راحة ثم تخرجها زفيرًا متمهلًا ، وعلى ثغرها ابتسامة سعادة وشوق .
فتحت الباب ببطء شـ.ـديد حتى لا تسبب إزعاج ، ودخلت ثم اغلقته خلفها ببطء أشـ.ـد من السابق ، استدارت بجسدها له ورأته نائم في الفراش والأجهزة الطبية حول الفراش من الجهتين وبيده إبرة متصلة بانبوبة صغيرة تصل إلى زجاجة المحلول المعلقة بجانب فراشه .. تلألأت الدmـ.ـو.ع في عيناها في لحظة لكنها شـ.ـدت على محابسهم بسرعة واقتربت بخطواتها الهادئة منه ، وقفت بجانب فراشه بالضبط واستغرقت لحظات قصيرة وهي تمعن النظر في وجهه الشاحب ، فلم تتمكن من حجز دmـ.ـو.عها أكثر فانهمرت على وجنتيها بغزارة .. مدت يدها الناعمة وامسكت بيده الكبيرة ، احتضنت كفه بقوة تستشعر لمسة يده التي ترغب بالشعور بها لأول مرة .. وعيناها لا تتوقف عن زرف الدmـ.ـو.ع .
توقفت عن البكاء وتجمدت ملامحها حين شعرت به يضغط بوهن على كفها الممسك بيده ، وباللحظة التالية يفتح عيناه ببطء في تعب وتخرج همسة خافتة منه :
_ جلنار
تهللت اساريرها وعلت الابتسامة الواسعة شفتيها فور سماعها لصوته ورؤية عيناه ، طالعته بنظرة دافئة دون أن تجيب ، فمال هو برأسه بعض الشيء وتطلع لوجهها وعيناها الغارقة بالدmـ.ـو.ع فلاحت شبح ابتسامته الواهنة على شفتيه وهمس بصوت بالكاد يسمع وهو يزيد من ضغط يده على كفها :
_ متعيطيش أنا كويس
ردت عليه أخيرًا بصوت ناعم كلمسة يدها تمامًا بعينان معاتبة ودامعة :
_ كنت عايز تفارقني واحنا متفقناش على فراق زي كدا
ازدادت ابتسامته اتساعًا وحرك إبهامه بضعف على كفه الصغير يملس عليه متمتمًا بصوت بدأ يظهر عليه التعب الحقيقي :
_ متخافيش .. طول ما فيا النفس .. يبقى .. مفيش فراق
وضعت كفها الآخر فوق يده وملست على ظهره بلطف متمتمة باهتمام وقلق :
_ طيب متتكلمش كتير عشان متتعبش .. وشـ.ـد حيلك أنت بس وقوم بالسلامة يلا عشان هنا واحشتها اوي وكل دقيقة بتسألني عليك وعايزة تشوفك
خرجت همسة خافتة بابتسامة جانبية بها بعض اللؤم :
_ هنا بس ؟!
ابتسمت وهي تشيح بوجهها الجانب الآخر في عدm حيلة منه ، ثم قالت بوداعة :
_ أنا هطلع عشان مينفعش أفضل وقت طويل .. وإنت ارتاح
سحبت يدها من بين يده ببعض الصعوبة كأنه لا يرغب بتركها ، ثم ألقت نظرة مطولة عليه تبادلا فيها النظرات قبل أن تستدير وتنصرف مسرعة .
خرجت وبدأت تنزع عنها الملابس الطبية فاقترب منها آدm وتمتم يسألها :
_ كلمك ؟
هزت رأسها بالإيجاب في ابتسامة وهتفت :
_ أيوة الحمدلله هو كويس .. بس طبيعي بيتعب من الكلام الكتير زي ما قال الدكتور فمخلتهوش يتكلم كتير وطلعت علطول
تنهد آدm تنهيدة حارة براحة ، ثم ابتسم وطالعها بنظرة ذات معنى :
_ الحمدلله .. وإنتي بقى ؟
فهمت ما يرمي إليه فبادلته الابتسامة وقالت بخفوت وهي شبه ضاحكة تعطيه الإجابة المقصود سؤاله من أجلها :
_ بقيت كويسة .. المهم إنت مش هتدخل تشوفه
_ لا لا أنا تمام .. وهو حالته مستقرة وكويس الحمدلله يعني ممكن بكرا الصبح يطلع من العناية وهشوفه
ثم استكمل كلامه في شيء من المشاكسة اللئيمة وهو يضحك :
_ بعدين أنا اخدت ثواب فيكي إنتي وماما ، حالتكم تصعب على الكافر .. بس ماشاء الله اللي يشوفك وإنتي طالعة من عنده ميشوفكيش وإنتي داخلة
رفعت جلنار حاجبها مبتسمة باستنكار وقالت بضحكة مكتومة :
_ لم الدور يا آدm !
قهقه بصوت مرتفع قليلًا ثم هتف ببعض الجدية :
_ طيب خلينا في الأهم .. تعالي نقعد شوية عايز اتكلم معاكي قبل ما توصل ماما وفريدة
توقعت الأمر الذي يرغب في تبادل أطراف الحديث معها عنه ، فتنهدت مغلوبة على أمرها وسارت خلفه دون اعتراض .
***
ملازمة فراشها منذ ساعات وتعبث في هاتفها ، تتصفح موقع التواصل الاجتماعي ( الانستغرام ) .. ضغطت على منطقة البحث فارتفعت لوحة المفاتيح أمامها .. سكتت للحظة تهمس لنفسها بصوت مسموع :
_ هو كان اسمه إيه .. آه آدm الشافعي
كتبت اسمه باللغة الانجليزية فظهرت لها نتائج لأشخاص لا تعرفهم .. بحثت بينهم قليلًا حتى عثرت على ملفه الشخصي حيث كان يضع صورته ، ضغطت على الملف وفتح ، استغرق لحظات حتى يتم تحميل جميع الصور وبدأت هي تشاهد الصور واحدة تلو الأخرى وفي مقدmة الصور كانت صوره من داخل افتتاح ذلك المعرض .. صورًا كثيرة له مع أصدقاء له وعائلته وصوره بمفرده وبعضًا من الصور كانت مع فتيات من الطبقة المخملية أيضًا ، لكن الذي لفت نظرها أكثر شيء بين كل هذه الصور هي صوره الكثيرة التي تظهر فيها طفلة صغيرة معه .. صور جميلة يظهر بها مدى حبه لتلك الطفلة وهو يلتقطون معًا صورًا طريفة ودافئة .
توقفت عن التقليب بين صوره للحظة وهي تحدق في اللأشيء أمامها بشرود امتزج بالدهشة وهي تهز رأسها بالنفي وعدm الاستيعاب :
_ لا لا أكيد مش بـ.ـنته !
ارتفع صوت جدتها وهي تصيح منادية عليها من الخارج ، فالقت بالهاتف بجوارها على الفراش والقت هي الأخرى بجسدها ووضعت رأسها على الوسادة وتدثرت بالغطاء متصنعة النوم ! .. فتحت فوزية الباب ودخلت ثم قالت وهي تتجه نحوها :
_ بت يا مهرة إنتي نمتي ؟
جلست بجوارها على حافة الفراش وهزتها برفق في كتفها متمتمة :
_ مهرة قومي عايزة اقولك حاجة مهمة
تأففت لتوقعها " الحاجة المهمة " التي ترغب بمشاركتها معها .. اعتدلت جالسة وهي تتطلع لجدتها بابتسامة مغلوبة وتهتف :
_ نعم يازوزا ؟
فوزية بعفوية وبتساءل حقيقي :
_ أنا سمعت الإعادة بتاعت المسلسل اللي بتسمعيه والحلقة خلصت على إن الولا ابو شعر اصفر ده اضـ.ـر.ب بالنار .. هو هيمـ.ـو.ت ولا لا ؟
مسحت مهرة على وجهها وهي تتأفف بقوة أشـ.ـد وهدرت بنفاذ صبر :
_ ياتيتا ارحميني ابوس إيدك .. دي عاشر مرة تسأليني السؤال ده .. بعدين قولتلك اسمه اردا مش الولا الأصفر
لوحت فوزية بيدها في قرف ثم قالت وهي تحاول نطق الاسم :
_ اسمه إيه .. ارداف !!
مهرة بصدmة :
_ ارداف !! .. اه اسمه ارداف ياتيتا
_ ما تخلصي قولي هيمـ.ـو.ت ولا لا يابت
أمسكت بهاتفها عن طريق الخطأ وقالت بعدm حيلة :
_ والله مش عارفة .. استني أما اكلملك ارداف واسأله هتمـ.ـو.ت ولا لا الحلقة الجاية ! .. أكيد معرفش يعني ما انا بتفرج معاكي زي زيك
لمحت فوزية صور آدm على الهاتف فقالت فورًا بدهشة :
_ مين ده ؟!!
أدركت مهرة الخطأ الفادح الذي ارتكبته دون قصد وابتسمت ببلاهة متمتمة وهي تخفي الهاتف عن أعين جدتها :
_ ده الولا الأصفر ارداف .. بس صبغ شعره وخلاه اسود
جذبت فوزية الهاتف من يدها عنوة وهي تدقق النظر في صورة آدm وتهتف باستهزاء :
_ لا مش هو .. ده احلى من ارداف اللي عامل زي صفار البيض ده
قهقهت بصوت عالي وهتفت مهرة من بين ضحكها :
_ إيه ده يازوزا إنتي بتعاكسيه قدامي !
تجاهلتها فوزية ولم تجب عليها فقط ظلت تتطلع في صورة آدm .. تحاول تذكر أين ومتى رأته ، حتى قفز الموقف وصورته في ذهنها فقالت مسرعة :
_ مش ده الشاب اللي قابلانه عند الصيدلية وكان هيخبطني بالعربية ؟!
هزت مهرة رأسها بالنفي حتى لا تفتح على نفسها ابوابًا من الأسئلة اللامتناهية .. وقالت نافية :
_ لا مش هو يازوزا التاني كان بني آدm غتت ، ده واحد تاني
فوزية بثقة تامة :
_ لا هو أنا متأكدة ، الحمدلله لسا بعقلي وصحتي وفكراه كويس .. اسمه إيه كمان ؟
قربت الهاتف من وجهها أكثر لتستطيع قراءة اسمه وتمتمت تقرأ اسمه بصعوبة بسبب ضعف النظر :
_ آ..دm .. الشافعي
ثم نظرت إلى مهرة وقالت بنظرة ثاقبة :
_ وإنتي عرفتي اسمه منين عشان تبحثي عنه ؟!
لوت مهرة فمها مغلوبة على أمرها وقالت :
_ المعرض اللي اخدتني سهيلة معاها ليه .. طلع هو صاحب المعرض وعرفت اسمه من هناك
_ المعرض اللي وقعت سلسلتك فيه ؟!
_ أيوة هو يا زوزا .. على حظي النحس السلسلة متلاقيش غير هناك وتقع مني !
رتبت فوزية على ذراعها بحنو متمتمة :
_ ولا يهمك يابـ.ـنتي .. مت عـ.ـر.فيش الخير فين ، أنا هقوم انام وانتي كملي نومك
اماءت لها بالموافقة وتابعتها وهي تنهض وتتجه نحو الباب ، فور انصرافها أخذت مهرة نفسًا عميقًا واخرجته زفيرًا قوي ثم أغلقت الهاتف ووضعت رأسها على المخدة من جديد ثم مدت يدها واطفأت ضوء الغرفة ، وبعد دقائق قليلة غاصت في ثبات عميق .
***
ارتفع رنين الباب فظنت انتصار أن جلنار قد عادت .. ضيقت عيناها باستغراب وهتفت وهي تسير نحو الباب :
_ حاضر حاضر .. هو إنتي لحقتي تروحي تشوفيه !
وصلت إلى الباب ثم أمسكت بالمقبض وإدارته وجذبت الباب إليها .. فتصلبت بأرضها كالصنم حين رأت نشأت أمامها .
كانت هنا في الداخل وحين سمعت صوت رنين الباب ركضت وهي تهتف بحماس :
_ ماما
لكنها وقفت تحدق في جدها بدهشة .. لم تراه منذ أكثر من شهرين وقاربت على ثلاثة أشهر ، فانطلقت منها صيحة عالية بفرحة :
_ جدو !
انتبه نشأت على أثر صوتها الرقيق فعلت الابتسامة المشرقة وجهه وهو يتقدm خطوة للداخل وينحنى للأمام بجزعة فاردًا ذراعيه لها يحثها على الركض والانضمام لحـ.ـضـ.ـنه ففعلت الصغيرة فورًا والقت بجسدها الصغير بين ذراعين جدها الذي امطرها بوابل من قبلاته وهو يتمتم بشوق حقيقي :
_ حشـ.ـتـ.ـيني و أووي ياحبيبة جدو
هنا بصوتها الطفولي الساحر :
_ وإنت كمان .. إنت كنت فين ياجدو ؟
أبعدها عنه قليلًا وحدقها بنظرة دافئة متمتمًا بأسف:
_ سامحيني ياحبيبتي
زمت هنا شفتيها بحـ.ـز.ن وتمتمت :
_ تعرف ، بابي تعبان وماما راحت تشوفه وقالتلي إنها بكرا هتاخدني عشان اروح اشوفه كمان
نشأت ببعض الحـ.ـز.ن المماثل لها :
_ عارف ياحبيبتي ، متخافيش بابا هيبقى كويس إن شاء الله
اعتدل في وقفته وتطلع لانتصار متمتمًا بنبرة عادية :
_ عاملة إيه يا انتصار ؟
انتصار بمضض :
_ بخير الحمدلله يانشأت بيه .. جلنار راحت تشوف عدنان يعني مش موجودة
_ عارف يا انتصار أنا جاي اتكلم معاكي إنتي
ظهرت معالم الحيرة على وجهها وضيقت عيناها باستغراب ثم افسحت له الطريق ليدخل وأغلقت الباب خلفه .. تحركت أمامه نحو الصالون وجلست على أحد المقاعد الواسعة وجلس هو على الأريكة المقابلة لها وفوق قدmيه جلست هنا بين ذراعين جدها الذي أخفض نظره لها وقال بحب وهو يطبع قبلة فوق وجنتها :
_ ت عـ.ـر.في تجبيلي ماية ياهنون ؟
هزت رأسها بالإيجاب في ابتسامة واسعة ثم نزلت من فوق قدmيه تركض نحو المطبخ حتى تجلب لجدها الماء كما طلب منها .. بينما هو فهتف بإيجاز في نبرة مهتمة ولأول مرة تشعر انتصار بخـ.ـو.فه وحبه الحقيقي لابـ.ـنته :
_ أنا عارف إني لو كلمت جلنار وطلبت منها تيجي تقعد معايا لغاية ما عدنان يتحسن ، مش هتوافق .. فأنا جيت عشان اقولك بس واوصيكي بـ.ـنتي وحفيدتي أمانة في بيتك يا انتصار .. وأنا هخلي رجـ.ـا.لة تبعي يقفوا عند بوابة العمارة تحت عشان اكون مطمئن اكتر عليهم
_ وكل ده ليه يعني ؟!
_ عشان حادث عدنان كان مدبر .. وممكن اللي أذاه يحاول يأذي بـ.ـنتي وحفيدتي وأنا مش هسمح بده ، صلاح بيراقب جلنار في كل خطوة ، وفي تلاتة هيبقوا تحت بيحرسوا العمارة ، لغاية ما يقوم عدنان بالسلامة وانا هتكلم معاه
ضـ.ـر.بت انتصار على صدرها شاهقة بهلع وهتفت بخـ.ـو.ف :
_ يامصيبتي يعني ممكن يأذوا جلنار ؟
نشأت بحدة ونظرة قوية :
_ قولتلك مش هسمح أن حد يمس شعرة من بـ.ـنتي أو حفيدتي يا انتصار .. كل اللي طالبه منك بس إنك تخلي بالك عليهم وتبلغيني بكل تفصيلة بتحصل ، وكمان ياريت متقوليش لجلنار إني جيت أو تجيبي ليها سيرة بخصوص مراقبة صلاح ليها وحتى الرجـ.ـا.لة اللي هيقفوا تحت لو سألت قوليلها أي حاجة غير إنهم تبعي
هزت رأسها بالموافقة وقد فرت الدmاء من وجهها بسبب الهلع ثم سألت بقلق :
_ طيب ومعرفتوش لغاية دلوقتي مين اللي ورا الحادث ده ؟
وصلت هنا ووقفت أمام جدها وهي تمد يدها الصغيرة حاملة كوب الماء الصغير وهاتفة برقة :
_ المايه ياجدو
التفت برأسه لها ولم يتمكن من الرد على سؤال انتصار ، فجذب كوب الماء من يد حفيدته وهو ينحنى لاثمًا وجنتها ومتمتمًا وهو يشرب الماء :
_ شكرًا يا اميرة جدو
وضع كوب الماء فوق الطاولة الصغيرة وهتف وهو يملس على شعرها بلطف ودفء :
_ انا همشي ياهنا دلوقتي بس اوعدك إني هاجي تاني إن شاء الله خلاص
ردت عليه بحـ.ـز.ن :
_ خليك شوية متمشيش
طبع قبلة رقيقة فوق شعرها وهتف :
_ مش هينفع ياجدو عشان ورايا شغل .. بس وعد زي ما قولتلك هاجي تاني والمرة الجاية هقعد كتيييير أوي لغاية ما تزهقي مني ، تمام ؟
اماءت برأسها في يأس مغلوبة على أمرها ثم ضمها لصدره بعانقها بلطف ويثلم وجنتيها بقبلاته الحانية قبل أن يستقيم ويوجه كلامه إلى انتصار بجدية هاتفًا :
_ زي ما اتفقنا
_ تمام يا نشأت بيه
سار باتجاه باب المنزل وانصرف فظلت انتصار واقفة مكانها تفكر بحديثه والقلق والخـ.ـو.ف ينهش قلبها نهش وفقط تردد من بين شفتيها ( ربنا يستر ) .
***
_ احكيلي بقى إيه موضوع فريدة بالتفصيل
كان ردًا قويًا من آدm على سؤال جلنار له بنوع الحديث الذي يرغب في التحدث به معها .. فصمتت هي لبعض الوقت متطلعة إليه بتردد حتى قالت أخيرًا بعدmا حسمت أمرها :
_ طيب هحكيلك بس متجبش سيرة لعدنان دلوقتي خالص على الأقل لغاية ما يقوم بالسلامة ويطلع من المستشفى
_ طيب قولي ياجلنار بس يلا
أخذت نفسًا عميقًا قبل تبدأ بسرد كافة التفاصيل التي حدثت منذ خروجها من المعرض خلف فريدة حتى تهديدها لها بالمستشفى ، وكان آدm يستمع إليها وعيناه تخرج شرارات نارية من فرط الغضب ، يقفل يده ويضغط على قبضته بقوة .. يرغب الآن بالذهاب لذلك الوغد الذي يدعى " نادر " ويخـ.ـنـ.ـقه بيديه .
انتهت جلنار من التكلم فخرج من فم آدm لفظ بذيء يسب ويشتم به كلٌ من نادر وفريدة ، ثم هب واقفًا ينوي الذهاب لنادر لكن جلنار أمسكت به وقالت بحدة :
_ رايح فين يا آدm .. مينفعش ده واحد حقير وممكن يعمل أي حاجة ويأذيك
آدm بصوت مرتفع قليلًا وهو يصيح بانفعال :
_ وانتي متخيلة إني هسيب **** بعد اللي عمله في عدنان ، أنا كنت شاكك فيه أصلًا ودلوقتي اتأكدت منو مفيش حد **** ليه مصلحة يأذي عدنان غيره هو وال**** فريدة
هتفت جلنار محاولة تهدئته وهي تمسك بذراعه حتى لا يفر من بين قبضتيها :
_ ولا أنا كمان متأكدة أنا شاكة زيك يا آدm أنهم هما اللي ورا الحادث ده ، ابوس ايدك اهدى عشان خاطري وخلينا نفكر الأول بهدوء هنعمل إيه ونكشفهم إزاي ، لأن دول شياطين واحنا مش ضامنين ممكن يعملوا إيه
انطلقت من آدm ضحكة ساخرة رغم ملامح وجهه المخيفة وهو يلوح بيده في بعض الدهشة :
_ فريدة .. ومن سنة واكتر ومع *****
لمحت جلنار فريدة وأسمهان وهم يركضون نحوهم فضغطت على يد آدm متمتمة بنظرة جادة :
_ جم .. متخلهاش تحس إنك عرفت حاجة وامسك نفسك قدامها يا آدm
وصلت أسمهان إليه شبه ركضًا وارتمت على ابنها وعانقته بفرحة غامرة متمتمة :
_ عدنان فاق يا آدm .. اللهم لك الحمد والشكر يارب
ملس على ظهرها بيده في رقة وعيناه عالقة على فريدة ، تستقر في عينه نظرات قـ.ـا.تلة تكاد تفتك بها وتسرق أنفاسها ، وبالفعل هي ارتبكت من نظراته فاشاحت بنظرها بعيدًا عنه متسائلة عن سبب تلك النظرات المرعـ.ـبة التي يرمقها بها .
هتف آدm بابتسامة رسمها بصعوبة بسبب الغضب الذي يهيمن عليه ورد على أمه :
_ فاق ياماما الحمدلله وكويس .. ادخلي شوفيه واطمني عليه بنفسك عشان ترتاحي اكتر
هزت أسمهان رأسها في سعادة وهتفت بحماس وتشوق :
_ طبعًا هدخل اشوفه
انتبهت إلى جلنار التي تقف بالقرب من آدm وتتابع ما يحدث بصمت فرمقتها بنظرة حاقدة كلها نقم وقرف ! .
***
في صباح اليوم التالي .....
تم نقل عدنان إلى غرفة عادية بعد تحسن حالته الصحية واستقرارها تمامًا .
سحب آدm مقعدًا وجلس بجوار فراش أخيه وتمتم باسمًا :
_ حمدلله على السلامة ياعم .. شيبت شعر راسنا من الخضة والله
ضحك عدنان ورد عليه مداعبًا وهو يغمز بعيناه :
_ عمر الشقي بقى
ثم هتف متسائلًا بجدية :
_عملت إيه في اجتماع الصفقة اللي كان المفروض امبـ.ـارح ؟
آدm بنبرة رجولية خشنة :
_ اجلته لغاية ما تقوم بالسلامة وتظبط كل حاجة بنفسك ، لكن قولي إنت ناوي علي إيه صحيح ؟
تنهد بقوة وعلى ثغره ابتسامة لئيمة متمتمًا :
_ هتشوف استني بس اطلع من المستشفى واتفرج
ضحك آدm وهو يغمز لأخيه بلؤم مماثل ثم هدر بجدية أشـ.ـد من السابق تكاد تكون غضب ونقم :
_ سواق العربية النقل اللي خبطتك هربان بس الرجـ.ـا.لة قالبين الدنيا عليه وهيتجاب ونتأكد مين اللي ورا الحادث ده
_ إنت شاكك في مين ؟!
_ هقولك بس مش دلوقتي ، لما نمسك الحقير ده الأول
اقتحمت هنا الغرفة حيث فتحت الباب بقوة رغم جسدها الضئيل وركضت نحو أبيها صائحة بفرحة غامرة :
_ بابي
ظهرت إشراقة وجهه فور رؤيته لها واعتدل في نومته بصعوبة ليستقبل صغيرته ، التي قفزت فوق فراشه وجلست بجواره ثم ارتمت عليه تعانقه بشوق حقيقي هاتفة بصوتها الطفولي اللطيف :
_ وحـ.ـشـ.ـتني يابابي
لم يجبها فقط زاد من ضمها إليها وهو يستنشق رائحتها المحببة لقلبه ويتمتم بنبرة مختلفة كلها مشاعر أبوية نقية :
_ وإنتي كمان حشـ.ـتـ.ـيني و ياهنايا
ظلت بين ذراعيه للحظات وهو مغمض عيناه ويتمتم بصوت خافت ودافيء :
_ كنت خايف مقدرش اشوفك تاني يا قلب بابا
ابتعدت عن حـ.ـضـ.ـنه وحدقته بعين لامعة بكل براءة وحب نقي مثلها تمامًا وعلى وجهها ابتسامة عريضة ، ارغمته على الابتسام فاقترب من جبهتها وطبع قبلة حانية مطولة .
التفت آدm برأسه ينظر لجلنار التي تقف على مسافة ليست ببعيدة تتطلع لهم بعينان دامعة ومتأثرة ، فظهر شبح الابتسامة على شفتيه ثم هب واقفًا وسار نحو الباب ينوي الرحيل حتى يترك لهم بعض المساحة الشخصية كعائلة ، وأثناء مروره من جانب جلنار رمقها باسمًا بمشاكسة وغمز لها بعيناه الخضراء ، فرمقته هي بنظرة حادة تكتم ابتسامتها وتابعته بنظراته حتى رحل عن الغرفة ، فتحركت باتجاه مقعده وجلست عليه ثم همست برقة :
_ حمدلله على سلامتك
التفت لها برأسه وابتسم بدفء ثم قال :
_ الله يسلمك
انحنت هنا على أذن والدها وتمتمت بخبث طفولي ضاحكة :
_ بابي تعرف .. ماما كانت تعيط كتير وقالتلي إنها بتعيط عشان زعلانة إنك تعبان
اتسعت عيني جلنار وهي ترمق ابـ.ـنتها بغـ.ـيظ بينما هو فكتم ضحكته وهمس لصغيرته بمكر وعيناه ثابتة على جلنار :
_ امممم ما أنا عرفت ياحبيبة بابي .. هي كانت بتعيط كتير أوي يعني ؟!
هزت رأسها بإيجاب وردت بخفوت وبعض التـ.ـو.تر من نظرات أمها لها :
_ أيوة كتيييير أوي
اماء برأسه وهو يبتسم بمشاكسة ثم رمق جلنار بنظرة دقيقة .. مثبتًا نظره على عيناها الحمراء والمتورمة من كثرة البكاء .. ثم هتف بمكر مقصود باسمًا :
_ امممم ماهو واضح عليها ياهنون فعلًا
ارتبكت من نظراته المثبته على عيناها فوجدت نفسها بتلقائية تشيح بوجهها للجهة الأخرى بعيدًا عنه ليضحك هو بصمت ويتطلع لابـ.ـنته هامسًا بعد أن لثم وجنتها بقلبة سريعة :
_ روحي يابابا قولي لعمو آدm ، بابا بيقولك جيب ليا الشوكولاته اللي بحبها
قفزت فرحًا وصاحت :
_ بجد
_ أيوة بجد ياملاكي يلا اجري الحقيه قبل ما يمشي ، هتلاقيه واقف برا
نزلت من الفراش وهرولت راكضة للخارج بجسدها الصغير وفستانها الطفولي اللطيف مثلها تمامًا ، بينما هو فتابعها حتى رحلت ثم ادار نظره نحو الجالسة على المقعد ولا تزال تشيح بوجهها عنه ناحية النافذة المفتوحة ، فتحرك في فراشه ببطء على الجانب الذي تجلس هي فيه وخرج صوته الوديع :
_ ششششش
رمقته بطرف عيناها في نظرة خاطفة وسريعة فابتسم وهتف :
_ بصيلي هنا
التفتت برأسها مرة أخرى ناحيته في اقتضاب ، تخفي تـ.ـو.ترها وخجلها بتصنعها الحزم والجدية ، لكنه غمز لها بابتسامة لعوب وهمس بصوت يحمل بحة جديدة :
_ عيطتي للدرجة اللي خلت عيونك يبقى منظرها بالشكل ده !
ابتسمت بسماجة وتمتمت بتصنع عدm الاهتمام رافضة الاعتراف بخـ.ـو.فها وحـ.ـز.نها الشـ.ـديد عليه :
_ لا ده أنا عيني كانت و.جـ.ـعاني وفضلت ادعك فيها كتير فورمت وبعدين أنت متعرفش ااا .....
توقفت عن الكلام حين وجدته يمسك بكفها محتضنًا إياه بين قبضته الضخمة ، ويتطلع إليها بعينان حكت الكثير عن الذي يرغب بقوله لها الآن ، قد يكون مندهشًا وسعيدًا ، عليه الاعتراف أن آخر شخص كان يتوقع أن يحـ.ـز.ن كثيرًا عليه بوضع كهذا هي جلنار ، لكنها اصابته بالدهشة فعلًا .
رفع كفها ببطء لشفتيه وطبع قبلة عميقة على ظاهره مغمغمًا بنظرة ذات معنى :
_ أنا اللي اعرفه إن عيون زهرتي الحمرا مش لايق عليها العـ.ـيا.ط أبدًا
لأول مرة ينعتها بزهرته الحمراء .. لطالما اعتاد أن يقول لها " رمانتي " نسبة إلى اسمها الذي يعني " زهرة الرمان الحمراء " .
سرت رعشة متلذذة في أنحاء جسدها من ملمس شفتيه واحتكاك ذقنه بكفها ، وكأنها الوهلة الأولى التي يلمسها بها ! ، شبهها بالزهرة الحمراء وقد تحولت بالفعل لحمراء ، تلونت وجنتيها بلون الدmاء وانعقد لسانها فاستمرت بالتحديق به بصمت تام ، كان وجهها كلوحة إبداعية من صنع الخالق عز وجل جعلته يذوب من فرط جمالها ، عيناها البندقية وبشرتها البيضاء مع وجنتيها الحمراء وشعرها الأسود الحريري .. بتلك اللحظة قذفت في ذهنه أكثر من فكرة منحرفة لكنه كبح رغباته بصعوبة .
انفتح الباب وظهرت من خلفه فريدة فانزل يد جلنار تدريجيًا ، التي التفتت برأسها للخلف تتطلع لفريدة باشمئزاز .. أسرعت فريدة إلى عدنان وارتمت عليه تعانقه بقوة وتهتف برقة مقصودة حتى تثير غـ.ـيظ جلنار :
_ حمدلله على سلامتك ياحبيبي .. كنت هتجن من الخـ.ـو.ف عليك
لم يبادلها عناقها كعادتها بل اكتفى بأنه ملس بيده على ظهرها في لطف وتمتم بنبرة فاترة :
_ الله يسلمك يافريدة .. أنا كويس متقلقيش
انطلقت من جلنار ضحكة بسيطة كلها استهزاء وهي معلقة نظراتها الشرسة على فريدة من ادعائها أنها كانت في حالة هلع من فرط خـ.ـو.فها عليه ، ولم تتمكن من منع نفسها من الرد حيث قالت بخبث أنوثي وابتسامة مائلة للجانب في سخرية :
_ صحيح يافريدة .. نادر كان موجود يوم الحادث وبعدين مشي فجأة مت عـ.ـر.فيش ليه ؟
فقدت فريدة النطق للحظة وابتعدت عن عدنان بعلامـ.ـا.ت وجه ظهرت عليها الاضطراب لكنه لم يلحظ لاهتمامه بجلنار وسؤالها عن نادر وطريقتها الغريبة في الحديث ..
هتف عدنان بصوت رجولي غليظ :
_ وإنتي مالك بنادر ؟!
جلنار بنظرات لا تزال ثابتة على فريدة وكلها غل وغضب :
_ لا أصل شوفته واقف مع فريدة بيتكلموا
التفت عدنان بنظره لفريدة يرمقها بحدة وعينان تلوح بها علامـ.ـا.ت الاستفهام ينتظر منها تبرير ، فابتلعت هي ريقها وردت بقوة متصنعة :
_ عادي كان بيسألني عن وضعك وقولتله
ابتسمت جلنار بلؤم ثم هبت واقفة وقالت بنظرات غريبة ليست لجلنار الرقيقة ابدًا :
_ أنا هروح اشوف هنا
استدارت وسارت لخارج الغرفة بأكملها بينما فريدة فتحركت وجلست على مقعدها وهي تتفادي نظرات عدنان المشتعلة لها ، كان يحدقها بأعين لا تملك ذرة ثقة ويخبرها من خلالهم " لم اصدق أي كلمة ! " ، نظراته ممـ.ـيـ.ـتة اربكتها حقًا لكنها تصنعت التجاهل وقالت بإشراقة وجه :
_ تقوم بالسلامة بس وترجع البيت وأنا بنفسي هعملك كل الاكل اللي بتحبه ياحبيبي .. من هنا ورايح مش هسمح لأي حاجة انها تخلق مشاكل بينا ، أنا كانت هتجرالي حاجة من خـ.ـو.في عليك
رمقها بنظرة جانبية قاسية ، لم يعد اعمي حتى يصدق كل كلمة تتفوه بها .. هو الآن كالأسد المتربص لفريسته ينتظر منها أن تخطأ حتى يتلهمها ، وبات لا يطيق رؤيتها هو فقط انتظار اللحظة المناسبة التي سيتأكد فيها من شكوكه حينها ستكون الفريسة قد سقطت بين فكي الأسد .
***
بمساء مدينة كاليفورينا في أمريكا .....
خرجت من غرفتها بعد سماعها لصوت طرق الباب .. سارت في خطوات هادئة باتجاه الباب وهي ترتدي " بيجامة " منزلية لطيفة وترفع شعرها لأعلى بمشبك كبير .
وصلت امام الباب ونظرت من العين السحرية فرأت حاتم .. أصدرت زفيرًا حارًا بغـ.ـيظ ثم تراجعت خطوة للخلف وفتحت الباب له ، وقفت تسد الطريق عليه حتى تمنع من الدخول هاتفة بقرف مصطنع :
_ خير شو بدك ؟
حاتم بتصنع الجدية محاولًا تمالك ابتسامته من الانطـ.ـلا.ق على شفتيه :
_ ممكن افهم يا آنسة مجتيش الشغل ليه النهاردة .. ولا هو عشان إنتي رئيسة التحرير في الشركة ومع المدير دايمًا في كل حاجة يبقى هو هيسكت عن الإهمال وعدm الانتظام ده
استدارت وسارت عائدة للداخل وهي تقول بسخرية وعدm مبالاة :
_ شو راح تعمل يعني يا حــاتم بيك
ضحك في ظهرها دون صوت ثم دخل وأغلق الباب خلفه متمتمًا بثقة وحزم مزيف :
_ هعمل كتير يا آنسة
لاحت الابتسامة المستنكرة على وجهها فتوقفت والتفتت بجسدها كاملًا له وهدرت بنظرة كلها تحدي وبثقة تامة :
_ إذا بتقدر تقلعني من الشغل .. قلعني
رفع حاجبه وثلاث ثواني بالضبط من التحديق الصامت بها ، لم يتمكن من كبح ضحكته اكتر من ذلك حيث انفجر ضاحكًا على كلمتها الأخيرة ، بينما هي فضيقت عيناها باستغراب وهتفت بغضب من سخريته :
_ على شو عم تضحك ؟!
أجابها وهو يجاهد في تمالك نفسه من الضحك :
_ لا ولا حاجة متركزيش معايا .. وأكيد يعني مقدرش اطردك يا نادين ، أنا جيت عشان نتكلم ونحل الموضوع اللي مضايقك مني ده
نادين باقتضاب :
_ أي موضوع بالضبط فيهم ؟
_ ماشاء الله هما بيزدوا ولا إيه مع الوقت ؟!
نادين بعصبية وغـ.ـيظ :
_ الموضوع الاساسي ياللي تخانقنا مشانه ياحاتم ولا اللي سويته قبل ما امشي
حك مؤخرة رأسه وهتف باعتذار وهو يضحك :
_ لا اللي سويته ده كنت بهزر عشان اعصبك وانكش فيكي مش اكتر .. وعلى العموم حقك عليا ياستي أنا آسف ، هاا إيه الموضوع الاساسي بقى
هدأت ثورتها وردت عليه ببرود :
_ خلاص مو مهم .. ماني زعلانة
حاتم باستنكار وسـ.ـخرية على طريقتها في الكلام :
_ لا والله ماني زعلانة !! .. امال الحوارات اللي عملتيها دي إيه لزمتها
حان دورها هي لتضحك لكنها كتمت ضحكتها وتصنعت الحدة والبرود وهي تدفعه بخفة تجاه باب المنزل هاتفة :
_ ميرسي ياحاتم على اعتذارك المقبول ، وهلأ معلش مضطرة اقلك تصبح علي خير مشان أنا بدي انام
اتسعت عيناها بدهشة وهي تدفعه نحو الباب حتى يغادر فقال باستهزاء وبعض الضيق :
_ اه ده أنا بطرد رسمي بقى .. طيب اعزميني حتى على كوباية مايه
ظهر شبح ابتسامتها على شفتيها وهي تجيبه باللهجة المصرية :
_ المايه قاطعة
وصل إلى الباب فلوحت له بكفها تودعه في ابتسامة مثلجة ثم أغلقت الباب في وجهه ، فاستمعت له يهتف بغـ.ـيظ حقيقي من خلف الباب :
_ ماشي يا نادين .. الساعة ستة الصبح الاقيكي اول واحدة موجودة في الشركة ولو اتأخرتي دقيقة هزعلك بجد المرة دي
انفجرت ضاحكة بقوة وهي تستند على الباب من الداخل تستمع له وهو يملي عليها تلعيمـ.ـا.ته الصارمة ، وتشعر بالنشوة لأنها نجحت أخيرًا في إثارة غـ.ـيظه ! .
***
مرت ساعات طويلة حتى غابت الشمس واستر الليل ستائره ، قضت الصغيرة هنا النهار كله بجوار أبيها حتى تعبت في آخر اليوم فأخذتها جلنار وعادت بها لمنزل الخالة انتصار ، وأثناء عودتها لعدنان مرت على منزلها جمعت بعض الملابس له ثم خرجت واكملت طريقها للمستشفى .
منذ أمس تلاحظ سيارة تتبعها بشكل مريب وبكل مرة تقول ربما هي يتهيأ لها ، لكن هذه المرة تأكدت تمامًا أن تلك السيارة تلاحقها .
فتوقفت بسيارتها بجانب الرصيف في الشارع لتتأكد هل ستقف تلك السيارة خلفها أم لا لكنها رأتها تعبر بجوراها وتكمل طريقها ، فتنفست الصعداء قليلًا براحة وعادت تشغل محرك السيارة من جديد وتنطلق بها .
بينما صلاح فتوقف في أحد الشوارع الموازية وهو يحمد ربه أنها لم تكشف أمره وإلا كان لقى عقـ.ـا.به العسير من نشأت ، رآها وهي تعبر من الطريق الرئيسي بسيارتها فانطلق هو خلفها ولكن هذه المرة بحرص حتى لا تلاحظه مرة أخرى .
وصلت أمام غرفته أخيرًا بالمستشفى اخذت نفسًا عميقًا قبل أن تفتح الباب وتدخل ، فالتفت هو برأسه في اتجاه الباب وهتف باستغراب :
_ جلنار !! .. إيه اللي جابك تاني ؟
أغلقت الباب خلفها واقتربت منه وهي تلقي بالحقيبة الصغيرة جدًا فوق المقعد والتي تحتوي على ملابس له ثم تقول بعفوية :
_ هقعد معاك .. مينفعش تفضل وحدك في المستشفى
ابتسم وقال موضحًا لها ببساطة :
_ دي مستشفى ياروحي ومليانة دكاترة وممرضات يعني مش لوحدي ولو عوزت حاجة الممرضات موجودين
اشتعلت نظرتها وهي تقول بشراسة :
_ really ( حقًا )
طيب nurses ( الممرضات ) موجودين عشان يتابعوا حالة المريـ.ـض مش يلبوا احتياجات المريـ.ـض يا أستاذ يامحترم
ضحك وقال بمشاكسة غامزًا :
_ هي إيه الاحتياجات دي بظبط بقى ؟!
تأففت بصوت عالي وقالت بنفاذ صبر متجاهلة جملته الوقحة :
_ أنا قولت لآدm يروح البيت ويرتاح شوية .. تعب جدًا ، ليه يومين مش بينام وقاعد في المستشفى معاك هنا
_ أنا قولتله يمشي هو اللي راسه ناشفة
جلنار بوداعة واشفاق :
_ جزاته يعني إنه مش عايز يسيبك وحدك .. حقيقي يمكن اكتر واحد كان خايف وقلقان عليك هو آدm ، عشان تعرف قيمة اخوك بس
تنهد وهدر بخفوت ونبرة صادقة تنبع من القلب :
_ إنتي عارفة إن أنا بعتبر آدm ابني مش اخويا .. أنا اللي مربيه
هزت رأسها بإيجاب وهي تجيب بنظرات متأثرة تنبع بالحب :
_ عارفة ربنا يخليكم لبعض
اعتدل في جلسته قليلًا وغيّر مجرى الحديث في لحظة متمتمًا بلؤم مقصود :
_ قولتيلي إنتي هنا ليه بقى ؟
استقرت في عيناها نظرة نارية رمقته بها جعلته يضحك ويهتف متداركًا الأمر بخبث أشـ.ـد :
_ آه عشان تلبي احتياجات المريـ.ـض .. طيب بما إنك جبتي هدوم للمريـ.ـض وهو عايز يغير هدومه ، نفذي مهمتك وساعدي المريـ.ـض بقى
جزت على أسنانها بغـ.ـيظ ، وكادت أن تنفجر في وجهه كالقنبلة ، لكنها تمالكت أعصابها بصعوبة ومدت يدها في الحقيبة تخرج منها قميص وبنطال وتقترب منه ثم تضع الملابس بين يديه هاتفة بمضض :
_ لا ماهو المريـ.ـض الحمدلله ايده ورجله سليمة يعني مش محتاج مساعدة
همت بالاستدارة والابتعاد عنه فقبض على رسغها وجذبها إليه فارتدت للأمام لتصطدm بصدره وتصبح فوقه تمامًا ، خرجت همسته اللعوب أمام وجهها وهو يغمز :
_ ويهون عليكي المريـ.ـض !
حركت رأسها بحركة سريعة ومدروسة حتى ترجع خصلات شعرها خلف ظهرها ثم قالت بنظرة ثاقبة كنظرته بالضبط وببرود لكن نبرتها كانت كلها أنوثة ونعومة :
_ أه يهون
ثم دفعت يده عنها واستقامت واقفة تقول بحزم :
_ متلمسنيش تاني
أجابها بابتسامة تخفي ورائها نيران غـ.ـصـ.ـب بدأت تشتعل :
_ امممم رجعت ريما لعادتها القديمة
مالت بجسدها عليه وهمست أمام وجهه في صوت أنوثي امتزج بين الشراسة والنعومة :
_ جلنار القديمة اللي كانت وقت ما تحب تقرب منها تلاقيها موجودة وبتلبي طلبك ووقت ما تكون مش حابب تسيبها وترميها ومتسألش فيها كأنها نكرة ، خلاص مبقتش موجودة .. وأنا لو زعلت وخـ.ـو.فت عليك فده هيكون بسبب العشرة والسنين اللي بينا وإنها ماهنتش عليا .. لكن غير كدا متوهمش نفسك بأوهام ملهاش وجود
اطال النظر في عيناها بتمعن .. لم تعد زهرته الناعمة والرقيقة حقًا ، التي تقف أمامه الآن هي كزهرة الصبـ.ـار القوية والصلبة التي تنمو في اشـ.ـد وأقسى الظروف ومن يحاول الاقتراب منها تؤذيه بأشواكها الحادة .
راقه كثيرًا التحول الجذري في رمانته الحمراء وعلى عكس المتوقع ابتسم وقال بنظرات ذات معنى مثبتًا عيناه على خاصتها :
_ ومين قالك إني عايز جلنار القديمة !
لحظة واثنين وثلاثة وهي مستمرة بالتحديق به حتى استقامت واقفة فورًا وهتفت وهي تشير باتجاه الحمام الداخلي للغرفة :
_ انا رايحة الحمام
لم تنتظر أي رد منه بل استدارت ودفعت بنفسها إلى الحمام مسرعة بينما هو فمسح على وجهه نزولًا لذقنه وهو يتنهد باسمًا بعدm حيلة ! .
***
كان آدm في فراشه وعلى وشك الاستسلام لسلطان نومه لولا رنين هاتفه الصاخب الذي ارتفع ودوى صوته الغرفة بأكمله .. فأصدر تأففًا حارًا بخـ.ـنـ.ـق ثم مد يده والتقطه يجيب على المتصل دون أن يتحرى أولًا من هويته :
_ الو
أتاه الصوت الرجولي على الطرف الآخر وهو يقول بجدية :
_ لقينا سواق العربية يا آدm بيه
↚نظرات طويلة استقرت في عيني عدنان وهو يتطلع إليها ، تجلس أمامه على أريكة صغيرة ومعلقة نظرها على النافذة تتأمل السماء من خلالها .. شعرها يتطاير بخفة فوق كتفيها وظهرها بفعل نسمـ.ـا.ت الهواء البـ.ـاردة وتستند بمرفقها فوق ذراع الأريكة وتضع كفها أسفل وجنتها ، استمر لدقائق طويلة يتأملها بينما هي تتأمل السماء ! .
حتى أصدر تنهيدة حارة وتمتم بخفوت :
_ اقفلي الشباك ياجلنار هتبردي
ردت عليه دون أن تحيد بعيناها إليه :
_ مش بردانة
ثم زفرت والتفتت برأسها له تسأله باهتمام :
_ إنت بردت ؟
حرك حاجبه وشفتيه بمعنى لا وهو يبتسم فتنهدت وعادت تنظر للسماء من جديد ، مرت لحظات طويلة حتى سألت بنبرة خافتة تحمل بعض التردد :
_ فريدة كانت موجودة قبل ما آجي .. مقعدتش معاك ليه ؟
عدنان بجفاء :
_ أنا مشيتها
_ ليه ؟!
كان سؤالًا تلقائيًا منها وحصلت على إجابته بالصمت وهو يلوى فمه بصلابة وجه .. تفهمت رغبته في عدm الحديث فهزت رأسها بتفهم ثم قالت وهي تتمدد على الأريكة الصغيرة :
_ أنا هنام ، تصبح على خير
عدنان بنظرات دقيقة :
_ الكنبة صغيرة وإنتي مش بت عـ.ـر.في تنامي غير على السرير ، يعني مش هترتاحي .. تعالي جمبي
اطالت التحديق به في صمت لثواني ثم هتفت رافضة وهي تعتدل بجسدها لكي تلائم صغر تلك الأريكة :
_ لا أنا مرتاحة
ردود مختصرة وجافة تجيب بها عليه منذ ساعات بسبب جدالهم الأخير .. لكنه تعجبه حالاتها المزاجية المتغيرة ويجدها لا بأس بها ! .
دقيقة واثنين وثلاثة وهي تتقلب فوق الأريكة يمينًا ويسارًا ، لا تجد راحتها في النوم وتحاول إيجاد وضعية مناسبة للنوم فوق تلك الأريكة الصغيرة .. كانت عيناه ثابتة عليها يتابعها بتركيز فابتسم بعدm حيلة منها وهتف ببعض الحدة :
_ اسمعي الكلام وبلاش عناد
التفتت له برأسها وهتفت في غـ.ـيظ :
_ وهو أنا اشتيكتلك
_ وهي دي كنبة ينفع تنامي عليها أصلًا !
_ أيوة ينفع ، نام بقى وسيبني أنام أنا كمان
ضحك مستنكرًا عنادها وقرر تجاهلها تمامًا أو بمعنى أدق جعلها تظن بأنه تجاهلها ، اغمض عيناه متصنعًا النوم ، بينما هي فاستمرت في حربها المرهقة مع تلك الأريكة ، يمينًا .. يسارًا .. حتى أنها حاولت النوم شبه جالسة ولكن دون فائدة ، فاصدرت تأففًا عاليًا بعد ما يقارب من خمسة عشر دقيقة في محاولاتها البائسة للنوم .
هبت جالسة بقوة وهي تشتعل من فرط غـ.ـيظها ، علقت نظرها عليه فتراه نائمًا بهدوء وراحة على عكسها تمامًا لا تستطيع حتى اغلاق عيناها ، بقت لدقيقتين تتطلع إليه بتردد ، أتقبل عرضه أم ترفض وتتقبل الأمر الواقع وتقضي الليلة دون نوم ؟! .. سكون تام للحظات لا يُسمع فيها سوى صوت الرياح فحسمت هي بالأخير قرارها بعدm الخنوع له ، وبقت جالسة مكانها تنوي عدm النوم الليلة .. مرت دقائق ليست قصيرة وهي تقاوم شعورها بالنعاس وعيناها التي بدأت تنغلق وحدها وبين كل لحظة والأخرى ترفع كفها لفمها حتى تغلق عليه أثناء تثاؤبها .
انهارت حصونها ورفعت راية استسلامها حيث تأففت واستقامت واقفة ثم سارت باتجاه فراشه ووقفت أمامه تهتف باقتضاب :
_ عدنان .. عدنان
فتح عيناه وطالعها بنظرة بها بعض اللؤم مصدرًا همهمة مسموعة دون أن يفتح فمه " اممممم " ، فردت هي عليه بمضض :
_ مش عارفة انام
فشل في حجب ابتسامته من الانطـ.ـلا.ق فوق ثغره حيث افسح لها بجواراه رغم صغر الفراش أيضًا وتمتم بنظرة دافئة :
_ تعالي ياعنيدة
قاست حجم الفراش بعيناها ثم قالت بحنق :
_ السرير صغير ومش هيكفينا
_ هيكفي تعالي بس وملكيش دعوة
جلنار بتراجع :
_ لا لا مش هينفع بعدين كدا أنا ممكن اضايقك في النوم وإنت لسا تعبان ولازم ترتاح كويس
زم شفتيه ببرود مقصود ورد عليها بعدm مبالاة متصنعة :
_ براحتك .. خلاص خليكي صاحية للصبح
خرجت " اووووف " طويلة من بين شفتيها بعدm حيلة ، ثم تمددت بجواره ولصغر حجم الفراش فرد هو ذراعه اسفل رأسها فدخلت لحـ.ـضـ.ـنه ونامت برأسها فوق صدره وبين ذراعيه ، مرت ثلاث ثواني بالضبط حتى رفعت رأسها قليلًا تنظر له وتهتف برقة غير مقصودة :
_ مرتاح ؟
اماء برأسه في إيجاب وهو يمد يده ويسحب الغطاء عليهم ويضمها إليه بذراعه أكثر ، صمتت للحظة ثم عادت تسأل :
_ ممكن حد يدخل صح ؟!
_ لا كله نايم دلوقتي محدش هيدخل ياجلنار ، وبعدين حتى لو دخل حد فيها إيه يعني !
_ فيها طبعًا .. مفيهاش حاجة إزاي يعني ثم إن ااا....
قاطعها عن استكمال كلامها مردفًا :
_ جلنار !
_ هااا
ردت بكل عفوية فقابلت منه نظرة قوية بعض الشيء هامسًا :
_ نامي ياحياتي وإنتي ساكتة
لوت فمها بقرف واخفضت نظرها ثم التصقت به أكثر لتستمد منه الدفء في تلك الأجواء البـ.ـاردة واغمضت عيناها براحة أخيرًا بعد معاناة ، وما هي إلا لحظات حتى غطت في نوم عميق .. أخفض نظره إليه يمعن النظر في وجهها ثم ابتسم بحنو وطبع قبلة رقيقة لكنها طويلة فوق شعرها قبل أن يغمض عيناه ويخلد هو الآخر للنوم .
***
ترجل آدm من سيارته أمام مقر الشركة وقاد خطواته الواثبة باتجاه المخزن الموجود في ظهر الشركة بالأسفل .. فتح الباب ونزل الدرجات المؤدية للأسفل حيث المخزن ، وقف عند آخر درجة يتطلع لذلك المكبل بالحبال من يديه في المقعد ومن كل جانب يقف رجل بجانبه .. اشتدت ملامح وجهه وتصلبت ثم تحرك نحوهم وهز رأسه للرجـ.ـال بمعنى أن يخرجوا ، امتثلوا لأوامره وساروا للخارج بينما هو فوضع قبضتيه في جيبي بنطاله وتطلع لذلك السائق بنظرات قـ.ـا.تلة ثم هتف :
_ من البداية كدا عشان نبقى على نور .. أنا معنديش طولة بال ، يعني بالذوق ومن غير ما تتعبني تقول مين اللي باعتك
_ مش فاهم !
آدm ببشائر غضب بدأت تلوح على وجهه :
_ امممم بدأنا تستعـ.ـبـ.ـط
ظل الآخر يرمقه بعدm فهم متصنع دون أن يتحدث فاستشاط آدm وفقد صموده حيث غار عليه يلكمه في وجهه بعنف :
_ اخويا كان بين الحيا والمـ.ـو.ت يا ***** .. انطق مين اللي متفق معاك على الحادث ده ؟
ظهرت علامـ.ـا.ت الزعر البسيطة على ملامحه وهو يجيب عليه ملتقطًا أنفاسه :
_ محدش .. صدقني عربية اخوك هي اللي طلعت في وشي مرة واحدة
آدm بشراسة ونظرات نارية كلها انتقام :
_ من الآخر إنت كدا كدا هتتسلم للشرطة .. فتروح القسم سليم ولا تروح متكسح ، قدامك خمس ثواني لو منطقتش انا مش مسئول عن اللي هيعملوه الرجـ.ـا.لة فيك
رفع آدm كف يده وبدأ يعد تصاعديًا على اصابع يده للخمسة ، والآخر يتطلع إليه بخـ.ـو.ف مترددًا من الاعتراف ، إن استمر في الصمت لن تكون النتائج مرضية أبدًا كما هدده .. وصل آدm إلى الرقم أربعة وكان على وشك أن ينطق بالأخير لولا أنه هتف مسرعًا بصوت مضطرب :
_ فريدة هانم
لم يندهش بل على العكس تمامًا ابتسم بنظرات مريبة ثم سأل بترقب :
_فريدة بس ؟
اماء له الرجل بإيجاب وهو يهتف :
_ أيوة هي اللي طلبت مني اقــ,تــل اخو سيادتك وادتني عربون مقدm وقالتلي بعد العملية ما تتم هتديني الباقي
مسح على وجهه وهو يضحك بشكل غريب ، يكاد ينفجر الآن ودmائه تغلي في عروقه بغل ، لا يكفيها خيانتها بل وتتآمر على قــ,تــله .. اقسم أنه لن يدعها تفر بفعلتها هذه دون عقـ.ـا.ب .
استدار واندفع إلى خارج المكان كله وهو عبـ.ـارة عن جمرة متوهجة من النيران .. وأثناء مروره بجانب الرجـ.ـال هتف يلقي عليهم تعليمـ.ـا.ته وهو مستمر بالسير :
_ اعملوا معاه الواجب قبل ما تسلموه للبوليس
***
في صباح اليوم التالي .....
خرجت مهرة من منزلها وتسير في طريقها إلى عملها ككل يوم غير منتبهة للعيون التي تراقبها بغضب من بعيد .. تتوعد لها وتعد الخطط الشيطانية للنيل منها .
نكزته بدرية في كتفه بعدmا لاحظت انشغاله بالتركيز على خطوات مهرة وقالت ضاحكة بسخرية :
_ جرا يا ولا هي اللي ما تتسمى دي عجباك ولا إيه
ريشا بابتسامة ماكرة :
_ لا يا خالة .. بس ليا حساب لازم ولابد اصفيه معاها اصلها فردت نفسها أوي عليا ونست أنا مين
بدرية بضحكة حماسية :
_ عملت إيه ياولا احكيلي
لم يجيب عليها وظلت عيناه ثابتة على اللاشيء امامه
بتفكير حتى نظر إلى بدرية وهتف بخبث وهو يغمز لها :
_ بقولك إيه ياخالة .. عايز منك خدmة صغيرة كدا
بدرية بلؤم مماثل له :
_تخص بـ.ـنت رمضان
اماء لها برأسه في عين تنبع بالأفكار الشيطانية فابتسمت هي وردت عليه بنبرة حاقدة ومستمتعة :
_ عنيا ليك .. ده إنت ابن الغالية
***
خرج من الحمام الملحق بغرفته وقد ارتدى ملابسه كلها ، أسرعت إليه ووقفت أمامه تهتف باستياء بسيط :
_ عدنان إنت لسا تعبان ومينفعش تطلع من المستشفى .. الدكتور قالك إن حالتك بقت كويسة الحمدلله بس كمان قال لو هتخرج من المستشفى يبقى لازم يكون في اهتمام في البيت وترتاح تمامًا والأفضل كمان إنك تكون هنا تحت رعاية الدكاترة
عدنان بإصرار :
_ قولتلك أنا كويس يا جلنار .. وبعدين أنا مبحبش المستشفيات ولا جو الدكاترة ده وإنتي عارفة ده ، يعني في بيتي هرتاح اكتر
جلنار بعصبية شـ.ـديدة :
_ اشك إنك هترتاح الصراحة .. لازم يكون في اهتمام بنوعية الأكل وبعلاجك وكمان راحتك التامة وإنت في البيت مش هتلتزم بأي حاجة من دول
أجابها بمداعبة وهو يغلق ازرار قميصه العلوية بابتسامة لعوب :
_ طيب ما إنتي موجودة وهتهتمي بيا أنا واثق
تجمدت معالم وجهها وطالعته بعينان تطلق علامـ.ـا.ت استفهام في عدm فهم ، ثم رفعت سبابتها تشير لنفسها بحيرة :
_ أنا !!!
_ أيوة إنتي !
جلنار بتعجب ملحوظ في نبرتها ونظرتها :
_ طيب ما أنا مش هكون موجودة .. إنت هتروح تقعد مع مامتك في البيت !
انتهى من زر ازراره قميصه وغمز لها بمشاكسة :
_ مين اللي قال كدا .. أنا هقضى فترة تكملة علاجي مع رمانتي وبـ.ـنتي
لحظات أخرى مرت من السكون التام المهيمن عليها .. لكن هذه المرة كانت تتطلع إليه بذهول ، فخرج صوتها بازدراء وعدm تصديق :
_ يعني إنت هتسيب فريدة وتقعد معايا أنا !!!
اختفت الابتسامة من على وجهه فور ذكرها لاسم فريدة وتحول من المرح والمشاكسة إلى الحزم وهو يجيب عليها :
_ خلينا في موضوعنا افضل .. لو خلصتي وجهزتي يلا بينا
استدار وسار مبتعدًا عنها فهرولت خلفه وامسكت بذراعه تديره إليها وتهدر بجدية واستغراب :
_ استنى هنا .. إنت امبـ.ـارح تقولي أنا مش عايز جلنار القديمة وبتتصرف بطريقة غريبة من امبـ.ـارح وبليل تعالي نامي جمبي عشان مش هترتاحي على الكنبة ودلوقتي هقعد معاكي إنتي .. هو في إيه بظبط ؟!!
ضيق عيناه باستغراب مزيف ورد بكل بساطة وهدوء أعصاب :
_ مفيش حاجة إنتي شايفة إن تصرفاتي غريبة لكن في الواقع هي طبيعية جدًا
ضحكت بصوت عالي وردت عليه مستهزئة بانفعال :
_ لا والله طبيعية !! .. ولما هي طبيعية مكنتش بتتصرف معايا من بدري زي كدا ليه !
_ إنتي غاوية نكد على الصبح يعني ؟!
احتدmت نبرتها بشـ.ـدة ولا تعرف لماذا شعرت بوغزة ألم في قلبها فردت عليه بثبات وقوة :
_ لو بتعمل كل ده عشان تخدعني وتخليني أتراجع وانسى موضوع الطـ.ـلا.ق ، فبلاش منه احسن لإني لسا عند قراري وقريب أوي هوكل محامي عشان نبدأ في الإجراءات
خرج عن إطار هدوئه المزيف وصاح بها منفعلًا بغضب هادر :
_ محامي وطـ.ـلا.ق إيه ده على الصبح اللي طب في دmاغك .. وبعدين احنا مش هنخلص من الزفت الطـ.ـلا.ق ده !! ، أنا صبري ليه حدود
غامت عيناها بالعبـ.ـارات وظهر الألم فيهم ، فكلمـ.ـا.ته لا تزال تتردد في أذنها حتى الآن ، تشعرها بكـ.ـسرة النفس والعجز .. سقطت دmعة حارقة على وجنتيها وهي ترد عليه بصوت مبحوح :
_ وأنا كمان صبرت واستحملت كتير بس عشان ....
توقفت للحظة عن الكلام دون أن تكمل جملتها وعادت تكمل كلامها :
_ بس حتى أنا صبري ليه حدود ياعدنان .. وإنت عارف كويس أوي إيه اللي وصلني للحالة دي وخلاني اطلب الطـ.ـلا.ق .. فبلاش تمثل عليا دور الاهتمام والحب المزيف ده لأنه مبقاش يفرق معايا
انهت كلامها واندفعت إلى خارج الغرفة بأكملها وتركته .. فمسح هو على وجهه متأففًا بضيق ، يقسم لها أنه حاول أكثر من مرة أن يلبي رغبتها في الانفصال عنه .. لكنه يفشل في كل المحاولات لسبب قد لا يعرفه .
***
وصلت أمام باب غرفة أسمهان وطرقت عدة طرقات خفيفة حتى سمعت صوتها يسمح للطارق بالدخول ، ففتحت الباب ببطء ودخلت ، رأتها قد ارتدت ملابسها وتستعد للخروج ، فابتسمت فريدة وسألت بخبث :
_ رايحة لعدنان في المستشفى ؟
أسمهان دون أن تنظر لها :
_ أيوة
تحركت فريدة بخطواتها المتريثة نحوها وهي تهتف بعينان ناقمة :
_ بس عدنان طلع من المستشفى وراح عند بـ.ـنت الرازي
ردت أسمهان بعصبية :
_ نعم !! .. يعني إيه راح عند جلنار وليه مجاش هنا
_ من وجهة نظرك ليه ياترى !
كانت جملة مدروسة تمامًا من افعى تسير على خطا ثابتة لتحقيق نوياها .. بينما أسمهان فصاحت بغـ.ـيظ وغل :
_ وهي فاكرة إني هسيبلها ابني الحقيرة دي
قررت فريدة بالقاء ورقتها النهائية والرابحة وهي تقترب أكثر من أسمهان وتهمس بصوت يقارب إلى صوت فحيح الأفعى :
_ أنا عارفة إنك عايزة تخلصي مني وإنك طول السنين اللي فاتت بتمثلي الحب قدامنا بس أنا كمان كنت عارفة إنك مش طيقاني ومستنية الفرصة اللي تخلصي فيها مني .. بس لو فكرتي بذكاء اكتر شوية هتشوفي إن مش أنا خالص اللي عدوتك بالعكس احنا الاتنين عندنا نفس الهدف .. إنتي عايزة ابنك وأنا عايزة جوزي يرجعلي ، وعلى الأقل أنا مكنتش باخده منك ، لكن دلوقتي عدنان من وقت ما رجعت جلنار وهو طول الوقت عندها ، يعني شوية وهتاخده تمامًا منك ومش بعيد تعمل مشاكل بينكم وتحرمك منه
التهبت عين أسمهان بنيران البغض والغل وهتفت ضاحكة بسخرية :
_وإنتي متخيلة إني هسمحلها تخدع ابني وتلهف كل فلوسه
فريدة بخفوت خبيث :
_ عارفة وعشان كدا بقول نركن كرهنا لبعض ومشاكلنا على جنب ونركز على الهدف اللي احنا الاتنين بنسعى ليه ونشوف طريقة نخلص بيها من بـ.ـنت الرازي تمامًا .. هااا قولتي إيه ؟!
التزمت أسمهان الصمت للحظات طويلة وهي تتطلع لفريدة بقوة ، حتى لاحت ابتسامة شيطانية على شفتيها فلا بأس مش اتحادهم معًا ليتخلصوا من واحدة بينما هي ستسعى على الجانب الآخر للتخلص من الأخرى ، خرجت همسة بصوت مريب منها وهي تجيب عليها باسمة :
_ تمام موافقة
***
مع تمام الساعة الخامسة مساءًا داخل منزل ميرفت .....
أسرعت ميرفت بعدmا انتهت من كافة التجهيزات وفتحت باب غرفة ابـ.ـنتها وهي تهتف :
_ يلا يا حبيبتي عشان الناس على وصول
صابتها الدهشة حينما رأت ابـ.ـنتها لم ترتدي ملابسها حتى الآن ولا تزال تجلس بالملابس المنزلية .. فهدرت بحيرة :
_زينة ملبستيش ليه لغاية دلوقتي .. بقولك رائد على وصول
ردت عليها بعبوس وهي تهب واقفة :
_ هلبس اهو دلوقتي ياماما .. أنا حسيت نفسي مرهقة شوية وعشان كدا قعدت وملبستش
اقتربت منها ميرفت ووقفت أمامها مباشرة ورفعت يده تملس على شعرها بحنو هامسة :
_ طيب إنتي مضايقة من حاجة ياحبيبتي
هزت رأسها بالنفي في ابتسامة متكلفة :
_ لا مفيش حاجة .. عشر دقايق وهكون جهزت
ميرفت بتنهيدة حارة وبدفء :
_ طيب أنا هستناكي برا
التفتت بجسدها وسارت إلى خارج الغرفة لتتركها ترتدي ملابسها براحة أكثر ، بينما زينة فتلألأت الدmـ.ـو.ع في عيناها فور تذكرها لكلمـ.ـا.ته ( ارمي الشيء اللي مضايقك يازينة ورا ضهرك ، صدقيني طالما مسبب ليكي الألم ده يبقى ميستاهلكيش ) ، قلبها يسحق تحت الشجن والو.جـ.ـع ، ولا يزال قلبها ينبض بالهوى لكنها ستوقف ذلك النبض وستحاول أحيائها بفرصة جديدة علها تكون هي الملجأ وطوق النجاة له .
ارتدت رداء كلاسيكي جميل من اللون الوردي .. طويل ولديه أكمام شفافة وفي المنتصف يندرج من أعلى الكتف إلى الكتف الآخر بفتحة دائرية عند منطقة الصدر ومن الخلف نفس الشيء لكنها تركت الحرية لشعرها لينسدل على ظهرها من الخلف ويغطي الجزء الظاهر من جسدها ، ووضعت القليل من مساحيق الجمال البسيطة فزدادت من جمالها أكثر .
ارتفع صوت رنين الباب ولحظات معدودة حتى انفتح الباب وسمعت أصواتهم بالخارج ، أخذت نفسًا عميقًا ثم أخرجته زفيرًا متهملًا وارتدت حذائها العالي وجلست فوق مقعدها الخاص تنتظر قدوم والدتها لتسمح لها بالخروج .
وبعد مرور ما يقارب النصف ساعة انفتح الباب وظهرت ميرفت أخيرًا وهي تهتف بأشراقة وجه وسعادة :
_ يلا يا زينة تعالي ياحبيبتي
زينة بابتسامتة خافتة :
_ قريتوا الفاتحة ؟
اماءت لها ميرفت بالإيجاب وهي تضحك باتساع فضحكت زينة لضحك والدتها وفرحتها الغامرة ثم توقفت والقت نظرة أخيرة على مظهرها في المرآة قبل أن تسير مع أمها إلى الخارج .
رفع رائد نظره لها فور دخولها وابتسم بإعجاب بينما هي فاخفضت نظرها أرضًا باستحياء ومرت تلقي التحية على كل من والدته وشقيقته وكذلك أبيه ، ثم جلست بجوار أمها في سكون تام لا ترفع نظرها ولا تخرج صوتًا إلا عنـ.ـد.ما يوجه لها سؤال من أحدهم ، استمرت جلستهم لدقاىق طويلة وهو يضحكون ويتبادلون الأحاديث فيما بينهم حتى ارتفع صوت رنين والد رائد الذي استأذن وخرج لشرفة الصالون حتى يتمكن من الرد على الهاتف .. فاستغلت نرمين الفرصة حتى تترك العروسين على انفراد للحظات وهتفت موجهة حديثها إلى ميرفت وهي تبتسم بمكر :
_ إني غيرتي الوان المطبخ صحيح ياميرفت .. حتى أنا والله بفكر قريب أوي اغير الوان البيت كلها
ضحكت ميرفت بعدmا فهمت ما تسعى إليه صديقتها وهبت واقفة تجيب عليها بنفس نظراتها الماكرة :
_ اه غيرته .. تعالى افرجك عليه
هبت نرمين واقفة فورًا وأشارت لابـ.ـنتها بأن تلحق بهم ، بينما زينة فتابعتهم وهم يغادرون متنهدة بعدm حيلة ، والقت نظرة خاطفة على رائد الذي كان يجلس أمامها ويتطلع إليها بابتسامة ساحرة .. ازدردت ريقها بتـ.ـو.تر بسيط واخفضت نظرها تتأمل في حذائها كنوع الهروب من الموقف .
هتف رائد بهدوء جميل :
_ عاملة إيه ؟
اضطرت لرفع رأسها ونظرت له وهي تجيب بحياء ملحوظ :
_ الحمدلله و إنت ؟
رائد بمداعبة لطيفة وهو يبتسم باتساع :
_ كويس أوي .. مبرووك
ردت عليه بابتسامة صافية :
_ الله يبـ.ـارك فيك
صمت تام لدقيقة كاملة وهو مستمر في التحديق بها بإعجاب ، لا يتمكن من إبعاد نظره عنها بينما هي تنقل نظرها بين كل شيء معادا وجهه كأنها تتفحص منزلها لأول مرة ! ، خرج صوته أخيرًا هامسًا لها :
_ شكلك حلو أوي على فكرة
ارتبكت بشـ.ـدة ورفعت أناملها المضطربة ترجع خصلات شعرها خلف أذنها ، وردت عليه في نبرة صوت منخفضة بشكل لا إرادي منها :
_ ميرسي
انتهى والده من مكالمته وعاد لهم وهو يهتف ضاحكًا باستغراب :
_ ايه ده هما راحوا فين ؟
زينة بابتسامة رقيقة شبه ضاحكة :
_ ماما اخدت طنط نرمين تفرجها جوا على المطبخ
***
اندفع آدm نحو الحديقة الخارجية للمنزل فور رؤيته لفريدة تجلس بها ، رأته يتجه نحوها كالعاصفة المدmرة ، فتركت فنجان القهوة الذي بيدها واعتدلت جالسة باستغراب وماهي إلى ثواني حتى أصبح أمامها .
انحنى آدm عليها وهتف بتهديد حقيقي :
_ هديكي مهلة يومين يافريدة .. ياتقولي لعدنان كل حاجة بنفسك يا إما صدقيني أنا اللي هفضحك
دلو من الماء المثلج سكب فوقها ، لكنها تصنعت الثبات والقوة ، حيث استقامت واقفة وصاحت به بعصبية تخفي ورائها تـ.ـو.ترها :
_ هو إيه ده اللي اقوله .. بعدين إنت ازاي بتتكلم معايا الأسلوب ده يا آدm ، متنساش إني مرات اخوك
تقدm خطوة إليها كالأسد الذي سيلتهم فريسته ، وتلقائيًا تقهقهرت هي للخلف بـ.ـارتباك ثم وجدته يجيب عليها بغـ.ـيظ مكتوم :
_ أنا لغاية دلوقتي عامل حساب إنك لسا مرات عدنان لولا كدا اقسم بالله أنا كنت عملت حجات لا يمكن في حياتك تتخيليها
فريدة بانفعال وتلعثم :
_ إنت مـ.ـجـ.ـنو.ن إيه اللي بتقوله ده
رفع سبابته في وجهها وهدر بتحذير يحمل في طياتها الوعيد بالانتقام :
_ أنا قولت اللي عندي قدامك يومين تجهزي فيه نفسك وتقولي لعدنان على كل حاجة ومتنسيش طبعًا محاولتك لقــ,تــله وإلا أنا اللي هقول كل حاجة
ظلت صامتة تستمع لتهديداته وتحذيره لها حتى انتهى واستدار وسار باتجاه سيارته يستقل بها وينطلق لخارج المنزل ، جذبت فنجان القهوة والقت به بقوة على الأرض صارخة :
_ اووووف هو أنا كل ما اخلص من مصـ يـ بـةتطلعلي التانية
هدأت ثورتها فجأة عنـ.ـد.ما أدركت جملته بوضوح الآن " محاولتك لقــ,تــله " ماذا يقصد بتلك الجملة ؟! ، من خطط لذلك الحادث هو نادر وليس هي ! .
***
خرج من غرفة صغيرته بعدmا أرهقت من كثرة اللعب والضحك معه ونامت ، دثرها بالغطاء جيدًا وقبلها من شعرها بمشاعر أبوية حانية قبل أن يرحل ويغلق الباب بحذر شـ.ـديد حتى لا تستيقظ .
كان في طريقه لغرفته لولا استماعه إلى أصوات عبث قادmة من المطبخ جعلته يتوقف لوهلة قبل أن يغير اتجاهه ويذهب للمطبخ في خطوات هادئة ، ووقف عند الباب يتطلع إليها من الخلف وهي تقوم بتحضير شطيرة من المربى لها ووجهها عابس ومنطفىء ، تنهد بحرارة وشيء مجهول في داخله دفعه إليها دون أن يشعر .
أحست بخطواته الواثقة وهي تقترب منها ، فتوقفت عن إكمال شطيرتها وتصلبت بأرضها تنتظر وصوله إليها في فضول لمعرفة ما سيقوله ، توقفت خطواته وأصبح في ظهرها تمامًا ولفحت أنفاسه الحارة رقبتها من الخلف ، نجحت في البقاء صلبة حتى شعرت بأنامله تمتد لشعرها ويزيحه عن وجهها ورقبتها فيتجمع كله على الجانب ويهمس بخفوت جذاب :
_ هتفضلي مكشرة كدا كتير !
رغم تبعثرها الداخلي إلا أنها استمرت في البقاء شامخة وثابتة وأجابت عليه ببرود وبنفس كلمته في الصباح :
_ أنا مش مكشرة دي طبيعتي
ظهر شبك ابتسامته على ثغره وسكن لثواني معدودة قبل أن يعود ويهمس باسمها :
_ جلنار
في تصرف لا إرادي منها التفتت برأسها له بعد همسته باسمها وعلقت عيناها على خاصته البندقية الثاقبة كعيني العُقاب تمامًا ، لحظات طويلة مرت من الصمت بينهم حتى قطع هو الصمت بهمسة جميلة ونظرة دافئة :
_ أنا مش عايز اطلقك !
↚اعترف بالحقيقة التي كان يخفيها منذ إعلانها التمرد عليه وبداية الشجارات التي لا تنتهي بينهم وإصرارها على الانفصال ، قالها بوضوح شـ.ـديد وأوضح رغبته في بقائها معه ورفضه لفكرة الفراق .. لكن لا تزال هنا نقاط ناقصة يحب أن تضع فوق الحروف لتكمل المعنى تمامًا .
اطالت النظر إليه بتدقيق .. رغم دهشتها من جملته غير المتوقعة إلا إنها ابتسمت وقالت بمكر امتزج ببعض السخرية :
_ ومش عايز تطلقني ليه .. مش على أساس إنك مش بتحبني !
أصدر تنهيدة خرجت مصاحبة تأففًا قوي منه و هو يجيبها :
_ مكنتش اقصد ياجلنار .. قولتها في وقت عصبية ! ، إنتي مصممة على الطـ.ـلا.ق عشان كدا !
جلنار بصلابة وجفاء :
_ اللي اعرفه إن الكلام اللي بيتقال وقت الغضب بيكون هو الحقيقة .. وبيني وبينك إنت معملتش أي حاجة تثبت عكس اللي قولته
ثم مدت يدها تعبث بقميصه في رقة مقصودة وأعين شرسة كلها قوة :
_ والأولاد اللي كنت متجوزني عشانها ، الحمدلله معانا هنا فمتتوقعش إن ممكن اسمح إن تحصل حاجة بينا واجبلك طفل تاني .. impossible ( مستحيل )
ثم همت بالانصراف والذهاب للخارج لكنها قبض على ذراعها وجذبها إليه وهتف أمام وجهه بغضب ونظرة مشتعلة :
_ مش هطلقك
اتسعت الابتسامة فوق شفتيها وردت عليه بثقة :
_ براحتك .. وادينا قاعدين وخلينا نشوف هتفضل ثابت على مبدأك كدا لغاية امتى
ثم نزعت يده عن ذراعه وسارت للخارج وهي تبتسم بتشفي وتلذذ متمتمة لنفسها :
_ ده احنا لسا هنبدأ ياعدنان االشافعي
***
مدينة كاليفورنيا ......
يباشر أعماله جالسًا فوق مقعده أمام مكتبه في غرفته الخاصة بشركته .. يرتدي نظارة العمل المعتاد على ارتدائها أثناء عمله ، لأن كثرة التطلع في الأوراق والحاسوب تتعب عيناه وتسبب له الآلام .
انفتح الباب دون طرق أو استآذن مسبق ودخلت نادين وهي تسير بحذائها العالي المعتاد الذي يصدر اصواتًا عالية تجذب الانتباه إليها ، ولم يكن هو بحاجة لرفع رأسه لينظر للمتطفل الذي اقتحم الغرفة دون آذن ، فصوت حذائها كفيل ليكشف له هوية المتطفل ، خرج صوته حازمًا قليلًا :
_ الساعة السابعة يا آنسة وأنا قولت ستة تكوني في الشركة
كانت على وشك الابتسام لولا أنها لاحظت نبرته الصلبة فضيقت عيناها ببعض الدهشة وسارت نحوه وهي تتمتم :
_ حاتم إنت عنجد زعلت منى مبـ.ـارح ؟!
رفع نظره لها وهتف بضيق مزيف :
_ ومزعلش ليه !
اقتربت ووقفت بجوار مقعده ثم هزته في كتفه بخفة وهتفت مشاكسة وهي تضحك :
_ بلا ولدنة !!
لانت حدة نظراته وقال بابتسامة خفية :
_ احنا موضوعنا دلوقتي في التأخير يا أنسة مش زعلت ومزعلتش
_ ما أتأخرت اجيت على الوقت الطبيعي واللي تعودت عليه
ظهرت ابتسامته أخيرًا وقال مستسلمًا لكن بنبرة تحمل الجدية :
_ طيب خلاص .. المهم أنا مسافر خلال اليومين الجايين
ضيقت عيناها بحيرة وهتفت فورًا بشيء من الحـ.ـز.ن :
_ لوين ؟!
تنهيدة طويلة تبعتها همسة حازمة :
_ مصر
لجمت الصدmة لسانها فبقت تتطلع إليه للحظات بسكون .. وألف سؤال يدور في ذهنها ، وأول سبب استنتجته هو رغبته في رؤية جلنار ! .
زكأنه هو فهم ما يجول بعقلها الآن فأسرع بإنقاذ الموقف يكمل في لطف :
_ في شغل مهم ولازم اكون موجود بنفسي هناك ، وكلها اسبوع وهرجع تاني .. وفي الحقيقة كنت هسألك واشوفك لو حابة تيجي معايا ياريت والله
صمت تام يهيمن عليها وهي مستمرة في التحديق به بيأس ، حتى وجدته يلوح بيده أمام وجهها حتى تنتبه له ، فوقفت بصلابة وشموخ متمتمة بقوة :
_ لا مو بدي .. سافر إنت وخلص شغلك وأنا بـ.ـنتظرك هون
_ ليه ؟!!
نادين ببساطة مزيفة :
_ مو حابة
حاتم بترقب لردها :
_ مش حابة تسافري مصر ولا مش حابة تسافري معايا أنا
_ بشو راح تفرق يعني ؟!
رد بابتسامة ساحرية ونبرة دافئة :
_ لا هتفرق طبعًا ، لو مش حابة لمجرد إنك مش عايزة تروحي مصر فده أمر هين ومقدور عليه أما لو الاحتمال التاني فكدا هيكون الكلام مختلف
لا يوجد أي احتمال من الاحتمالين صحيح .. بل الحقيقة هي فقط ليست جاهزة للتعامل مع أي موقف قد يجـ.ـر.ح كبريائها ، وليست في حالة تسمح لها بمشاهدة جلنار ورؤية تودده لها بالنظرات والكلام .
غمغمت بخفوت تام تختار الاحتمال الأول :
_ تقدر تقول أول احتمال
_ لا إذا كان كدا مفيش مشكلة .. إنتي بقى تجهزي نفسك وشنطتك من دلوقتي عشان هتسافري معايا خلاص
نادين بذهول :
_ شكلك ما سمعتني منيح ، عم اقلك مو حابة
حاتم بعين تطلعت إليها في نظرات اذابتها :
_وأنا هحتاجك معايا يانادين .. سواء في الشغل أو انك تكوني جنبي
لمعت عيناها بوميض مختلف ، وكلمـ.ـا.ته أصابت الهدف تمامًا حيث صعدت ابتسامتها لوجهها دون أن تشعر وردت عليه بعفوية في لهفة :
_ عنجد يعني بدك ياني اكون جنبك !
_ امممم عنجد ونص كمان
غيرت رأيها بجملة واحدة منه وردت عليه تتصنع ثقل الشخصية حتى لا تثبت له تلهفها :
_ ماشي راح فكر واقلك
ضحك حاتم ببساطة وهو يعلق نظره عليها يتفحص حالاتها الغريبة ومحاولاتها لعدm إظهار رغبتها في الذهاب بعدmا أوضح لها رغبته في مجيئها معه أيضًا .
***
بصباح اليوم التالي ......
بينما كانت مهرة في طريقها لعملها اعترت طريقها بدرية التي اوقفتها في منتصف الطريق وهتفت :
_ ازيك يامهرة
رمقتها مهرة بنظرة نارية ولم تجب عليها وهمت باستكمال طريقها لكنها أسرعت وقالت باعتذار يضمر خلفه نوايا خبيثة :
_ متزعليش مني يابـ.ـنتي ، كانت د.خـ.ـلة شيطان وراحت لحالها .. منهم لله ولاد الحـ.ـر.ام اللي مش سايبن بنات الناس في حالها ، حقك عليا يامهرة سامحيني
مهرة بعصبية وغضب هادر :
_ اسامحك في إيه .. انتي غلطتي في اهلي وشرفي ، وتقوليلي د.خـ.ـلة شيطان !
همت بدرية بأن تمسك بكفها لكن مهرة أسرعت وسحبته فورًا بقرف بينما الأخرى فأكملت اعتذارها المزيف متمتمة :
_ طب والنعمة الشريفة أنا ما عارفة انام من ساعة اللي حصل وضميري بيأنبي كل دقيقة على اللي قولته في حقك .. حقك عليا وخلينا نفتح صفحة جديدة ، ده احنا أهل وعشرة وجيران برضوا
اطالت مهرة النظر في وجهها بابتسامة ساخرة ولم تلين نظراتها ولو بقدر ذرة لها ، كانت تتطلع لها بكل نقم وقالت بالأخير في قوة تليق بها :
_ عليكي نور .. أهل وعشرة والعشرة متهونش إلا على ولاد الحـ.ـر.ام ، وإنتي هانت عليكي العشرة
القت بجملتها القاسية في وجهها وابتعدت من أمامها تكمل طريقها لمكان عملها ، بينما بدري فظلت مكانها كالصنم ودmائها تغلي في عروقها من فرط الغـ.ـيظ للاهانة التي تعرضت لها للتو ، وبعد لحظات من الصمت تمتمت بوعيد :
_ شكلك مش هتجبيها لبر يابـ.ـنت رمضان
***
خرجت جلنار من الحمام بعدmا أخذت حمامها الصباحي الدافيء ، وتمسك بمنشفة صغيرة تجفف بها شعرها .. تسمرت مكانها حين رأته يرتدي ملابسه ويستعد للخروج فقالت فورًا باستغراب :
_ رايح فين ؟!
رد عليها بإيجاز وهو يرتدي سترته :
_ رايح الشركة هخلص كام حاجة ضروري وراجع
انزلت يدها الممسكة بالمنشفة في حركة بطيئة ثم ألقت بها علي الفراش في عدm مبالاة وتقدmت نحوه متمتمة بلهجة آمرة :
_ مش هتروح
سكون مريب للحظات وكأنه يستوعب لهجتها الآمرة وهي تلقي عليه بالأوامر ، ثم التفت لها برأسه مبتسمًا بشيء من الاستنكار :
_ نعم !!!
وقفت أمامه مباشرة وهتفت بنبرة قوية وصلبة لم تهزها نظرته :
_ مش هتخرج ياعدنان .. كلام الدكتور كان واضح وقال الراحة التامة ، وإنت لسا مكملتش أربع أيام حتى وعايز تروح الشغل !
طال النظر بها بأعين مريبة ففهمت هي من خلال نظرته أن طريقتها استفزته ، لكنها لم تكترث واكملت بكل برود وهي تمد يدها لسترته تنزعها عنه :
_ متبصليش كدا عشان نظراتك دي مش هتجيب بفايدة .. إنت اللي اخترت تقعد عندي يبقى تستحمل شروطي ، اقلع هدومك ويلا عشان نفطر
قبض على كفيها بيديه وانزل يدها للأسفل وهو يرمقها بنظرة تلوح بها بشائر الغضب ، واعاد سترته لوضعها الطبيعي وهنـ.ـد.م من مظهره ثم استدار وهم بالانصراف لكنها هرولت ووقفت أمامه تسد طريقه وتهتف بإصرار :
_ قولت مش هتخرج
جز على أسنانه بغـ.ـيظ وتمتم بهدوء ما قبل العاصفة :
_ابعدي ياجلنار
_ لا مش هبعد .. ومينفعش تخرج
تمالك أعصابه ورسم ابتسامة متكلفة وهو ينحنى عليها ويطبع قبلة على وجنتها هامسًا بصوت يحمل الإنذار :
_ طيب ابعدي يارمانتي ربنا يهديكي .. عشان أنا ماسك نفسي ومش عايز اتعصب عليكي
ردت جلنار بغـ.ـيظ من قبلته وهي تقف على أطراف اصابعها حتى تكون في مستوى طوله :
_ ما تتعصب هو أنا خايفة منك .. بعدين إنت بتبوسني من خدي ليه !
عدنان مسايرًا إياها بغـ.ـيظ مكتوم :
_ حاضر المرة الجاية هبقى استهدف الهدف وابوسك منه
قطعت اللحظة " هنا " الصغيرة التي دخلت ووقفت بجانب والدتها تنظر لأبيها وتسأل بضيق ظهر على ملامحها البريئة :
_ رايح فين يابابي ؟
نظرت جلنار لابـ.ـنتها وتمتمت بلؤم متصنعة البراءة :
_ هنون احنا مش لما نكون تعبانين بنفضل في البيت لغاية ما نخف
_ أيوة
_طيب ياحبيبتي بابي تعبان وعايز يروح الشغل .. ينفع كدا ؟!
اقتربت الصغيرة من أبيها وتشبثت بقدmه متمتمة برجاء وهي تنظر له بنظرات مستعطفة :
_ مش تروح الشغل يابابي عشان خطري ( خاطري ) .. كدا إنت هتتعب وتروح الدكتور تاني
لم يتمكن من التفريط بها وبنظراتها التي تأثره أثر فانحنى عليها وحملها فوق ذراعيه لاثمًا وجنتها بحنو ، ثم رفع نظره لجلنار فرآها تقف عاقدة ذراعيها أمام صدرها وترمقه بابتسامة نصر ، عض على شفاه بغـ.ـيظ وبعيناه يتوعد لها ، بينما هنا عنـ.ـد.ما لم تحصل منه على أجوبة عادت تسأل من جديد بلطافة :
_ مش هتروح صح ؟
لحظات من الصمت وهو يستمر بالتحديق في جلنار التي تضحك بتشفي ثم عاد بنظره إلى صغيرته وكان على وشك أن ينفي سؤالها لكنه خر مستسلمًا أمام نظراتها ولم يتمكن من رد طلبها فتنهد مغلوب على أمره وهو يوميء لها بالإيجاب .. فصاحت هنا بسعادة وهي تتعلق برقبته هاتفة :
_ هييييه ، بحبك أوي يابابي
_ وأنا كمان بحبك ياروح بابي
اتسعت ابتسامة جلنار وقالت بثقة ونظرات متعمدة بها استفزازه :
_ أنا هروح احضر الفطار .. وإنت غير هدومك يا أبو هنا يلا
تابعها بعيناه وهي تستدير وتنصرف ، زفر بصوت مسموع ونظر لابـ.ـنته وتمتم بعدm حيلة شبه مبتسمًا :
_ والله ما في حد تاعبني غير أمك .. آخ منها
لم تفهم ما قصده فاكتفت بضحكتها الخافتة دون أن تفهم ، لتتسع ابتسامة بحب على ضحكتها ! .
***
في تمام الساعة الرابعة عصرًا دوى صوت رنين الباب ، فاستقام عدنان الذي كان يشاهد التلفاز اتجه نحو الباب ليفتح .. أمسك بالمقبض واداره ثم جذب الباب إليه فقابل أمامه كل من أخيه وأمه التي عانقته بقوة فور رؤيتها له وتمتمت بحب واهتمام حقيقي :
_ عامل إيه ياحبيبي .. مقدرتش مجيش اشوفك
رفع نظره لآدm يرمقه معاتبًا لأنه جلبها فرفع آدm كتفيه بعدm حيلة ، بينما عدنان فملس على ظهر أمه بلطف هامسًا :
_ أنا كويس ياماما الحمدلله متقلقيش
ابتعدت عنه أسمهان وهتفت بضيق واضح وملحوظ :
_ بقى كدا متجيش تقعد معايا جمبي وتقعد هنا
عدنان بابتسامة متصنعة :
_ مش وقته الكلام ده ياماما
لوت فمها بخـ.ـنـ.ـق ثم دخلت ولحق بها آدm الذي انحنى على أذن عدنان وهمس :
_ اعمل إيه صممت تيجي معايا لما عرفت إني جايلك
رتب على كتفه أخيه باسمًا :
_ طيب ادخل خلاص .. ربنا يستر ومتحصلش مشاكل عشان أنا مش ناقص
خرجت الصغيرة هنا من غرفتها وفور رؤيتها لجدتها ركضت عليها تعانقها واستقبلتها أسمهان بحرارة وحب ، بينما جلنار فوقفت على بعد خطوات منها وتمتمت بابتسامة صفراء :
_ أهلًا يا أسمهان هانم
رمقتها بقرف وغل وكانت على وشك أن تجيب عليها لولا وصول أبنائها فتحركت وجلست على المقعد بجوار عدنان وهتفت تسأله باهتمام :
_ بتاخد علاجك يا حبيبي ؟
_ أيوة الحمدلله
كان رده هادئًا تمامًا ثم استكملت هي بترقب لرده :
_ تعالى اقعد معايا في البيت يابني عشان اكون مطمنة عليك
مسح عدنان على وجهه وتمتم بأعين دافئة :
_ أنا مرتاح هنا ياماما
كانت جلنار تتابع حديثهم بنظرات مغتاظة ، تلك المرأة الخبيثة لا يعجبها بقائه معها وتريد أخذه معها .. قد فهمت الآن سبب زيارتها المغلفة بإطار الحب والاهتمام .
استقامت جلنار واقفة متمتمة وهي توجه حديثها لآدm بود :
_ تشرب إيه يا آدm ؟
هز رأسه بالنفي في ابتسامة صافية ، فالتفتت ناحية أسمهان وقبل أن تسألها ردت عليها بقرف :
_ مش عايزة
اشتعلت عيني جلنار وهي تتطلع بها فسمعت عدنان وهو يهتف بنظرات بها بعض الحزم واللين بذات اللحظة :
_ جــلــنـار أنا عايز مايه لو سمحتي
رفعت نظرها عن أسمهان ورمقته بهدوء وهي تهز رأسها بالموافقة وتسير باتجاه المطبخ .. لحظة من الصمت مرت حتى بدأ عدنان وآدm يتبادلون الأحاديث فيما بينهم وبقت هي تتابعهم بصمت ثم وقفت دون أن يشعروا بها وذهبت لجلنار بالمطبخ .
كانت جلنار تقف تستند بظهرها على المطبخ وقدmاها تهتز بعنف من فرط الغـ.ـيظ ، حتى رأت أسمهان وهي تدخل عليها .. فاعتدلت في وقفتها وطالعتها بقوة ، بينما أسمهان فهتفت بحقد :
_ أنا فاهمة كويس أوي اللي بتحاولي تعمليه ، بس أنا لا يمكن اسيبلك ابني
لم تجيب عليها واستمرت في النظر إليها بصمت وازدراء حتى تقدmت أسمهان نحوها أكثر وأصبحت أمامها مباشرة وتمتمت :
_ رغم إنك عارفة إن ابني مش بيحبك وإنه ماخدك وسيلة للإنجاب مش اكتر ، لسا موجودة معاه وده يثبت حاجة واحدة بس إنك بلا كرامة وكل همك الفلوس .. بعد ما أبوكي طبعًا خسر شغله وبقى على عتبة الأفلاس حاطة عينك على فلوس ابني دلوقتي
خرجت عن إطار هدوئها وفشلت في حجب انفعالاتها وتمامًا كان هذا ما تريده اسمهان من البداية ، حيث صاحت جلنار بها في انفعال :
_ أنا لا عايز ابنك ولا عايز فلوسكم المقرفة دي ، وخدي بالك من كلامك معايا يا أسمهان عشان صدقيني مش هسكت واسمحلك تهنيني فاهمة ولا لا
نظر كل من عدنان وآدm لبعضهم البعض بحيرة فور سماعهم لصوت جلنار المرتفع وكان عدنان أول من وثب واقفًا وهرول نحو المطبخ ولحق به آدm .
_ في إيه ياماما ؟
سؤال خرج من عدنان وهو ينقل نظره بينهم باستغراب ، زوجته عبـ.ـارة عن جمرة نيران متوهجة وأمه تبدو أقل هدوءًا منها بعض الشيء .. أجابت عليه أسمهان بعصبية :
_ الهانم مراتك عشان بديها نصايح وبقولها تاخد بالها منك إزاي في فترة علاجك بتزعق وتقولي إنتي مالك وكمان بتطردني من بيت ابني
ضحكت جلنار على كذبها السخيف مثلها ولم تعلق وتحاول حتى الدفاع عن نفسها لعدm مبالاتها بالأمر من الأساس .. نظر آدm لعدنان وهز رأسه له بمعنى فهمه جيدًا ثم انحنى على أمه وهمس :
_ ماما انتي مش خلاص اطمنتي على عدنان يلا عشان ارجعك البيت
نقلت أسمهان نظرها بين الجميع باستياء ، والقت نظرة أخيرة على عدنان الذي كان يقف ويتنهد بحنق وعدm حيلة ثم استدارت وسارت مع آدm الذي ربت على كتفه أخيه بلطف قبل أن يغادر .
طالت نظرات عدنان على جلنار التي تقف وتشيح بوجهها للجانب الآخر ، كانت عيناها دامعة وتخشي أن يراها فتحركت وسارت مسرعة للخارج لكنه قبض على ذراعها أثناء مرورها من جانبه وهمس بخفوت :
_ حصل إيه ؟
لاحت ابتسامتها الساخرة على شفتيها وردت دون أن تنظر له حتى لا يرى عيناها :
_ زي ما سمعت مامتك
عدنان بصوت هاديء :
_ ولما هو ده اللي حصل فعلًا بتعيطي ليه .. المفروض إن إنتي الغلطانة لو زي ما بتقول ماما
هتف بتلك الكلمـ.ـا.ت عن قصد حتى يستفزها ويجعلها تنظر لوجهه وتتحدث وبالفعل انفعلت ورمقته بنارية هاتفة :
_ بعيط عشان مـ.ـجـ.ـنو.نة ارتحت
_ أيوة كدا بصيلي الأول وبعدين ابقى قولي اللي حصل
جلنار بعناد رافضة أن تقص له ما حدث :
_ وإنت سمعتها
هز رأسه بالنفي متمتمًا :
_ أنا عايز اسمع منك إنتي
تأففت بقوة وهتفت مستاءة حتى تتخلص من الحاحه :
_ قالت اللي كلنا عارفينه
_ واللي هو ؟!
جلنار بعينان واهنة ونبرة عكس نظراتها تمامًا :
_ إنك مش بتحبني ياعدنان
↚
لحظات عابرة من الصمت المشحون بطاقة قوية وشرسة ، تنتظر رده وهو يتطلع إليه بسكون مريب .. عيناها الدامعة ونبرتها التي تحمل في طياتها بعض الضعف لمست قلبه وبعد أن كان سينهي النقاش ربما برد يزيد من إشعال النيران في نفسها ، لانت نظراته ولان قلبه كذلك فخرجت منه شحنات حانية ، جعلته يمد كفه إلى شعرها يملس عليه بلطف ثم نزلت أنامله إلى وجنتها وتحرك ابهامه برقة فوق بشرتها الناعمة متمتمًا :
_ متضايقيش نفسك بكلام ماما .. احنا عارفين إنها بتحب تضايقك بالكلام
ثواني معدودة من الصمت القـ.ـا.تل هيمن عليها ، أهذا هو رده على ما قالته ! .. أن لا تزعج نفسها بكلمـ.ـا.ت والدته .. هي أساسًا لا تهتم لما تقوله بل ما يزعجها أنها على حق ! .
جلنار بعدm فهم :
_ يعني !!
عدنان بتعجب :
_ يعني إيه ؟! .. متزعليش ياجلنار وخلاص حصل خير
كيف له أن يكون بهذا البرود والثبات الانفعالي ، وإن كان هو يستطيع فهي لا تستطيع حيث ضحكت بقوة ووضعت كفها على صدره تدفعه بعيدًا وهي تصيح :
_ أنت مستفز أوي .. اقوله بتقولي إنك مش بتحبني وإني معنديش كرامة وإنك متجوزني عشان الأطفال وهو يرد يقولي متضايقيش نفسك هي بتحب تضايقك .. يابرودك !
هدر بهدوء تام وبعينان ثاقبة تترقب ردها :
_ إنتي عايزاني اقول إيه ؟!
ضحكت باستنكار ثم مالت برأسها ناحيته وهمست بألم مدفون في أعماقها :
_ متقولش حاجة أنا ردك وصلني خلاص .. واثبتلي إنك مقولتهاش وقت غضب ولا حاجة زي ما بتقول ، فأنا أحب اقولك دلوقتي إني أنا كمان كنت ومازالت وهفضل مش بحبك ومش عايزاك ، هتفضل حاجة اتفرضت عليا ياعدنان ومستنية اليوم اللي اخلص فيه منها بفارغ الصبر عشان ارتاح
احتدmت نظرته ونبرته أصبحت أكثر خشونة وهو يرد عليها :
_ وياترى بعد ما تخلصي مني بقى هتعملي إيه ؟
ابتسمت بمكر وهمست بكلمـ.ـا.ت مدروسة تعرف أثرها جيدًا ، لكنها لم تكترث وتفوهت بهم في وجهه بكل شجاعة :
_ هتجوز واعيش حياتي .. هتجوز راجـ.ـل بيحبني بجد ويستاهل أي حاجة اعملها عشانه ، راجـ.ـل يعوضني عن اربع سنين من القهر والألم والحـ.ـز.ن عشتهم مع واحد مستغل مش بيفكر غير في نفسه
سكتت للحظة تمعن النظر في معالم وجهه المخيفة ، فقد نجحت في تحقيق مبتغاها وتحولت نظراته من الهدوء إلى أخرى تضج بالغضب ، وتشنجت عضلات وجهه ، برغم خـ.ـو.فها البسيط من تحوله المرعـ.ـب إلا أنها قررت إلقاء ورقتها الرابحة التي ستزيد اللعبة حماسًا وستعلن الفائز في حرب تخوضها قطة شرسة أمام أسد جائع لا يرحم .
استكملت حديثها بثقة أشـ.ـد :
_ راجـ.ـل افتحله قلبي وأحبه بكل جوارحي مش ....
هاجت عواصفه وقد نجحت في إيقاظ الوحش ، حيث كتم على فمها بكفه ودفعها حتى اصطدmت بمبرد المطبخ وانحنى عليها يهمس بتحذير مرعـ.ـب وعينان نارية :
_ كلمة تاني وصدقيني إنتي المسئولة عن اللي هيحصلك
أصدرت تأوهًا مكتومًا من اصطدامها بالمبرد وحدقته بعيناها في ثبات مزيف فقد بدأ الأمر يخرج عن سيطرتها ، ابعدت كفه عن فمها وقالت بسخرية :
_ إيه مالك متعصب كدا ليه .. أنت سألتني سؤال وأنا رديت بالحقيقة
عدنان بصوت غليظ وأنفاسه المشتعلة تلفح صفحة وجهها بعنف :
_ ده في خيالك إنتي ولا يمكن يبقى حقيقة .. وقولتها قبل كدا وهقولها تاني إن مكنتيش ليا مش هتكوني لحد تاني ، فكرك إني هسمح لجنس مخلوق إنه يلمسك وأنا فيا الروح .. محدش يتجرأ يلمسك غيري
صرخت به في هسيتريا تلكمه بكفيها وتهتف بجملتها المشهورة في عدm وعي من فرط استيائها وحالة الانفعال العنيف التي سيطرت عليها :
_ إنت واحد مريـ.ـض ياعدنان وأنا بكرهك
قبض على رسغيها بقوة يوقفها عن ضـ.ـر.به وينحنى عليها وينل من رحيقها بعد عـ.ـذ.اب لشهور من الشوق ، بكل مرة ينجح بصعوبة في تمالك نفسه النابضة بالاشتياق لكن الآن رفع الراية وأعلن استسلامه ، فقد قــ,تــله الانتظار بلا هدف ووجب عليه أن يضع له نهاية ! .
ابتعد عنها بعد لحظات هامسًا بلهاث يجيب على آخر كلمـ.ـا.تها :
_ وأنا كمان
تلون وجهها بالأحمر القاتم من فرط الغـ.ـيظ والغضب لما فعله وما قاله بعد ! ، فرفعت كفها وكانت على وشك صفعه لكن توقفت يدها في الهواء وضمت قبضتها بقوة وهي تجز على أسنانها ، ثم انزلتها وهتفت وهي تندفع للغرفة :
_ حــقـــيــر
انصرفت وهي عبـ.ـارة عن جمرة متوهجة وحمراء من الغـ.ـيظ بينما هو فكان يبتسم بنفس هادئة بعد أن كانت ثائرة .. يستطيع القول أنه روى القليل من شوقه لها .
***
تخرج همهمـ.ـا.ت مستاءة منها منذ أن خرجا من المنزل وصعدا بالسيارة وهو يلتفت لها بين آن وآن متنهدًا بعدm حيلة ، لكن بالأخير طفح كيله وهتف بنفاذ صبر :
_ ماما كفاية
أسمهان بعصبية :
_ هو إيه ده اللي كفاية
آدm بهدوء متصنع :
_ كفاية اللي بتعمليه مع جلنار
_ آه واسيبها تلهف كل فلوس ابني هي وأبوها وتخدعه
مسح على وجهه متأففًا بخـ.ـنـ.ـق واجابها بنبرة صوت مرتفعة قليلًا وعيناه عالقة على الطريق أمامه وهو يقود :
_ ماما جلنار مش كدا أبدًا وإنتي عارفة ده متعلقيش كرهك ليها على شماعة الفلوس ، سيبي عدنان يعيش مرتاح مع مـ.ـر.اته وبـ.ـنته
ضحكت أسمهان وردت بازدراء :
_ آه مـ.ـر.اته اللي هـ.ـر.بت والله اعلم كانت بتعمل إيه هناك من وراه
_ وهي هـ.ـر.بت ليه مش لما ابنك كان عايز ياخد بـ.ـنتها منها ويطـ.ـلقها
تأففت أسمهان بخـ.ـنـ.ـق وردت عليه في قرف :
_ سوق يا آدm وإنت ساكت ومتجبليس سيرتها تاني أنا مش ناقصة حرقة دm
هز رأسه مغلوبًا على أمره في نفاذ صبر فهمها حاول لن يجدي بنفع مع امرأة قاسية كأسمهان الشافعي .
***
في مساء ذلك اليوم .......
أريكة هزازة متوسطة في منتصف حديقة المنزل ، والأضواء البيضاء الخافتة تضيء المكان بهدوء ، لتنشأ أجواء ساكنة ومريحة للأعصاب .
كان يجلس فوق الأريكة وعلى فخذيه تجلس صغيرته ونائمة برأسها على صدره ، عيناه عالقة على السماء بشرود وهي تمسك بدmية بـ.ـاربي الصغيرة تعبث بأناملها الرقيقة في شعرها برقة وساكنة تمامًا بين ذراعين والدها .. انزل عدنان نظره إليها وابتسم ثم همس بحنو :
_ يلا ياهنون ندخل جوا كدا هتبردي يابابا
هزت الصغيرة رأسها بالنفي ولفت ذراعيها حول خصر والدها متشبثة به بقوة كتعبير عن رفضها التام في الابتعاد عنه ، فعلت شفتيه ابتسامة أبوية دافئة ثم نزع عنه سترته الثقيلة ولفها حول جسد ابـ.ـنته الصغير .. رفعت هي رأسها له وتمتمت :
_ بابي إنت بتحبني وبتحب عمو آدm وتمان ( كمان ) نينا صح ؟
استعجب سؤالها للحظة لكنه هز رأسه لها بالإيجاب في ابتسامة خافتة ، فظهر العبوس على محياها وسألت للمرة الثانية :
_ طيب ومامي ؟
تجمدت ملامحه لوهلة وتمتم بعدm فهم :
_ مالها مامي ؟!
هنا بتأمل وبعض العبوس الذي مازال يعلو معالمها :
_ بتحبها زينا !
عم الصمت لثواني معدودة حتى رأت هنا الابتسامة تزين ثغر والدها من جديد وهو يرد عليها بإيجاب :
_ بحبها ياحبيبتي أكيد
سعدت للحظة بتأكيد أبيها ثم عادت وهتفت بعبوس مجددًا :
_ طيب ليه زعلتها ؟
أشار لنفسه بدهشة متمتمًا :
_ أنا زعلتها ؟!!!
اماءت هنا برأسها فضيق عدنان عيناه وسألها بفضول :
_ وإنتي عرفتي إزاي ؟
هنا بخفوت تسرد له ما حدث :
_ مامي كانت قاعدة على السرير وزعلانة ، أنا سألتها مش رضيت تقولي .. بعدين أنا قولتلها زعلانة من بابي عملت كدا براسها
ثم هزت رأسها بإماءة قوية حتى تمثل ردة فعل والدتها عنـ.ـد.ما سألتها هل سبب حـ.ـز.نها أبيها أم لا .. فانطلقت ضحكة بسيطة منه وهو يعيد هز رأسه بنفس طريقة صغيرته ويتمتم مستعجبًا :
_ عملتلك كدا .. امممم طيب وهي صاحية ولا نامت ؟
رفعت كتفيها بجهل وردت :
_ مش عارفة
حملها فوق ذراعه واستقام بها واقفًا هامسًا وهو يسير نحو المنزل :
_ طيب تعالي نشوفها
دخلا المنزل وصعد عدنان الدرج حاملًا ابـ.ـنته فوق ذراعه وقاد خطواته تجاه غرفته ، وقف أمام الباب وأمسك بالمقبض ثم فتحه ودخل .. وقعت عيناهم عليها في الفراش وهي متدثرة بالغطاء ونائمة بثبات عميق .. فهمست هنا في أذن أبيها باسمة :
_ نامت !
تمعن النظر في جلنار للحظات قبل أن يلتفت بنظره لصغيرته ويهتف بحنو :
_طيب مش يلا احنا كمان ننام ولا إيه
ابتسمت بطفولية ونظرات بريئة ثم همست بتردد ولطافة :
_ مش عايزة انام في اوضتي
_ امال عايزة تنامي فين ؟!
اتسعت ابتسامتها ونزلت من فوق ذراعيه ثم هرولت راكضة نحو الفراش وتسطحت بجوار أمها متطلعة لأبيها بأعين متسعطفة ، فأجابها هو ضاحكًا وهو يقترب من الفراش :
_ وده من إمتى بقى إن شاء الله !
كتمت على فمها بكفيها حتى لا تخرج اصوات ضحكها وتابعت أبيها وهو يلتفت حول الفراش ويتسطح بجوارها من الجانب الآخر وهي بالمنتصف بين والديها .. رفع الغطاء وسحبه على جسده وتلقائيًا تدثرت هي أيضًا ثم التفتت للجهة الأخرى ودثرت أمها جيدًا وعادت مرة أخرى لأبيها تلقي بجسدها الصغير بين ذراعيه .
مد عدنان يده للضوء واطفأه فخرجت صيحة من هنا بخـ.ـو.ف :
_ لا
فتح النور مرة أخرى مفزوعًا وحدجها باستغراب فهتفت هي بصوتها الطفولي :
_ كدا العفريت هيجي يابابي
_ عفريت أيه يابابا .. مفيش ياحبيبتي الكلام ده
اعتدلت جالسة ورفعت يديها لأعلى ورسمت على ملامحها الطفولية البريئة الجميلة ملامح مرعـ.ـبة لا تناسب وجهها بتاتًا وهتفت تمثل لأبيها :
_ لا في هيعملي كدا اعاااا
قهقه بقوة فالتفتت هي برأسها مسرعة ناحية أمها وأشارت بسبابتها على فمها هامسة :
_ شششش مامي هتصحى !
اخفض من نبرة صوته وهو يجذبها لصدره متمتمًا :
_ طيب يلا مش هطفي النور نامي بقى متتعبنيش
امتثلت لكلام أبيها وسكنت تمامًا في حـ.ـضـ.ـنه ودقائق معدودة واغمضت عيناها سابحة في ثبات عميق .
***
بأمريكا الشمالية تحديدًا مدينة كاليفورينا داخل منزل حاتم في المساء ........
كان جالسًا بغرفة مكتبه ويمسك بيده الكتاب الذي اهدته له بعيد ميلاده الأخير قبل أن ترحل .. لا تزال صورتها عالقة بذهنه .. صوتها يرن في أذنه بين الحين والآخر ، لم ينساها ولن يتمكن بسهولة كما ظن .. لكن الجيد في الأمر أن شوقه له يتناقص يومًا بعد يوم ، ولم يعد مشتاقًا لرؤيتها كالسابق .. سيعاني قليلًا في تحمل نتيجة الخطأ الذي ارتكبه حين سمح لقلبه بأن يتعلق بها مرة أخرى وهو يعرف بأن الأمور قد لا تسير كما تهوى نفسه .
قطع لحظات تفكيره طرق الباب القوى .. ضيق عيناه بريبة وأسند الكتاب فوق سطح المكتب واستقام واقفًا مغادرًا الغرفة ومتجة نحو الباب ، أمسك بالمقبض وجذب الباب إليه فقابل أمامه نادين ووجهها ممتلئ بالدmـ.ـو.ع ، صابه الفزع من مظهرها وهتف بصدmة :
_ نادين !
ارتمت عليه دون أي مقدmـ.ـا.ت ولفت ذراعيها حول رقبته دافنة وجهها في كتفه وتبكي بحرقة .. ارتفعت علامـ.ـا.ت الاستفهام والقلق لعيناه لكنه لف ذراعه حولها يملس على ظهرها برفق متمتمًا بصوتًا ينسدل كالحرير ناعمًا :
_ مالك يانادين إنتي كويسة ؟!!
ابتعدت عنه وردت عليه من بين بكائها بصوت متقطع :
_ كنت بحفلة عيد ميلاد صديقتي وأنا وعلى الطريق للبيت قابلت شوية شباب مو متربين ضلوا يضايقوني بالكلام وبالذول لعرفت امشي وكمان ضلوا ورا سيارتي بسيارتهم فخفت اروح على البيت وأجيت لعندك
احتدmت ملامح وجهه وهتف بغلظة :
_ فضلوا وراكي لغاية ما وصلتي هنا عندي !
نادين ببكاء وجسد يرتعش :
_ ما بعرف أنا كتير خـ.ـو.فت وضليت سوق بسرعة حتى اوصل لعندك
أمسك بيدها في رفق وادخلها ثم اغلق الباب ورمقها بنظرات حانية مطمئنة بعدmا احس بـ.ـارتعاشة جسدها وخـ.ـو.فها الشـ.ـديد :
_ متخافيش خلاص أنا معاكي أهو .. اهدي يانادين
نادين بصوت مرتجف :
_ كانوا مو بوعيهم لهيك خفت اكتر
لف ذراعه حول كتفها وسار معها للداخل حتى وصلا للأريكة المتوسطة واجلسها عليها ثم جلب لها كوب ماء ومد يده لها فالتقطت الكوب وشربته كله دفعة واحدة .. بينما هو فهتف بنبرة صارمة تحمل السخط :
_ وإنتي إيه اللي يقعدك في عيد ميلاد صحبتك للوقت ده يا هانم
_ كانت الحفلة كتير حلوة وهي رفضت تتركني امشي إلا بعد ما تنتهي الحفلة
حاتم بنبرة أشـ.ـد غلظة من السابق :
_ ومرنتيش عليا ليه آجي اخدك !!
نادين بصوت مبحوح من أثر البكاء :
_ ما حبيت ازعجك ياحاتم ، وأكيد ما كنت بتوقع إن هيك راح يحصل
مسح على وجهه متأففًا بنفاذ صبر وغضب ملحوظ ثم هتف بتحذير حقيقي ونظرات مخيفة :
_ أول وآخر مرة يا نادين مفهوووم .. من هنا ورايح متتأخريش برا وحدك
اماءت برأسها وهي مطرقة رأسها أرضًا ، بينما هو فتفحص بعيناه بداية من قدmاها وفستانها القصير حتى أعلى كتفها الذي تتدلي من حمالات الفستان التي فوق كتفيها فتحة مثلثية عند منطقة الصدر وتترك الحرية لشعرها البني .. طال تأمله بها للحظات لا يتمكن من إزالة نظره عنها حتى سيطر على ذاته وهتف بعصبية :
_ إيه اللي لبساه ده .. ما طبيعي تلاقي شباب بتضايقكي باللبس ده
نزلت بنظرها لملابسها وعادت له تهتف باستغراب وبعض الغـ.ـيظ :
_ شو به فستاني !!!
حاتم بغضب وحدة :
_ فستان إيه .. ده قميص نوم !
ردت عليه مشتعلة بغـ.ـيظ :
_ احترم حالك .. وبعدين ما إلك دخل انا بلبس ياللي بيعجبني
_ ولما مليش دخل جاية تعيطيلي ليه !
وثبت واقفة بانفعال وهدرت بغـ.ـيظ وهي تهم بالانصراف :
_ أي أنا غلطانة إني اجيتلك أساسًا
اندفعت نحو الباب لكنه اسرع وقبض على رسغها يهتف بنبرة رجولية حازمة :
_ خدي هنا رايحة فين ؟!
_ رايحة على بيتي .. شو عندك مانع !!
_ آه عندي هتطلعي بالشكل ده تاني !! .. اطلعي فوق في أوضة ماما هتلاقي هدوم في الدولاب غيري والبسيلك حاجة عدلة بدل القرف ده
نادين بعناد وباستياء شـ.ـديد وهي تصيح به :
_ ما تقول قرف عم تفهم .. ومو راح اطلع لفوق وراح امشي على بيتي غـ.ـصـ.ـب عنك
استدارت وسارت مسرعة نحو الباب لكنها أصدرت شهقة عالية بفزع عنـ.ـد.ما وجدته يحملها فوق كتفه عنوة ويسير بها عائدًا نحو الأعلى إلى غرفة والدته ، صرخت بأعلى صوتها تضـ.ـر.به بكفيها على ظهره :
_ نزلني يا منحط .. حاتم اتركني .. عم اقلك اتركني .. حــــاتــــم
لم يعيرها إهتمام حتى وصل بها إلى الغرفة وانزلها على الأرض ثم قال بلهجة آمرة :
_ غيري يلا وأنا هستناكي برا
همت بأن تندفع نحوه وتضـ.ـر.به وتشتمه لكنه كان اسرع منها حيث تراجع واغلق الباب فاتاها صوته من الخارج وهو يقول بحزم :
_ خمس دقايق وتكوني خلصتي
سمع صرختها المغتاظة من الداخل :
_ انقلع من هون !
ابتسم ولم يجيب عليها فقط ابتعد عن الباب قليلًا ووقف يستند بظهره على الحائط منتظرًا أياها .. وبعد دقائق طويلة نسبيًا فتحت الباب وخرجت وهي ترتدي بنطال واسع يعلوه كنزة بأكمام طويلة ، وقفت أمامه وهي تنظر لنفسها بعدm رضى فرد هو عليها مبتسمًا برضا على عكسها تمامًا :
_ الاحترام حلو برضوا .. كدا اقدر اقولك يلا عشان اوصلك لبيتك
هتفت بخـ.ـنـ.ـق :
_ لا راح روح وحدي
استقرت في عيناه نظرها مرعـ.ـبة جعلتها تصمت وسارت أمامه دون أن تتفوه ببـ.ـنت شفة متقبلة الأمر الواقع .. فهي من لجأت له في خـ.ـو.فها ويجب عليها الآن أن تتحمل النتائج ! .
***
بصباح اليوم التالي داخل شركة أل الشافعي تحديدًا بغرفة الاجتماعات .......
انفتح الباب ودخل أولًا عدنان وخلفه كان آدm ، جلس عدنان على مقعده في صدر الطاولة وهو ينقل نظره بين الجميع بتدقيق وآدm عيناه النارية ثابتة على نادر .
هتف صاحب الشركة الأخرى التي سيعقد معه الصفقة :
_ حمدلله على سلامتك يا عدنان بيه
عدنان بثبات ونظرات ثاقبة كالصقر :
_ خلينا ندخل في المهم .. اعتقد إنك عرفت إن الملفات والتصميمـ.ـا.ت اللي وصلت ليك مزورة ومش الحقيقية وكمان الحقير اللي وصل ليك على إنه من شركتنا ده واحد نصاب
نظر سليم لآدm وتمتم مبتسمًا :
_ آه آدm بيه بلغني .. دي عملية نصب عيني عينك
عدنان باسمًا بشيطانية :
_ اللي عمل كدا غـ.ـبـ.ـي وعقله خيل ليه إنه هيقدر على عدنان الشافعي ، بس الحمدلله ياسليم بيه إننا لحقنا المصـ يـ بـةدي قبل ما تمضي العقد معاه
هز سليم رأسه بإيجاب وتمتم :
_ أيوة الحمدلله
مد عدنان بالملفات الحقيقية على سطح الطاولة يعطيها لسليم الذي التقطها منه واستغرق دقائق وهو يتفحص كل جزء بها بإمعان وبالأخير تمتم مبتسمًا بإشراقة وجه :
_ فعلًا دي التصميمـ.ـا.ت والاوراق اللي احنا متفقين عليها من البداية .. كدا نقول مبروووك علينا ياعدنان بيه أول تعامل بينا
أشار سليم لمدير أعماله بأن يخرج الاوراق الخاصة بالعقود وبدأوا كلاهما بالامضاء على العقود ، وفور انتهائهم استقاموا واقفين وتصافح كل من سليم وعدنان الذي هتف بوجه سمح :
_ إن شاء الله يكون في اجتماع قريب بينا ياسليم بيه ونتكلم فيه على كل حاجة بالتفصيل
_وأنا في الانتظار أكيد
سار سليم ومدير أعماله للخارج ولحق به آدm فورًا بعد أن القى نظرة خبيثة على أخيه ، كان نادر يجلس بمقعده وهو عبـ.ـارة عن جمرة ملتهبة من فرط الغـ.ـيظ والغضب .. ولم يلحظ نظرات عدنان الممـ.ـيـ.ـتة له إلا عنـ.ـد.ما التفت برأسه ناحيته في تلقائية فاربكته نظراته له لكنه ابتسم بطبيعة متصنعة وتمتم :
_ مبروووك ياعدنان وأخيرًا صفقة العمر حصلت عليها رغم اللي حصل
ابتسم بأعين تطلق شرارات مخيفة وهتف بكلمـ.ـا.ت ذات معنى :
_ اللي حصل ده كان بتخطيط مني .. والصفقة كانت بتاعتي من البداية ، مش عدنان الشافعي اللي تفوت عليه إن في شوية ***** حواليه .. ودلوقتي هفضالهم
سقط قلبه في قدmه من الخـ.ـو.ف .. كان يحدثه وكأنه يعرف بكل شيء ويلقي إليه بالتلمحيات أن نهايته قد اقتربت كثيرًا .. استقام واقفًا وهتف مضطربًا :
_ طيب أنا هروح ااا ... اشرب فنجان قهوة تحب اجبلك معايا
_ شكرًا
استدار نادر واندفع لخارج الغرفة فورًا مسرعًا ولحظات ودخل آدm الذي قابل سؤال أخيه المهتم :
_ هااا عرفت منه أسم ومكان الحقير اللي وداله الملفات المزورة
هتف آدm متنهدًا وهو يجلس على المقعد المجاور له :
_ عرفت عرفت .. أنا مش فاهم إيه لزمته طالما عارف إن ال**** نادر هو اللي ورا الموضوع
تشجنت ملامح وجهه وظهر الحقد والغضب عليه وهو يجيب على أخيه دون أن ينظر له :
_ الصفقة حاجة واللي هيوصلني ليه الراجـ.ـل ده حاجة تاني
زفر آدm بعدm حيلة وطال النظر في أخيه .. لكم يرغب في أخبـ.ـاره بالعلاقة القذرة التي تمارسها زوجته من خلفه ، لكن خـ.ـو.فه من ردة فعله يجعله يتراجع بكل مرة وخصوصًا أنه مازال لم يتعافى تمامًا من أثر الحادث .
خرج صوت آدm خافت ومترقب لرده :
_ فريدة مقالتش حاجة ليك صح ؟
_ حاجة زي إيه ؟!
كانت جملة بنبرة قوية منه قابلت الصمت من آدm وهو يوميء بتفهم ، بينما هو فتوقف وسار للخارج وهو يتمتم بوعيد في صوت غير مسموع :
_ مش هتلحق تقول حاجة أصلًا
***
_ حصل إيه امبـ.ـارح ؟!
كان سؤال فضوليًا ومتحمسًا من فريدة فردت عليها أسمهان بعصبية :
_ متحبليش سيرة امبـ.ـارح نهائي يا فريدة .. بقى أنا ولادي محدش يصدقني ويصدقوا الحرباية بـ.ـنت نشأت دي !
فريدة باستغراب :
_ ازاي يعني محصلش أي حاجة .. ولا حتى عدنان زعقلها !
_ ولا إي حاجة ! وطلعت أنا الكاذبة قدام ولادي
لمعت بعين فريدة فكرة خبيثة حيث قالت بتشويق :
_ طيب أنا عندي فكرة وأكيد المرة دي هتصيب
أسمهان بخـ.ـنـ.ـق ونفاذ صبر :
_ هي إيه
فريدة بابتسامة لئيمة :
_ حاتم
هيمن السكون على أسمهان للحظات تحاول فهم ما تلمح إليه حتى لمعت عيناها أخيرًا وارتفعت الابتسامة الشيطانية لشفتيها وهي تتبادل النظرات معها .
***
تقف جلنار في المطبخ وتقوم بتحضير وجبتها الصباحية المعتادة هي وابـ.ـنتها ، وهنا تجلس فوق سطح المطبخ الرخامي وتتابع ملامح وجه والدتها المستاءة بصمت حتى هتفت بخفوت :
_ بابي قالي إنه مش هيتأخر ياماما والله
جلنار بعصبية :
_ يتأخر ولا مـ.ـيـ.ـتأخرش بابي لسا تعبان ، ازاي يروح الشغل .. وإنتي ليه مصحتنيش ؟
ردت الصغيرة وهي تزم شفتيها بيأس :
_ هو قالي متصحيش ماما
جلنار بغـ.ـيظ :
_ آه لازم يقولك متصحيش ماما .. عشان عارف لو ماما صحيت مش هتخليه يخرج
تنهدت الصغيرة بعدm حيلة ثم ابتسمت فجأة عنـ.ـد.ما قذفت فكرة في ذهنها وهمست لأمها بذكاء طفولي لطيف :
_ عارفة ياماما .. بابي امبـ.ـارح قالي إنه بيحبك أوي
تسمرت بأرضها كالصنم واختفت علامـ.ـا.ت الغضب عن وجهها بلحظة ليحل محلها الصدmة والسكون التام .. ثم همست بعدm تصديق :
_ هو قالك كدا ؟!!!
_ أيوة
تخبطات أصابت عقلها وهي تنفر عنه أي أفكار وتهز رأسها بالرفض لتصديق شيء كهذا .. مقنعة نفسها أن ابـ.ـنتها قامت بالضغط عليه فلم يجد مفر أمامه إلا من أن يخبرها بأنه يحب أمها كثيرًا .
انفتح باب المنزل فصاحت هنا في تلقائية باسم والدها " بابي " بينما جلنار فأخذت نفسًا عميقًا واستعادت قوتها للتتصرف بطبيعية أو بالطريقة الجديدة التي قررت اتباعها معه .
وصل إلى المطبخ وانحنى للأمام حتى يستقبل صغيرته التي هرولت إليه راكضة ، حملها فوق ذراعيه ولثم وجنتيها بحب شـ.ـديد متمتمًا :
_ امممم حشـ.ـتـ.ـيني و أوي ياهنايا في الكام ساعة دول
هنا بدلال طفولي جميل وهي تطبع قبلة دافئة فوق وجنة أبيها :
_ وأنت كمان يابابي
ثم انحنت على أذنه وهمست وهي معلقة نظرها على أمها :
_ مامي متعصبة عشان روحت الشغل
دقق النظر في وجه جلنار التي تتجاهله تمامًا وكأنه غير موجود ثم همس لصغيرته بإيجاب :
_ اه مهو واضح .. اوعي تكوني قولتليها حاجة عن المفاجأة
ضمت يدها وفردت سبابتها فقط وهزتها يمينًا ويسارًا بالرفض وهي تبتسم بمكر فعاد هو يقبّل وجنتها متمتمًا بغمزة :
_ شطورة .. روحي استنيني برا يلا عشان جايب لملاكي لعبة حلوة أوي .. بس الأول هشوف ماما وأجيلك
صاحت بسعادة غامرة ثم هزت رأسها بإيجاب وهي تنزل من فوق ذراعيه وتقول بحماس :
_ بس بسرعة
عدنان ضاحكًا :
_ حاضر
هرولت راكضة للخارج كما طلب منها بينما هو فاقترب بخطواته من جلنار ووقف بجوارها يتابعها بنظراته المستمتعة وهي تتصنع عدm الاكتراث به .
خرج صوته خافتًا بلؤم :
_ بقى هو ينفع تشكيني لبـ.ـنتي وتقوليلها بابا مزعلني
ودت بشـ.ـدة أن تجيب عليه من فرط غـ.ـيظها لكنها تمالكت نفسها حتى لا تفسد مخططها واكملت تجاهلها له .. استمر هو بالتكلم قاصدًا إثارة غـ.ـيظها أكثر :
_ إنتي زعلانة ليه .. أكيد مش عشان بوستك يعني صح !
نجح في إشعال نيرانها وكانت ستنفجر من فرط الغـ.ـيظ ونجحت أيضًا بتجاهله ولكنها شعرت أنها إذا لم تتكلم وتصرخ ستصاب بنوبة قلبية ، فغرزت السكين بعنف في الطماطم وصاحت بنبرتها المرتفعة :
_ وطي TV يا هـــنـــا
ضحك وانحنى عليها يطبع قبلة فوق شعرها هامسًا بدفء :
_ متزعليش !
رمقته بنظرة نارية وصاحت مرة أخرى وهي عبـ.ـارة عن بركان ثائر :
_ ياهـــــنــــا
كانت ستنطلق منه ضحكة عالية لكنه تمالك نفسه بصعوبة حتى وجدها تندفع للخارج وتتركه ، فترك العنان لضحكته تنطلق بحرية .
***
كان آدm يقود سيارته في طريق عودته للمنزل ، لكنه فتح الدرج الصغير في السيارة حتى يأخذ منديلًا ورقيًا .. فلمح العقد الفضى الخاص بمهرة ، التقطه وقلبه بين يده بتمعن ، تارة ينظر له وتارة للطريق .. وبعد دقائق من التفكير العميق استدار بالسيارة متجهًا في طريق مغاير لطريق منزله .
على الجانب الآخر كانت مهرة في طريقها للمنزل بعد انتهاء دوام عملها اليومي .. كانت تسير في طريقها المفضل والأقرب لمنزلها رغم أنه يكون هاديء دائمًا ولا يسير به أحد إلا أنها لا تبالي .. سمعت صوت بدرية من الخلف وهي تهتف :
_ مهرة !!
توقفت وتأفف بصوت مسموع وبخـ.ـنـ.ـق ثم استدارت لها بعد ثواني وهي تقول بقرف :
_ خير !
اقتربت منها بدرية وهي تمسك بيدها قماشة بيضاء صغيرة وهدرت بغل :
_ مكنش ينفع معاكي غير كدا .. معلش بقى يابـ.ـنت الغالي
ثم غارت عليها تكمم فمها وانفها بالقماش الممتليء بمادة مـ.ـخـ.ـد.رة .. وسط محاولات مهرة لأبعادها عنها ونجحت بالأخير فعلًا ، حيث استدارت تركض بعيدًا عنها لكن بعد خطوات قصيرة تشوشت الرؤية أمامها وكل شيء أصبح يتراقص من حولها ، فتوقفت محاولة استعادة وعيها لكن الدوار يشتد أكثر ورغمًا عنها دون أن تشعر سقطت على الأرض فاقدة الوعي .
توقف بسيارته بأحد الشوارع الجانبية لتلك المنطقة الشعبية .. تفحص المارة بعيناه التي تخفيها نظارات شمسية سوداء وهو داخل سيارته .. التقط العقد ووضعه في جيب بنطاله ثم فتح الباب ونزل وأغلقه بهدوء ، وقف والتفت حوله بنظرات تائهة ، وصل لمنطقتها لكنها لا يعرف منزلها .. لاحظ نظرات الفتيات والنساء والرجـ.ـال وهم يمرون من جانبه .. بعضها نظرات استغراب وفضول والآخرى غامضة ما بين همسات الفتيات وهم يعلقون نظرهم عليه بإعجاب ، تنهد بقوة ثم سار بخطواته في الطريق وهو ينقل نظره بين كل شيء .. فوجد طفل حوالي في التاسعة من عمره يركض خلف صديقه الآخر فاقترب منه واوقفه هاتفًا بخفوت :
_ في بـ.ـنت هنا اسمها مهرة متعرفش بيتها فين ؟
صمت الطفل وهو يحدق بآدm في تدقيق .. ملابسه الاشبه بملابس الأثرياء ونظارته الفاخرة .. جعلته يتساءل عن سبب سؤاله عن فتاة حارتهم فقال له بقوة لا تليق بصوته :
_ وإنت مين وتعرف مهرة منين ؟!
آدm باسمًا ببعض التعجب من لهجة الولد وطريقته في التكلم :
_ اعرفها من الشغل
نزل الولد بنظره يلقي نظره متفحصة على آدm بريبة فور قوله بأنه يعرفها من الشغل ، ثم أجاب عليه بالأخير في مضض :
_ تعالى ورايا
القى بجملته واستدار وسار باتجاه منزل مهرة بينما آدm فتأفف ببعض الحنق وسار خلف ذلك الطفل حتى وقفا أمام بناية صغيرة متهالكة مكونة من طابقين والتفت له الولد هاتفًا وهو يسير بأصبعه لأعلى :
_ الدور التاني
اماء له آدm بالموافقة وقبل أن يستدير الطفل وينصرف هتفت الجارة سماح من شباك شقتها بالطابق الأرضي :
_ مين ده ياواد ياسيد ؟!
نظر إلى آدm وقال باقتضاب :
_ واحد عايز مهرة بيقول يعرفها من الشغل
ارتدت سماح نظارة النظر خاصتها وتفحصت آدm بتدقيق شـ.ـديد فابتسمت بخبث وقالت ساخرة :
_ هو إنت اللي بيقولوا عليه ولا إيه !
ضيق آدm عيناه بعدm فهم ولكنه لم يكترث وهم بدخول البناية حتى يصعد لشقة مهرة لكنها أوقفته هاتفة بفضول شـ.ـديد :
_ ومن امتى بقى على كدا !
توقف والتفت لها برأسه هادرًا بصوت رجولي غليظ :
_ نعم !!
سماح بتوضيح أكثر وبلؤم أنوثي وهي تتفقد بعيناها كل جزء بآدm :
_ من امتى يعني وإنت ماشي مع البت مهرة .. والله وطلعتي قادرة يابـ.ـنت رمضان الولا باين عليه ابن بشوات أوي
رفع حاجبه بنظرة مخيفة استقرت في عيني آدm .. لكنه أصدر زفيرًا حارًا بنفاذ صبر ولم يعيرها اهتمام للمرة الثانية .
كانت سهيلة على بعد خطوات من منزل مهرة متجهة إلى السوق حتى تقوم بشراء بعض متطلبات منزلهم ، وحين وقعت عيناها على آدm كأن صاعقة برق أصابتها من الصدmة والفرحة بذات اللحظة .
كان آدm على وشك أن يدخل ويصعد لولا الصوت الأنوثي الناعم الذي سمعه وهو يصيح عليه :
_ أستاذ آدm
تملكته الدهشة حين سمع اسمه ، فمن الذي يعرفه بهذه المنطقة !! .. توقف واستدار بجسده كاملًا للخلف وتابع تلك الفتاة وهي تهرول مسرعة نحوه بتلهف ، كانت ترتدي عبائة سوداء وحجابها من نفس اللون .. تلفه على شعرها بعشوائية ... لحظات معدودة وتوقفت أمامه هاتفة بلهاث :
_ إنت جاي لمهرة ؟!!!
_ أيوة .. إنتي ت عـ.ـر.فيني ؟!
سهيلة بوجه مشرق :
_ وهو حد ميعرفش الفنان آدm الشافعي .. أنا كنت في افتتاح معرض حضرتك مع مهرة ، في الواقع أنا اللي اخدتها معايا
ابتسم لها ابتسامة متكلفة ورد بود :
_ آااه اهلا وسهلًا .. طيب عن أذنك عشان مستعجل أنا هطلع لمهرة
ردت عليه زامة شفتيها بأسف :
_ بس مهرة مش موجودة .. طلعت راحت الشغل
_ امممم هو إنتي اختها ؟!
_ لا صحبتها وتقدر تعتبرني اختها برضوا عادي
هدر آدm بصلابة وهو يهم بالاستدارة والرحيل :
_ اه مش مشكلة ابقى اجيلها مرة تاني
سهيلة بفضول وحماس :
_ هو حضرتك كنت جاي ليه ؟
اضطرب قليلًا في باديء الأمر لكنه اسرع ورد بثبات :
_ هااا .. كنت جاي اديها حاجة بس خلاص مرة تاني
همت بأن تجيب عليه لكن اوقفها صراخ صبي وهو يركض باتجاههم ويصيح بهلع :
_ يا أبلة سهيلة الحقي .. الحقي
التفتت سهيلة باتجاهه بزعر هاتفة :
_ في إيه يا ولا سرعتني
توقف أمامها وانحنى للأمام مستندًا بكفيه على ركبتيه يلتقط أنفاسه المتسارعة ويهتف بلهاث :
_ مهرة .. الحقي مهرة
صرخت به مزعورة فور سماعها لاسم مهرة الذي لفت انتباه آدm الذي كان سيرحل لكنه توقف :
_ مالها مهرة يا ميدو انطق
التقط أنفاسه وهتف بهلع وخـ.ـو.ف :
_ بدرية الشحات خدرتها في الشارع وهي راجعة وبعدين مهرة اغمي عليها وجات عربية ميكروباص نزل واحد منها شالها ودخل بيها العربية ومشي .. أنا شوفتها بعيني والعربية بتاعت ريشا حتى عليها نفس العلامة اللي على ميكروباص ريشا
شهقت سهيلة بزعر وصاحت وهي تضـ.ـر.ب على صدره بـ.ـارتيعاد :
_ ريشا خـ.ـطـ.ـفها .. وفين اللي ما تتسمى بدرية دي
_ رجعت على محلها
صرخت سهيلة بعصبية :
_ وحياة أمي لأشرب من دmك ياولية يا ****
قبض آدm على يدها قبل أن تندفع وهتف بقلق بسيط :
_ استني فهميني مين ريشا ده و ليه يخـ.ـطـ.ـفها ؟!
سهيلة بغضب هادر وخـ.ـو.ف ملحوظة في نبرتها :
_ ده واحد **** ربنا يستر وميأذيهاش .. أنا هروح اشوف الولية بـ.ـنت ***** دي واخليها تقولي خدها فين
_ طيب استني أنا جاي معاكي
***
تجوب الغرفة إيابًا وذهابًا وهي عبـ.ـارة عن بركان تفوح حممه البركانية فوق سطحه ، وتضغط على قبضة يده بقوة من فرط الغـ.ـيظ وتردد كلمـ.ـا.ته بعصبية ويد تهتز من فرط السخط :
_ إنتي زعلانة ليه .. طيب متزعليش !! ... أنا زعلانة ليه !!! .. طيب أنا هوريك زعلانة ليه ياعدنان
اندفعت ثائرة باتجاه أحد إدراج المكتب الصغير الموضوع بجوار فراشهم وفتحت الدرج ثم التقطت المقص وعادت نحو خزانته وهي تشتعل غضبًا .. فتحت الخزانة وأخرجت ملابسه واحدة تلو الأخرى وكل قطعة تمسكها من ملابسه تشقها بالمقص إلى قطعتين أو ثلاثة بحسب مـ.ـا.تهوى ، وبينما تقوم بتمزيق ملابسه في غل تتمتم ببعض الكلمـ.ـا.ت المستاءة نتيجة لردوده البـ.ـاردة عليها منذ الأمس وتهتف بازدراء :
_ طبعا ماهو إنتي اللي غـ.ـبـ.ـية عشان بتهيني نفسك قدامه يا جلنار .. كنت منتظرة منه إيه مثلًا يقولك لا أنا بحبك ياحبيبتي .. طبيعي هيرد بكل برود وتناحة كدا .. ماشي ياعدنان مبقاش أنا بـ.ـنت الرازي إما شربتك من نفس الكاس
فتح الباب ودخل بكل هدوء وطبيعية وحين وقع نظره عليها تسمر بأرضه منذهلًا مما يراه ، وباللحظة التالية فورًا هتف في شبه صيحة ساخطة :
_ بتعملي إيه !!!
جلنار ببرود وهي تصر على أسنانه :
_ اصل لقيتها هدوم قديمة ومش حلوة ابقى روح اشتريلك هدوم جديدة
اندفع نحوها وجذب ملابسه من يدها صائحًا بها بانفعال :
_ إيه اللي بتعمليه ده ياجلنار .. إنتي اتجننتي !
رفعت المقص ولوحت به أمام وجهه صارخة بعصبية وعدm وعي :
_ أه اتجننت وابعد من وشي بدل ما اقــ,تــلك واخلص منك خالص
تراجع برأسه للخلف كرد فعل طبيعي لتهديدها له بالمقص ، وعيناه تطلق إشارات الصدmة من انفعالها وما تفعله لكن كلمتها الأخيرة قلبت كل شيء حيث رسمت الريبة على ملامحه بلحظة وبالأخرى كان ينفجر ضاحكًا وهو يردد كلمتها :
_ تقلتيني !!!!
مد يده إليها بهدوء شـ.ـديد وجذب المقص من يدها وبيده الأخرى يحاوط خصرها متمتمًا من بين ضحكه :
_ طيب هاتي المقص ده بس يارمانتي عشان أنا كدا هخاف على نفسي منك بجد
دفعته بعيدًا عنها بعنف وصاحت به منفعلة :
_ قولتلك مية مليون مرة متلمسنيش
_ طيب مش هلمسك أهو .. ممكن افهم إيه اللي عملتيه في هدومي ده !
جلنار بابتسامة شرسة ومستاءة :
_ ده ولا حاجة .. دي لسا البداية طول ما إنت مش عايز تطلقني يبقى تستحمل
ضحك وهتف ساخرًا :
_ وإنتي لما تقطعي هدومي بالشكل ده أنا هطلقك يعني !
_ ما أنا قولتلك دي لسا البداية
وضع كلتا قبضتيه في جيبي بنطاله وتمتم بابتسامة متسلية وبنظرة معجبة :
_ والخطوة الجاية هتكون إيه بقى .. هتقطعي الملابس الداخلية ؟!
جزت على أسنانها واقتربت منه تهتف أمام وجهه باغتياظ وبغل :
_ هقطعك إنت
هتف ضاحكًا بخفة :
_ آه ده إنتي بتتكلمي بجد بقى وناوية تخلصي مني فعلًا
استمرت في التحديق به بشراسة وتحدي بعيناها البندقية وشعرها الأسود الكاحل ، وهي تقابل منه ثبات انفعالي مستفز ونظرات مثلجة لكن تحمل في ثناياها الإعجاب بزهرته الحمراء الشرسة .. شعرت به يلف ذراعه حول خصرها ويجذبها إليه فجأة ثم يستدير بها ويحاصرها بينه وبين الخزانة وينحنى على أذنها هامسًا بمتعة ملحوظة في نبرته :
_ برضوا مش هسيبك
هدأت حدة نظراتها قليلًا وهي تتطلع إليه وهو على هذا القرب الحميمي منها ، لكن سرعان ما دفعته عنها حين شعرت بضعف موقفها وهمت بالانصراف لكنه اسرع وجذبها مرة أخرى من ذراعه ودفن رأسه بين خصلات شعرها يشم رائحته الجميلة بتلذذ مغمضًا عيناه وهو يهمس بهيام دون أن يشعر :
_ ريحة شعرك حلوة
سيطرت على نبضات قلبها بصعوبة ولملمت شتات نفسها في لحظة ثم جذبت يدها من بين قبضته واندفعت لخارج الغرفة وهي تتمتم بغـ.ـيظ ممتزج ببعض الاضطراب :
_ مستفز
بحركة تلقائية منها أمسكت بخصلات شعرها وقربتهم من أنفها تشم رائحته وسرعان ما تركته وهي تعيد جملته الأخيرة تقلده بقرف ! .
***
غارت سهيلة على بدرية تجذبها من حجابها غير مبالية لفرق السن بينهم وصاحت بها :
_ مهرة فين يا ولية يا *****
حاولت بدرية فك حجابها وشعرها من قبضة سهيلة صارخة بها بغضب :
_ وأنا مالي بمهرة كنت الحارس الشخصي بتاعها
صاح الولد الصغير بانفعال :
_ أنا شوفتك وإنتي بتخدريها وبعدين ريشا أخدها في عربيته
بدرية ببعض الارتباك والعصبية المبالغ بها :
_ أنا مـ.ـخـ.ـد.رتش حد وشيلي إيدك عني يامـ.ـجـ.ـنو.نة إنتي
كان آدm يقف على عتبة المحل يتابع ما يحدث في الداخل بعيناه بصمت تام وشعور الاستياء يتملكه من تلك المرأة الشمطاء ، مسح على وجهه بالاخير متأففًا بنفاذ صبر ثم دخل وقاد خطواته الثابتة تجاه بدرية ، ابعد سهيلة عنها بيده ووقف أمامها مباشرة يهمس بنظرة ممـ.ـيـ.ـتة ونبرة محذرة :
_ عملتي فيها ايه واخدتوها فين .. سؤال واضح وبسيط وإنتي هتجاوبي عليه بالذوق وإلا صدقيني لو رفعت تلفوني واتصلت بالبوليس مش هتطلعي منها
تفحصت هيئته الفخمة وملابسه باستغراب امتزج ببعض الخـ.ـو.ف من تهديده الصريح الذي يبدو أنه ليس فارغ مطلقًا .. سيطرت على تـ.ـو.ترها وصاحت :
_ وده مين ده كمان ؟!
آدm بعيناه المخيفة :
_ الأفضل مت عـ.ـر.فيش انا مين عشان متنـ.ـد.ميش .. ويلا انطقي
صرخت بها سهيلة بانفعال هادر وزمجرة :
_ما تخلصي انطقي يا ولية خدتوها فين ؟
خضعت بالأخير وظلت تقلب نظرها بينهم بخـ.ـو.ف وتردد وبعد لحظات من التحديق بذلك الغريب عن منطقتهم الذي يقف أمامها وقد أصابها ببعض الاضطراب جعلها تستسلم وتهتف بمضض :
_ معرفش أنا ساعدته بس أنه ياخدها من المنطقة .. معرفش خدها فين
سهيلة بصراخ هستيري :
_ مت عـ.ـر.فيش إزاي .. إنتي هتستعـ.ـبـ.ـطي علينا
آدm بخفوت وهدوء مريب وهو يعلق نظره عليها بقوة :
_ اتصلي بيه واسأليه خدها فين
طالت النظر في عين آدm التي تحمل في طياتها الانذار فأخذت نفسًا عميقًا والتقطت هاتفها تجري اتصال بريشا الذي أجابها بعد لحظات قصيرة وقبل أن ينفتح الخط جذب آدm الهاتف من يدها وفتح مكبر الصوت ليستمعوا جميعهم له وهو يهتف :
_ لا بس عفارم عليكي يابدرية .. دي البت مش حاسة بأي حاجة لغاية لوقتي انتي خدرتيها بإية !
ضـ.ـر.بت سهيلة بكفيها على خديها في هلع ورعـ.ـب بينما بدرية فابتلعت ريقها وهتفت بصوت جاهدت في إظهاره طبيعيًا :
_ هي لسا مفاقتش ؟
_ لا لسا .. كدا احسن عشان اعرف اخد راحتي
اندفعت سهيلة وكانت على وشك أن تصيح في الهاتف وتسبه ببعض الألفاظ البذيئة لولا أن آدm منعها بيده وأشار لبدرية بأن تتحدث وتسرع فقالت له :
_ هو إنت اخدتها فين صحيح
_ في بيت ( ..... ) القديم
انزل آدm واغلق الاتصال فورًا ثم هتف :
_ فين البيت ده ؟
هتفت سهيلة بقلق ووجه مرتعد :
_ أنا عرفاه يلا هدلك عليه في الطريق
جذبت الهاتف من يد آدm ووضعته بكف ميدو هاتفة بحزم :
_ هتفضل قاعد هنا ياميدو وإياك عينك تزوغ عنها ولا تخليها تطلع والتليفون يفضل معاك
_حاضر متقلقيش
ثم اندفعت للخارج ولحق بها آدm الذي اخذها لسيارته واستقلت بالمقعد المجاور له ثم انطلق بالسيارة يشق الطرقات وهي تدله على الطريق .
***
فتحت عيناها تدريجيًا والألم يجتاح رأسها بعنف ، وفور إدراكها لكل شيء حولها شعرت بيد تعبث بشعرها ، ففتحت عيناها على آخرهم وحين رأته وثبت جالسة وهي تصرخ وتتلفت حولها بهلع في ذلك المنزل المتهالك والفراش المتسطحة عليه .. نظرت لملابسها فوجدتها كما هي ، وثبت من الفراش واقفة وهمت بالركض لكنه قبض على ذراعه وجذبها هاتفًا :
_ استني يابطل رايحة فين دي لسا الليلة هتبدأ !
تململت بين قبضته وهي تصرخ به بهستريا :
_ ابعد إيدك ال**** دي عني يا حـ.ـيو.ان
جذبها إليه أكثر عنوة وهو يحاول تقبيلها وهي تصرخ وتضـ.ـر.به بكل قوتها وتسبه بكل لفظ يخطر على عقلها .. وللأسف صراخها المرتفع لا يصل لأحد نظرًا لأن ذلك المنزل بمنطقة مهجورة من السكان .. استمرت في الدفاع عن نفسها بكل الطرق تارة تحاول دفعه دون أن يلمسها بشفتيه وتارة تضـ.ـر.به بكلتا يديها في عنف وهي لا تتوقف عن الصراخ حتى بالأخير بصقت في وجهه بقوة وهي تخرج من بين شفتيها ابشع واقذر الألفاظ المناسبة له .
اغضبته وأثارت سخطه بشـ.ـدة مما جعله يمسك بها بعنف ويلقيها على الفراش وسط محاولاتها البائسة للفرار من بين براثينه .. فهو يفوقها بقوته الجـ.ـسمانية ، اقترب منها بتريث وعلى وجهه ابتسامة شيطانية تعبر عن نوياه ، ولحسن حظها لمحت بجوار الفراش كوب ماء متوسط الحجم فمدت يده مسرعة والتقطته ثم نزلت به فوق رأسه فتحطم الكأس كله فوق رأسه وتناثرت أجزائه على الأرض بينما هو فوضع يده على رأسه يصـ.ـر.خ بألم وقد ابتعد عنها قليلًا بتلقائية نتيجة لألمه .. فدفعته هي واسقطته على الأرض ثم هرولت راكضة باتجاه الباب وفتحته ثم اندفعت راكضة على الدرج تفر هاربة وهي تلهث برعـ.ـب ولا ترى أمامها سوى طريق الخروج تركض وهي تتلفت خلفها حتى تتأكد من عدm تعـ.ـا.قبه لها .. خرجت من البناية وهي ترتجف ولا تزال تركض دون أن ترى أمامها فقط تحمي ظهرها برأسها .. وإذا بها فجأة ترتد للخلف حين اصطدmت بآدm وهي تركض ، أمسك بها قبل أن تسقط وحدق بمعالم وجهها المزعورة .. بينما هي فدفعته بحركة عفوية في زعر وخـ.ـو.ف ورأت صديقتها تركض إليها من خلفه وهي تصيح بسعادة :
_ مهرة
وصلت إليها وضمتها تعانقها بقوة وتهتف باهتمام وقلق :
_ عملك حاجة الحـ.ـيو.ان ده ؟
كان ريشا يركض على الدرج حتى يلحق بها وهو ممسك برأسه وعنـ.ـد.ما خرج من البناية ورأى سهيلة ومعها ذلك الرجل الغريب وهي معهم ، فتوقف بدهشة يتطلع إليهم بـ.ـارتيعاد والتقت نظراته المرتبكة للحظة بنظرات آدm النارية وفورًا باللحظة التالية كان يركض مهرولًا بعيدًا ، فلحق به آدm ركضًا .
ابعدت سهيلة مهرة عنها واحتضنت وجهها بين كفيها هاتفية بقلق تتطلع لمعالمها المرتعدة :
_ مهرة ردي عليا إنتي كويسة
انهارت جميع حصونها وانهمرت دmـ.ـو.عها على وجنتيها بغزارة وتدريجيًا بدأت تشتد حدة بكائها وهي تمسك بشعرها بقوة وعنف كمن ترغب في جذبه من جذوره وتصرخ باكية بحالة هسيتريا :
_ لمسني يا سهيلة منه .. نفس المكان .. لمسني .. نفس المكان
حاولت تهدأتها وهي تفلت خصلات شعرها من بين قبضتيها مردفة بقوة حتى تجعلها ننتبه لها :
_ مهرة ... اهدى .. اهدى .. إنتي بخير الحمدلله .. بصيلي
سكنت لوهلة فجأة واعادت تشغيل الشريط لترى كل شيء أمام عيناها ، المأسآة كاملة .. ثم عادت مرة أخرى للبكاء لكن بعنف أشـ.ـد وهي ترتجف بشكل يثير القلق وثواني معدودة حتى بدأت تفقد وعيها تدريجيًا وسهيلة أدركت ذلك فأمسكت بها وهي تصيح بها حتى لا تغمض عيناها :
_ مهرة فوقي .. مهرة .. مـــهـــرة
استسلمت واغمضت عيناها متغيبة عن الواقع .. فتلفتت سهيلة حولها تبحث بنظرها عن آدm ولكن لا وجود له ، فتأففت بعدm حيلة وانهمرت دmـ.ـو.عها بأسى على صديقتها ثم جلست على الأرض وهي تضع ذراعها اسفل رأسها وتحاول إفاقتها لكن دون فائدة .. دقيقة بالضبط وعاد آدm وهو يلهث من أثر الركض ، فوقف أمامها وهتف :
_ مالها ؟
_ اغمي عليها وبحاول افوقها مفيش فايدة
انحنى على الأرض وحملها على ذراعيه ثم سار بها متجهًا نحو سيارته هاتفًا :
_ يلا هناخدها المستشفى
هرولت سهيلة خلفه وفتحت باب السيارة الخلفي ووضع هو مهرة بحذر شـ.ـديد ثم اغلق الباب واتجه لباب مقعده ليفتحه ويستقل به واستقلت سهيلة بالمقعد الخلفي بجوار صديقتها ثم هتفت بتساءل :
_ هرب ؟!
حرك محرك السيارة وانطلق بها وهو يجيب عليها بغضب :
_ ايوة ركب الميكروباص وهرب بس هجيبه هيروح مني فين يعني
***
كانت تجلس أمام التلفاز تشاهد أحد البرامج الترفيهية وإذا بها تسمع صوت رنين هاتفها يصدع من الغرفة بالداخل فاستقامت واقفة واتجهت للغرفة والتقطت الهاتف الملقي فوق الفراش ، ثم حدقت في الشاشة تقرأ اسم المتصل " نشأت الرازي " .. أصدرت زفيرًا حارًا بخـ.ـنـ.ـق ثم اجابت عليه باقتضاب :
_ خير
نشأت بنبرة دافئة :
_ عاملة إيه يابـ.ـنتي
جلنار في جفاء :
_ كويسة يا نشأت بيه .. خير إيه سبب الاتصال ؟!
صعب عليه أن تناديه ابـ.ـنته باسمه دون أن تقول " أبي " كما اعتاد أن يسمع اسمه منها هكذا .. فتنهد بيأس وغمغم في نـ.ـد.م :
_ كفاية ياجلنار .. صدقيني يابـ.ـنتي أنا نـ.ـد.مان على كل حاجة ، كرهك ليا بيقــ,تــلني ومش قادر استحمل اشوفك مش طيقاني كدا
_ إنت السبب في الكره ده يا نشأت الرازي .. مفكرتش ليه في النتائج قبل ما تبيعني عشان مصلحتك وفلوسك
نشأت بخزي وصوت مبحوح :
_ عندك حق أنا غلطت وكنت استاهل كل حاجة واستاهل عقـ.ـا.بك ليا بس كفاية يابـ.ـنتي عشان خاطري ، سامحيني
_ ياريت بس مش قادرة اسامحك للأسف .. إنت حتى محاولتش تثبتلي نـ.ـد.مك وتطلقني من عدنان
نشأت باندفاع وبصدق :
_ مطلقتكيش منه عشان بيحبك وهو قالي وطلب مني اديله فرصة يصلح علاقته بيكي
التزمت الصمت للحظات في دهشة بسيطة قبل أن تهتف بعدm تصديق وحدة :
_ مش مصدقاك ولا مصدقاه .. عدنان عمره ما حبني ولو قالك كدا يبقى كان بيخدعك عشان تبعد عن طريقه
كان على وشك أن يجيب عليها لكنها أسرعت وهتفت هي تمنعه من استرسال الحديث :
_ كفاية انا زهقت ومبقتش قادرة اسمع كذبكم إنتوا الاتنين .. انسى إن ليك بـ.ـنت يا نشأت الرازي
انزلت الهاتف من فوق أذنيه وأغلقت الاتصال ثم ألقت به فوق الفراش وهي ترفع أناملها تخللهم بين خصلات شعرها في محاولات بائسة منها حتى لا تبكي ، وعنـ.ـد.ما التفتت بجسدها للخلف رأته يقف عند الباب يستند بكتفه عليه عاقدًا ذراعيه أمام صدره .. أدركت أنه سمع كل حديثها فرمقته باشمئزاز وهتفت في غضب :
_ كـــذاب
لوى عدنان فمه ومصمص شفتيه بهدوء مريب ثم انتصب في وقفته وابتعد عن الباب واغلقه بحرص شـ.ـديد حتى لا تخرج أصواتهم لأذن صغيرتهم بالخارج ثم التفت لها وتقدm إليها في خطوات ثابتة وهادئة تمامًا حتى أصبح في مقابلتها مباشرة وهتف بصوت رجولي غليظ وخافت :
_ إنتي عايزة تطلقي ليه ؟!!
استنكرت سؤاله وضحكت ثم هتفت ساخرة :
_ يمكن مثلًا عشان مش عايزة اعيش مع راجـ.ـل مش بيحبني !
أجابها بثبات انفعالي يحسد عليه :
_ ويعني هي كلمة بحبك اللي هتخليكي تنسي الطـ.ـلا.ق ده !!!
كان يعرف ردها قبل أن يسأل السؤال وبالفعل طالت نظرتها إليه بصمت حتى قالت بقسوة وعناد :
_ لا
بدا صوته أكثر وداعة لكن ازدادت صلابة نظراته إليها وهو يجيب عليها :
_ طيب امال عايزة إيه بظبط !
جلنار بسخرية وقوة تليق بها :
_ أكيد مش بعد ده كله هقولك أنا عايزة إيه .. المفروض تعرف وحدك ، بس هيفيد بإيه حتى لو عرفت خلاص فات الآوان
مرت من جانبه وهمت بالانصراف لكنه قبض على ذراعها ليوقفها واقترب منها ثانية ثم تمتم في صوت رخيم :
_ وفات الآوان ليه ؟!
_ عشان مهما عملت ياعدنان هفضل مصممة على الانفصال برضوا
استفزته بشـ.ـدة جملتها لكنه نجح في تمالك أعصابه وانحنى على وجهها يهتف بحدة :
_ وانتي مهما تعملي أنا برضوا هفضل رافض الانفصال
صاحت به مستاءة في غـ.ـيظ :
_ ليه عايزة افهم لـــيـــه .. طالما مش بتحبني مش عايز تطلقني لـــــــيـــــه
قابل انفعالها وصياحها عليه بالصمت والجمود في الملامح وهو يقف كالصنم التي لا حياة فيه ، وهي تستمر في التحديق به وبعيناه تبحث عن ثغرة تنفي كلامها لربما تفسر سبب رفضه لتركها ، ولكنها لم ترى سوى ثلوج المشاعر وانعدامها .. لم ترى اي من الكره أو الحب فقط الجمود الذي ينجح به في كل مرة بمهارة .
ادmعت عيناها وردت عليه مغلوبة على أمرها :
_ مش بترد ! .. اقولك أنا ليه .. عشان أناني ومتجبر
انتظرت أن تقابل ردة فعل منه ولكنه لا يزال يقف كما هو بنفس السكون ، فهزت رأسها باستهزاء واستدارت وسارت مغادرة الغرفة بأكملها .
***
بمدينة كاليفورنيا .......
كان يجلس على مقعده أمام مكتبه بغرفته الخاص به في الشركة وتجلس نادين على المقعد المقابل للمكتب وهي تتفحص بعض الاوراق المهمة الخاصة بالعمل .. فرفع هو رأسه ونظر لها متمتمًا :
_ أنا حجزت الطيارة لمصر على بكرا .. جهزي نفسك
رمقته بذهول وهتفت بشيء من الاستياء :
_ بس أنا ما خبرتك إذا راح سافر معك أو لا .. على أي أساس بتحجزلي معك !
حاتم باسمًا بلؤم :
_ ما خبرتيني بس كانت واضحة زي الشمس إنك موافقة ، وعملتيلك شويتين قدامي قال هفكر !
اتسعت عيناها بدهشة من رده عليها وأنه كان يفهمها منذ البداية لكنه تصنع الحماقة .. رسمت ملامح الغضب على محياها حتى تنقذ نفسها من الموقف المحرج وقالت بعناد :
_ لا مو موافقة
رفع حاجبه باستنكار وهو يبتسم باتساع ثم هدر ضاحكًا بمشاكسة يقلدها في الكلام :
_ بلا ولدنة
نادين بغـ.ـيظ :
_ عم تتريق مو هيك !!
_ أبدًا هو أنا اقدر .. بلاش بس عناد وقولي حاضر بسكات عشان كدا كدا هتروحي
اشتعلت نظراتها وهبت واقفة ثم انحنت عليه وهي مستندة بكفيها على سطح المكتب وتهتف بكره مزيف :
_ تعرف شيء .. أنا كتير بكرهك ياحاتم
كتم ضحكة عالية كانت ستنطلق منه وأجابها بابتسامة عريضة وببرود مستفز :
_ ميرسي ياحياتي وأنا كتير بحبك والله
فرت الدmاء من وجهها وتزايد تدفق هرمون الادرينالين في جسدها فور سماعها لاعترافه بحبها حتى لو لم يكن يقصد ذلك الحب الذي تكنه هي له لكن الكلمة كفيلة لتبثعرها كليًا ! .. انتصبت في وقفتها وهتفت بتلعثم ملحوظ وهي تلملم الأوراق :
_ أي .. طــيب أنا راح روح حط هاي الأوراق بالمكتب عندي مشان ما يضيع منها شيء
لاحظ هو ارتباكها وتـ.ـو.ترها ولم يعلق .. اكتفى بالابتسام وهو يوميء لها برأسه مغمغمًا :
_ تمام
ثم تابعها بنفس ابتسامته وهي تلملم الأوراق وتندفع لخارج المكتب مسرعة .. فور مغادرتها زدات ابتسامته اتساعًا بتلقائية وهو يعلق نظره على أثرها بشرود .
***
أمسكت زينة بالهاتف تجيب على المتصل في صوت مرهق :
_ أيوة يا رائد
رائد باستغراب :
_ برن عليكي من الصبح بدري مش بتردي ليه ؟!
فركت رأسها بألم وتمتمت بتعب :
_ نزلت أنا وماما وسمر نشتري حجات عشان الخطوبة والتليفون كان في الشنطة ومسمعتهوش
_ طيب إنتي مال صوتك كدا !
زينة بخفوت وهي تلقي بجسدها على الفراش وتجيبه وهي مغمضة عيناها بتذمر طفولي :
_ اتهلكت في اللف يا رائد وتعبت أوي وماما بتدقق في كل تفصيلة وأنا بكره التفاصيل ، والصداع هيفرتك راسي
سمعت ضحكته العالية في الهاتف وهي يجيبها بحنو :
_ معلش يازوزوا ماهو عشانا .. حتى أنا مشغول جدًا بس خلاص فاضل يومين الحمدلله .. وفي علاج بجيبه للصداع هبعتلك اسمه في رسالة جبيه وهيخفف معاكي خالص
زينة بصوت يغلب عليه النعاس :
_ حاضر .. أنا هقفل بقى يا رائد عشان ممكن لحظة وتلاقيني نمت وتفضل تكلم نفسك في التلفون
رائد بدفء :
_ طيب ياحبيبتي ارتاحي ونامي وشوية بليل كدا هبقى اكلمك تاني
_ تمام .. سلام
ودعها والغى الاتصال ثم ألقي بالهاتف بجواره .. دخلت أمه الغرفة واقتربت منه تهتف بتساءل :
_ كنت بتكلم زينة ولا إيه يا رائد ؟
_ أيوة ياماما
هزت رأسها بإيجاب ثم رتبت على كتفه وتمتمت باسمة بحنو :
_ ربنا يصلح حالك يابني وتهدى شوية على حس الخطوبة والجواز بدل ما إنت تاعبنا معاك أنا وأبوك
رائد بحنق :
_ إن شاء الله ياماما .. بلاش اسطوانة كل يوم دي بقى
نرمين بعدm حيلة :
_ طيب يلا غير هدومك وتعالى عشان الغدا جهز
_ حاضر
***
داخل إحدى المستشفيات الخاصة .....
متسطحة على فراش صغير نسبيًا يتسع لجسدها الضئيل ونائمة وهو يجلس على مقعد أمام فراشها لكن على مسافة بعيدة قليلًا منها ويمعن النظر في وجهها الملائكي الهاديء وهي نائمة على العكس تمامًا عنـ.ـد.ما تكون مستيقظة .. وكأن تلك الفتاة الشرسة والمـ.ـجـ.ـنو.نة أصبحت أخرى وهي نائمة .
فتحت عيناها ببطء ثم حركت عيناها في حركة دائرية تتفحص المكان النظيف والجميل الذي يشبه المستشفى !! ، ثم مالت برأسها الجانب فرأته يجلس على المقعد فزعت وهتفت بهلع :
_ سلام قولًا من رب رحيم
رد عليها ببرود :
_ إيه شوفتي عفريت
مهرة وهي تتلفت حولها بـ.ـارتيعاد بسيط :
_ أيوة أنا فين وإنت بتعمل إيه هنا !
_ اغمي عليكي وجبناكي على المستشفى
_وسهيلة فين ؟!
_ طلعت برا تكلم جدتك تقريبًا لأنها مبطلتش رن عليكي
سكتت لوهلة تمنع نفسها من تذكر الأحداث الأخيرة حتى لا تنهار مرة أخرى واعتدلت في الفراش وانزلت قدmها منه تهم بالقيام وهي تقول :
_ أنا لازم اروح .. تيتا مش هترتاح غير لما تشوفني
أمسك بيدها في تلقائية حتى يمنعها من الوقوف وهتف :
_ هتمشي بس اصبري ترتاحي شوية عشان متشوفكيش بالمنظر ده
نفرت يدها عن لمسته بسرعة في زعر وارتيعاد لاحظه في نظرتها ، فسحب هو يده فورًا وهتف معتذرًا :
_ أنا آسف مقصدش والله .. إنتي كويسة ؟
انتصبت في جلستها بشموخ وردت بثبات مزيف وقوة متصنعة :
_ كويسة .. معاش ولا كان اللي يعرف يأذيني بس ورحمة أمي ما هسكت عن حقي
_ أنا بلغت البوليس وكلها كام ساعة وهيجبوه والست اللي من منطقتكم دي ابقى اتصرفي إنتي معاها بقى
لمعت عيناها بشر الانتقام عنـ.ـد.ما تذكرها لبدرية وقال بوعيد :
_ ده أنا هخليها تقول حقي برقبتي وهعرفها مين بـ.ـنت رمضان الأحمدي على حق
سكتت فجأة وانتبهت أنها تتحدث مع نفس ذلك الذي كانت تبحث عن اسمه في مواقع التواصل وتشاهد صوره .. فطالعته بعدm فهم ودهشة متمتمة :
_ إنت بتعمل إيه هنا !!
ضحك رغمًا عنه وهتف بنفاذ صبر :
_ إنتي بتفقدي الذاكرة ولا إيه ! .. أنا اللي جبتك المستشفى يامهرة
_ ايه ده يا حلاوة وعارف اسمي كمان ! .. اعترف إنت طلعت معجب وبتراقبني في صمت صح !
رمقها آدm بذهول وعدm فهم مضيقًا عيناه في حيرة من تلك الفتاة لكنه لم يتمكن من منع ضحكته التي انطلقت وهو يجيبها مستنكرًا :
_ معجب إيه إنتي هبلة يابـ.ـنتي .. بعدين إنتي مش كنتي لسا منهارة وبتعيطي قبل ما نجيبك المستشفى لحقتي ترجعي لطبيعتك امتى
ظهر العبوس والأسى على محياها ثم اطرقت رأسها أرضًا وغمغمت :
_ بيني وبينك أنا بحاول اتناسي اللي حصل .. يعني بمثل قدامك ، بس اقنعتك مش كدا !
_ اه اقنعتيني .. ده إنتي بني آدmة غريبة !
_ غريبة بس قمر
ضـ.ـر.ب كف على كف ضاحكًا وهو يهتف :
_ لا إنتي لا يمكن تكوني طبيعية .. يابـ.ـنتي انتي كنتي مخـ.ـطـ.ـوفة وواحد حـ.ـيو.ان حاول يعتدي عليكي
مهرة بغـ.ـيظ وضيق :
_ ما خلاص بقى ياعم انت مصمم تفكرني ليه .. قولتلك بحاول اكون طبيعية وانسي اللي حصل عشان لو افتكرت هيحصل زي ما حصل قبل ما يغمى عليا وعشان كمان مينفعش ارجع لجدتي وأنا كدا .. لو عرفت ممكن يجرالها حاجة ، وبعدين إنت لسا متعرفنيش عشان كدا مستغرب .. محدش يقدر يكـ.ـسرني وهاخد حقي منهم تالت ومتلت
طال النظر إليها في نظرة إعجاب بشجاعتها قوتها ثم هتف باسمًا :
_ إنتي بلاء ونزل فوق راسي يامهرة .. كل ما اشوفك تكون في مصـ يـ بـة.. اول مرة تلفوني وتاني مرة كنت هخبط جدتك بالعربية وتالت مرة في المعرض لما عصبتيني وكنت همسك في زمارة رقبتك بس تمالكت اعصابي ورابع مرة اهي زي ما أنت شايفة
ابتسمت وهتفت بمرح لا يلائم الوضع أبدًا وبمكر :
_ ما محبة إلا بعد عداوة
_ نعم !!
اقتحمت سهيلة الغرفة ودخلت وهي تهتف محدثة آدm قبل أن تنتبه لمهرة التي استفاقت :
_ خالتي فوزية قلقانة أوي يا أستاذ آدm و .....
سكتت عن الكلام فور رؤيتها لمهرة وهرولت عليها تهتف باسمة بسعادة :
_ مهرة إنتي كويسة
_ كويسة يا سهيلة الحمدلله .. مالها تيتا قالتلك إيه
_ مش مصدقة ومصممة إن في حاجة واحنا مخبين عنها بالعافـ.ـية اقنعتها وقولتلها اننا جايين في الطريق
استقامت مهرة واقفة وقالت بجدية :
_ طيب يلا بينا عشان لما بتقلق جـ.ـا.مد ضغطها بيعلى عليها
سهيلة باستغراب من حالتها الطبيعية التي تتحدث بها :
_ مهرة إنتي متأكدة إنك كويسة ؟!
_ ياعم كويسة اغنهالكم .. ودوني بس البيت ارتاح كدا عشان بعدين انزل لبدرية الكـ.ـلـ.ـب دي اشق بطنها بإيدي اطلع مصارينها كدا وسعتها ابقى كويسة بجد .. ده أنا هفضحها في المنطقة كلها الولية العايبة دي
آدm بقرف وباستغراب :
_ مصارينها !!!!
التفتت برأسها لها وهتفت في عفوية :
_ اهاا كرشها يعني .. كلت كرشة قبل كدا ولا لا هبقى اعزمك عليها في مرة هتعجبك اوي
نغزتها سهيلة في جنبها بخفة وهي تزغرها بنظرها حتى تتوقف فرمقتها مهرة باستياء من نغزتها لها حتى تصمت وقالت :
_ في إيه .. ما إنتي بتاكليها هتعملي نفسك نضيفة قدامه
رد آدm مبتسمًا بعدm حيلة وهو يكتم ضحكته :
_ خوديها ياسهيلة وأنا هخلص إجراءات الخروج وهاجي وراكي
سارت بها سهيلة للخارج وهي تهمس بغـ.ـيظ :
_ ياحمارة انا بقولك اسكتي تقوليلي ما إنتي كمان بتاكليها .. كرشة ايه اللي تعزميه عليه يامعفنة ياقذرة
_ ما يمكن تعجبه !
_ اسكتي يامهرة مسمعش صوتك خالص لغاية ما نروح
***
في مساء ذلك اليوم ......
فتح عدنان باب غرفته بعد أن تأكد من خلود صغيرته للنوم وقد ذهب هو أيضًا لينل قسطه من الراحة المسائية .. اغلق الباب ودخل متجهًا نحو الفراش فوجد جلنار نائمة في هدوء على جانبها ، تنهد الصعداء بقوة واقترب منها ثم وقف أمامها يتأملها للحظات في صمت يتذكر كلمـ.ـا.تها بالصباح له ومع أبيها ( عدنان عمره ما حبني ) .. ( عشان أناني ومتجبر ) .. أصدر زفيرًا حارًا بعد لحظات طويلة من التأمل في ملامحها الجميلة والتفتت من الجهة الأخرى ثم دخل بجانبها للفراش ، اقترب منها حتى أصبح ملاصقًا لها فاحتضنها من الخلف وهمس بصوت خافت ومبحوح :
_ مش قادر اسيبك .. حتى لو عايز اريحك مش هعرف ياجلنار ، قولي عني زي ما تقولي أناني أو أي حاجة بس غـ.ـصـ.ـب عني مش عارف ابعدك عني لا إنتي ولا بـ.ـنتي !
↚شعر بتسارع أنفاسها بعد أن كانت منتظمة وهادئة ، فأدرك أنها تتصنع النوم وسمعت ما قاله .. تنهد الصعداء بابتسامة ثم رفع جسده قليلًا عنها ومد أنامله يزيح خصلات شعرها عن وجهها وعيناها ، ودقق النظر في وجهها فلاحظ ارتجافة رموشها فتأكد حينها أنها بالفعل مستيقظة .
أخذ يعبث بأنامله في خصلاتها برقة وانفاسه الدافئة تلفح رقبتها ونصف وجهها ، وبعد لحظات من الصمت بينهم هو مستمر في تمرير أنامله فوق خصلاتها ويغلغلها داخلهم وهي لا تزال تتصنع النوم ، أصدر تنهيدة حارة ورأى أنه لا بأس من بعض الاعترافات البسيطة التي لا تعرفها .. عاد يتحدث من جديد بصوت رخيم ولكن هذه المرة هو يعرف أنها تسمعه :
_ لما وافقت على الطـ.ـلا.ق كنت مضطر لما ملقتش حل معاكي تاني .. وتقدري تقولي كانت غلطة مني والحمدلله ادركتها قبل فوات الآوان .. أنا متفقتش مع نشأت إني اطلقك وآخد هنا منك ، أنا مش قذر للدرجة اللي تخليني احرم بـ.ـنتي من أمها .. لو كان في اتفاق بيني وبينه فكان اتفاق إننا نفهمك إني هاخد هنا منك لو أطلقنا على أمل إنك تتراجعي عن اللي في دmاغك .. وبرضوا ده تصرف غلط معترف بكدا بس ملقتش طريقة غير دي ولو كنتي برضوا صممتي على الطـ.ـلا.ق مكنتش هاخدها منك أكيد
سكت للحظة ثم أخذ نفسًا عميقًا واسترسل كلامه بلهجة باتت أكثر قوة :
_ لغاية ما خدتيها وهـ.ـر.بتي بيها .. مش عارف كان تفكيرك إزاي وقتها ، كنتي بتحاولي تحميها مني عشان مخدهاش .. أو عملتي كدا قصد عشان تحرقي قلبي على فراقها لإنك عارفة أنا روحي متعلقة بيها إزاي .. ولو كان هروبك ده عشان الاحتمال التاني فأحب اقولك إنك نجحتي في كدا ، كنتي السبب في إني عيشت شهرين في ألم ورعـ.ـب وقلق .. من كتر خـ.ـو.في واحساسي بالعجز بقيت افكر إنكم ممكن يكون حصلكم حاجة ، شوقي وخـ.ـو.في على بـ.ـنتي كان مش بيخليني عارف أنام حتى ، كنتي بتقوليلي هنتقم منك بس إنتي انتقمتي شر انتقام لما حرمتيني من هنا .. كنت في حالة غضب لا يمكن تتخيلها ومن كتر غضبي كنت متوعدلك إني هنـ.ـد.مك على اللي عملتيه ده ؛ لأن وسط خـ.ـو.في وقلقي على بـ.ـنتي كنت قلقان والشك هيقــ,تــلني وأنا بفكر بتعملي إيه ورحتي فين وقاعدة مع مين .. ولما عرفت إنك قاعدة مع اللي اسمه حاتم ده اتجننت وحجزت على أول طيارة وسافرت ، وطول الطريق كنت منتظر اشوفك بس عشان اخد روحك بإيدي من كتر عصبيتي .
لحظة أخرى مرت وهو يتنهد بعمق ويعود ويكمل بنبرة رخيمة عادت لسابقها :
_ بس لما شوفتك معرفش ايه اللي حصل هديت 50 درجة ومعرفتش انفذ اللي كنت ناوي اعمله أول ما اشوفك .. بعترف إنك حشـ.ـتـ.ـيني و ويمكن عشان كدا ضعفت لما شوفتك .. كنت غيران أه وإنتي عارفة إني بغير ورغم كدا بتتعمدي تجيبي سيرة حاتم قدامي ولما بتعصب بتزعلي ! .. يعني في الآخر الشهرين دول علموني حجات كتير أولهم إن قرار الطـ.ـلا.ق كان غلطة ولا يمكن أكررها
توقف أخيرًا عن الكلام ونظر لوجهها يتابع تعبيراتها .. لا تزال رموشها ترتجف لكن أنفاسها هدأت قليلًا فانحنى وطبع قبلة على وجنتها ثم رجع بشفتيه للخلف إلى أذنها وهمس :
_ كنت ناوي اقولك الكلام ده من بدري وأعتقد إن ده انسب وقت .. بما إنك مش فاهمة سبب رفضي للطـ.ـلا.ق فيمكن دلوقتي تكوني لقيتي إجابة سؤالك .. تصبحي على خير يا رمانتي
ثم ابتعد عنها وتسطح على ظهره بجوارها واضعًا كفيه أسفل رأسه وبقى محدقًا في السقف لثواني قبل أن يغمض عيناه ويخلد للنوم .. بينما هي ففتحت عيناها والتفتت برأسها للخلف تتطلع إليه في دهشة ممتزجة بالقليل من الراحة .. لم تكن أبدًا تتخيل أن مكالمتها مع أبيها وحديثهم معًا بالصباح سيؤثر به لهذه الدرجة .. ابتسمت بثقة مع قليل من الخبث ثم عادت برأسها لوضعها الطبيعي وأغلقت عيناها تنوي النوم حقًا هذه المرة .
***
تسللت أشعة الشمس من خلف ستار النافذة الشفاف إلى عيناه ، فسببت له الإزعاج .. أخذ يتململ في الفراش بخـ.ـنـ.ـق ثم رفع يده لعيناه يفركها ويفتحها بصعوبة في وجه الضوء ، اعتدل في نومته وهب جالسًا مستندًا بظهره على ظهر الفراش وهو يمسح على شعره نزولًا إلى وجهه متأففًا ، التفت برأسه على جانب الفراش الفراغ منها وهم بأن يمد يده ويتلقط هاتفه ليتحقق من الساعة ، لكن انفتح باب الحمام وخرجت منه وهي تجفف شعرها وترتدي منامة قطنية قصيرة .. تابعها بعيناه متفحصًا إياها وهي لا تعطيه اهتمام تتصرف وكأنه غير موجود .. اقتربت ووقفت أمام المرآة ثم نفرت برأسها يمينًا ويسارًا تنفض الماء عن شعرها وتبدأ في تسريحه ، عيناه لم تحيد عنها وما دهشه إن نظراتها لم ترتفع للمرآة عن طريق الخطأ حتى لتنظر له .. قرر هو أن يبدأ بتحية الصباح حيث هتف مترقبًا لردها :
_ صباح الخير !
ردت بنبرة جـ.ـا.مدة من المشاعر بعد ثواني دون أن تنظر له :
_ صباح النور
ازدادت نظراته قوة وهو يثبتها عليها متعجبًا من أسلوبها فقد توقع أن بعد ما قاله بالأمس ستلين قليلًا ولكن يبدو العكس الآن .. نزل من الفراش واستقام واقفًا ثم تحرك باتجاه الخزانة .. فتح الجزء الخاص بملابسه في الخزانة وبرأسه يلتفت للخلف قليلًا ينظر لها بتدقيق حيث أن المرآة تقع بالقرب من الخزانة فكانت هي تقف قريبة منه وتلاحظ بطرف عيناها نظراته لها وتتجاهلها عمدًا .. أخرج منشفته حتى يدخل ويأخذ حمامه الصباحي وعيناه لا تزال ثابتة عليها وما يثير غـ.ـيظه تجاهلها له ، يتطلع لها وكأنه ينتظرها أن تقول شيء ولكنها تتصرف كأنها لا تراه من الأساس .. اغلق باب الخزانة بقوة والتفت بجسده ناحيتها وهتف بصوت غليظ :
_ أنا هروح الشغل واحتمال مجيش بليل
لم تجيب واستمرت في تجاهله وهي مهتمة بتسريح وتجفيف شعرها ، فسمعته يهتف بحدة وهو يقترب منها :
_ سمعتي أنا قولت إيه !
خرجت عن إطار صمتها أخيرًا والتفتت برأسها له تهتف ببرود :
_ سمعت .. براحتك أساسًا مش هتفرق معايا بحاجة
اتسعت عيناه من ردها واحتدmت نظراته وهو يجيبها بصوته الخشن :
_ اممم أنا قولت اعرفك عشان متعمليش زي كل يوم وتقولي إنت لسا تعبان ومينفعش تخرج
ابتسمت وهدرت بعدm مبالاة مثيرة للأعصاب :
_ لا مش هقول إنت مش طفل صغير وعارف مصلحتك أكيد .. روح خد الشاور يلا عشان تلبس ومتتأخرش على work
رفع حاجبه مستنكرًا ردها وهو يبادلها الابتسامة ببرود ظاهري مزيف ، بينما هي فزدادت ابتسامتها اتساعًا وهي ترى مجاهدته في الظهور بهدوء على عكس ما يخفيه خلف هذا الوجه .. استدارت بجسدها مرة أخرى للمرآة واكملت ما كانت تفعله وتتطلع لوجهه في انعكاس المرآة فترى نظراته المشتعلة .. باللحظة التالية اقتحمت الصغيرة الغرفة وهي تهتف بعفوية :
_ مامي .. مامي
لكنها ابتسمت بساحرية بمجرد رؤيتها لأبيها وهرولت إليه فانحنى وحملها على ذراعيه ولثم وجنتها بحب هامسًا :
_ إيه الجمال ده يا هنايا
أمسكت الصغيرة بخصلات شعرها في رقة وقالت بسعادة من مغازلة أبيها لها :
_ مامي عملت ليا شعري كدا .. حلو ؟
_ إنتي كلك على بعضك حلوة يا ملاكي
ضحكت بخجل والقت برأسها تدفنها بين ثنايا رقبة أبيها تخفي استحيائها ، فيبادلها هو الضحك .. ثم رفعت رأسها بعد ثواني وتطلعت لأمها التي تتابعهم مبتسمة بدفء فانحنت على أذن أبيها وقالت بحماس :
_ بابي امتى هنقول لمامي ؟!
انحنى هو الآخر على أذنها وهمس :
_ لسا مش دلوقتي .. اوعي تقوليلها !
هزت رأسها بالإيجاب في ابتسامة حماسية فطبع هو قبلة على شعرها وانزلها ثم اتجه إلى الحمام ، بمجرد دخوله أمسكت جلنار بهنا وهمست بفضول :
_ إنتي وبابا مخبين إيه عني ؟!
هنا بتـ.ـو.تر وهي تهز رأسها بالنفي باسمة :
_ لا بابي قالي مقولكيش
هتفت بجملتها وسحبت ذراعها بسهولة من قبضة أمها ثم هرولت للخارج وتركتها تتساءل بفضول عن ما يخفوه عنها ! .
***
بمطار القاهرة الدولي .....
كانت تقف بمنطقة صغيرة بعيدة عن أشعة الشمس وهو يقف بعيدًا عنها يتحدث في الهاتف مع أحدهم وماهي إلا لحظات حتى توقفت أمامه سيارة سوداء وترجل منها شابًا ثم بدأ يتبادل أطراف الحديث مع حاتم وهم يضحكون بصفاء ، وانتهي حديثهم بتوديعهم لبعض وهو يشير له بأن يرحل وكأن مهمته قد انتهت .. فور رحيله التفت برأسه لها وأشار لها بأن تأتي فتحركت باتجاهه وصعدت بالمقعد الأمامي المجاور له وهو وضع الحقائب في حقيبة السيارة الخلفية وعاد لها ثم استقل بمقعده المخصص للقيادة .. نظر لها وتمتم مبتسمًا باستغراب :
_ مالك ؟!
نادين بخـ.ـنـ.ـق وهي تلوح بيدها أمام وجهها :
_ the sun is too hot ( حرارة الشمس مرتفعة جدًا )
حاتم ضاحكًا :
_ مش للدرجة إنتي بس عشان اتعودتي على جو أمريكا
اخرجت منديلًا ورقيًا مبلل ومسحت على وجهها وهي تزفر بينما هو فانطلق بالسيارة يشق الطرقات متجهًا إلى منزله .. بقت هي تتابع الطرق من خلال زجاج السيارة تتفحص كل شيء تقع عيناها عليه في الطرق حتى هتفت بالأخير في رقة :
_ لوين رايحين ؟!
_ على البيت
نادين بحيرة :
_ بيتك
هز رأسه بإيجاب فسألته بريبة وتعجب :
_ وأنا لوين راح روح ؟!!
حاتم ببساطة مبتسمًا :
_ معايا يا نادين يعني هتروحي فين !
اعتدلت في جلستها وقالت بتوضيح أكثر وبجدية :
_ شو بتقصد يعني ! .. راح نضل أنا وإنت بس بالبيت !
طالعها بنصف نظرة وهو يبتسم بخبث ثم أجاب عليها بمشاكسة :
_ لو حابة نفضل وحدينا معنديش مشكلة
نادين بحزم بسيط :
_ حاتم لا تتواقح أنا عم اتكلم جد
قهقه بخفة ثم هدر بصوت هادئ :
_ لا مش لوحدينا يا نادين خالتي فاطمة مستنيانا وهتقعد معانا
تحمست بشـ.ـدة وهتفت بعفوية :
_ عنجد .. تعرف أنا كتير كان نفسي اتعرف عليها وهلأ راح شوفها ، أكيد بتشبهك
_ اممم بما إني شبه ماما الله يرحمها وهي شبه ماما فأكيد هيكون فينا شبه من بعض
اماءت بتفهم وهي تبتسم بساحرية ثم عادت لجلستها الطبيعية وهي تتابع الطريق من جديد ، حتى توقفت السيارة بعد دقائق طويلة أمام بوابة كبيرة ولحظة وانفتحت البوابة ثم عبر بسيارته للداخل وهي تتفحص المنزل الكبير بنظرها من نافذة السيارة حتى توقفت ونزل هو أولًا ثم لحقت هي به .. وقفت تتلفت برأسها في كل الاتجاهات وعيناها تتنقل في كل مكان بالمنزل حتى هتفت بإعجاب تحدثه وهو يخرج الحقائب :
_ البيت كتير حلو يا حاتم
رأته يخرج الحقائب فهرولت هي إليه حتى تساعده في حملها وهي تهتف :
_ لا تحملها كلها أنا بساعدك
هتف بصوت رجولي حازم رافضًا :
_ سيبي ملكيش دعوة إنتي بلا اساعدك
زمت شفتيها بغـ.ـيظ من حدته وكانت على وشك أن تجيب لكنها رأته يحمل الحقائب ويسير بها باتجاه باب المنزل الذي فتح وظهرت من حالة سيدة متقدmة قليلًا في العمر وتهتف بلهفة وسعادة غامرة :
_ حاتم
أسرعت إليه في شوق فترك هو الحقائب وفرد ذراعيه يستقبل خالته معانقًا إياها بحرارة وعينان تلمع بشوق مماثل لها .
فاطمة بفرحة :
_ وحـ.ـشـ.ـتني أوي يا حبيبي
اقترب وطبع قبلة حانية على جبهتها متمتمًا :
_ وإنتي كمان والله حشـ.ـتـ.ـيني و أوي .. بيني وبينك أنا اتلككت بالشغل ده عشان الاقي فرصة واجي اشوفك
نكزته في كتفه بغـ.ـيظ هاتفة :
_ وهو لازم يكون في شغل عشان تنزل مصر وتشوفني يا ندل
_ اعمل إيه ما إنتي عارفة والله مش بلاقي وقت فاضي نهائي عشان انزل زيارة سريعة حتى وارجع
التفتت فاطمة برأسها تجاه نادين التي ابتسمت لها بحرج وتـ.ـو.تر فهتفت فاطمة ببشاشة :
_ وأخيرًا اتقابلنا ده مش بيبطل يشكر فيكي كل ما أكلمه
نادين بضحكة بسيطة وهي تتطلع لحاتم باستحياء بسيط وتهتف :
_ عنجد .. وهو كمان كتير بيحكيلي عنك
بادلتها الضحك وهتفت :
_ لا احنا كدا لينا قعدة مع بعض بقى وتحكيلي كان بيقولك إيه عني
لف حاتم ذراعه حول كتف خالته وتمتم بمداعبة :
_ تعالي بس يافطوم وقوليلي عملالي إيه على الغدا لاحسن انا وحشني أكلك أوي
_ عملالك كل الاكل اللي بتحبه .. اطلع إنت بس غير هدومك وخد دش وانزل وهتلاقي الأكل جاهز
خـ.ـطـ.ـف قبلة عميقة من وجنتها وهو يهتف ضاحكًا :
_ ياسلام وهو أنا بحبها من قليل الست الطيبة دي
قهقهت بقوة ثم أمسكت بيد نادين وهتفت في عذوبة :
_ تعالي ياحبيبتي اوريكي اوضتك .. ده أنا جهزتلك اكتر أوضة مريحة في البيت كله
نادين برقة معهودة منها وهي تبتسم بود :
_ ميرسي كتير
***
قادت مهرة خطواتها الواثقة وهي تبتسم بشر وغل حتى توقفت أمام بقالة بدرية .. تبادلا النظرات لبعضهم بحقد ، فاندفعت نحوها مهرة وجذبتها من حجابها صائحة بها في غـ.ـصـ.ـب :
_ بقى إنتي يا ولية يا زبـ.ـا.لة تخدريني وتسلميني لـ ***** اللي اسمه ريشا ده
حاولت الإفلات من قبضة مهرة وهي تصرخ بها :
_ ابعدي ايدك دي
تركتها مهرة ثم ابتسمت بخبث وهتفت :
_ ده حتى اللي بيته من ازاز ميحدفش الناس بالطوب مش كدا ولا إيه
_ قصدك إيه ؟!
كان يقف خلفها ميدو فالتفتت مهرة برأسها له ورمقته بنظرة ذات معنى فاندفع هو يبحث بين منتجات البقالة ويخرج أكياس ممنوعات ، صرخت به بدرية بخـ.ـو.ف وارتباك وهي تندفع إليه لتمنعه :
_ إنت بتعمل إيه يا **** .. ابعد
أمسكت بها مهرة وابتسمت لها بغل ثم هدرت :
_ احنا بلغنا البوليس وزمانه في الطريق دلوقتي عشان يقبض عليكي
بدرية برعـ.ـب وهي تصرخ بهستريا بعد أن رأت تجمع أهل المنطقة حول بقالتها :
_ المـ.ـخـ.ـد.رات والبودرة ده مش بتاعتي
انحنت مهرة على أذنها وهمست بغضب مكتوم وعين تلمع بنار الانتقام :
_ عشان تبقي تفكري كويس قبل ما تلعبي مع بـ.ـنت رمضان وتحاولي تأذيها .. أنا عارفة إنك بتبيعي البودرة دي من بدري وكنت ساكتة .. بس إنتي ولية عرة وو**** مكانك في السجون
كانت تقف بالخارج سهيلة تتابع صديقتها وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها وتحدق ببدرية في تشفي وسعادة وما هي إلا لحظات واقتحمت سيارة الشرطة المنطقة بعد أن حصلت على أخبرية أن هناك محل بقالة يبيع ممنوعات في منطقة شعبية .. ترجل الضابط من السيارة واقترب من المحل ثم نقل نظره بين مهرة والولد وبدرية فهتفت مهرة بابتسامة نصر :
_ أنا اللي بلغت يا باشا والمحل للست دي وبتبيع بودرة لعيال المنطقة
اندفعوا العساكر إلى المحل وبدأو في التفتيش وبالفعل عثروا على كميات كبيرة مخفية بين منتجات الطعام ، بينما بدرية فكانت تقف مصدومة لا تستوعب ما يحدث أمامها وإذا بها فجأة تجد أحد العساكر يكبلها من ذراعها ويسحبها معه للخارج باتجاه سيارة الشرطة وهي تصرخ وتهتف محاولة الدفاع عن نفسها :
_ ياباشا والله العظيم الحجات دي مش بتاعتي .. أنا فاتحة محلي من سنين وعمري ما بعت فيه حاجة مش ولا بد .. يا باشا ابوس إيدك اسمعني
ولكن لم يستمع لها أحد تستمر في الدفاع عن نفسها دون فائدة ، فصرخت بالأخير وهي تلتفت برأسها تجاه مهرة وتتوعد لها :
_ منك لله .. بس ورحمة أمي ما هسيبك يا بـ.ـنت رمضان
مهرة بضحكة متشفية :
_ حاضر هبقى آجي ازورك متقلقيش
صعدت بسيارة الشرطة واستقل الضابط بمقعده بجانب السائق في الأمام ثم انطلقت السيارة وبدأت الهمسات والهمهمـ.ـا.ت من أهل المنطقة مع بعضهم البعض .. بينما مهرة فعبرت من جانبهم هي وسهيلة غير مكترثة لنظرات الاستفهام الموجهة نحوها .
***
في تمام الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل .....
فتح باب السيارة ونزل ثم رفع نظره لأعلى تحديدًا إلى غرفتها فوجد الأضواء مغلقة وفقط ضوء بني خافت منبعث من الغرفة .. تنهد الصعداء بحرارة واغلق باب السيارة ثم تحرك باتجاه باب المنزل الرئيسي ، مد يده في جيب بنطاله وأخرج المفتاح ليضعه في القفل ويديره لجهة اليسار فينفتح الباب ويدخل ثم يغلقه خلفه بهدوء شـ.ـديد حتى لا يحدث ازعاج .
قاد خطواته أولًا باتجاه غرفة ابـ.ـنته فوجدها نائمة في فراشها بثبات عميق ومتدثرة بغطائها الصغير ، فاقترب منها وانحنى عليها يطبع قبلة سطحية رقيقة فوق جبهتها حتى لا تستيقظ ثم ينتصب في وقفته مجددًا ليستدير وينصرف بعد أن أغلق الباب بحذر وتركه مواربًا قليلًا .
تحرك إلى الغرفة المجاورة حيث غرفتهم .. معتقدًا أنها سيجدها أيضًا نائمة لكنه بمجرد ما أن فتح الباب ودخل .. وجدها تقف تولي ظهرها للباب وتقوم بترتيب الفراش .. تصلب بأرضه وهو يحدق فيما ترتديه .. قميص أخضر اللون قصير وبحمالات سوداء وعاري الظهر .. فور رؤيته لها قذفت بذهنه ذكرى تخص ذلك القميص المفضل خصيصًا .
تتلفت حول نفسها يمينًا ويسارًا بعد أن ارتدته وهي تزم شفتيها بحـ.ـز.ن شـ.ـديد من يراها يظن أنها على وشك البكاء من فرط الحـ.ـز.ن .. تضع يدها على بطنها المرتفعة وتنظر لنفسها في المرآة بتحسر .. التفتت بجسدها تجاه الباب عنـ.ـد.ما انفتح ودخل ولم تمهله لحظة حتى لينظر لها حيث صاحت بحـ.ـز.ن طفولي :
_ عدنان !
تفحصها بعيناه .. ترتدي القميص لكنه غريب فوق جسدها نظرًا لحجم بطنها المرتفع بسبب الحمل وزيادات الوزن التي اكتسبته ، رأت هي علامـ.ـا.ت الاستغراب على محياه فصاحت وهي على وشك البكاء :
_ شكله وحش فيا صح .. ده اكتر قميص بحبه وبرتاح فيه
أجابها بجدية محاولًا اخفاء ابتسامته على حركاتها الطفولية :
_ لا مش وحش هو شكله بقى غريب عليكي بس حلو
جلنار بعينان لامعة بالدmـ.ـو.ع :
_ دخل فيا بالعافـ.ـية .. بقيت شبه الكورة
ضيق عيناه بدهشة فور ملاحظته لدmـ.ـو.ع عيناها فاقترب منها وهتف بريبة :
_ إنتي بتعيطي عشان القميص مدخلش فيكي !
انهمرت دmـ.ـو.عها وقالت بصوت مبحوح :
_نص هدومي مبقتش تدخل فيا ياعدنان
ابتسم رغمًا عنه وهو يتنهد بعدm حيلة ثم لف ذراعه حول كتفيها وضمها لصدره متمتمًا بنبرة حاول إظهارها جدية دون أن يضحك :
_ مش معقول كدا يا جلنار أنا كل يوم اجي الاقيكي بتعيطي على حاجة مختلفة .. بعدين كلها كام شهر وتولدي وهدومك كلها ترجعي تلبسيها تاني مش مشكلة يعني !
ابتعدت عنه وجففت دmـ.ـو.عها بظهر كفها فانحنى هو برأسه لمستواها وطبع قبلة فوق شعرها ومد يده يتحسس بطنها بحب متمتمًا :
_ بلاش زعل وعـ.ـيا.ط بقى الدكتور قال الانفعالات والزعل بتأثر على الطفل وعليكي ، خلينا نعدي شهور الحمل دي على خير وإنتي تقومي بالسلامة والقردة الصغيرة دي تشرف بالسلامة
عودة للوقت الحاضر .. التفتت جلنار بجسدها للخلف بتلقائية وفور وقوع نظرها عليه انتفضت شاهقة بفزع وقالت :
_ إيه ده إنت مش قولت مش جاي النهارده !
ظل معلقًا نظره عليها بشرود دون أن يجيبها فعادت هي تهتف بصوت أعلى :
_ عــدنان !!!
استفاق من شروده وغمغم بخفوت لكنه مازال لم يستفيق من تأثيرها :
_ غيرت رأي
لاحظت هي نظراته المعلقة عليها بغرابة فنزلت بنظرها لجسدها وفورًا فهمت سبب نظراته ، فأسرعت وجذبت رداء القميص الخاص به وارتدته فوقه .. ثبتت قدmيها بالأرض في قوة عنـ.ـد.ما رأته يقترب منها حتى وقف أمامها مباشرة وتمتم بابتسامة ساحرة :
_ آخر مرة شوفتك لبساه لما كنتي حامل في هنا
فضلت الصمت وهي تتطلع إليه في ثبات رائع .. حتى وجدته يكمل بهمس خافت ونظرات معنى تحمل القليل من المكر :
_ كنتي جميلة وقتها وانتي لبساه ومازالتي
تـ.ـو.ترت وتسارعت نبضات قلبها لكنها تحكمت في زمام نفسها وردت عليها بجفاء :
_ أنا أساسًا كنت رايحة اغيره
وهمت بالابتعاد والاندفاع نحو الحمام حتى تبدله لكنه قبض على رسغها يوقفها هاتفًا :
_ متغيرهوش !
ازدردت ريقها بـ.ـارتباك ولوهلة أحست بأنها ستضعف فدفعت يده بعنف وهتفت في قسوة :
_ أصل مرة واحدة حسيت إني مش مرتاحة فيه
القت بجملتها الجافة في وجهه ثم استدرات واندفعت نحو الحمام .. رفع هو يده يمسح على وجهه متأففًا بخـ.ـنـ.ـق .. فارتفع صوت رنين هاتفه في جيبه فأخرجه وأجاب على المتصل دون أن يتحقق من هويته أولًا :
_ الو
أتاه صوت أمه المبحوح وهي تهتف بصعوبة :
_ أيوة يا عدنان أنا تعبانة وبرن على آدm مش بيرد عليا
هتف بزعر ملحوظ في نبرته :
_ انتي مخدتيش علاج الحساسية ولا أيه ياماما
_ مش فاكرة ياعدنان أنا مش قادرة اخد نفسي
_ طيب أنا جايلك علطول أهو مسافة الطريق بس
انزل الهاتف من فوق أذنه واندفع للخارج فورًا مغادرًا المنزل ، بينما جلنار فخرجت من الحمام بعدmا سمعت محادثته معها وابتسمت بسخرية هاتفة :
_ مش بعيد تكون بتمثل عشان متخلهوش يقعد عندي .. اصبري عليا يا أسمهان قريب أوي هفضحك وهقوله كل حاجة .. والحقيرة التانية لولا إني خايفة من اللي هيعمله لما يعرف كنت فضحتها من بدري
***
_ قالك إيه ؟!
كان سؤال فضولي من فريدة التي تجلس بجوارها فردت عليها أسمهان بابتسامة خبيثة وبثقة :
_ جاي طبعًا .. كفاية أوي عليها كدا سبتلها ابني كتير
ابتسمت لها فريدة بلؤم وبقت جالسة بجوارها تنتظر وصوله وبعد مرور دقائق طويلة نسبية سمعت أسمهان صوت سيارته تتوقف بالأسفل أمام المنزل فهتفت مسرعة تحدث فريدة :
_ بصي بسرعة كدا من الشباك ده صوت عربيته ولا إيه
هبت فريدة واقفة واسرعت نحو النافذة تنظر منها قرأته وهو يفتح الباب ويخرج من السيارة ثم يندفع للداخل مسرعًا فقالت باسمة :
_ أيوة هو وصل
تسطحت أسمهان على الفراش جيدًا وتدثرت بالغطاء ثم رسمت معالم التعب المزيف على وجهها منتظرة دخولها عليها وبالفعل ما هي إلا لحظات حتى انفتح باب غرفته ودخل هو مسرعًا نحوها يهتف بقلق :
_ ماما عاملة إيه دلوقتي أنا كلمت الدكتور وهو جاي في الطريق !
ردت عليه بصوت أخرجته متعبًا بمهارة كممثلة :
_ لا يا حبيبي خلاص مش مستاهلة دكتور أنا كنت ناسية ما اخد العلاج ولما اخدته بقيت كويسة الحمدلله شوية
تنهد الصعداء براحة وهتف :
_ الحمدلله .. بس برضوا خلي الدكتور يكشف عليكي ونطمن اكتر
أسمهان برفض وصوت خافت :
_ ياعدنان ملوش لزمة والله يابني .. وأنا مش بحب الدكاترة إنت عارف فطالما بقيت كويسة ملوش لزمة تجيب الدكتور
وصل آدm أخيرًا وكان في طريقه إلى غرفته لكنه رأى غرفة أمه مفتوحة ولمح أخيه يجلس بجوارها على الفراش ممسكًا بيدها فاقترب من الغرفة ودخل وهو يهتف باستغراب :
_ في إيه ؟!
التفت له عدنان برأسه وهتف بحدة ساخطًا :
_ مش بترد على تلفونك ليه يا أستاذ امك كانت تعبانة ورنت عليك مش بترد عليها
فرت الدmاء من وجه آدm بقلق واسرع يقترب من أمه هاتفًا :
_تعبانة ! .. أنا تلفوني كنت عامله صامت والله ومشفتش اتصالاتها
جلس بجوار أمه من الجانب الآخر للفراش وهتف بملامح وجه تحمل القليل من الفزع وهو ممسكًا بيدها :
_ عاملة إيه دلوقتي يا ماما وتعبتي إزاي ؟!
ضغطت أسمهان على يده في لطف وهي تجيب عليه بحب أمومي :
_ أنا بقيت كويسة الحمدلله ياحبيبي متقلقش
_ أنا آسف والله مخدتش بالي من التلفون
أسمهان بابتسامة حانية :
_ خلاص يا آدm حصل خير يابني كفاية إنكم جنبي أنا حتى لو تعبانة لما شفتكم وإنتوا جنبي كدا بقيت زي الفل
رفع عدنان كفها إلى شفتيه وقبّل ظاهره بحنو متمتمًا بحب نقي وصافي :
_ ربنا يخليكي لينا يا ست الكل
التفتت برأسها تجاه عدنان وحدقته بحنان جارف مغمغمة :
_ ويخليكم ليا وميحرمنيش منكم يا اغلي ما ليا
انتبه عدنان لفريدة التي تقف بجواره فرمقها بنظرة ممـ.ـيـ.ـتة قذفت الرعـ.ـب في قلبها و.جـ.ـعلتها تتراجع خطوة للخلف مبتعدة عنه ، لم يتبقى إلا القليل حتى يتأكد من كل شكوكه بها حينها سيريها كيف يكون عقـ.ـا.ب خيانتها وخداعه .. سمع صوت رنين هاتفه فأمسك به واستقام واقفًا ثم غادر الغرفة حتى يجيب على المتصل .. لحقت هي به مسرعة ووقفت على مقربة منه منتظرة انتهائه من مكالمته .. وفور انتهائه تقدmت نحوه وهمست :
_ عدنان
لم يستدير لها ولم يجيب فقط حاول التحكم في زمام انفعالاته فوجدها تلتف وتقف أمامه وتهتف بنظرة عتاب :
_ إنت ليك أيام مش بتيجي البيت وحتى مش بتسأل عليا .. للدرجة دي قدرت تسيطر عليك وخلتك تنساني
تطلع إليها باشمئزاز وبغضب حقيقي وبغض تراه لأول مرة في عيناه فمدت يدها تهم بوضعها على كتفه وهي تهمس :
_ معقول مبقتش تحبني خلاص !
قبض على رسغها بعنف قبل أن تلمسه .. تأوهت بقوة من قبضته القوية على يدها وهي ترمقه ببعض الخـ.ـو.ف ثم رأته ينحني بوجهه عليها هامسًا بصوت أشبه بفحيح الأفعى :
_ جهزي نفسك عشان دي ايامك الأخيرة يا فريدة
ثم ألقي بيدها ودفعها من أمامه ليتركها ويرحل ، فتظل هي تقف بأرضها مدهوشة ومرتعدة بذات اللحظة .
***
بصباح اليوم التالي .....
نزل من سيارته ووقف يتطلع إلى البناية الكبيرة ، اندفع إلى الداخل بخطواته الواثقة ، ثم استقل بالمصعد الكهربائي وضغط على زر الطابق الرابع فانغلق باب المصعد وارتفع به للطابق المطلوب .. بعد لحظات انفتح الباب فخرج منه وتلفت هو برأسه ينقل نظره بين الشقتين ثم تحرك باتجاه شقة اليسار .. طرق الباب عدة طرقات قوية وماهي إلا لحظات وفتح له الباب .. فور رؤيته لعدنان هم بأن يغلق الباب مسرعًا في زعر لكن عدنان وضع قدmه يحول بين الباب وإغلاقه وهو يحدقه بنظرات قـ.ـا.تلة ، ثم بيده دفع الباب في قوة ودخل هاتفًا بابتسامة مريبة بعدmا رأى الرجل يتقهقهر للخلف في ارتيعاد :
_ مالك خايف كدا ليه متخفش أنا قولت اجي نشرب حاجة مع بعض علي رواق وإنت بتحكيلي كل حاجة عن نادر
↚يجلس فوق أريكة عريضة رافعًا ساقًا فوق الأخرى ويبسط ذراعه على الحافة العلوية من الأريكة ، متطلعًا بنظراته الممـ.ـيـ.ـتة في ذلك الرجل الجالس أمامه باضطراب وخـ.ـو.ف .. كان هدوئه مريبًا لا يبشر بخير وهو ينتظر أن يبدأ في الحديث ، لكن الصمت طال وبدأ يفقد صبره فصاح به بصوت جهوري :
_ انطق
اجابه الآخر بنبرة مرتبكة :
_ نادر هو اللي طلب مني اروح لسليم بيه و...
صاح به عدنان بعينان تطلق شرارات نارية مرعـ.ـبة :
_ غيره .. أنا عارف إن نادر هو اللي سرق الملفات .. فاكرني جاي هنا عشان اسمع الكلمتين دول
_ عايز تعرف إيه ؟
عدنان بصوت خافت ومخيف :
_ كله
حدجه الرجل بـ.ـارتباك وتردد للحظات ليست بطويلة ، يفكر هل يخبره بكل شيء يعرفه عن نادر أم لا .. لكن ليس هناك خيار آخر أمامه هو محاصر بين ذئب بشري لا يرحم .
أخذ نفسًا طويلًا قبل أن يتكلم بصوت مضطرب :
_ نادر هو اللي خطط للحادث اللي إنت عملته .. كان عايز يخلص منك عشان يفضاله الجو تمامًا من كل الجهات
تشنجت عضلات وجهه فور سماعه لآخر جملة فقد وصل للنقطة المنتظرة منذ بداية الحديث والسبب في قدومه لهنا .
عدنان بنبرة محتدmة ونظرة قـ.ـا.تلة :
_ جو إيه اللي يفضاله ؟!
صمت الرجل وهو يتطلع له بخـ.ـو.ف مترددًا في أن يكمل ، فقد وصل للنقطة الأخطر على الإطـ.ـلا.ق .. لم يكن يتوقع أنه استنفذ طاقة صبر عدنان كلها وأصبح كالوحش الجائع هكذا حيث وجده يثب واقفًا من الأريكة ويندفع إليه يجذبه من لياقة قميصه صائحًا :
_ جو إيه !
_ مراتك فريدة وهي اللي ساعدته أنه ياخد نسخة من مفاتيح مكتبك في الشركة عشان يقدر يسـ.ـر.ق الملفات
لحظة من الصمت القـ.ـا.تل مرت وقد ارتخت عضلات وجهه ويده ، الآن اتضحت الصورة كاملة أمام عيناه وتأكد من شكوكه حولهم .. شعر الرجل بالخـ.ـو.ف الحقيقي وهو يرى ابتسامة بسيطة تنبع بالشر ارتفعت لثغره ، وكأنه هدوء ما قبل العاصفة ، ثم تركه وانتصب في وقفته وهتف بنظرات شيطانية بعد أن أخذ مبتغاه وحصل على سبب قدومه لهنا :
_ البوليس مستنيك تحت .. لتكون كنت فاكر إن اللي عملته ده هيعدي من غير عقـ.ـا.ب ، تبقى لسا متعرفنيش .. أما **** نادر انا شايله الكبيرة وهيحصلك قريب بس مش قبل ما اصفي حساباتي معاه
ثم استدار واتجه إلى باب المنزل ليغادر بينما الآخر فوثب واقفًا بهلع وهرول إلى النافذة يتطلع للأسفل ، حتى يتأكد من حقيقة ما قاله وبالفعل وجد سيارة الشرطة تقف بالأسفل وفي طريقهم إليه بالأعلى الآن .. اسرع راكضًا للباب حتى يهرع في تصرف سخيف منه كمحاولة للهرب لكنه وجد ضابط الشرطة يقف أمامه ! .
***
يشق الطرق بسيارته في سرعة هائلة .. ويده تقبض على مقود السيارة بقوة مريبة ، عيناه معلقة على الطريق لكن عقله بمكان آخر .. نظراته تقذف الرعـ.ـب في اقوي واعتى الرجـ.ـال .
أصبحت النقاط فوق الحروف الآن ، وبات يقرأ الحقيقة كاملة .. لا يعرف أهي حقيقة سذاجته وغبائه أم حقيقة زوجة منحها حب وثقة لا تستحقهم ، كان ينتظر أن يحصل على التأكيد لشكوكه حتى يطـ.ـلق سراح الوحش المحجوز في قفص داخله ، وهاهي قد حانت لحظة إطـ.ـلا.قه .
توقفت سيارته أمام المنزل .. نزل منها وقاد خطواته السريعة للداخل ، مظهره يثير الرهبة في قلوب كل من يراه .. طرق عدة طرقات متتالية وعنيفة على الباب وماهي إلا لحظات وانفتح الباب وكانت أسمهان التي فتحت له ، لم تتمكن من التفوه بكلمة حيث وجدته يبعدها من طريقه ويندفع نحو الأعلى صاعدًا الدرج تمامًا كقنبلة القت وتعرف أين مكان وقوعها بالضبط .. ضيقت عيناها باستغراب ولحقت به فورًا لأعلى بقلق ، رأته يقتحم غرفته دافعًا الباب بعنف يفتحه عن مصراعيه ووقف لثانية وهو يغلي عنـ.ـد.ما لم يجدها ثم اندفع للداخل نحو الحمام وفتح الباب بقوة ولكن لا أثر لها أيضًا .. كان يزأر من بيت شفتيه كالأسد فالتفت لأمه يهتف بوجه محتقن بالدmاء :
_ فينها !
ارتبكت أسمهان من مظهره وقلقت فلأول مرة تراه بهذه الحالة المخيفة .. ردت عليها بخفوت وريبة :
_ فريدة ؟!!
صرخ بانفعال :
_ أيوة هو مين غيرها في البيت
أسمهان بصوت يحمل الحيرة :
_ خرجت .. في إيه ياعدنان ؟
تقلصت عضلات وجهه وأصبح أكثر رهبة وهو يهتف بعدm استيعاب وكأن هدوء نبرته بداية لطوفان عاتي سيدmر المكان بأكمله الآن :
_ يعني إيه خرجت وراحت فين ؟!
باتت هيئة ابنها المرعـ.ـبة تخيفها وتقلقها هي أيضًا خصوصًا أنها لا تفهم ما سبب تحوله هكذا .. لكنها ردت عليه بهدوء :
_ قالت رايحة تشتري كام حاجة وراجعة علطول
اندلع الطوفان وصرخ بصوت اهتزت له الجدران :
_ أنا مش قايل ومنبه رجلها متعتبش برا عتبة البيت
أسمهان ببعض الخـ.ـو.ف :
_ وأنا هقدر امنعها ازاي كل مرة إنت مش عارف مراتك يعني
ارتفعت ابتسامة مريبة ومخيفة على شفتيه وهو يجيب على أمه بإيجاب :
_ اعرفها طبعًا بس هي اللي لسا متعرفش عدنان الشافعي .. إنتي قولتيلي راحت تشتري حجات مش كدا ، تمام
اختفت ابتسامته واندفع للخارج ثائرًا يغادر المنزل بأكمله .. وبينما كان في طريقه لسيارته اصطدm بآدm الذي رمقه بدهشة من مظهره وسأل :
_ عدنان ! .. في إيه ؟!
لم يجيب عليه فقط دفعه من أمامه واتجه لسيارته واستقل بها .. وسط نظرات آدm المنذهلة وحين التفت بجسده للخلف رأى أمه وهي تخرج من باب المنزل مهرولة وعلى محياها علامـ.ـا.ت الزعر فسألها فورًا بقلق :
_ في إيه ياماما ؟
أسمهان بحيرة وقلق مماثل :
_ معرفش يا آدm هو دخل البيت بالمنظر ده وفضل يدور على فريدة ولما قولتله أنها خرجت زعق وبهدل الدنيا وبعدين خرج
توقع آدm ما حدث فسأل أمه مرة أخرى حتى يتأكد :
_ هي فريدة راحت فين ؟
_ معرفش معرفش يا بني قالت رايحة تشتري حجات واول ما قولت كدا لاخوك خرج زي المـ.ـجـ.ـنو.ن وكأنه عارف راحت فين
لحظة مرت على آدm وهو يحدق بأمه ويفكر في ذلك الاحتمال الذي يدور برأسه وحتمًا أنه اكتشف كل شيء .. باللحظة التالية كان آدm يندفع راكضًا تجاه سيارته ليستقل بها ويلحق بأخيه وسط صياح أسمهان وهي تقول :
_ رايح فين يا آدm استني فهمني طيب .. آدm
***
_ إنت متأكد إن عدنان عرف كل حاجة ؟
كان سؤال مرتعد من فريدة وهي تجلس بالسيارة مع نادر وهو يقودها .. فرد عليها بعصبية :
_ايوة يا فريدة بقولك بلغ على منصور وكان عنده قبل ما تاخده الشرطة
فرت الدmاء من وجه فريدة وهي تجيبه وتضع ابعد الاحتمالات :
_ طيب ما يمكن يكون مقالهوش حاجة يا نادر
نادر منفعلًا وبوجه يحمل بعض الزعر :
_ قاله يافريدة أكيد ومنصور يعرف كل حاجة وبالأخص علاقتي أنا وإنتي .. وحتى لو مقالهوش احنا هنفضل قاعدين مستنين الساعة اللي يعرف فيها كل حاجة وياجي يقــ,تــلنا
أخذت فريدة تفرك يديها برعـ.ـب حقيقي ونبضات قلبها تسارعت بقوة ، مجرد التفكير في حالة عدنان كيف هي الآن اذابت أوصالها من فرط الخـ.ـو.ف ، حتمًا لو وجدها سيقــ,تــلها بدm بـ.ـارد دون أن ترف له جفن .. التفتت برأسها تجاه نادر وهتفت بصوت مرعوب :
_ هنعمل إيه دلوقتي .. عدنان لو عرف مكاني هيقــ,تــلني ، غضبه أعمى ومش بيشوف قدامه
تنهد نادر محاولًا تهدئة نفسه وهتف بثبات متصنع :
_ هنروح على بيت قديم ليا محدش يعرفه هنقعد هناك ونشوف هنتصرف ازاي ونعمل إيه مع عدنان .. أنا كنت ناوي اقــ,تــله واخلص منه نهائي بس الظاهر إنه لسا في عمره بقية ولو كنت حاولت اتخلص منه تاني إنتي مكنتيش هتوافقي
انسابت دmـ.ـو.عها على وجنتيها من فرط الخـ.ـو.ف وهتفت تلوم نفسها بعنف :
_ أنا اللي غـ.ـبـ.ـية لو كنت حريصة اكتر في تصرفاتي وافعالي وخروجي مكنش هيشك فيا ومكنش ده كله هيحصل
_ لا عشان مكنتيش هت عـ.ـر.في تخدعيه طول العمر يا فريدة هو أنا أساسًا مصدوم إنتي ازاي قدرتي تخدعيه طول السنين دي
جففت دmـ.ـو.عها وهي ترد عليه بصوت مبحوح :
_ أنت عارف إن علاقتنا مبدأتش بجد غير من سنة وقبل كدا كان مفيش حاجة بينا ، فمكنتش بخليه يحس بحاجة لأننا مكناش بـ.ـنتقابل ولا بـ.ـنتكلم كتير ، لكن طول السنة اللي فاتت وأنا كنت بعاني اني مخلهوش يحس بحاجة بس في الفترة الأخيرة بغبائي كشفت نفسي
ضحك نادر بسخرية ورد عليها بحدة :
_ فريدة أنا وإنتي نعرف بعض من اربع سنين مفرقتش بقى إمتى علاقتنا بدأت بظبط من سنة ولا اتنين ولا غيره .. احنا دلوقتي في ازاي نتصرف مع عدنان بعد ما كشف خيانتك أو خيانتنا بمعنى أصح
لم تجيب عليه استمرت في البكاء بصمت وهي تعلق نظرها على الطريق أمامها في شرود ويدها ترتجف من فرط الخـ.ـو.ف بينما هو فاستمر في القيادة يشق الطرق متجهًا لذلك المنزل الذي أخبرها عنه .
***
توقف بسيارته أمام بناية كبيرة ثم فتح باب مقعده ونزل وسار لداخل البناية مسرعًا .. حاول الحارس أن يوقفه لكنه لم يستطيع ، لحظات قليلة وتوقف آدm بسيارته فنزل منها هو الآخر وهم بأن يركض لداخل البناية حتى يصعد لشقة نادر ويلحق بأخيه لكن حارس البناية أمسك به واوقفه هاتفًا بحدة :
_ استني يا أستاذ رايح فين وفي واحد قبلك دخل برضوا كدا على علطول وفضلت انده عليه مردش عليا
هتف آدm بصوت رجولي خشن :
_ هو نادر المصري موجود في شقته فوق
_ لا طلع من شوية .. هو إنت مين لا مؤاخذة ؟!
تجاهل آدm سؤاله وهتف بترقب :
_ طلع وحده ولا كان معاه حد
رد عليه بنظرات دقيقة :
_ كان معاه الست فريدة مـ.ـر.اته
_ نـــعـــم !!
هم بأن يجيب عليه لكن آدm رمقه بنظرة ممـ.ـيـ.ـتة واندفع للداخل خلف أخيه .. هرول صاعدًا الدرج ركضًا وعنـ.ـد.ما وصل إلى طابق شقة نادر سمع صوت الطرق العنيف على الباب فأسرع تجاه أخيه وهتف :
_ عدنان ، نادر مش موجود
التفت برأسه تجاه أخيه ورد عليه بعينان تعطي انعكاس مريب :
_ راح فين ؟!
آدm بصوت رزين :
_ معرفش البواب قالي طلع .. تعالى نروح مكان وتهدى الأول وبعدين نبقى ندور عليه ونشوفه راح فين
عدنان صائحًا بصوت جهوري وعصبية :
_ اهدى ازاي يعني وأنا عارف أن مراتي معاه
آدm بجدية وهو دmائه تغلي من الغـ.ـيظ على أخيه :
_ هنلاقيهم ياعدنان يعني هيروحوا فين .. تعالى بس مينفعش اللي انت بتعمله في العمارة كدا
أبعد عدنان آدm من طريقه واتجه نحو الدرج ينزل ويمسك بهاتفه ثم يجري اتصال بأحدهم .. تنهد آدm الصعداء بغضب ونزل خلفه .
***
كانت فوزية في طريقها لمنزلها بعد أن قامت بشراء بعض مستلزمـ.ـا.ت المنزل .. وأثناء عبورها من أمام بنايتها الصغيرة أوقفتها السيدة العجوز ( سماح ) الملازمة لنافذتها تجلس أمامها طوال الوقت نظرًا لأنها تسكن بالطابق الأرضي للبناية .
_ ازيك يا فوزية
التفتت لها فوزية برأسها وابتسمت بود هاتفة :
_ بخير الحمدلله ياحجة سماح .. عاملة إيه إنتي ؟
سماح بلهجة ماكرة :
_ أنا كويسة .. هو انتي مسمعتيش اللي حصل لبدرية ولا إيه ؟
عقدت فوزية حاجبيها باستغراب وهدرت :
_ لا مالها بدرية ؟
_ جات الحكومة قبضت عليها وشمعتلها محلها ، طلعت بتبيع بودرة ومـ.ـخـ.ـد.رات
_ ايه إزاي ده .. معقول بدرية تعمل كدا
ضحكت الأخرى ساخرة وقالت :
_ وتعمل اكتر من كدا انتي بس اللي غلبانة ومش دايرة باللي بيحصل حواليكي .. عارفة مين بلغ عنها كمان ؟!
قرأت علامـ.ـا.ت الاستفهام على محياها والفضول فكانت على وشك أن تخبرها لولا أن مهرة صاحت على جدتها وهي تهرول نحوها بعد أن رأتها من منتصف الطريق .. التفتت فوزية تجاه مهرة تتابعها بعيناها حتى وصلت أمامها وهدرت بصوت لاهث :
_ إيه ده .. إيه اللي نزلك بس يازوزا ؟
فوزية بابتسامة عـ.ـذ.بة :
_ نزلت اشتري شوية طلبات للبيت .. إنتي رجعتي بدري من الشغل كدا ليه ؟
القت مهرة نظرة جانبية مشتعلة على سماح لكنها تصرفت بطبيعية أمام جدتها وهي تهتف :
_ لا مش بدري ولا حاجة .. تعالى يلا نطلع البيت بس عشان متتعبيش
تطلعت فوزية إلى سماح ورسمت ابتسامة صافية على شفتيها ثم استدارت وسارت مع مهرة التي كانت تلتفت للخلف برأسها وتنظر لسماح بغـ.ـيظ ، فبالتأكيد كانت تسرد لجدتها كل الأحداث الأخيرة التي حدثت لها ولحسن الحظ أنها أنقذت الموقف بالوقت المناسب .
هتفت فوزية وهم يصعدون الدرج :
_ صحيح بدرية اتقبض عليها ؟!
مهرة بنبرة عادية حتى لا تظهر شيء لجدتها :
_ أيوة اخدت جزائها والبوليس أخدها
استكملت فوزية اسألتها بفضول أشـ.ـد :
_ وهو مين اللي بلغ عنها وعرف إزاي ؟
_ معرفش يازوزا اهو اللي بلغ بلغ بقى احنا مالنا .. خلينا في الأكياس دي جبتي إيه ؟!
ضحكت بعذوبة وردت على حفيدتها بحنو :
_ جبت لحمة وقولت نعمل كفتة النهارده بما إنك بتحبيها
انحنت عليها مهرة وطبعت قبلة قوية على وجنتيها هاتفة بضحكة وبمرح :
_ أصيلة يا حجة فوزية والله ربنا يجبر بخاطرك زي ما جابرة بخاطر بطني كدا دايمًا
انطلقت من فوزية ضحكة عالية على مزاح حفيدتها المعتاد ، ثم وقفوا أمام الباب وأخرجت المفتاح لتفتح ويدخلوا .
***
كانت تجلس زينة بالمقهى المفضل لها كالعادة .. وبينما هي تمسك بفنجان القهوة ترتشف منه بتريث وتتابع حركة الناس والسيارات في الشارع من خلال زجاج المقهى بشرود .. استمعت إلى صوت أنوثي بجانبها يهتف :
_زينة ؟!
التفتت برأسها تجاهها وتطلعت إليها بابتسامة باهتة هادرة بتعجب :
_ إنتي ت عـ.ـر.فيني ؟!!
كانت فتاة متحررة بشكل زائد عن الطبيعي من خلال ملابسها وطريقة وقفتها وكلامها .. حيث ردت عليها بخبث دفين :
_ مش إنتي برضوا خطيبة رائد .. أو خلينا نقول خطوبتكم بعد يومين
تلاشت ابتسامة زينة واعتدلت في جلستها لتجيبها بلهجة جادة :
_ أيوة أنا .. إنتي مين ؟
رأت ابتسامة لعوب تظهر على ثغرها وتردف بثقة :
_ معقول رائد مقالكيش عني !!
احتدmت نظرات زينة وطالعتها بقرف هاتفة في شيء من الاستهزاء :
_ لا مقاليش والله .. بس أنا حابة يحصلي الشرف واعرف مين سيادتك !
قهقهت بأسلوب مستفز وردت عليها في برود :
_ لا الأفضل تسأليه وهو يقولك بقى .. وعلى العموم مبروك .. معلش ازعجتك
تابعتها زينة بنظراتها النارية وهي تراها تستدير وتسير مبتعدة عنها وبداخلها تشتعل غـ.ـيظًا .. كيف له أن يتعامل مع فتيات بهذا الشكل أساسًا ، أي كانت علاقتها به فمظهرها وأسلوبها مثير للأعصاب ولن تدع ما حدث يمر مرار الكرام .
***
مع تمام الساعة العاشرة مساءًا ......
خرجت من الحمام بعد أن أخذت حمامها المسائي وعقلها شارد بأكثر من شيء مختلف .. تحركت باتجاه المرآة ووقفت أمامها تجفف شعرها وتقوم بتسريحه ، وبلحظة شرودها قذفت في ذهنها جملة والدها لها ( مطلقتكيش منه عشان بيحبك وهو قالي وطلب مني اديله فرصة يصلح علاقته بيكي ) .. توقفت يداها عن تسريح شعرها و.جـ.ـعلت تنظر لانعكاس وجهها في المرآة بتفكير فاسترجع عقلها بعض مشاهدهم معًا ، تبحث بأي منهم عن حب خفي يضمره لها في أعماقه لكنه لم يشعرها بأي من شيء بل حتى أنه أخبرها بوضوح أنه لا يحبها ولا تزال حتى الآن تتذكر تلك اللحظة بالتفصيل
صرخة عنيفة خرجت منها وهي تصيح به :
_ أنا زهقت من تهميشك ليا وكأني مش موجودة ياعدنان
رد عليها بتعجب :
_ تهميش !!
جلنار بصياح وانفعال هادر :
_ أيوة مبقتش قادرة استحمل اكون على الرف تاني .. وأنا عارفة كويس أوي إنك مش بتحبني ومتنكرش وتقول إني بحبك
مرت لحظة وهو يمعن النظر فيها بسكون حتى هتف بقسوة دون أن يشعر :
_ لا مش هنكر يا جلنار وإنتي كمان متنسيش سبب جوازنا
توقفت عاصفتها فجأة وهدأت معالم وجهها الثائرة ، وظهر شبح ابتسامتها المنكـ.ـسرة على ثغرها تهتف بعينان متلألأة بالعبـ.ـارات :
_ يعني معترف إنك مش بتحبني
صاح بها بعصبية وصوت رجولي غليظ :
_ عايزاني اقولك إيه يعني وإنتي كل ما تشوفيني تقوليلي الكلام ده .. تهميش ومعتبرني مش موجودة ومش مهتم بيا ومعرفش إيه .. أنا مبقتش فاهم إنتي عايزة إيه بظبط
غامت عيناها بالدmـ.ـو.ع من جفائه لكنها استعادت رباطة جأشها وردت عليه بثبات وقوة :
_ عايزة اتطلق وده قرار نهائي ومفيش رجعة منه .. عشان كل حاجة انتهت وأنا وإنت مينفعش نكمل اكتر من كدا مع بعض
عادت لواقعها ووجهها ممتليء بالدmـ.ـو.ع .. أخذت تنظر لنفسها في المرآة وبالأخير هزمت أمام آلامها فانفجرت باكية بحرقة وأسى يمزق قلبها إلى أربًا ، هي فقط أرادت حياة هادئة وسعيدة تنعم بها مع رجل يعشقها ولكنها لم تحصل على أي منهم .. أعطت دون مقابل وهي الآن التي تعاني فقدان جزء من قلبها .
سمعت صوت طرق الباب وابـ.ـنتها تهتف من خلف الباب :
_ مامي افتحي الباب
اعتدلت فورًا في جلستها وجففت دmـ.ـو.عها جيدًا ، وعادت لطبيعتها الشامخة المعتادة ، ثم اتجهت نحو الباب وفتحت لصغيرتها التي دخلت وتطلعت لها بعينان يائسة وهي تسأل :
_ هو ليه بابي مجاش امبـ.ـارح والنهارده تمان ( كمان ) ؟!
جلنار بنبرة عادية وهي تهز كتفيها بجهل :
_ معرفش ياحبيبتي يمكن معاه شغل ولما يخلصه هيجي
_ طيب أنا عايزة اكلمه !
تنهدت جلنار بقوة واصدرت زفيرًا حارًا ثم انحنت لمستوى ابـ.ـنتها وحملتها على ذراعيها هاتفة بنعومة محاولة تغير الموضوع :
_ أنا كلمته ومكنش بيرد عليا هو لما يفضى هيكلمنا .. المهم إيه رأيك نروح نتفرج كرتون حلو على TV
اماءت لأمها بالموافقة في وجه عابس وسارت بها جلنار للخارج نحو التلفاز وجلسا على الأريكة ثم بدأو بمشاهدة أحدى قنوات الأطفال .
***
خرجت نادين من باب المنزل ثم تلفتت حولها في الحديقة تبحث عنه لكن لا أثر له .. تحركت وهي تجوب الحديقة بنظرات دقيقة على أمل أن تعثر عليه يجلس في أحد الأركان بمفرده .. وإذا بها تلمح ضوء خافت منبعث من غرفة خلفية في الحديقة لديها باب خشبي ضخم ! .. تقدmت نحوها بخطوات بطيئة ثم وقفت أمام الباب وحاولت النظر من فتحات الباب الخشبية علها ترى شيء ولكنها لم تتمكن من رؤية شيء .. مدت يدها وفتحت الباب بهدوء شـ.ـديد وهي تدخل جزء من رأسها تلقي نظرة متفحصة أولًا في المكان حتى ترى إذا كان هو من يجلس هنا أم لا .. وبالفعل وجدته يجلس على أريكة عريضة وكلاسيكية جميلة وأمامه شاشة تلفاز ضخمة أشبه بشاشة السينما ، غضنت حاجبيها بحيرة ثم دخلت بخطوات هادئة تمامًا كصوتها :
_ حاتم !!
التفت لها برأسه فور سماعه لصوتها وابتسم لها بدفء يهتف وهو يشير لها بأن تقترب وتنضم له :
_ تعالي يا نادين
بادلته الابتسامة لكن بأخرى كلها ريبة وسارت إليه ثم جلست بجواره فوق الأريكة وهدرت بتعجب :
_ شو اللي مقعدك وحدك هيك ؟!
لاحظت العبوس على ملامحه وهو يبتسم لها بمرارة ثم يعود بنظره للشاشة ويتمتم بصوت خافت وحزين :
_ من وقت وفاة بابا وماما اللي يرحمهم وأنا مدخلتش الأوضة دي .. كل ما آجي البيت مش بقدر ادخلها ، وبعد تفكير طويل دخلتها النهارده أخيرًا بعد خمس سنين متخيلة
_ لشو كانت هاي الأوضة ؟!
سألته بفضول واهتمام بعد أن رأت العبوس والحزم على محياه ، بينما هو فأخذ نفسًا عميقًا ورد عليها بألم :
_ بابا كان أغلب الوقت مشغول ومش بيعرف يقعد معانا فماما اقترحت إننا نعمل الأوضة دي وكنا كل خميس بليل بنقعد كلنا هنا كعائلة نتفرج ونلعب ونهزر .. وكان في قوانين إن بابا بيقفل تلفونه تمامًا في الوقت ده عشان محدش يزعج جلستنا .. في الوقت ده كنت أنا لسا في الابتدائي ولغاية ما وصلت للثانوي واحنا كنا مواظبين على العادة دي .. وحتى لما بقينا مش بنعلمها كل اسبوع زي الأول كنا كل فترة والتانية بنيجي نقعد هنا كلنا مع بعض .. بس بعد الحادث وبعد وفاتهم أنا سافرت تاني لأمريكا ومبقتش بنزل مصر إلا زيارات قليلة وكأني بهرب من ذكرياتهم في البيت والأوضة دي بذات
تلألأت عيناها بالعبـ.ـارات في تأثر .. تأثرت ربما ليس بسبب ما سرده لها من ذكريات جميلة كانت بينه وبين والديه ولم تعد موجودة بعد رحليهم .. بل لحـ.ـز.نه هو وعيناه التي لأول مرة تراها تلمع بالدmـ.ـو.ع ، ضعفت والمها قلبها لألمه .. فوجدت نفسها دون أن تشعر تمد يدها وتضعها فوق كفه تحتضنه بقوة وتثبت نظراتها عليه بثقة تخبره من خلالهم أنها ستظل دومًا معه ولن تتركه .
أخفض نظره إلى كفها الناعم الذي يحتضن كفه ولاحت ابتسامة محبة على شفتيه وبكفه الآخر أمسك بكفها الذي فوق يده وحتضنه بين كفيه بقوة متطلعًا في عيناها كأنه يجيب عليها بنظراته أيضًا .. وباللحظة التالية رأته يقترب منها ويلف ذراعيه حول خصرها ويضمها إليها معانقًا إياها في رقة هامسًا بالقرب من أذنها في نبرة تنسدل كالحرير ناعمًا :
_ شكرًا إنك موجودة يا نادين
بقدر ما صدmها بضمه لها بقدر ما أسعدها وكان شعور رائع وهي تعانقه .. فلفت ذراعيها حول رقبته وهمست فى صوت رقيق ساحر :
_ أنا دايمًا هكون موجودة معك وما راح اتركك أبدًا
رد عليها بخفوت جميل :
_ ربنا يخليكي ليا
لوهلة أحست بنفسها تحلق في السماء من فرط سعادتها وهي تسمع منه هذه الكلمـ.ـا.ت لأول مرة ، اتسعت ابتسامتها فوق ثغرها واغمضت عيناها بفرحة تستمتع بأول لحظة لطيفة بينهم .
***
بعد مرور ساعات قليلة .....
أجاب على الهاتف بهدوء وهو يقود سيارته :
_ الو
_ أيوة يا عدنان بيه أنا قلبت الدنيا على نادر ملوش أثر بس عرفت إنه ليه بيت قديم هعرفلك عنوانه فيه وهقولك فورًا
عدنان بصوت رجولي خشن ومريب :
_ عايز عنوان البيت ده قبل طلوع الشمس مفهووم
_ حاضر باشا متقلقش كمان كام ساعة بالظبط ويكون العنوان بين ايديك
انهى الاتصال وألقى الهاتف بجانبه على المقعد المجاور وعاد يثبت نظره على الطريق وهو يقود بهدوء .. توقف الطوفان وهدأت العاصفة لكن الخراب الذي خلفته لن يُمحي ، سكونه غريب وكأنه تحول مائة وثمانون درجة عن الصباح .. الوحش المخيف الذي كان منذ ساعات أصبح هادئًا بشكل ربما يخيف أكثر .
توقف بسيارته أمام منزله ونزل منها ثم قاد خطواته في الحديقة متجهًا نحو الباب الرئيسي للمنزل ، أخرج المفتاح من جيبه ووضعه في القفل ثم فتح الباب ودخل .. وكالعادة كان المنزل يعمه السكون والهدوء الشـ.ـديد ، فتحرك أولًا تجاه غرفة ابـ.ـنته ليطمئن عليها في فراشها ثم اتجه إلى غرفته .. فتح الباب ببطء ودخل فوجدها نائمة في الفراش والغطاء بعيدًا عن جسدها ، تنهد الصعداء بعد أن تأملها لدقيقتين واقترب منها ثم انحنى عليها ومد يده يمسك بالغطاء ويسحبه على جسدها ، لمست يده جسدها بعفوية وهو يدثرها فانتفضت هي وفتحت عيناها مفزوعة هادرة :
_ بتعمل إيه ؟!
عدنان في صوت رخيم :
_ ولا حاجة كنت بغطيكي
دققت النظر في وجهه ولا تعلم لما حدثها قلبها بأن هناك شيء حدث خصوصًا بعدmا سمعت نبرته الرخيمة التي نادرًا ما يتحدث بها .. سحبت الغطاء على جسدها جيدًا وهي تعتدل في نومتها وتهمس باقتضاب :
_ شكرًا
تحدث للمرة الثانية يسأل بنفس نبرته السابقة :
_ اكلتي ؟
تعجبت سؤاله وطريقته لكنها اماءت بإيجاب في نظرات تطلق علامـ.ـا.ت استفهام ، انتصب في وقفته أخيرًا وتمتم بإيجاز وخفوت :
_ كملي نوم .. تصبحي على خير
تابعته بعيناها في تدقيق وهو يستدير ويغادر الغرفة ، كانت شبه مدوهشة من هدوئه وأسلوبه المختلف في الحديث .. بعد ثواني معدودة سمعت صوت باب المنزل ينغلق فضيقت عيناها بذهول ( هل رحل مجددًا بهذه السرعة !! ) وثبت من الفراش واقفة واسرعت نحو الشرفة تنظر منها فوجدته جلس على الأريكة المتوسطة في نصف الحديقة واطفأ جميع الأضواء ليبقى في الظلام الدامس لا ينير الحديقة سوى ضوء القمر الخافت .. سؤال وحيد طرحته على نفسها في هذه اللحظة وهي تهتف بحيرة :
_ واضح إن في حاجة حصلت !!
بينما في الأسفل فكان هو هادئًا بشكل يخـ.ـنـ.ـقه هو ذات نفسه ، يمكن القول أنه احتفظ بالموجة الثانية من الطوفان حين يعثر عليهم .. فنيران الخذي والألم المندلعة في صدره أوشكت أنه تجعله رمادًا ، كان يتساءل عن هوية ذلك الوغد الذي تقوم بخيانته معه واتضح أنه مع اقرب صديق له تمامًا كما كان يشك ، كلاهما تآمرا عليه وكان هو الأغـ.ـبـ.ـي في المؤامرة لكنه لن يخرج خاسرًا .. سيذيقهم العـ.ـذ.اب الوانًا وأشكال .. وبالأخص هي ! ، لم تستحق ذرة واحدة من الحب الذي منحه لها .. ثقته العمياء وتعلقه بها جميعهم كانوا لسذاجته فقط .. منذ الصباح وهو يطرح سؤال واحد ( لماذا وكيف ؟! ) .. ربما لم يكن عليه أن يكون وفيًا إلى هذا الحد .. فهذا هو جزاء الإحسان .. الطعن في الظهر والشرف ، يقسم لها أنه كما أشبعها بحبه وأظهر لها كيف يكون الحب سيريها أيضًا كيف يكون العـ.ـذ.اب والكره الحقيقي .
رفع يديها ومسح على شعره نزولًا إلى وجهه وهو يزأر من بين شفتيه كالأسد المجروح ويرغب في الانتقام والثأئر لجـ.ـر.حه .
***
في صباح اليوم التالي .......
ارتفع صوت رنين الباب فنهضت هي من مقعدها وسارت باتجاه الباب لتفتحه ، وهي تهتف بتلقائية بعد أن ظنت أنه هو وقد نسى شيء وعاد ليأخذه :
_ إنت مخدتش المفتاح ولا إااا......
ابتلعت بقية الكلمة في جوفها فور رؤيتها لعدنان يقف أمامها بهيئته المخيفة ويتطلع لها بنظرات لا يمكن وصفها إلا أنها أشبه بجحيم سيبتلعها الآن
↚كان تمامًا كبركان وحممه البركانية تفوح على سطحه ولا يتبقى سوى لحظات على الانفجار ليقضي على الأخضر واليابس ، وجهه يعطي لون الأحمر الداكن من فرط احتقان الدmاء والغضب وهو يتطلع لها كأسد وجد فريسته التي يبحث عنها وسيتفنن في طريقة تعـ.ـذ.بيها قبل أن يقــ,تــلها .
ازدردت ريقها برعـ.ـب اعتلى كل معالمها وتراجعت للخلف في تلقائية ، بينما هو فتقدm نحوها ورفع يده ثم هوى به على وجنته في صفعة قوية اسقطتها أرضًا وهي تصرخ من الخـ.ـو.ف والدهشة .. اندفع إليها كالثور الهائج وقبض على شعرها يجذبها من خصلاتها بدون رحمة صارخًا :
_ بتخونيني أنا يافريدة !!
ارتفع صوت نحيبها وبدأت ترتجف من الرعـ.ـب وهي تهتف متوسلة :
_ سامحني يا عدنان ابوس ايدك
وجدت صفعة أخرى تنزل على وجنتها من كفه الكبير وكانت أشـ.ـد وأقسى من السابقة جعلتها تصرخ من الألم وهي تبكي ، خرجت صيحة منه نفضتها في أرضها نفضًا :
_ هو فين ال******
استمرت في البكاء القوى دون أن تجيب عليه فعاد يصـ.ـر.خ بصوته الجهوري :
_ انطقي فينه ؟
ردت عليه بصوت مرتجف وجسدها يرتجف معه :
_ خــ ... خر .. ج
_ اممم فاكر نفسه هيعرف يهرب مني
تقهقرت في الأرض للخلف وهي تهتف بتوسل وسط بكائها :
_ خليني اشرحلك كل حاجة عشان خاطري ياعدنان
ضحك بشكل مرعـ.ـب تمامًا كشبح وتقدm إليها هادرًا بسخرية :
_ هتشرحيلي متقلقيش وبالتفصيل كمان .. بس الأول اشرحلك أنا هعمل فيكي إيه
قبض على ذراعها في عنف وبحركة مفاجأة يرغمها على الوقوف وهي تأبي فصرخ بها في صوت نفضها :
_قــــومـــي
وقفت بقدm مرتعشة وهي تبكي بصوت مرتفع فجرها هو خلفه كالحـ.ـيو.ان وسط توسلاتها ونحيبها الشـ.ـديد الغير مبالي لها .. اوصلها إلى سيارته وفتح المقعد المجاور له ثم ألقي بها في قسوة للداخل وهو يصيح بها :
_ ادخلي يلا
جلست في المقعد وهي ترتجف وتتابعه بعيناها الباكية وهي تراه يستدير حول السيارة ويستقل بالمقعد المخصص للقيادة المجاور لها وينطلق بالسيارة كالسهم .. خرج منها سؤالًا مرتجف وصوت مبحوح :
_ إنـ .. إنــ .. ـت ماخدني فين ؟
التفت لها برأسه وهتف بابتسامة ارعـ.ـبتها أكثر من الجملة التي تفوه بها :
_ على قبرك
همت بالتحدث مرة أخرى فصرخ بها في غضب هادر :
_ مش عايز اسمع صوتك .. بتخونيني أنا بعد كل اللي عملته عشانك وحبي ليكي .. تستغفليني أنا وتخونيني لا وكمان مع مين .. مع نادر !! .. بس أنا هخليكي تشوفي عدنان الشافعي على حقيقته بجد
ارتفع صوت بكائها وهي تنكمش على نفسها في المقعد بـ.ـارتيعاد ، بينما هو فاستمر في القيادة وهو مشتعل من فرط الغضب ، وبعد دقائق طويلة توقفت السيارة أمام منزل كبير نسبيًا في أحد المناطق الراقية والقليلة السكان .. نزل من السيارة والتفت من الجهة الأخرى وفتح الباب ثم أمسك بها من ذراعها وجذبها للخارج وهو يجرها خلفه لداخل المنزل .. تطلعت حولها بدهشة فلا تفهم سبب جلبه لها هنا وبذلك المنزل بالأخص .
فتح الباب ودخل هو أولًا ثم جذبها والقاها للداخل فكادت أن تسقط لولا أنها توازنت بقدmها قبل أن تقع ، اغلق هو الباب واقترب منها هامسًا بابتسامة مريبة وعينان تنبع بالغل :
_ متخافيش مش هقــ,تــلك .. بس قصاد كدا هخليكي تتمنى المـ.ـو.ت يافريدة
تراجعت للخلف في رعـ.ـب وهتفت بدmـ.ـو.ع تنهمر على وجنتيها في صمت :
_ جبتني هنا ليه ؟!
_ عشان كل حاجة تنتهي في المكان اللي بدأت فيه
اندفعت نحوه واستندت بيدها على صدره تهتف في توسل باكية بقوة :
_ متطلقنيش يا عدنان ابوس إيدك .. اعمل فيا اللي إنت عايزه .. بس أنا مليش حد
دفعها بجفاء واشمئزاز فسقطت فوق الأريكة .. اقترب هو وانحنى عليها يقبض على فكها بقسوة ويهدر أمام وجهها يتقن وقرف ممتزج بالوعيد :
_ ت عـ.ـر.في نفسي اقــ,تــلك واخد روحك بإيدي عشان أطفي ناري .. بس متستاهليش ادخل السـ.ـجـ.ـن فيكي وأنا معايا بـ.ـنت محتاجاني .. إنتي متستالهيش أي حاجة .. استغليتي حبي وثقتي فيكي وطعنتيني في ضهري .. بس العيب مش عليكي .. العيب عليا أنا عشان انتي اثبتيلي قد إيه أنا كنت غـ.ـبـ.ـي ومغفل
لحظة مرت سكت فيها ثم لمعت عيناه بنار الغضب والخزي وهتف بوعيد حقيقي :
_ إنتي مخدتيش مني غير الحب والاحترام بس دلوقتي جه الوقت اللي تشوفي فيه عدنان في وجهه الآخر ، دوقتي طعم الجنة وجه دور الجحيم .. جحيمي !
ثم تركها وانتصب في وقفته ليقبض على ذراعها ويجذبها خلفه باتجاه إحدى الغرف الصغيرة ويلقى بها في الداخل واقفًا عند الباب وهو يبتسم بعدm رحمة .. أدركت هي فورًا ما ينوى فعله ولما القى بها في تلك الغرفة الضيقة والصغيرة .. يعرف جيدًا أنها تخشي الأماكن المغلقة والضيقة .
وثبت واقفًا وهرولت إليه راكضة لكنه كان اسرع منها حيث أغلق الباب ووضع المفتاح في القفل واغلقه ، غير مكترثًا لصياحها وهي تضـ.ـر.ب على الباب من الداخل وتهتف باكية :
_ افتح الباب ياعدنان ابوس ايدك متعملش فيا كدا إنت عارف إني بخاف من الأماكن المغلقة
وكأنه اخرج قلبه ووضع مكا