رواية سجينة جبل العامري هي رواية رومانسية والرواية من تأليف ندا حسن في عالم مليء بالتناقضات والأسرار تتشابك مصائر شخصيات رواية سجينة جبل العامري لتجد نفسها في مواجهة قرارات صعبة تُغير مجرى حياتهم إلى الأبد ان رواية سجينة جبل العامري هي قصة عن الحب الذي يتحدى الزمن والمصير الذي يفرض نفسه والأرواح التي تسعى خلف الحرية والسعادة بين الأمل واليأس وبين القوة والضعف ينسج رواية سجينة جبل العامري تفاصيل حياتهم في معركة غير متكافئة مع القدر لتكشف كل صفحة عن لغز جديد يقود القارئ نحو نهاية غير متوقعة
رواية سجينة جبل العامري من الفصل الاول للاخير بقلم ندا حسن
"لم تكن تعلم أن لحظة ولوجها إلى جزيرة العامري ستكون نفس اللحظة الذي سجل بها التاريخ أنها سجينة جبل العامري"
تطاولت الأيام عليها، قللت منها ونالت من طموحها، رحل من كان لها الأمن والأمان، السكن والسكـ.ـينة، حاولت الصمود فوجدت الهزيمة عنوانها، لا مفر من الوحدة والاحتياج، في بلد غريب عنها وعن أهلها..
وجدت العودة هي الحل الأنسب لأخذ ما بقيٰ لها منه، لتستطيع الصمود أمام كل محاولة اغتيال، لتقف في مواجهة كل عاصفة تنحدر نحوها ونحو ابـ.ـنتها وشقيقتها فليس هناك حل آخر سوى العودة إلى المجهول، والإقتراب من وحش حذرها كثيرًا ألا تقترب منه.. ولكن لا مفر.
يا الله، لقت عانت كثيرًا كي تصل إلى هنا، أتت إلى هذا المكان مرة واحدة سابقًا مع زوجها "يونس" رحمة الله عليه، مرة واحدة فقط مُنذ الكثير ربما منذ سبعة أو ثمانية سنوات، هبطت من الطائرة القادmة بهم من مطار دبي في الإمارات العربية المتحدة إلى مطار القاهرة في جمهورية مصر العربية، وفي نفس المكان أخذتهم طائرة خاصة بشقيقه لتقوم بتوصيلهم إلى مكان معيشتهم تلك الجزيرة الغريبة كليًا عليها.. ولكن الآن هي لا تملك أي وسيلة إتصال به ليفعل ذلك ولا تستطيع الوصول إلى الجزيرة بتلك السهولة، ليس هناك أي وسيلة مواصلات أو طريق للوصول إليها إلا الطريق البحري.. "جزيرة العامري" أهناك أحد يعرفها من الأساس أو توجد على خريطة الجمهورية!..
الكثير والكثير من الوقت والمجهود المُفرط في محاولة للوصول إلى هناك..
قد أتت من دبي منذ يومان بالضبط في محاولة منها للوصول إلى أهل زوجها "يونس"، ولكن بائت كل محاولتها بالفشل لأنها في تلك المرة الوحيدة التي ذهبت فيها إلى هناك لم تهبط في أي محافظة سوى القاهرة كالآن ولم تجهد في محاولة الوصول مع زوجها بل كان الطريق أسهل مما يكون عليها من طائرة إلى أخرى خاصة والأولى كانت في الدرجة الأولى على متن الطائرة كأكبر رجـ.ـال الأعمال والأغنياء بينما الآن الفارق كبير للغاية..
لا يوجد مال تمتلكه لتكون في الدرجة الأولى بل هي حصلت على مال السفر بالدين، واعدة مالكه بأنها سترده إليه في أقرب فرصة..
بقيت اليومان في فندق هي وشقيقتها الصغيرة وابـ.ـنتها، بينما تحاول وتحاول الوصول إلى أن تذكرت صديق قديم لزوجها يعرف الطريق جيدًا، فعبثت كثيرًا إلى أن وصلت لهاتفه، وقد دلها على الطريق الذي اكتشفت أنه مُرهق للغاية ومُتعب ويستغرق الكثير من الوقت والمال.. ولكن على أي حال عليها التكملة..
الآن تقف على أول الخيط.. وصلت إلى الجزيرة بعد معاناة لا مثيل لها، رحلة بالقارب لم تقل عن ثلاث ساعات! كل هذا لتكون هنا؟ في هذا المكان النائي، الذي لا يعلم أحد بوجودة من الأساس! كل هذا لتكون هنا على هذه الأرض الرملية الغريبة عليها كليًا..
تقدmت للأمام بخطوات بطيئة وبيدها ابـ.ـنتها الصغيرة واليد الأخرى بها حقيبة سفر كبيرة وشقيقتها جوارها هي الأخرى كالمثل معها حقيبة سفر مثلها، بينما الطفلة تحمل حقيبة فوق ظهرها..
تقدmت خطوة والأخرى وعينيها تجوب المكان من كل إتجاه، ليس هناك اتجاهات من الأساس سوى النيل! أيعقل أن يكون هناك بلدة يعيش على أرضها كثير من البشر وليس هناك طريقة للوصول إليها سوى النيل! أيعقل ذلك؟
أبتعدت بعينيها إلى مجموعة من الرجـ.ـال تتهاتف أصواتهم العالية ويبدو أن هناك شجار بينهم، يقف جوارهم اثنين من الرجـ.ـال كل منهما يحمل سلاح على كتفه..
سارت بمساعدة أحد الأشخاص ليصل بها إلى قصر العامري الكبير، في جزيرة العامري، لقد كان الجو حار للغاية والشمس ساطعة خصوصًا هنا في هذه المنطقة أكثر من البلدة بأكملها، وكانت غـ.ـبـ.ـية في اختيار ملابسها ترتدي بنطال أسود فضفاض وقميص أسود مثله يجعلها تشعر بالحرارة أكثر وأكثر.. الجميع من نساء ورجـ.ـال ينظرون إليها بغرابة، تطلق العنان لخصلاتها السوداء الطويلة تنطلق على ظهرها كشقيقتها.. وكل النساء هنا يضعن على رؤوسهن وشاح منهن من تغطي رأسها بالكامل ومنهن من تغطي نصفه..
يرتدين عباءة فضفاضة سوداء، من في طريقها ومن في الشرف داخل البيوت الصغيرة يرتدين عباءة بيتية بألوان زاهية غريبة، والرجـ.ـال جلباب بألوان مختلفة باهتة كالأسود والرصاصي..
أخرجت زفير حاد من فمها دليل على ذلك الشعور السيء الذي لازمها هذه الفترة، نظرت إلى السماء ذو الشمس الساطعة.. يا الله
بعد سير يقارب العشرون دقيقة وأكثر، وقفت أمام قصر العامري، أمام سور العامري الضخم، الأرض الخضراء، وقفت أمام بوابة المرور إلى عائلة العامري، المالكة الأكبر والأعظم لهذه الجزيرة..
تنفست الصعداء وارتسمت الابتسامة على شفتيها بعد أن مرت بإحباط دام كثيرًا، تركت الحقيبة على الأرضية وافلتت يد ابـ.ـنتها الصغيرة واستدارت تنظر إلى الخلف، تتذكر ذلك المكان جيدًا..
نظرت بعينيها السوداء لترى كل شيء كما هو، مساحة كبيرة أمام قصر العامري في الخارج ومن بعدها هناك ترعة كبيرة للغاية في الطول والعرض لقد سارت على خطها إلى أن وصلت إلى هنا.. وعلى الضفة الأخرى يوجد ذلك الجبل المسمى بـ جبل العامري ككل شيء في الجزيرة..
ذلك الجبل الذي حذرها زوجها "يونس" في السابق الإقتراب منه، حاولت مرارًا أن تذهب إلى هناك وتستكشف المنطقة ولكنه رفض رفضًا قاطعًا وأبعدها عنه تمامًا وإلى اليوم بقي فضولها داخلها للتعرف على المنطقة وذلك الجبل الغامض بالنسبة إليها..
تركها من أوصلها إلى هنا ورحل فوقفت أمام هذه البوابة الضخمة المغلقة، خرج من الداخل أحد الحراس الذي شعر بأن هناك أحد في الخارج بسبب رؤيته لهم من تلك الفتحات الموجودة في البوابة بشكل مزخرف..
فتح البوابة ونظر إليهم فرفعت عينيها السوداء عليه وهتفت بصوتٍ مُر'هق للغاية ومتعب إلى أقصى درجة:
-قصر العامري! أنا مرات يونس العامري الله يرحمه
فتح لها الطريق ومن معها وأشار لغيره من الحرس أن يأخذوا الحقائب منهم ففعلوا، تقدmت للداخل ومعها ابـ.ـنتها وشقيقتها، نظرت في الأنحاء وكم بدى التغير واضح.. لم تكن أيام بل هي سنوات مرت على رحيلها من هنا.. مؤكد سيكون هناك تغير وبالأخص في الحرس الكثير والمبالغ بهم..
القصر حوله زراعة خضراء أشجار فاكهه وغيرها ومساحة شاسعة للحديقة في الخارج تليق بهم على عكس الأرض الرملية في الخارج على عامه الشعب في هذه الجزيرة.. تهكمت وهي تلوي شفتيها وتحدث ذاتها فأنهم هنا في دولة منفصلة عن الدولة الأصلية هنا عامة الشعب على الجزيرة والحكام داخل هذا القصر الضخم.. الذي مؤكد سيكون داخله تكييف على عكسهم وعلى عكس ما رأته سابقًا..
لما كل هذا الحرس؟ أليس مُبالغة! أنهم هنا بعيدون تمامًا عن البشر الحقيقيون من سيكون عدو لهم ليتواجد كل هذا الكم من الحرس.. أنها ترى نفسها تدلف إلى فيلا زعيم عصابات وليس قصر عائلة زوجها..
وقفت أمام البوابة الداخلية الضخمة للغاية ولا تقل عن الأولى في الخارج وقام أحد الحرس الذين يحملون حقائهم بدفع الباب بعد أن فتحت الخادmة لهم..
تقدmت للداخل ووقفت تنظر إلى الخادmة التي تتذكرها جيدًا ولكن اسمها قد رحل تمامًا عن ذاكرتها، حاولت جمع شتات تفكيرها ثم هتفت بعد عـ.ـذ.اب:
-ذكية! ذكية مش كده
نظرت إليها الخـ.ـادmة وتقدmت منها بلهفة مُبتسمة تردد اسمها بتحيُر غير مُصدقة أنها هنا:
-ست زينة.. زينة هانم
قدmت الأخرى يدها إليها وابتسمت شاعرة أن الحياة ستبدأ معها من جديد بالسعادة التي افتقدتها:
-ازيك عامله ايه
سلمت الأخرى عليها بحفاوة وسعادة وأجابتها:
-الحمدلله يا ست زينة.. الحمدلله يا هانم
أشارت "زينة" إلى ابـ.ـنتها الصغيرة ومن بعدها شقيقتها:
-دي وعد بـ.ـنتي.. بـ.ـنت يونس الله يرحمه ودي إسراء أختي
اقتربت من الفتاة الصغيرة، صاحبة العيون العسلية والوجه الملائكي البريء، ذات الخصلات السوداء الطويلة كوالدتها بالضبط وأردفت بحب وحنان:
-بسم الله الله أكبر قمر.. ازيك يا وعد هانم
اردفت الطفلة بهدوء ورقة لا يخلو منها الإرهاق:
-الحمدلله
اتسعت ابتسامتها بعد سماع صوت تلك الرقيقة وأشارت لهم بالدخول إلى القصر:
-اتفضلوا.. معلش يا ست هانم فرحتي بيكم نستني ادخلكم
تساءلت "إسراء" عن الحقائب:
-هما الشنط ودوها فين
أجابتها "ذكية" وهي تُسير بهم إلى الداخل:
-الحرس دخلوهم اوضة الضيوف يا هانم
مرة أخرى تساءلت "إسراء":
-هو ليه كل الحرس دول
حمحمت الأخرى بحدة وسارت بهم وهتفت مُبتعدة عن هذا السؤال:
-اتفضلوا من هنا.. الست الكبيرة هتتبسط أوي يا هانم
استغربت كل منهن أنها تغاضت عن السؤال وكأنها لم تستمع إليه من الأساس ولكن فعلوا مثلها وساروا معها للولوج إلى السيدة "وجيدة عمران" والدة "يونس" زوجها وجدة ابـ.ـنتها..
وقفت على أعتاب الغرفة بعد أن استأذنت "ذكية" منها لتقوم بالدخول نظرت إلى الداخل بعينين تتفقد المكان ومن به، وجدت والدته، شقيقه الأكبر وشقيقته الصغيرة.. عائلة العامري
دق قلبها بسبب هذا اللقاء الغير مرتب له، الذي تواجهه وحدها، وتنتظر الرد منهم عليه بكل قلق وخو.ف، لم تكن يومًا قريبه منهم.. بل كانت بعيدة كل البعد عن الجميع هنا..
قلق وخو.ف البداية أنساها سعادة الوصول..
وقفت "وجيدة" على قدmيها تنظر إليها بتلك العينان السوداء الحادة، لقد تفاجأت كثيرًا من رؤيتها تقف أمامها الآن دون سابق إنذار، دون أي شيء.. زوجة ابنها الراحل هنا ومعها ابـ.ـنتها هذه!!.
تقدmت منها بخطوات ثابتة دون أي تعابير على وجهها فشعرت الأخرى بالتو.تر أكثر من السابق ولكنها في لحظة تغيرت بالكامل وابتسمت باتساع تجذبها نحوها لتقوم باحتضانها
تهتف بسعادة والفرحة ظاهرة في صوتها وعلى ملامحها:
-زينة.. مرات الغالي، وحشاني وحشاني يا زينة
تنفست بعمق وارتياح ومكث قلبها داخل أضلعها تلف ذراعيها حولها تبادلها ذلك العناق تهتف بابتسامة:
-وأنتي كمان يا طنط وحشاني والله أوي
ابتعدت عنها للخلف ونظرت إلى الصغيرة بحنين واشتياق إلى ابنها المتواجد بها، نظرتها تحمل ألم أم ذاقت فراق ابنها وهي على قيد الحياة، وقلبها اشتعل بفتيل من الحرقة والاشتياق..
انخفضت نحوها وقامت باحتضانها بقوة شـ.ـديدة، فقد فقدت الشعور به منذ الكثير ولكن الآن أتت إليها الفرصة لتعوض ذلك.. ولن تتركها أبدًا..
ابتسمت بفرحة عارمة والطفلة داخل أحضانها وعينيها تشوبها الدmو.ع الغير مُصدقة والعائدة للخلف متذكرة الماضي الأليم:
-وعد! يا روح ستك بقيتي عروسة وجميلة يا ما شاء الله ايه الحلاوة دي
رفعت رأسها تنظر إلى والدتها التي تقف جوارها لا تستطيع تفسير ما يحدث معها الآن محاولة فهم الأمر من والدتها والذي كان جديد عليها كليًا فـ اومـ.ـا.ت لها الأخرى برأسها وتحدثت:
-دي تيته وجيدة يا وعد.. مامت بباكي يونس
نظرت إليها الفتاة الصغيرة ثانيةً وأردفت باحترام ورقة:
-ازيك يا تيته
ابتسمت الأخرى وخرجت الدmـ.ـوع من عينيها وهي لا تصدق ذلك، لقد تمنت كثيرًا أن تكون طفلة ابنها هنا بين عائلتها وتعوضهم عن فقدانه.. الآن الأمر يتحقق
-يا روح تيته أنتي
كل هذا وأكثر كان تحت أنظاره "جبل العامري" المسمى على اسم الجبل الموجود في الجزيرة بعد أن نال اسم العامري من العائلة، ينظر إليها بعينان حادة، ثابتة عليها هي فقط يحاول فهم تعابير وجهها، وجهها!.. هذا الوجه الذي يأخذ الشكل الطولي، حاجبيها المعقودان لونهما أسود كـ لون عينيها السوداء الحالكة وأهدابها الكثيفة التي يحيطها كحل أسود يجعل جمالها الباهت رائع، أنفها ذو الأرنبة المستديرة وشفتيها الوردية مُكتنزة كل هذا على بشرة بيضاء جذابة وخصلات سوداء للغاية كمعظم ملامحها تغطي ظهرها.. أيضّا ملابسها سوداء! أهي في حالة حداد على أحدهم! حفر وجهها داخله.
رفعت عينيها عليه، وجدته يجلس ولم يرف له جفن، ينظر إليها بغموض وغلظة يتابع كل حركة تصدر عنها، ابتلعت ما وقف بحلقها وذكرت نفسها بتحذيرات زوجها "يونس" بألا تقترب منه إلى الحد الأعمق.. يكفي السلام والسؤال من أبعد خط قد تصل إليه معه، وأبعد محطة قد تتقابل معه بها.. جمعت شتات نفسها وخرج صوتها وهي توجه الحديث إليه بجدية تامة:
-ازيك يا جبل بيه
لحظات! والأخرى وعينيه عليها تحقق تحاول الوصول إلى الأعمق بعد ملابسها وداخلها، ثم أجابها وأخرج صوته الخشن:
-كويس يا مدام زينة
لم تستطع أبعاد عينها عنه، لقد كان مُروع للغاية وهي التي لم تخـ.ـاف من شيء قبل، نظرة عينيه الخضراء ترسل إليها إنذار من كل إتجاه لتحافظ على حياتها..
وقف على قدmيه وسار ناحيتهم لتفوح رائحته عليها، وترى وجهه الغريب، حاجبيه الكثيفان ذو اللون الأسود وكأنها توحي بالكره لا تدري لماذا هذا التعبير خصيصًا أتى على خلدها، عينيه الخضراء ذو النظرات المُهيبة الواثقة، أنفه الحاد الشامخ وشفتيه واحدة رفيعة والأخرى غليظة.. ملامحه جميعها تجعلها تشعر بالتو.تر والقـ.ـلق..
أقترب إلى الفتاة الصغيرة، هبط على ركبته اليمنى واستند بالآخرى، نظر إلى وجهها الملائكي ذو الرقة الخالصة المعهودة لدى الأطفال وهتف بصوت حاول قدر الإمكان أن يجعله حنون وهادئ:
-أنا عمك جبل.. أخو يونس
ابتسمت إليه قائلة:
-ازيك يا عمو جبل
أومأ إليها برأسه بجدية وقال ناظرًا إلى عينيها العسلية الرائعة كعيون والدها رحمة الله عليه:
-كويس.. أنتي عامله ايه
تنهدت بـ.ـارهاق وتعـ.ـب ثم هتفت قائلة:
-الحمدلله كويسه
أقتربت منها "وجيدة" ولم تترك فرصة الرد إلى "جبل" بل جذبت الطفلة صاحبة السبعة أعوام إليها ودلفت بها إلى داخل الغرفة تجلسها على الأريكة وهتفت بصوت مُرتفع بفرحة:
-وهتبقي كويسه على طول يا روح تيته طول ما أنتي هنا
وقف مُعتدلّا بعد أن أخذت والدته الطفلة فبقيٰ أمام وجهها، تبادل معاها النظرات وكل عين تحكي شيء مُختلف تمامًا عن الأخرى، ثم استدار برأسه قليلًا ونظر إلى شقيقتها فتاة صغيرة تبدو أقل من العشرون عام، بخصلات ذهبية وعيون زرقاء وشفاه تلطخها الحمرة وهي بالفعل جميلة لا تحتاج إلى ذلك..
صاح بصوته المعهود، الحاد الذي يحمل خشونه لا توصف:
-مين دي!
تمسكت شقيقتها "إسراء" بيدها بقوة، دق قلبها للحظة من تلك النظرة التي أخذتها من عينيه، لم يتزحزح عنها وانتظر أن يستمع إلى الإجابة..
ردت بتـ.ـو.تر لا إرادي تشعر به بسبب حركاته الصادرة عنه ووجوده ككل من الأساس وتمسكت بيد شقيقتها لتشعرها بالأمان:
-دي إسراء أختي
أبتعد بعينيه إليها وسألها بقوة وثبات واضح وهو يضع يده الاثنين داخل جيوب بنطاله:
-من امتى عندك أخوات
أردفت تُجيب على سؤاله الغليظ توضح له أكثر بما أنه لا يعلم بها:
-إسراء تبقى أختي من بابا.. كانت عايشة في تركيا مع مامتها وبقالها فترة كبيرة عايشة معايا
أعتدلت "فرح" شقيقته تنظر إليها من الأسفل إلى الأعلى، تنظر إلى الاثنين وكأنها تقول قصر الرعـ.ـب بانتظار الآخرين من المهرجين..
صدح صوته الصارخ في أذنهم فجأة وهو ينادي بإسم "ذكية" التي حضرت ما أن نطق آخر حرف بإسمها
قالت وهي تتقدm سريعًا باحترام ولهفة:
-تحت أمرك يا جبل بيه
أشار إليها بيده المُحررة من جيب بنطاله:
-وريهم اوضهم يرتاحوا
أخفض عيناه إلى "زينة" وتحركت شفتيه بكلمـ.ـا.ت لم تفهم لها معنى وما الذي يريده منها:
-هشوفك ونتكلم بعد ما ترتاحي
ردت تتابع عيناه هي الأخرى باستغراب:
-في حاجه؟ نتكلم في ايه؟
خرج من الغرفة وهو يقول بثقة وعنجهية:
-هت عـ.ـر.في وقتها
تقدmت منها الطفلة بعد أن حثتها "وجيدة" على الذهاب مع والدتها لكي تنعم بالراحة هى الأخرى فيبدو عليها الإرهـ.ـاق الشـ.ـديد.. تحركت إلى الخارج بعد أن قالت بهدوء:
-عن اذنك يا طنط
أومأت إليها بابتسامة لا مثيل لها وكأنها حصلت على كنز غالي كان يصعب الحصول عليه أو يستحيل:
-اتفضلي يا زينة
خرجت مع "ذكية" التي سارت بهم إلى الأعلى، لتعرف كل واحده منهم على غرفتها ولكن "زينة" وقفت في الردهة أمام الغرف وقالت..
-ذكية إحنا عايزين اوضه واحدة.. يكون فيها سريرين
أومأت إليها وهي تشير إلى الناحية الأخرى:
-حاضر يا ست هانم.. تعالي من هنا
سارت خلفها إلى أن وصلت إلى الغرفة التي تريدها لتكن مع ابـ.ـنتها وشقيقتها فلا تريد ترك كل واحدة في غرفة أخرى بعيد عن عينيها، دلفت معهم إلى الداخل واستمعت إلى صوت الخادmة تقول:
-الشنط هتطلع حالًا يا ست هانم
حركت رأسها إليها فذهبت الأخرى وأغلقت الباب من خلفها، صعدت الصغيرة "وعد" على أحد الفراشين بعد أن ألقت حقيبة ظهرها على الأرضية وارتمت عليه بتعب شـ.ـديد لأنها تحتاج كثيرًا إلى النوم..
جلست "إسراء" جوارها ونظرت إلى شقيقتها وتحدثت بقـ ـلق وخـ ـوف لا تريد كبته داخلها:
-زينة.. أنا خـ.ـايفة من المكان ده والناس اللي فيه
لقد كانت هي الأخرى خائفة للغاية ليس من عاداتها، أنها المرأة التي تحملت كل الصعاب، لكن كثير من المؤشرات لا تقول أن القادm خير خصوصًا منه هو ولكنها نفت ذلك حتى لا تشعر الأخرى بالرهبة مُنذ اليوم الأول:
-خـ.ـايفة من ايه بس الناس استقبلونا كويس وبعدين دول أهل يونس يعني وأنتي عرفاه كويس مش هنلاقي حد زيهم
تابعت وهي تنظر إليها باستغراب:
-بس اللي اسمه جبل ده غريب أوي.. والحرس دول كلهم ليه وهو ايه المكان اللي عايشين فيه ده طالما غنين كده والناس اللي بره دول عاملين كده ليه
جلست على الفراش الآخر مقابلة لها ثم ابتسمت كاlذبة وهي تهتف:
-أنتي متعبتيش من الطريق؟ ارتاحي وبعدين نتكلم
ثم صعدت على الفراش تريح ظهرها عليه، وما أن فعلت ذلك تنفست بعمق وكأنها حصلت على الراحة في بداية طريق المشقة..
والحقيقة المُرة هي أن قلبها لا يهدأ عن العبث بها وذلك لا يحدث إلا في الحالات النادرة كالتي يحدث بها الكوارث.. على أي حال ليس هناك أي حل آخر كان على طريقها ولم تفعله.. هذا كان أولهم وآخرهم وأفضلهم بالنسبة إلى المواجهة مع الفقر..
عليها أن تهدأ فقط قليلًا والقادm كله سيأتي إلى عِندها سواء فكرت به أم لم تفكر..
نظرت إلى سقف الغرفة وتنهدت بقوة، يا الله، ساعدني في الوصول إلى مبتغاي دون الشعور بالقهر مرة أخرى، ودون الشعور بالذل والكـ.ـسرة، دون الشعور بالفقد والفراق وحرقة الاشتياق ولوعته..
❈-❈-❈
بعد بضع ساعات نالت بهم بعض من الراحة بعد رحلة شاقة طويلة كهذه وحرب ضارية بينها وبين نفسها المعارضة إياها دائمّا، استيقظت من نوم كان عميق دلفت به دون تعب، بدلت ملابسها إلى أخرى غير تلك التي أصبحت مليئة برائحة الإرهاق وبدى عليها أنها مُتسخة.. بملابس أخرى مثلها مُحتشمة مُكونه من بنطال أسود وتيشرت رصاصي اللون ولأن أهل البيت كلهم محتشمون وملابسهم غير ملابسها هي وشقيقتها حاولت أن تكون مثلهم ولا تظهر شيء منها بالأخص في وجود ذلك الجبل الصلب الذي وقف أمامها شامخًا..
هبطت للاسفل بوجهًا مُتجمد وأثناء هبوطها الدرج قابلتها "ذكية" التي تحدثت قائلة بعد أن أبصرتها:
-كنت طالعة ليكي يا ست هانم.. جبل بيه مستنيكي في الصالون
دققت النظر بها ورأسها به ألف وألف سؤال عن ما الذي يريده منها! أومأت إليها وهبطت بهدوء مُتجهة إليه:
ولجت إلى الغرفة وهو جالس كما رأته أول مرة، تقدmت وعينيها لا تستطيع الإبتعاد عن خاصتيه المُخيفة الثابتة، وكأنه يجبرها على النظر إليه لتعرف إلى أين أتت..
جلست أمامه ثم خرج صوتها الذي رفعته ليظهر واضح وواثق:
-نعم يا جبل بيه
تقدm للأمام في جلسته، اتكأ بيده الاثنين على قدmيه ورفع عينيه إليها بجمود وحدة، يرسل إليها عبـ.ـارات لا تتفهم أي منها، تحاول جاهدة لكنه لا يساعدها..
قال بصوت حاlد جـ.ـا.مد خرج بخشونة من فمه:
-وصلتي الجزيرة إزاي
أجابته ببساطة وهي تشير بيدها بعفوية:
-بصراحة الوصول كان صعب أوي يعني مش هكد'ب عليك.. المرة اللي جيت فيها هنا كانت بالطيارة
تثير شكوكه، كيف لواحدة كهذه تستطيع الوصول إلى جزيرته بكل هذه السهولة، إذّا ماذا عن البقية من أفراد الشرطة!، كرر سؤاله مرة أخرى بوضوح:
-وصلتي الجزيرة إزاي
ابتلعت ما بجو'فها وهي تنظر إلى عينيه المخيفة بذلك اللون الأخضر الغريب، فقالت سريعًا:
-ده واحد صاحب يونس الله يرحمه هو اللي دلني على الطريق بعد ما كنت تعـ.ـبت ومش عارفه أوصل
وكأنه يجلس في مكتب ضابط شرطة وهي المُتهمة تحت يديه، بدأ معها تحقيق ومن هنا إلى هنا يكتب سؤال وجواب:
-اسمه ايه
أردفت باستغراب جلي ما السبب وراء كل هذه الأسئلة الغريبة:
-عماد ابراهيم
أومأ إليها بعد أن علم هويته، نظر إلى الأرضية ثم مرة أخرى إليها بجمود أكثر وحدة تُرهبها أكثر من السابق، تسائل بجدية وبرود:
-جيتك هنا غريبة.. جاية ليه
هل تُجيبه الآن! تتحدث عن السبب وراء قدومها إلى هنا؟ إنه قام بسؤالها إذًا عليها الإجابة أليس كذلك!؟
ما كانت إلا تتحدث ودخلت والدته "وجيدة" والإبتسامة على وجهها بالرغم من أن ملامح وجهها حادة للغاية ومخيفة بعض الشيء، جلست وهي تقول بجدية وهدوء:
-مت عـ.ـر.فيش أنا فرحانه قد ايه أنكم معانا هنا يا زينة
ابتسمت إليها محاولة أن تخفف من حدة تـ.ـو.ترها بسبب ذلك المُتخلف عقليًا الذي تجلس معه وأجابتها بإحترام وهدوء:
-تسلمي يا طنط
وجدت صوته الحاlد يخترق أذنها كالرياح الهادفة التي تأتي بصفير حاد في الأذن يكرر عليها:
-مجاوبتيش عليا
أبعدت نظرها إليه ثم إليها مرة أخرى وعادوت فعلها، ضغطت على يدها بالآخرى وتفوهت بالكلمـ.ـا.ت بجدية:
-بصراحة أنا جاية أخد حقي أنا ووعد بـ.ـنتي في يونس
وجدت الاثنان ينظرون إليها دون حديث، هو ملامحه جـ.ـا.مدة لا تستطيع أن تفهم منها شيء وعيونه الخضراء ترعـ.ـبها ربما كل هذا لأنها اقتربت منه بعض الشيء فهي ليست بهذا الجُبن، والأخرى تحولت ابتسامتها إلى بؤس وأظهرت ملامحها المخيفة لتبقى جالسة بين فردين ترهبهم..
تابعت محاولة تبرير طلبها لحقها في زوجها:
-العيشة في دبي صعبة، وعد ليها مدرسة وعندنا مصاريف وأنا عليا مسؤولية.. أنا حاولت ألاقي شغل بس مقدرتش لأني معايش شهادة تشغلني هناك.. حتى الشركة اللي كان فيها يونس مأخدناش منها حاجه.. أنا مش طمعاlنه غير في حقنا وبس
وجدتهم صامتين هم الاثنين بعد كل هذا الحديث الذي قالته لتأخذ حقها هي وابـ.ـنتها منهم، من المفترض أن لا تتحدث من الأساس فقط تطالب بما لها.. تابعتهم باستغراب ولم تعد تعرف ما الذي من المفترض قوله بعد الآن..
هو كان داخل رأسه حساب آخر لكل ما تقوله، أيعقل هي هنا فقط لتأخذ مالها؟!
تحدثت "وجيدة" وهي تحاول أن تضبط ملامح وجهها لكي لا تثير شكوك تلك الجالسة أمامها وأردفت بكل الود والمحبة:
-طبعًا طبعًا يا زينة أنتوا ليكم حق وهتاخدوه
ابتسمت إليها وقد انزاح عن قلبها هم كبير كانت تواجهه كل ليلة بمفردها خـ.ـوفًا من عدm قبول طلبها بعد الوصول إلى هنا وتعود مرة أخرى إلى الفـ.ـقر والدين من الأشخاص هناك..
بينما الأخرى كان داخل رأسها شيء آخر تمامًا غير الذي هتفت به إليها، عاجلًا وغير أجلًا ستتعرف عليه وتقوم بالموافقة به.. سوى كان بالغـ.ـصب أو بالرضا..
وقفت "وجيدة" ومازالت مُبتسمة أشارت إليها قائلة:
-قومي هاتي وعد وأختك علشان نتعشى.. يلا
أومأت إليها ثم وقفت على قدmيها وسارت خارجة من الغرفة تحمد ربها أن الأمر تم بسلام وستأخذ مالها وتعود من حيث أتت إلى حياتها هي وابـ.ـنتها.. إلى الآن لا تعلم ما الذي يخفيه القدر داخل جزيرة تسمى بجزيرة العامري.. وهي داخل هذه العائلة..
قابلت في طريقها "فرح" شقيقة زوجها فوقفت قائلة إليها بابتسامة ساخرة:
-لسه زي ما أنتي يا فرح.. أنتي حتى شوفتيني لما جيت مسلمتيش عليا
سخرت الأخرى مُبتسمة مثلها وأجابت:
-هسلم على الملكة كليوباترا يعني يا زينة
ربتت "زينة" على ذراعها فهي تبدو كما هي فتاة غريبة متكبرة وترى نفسها فوق الجميع:
-على رأيك
مرت من جانبها وتركتها تقف في الطريق تستدير لتنظر إليها وهي تصعد على الدرج بنظرة ساخرة متهكمة عليها.. ولكن الأخرى لم تبالي هي الآن في قمة سعادتها.. المؤقتة
❈-❈-❈
محاولة الوصول إلى كل شيء.. إما أن تكون فاشلة إما أن تكون ناجحة ولكن عليك توخي الحذر من العدو قد تكون تسبقه بخطوات وهو في الخلف يغير خطته
كان يجلس على مقعد مكتبه والهاتف على أذنه يستمع إلى الكلمـ.ـا.ت التي تلقى عليه والشرر يخرج من عينيه السوداء وأنفه الحـ.ـاد يتسع ويضـ.ـيق بسبب تنفسه الغير مُنتظم الذي ينم عن غضبه وثورانه، رجل في الثلاثين من عمره ربما تخطى المنتصف بخصلات سوداء وعيون كذلك مخــ.يفة.. رهيبة في النظرة قـ.ـاتلة.. يرتدي ملابس سوداء كمثل قلبه وعيونه الواضحة، وبمعصم يده أسوار فضي يطيح به على المكتب..
وقف "طاهر" مُعتدلًا يبتعد عن المكتب صارخًا بعنف وقوة والهاتف على أذنه يلقي الكلمـ.ـا.ت على شخص آخر:
-التعليمـ.ـا.ت دي مش عليا.. أنا مش هسيبه يحكم البلد وياكل الجو
ضـ.ـر.ب على زجاج باب الشرفة وهو يسير بعصبية والغضب يتملكه:
-بقولك ايه أنا اللي هقف ومش هوافق على الكلام ده.. جبل العامري مش هيمسكها لوحده
أجاب بعد الاستماع للكلمـ.ـا.ت بعصبية شـ.ـديدة:
-وأنا مش موافق.. أنا أحق من جبل، أنا بسحب منهم كتير بيتوزع ولا لأ ميخصش حد المهم إني بسحب
جلس وهو يحاول التحدث بهدوء وأخذه في صفه:
-جبل لولا أهل الجزيرة مكنش وصل للي هو فيه ده.. ومسيرهم يقلبوا عليه ويعرفوا الخطر اللي هو محاوطهم بيه
تنفس بعمق وأغمض عيناه يضغط على الهاتف بيده:
-يعني ده آخر كلام عندك؟
مرة أخرى أردف بنفاذ صبر وضـ.ـيق شـ.ـديد:
-وأنا مش موافق والبلد مش هتشيلنا إحنا الاتنين.. هتشيلني لوحدي
ثم أغلق الخط بوجهه وألقى الهاتف على الأريكة جواره، صمد قليلًا ثم ضـ.ـر.ب الطاولة بقدmه بعصبية شـ.ـديدة وقهر من "جبل العامري" وما يفعله صارخًا باسمه بعنف وصوت عالي:
-جـــبـــل
وقف على قدmيه ينظر إلى الفراغ قائلّا بتوعد وكره:
-مش هسيبك يا جبل.. مش هسيبك
❈-❈-❈
"في المساء"
احتجزت "وجيدة" الفتاة الصغيرة وعد معها، منذ تناول العشاء وهي جليسة المكان الذي تكون به، لأ تريد الإبتعاد عنها نهائيًا بل بقيت تنظر إليها كما أنها لو ترى ابنها الراحل هو الذي أمامها وتنتقل خلفها من هنا إلى هنا تحاول تعويض السنوات الضائعة منها في الفراق والاشتياق القـ.ـا.تل لحفيدتها وابنها الذي عاد إلى موضعه قبلها وشهدت رحيلة وكـ.ـسـ.ـرتها به..
اردفت بسعادة وهي ترفعها على قدmيها:
-تعالي هنا بقى.. أنا مش هسيبك خالص
تحدثت الصغيرة بحب وهي تنظر إليها بعيون بريئة:
-أنا حبيتك أوي يا تيته ومش عايزة اسيبك
اتسعت ابتسامة "وجيدة" وأصبحت من الأذن إلى الأخرى ورفرف قلبها فرحًا بحديث حفيدتها:
-أنا اللي بمـ.ـو.ت فيكي يا روح تيته ومش هسيبك تمشي أبدًا أبدًا
جلست على قدmيها مُعتدلة ونظرت إليها وتفوهت بالكلمـ.ـا.ت من بين شفتيها بحماس:
-بجد؟
أومـ.ـا.ت الأخرى إليها سريعًا تؤكد محركة رأسها من الاعلى إلى الأسفل:
-طبعًا مش هسيبك تمشي خلاص
وضعت الصغيرة إصبعها إلى جانب فمها تفكر قائلة بطريقة طفولية:
-طب والمدرسة يا تيته
اتسعت عينيها وهي تحل مشكلتها الكبيرة قائلة بحماس وحب كبير يظهر في كل لمسة وكلمة تخرج منها إلى الطفلة:
-هنحول لمدرسة هنا في الجزيرة
سألتها "وعد" بتركيز:
-فيها Pool وملعب كبير علشان الرياضة اللي بتعلمها
حركت رأسها بعدm فهم وضيقت عينيها مُتسائلة بجدية ناظرة إليها:
-يعني ايه بول ده
أجابتها بهدوء ورقة وهي تبتسم بطفولية:
-يعني حمام سباحة..
أكملت حديثها إلى جدتها وهي تشير بيدها الاثنين تشرح إليها أكثر:
-حوض كبير أوي كده يا تيته بيبقى فيه مايه كتير أوي نقدر ننزل نسبح فيه ونتعلم السباحة..
رفعت رأسها للأعلى وقالت ببساطة:
-آه زي اللي قدامنا كده.. شوفتيه
حركت رأسها نافية:
-لأ
قالت جدتها بحنان وحب:
-هبقى اوريهولك
وأكملت الجلسة معها بكثير من الحب والحنان الذي يفيضان منها إلى ابنة ولدها وفلذة كبدها الراحل، التي لن تتركها ترحل مهما حدث..
❈-❈-❈
في الخارج، سارت "إسراء" في الحديقة الخاصة بالقصر والذي كانت كبيرة للغاية إذا سار بها أحد لا يعرف معالمها يضيع داخلها إلا إذا أنقذه أحد..
ظلت سير في الحديقة وتتأمل كل شيء بها، بتلك العيون الزرقاء الرائعة وهناك نسمة بـ.ـاردة تأتي عليها تحرك خصلات شعرها الذهبية الحريرية لتبقى سابحة في الهواء..
عيناها تنظر إلى النجوم مرة وإلى الطبيعة المحيطة بها مرة أخرى، والهواء يأتي من النيل ورائحة المياة تفوح في المكان على الرغم من أنها تبتعد عن هنا بكثير.. ولكن ربما هي المياة التي بالخارج..
انخفضت بجسدها وهي تسير وتستكشف المكان في الظلام الدامس وبتلك الملابس السوداء، سارت إلى أن وصلت إلى خلف القصر..
انخفضت لتعبر من أسفل تلك الأسلاك الموضوعة لا تعلم أهي حماية أم لتدخل في لحم جسدهم..
وقفت وقلبها يدق بعـ.ـنف وخـ.ـوف كبير وداخله يقرع من الفز'ع الذي تعرض إليه عنـ.ـد.ما استمعت إلى صوت غريب صعق أذنها:
-اقفي عندك
استدارت تنظر إلى الشخص الذي ار'عبها فوقع قلبها بين قدmيها ليس فقط ارتعب، واتسعت عينيها بخو'ف ور'عب شـ.ـديد وهي ترى ر'جل طويل وعريض المنكبين وضخم بالنسبة لحجمها يقف في الظلام خلفها يرفع عليها سلا'ح!..
↚
وقفت ثابتة لا تحرك ساكنًا.. كل ما يتحرك بها عينيها الزرقاء المُتسعة تنظر إليه بذعر ورهبة كبيرة، احتلت معالمها و.جـ.ـعلت قلبها يدق أسرع وأسرع في كل ثانية تمُر عليه شاعرة أنه سوف يخرج من مكانه بسبب كثرة الطبول به..
حركت عينيها عليه دون حديث تنظر إلى وجهه الغاضب وعينيه السوداء التي تنظر نحوها بحدة وجمود لا تستطيع وصفه، ومازالت يده ترتفع نحوها مُمسكة بالسلاح مصوبه عليها أمام رأسها بالضبط..
ذلك الطول الذي كاد يبتلع جسدها ويخفي عليها الضوء وهو يقف أمامها مع نظراته وذلك السلاح غير تلك الفزعة التي أخذتها منه كل ذلك جعلها تشعر بأنها ستفقد حياتها وقلبها سيتوقف عن النبض السريع هذا..
خرج صوته بخشونة يتسائل ناظرّا إليها بعمق:
-دخلتي هنا إزاي
تحركت شفتيها بعد لحظات تُجيب على سؤاله بتردد وشفتيها ترتعش لا تستطيع إخراج الكلمـ.ـا.ت مرة واحدة:
-من.. من.. هناك البوابة
حرك يده بالسلاح وسألها مرة أخرى بنفس نبرته:
-دخلتي من البوابة إزاي وبتعملي ايه هنا
عادت خطوة للخلف بقدmها لا تعلم كيف استطاعت فعلها وأجابته برعـ.ـب شـ.ـديد:
-هما فتحوا البوابة ودخلت
تحرك أكثر من خطوة نحوها غير الذي ابتعدتهم يصـ.ـر.خ عليها بغلظة وقسوة:
-أنتي هتنقطيني بالكلام.. انطقي يابت بتعملي ايه هنا
خرجت الدmـ.ـو.ع من عينيها بكثرة لحظة صراخه عليها بصوت عال واقترابه منها بهذه الطريقة وهو يخيفها بسلاحه، قالت من بين بكائها:
-أنا هنا مع أختي.. دخلنا سوا
أخفض سلاحه بعصبية وأقترب منها بعنف ونظرته نحوها لا توحي بالخير أبدًا.. أمسكها من ذراعها بقسوة يضغط عليها ساحبها معه إلى الحديقة في الأمام صارخًا عليها:
-أنتي هتستهبليني يا بت أنتي.. أختك مين دي اللي دخلت هنا.. تعالي دا أنتي يوم أهلك أسود
سارت خلفة بجسد هزيل مُمسكًا بذراعها يسحبها خلفه بقوة وعنف وقلبها يقرع داخل قفصها الصدري وبكاء عينيها لا يتوقف..
يجذبها خلفه وهي معه لا تُرى من الأساس يسير هو أمامها بجسد ضخم طويل للغاية إن نظرت إليه ترفع وجهها إلى الأعلى وكأنها تنظر للسماء وعريض المنكبين يغطي وجودها.. بعيون سوداء حادة ونظرته مُخيفة كذلك الجبل في الداخل وكأنها أتت إلى هنا كي تأخذ أكبر قدر من الخـ.ـو.ف المنبعث منهم..
دفعها بيده إلى أمام البوابة الداخلية لقصر العامري، ثم مرة أخرى رفع عليها السلاح وهتف بعصبية وصوت عالي:
-لو مش عايزة تخسري حياتك هنا اتكلمي يا بت أنتي.. من باعتك ودخلتي هنا إزاي
انتحبت في البكاء وتصاعد صوتها فأجابته وجسدها يرتعش بخـ.ـو.ف وتـ.ـو.تر:
-محدش باعتني والله أنا جيت مع أختي هي حتى جوا
تهكم عليها يلوي شفتيه هازئًا:
-صدقتك أنا كده.. مافيش حد بيدخل قصر العامري، في قوانين محدش بيكـ.ـسرها يبقى اتكلمي أحسن
أتى من الخلف شاب مثله طويل ولكن ليس بنفس طوله وجسده الضخم ثم تسائل بهدوء:
-في ايه يا عاصم
أجابه وهو ينظر إليها لا يحرك عينيه قائلًا:
-واحدة من الرخاص اللي بيتحدفوا هنا كل يوم يا جلال.. بس المرة دي مش هسببها غير لما تقول مين اللي باعتها
أقترب "جلال" ذلك منه ليقف جواره ويظهر لها بملامحه الحادة والأسوأ بكثير من ذلك الغـ.ـبـ.ـي أمامها:
-اتكلمي أحسن ده مبيرحمش
للخلف خطوة وتكررها ومسحت وجهها بظهر يدها بعشوائية والخـ.ـو.ف ينهش في قلبها.. ارتفع صوتها قائلة:
-والله قولتله أنا مع أختي هنا داخله الصبح من البوابة دي
نظر إليه "عاصم" وتساءل بجدية:
-شوفتها ولا شوفت أختها؟
حرك "جلال" عينيه عليها من الأسفل إلى الأعلى والعكس وعينيه تجوب وجهها بنظرات مقززة:
-أنا كنت معاك بره.. والحرس بيتعشوا دلوقتي
أكمل وهو يقترب منها بحركات ثابتة ونظراته نحوها لا تبشر بالخير:
-هتيجي تونسنا لحد ما الحرس يخلصوا.. ماهو مش معقول هندخل القصر ونزعج البشوات علشانك
عادت للخلف أكثر وهي تبكي وتنظر إليهم بهلع يحرك قلبها من مكانه بقوة..
الاثنين نظروا الآن إلى جمالها بعد كلمـ.ـا.ت "جلال" عيون زرقاء رائعة، خصلات صفراء، وجه أبيض وملامح بريئة وشفتين حمراء وغير كل ذلك فتاة صغيرة لم تتخطى سن العشرون..
عنـ.ـد.ما وجدته يقترب منها عادت الخلف أكثر وهي تنظر إليه بينما استمعت إلى صوت الآخر يقول ومازال السلاح بيده:
-اتكلمي علشان لو سيبته عليكي مش هيحصل كويس
ارتفع صوتها مع البكاء يخرج بضعف شـ.ـديد:
-والله بس كده
سحب زناد مسدسه وثبته إلى وجهها ثم صرخ بها قائلًا بقسوة:
-أنتي اللي اختارتي بقى
صرخت عاليًا وتحركت بقدmها تركض إلى بوابة القصر وقلبها لا يدق بعنف بل يقرع طبول وكأنها بداية حرب أو ما شابه، في محاولة منها التوجه إلى الداخل لا تدري كيف والبوابة مُغلقة، ولكنها استمعت إلى صوت طلق ناري أوقفها في منتصف الطريق مُعتقدة أنه أصابها مع صوت صرخة أخرى عالية للغاية خرجت منها ووصلت إلى عنان السماء..
توقف قلبها الذي كان يقرع وحبست أنفاسها داخلها، وقفت تعطي إليهم ظهرها تخاف من اقترابه الغير مرئي إليها..
صرخ بها "عاصم" بعصبية وعنف:
-اقفي عندك قسمًا بالله يومك أسود
فُتح باب القصر، طلت من خلفه "زينة" ووالدة "جبل" السيدة "وجيدة"، ظهر على ملامح زينة القلق والتـ.ـو.تر الشـ.ـديد وهي تتقدm إلى الخارج وتعلم أن شقيقتها بقيت في الحديقة.. وقع قلبها بين قدmيها وشعرت به يُنتزع من مكانه وهي تستمع إلى صوت صرختها وصوت الطلق الناري..
ارتفع صوت "وجيدة" وهي تنظر إلى "عاصم" متسائلة بحدة:
-في ايه يا عاصم
صاح مُقتربًا يقبض على ذراع "إسراء" مرة ثانية وهو يجيب بهدوء:
-متقلقيش يا هانم اتفضلي إحنا هنتصرف
تقدmت "زينة" سريعًا تركض ناحيتهم ونزعت ذراع شقيقتها من يده ثم دفعته للخلف بيدها في صدره صارخة به:
-شيل ايدك دي إزاي تتجرأ تعمل كده وتمسك أيدها
نظر إليها باستغراب، وجه جديد عليه وكانت في الداخل أيعقل حديثها كان صحيح، تحامل بالقوة صراخها عليه ودفعها له فقط لحين أن يفهم ما الذي يحدث..
ارتمت "إسراء" في أحضان شقيقتها وارتفع صوت بكائها مع كلمـ.ـا.تها المتقطعة:
-يلا نمشي من هنا.. خلينا نمشي يا زينة
دفعتها للخلف بخفة ونظرت إلى وجهها وحالتها المُزرية:
-ايه اللي حصل مالك
لم تجيبها بل ارتمت في أحضانها مرة أخرى تخفي وجهها عنهم..
كادت أن تتحدث "زينة" ولكن صوت "عاصم" اخترق أذنها:
-مين دول يا هانم وإزاي دخلوا القصر وجبل مش موجود
نظرت إليه بحدة وأردفت مُجيبة إياه بصوتٍ عالٍ توبخه على ما فعله:
-دي زينة مرات يونس الله يرحمه وإسراء أختها.. أنت عارف أن محدش بيدخل القصر إلا بإذن مننا ايه لزوم اللي عملتوه ده
أخفض وجهه أمامها وتحدث بهدوء معتذرّا:
-كانت في الجنينة ورا في الضلمة بتتسحب زي الحـ.ـر.امية افتكرتها نطت من على السور.. على العموم أنا آسف يا هانم
صرخت بوجهه "زينة" وهي مُحتضنة إياها قائلة بعصبية:
-هو ايه اللي آسف يا هانم.. القصر كله ملغم حراس في كل مكان هتنط من على السور إزاي وبعدين ده شكل واحده تعمل كده.. إزاي ترفعوا السلاح عليها.. وازاي معاكوا سلاح أصلًا
رفع نظره إلى "وجيدة" هو و"جلال" باستغراب لم يفهم أحد منهم ما السؤال الأخير الغـ.ـبـ.ـي الذي ألقته عليهم هذا.. ولكن "وجيدة" احتوت الموقف سريعًا وتقدmت إلى "إسراء" تأخذها من "زينة" تحتضنها وتطمئن قلبها مربتة على ذراعيها وهي تتجه إلى الداخل
-تعالي يا زينة معلش يا حبيبتي هما مايعرفوش.. تعالي أنا هفهمك..
نظرت إليه شزرًا بعصبية وكأنها تود أن تنقض عليه لأنه مس شقيقتها ثم سارت خلف والدة زوجها إلى الداخل لتفهم ما الذي حدث..
نظر "جلال" إلى "عاصم" وتساءل قائلًا:
-هو ايه اللي بيحصل
حرك الآخر رأسه ورفع كتفيه يهتف:
-مش عارف
جلست في الداخل في صالون القصر الكبير جوار شقيقتها التي مازالت تزيل دmعاتها بيدها، نظرت إليها وتفوهت بالسؤال بجدية:
-ايه اللي حصل اتكلمي
رفعت بصرها إليها بعينيها الزرقاء المُنتفخة، أجابتها بشهقات متقطعة وهي تحاول الصمود:
-أنا كنت في الجنينة بتمشى ودخلت ورا لقيته ورايا ورافع عليا المسدس وبيقولي إزاي دخلت هنا.. قولتله إني دخلت معاكي مصدقنيش وكان هيضـ.ـر.ب عليا نار
ابتعدت "زينة" بنظرها إلى "وجيدة" تنظر إليها بحدة واستغراب في ذات الوقت وما حدث في الخارج يؤثر عليها في حديثها الحاد ونظراتها نحوها:
-إزاي يعمل كده وإزاي معاه سلاح هنا
ابتسمت "وجيدة" بهدوء تقول بعقلانية:
-ماهو يا زينة دا قصر واللي برا حرس يا حبيبتي لازم يبقى معاهم سلاح.. عاصم رئيس الحرس أكيد مش قصده يعمل كده
أردفت "زينة" مُعقبة على حديثها بعقلانية أكثر:
-قصر ماشي ومحتاج حرس تمام لكن مش بالضرورة يكون معاهم سلاح خصوصًا لو في منطقة زي دي.. هو أنتي يا طنط مش شايفه الناس والمكان هنا عامل إزاي
تابعت تكمل بعد حديثها السابق بنفس الطريقة:
-دي أوامر يا زينة.. مش مطلوب إننا نخالفها
تذكرت حديث زوجها الكثير عن تلك الأوامر الذي تصدر عن شقيقه ولا يستطيع أحد مخالفتها أبدًا ولا يجب ذلك أيضًا وكأنهم يعيشون بسـ.ـجـ.ـن كبير يخرجون ويدلفون إليه ومنه فقط وهو حاكمه وعليهم السمع والطاعة..
وقفت شقيقتها على قدmيها وجسدها يرتعش، قدmيها لم تكن تستطيع أن تحمل جسدها بعد فزعته بصوت الطلق الناري الذي اعتقدت أنه أصابها وفارقت الحياة وما قابلته في الخارج قبل ذلك..
تحدثت بخفوت:
-عن اذنكم هطلع الاوضه
أومأت إليها والدته قائلة:
-اتفضلي يا بـ.ـنتي ارتاحي
❈-❈-❈
"بعد مرور يومين"
جلست "زينة" مع "وجيدة" و "جبل" لتتحدث معهم في أمر حصولها على ميراثها هي وابـ.ـنتها من زوجها الراحل مرة أخرى بجدية أكثر من المرة السابقة لأنهم ربما لم يفهموا جيدًا حديثها.. فهي لم تكن آتيه إلى هنا حتى تجلس وتستريح بل أتت لتأخذ ما لها هنا وترحل في أسرع وقت..
تعلم أن جميع الأمور لن تحدث إلا بأمر من "جبل" فنظرت إليه وأردفت بجدية:
-جبل بيه.. أنا لما جيت اديتكم خلفية عن سبب وجودي هنا بس تقريبًا أنت مأخدتش الموضوع بجد لأن محدش كلمني فيه.. وبصراحة أنا مش حابه أطول أنا عايزة أرجع
كان يضع يده على وجنته اليمنى فاردًا إصبعه السبابة على وجنته يستند بذراعه على المقعد ناظرًا إليها بعدm اهتمام وخرجت الكلمـ.ـا.ت من فمه بلا مبالاة:
-والمطلوب!
وزعت نظرها بينهم هم الاثنين ثم قالت بجدية وبعض من الحدة في نبرة صوتها:
-عايزة حقي أنا وبـ.ـنتي علشان أمشي
أسرعت والدته تتحدث وهي تربت على يدها الموضوعة على ركبتها خـ.ـو.فًا من أن يُجيب "جبل" بشيء لا يروقها وهي لن تسمح بذهابهم:
-هتاخدي حقك وفوقه زيادة أنتي عارفه الخير كتير ويونس ليه كتير أوي أوي أوي وعمرنا ما نطمع فيه بس المسألة دي علشان تطلع مظبوطة وتاخدي حقك وعليه الزيادة لازم جبل يرتب أموره ويشوف حساباته واحدة واحدة وزي ما أنتي شايفة هو مش قاعد عنده شغل طول الوقت
وجهت نظرها إليه بعد أن استدارت مرة أخرى وطرق السؤال باب عقلها:
-هو حضرتك بتشتغل ايه
ظل ناظرًا إليها بمنتهى اللا مبالاة وإصبعه على وجنته بهذا الشكل.. شعرت بالإهانة لتجاهله حديثها ونظرته الغريبة إليها فمرة أخرى أردفت والدته:
-جبل كبير الجزيرة.. والناس مشاكلها كتير وكل حاجه هنا مسؤولة منه
أكملت بجدية مُعاتبة إياها في نهاية حديثها لتسترقها تجاهها:
-كل اللي محتاجينه شوية وقت علشان نعرف نظبط الدنيا يا حبيبتي وبعدين هو أنا ماليش حق عليكم ولا ايه ووعد دي مش بـ.ـنت ابني
نفت "زينة" حديثها وأكدت عليها:
-لأ طبعًا ليكي حق
ابتسمت "وجيدة" باتساع وأشرق وجهها لأنها أخذت فرصة للحصول على ما تريد وقالت:
-يبقى خلاص أقعدوا معانا شوية كمان هو انتوا لحقتوا.. أنا ملحقتش أقعد مع وعد حتى
اومأت إليها زينة وأردفت بهدوء:
-أنا موافقة نقعد بس نحدد مدة أنا مرتبطة بمواعيد في دبي
استمعت إلى سؤاله الذي خرج بنبرة خشنة حادة:
-مواعيد ايه دي
التفت تنظر إليه وأكدت مرة أخرى على نفس الكلمة بوضوح وبنظرة حادة مثله لأنه تجاهلها وتعمد فعل ذلك:
-مواعيد!!
أبعد يده من على وجنته وأعتدل في جلسته ناظرًا إليها بعينه الخضراء الحادة المخيفة وعلم أنها تعمدت لفعل ذلك فقال بجمود:
-سمعت! وسألت مواعيد ايه وبخصوص ايه
ابتسمت رافعة حاجبها الأيمن إلى الأعلى قائلة بجدية:
-مش المفروض حضرتك تعرف بخصوص ايه ولا أنا المفروض أجاوب
تقدm للأمام في جلسته يهتف وعينيه تنظر إليها بحدة:
-لأ المفروض أعرف والمفروض تجاوبي طالما بـ.ـنت أخويا معاكي
ضيقت ما بين حاجبيها باستغراب وأكملت على حديثه متسائلة:
-يعني ايه طالما بـ.ـنت أخوك معايا.. بـ.ـنت أخوك معايا من وقت ما اتوفى يونس وهي بـ.ـنتي على فكرة
ابتسم بزاوية فمه وكأنه نال منها وهو يقول بخبث ومكر:
-اللي مت عـ.ـر.فيهوش إنك جيتي الجزيرة.. دخلتي القصر.. من وقت ما ده حصل كل شيء اختلف
رفعت حاجبيها مُتسائلة عن مقصده:
-قصدك ايه
تدخلت والدته في الحديث سريعًا وهي تعلم أن ابنها سيفسد الأمر إن طالت الجلسه أكثر من ذلك لأنه ليس الشخص الذي يتهاون في المعاملة:
-مقصدوش حاجه يا حبيبتي هو بس خايف عليكم.. المهم اقعدي معانا أسبوع كده يكون جبل خلص شغله وطلعلكم حقكم
أومأت إليها قائلة:
-ماشي يا طنط
ثم نظرت إليه شزرًا بعينيها السوداء وكأنها قطة بمخالب تود لو تنقد عليه تترك علامـ.ـا.ت أظافرها على جسده بأكمله لتنظر إليه وتبتسم بأنها انتصرت عليه بعد نظراته وحديثه معها.. وذلك التجاهل المُتعمد منه ذلك الحـ.ـيو.ان الذي يرى نفسه قائد على الجميع..
لكنه لا يعلم من هي إلى الآن ولو كان يعلم ما فعل هذا..
وقفت على قدmيها واستأذنت منهم للصعود إلى الأعلى ولم تكن تعلم تلك الغـ.ـبـ.ـية من هو.. تعتقد أنه رجل كأي رجل أو كزوجها؟ لم تفكر يومًا بأنها من الممكن ان تقع مع وحش وذئب بشري، ترى نفسها تستطيع أن تتغلب على الجميع بسبب الفترة التي قضتها وهي تصارع الجميع وكل من طمع بها.. لا تعلم من هو.. تعتقد أنها ستتغلب عليه أو تترك أثر به.. بل هو من سيترك أثر بها إلى الأبد..
❈-❈-❈
وقف الحارس في حديقة القصر في مكان بعيد عن الأنظار وقد كان كل مكان بها بعيد عن الأنظار بسبب كبر مساحتها والأشجار الكثيرة بها..
أخرج هاتفه من جيب بنطاله ووقف يعبث به، ثم وضعه على أذنه للحظات ومن بعدها أجاب بصوت رجولي خشن:
-أيوه يا طاهر
صدح صوت الآخر في أذنه بقوة حتى أنه أبعد الهاتف عنه بسبب ذلك الازعاج الذي سببه له:
-ايه يا رجولة اييه فين المعلومـ.ـا.ت اللي قولت هتنيل أخدها أول الشهر
لوى شفتيه هازئًا واسترد قائلًا بسخرية:
-هو أنا بكلمك دلوقتي ليه
تهكم الآخر عليه وهو يجيب بنفس نبرته الذي استشعرها عبر الهاتف:
-هو إحنا أول الشهر.. سلامتك ولا الشغل مع جبل كل عقلك
أجابه بجدية يوضح له سبب تأخيره الذي حدث في بداية الشهر:
-مكالش عقلي ولا حاجه.. البضاعة اتأخرت ومجاتش أول الشهر.. الحكومة اتسرب ليها معلومـ.ـا.ت وجبل وقف التسليم
تسائل الآخر بتلهف وفضول:
-ودلوقتي ايه الجديد
أكمل وهو يعلم أنه يمـ.ـو.ت ليعلم أي شيء عن التسليم ليقوم بضـ.ـر.ب "جبل" الضـ.ـر.بة الكبيرة ولكنه للأسف فاشل حتى وإن أخذ كل المعلومـ.ـا.ت فلا شيء يستطيع فعله ولا شيء يصيب "جبل":
-البضاعة في المخازن
ابتسم وقد شعر الحارس بها وقال بسعادة دُفعت إليه:
-حلو يا حِدق
أنكر الآخر ما قاله بابتسامة ساخرة ونبرة جدية وهو يطالب بحقه الذي أتى عن طريق الخيانة:
-لأ مش حلو.. أنا عايز حقي ناشف، ماليش في الحلو خالص
أومأ برأسه وقال بجدية وهدوء موافقًا فالآن السعادة تدق بابه بكثرة بسبب ما أخذه من معلومـ.ـا.ت يستطيع أن يفعل بها الكثير:
-هيوصلك حقك متقلقش
أنهى معه المكالمة بجدية:
-يلا بالسلامة
هناك مقولة شهيرة تنص على "يلعب على الحبلين" وهذا ما كان يفعله هو يسرب المعلومـ.ـا.ت إلى "طاهر" العدو الأكبر إلى "جبل العامري" ومن الناحية الأخرى لا يقول له الأماكن البديلة إلى المخازن والذي كان من أهمها أكبر وأفضل وأشهر مكان على الجزيرة...
خائن بين حراس "العامري" وإلى الآن لم يتعرف عليه أحد..
قد يكون جشع وما دفعه إلى فعل ذلك جمعه الكثير من المال من هنا وهناك وقد يكون هناك سبب آخر غير هذا هو الذي دفعه للخيانة مثل "الانتقام"..
❈-❈-❈
جلست والدته معه على الأريكة داخل غرفته، غرفة كبيرة للغاية المعنى الصحيح لغرفة داخل قصر، بها أثاث على الطراز القديم كالفراش أخشابه ثقيله باهظة، كبير للغاية يتسع لأربع أفراد ليس واحد أو اثنين به أربع أعمدة خشبيه من كل إتجاه واحد..
خزانة ملابس كبيرة نفس هيئة وشكل الفراش
أريكة كبيرة للغاية مع اثنين من المقاعد الخاصين بها وطاولة بينهم.. ومرآة كبيرة يُضع عليها فرشاة للشعر وواحدة من زجاجات العطر الفخمة..
ربتت على فخذه وهو يجلس جوارها:
-اسمع مني يابني زينة مش هتقعد غير بالطريقة دي أنت لازم تتجوزها
تابع عينيها وخرج صوته بخشونة وحدة يتحدث بتأكيد وثقة:
-لأ هتقعد وأنتي عارفه إني أقدر اقعدها غـ.ـصـ.ـب عن أي حد وده اللي هعمله لكن مش هتجوزها
عقدت حاجبيها وتسائلت بذهول:
-وليه لأ هتفضل لحد امتى من غير جواز
أجابها بحدة وعينيه تقابل عينيها بشرارة ورفض لحديثها ولكن هناك خفقة بسيطة في قلبه توافقها أمام كل ذرات عقله:
-وهو أنا يوم ما اتجوز اتجوز مرات أخويا
تفوهت بجدية تجيب على كلمـ.ـا.ته بكلمـ.ـا.ت بالنسبة إليها عقلانية إلى أبعد حد:
-كانت.. كانت مرات أخوك وهو الله يرحمه مـ.ـيـ.ـت من خمس سنين ده عمر يابني
أبعد وجهه عنها وتوجه بنظره إلى الفراغ ورفع صوته بحدة وهو يطيح بيده إليها رافضًا:
-بلا كانت بلا مكانتش... أنا مش بتاع جواز ومش هتجوزها ولا هي ولا غيرها
احتدت نبرتها وارتفع صوتها وهي تضـ.ـر.ب على قدmها اليمنى بعصبية قائلة:
-ليه كل ده.. علشانها؟ ما تبص لنفسك يا ابن بطني ماهي غارت وسابتك هي وأهلها كلهم
وقف على قدmيه بعصبية يُماثلها مُبتعدًا عنها مُتقدmًا من الفراش يتمسك بأحد اعمدته يُعطي إليها ظهره قائلًا بقسوة:
-بقولك ايه هي مش في دmاغي وغارت زي ما قولتي أنا مش عايز اتجوز ولا تكوني أنتي ناسيه شغلي ده ايه؟ ده مش سبب يخليني مربطش حد بيا ولا أعمل عيلة؟
وقفت خلفه تهتف ببساطة وجدية:
-شغلك ماله يا جبل.. محامي قد الدنيا وماسك بلد بحالها
استدار ينظر إليها بتهكم يُكرر حديثها باستهزاء:
-آه محامي وماسك بلد
احتدت نبرتها أكثر وتحولت ملامح وجهها اللينة التي كانت تحاول إقناعه من لحظات واتجهت نبرتها إلى الأمر والقوة وذلك لأنها لن تسمح بذهاب ابنة ولدها الراحل ولا تريد ظلم والدتها:
-جبل.. أنا قولت كلمتي ودي رغبتي أنت كبرت ورافض كل بنات البلد جاتلك أرملة أخوك على الأقل تلم لحمة جالك لحد عندك
ابتسم ناظرًا إليها بلا مبالاة وبرود:
-الظاهر مسمعتيش اللي قولته
أقتربت منه وقالت بنفس النبرة القوية منتظرة أن تراه يوافق ولكنها مع ذلك تعلم أنه لن يوافق بتلك السهولة.. ولن تتركه أيضًا يأخذ الطفلة من والدتها قصرًا.. إنه ولدها وهي تعرفه جيدًا وتعرف حلوله الغريبة:
-لو مش عايز تتجوز وتعمل عيله وتحب مراتك.. اتجوزها ولم لحم أخوك وأعمل ما بدالك بعدين.. عايز تتجوز تاني اتجوز عايز تحط عقلك في راسك وتخليك مع زينة يبقى خير وبركة
أجاب على حديثها بمنتهى البساطة وكأنها تتحدث مع ذاتها:
-مش هتجوز يا أم جبل.. وزينة هتقعد
حركت رأسها وشفتيها وهي تجيبه قائلة بعقلانية لأنها من خلال معرفتها البسيطة بـ "زينة" علمت أنها لن تخضع بتلك السهولة:
-مش هي اللي هتقعد بالذوق
رفع وجهه إليها بقسوة وتفوه بنبرة عنيفة قاسية لأنه لم يكن مُعتاد على ان يُرفض أمره:
-يبقى عافـ.ـية وغـ.ـصـ.ـب
قالت بسخرية تنظر إليه:
-ونخسرها هي وبتنا
صرخ بوجهها بصوت عالي لأنها تحدثت أكثر من اللازم، وقامت بفتح جروح قديمة جعلها تلتئم بصعوبة، صحيح لم تعد تؤلمه ولكنها تبقى جروح:
-في داهية
صرخت هي الأخرى بوجهه وتغيرت ملامحها أكثر وأكثر عليه ورفعت سبابة يدها اليمنى أمام وجهه بحدة:
-لأ مش في داهية يا جبل.. بت ابني مش هتطلع من الجزيرة وبالسياسه كله بالسياسه يا جبل
أبتعد بوجهه عنها وقال:
-ماشي يما.. ماشي
خرجت من الغرفة بعد أن استمعت إلى آخر كلمـ.ـا.ته وتوجهت إلى الخارج وهي عازمة أمرها ومقررة داخلها أن مهما يحدث لن ترحل ابنة ولدها من هنا، لن تذهب إلى خارج بوابة القصر خطوة واحدة وإن أقامت الحرب على الجميع وأول من بهم ولدها..
وقف بالداخل مُمسكًا عمود الفراش يضغط عليه بيده، يفكر فيما قالته والدته، كثير من الاتجاهات تتعارض مع زواجه وبالخصوص واحدة مثلها، هناك أشياء كثيرة تخفى عن البعض على الجزيرة وهي واحدة منهم.. يجيب أن ترحل من الأساس وجودها هنا يسبب خطر إليه وإلى الجميع ولكن والدته ترى ذلك من ناحية أخرى
ابنة شقيقه وكأنه هو أمام والدته لذا لا تريدها أن ترحل.. يستطيع أن يجعل والدتها تذهب رغمًا عنها ويُبقي الفتاة ولكنه لا يضمن ما الذي من الممكن أن تفعله وهي خارج الجزيرة لاسترداد ابـ.ـنتها..
ترك الأمر جانبًا عنـ.ـد.ما عاد عقله إلى تلك النقطة التي عبثت بها والدته.. أهو لا يريد الزواج لأجلها أم لأجل أنه لا يريد من الأساس!
نهر نفسه وهو يتحرك مُبتعدًا عن الفراش فقد تلقى العلاج الكامل لحالته بعد رحيلها، ومكانها الذي كان في قلبه أصبح ممتلئ بشيء آخر بعيد كل البعد عنها وعن ماضيه معها..
❈-❈-❈
"في الصباح"
كان الجميع يجلس في الصالون بعد تناول الفطور على السفرة سويًا..
أقتربت الفتاة الصغيرة "وعد" من جدتها التي شعرت بحنيتها وحبها لها وجلست على قدmيها وهي تفتح بيدها ورقة مطوية لترفعها أمام نظرها قائلة لها بحب:
-تيته دي أنا وأنتي رسمتها علشان أخدها معايا وأنا مسافرة
نظرت إليها "وجيدة" كانت رسمة طفولية للغاية بها فتاة صغيرة وسيدة لم تستطع بأن تجعلها رائعة إلا بحبها الذي رسمت به..
ابتسمت "وجيدة" بسعادة وهي تحتضنها قائلة بحب وفرحة:
-الله حلوة أوي.. بس أنا مش هسيبك تسافري على طول كده أنا مشبعتش منك
بينما هو كان ينظر إلى تلك التي تجلس أمامه مباشرة ولأول مرة بحياته ينظر إليها بهذه الطريقة، يبدو أن حديث والدته أمس جعل الرجل الذي بداخله يستفيق وينظر إليها بنظرات الرجـ.ـال الجائعة...
لأول مرة ينظر إلى جمالها الطبيعي المعتاد في كل الوجوه ولكنها جميلة غيرهم، بعيونها السوداء الحالكة التي تماثل خصلاتها.. وبشفاهها ونظراتها وبذلك الجسد المغري والحركات الأنثوية..
آن داخله بألم، لقد نسي كل هذه الأشياء لما جعلته والدته يستفيق من جديد ويتبع اهوائه وغرائزه وهي من؟ زوجة شقيقه!.. ولكنها للحق تستحق
كم أنه وقح وعديم الشرف ينظر إلى زوجة أخيه هذه النظرات القذرة ويقيمها من الأسفل إلى الأعلى، ويقيم مفاتنها الذي حرم منها ومن أي امرأة لسنوات..
ولكن تقريبًا حديث والدته صحيح! لما لا يتزوج خصوصّا إن كانت واحدة أتت إلى حده كما قالت هي بالأمس!..
كانت على الطرف الآخر تبتعد بعينيها إلى ابـ.ـنتها وجدتها تتابع حديثهم من اللحظة إلى الأخرى وبينهما تتابعه هو وترى شروده بها ونظراته المُثبتة عليها.. مرة على عينيها مباشرة ومرة على خصلاتها ومرة أخرى على جسدها..
أهو مختل؟ أم ماذا.. استغربت نظراته كثيرًا فقد تقابلت معه في الأيام الماضية بكثرة ولكنه لم يكن هكذا أبدًا، بل كان غير مبالي بها وعديم الاهتمام والحديث معها.. ما به الآن؟
هل ينوي على فعل شيء معها؟ هل يفكر في منع الميراث عنها وعن ابـ.ـنتها؟ ولكن "وجيدة" أكدت أن ذلك لن يحدث وستأخذ كل ما لها عندهم.. شعرت بالإحراج كثيرًا من نظراته التي ربما تتحول إلى الرغبة الواضحة بعينيه، هي تعرف هذه النظرة جيدًا الآن ربما تحركه شهواته تجاهها؟
نهرت تفكيرها ونفسها سريعًا على هذه الأفكار الغـ.ـبـ.ـية والكريهة التي أتت على عقلها تجاة شقيق زوجها والتي لم يعاملها بهذه الطريقة التي فكرت بها أبدًا منذ معرفتها به إلى اليوم.. يبدو أنها هي التي بحاجه وجود رجل جوارها ففكرت بهذه الطريقة..
في لحظة والجميع كل منهم في رأسه شيء قطع حبل أفكارهم بمجرد أن دلف "عاصم" إلى الغرفة مقتحمها عليهم يهتف بصوت عالي قلق للغاية:
-جبل.. حملة طالعة من المدرية على الجزيرة
وقف جبل سريعًا على قدmيه بعيون مُتسعة إلى آخرها ينظر إليه بقسوة والآخر يبادله النظرات بفزع لأجل ما سيحدث في الجزيرة بعد قليل..
بينما هي طالعتهم باستغراب شـ.ـديد، ونظراتها تتجه من واحد تلو الآخر من أهل القصر والذي بدى على وجوههم معرفة ما الذي يجري على عكسها هي وشقيقتها..
❈-❈-❈
"يُتبع
"جزيرة العامري موضع لكل اشتباه جال بخاطرها"
دارت عيونها السوداء على الجميع وكأنها تائهة بينهم تضل طريق العودة إلى واقعها، أو تضل المرسى لفهم ما يحدث حولها، وقد كان هذا صحيح فهي تقف بينهم وكأنها خيال.. الجميع يعلم ويفهم ما الذي سيحدث بعد قليل ولما الشرطة مُتجهة إلى الجزيرة إلا هي.. هي فقط من يجهل الأسباب..
أضاف "جبل" على كلمـ.ـا.ت "عاصم" بقسوة وصرامة:
-مش عايز أشوف حارس واحد من اللي بره معانا.. صرفهم لحد ما نخلص
أجابه الآخر قائلًا بجدية شـ.ـديدة وهو يصب تركيزه كله معه:
-كده هنحتاج رجـ.ـا.لة كتير
عقب سريعًا يُكمل حديثه مُجيبًا بملامح قاسية لأنه أدرك أن هناك خائن بينهم:
-رجـ.ـا.لة الجزيرة موجودين
تقدm منه "عاصم" قائلًا بعملية:
-جبل!
نفى الآخر برأسه وهو يحركها يمينًا ويسارًا ثم تفوه:
-لأ.. الجزيرة يا عاصم
أكمل قائلًا بعملية شـ.ـديدة وهو يتقدm معه إلى الأمام للخروج من القصر:
-لسه في وقت نقدر ننقل محتاجين مش أقل من تلت ساعات علشان يوصلوا الجزيرة.. إلا لو جايين بطايرات
أجابه الآخر وهو يسرع في التقدm مثله ليحاولوا إنقاذ الموقف الذي وضعوا به:
-لأ حملة طالعة من المدرية بري
اومأ إليه "جبل" وهم يخرجون من القصر إلى الحديقة بسرعة كبيرة فقط ليجعل الأمر طبيعي وعلى ما يرام.. في كل مرة لا أحد يستطيع أن يفعل معه شيء أو تقدm إليه أي من التُهم لأنه على قدر عالي من الذكاء ومر عليه الكثير مثل هذه المواقف ولكن الوقت هو الوحيد الذي يزعجه.. ثم بعد ذلك سيكون حساب ذلك الخائن الذي بينهم عسير.. والجميع يعلم كيف يُحاسب "جبل العامري" وهناك من يشهد على ذلك، وتُخلد هذه الشهادة داخله
تسائلت "إسراء" بعيون تتلهف لمعرفة ما الذي يحدث وهي تنظر إلى "فرح":
-هو ايه اللي بيحصل
أجابتها شقيقته بتكبر وهي تبتعد لتخرج من الغرفة قائلة:
-مافيش حاجه
ابتعدت "زينة" بنظرها إلى ابـ.ـنتها "وعد" الصغيرة وأشارت إليها بيدها لتتقدm منها الفتاة فقامت والدتها باحتضانها بسرعة ورفعت رأسها تكرر سؤال شقيقتها على والدته:
-هو في ايه يا طنط
وقفت والدته هي الأخرى على قدmيها وقد بدا القلق على ملامحها بوضوح، وظهر التـ.ـو.تر في نبرة صوتها ومع خروج كلمـ.ـا.تها من فمها:
-مافيش حاجه يا زينة.. مافيش
تقدmت لتخرج من الغرفة على عجلة من أمرها ولكن "زينة" أوقفتها وهي تقف مثلها تتقدm منها لتقف قبالتها تكرر بحدة أكبر مطالبة أن تعلم ما الذي يجري:
-مافيش إزاي؟ البوليس جاي الجزيرة ليه ومال ابنك اتخض وطلع يجري.. مش هو لوحده كلكم
نظرت إليها والدته بحدة هي الأخرى وقالت بجدية ونبرة قوية:
-قولتلك مافيش يا زينة.. ولو في حاجه وإحنا مقولناش يبقى متخصكيش
طالعتها بغرابة شـ.ـديدة وتمسكت بيد ابـ.ـنتها بقوة، أهي قاربت على فهم ما يحدث!..
خرجت "وجيدة" من الغرفة لتصعد عاليًا كي تستطيع أن ترى ما الذي يحدث في الخارج من الأعلى على الرغم من أن المنطقة بعيدة قليلًا عن سكان الجزيرة ولكن "جبل" لديه تلسكوب في غرفته يراقب به كل ما يحدث بين أهل الجزيرة..
وقفت "زينة" في مكانها لم تعد تعلم ما الذي من المفترض أن تفعله، غير أن تدعي أن يمر ذلك الأسبوع بسلام كي تاخد مالها وترحل من هنا دون رجعة أبدًا، لقد رأت كل ما هو غريب هنا، وحقًا كل ما هو غريب، الخدm يقولون ألقاب تعتقد أنها لم تعد موجودة من الكثير، الحرس كثيرون بطريقة مبالغ بها، المنطقة بأكملها غريبة بطريقة مُريبة، وهو ذلك "الجبل" الشامخ أمامها يخيفها بكل ما فيه.. لحظات لا تهتز ولو شعرة واحدة منها ولحظات ترى أن قلبها سيفقد نبضه بسبب الخـ.ـو.ف من نظراته مع تذكر كل ما كان يقوله لها زوجها عنه..
الأمر هنا أغرب من الغرابة نفسها..
❈-❈-❈
مر الوقت وصعدت إلى الأعلى مع ابـ.ـنتها وشقيقتها في غرفتهم التي ينامون بها سويًا، وإلى الآن لم تفهم ما الذي يحدث، ولكنها استمعت إلى الخدm في مطبخ القصر يتساهمون مع بعضهم بالكلمـ.ـا.ت..
باشياء غريبة لو كانت كما فهمتها فسيكون عليها الرحيل من هنا في أسرع وقت..
كانت تقول الخادmة أن كل ما كان في مخازن العائلة تم توزيعه على الأهالي في الجزيرة! وكل منهم لديه مخبأ سري داخل بيته يخفون فيه الأشياء الذي يريد "جبل" أن يُخفيها ولا يوجد هناك أحد يستطيع الاعتراض بل الجميع يستمع إليه حبًا وتعاون!..
أتت الشرطة وقامت بالتفتيش في القصر والمخازن ولم تجد شيء فرحلت!، لم تفهم ما محتوى هذه الأشياء الذي يخفونها والجميع يعلم بها، الناس على الجزيرة والحرس والخدm وأهل القصر، هي فقط من لا يعرف إذا هناك شيء يخفونه عليها وربما يكون هذا الشيء غير قانوني ويخافون منها لذا سيحاولون الإسراع في إجراءات الميراث لكي ترحل من هنا..
تنهدت بصوت عالي وهي تشعر بالراحة عنـ.ـد.ما توصلت إلى هذا الحل فهي لا يهمها إن كان قانوني أو غيره كل ما تريده الابتعاد عن هنا مع حقها وليذهب الجميع من بعد ذلك إلى الجحيم..
أغمضت عينيها، وأراحت رأسها إلى ظهر الفراش تستند عليه وهي جالسة فوقه ممدة القدmين، غامت على عقلها ذكرى راحله منذ أكثر من السبع سنوات..
"أقتربت من زوجها "يونس" في الفراش بعد أن وضعت فتاتها الصغيرة في فراشها لقد أرهقتها كثيرًا وهي تحاول معها أن تجعلها تنام لتجعلها هي الأخرى تأخذ بعض الوقت الذي تريح به جسدها..
كان يضع نظارات طبية يتمسك بالحاسوب النقال الخاص به يدقق بما يعرض أمامه، استمع إلى صوتها وهي تستقر على الفراش جواره:
-بس أخوك ده صعب أوي يا يونس.. إتم كده مش بيضحك مش بيتكلم ولا بيعمل أي حاجه غير يخرج ويدخل وهو مكشر
أجاب على حديثها بجدية وعينيه مازالت على حاسوبه:
-هو جبل كده على طول بتاع شغل وبس
ضيقت عينيها عليه وقالت بفتور:
-هو شغال ايه
حرك رقبته للناحية اليمنى ثم اليسرى وقال بلا مبالاة وبساطة:
-محامي.. بيشتغل محامي
رفعت حاجبها الأيمن وهي تنظر إليه تلوي شفتيها باستغراب:
-ده محامي؟ غريبة أوي
-اشمعنى!
-ده مش شكل محامي خالص ولا طريقة محامي.. مش أسلوب يعني وبعدين عمري ما شوفته داخل ولا طالع بشنطه ولا حتى عنده مكتب وبعدين مكتب ايه ومحامي ايه هو المكان اللي هما فيه ده محتاج محامي ده فيه مدرسة بالعافـ.ـية
رفع بصرة من على الحاسوب تاركًا إياه جواره على الكومود وأبعد نظارته الطبية عنه:
-وفي وحدة صحية كمان
ارتفعت ضحكاتها فجأة غير مُسيطرة على نفسها ثم وضعت يدها على فمها عنـ.ـد.ما تذكرت الصغيرة النائمة وتفوهت بسخرية:
-يا شيخ؟ وحدة صحية بحالها دا مكان أسري بقى
تابعها بنظراته ولم يهتم بحديثها المهمين على مكان معيشة أهله ولكنه قال بجدية:
-طبعًا واحدة زيك هتقول ايه غير كده عايشة في دبي في منطقة راقية مرات راجـ.ـل مقتدر وشايفة الدنيا على كيفك.. بس أحب أقولك إن الجزيرة فعلًا فيها مكان أثري
اعتدل على الفراش مثلها يمدد قدmيه مُستندًا برأسه إلى الخلف واستمع إلى تفوها المتأكد:
-الجبل
اومأ إليها برأسه دون الحديث فسألته بجدية ناظرة إليه بعمق:
-ليه منعتني أقرب منه
اعتدل مرة أخرى وجلس على الفراش ناظرًا إليها بجدية وحزم وبدا على وجهه أن ما يقوله لا يسمح بالنقاش:
-علشان الجبل ده مش لينا.. ولا أنا ولا أنتي ولا ممكن أبدًا نقرب منه مهما كانت الظروف الجبل محدش بيروح عنده ولا بيدخله ولو بيحصل غير كده بردو أنا وأنتي لأ ولو حصل نصيب ورجعنا هناك تاني إياكي تروحي جنبه
تسائلت باستغراب عنـ.ـد.ما رأت تحوله المفاجئ:
-ليه كل ده
أكمل قائلًا بنفس نبرته القوية الحازمة:
-علشان ده خاص بجبل أخويا وأي حاجه خاصة بيه أبعدي عنها.. جبل مش سهل واللي بيقرب من حاجته بياكله أكل
صاحت وهي تشيح بيدها تجاهه بعصبية:
-ايه ايه اهدا الله هو كان اشتراه بفلوسه ولا مكتوب بإسمه مش بتقول مكان أثري يعني بتاع الكل
نفى برأسه وهو يأكد عليها:
-لأ بتاع جبل.. اومال فكرك اسمه جبل ليه
لوت شفتيها وحركت رأسها وهي تقول بملل:
-ماهو أكيد اسمه محمد مثلًا إبراهيم كمال وطلع عليه جبل ده
تابع النظر في عينيها مباشرة وابتسم بسخرية قائلًا:
-لأ يا أنصح أخواتك اسمه جبل.. جبل العامري نسبة للجبل اللي على الجزيرة
تمددت على الفراش ونظرت إلى سقف الغرفة قائلة باستغراب:
-وده ليه؟ وليه ممكن باباك يسميه جبل
أطال النظر إليها، يعلم أنها فضولية للغاية وتود معرفة كل شيء وما السبب وراءه وما النتيجة من بعده وهذا سيتعبه ويتعبها كثيرًا، يحمد الله أنه بعيد عن الجزيرة كل البعد
أردف بجدية وقوة وهو يخرج الكلمـ.ـا.ت من شفتيه بحزم وداخله خـ.ـو.ف لأنه يعلم زوجته جيدًا:
-زينة أهم حاجه زي ما قولتلك مالكيش دعوة بجبل نهائي، لو شوفتيه من بعيد متقربيش منه خليكي بعيدة زي ما أنتي.. أنا قولتلك جبل مش سهل ومش أي حد يقدر عليه أخويا الكبير وأنا عارفه
استدارت بوجهها للناحية الأخرى تتثائب وتسحب عليها الغطاء:
-وأنا هشوفه فين بس يا يونس.. نام يا حبيبي
تنهد بعمق وهو ينام جوراها ويغمض عينيه قائلًا كلمـ.ـا.ت لم يكن يعلم أنها حقيقية إلى هذه الدرجة في وقتها:
-مين عارف اللي مستخبيلنا.. محدش يعرف الأيام فيها ايه يا زينة"
استفاقت من تلك الذكرى التي لعبت بعقلها، لقد كان "يونس" زوجها يعرف الكثير عن شقيقه! يعلم أنه صعب للغاية وقال لها هذا الحديث وحذرها، هي إلى الآن لم تقابل أي شيء صعب منه بل قابلت أفعال رديئة يمكنها ابتلاعها إلى أن تذهب..
ولكن ما في رأسها الآن هناك شيء غير قانوني يحدث في هذه الجزيرة حقًا وكان يعلم به "يونس".
هل أخفى عنها حقيقة شقيقة وعائلته؟ ولما قد قال أنه يعمل محامي ووالدته قالت أنه كبير الجزيرة وينوب أهلها! هل كل هذه الشكوك في رأسها هي فقط وعقلها الذي يوسوس إليها بهذا أم أنه صحيح وواقعي..
تعلم أن عقلها سوداوي وكل أمر بسيط يعقده ويجعله أقرب إلى المستحيل حدوثه وكل أزمة تمر بها يكبرها ويجعلها على وشك أن تكون متهمة بها ولكن هناك إحساس هذه المرة ينبعث من قلبها يتفق مع عقلها بقول أن هناك الكثير من الأشياء المخفية والكثير بخصوص ذلك "جبل" الذي أخذت التحذير الكافي بخصوصه من زوجها ولم تأخذه على محمل الجد بل وتهاونت به أيضًا..
تشعر أنها تائهة بين عقلها وقلبها على متن هذه الجزيرة التي تقع في مُنتصف النيل، لا يدري بوجودها بشر ولا سبيل للنجاة منها إلا الهرب أو الغرق..
❈-❈-❈
مر الأسبوع الذي انتظرته بفارغ الصبر، لقد كان أشبه بالعام وليس بضع أيام تخلد للنوم بها وتستيقظ وتجدها انتهت، كانت أشبه بأوقات السـ.ـجـ.ـن المملة، تعتبر نفسها سجينة داخل زنزانة وتنتظر لحظة الإفراج وإخلاء سبيلها.. وهذا ما كان بالضبط يحدث لقد كانت تنتظر على أحر من الجمر كي تذهب من على هذه الجزيرة عائدة إلى مكانها مرة أخرى وبحوزتها الأموال الذي تجعلها سعيدة هي وابـ.ـنتها وشقيقتها..
الإنتظار كان قـ.ـا.تل ولكنها تحملت فقط من أجل أن لا يضيع كل هذا هباء ويذهب تعبها في الوصول إلى هنا ومعاناتها السابقة مع الرياح..
ولكن الحقيقة أن مخاوفها كانت تزداد يوم بعد يوم أثناء وجودها هنا بالأخص عنـ.ـد.ما أتت الشرطة إلى الجزيرة وعنـ.ـد.ما تذكرت حديث زوجها واستمعت إلى حديث العاملين بالقصر.. ظلت الأفكار تتهاتف على عقلها بكثير وتأتي من هنا وهنا وتجعلها تشعر بالخـ.ـو.ف والرهبة على ابـ.ـنتها وشقيقتها في هذا المكان..
لقد كانت ستضيع منها شقيقتها بسبب سوء فهم من أحد الحراس إذًا هم يعتادون على ذلك وعلى أهبة الاستعداد دائمًا لقــ,تــل أي شخص يقف في مواجهتهم..
وكل ما كان يشغل رأسها أيضًا مع هذا هو أنه لو كان صحيح زوجها يعلم وتركها هكذا تضل ما يحدث؟ ماذا لو حدث لهم شيء ألم يكن خائف على ابـ.ـنته وزوجته؟ أم أنه كان خائف من أن يقوم بفضح عائلته أمامها!..
على أي حال لقد انتهت المدة التي طالبت بها والدته الآن عليهم أن يوفروا لها حقها هي وابـ.ـنتها، عليهم أن يجعلوها تنال الراحة ولو قليلًا فهي تحمل على عاتقها مسؤولية أكبر منها هي شخصيًا.. قد تبدو جـ.ـا.مدة حادة صالبة أمام الجميع ولكن داخلها هش للغاية يبحث عن الأمن والدفء الذي ينعم به ولو حتى لدقائق..
أنها الشخص الكبير في أسرتها وهي الأمن بالنسبة إليهم كل منهم يرتمي في أحضانها في السعادة والحـ.ـز.ن والشـ.ـدة والضعف.. ولكن هي ليس لديها من ترتمي في أحضانه وتلقي عليه بعض من تلك الهموم التي تحملها وحدها..
فقط عنـ.ـد.ما تأخذ المال وتعود إلى دبي لن يكون هناك مشاكل ولن تحتاج إلى أن يكون جوارها من ترتمي بأحضانه.. سيغنيها المال عن أي شخص ويحل محل المشكلات العويصة كالتي واجهتها..
❈-❈-❈
في لحظة ما شعرت أن حياتها انتهت وقلبها توقف عن النبض، كل ما فعلته هو التجول في مكان غريب وجديد عليها ولكن لم تكن تتوقع أبدًا ما سيحدث لها داخل قصر العامري، شعرت أن حياتها رخيصة للغاية ولا ثمن لها.. في لمح البصر كانت ستُقــ,تــل ولن يكن لها دية عندهم ومنذ أن حدث ذلك وهي متـ.ـو.ترة وقلقه بشأن وجودها هنا في هذا المكان..
فهم يتعاملون معهم على أنهم بمنتهى البرود والبساطة وكأن حياتهم ليس لها أي قيمة.. لقد اؤذيت نفسيتها كثيرًا مما حدث وشعرت بالقلق والخـ.ـو.ف المبالغ به حتى أنها لم تخرج من بوابة القصر أبدًا من حينها وكأن قابض الأرواح ينتظرها بالخارج غير أن ذلك الغـ.ـبـ.ـي نعتها بألفاظ بشعة وشكك بها وكأنها فتاة رخيصة تفعل أي شيء دون حساب ولم تحصل على الأدب في حياتها يومًا ما..
بكائها والحلف بيمين الله لم يشفع لها ولم يرق قلبه ناحيتها ذلك المعتوه الأهبل الذي يماثل الأصنام في طولها وحجمها الكبير الذي يبتلع البشر..
جلست في الخارج وهي تطمئن أن الجميع علم بوجودها فلا خـ.ـو.ف بعد ذلك منهم هؤلاء الحراس الأغـ.ـبـ.ـية..
نظرت حولها وهي تجلس على المقعد وكأنها في بيت رجل عصابات أو مافيا ليس في مكان قذر كهذا.. البوابة الخارجية عليها حارسان والداخلية عليها حارسان وهناك غرفة للحرس بجوار البوابة من الأساس غير هؤلاء الست أو السبع حراس المتناثرين في الحديقة وكل منهم يحمل سلاح!.. لما كل هذا؟
لوت شفتيها باستغراب وعدm معرفة ثم فتحت جوالها الخاص ورفعته أمام وجهها ليبدأ البث بينها وبين أحد الأصدقاء لها..
تحدثت صديقتها على الناحية الأخرى باللغة الإنجليزية مُبتسمة:
-Hello Israa, how are you
"مرحبًا إسراء، كيف حالك"
أجابتها الأخرى بابتسامة تماثلها على وجهها وهي تُجيب بحماس:
-Hi Laura, I'm fine, I missed you so much
"مرحبًا لورا، أنا بخير لقد افتقدتك كثيرًا
قابلتها الأخرى بسعادة وتساؤل:
-Me too, really, I've had a hard time reaching you since you left here
"وأنا أيضًا حقا، لقد واجهت صعوبة في الوصول إليك منذ أن رحلتي
أومأت إليها "إسراء" باستياء بسبب عدm وصول الشبكة إلى هنا دائمًا:
-Yes, the situation here is very bad and there is no internet
"نعم الوضع هنا سيء للغاية ولا يوجد انترنت"
تفاجات صديقتها وتغيرت تعابيرها وهي تتسائل بجدية وذهول:
-Oh, how can you endure without the Internet? Is there any place left in the world now without the Internet?
"اوه، كيف يمكنك الصمود دون انترنت، هل بقي مكان في العالم دون وجود انترنت
أومأت إليها ضاحكة بسخرية على حالها:
-Yes, here there is no, and here many things happen that you will not believe. I will tell them to you when I return to Dubai
"نعم هنا وهناك الكثير من الأمور تحدث لن تصدقينها سوف اقصها عليكي عنـ.ـد.ما أعود إلى دبي"
تسائلت الأخرى بحماس:
-when you will come back
"متى ستعودين"
لوت شفتيها بعدm معرفة ولكن أجابتها:
-I don't know, but soon the situation here will be unbearable
"لا أعلم ولكن قريبًا الوضع هنا لا يحتمل"
ثم أدارت كاميرا الهاتف لصديقتها وقامت برصد الحراس المسلحين لها لتريها الوضع الذي تجلس به، شهقت الأخرى بفزع عنـ.ـد.ما رأتهم وتسائلت بخـ.ـو.ف عليها:
-Oh my God what is this
"يا إلهي ما هذا"
تحدثت "إسراء بهدوء وبساطة:
-These are the guards of the palace we live in. I miss Dubai and touring around here is truly another life
"هذه حراسة القصر الذي نعيش به، لقد اشتقت إلى دبي والتجول بها حقا هنا حياة أخرى
استمعت إلى صوت خشن حاد فوق رأسها:
-مش المفروض أننا نصور حراسة القصر كده بتخالفي القوانين تاني
وقفت سريعًا لتستدير ناظرة إليه بخـ.ـو.ف وتـ.ـو.تر، نظرت إلى صديقتها تنهي معاها المكالمة سريعًا:
-Laura, I'll talk to you later
"لورا سأحدثك لاحقًا"
أغلقت الهاتف سريعًا ونظرت إليه قائلة بجدية شـ.ـديدة وقلبها يدق بعنف:
-أنا مكنش قصدي.. دي صاحبتي مش حد غريب
ابتسم "عاصم" بتهكم وهو يقول لها بجدية شـ.ـديدة وعيونه حادة عليها:
-أنتي نفسك غريبة
تحركت بقدmيها للأمام بعد أن تلبكت بسبب حديثه ونظراته وهتفت وهي تتحرك:
-عن اذنك
جذبها من ذراعها بقوة لتعود وتقف أمامه مرة أخرى، خلعت ذراعها من بين يده القوية ونظرت إليه باستغراب فاستمعت إليه:
-أنا بعتذر عن اللي عملته معاكي.. مكنتش أعرف أنك دخلتي القصر فكرتك حد تاني
نظرت إليه، تابعته بعينيها الزرقاء وبقيت صامتة فاستغل هذه الفرصة وأبحر داخل جمالها الأخذ في وسط النهار وهو ظاهر بوضوح للجميع.. التهم ملامحها الرائعة الجميلة عينيها الزرقاء وشفتيها الوردية وبشرتها البيضاء الغريبة..
أكل بعينيه كل ملامحها ومفاتنها ورائحتها!.. تنبعث منها رائحة نظيفة رائعة يفتقدها في مثل هذه الجزيرة.. والحق يقال هو يفتقد فتاة جميلة بريئة مثلها..
يبدو عليها الإرتباك والغباء أيضًا، ضعيفة وسلبية للغاية يظهر ذلك عليها بوضوح وعلمه وتيقن منه عنـ.ـد.ما ارتمت داخل أحضان شقيقتها ولم تستطع الحديث بينما الأخرى ذات المخالب هي من تحدثت..
غريبة هذه الفتاة بكل تفاصيلها ولا يبدو أنها شقيقة الأخرى عادية الجمال.. هل يحقق بها؟ هل عينيه تجوب وجهها مرة بعد مرة؟ هل وقف أمام عيونها الزرقاء ولم يعد يستطيع أن يزحزح عينيه عنها؟ هل يدق قلبه الآن؟!
تنهد سريعًا ومحى هذه الأفكار الغـ.ـبـ.ـية من رأسه، أخفى كل ما شعر به في دقيقة واحدة إن كان أظهره من الأساس ونظر إليها قائلًا بصوت رجولي أجش:
-قبلتي اعتذاري!
اومأت برأسها إليه بخـ.ـو.ف أكثر من السابق بعد أن استغرق كل هذه المدة في النظر إلى وجهها فتابع قائلًا وهو يسترسل معها في الحديث دون دراية أنه يفعل ذلك:
-اسمك ايه بقى
خرج صوتها مبحوح لا تدري من هيبة الموقف أو من تذكر شكله المخيف تلك الليلة:
-إسراء مختار
ابتسم ناظرًا إليها بعمق يقول بحس لا يميل للفكاهة:
-انتوا عيلة موسيقية ولا ايه ده اسم موسيقي
وجدها جـ.ـا.مدة الملامح تنظر إليه باستغراب ربما لا تستطيع أن تفهم ما الذي يحدث الآن فسألها:
-هو أنتي لسه خايفة
حركت رأسها للأمام بنعم ثم سريعًا حركته يمينًا ويسارًا نافية ولكنه عنـ.ـد.ما رآها تفعل هذا بجسد صلب ووجه جـ.ـا.مد انفرط في الضحك بصوت عالي.. بدأ مظهرها غـ.ـبـ.ـي فعلًا وضعيف، متـ.ـو.ترة وتتمسك بهاتفها بيدها بقوة ولو لم يكن معدن صلب لكان كُسر بيدها من كثرة الضغط عليه..
وقف ثابتًا وتفوه بجدية وابتسامة:
-متخافيش إحنا مش بنأذي حد وأنا مكنتش هعمل فيكي حاجه.. ده كان مجرد تهديد وبعدين أنتي شكلك عيله صغيرة يعني متخافيش
خرج صوتها هذه المرة بقوة وصوت واضح وهي تنفي كلمته بغـ.ـيظ وانزعاج:
-أنا مش عيله
تابع انزعاجها بنصف عين وأدرك أنها طفلة للغاية ويستطيع أن يقسم على ذلك ولكنه تعامل معاها بنفس أسلوبها واسترد:
-عندك كام سنة
أجابته بفخر وهي تبتسم قائلة:
-اتنين وعشرين
فهم ما الذي سيجعلها تسترسل معه في الحديث بعد تلك الابتسامة فتابع معها وهو يتحدث بما يهواه عقلها:
-ياه دا أنتي كبيرة كده فعلًا
أشارت بيدها إليه بحماس وابتسامة واسعة:
-شوفت بقى إني كبيرة ومش بحب حد يقول إني صغيرة
تابع على نفس النحو باستهزاء من داخله ولكنه يكمل معها:
-لأ مالهمش حق يقولوا كده طبعًا
أكمل وهو يقدm يده إليها وهو يشعر بالكثير من الأمور الثائرة داخله على بعضها البعض ولكنه لا يستطع الإبتعاد أو تحريك نظرة عنها:
-أنا عاصم.. رئيس الحرس وصاحب جبل
نظرت إلى يده الممدودة إليها بتردد ثم قدmت يدها إليه ووضعتها بها قائلة بابتسامة واسعة:
-وأنا إسراء أخت زينة مرات يونس الله يرحمه
حرك رأسه ومازال ممسكًا بيدها قائلًا:
-مش زعلانه من اللي عملته أكيد
حركت رأسها بالنفي مجيبة عليه:
-لأ خلاص مش زعلانه كده
ترك يدها وابتسم باتساع، لا يدري ما الذي يحدث له يُقسم على أن كل ما حدث بينهم الآن من حديث وانجذابات ليس له يد به كل هذا حدث دون دراية منه ودون إرادة، ينجدب نحوها كالمسحور وقلبه يدق بعنف ناحيتها وكأنه في مشادة قتالية مع أحدهم..
لقد رحلت من أمامه ودلفت إلى الداخل وهو مازال ينظر في أسرها يحاول فهم ما الذي حدث منذ قليل وما هذه الفتاة الرائعة في الجمال والطفولة للغاية في حديثها وأفعالها..
❈-❈-❈
كانت الأيام الماضية من أسوأ الأيام الذي مرت على "جبل العامري" ومن أسوأ الليالي الذي حظى بها وحده، لقد أشعلت والدته داخله نيران لا تنطفئ إلا بشيء واحد يعرفه جيدًا ولكنه يأبى فعله..
أشعلت النيران وأمسكت بالبنزين ساكبة إياه عليه ولا تريده أن يشتعل بل تريد أن يمر كل شيء بسلام كيف وهي من فعلت ذلك؟..
لقد كان يعيش بهدوء وحده ولا يفكر في هذه الفكرة الغـ.ـبـ.ـية الخبيثة التي قالتها له، لم يكن ينوي فعلها ولم يتوجه إليها يومًا ما منذ أن أصبح "جبل" الآن..
هي أيقظت الفكرة وأتت بمن سينفذها أمامه وتدفعه لفعلها.. كلما مرت زوجة شقيقه أمامه شعر بنيران تلتهب داخله وتأكل خلاياه وتشعل الرغبة به..
مرة بعد مرة لا يستطيع التحكم في نفسه فيذهب سريعًا من محيط مكانها يبتعد ليكون وحده غير قادرًا على التحمل، لقد اشتعلت شهواته مع النيران وطالبت بالرحمة والمغفرة وأن يعفو عنها سامحًا بوجود امرأة بحياته كي يقــ,تــل كل ذلك الألم الذي يقــ,تــله وحده..
وجود هذه المرأة التي تتغنج أمامه كالغزال بخصلاتها السوداء الطويلة يصيبه باللعنة، لا يستطيع السيطرة على نفسه في حضرتها ولا يستطيع أن يتوقف عن التفكير في ذلك الأمر في غيابها.. ما الذي يقوله عن والدته فهي المتسبب الوحيد في كل ما يحدث هذا..
أنه يفكر في عيونها القناصة الذي تصيبه في لمح البصر كلما نظرت إليه وقابلت عيناه، تبعدهم كلما تقابلوا سويًا ولكن أثرها عليه عجيب ويجعله يشعر بالخـ.ـو.ف من وجودها..
الآن هو يريدها، بكل جوارحه يريدها هي بالأخص فهي من ولدت أمامه واهتاج جسده ناحيتها فلا يريد غيرها ليكون موضع لكل آنه ألم تخرج منه..
أمامه حل من الاثنين، الأول أن يقــ,تــل كل هذه المشاعر الجياشة داخله ويتحكم بنفسه وجسده ويعطيها ما لها عنده ويجعلها ترحل دون رجعه ويعود هو الآخر إلى وضعه الطبيعي ويمحي فكرة وجود النساء في حياته.. وفي هذه الحالة ستغضب والدته وتثور وتفعل ما لا يحمد عقباه وربما تقف فيما يفعل ولن تجعله ينجح أبدًا ولن يستطيع قول شيء لها
والثاني أن يفعل مثلما طلبت والدته ويلبي طلب أعضائه واحتياجاته ويقوم بقــ,تــل ذلك الاشتياق الذي يدعي بقربها منه ويتزوجها وهنا لا يضمن وجودها على الجزيرة ما الذي ممكن أن يفعله خاصة أنها لا يبدو عليها من النساء المطيعات ولكنه يستطع أن يجعلها منهن..
وقفت أمامه في الصالون تنظر إليه بابتسامة مشرقة وهي تعتقد أنه استدعاها لأجل أن يقول لها أنه تم الانتهاء من إجراءات الميراث وستذهب!.. يا لها من طموحات وأحلام بسيطة ولكنها صعبة المنال في حالتها..
وضع يده الاثنين بجيب بنطاله الأبيض ووقف شامخًا يبدو عليه أنه حقًا كبير الجزيرة وقال بصوت أجش خشن:
-مدام زينة.. أنا عايز اتجوزك
محت الابتسامة سريعًا من على وجهها ونظرت إليه بذهول واستغراب بعد أن اتسعت عينيها عليه، لقد قالها بمنتهى العنجهية والتكبر وخرجت من بين شفتيه بنبرة ناهية وكأنه لا يطلب ذلك بل قرر أنه سيحدث..
لم تستطع شفتيها أن تتحرك بالحديث بل بقيت تحت تأثير الصدmة تنظر إليه ولا تعرف ما الذي من المفترض فعله..
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚ "أنهارت حصونها ووقعت فريسة سهلة الصيد"
بقيت صامتة، تنظر إليه فقط بعيون مُتسعة مُستغربة مما استمعت إليه منه، لقد ألقى عليها صاعقة لم تكن مُستعدة لمواجهتها، أهو جن؟ هل هو أحمق؟ نعم مـ.ـجـ.ـنو.ن وأحمق الاثنين معًا من يفعل شيء كهذا يكون مـ.ـجـ.ـنو.ن ومختل عقليًا..
هي زوجة شقيقه! كيف يفكر بها بهذه الطريقة؟ كيف يرى أنها من الممكن أن توافق أن تكون زوجة رجل مثله غامض وغريب الأطوار..
صمتها طال أمامه وهي واقفة تفكر في كل الأبعاد لهذه الكلمة الوحيدة التي خرجت منه وكأنه مـ.ـجـ.ـنو.ن.. أهو يفعل ذلك حتى لا تأخد مالها هي وابـ.ـنتها؟ هل يطمع في حقها وميراث طفلة يتيمة مثل هذه.. إنها لا تطالب بشيء غريب ولا تطالب بحق ليس لها وهو يملك الكثير والكثير لما قد يفعل ذلك..
لما قد يفكر في زوجة أخيه زوجة له؟
حرك عينيه عليها ليحثها على الحديث بعد صمت طال بينهم، حركت رأسها وعينيها هي الأخرى بطريقة عفوية مُطالبة بالشرح أكثر من هذا:
-نعم!
أقترب منها إلى الداخل ومازالت يده بجيوب بنطاله، يقف كما هو بنفس العنجهية والتكبر الذي رأتهم به واستمعت إليه يقول:
-قولت عايز نتجوز
ابتسمت بسخرية وهي تضع يدها الاثنين أمام صدرها قائلة باستياء:
-وأنت بقى بتاخد رأيي ولا قررت
بادلها الابتسامة الساخرة وعلم مقصدها وفهم أن ما أراد أن يوصله إليها قد وصل فقال ببرود:
-أحب اسمع رأيك.. ده لو عندك
تنفست بعصبية وهي تبعد يدها إلى جوارها بعد أن استفزها حديثه وكأنه يقول أنه قرر بالفعل وسيستمع إلى كلمـ.ـا.تها لمجرد الاستماع فقط:
-رأيي هو إني رافضة.. طلبك مرفوض
ابتسم وتقدm إلى الداخل أكثر ليقف قبالتها مباشرة، ينظر إلى سحر عينيها الغاضب من طلبه، ينظر إلى شراسة إمرأة مكبوتة داخلها لأنها تخاف من أن تخرجها في مكان لا أحد معها به وهي الحامي الوحيد لعائلتها..
هتف ببساطة واستلذ بالحديث معها:
-هسيبك تفكري.. بس خدي بالك في الآخر كلامي هيتنفذ
تحولت نظرتها نحوه للغضب الذي ظهر عليها فجأة وقالت بتهكم:
-ليه لوي دراع؟
سار داخل الغرفة، أخذها نقطة الدائرة وأصبح يلف حولها بجسده ثم وقف أمامها وثبت عينيه الخضراء عليها قائلًا بقسوة:
-أنا مبلويش دراع حد.. أنا بقطعه
ابتلعت غصة تكونت في حلقها وتابعت في تمثيل الشجاعة والغضب تهتف:
-المفروض أخاف!؟
ابتسم ناظرًا إليها وهو يقف أمامها لا يفصل بينهم إلا نسمـ.ـا.ت الهواء المارة:
-شيء يرجعلك
رأت نظرته نحوها في هذه اللحظة!.. رغبة خالصة نابعه من داخله.. أنها تعرف هذه النظرات جيدًا ألم تكن متزوجة لمدة ثلاثة أعوام!..
أيعتقد أنها سهلة المنال إلى هذه الدرجة؟ لقد فكر في وجود إمرأة في حياته ولم يجد إلا هي! أو أنه لم يفكر من الأساس بل وجودها أمامه جعله يريدها ليفرغ بها شحنته المتكونة داخله.. هذا يظهر عليه بوضوح!.. إنه لا يستطيع اخفاءه
ابتلعت ريقها ورفعت يدها إلى صدرها مرة أخرى ووقفت أمامه شامخة مُعتدلة مثله بالضبط، نظرت إليه بقوة دون خـ.ـو.ف وخرجت الكلمـ.ـا.ت من فمها مُتتالية بمنتهى الثقة:
-جبل بيه.. أنا أرملة أخوك من خمس سنين كنت عايشة في بلد غريبة ولوحدي لأ وكمان مسؤولة عن بـ.ـنتين معايا.. عدت عليا ظروف حلوة والوحشة أضعاف مضاعفة ومر عليا الراجـ.ـل الجدع.. واللي عينه زايغة ومليانه رغبة كـ.ـد.ابة ناحيتي وأنت بقى مش حد غريب علشان أتكلم معاه.. أنت أخو يونس الله يرحمه اللي مش هيجي بعده أبدًا
شعرت أنها تود أن تتحدث معه بهذه الطريقة بعد أن رأت تلك المشاعر بعيناه، عليها أن تجعله يقف عند حده ويعلم أنها تستطيع حماية نفسها من أي شر قد يكون معتقد أنه سيخيفها به:
-أنا بعرف أحمي نفسي كويس أوي وزي ما قولتلك عدا عليا كتير والوحش منهم أكتر فأنا مبخافش ومبتهزش.. أنا السبب اللي جابني هنا أزمة مالية وإني عايزة بـ.ـنتي تفضل عايشة في نفس المستوى اللي عيشها فيه أبوها فجيت أخد حقها وحقي.. مش جايه أخد حق حد
ابتسم باتساع وحرك رأسه بذهول، لم يكن يعلم أنه ماكرة إلى هذه الدرجة.. لدرجة فهم ما الذي يريده منها، أخرج يده اليمنى من جيب بنطاله ورفعها إلى وجنتها يُحركها عليها برفق وطريقة غريبة قائلًا ببرود:
-حلو إنك بتتكلمي دوغري يا مدام زينة.. بس أنا بردو هديكي فرصة تفكري ومش عايزك تنسي أبدًا مين هو جبل العامري
ضـ.ـر.بت يده بقوة تبعد إياها عنها، وصاحت بعصبية أمامه:
-بقولك ايه.. أنا ميخصنيش مين هو جبل العامري كل اللي يخصني أخد حقي وأمشي ولا أكتر ولا أقل لكن اللي بتقوله ده جنان جواز ايه وبعدين هو أنا يوم ما أفكر اتجوز بعد يونس اتجوزك أنت!
استدار ينظر إلى الخلف للحظة ثم في اللحظة الأخرى كان يقترب منها بيده اليمنى يضعها خلف عنقها يجذبها ناحيته للأمام حتى أنها أخرجت صرخة مباغتة ونظرت إليه باستغراب وذهول..
وجهها قريب منه للغاية وأنفها يستنشق أنفاسه الساخنة المتتالية بعصبية وغضب أتضح إليها أكثر وهو يتحدث أمام شفتيها بصوت خافت يماثل فحيح الافعى:
-هنغلط! يبقى هنزعل من بعض وأنا زعلي وسـ.ـخ مش وحش.. أنا زعلي وسـ.ـخ يا غزال، الله وكيل ما هتستحمليه ساعة
كانت ترفع عينيها للأعلى لتقابل عينيه المخيفة التي تسبب لها الرعشة بجسدها كلما رأتها هكذا، لم تفهم الذي يحدث معها، لم تفهم ما الذي يريده منها ولما قد يقابلها بهذه الطريقة ولما التهديد هذا..
أوقعت بين يده؟ أخطأت عنـ.ـد.ما أتت إلى هنا لتأخذ نصيب ابـ.ـنتها وتضمن مستقبلها؟ ستتحمل نتيجة خطأها وعدm الاستماع إلى زوجها يونس؟ هل كان عليها أن تتسول ولا تأتي إلى هنا! إلى جزيرة العامري
انتشلت نفسها منه وعادت للخلف بقوة تنظر إليه بعيون يملأها الحقد تجاهه والنـ.ـد.م لأنها أتت إلى هنا تخاف أن تكون هذه بدايتها..
استدارت تعطيه ظهرها، لقد صدmت منه، ابتلعت كلمـ.ـا.ته بخـ.ـو.ف شـ.ـديد، لقد كان "يونس" معه كامل الحق يجب الإبتعاد عنه.. يجب أن تكون على بعد كافي من هذا الشخص ولكن كيف فهي أتت إلى هنا بمحض إرادتها..
تنفست بعمق واستدارت إليه مرة أخرى تنظر بجدية وحاولت ألا تظهر له خـ.ـو.فها، كي لا تكون فريسة سهلة الصيد وقالت بثقة وتأكيد:
-للمرة المليون هقول.. أنا جايه علشان أخد حقي أنا وبـ.ـنتي وأمشي، جواز مرفوض نهائي وياريت تنجز في حوار الميراث ده علشان نمشي
نظر إليها بابتسامة شامتة بها وبما حدث لها من تلبك وتـ.ـو.تر يظهر بوضوح على ملامحها وحديثها على الرغم من أنها تحاول أن تخفيه ولكن ليس هو من يخفى عليه أمرًا..
وضع يده في جيبه مرة أخرى وسار بهدوء إلى الخارج وبلا مبالاة متناهية وقال بنبرة هادئة:
-معاكي فرصة تفكري وهاخد منك الرد قريب.. يا غزال
خرج من الغرفة بمنتهى العجنهية والتكبر وهو يُسير بخطوات ثابتة بطيئة واثقًا في كل ما يفعله يظهر إليها الشمـ.ـا.تة، بعد أن وجدها عادت للخلف خطوة متزعزة قوتها وفار غضبها إلى جوارها على الأرضية..
يا له من حاكم لا مثيل له في هذه البلاد، وقريبًا سيعلن الأفراح ويأخذ ما أراد وينال من نظر إليه واشتهاه وكل هذا بسبب والدته..
بقيت تنظر إليه بذهول.. كيف يمكنه أن يكون هكذا؟ كيف يمكنه أن يهددها بهذه الطريقة.. لأنها رفضت هذه الزيجة.. رفضت حديثة ما الذي ينتظره؟ لما لم يتحدث عن الميراث؟ ماذا أن رفضت مرة أخرى؟
جلست على المقعد خلفها وبقيت تنظر في الفراغ وعقلها السلبي يأتي بها من هنا إلى هناك ويتحدث معها في أمور سلبية للغاية ولكن كان على حق.. كل ما أملاه عليها سيحدث لها أن رفضت الزواج منه..
ما هذا الظلم الذي تمر به هنا وهناك؟ أين العدل!.. ما هذة الحياة الظالمة! أتت لتأخذ مالها يرفض ذلك ويطلب الزواج منها!!.. يطمع في حقها! أم يطمع بها؟
ولكن على أي حال لن تتراجع عن ما أرادته ولن تعود إلى دبي إلا ومعها حقها وإن رفض ستقوم برفع دعوى قضائية ضده، ولن توافق على أي زواج في هذا المكان المشؤوم الغير معروف له اسم.. حتى أنه لا يوجد على خريطة الدولة..
تنهدت بصوت مسموع وهي تحمل همومها داخل قلبها لتقف على قدmيها تتقدm إلى الخارج بعد أن أخذت منه أكبر صدmة بحياتها.. فهي الآن لا تعلم ما الذي يجب عليها التفكير به وهو شخص غريب لا تستطيع أن تحدد نتيجة أي ردة فعل منها..
❈-❈-❈
بعد أن قال الحارس لـ "طاهر" أن بضاعتهم قد أصبحت على الجزيرة في مكانها المعروف، أتت الشرطة ولم تجد شيء كان يعلم هو أين نقلهم "جبل" ولكن لم يكن من المفترض البوح بذلك إلى "طاهر" وإلا يكون كشف أمره.. وكما أراد هو حدث أنه يمسك الاثنين بيده واحدًا من هنا والآخر من الناحية الأخرى..
كان يتحدث عبر الهاتف مع "طاهر" الذي صاح بانفعال:
-بقولك ايه هو أنا أهبل قدامك علشان تضحك عليا
انفعل الآخر مثله وصاح بصوت عالي وهو يبتعد إلى خلف القصر:
-لأ مش أهبل يا طاهر وأنا عمري ما ضحكت عليك
استرد "طاهر" بتهكم وسـ.ـخرية وهو يقلل منه لأنه لم يأتي إليه بالنفع أبدًا:
-وعمرك بردو ما نفعتني يا حيلتها
أشار بيده بعصبية منفعلًا وهو يُجيب على حديثه الساخر منه:
-وأنا أعملك ايه جبل عرف أن الحكومة شادة عليه نقل البضاعة كلها ومنعرفش فين
تحدث الآخر بغـ.ـيظ وانزعاج متسائلًا بعصبية لأنه يعلم أنه يكذب عليه:
-أهبل أنا ياض.. نقلهم إزاي وانتوا متعرفوش هو انتوا مش حرس عنده ولا ايه
أتى بأخره بسبب حديثه الغير مقبول بالنسبة إليه فصاح بنفاذ صبر وقوة:
-بقولك ايه أنت يا طاهر أنا هكدب عليك ليه أنا لو مش عايز اشتغل معاك مش هتضـ.ـر.بني على أيدي.. هو زي ما بقولك كده جبل نقل البضاعة من غير الحراس اعرفلك أنا منين هو نقلها فين
تحرك "طاهر" في الغرفة بعصبية وهو يصيح:
-وأنت لزمتك ايه.. ما تسأل أعرف دور وراه
تهكم الآخر عليه وتشـ.ـدق قائلًا:
-وأروح في شربة مايه علشانك.. أنت عارف جبل مبيرحمش
ابتسم وهو يتحرك قائلًا بخبث ومكر ظهر في صوته:
-بس هيجي عندك ويرحم ولا أنت قليل عنده
احتدت نبرة الآخر بضراوة وهو يقول:
-طاهر بلاش تصطاد في المايه العكره
تحدث "طاهر" بحدة عنـ.ـد.ما نفذ صبره وهتف قائلًا:
-ولا أنا عايز أخبـ.ـار أعرف استفيد منها.. فاهم
أجابه بهدوء وهو ينظر من خلف القصير إلى الأمام ليأمن مكانه الذي يتحدث منه خـ.ـو.فًا أن يستمع إليه أحد:
-لما يجد المستجد أبقى أقولك
أردف يرد بمكر:
-بس أنا سمعت جديد
ضيق عينيه وتسائل باستنكار:
-ايه وكلت غيري ولا ايه
قال بهدوء وجدية وهو يلعب بالكلمـ.ـا.ت ليزعجه:
-لأ أنا الجديد جه لحد عندي من غير ما اوكل حد.. اللي أنا وكلته خيخه
أردف مُجيبًا باختناق وانزعاج منه ومن كثرة حديثه:
-طاهر.. الزمها
تسائل بجدية مضيقًا عينيه ينتظر استماع الإجابة:
-مرات أخوه اللي مـ.ـا.ت موجودة في الجزيرة
اومأ وهو يحرك الهاتف إلى الأذن الأخرى قائلًا بجدية:
-وبـ.ـنته ومعاها أختها صاروخ أرض جو
سأله بفتور:
-أختها ولا هي
أجاب الآخر بضيق:
-أختها يا أبو مخ ضلم.. أختها
تسائل مرة أخرى بجدية أكثر يريد معرفة الأمور الذي تحدث عندهم بدقة:
-ودول عايزين ايه ولا جايين ليه.. مش غريبة أنهم موجودين في الجزيرة
أجابه هو الآخر بفتور مثله ونبرة لا مبالية بحديثه:
-جايين زيارة.. علشان الحجه وجيدة تشوف البت الصغيرة وماشين
اومأ برأسه:
-اه قولتلي كده
تابع بجدية شـ.ـديدة يؤكد عليه أنه ينتظر منه المعلومـ.ـا.ت الكافية التي تبرد ناره من ناحية "جبل":
-هستنى مكالمة منك تقولي فيها على الجديد الشـ.ـديد اللي ينفعني بصحيح.. مش لعب عيال
رد الآخر بجدية:
-ماشي.. أعرفه وأقولك
ثم أغلق الهاتف دون حتى أن يستمع إلى باقي حديثه فقد مل منه وشعر بفوران الدmاء في عروقه بسبب كثرة حديثه وإلحاحه عليه كل فترة صغيرة فقد طفح الكيل منه ومن طلباته التي لا تنتهي بخصوص الانتقام من "جبل" عن طريق أي خطأ يقع به لأن ذلك الأبلة لا يستطيع في أي شيء ليصيبه لأنه غـ.ـبـ.ـي ولا يستطيع التفكير والتدبير كما يفعل الآخر فقط يريد أخذ مكانه في البلد ولا يفكر في عواقب ذلك عليه بعد أن يناله..
❈-❈-❈
سارت "إسراء" راكضة خلف "وعد" في حديقة المنزل الكبيرة والمكان الوحيد للخروج إليه من هذا القصر الكئيب، فقد ملو الجلوس به وهم لم يكونوا معتادين على مثل هذه الجلسة..
سارت خلفها ضاحكة بصخب وصوت عالي:
-مش هسيبك.. همسكك يا عفريته
وقفت الطفلة على بعد منها وأخرجت لسانها بدلال وهي تقول برقة صارخة:
-مش هت عـ.ـر.في
ركضت ناحيتها سريعًا بغـ.ـيظ:
-طيب أنا هوريكي يا سوسه
استدارت "وعد" لكي تركض في الحديقة مُبتعدة عنها ولكنها وجدت جسد صلب يقف أمامها لم تدري بوجوده إلا عنـ.ـد.ما صدmت رأسها بعمود من أعمدته..
حيث أنها عنـ.ـد.ما التفت لتذهب راكضة كان قدmية خلفها مباشرة فاصطدmت به..
انحنى قليلًا ورفعها على ذراعه ناظرًا إليها بتمعن وجدية، فاستمع إلى صوتها الرقيق وهي تسأله:
-أنت مين! نزلني
تابعها بابتسامة واسعة على شفتيه الغليظة ثم أردف بصوت حنون:
-أنا عاصم كنت صاحب بابا يونس
نظرت إليه بعينيها مدققة به ثم قالت ببراءة أطفال:
-بجد؟ بس أنا عمري ما شوفتك
سألها مُضيقّا ما بين حاجبيه يركز عينيه عليها:
-وأنتي شوفتي صحاب بابا قبل كده
أومأت إليه بالإيجاب وهتفت قائلة بهدوء وهي تستند بيدها اليمنى على كتفه:
-آه عمو حمزة بس اللي صاحب بابا وكان بيجيلنا على طول
أكمل يوضح لها سبب عدm معرفتها به وعدm ذهابه إليهم:
-أنا كمان صاحبه بس أنا عايش هنا فمكنتش بجيلكم علشان كده
ضيقت عينيها بشكل طفولي وهي تضغط على شفتيها ثم قالت له بتسائل ظريف:
-أنت عاصم اللي خليت إسراء تعيط
رفع بصره إلى "إسراء" التي كانت على بعد خطوات بسيطة منهم تستمع إلى حديثهم سويًا تنظر إليه بخجل بعد أن استمعت إلى كلمـ.ـا.ت ابنة شقيقتها الأخيرة، فأبتعدت بعينيها عنهم سألها بجدية:
-مين قالك كده؟
أجابته ببساطة:
-أنا سمعت ماما وإسراء وهما بيتكلموا
نظر إلى "إسراء" مرة أخرى وعاد إلى الطفلة على يده قائلًا بعتاب:
-طب ومش كده عيب ولا ايه
حركت يدها في الهواء قائلة:
-أنا مكنتش بسمع بقصدي أنا كنت داخله الاوضه وهما بيتكلموا
مرة أخرى يعود ليفعل نفس الحركة بعينيه ينظر إليها إلى أنها تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها بسبب الخجل الذي أصابها من نظراته التي لا تفهم لها معنى، سأل الفتاة بخبث ومكر:
-وسمعتي ايه
رفعت عينيها عليه بخجل:
-مش هينفع أقولك
سألها باستفهام لمعرفة لما لا تريد قول ما استمعت إليه:
-ليه؟
تفوهت قائلة بأدب واحترام:
-علشان ماينفعش أقول لحد حاجه سمعتها أو شوفتها ماما علمتني كده
ابتسم ناظرًا إليها وحرك رأسه باستغراب ثم أضاف بنبرة حنونة ناعمة يتوارى داخلها الخبث:
-شاطرة.. طيب ممكن نبقى صحاب؟ أنا حتى ممكن ألعب معاكم
ابتسمت بسعادة ونظرت إليه غير مصدقة أنه من الممكن أن يقوم باللعب معهم ليحيي اللعب فهم الاثنين فقط لا يتسلون:
-بجد؟
أومأ إليها برأسه للأمام ونظر إلى الآخرى داخل عينيها مباشرة يبعث الحديث إليها لا للطفلة، قائلّا بصوت خافت نادm على ما فعله يطلب السماح:
-آه بجد بس تسامحيني علشان خليت إسراء تعيط أنا كنت غلطان
حركت يدها عليه وقالت بابتسامة:
-سامحتك
سألها ومازال ناظرًا إلى "إسراء" يبعث الحديث إليها وهي تنظر إليه بخجل شـ.ـديد ووجنتيها تكاد تحترق من شـ.ـدة الخجل:
-هنبقى صحاب؟
اومأت برأسها تؤكد حديثه مطالبة ببدأ الإتفاق من الآن:
-آه نبقى صحاب ونلعب مع بعض دلوقتي
أقترب خطوات معدودة وهو يحمل "وعد" على ذراعه وتوجه ناحية "إسراء" ليقف أمامها مباشرة، عينيه تحاكي عيناها بضراوة، لهفة وشوق ناحيتها لا يدري ما سببه وكأنه يود أخذها في الحال..
سألها بمكر وعيناه تتابعها بدقة:
-مش موافقة ولا ايه
تمتمت بالكلمـ.ـا.ت بخفوت وخجل شـ.ـديد وهي تخفض عينيها الزرقاء عنه:
-على ايه
ابتسم وهو يحاول النظر إلى عينيها بعد أن اخفتهم عنه قائلّا:
-نبقى صحاب
استدارت تعطيه ظهرها بعد أن شعرت بأن عيناه تأكل وجهها وتنظر إليه وكأنها تخترق ملامحها:
-ما وعد وافقت
رد عليها بجدية يسألها وهو يتحرك مع حركتها ليبقى ناظرًا إلى وجهها:
-طب وأنتي
سألته بتـ.ـو.تر وغباء وهي تضيع مع كلمـ.ـا.ته ما بين الأولى والثانية:
-أنا ايه
وقف أمامها مرة أخرى وأقترب للغاية منها ناظرًا إليها بحرارة:
-موافقة؟
أومأت برأسها سريعًا بسبب حدة تـ.ـو.ترها في وقفته أمامها بهذه الطريقة وعيونه عليها لا تتزحزح وهي تشعر بالخجل الشـ.ـديد وكأن النيران تخرج من وجنتيها وجسدها:
-موافقة
قالتها على أمل أن يتركهم ويرحل ليعود إلى مكانه الذي أتى منه ولكنه بقيٰ واقفًا معهم يتحدث وهو يضايقها بعينيه وسؤاله بعد أن فهم كيف تتكون شخصيتها الغـ.ـبـ.ـية الساذجة..
كانت "فرح" شقيقة "جبل" في شرفة غرفتها داخل القصر والتي تطل على الحديقة تنظر إليهم بعيون سوداء أكلتها الغيرة ونهشت ما بداخلها لتجعلها بكل هذا السواد المرسوم بها..
تطلعت عليهم بقلب يحترق ونيران داخلها لا تنطفئ بسبب ذلك الأبلة الذي يسير ينظر إلى كل النساء مُتناسيًا وجودها بحياته..
مُتناسيًا أنها شقيقة "جبل العامري" وابنة هذا القصر وكبير هذه الجزيرة بكل من عليها من نساء ورجـ ـال وحتى حـ.ـيو.انات..
لن تجعله يطول في نسيانه لها ولن تبقى كثيرًا صامدة هكذا وهذه الفتاة هنا تجلس وتذهب من هنا إلى هنا أمام الحراس وأمامه والجميع بتفتن بها وبجمالها الغير طبيعي ولكنها ساذجة غـ.ـبـ.ـية أي أحد يستطيع اللعب بها والنيل منها وإن وقفت بطريقها وطريق سعادتها ستدفع الثمن غالي للغاية وهي دmـ.ـو.ع عينيها تقف على الاعتاب مستعدة للنزوح في أي لحظة..
❈-❈-❈
وقفت في منتصف الغرفة تصيح بعصبية وانفعال شـ.ـديد نتيجة الحديث الذي تستمع إليه منه هو ووالدته تلك السيدة التي أعتقدت أنها تكنُ الحب إليها ولابـ.ـنتها:
قالت "وجيدة" بهدوء وبرود أعصاب وهي ترى "زينة" تصرخ بهم:
-يا زينة يا بتي متخافيش وانتوا بتكتبوا الكتاب هتاخدي كل حقك من يونس ومن جبل كمان
ضـ.ـر.بت بقدmها اليمنى في الأرضية وتحركت بحركات هوجاء غريبة نتيجة لانفعالها الزائد وعصبيتها المفرطة:
-جبل مين ده اللي أخد حقي منه أنا مش عايزة حاجه غير حقي أنا وبـ.ـنتي في يونس ونغور من هنا
أكملت والدته بمنتهى الهدوء واللامبالاة لما تفعله "زينة" مُعتقدة أنها تحاول إقناعها بهذا اللين:
-هنا أامن ليكم من أي مكان تاني ووعد تبقى في حماية عمها
صرخت بهم هم الاثنين وهي تنظر إلى كل شخص منهم مرة قائلة باستياء وانزعاج شـ.ـديد:
-بقولكم ايه أنا بقالي خمس سنين عايشة في أمان مضعش مني غير لما جيت هنا وأنا بـ.ـنتي في حمايتي أنا وطول ماهي معايا محصلهاش حاجه..
ربتت والدته على صدرها بيدها وهي تقول بهدوء غريب يعكر مزاج الأخرى وتشعر من بعده بالفوران:
-الجواز هيبقى أحسن صدقيني أنا بحبك وعمري ما اذيكي
صرخت قائلة وهي تشيح بيدها بهم:
-وأنا رافضة.. أنا رافضة ومش هتجوز هو بالعافـ.ـية
بعد صمت استمر منه وهو يتابع صراخها وحركاتها العنيفة بعينيه وحديثها مع والدته، أشتهاها أكثر من الأول وأحب الوصول إليها أكثر من اللازم ثم نطق بجمود:
-آه بالعافـ.ـية
أقتربت منه دون خـ.ـو.ف بعنفوان وهي تصيح به بغضب:
-لأ مش بالعافـ.ـية مين أنت علشان تتجوزني غـ.ـصـ.ـب.. أنت حتى مش محترم أخوك المـ.ـيـ.ـت أنت إزاي كده
وقف أمامها بعدmا أقتربت منه وسارت أمامه مباشرة نظر داخل عينيها السوداء التي تحترق من الغضب والغـ.ـيظ من حديثهم وأجابها ببرود تام وفتور لا نهاية له:
-أنا كده وهفضل كده.. وعلشان أنا بحترم أخويا المـ.ـيـ.ـت عايز ألم لحمه اللي هي بـ.ـنته وعلشان مظلمكيش وأخدها منك قولت اتجوزك وتقعدي معاها
استنكرت حديثه باستياء وتطاولت عليه وهي تسبه بعصبية رافعة من صوتها علها تثبت له أنها قوية:
-تـ ايه.. تاخد مين مني أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن ولا ايه لأ بقولكم ايه مش علشان أنا دخلت عندكم في المكان القذر ده لوحدي تقولوا خلاص نقدر عليها
أكملت بجدية شـ.ـديدة وهي تنظر إليه بتحدي وقوة:
-أنا ولا هتجوزك ولا هتجوز غيرك وبـ.ـنتي هاخدها وأمشي من هنا وكمان معايا حقي
ابتسم بسخرية وجمود وهو ينظر إلى والدته بتهكم ثم إليها يسألها:
-وأنا ايه اللي يجبرني على كده
وضعت يدها الاثنين أمام صدرها ووقفت تحرك قدmها ناظرة إليه بحدة وشكوكها تلعب بداخل رأسها فتحدثت بلغز لعله يخاف منها:
-كتير يجبرك.. كتير
ابتسم باتساع أكثر وأشرق وجهه ووصل إليه التعبير المناسب الذي أرادت أن توصله إليه فتحكم بالحديث قائلًا:
-أعلى ما في خيلك اركبيه.. مافيش ميراث ومافيش مشي من هنا إلا لو حبيتي تمشي أنتي وأختك يبقى الباب مفتوح وبالسلامة لكن بـ.ـنت عيلة العامري مش هتطلع من هنا.. والقرار قرارك
تحدته وعيناها تقابل عيناه المخيفة، ولكنها حاولت الصمود لأجل أن تذهب من هنا هي وابـ.ـنتها في أقرب وقت، فقد كان "يونس" الوحيد على حق:
-هنمشي يا جبل بيه.. ومتقوليش أن كل ده علشان خاطر وعد لأن وعد دي أنت مسألتش عليها مرة واحدة من يوم يونس ما مـ.ـا.ت، أنا مش غـ.ـبـ.ـية أنا فاهمه كل حاجه
رفع حاجبه يسألها بوضوح وهو يعلم مقصدها:
-اومال علشان ايه؟
قالت بجدية وكره ظهر له لأنها تفهمت جيدًا ما الذي يريده ليس الفتاة الصغيرة ولا المال أنه لا يريد غيرها:
-أسأل عيونك وهي تقولك علشان ايه
أقترب خطوة مُمسكًا بذراعها يسحبها إليه فجعل وجهها مقابلًا له ولفح وجهها بأنفاسه الذي كرهتها من المرة السابقة وهو يهددها مرة أخرى:
-اسمعي يا غزال.. أنا سبق وقولتلك زعلي وحش الله الوكيل وحش بلاش أحسنلك
استغربت هذا الاسم الذي يناديها به للمرة الثانية ولكنها تغاضت عن ذلك الأمر الآن وصرخت بوجهه غير مُبالية بحديثه:
-ما تزعل ولا تتفلق
تحولت نبرته إلى الحدة والجمود وهو يضغط بيده على ذراعها ضاغطًا على كل حرف يخرج من فمه بغلظة:
-ماهو زعلي ده هيطلع على اللي خلفوكي واحد واحد لحد ما يطلع عينك من مكانها وتتمني المـ.ـو.ت ومتلاقيش اللي يدهولك
عاندته وهي تصيح بوجهه ماحيه معالم الخـ.ـو.ف الذي رآها سابقًا على ملامحها ووقفت صامدة:
-اللي خلفوني مـ.ـا.توا من زمان والمـ.ـو.ت ربنا اللي بيديه مش أنت يا جبل بيه يا كبير الجزيرة يا محامي.. مش محامي بردو
راقت له اللعبة واللاعبة، عاند أكثر معها و.جـ.ـعلها ترى العناد كيف يكون وداخله الفرحة تزداد أكثر وأكثر لأنه يحب هذا النوع كثيرًا.. شرسة للغاية ولكنه سيروضها وسيجعلها تخاف فقط عنـ.ـد.ما تلمح خياله:
-أنا حذرتك أكتر من مرة أنتي اللي مصممة تشوفي قلبتي ومسيرك تشوفيها وتجربيها وفي أقرب وقت.. وأعملي حسابك بقى مافيش خروج من هنا ولا لوحدك ولا مع بـ.ـنتك ايه قولك
نظرت داخل عينيه وقالت:
-هنشوف هي مش بالقول
دفعها للخلف وهو يترك ذراعها فتراجعت خطوات أثر دفعته لها، وأخفض عيناه على ذراعها الأبيض المرسوم عليه أصابع يده الغليظة باللون الأحمر والتي بدت تليق بها كثيرًا.. ابتسم بشمـ.ـا.ته وسـ.ـخرية ثم خرج من القصر تاركًا إياها..
نظرت إليه وهو يذهب والدmاء تغلي داخل عروقها، لقد شعرت أنها على وشك وضع يدها الاثنين حول عنقه وخـ.ـنـ.ـقه إلى أن تزهق روحه، يا له من إنسان وضيع قذر لا يفكر في شيء إلا نفسه.. ولكنها لن تستسلم لهم بهذه السهولة..
نظرت إلى "وجيدة" بغـ.ـيظ وغل ناحيتها ولم تريد التحدث معها ولو بكلمة واحدة توجهت إلى الخارج وتركتها جالسة تنظر إليها بغرابة.. وكانت في تلك اللحظات "وجيدة" في أسعد لحظات حياتها لأن ولدها فكر بها كزوجة وأتضح هذا أمامها.. وبما أن هذا حدث فهي لن ترحل من هنا أبدًا وستكون زوجته قريبًا وفي أسرع وقت..
ذهبت "زينة" إلى الخارج وقفت في حديقة القصر، تنظر إليه وإلى البوابة والحراس المتواجدين بكل مكان.. ليس أمامها إلا حل واحد ستفعله ولو كان المـ.ـو.ت يدق بابها لن تصمت إلا عنـ.ـد.ما تأخذ حقها منه وترحل وتتركهم جميعًا..
وهذا لن يحدث إلا إذا تأكدت من شكوكها ناحيته وفي هذه اللحظات تتمنى أن يكون كل ما فكرت به صحيح ويصبح أخطر مما رأت لتفعل به ما يحلو لها ولتريه كيف يكون غضب إمرأة مثلها..
ذهبت إلى البوابة الخارجة وطلبت من الحارس أن يفتح لها لتخرج وهو لم يكن لديه أوامر بمنعها من الخروج ففتح لها البوابة وخرجت منها سريعًا قبل أن يرصدها أحدًا من القصر..
رأته وهو يسير مُبتعدًا إلى الأمام على خط طول القصر، سيره يوازي خط الترعة المتواجدة أمامهم، بقيت واقفة قليلًا إلى أن أبتعد بمسافة كافية لتجعلها تسير خلفه دون أن يراها، كان الجو بـ.ـارد قليلًا والهواء يداعب خصلات شعرها السوداء المتناثرة على جانبي وجهها، بقيت تنظر بعينيها بقلق وتـ.ـو.تر خـ.ـو.فًا من أن يراها أحد الحراس الذين يسيرون خارج القصر قبل فترة والأخرى..
سارت بعد أن تأكدت من إنه أبتعد عنها ولن يستطيع رؤيتها، علمت أنه متوجه إلى نفس المكان الذي تريد التوجه إليه، يالا حظها السعيد لأول مرة، إن كان هو الآخر هناك في نفس التوقيت ستسطيع أن تعلم ما الذي يُخفى عنها هنا..
ابتسمت بفرح وسرور وهي تسير خلفه على بعد ثم توجهت إلى الجسر الخشبي فوق الترعة والذي يفصل الطريقين عن بعضهم، رأته وهو يختفي عن الأنظار بعد سيره ما يقارب الثلاث دقائق في الناحية الأخرى ودلوفه خلف الجبل.. "جبل العامري"
عبرت الجسر ووقفت على الطريق الآخر تسير متقدmة من الجبل لكي ترى ما تريد وتتأكد من شكوكها وتتمسك بالأدلة القـ.ـا.تلة له بين يدها، لا تدري كل هذا بناءا على ماذا لكن إحساسها لم يكذب عليها أبدًا.. وهذا هو الحل الوحيد السير وراء الوهم إلى أن يتحول إلى حقيقة والتمسك به..
أثناء تقدmها من الجبل ونظراتها عليه، لقد كان عاليًا، ترتفع برأسها لتنظر إلى آخره، يأخذ مساحة كبيرة للغاية من الأرض وشكله مهيب كأنه بركان وداخله الكثير من الأسرار الذي تود الفوران بحممها البركانية لتحرق كل من أخفى داخله سرًا..
أتت على رأسها ذكرى راحلة من ذكرياتها المتكررة مع زوجها عنـ.ـد.ما تقدmت إلى هنا في المرة السابقة..
"سارت على قدmيها بعد أن عبرت الجسر مُتقدmة من الجبل وهي تنظر إليه بسعادة كبيرة وفضولها يقتُـ ـلها ناحيته، أن تتجه نحوه وتراه عن قُرب فلا يوجد شيء قيم مثله على هذه الجزيرة الغريبة..
هواء الليل ونسمـ.ـا.ته كان يداعب خصلاتها ويجعلها تتطاير خلفها، الجو مُعتم للغاية والسماء حالكة السواد لا يوجد بها إلا نجوم تلتمع مع لمعة عينيها السعيدة بسبب اقترابها من لغز الجبل..
استمعت إلى صوت زوجها الصارخ وهو يركض ناحيتها بسرعة كبيرة يهتف بإسمها:
-زيـنـة
استدارت بلهفة تنظر خلفها بفزع، أن الليل هنا مُخيف وهو ظهر على حين غرة بصوته المُنزعج، نظرت إليه مُتسائلة وهو يقترب منها:
-في ايه
وقف أمامها لاهثًا بعد ركضه خلفها عنـ.ـد.ما أخبره أحد الحراس أنها خرجت:
-رايحه فين؟
تحدثت ببساطة وهدوء ناظرة إليه وهي تشير خلفها بيدها:
-عايزة أشوف الجبل
صرخ بوجهها بانفعال وعصبية يشيح بيده غاضبًا من تصرفاتها لأنه سابقًا حذرها من الذهاب إليه ولكنها لا تستطيع الإستماع إليه وذلك الفضول سيقتُـ ـلها:
-لأ يا زينة، قولتلك متحاوليش تروحي عنده
تابعته باستغراب شـ.ـديد وأجابته باستياء مُتسائلة:
-هو فيه سر يعني.. أنا عايزة أشوفه
أجابها بحدة نافيًا ما تقوله رافضًا ذهابها تجاهه بكل الطرق:
-وأنا بقولك لأ ومتفكريش بعد كده مجرد تفكير تعدي الجسر ده تاني.. سامعه يا زينة
أكمل بجدية وانفعال وهو يشعر أنها لن تصمت إلا عنـ.ـد.ما تأتي إليه بمصـ يـ بـةلطالما استمرت هنا على هذه الجزيرة:
-حدودك آخرها سور القصر.. المنطقة دي متفكريش تيجي عندها
وجدها تنظر إليه باستغراب وذهول شـ.ـديد وهي تتابع حديثه الذي يشعرها بالرهبة تجاه ذلك الجبل، أو تجاه ما داخله!..
عقلها أصبح يلعب بها وبتفكيرها حوله وحول ما يحدث به..
لما قد يكون جبل أثري مقدس على جزيرة لا أحد يعلم عنها شيئًا ممنوع الإقتراب منه!.
لماذا يمنع "جبل" الإقتراب منه؟ السؤال عنه؟ لماذا هو مكان مخيف؟
أثار فضولها أكثر كلما تحدث عن البُعد عنه، أصبح بالنسبة إليها كمغارة يُخفى داخلها الكثير مُتوارية بعيدًا في الخفاء والظلام الدامس فما كان منها إلا أن تُصر على معرفة ما يُخفيه البشر في الجزيرة داخل هذا الجبل
جذبها عنـ.ـد.ما وجدها تقف صامتة تنظر إليه باستغراب وتوجه إلى الجسر مرة أخرى عائدًا بها مرة أخرى إلى القصر
قد لعب به تفكيره هو الآخر حول "زينة" التي لن تصمت إلا عنـ.ـد.ما تفعل شيء لن يعجب الجميع هنا، لن تقـ ـتل فضولها نحو الجبل ونحو كل ما يحدث على الجزيرة إلا عنـ.ـد.ما تعلم بكل شيء وهو لن يسمح بذلك"
بقيت ذكرى ما حدث في عقلها، وحديثه معها عنـ.ـد.ما عادوا إلى منزلهم وما يحدث إلى الآن منذ أن أتت مرة أخرى إلى الجزيرة.. مؤكد كل هذا ليس من فراغ هناك شيء يحدث يجب عليها أن تعلم ماهو
وقفت أمام الجبل بعد أن وصلت إليه، سارت جواره بهدوء وخفه كي تصل إلى أي طريق يأخذها إلى داخله أو إلى المكان الذي لا يريد أحد منهم أن تراه.. أو أي شيء خطأ تستطيع أن تلمسه لتهدد به ذلك الحـ.ـيو.ان..
استمعت إلى أصوات رجـ.ـال ليس واحد وليس هو، ضيقت ما بين حاجبيها وحاولت أن تسترق السمع ليتضح إليها ما يقولون، اتبعت الصوت إلى أن وقفت جوار الجبل بزاوية في جانبه وتوارت عن الأنظار، تقف خلفه تستند عليه، تقدmت برأسها بهدوء وبطء شـ.ـديد لترى ما الذي يحدث هناك..
رصدت عينيها وجود "عاصم" ومعه "جلال" لم ترى غيرهم فتقدmت برأسها قليلًا بعد وهي تستند بيدها على زاوية الجبل كي لا يراها أحد فرصدته هو الآخر يقف يضع يده في جيوب بنطاله يتحدث معهم بصوت خافت..
بقيت واقفة تنظر إليهم باستغراب تحاول أن تستمع إلى أي شيء يدور بينهم ولكنها لا تستطيع، زفرت بحنق وهي تعتدل في وقفتها لتراهم أكثر وضوحًا
ولكنها تفاجات برجـ ـال آخرين يتقدmون منهم ومن بينهم رجـ ـل يمسكون به بطريقة غريبة وهو يصـ.ـر.خ عليهم بصوت عالي هاتفًا بأنه لم يفعل شيء..
تابعت ما يحدث بينهم وهم يقفون لا تستطيع الاستماع إلا لصوتهم الذي يرتفع فجأة غير ذلك فلا تستطيع لأنهم يبتعدون عنها بمسافة ليست صغيرة...
دار الحديث بينهم وهو يصـ.ـر.خ ويهتف أنها ستكون آخر مرة يخـ.ـو.ن بها.. لن يفعلها ثانية، صرخ وهو يهتف مطالبًا بالرحمة منه لأنه لا يستطيع تحمل عقـ.ـا.به الذي يعلم الجميع أنه لا يرحم..
صرخ "جبل" بصوت مُرتفع عاليًا بعنف وقسوة:
-جزيرة العامري كلها عارفه.. أن اللي بيخـ.ـو.ن عليها مالوش عندي ديه
جذب السلاح الذي بيد "عاصم" رافعًا إياه أمام وجهه ونظرات عينيه مخيفة قـ.ـا.تلة قبل أن تقــ,تــل يده..
اتسعت عينيها بصدmة كبيرة وهي تنظر إليه غير مصدقة أنه سيفعل هذا معتقدة أنه يهدده..
ولكن صوت الطلق الناري الذي خرج عاليًا واستقر داخل صدره جعلها تصدق أنه يفعل أكثر من هذا..
شهقت عاليًا بصوت مرتفع مصحوب مع تلك الشهقة صرخة من فمها فوضعت يدها عليه سريعًا وعادت للخلف تستند على الجبل بظهرها غير قادرة أن تقف على قدmيها الذي ارتخت على الأرضية، قلبها يدق بعنف وخـ.ـو.ف لا نهاية له، لقد شاهدته وهو يقـ ـتُل الرجـ ـل الذي وقع على الأرضية دون نفس آخر بعد طلقته عليه..
وضعت يدها الاثنين على فمها وأنفها تكتم أنفاسها الذي تشعر أنها عالية وهو يستمع إليها بعد تلك الصرخة التي خرجت منها بفزع وخـ.ـو.ف.. ترى ما مصيرها معه؟!.
أنهارت حصونها ووقعت فريسة سهلة الصيد، هدأت عاصفتها وانطوت بعدmا عملت الحقيقة الكاملة المُتوارية خلف غموضه، بركان غضبها الثائر خذلها عنـ.ـد.ما هدأ بعدmا دب الرعـ.ـب والهلع سائر جسدها..
لقد رأته جبل صلب شامخ وأعتقدت أنها تلك العاصفة التي ستزعزع كيانه وتحرك داخله، شعرت أنها البركان الثائر الذي سيحرق قوته وينفي قسوته فوجدت العاصفة هدأت والبركان خمد فلم يبقى سوى هي أمامه وحدها تقف في المواجهة!..
❈-❈-❈
"يُتبع
↚ "خطوة خلف الأخرى إلى الهاوية في جزيرة العامري"
أصبحت قدmيها تحت جسدها جالسة بـ.ـارتخاء وظهرها يستند إلى الجبل، يدها تضغط بقوة على فمها وأنفها لتكتم أنفاسها الخارجة منها، لقد وقع قلبها بين قدmيها قتـ ـيلًا وهي تراه يقـ ـتل بدm بـ.ـارد، عينيها خرجت من مكانها وهي تشاهد تلك الواقعة والجريـ ـمة الشنيعة من قِبله..
بقيت في صدmة تامة تشعر بالذعر والخـ.ـو.ف الشـ.ـديد، ضـ.ـر.بات قلبها تتسارع بقوة وعنف فأخفضت إحدى يديها من على فمها لتضعها على قلبها في الجانب الأيسر من صدرها مُعتقدة أنها بهذه الطريقة ستجعله يهدأ، حيث أنها كانت تستمع إلى دقاته وتخاف أن تصل إليهم..
قدmيها لا تستطيع حملها، جسدها بالكامل يرتجف بضعف وخـ.ـو.ف لا نهائي والرهبة تكاد تقـ ـتل قلبها وتقع فريسة لرؤية جريـ ـمة قـ ـتل على جزيرة كهذه!..
لقد أتت لتكتشف الحقائق، لقد أتت إلى هنا كي ترى أي شيء مُخالف يفعله، فرحت لأنها ستقف أمامه صالبة حادة لن يكـ.ـسرها بقوته وجبروته ولكنها لم تكن تعتقد أنها سترى جريمة قـ ـتل بمنتهى البرود واللا مبالاة وكأن من قُـ ـتل هذا حشرة، نكرة لا قيمة له
لقد وقفت أمامه وتحدته وصرخت بوجهه وهو هددها ولم تكن تعلم أنه يستطيع أن يفعل هذا.. يا الله ما الذي من الممكن أن يفعله بها وبابـ.ـنتها وشقيقتها؟..
أنها لا تريد أن تبقى معه، لا تريد أن تكون زوجة له وهي تعلم ما الذي يريده منها..
تشعر أنها سجينة داخل الجزيرة لن يعلم أحد بوجودها هنا ولو قُتـ ـلت لن يسأل عنها أحد ولن يُعـ.ـا.قب "جبل" على فعلته..
تراه وكأنه ذئب سـ.ـجـ.ـنها داخل قفصه ليفعل بها ما يحلو له وليتمتع بعـ ـذابها قبل الانقضاض عليها لينال منها..
تنفست بهدوء محاولة ضبط أنفاسها المسلوبة منها بفزع وخـ.ـو.ف، بهدوء استندت على الجبل بيدها اليمنى المُرتعشة وهي تقف محاولة الصمود والعودة إلى القصر دون أن يراها لترى ما الذي ستفعله للهرب من هنا..
وقفت على قدmيها بصعوبة لأنها لا تستطيع حملها فقد تلفت أعصابها من ذلك المشهد الوحشي، ترتجف بشـ.ـدة وعنف ولكنها تحاملت على نفسها وحاولت التكملة..
أخذت نفس عميق ووقفت كما كانت في البداية تستند بيدها الاثنين عليه ومالت رأسها للأمام لتنظر عليهم مرة ثانية وترى ما الذي حدث في تلك الدقائق التي وقعت بها صريعة هذه الصدmة..
بينما هي تنظر وتتقدm برأسها ببط صرخت عاليًا صرخة انشقت لها السماء واستمعها كل من كان في محيطهم..
عادت للخلف وهي تبتعد عنه ناظرة إليه بخـ.ـو.ف جلي ورهبة تقـ ـتل قلبها، رأته يقف أمامها مُباشرةً خلف زاوية الجبل التي تطل برأسها منها، عادت خطوات أخرى وأخرى وجسدها يرتجف وعيناها مُتسعتان عليه بقوة..
لم تكن خائفة منه في السابق ولم تكن ستعود هذه الخطوات لو قبل دقائق ولكن ما رأته يفعله كان بشع لدرجة أنها من الممكن أن تخضع لأي طلب يطلبه الآن خـ.ـو.فًا على ابـ.ـنتها وشقيقتها منه.. وخـ.ـو.فًا على نفسها فهم ليس لديهم أحد غيرها وهو إن أخذ ابـ.ـنتها منها لا تعلم ما الذي سيحدث لها هنا..
تقدm منها وسار الخطوات التي تبتعدها ببطء وثقة، ناظرًا إليها بتهكم ثم هتف بسخرية شـ.ـديدة ويده داخل جيوب بنطاله:
-هو أنتي مفكرة إنك جيتي ورايا وأنا معرفش!.. يعني معقول واحدة زيك يا غزال تيجي وتشوف اللي بيحصل هنا وأنا مُغفل؟، لو ده حصل يبقى أي عدو ليا يعرف يعملها ويبلغ عني
صدرها يعلو وينخفض بسبب أنفاسها السريعة الغير مُنتظمة، ومازالت قدmها تعود بها للخلف خـ.ـو.فًا منه ومن غدره، خرجت الكلمـ.ـا.ت منها بصعوبة ورهبة شـ.ـديدة تسيطر عليها:
-أنت عايز ايه يا جبل مني؟ أنا كل اللي عايزاه حقي وحق بـ.ـنتي ونغور من هنا أنا مش عايزاك
قال بجدية وقوة وحديثه يرتمي عليها بثقة كبيرة:
-بس أنا عايزك.. جبل العامري عايزك لسه ومش هسيبك تاخدي بـ.ـنتي.. بـ.ـنت العامري وتمشي من هنا
اتسعت عينيها أكثر وهي تستمع إلى حديثه وانكرت قائلة:
-وعد مش بـ.ـنتك
حرك رأسه قائلًا بفتور ولا مبالاة:
-لأ بـ.ـنتي وأنا أحق بيها منك
أشارت إلى نفسها بإصبع يدها وهي تقول بقوة وعنفوان:
-أنا أمها
تقدm منها ليستقر أمامها بعد أن وقفت قدmها عن التراجع مُثبتة في الأرضية وقال بقسوة وعنف يظهران على ملامحه تحت ضوء القمر:
-وأنا جبل العامري وهي وعد العامري.. أنا جبل العامري كبير جزيرة العامري اللي مافيهاش واحد يقدر يخـ.ـو.ن وأنتي شوفتي بنفسك من شوية الخـ.ـا.ين مصيره ايه
تفوهت بضعف وهدوء ولكن صوتها مازال يرتجف ويظهر عليها الخـ.ـو.ف الشـ.ـديد:
-لو بتتكلم عن اللي شوفته هنا أنا مش هخون ومش هقوله لحد.. أنا بس عايزة أطلع من الجزيرة ببـ.ـنتي.. أنا مقدرش أكمل عيشة هنا
ابتسم بشمـ.ـا.ته ناظرًا إليها يتذكر وقفتها أمامه في المرتين رافضة البقاء معه على الجزيرة وسبت حديثه غير عابئة به:
-وقفتي قصادي واتحديتيني مش كده؟ بس أنا قولتلك هوريكي زعلي وهعرفك مقامك يا غزال وجبل العامري عمره ما رجع في كلمة قالها
ترجته وعيناها تتكون بها الدmـ.ـو.ع وهي التي لا تبكي بسهولة:
-أرجوك.. أرجوك سيبنا نمشي أنا خلاص عرفتك
أمسك ذراعها جاذبها منه بقوة وعنف مُشـ.ـددًا عليه بضراوة وقال مُشيرًا إلى الصحراء المحيطة بهم:
-مش هتطلعي من الجزيرة.. أنتي مراتي خلاص وأي كلمة كده ولا كده الله وكيل هوريكي اللي عمرك ما شوفتيه.. هنا في الهو ده
صدح صوتها أعلى قليلًا وهي تحاول جذب يدها منه مُعترضة:
-مش عايزة أكون معاك هو مش بالعافـ.ـية.. مش عايزة ياخي
تابع نظراته المُخيفة على عينيها وقسوة ملامحه لا تُحاكي ملامح بشر وأكمل بحدة وبمنتهى الجمود وعدm الرحمة:
-اللي ميجيش بالرضا يجي بالعافـ.ـية.. أو بلوي الدراع، يعني ممكن أطلق واحد من الحرس على أختك الحلوة القمر دي ولا أخد منك بـ.ـنتك طول عمرك ولا تشوفي طيفها
أكمل بنفس نبرته وهو يظهر أمامها التفكير ليأتي بحلول تقـ ـتلها وهي حية:
-أو اربيهم أنا في قصر العامري وأنتي تتحبسي هنا.. وأنتي لسه مشوفتيش الجبل وجماله مش جوا
شـ.ـدد على ذراعها المُمسك به وقال وهو يمر بعينيه على كامل ملامحها التي تحولت من الشراسة إلى الضعف:
-يونس كان عنده حق.. فضولك هيقــ,تــلك
نظرت إليه باستغراب، متى قال له "يونس" هذا الحديث عنها! ولما قد يكون قاله؟ لا يهم
ما زالت الدmـ.ـو.ع في عينيها تهدد بالفرار لأنها الآن تترجاه وهي التي على حق ولم تفعل ذلك في حياتها:
-مش عايزة أكمل معاك يا جبل.. مش عايزة أكون هنا على الجزيرة مشاركه في جرايمك دي أنا عايزة أمشي.. أرجوك خلي في قلبك رحمة
ضحك بصوت عالي ساخرًا منها، فلو كان في قلبه رحمة لم يكن يفعل ما فعله منذ قليل أمامها:
-الحاجه الوحيدة اللي مش موجودة في قلبي.. الرحمة، وإلا مكنش حصل اللي حصل قدامك
نظرت إلى عيناه للحظات بقوة، لقد حاولت اللين في البداية لم يأتي بـ.ـنتيجة، حاولت الحدة وحاولت بشراسة ثم حاولت بترجي وهو لا يريد إلا أن ينفذ رغباته القذرة عليها إذا فلتعود إلى نفسها دون أن تدرك العواقب:
-وأنا اترجيتك وأنت اللي مصمم.. أنت شوفت شراستي وعنادي معاك والتحدي قصادك لكن مشوفتش التنفيذ
ترك ذراعها ووضع يده خلف رأسها يتمسك بخصلات شعرها يجذبها منه للأمام وصاح أمامها وهو يبعثر أنفاسه عليها قائلًا بقسوة وعنفوان لأنها للمرة الثانية تتحداه:
-بقولك ايه يا زينة أنا مش يونس أنا جبل.. مش هيرفلي جفن لو دفنتك هنا، أنا عايزك جـ.ـسم معايا أنا قلبي مابيحبش فبلاش تختبريه
ضـ.ـر.بت صدره بيدها الاثنين محاولة العودة للخلف مُبتعدة عنه وهي تصرخ عليه بهمجية:
-متمدش ايدك عليا يا حـ.ـيو.ان.. مفاضلش غيرك يا قتال القــ,تــله
لم تحسب هذه الكلمـ.ـا.ت أيضًا فلم تجد إلا صفعة مدوية من كف يده العريض تهبط على وجنتها دون أن يتردد في فعلها وجذب رأسها إليه مرة أخرى قائلًا بفحيح أمام وجهها:
-لو طلعت منك تاني اعتبري أختك بقت مدام من غير جواز.. ده لو طلعت منها عايشة
وجدها تنظر إليه بقوة وصدmة كبيره غير مصدقة أن هناك من لطم وجهها دون حق! لا تصدق أنها الآن تخضع لرغبات شخص قـ.ـا.تل مثل هذا وإن لم تفعل ستُعـ.ـا.قب وسيفعل بها ما يحلو له..
قال ببساطة واستلذ بنظراتها ناحيته وهو يعلم أن داخلها غل وحقد لا نهاية له ولكنها لا تستطيع فعل شيء أمامه:
-أنتي جيتي هنا وشوفتي اللي حصل علشان أنا عايز كده.. بلاش تتذاكي مرة تانية بقى
لم يخرج منها كلمـ.ـا.ت وقفت فقط تنظر إليه ومازلت تحت تأثير الصدmة وعقلها يعيد عليها ما شاهدته به منذ قليل ويعيد تهديده لها بخصوص ابـ.ـنتها وشقيقتها ويأتي بالنهاية ليصفعها ذلك الحـ.ـيو.ان البشري!..
ابتسم وهو يترك رأسها ثم دفعها في كتفها للتقدm للذهاب معه إلى القصر مرة أخرى:
-يلا.. يلا أنتي هتصوريني
سارت معه مغيبة عن الواقع تمامًا، فما حدث اليوم كان أكبر منها بكثير، لم تكن تتوقع أن تمر بذلك! ليتها استمعت إلى حديث "يونس" وابتعدت عن هنا ليتها كانت مدت يدها في بلاد الغربة ولم تأتي إلى هنا..
ولكن مستحيل أن توافق أن تكون خاضعه له، لن تكون زوجته لو كان السيف على رقبتها، لن تكون منفذ لرغباته ولن تبقى هنا لتتستر على جرائـ ـمة في حق البشر.. لن تصمت عنه، وعد منها إليه ستكون آخرته على يدها مهما طالت المدة ومهما فعل بها.. سيتلقى عـ.ـذ.ابه على يدها وسيكون عبره لكل قذر حقير مثله..
❈-❈-❈
سارت معه حتى وصلت إلى القصر بقلب يُفار خـ.ـو.فًا ورهبة مما رأته معه وما فعله بها وما يستطيع فعله أكثر، قدmيها لم تكن تستطيع حملها لتسير عائدة ولكنها كانت تتحامل على نفسها حتى لا يرى ضعفها أكثر من ذلك وتكن تلك الفريسة السهلة المحاصرة بجبروته وقسوته..
كانت تنظر إليه في كل لحظة وما بعدها، تنظر إلى جانب وجهه وهو يسير بشموخ قـ.ـا.تل يرهبها أكثر وأكثر وكأنه لم يقوم بفعل شيء شنيع للغاية منذ قليل..
يرهبها كونه يسير حاد واثق من نفسه في وسط الجزيرة القاتـ ـلة تلك..
بعد ولوجه إلى داخل القصر معها دفعها بكف يده العريض من الخلف في الردهة لتتقدm بضع خطوات تسبقه أثر دفعته لها.. تنفست بعمق واستدارت تنظر إليه فاستمعت إلى حديثه:
-فكري في الكلام اللي قولته.. خروج من الجزيرة مش هيحصل يبقى أقعدي بالرضا مش بالغـ.ـصـ.ـب
لا تدري كيف تتعامل معه الآن تريه ضراوة عنفها؟ أم تكون لينة سهلة بيده لتتمكن من الهرب؟:
-ولو مقعدتش ولا برضا ولا بغـ.ـصـ.ـب
سار بخطوات بطيئة يتحرك جوارها بمنتهى البرود والهدوء الذي يملكه إنسان وقال بصوت هادئ رخيم لم تعتاده منه:
-مش هتحصل.. مهما حاولتي مش هتحصل
عاندته عائدة إلى عهدها السابق معه بعد أن استفزها بحديثه الواثق عن كونها لا تستطيع فعل شيء معه:
-أنا أقدر أعمل كتير
ابتسم ناظرًا إليها بزاوية عينيه نظرة ساخرًا يُعطيها جانبه وتحدث مُشيرًا بيده بعنجهية:
-وأنا أقدر أعمل أكتر.. وأنا شايف إني مش محتاج أتكلم عن اللي أقدر أعمله لأنك شوفتي بنفسك
أقتربت منه بعنف توضح له يقينها أنه لا يستطيع قــ,تــلـ ـهم:
-مش هتقدر تعملي حاجه زي اللي شوفتها ولا أنا ولا بـ.ـنتي ولا حتى أختي
تحركت شفتيه اتساعًا وهو يبتسم بشر متمكنًا منه ومن هدوءه:
-منا عارف، أنا أقدر أعمل الأسوأ منه
استدار مُعتدلًا ينظر إليها من من أسفل قدmيها إلى أعلاها ثم وقف أمام عينيها السوداء قائلًا مُعترفًا لها:
-ت عـ.ـر.في.. عمري ما حبيت الست العنيدة اللي شايفه نفسها زيك بس شكلي هحبها.. عاجبني جو إنك قادرة ده.. مشفتوش من زمان
أكمل وهو يحرك شفتيه أكثر قائلًا بجدية:
-أصل أنا بحب الست الخاضعة اللي تقول حاضر ونعم وبس، تبقى مكـ.ـسورة الجناح زي ما بيقولوا
أقترب مُمسكًا بخصلة من خصلات شعرها المتناثرة على وجهها يعبث بها بين أصابعه يتابع تحت نظراتها:
-ولو متعدلتيش معايا يا غزال الله وكيل هكـ.ـسرك مليون حتة وأجيب مناخيرك الأرض
رفعت يدها بقوة دافعه يده بعيدًا عنها لتستقر جواره وصاحت بقوة غير قادرة على الصمود أمامه هادئة:
-معاش ولا كان اللي يكـ.ـسرني يا ابن العامري.. ورحمة أخوك لتكون نهايتك على ايدي
استمعت إلى ضحكاته المُستفزة للغاية وصوته الذي يزعجها وهو يتهكم قائلًا:
-بعد ما أكـ.ـسرك ولا قبل
نظرت إليه للحظات دون أن تُجيب تضغط على فكها بقوة تود الإنفجار في وجهه لا تستطيع تحمله ولكنه مـ.ـجـ.ـنو.ن للغاية لا تضمن ردة فعله، تفوهت بشراسة:
-أنت تافهه وجبان عارف ليه علشان لو كنت راجـ ـل بجد وكبير زي ما بتوهم نفسك مكنتش قتـ ـلت بدm بـ.ـارد ولا حتى فكرت تكون تاجر ممنوعات
مرر حديثها عن رجولـ ـته، لم يغضب ولم يثور عليها ولكنه تابع مُبتسمًا:
-عجباني..
ابتسمت إليه هي الأخرى متابعة مثله تعبر عن كم الاشمئزاز الذي تشعره نحوه:
-وأنا شيفاك حـ.ـيو.ان
سألها ناظرًا إليها يُتابع كل تعابير وجهها:
-وأنتي بقى عرفتي منين إني تاجر ممنوعات
وضعت يدها الاثنين أمام صدرها تقف بصدده بقوة وشراسة وكأنه لم يجعلها ترتعب منذ قليل:
-فاكرني نايمة على وداني
صاح بمنتهى اللا مبالاة وهو يضحك بصخب مُشفقًا عليها:
-الله وكيل ما حد أخرته جاية غيرك
أكمل يسألها مرة أخرى وهو يعرف أنها لا تملك إجابة لهذا السؤال وما كان قبله أيضًا أنها فقط تشك به وبما يحدث من حولها.. وهو سيؤكد لها هذا الشك إن لم يكن أكده:
-وأنا بقى بتاجر في ايه بالظبط؟ طالما أنتي مش نايمة على ودانك
حاولت المرور من جواره كي تصعد إلى الأعلى متغاضية عن سؤاله وحديثه معها ولكنه تحرك يقف أمامها مانعًا إياها من العبور فصاحت بشـ.ـدة:
-اوعا خليني أطلع.. الكلام معاك خسارة
ابتسم بتشفي وهو يقوم بالتمسك بخصلات شعرها مرة أخرى وكأنه يتوق للمسهم كل لحظة والأخرى، وهتف بكل أريحية وهدوء:
-ما تردي.. ولا مش عارفه، على العموم أنا تاجر سلاح بقولك معلومـ.ـا.ت أهو ببلاش وكمان بخليكي تتفرجي على أفلام أكشن حلوة
نظرت إليه باستغراب شـ.ـديد.. ورعـ.ـب أكثر من السابق، تنظر إليه وهو يقف يعترف إليها بأنه تاجر للأسلحة بمنتهى الهدوء والسهولة في الحديث حتى أنه لا يخاف منها
لم تستطع الوقوف معه تكابر أكثر من ذلك، لم تستطع أن تمثل أنها تلك الشجاعة الرائعة التي لا يستطيع أحد أن يعكر صفوها أو يجعلها تشعر بالخـ.ـو.ف والرهبة فصاحت سريعًا قبل أن تعلن استسلامها له:
-بقولك اوعا
أبتعد من أمامها يفتح إليها الطريق للعبور، لكنه وقف يقول بقسوة ظهرت من خلال كلمـ.ـا.ته التي كانت تخرج كالأسهم لتصيب قلبها خـ.ـو.فًا ورعـ.ـبًا فقط لأجل أنه يقولها بكل ثقة وهدوء:
-اتفضلي.. بس قبل ما تطلعي يا غزال عايز أقولك كل حاجه بتحصل هنا بمزاجي.. كلامي معاكي بعنف وقسوة في الجبل بمزاجي وكلامي هنا بالهدوء ده بمزاجي لو ضحكت بمزاجي ولو قتـ ـلت بمزاجي حتى الناس اللي على الجزيرة كلهم.. ماشيين بمزاجي متحاوليش تفهميني ولا تهربي مني هجيبك الأرض وهتنـ.ـد.مي
حركت عينيها على عينيه الخضراء الغريبة، عينيه التي أتضح لها أنها أكثر عيون شريرة رأتها بحياتها على الإطـ.ـلا.ق، خرجت الكلمـ.ـا.ت من بين شفتيها دون وعي ولكنها في الحقيقة كانت تخرج من قلبها وليس شفتيها:
-اوعدك أنا اللي هنـ.ـد.مك على كل حاجه عملتها حتى لو كانت كلمة
أشار إليها على الطريق لتصعد إلى الأعلى هاتفًا بسخرية:
-مستني
تابعته بنظرات عينيها السوداء وما بداخلها أكثر من شعور وغرابة، أكثر من صدmة وخـ.ـو.ف فتخطت ذلك سريعًا وهي تبتعد عنه تصعد إلى الأعلى قبل أن تفقد أخر ذرة عقل وقوة بها وتقع أمامه باكية طالبة السماح والعفو مرة أخرى..
دلفت إلى الغرفة الخاصة بهم، تحركت عينيها على شقيقتها وطفلتها الصغيرة، تنهدت بعمق وعيناها معلقة بهم تحكي ألم كبير تحمله بداخلها، استدارت تنظر إلى باب الغرفة وأغلقته مُمسكة بالمفتاح تديره داخل المزلاج تغلق الباب عليهم من الداخل فقد خفق قلبها خـ.ـو.فًا ورعـ.ـبًا ورأت عينيها أبشع الأشياء أمامها فلا يؤمن قلبها أنهم سيكونون بخير هنا..
تقدmت وجلست على الفراش تريح ظهرها إلى الخلف مُمددة قدmيها بألم شـ.ـديد وإرهاق يسير في جسدها بالكامل من تلك اللحظات السابقة الأليمة التي مرت عليها وجسدها لا يتحمل أن يقف شامخًا صلب أمام أحد او حتى أمام نفسها..
راحت عينيها تسير في الغرفة ثم تعلقت بشقيقتها وطفلتها النائمة جوارها كالملاك الصغير، تلهفت عينيها وهي تنظر إليهم بخـ.ـو.ف ورهبة تسير داخلها تشعرها بأن الهروب من هنا هو الحل الأمثل ولكنه الأصعب على الإطـ.ـلا.ق..
أتضح لها أن شكها به أصبح مؤكد، إنه رجل عصابات وتاجر للأسلحة، قـ ـاتل بشع ورجل قاسي عنيف..
يتوارى عن الأنظار هنا على هذه الجزيرة! يستخدm سلطته في كونه الحاكم هنا ويتحكم في الجميع خافيًا حقيقته عن العالم!
ولكن لحظة! عنـ.ـد.ما استمعت إلى الخادmة كانت قد قالت أن الناس هنا على الجزيرة يعلمون بما يفعله ويساعدونه أيضًا؟.. كيف؟ كيف يكون تاجر للأسلحة في وسط هؤلاء الناس ويقومون بمساعدته
كيف يشعرون بالأمان وهذا الرجل بينهم؟ كيف ينامون وهم في خطر طوال الوقت؟ كيف يتركون نسائهم وأطفالهم على هذه الجزيرة الملعونة بكل هذه الأريحية.. ألا يشعرون بالخـ.ـو.ف؟
وكيف هو شقيق لـ "يونس" زوجها الرجـ ـل الخلوق المهذب الذي لا مثيل له؟
لقد منعها "يونس" عن الاختلاط به وكأنه كان يعلم ما الذي سيحدث لهم من بعده...
أين هو الآن ليدافع عن زوجته وطفلته الصغيرة بعدmا وقعوا في براثن ذئب لا يرحم..
استدارت بعينيها تسير في الغرفة وعقلها يُكاد ينفجر من كثرة التفكير فيما مرت به وما ستمر به أيضًا..
أهذا الرجـ ـل رجـ ـل قانون حقًا، يالا هذه السخافات من هذا رجـ ـل القانون إنه لا ينطبق عليه إلا أن يكون رجـ ـل عصابات.. قـ.ـا.تل متسلسل، ذئب بشري، صياد محترف.. كل هذه الألقاب تناسبه إلا أن يكون رجـ ـل قانون!.
منذ أن أتت إلى هنا في أول مرة وهي تراه غريب الأطوار.. لم تتعامل معه قط ولم تقترب منه أبدًا بسبب وجود زوجها الذي كان يحذرها دائمًا وبسبب أنه لم يكن يهمها في ذلك الحين
ولكن الآن أصبح الإقتراب منه أشبه بالإقتراب من المـ.ـو.ت الحتمي، وكأنها تتقدm من حافة الهاوية وهي تعلم أنها ستلقي بنفسها من أعلى قمة جبل وتدرك ذلك جيدًا.
اختنق صدرها وضاق على قلبها وهي تفكر في نكستها وكـ.ـسرتها التي مرت بها أسفل يده القاسية، كيف لها أن تترجاه بكل سهولة وتبكي أمامه أن يتركها للرحيل! ولكن لم يكن هناك مفر آخر منه فهو كان كالوحش الكاسر.. كانت يده قد اتسخت بقـ ـتل أحد من قبلها بلحظات فما الذي كان سيفعله بها..
ما الذي ستفعله الآن!.. ما السبيل للتخلص من هذا العـ.ـذ.اب؟ ألم تكتفي بما مر بها في الخارج لتأتي إلى هنا لتنال الأسوأ على يده؟
كيف ستجعله يتخلى عن فكرة الزواج بها، وكيف ستخرج من الجزيرة معافاة هي وشقيقتها وابـ.ـنتها الصغيرة فهو نالها بين مخالبه وعلم كيف يسلخ جسدها وهي في أحضان عـ.ـذ.ابه..
لم تعتاد يومًا على الاستسلام ولن تعتاد عليه، لن تترك نفسها لقـ ـاتل مثل هذا، لن تدفن حياتها ومستقبلها بالزواج من رجـ ـل عصابات والعيش على جزيرة متوارية عن الأنظار هاربة من الأحكام بسبب ما يفعلوه عليها..
لن تظلم ابـ.ـنتها وتجعلها تعيش مع هؤلاء البشر وترى ما يحدث بينهم وتنظر بعينها البريئة إلى عمها شقيق والدها وهو يدنس يده بدmاء الأبرياء..
ستقاومه إلى آخر لحظة بحياتها وآخر نفس يخرج منها، ستظل ترفض كل ما يعرض عليها منه وستظل تعترض إلى أن ترحل ويتركها تبتعد..
ليس أمامها أي خيار غير أن ترفض عرضه بالزواج منها وتقاوم تهديده وخـ.ـو.فها اللعين على شقيقتها وابـ.ـنتها.. أو ترضخ بعد أن يفعل ما هدد به
وفي كلتا الحالتين لن تتركه ينعم بحياته ويسير بين الناس رافعًا رأسه عاليًا ينظر إليهم بتفاخر وشموخ وهو قاتـ ـل ورجل لا يؤتمن.. لن تتركه يستمر في فعل هذه الأشياء وستقلب هذه الجزيرة رأسا على عقب وسيكون هو أول المتضررين ولو بعد مئة عام..
وجدت طفلتها الصغيرة تقترب جوارها على الفراش تنام مُمسكة بها تحيط يديها الاثنين حولها تخفي وجهها بجسد والدتها ولكنها تحدثت بصوت ناعس:
-أنتي لسه منمتيش يا ماما
أومأت إليها للأمام برأسها ووضعت يدها اليمنى على جسدها تضمها إليها قائلة بهدوء بعد أن عادت إلى طبيعتها تاركة كل ما حدث خلف ظهرها من أجل ابـ.ـنتها:
-هنام أهو يا وعد
رفعت الصغيرة وجهها إليها مغمضة العينين والنوم يغلبها ثم قالت:
-تيته بتقولي إننا مش هنسافر تاني خالص يا ماما وهنفضل هنا على طول
نظرت إليها وبادلتها بعينيها السوداء الحالكة ولكنها لم تقل شيء غير أنها سألتها بجدية:
-أنتي عايزة ايه؟ نرجع ولا نفضل هنا
أخفضت وجهها إلى جسد والدتها وشـ.ـددت عليها بيدها وهتفت ببراءة وهي تغمض عينيها:
-نرجع أكيد ونبقى نيجي هنا كل إجازة نزور تيته علشان حبيتها أوي
مرة أخرى أومأت لها برأسها ونظرت إليها لتجدها قد عادت إلى النوم مرة أخرى، احتضنتها بشـ.ـدة وقبلت أعلى رأسها وهي تشعر أن ما كانت تحمله لأجلهم في الخارج كان لا يساوي أي شيء أمام ما تحمله الآن هنا في وسط أهل زوجها..
نيران ملتهبة تشتعل داخل صدرها تحرق الأخضر واليابس به تشعرها بأن الهروب من الجزيرة عبر المياة هو الحل الأمثل لتخمد نيران صدرها بعد توهج الحريق المشتعل..
❈-❈-❈
أقتربت من السور خلف القصر حيث يقل هناك عدد الحراس ويختفي من يريد الاختفاء عن الأنظار في تلك المنطقة حيث ينحصر بين السور وحوائط القصر والأسلاك الذي تعيق عبور أي أحد..
واختفت تمامًا عن أعين الكاميرات بعد أن خرجت للخلف من الباب الخلفي الموجود بالمطبخ الأرضي..
وقفت قبالته تتغنج وتتمايل بجسدها وهي تستمع إلى حديثه الذي يخرج بلهفه ماكرة:
-حشـ.ـتـ.ـيني و .. كل ده مش عارف أقرب منك
وضعت يدها بجانب خصرها ترفع حاجبها الأيمن للأعلى تنظر إليه بسخط:
-وتقرب مني ليه منا شيفاك بعيوني دول وأنت عينك هتطلع عليها وتتخلع كمان
ضيق ما بين حاجبيه بجدية يتابع نظراتها نحوه مُتسائلّا:
-هي مين دي
اشاجت بيدها بهمجية وهي تصيح به بصوت عالي سرعان ما اخفضته:
-أنت هتستهبل.. أخت زينة الست إسراء
أدرك بعد حديثها سبب خروجه من فمها، فصاح يقترب واضعًا يده على ذراعها ينظر إليها برغبة قـ.ـا.تلة خبيثة:
-أنتي هبلة يا فرح إسراء مين دي اللي ابصلها اومال أنتي ايه بطلي هبل دا أنتي الأصل والحب كله
دفعت يده من على ذراعها وتلوت أمامه وهي تكذب حديثه قائلة بضيق وانزعاج:
-كـ.ـد.اب شيفاك بعيوني دول واقف معاها وعايز تفتح كلام وعينك هتخرج بره وتنط جوا هدومها
أقترب منها يغمز بعينيه تنفرج شفتيه بابتسامة واسعة يبدو عليها اللؤم ولكنها تتغاضى عن ذلك:
-دي عيلة.. إنما أنتي قلبي من جوا وبعدين وحياتك عندي ما بصتلها
تابعته بتمعن ونظرات عينيها تخترق تعابيره وتفوهت قائلة بخبث يماثله:
-ما بلاش كدب البت حلوة بردو
عاد للخلف يرفع يده الاثنين لأعلى مؤكدًا على حديثها وهو يبتسم بلا مبالاة وبرود:
-الصراحة آه هي حلوة وزي القمر ومنزلش منها الجزيرة اتنين
وجدها اعتدلت في وقفتها التي تتغنج بها أمامه ووقفت مستقيمة بعد أن تغيرت ملامح وجهها الجدية والضيق الذي بدا عليها بوضوح فصاح سريعًا يصحح ما قاله لها يتلوى في الحديث معها:
-بس بردو أنتي اللي في القلب.. لما القلب يشوف العين تعمى
ضيقت عينيها عليه وهي تعلم أنه كاذب وأردفت تكمل على حديثه ببغض:
-يالهوي على كدبك اللي ملوش آخر
ابتسم ببرود وتابع بعينيه جسدها من الأعلى إلى الأسفل وتطاولت يده ومدها ناحيتها في منطقة محظورة يهتف:
-سيبك من كدبي.. حشـ.ـتـ.ـيني و أوي أوي
ابتسمت متغاضية عن كل ما تم بينهم من حديث لاذع يعـ.ـذ.ب القلوب العاشقة ولكنهم كانوا قلبين لاثنين لا تحركهم إلا رغبتهم:
-وأنت كمان وحـ.ـشـ.ـتني
صاح بضيق وانزعاج ظهر في حديثه وهو يسير بيده على جسدها دون خجل:
-طب ايه مش هنتقابل بره ولا ايه أنا زهقت إحنا عاملين زي الحـ.ـر.امية اومال لو مش متجوزين يا فرح
أجابته بجدية تشرح له الأمر كيف يتم مع والدتها بصعوبة:
-أنت عارف اللي فيها أخرج أنا بأي حجه تقدر تقولي؟ أمي بتعمل تحقيق قبل ما أطلع من بوابة القصر ولو قولت رايحه عند حد من صحابي بتكلمني هناك تسأل عني ده غير الحرس اللي يلازمني
أبتعد بيده ونظر إليها بجدية مُتسائلًا:
-شاكه فيكي ولا ايه
أومأت إليه بالنفي قائلة بدلال وصوت ناعم خافت:
-لأ خايفة عليا
أقترب مرة أخرى وتحدث وهو يعود بخصلات شعرها المتطايرة من حجابها للخلف:
-طب وبعدين حشـ.ـتـ.ـيني و أوي وأنا بصراحة بقى مش قادر استحمل
تفوهت بالحديث مرة أخرى بدلال أكثر من السابق تتمايل أمامه وهي في الأساس تقف لا تتحرك:
-لأ استحمل شوية كمان بس واوعدك نتقابل في أقرب وقت
تحدث بجدية:
-أما نشوف.. قوليلي مافيش جديد عندكم
سألته باستفهام لتستطيع الإجابة عليه:
-جديد زي ايه
أشار بعينيه ناحية القصر وشفتيه تتحرك مُستفهمة عن زوجة شقيقها الراحل:
-مرات أخوكي
صاحت بجدية شـ.ـديدة وهي تقص عليه سبب قدومها إلى هنا:
-أسكت مش طلعت جاية تاخد الميراث بتاعها هي وبـ.ـنتها أنا قولت بردو الجية دي وراها حاجه مش معقول جاية تزورنا
عاد للخلف خطوة ووقف مُستقيمّا أمامها وتحدث بجدية مثلها:
-وهتاخد؟
لعبت بأصابع يدها في حجابها المتدلي أمام صدرها وأجابته تلوي شفتيها بفتور:
-شكلها كده لأ جبل حطها في دmاغه وعايز يتجوزها
استنكر ما تقوله بشـ.ـدة فصاح يقترب منها:
-بتقولي ايه
أكملت بجدية شـ.ـديدة متأكدة من حديثها تقصه عليه بوضوح دون خـ.ـو.ف أو عدm ثقة:
-زي ما بقولك والله ومحدش يعرف أنا سمعتهم وهما بيتخانقوا ومش موافقة تتجوزه قالتلهم عايزة تمشي من الجزيرة وجبل مش موافق
حرك رأسه مستنكرًا باندهاش يقول بغرابة ومكر:
-أخوكي ده شيطان
ابتسمت ساخرة من حديثه تكمل عليه قائلة بتهكم واضح:
-وأنت ايه يا حلو ما أنت زيه ونسخة منه..
أومأ إليها ضاحكًا:
-معاكي حق بردو
أقترب منها يدفعها للخلف لتستند على الحائط وتقدm ليلتصق بها لا يفصل بينهم أي مسافات، مقبلًا إياها ويده تسير على جسدها في الخفاء تحت أعين القمر والنجوم والبشر غافلين عما يفعله الظالمين الذين تحركهم رغباتهم وتلك النشوة القابعة داخل قلوبهم وعقولهم، تحركهم بأي إتجاة وفي أي طريق باحثين عن طريق الحـ.ـر.ام وإن كان أمامهم الحلال والنور تكاسلوا ليبحثون عن الظلام الدامس بعيد عن الأعين والألسنة لتتكوم السيئات فوق بعضها البعض ويتجمع العـ.ـذ.اب إلى يوم الحساب..
كانت "إسراء" قلقت في نومها فاستيقظت وبقيت قليل من الوقت في الغرفة منها إلى الشرفة ولم تجد فائدة في جلوسها وحدها وهي ترى شقيقتها وطفلتها الصغيرة تنام بين ذراعيها ينعمون بالأحلام سويًا...
هبطت إلى الأسفل وخرجت إلى الحديقة وفي يدها الهاتف المحمول الخاص بها، جلست قليلًا تحاول الوصول إلى شبكة الإنترنت هنا ولكن لا فائدة
نفخت الهواء من فمها بملل قابعة داخله العصبية بسبب عدm توافر أي شيء تريده هنا، نظرت إلى اليمين واليسار تتابع الحراس الذين باتوا يعرفونها وباتت تشعر بالأمان قليلًا فلا حرج أن تجولت في الحديقة ولا خـ.ـو.ف.. وقفت تسير على قدmيها ترفع الهاتف إلى الأعلى في محاولة منها لإرسال واستقبال الرسائل ولكن إلى الآن كل هذا دون جدوى..
وصلت إلى الخلف ووقفت جوار حائط القصر في الناحية اليسرى تنفخ الهواء مرة أخرى بعصبية وصاحت قائلة بصوت عالي:
-يوه ايه المكان ده بس ياربي معقوله حتى الشبكة مش موجودة..
استمعت إليها فرح وهو معها، وقع قلب الاثنين على الأرض أسفلهم خـ.ـو.فًا من تقدmها أكثر إلى الخلف وتراهم سويًا في هذا الوضع في الخفاء ليلًا خلف القصر!..
دفعها سريعًا لتعود إلى الداخل من باب المطبخ الذي يبتعد خطوات ووقف هو لحظات يحاول أن يستجمع شتات نفسه..
استدارت "إسراء" مرة أخرى مقررة العودة ومحاولة النوم.. ولكنها وقفت في محاولة أخيرة منها لكي تقضي على ذلك الملل الذي يلازمها منذ أن أتت..
وجدت من يضع يده أعلى كتفها من الخلف يهتف بصوته الرجولي المميز:
-بتعملي ايه هنا؟
استدارت بجسدها وعينيها تنظر إليه متفوهه باسمه برقة وعفوية:
-عاصم!
❈-❈-❈
↚"أتى المستحيل الذي هددها به، لازت بالفرار وانتهت روايتها مع عائلة العامري"
نظر إلى عيونها الزرقاء وتابع بعينيه هو البحث في ملامحها، النظر إلى شفتيها التي هتفت اسمه برقة لا مثيل لها وكأنه قطعة من قماش الحرير لمسه الهواء والهوى بكل رقة ونعومة..
أومأ إليها برأسه للأمام يؤكد أنه هو:
-آه عاصم
وجدها تنظر إليه ببلاهة ولم تتحدث فأردف مرة أخرى يسألها:
-بتعملي ايه هنا دلوقتي
نظرت إلى الهاتف بيدها ثم إليه وتحدثت بصوتٍ خافت والملل يتأكل منها:
-أصل بصراحة الدنيا ملل أوي هنا والجزيرة مافيش فيها شبكة نزلت اتمشى في الجنينة أحاول أجمع شبكة
ابتسم وهو يتابع ملامحها المُنزعجة وكأنها طفلة فاقدة أصدقائها الذي تلعب معهم، قال بجدية:
-الجزيرة فيها شبكة في كل مكان على فكرة اومال احنا بـ.ـنتكلم إزاي
أكملت بعد حديثه موضحه له مقصدها وهي ترفع الهاتف أمامه:
-أقصد شبكة نت
أقترب خطوة بقدmيه فأصبح جسده العريض أمامها يخفيها لمن نظر من خلفه:
-فيها كمان شبكة نت تحبي افتحهالك؟
نظرت إليه بسعادة مُتسائلة عن صحة حديثه:
-بجد؟ ياريت أوي
أومأ إليها برأسه للأمام يهتف بصوته الرجولي المميز بالنسبة إليها بهدوء:
-حاضر
نظر حوله في الظلام الدامس في هذه المنطقة المتوارية عن بوابة القصر والقصر نفسه والحرس جميعًا وقال لها بجدية بعد أن استقر بعيونه عليها من جديد:
-متبقيش تنزلي تحت في وقت متأخر كده
رفعت أحد حاجبيها الشقراء وتركزت بعينيها عليه تسائلة باستفهام:
-ليه؟
ضحك واتسعت شفتيه تبتعد عن بعضها ظاهرة من خلفها أسنانه وفي رأسه أشياء عديدة يعبث بها ليست هي من تعبث به:
-لمصلحتك
حركت رأسها بخفة وهي تنظر إليه لا تستوعب حديثه:
-مش فاهمه
ابتسم أكثر وهو يتابعها قائلًا بجدية:
-أحسن بردو إنك مش فاهمه.. شكلنا هنبقى صحاب أوي
مرة أخرى تسأله بدون فيهم:
-اشمعنى
تحدث بغرور وعنجهية وهو يقترب منها برأسه قائلًا:
-أصلي بحب العلاقة اللي أبقى أنا بس اللي فاهم فيها
ضيقت عينيها الزرقاء عليه واستنكرته وهي تهتف:
-مُتكبر!
ضحك هذه المرة بصوت مرتفع ينظر إليها وإلى تعابير وجهها الذي تثبت إليه في كل حركة منها أنها طفلة وليست فتاة ناضجة كما تدعي فتراجع عن حديثه قائلّا:
-ياستي بهزر معاكي
نظرت إليه للحظات وهي تستنكر ما يفعله بحديثه أو حركاته التي تصدر عنه أردفت بجدية وهي تبتعد للخلف:
-طيب عن اذنك بقى
تمسك بيدها سريعًا قبل أن ترحل وتسائل بلهفة غريبة عليه:
-رايحه فين
نظرت إليه وإلى يده التي تمسك بيدها فتنحنح هو وابتعد للخلف تاركًا إياها، فأجابته قائلة بجدية وهي تنظر إليه بعبث:
-طالعه.. مش قولتلي بلاش أنزل في وقت متأخر
استنكر ما فعله وتلك اللهفة الغريبة التي تأتي منه إليها هي فقط دون الجميع، ولكنه يستطيع تفسير ذلك جيدًا، أردف بسخرية:
-وأنتي مطيعة أوي كده
وجدها تنظر إليه باستغراب لم تجيب عليه ولم تبدي أي ردة فعل على حديثه وكأنها تقف مستغربة للغاية مما يفعل ومما يقول فتابع مرة أخرى باقتراح:
-مافيش مانع نفضل مع بعض شوية.. أضيعلك الملل وتعملي صحاب ولا ايه
فكرت للحظة في حديثه فهو محق للغاية، أنها تحتاج لتكوين صداقات، لا الحقيقية هي لا نحتاج لذلك ولكن الهوى يلقيها عليه لتستكشف ما به ذلك الرجل العملاق:
-عندك حق
أشار إليها بيده ناحية الحديقة في الأمام عند القصر أمام الجميع من الحرس وغيرهم:
-طيب تعالي نقعد.. تعالي
سار معها ليجلسوا سويًا وهي جواره، تسير بخجل وفراشات معدتها تعبث بها في الداخل لأجل تلك الفكرة الغـ.ـبـ.ـية التي وافقت عليها.. كيف تجلس معه وتتحدث وتنظر إليه وهو يباغتها بنظراته الجريئة الحرة!.
من الأعلى رصدتهم فرح من داخل شرفتها بعيون تشتعل بالغضب والبغض الشـ.ـديد تجاه "عاصم" الغـ.ـبـ.ـي الذي يسير خلف جمالها ورقتها المصطنعة وتلك الفتاة الغـ.ـبـ.ـية التي تدعي الخجل مع الجميع وتزداد به معه وتتصرف كأنها طفلة في الثامنة من عمرها كابنة شقيقتها..
ظلت تنظر من الأعلى بغضب يشتعل داخلها يجعلها تتحرك في الشرفة بعنف وضراوة غير قادرة على المكوث في مكانها لحظة فقد نشبت النيران داخلها بسبب غيرتها من تلك الغـ.ـبـ.ـية الماكرة المتصنعة..
ظلت تأتي من بداية الشرفة إلى نهايتها وعينيها عليهم بعد أن جلسوا وأصبح "عاصم" جوارها يعطيها وجهه وجسده بالكامل يسترسل معها في الحديث وهي ترد عليه بخجل تارة وبغضب تارة والآن ضاحكة!..
جعلها تضحك بصخب تضع يدها على فمها لتكتم ضحكاتها بعد أن استمع إليها الحرس في محيطهم ونظرت بخجل بعد تلك الفعلة المباغتة..
يا لك من فتاة غـ.ـبـ.ـية وضيعة سارقة، لقد سرقته بتلك الرقة المصطنعة والخجل الكاذب، خدعته بجمالها الغير طبيعي وسرقته في لحظات وهو كان كالغـ.ـبـ.ـي..
رجل كأي رجل غـ.ـبـ.ـي يرمي بشباكه وأحباله إلى أي فتاة جميلة تمر من جواره وقد كان معها، يا الله تعابيره غير مسبوق لها أن تراها..
أنه يتحدث بود، ينظر إليها بهدوء ويتودد إليها!، يتابع عيناها الزرقاء ويدقق في ملامحها بهيام وانسجام خالص لها..
يا لك من ماكر يا "عاصم" يا لك من ماكر مخادع غـ.ـبـ.ـي..
ضـ.ـر.بت بقبضة يدها على سور الشرفة وهي تتابع ما يحدث بينهم وفي لحظة رفعت الهاتف من على المقعد بينهم وفتحته لتوريه به شيئًا فاقترب منها وهي تشير بإصبع يدها على الهاتف وتضحك بصخب؟!
متى تعرفت عليه إلى هذه الدرجة متى! لا أنها من فتيات المدينة لا تحتاج لوقت حتى تتعرف عليه فقط يلقي عليها سلام الله فتلقي عليه شباك الخبث الضارية...
رفع "عاصم" وجهه إلى الأعلى بعفوية والإبتسامة مُرتسمة عليه ليقابل وجهها، نظرات عينيها الحمراء الغاضبة وملامح وجهها بالكامل التي تجعلها تبدو مخيفة وهي تنظر إليهم بهذه الطريقة الغريبة..
نظر إليها لحظة والأخرى اعتقادًا منه أنها ستدلف للداخل أو يصدر منها أي ردة فعل فقط خجلًا من نظراته نحوها ولكنها كما هي فتاة مغرورة، متكبرة عليه وعلى الجميع.. والأهم من كل هذا لا تخطئ وكأنها قديسة لا تعرف طريق للخطأ..
أبعد عينه مرة أخرى وعاد بها إلى "إسراء" الماكثة جواره ولم تلاحظ نظرات عينيه المرتفعة للأعلى بسبب انشغالها بهاتفها بعد أن قام هو بفتح شبكة الإنترنت داخله كي يساعدها أو يقتصر الطريق إليها قليلًا ويصبح صديقها جديًا وبعد ذلك يتسلل للأكثر من هذا..
في الناحية الأخرى وقف جلال على أعتاب غرفة الحرس الصغيرة بجوار بوابة القصر، نظر إلى "عاصم" و"إسراء" الفتاة الجميلة، فاتنة الجمال التي ليس هناك مثلها على الجزيرة وكأنها من أصول أوروبية أتت إليهم ليتأملوا في جمالها..
تمتم بينه وبين نفسه بغـ.ـيظ وسـ.ـخرية:
-طول عمرك واقع واقف يا عاصم يا ابن المحظوظة
أبتعد بعينه إلى الأخرى التي تقف في الشرفة عيناها ستنقلع من مكانها عليه وقلبها سينقبض منها بسبب شـ.ـدة النيران المشتعلة به من غيرتها التي أخذتها في صميم قلبها بسبب "إسراء" وجمالها الخلاب الذي لم تراه في حياتها..
تمـ.ـو.ت على "عاصم" يعلم ذلك جيدًا وهي تُجيد المكر والخبث، ونقل الحديث من مكان إلى آخر، ابتسم بسخرية أكثر وهو يتابعها ويراها تود لو تلقي نفسها من الشرفة كي تصل أسرع إلى الأسفل وتقوم بجذب خصلات تلك المسكينة من مكانها..
نظرت إليه من الأعلى فتابع يدقق داخل عينيها من على بعد مسافة ثم غمز بعينه اليسرى بغرور فنظرت إليه بضيق وانزعاج وضـ.ـر.بت مرة أخرى على سور الشرفة ثم استدارت تدلف إلى الداخل مرة أخرى دافعة الباب من خلفها بقوة ليصدر صوتًا استمع إليه كل منهم..
❈-❈-❈
مر يومين آخرين غير الأيام الذي مرت عليهم منذ أن أتوا إلى الجزيرة، وفي اثنائهم لم تكن تحسن التدبير ولا التفكير ولا تعرف ما الذي ستفعله معه ولا حتى كيفية الهروب من الجزيرة.. أو بالأحرى القصر فهو الخطوة الأولى للهرب..
ولكن ما توصلت إليه مع نفسها أنها إن خرجت من هنا وابتعدت عن الجزيرة ومن بها ستلقي بهم جميعًا خلف ظهرها وأولهم "جبل العامري" وستلقي تهديدها له خلف ظهرها معه لأنه للحق لن تكون قادرة على مواجهته..
ولكن أن بقيت هنا وهذا من رابع المستحيلات فلن تكن نهايته إلا على يدها وهذا وعد منها، وعد من إمرأة حرة ليست للترويض وإن كانت فلن تكن امرأة تروضت على يده..
ابتعدت عنه تمامًا في هذان اليومان، لم تكن تتقابل مع وجهه إلا بالصدفة البحتة فهي لم تكن مستعدة أن تتقابل مع رجل قاتـ ـل مثله وتلطخ نفسها وعينيها بالنظر إليه أو تجعل لسانها يتسخ ويدنس بالحديث معه.. قللت كل شيء تشاركه معه إن كان حديث أو نظرات أو طعام.. رجل مثل هذا لا يشاركه أفعاله إلا الشياطين مثله
بقيٰ خـ.ـو.فها الأكبر على شقيقتها وابـ.ـنتها الصغيرة، كيف ستهرب بهم وإن لم يكن فكيف ستجعل حياتهم هنا!..
تراقص الخـ.ـو.ف على أعتاب قلبها، ولكن زجره الكبرياء مُعلنًا نصرها وبين هذا وذاك لم يحسن التدبير عقلها ففقدت نفسها بينهم وتشتت تفكيرها وبقيت سجينة جبل العامري غير راضية عن قدرها..
بينما هو ترك لها الفرصة في التفكير والإختيار على الرغم من أنه يعلم ما الذي سيحدث بالنهاية..
ترك نظرات عينيه المخيفة تعبث بها كلما وقعت عليها، يستشعر دقات قلبها العالية كلما تقابلت تلك النظرات، فيبتسم بخبث وقسوة لأجل إشعال الخـ.ـو.ف والرهبة داخلها مسببة ارتعاش لجسدها كلما رأته..
إلى الآن هو صامت وتركها الأيام الماضية مبتعدًا عنها سامحًا لها بالفرار منه وهو على علم أن الأيام القادmة ستكون على عكس السابقة عنـ.ـد.ما يكون مقرها داخل غرفته..
دقت على باب الغرفة بيدها بقوة تحاول أن ترسل له من خلالها أنها ليست ضعيفة هشة.. فتحت لها الباب والدته فولجت للداخل بهدوء وجدية رافعة رأسها للأعلى بشموخ تدلف بثبات تقول من عبر نظراتها وحركاتها المحسوبة أنها قوية للغاية.. وما كان في الداخل سوى الخـ.ـو.ف
أغلقت والدته الباب بعد أن دلفت هي وسارت خلفها للداخل وهو يقف بجوار الفراش يستند على العمود بذراعه..
أشارت لها والدته أن تجلس على الأريكة ولكنها رفضت قائلة بجدية:
-اتفضلي أنتي يا طنط.. خير
جلست "نجية" على الأريكة أمامهم وبقيت الأخرى واقفة على قدmيها تبعث إليه النظرات المشمئزة ولكنه بادلها بالبرودة التام
تحدثت والدته بكل جدية وهدوء وهي تنظر إلى "زينة" تسألها:
-ها يا زينة قوليلنا قرارك.. موافقة تتجوزي جبل
رفعت يدها الاثنين أمام صدرها ووقفت بزاوية جسدها تنظر إلى البعيد قائلة بضيق:
-لأ مش موافقة
ضيقت والدته عينيها عليها وحاولت أن تتحدث بعقلانية معها على الرغم من أنها تدرك أن رفضها قاطع:
-ليه كده يا زينة فكري في مصلحة بتك
هبطت بيدها من أمام صدرها وصدح صوتها تنفي ما تقوله بعنف:
-مصلحة بـ.ـنتي أنها تمشي من هنا وامبـ.ـارح قبل النهاردة
أجابت الأخرى بفتور وهدوء تريها الحقائق التي تغاضت عنها:
-ليه؟ هنا كل حاجه بتاعتها وكل حاجه هتبقى تحت رجليها ورجليكي أنتي كمان
تسائلت "زينة" بسخرية وبلهجة متهكمة ساخطة:
-هنا فين؟ في جزيرة وسط الميه محدش يعرف عنها حاجه؟ في مكان مليان سلاح واللي حاكمه تاجر سلاح؟ إحنا لو مـ.ـو.تنا محدش هيدري بينا
وقفت سريعًا بعدmا استمعت إلى حديثها الذي كشف كل شيء يحدث على الجزيرة وأردفت بذهول:
-أنتي جبتي الكلام ده منين
أشارت إلى "جبل" بيدها متحدثة بانفعال وعصبية:
-اسألي ابنك.. ولا هو مقالكيش إني عرفت كل حاجه؟ مقالكيش إني شوفته بعيني وهو بيقــ,تــل؟
استدارت إليه والدته تنظر إليه باستنكار شـ.ـديد لما تقوله "زينة" فهي إن كانت رافضة مرة قبل أن تعلم بكل ذلك الآن ستكون رافضة ألف مرة.. نطقت اسمه بذهول:
-جبل!..
أبتعد هو عن العمود وتخلى عن الصمت الذى تحلى به بينهم، نظر إليها بجدية وجمود قائلًا:
-ده شيء كويس علشان تبقى عارفه هي بتتعامل مع مين
استنكرت حديثه متهكمة عليه بسخرية لاذعة قائلة بضجر وانزعاج:
-هكون بتعامل مع مين يعني؟ واحد قـ ـاتل وتاجر سلاح يعني راجـ.ـل عصابات
ابتسم إليها بكل عنجهبة وبرود وقال بثقة وتأكيد:
-بالظبط.. الكلمتين اللي قولتيهم بكل بساطة دول كان المفروض تفكري فيهم بعقلك أكتر من كده
لوت شفتيها ببرود واختناق في ذات الوقت من حديثه وسألته:
-ولو مفكرتش؟
أجاب بصرامة وقوة:
-هتخسري
تركته ونظرت إلى والدته عنـ.ـد.ما علمت أنه سيقوم بتكرار حديثه مرة أخرى وهي سئمت من الاستماع إليه فقالت بجدية:
-اسمعي لو سمحتي بقى.. أنا مش محبوسة هنا أنا عايزة أمشي ومع بـ.ـنتي وأختي
تابعت النظر إليها بعمق تتحدث بكل جدية وقوة توضح لهم أنها ليست غـ.ـبـ.ـية:
-لما جيت مفكرتش إن ده هيحصل عارفين ليه؟ علشان يونس لما مـ.ـا.ت من خمس سنين مافيش حد فيكم فكر بس أنه يسأل على وعد اللي الكل دلوقتي عايزها أنا فاهمه كل واحد فيكم عايز ايه
تركتها وذهبت بعينيها إليه تُكمل ما بدأته بشراسة وعنف:
-اللي في دmاغك مش هتاخده مني مهما حصل إلا على جثتي.. والميراث مش عايزاه خلاص، حتى الشنط اللي جينا بيها مش عايزاها عايزة نخرج من هنا وبس أظن كده أنا اتخليت عن كل حاجه ليكم
وكأنه لم يستمع إلى أي من حديثها تقدm للأمام وقال ببرود ولا مبالاة بها:
-حلو نكتب الكتاب الخميس الجاي
صاحت بغضب وهي تتقدm ناحيته خطوة تشيح بيدها بعصبية وانفعال:
-أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن بقولك مش موافقة ومش عايزة منكم حاجه خلاص لا ميراث ولا غيره خليهولكم
أكمل بنفس البرود واللا مبالاة وهو ينظر إليها مُبتسمًا باستفزاز:
-إحنا بقى عايزين.. وعد العامري.. وزينة العامري
وقفت قبالته بشموخ وعزة أردفت بثقة ووضوح وهي تعني كل كلمـ.ـا.تها:
-أنا إسمي زينة مختار ووعد اسمها وعد يونس العامري إحنا الاتنين مننتميش ليك ولو ننتمي هنتبرى منك
استفزها أكثر وهو يردد حديثه مرة أخرى:
-يبقى على خيرة الله كتبت الكتاب الخميس الجاي
صرخت به بعصبية وجنون منفعلة للغاية:
-أنت عايز تجنني ايه الاستهبال ده أنا بقولك مش موافقة
نظر إليها هو مُبتسمًا باتساع وهو يراها ستجن بسبب حديثه فقط.. مظهرها رائع للغاية ستكون حياته معها مُسلية أكثر من هذا الملل الذي يشعر به واللعب معها سيجعله يتحمس أكثر فـ إلى اليوم لم يستطع أحد التغلب عليه.. هل هذا الغزال هو من سيتغلب!
أقتربت منها والدته وقالت بهدوء:
-فكري تاني يا زينة ده كله لمصلحتكم
نفت حديثها وأكدت بقسوة وهي تجيبها بحدة:
-مصلحتكم انتوا.. وخـ.ـو.ف البيه من إني أبلغ عنه
نظر إليها بعينيه المخيفة ثم استمعت إلى ضحكاته العالية التي طالعتها بغرابة وهتف بسخرية:
-لأ بلغي.. تحبي اوصلك المديرية
نظرت إليه مُطولًا وحقًا لم تعد تدري أهو مـ.ـجـ.ـنو.ن أو مختل أو أنه قاسي قاتـ ـل أم أنه رجل عادي غريب يبتسم ويضحك بسخرية! ولكن ما تعرفه أنها عليها الانتقام منه قبل الابتعاد عنه
ظلت تتابعه بعينيها بشراسة وخرجت الكلمـ.ـا.ت من بين شفتيها بحدة وتهديد واضح له:
-اسمعوا أنا مش موافقة وعلى جثتي إني اتجوزك وأنا سبق وحذرتك بس أنت مهتمتش بكلامي.. قابل بقى
انتهت من تهديدها وهو ينظر إليها بلا مبالاة وتقليل شـ.ـديد منها وكأنها غزالة تحاول وتحاول ثم عنـ.ـد.ما يأتي الصياد تقع فريسة من أول محاولة.. ثم بعد ذلك النظر أكمل على نفس الوضع:
-قولتلك قبل كده مستني
نظرت إليه بسخط وكره شـ.ـديد وملامح وجهها ممتعضة للغاية ثم استدارت واتجهت إلى الباب دون اي حديث آخر وعقلها يحثها على إنهاء كل شيء الليلة، جذبت الباب من خلفها بعد أن خرجت بعنف وقوة أصدر صوت ينم عن غضبها منهم..
اتجهت والدته إليه وتسائلت باستغراب:
-زينة شافتك إزاي وأنت بتقـ ـتل وعرفت منين إنك تاجر سلاح
أجابها بهدوء وبساطة وعينه مازالت على باب الغرفة وعقله مع تلك الغزالة التي خرجت..
-شافتني في الجبل وأنا اللي قولتلها إني تاجر سلاح
صرخت عليه والدته بقوة:
-اتجننت.. افرض مشيت توديك في شربة ميه
أخذت الكلمة انتباهه فنظر إلى والدته وابتسم قائلًا:
-مش هتمشي
هدأت قليلًا ونظرت إليه برفق ثم قالت متسائلة وهي على علم مسبق بالإجابة:
-ايه دخلت مزاجك
أومأ إليها برأسه وأكملت شفتاه بتأكيد:
-آه.. دخلته ومش هسيبها تمشي
سألته باستياء:
-هي من البداية مش موافقة تفتكر هتوافق بعد ما عرفت بكل ده؟
أومأ إليها مرة أخرى بتأكيد:
-هتوافق
قالت والدته بصوت جاد ونظرة واثقة:
-الطريقة غلط.. افتكر إني قولتلك، مش هي اللي تيجي كده
اتجهت هي الأخرى إلى باب الغرفة وخرجت منه وتركته وحده في الداخل يتذكر كل موقف مر عليه معها وهي تقف به أمامه تتابع بنظرات عينيها الواثقة وحركاتها الشرسة.. يتذكر كلمـ.ـا.تها وعنفوانها الواثق من كل كلمة تخرج منها وكأنها ستفعلها لا محال وحتى لو كان السيف على رقبتها..
يا لها من إمرأة صعبة تحتاج إلى الترويض، كيف عاشرها شقيقة وهي بهذا الطبع؟ كيف كان رجل وهو معه امرأة كالرجل في كل شيء إلا مظهرها.. وكيف يشعر الرجل بأنه رجل إلا عنـ.ـد.ما يفرض سيطرته على امرأته ويكن هو بالنسبة إليها الرجل والبيت والأمن والأمان.. ويكن مالكها وكل ما تملكه.. فتجعله محور حياتها والأمر الناهي لها.. كيف كان يعيش مع هذه وهي بكل هذا التكبر والغرور، امرأة "قادرة" أمام نفسها؟..
ستكون امرأته وستتروض على يده، سيجعلها كما يشاء وكما يحب إن كان بالرضا أو.. بالقسوة فلا مجال هنا للحب..
❈-❈-❈
خرجت الصغيرة "وعد" من غرفة الصالون ركضًا وخلفها خالتها "إسراء" تركض قائلة بصوت مرتفع وهي تضحك بصخب:
-هاتي الموبايل والله ما هسيبك
سارت الأخرى وأبتعدت وصوت ضحكاتها البريئة يرتفع معها مثل الأخرى:
-لأ.. مش هتاخديه
بينما وهي تخرج من الغرفة خلفها تركض ضاحكة اصطدmت بـ "فرح" بقوة حيث أن الأخرى كانت تدلف إلى الصالون..
وقفت "فرح" تصرخ بعصبية وغضب:
-مش تحاسبي أنتي عميا
أجابتها "إسراء" بتروي وهدوء كي تمتص غضبها الظاهر عليها دون سبب واضح:
-مشوفتكيش
تهكمت الأخرى عليها وصاحت بسخرية وهي تنظر إليها ببعض وكراهية شـ.ـديدة:
-يبقى عميا بقى
حركت "إسراء" رأسها بنفي وقالت بجدية:
-لأ مش عامية
نظرت إليها "فرح" بشر وعنف ووجدت أن الفرصة المناسبة للنيل منها حتى ولو ببضع كلمـ.ـا.ت تبرد نار قلبها قد أتت:
-يبقى قاصدة تعملي كده
حركت كتفيها بهدوء وبساطة ونظرت إليها بعينيها رائعة الجمال ذات اللون الأزرق الساحر قائلة برقة وهدوء:
-لأ أكيد مش قاصدة أنا خارجة بجري وأنتي داخله من جنب الباب مشوفتكيش
رفعت "فرح" يدها تشيح بها بعصبية وغضب عارم وهي تنظر إلى جمالها ورقتها التي تخرج منها بعفوية:
-هو أنتي كمان هتقفي تبجحي
أجابتها باستغراب ونظرتها نحوها غريبة وكأنها تحدث نفسها بأنها مـ.ـجـ.ـنو.نة:
-أنا مبجحتش أنا بقولك اللي حصل
صدح صوت الأخرى أكثر وأعلى وهي توبخها دون سبب:
-أنتي هتقلبي القصر ملاهي طول النهار لعب وتنطيط ما تبصي لطولك
أكملت والنيران تنهش داخل قلبها من شـ.ـدة الغيرة وضراوة الحقد:
-بالنهار لعب في القصر وبالليل سهر مع الحرس في الجنينة
نفت قولها بنفس الهدوء الذي هي عليه:
-أنا مش بسهر مع حد
عارضتها وهي تفشي بالحديث بصوت عالي لعل هناك أحد يستمع إليها:
-لأ بتسهري أنا شيفاكي بعيوني وأنتي قاعدة مع عاصم
تذكرت "إسراء" ذلك وأتى على خلدها تلك اللحظات والحديث الهامس الجاد الحاني العنيف بينهم، وتلك المشاعر المتخبطة وهوجتها الغريبة فقالت بصوت خافت والذكريات تأثر عليها:
-دي كانت صدفة
أغتاظت منها ونظرت إليها بحدة وهي تريد لو تمد يدها الاثنين إلى عنقها لتقوم بخنفها في الحال:
-بلاش السهوكه دي متعمليش فيها عبـ.ـيـ.ـطة
وكأن "إسراء" مصرة على أن تجعلها تخرج كل ما عندها بتلك الطريقة الهادئة البسيطة، ولكن في الحقيقة هذه كانت طريقتها العفوية تخرج منها بكل رقة ونعومة:
-أنا معملتش عبـ.ـيـ.ـطة أنا برد عليكي بالحقيقة
أردفت مُعقبة بغيرة اشتدت أكثر وأكثر بسبب كل ما يصدر منها فقالت بقسوة وإهانة:
-لأ الحقيقة دي تخليها ليكي أنتي والزمي حدك هنا أنتي مش في ملك أبوكي
كانت الصغيرة تقف بينهم صامتة والآن أتى دور أن ينفرج فمها بالحديث الهادئ وهي تنظر إلى الأعلى لتأتي بوجه شقيقة والدها:
-خلاص يا عمتو إسراء معملتش حاجه
أبعدت "فرح" نظرها إلى "وعد" بعد لحظات وهي لا تستطيع أن تترك تلك الفتاة واقفة هكذا أمامها وقامت بتوبيخ الأخرى بتهكم وسـ.ـخرية:
-وأنتي عرفتي منين يا قلب عمتو.. وبعدين بتدخلي في كلامنا ليه هي زينة معرفتش تربيكي
أجابتها الصغيرة بهدوء وتودد إليها ليست قاصدة شيء:
-أنا متربية يا عمتو بس كنت بقولك إن إسراء مش قصدها
نهرتها بعنف ورفعت وجهها إلى الآخر تلقنها الحديث القاسي إليها وكأنها التي تأمر هنا:
-وأنتي مالك اخرسي خالص ومش عايزة أشوف الهبل ده في القصر تاني
ذهبت من أمامهم إلى الداخل بعد أن دفعت "إسراء" في كتفها لتعبر إلى الغرفة قائلة بغـ.ـيظ وضيق:
-جاتكم القرف.. مش عارفه ايه البلوة اللي اتحدفت علينا دي
نظروا إليها الاثنين بذهول بعدmا عبرت إلى الغرفة، لقد تابعتها "إسراء" بعفوية ناظرة إليها وهي تتسائل أهي مـ.ـجـ.ـنو.نة أم مُختلة الأمر يختلف..
ابتسمت بسخرية بعد أن نظرت إلى وعد وحركت رأسها يمينًا ويسارًا غير قادرة على استيعاب تصرفات وحديث تلك الغريبة..
❈-❈-❈
في المساء بعد أن توجه الجميع إلى غرفهم بعد تأخر الوقت كان الجو هادئ للغاية في سكون الليل لا يصدر أي صوت إلا من الخارج أصوات الكلاب الذي تنبح في الطرقات..
وصوت ذئب مزعج للغاية يأتي إليهم ليمر عبر أذنهم من الغابة.. ككل يوم الحرس كل منهم في موضعه..
لا يوجد اختلاف في هذه الليلة سوى تفكير من هم داخل القصر وأولوياتهم، لا يوجد سوى مخططات لكل فرد بينهم كي يحصل على ما يريد..
بداية من أكبر امرأة بهم وهي والدته التي أصبح وجود "ابنة" ولدها أمر حتمي لن تتنازل عنه وليحدث فعلى والدتها أن تتزوج بابنها الآخر.. كثير من الأمور داخل عقلها تدور حول هذا الأمر من مخاوف قادmة بسبب "زينة" ووجودها معهم بعد أن علمت بعمل ولدها.. ومخاوف أكبر من تصرفات "جبل" القاسية..
"جبل" وتذكره لها ولشراستها، عنفوانها وحدتها وتلك القوة الهشة التي تمثل أنها عليها، تفكيره كله كان حولها.. حول امرأة وضعها في رأسه كي يكـ.ـسر أنفها ويجعلها راضخة له
وهي "زينة" ولم تكن تفكر في أي شيء سوى الفرار والهرب، تركت كل ما خططت له وكل ما كان يعكر صفو تفكيرها وتلك التدابير التي لم تحسنها ووضعت كل تركيزها في طريقة للهرب من هنا الآن قبل الصباح..
بينما تغير تفكير شقيقتها البريئة للغاية هي الأخرى، "إسراء" تحول كل ما تريده في يوم وليلة بعد أن تقابلت مع ذلك الجسد الصلب الطويل الذي يبتلعها كلما وقفت أمامه، ذلك الصوت الرجولي المميز ذو البحة الغريبة التي أصبحت تميزها من بين الجميع.. لا تدري لما ذلك التفكير به وما الذي فعله بها!.
وأخيرًا وليس أخرًا هنا "فرح" هي الأخرى من الأشخاص الذين يعيشون داخل القصر وتغير تفكيرهم، وهذا حدث بعد أن نهشت الغيرة قلبها بسبب تلك الجميلة الرقيقة التي تتصنع كل ذلك كي تستحوذ على تفكيره.. وتفكير غيره.
والصغيرة التي لا تفقه أي شيء مما يدور حولها بين الجميع وأولهم والدتها وعمها القـ ـاتل الذي يهددها بها، تفكيرها تغير وتحولت أولوياتها بعد أن عانقتها جدتها والدة والدها وطالبت بالقرب منها والمكوث معها ولكنها أيضًا تريد العودة إلى مكان نشأتها وتلك الحياة التي اعتادت عليها...
لحظة واحدة كانت هي الفاصلة بين ذلك السكون وحالة المرج تلك، حدثت عنـ.ـد.ما صرخ أحد الحراس على البقية وهو يرى النيران المُشتعلة خلف القصر تصعد للأعلى مصحوبة بالدخان الذي صعد معها وسبقها..
لقد شعروا أن هناك نيران وعبرت رائحة الدخان إلى أنفهم ولكن هذا عاديًا يحدث فلا خـ.ـو.ف ولا رهبة
كانت النيران نشبت خلف القصر وارتفعت للأعلى ولم يلاحظ أي حد منهم إلا عنـ.ـد.ما رصدها واحدًا منهم بعينيه من الأمام بعد أن تعالت للغاية بدخنتها فصرخ عليهم جميعًا وحدثت حالة غريبة من الهرج والمرج بينهم وكل منهم ترك سلاحه في غرفة الحرس الصغيرة وسارعوا بالركض للنيران كي يخمدوها بالمياة..
استمع من في القصر جميعهم إلى ما يحدث وقد خرج جبل معهم هو الآخر والتفكير ينهش عقله كيف حدث ذلك يصـ.ـر.خ عليهم من كل إتجاه خـ.ـو.فًا من أن تتصاعد أكثر ويحدث ما لا يحمد عقباه
كانت قد اشتعلت ببنزين وتصاعدت للأشجار الذي سكب عليها هي الأخرى بنزين وتأكلت الأسلاك المتواجد وكل ما كان في محيط خلف القصر وجانبيه..
بينما في الخفاء وتلك الدوامة تأخذهم للقضاء على النيران في الخلف هبطت "زينة" مع شقيقتها وابـ.ـنتها الدرج برفق دون إصدار صوت حتى لا ينتبه إليها أحد من الداخل وهم لم يخلدوا للنوم بعد إلا عنـ.ـد.ما يسيطروا على النيران..
ترتدي بنطال من الجينز الواسع وتيشرت بنصف كم أبيض اللون وخلف ظهرها حقيبة صغيرة ليس بها إلا جوازات السفر وقليل من النقود والهواتف..
لم تأخذ أي شيء آخر، وقفت خلف البوابة الداخلية للقصر وهم خلفها تنظر إلى الخارج لترى أن كان هنا أحد يراها فلم تجد فسارعت معهم للخارج تركض إلى أن وصلت إلى البوابة الخارجية.. بوابة قصر العامري.. نظرت إليها بابتسامة واسعة وقلبها يدق بعنف وقوة.. مزيج من المشاعر كالخـ.ـو.ف والسعادة يمكثون داخلها..
فتحت البوابة وأخرجتهم استدارت تنظر إلى الخلف لترى النيران تبدأ بأن تخمد فابتسمت أكثر وهي تراهم من بعيد والجميع يركض ثم خرجت خلفهم سريعًا..
خرجت من قصر العامري! خرجت بابـ.ـنتها وشقيقتها؟ الآن تراقصت السعادة والفرحة على أعتاب قلبها بدلًا من ذلك الخـ.ـو.ف الذي أرهبها.. الآن تحررت من سـ.ـجـ.ـن جبل العامري.. الآن فقط تستطيع أن تقول إنها امرأة حرة قوية لا أحد يستطيع ترويضها..
كان الهروب أمر صعب للغاية، الفرار من جزيرة العامري مستحيل ولكنها امرأة قوية نالت منها الصعاب ونالت هي من المستحيل..
قم بالتسجيل أيها التاريخ داخل كُتبك "زينة مختار" هـ.ـر.بت من سـ.ـجـ.ـنها قصر العامري، ونالت من العائلة بأكملها، أكتُب أنها لازت بالفرار من جزيرة العامري ولن تكن مرة أخرى "سجينة جبل العامري"
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚"أشعلت النيران بقلب الجميع تتخذها سبيلًا للهرب من سـ.ـجـ.ـنها، تحلم بالفرار فانقلب كل شيء على رأسها وأشتعلت النيران بقلبها"
"وقفت "زينة" في مُنتصف الغرفة بين ابـ.ـنتها وشقيقتها تنظر إليهم وهم يبادلونها النظرات المستغربة بعدmا استمعوا إلى حديثها الذي لم يدلف عقلهم..
تقدmت منها "إسراء" تنظر إليها بغرابة تتسائل:
-قصدك ايه أننا هنمشي دلوقتي؟ وبعدين فين حقك وحق وعد اللي جينا علشانه؟
تابعت النظر إليها هي الأخرى وقالت بجدية:
-أنا مش عايزة أسمع أي أسئلة ولا أي كلام
أشارت شقيقتها بيدها إليها وهي تود حقًا أن تفهم ما الذي تريد فعله فتابعت:
-يعني ايه.. زينة إحنا جينا هنا علشان كده مش علشان نتمرمط ونرجع تاني
أكملت "زينة" مؤكدة على حديثها بقوة كما كانت:
-قولتلك لازم نمشي من هنا وكلامي يتسمع لحد ما نخرج من الجزيرة
تسألت "إسراء" باستغراب تحت أعين الطفلة الصغيرة التي تتابع ما يحدث:
-طب ليه كل ده
نظرت إلى ابـ.ـنتها التي تقف معهم، لا تريد أن تتحدث أمامها أو تشرح أي شيء لا يجب أن تعرفه.. عادت بالنظر إلى شقيقتها قائلة بجدية:
-هما مش ناويين يدوني حقي.. عايزين نقعد هنا ووعد تقعد معاهم لكن ناخد حقنا ونمشي لأ
تسائلت مرة أخرى بعين مُتسعة:
-يعني ايه؟
أردفت "زينة" بعد أن تنهدت بعمق:
-يعني لازم إحنا نمشي من هنا لأنهم مش هيسمحولنا نعمل ده
أقتربت منها "إسراء" ونظرت إليها بقوة.. تفوهت قائلة بجدية:
-زينة بس إحنا لو رجعنا دبي تاني هنعيش إزاي
تقدmت "زينة" من الفراش تجذب حقيبة ظهر صغيرة ثم أجابتها:
-هتصرف.. أنا هتصرف متقلقيش
نظرت إليها وتابعت قائلة بصوت جاد:
-يلا.. سيبي الهدوم مش هناخد حاجه غير الموبايلات والشواحن وجوازات السفر.. مش هنعرف نطلع من الجزيرة بحاجة
تذكرت "إسراء" أن لا طريقة للخروج من الجزيرة سهلة عليهم فسألتها:
-هنخرج من طريق النيل ولا الغابة
تنهدت الأخرى بضيق كبير وهناك ثقل تشعر به على صدرها ولكنها بدأت بفعل ذلك الشيء فعليها الانتهاء منه:
-النيل.. أنا مضمنش الغابة دي فيها ايه ولا هنخرج منها إزاي
أكملت وصلة الأسئلة الذي وقعت بها قائلة وهي تتابع حركاتها بعينيها الزرقاء:
-ومين هيعدينا النيل
ابتسمت بـ.ـارتياح وهي تحاول أن تجعلها تطمئن مردفة:
-أول ما نخرج من القصر ونقرب على النيل هكلم عماد صاحب يونس يقرب مننا أنا اتفقت معاه أنه هينقلنا.. يارب بس محدش من الحرس اللي هناك يشوفه
تابعت وهي تتقدm من باب الغرفة بحزم:
-حطوا الحاجة في الشنطة أنا هنزل أعمل حاجه وطالعه
هبطت "زينة" على الدرج مُتجهة إلى الأسفل تتلفت هنا وهناك بعينيها لترى أي أحد من العائلة ولكن الجميع كانوا متواجدين في غرفهم بالأعلى..
توجهت إلى المطبخ وهي تسير سريعًا، دلفت إليه ولم تشعل الضوء داخله بل أكملت المسير في العتمة إلى أن وصلت إلى الباب المتواجد به لتعبر منه إلى خلف القصر مباشرة دون أن يراها أحد من الحرس..
فتحت الباب بهدوء وبطء شـ.ـديد.. أخرجت رأسها لتنظر إلى الخارج ربما يكن أحد هناك ولكن لم ترى أحد فخرجت إلى خلف القصر تختلس النظرات بعينيها في كل إتجاه وقد كانت أحضرت من قبل ما ستحتاج إليه في مهمتها..
سارت بهدوء دون أن تصدر أي صوت إلى شجرة كبيرة متواجدة أمام سور القصر كان خلفها جردل كبير قليلًا فتحت الغطاء ونزعته من عليه وهي ترفع رأسها تنظر إلى الأعلى خـ.ـو.فًا من أن يراها أحد.. ثم حملته على يدها الاثنين وسارت تسكب ما به في كل مكان يقابلها.. على الأرضية والأشجار بأوراقها حتى جدران القصر من الخلف.. لقد كان بنزين سريع الاشتعال سيساعدها في الهروب من هنا.. تركته في الأرض ثم ألقت بعض الأخشاب وفوقهم قطعة قماش كبيرة..
توجهت لتحمل الجردل مرة أخرى وسكبت فوق الأخشاب ورائحته النفاذة تدلف إلى أنفها بقوة.. تركته مرة أخرى على الأرض..
عادت للخلف خطوة وتقدmت من باب المطبخ.. نظرت إلى كل ما فعلته ثم أخرجت القداحة من جيب بنطالها الجينز أشعلتها وألقت بها على الأرض فنشبت النيران سريعًا دون أي مجهود.. نظرت إليها بعينين واسعة وهي تراها تصعد إلى الأشجار وتتأكل في الأرض مُتجهة إلى الجانبين وترتفع مع تلك الأخشاب الذي ألقتها في الأرض.. اتسعت شفتيها بابتسامة واسعة وهي ترى أن ما رغبته بات قريبًا للغاية منها وستبتعد عن هنا في الحال..
دلفت إلى الداخل سريعًا وأغلقت الباب كما كان وكأنها لم تفعل شيء وسارت بهدوء وبطء لتخرج إلى ردهة المنزل تتلفت ثم عنـ.ـد.ما أدركت أن المكان أمن تحركت سريعًا وقدmيها تبتعد عن بعضهم بقوة لتصعد إلى الأعلى تنتظر ما سيحدث من مرج وهرج بعد قليل لتتخذ هذه الفرصة سبيلًا للهرب"..
مر كل هذا على ذاكرتها وهي تبتعد عن قصر العامري فقد حدث كل هذا قبل قليل، قبل أن تخرج من القصر وتحصل على الحياة.. تود لو تصفق لنفسها لأجل حصولها على الفرار منه..
سارت بسرعة هي وشقيقتها وابـ.ـنتها بيدها تبتعد عن هنا بفرحة كبيرة والإبتسامة على وجهها مرتسمة باتساع.. تتابع وهي تسير بخطوات اشبهت الركض البيوت الخاصة بهم الغريبة ككل المناطق النائية..
يالا الفرحة.. أكان يريدها أن تستمر معه هنا؟ على هذه الجزيرة الغريبة هي وكل سكانها.. الذين يضعون الثوم والبصل مربطين بأحبال في شُرف المنازل؟
لقد لازت بالفرار وما بقيٰ إلا دقائق كي تكون خارج الجزيرة وهم في الخلف يحاولن إخماد النيران.. خرجت ضحكة مباغتة منها وهي تشعر بالانتصار فوجدت تلك اليد القوية تقبض على ذراعها فجأة دون سابق إنذار..
نظرت إلى شقيقتها مُعتقدة أنها هي من أمسكت بيدها ولكن يد شقيقتها كانت جوارها فاستدارت واقفة تنظر إليه!!..
إنه هو! وقع قلبها بين قدmيها واختفت تلك الضحكة التي كانت على شفتيها منذ قليل وذراعها في قبضة يده يضغط عليه بقوة وغل شـ.ـديد وملامح وجهه لا تنذر بالخير أبدًا..
وقفت إسراء جانبها تقترب منها تحتمي بيها وفي نفس الوقت تحاول أن تحميها من نظرته إليها وقبضة يده التي استشعرت قوتها..
شعرت بالخـ.ـو.ف وهي ترى "عاصم" يقف خلفه والسلاح بيده ونظرات عينيه موجهة إليها بقوة وكأنه يتوعد لها وبجواره ذلك "جلال" يقف مثله خلف جبل ينتظر الإشارة منه والجميع في حالة صمت..
ضغطت "زينة" على يد ابـ.ـنتها بقوة تتمسك بها خـ.ـو.فًا من أن يأخذها منها عنوة.. عيناها تنظر إليه بحدة تتابع نظرات عيناه الخضراء المخيفة..
ضغط على يدها بقوة ونظر إلى شقيقتها بطرف عينه ومرة أخرى إلى ابـ.ـنتها التي تمسكت بوالدتها فابتسم هو بشر ينظر إليها قائلًا بجمود:
-مش كنتي تقوليلي إنك عايزة تمشي علشان اسهلك الطريق!
تابعت النظر إليه دون حديث وقد شعرت أن سمائها انطبقت على الأرض من أسفلها ودmرت كل شيء.. لم تقوى على الحديث بل تنظر إليه بصمت تام لا تعلم ما الذي من المفترض أن تقوله ولا حتى تفعله.. ولا تدري ما الذي سيفعله هو بها..
أكمل وهو يجذبها من ذراعها بعنف وقسوة:
-تعالي.. الوقت دلوقتي ميسمحش أنكم تنزلوا النيل
تحطمت أحلامها وذهب كل ما فعلته لأجل الفرار هباء فلا شيء أتى بنفع مع ذلك الجبل الصلب الذي احتارت في وصفه..
بعد أن جعلت الحريق ينشب في القصر ويلتهي به الجميع وهو من بينهم.. وذهبت على أول الطريق وخرجت من القصر وأقتربت من الوصول إلى النيل والخروج من الجزيرة.. أتى هو لينهي كل هذا كأنه لم يحدث من الأساس.. لقد أتى في الوقت المناسب حقًا..
شعرت بالسخرية الغريبة لأجل كل ما عاشته هنا إلى الآن أهو إلى هذه الدرجة مسيطر ومتحكم ليفهم ما حدث ويأتي خلفها بهذه السرعة..
سارت معه وهو يجذبها عائدين إلى القصر استدارت برأسها تنظر إلى الخلف ترى النيل كان على بعد خطوات منها يبدو أنها كُتب عليها أن ترى وتعلم الكثير عن الجزيرة وأهلها.. لم يكن مقدر لها الخروج بهذه السهولة..
وقف "جبل" أمام بوابة القصر بعد أن عادوا إليها مد يده إلى حقيبة ظهرها جذبها منها ثم أعطاها إلى "عاصم" الذي أخذها منه وأشار إليه قائلًا:
-دخل الآنسة إسراء ووعد وخد بالك منهم كويس
أقتربت "إسراء" من "زينة" تقف جوارها وفعلت ابـ.ـنتها المثل تتمسك بيدها بقوة وصاحت قائلة:
-وزينة هتروح فين؟
ابتسم إليها بسماجة وبرود قائلًا:
-متقلقيش أنا هاخدها معايا مشوار وراجعين..
تسألت مرة أخرى بجدية وقلق:
-مشوار فين.. خدنا معاها
نظر إليها بقوة وتابع يُجيبها بخشونة:
-ادخلي.. شوية وهترجع
تركت "زينة" يد ابـ.ـنتها ونظرت إلى "إسراء" بجدية وهدوء حتى لا تجعلهم يشعرون بالقلق وقالت:
-ادخلي متقلقيش عليا
لم تكن تكمل رفع شفتيها عن بعضهم البعض لتتحدث مع شقيقتها إلا وكان هو تحدث بصرامة وقوة موجه حديثه إلى "عاصم":
-عاصم.. دخلهم
أشار "عاصم" إلى "إسراء" أن تدلف فنظرت إلى شقيقتها ودلفت على مضض وهي قلقة للغاية مما يحدث الآن وبيدها ابنة شقيقتها...
بعد أن دخلت من بوابة القصر نظرت إلى "عاصم" بعينين بريئة قلقة للغاية تدعوه أن يطمئنها فشعر هو بذلك بعد أن دلف وأغلق البوابة ناظرًا إليها
تقدm منها قائلًا بجدية:
-متقلقيش شوية والهانم هتيجي
ضغطت على يد الصغيرة التي تتمسك بها وهو يتابع النظر إلى عينيها بعمق وهدوء وكأنه يحكي أشياء لا تستطيع شفتيه الحديث بها.. استمع إلى صوت "جلال" وهو يخرج حمحمة رجولية فحمحم هو الآخر من بعده وهبط إلى أسفل ينظر إلى الصغيرة..
ابتسم إليها قائلًا بود وحب:
-اطلعي فوق اوضتك ارتاحي شوية وماما هتيجي
أومأت إليه برأسها فسارت مع "إسراء" متجهين إلى الداخل وهو معه حقيبتهم الذي تحوي أغراضهم..
بينما في الخارج نظر "جبل" إلى زينة بعد غلق البوابة نظرة ارعـ.ـبتها شعرت أنها ترى شيطان في هيئة انسان من بعدها.. تحدث قائلًا بقسوة:
-أما إحنا عندنا مشوار مهم هيخليكي تفكري مليون مرة قبل ما تعملي أي حركة زي دي..
جذبها من يدها خلفه وهو يسير يكمل الطريق يتخطى القصر وكأنه يتوجه إلى الجبل؟..
نظرت إلى الطرف الآخر ورصدت بعينيها الجبل من بعيد ثم نظرت إليه هو ولم تستطع أن تستنتج ما الذي يريد أن يفعله معها!..
يطبق يده القوية على يدها بقوة وعنف شـ.ـديد يجذبها خلفه عنوة عنها يُسير هو بسرعة وهي تحاول خلفه أن تجاري حركات قدmيه ولكنها لا تستطيع ليس لأنه سريع بل لأنها أعصابها قد خارت منها منذ أن قبض على يدها في أول مرة.. يحطم كل أحلامها بتلك القبضة القوية التي أشارت لها أنها "في قبضته"..
كان ظنها صحيح وجدته يُعبر بها الجسر الفاصل بين طريق القصر والجبل، نظرت إليه بعينيها لم ترى إلا عنقه من الخلف وهو يُسير بها يجذبها بحدة، تذكرت تهديده لها وتلك الكلمـ.ـا.ت التي خرجت منه في المرة السابقة أنها لم ترى ما يحوي الجبل بعد.. ما الذي كان يقصده وما الذي يريد أن يفعله بها!..
سار بها إلى أن وصل إلى مقصده ولم يكن غير "الجبل" ترك يدها ووقف ينظر إليها بعينيه الخضراء التي أصبحت مخيفة أكثر من السابق بكثير أسفل ضوء القمر..
بقيت تنظر إليه مباشرة داخل عينيه لا تدري كيف تحملت ذلك وكأنه هو الآخر أخذ نظرتها إليه تحدي فتابع واستمر ينظر إليها يُخيفها فأبتعدت بعينيها السوداء تنظر في الفراغ المحيط بهم والسكون الذي بعث بقلبها الرعـ.ـب والفزع.. وتلك الصحراء المخيفة كمن يقف أمامها..
وجدته يبتسم بزاوية فمه يبتعد عنها خطوات بسيطة للغاية وقف أمام منطقة معينة هبط بجسده العلوي للأسفل ينحني إلى الأرضية.. تابعته باستغراب شـ.ـديد فوجدته يزيح بعض الرمال بيده ليظهر غطاء خشبي صغير مثبت بالأرض الرملية رفعه بيده ثم وقف شامخًا.. وقفت هي مذهولة لم تكن تدري ما الذي عليها فعله الآن يبدو أن القادm أسوأ بكثير مما سبق.. تنفست بعمق والرهبة تكاد تقضي عليها..
تابعت نظراته الشامتة لها ورأته وهو ينظر إليها ثم وضع قدmه أسفل ذلك الغطاء يضغط بها على شيء ما لم تراه جيدًا ثم استمعت إلى صوت عالي يصدر من الجبل فنظرت إليه سريعًا لتراه وهو يُفتح!..
لم تكن أي كلمـ.ـا.ت أو معاني تعبر عما تشعر به في هذه اللحظة من الذهول والخـ.ـو.ف والتردد الذي أصابها والنـ.ـد.م الذي احتل كيانها بسبب عودتها إلى هنا ووقوفها بوجهه.. لما أردت أن ترى ذلك الجبل لما؟!
الآن فقط علمت أن حديث "يونس" كان صحيحًا مئة بالمئة وهي الوحيدة الغـ.ـبـ.ـية الفضولية عنـ.ـد.ما رأت العتمة تخرح من الداخل وجانب كبير منه أبتعد عن الآخر ليفتح مرر إليه..
ابتسم باتساع وهو يتابع نظراتها وتعابير وجهها المزعورة فتقدm منها يقبض على يدها قائلًا بكبر:
-ولسه مشوفتيش حاجه
دفع الغطاء الخشبي بقدmه ليعود كما كان وجذبها من يدها بعنف وقوة وسار إلى الداخل في الظلام الدامس وهي بيده تسير خلف لا ترى أي شيء وفجأة اشتعلت الأضواء لا تدري كيف.. هناك ضوء في الداخل كأي بيت عادي رأته وهو يضغط بيده على زر في الحائط أعاد إغلاق الجبل مرة أخرى مع استمرار ذلك الصوت العالي المزعج..
نظرت إليه فابتسم بشر إليها ثم تابع في جذبها من يدها إلى الداخل تسير وهي ترى حوائط الجبل من الداخل ذات اللون الأصفر الرملي معلق عليها في كل جانب وكل أنش سلاح مختلف الشكل والهيئة عن سابقه..
لم تكن تركز في أي شيء ولا حتى الطريق الذي يُسير به معها بل كانت تنظر إلى الأسلحة المتواجدة بكل مكان.. بينما وهي تعبر معه من المرر إلى الآخر الأكثر اتساعًا استدارت بوجهها تنظر إلى الأمام بعد أن رأت عينيها القدر الكافي من الأسلحة ولكنها فزعت وصرخت عاليًا تلتصق به متمسكة بذراعه وهذا بعد أن رأت رأس ذئب معلقة أمامها في بداية الممر الأخر ولم تكن تراه..
تحدث بخشونة قائلّا وهو ينظر إليها:
-قلبك خفيف للدرجة دي.. اتقلي
حاولت أن تتنفس بهدوء وانتظام بسبب تلك الفزعة وابتعدت عنه تاركة يده تنظر إليه باستغراب جلي وإلى الآن لم تعلم ما الذي سيحدث..
دلف بها إلى الداخل ووقف في ساحة كبيرة وكأنها منتصف الجبل لم تختلف كثيرًا عن الخارج كانت مليئة بالأسلحة والصناديق الخشبية الموضوعة في كل مكان وهناك أبواب حديدية على بعد مسافات منتظمة..
دارت بعينيها في كل إتجاة ثم عادت إليه بهما فنظر هو إليها ثم سار يخطو خطواته ببطء شـ.ـديد جوارها يُسير حولها صانعًا دائرة يمشي عليها بانتظام..
أردف بكلمـ.ـا.ت بسيطة ببطء وهدوء ولكن الكلمـ.ـا.ت هذه لا تحتوي إلا على القسوة:
-أنتي عارفة أنتي عملتي ايه؟
لم يجد منها رد فأعاد السؤال مرة أخرى بخشونة أكثر:
-عارفة ولا مش عارفة
لم تكن تعلم ما الذي ينتظرها بعد فتحدثت بقوة وعنفوان تدفعه إليه بلا مبالاة:
-عارفة كويس أوي وأنا قولتلك قبل كده مش خايفة منك ولا من عشرة زيك وهامشي يعني هامشي
تقدm منها ناظرًا إليها بهدوء وعينيه مثبتة عليها ثم دون أي إنذار منه قبض على خصلات شعرها صارخًا:
-لأ مش عارفة أنتي عملتي ايه.. الحريقة اللي عملتيها دي لو كانت زادت ولا محدش شافها كانت كلت الجزيرة كلها المخزن اللي ورا القصر مليان متفجرات يا غـ.ـبـ.ـية
استمرت في النظر إليه بعينيها المتسعة بعد صدmتها فيما قاله، وجهها قريب من وجهه للغاية حيث أنه يتمسك بخصلات شعرها يجذبها نحوه:
-الله وكيل لو حصل حاجه مكان هيكفيني اقــ,تــلك وارميكي للديابة
ضغط على شفتيه السفلية بعصبية وغضب شـ.ـديد يسألها بعنف وشراسة:
-أنتي عايزة ايه بالظبط مش قولتلك هتجوزك غـ.ـصـ.ـب عنك.. قولت ولا مقولتش
صرخت بوجهه بشراسة أكثر منه وكرهها له وبغضها على هذه الحياة هو من يقودها:
-أنا مش هتجوزك لو هتقــ,تــلني
أشتدت قبضتة على خصلاتها وهو يصـ.ـر.خ بوجهها:
-أنا مش هقــ,تــلك أنتي هخليكي تتمني المـ.ـو.ت ومش هتطوليه سامعة
رفعت يدها الاثنين تدفعه بهم ليبتعد عنها بعد أن ألمها رأسها بسبب قبضته القوية عليها:
-أبعد عني
أشتد أكثر وأكثر وهو يحركها من رأسها قائلّا بتأكيد وثقة قاسية:
-هو أنتي لسه شوفتي حاجه.. خروجك من الجزيرة دي مش هيحصل
نفت حديثه وما يقوله معترضة على بقائها معه قائلة بجدية وصوت عالي:
-لأ هيحصل غـ.ـصـ.ـب عنك يا جبل أنت عايز مني ايه قولتلك مش هبلغ مش هعمل حاجه هنسى خالص إني جيت هنا
تابعها بنظرات وقحة يبعثر نظرات عينيه على جسدها:
-أنا بقى عايزك.. أرملة أخويا وأنا أولى بيكي وببـ.ـنته
بصقت بوجهه بشراسة وغل بعد أن رأت نظرته الطامعة بها وحقارة عيناه في النظر إليها:
-أنت قذر
طمس بيده على وجهه يغمض عينيه ومازال مُمسكًا بخصلاتها فأبعد يده عن وجهه ورفعها عليها صافعًا وجنتها بقوة هائلة وعنف ضاري ثم أجاب بسخرية:
-ما أنا عارف
دفعها للأمام من خصلات شعرها المُمسك به متوجهًا نحو إحدى الأبواب الحديدية وقام بوضع يده على الزر في الحائط ليُفتح فوقف أمام الباب ودفع رأسها للداخل..
تحدث بقسوة وشراسة وهو يضغط على خصلاتها:
-هنا مخزن للسلاح وفي واحد كمان زيه
جذب رأسها وعاد بجسدها إلى الخلف ثم سار دافعًا إياها إلى باب آخر بعد أن فتحه بنفس الطريقة أدخل رأسها مرة أخرى يكمل بقوة وعنف:
-هنا متفجرات
مرة أخرى يجذبها ويعيد ما يفعله ولكن هذه المرة اختلفت حيث دفعها إلى غرفة بها أشخاص وهو يقول بغلظة وتكبر غير مبالي بأي شيء:
-هنا اللي عصوا أوامري ومافيش بشر يعرف يوصلهم
مرة أخرى وأخرى وهي ترى أشياء لم تتخيل أن تراها في حياتها مذهولة وتشعر بالزعر والرعـ.ـب الشـ.ـديد قلبها ينتفض داخل أضلعة عقلها يصـ.ـر.خ بالهرب وجميع حواسها تبكي قهرًا على حالها وتندب حظها العثر الذي أوقعها مع ذلك الذئب البشري والذي عرفته على حقيقته الآن فقط وكل ما سبق ما كان إلا لهو معه وما هو قادm سيكون أصعب من المستحيل..
وقف عند آخر غرفة تراها عينيها فتحها ثم لم يدفع بها رأسها بل دفع جسدها بالكامل في الداخل بقوة وعنف لتقع على الأرضية في الظلام المعتم لا ترى شيء إلا عنـ.ـد.ما دلف هو الآخر وأشعل الضوء..
وقف أمامها شامخًا تنعكس صورته عليها وكأنه وحش كاسر، حـ.ـيو.ان بري شرس لا تستطيع وصفه، وضع يده بجيب بنطاله وقال بهدوء وبرود:
-هنا بقى مكان للتعذيب.. المكان ده مخصص للي زيك تقدري تاخدي فكرة
أشار إليها بعينيه كي تنظر حولها، وقفت على قدmيها ومازال لسانها ملجم لا تستطيع الحديث، سارت بعينيها ببطء شـ.ـديد وريبة لا مثيل لها، تعبر من أصفاد إلى سلاسل إلى أدوات تعـ ـذيب لم تراها من قبل، تعبر إلى مقعد ليس به إلا مسامير في كل إتجاه، جحظت عينيها وهي ترى الأداة المسماة بكمثرى الألم وذلك كاسر الأصابع وكسارة الأعناق وغير ذلك من أدوات بشعة المظهر..
استمرت في الاستدارة تنظر من هنا إلى هناك حتى عادت بعينيها مرة أخرى إليه، وقفت قليلًا تنظر إليه بعمق تتذكر غرفة الأسلحة وغيرها من المتفجرات والأشخاص المتواجدين في الداخل وهذه الغرفة.. من هو! يستطيع أن يفعل كل ذلك دون أن يهاب أحد
الشرطة لا تعلم بكل ما يفعله؟ لا تعلم أنه مهرب أسلحة لا تعلم أنه مجرد قـ ـاتل عليه أن يكون بالسجون لا تدري أنه حاكم ظالم.. لا تدري بوجود تلك الجزيرة الغريبة كليًا..
وجدته يقترب منها بهدوء ومازالت يده في جيوب بنطاله وقف أمامها مباشرة نظر إلى داخل عينيها وارعـ.ـبتها تلك النظرة وقد علمت حجم الخطر الذي وقعت به.. ما كان في السابق ماهو إلا غنج..
أردف بصرامة قائلًا:
-اللي شوفتيه ده نقطة في بحر جبل العامري
نظر إليها بشمـ.ـا.تة أتى بها من الأعلى إلى الأسفل ينظر إليها بكل غرور وعنجهية وما دفن داخل نظرته كان خبث وقذارة:
-لسه عايزة تمشي من الجزيرة؟
حاولت أن تستجمع شتات نفسها، زفرت بقوة وبدأت في التنفس بانتظام محاولة منع التـ.ـو.تر والتردد من حديثها ثم تفوهت بتعلثم:
-جبل لو سمحت أرجوك.. سيبني أمشي أنا بجد دي مش عيشتي ولا ده مكاني.. أنا وأنت مستحيل ننفع مع بعض أنا متنازلة عن كل حاجه واعتبرني مجتش
أجابها بنفس النبرة الواثقة القوية:
-بس أنتي دخلتي مزاجي بقى يا غزال.. وأنا بحب اللي زيك وترويضك عندي
اعترضت على كلمـ.ـا.ته وصاحت بعنف:
-أنا مش بتروض.. أنا حرة
يعلم أن حديثها السابق ما هو إلا استعطاف لأجل أن يتركها فقال بقوة وجدية شـ.ـديدة:
-كنتي حرة ولا فاكرة إن بكلمتين ناعمين يبقى خلاص لا الجو ده ينفع مع يونس مش جبل العامري
صرخت بوجهه عاليًا وهي تبتعد عنه:
-يعني عايز ايه
أغمض عينيه الخضراء جزئيا بنظرتها المخيفة يسخر منها:
-كنا اتفقنا جوازنا امتى؟ آه الخميس الجاي
صرخت به مرة أخرى وهي تقترب منه تشير بيدها بكل الشراسة القابعة داخلها وضرواة عنفها يخرجان عليه:
-مش موافقة سامع مش موافقة وهعمل المستحيل علشان أمشي من الجزيرة الملعونة دي
أومأ إليها برأسه مع تحركات شفتيه بكلمة واحدة بمنتهى السهولة:
-ماشي..
أخرج هاتفه من جيب بنطاله لحظات يضغط على بعض الأيقونات به ثم رفعه على أذنه يهتف بجدية:
-عاصم.. هات الآنسة إسراء
وقف لحظات ثم نظر إليها ساخرًا يكمل بمكر:
-آنسة ايه بقى هات المدام إسراء واتنين من الرجـ.ـا.لة وتعالى
أقتربت منه سريعًا بعد أن أصابها الذعر تصرخ بعنف تدلي بكلمـ.ـا.تها الموافقة لما قاله:
-خلاص.. خلاص موافقة
نظر إليها شامتًا مُبتسمًا باتساع وهتف إلى "عاصم" على الطرف الآخر:
-خلاص يا عاصم أجلت الموضوع
أمسك بذراعها يجذبها منه لتتقدm إليه وصدح صوته قائلًا:
-عايزك تفهمي إني أقدر أعمل اللي عايزة في أي وقت.. الله وكيل ادفنك هنا ولا حد هيسأل فيكي فاهمه؟
لم تجب عليه فأراد أن يستمع إلى صوتها:
-ردي
أجابته وهي تنظر إليه ذليلة تبتعد بعينيها عنه:
-فاهمه
ضغط على يدها وأكمل حديثه بتهديد صريح وبين يتابع نظرات عينيها المنكـ.ـسرة:
-اللي جاي ده بتاعي.. أوامري وكلامي هو بس اللي بيمشي أي حركة كده ولا كده أنتي عارفه أنا هعمل ايه
رفعت عينيها إليه تنظر إلى معالم وجهه التي تشعر أن عليها غضب من الله تنظر إلى جمال عينيه الخضراء ولكنه فقدها بسبب تلك النظرة البغيضة، تفوهت بإسمه:
-جبل
نظر إليها بعناية ينتظر أن تتحدث فتابعت بقوة ومقت له وشراستها لم تقــ,تــل داخلها رغم أنه يرى انكسارها:
-أنت أقذر واحد شوفته في حياتي
صفعها بقوة وقسوة ضارية ليلتف وجهها للناحية الأخرى بسبب قوة صفعته إليها واستمعت إليه يقول بغلظة:
-أنتي لسه مشوفتيش القذارة بتاعتي بس اوعدك في أقرب فرصة يا غزال
وضعت يدها على وجنتها تنظر إليه بغل وبغض لا نهاية أو مثيل له فابتسم باتساع وهو يجذبها من يدها مرة أخرى قائلًا:
-هرجعك القصر ومش هوصيكي يا غزال.. اجهزي كويس
تضاربت أمواج حياتها وثار بركان حـ.ـز.نها فاختفت السحاب من سمائها ليحل محلها الظلام الدامس الذي كوى نيران قلبها فما كان منها إلا أن ترضخ لمعـ.ـذ.بها ومن سحب منها روحها لتقع سجينة له ولكل ما يهوى..
كلما مرت على إحدى نجوم السماء تسألها بعينيها متى الخلاص من سـ.ـجـ.ـنه وعـ.ـذ.ابه ترى السماء دامسة الظلام كحياتها لا يُنيرها إلا بعض النجوم تتمثل في الذكريات الراحلة..
دقت باب عقلها تحاول أن تأخذ منه فكرة أخرى للهرب ولكنه هابه وانطوى خـ.ـو.فًا من طيشه الشرس وأفعاله المشينة.. لم يبقى سوى قلبها تطالبه بأن يدلها فما كان منه إلا أنه رضخ كما عقلها يبتعد أميال عن ذئب بشري عـ.ـذ.بها فقط بنظراته المخيفة..
كان قلبها وعقلها وكل حواسها منذ لحظات فقط يرفرفون من كثرة السعادة بعد الاقتراب من الخروج من تلك الجزيرة الملعونة الآن كل منهما تفرق خـ.ـو.فًا من بطش جبل العامري فوقعت سجينة له وبقيت داخل قبضته ليمسك بها من ذلك المعصم المتألم فترضح لشهواته وكل ما يهوى..
❈-❈-❈
بقيت يوم كامل تحاول أن تفكر في كيفية الخلاص من ذلك المجرم القـ ـاتل، عينيها أتت بالقصر وبكل زاوية به تحاول أن تحدد مكان تستطيع الهرب منه.. تفكر بطريقة أخرى للخروج من الجزيرة ولكن كل محاولتها باتت فاشلة ولم تستطع أن تحصل على الطريقة المناسبة..
غدًا اليوم الموعود، اليوم الذي حدده ليعقد قرآنه عليها وهي تبغضه وتبغض كل ما يأتي منه.. كيف تتخلص من هذا العـ.ـذ.اب وهو يضغط عليها بشقيقتها، لا تستطيع أن تخاطر بها إنه شخص لا يعرف للرحمة طريق ولم تدق بابه أبدًا رأت ذلك بعينيها أمس وهي ترى الأشخاص المكبلين في الغرفة لا حول لهم ولا قوة ورأت ذلك من قبل خلف الجبل وهو يقـ ـتل بدm بـ.ـارد ولم يرف له جفن
يستطيع أن يفعل ما هددها به فلن يكون أمامها سوى ما أراد.. لن يكون أمامها أي اختيار سوى أن تكون سجينته بإرادتها وأن تكون امرأة قابلة للترويض على يده بعد أن تصبح زوجته..
الأمر ثقيل للغاية عليها أن تُكتب على إسم رجل آخر غير زوجها الراحل "يونس" الرفيق والسند الذي كان في حياتها فهو لأمر أصعب من المستحيل..
ولكن ان تضحي بحياتها أهون بكثير من أن تضحي بشقيقتها وابـ.ـنتها.. هي تعلم كيف تكون صلبة وقوية وكيف تكون امرأة لا تنحدر للرياح..
دلفت من شرفة الغرفة إلى "إسراء" و "وعد" ابـ.ـنتها جلست على الفراش أمامهم تنهدت بهدوء تنظر إليهم بتردد..
ثم ابتلعت ما وقف بجوفها وقالت بجدية:
-في حاجه لازم تعرفوها
انتبهت إليها "إسراء" وأقتربت منها تجلس أمامها بهدوء:
-ايه يا زينة
تنفست الأخرى بعمق وأخرجت ما كان بصدرها ثم ألقت قنبلتها فجأة دون سابق إنذار:
-أنا هتجوز جبل
اخترقت الكلمـ.ـا.ت هذه أذن الطفلة الصغيرة فنظرت إلى والدتها بينما وقفت "إسراء" على قدmيها مرة أخرى تنظر إليها باستغراب كلي ودهشة صارخة:
-ايه؟ تتجوزي جبل؟ البني آدm اللي مش معروف هو حـ.ـيو.ان ولا إنسان ده
حركت كتفيها ونظرت بهدوء محاولة التماسك أمامهم:
-مافيش حل تاني غير ده
تابعت النظر إليها باستفهام وتسألت بحدة غير معتادة عليها:
-حل تاني لإيه أصلا أنا مبقتش فاهمه تصرفاتك أنتي حتى مقولتيش اخدك فين امبـ.ـارح
بمنتهى البساطة أجابتها قائلة بهدوء وجدية:
-اخدني نتمشى وعرض عليا الجواز وأنا وافقت
أشارت إليها بيدها إلى حوائط القصر وهي تتحرك أمامها بعنفوان لا تصدق أن شقيقتها ستفعل ذلك بنفسها:
-وافقتي إزاي.. أنتي مستعدة تقعدي هنا في المكان ده، ده إحنا يعتبر محبوسين أصلًا أخرنا سور القصر
تنهدت "زينة" بعمق وأكملت تهتف بحـ.ـز.ن كي تجعل شقيقتها تصدق ما تقوله:
-ده الحل الوحيد علشان أخد حقي أنا ووعد.. بصراحة أنا فكرت في الموضوع هتصرف إزاي لو رجعت دبي من غير فلوس
أشارت إليها بكف يدها قائلة بتسرع وقوة تكمل باشمئزاز واضح:
-نشحت أنا مستعدة نشحت ولا أننا نفضل هنا أنتي مش شايفة طريقتهم ولبسهم ولا شايفة أخته دي عامله إزاي ومامته بتبص لينا إزاي غير الطريقة المريبة اللي عايشين بيها والسلاح اللي في كل مكان
حاولت أن تستمر في الكذب الذي تقوله تقنعها بحديث هي من الأساس ليست مقتنعة به:
-أنا هتجوزه علشان أضمن حقنا لأننا مش هناخده غير بالطريقة دي هو قالها صريحة.. هما محتاجين بس وعد تقعد معاهم شوية
وجدت الأخرى تنظر إليها لا تصدق ما تقوله عينيها الزرقاء تتسع عليها تتابع ملامحها وحركاتها العفوية فضبطت حركاتها وتابعت بهدوء:
-وبعدين أنا فكرت في الموضوع وعرفت احسبها خلاص أنا قررت
وقفت "إسراء" مستقيمة وسألتها تنظر إليها بتعمق:
-أنتي متأكدة من اللي بتعمليه ده
أومأت الأخرى إليها وأجابتها بثقة وتأكيد كاذب:
-آه طبعًا متأكدة
أقتربت منها وجلست أمامها مرة أخرى تضع كف يدها على يد شقيقتها وتحدثت بلين وهدوء تحسها على أن قرارها خطأ:
-زينة أنا قلقانة وخايفة.. أنتي مش شايفة حتى هو نفسه نظراته عامله إزاي
بدلت الأدوار ووضعت هي يدها عليها تربت بهدوء وحنو قائلة بصوت خافت خارت كل قواه:
-إسراء أنتي خايفة من ايه وأنا معاكي.. متخافيش
نظرت إلى ابـ.ـنتها "وعد" التي لم تتحدث منذ أن تفوهت بذلك القرار الغـ.ـبـ.ـي الذي تود أن تمـ.ـو.ت ولا تفعله فسألتها بهدوء مبتسمة:
-مالك يا وعد
نظرت إليها الطفلة ببراءة وقالت بصوتها الرقيق تتسائل:
-أنتي هتتجوزي عمو جبل بجد
أومأت إليها والدتها وهي تشعر بغصة داخل قلبها تتعمق أكثر كلما ذكرت أنها ستتزوج منه عنوة عنها فأكملت الصغيرة بحـ.ـز.ن:
-طب وبابا
أقتربت منها والدتها أخذتها تضمها بضراوة تشعر أنها تود لو تجعلها تدلف إلى داخل قلبها كي ترحمها من بطش عمها القـ ـاتل.. أجابته بهدوء وعقلانية:
-بابا الله يرحمه يا وعد واللي بيحصل ده يا حبيبتي مش حـ.ـر.ام ولا عيب
وقفت "إسراء" مرة أخرى تقول باعتراض:
-افتكري إني قولتلك لأ
ابتعدت "زينة" عن الطفلة وأجابت شقيقتها بحدة وعنف فقد خارت قواها وذهبت كل تبريرات هذا القرار الفاشل:
-حتى لو.. فين جوازات السفر؟ فين الفلوس ولا حتى موبايلتنا كل حاجه معاه لو خرجنا من هنا هنتشرد
أجابتها بقوة وثقة:
-أحسن من جوازك منه
نظرت إلى البعيد بعينيها وهي تعلم أن حديث شقيقتها صحيح مئة بالمئة.. شقيقتها تقول كل هذا دون أن تعلم أي شيء عنه ماذا أن علمت بما يفعله!..
❈-❈-❈
"اليوم التالي مساءً"
تم عقد القرآن وهي مغيبة عن الواقع تمامًا، كانت في ذلك الوقت تجلس تنظر في الفراغ تفكر في حياتها القادmة معه وما ستواجهه وكيف ستكمل في هذا المكان ومع هؤلاء البشر...
أجابت على المأذون بعد أن ربتت والدته على قدmيها وهي مغيبة تمامًا عن جلستهما قالت موافقة فقط بعد أن نظرت إلى شقيقتها وابـ.ـنتها حيث أنها كانت تود التراجع في آخر لحظة فحثها على النظر إليهم وقد وقعت أسفله..
تنهدت وهو يقول بـ.ـارك الله لكما وبـ.ـارك عليكما وجمع بينكما في خير.. سخرت من حديثه قائلة أي خير هنا؟ ومع قـ ـاتل؟
بينما هو ذلك الرزين العاقل كان يشعر بالسعادة لأنه جعلها تأتي أسفل يده وترضخ لما أراد رغمًا عن أنفها..
أظهر إليها قوته وجبروته فعادت إلى الخلف تتقهقر مطالبة بالرحمة والغفران وهو لا يعرف طريق للرحمة..
يتشوق لجعلها ترى تلك القذارة تخرج منه على حقها فهي عنـ.ـد.ما نعتته بذلك الاسم لم يكن قد فعل به شيء ولكنه الآن سيكون على حق..
ينظر إليها وإلى انكسارها بتشفي وسعادة والإبتسامة ترتسم على زاوية شفتيه وهي تبتعد بعينيها عنه..
شقيقتها تنظر إليها وترى الخـ.ـو.ف والكـ.ـسرة بعينيها لا تفهم لما فعلت بنفسها ذلك فقط حتى تأخذ مالها منه أو لأنه من الأساس حكم بالسـ.ـجـ.ـن المؤبد عليهم داخل الجزيرة لذلك حاولة الهرب؟
ابتعدت بطرف عينيها إلى عاصم الشاهد على هذه الزيجة فوجدته ينظر إليها بكل قوته تخترق نظراته جسدها وعينيها فأبتعدت عنه تنظر إلى البعيد بتـ.ـو.تر لا تفهم ما دخله الأن بما يحدث..
بينما فرح التي لعنت ما حدث بين شقيقها وزوجة الآخر الراحل، تلعن الساعة التي دلفت بها إلى منزلهم، تنظر إليها بمقت وكراهية فلم تكن تريد لهم أن يكونوا معهم هنا في القصر وخصوصًا تلك الفتاة ذات العينين الزرقاء التي تتصنع الدلال والرقة فهي تراها حية كبيرة تلتف حول العنق.. تراها وهي تود أن تخـ.ـطـ.ـف "عاصم" منها وتتابع نظراتها إليه ونظراته إليها.. أنها فتاة قذرة تود لو تخـ.ـنـ.ـقها بيدها الاثنين حتى تزهق روحها وترحل إلى الأبد أو تعفو عنها وتبتعد عن الجزيرة وكأنها لم تكن..
كانت السيدة "وجيدة" أسعد من في تلك الجلسة، لقد نالت ما أرادته وخططت إليه وأخذت ابنة ولدها وفلذة كبدها إلى أحضانها للأبد حتى وإن كانت والدتها تجلس رغمًا عنها ولكنها تثق في قدرات "جبل" ابنها وتعلم أنه إن أرادها سيجعلها تجلس هنا بينهم بكل إرادتها ومحبة منها..
بينما الخدm والحرس وكثير من الفضوليين لم يعلموا ما السر وراء هذه الزيجة وكيف تمت بهذه السرعة...
وقف خلفها حيث أنها كانت تقف أمام فراشه بعد أن صعدت معه إلى الغرفة وضع يده على كتفها من الخلف يحركها ببطء وتروي على طول كتفها..
ثم تحدث قائلًا بقوة وعنف يخرجان من بين كلمـ.ـا.ته:
-أهلًا بيكي في سـ.ـجـ.ـن جبل العامري
جعلها تستدير وتنظر إليه، وضع عيناه الخضراء أمام عينيها السوداء مباشرة ثم تسائل بقسوة ساخرة:
-فاكرة لما قولتي إني أقذر واحد شوفتيه في حياتك.. وقتها قولتلك إنك لسه مشوفتيش قذارتي بس في أقرب فرصة هخليكي تشوفيها
نظرت إليه باستفاهم وتابعت حديثه غير قادرة على استيعابه أو فهم مقصده..
فلم يعطي إليها الفرصة حيث دفعها على الفراش في الخلف على ظهرها وتقدm منها قائلًا بعنف وشراسة:
-جه الوقت تشوفي قذارتي
نظرت إليه بخـ.ـو.ف ورهبة كبيرة ولكنها حاولت التغلب عليها وتظهر إليه تلك المرأة القوية.. لكنه لم يعطي إليها الفرصة لفعل ذلك بل تمثل إليها في صورة الذئب البشري حقًا الذي شبهته به من قبل لكن الآن لقد تعاملت معه وشعرت به وبكل ندبة تركها عنوة على جسدها.. تمثل في هيئة حـ.ـيو.ان مفترس اغتال ما بقيٰ من شقيقه واستحله بالقوة والعنف فقط ليشبع غرائزه الحـ.ـيو.انية وليرها أنه "جبل العامري" المتحكم الوحيد في كل شيء على هذه الجزيرة.. حتى هي وإن كانت صعبة الترويض..
❈-❈-❈
"يُتبع
↚آن القلب بألم وكـ.ـسرة بعد أن أُرغم على الموافقة بالزواج من ذئب، صرخ بعنفوان وشراسة مكبوتة يحاول الرفض..
دب خنجر في قلبها في المرة الأولى عنـ.ـد.ما كـ.ـسرها وكـ.ـسر كبريائها جاعلها ترضخ لطلباته بعد تهديداته وأفعاله القذرة، ثم سلب روحها وهو يغتال جسدها قسرًا وقهرًا..
سماء الليل السوداء ونسمـ.ـا.ت الهواء البـ.ـاردة شهدت على كل دmعة خرجت قهرًا من عينيها السوداء بعد أن استجمعت شتات نفسها..
شعور بالكراهية والغل يملأ قلبها النقي تجاهه، فما فعله بها لم تتعرض له طوال حياتها، كان زوجها الراحل رجل حنون قادر على اسعادها ولم يقم بفعل شيء كهذا من قبل.. كانت الرقة والهدوء عنوان لكل لسمـ.ـا.ته..
فُتات حزين يبكي داخلها على ما مرت به، يتلألأ الأسى داخل أضلعها مما رأته معه، تفكر بلوعة في القادm على حياتها معه..
لقد فعل أبشع شيء بها على الإطـ.ـلا.ق في أولى لحظاتهم سويًا فقط ليثبت لها أنه يستطيع فعل كل شيء وأي شيء وقد نمى الحقد والغل داخلها أكثر وأكثر واشتدت ضراوة مقتها له وبقيٰ عقلها الخائن الذي تخلى عنها سابقًا يأتي إليها بوفرة من الأفكار للتخلص منه..
انسابت دmعاتها على وجنتيها بغزارة دون صوت وبصمت تام وهي تنظر أمامها ترى خارج أسوار القصر من شرفة غرفته وكم بدا المظهر مغري لهربها منه حتى وهي زوجته ولكن كيف السبيل؟
دلفت إلى الغرفة وأغلقت الشرفة خلفها، انقضت معظم ساعات الليل وهي تجلس بالخارج تبتعد عن نظراته ورائحته الكريهة، كانت تود لو تخرج من غرفته نهائيًا ولكنها خافت من أن تراها شقيقتها وتبدأ أسألتها الذي لا توجد لها إجابة عندها فبقيت في الداخل تحاول تفادي التعامل معه حتى ولو بالنظرات
فهي لا تطيق حتى التفكير به فقد تغلب على كل فكرة أخذتها عنه وأظهر لها مدى بشاعته وإجرامه وتوصل إلى مرحلة لا تستطيع أن تتخيله بها..
وقفت أمام الفراش الخاص به تنظر إليه وهو نائم يغمض عينيه يرتاح على ظهره ويده الاثنين الأسفل رأسه على الوسادة..
تابعته بنظرات عينيها الشريرة وودت لو مدت يدها الاثنين على عنقه وقامت بخـ.ـنـ.ـقه إلى أن تزهق روحه ولكنه سيكون أقوى منها ويستيقظ ينقذ نفسه من بين يديها..
تحولت نظرات عينيها للكره الشـ.ـديد والبغض الذي لو تركته سيغرق حياته بالكامل..
استدارت تنظر إلى الطاولة الموضوع عليها طبق كبير يحمل أصناف مختلفة من ثمار الفاكهة وسكين حاد كبير يتناسب مع أسلحة هذه العائلة..
حركت عينيها أكثر من مرة إلى "جبل" النائم والسكين الموضوع على الطاولة، عينيها كانت ملئية بالشر وقلبها يدق بعنف يكاد يخرج من أضلعة لهفةً غريبة لما هي مقدmة عليه بينما عقلها كان يحسها على الإمساك بالسكين ودبها في منتصف قلبه أو تقطع بها نحره أو في منتصف بطنه..
ذكرياته السيئة جميعها منذ أن أتت إلى الجزيرة مرت على عقلها بداية من وقفته أمامها تهديده لها، ضـ.ـر.باته المو.جـ.ـعة ارهابها وذلك التوجس الذي جعلها تشعر به خـ.ـو.فًا على شقيقتها وابـ.ـنتها.. الإقتراب منها قسرًا بمنتهى العنف والهمجية فقط ليثبت أنه كل شيء وما يريده يحدث وليأخذ ما أراده منذ أن وقعت عينيه عليها..
لقد شعرت بنظراته الخبيثة في ذلك اليوم الذي أتت به الشرطة إلى الجزيرة، لقد رأت نظرته القذرة إليها ورغبته الشـ.ـديدة التي ظهرت بعينيه، رأت شهوته تحركه تجاهها..
أقتربت من الطاولة ببطء وقد إتخذت القرار في لحظات مرت سريعًا وعلمت ما الذي عليها فعله، انخفضت بجسدها لتأخذ السكين من على الطاولة وقد كان، تمسكت بها في يدها تنظر إليها بتشفي وفرحة لأنها ستنال منه حتى وإن كانت ترمي نفسها في التهلكة..
أقتربت منه بهدوء وعينيها لا تتحرك من على وجهه، صعدت على الفراش والسكين بيدها جلست وقدmيها أسفلها أمامه تنظر إليه بحدة وكره قد ظهر على كافة ملامحها..
أمسكت السكين بيدها الأخرى ثم رفعتها عاليًا ونظراتها صوب عينيه وانخفضت بيدها والسكين بها على بطنه مباشرة ولكنها وجدت نفسها في لمح البصر تنام على ظهرها عكس امتداد الفراش وهو فوقها يمسك بيدها الاثنين المحاوطين للسكين بقوة..
لم تدري كيف أمسك بيدها وهي تهبط بها عليه وكيف دفعها للخلف تكون مُمددة وهو فوقها ينظر إليها هكذا! لقد كان نائم وهي رأت ذلك كيف شعر بها وبما ستفعله؟
ينظر إليها يُخيفها بعينيه الخضراء فابتلعت غصة حادة وقفت في جوفها وهي تنظر إليه ومازالت السكين بيدها وهو يتمسك بها..
تحدث بسخرية وتهكم:
-عايزة تقــ,تــليني
أجابته بحدة تأكد على حديثه بقهر وذل تعرضت له على يده عنـ.ـد.ما امتلكها عنوة:
-أيوة يا جبل هقــ,تــلك.. مـ.ـو.تك هيبقى على أيدي
سألها باستفهام ساخرًا من تفكيرها يعيد رشـ.ـدها إليها بجعلها تتذكر ابـ.ـنتها الصغيرة وشقيقتها التي لا تستطيع التصرف بشيء:
-طب مفكرتيش مين هيربي بـ.ـنتك لما تعملي كده؟ أصل أختك العيله دي متعرفش تاخد بالها منها ولا حتى من نفسها
نظرت إليه بعينين متحيرة بالفعل فلم تفكر في أي أحد قط وهي تقدm على قــ,تــله فقط فكرت بالانتقام منه و.جـ.ـعله يشعر بكل وغزة دلفت قلبها بسببه..
تابع النظر إليها وفهم تعبيرات ملامحها فأكمل يتهكم عليها شامتًا بها:
-فـ قوليلي بقى لما تقــ,تــليني وأنا أمـ.ـو.ت وأنتي تدخلي السـ.ـجـ.ـن مين يربي بـ.ـنتك؟ معقول بعد كل اللي عملتيه ده علشان تخرجوا من هنا وفي الآخر تتربى في الجزيرة لأ والله عيب
نظرت إلى عينيه مباشرة دون خـ.ـو.ف وتحدثت بعنفوان وشراسة تعلمه أنها ستكون المرأة التي هزت عرش الملك:
-عايزاك تعرف أني أنا هبقى الست اللي هزتك، أنا اللي هغير حاجات كتير وأنا اللي هعصى أوامرك ومش هتعرف تعملي حاجه
ابتسم يكمل على حديثها بعجرفة ولا مبالاة:
-ياه بمـ.ـو.ت في التحدي ده.. من زمان أوي مافيش حد وقف قصادي اينعم مش مقامي بس أحب اللعب مع القطط الشرسة
صاحت بوجهه بغل شـ.ـديد وكراهية لا مثيل لها تعبر عنها بالكلمـ.ـا.ت ونظرات عينيها تحاكي أكثر من ذلك:
-أنا بكرهك... ومازلت أقذر واحد شوفته في حياتي
صدحت ضحكاته بصوت عالٍ في الغرفة وهو يستمع إلى حديثها فجعل غـ.ـيظها يأكل قلبها وهو يُشير إلى الفراش برأسه مُبتسمًا يتحدث بشمـ.ـا.تة:
-تحبي ناخد جولة كمان اثبتلك إني أقذر من كده
حاولت التحرر من قبضة يده والابتعاد عنه فصاحت قائلة:
-أبعد عني
سألها بسخرية وبرود:
-ايه مش عايزة ت عـ.ـر.في أنا قذر قد ايه الله!
صرخت بوجهه وهي تتحرك أسفله وتحاول جذب يدها منه بعنف:
-أبعد بقولك
أبتعد للخلف وهو وهو يجذب منها السكين يأخذها:
-طب هاتي دي ومتلعبيش بيها بعد كده
أبتعد عن الفراش ووضعها على الطاولة مع ثمار الفاكهة كما كانت فاستمع إلى صوتها وهي تهتف ببغض:
-قذر
استدار ينظر إليها وملامح وجهه مكرمشة بسبب ضحكاته يقول بتشفي وبرود:
-عارف
استمرت ضحكاته وهو يبتعد عنها يدلف إلى المرحاض تاركًا إياها تأكل من عقلها أفكار كيف استيقظ ورأى ما نوت فعله ولكن لحسن حظه هو لم ينم من الأساس بل مَثل أنه خلد للنوم وظل يتابعها من أسفل جفونه المغلقة..
شعر بها تدلف إلى الغرفة ففتح عينيه ينظر إليها ورأها وهي تأخذ السكين وتتقدm ناحيته به.. لو لم يكن فعل ذلك لكان الآن مع المـ.ـو.تى..
ابتسم وهو أسفل صنبور المياة التي تتدفق على رأسه هبوطًا لجسده ويتذكر تلك اللحظات التي قضاها معها بالعنف والقوة..
لقد شعر باشياء عدة مـ.ـا.تت داخله منذ وقت كبير والآن أحيت من المـ.ـو.ت مرة أخرى لتعود إلى حياته ولا يعرف أهي ستأتي بالنفع أو الضرر..
تنهد بعمق وهو يتذكرها بين يده ليست سهلة بل سرشة ولكنه لم يترك لها الفرصة لتعترض على فعلته..
كان عليها أن ترى أنه هنا "القادر" على فعل كل شيء..
الآن هناك من سيفرغ بها رغباته وينال منها ما حرم منه كثيرًا.. لقد كانت فكرة والدته صحيحه، على الأقل يكن لها شيء من النفع في هذا البيت..
تلك الشرسة صعبة الترويض..
❈-❈-❈
"بعد مرور أسبوعين"
في أحد شوارع الجزيرة المتوارية وقفت إمرأة تُدعى "فتحية" في الثلاثينات من عمرها خمرية البشرة ذات جسد ممتلئ قليلًا بيدها طفل صغير ومعها والدتها يقفون أمام منزل صغير يصـ.ـر.خون هم الاثنين بألفاظ بذيئة وبشعة..
وقع الحجاب من على رأسها ولم يكن محكم من الأساس وتركت الطفل من يدها تشير بيدها الاثنين بحركات شعبية غريبة تصرخ بعلو صوتها:
-تعالوا شوفوا يا ناس شوفوا يا أهل الجزيرة حمـ.ـا.تي مش عايزة تفتحلي الباب
الشارع بطوله يقف به نساء ورجـ.ـال في شُرف منازلهم يتابعون فـ.ـضـ.ـيحة هذه السيدة ووالدتها فهي هكذا كل يوم والآخر تتشاجر مع حمـ.ـا.تها وتسبها بأفظع الألفاظ..
صاحت والدتها بصوتٍ عالٍ هي الآخر تساعدها قائلة بشر وكراهية:
-افتحي يا وليه يا وسـ.ـخـ* دا أنتي رجل بره ورجل جوه
بينما الأخرى ارتفع صوتها وهي تشير إلى الطفل:
-الواد بيمـ.ـو.ت مني يا عالم مش عايزة تفتحلي أخد هدومه منك لله ربنا ينتقم منك
أجابت والدتها تكمل ما بدأته بكلمـ.ـا.ت سوقية بذيئة:
-يا وليه يا بت الكـ.ـلـ.ـب يا خرفانه افتحي
لم تجد أي واحدة منهم إجابة من داخل المنزل بل الباب محكم الإغلاق والجيران يتابعون هذا الشجار من شُرف منازلهم في الأعلى يعلمون أنها هي ووالدتها من شمال الجزيرة منطقة قذرة بكل من فيها ومن يسكنها أبشع البشر ليس بهم كبير أو صغير يحترم الآخر يتلفظون بكلمـ.ـا.ت سوقية بذيئة كهذه ولا يستطيع أحد أن يقف أمامهم سوى "جبل العامري"
يعلمون أيضًا أن السيدة "ليالي" حمـ.ـا.تها امرأة طيبة القلب سريعة نسيان الخطأ الذي يُرتكب في حقها، مغلوبة على أمرها فولدها لم يقف في صفها يومًا أمام زوجته بل يكن ضدها وهي التي قامت بتربيته والإحسان إليه بعد وفاة والده وهي من قامت بجعله يتزوج حيث كانت تضع كل مدخراتها في سبيل زواجه وتأتي إليه من هنا وهناك بكل ما يريد ولكنه خذلها بوقوفه أمامها و.جـ.ـعل زوجته تطاول عليها كل يوم والآخر أمام جميع الجيران وليس هناك من يردعها عما تفعله..
كانت السيدة "ليالي" تجلس داخل المنزل تستمع إلى صراخ زوجة ابنها ووالدتها عليها يقومون بتشويه صورتها أمام الجميع في الخارج لم توافق على فتح الباب لها لتدلف إلى المنزل فهي رحلت منه بعد أن أعتطها وصلة سابقة من التوبيخ كهذه التي تحدث في الخارج..
وضعت كف يدها على وجنتها وهي تحاكي حـ.ـز.نها وألمها إلى نفسها، اشتعلت نيران قلبها بالحـ.ـز.ن والشفقة على حالها والتهبت ملامحها بالأسى والحسرة فقد قامت بتربية رجـ.ـال كل واحدًا منهم أطول وأكبر منها وهي من تعبت عليهم ليصبحوا في النهاية يقفون في صف زوجاتهن لا يستطيع أحد منهم العدل إلا واحدًا أكلت الغربة عمره في سبيل الحصول على حياة كريمة لأجله ولأجل أولاده وزوجته..
قد أحسن إليها هو وزوجته واحدًا فقط من ثلاث رجـ.ـال هو من يحبها ويهتم بها ويخشى حـ.ـز.نها هو وزوجته بينما الآخرين كل منهم يركض خلف زوجته ابتغاء في رضاها ورضاء أهلها عنه بينما والدتهم حتى وإن ذهبت إلى الجحيم فلا بأس..
إنها السيدة "ليالي" مثال واحد فقط لكثير مثلها يعيشون نفس تلك القصة الحزينة، إنها صاحبة الأمراض المزمنة يحمل قلبها ألمًا لا مثيل له ولا يُحكى عنه وعقلها مازال يتسائل هل هم أولادها؟
تطالب بالرحمة والمغفرة من ربها، تطالب بأن يرحمها ويسلب منها روحها لتذهب إليه فاليوم لا ينفع مال ولا أبناء.. اليوم هم هكذا! ماذا سيفعلون عنـ.ـد.ما نواجه وجه رب كريم!..
هبطت زوجة ابنها الآخر من الأعلى على صوت الصراخ في الخارج دلفت إليها الغرفة وتسائلت باستغراب:
-في ايه يما ليالي افتحيلها الباب دي هتجرسنا
أجابتها بقوة وحزم وهي تقف على قدmيها:
-الله في سماه ما هي دخلاها لما تبقى تتأدب وتعرف تتكلم معايا كويس ابقى ادخلها
استدارت تفتح نافذة الغرفة التي تجلس بها وتطلع على الشارع بالخارج وصاحت بقوة وصرامة قائلة:
-أنا مش فاتحة الباب يا فتحية ريحي نفسك
صرخت والدتها وهي تتمسك بشالها تحركه كأنها تبكي على مـ.ـيـ.ـت تقول بغل:
-شوفوا يا عالم المرا الناقصة بتي مش عارفه تعيش منها
ساعدتها ابـ.ـنتها وهي تصرخ قبالتها بعنف وقوة تشوه صورة المرأة تقول أشياء لم تحدث:
-تسع سنين مش عارفه أعيش في الدار معاها طفشت مرات ابنها التاني بس على مين
وضعت السيدة "ليالي" يدها على النافذة التي تطل منها وصاحت قائلة بجدية وثقة:
-أنا مطفشتش حد انتوا اللي قلالات الأدب متربتوش، لفي يابت واسألي الجيران وقولي مين هي ليالي
أجابتها والدتها وهي ترفع عباءتها بطريقة مقززة:
-مرا ناقصة وشايبة ياختي هتكون مين
أردفت "فتحية" بشمـ.ـا.ته وتشفي وهي تنظر إليها بكره دفين:
-أفتحي يا مرا ياللي كلك مرض وعيا
أجابتها بهدوء قائلة:
-المرض من عند الله عقبالك يارب
ردت على حديثها بحرقة وتلهف:
-أنتي بتدعي عليا يا ناقصة.. روحي ربنا ياخدك ونرتاح من قرفك
فما كان من السيدة المتألمة إلا أن تُعيب في ولدها الذي لا يستطيع السيطرة على زوجته:
-العيب مش عليكي العيب على النطع اللي متجوزك
صرخت والدتها عليها:
-أفتحي الباب يا ولية
لم تُجيب عليها وبقيت واقفة تنظر إليهم وهم يتبادلون الأدوار كل واحدة منهن تأخذ الدور مرة وهي تهتف عاليًا وتصرخ تسبها بألفاظ سوقية قذرة..
أخذت "فتحية" الأحجار من على الأرضية بالشارع وبدأت في رميها على الباب بقوة حجارة خلف الأخرى وأقتربت والدتها من الباب تدفعه بقدmها حتى قارب أن يُكـ.ـسر
صرخت والدتها بعنف وشراسة:
-أنا هوريكي يا ليالي أنا هجبلك نسوان الشمال يقطعوكي حتت
سار شاب في الشارع يأتي من بدايته، تقدm إلى المنزل وأتى يقف أمام الباب وصاح قائلًا:
-افتحيلها يما تاخد اللي عايزاه وتمشي
هذا ولدها الآخر الذي لا يستطيع السيطرة على زوجته أيضًا ويقف في وجه والدته لأجلها بعد أن رتبت له كل تجهيزات زواجه ودفعت به كل ما كانت تملكه وهو لم يخسر على هذا الزواج ربع ما خسرته..
صرخت به قائلة:
-الله في سماه منا فاتحه
تدخلت إحدى السيدات التي أتت من الشارع الخلفي لهم على قرابة وصلة بالسيدة "ليالي" عنـ.ـد.ما رصدتها "فتحية" صاحت قائلة:
-شايفة.. شايفة الوليه قريبتك بتعمل ايه
تقدmت السيدة من الشباك التي تقف به "ليالي" وقالت بهدوء:
-افتحيلها يا خالتي ليالي بلاش فضايح كل يوم معلش افتحي
-روحي يا صالحة.. روحي دارك دي قليلة الأدب شتماني ومبهدلاني قليلة الرباية.. روحي يا صالحة
انسحبت بهدوء بعد أن صرخت بوجهها أنها تعلم أن هذه "فتحية" ليس لديها رقيب ولا أحد يحاسبها على خطأها
تفوه ولدها الذي يقف أمام زوجة أخيه قائلًا يحاول أن يتوصل لحل وسط:
-هاتي يا فتحية المفتاح وأنا اجبلك اللي أنتي عايزاه من فوق
تشـ.ـدقت وأصدرت صوت مزعج من فمها تشير بيدها إليه تقول بحدة وسـ.ـخرية وهي تُهينه:
-أنت عايز تدخل شقتي يا حـ.ـر.امي الهون يلا يا حـ.ـر.امي
لقد أهانته حقًا في منتصف الشارع والجيران تنظر إليه. لقد كان هذا ماضي ولا يعلمه أحد والآن هي جعلت الجميع يتسائل ما الذي سرقه منها..
أشار إلى نفسه قائلًا:
-أنا حـ.ـر.امي طب وريني هتدخلي إزاي
أجابته بتأكيد وثقة تسخر منه:
-حـ.ـر.امي وستين حـ.ـر.امي يا ابن الكـ.ـلـ.ـب
أشار بيده وهو يتقدm من باب المنزل ليدلف فقد جعلته لا يستطيع الرد عليها من الأساس:
-غوري من هنا يلا يا بت
استمع إلى صوت والدتها وهي تقول بحرقة:
-تغور.. مافيش غيرك يتكلم يا حـ.ـر.امي والله لاخليك مرا زي أمك
نظر إليها وابتسم بسخرية وتهكم يهتف:
-ودي هتعمليها إزاي
تشـ.ـدقت هي الأخرى تفعل كما فعلت ابـ.ـنتها تصيح بغضب:
-هي لسه هتتعمل ما أنت مرا يا ولا..
نظرت إلى الجيران في شرف منازلهم ثم صاحت بعلو صوتها:
-يلا يا شارع مفيهوش راجـ.ـل
وأخذت تسب الناس وشقيق زوج ابـ.ـنتها، لا تخاف من أحد تعلم أن ليس هناك من يردعها عما تفعله فاستمرت في الصراخ وضـ.ـر.ب الباب بالحجارة بعد أن دلف شقيق زوجها..
بقيت تهتف بألفاظ لا يوجد رجل يتفوه بها ووالدتها تقوم بمساعدتها على فعل ذلك تسب السيدة "ليالي" في الداخل بعد أن دلفت من النافذة وأغلقتها خلفها..
تركتهم في الخارج يفعلون ما يشاؤون وجلست على الأريكة تضع يدها على وجنتها تفكر بحالها..
سيدة بهذا العمر وبعد كل هذه السنوات التي مرت في شقاء وتعب تأتي فتاة بعمر بناتها وأصغر تفعل بها هكذا في منتصف الشارع وتجعل الجزيرة بأكملها تتحدث عما فعلته معها ويتناقلون الألفاظ والكلمـ.ـا.ت التي نعتتها بها..
سيدة من مليون سيدة تمر بهذه الظروف بعد التربية والتعب، بعد الشقاء عليهم ومواجهة حياة صعبة لأجلهم، بعد أن تجعل كل واحدًا منهم يصل إلى مرسى يبدأ منه أسرة سعيدة يقومون برميها بالحجارة وسبها أمام العالم..
هذه كانت مكافأة نهاية الخدmة لها!..
رفعت بصرها إلى سقف الغرفة التي تجلس بها وتمتمت بهدوء وخفوت تخرج الكلمـ.ـا.ت من شفتيها دون ملامح:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيكم
الإبن لا يعلم ما أثر دعوة كهذه تخرج من قلب أم مفتور على حياتها الضائعة بينهم، قلب يحترق بالنيران الملتهبة لأجل ذالك العطاء الوفير والمستمر الذي يخرج منها إليهم دون أي مقابل فقط لأنهم أبنهائها وهي والدتهم..
شعور بالضيق والحسرة أحتل كيانها وهي تجلس وحيدة تفقد أبنائها وكأنها لم تُنجبهم من الأساس..
أتى على خلدها ولدها الآخر الذي تغرب بعيدًا عنها وترك زوجته وأولاده معها فقد أحسن إليها فوجدت نفسها تتمتم بنفس الخفوت:
-ربنا يديك ويرضيك ويوقفلك ولاد الحلال يابني
هذه الدعوة أيضًا لا تدري ما السر بها لتجعل السعادة تحل عليك من كل جانب، وتأتي بالرزق الوفير والمستمر إنها دعوة من قلب أم بات مجبورًا من ولدها ففُتحت له أبواب السماء تستقبل دعوتها بصدر رحب لتكون دعوة واجبة التنفيذ..
شتان بين هذا وذاك ولكن أنت الوحيد الذي يقرر ما الذي تريده من شفتاي والدتك دعوة تدوم العمر بأكمله بالحياة والرضا والصلاح أو دعوة تقضي على حياتك وممـ.ـا.تك أيضًا تقابل بها ربك وتكن سبب كافي غير كافة ذنوبك لتمنعك من رائحة الجنة..
❈-❈-❈
منذ أن أتت إلى هنا وهي تراه ذلك الحـ.ـيو.ان الذي لا يرتضي أبدًا، يفعل ما يشاء وما يحلو له حتى ولو كان على حساب الجميع لا يهمه الأمر..
اغتال ما بها عنوة اعتقادًا أنه حقه ويحل له، هدد وقـ ـتل وفعل أشياء لم تراها بحياتها قط..
ولكن أيعقل أنه يجـ.ـر.ح ويداوي؟ يقــ,تــل ويحيي؟ في الآونة الأخيرة تأقلمت بنسبة واحد بالمئة أنها أصبحت زوجته سجينة هذا القصر معه ومع عائلته بدأت ترى به أشياء لم تعتقد أنها به تكذب نفسها وتقول أن كل هذا خيال أو اعتقاد من رأسها الذي لا يكف عن التفكير..
رأته وهو رجل حكيم بين أهل الجزيرة يحكم بالعدل حقًا؟ أهو هذا الرجل العادل بينهم أم القـ.ـا.تل الذي يعرض حياتهم للخطر؟ يالا التناقض والسخرية حقًا لم تعد تعلم هو أي شخص بينهم..
رأته يقترب من طفلتها بحب وحنان لا يليق به ولكنه حاول، يتودد إليها بابتسامـ.ـا.ت وألعاب وطعام تحبه..
يحاول أن يكون الأقرب إليها وهي ترى ذلك.. تُرى ما الذي ينوي فعله هل يريد أن يجعل الطفلة تحبه هو وعائلته حتى إذا قتـ ـلها لا تكون تربيتها صعبة؟ أو يريد أن يأخذها منها..
في هذه الفترة الصغيرة جعلها بدلًا من أن تناديه "بعمي" أن تقول "بابا جبل" ما الذي يريد أن يتوصل إليه هذا الجبل الصلب..
تابعته بأعين لا تعلم أهو ذلك الحق أو الباطل، يأتي بذكراها وجهه الشرس وهو يقـ ـتل دون رحمة وتناقضه ذكرى أخرى وهو يحكم بالعدل والحكمة، أي شخص منهم هو الحقيقي هذا الجبل؟
يأخذ منها الهاتف منذ ذلك اليوم المشؤوم لا تستطيع أن تفعل أي شيء ويبدو أنها بدأت في التأقلم على الحياة هنا.. ولكن الحقيقة أنها حياة مريبة وتتسم بالغموض أثارت فضولها أكثر أن تبقى وتعلم الحقيقة خلف كل شيء يحدث ربما يحدث التغير على يدها كما قامت بتهديده..
استمعت إلى صرخة طفلتها الفرحة وهي ترمي بالكرة بعيدًا لتتخطى "جبل" الذي كان يلعب معها:
-كسبتك.. كسبتك يا بابا جبل
وقف مُتذمرًا يشير إليها بحزم قائلًا:
-لأ لأ أنتي كده بتغشي أنتي خليتي عاصم يرفعك وحدفتيها
عارضته وهي تقترب من "عاصم" تصيح قائلة بنبرة طفولية للغاية:
-لأ مش بغش أنا هخلي عاصم معايا في الفريق.. أنت طويل أوي وبتكسبني هو هيساعدني أكسبك
نظر إليها واحبطها عنـ.ـد.ما قال بجدية شـ.ـديدة:
-عاصم مش هيوافق
أمسكت بيد "عاصم" ورفعت رأسها تنظر إليه نظرة طفولية بريئة تتودد إليه بها كالقطة وهتفت بصوتٍ رقيق:
-لأ هيوافق إحنا صحاب.. مش كده؟
حملها "عاصم" فجأة بين يده يرفعها للأعلى قائلًا بصوت عالي:
-آه طبعًا صحاب وهرفعك علشان تكسبيه
ابتسمت الصغيرة تنظر إلى الآخر بسعادة قائلة:
-أهو يا بابا جبل
أمسك "جبل" بالكرة وأقترب قائلًا بابتسامة:
-ماشي بس من غير غش
أومأت إليه برأسها:
-ماشي
ألقى الكرة مرة والأخرى وهي لا تستطيع أن تتابع رمـ.ـيـ.ـته لها فصاحت بعصبية غاضبة منه:
-ايه ده أنت اللي بتغش كده
رآها "جبل" وأبصر نظرتها له مع صوتها الذي حاولت جعله غاضبًا فلم يتمالك نفسه هو و "عاصم" يسألها بمرح:
-أنا عملت ايه بس
قالت بتذمر وضيق:
-بترفع نفسك أوي وترمي الكرة
أجابها مُبتسمًا:
-كل واحد وشطارته أنتي مش عارفه تصدي
اعترضت قائلة بانزعاج وهي تطلب من "عاصم" أن يتركها:
-لأ ده غش مش هلعب.. نزلني يا عاصم
تركها تهبط إلى الأرضية فأبتعدت عنهم ذهب "جبل" خلفها يناديها:
-استني بس غش ايه تعالي
لم تُجيبه فأمسك بيدها وهبط إلى الأرضية ليكون في مستواها محاولًا التحدث معها:
-استني هنتفق
وقف معها قليلًا يتهامسون سويًا يبدو أنه استطاع أن يجعلها تسعد أكثر من السابق يُنسيها ما حدث منذ قليل عنـ.ـد.ما عانقته بقوة وابتسمت بسعادة..
منذ لحظات و "إسراء" تقف جوار "زينة" في الشرفة تتابع ما كان يحدث تنظر إليهم بعيون تشع بالحب والشوق..
عيناها تتابع ذلك الشاب فارع الطول الذي يبتلعها كلما وقفت أمامه.. مشاعرها تجاهه أصبحت متخبطة أكثر وأكثر ففي الآونة الأخيرة بدأت تفهم أشياء تحاول أن تكذبها بخصوص مشاعرها تجاهه..
وجدته ينظر إليها وقد كان هو الآخر يحاكيها بعينيه يهتف إليها بمنتهى الشوق واللوعة يقول متى اللقاء والاعتراف بالعشق المكنون داخل قلبيهما..
سمائها أزهرت باللون الأزرق المخالط الأبيض ووجدت السحاب تتموج بها كموج البحر وعينيها الزرقاء تماثلها تتشابه معها تدق الطبول في القلب معبرة عن قدوم حياة أخرى جميلة ستنعم فيها بالغرام ولهفة الاشتياق..
اطالت النظر إلى عينيه وهو بالمثل، فنظرت إليها "زينة" باستغراب كلي ودهشة صارخة بأن لا يحدث ما في رأسها..
أعادت النظر إليه وإليها مرة بعد الأخرى ولم تفهم ما الذي يحدث بينهم، تبتسم بهدوء وخجل وهو ينظر إليها بقوة غير خجل مما يفعله مغيبين عن الواقع تمامًا هم الاثنين..
نغزتها في ذراعها فجأة تنظر إليها بعبث فصاحت الأخرى خجلة من شقيقتها قائلة بتـ.ـو.تر:
-سرحت
أردفت "زينة" بقوة وحزم قائلة:
-أبعدي عن أي حد هنا.. فاهمه؟ ملكيش دعوة بحد يا إسراء لا في القصر ولا الجزيرة دي
أومأت إليها الأخرى برأسها بهدوء ثم تركتها ودلفت إلى الداخل..
تابعت "زينة" "جبل" الذي يحمل ابنة شقيقه يتسامر معها في الحديث بهدوء وابتسامة وهي تماثله وعقلها مازال يعمل في كل إتجاه وطوال الوقت يفكر في كثير من الأمور إلى أن قاربت على الجنون..
❈-❈-❈
أرسلت السيدة "ليالي" مرسال إلى "جبل العامري" بما حدث بينها وبين زوجة ولدها ووالدتها فحدد موعد للجلوس في جلسة عـ.ـر.فية يحكم فيها بينهم بعد أن يقص عليه كل منهم ما حدث وقد حان وقتها..
استمع إلى الطرفين والذي لم يتجرأ أحد منهم على الكذب فنظر إليهم بهدوء وجدية فأضافت السيدة "ليالي":
-اللي خلاها تمشي يا جبل بيه وأنا طالعه سطح بيتي عديت على شقتها.. الباب كان مفتوح تو ما شافتني راحت قفلاه في وشي بآخر ما فيها كل اللي قولته أنا حسبي الله ونعم الوكيل العيب مش عليكي العيب على اللي قانيكي
أكملت بعد أن أزالت بوشاحها دmعة خائنة هبطت على وجنتها:
-أنا قولت كده من غُلبي يا جبل بيه من غُلبي دي داري.. داري أنا ويتعمل فيا كده أنا اللي كبرت وعلمت وجوزت وفي الآخر يتعمل معايا كده من عيله
لم تتجرأ الأخرى على الكذب قالت كل ما فعلته منذ البداية هي ووالدتها فظهر كوضوح الشمس من الظالم ومن المظلوم..
نظر إليها بجدية شـ.ـديدة وأردف بحزم قائلًا:
-امسحي دmـ.ـو.عك يا حجة ليالي أنتي قولتي أنها دارك واللي هيقعد فيها اللي أنتي هتطلبيه أما دلوقتي كل واحد لازم يتحاسب
أشارت له بيدها ترفض حديثه بطيبة قلب قائلة:
-لا يا جبل بيه أنا مسامحة في حقي دي مهما كانت أم عيال ابني أنا مسامحة
سألها بعقلانية ونظرته نحوها حنونه مشعة بالحب لامرأة عجوز أكل من عمرها الشيب والسنوات:
-ايه اللي يرضيكي
أشارت بأصابع يدها الأربعة أن تبتعد عنها وهي تقول بحرقة:
-جوزها مسافر تمشي تقعد عند أهلها
أبعد بصرة إلى الأخرى قائلًا بصرامة وقوة:
-قومي يا فتحية بوسي راس الحجة ليالي ووطي كمان على رجلها بوسيها
وقفت على قدmيها وأقتربت منها على مضض ولكنها لا تجرأ على الاعتراض فهذا أمر من "جبل العامري"، كادت أن تنخفض لتقبل قدmها ولكن الأخرى ابتعدت قائلة برفض:
-لا متبوسيش رجلي أبعدي
وقفت مُستقيمة تود لو تخـ.ـنـ.ـقها بيدها تراها تتمسكن أمام كبيرهم..
نظر إلى والدتها وأشار إليها بقسوة وهو يعلم أنها سيدة تأكل من يقابلها:
-قومي يا أم فتحية بوسي راس الحجة ليالي وحقوا نفسكم ليها
أردفت "فتحية" بجدية تنفذ أمره:
-حقك عليا يما أنا غلطانه
ومن خلفها والدتها الذي تحدثت ببغض قائلة:
-حقك عليا يا حجة ليالي مصارين البطن بتتعارك ياختي
تابعها "جبل" وتفوه بالكلمـ.ـا.ت بجدية تامة لا تسمح بعدها بالنقاش يملي عليها ما الذي ستفعله:
-جوزك النطع ده يدورلك على بيت بره تسكني فيه متقعديش عند اهلك، معاكي مهلة يومين اتنين بس وعفشك يطلع من عند الحجة ليالي خلينا نشوف هيصرف عليكي وعلى ايجار البيت إزاي ولما يتعلم يحترم أمه يجيلي
تحولت ملامحها إلى أخرى منزعجة وقالت بضيق:
-بس يا جبل بيه أنت عارف البير وغطاه
صرخ بها بقسوة وعنف:
-يبقى كنتي تحترمي نفسك
نظر إلى والدها وشقيقيها الشابان هتف بغلظة وشـ.ـدة مُهددًا إياهم:
-المرة دي أنا مش هعمل حاجه علشان خاطر الحجة ليالي إنما المرة الجاية انتوا عارفين اللي هيحصل.. ربي مراتك وبـ.ـنتك وإلا هربيهم أنا
أومأ إليه والدها يُجيب بتأكيد على حديثه لأنه يعلم أن هذا ليس تهديد فقط بل واجب الفعل مع وقف التنفيذ:
-حاضر يا جبل بيه حاضر
أكمل بنفس الغلظة التي تحدث بها:
-بكرة الصبح الكل عند دار الحجة ليالي تحقوا نفسكم ليها قدام الكل زي ما بهدلتوها قدام الكل
مرة أخرى يؤكد حديثه بخـ.ـو.ف راهبًا ما يستطيع فعله بهم:
-ماشي كلامك يا جبل بيه
أشار إليهم بيده ليبتعدوا عن هنا قائلًا بصرامة:
-أمشوا..
صرخ على أحد الحراس الذي فتح البوابة ليتقدm منه فقال بجدية:
-مسعود وصل الحجة ليالي لحد دارها
أبتعدت عنه المرأة وهي تصيح بصوت عالٍ تردد بالدعاء إليه:
-ربنا يخليك يا جبل بيه.. يا ناصر الغلابة ربنا يديك الصحة ويرزقك بالذرية الصالحة
وقف عند آخر دعوة قالتها، هل سيأتي يوم من الأيام ويكن له طفل من صلبه يحمل اسمه، يكن ولده يربيه كما يشاء على الخير والحب!..
لم يأتي على خلده أحد سواها فرفع بصره للأعلى لأنه كان يعلم أنها تقف تطلع إليه وتراه وهو يتحدث معهم تستمع إلى مشكلات أهل الجزيرة كما كل مرة..
تـ.ـو.ترت للغاية عنـ.ـد.ما تقابلت أعينهم وأدركت بما يفكر، أطال النظر إليها ودون دراية منها استمرت بالنظر إلى عيناه كما يفعل يحدث نفسه بأن هناك شيء غريب يحدث له.. لما فكر بها هي عنـ.ـد.ما أراد الإجابة على سؤاله؟
ولما هي تابعت النظر إليه هكذا بهذا الشغف وكأنها تحبه؟
في الأساس هي تقف تفكر أهذا هو الشر أو الخير؟!..
حقًا لم تعد تستطيع أن تفرق بين شخصياته الغريبة إحداهما يقــ,تــل والآخر يحيي، لم تعد تستطيع فهم أهو شخص واحد لديه فصام الشخصة أو شخصين مختلفين للغاية!
❈-❈-❈
"بعد مرور يومين"
دلف إلى الشرفة ليقف جوارها، نظر إليها بهدوء وتساءل:
-بتعملي ايه
سخرت منه تنظر إلى البعيد قائلة بتهكم:
-بشم هوا.. أصل هوا الاوضه يخـ.ـنـ.ـق
ابتسم باتساع فهو يفهم أنها تقصده فتابع في اغاظتها قائلًا:
-ماشي شمي هوا براحتك
أردفت بجدية واستدارت تنظر إليه:
-أنا عايزة اروح الصيدلية اشتري كام حاجه ده لو عندكم صيدلية هنا
أجابها يهتف مؤكدًا لأنها تسخر من الجزيرة وما بها:
-عندنا كل حاجة هنا.. اكتبي اللي عايزاه في ورقة وهيجيلك لحد عندك
رفضت قائلة بسماجة:
-لأ دي حاجات خاصة بحب اجبها بنفسي
خرجت ضحكاته من فمه عنـ.ـد.ما وجدها تريد أن تذهب هي فقال بسخرية:
-اوعي يكون سم
ثم أكمل بيقين مُتأكدًا:
-مع إني عارف إنك مش هتعمليها تاني
كرمشت ملامح وجهها ببغض وغضب تنظر إليه:
-لأ اطمن مش هعملها فكرت في كلامك
مرة أخرى أردفت تطلب منه:
-أنا عايزة موبايلي وموبايل إسراء وتابلت وعد
أومأ إليها برأسه يوافق على ما أرادت ولكنه قال بجدية شـ.ـديدة وخشونة:
-ماشي.. هديكي الأمان يا غزال بس متحاوليش تغدري
صاحت بوجهه بعصبية وغضب:
-أنا عمري ما كنت غدارة.. أظن إحنا عارفين مين فينا الغدار
أومأ إليها يقول:
-عارف
أقترب منها يدفعها إلى سور الشرفة وأمسك بها من خصرها يضغط بيده الاثنين عليها يقترب بوجهه ينوي تقبيلها فهو بات يفعلها عنوة عنها..
وجد كف يدها يهبط على عنقة مع صوتها الذي هتف بجدية:
-دي نموسة
على أثر ضـ.ـر.بتها له أبتعد وجهه قليلًا.. أحمرت عيناه من الغضب لأجل تطاولها عليه وما كاد إلا أن يفعل بها ما لم تتخيله إلا أنه رصد شيء بعينيه حمد الله في لحظتها أنها فعلت ذلك..
لم يعطي لنفسه الفرصة في التفكير بل أمسك بها يستدير بسرعة كبيرة جاعلًا نفسه هو أمام سور الشرفة وهي تختبئ بجسده وصرخ عاليًا بصوت جهوري يهتف بإسم "عاصم" استمع إليه كل من داخل القصر..
ولكن تزامنًا مع تلك الصرخة خرجت طلقة نارية لتستقر في جسد إحداهما فوقعوا هما الاثنين داخل الشرفة واهتاج الجميع من بعد ذلك وخرجت الدmاء تسيل على الأرضية بغزارة تعلن عن أن هناك من قارب على فقد حياته.. "جبل العامري" أو "غزالته"
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚
ارتجف جسدها بعنف وقوة وهي تقع على الأرضية يتردد صدى الطلقة النارية في أذنها وهو يحمل ثقل جسده عليها بعد أن هبط معها على الأرضية..
سارت القشعريرة في بدنها بالكامل تنظر إليه وخصلاتها السوداء متبعثرة حول وجهها، يدق قلبها بسرعة ضارية ولوهلة شعرت بالخـ.ـو.ف والهلع عليه معتقدة أن الطلقة أصابته..
شعرت بالدmاء تسيل من جسده على ذراعها انتفض قلبها بين أضلعه وتأكدت من ظنها فقد فداها بعمره وأخذ الطلقة مكانها..
لم تستطع التحدث فقد لجم لسانها وهي تنظر إلى خصلات شعره السوداء القابعة فوق صدرها، لا تدري هل شعر قلبها بالهلع خـ.ـو.فًا أن يصيبه مكروه أو تتركه ينزف إلى أن يمـ.ـو.ت وتستطيع الهرب من سـ.ـجـ.ـنها!..
رفعت يدها عليه تهتف بشفتين ترتجف خـ.ـو.فًا:
-جبل! أنت كويس؟
رفع وجهه إليها بملامح مُتألمة فقد أخذ الرصاصة في ذراعه الأيسر، أومأ إليها برأسه دون حديث وعيناه تجوب وجهها مستقرًا على عينيها ينظر إلى الخـ.ـو.ف بها الذي استشعره بمنتهى السهولة.. الخـ.ـو.ف عليه ليس منه!..
-متخافيش
قالها بصوت حانٍ رقيق لأول مرة يخرج من بين شفتيه لها وهو ينظر داخل عينيها السوداء
نظرت إلى ذراعه الذي ينزف عليها وتفوهت بقلق بالغ ظهر في نبرتها الخافتة:
-أنت بتنزف
أغمض عينيه بألم وأجابها بإيجاز:
-بسيطة
وضعت يدها على جسده لأول مرة أمامه دون خـ.ـو.ف، تلمسه بكل أريحية ولم تشعر بأن هذا خطأ بل شعرت أنه من الواجب عليها مساعدته لأنه "زوجها"
-طيب قوم
وقف ببطء يبتعد عنها وذراعه جوار جسده لا يستطيع تحريكه تخرج الدmاء منه بغزارة تتساقط على الأرضية بعدmا وقف على قدmيه..
نظر إلى الخارج فوجد الحراس يركضون خلف بعضهم البعض يحاولون الإمساك بمن تجرأ وفعل ذلك..
مد يده اليمنى إليها وهي ممددة على الأرضية، نظرت إليه للحظات تحاول أن تجمع شتات نفسها تفكر في الأمور من زاوية أخرى ترى ما الذي يحدث معها وما الذي يريده منها بعد ذلك.. لما عقلها مشوش للغاية!
مدت يدها إليه فسحبها منها لتقف على قدmيها أمامه تعدل من ملابسها وخصلاتها الثائرة..
وقفت تنظر إليه بعيون لا تفهم ما مضمون حديث لمساته وهمساته، تتسائل إن كان حنون أو غليظ القلب ليس به رحمة كما قال..
هي امرأة متحيرة بين هذا وذاك لأنها رأت قسوة قلبه وعنفوان أفعاله الذي أشتد بها عليها ورأت رحمة أحكامه وحنان نظراته لأي شخص بات مظلوم غيرها..
تابع النظر إليها يتوه داخل عينيها، يبادلها نفس الغرابة في الشعور فلا يدري أهو أراد جسدها وتربية ابنة شقيقة أو تغير شيء ما داخله ليقف الآن معتوه لسانه ملجم وحركاته مشلوله أمامها..
لم يستفق أي منهما إلا عنـ.ـد.ما دلفت والدته الغرفة تدفع الباب بقوة تتقدm منهما داخل الشرفة..
وجدت الدmاء على ذراعها فاعتقد أن "زينة" المصابة فهلعت إليها تقول بخـ.ـو.ف:
-زينة اتصابتي فين يا بتي ادخلي
نظرت إليها بتـ.ـو.تر خائفة من أن تدلى بأن ولدها من أصيب وليست هي، تحدثت بخفوت قائلة:
-مش أنا.. ده جبل
ابتعدت عنها تتقدm منه في الداخل بذعر وخشية من أن يكون أصاب ولدها مكروه وهو وحيد عمرها ومن تبقى لها:
-ابني.. جبل
أومأ إليها برأسه ينظر إليها بحنان يبعث إليها الأمان والاطمئنان من نظرات عينيه:
-أنا بخير يما متخافيش جات سليمة
رأت "زينة" نظرته لوالدته ونبرته الحنونة الخافتة المنبعثة لها، ودت لو كانت هذه النظرة والكلمـ.ـا.ت الرقيقة إليها فقط ليجعل قلبها يطمئن..
اعترضت والدته بقوة والدmـ.ـو.ع متحجرة بعينيها تنظر إليه بقلق وخـ.ـو.ف:
-إزاي يابني الدm نازل منك سيل
خرجت "زينة" من الشرفة وعادت إلى الداخل وهو يتحدث مع والدته
تابع يحاول تهدأتها ولكنه يتألم لا يستطيع مواساة أحد الآن فقال بجدية:
-قولتلك بسيطة متخافيش خدش في دراعي
دلفت إليهم مرة أخرى وتقدmت إليه بقطعة من القماش تهتف برفق:
-اربط ايدك بدي علشان النـ.ـز.يف لحد ما نروح الوحدة
أخذها من يدها وحاول لفها باليد الأخرى فلم يستطع أقتربت منه هي واخذتها منه مرة أخرى تقوم بلفها على ذراعه وربطها بأحكام تحت نظراته الفاحصة لها ونظرات والدته المتعجبة لما تفعله معه.. تتسائل هل لان الحديد وارتخى؟
قال بخشونة وجدية:
-الدكتور هيجي هنا مش هروح الوحدة مش مستاهلة
رفعت بصرها إليه وأشارت إلى ذراعه قائلة بتوجس:
-إزاي دي رصاصة دخلت دراعك
أجابها مُبتسمًا بزاوية فمه لا يدري هذه سخرية أو ابتسامة حقيقة بعد أن مس اهتمامها به:
-جـ.ـر.ح سطحي.. وإلا إزاي بكلمكم وواقف كده
أشارت إليه بيدها وهي تنظر إلى وجهه وابتسامته التي لا تدري لما تواجدت الآن بين حديثهم:
-طيب أدخل ارتاح
أكدت والدته على حديثها وهي تجذبه من ذراعه الأيمن ليدلف إلى الداخل:
-ادخل يابني ادخل
دلفت خلفهم إلى الداخل فتسائلت بعد أن جلس على الفراش:
-فين رقم الدكتور أكلمه
أجابها وهو يكرمش ملامح وجهه بألم شـ.ـديد أصابه، هتف بجمود يُجيبها:
-شوية عاصم يجي يجيبه
استشعر خـ.ـو.فها حقًا ورآه الجميع والدته وشقيقته عنـ.ـد.ما هتفت بانفعال وخـ.ـو.فها يظهر على ملامحها:
-شوية ايه ايدك بتنزف
كانت شقيقته دلفت إلى الغرفة منذ لحظات فصاحت تتسائل وهي تتقدm منه:
-أنت بخير يا جبل؟
أومأ إليها برأسه وجد "وعد" تتقدm منه بخـ.ـو.ف وذعر رُسم على ملامحها وتسائلت بخـ.ـو.ف ونبرة قلقة مرتعشة:
-بابا جبل حصلك ايه
أقترب بوجهه يقبلها مُحتضن إياها بذراعه وقال بحنان وحب:
-أنا كويس يا حبيبتي متخافيش
بنظرات طفلة أشارت إلى ذراعه وقالت بخفوت:
-في دm عليك
أردف بجدية والألم يشتد به يقول:
-دي شكة صغيرة.. روحي روحي مع خالتك دلوقتي
أخذتها "إسراء" التي كانت تقف على أعتاب الغرفة وخرجت وخلفها شقيقته لم يبقى معه سوى والدته وزوجته "زينة"..
لحظات والأخرى وأتى "عاصم" بالطبيب بعدmا علم بأن "جبل" من أصيب بالطلق الناري بينما رأته "إسراء" وهي تسير في الخارج يتقدm إلى الأعلى مع الطبيب والعاملة "ذكية" التي تسير أمامهم لتفسح لهم الطريق..
تبادلت النظرات معه، لقد كانت نظرات محملة بالحب والاشتياق، ولوعة الغرام المخفي بينهم تحرقهم هما الاثنين، تحدثت الأعين تدلي بكل ما يشعر به القلب دون حركة واحدة من الشفاة..
دلف "عاصم" بالطبيب إليه فخرجت والدته ولكن "زينة" بقيت معه..
تقسم أنها لا تدري ما الذي يحدث لقلبها الخائن، لقد عـ.ـذ.بها، سـ.ـجـ.ـنها، أخذ ما يحق لها، هددها بأبشع الأشياء وآخر ما فعله انتهك جسدها بكل غلظة وعنف والآن هي تشفق عليه وتشعر بالخـ.ـو.ف والهلع بعدmا حدث له؟..
لا تدري هذا حدث لأنها رأت الجانب الآخر منه أو ماذا؟ رأت ضعفة مع صغيرتها، حنانه عليها وعلى الآخرون غيرها، حكمته في العدل بين الناس ورد الظالم عن ظلمه وأخذ الحق للمظلوم..
لا تدري تغيرت لأنه أصبح يعاملها أقل خشونة وأكثر هدوء ورفق؟ ولكن كل هذا لا يشفع له عندها..
كل هذا لا يشفع حتى وإن تساقطت منه الرحمة والحنان حتى وإن اعترف بالحب وأراد الغفران على قلبها تتبع القسوة وأن يدلي بحرمانه الرحمة والغرام..
نظرت إليه وهو يتألم أسفل يد الطبيب الذي قال أنها لم تغوص داخل لحمه بل كانت سطحية للغاية، لم يأخذ المـ.ـخـ.ـد.ر لأنه من الأساس لا يوجد فتحمل وملامحه تصرخ بالألم ولكن لسانه لا يقدر على نطقها..
أقتربت منه، جلست على الفراش عنـ.ـد.ما شعرت بتألمه المكبوت قدmت يدها إليه تتمسك بيده بحنان تشـ.ـدد عليها تحاول أن تجعله يطمئن.. ما تفعله من المؤكد نابع عن تربيتها الأصيلة فما فعله بها لا يستحق بعده أن تعامله هكذا..
شـ.ـدد من مسكته ليدها وهو يتألم بقوة وخرجت آنة من بين شفتيه المضمومة على بعضها.. يشعر بالخجل والضعف لأنه يتألم أمامها ويشعر بالخجل من نفسه لأنها تقابل كل سيئاته بالحسنى..
هل هي تشعر بالشفقة تجاهه أو تشعر بشيء آخر مثله؟..
انتهى الطبيب وقام بربط يده وترك لهم روشته الأدوية المطلوبة فأبتعد "عاصم" لاحضارها لكن "جبل" أوقفه وهو يهتف بخشونة متألمًا:
-مين عمل كده؟
استدار "عاصم" ينظر إليه بتـ.ـو.تر لأن الرجل الذي فعلها هرب منهم ولم يستطيعوا الإمساك به:
-لسه مش عارف
اعتدل "جبل" في جلسته يتغاضى عن الألم الذي يشعر به وسأله باستفهام:
-يعني ايه مش عارف اومال هو راح فين
قال بجدية شـ.ـديدة يُجيبة وعيناه في الأرضية:
-هرب يا جبل
كان يعتقد أنهم أمسكوا به فاستغرب بشـ.ـدة وهو يسأله:
-هرب؟ يعني ايه هرب اومال انتوا بتعملوا ايه
تحدث الآخر وهو يشير إليه بيده يقول ما حدث ولكنه يعلم أنه لن يصمت على هذا:
-دخل الغابة واختفى فيها معرفناش نمسكه وأنا رجعت على طول أشوفك لكن سبت الرجـ ـالة يدورا عليه
سخر منه قائلًا:
-يا راجـ ـل؟ وفكرك هيلاقوه
صرخ بعنف وصوت عالي اهتز له جسد تلك الواقفة جوار الفراش:
-أنا اللي هقولك تشتغل إزاي يا عـاصـم
نظرت إلى عينيه التي عادت مُخيفة وتشنج ملامحه فقالت برفق:
-اهدى
صرخ بها بقسوة شـ.ـديدة يخرسها فلا يحب أن يتدخل أحد بحديثه:
-اسكتي
تحدث يُكمل بصوته العالي، ونبرته تحمل الهمجية والعنفوان الشـ.ـديد تجاة "عاصم":
-لولا ستر ربنا كان زمان مراتي مـ.ـيـ.ـته فاهم يعني ايه وتقولي هرب
نظرت إليه باستغراب، إنه يقول زوجتي؟ لقد دافع عنها ووقف أمام المدفع وهو يعلم أنه على وشك المـ.ـو.ت؟ ما الذي كان يفكر به عنـ.ـد.ما فعل ذلك؟
هل هي رجـ ـولة زائدة منه ولكنها تشك بهذا لأن الرجـ ـل الحقيقي لا ينتهك جسد امرأة عنوة عنها، أم لأجل ابـ.ـنتها وابنة شقيقه أو هناك سبب أكبر من كل هذا هي لا تعلمه..
أكمل بكلمـ.ـا.ت مُهينة وهو ينظر إليه بغضب وعصبية شـ.ـديدة:
-لو مشغل معايا رجـ ـالة مكنش هرب
اغتاظ "عاصم" وشعر بالإهانة خاصة أنه يقول كل هذا أمام زوجته فأردف بعنف يعلمه بما يقول:
-جبل
صرخ هو الآخر أمامه دون توقف وصوته يعلو أكثر بعد أن شعر بالعجز الشـ.ـديد والبغض تجاة نفسه وحراسه:
-جبل ايه وزفت ايه.. القصر بقى حمام عمومي أي حد بيدخله ويعمل اللي عايزة الحرس كانوا فين.. فين اللي قولت يقفوا بره القصر
تحدث "عاصم" بتذمر:
-كانوا بيلفوا حواليه
أردف بصرامة وحـ.ـز.ن وكلمـ.ـا.ت لا تحتمل النقاش:
-وقف حرس أكتر على مدخل الجزيرة مش عايز حد يدخل ولا يخرج منها لحد ما نلاقيه وهو لو في الغابة يا إما نلاقيه يا إما الديابة تاكله
أكمل بمنتهى القسوة والعنف على حديثه السابق:
-والحرس على القصر من بره يزيد واللي يقرب تدولة مكافأة نهاية الدنيا
أومأ إليه عاصم وخرج من الغرفة بينما هي وقفت تنظر إلى عيناه المخيفة الذي عاد بريقها مرة أخرى وتعود كلمـ.ـا.ته مرة خلف مرة على أذنها بقسوة ضارية..
يأمر بالقــ,تــل ويدرك أنه إن بقي في الغابة ستأكلة الذئاب وقلبه لم يرق أو يلين بل بمنتهى العنفوان أمر هو بذلك..
نظرات الخـ.ـو.ف منه عادت إلى عينيها وألجمت شفتيها عن الحديث فبادلها القوة بنظراته وكأنه يقول لها أن سقوطه ليس سهل ورحمته ليست دائمة بل قسوته وجبروته هم الدائمين وما تراه ليجعل قلبها يرق ناحيته ما هو إلا لحظات تمر على حياته كالهفوة السريعة أو لمسة الرياح المارة بسطحية..
❈-❈-❈
"بعد بضعة أيام"
أحاطت قلبها بسلاسل وأغلقته بأصفاد حديدية، خـ.ـو.فًا من اقتراب الجوى منه ليحترق بلوعته ورغبته الملحة في الاقتراب منه والغوص داخل أمواجه لمعرفة أسراره المكنونة في أعماقه..
دومًا ما كانت سريعة الفهم، جيدة التركيز، ولكن الآن سرعة الإدارك لا تعمل عندها، ترى كل شيء وتستغرب حدوثه، تبصر بعينيها أفعاله ولا تصل إليها أهدافه..
تخبطت أمواج قلبها الثائر بجسدها الهزيل الذي اعتبرته شاطئ هوى يغوي قلبه كلما نظر إليها وشاهد حضورها..
تنهدت بعمق تخرج زفرة حادة من صدرها المكبوت تستغرب أفعاله تجلس الآن جلسة صافية مع حالها لتحاول إدارك ما الذي يحدث وما الذي يريد فعله..
هل تعيد على عقلها كل ما حدث منذ بداية الأمر لتحاول الفهم أم ماذا!..
نعم ستفعل ذلك.. بداية الأمر أنه كان بـ.ـاردًا معها مُتجبر ومتكبر، أشعرها بأنه لا يبالي وجودها.. حضورها أو غيابها لا يعينه
ثم في الخطوة التالية أظهر إليها قليل من حقيقته فقط ليجعلها تهابه.. لم تخضع له ولم ترتوي بحديثه فازاح القناع عن وجهه وأظهر إليها ما بداخله لتقع خائفة والرهبة تزحف إلى قلبها وعقلها وارتجاف جسدها ما كان إلا رعـ.ـبا منه..
رأت وجهه الحقيقة قــ,تــلة للبشر، تحديه لها، عنفه معها، وتهديده الصريح والواضح، والأسوأ والأسوأ من كل ذلك مرة بعد مرة إلى أن بغضته، شعرت بالكراهية الشـ.ـديدة تجاهه لو كانت نالت الفرصة لقــ,تــله لفعلتها وهي بالفعل حاولت..
عنـ.ـد.ما قام بانتهاك ما لا يحق له، أنه فعلها مرة واحدة منذ أن كتبت زوجته والآن أدركت لما فعلها، فقط ليريها أنه يستطيع فعل أي شيء وبأي وقت ليجعلها تعلن أنه الأمر الناهي والمتحكم الوحيد، والقاضي الذي يحكم وينفذ
عنـ.ـد.ما عارضته ورفضت هيمنته عليها علم كيف يستطيع أن يجعلها تنظر إلى عيناه الخضراء القاسية بكل قهر وكـ.ـسرة، علم كيف يشعرها بالمذله والضعف ولم يبخل عليها في فعل ذلك بل منذ أول لحظة لها معه نهب أنوثتها وحريتها..
أقترب منها مرة واحدة فقط! ولم يفعلها ثانية ثم من بعد ذلك حاولت التأقلم وفهم ما يحدث فبادر هو بمعاملتها أفضل من السابق..
لا تدري كيف ولما، لا تدري لما نظراته التي تغرق بها والبحث داخلها عن أسباب تغيره معها، لا تدري لما حضرته تلبكها وتشعرها بالتـ.ـو.تر..
تغيره معها جعلها لا تفهم شيء أبدًا، بدأت تتحدث معه هي الأخرى ليس أفضل ولم تتقبله بعد ولكن تتحدث معه..
أصبح أب لابـ.ـنتها، لاحظت تغير واضح في حياة ابـ.ـنتها بعدmا أصبحت تنادية باسم والدها وقد شكل هو هذا الدور حقًا معها منذ أن تزوج منها.. ترى حبه إلى الطفلة ظاهر بعينه وترى حب الطفلة إليه فتخاف أن تفعل شيء يفقدها ذلك الحب والحنان منه لأنها حرمت منه مبكرًا.. هل وجود "جبل" الآن يعوض ابـ.ـنتها عن والدها "يونس"؟
هل تبقى فقط لأجل ابـ.ـنتها؟ أو لأجل نفسها وتحاول خوض حياة أخرى معه!..
وقفت على قدmيها ودق قلبها بعد ذلك الهراء الذي هتف به عقلها، ما الذي تتفوه به ما الذي تفكر به..
لوعة فراق زوجها المحب أثرت عليها أم ماذا!؟
آخر ما حدث تلك الرصاصة التي أخذها بدلًا منها، لقد كان يعلم أنه سيمـ.ـو.ت أن أتت به ولم يتردد في فعلها بل بصدر رحب استدار ليجعل نفسه في المواجهة
ثم هتف بكلمة زوجتي بكل حرقة خـ.ـو.فًا عليها!..
ما هذه التراهات!.. ما الذي يريده من كل هذا أو ما الهدف منه، ما الذي تفعله هي وما الذي ينتظرها بعد؟..
احتارت في وصف مشاعرها واحتارت في الوصول إلى بر جاف تقف عليه! لن توصل إلى مرسى معه إلا بعد أن تسير في دروبه جميعها سوى أن كانت قاسية أو حنونة تربت على قلبها..
ستفعل، ستبقى إلى النهاية لتمر بكل مراحل المشاعر معه بداية من الكراهية إلى الغرام، ستبقى لتعرف كل سر خفي في الجزيرة، ستبقى لأجل ابـ.ـنتها وحقوقها الذي أخذها منها بالإكراه
بينما هو على الناحية الأخرى يشعر بالنقيض تماما، يعلم ما الذي هو مقدm عليه ويفهمه جيدًا..
في البداية لم ينظر إليها بعيون رجـ ـل، لم يشتهي أي شيء بها إلا بعد حديث والدته له، أثارت مشاعره وحركت رغبته تجاهها..
فعلها بالقوة والعنف فعلها، أصبحت زوجته حلالًا له وأخذ ما يطيب مشاعره منها وما يرضي رجـ ـولته..
لكن يوم بعد الآخر يرى نفسه يصبح أكثر هدوءا معها، أكثر عقلانية، أكثر حديث، أحب ابـ.ـنتها وأقترب منها وشعر أنها ابـ.ـنته هو ليست ابنة شقيقه..
نظر إليها بعيون جائعة تحترق بها الرغبة المشتعلة تجاهها بالهوى القادm مع العاصفة التي ستدmج قلوبهم معًا..
نظرته الشغوفة نحوها وحديثه الهادئ اللين يعلم أثره عليه جيدًا ويعلم لما يخرج منه.. هل سيحيا قلبه مرة أخرى ويعود إلى الحب!..
هل سيكون هناك نقطة ضعف أخرى غير السابقة تدmر ما بقى منه وتزعزع كيانه وما وصل إليه!..
أنها لا تحبه بل تبغضه وتريد قــ,تــله والخلاص منه، إذا أحبها ستكون هي السكين الذي ينحر عنقه بكل شر وكراهية على عكس الأخرى كانت تحبه وكان يهوى كل ما بها فغدرت به وطعنته في منتصف قلبه..
لكنه مع كل ذلك رأى الخـ.ـو.ف بعينيها عليه، لا يدري إن كان خـ.ـو.ف حقًا أو شفقة خالصة تجاة ما حدث له أو هي وقفت جواره لأجل ما فعله خـ.ـو.فًا عليها..
الآن كل ما يستطيع فهمه أن قلبه بدأ لها بالخفقان، وعيناه بدأت بالنظر إليها بنظرات أخرى غير تلك الراغبة بها، بل أصبح يرمي سهام الحب والغرام متلهفًا لضمها ونيل عناق حاد منها يروي به ظمأ قلبه وحرمانه من الهوى لسنوات..
لن يحرم نفسه أكثر من هذا، سيترك العنان لقلبه ليفعل ما يريد وأن أرادها قلبًا وقالبًا ستكون معه رغما عنها وعن الجميع ولن يتركها ترحل من هنا إلى الأبد.. ستكون سجينة جبل العامري بحق..
طال الاشتياق لحبيب يغمر القلب بالحب واللوعة التي تحرقه بالغرام، طال الفراق الذي جعله وحيدًا ليلًا يعاني وحدة الآنات المتألمة مطالبة بالغفران، فكلما خفق اشتاق وكلما اشتاق احترق والتهبت نيرانه تخرج بفوران من داخل أعماق قلبه الثائرة..
دقات متعالية بها جمرات مُشتعلة تطالب بالحب لقلبين دامت الوحدة مرساهم الوحيد لفترة طويلة، فكانت أشبه بالحياة دون روح، ولم يكن أحد غيرهما "زينة" العاصفة القادmة عليه لتدmر كل ما به و "جبل" ذلك الصلب الشامخ الذي وعد بالبقاء وأن يبعثر عاصفتها إلى أن تخمد..
❈-❈-❈
جلست "إسراء" على الفراش مُمددة القدmين تستند بظهرها إلى ظهر الفراش تنظر إلى الفراغ أمامها في الغرفة بهيام وعيون لامعة بالحب والاشتياق..
ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتيها وهو يأتي على خلدها بنظراته وحديثه وقوته..
عضلات جسده وطوله الذي يبتلعها، عينيه الساحرة! هل قالت ساحرة! لم تسحرها هذه العينين إلا قريبًا بعد أن توطدت العلاقة بينهم وأصبحت أقوى بكثير وأعمق من السابق..
حيث كانت تستمع إلى كلمـ.ـا.ته المعسولة التي تخجلها وتلبك كلمـ.ـا.تها، ونظراته الغريبة الصارخة باللهفة، حركاته الذي كانت تعوقها كلما أرادت الذهاب والابتعاد عنه..
قلبها يدق بعنف أثناء وجوده أمامها ومتابعة نظراته إليها، روحها ترفرف وهي تتحدث معه وتستمع إلى خشونة صوته ورجـ ـولته الطاغية..
هل هذا حب! وقفت على قدmيها بلهفة تسير بالغرفة تفكر في حديثها وما يمليه عليها عقلها.. هل أحبته! لأول مرة تمر بهذه المشاعر، تسير على جسر ملئ بالورود الحمراء ذات الرائحة الطيبة المشعة بالحب والغرام.. هل أحبته؟ هل هذا هو شعور المحبين؟ أن تطير الفراشات داخل معدتهم وأن يخفق قلبهم وكأن هذا الخفقان طبول تقرع للإعلان عن حرب ضارية! هل هذه مشاعر العاشقين! أن يشعروا بأمواج البحر الثائرة مقبلة عليهم تأخذ جسدهم ليطفو فوق سطح الماء بكل سعادة..
خرجت من شرودها على صوت هاتفها المزعج الذي يدق يعلنها بوصول مكالمة إليها.. من هذا المزعج في هذا الوقت المتأخر من الليل
أقتربت منه سريعًا حتى لا تستفيق "وعد" تخرسه وهي تنظر إلى شاشته الذي أنارت بإسم "عاصم"
رفرف قلبها ودق في ذات الوقت وارتسمت الابتسامة على شفتيها بفرحة وسعادة وهي لا تشعر إلا بفراشات الحب تطير داخل معدتها تعلنها بأنها أحبته حقًا!؟
استقر الهاتف بين يدها بعد أن انتهت المكالمة ولم تجيب عليها بسبب كثرة المشاعر الذي زارتها و.جـ.ـعلتها تنظر إلى الهاتف بعدm تصديق وتعيد على عقلها كل ما كانت تقوله منذ قليل..
نظرت إليه بيأس وانزعاج لأنها لم تُجيب عليه وعلقت ملامح وجهها بشـ.ـدة وهي تلقي الهاتف جوارها على الفراش بحـ.ـز.ن لكن ما لبست إلا وجدته يعلن عن وصول المكالمة إليها مرة أخرى.. أخذته سريعًا تنظر إليه وعنـ.ـد.ما وجدته هو يعاود الاتصال لم تنتظر كثيرًا وأجابت متلهفة:
-أيوة
أجابها من الناحية الأخرى بصوته الرخيم يتحدث:
-فكرتك نمتي
وقفت على قدmيها تُسير في الغرفة وهي تحادثه وقالت بنفي سريعًا:
-لأ لأ أنا صاحية
سألها بتطفل:
-مردتيش ليه أول مرة طالما صاحية
أجابته وهي تكذب عليه فلا تستطيع قول أنها كانت تنظر إليه ولا تستطيع الإجابة بسبب المشاعر الذي حاوطتها بحبه:
-ملحقتش أرد عليه أصلي كنت بعيدة عنه
استنكر حديثها وهو يجيب عليها قائلًا بيقين وهو يعلم أنها لا تترك الهاتف من يدها:
-بعيدة عنه! أنتي من ساعة ما أخدتيه تاني وأنا حاسس إن مافيش في حياتك غيره
أردفت بجدية تسرد عليه ما يحدث معها ليجعلها تبقى طوال الوقت جليسة مع هاتفها وهي تشير بيدها وكأنه يراها تسير في الغرفة:
-أصل بصراحة الجو ملل أوي هنا يا إما نتفرج على التلفزيون يا إما أقعد مع زينة أو وعد يا أما الموبايل وأنت عارف جبل من وقت ما تعب طول ماهو هنا زينة بتعمله كل حاجه ووعد رجعلها التابلت فـ مافيش حاجه أعملها غير أقعد على الموبايل
سألها بغلظة متهكمًا:
-وبقيت الناس اللي في القصر مش مقامك ولا ايه
وقفت في موضعها وسألته بتـ.ـو.تر:
-أقولك بصراحة!
أومأ برأسه وقال بجدية ورفق:
-أكيد
قالت بخـ.ـو.ف وهي تتذكر نظرات والدة زوج شقيقتها لها وللجميع وأكملت بانزعاج وضيق من شقيقته:
-طنط وجيدة بخاف منها، نظراتها غريبة وتخـ.ـو.ف وبتتكلم بجد أوي إنما فرح دي متكبرة أوي وبتكرهني أصلًا
ضيق ما بين حاجبيه واستنكر قولها فسألها بجدية ليعلم ما الذي بينها وبين "فرح":
-بتكرهك ليه
قالت بلا مبالاة وهدوء وهي لا تدري ما الذي يفكر به:
-معرفش بس من وقت ما جيت بتعاملني وحش أوي وبترمي كلام وحش فـ كبرت دmاغي منها بقى
صمت قليلًا ثم قال بمرح يشاكسها:
-أنتي بت عـ.ـر.في تكبري دmاغك أهو
ابتسمت بسعادة وهي تمازحه قائلة:
-طبعًا أنا أعجبك
تحرك في الحديقة وهو ينظر إلى شرفة الغرفة الموصدة ومن خلفها تظهر إنارة الأضواء الخافتة، قال بسخرية:
-لأ منا عارف أنتي كبيرة مش صغيرة وت عـ.ـر.في تعملي كل حاجه
سألته بانزعاج واقفة في موضعها:
-أنت بتتريق ولا ايه
أجابها بلين يأكل ما بقي من عقلها:
-أنا أقدر اتريق عليكي بردو
أكملت سيرها مرة أخرى وتفوهت بجدية متسائلة بعد أن شعرت بالملل يُسيطر عليها:
-بقولك يا عاصم هو أنا مقدرش أخرج بره القصر، أمشي في الجزيرة أشوف الناس أي حاجه أنا بجد زهقت
حاصرها بسؤاله الخبيث وهو يبتسم باتساع:
-اشمعنى أنا بقى اللي بتقوليله
ارتبكت كثيرًا وصمتت قليلًا وهي تنظر إلى الأمام بوجنتين حمراء للغاية اشتعلت من شـ.ـدة الخجل فلا توجد إجابة مناسبة ولكنها أردفت:
-مش... مش أنت صاحبي بردو
مرة أخرى بمكر يحاول إخراج الكلمـ.ـا.ت منها وهو يعلم أنها الآن تمـ.ـو.ت خجلًا:
-صاحبك بس!
هـ.ـر.بت من محاولة محاصرة لها وقالت متسائلة بصوت خافت رقيق:
-هتخرجني
أومأ بالموافقة ولكنه مصر على اخجالها بحديثه الماكر الخبيث الذي يعلم أثره جيدًا:
-ماشي هخرجك بس بشرط
سألته باستغراب:
-ايه هو
رد بمنتهى البساطة وخشونة صوته تثير ما بها ومع تلك اللهفة التي خرجت من بين كلمـ.ـا.ته واستشعرتها جيدًا:
-اخرجي البلكونة عايز أشوفك
كررت كلمته مرة أخرى بذهول وخجل:
-تشوفني!
أومأ مرة أخرى برأسه للأمام يهتف بخبث ولوعة الاشتياق لها تحرقه:
-آه اخرجي مش أنا صاحبك بردو
تقدmت من الشرفة المغلقة فتحتها ببطء حتى لا تصدر صوت وخرجت إليها تطل عليه بوجهها الحسن وعينيها الزرقاء الرائعة:
-أهو خرجت
ينظر إلى وجنتيها الحمراء من كثرة الخجل الذي تشعر به إنه يدرك ذلك، ينظر إلى شفتيها الوردية ونظرتها الساحرة إلى عينيه، بعد أن تذوق حرارة رؤيتها الملتهبة في جسده قال بصوت رجولي أجش:
-تصدقي إن القمر نور دلوقتي بس
سخرت من حديثه قائلة بتهكم تشير إلى السماء:
-والقمر اللي في السما ده بيعمل ايه
حرك رأسه يمينًا ويسارًا ينظر إليها ولا يستطيع إبعاد عينيه عن وجهها وسحره تفوه بحب يغازلها:
-لأ ده نجم إنما القمر الحقيقي هنا قدامي أهو
صمتت ولم تتحدث فقط يستمع إلى أصوات أنفاسها العالية تنظر إلى الأرضية بخجل بعد أن أبعدت عينيها عنه فقال مُمازحًا إياها يخجلها أكثر:
-مكسوفه ها
خرج صوتها مبحوحًا يصدر بخفوت وخجل يقــ,تــلها:
-بس بقى
نظر إليها مطولًا وعشقه إليها الذي أعترف به مؤخرًا يدفعه نحوها بقوة ضارية، فتابع بصوت رجولي أجش:
-إسراء
حرك كل ما بها بعد الاستماع إلى نبرته الذي أسكرتها فقالت بخفوت ورفق:
-نعم
خرجت كلمة واحدة من شفتيه نابعه من قلبه الذي يدق بعنف في حضرتها وود إعلامها بكم الاشتياق الذي يشعر به نحوها فقال بلوعة قـ.ـا.تلة:
-حشـ.ـتـ.ـيني و
نظرت إليه للحظة واحدة فقط فلم تستطع المواصلة اخفضت الهاتف من على أذنها ودلفت إلى الداخل راكضه تغلق باب الشرفة من خلفها، ووقفت خلفه تضع يدها على موضع قلبها الذي تعالت دقاته وخرج ليصل إلى مسامع أذنها..
ترفرف عاليًا بين الفراشات والعصافير المغردة بأسامي الحب والغرام في سماء صافية تماثل زراق عينيها وسحاب بيضاء تماثل بشرتها وما اختلف في الأمر شعورها بالنيران تخرج من وجنتيها بسبب خجلها التي شعرت به وهو يرمي عليها كلمة الاشتياق التي خرجت منه بلوعة ولهفة قـ.ـا.تلة..
بينما هو وقف ينظر إلى الشرفة وعيناه لا تستطيع أن تنحرف بعيدًا عنها فما كان يخطر على باله يومًا أن يقع لعشق فتاة صغيرة جميلة مثل هذه خجلها يربكها ويحرك ما بها..
لم يخطر على باله أن تأتي تلك الصغيرة التي تنزعج أن ناديتها بالصغيرة وتطير فرحًا كالطفل أن عبرت لها بأنك تراها فتاة كبيرة ناضجة..
أعترف لنفسه من فترة صغيرة للغاية أنه أحبها، ليس صغير وليس مراهق حتى لا يعلم ما الذي يشعر به ويمر به في حضورها واشتياقه لها ورغبته الملحة على أن تكون معه وله..
أدرك كيف يشعر بالحب والغرام، حين تهتز رجولته أن رأى رجـ ـل غيره يبصرها، أن يدق قلبه بكثرة في حضورها وحتى إن تذكرها، أن يتلهف لرؤيتها وتحرقه نار الاشتياق ولوعة الفراق إن غابت عن عينيه لحظة..
الآن يعترف، لقد عشقها وذلك الإعتراف الصحيح يخفي داخله الكثير..
على الناحية الأخرى كان هناك قلب يحترق أيضًا مثل قلبيهما ولكنه كان يحترق بالغيرة والغل، الحقد والكراهية..
تنظر إليه بعيون مشعة بالظلام الدامس والكره الدفين داخلها، تتنفس بعمق وسرعة شـ.ـديدة ليست قادرة على مواكبة أنفاسها بانتظام بسبب انفعالها..
دلفت إلى غرفتها بعدmا رأت ما حدث بينهم وأدركت أيضًا ان هناك مكالمـ.ـا.ت هاتفية إذًا تطور الوضع بينهم وأصبح أكثر سوءا بالنسبة إليها..
اشتعلت نيران الغيرة بقلبها ونهشت حشاياه، فار بركان غضبها وخرجت من الغرفة بعنفوان وكره لا نهائي أن تركته عليهم سيحرقهم هما الاثنين وكل من يقف أمامها..
هبطت إلى الأسفل وخرجت إليه نظرت إلى داخل عينيه وأخذته من يده بعد أن أقتربت منه تبتعد عن مسامع الحرس فصرخت به بعصبية:
-ايه اللي بتعمله ده يا عاصم
أجابها بعدm فهم لما تقصده بما فعل:
-ايه اللي عملته
أردفت بحرقة تشير بيدها بعصبية وعنف تنظر إليه بشر وحقد:
-البت اللي اسمها إسراء شيفاك فعلًا مشغول بيها وعايزها وأنا مش هتوه عندك لما تعوز حاجه
فهم ما الذي تقصده فـ أومأ برأسه للأمام وهتف بلا مبالاة وبرود:
-وافرضي ده صح وأنا عايزه أنتي عايزة ايه
صدح صوتها الصارخ بوجهه بشراسة وعنفوان فلم تتخيل أن يُجيبها بهذا البرود:
-نعم؟ عايزة ايه أنت اتجننت يا عاصم
أقترب منها وبعيون قاسية حادة تحدث بغلظة وخشونة ينظر إليها بعمق:
-لأ متجننتش أنتي اللي لسه معقلتيش أنا عايزك ترجعي بآخر مرة اتقابلنا فيها في محطة واحدة وأنتي هت عـ.ـر.في إذا كنت اتجننت ولا لأ
تابعت نظراته القاسية عليها ورأت اللا مبالاة الخالصة التي يتحدث بها فقالت بحرقة:
-وأنا عايزاك تعرف أنت بتلعب مع مين يا عاصم
ابتسم بزاوية فمه وهو يتهكم قائلًا بسخرية:
-أنا مش بلعب أصلًا يا فرح
اشتعل جسدها بالغضب ونظرتها نحوه أصبحت نارية عنيفة تود الآن لو تأتي بسكين تنحر إليه عنقه أو تأخذ عينه الذي نظر بها إلى أخرى:
-خد بالك قلبتي وحشه
لم يبتسم هذه المرة بل خرجت الضحكات من بين شفتيه بقوة وكم كانت خلابة يحرك رأسه باستياء فنظر إليها قائلًا بسخرية مرة أخرى:
-ده تهديد يعني
قالت بجدية شـ.ـديدة محاولة اخافته على الرغم من أنها تعلم أنه ليس ذلك الرجـ ـل الذي سيخيفه تهديد من رجـ ـل أو امرأة:
-اعتبره زي ما أنت عايز
نظر إليها بعمق وهدوء ولم يريد أن يتحدث أحد عن شقيقه صديقة الغالي "جبل" حتى وإن كان ما بينهم سابقًا "خلف القصر":
-فرح.. بلاش تقولي كلام أنتي مش قده ويلا اطلعي بقى ولا عاجبك شكلك هنا وأنتي معايا قدام الحرس
أكملت على حديثه متهكمة بعد أن وضعت يدها اليمنى في وسط خصرها:
-ولا خايف أنت حد يقول لجبل إني واقفة معاك
نظر إليها بقوة قائلًا بقسوة وغلظة:
-أنا مبخافش من حد.. وحتى لو أكيد مش هخسره علشانك
هددته بقوة ووضوح وعلمت أن هذه الكلمـ.ـا.ت هي المناسبة التي ستجعله يخاف حقّا فغمزت بعينيها بشر قائلة:
-أنت فعلًا مش هتخسره يا عاصم.. أنت هتخسر حد تاني لو متعدلتش معايا
احترق قلبه من مجرد فكرة أتت على عقلة فصاح بها بعنف وعصبية وصوته يعلو:
-احترمي نفسك واتكلمي كويس أنتي لسه مشوفتيش قلبتي وبعاملك على إنك عيله هبلة مش فاهمه حاجه
حركت يدها على خصرها تحاول مضايقته بلا مبالاتها بعد أن أشعلت قلبه بالنيران خـ.ـو.فًا عليها فقالت بتكبر:
-لأ العيله دي البت اللي أنت باصصلها إنما أنا فرح ستك وتاج راسك
نظر إليها بشر وود لو يقــ,تــلع عنقها من مكانه فمن هذه سيدته! صاح وهو يجز على أسنانه محاولًا للتحكم في نفسه حتى لا تنفلت الأمور منه:
-قسمًا بالله إن ما خفيتي من وشي هتصرف معاكي تصرف يناسب وساختك.. غوري
علمت أنه وصل إلى ذروة غضبه فلم تريد أن تتأزم الأمور أكثر من هذا.. نظرت إليه بقوة وألقت عليه آخر كلمـ.ـا.تها المهددة:
-ماشي يا عاصم.. ماشي أنت اللي بدأت
سارت مُبتعدة عنه تعود إلى الداخل وهي ترفع حجاب رأسها الذي هبط ليستقر على عنقها.. عائدة إلى الداخل بقلب يشتغل وروح تحتضر من نظراته وغضبه الذي لم يخرج إلا عنـ.ـد.ما تحدثت بالسوء عنها..
لن تتركه هكذا، لن ينعم بحياته هكذا بتلك السهولة مع تلك الغـ.ـبـ.ـية التي أتت لتأخذ مكانها ولكنها ليست ضعيفة لتتركها تفعل ما تشاء بل ستجعلها تفكر ألف مرة قبل النظر إليه بعد ذلك..
بينما هو نظر إليها بغضب دmائه فارت داخل عروقه بسبب حديثها الغـ.ـبـ.ـي ونظراتها نحوه بل وتهديدها له أيضّا تلك الغـ.ـبـ.ـية الماكرة..
فتاة غـ.ـبـ.ـية مغرورة ومتكبرة تعتقد أن كل ما تريده سيكون لها دون حساب أو نقاش.. ليس هو ذلك الرجل الذي سيفعل لها ما تشاء على حساب نفسه وسعادته..
❈-❈-❈
ولج "جبل" إلى الغرفة ليلًا في ساعة متأخرة، أغلق الباب وتقدm إلى الداخل لينظر إليها نائمة على الفراش بهدوء ونعومة رآها بها..
تلك الشرسة القوية التي تقف أمامه خمدت نيرانها ومن أمامه الآن امرأة متفتحة كوردة حولها الأشواك بكثرة، فينجـ.ـر.ح أثناء محاولة الوصول إليها..
ملامحها هادئة مرسومة بدقة وعناية، جميلة وجمالها الطبيعي خلاب، أقترب منها ينظر إلى جسدها الأبيض الذي يظهر بعضًا منه بسبب قميصها ذو اللون البنفسجي من قماش الستان..
كم بدت امرأة صارخة بالأنوثة تغريه ليقترب منها يطفئ نيران شوقه إليها الذي لم يخمدها إلا مرة واحدة فقط..
توجه إلى الفراش وصعد إلى مكانه فكانت تعطيه ظهرها في هذه الوضعية، أقترب منها بيده اليمنى يسير بكفه على ذراعها الأبيض الظاهر أمامه بنعومة وخفه..
أقترب من رأسها يستنشق خصلات شعرها ورائحة عبيرها الذي يسكره..
حرك أصابعه عليها ذهابًا وإيابًا وهو يقترب منها بكل الطرق ففتحت عينيها واستدارت بجسدها ببطء شـ.ـديد تنظر إليه بعيون نصفها مغلقة يغلبها النوم..
أقترب منها بجسده وهبط عليها برأسه يضع يده حول وجهها يمسد عليه بحنان ورفق وهي تنظر إليه لا تدري ما الذي يحدث..
فهبط على شفتيها يقتنص منهما رحيق العسل الذي أخذه مرة واحدة من قبل عنوة وقهر فلم يكن يعلم حينها أنه سيشتاق إليه مرة أخرى وشوقه يزداد إلى هذه الدرجة..
وجدها مسالمة، ليست مغلوبة على أمرها ولكنها مستسلمة أسفل يده تترك له زمام الأمور غير معترضة على شيء..
اعتبرها دعوة صريحة منها ليأخذها ويدلف بها إلى بساتين الورود مختلفة الألوان والروائح ليس بها أشواك بل رقيقة ناعمة الملمس يعوض ذلك اليوم المشؤوم الذي خلده بذكراها..
مستمتعًا بكل لحظة تمر جوارها وهي راضية مستكينة بين يديه مستمتعة بنظراته ولمساته وكأنها تطالب بالمزيد منه لأول مرة منذ سنوات كثيرة لم تعلم طريق إلى هذه المشاعر..
المشاعر الجياشة الذي أخذتهم إلى عالم غريب لأول مرة تسير به معه وهو لأول مرة يشعر بحلاوته وتزداد رغبته الملحة في التكملة إلى النهاية وما بعد النهاية..
اشتعلت رغبته تجاهها فترك الأشواك متجاهلًا إياها متقدmًا منها يأخذها إلى شاطئ أمواجه ثائرة متضاربة كمشاعرة الراغبة، تقدmت أمواج المتعة واللذة الراضية تغطي على رمال البغض والكراهية وصدفها راضيًا مستمتعًا وكأنه بمرحلة من مراحل الهوى..
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚ "هل تخفي جزيرة العامري أسرار بعد!."
جالسة على الفراش في غرفة نومه التي أصبحت مشتركة بينهم بعد أن كتبت على اسمه وأصبحت زوجة له..
تنساب الدmـ.ـو.ع من عينيها على وجنتيها بغزارة تتساقط على يدها المُمسكة بالهاتف تطلع بعينيها على شاشته التي تُنير بوجه زوجها الراحل "يونس"
تبكي بقهر وحرقة وهي تنظر إلى صورته، تستمع إلى صوته بأذنها يعاتبها على ما فعلته..
ينظر إليها بخذلان من عبر الهاتف يقول لها كيف سمحتي له بأن يفعل ذلك وكيف تركتي كل ما بكِ إليه بهذه الطريقة المُهينة..
وضعت يدها على وجنتها تُزيل دmعاتها السائلة بكل انسيابيه وسهولة والحرقة تأكل قلبها والنـ.ـد.م يتمسك بعقلها يسحقه أسفله على فعلته الخائنة..
تلك الأمواج التي تضاربت من كثرة الرغبة والغرام الآن تتهاتف نادmة على ما فعلته بالأمس ناحية كل شعور جميل مرت به ولم تترك لها إلا الآلام والنـ.ـد.م..
كيف تركت نفسها بهذه السهولة وكيف سمحت له بالاقتراب، كيف كانت قطعة حرير بين يده تتحرك بسهولة ورقة.. ما الذي كان يسيطر عليها في هذه اللحظات.. ما الذي مرت به جعلها تلقي بنفسها داخل أحضان الذئب
وهو ذلك المـ.ـجـ.ـنو.ن الذي كان على أتم الاستعداد لفعل أي شيء كان يأتي مُتحضرًا لما سيفعله أو هي من أغرته بنمـ.ـو.تها البريئة وملابسها الأنثوية التي لم يعتاد عليها معها!
أغمضت عينيها السوداء بقوة تحاول أن تُمحي من ذاكرتها ليلة أمس وما حدث بها بينهما، تحاول أن تكون خفيفة غير محملة بالأوجاع وأيضًا الآن النـ.ـد.م والحـ.ـز.ن على أشياء لم تكن بيدها أن تفعلها أو لأ
أنها كانت مغيبة عن الواقع لم تدري ما حدث إلا في الصباح عنـ.ـد.ما وجدت نفسها تنام بين أحضانه وكأنه زوجها الذي تعشقه منذ سنوات ليس ذلك الحقير الذي سـ.ـجـ.ـنها داخل الجزيرة وفعل بها ما لم يفعله أحد
ارتجف جسدها من شـ.ـدة البكاء وحاصرها النـ.ـد.م والألم على قلب بات لا يدري ما السبيل في الخلاص من كل هذا العـ.ـذ.اب وما السبيل في الوصول إلى طريق النور ليعرف أين تكون وجهته..
دلف إلى الغرفة بهدوء نظر إليها وجدها تعطي إليه ظهرها تجلس على الفراش مُنحنية على نفسها، لم يدرك ما الذي تفعله فأغلق الباب وتقدm إليها وجدها تتمسك بالهاتف مغيبة عن الواقع تنظر إلى صورة شقيقه الراحل وعينيها تأتي بالدmـ.ـو.ع وكأنه شلال يخرج من نهر منسوب المياة به عالي..
ظل واقفًا ينظر إليها وهي لا تشعر بوجوده معها يتابع نظراتها النادmة وبكائها الغريب وتلك الشهقات المباغتة التي تخرج منها.. لأول مرة تقع أمامه هكذا لأول مرة يرى بكائها بهذه الطريقة وضعفها هذا
دائمًا كانت تقف صلبة شامخة أمامه وكأنها جبل من الثلج ولكن الآن يبدو أن هناك بركان فار فوقه فانصهر وأصبح مياة جارية كتلك التي تجري على وجنتيها دون توقف..
علم أنها نادmة على ما حدث بينهم، تلك النظرات والبكاء هذا لا يقول إلا أنها نادmة لم يكن يتوقع ذلك في الحقيقة فهي كانت لينة سهلة معه وهي من دعته دعوة صريحة ليأخذها بين أحضانه ولتكن ملك له برضاء تام منها وهو لم يفعل أي شيء سوى أنه لبى هذه الدعوة وقام بفعل دوره كما توجب عليه كرجل..
الآن بعد ليلة رفعت بها رايات الحب والغرام مستسلمة بها شعارات الكراهية والبغضاء تبكي نادmة على ما فعلته، تبكي نادmة على شعور بالذة والهوى ساحبًا إياها معه بين السحاب تتمسك بيده وتشعر لأول مرة منذ خمس سنوات بالحب..
يا لها من غريبة وغـ.ـبـ.ـية، لقد توفى شقيقه، رحل عن عالمهم منذ الكثير وهي الآن أصبحت زوجته والعلاقة بينهما تتحسن وهو ترك لقلبه القرار فإن كان يريدها أو لأ فما الذي تفعله الآن!..
شقيقه أفضل منه! كيف أفضل منه وهو الذي أحب ابـ.ـنتها وكأنها ابـ.ـنته هو وعاملها غير كل البشر الذي بحياته حتى أنها أصبحت تعتبره والدها وهي أيضًا بدأ يعاملها أفضل وأفضل بكثير، تعيش بقصر العامري وتتزوج كبير جزيرة مثله، محامي، رجل له وضعه في الدولة وليس في الجزيرة فقط.. رجل يفعل الكثير ولكنها غـ.ـبـ.ـية فقط تراه مجرم قـ.ـا.تل لا يفعل غير ذلك..
فارت الدmاء بعروقه عنـ.ـد.ما بدأ بالمقارنة بينه وبين شقيقه فتقدm منها بعنف وقسوة يجذب الهاتف من يدها فانتفضت بفزع لأنها كانت شاردة الذهن لا تعلم بوجوده..
نظرت إليه باستغراب وهو يقف بغضب وعصبية يظهران عليه فمسحت دmعاتها السائلة وحاولت أن تعود تلك التي يراها دائمًا على الرغم من أنها محتها بضعفها أمامه أمس..
سألها بغلظة وهو يضغط على الهاتف بيده:
-أنتي بتعملي ايه
اعتدلت في جلستها على الفراش ونظرت إليه قائلة بصوت خافت وأعين ذابلة من كثرة البكاء:
-مش بعمل
سألها مرة أخرى بقسوة ونظرات عينيه حادة عليها:
-وبتعطي كده لـيـه
استمعت إلى سؤاله وعينيها تنظر إليه ولكنها لن تقوى على الإجابة فصرخ بها وهو يتقدm للأمام:
-ما تردي
لم تجب وظلت تنظر إليه بعينيها الباكية ونظرتها نادmة مُنكـ.ـسرة فقال بحدة يمسك بذراعها:
-بتعيطي علشان نـ.ـد.مانه على اللي حصل بينا مش كده.. أنا جوزك وأنتي مراتي ومن حقي وحلالي أنا
حركت شفتيها باستهزاء تسأله ساخرة:
-أنت تعرف الحلال والحـ.ـر.ام
ضغط على ذراعها بين قبضته بضراوة وصرخ أمام وجهها بعنف واستمـ.ـا.ته وهو يدافع عن حقه بها:
-لأ معرفوش بس عندك أنتي بقى وهعرفه أنتي حقي أنا مش حقه هو.. يونس مـ.ـا.ت من زمان أنتي دلوقتي مراتي
تابعت نظراتها نحوه وأجابته بشراسة وعناد وصوتها يرتفع أمامه:
-يونس مـ.ـا.ت صحيح لكن عايش في قلبي
نهشت الغيرة قلبه وفارت الدmاء بعروقه من حديثها الذي تفوهت به عن شقيقه وهي زوجته هو، ثار غضبه عليها فترك يدها وتدm بكفه فجأة صافعًا إياها بعنف فقد أهانت رجل وحتى لو لم تكن تبغاه..
صدح صوته أمام وجهها وتبعثرت أنفاسه عليها بعد أن جذبها من خصلاتها لتنظر إليه بعمق:
-محدش ليه الحق يبقى في قلبك غيري أنا.. أنا جوزك
ثار بركان غضبها هي الأخرى بعد صفعته لها مرة بعد مرة أنه رجل غير متحضر مختل، صرخت بوجهه بعدmا كانت أصبحت علاقتهم تتحسن:
-أبعد ايدك عني أنت حـ.ـيو.ان
لم يصغي إلى ما تقوله بل أكمل هو بمنتهى الغرور والعنجهية يطنعها بقلبها ويطعن قوتها وأنوثتها كما طعنته الآن بسكين الغيرة:
-لو كان يونس عايش في قلبك مكنتيش رمـ.ـيـ.ـتي نفسك عليا بالشكل ده
ضـ.ـر.بته بقبضة يدها الصغيرة بصدره وهي تنفي حديثه قائلة بعصبية:
-أنا مرمتش نفسي أنت كـ.ـد.اب.. أنت اللي قربتلي
أكمل بنظرات حادة وصوته خافت أمام وجهها يخرج كالفحيح ناظرًا:
-وأنتي عملتي ايه؟ كنتي موافقة ولا لأ كل حاجه حصلت كانت برضا منك مش بالغـ.ـصـ.ـب جاية دلوقتي تعيطي عليه ونـ.ـد.مانه
أومأت إليه برأسها ونظرت إليه بتحدي وقوة تماثل نظراته نحوها:
-آه نـ.ـد.مانه
سخر منها وهو يبتسم بزاوية فمه ثم ضغط على خلاصتها السوداء الطويلة وهو يجذبها أكثر لتقترب منه وأردف يكمل حديثه بثقة كبيرة وتأكيد ونبرته القاسية تضعي على كل شيء:
-لأ مش عندي.. النـ.ـد.م ده مش عندي يونس تنسيه تطلعيه من دmاغك يا غزال الله وكيل لو ما اتعاملتي باحترام وعرفتي إنك متجوزة هوريكي وش اوسـ.ـخ من اللي شوفتيهم وأنتي عارفه أنا مبتوصاش
أكمل وهو يُشير بيده المُمسكة بالهاتف التي كانت بها الرصاصة ولكنه فك رباطها فقط يلتف الشاش حول ذراعه.. أشار على قلبها يمثل ما يقوله بغلظة وخشونة:
-ولو كان في قلبك زي ما بتقولي.. فقلبك ده أنا اخلعه من مكانه بأيدي أشيل منه يونس وارجعه مكانه تاني
تابع وهو يقترب أكثر من شفتيها قائلًا بخبث:
-حطي الكلام ده في عقلك.. أنا جوزك واللي حصل بينا هيتكرر كتير علشان ده حقي.. وحقك
صرخت بوجهه وتناثرت أحرف كلمـ.ـا.تها عليه وهي تقول بعنف وشراسة:
-مش عايزة من وشك حاجه يا جبل.. مش عايزة
ابتسم إليها بثقة وأومأ برأسه قائلًا بمكر:
-لأ عايزة يا غزال.. عايزة وأنا شوفت ده بنفسي
علمت ما الذي يتحدث عنه ولكنها لا تستطيع أن تظهر الضعف إليه وتثبت أن حديثه صحيح فقالت مُتسائلة بسخرية وتهكم محاولة مداراة ضعفها:
-شوفته إزاي بقى
حرك عينيه الخضراء على وجهها وأخفى ذلك الرعـ.ـب الذي يتكون داخلها ويبعثه إليها في كل نظرة منه ظاهرًا فقط الخبث والمكر وهو يهتف بصوت خافت حنون يتذكر كل ما حدث بينهم في شريط سريع على عقله:
-شوفته امبـ.ـارح في كل لمسة وهمسة خرجت منك وأنتي معايا.. تحبي أقولك أكتر شوفته إزاي
حركت يدها وحاولت دفعه للخلف ولكنه كان مُتمسك بخصلاتها بقوة فصاحت به بعد أن خانها عليها حديثه:
-سيبني يا جبل
تابع ضعفها الذي تحاول إخفاءه ونظر إلى عينيها التي تحاول الهرب منه فقال بصوت رخيم ينظر إليها:
-أول مرة اسمي يبقى حلو كده
رفعت عينيها عليه بغرابة وذهول فصاحت قائلة:
-أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن ومختل
دفعها للخلف فأبتعدت على الفراش ألقى الهاتف جوارها وأبتعد هو الآخر يقف مستقيم شامخ وقال بثقة وتأكيد:
-بس أنتي لسه مشوفتيش جنون
نظرت إليه بعينين متحيرة، قسوة قلبه تشبه نهر ارتفع منسوب المياة به فأحدث فيضان ومـ.ـا.ت الجميع بسببه، ورحمته تشبه نفس ذلك النهر الذي ارتفع منسوبه فأحدث فيضان وارتوى منه الجميع وكان سبب في احيائهم بعد جفاف حل لسنوات..
من هو بينهم!..
أبتعد عنها يفتح خزانة الملابس الخاصة به ليصل إلى خزنة أوراقه وماله الموضوعة بها يتذكر نظراتها الشرسة والضعيفة..
امرأة قوية شرسة تشبه الجواد الذي يُسير راكضًا يعبر الحواجز بتفوق ليفوز على الجميع يصعب ترويضه والوقوف إلى جواره..
ولحظة أخرى بنظرات ضعفها وحـ.ـز.نها تشبه نفس الجواد الذي خرج خاسرًا بعد أن فاز عليه الفارس الذي روضه وأصبح ملك له..
ابتسم بمكر وهو يدرك جيدًا أنها ذلك الجواد الذي سيروضه ويصبح ملك له.. كل الإشارات تقول ذلك وهو يعشق التحدي واللعب بهذه الطريقة وإلا لم يكن الآن "جبل العامري"
❈-❈-❈
منذ اليوم الذي تلقى به جبل تلك الرصاصة وهو يمنع دخول أو خروج أي شخص من الجزيرة إلا عنـ.ـد.ما يعلمون من هو جيدًا والحراس على كل مدخل ومخرج بالجزيرة، يلتفون حول القصر ليلًا نهارًا خـ.ـو.ف من حركة اغتيال أخرى قد تصيب أحدهم..
إلى أن وجدوا ذلك الخائن الذي قام بإطـ.ـلا.ق النار عليه ملقى في الغابة بعد أيام فلم يستطع الخروج منها ولا الاختباء بها..
عثر عليه الحراس أثناء بحثهم مرة أخرى كما أمرهم وفي هذه المرة قاموا بالإمساك به ولكنه كان بحاله سيئة متدهورة للغاية.. بضعة أيام دون طعام أو شراب في الغابة تحت أشعة الشمس الحارقة لا يخفيه عنها سوى أوراق الشجر، والخـ.ـو.ف ينهش قلبه ليلًا كلما استمع إلى أصوات الذئاب يصعد على أغصان الأشجار كي يبتعد عن أعينهم..
الآن بعد اتخاذ الأوامر هو ملقي على مقعد داخل الجبل في تلك الغرفة التي رأتها "زينة" مليئة بأدوات التعذيب يلتف حول جسده والمقعد معًا سلاسل حديدية تعيق حركته..
نظر إليه جبل وهو يقف ومعه حراسه، رفع يده إلى أحدهم يشير إليه فقام بالتلبية حيث أمسك بجردل مياة ثم ألقاه على ذلك مغمض العينين الذي أمامهم..
استفاق مفزوعًا ينظر إليهم واحد تلو الآخر واستقر بنظراته على "جبل العامري" ابتلع تلك الغصة التي تشكلت بحلقة وهو ينظر إليه خـ.ـو.فًا ورهبتةً منه
أشار "جبل" بيده مرة أخرى فاتى إليه أحدهم بمقعد آخر ثم وضعه أمامه، أمسك "جبل" بالمقعد وقام بعكسه ليجلس عليه جاعلًا ظهره للأمام ووجه للخلف، نظر إلى الرجل ونظراته جميعها لا تعبر إلا عن الشر..
أردف متسائلًا وكأنه يجلس بقاعة محاكمة:
-اسمك وسنك
اجابه الآخر بعدmا ابتلع لعابه وهو ينظر إليه بفزع فالمكان الذي به وهولاء الراجـ.ـل وذلك كبيرهم يجعلونه يشعر بالرعـ.ـب:
-شكري مهران.. أربعين سنة
رفع أحد حاجبيه وقال بجدية وهو ينظر إليه بحدة:
-مهران.. يعني مش من العوامرية
أومأ الآخر إليه قائلًا وجسده يرتجف:
-لأ يا بيه
ثبت "جبل" نظرته عليه واستند بيده الاثنين على ظهر المقعد من الأعلى يقول بغلظة:
-مين اللي وزك تعمل اللي عملته
أجابه الآخر بصوت مرتفع وملامح صارخة بالرعـ.ـب:
-محدش وزني
حرك جبل لسانه داخل جوفه وأردف يسأله بجدية وعيونه لا توحي بالخير أبدًا:
-ليك طار عندي
حرك رأسه بالنفي قائلًا:
-لأ يا بيه
صدح صوت "جبل" الصارخ بوجهه بعنفوان وشراسة وعينيه مثبتة عليه تنظر إليها تبعث بجسده الخـ.ـو.ف والارتعاب:
-اومال جالك الوحي تضـ.ـر.بني بالنار يا روح أمك
تدلى الخـ.ـو.ف منه وانسابت الدmـ.ـو.ع من عينيه معلنة ضعفة ورهبته:
-يا... يا بيه أنا مقدرش أتكلم أنا عبد المأمور
أجابه الآخر بثقة وقوة وهو يُشير أسفله يكمل حديثه منتهى البرود والهدوء:
-وعبد المأمور لو متكلمش هيندفن مكانه.. ومتقلقش مش هتبقى لوحدك في تحت منك كتير
صرخ به فجأة عنـ.ـد.ما وجده لا يتحدث:
-انطق مين اللي وزك
أجابه بصوت مُرتجف والبكاء يُسيطر عليه بضعف خـ.ـو.فًا على أولاده:
-يا بيه مقدرش.. هيقــ,تــل عيالي
تحدث بقسوة وعنفوان وهو يبعث الرعـ.ـب به أكثر:
-ما أنت بردو لو متكلمتش هقــ,تــلهم أنا.. أنت تسافر وهما هيحصلوك
وقد كان قلبه يدق بعنف وضـ.ـر.باته تشتل خـ.ـو.فًا ورهبةً مما هو به ولكنه قال مرة أخرى:
-يا بيه أنا.. أنا عبد المأمور مقدرش أتكلم
صدح صوت "جبل" بإسم "جلال" ونظراته مثبتة على الرجل أمامه ولم يرف له جفن:
-جلال
أتى جلال بصاعقة كهربايئة قام بتشغيلها ثم وضعها على جسده تحت صراخته المتوسلة لهم بأن يرحمه لأنه قليل الحيلة وليس له يد بما حدث أنه فقط كان ينقذ ما طلب منه مقابل الكثير من المال ليأمن به حياة أبنائه الفقيرة..
أبتعد عنه جلال عنـ.ـد.ما شعر أنه يفقد صوابه فنظر إليه جبل قائلًا بقسوة وشر وهو يبتسم بلا مبالاة:
-قبل ما نسفرك هنستعمل عليك كل الحاجات دي.. عايزين نجربها
تدلى رأس الرجل على جسده بضعف فلم يعد يتحمل كل ما يحدث به ولم يشفع له سنة الكبير عنهم جميعًا..
فقال "جبل" مرة أخرى ولكن ما قاله خرج منه بقذارة وتفكيره منحدر نحو الهاوية:
-ولو عندك بنات قبل ما يسافروا ليك بردو الرجـ.ـا.لة تجرب عليهم حاجات تانية
رفع رأسه سريعًا عنوة عنه وهو لا يستطيع ولكنه صرخ عاليًا وارتجاف جسده لم يهدأ:
-لأ... لأ هتكلم بس تدوني الأمان أنا وعيالي
أومأ إليه بثقة:
-خدته.. أتكلم
سأله بخـ.ـو.ف وعدm ثقة:
-خدته إزاي يعني
أكمل بصرامة وقوة:
-كلمة جبل العامري أمان وسيف.. أتكلم
استرسل الرجل في الحديث يسرد عليه من أمره بفعل ذلك ولما قد يفعل:
-اللي خلاني أعمل كده واحد اسمه طاهر أداني فلوس كتير علشان عيالي وقالي اضـ.ـر.بك بالنار.. أنا شغلتي اخـ.ـو.ف حد أعمل لحد عاهة لكن ممـ.ـو.تش بس الفلوس غوتني
أكمل بجدية وهو ينظر إليه:
-قالي محدش في الجزيرة يقدر يعملها مافيش غيري وافقت
سأله ناظرًا إليه وهو يعلم أن الخائن مازال في الجزيرة أو مجموعة الخائنين لـ "جبل العامري":
-دخلت الجزيرة إزاي
اجابه بصدق وجدية فلم يكن يعلم حقًا:
-أنا معرفش يا بيه هو اللي امنلي طريق الدخول من النيل ومشيت فيها كأني واحد من العوامرية
أومأ إليه برأسه ثم نظر إليه وباغته بسؤاله الذي استغربه الجميع:
-دفعلك كام
قال الرجل بخـ.ـو.ف:
-عشرين ألف
صرخ جبل في وجهه حتى أنه افزعه وهو يقول بعد ذلك بمنتهى البرود والنرجسية:
-غـ.ـبـ.ـي.. حياة جبل العامري بعشرين ألف بس!
وقف على قدmيه ليخرج من الغرفة وهو يقول بقسوة ضارية:
-علموه الأدب وارموه في النيل يا إما حد لحقه يا إما غرق
صرخ الرجل عليه وهو يراه يخرج من الغرفة بعد أن أعطى الأوامر القـ.ـا.تلة له:
-جبل بيه أنت ادتني الأمان يا جبل بيه
استدار ينظر إليه بعينين ثابتة مخيفة لكنه قال باستهزاء:
-تصدق.. كنت ناسي، تحب تخرج عن طريق الغابة ولا النيل
قال بتـ.ـو.تر وهو ينظر إليه:
-اللي تشوفه يا جبل بيه
أبتعد إلى الخارج وتركه لا يدري ما الذي سيحدث له، وقف مع "عاصم" في الخارج وهتف بنبرة حادة:
-الخونة كترو في الجزيرة يا عاصم.. مش هنعرف نسيطر ولا ايه
تفوه "عاصم" بالحديث الجاد مثله وهو يحاول أن يجعله يشعر بالاطمئنان ولو قليل على الرغم من أن الوضع لا يسمح:
-من بكرة الصبح هطلع حراس يلفوا في الجزيرة كلها من شرقها لغربها وأي حد خـ.ـا.ين معروف مصيرة ايه
قال بقوة وهو يسير بيده إلى الداخل:
-غورو الراجـ.ـل ده بس علموه الأدب الأول..
ثم أكمل بقسوة وصرامة ونظرات عينيه مخيفة للغاية ولكن كلمـ.ـا.ته كان لها مغزى واضح وصريح:
-عايز الجزيرة كلها تعرف أننا قــ,تــلناه
أومأ إليه "عاصم" وقد أدرك ما الذي يريد الوصول إليه:
-تمام
أبتعد يخرج تاركًا إياهم معه يفكر في ذلك "طاهر" الذي لا يريد أن يرحم نفسه من يدي "جبل" هو من يحفر قبره بيده ويسارع متعجلًا بالولوج إليه.. يا له من غـ.ـبـ.ـي..
❈-❈-❈
"بعد مرور عدة أيام"
جلست شقيقتها جوارها على الفراش في غرفتها نظرت إليها بعينيها الزرقاء مطولًا بعمق وشفتيها تود التحرك بالحديث ولكنها تعود عنه..
رفعت "زينة" وجهها إليها وهي تعلم أنها تود قول شيء منذ أن جلست معها فقال بجدية ناظرة إليها:
-اتكلمي قولي اللي عايزة تقوليه
رفعت عينيها وبقيت أمام سوداويتها مباشرة متسائلة باستغراب:
-عرفتي منين إني عايزة أقول حاجه
ابتسمت برفق قائلة بهدوء:
-شكلك بيقول إن في كلام جواكي ومش عارفه تطلعيه
خرجت الكلمـ.ـا.ت منها بعفوية تامة وهي تتابعها تتسائل:
-أنتي إزاي حبتيه بالسرعة دي
للحظة بقيت بعينيها تنظر إليها تحاول أن تفهم ما الذي تقصده وما الذي تتسائل عنه، ما يأتي على خلدها لم تكن تصدقه فقالت:
-هو مين ده اللي حبيته
اجابتها بهدوء وثقة:
-جبل
استغربتها كثيرّا واستنكرت حديثها فتابعت هي الأخرى تتسائل مضيقة عينيها عليها:
-حبيته! مين قال إني حبيته
اعتدلت في جلستها أمامها وأردفت قائلة بجدية شـ.ـديدة ما تراه أمامها:
-أنا حاسه بكده.. نظراتك في الفترة الأخيرة ليه كلامك معاه سكوتك عن قعدتنا هنا مع أنك كنتي رافضة أوي وعد اللي سيباه ياخد مكان يونس في حياتها
قالت هي الأخرى بجدية وقوة توضح لها ما تفعله معه وأن كان حب أو لا:
-نظراتي وكلامي معاه ميقولوش إني بحبه أبدًا هو يمكن في الفترة الأخيرة فعلًا اتغيرت شوية بس ممكن تكون شفقة أو حـ.ـز.ن عليه.. على قد ما هو صعب زي ما أنتي شايفة بس عادل وبيعرف يتصرف وأتاخد على خوانة
أشارت بيدها بقلة حيلة وعدm معرفة وهي تقول:
-بالنسبة لحكاية قعدتنا هنا فأنا دلوقتي مـ.ـر.اته ومش عارفه هنمشي امتى ولا هاخد حقي ولا لأ ووعد دي الحاجه الوحيدة اللي ممكن أكون مبسوطة بسببها
أكملت وهي تعلم أن دوره في حياة ابـ.ـنتها الشيء الوحيد الجيد الذي يفعله معهم وهذا سبب من الأسباب الذي تدفعها للتكملة معه فقط لأجل ابـ.ـنتها:
-وعد اتحرمت من يونس بدري وبقت يتيمة أنا شايفة جبل بيعوضها وبياخد دور أبوها علشان تعرف تعيش
نظرت إليها شقيقتها للحظات ثم باغتتها بذلك السؤال وهي تتابع عيناها:
-يا ترى هياخد دور جوزك ويقدر يقوم بيه زي ما قام بدور الأب لوعد
حركت كتفيها بعد أن نظرت للبعيد تفكر في كلمـ.ـا.تها التي دلفت قلبها مباشرة وعقلها لم يتركها دون التفكير بها:
-معرفش
سألتها مرة أخرى:
-لو عمل ده هتفضلي معاه!
وقفت "زينة" على قدmيها تبتعد عنها تسير في الغرفة تعطي إليها ظهرها وحقّا لا تستطيع تحديد موقفها تجاهه:
-معرفش بردو.. بس في حاجات كتير أوي تمنعني أعمل كده.. الجزيرة بيحصل عليها حاجات مقدرش استحملها وهو بيعمل حاجات......
بترت حديثها عنـ.ـد.ما علمت أنها تدلف باشياء لا تدري بها شقيقتها ومن المفترض ألا تدري بها أبدًا.. سألتها هي بعدmا قطعت حديثها بفضول:
-بيعمل ايه كملي!
حاولت التغاضي عما كانت ستتفوه به وقالت كلمـ.ـا.ت أخرى حقيقة للغاية تعـ.ـذ.بها عنـ.ـد.ما تدرك أنها لا تفهم شيء ولا تستطيع الاختيار:
-بيعمل تصرفات غريبة وحاجات أغرب مش فهماه مش عارفه هو الخير ولا الشر مش عارفه أقدر أكمل على الجزيرة وأشوف نهايتها ولا مش هستحمل
سألتها بثقة:
-أقولك أنا!
أومأت إليها قائلة:
-قولي
أردفت بتعقل وكلمـ.ـا.ت عقلانية لم تعتقد أبدًا أن تخرج منها يومًا ولكنها كانت تعلم أكثر بكثير مما تعلم به شقيقتها وواجهتها باشياء لا تستطيع حتى التفكير بها:
-هتكملي معاه، عيونك بتقول إنك محتاجه ده.. يمكن أنا صغيرة وساذجة ومعرفش أتصرف من غيرك في أي حاجه وأنتي كنتي الأمان ليا بس أنتي محتاجة أمان لنفسك من بعد يونس ومش هيكون غير جبل
نفت ما تقوله بقوة وبغض:
-أكيد لأ.. أنا مقدرش أكون الإنسانة اللي موجودة معاه بجـ.ـسمها بس كمان في ظل الظروف دي
سألتها ثم أجابت هي أيضًا بثقة وتأكيد:
-ومين قال كده.. أنتي هتبقي معاه بقلبك
وضعت يدها على موضع قلبها وتذكرت زوجها "يونس" الذي قامت بخيانته مع شقيقه ومحت كل ذكرياته من عقلها في تلك الساعة المشؤومة:
-قلبي مفيهوش غير يونس وبس حتى وهو مش موجود
وقفت "إسراء" هي الأخرى وتقدmت منها تضع كف يدها على كتفها وقالت برفق ولين:
-يونس الله يرحمه من خمس سنين أظن قلبك حل عليه الجفاف ومستني اللي يرويه
استدارت زينة تنظر إليها باستغراب جلي وذهول لكل ما تفوهت به حتى الآن فهذه ليست شقيقتها:
-أنتي جايبه الكلام ده منين
ابتسمت إليها بهدوء وتفوهت قائلة بكلمـ.ـا.ت أكثر تعقل ولكن نبرتها كان ينبع من داخلها كل معنى تقوله ويظهر على تعابيرها مع كل كلمة تغيرها من حب إلى اشتياق إلى لهفة وكأنها واقعة في الحب حقًا:
-كلام أغاني.. بس حقيقة.. القلب محتاج حنان وأمان وابتسامة وفرحة ولهفة وغيرة واشتياق وكل ده بيجي من الحب والشخص اللي بتحبيه حاليًا الشخص اللي بتحبيه أنتي مش موجود من مدة طويلة أظن قلبك هيلين مع أول واحد يدق بابه علشان يرجع يعيش كل الحاجات دي
وجدت "زينة" تنظر إليها دون حديث تحاول فهم كيف أدركت كل هذا في أسابيع فقط مضت عليهم هنا فابتسمت أكثر اتساعًا وقالت لها:
-متستغربيش من كلامي ده الحقيقة.. قولتلك أنا صغيرة وساذجة بس فاهمه اللي قدامي وفاهمه الحب
سألتها هذه المرة وأخذت دورها قائلة بجدية ونظراتها مُثبتة عليها:
-وفهمتي الحب منين يا إسراء
للحظة ترددت ووترتها تلك النظرات التي تخرج من أعين شقيقتها تجاهها ترمي عليها أسهم الشك ولكنها هـ.ـر.بت من ذلك قائلة:
-هيكون منين غير المسلسلات التركي اللي بسمعها
أومأت إليها برأسها قائلة بسخرية:
-ماشي ياست ياللي فاهمه الحب
لم يعجبها نبرة السخرية والتهكم التي خرجت منها فقالت بجدية وثقة:
-بكرة تقولي إن كلامي صح وحقيقي
حركت كتفيها إليها قائلة:
-جايز.. وجايز لأ بردو
واحدة منهم وقع قلبها أسيرًا للحب في جزيرة العامري، اعترفت به أمام نفسها بعد خجل دام كثيرًا عنـ.ـد.ما تشتعل وجنتيها بالحمرة أثناء حديثه معها، وعنـ.ـد.ما يغليها التـ.ـو.تر وهو ينظر إليها، وعنـ.ـد.ما تتعلثم في الحديث أثناء النظر إليه..
بينما الأخرى إلى الآن لا تدري ما الذي تشعر به تجاهه، لحظات تشعر بالبغض والكراهية ولحظات أخرى تشعر بالشفقة عليه ولحظات غير كل هذا تشعر بأن هناك شرايين في قلبها تتحرك تجاهه!..
هل تخفي جزيرة العامري أسرار بعد!.
❈-❈-❈
خارج القصر أمام بوابته الحديدية الخارجية وقفت فتاة في ربيع عمرها تغرق الدmـ.ـو.ع وجهها ونهش الحـ.ـز.ن ملامحها مع نحافة وجهها وجسدها على الرغم من أنها جميلة بيضاء البشرة ذات خصلات حريرية تخرج من أسفل حجابها الغير مهنـ.ـد.م تتحرك رافعة تلك العباءة الكبيرة عليها تدق بيدها الاثنين على البوابة من الخارج تصرخ بعنف باسم "جبل العامري"
صرخت بصوتٍ عالٍ وهي تدق بيدها تطلب النجدة:
-جبل بيه.. الحقني يا جبل بيه
لم تجد إجابة من أحد في الداخل فـ أشتد البكاء عليها وأخذت تدق بقوة أكثر صارخة:
-افتحولي البوابة دي أنا عايزة أشوف جبل بيه
مرة أخرى تكرر النداء ولا أحد يلبي إليها:
-يا جبل بيه اسمعني
فتح "جلال" البوابة وطل منها صارخًا بوجهها بصوتٍ خشن قاسي:
-في ايه يا بت أنتي
ما أن فُتحت البوابة حتى ركضت إلى الداخل بعدmا دفعته بيدها وتسللت من جواره سريعًا فصاح بسبها وهو يركض خلفها:
-يا بت الكـ.ـلـ.ـب.. اقفي عندك يابت أنتي
وقفت عند البوابة الداخلة وسارت تدق مرة أخرى تكرر ما كانت تفعله بالخارج ولكن "جلال" أعاق حركتها وهو يقوم بالإمساك بها:
-جبل بيه.. يا جبل بيه الحقني الله يخليك
نظرت "زينة" إلى "جبل" الذي كانت تجلس جواره في غرفة الصالون وبينهما ابـ.ـنتها:
-في ايه
لم يكن يدري ما الذي يحدث فأردف بعدm معرفة:
-مش عارف
وقف على قدmيه وسار للخارج.. فوقفت زينة خلفه مُشيرة لـ "إسراء" و "وعد" بالبقاء في الداخل وذهبت هي لترى ما الذي يحدث ومن تلك الصارخة بإسمه
فتح البوابة وطلع منها ليجد "جلال" يتمسك بفتاة من معصمها يجبرها على الرحيل، تقدmت زينة هي الأخرى تنظر إليه وصرخت به بعنف بعدmا استفزها ما يفعله معها وتذكرت موقف شقيقتها:
-ايه الجنان ده هو بيعمل ايه قوله يسيبها
نظر إليها "جبل" بقوة لأجل صوتها المُرتفع الصارخ ولكنها لم تهدأ عاصفتها ونظرت إليه بتحدي فأبتعد بعيناه إلى الآخر يأمره:
-جلال.. سيبها
تقدmت منه الفتاة مُتوسلة إياه والبكاء يغرق وجهها وتقدmت تقبل يده:
-جبل بيه الحقني يا جبل بيه أبوس ايدك.. أبوس رجلك ساعدني يا جبل بيه أنا تعبت علشان اوصلك
سحب يده سريعًا منها ينظر إليها بعمق واستغراب معًا فالأحداث الآن غريبة للغاية
كاد أن يأمر "جلال" بتفتيشها فهو بات لا يثق بأحد على هذه الجزيرة ولكنه نظر إلى "زينة" عائدًا في حديثه فالرجـ ـل لا ينبغى أن يفعل ذلك..
أردف بقوة وصرامة ناظرًا إليها بجدية:
-زينة.. فتشيها
أقتربت منها "زينة" وقامت بتفتيشها جيدًا والبحث في ملابسها من الخارج عن أي شيء قد يكون معها والأهم من أي شيء قد يكون سلاح فالجميع هنا حتى الأطفال تعتقد أنهم يملكونه..
قالت بثقة وجدية:
-معهاش حاجه
مسحت وجهها بكف يدها وهي تتقدm منه تنظر إليه بخـ.ـو.ف قائلة بصوت يرتعش ومن بين حديثها قالت عن ذلك الرجل الذي علمت به الجزيرة بأكملها:
-والله ما معايا حاجه يا جبل بيه ولا يمكن أذي حد لو مكنش علشان خيرك مغرقنا يبقى خـ.ـو.ف علشان الراجـ.ـل اللي قتـ ـلته لما ضـ.ـر.ب عليك نار
نظرت "زينة" إليه سريعًا عنـ.ـد.ما أتمت حديثها، بقيت عينيها عليه مستغربة للغاية وخائفة إلى ما لا نهاية، مرة أخرى يقـ ـتل رجل آخر! الأول كان خائن والثاني حاول اغتياله! لما القـ ـتل عنده شيء سهل إلى هذه الدرجة.. لما قـ ـتل الأرواح كقـ ـتل الطيور القابلة أن تصبح للطعام..
علم ما تفكر به زوجته عنـ.ـد.ما أطالت النظر عليه وعينيها تتسائل بألف سؤال كل دقيقة، سأل الفتاة بغلظة:
-أنتي مين وعايزة ايه
أشارت إلى نفسها وهي تقول بلهفة وحـ.ـز.ن وكلمـ.ـا.تها تخرج من بين شفتيها بـ.ـارتعاش وكأن هناك من يلاحقها إلى هنا:
-يسرية أنا يسرية العامري من الجزيرة واقعة في مشكلة هتطير فيها رقاب يا جبل بيه محدش غيرك يقدر يحلها
سألها مرة أخرى مُضيقًا عينيه عليها:
-مشكلة ايه دي
نظرت حولها ورأت "زينة" و "جلال" فقالت بتردد:
-أتكلم كده
أومأ إليها قائلًا بكلمـ.ـا.ت تخرج منه بعفوية:
-دي مراتي اتكلمي
تلبكت أكثر وهي تنظر إليها قائلة برفق تصلح ما أخطأت به ولكنها بقيت خائفة:
-أهلًا يا هانم زادني الشرف والله.. بس
فهم "جبل" ذلك فنظر إلى الآخر الذي يقف خلفها وأشار إليه بيده ليرحل:
-روح أنت يا جلال
تغاضت "زينة" عما برأسها وعقلها الذي تنهش به الأسئلة والتوقعات ناظرة إليه بعدmا اشفقت على حالة الفتاة فلم تستطع النظر إليها وهي هكذا:
-ممكن تخليها تدخل؟ شكلها خايفة ومتبهدلة
أومأ إليها ومازال يشعر بالخـ.ـو.ف منها أن تأذي أحدهم ولكنها أن فكرت فقط لن تخرج من هنا بقطعة واحدة كاملة في جسدها:
-ماشي دخليها المكتب وخدي بالك أنا جاي
ذهبت معها إلى الداخل بهدوء تأخذها إلى مكتبه الخاص داخل القصر، جعلتها تجلس أمام المقعد على أحد المقاعد المقابلة له وجلست قابلتها قائلة بفضول تحاول أن تعلم ما بها:
-أنتي مالك.. ايه مشكلتك وليه شكلك عامل كده
تطلعت نحوها الفتاة ببعض من الاستغراب وهي تسألها:
-كده إزاي يا هانم
قالت "زينة" بعقلانية تشبهها بالوردة المنزوعة من مكانها قبل الأوان فذبلت إلى أن أصبحت هكذا:
-دبلانة كأنك وردة مقطوفة من مكانها
أومأت إليها وهي تتقدm في جلستها على المقعد لتقترب منها وهي تقول بلهفة وخـ.ـو.ف:
-أنا مخـ.ـطـ.ـوفة فعلًا يا هانم ومشكلتي كبيرة وعويصه ومحدش يعرف يحلها ولا يدي فيها أمر غير جبل بيه
أكملت مرة أخرى بتوسل عنـ.ـد.ما وجدتها تنظر إليها ببلاهة:
-قوليله يسمعلي ويساعدني يا هانم
تفوهت "زينة" بثقة تتحدث عنه بعدmا رأت موافقة النبيلة مع الناس هنا على الجزيرة ووقوفه إلى جوارهم:
-أكيد هيساعدك من غير ما أقوله
أكملت الفتاة مرة أخرى وهي تعتقد أنه لن يساعدها ولن يستمع إليها من الأساس مُعتقدة أن زوجته هي من تجعله يستمع إليها ويساعدها:
-لو موافقش كلمة منك يا هانم استسمحك بيها
قالت بجدية بعدmا اختنق صدرها من هذا اللقب الذي يجعلها تشعر بالغرابة منهم وكأنهم يعيشون في العصور القديمة عندنا كان هناك ملوك وعبيد:
-اسمي زينة مش هانم
وضعت كف يدها على صدرها وتشـ.ـدقت بحركة غريبة بفمها لم تحاول حتى استيعابها وقالت:
-المقامـ.ـا.ت محفوظة يا هانم
حركت رأسها بيأس من هؤلاء البشر الذين يجعلونها شخص غير الذي هي عليه
دلف جبل إلى الغرفة بجدية يُسير شامخ وطوله فارع، أقترب إلى أن جلس خلف المكتب أمامهم هما الاثنين ثم نظر إلى الفتاة قائلًا بخشونة:
-اتكلمي في ايه
مسحت عبراتها واعتدلت تنظر إليه هو قائلة بتعلثم والكلمـ.ـا.ت تقف على بابا شفتيها خجلًا:
-أنا.. أنا بحب واحد يا جبل بيه
صمتت للحظات وهو ينظر إليها هو وزوجته ينتظر أن تكمل ما بدأته، بقيت صامته فصاح هو ساخرًا منها ثم أكمل بسخط:
-دي المشكلة اللي جايه علشانها.. عايزة اجوزهولك ولا ايه.. أنتي بتهرجي
نظرت إليه الأخرى وقالت بهدوء تحسه على الاسترخاء كي يستمع إلى الفتاة بهدوء ولا يخيفها فيكفي ما به:
-بالراحه يا جبل
لم يصغي إلى حديثها وصاح بعنف وغلظة وهو يقترب إلى الأمام:
-اتكلمي يا بت
أردفت بجدية تقص عليهم ما حدث معها والدmـ.ـو.ع بدأت في الخروج مرة أخرى من عينيها وهي تحكي ما حدث:
-كنت بحب واحد يا جبل بيه.. وهو كان بيحبني آه والله كان بيحبني يا هانم.. جه اتقدmلي أكتر من مرة أبويا وأخويا رفضوا الجوازة علشان عايزينه عنده ملك على الجزيرة..
لوعة الحب احرقتها وناره استوت عليها والحرقة بقلبها تحكي بها وتظهر عليها واللهفة تتحدث قبل منها متحدثة بمعانتها:
-مكانوش يعرفوا إني بحبه ولا حتى أعرفه هو كان جاي على أساس السيرة والسمعة وسؤاله عني وعن أهلي في الجزيرة ومحدش يعرف اللي بينا بس رفضوا مرة واتنين وتلاته وأنا بحبه يا بيه
مرة أخرى يسخر منها بعدmا توقفت عن الحديث:
-وبعدين مش فاهم أكلمهم يعني يجوزهولك ولا ايه
نفت ما قاله وصمتت لحظة ثم أردفت متعلثمة بخجل تخفض وجهها إلى الأرضية بعيد عنه:
-لأ يا بيه أنا.. أنا اتجوزته من وراهم
رفعت بصرها إليه مرة أخرى بعدmا أشتد الحـ.ـز.ن بها وهي تتذكر آخر ما حدث بينهم وما القادm معهم:
-أبويا وأخويا غـ.ـصـ.ـبوا عليا بغيره وأنا ريداه هو اتجوزنا عـ.ـر.في ودلوقتي هما عرفوا حالفين يقــ,تــلوني ويغسلوا عاري ويقــ,تــلوه هو كمان علشان أتجرأ وعمل كده
وقفت على قدmيها وهي تحاول الإقتراب منه تتوسلة بكل ما بها وتبكي بحرقة كبيرة ظهرت عليها منذ أن دقت على البوابة في الخارج:
-الله يرضى عليك يا جبل بيه ويخليلك الهانم ويرزقك بالذرية الصالحة تقف معايا أنت بس اللي تقدر توقفهم أبعدهم عني وعنه يا بيه
تابعها بنظراته الحادة وكلمـ.ـا.ته التي تخرج بجدية تامة:
-أبوكي اسمه ايه وقاعدين فين في الجزيرة
أجابته بإسم والدها ومنطقة مكوثهم وهي تبتسم ببطء بعدmا بعث الأمل إليها بأنه سيساعدها ويقف إلى جوارها ويبعدهم عنها وعن حبيبها وزوجها الذي لم يتخلى عنها إلى الآن..
-كمال جابر العامري في شرق الجزيرة
أومأ برأسه إليها بهدوء مقررًا مساعدتها وأن يمنع ما يريد والدها فعله في وجوده على الجزيرة فكان سيبعث أحد الحراس إليه ليأتوا به إلى هنا ولكنه استمع إلى أصوات في الخارج عالية تصل إليهم فوقف سريعًا ليخرج يرى ما الذي يحدث..
عنـ.ـد.ما خرج من بوابة القصر وجد رجل في عمر الخمسين وشاب في الثلاثين يقف جواره يمسك السلاح بيده رافعة للأعلى..
تقدm منهم "جبل" ونظرات عينيه على ذلك الشاب الذي بعدmا رآه ظل على وضعه رافعًا السلاح كما هو ولم يهابه حتى..
وقف أمامهم وتحدث بقوة وحزم:
-أنت واقف جوا ملك العامري ورافع السلاح!
قدm والده يده ليخفض يد ابنه الممسكة بالسلاح وتفوه قائلًا بدلًا عنه بتـ.ـو.تر:
-سماح يا جبل بيه مخدش باله
تابع ونظراته على الشاب ووضع يده الاثنين في جيوب بنطاله ووقف ببرود كما المعتاد منه:
-لأ ياخد باله وإلا العواقب مش هتبقى كويسه أبدًا
صاح الآخر بضجر وحنق وهو ينظر إليه:
-عواقب ايه إحنا جاين ناخد أختي ونغسل عارها إحنا عارفين أنها هنا
أومأ إليه برأسه بمنتهى البرود واللا مبالاة يؤكد على حديثه ثم أكمل بثقة وعنجهية:
-آه هي هنا.. بس قولي أنت تقدر تاخدها من غير أذني ولا هي ممكن تخرج معاك من غير أنا ما أقولها تخرج!
صدح صوته أمامه وهو يقول باستنكار وذهول:
-دي أختي
أجابه بجدية يوضح له من هو أيضًا بالنسبة إليها وإلى أهل الجزيرة ثم ختم حديثه بسخرية:
-وأنا مالك الجزيرة أخوها وأخ لكل واحدة عليها، ابن لكل أم وابن لكل أب وأنت شكلك كده مش عاجبني
كان الشاب يشعر بالإهانة لأجل ما فعلته شقيقته به وبوالده وكان يقف أمام "جبل العامري" ويعلم من هو وما الذي يستطيع فعله ولكن النار المشتعلة داخله هي من تحركه:
-المفروض أعمل ايه علشان شكلي يعجبك
تقدm منه "جلال" وأمسك به من تلابيب عباءته بعدmا ازعجته نبرة حديثه:
-أنت بتتكلم كده ليه ياض أنت ما تتعدل ولا مش عايز تخرج من هنا حي
أمره "جبل" بهدوء:
-سيبه يا جلال
تقدm منه والده وربت على يده يقول بخـ.ـو.ف وتـ.ـو.تر وهو يحاول تبرير ما يفعله ابنه أمام كبير الجزيرة:
-الحق علينا يا جبل بيه سماح ابني دmه حامي ومقهور من اللي عملته أخته
تهكم عليه وهو يردف بسخرية:
-لأ ماهو واضح
سأل والدها ينظر إليه بجدية وحزم:
-أنت جاي علشان تاخد بـ.ـنتك وتروح تقــ,تــلها هي وجوزها ولا جاي علشان هتسمع الحكم اللي هقوله وهتنفذه
أردف شقيقها بدلًا عن والدها بتسرع:
-جايين ناخدها
أخرج "جبل" يده اليمنى من جيب بنطاله وتقدm منه بعد أن استفزه ذلك الطائش ولكنه لا يريد أذيته، تقدm منه واضعًا يده على عنقه يشتد عليها قائلًا بغضب:
-الله وكيل مرة كمان وهتخرج من هنا عاجز
تحدث والده سريعًا بذعر:
-جايين نسمع حكمك يا جبل بيه واللي أنت عايزة هنعمله
أبتعد عنه ونظر إليه بعصبية وغضب، يُعكر صفوه وهو لا يريد أن يفعل به شيء يبدو أنه متهور ولا يفكر في الأمور قبل فعلها أو الأقدام عليها..
دلف بهم إلى داخل القصر بعد أن أخذ السلاح من شقيقها، تقدm معهم إلى الداخل ليصل إلى مكتبه المتواجد به زوجته والفتاة "يسرية" قبل أن يجعل أحد منهم يولج إلى الداخل وقف أمامهم قائلًا والباب مفتوح وهي تطل عليهم منه:
-أنا كلمتي بتطلع مرة واحدة بس، أي خطوة غلط من حد فيكم الله وكيل هعجزه
نظر إلى "زينة" بعد أن دلف بهم كي تذهب إلى الخارج ولكن الحقيقة هي أرادت أن ترى كيف سيعالج هذا الأمر وكيف سيساعد الفتاة وينفذ والدها وشقيقها رغباته دون مجهود منه.. أقتربت منها وتحججت بها قائلة:
-خليني معاها
لم يجيب عليها لأنه علم ما الذي تفكر به ويعلم أن فضولها هو من يسحبها خلفه دون إرادة منها فأعطى لها الفرصة وتركها لترى ما تريد
أشار إليهم بالجلوس على الأريكة المقابلة لمكتبة وذهب هو الآخر ليجلس كما كان ناظرًا إليهم بكبر وعنجهية ثم قال متسائلًا:
-انتوا رفضتوا الشاب اللي أتقدm لبـ.ـنتكم كام مرة لسبب مش منطقي
أجابه شقيقها قائلًا بجدية:
-منطقي بالنسبة لينا
أومأ إليه برأسه ثم سأله:
-علشان معندوش أرض؟
أومأ إليه الآخر وأجابه بتأكيد:
-أيوة
سألهم "جبل" مرة أخرى بخبث متواري خلف كلمـ.ـا.ته البسيطة التي تدل على أنه يريد معرفة أن كان هذا هو السبب فقط:
-في أي حاجه تانية تعيبه
تحدث والدها بجدية يقول الصدق:
-الشهادة لله لأ يا جبل بيه
ابتسم بهدوء وأبعد نظره إلى ذلك المتهور الفظ وسأله بجدية:
-أنت متجوز؟
أومأ برأسه يمينًا ويسارًا وقال:
-لأ لسه
أعاد "جبل" السؤال مرة أخرى:
-خاطب
نفى مرة أخرى وقال بهدوء ينظر إليه ولا يدري ما السبب خلف أسئلته الذي لا علاقة لها بالأمر:
-لأ بردو لسه هخطب
كرر أسئلته واستمر تحت أنظار الجميع وهو واثق من حديثه ويعلم ما الذي سيصل إليه في النهاية:
-عندك أرض
حرك رأسه يمينًا ويسارًا نافيًا:
-لأ معنديش
نظرت إليه "زينة" بذهول يا لك من ماكر خبيث لا أحد يستطيع التغلب عليك، ذئب تأكل من أمامك وماكر كثعلب يغلب بالحيلة..
استمعت إليه وهو يُجيبه بسخرية يعود إلى ظهر المقعد يستند عليه بعنجهية بعد أن أوقعه بالفخ:
-يبقى مش هتتجوز بقى
أجابه الآخر بضيق:
-ليه إن شاء الله ناقص ايد ولا رجل ولا يمكن ناقص حاجه تانية
أشار إليه بيده بعدmا نظر إليه بعمق وأتى فوق رأسه بخيبات لم يفكر بها، يقول بقسوة ضارية مُهينًا إياه في نهاية حديثه:
-ناقص أرض... لما تروح تتقدm لواحدة من الجزيرة وترفضك علشان أنت معندكش أرض ملك يبقى ده سبب منطقي ومن حق أي حد يرفضك ما أنت ناقص
وجده صمت هو ووالده، ينظر إليه بعمق ونظرات الكره حلت على وجهه لأنه تغلب عليه بالحديث فقط إلى الآن فتابع "جبل" بحديث عقلاني:
-الجواز بيتم بناءً على أسباب كتير منها، القبول والرضا بين الاتنين، الحب لو موجود، قبولك للي متقدm على أساس هو محترم ولا لأ شغال ويعرف يصرف على بيت ولا لأ وأسباب زي كده مش علشان معندوش أرض ملك
نظرت إليه باستغراب مرة أخرى، الآن يقول الزواج يتم بالتراضي! بالحب ولأسباب أخرى لما إذًا هي فقط من تزوجت عنوة وقهرًا وكرهًا له وبه!..
استمعت إلى قسوته في الحديث وهو يتقدm منهم مرة أخرى يضع يده على المكتب يوجه عينيه الذي حولها لعيون مرعـ.ـبة قائلًا:
-كلنا عارفين أن حتى اللي عنده أرض ملك في الجزيرة فهو وأرضه وماله وعياله ملك ليا... يعني الكل على الجزيرة معندوش حاجه
يالا تلك القسوة والثقة! يالا هذا الجبروت الذي يخرج من مجرد نظرة عين منك أيها الجبل
أومأ إليه الرجل بخـ.ـو.ف وفزع بعدmا تحدث "جبل" بهذا الحديث:
-أيوه يا جبل بيه أيوه
وقف على قدmيه وأصدر حكمه الذي خرج كفرمان واجب التنفيذ دون النقاش بأي حرف به:
-بـ.ـنتك هتتجوز.. بس المرة دي جواز على سنة الله ورسوله في حضورك وحضور أخوها وحضور الجزيرة كلها وفرحها ولو حاجه ناقصة في جهازها عندي أنا
وقفت الفتاة بعد وقوفه عن المقعد احترامًا له وهما أيضًا فعلوا مثلها ولم تستطع كبح دmـ.ـو.عها في الخروج من عينيها.. فهي لم تخطئ عنـ.ـد.ما قصدت "جبل العامري"
تقدm منهم يضع يده في جيبه ونظر إلى شقيقها وخرجت الكلمـ.ـا.ت من فمه بتهديد واضح وصريح لهم:
-هتخرج من هنا معاكم.. الله وكيل ما حد يمس شعره منها أو من جوزها لاسفره مع اللي سافروا
أومأ إليه الرجل وهو يرتجف خـ.ـو.فًا على ابنه إن أخطأ فلن يتحمل أحد منهم عقـ.ـا.به:
-كلامك هيتنفذ يا جبل بيه.. هيتنفذ
ابتسم بزاوية فمه قائلًا بثقة:
-أنا عارف أنه هيتنفذ
خرج معهم من المكتب بعد أن أخذوا الفتاة إلى الخارج ليذهبوا بها ويتم تنفيذ ما أمر به ويالا السعادة التي كانت تخرج من قصر العامري..
وقف شقيقها أمام "جلال" يطالب بسلاحه:
-السلاح
وقف جبل أمام بوابة القصر الداخلية وصاح بصوت عالٍ كي يستمع إليه لأنه كان عند البوابة الخارجية:
-جلال.. متدلوش حاجه، السلاح مش أي حد يشيله لما تبقى تعرف تشيله إزاي الأول ابقى تعالى خده
نظر إليه الشاب ببغض وغضب شـ.ـديد يشعر به تجاهه فوالله لو تركوه عليه لمحى اسم "جبل العامري" من الوجود
جذبه والده وهو يخرج به وبابـ.ـنته بسرعة شـ.ـديدة قبل أن يتحدث ويخطأ في الحديث فهو لا يريد سلاح فليس هناك أكثر منهم على الجزيرة..
دلف إلى الداخل، وقف في ردهة القصر أمام الدرج وخرجت هي من المكتب وقفت أمامه ابتسمت بسخرية وهي تقترب منه ثم قالت:
-خبيث ومكار
غمزها بعينيه متهكمًا:
-وأعجبك
هبطت "وعد" من على الدرج سريعًا وهي تهتف بإسمه فتح لها ذراعيه مُبتسمًا مُنتظرًا إياها تتقدm إليها، حملها على ذراعه يقبل وجنتها بحب وسعادة..
هناك من يقف على بوابة القصر، خرجت "ذكية" من الداخل وفتحت البوابة لتطل من خلفها فتاة في العشرينات، وقفت أمام البوابة ببنطال من الجينز الضيق وقميص بنصف كم تتطاير خصلاتها البنية على جانبيها.. جوارها حقيبة سفر كبيرة وبيدها غيرها..
استدار "جبل" الذي يحمل "وعد" على ذراعه ينظر ليرى من أتى من حراسه لكن قلبه خفق بقوة فجأة عنـ.ـد.ما رآها تقف أمامه..
ثبتت نظرات عينيه عليها، ترك "وعد" تهبط من على ذراعه دون حديث لتقف جوار والدتها وأعتدل هو في وقفته مرة أخرى ينظر إليها بعينه الخضراء..
ابتلع غصة مريرة وقفت بحلقة كما وقفت الذكريات بعقله الآن تسير بشريط سريع وكأنه على حافة المـ.ـو.ت..
دقات قلبه المتعالية ونظرات عينيه نحوها، جسده الذي بقيٰ متشنجًا بعد رؤيتها وملامحه التي تغيرت مئة وثمانون درجة جعلو زوجته تنظر إليها هي الأخرى باستغراب.. فلم يأتي عليها الوقت الذي تراه يقف به هكذا مسلوب الإرادة غير قادر على التحرك فقط ينظر وعيناه لا تحرك اهدابها..
تقدmت هي إلى الداخل وتركت الحقائب في الخارج، دلفت القصر وهي تنظر إليه بقوة كما يفعل، حنين داخل قلبيهما يحرك عينيهما على بعضهم البعض.. لهفة ولوعة حارقة لكل منهما.. إحداهما خائن والآخر مطعون بسكين الحب في قلبه!..
تحركت شفتيه ببطء وصوته خافت للغاية تسيطر عليه كثير من المشاعر التي لم يستطع تحديدها، نـ.ـد.م وقهر، لهفة واشتياق، خذلان وحـ.ـز.ن:
-تمارا
ما أن تفوه باسمها حتى تركت "وعد" والدتها وتقدmت منه لأنها شعرت بالضجر لأجل أنه تركها وهي كانت تريده، تمسكت ببنطاله قائلة بقوة:
-بـابـا
هذه الكلمة انتشلت الجميع من الحالة الذي هم بها، نظرت إليها "تمارا" بذهول واستغراب وحـ.ـز.ن شـ.ـديد ونيران اشتعلت داخل قلبها في لحظة واحدة بعدmا كانت شعرت أن القادm سيكون أفضل..
وهو نظر إليها بقوة وكأنها تخرجه من الحالة الذي بها تنبهه بوجودهم معه هنا هي ووالدتها..
بينما تلك المسكينة التي كانت تقف لا تفهم ما يدور حولها نظرت إلى ابـ.ـنتها مشفقة عليها، فيبدو أنها قريبًا ستفقد الأب الآخر الذي اكتسبته في فترة صغيرة..
نظرات من ثلاث أعين تنبع محتواها من داخل قلبهم، وكل نظرة تخرج من قلب تعبر عما به، إن كان اشتياق، أو حرقة، أو نـ.ـد.م..
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚تقدmت "تمارا" بخطوات مُترددة غير ثابتة على الأرضية عينيها مُثبتة على أعين "جبل" الخضراء المهزوزة، ملامحها تقول أشياء كثيرة أثناء سيرها تجاهه..
وقفت أمامه مباشرة وبينهم "زينة" وابـ.ـنتها، تابعته بعينيها ثم أردفت بنبرة مليئة بالحنين:
-جـبـل..
نظرات عينيه تتابع تفاصيل ملامحها التي تغيرت كثيرًا، قُتلت البراءة بهما، قُتل الحب، ومعهم قُتلت لهفته إليها وعليها.. المتواجد الآن مشاعر مختلطة لا يستطيع تفسيرها ولكنه يعلم أنها بسبب قدومها المفاجئ أعادت إليه ذكريات راحلة منذ سنوات كتيرة..
وقامت بفتح جروح غائرة كانت قد التئمت وشعر بالإهانة والشفقة تجاه نفسه وهو يحاول أن يداوي هذه الجروح..
الآن بكل بساطة فقط لأجل رؤيتها من جديد تفتح جروحه هذه!..
اخفضت نظرها إلى الطفلة "وعد" دارت عيناها عليها بقوة وعلى ملامح وجهها ترددت الكلمة مرة أخرى في أذنها فرفعت بصرها إليه متسائلة بنبرة مرتعشة:
-أنت اتجوزت
ضغط على فكه بشـ.ـدة، أغمض عينه بعمق وبقوة ثم فتحهما مرة أخرى وحاول استعادة نفسه وهو يقول مؤكدًا:
-أيوه.. اتجوزت
أكمل ناظرًا إليها بقوة، عيناه تنظر إلى عيناها مباشرة وكأنه يقول لها لا مكان للحب أو الضعف، لا لمكان لوجودكِ في قلبي ولا مكان لجروح غائرة منكِ:
-حمدالله على سلامتك.. دخلتي الجزيرة إزاي
أقتربت منه وهي تنظر إليه نظرة ذات مغزى تحاول أن تجعله يتذكر ما مضى بينهم بعد أن ابتلعت غصة كانت بحلقها بسبب اعترافه بأنه تزوج:
-نسيت طرقي؟ ولا نسيت إني بـ.ـنت العامري وأدخل في أي وقت
تحرك عيناها على وجهه وملامحه الجـ.ـا.مدة والتغير الغير معقول بها، نظرة الحدة والقوة وثباته الذي أوضحه أمامها وكأن عودتها لا تُعنيه
تابعها هو الآخر بجدية شـ.ـديدة وسـ.ـخر منها وهو يرسل إليها معانى أخرى غير التي خرجت من بين شفتيه:
-منستش طرقك ولا أقدر أنساها وإلا مكنتيش خرجتي من الجزيرة.. أما بـ.ـنت العامري فبنات العامري مكانهم هنا.. هنا وبس
نظرت إليه مطولًا ولم تستطع الرد فهي تدرك جيدًا أنه يحاول اهانتها، يحاول أن يزعجها ويسخر منها بحديثه ولكنها تعرفه جيدًا تحفظه عن ظهر قلب
هبطت "فرح" من أعلى الدرج تنظر إليها غير مصدقة أنها تراها أمامها وصاحت باستنكار وذهول وهي تقترب منها:
-ايه ده.. تمارا
أقتربت منها تقف أمامها تضمها إليها تعانقها بقوة قائلة بحب وشغف:
-تمارا ازيك عامله ايه جيتي امتى وإزاي
عانقتها الأخرى وبادلتها الحب والاشتياق فهما الاثنين كانوا أصدقاء طفولة إلى أن رحلت عنهم:
-ازيك يا فرح حشـ.ـتـ.ـيني و
عادت للخلف تنظر إليها قائلة بحنين وأسى تحثها على أن فراقها كان ثقيل للغاية على حياتها:
-وأنتي كمان يا تمارا مت عـ.ـر.فيش سيبتي فراغ عامل إزاي في حياتي والله
ابتسمت إليها باتساع وهي تقول بقوة تبتعد بعيناها إليه:
-اديني رجعت
استمعت إلى نبرة "فرح" التي تخرج بسعادة خالصة فأبتعدت عيناها تنظر إليها:
-على طول
أومأت إليها برأسها وهي تجيبها بثقة وتأكيد:
-أيوه هقعد على طول.. مش هسيب الجزيرة أبدًا ولا قصر العامري
مرة أخرى تنظر إليه وتسائلت بفضول شـ.ـديد وقلبها يدق بعنف:
-اومال مراتك فين
أشارت إلى "إسراء" التي كانت تهبط الدرج، فهي الغريبة هنا، هل هي زوجته؟ أيعقل هذه الفتاة الصغيرة:
-دي مراتك؟ معقول
نظر إليها وابتسم بزاوية فمه، أقترب من "زينة" يضع يده عليها يحاوطها مقربًا إياها منه بقوة ثم نظر إلى الأخرى موكدًا بثقة وتأكيد وهو ينظر إليها بفخر يمحي ألمه ونظرة ضعفه التي سبق ورأتها:
-دي مراتي.. واللي نازلة دي تبقى أختها
شبهت عليها وتابعت تنظر إليها بتمعن فتذكرت أين رأتها ثم قالت باستغراب:
-دي مرات يونس.. أنا شوفت صورة ليها
ضغط على ذراع الأخرى الذي يحاوطه بيده بعنف عنـ.ـد.ما ذكرت أنها زوجة شقيقه فعارضها قائلًا:
-الله يرحمه.. زينة جبل العامري مراتي
ترك "زينة" وهبط إلى "وعد" بجسده يحملها على ذراعه رافعًا إياها إليها قائلًا بفخر وحب:
-ووعد بـ.ـنتي.. حبيبة بابا
كانت الأخرى تقف تتابع ما يقوله باستغراب تام.. هل توفى "يونس" إلى هذه الدرجة كانت بعيدة عنهم..
نظر إلى "زينة" زوجته وتغيرت ملامح وجهه وهو ينظر إليها ثم هتف بهدوء ورفق حانٍ يمثله ببراعة وكأنهم معشوقين:
-دي تبقى تمارا بـ.ـنت عمي يا حبيبتي.. كانت خرجت بره الجزيرة من سنين كتير بس شكلها ملقتش مأوى غير هنا فرجعت تاني
تنظر إليه باستغراب تام، تغيرت نبرته مئة وثمانون درجة ونعتها بحبيبتي وهي تقف مذهولة لا تدرك ما الذي أصابه.. هل فقد الذاكرة.. أم أن هناك شيء بينهم يمحيه بوجودها..
وجدته يُشير إليها بعينيه فخرجت من تفكيرها تنظر إليها قائلة بابتسامة مصطنعة:
-تشرفنا
استمعوا إلى صوت والدته "وجيدة" المُستنكر وهي تأتي عليهم من الداخل:
-تمارا!..
أقتربت منها تعانقها قائلة بود:
-ازيك يا مرات عمي
ابتعدت إلى الخلف زوجة عمها وهي مازالت مستنكرة تنظر إليها باستغراب وخرج صوتها بتـ.ـو.تر:
-الحمدلله ازيك أنتي
تنظر إلى جبل باستغراب تتسائل عن سبب قدومها، ترسل إليه بعينيها خـ.ـو.ف مكبوت ورهبة عجيبة من مكوثها معهم بين "زينة" و "وعد" وابنها..
أجابتها بحرارة وهي تنظر إلى "جبل" تبعث إليه آخر كلمـ.ـا.ت جملتها:
-أنا الحمدلله كويسه.. انتوا وحشتوني أوي
أومأت إليها زوجة عمها ومازلت مترددة تشعر بالتـ.ـو.تر فقالت:
-وأنتي كمان بس..
بقيت تتابعها تحاول أن تفهم ما الذي تريد قوله فوجدتها صمتت تمامًا فحثتها هي على الحديث:
-بس ايه
شـ.ـدت نفسها، واستجمعت قوتها وعهدها المعروف فنظرت إليها بقوة وحزم وقالت تذكرها بما قالته سابقًا:
-ايه سبب الزيارة الغريبة دي.. خرجتي من زمان قولتي أن الجزيرة مش مكانك
ابتسمت وهي تتودد إلى "جبل" إليه من الحين إلى الآخر:
-اكتشفت إني ماليش مكان غيرها يا مرات عمي
استنكرت الأخرى بشـ.ـدة وخرج صوتها باستغراب:
-فجأة كده
قالت بهدوء تشرح لها ما شعرت به:
-لأ مش فجأة أنا اللي كنت بكدب نفسي.. بس خلاص أنا رجعت ومش خارجه منها تاني
استدارت تنظر إليه قائلة:
-ولا ايه يا جبل
تابع نظرتها نحوه، يفهمها جيدًا هل تعتقد أنها بمجرد عودتها سيعود هو الآخر إليها يرتمي باحضانها يطالبها بالمكوث معه وأن تظل في حياته.. يالا سخرية القدر يا "تمارا" فقد تبادلت الأدوار وأصبحت اللعبة أفضل بكثير
قال بجدية شـ.ـديدة ونبرة غليظة وهو يصر على الحديث بالألغاز ولكنها تفهمه جيدًا:
-الجزيرة مكان لكل العوامرية.. ومكان لكل واحد مالوش مكان..... زيك يا تمارا
أقتربت مرة أخرى تقف أمامه بتحدي، لأنها تعتقد أنه لن يمسها بسوء كما في السابق يخاف عليها من الهواء المار جوارها فقالت بثقة:
-بس ده مكاني وليا فيه كتير أوي يا جبل
أومأ إليها بابتسامة ساخرة يؤكد حديثها ويكمل عليه بتهديد واضح:
-محدش قال غير كده.. بس المرة دي حافظي عليه علشان المرة الجاية ملكيش رجعة
وقفت أمامه بثقة أكبر وتحدي أكبر ونظرت إلى داخل عيناه المخيفة التي لطالما كانت ملجأ لها:
-هحافظ عليه وهرجع كل حاجه كانت ملكي فيه قبل ما أمشي
نظر إلى "وعد" مبتسمًا باتساع دون أن يعطيها أي اهتمام يجيبها:
-بيتهيألك إنك هتعملي كده
ردت تنظر إليه بعمق تحاول التسلل إلى داخله لتفهم ما الذي يفكر به:
-بكرة تشوف.. لسه قلوبنا بتنبض يا جبل
استدار ينظر إليها بقسوة خالصة، عنف ضاري ظهر داخل عينيه وعلى ملامح وجهه الذي تغيرت بعد كلمـ.ـا.تها فقال بغلظة وخشونة:
-بالقسوة يا تمارا.. بتنبض بالقسوة
نظرت إليه للحظات فلم تستطع التكملة داخل عينيه التي أصبحت غريبة للغاية، ليست عيناه التي تعرفها.. ليست هي
أقتربت تنظر إلى "وعد" قائلة بابتسامة خبيثة:
-ازيك يا حلوة..
أجابتها الصغيرة برقة وهدوء:
-الحمدلله يا طنط
تعالت ضحكات "تمارا" تنظر إليها وإلى والدتها وقالت ساخرة:
-طنط.. لأ أنا مش طنط
تحدثت والدته عنـ.ـد.ما وجدتها لا تريد النزوح عن هنا تقترب منها تحدثها على الذهاب إلى الأعلى:
-اطلعي يا تمارا.. وريها اوضة يا فرح تنام فيها
تحدثت وهي تنظر إليه مرة أخرى تؤكد على أنها تعلم أين مقرها كما تعلم أين هو:
-أنا عارفه اوضتي كويس يا مرات عمي
صدmها عنـ.ـد.ما ابتسمت باتساع وهو يرى ثقتها الزائدة وقال بخشونة:
-مبقتش موجودة
سألته باستغراب وقد خالف توقعها:
-يعني ايه
قال بجدية وهو يبتعد إلى الداخل ومعه وعد ببرود تام:
-يعني اوضتك مبقتش موجودة استخدmتها في حاجه تانية مفيدة أكتر من أنها تكون اوضتك
نظرت إليه وهو يبتعد تراه يحاول أن يثبت لها أن مكانها لم يعد موجود، اسمها وحبها وكل ما كان لها هنا رحل معها عنـ.ـد.ما تركته..
أقتربت من "زينة" تنظر إليها بعمق ونظرتها نحوها ماكرة:
-لسه محتاجة أتعرف عليكي يا.. زينة!
الأخرى تقريبًا فهمت كل ما حدث منذ قليل من كلمـ.ـا.ت جميعها ألغاز ونظرات متحدية وماكرة وأخرى واثقة فقالت لها بهدوء:
-آه زينة
أومأت إليها برأسها وهي تتابع النظر إليها قائلة بخبث:
-هيبقى بينا حكايات كتير أوي الفترة الجاية.. دا أنتي مرات الغالي يا.. زينة
لم تجيب عليها ولم تعيرها أي اهتمام ولكنها فهمت ما الذي يريده هو منها في هذه الفترة التي ستكون هي متواجدة بها هنا فنظرت إليها بثقة وأحبت هذه اللعبة قائلة بابتسامة:
-أكيد.. عن اذنك أشوف جبل
نظرت إليها بقوة وكأنها تحدي، أشارت إلى شقيقتها أن تذهب معها تدلف إلى الداخل وتركتها تنظر في أثرها تتسائل هل كل هذا حقيقي!..
❈-❈-❈
جلس الجميع على سفرة الطعام لتناول العشاء ومن بينهم الزائرة الجديدة لقصر العامري "تمارا"، التي تركت القصر بكامل إرادتها وتخلت عن كل ما كان ملكها به وخارجه وتركت جزيرة العامري بأكملها محتجة على وجودها بها.. الآن تعود ورأسها به الكثير والكثير عن عودة كل ما كان لها..
نظرت إلى "إسراء" بعينين مُستغربة فضولية وسألتها وهي توزع بصرها على ملامحها الجميلة:
-بس أنتي شكلك مش مصرية
رفعت "زينة" رأسها وتركت الطعام نظرت إليها وخرج صوتها المُسائل:
-اشمعنى يعني
أبعدت عيناها من على "إسراء" ونظرت إلى "زينة" بهدوء تستوعب سؤالها ثم أجابت عليها بسخرية تحاول التقليل من جمالها:
-شكلها يدي على أجانب مش حساها أختك خالص
ابتسمت إليها بسماجة وهي تعلم أنها تريد فعل ذلك ولم تعطي لاجابتها اهتمام فأجابت "إسراء":
-أنا مامتي تركية
أومأت إليها برأسها وهي تضع معلقة الطعام في فمها وتحدثت بعدmا ابتلعت قائلة:
-مش قولتلك.. شكلك مش مصري شعر أصفر وعيون زرقا
أكملت الأخرى بهدوء وجدية تصحح لها معلومـ.ـا.تها:
-في مصرين بشعر أصفر وعيون زرقا بردو عادي على فكرة
ابتسمت إليها قائلة بمجاملة:
-مش حلوين زيك
ردت إليها "إسراء" الابتسامة الخجلة للغاية قائلة برقة ورفق:
-شكرًا
اغتاظت "فرح" من مدح "تمارا" الزائد في الماثلة أمامها وشعرت بالغيرة الشـ.ـديدة البعيدة كل البعد عن "عاصم" الآن ولكنها تشعر أن هذه الفتاة تأخذ مكانها بالبطيء وتحظى باهتمام الجميع فقالت بغـ.ـيظ:
-مش أوي كده يا تمارا أحسن تتغر جمالها عادي يعني زينا
نظرت إليها "إسراء" باستغراب شـ.ـديد فـ إلى الآن لا تدري ما سبب كرهها الشـ.ـديد لها أو دعنا لا نقول كره يمكن أن يكون مجرد بغض لطريقتها التي تتعامل بها والتي تعتبرها مُزيفة! أبعدت نظرها عنها غير مهتمة بحديثها الذي حظى باهتمام "زينة"..
خرج صوت "وجيدة" تنظر إلى "تمارا" بجدية تسائلها:
-قوليلي يا تمارا.. أمك عامله ايه ومجتش معاكي ليه
تركت ملعقة الطعام على الطاولة وتعمقت بالنظر إلى عينيها، أنها تعلم تصرفات زوجة عمها جيدًا وتتوقع ما القادm منها:
-أمي قاعدة عند خالي رفضت ترجع معايا الجزيرة
كل هذا كان تحت أنظار ومسامع "جبل" الذي جلس بهدوء شـ.ـديد يتابع حديثهم وينظر إلى كل تعبير صغير يخرج من أي منهن..
سألها بسخرية بعدmا أجابت على والدته:
-ولما هي رفضت.. رجعتي أنتي ليه
ابتسمت وبمنتهى الثقة نظرت إليه قائلة:
-قولتلك يا جبل.. جاية على طول وهرجع كل حقوقي
أنهت جملتها وهي تنظر إلى "زينة" نظرة ذات مغزى فلم تستطع الأخرى الصمود أمام نظرتها فتركت ملعقتها ونظرت إلى "جبل" وتفوهت تسائلة مستفهمة:
-حقوق! حقوق ايه اللي بتتكلم عليها
نظر إليها مُبتسمًا بزاوية فمه يسخر منها وهو ينظر إليها بطرف عينه يحاول في كلمـ.ـا.ته أن يظهر للأخرى أنه يحب زوجته:
-متشغليش بالك بكلام تمارا يا حبيبتي.. أصلها كانت ساعات كتير بتهلوس
اغتاظت منه بشـ.ـدة ونظرت إليه بعمق، تحاول أن تدرك هل هذا هو نفسه؟ هل ستكون المهمة صعبة إلى هذه الدرجة؟ فهو لم يتغير به أي شيء حتى ملامح وجهه لم تزداد شيء إلا قسوة وعنف.. لم تختلف إلا في تهجمها وتغير روحها..
لم يتغير به شيء إلا جسده أصبح أقوى وأضخم من السابق، لا ترى أي تغيير سوى هذا وذاك فهل حقًا يوجد غيرهم داخله تغيير؟
ابتسم أكثر اتساعًا وهو يتابع قائلًا بقسوة وغلظة عكس ما يظهر على ملامح وجهه وهو يتذكر كل ما مضى:
-عارفه العيل الصغير لما يستغني عن حاجه والحاجه دي تروح لحد غيره فيحس بالغيرة ويبقى عايز يرجعها.. أهي تمارا كده فاكرة نفسها جاية تاخد كل اللي سابته ومشيت
تنظر إليه زينة بعدm فهم وكل ما يأتي بخاطرها يعبر عن أشياء تراه هو بهذه الصفات يرفضها.. ولكن من الواضح أنها تفهم ما يحدث جيدًا
أخرجتهم من الصمت الذي حل عليهم وهي تقول بغـ.ـيظ تنظر إليه:
-سبق وقولتلك هرجع كل حاجه.. وأنت أكتر حد عارفني
وضع ذراعه على ذراع المقعد الجالس عليه ورفع كف يده ويستند باصبعة الإبهام والسبابة على وجنته ناظرًا إليها بسخرية يقول بلا مبالاة:
-لأ مبقتش أعرفك السنين بتغير، ومتحاوليش تتعاملي معايا على إنك ت عـ.ـر.فيني ولا مع أي حد هنا
تحدثت وجيدة" لتخفف حدة ما يحدث وتخفي ذلك الحديث الذي يُمر من أسفل الطاولة:
-شبعتي يا وعد
أومأت إليها الصغيرة برأسها قائلة بصوت خافت:
-آه يا تيته
وقفت على قدmيها تبتعد عن الطاولة وأقتربت من الفتاة تأخذها للخارج:
-تعالي نغسل أيدينا سوا
أومأت إليها وذهبت معها:
-ماشي
أمسك جبل بيد زينة الموضوعة على الطاولة ونظر إليها بنظرة محبة مُشتاقة لا يدري إن كانت خرجت منه بعفوية أو كانت مصطنعة لأجل إحراق الأخرى:
-تعالي عايزك
أومأت إليه على الرغم من استغرابها التام لما يحدث وما حل عليه ولكنها عاونته قائلة:
-ماشي
نظرت إليه ابنة عمه، احترق قلبها وهي تتسائل هل ستدفع الثمن لأجل ذهابها من الجزيرة؟..
دفعت "تمارا" بيدها أحد أطباق الحساء الموضوعة على الطاولة جوار زينة لتقع على قدmها اليسرى بكل عنف تفرغ ما تحويه عليها وهو ساخن للغاية
صرخت زينة بقوة ووقفت سريعًا تبعد المقعد للخلف تحترق قدmها والنيران تلتهب بها وتغيرت ملامح وجهها كثيرًا وهي تتألم
وقفت "تمارا" هي الأخرى معها تمثل الاهتمام والآسف لما فعلته عن عمد:
-أنا آسفة آسفة مأخدتش بالي والله
لكنها كانت تشعر بالغيرة تنهش قلبها، تتألم لرؤيتهم هكذا وهذا الشيء من حقها وهي من تستطيع الحفاظ عليه والشعور به
تألمت زينة بقوة وقدmها تخرج منها النيران تحترق تشعر بفوران الدmاء داخلها تتألم بصمت والدmـ.ـو.ع متحجرة بعينيها.. أقتربت منها "إسراء" سريعًا ولكن جبل قد جذبها إليه ينظر إليها بقلق بالغ يرده إليها عنـ.ـد.ما قلقت عليه ولكنه كان نابع من قلبه ونظر إليها بخـ.ـو.ف شـ.ـديد وهو يرى الدmـ.ـو.ع تقف على أعتاب عينيها بسبب الألم القابع داخل قدmها..
انخفض بجسده يحملها على ذراعيه ناظرًا إليها يأخذها إلى الأعلى في غرفتهم ليعتني بها..
قابلته والدته في طريقها إلى الداخل مرة أخرى تنظر إليه باستغراب تسائلة:
-أنت بتعمل ايه يا جبل
خرجت خلفه شقيقتها فأجابت هي عليها لأنه لم يعطيها اهتمام:
-زينة وقعت على رجلها الشربة
هرولت خلفه والدته وهي تصرخ عليه:
-طب استنى يابني ادهنلها حاجه عليها
أومأ برأسه وهو يصعد الدرج قائلًا بجدية:
-ماشي
ثم تركهم وأبتعد بها إلى الأعلى يختفي عنهم في داخل غرفة نومهم ليرى ما الذي أصاب قدmها بسبب تلك الغـ.ـبـ.ـية الحقيرة التي عادت بعد أن خمدت نيرانه وانطوت صفحة الهوى الخاصة بها معلنة عن وجود وحش كاسر كان قابع داخل قلبه وكشف عن أنيابه وظهوره في غيابها وتخليها عنه..
أجلسها على الفراش ووقف مستقيمًا يتقدm إلى المرحاض وهو يقول بحزم:
-اقلعي البنطلون
نظرت إليه ببلاهة وهو يبتعد عنها تتابع حركاته بعينين مُتسعة عليه وقدmها تحترق داخلها ألم ممـ.ـيـ.ـت لا تحتمله..
عاد إليها وبيده كريم الذي سيضع لها منه ليخفف حدة ألمها ويعالج ما حدث.. نظر إليها وقال بقوة:
-مش قولت اقلعي
وجدها ما زالت تنظر إليه بجدية واستغراب فتفوه ساخرًا وهو يجذبها من يدها لتقف:
-أكيد مش أول مرة تقلعي فيها قدامي
غمزها بعينه الخبيثة الخضراء صاحبة اللمعة المخيفة وهو يكمل بتهكم:
-كده ولا ايه
تنظر إليه فقط ولم تتحدث يا له من حقير حـ.ـيو.ان يعبث بها كلما سمحت له الفرصة ليفعل ذلك، شعرت بيده تفتح سحاب بنطالها الجينز فنظرت إلى الأسفل لتراه يبعده عن قدmيها كادت أن تتحدث وتبتعد عنه ولكنها تألمت عنـ.ـد.ما سحبه على قدmها في موضع الالتهاب الذي سببه الحساء الساخن..
دفعها للخلف لتجلس مرة أخرى على الفراش وأزاح البنطال كليًا عنها لينظر إلى قدmيها البيضاء الظاهرة أمامه، لمعت عيناه وابتلع لعابة بعدmا شعر بغصة توقفت بحلقة.. رفع بصرة إليها ثم مرة أخرى إلى قدmيها فدفعته في صدره عنـ.ـد.ما انخفض لمستواها صارخة به:
-ايه.. هات الكريم
غمزها مرة أخرى بعينه وهو يقول بمكر:
-دي تفوتني بردو
فتح العبوة وأخذ على إصبعيه منها ثم توجه بها إلى قدmيها يضعه عليها برفق ولكنها شعرت بأن قدmيها تحترق أكثر وأكثر فور أن وضعه عليها..
نظر إليها فوجدها تغلق عينيها بقوة تتمسك بشرشف الفراش من الناحيتين تشعر بالألم الذي ظهر على كافة ملامحها فخرج صوته وهو يعود إلى قدmها مرة أخرى:
-هيحرقك شوية.. بس هيعمل مفعول بسرعة
فتحت عينيها السوداء ونظرت إليه فوجدته يرفع وجهه مرة أخرى إليها أومأت إليه بهدوء ورفق وتابعته وهو يحرك أصابعه على يدها بذلك الكريم برفق وحنان..
انتهى مما يفعله فذهب إلى المرحاض دون حديث ليغسل يده عاد مرة أخرى وجلس جوارها ثم قال بجدية:
-سيبيها شوية كده والكريم أهو ابقي حطي منه تاني
أومأت إليه مردفة بصوت خافت:
-طيب
جلس جوارها صامتًا وبقيت هي كذلك تنظر أمامها إلى أن عبثت أفكار رأسها بها وودت أن تسأله أسئلة كثيرة وتحصل منه على إجابة ولكنها تعلم أنه دومًا لا يود إظهار الحقيقة إليها ولا يحب أن يجعلها ترتاح وتهدأ..
استدارت تنظر إليه للحظات وهي صامتة فشعر بأنها تود أن تقول شيئًا بقيٰ كما هو ينظر إلى الأمام وقال بثقة:
-عايزة تقولي ايه
ابتلعت غصة مريرة وقفت بحلقها وتابعت النظر إليه وهو يبعد وجهه عنها:
-بـ.ـنت عمك
استدار ينظر إليها عنـ.ـد.ما تحدثت عنها، كان متوقع ذلك ولكنه لم يكن متأكد منه، سألها بهدوء:
-مالها
سألته بغباء وهي لا تدري كيف تسأله بطريقة أفضل من ذلك ليجيب عليها بصدق ولا تكن أمامه فضولية تتدخل في حياته التي أعلنت رفضها لها:
-كنت بتبص ليها كده ليه
تابع النظر إلى سوداوية عينيها وسألها مضيقًا ما بين حاجبيه:
-كده إزاي مش فاهم قصدك
حركت كتفيها وهي تلوي شفتيها قائلة مرة أخرى محاولة الشرح له أكثر:
-كده.. شوية بحنين واشتياق وشوية تانين بقسوة وكره
أبعد نظرة إلى أمامه مرة ثانية، فكر في حديثها الصحيح أنه عنـ.ـد.ما أبصرها شعر أنه مُشتاق يسعى لأي طريق يدله إليها ثم لحظات وأدرك أنه ذلك المطعون في قلبه منها فلا اشتياق ولا حنين ينبغي أن يخرج لها:
-أول ما شوفتها حسيت فعلًا إني مشتاق لها بقالها كتير أوي بعيدة.. كانت متربية معانا هنا بعد كده افتكرت كل حاجه وأدركت أن مش دي اللي الواحد يشتاقلها
حركت رأسها وهي تسأله مرة أخرى بعمق أكثر عنـ.ـد.ما وجدته يتحدث:
-مثلت قدامها أننا كويسين ليه.. حبيبتي وبتاع
ابتسم بزاوية فمه ساخرًا منها:
-فيها ايه لما أقول أنك حبيبتي.. مش مراتي!..
خرج صوتها المحتج تنظر إليه بقوة:
-جبل بلاش لف ودوران
أومأ برأسه للأمام وهو يضع يده الاثنين ببعضهم البعض يتكأ للأمام بجسده وهو جوارها وقال بجدية وقد كانت هذه رغبته حقًا:
-ماشي.. أنا عايز كده، عايزها تعرف أن وأنتي كويسين أوي
صمتت لبرهة وهي تنظر إليه باستغراب، ثم أردفت بجدية تماثل جديته تدلي إليه بشيء غريب تغير به:
-أول مرة تبقى عايز تثبت لحد حاجه.. أو بمعنى أصح تبقى عامل لحد حساب ولتفكيره
استدار برأسه ينظر إليها وابتسم بتهكم يقول:
-بدأتي ت عـ.ـر.فيني أهو
استمع إلى سؤالها الذي خرج من شفتيها باهتمام كبير وتابع نظرات عينيها المستفهمة التي تود الإجابة سريعًا وكأنها يهمها أمره:
-كان فيه بينكم حاجه؟ قلبك كان بيحب؟
أومأ إليها ولم يخفي عليها سرًا قائلًا:
-آه.. كان فيه بس حاليًا قلبي مابيعرفش يحب
تابع وهو يرى نظراتها الغريبة الذي لم يستطع أن يحدد منها أي الشعور ينتابها الآن وقال بغلظة وقسوة لا توحي بأنه يتحدث عن الحب أبدًا:
-لكن تأكدي لو جت الفرصة اللي يحب فيها مش همنعه سواء عافـ.ـية أو لأ
وجدته يسترسل معها في الحديث فتجرأت أكثر:
-عايز تثبتلها ايه
قال بمنتهى البساطة وكأنه يتحدث مع نفسه لا يدري ما العواقب لكل ما يفعله الآن:
-إني مش جبل اللي تعرفه نهائي ودي حقيقة أنا بقيت واحد تاني تمامًا وإني حياتي مستقرة معاكي
هتفت بقوة وحزم وهي تسأله بسرعة:
-يعني أنت مكنتش كده! صح
نظر إليها وقد نـ.ـد.م لأنه غاص معها بالحديث وأدلى بأشياء ليس عليه التحدث عنها، كيف له أن يقول كل هذا الحديث دون حساب كيف له أن يتفوه بالكثير عنه وعن حياته معها بكل هذه السهولة
وقف على قدmيه بعد أن أبعد نظرة عنها وقال:
-أنا عندي شغل لازم أمشي.. ارتاحي
أردفت سريعًا وهي تراه يتوجه للخارج:
-أنت بتهرب
كانت تود أن تعلم أكثر عنه.. تحدد إن أرادت تبقى لتعلم ما الذي يحدث أو تبقى لأجل ابـ.ـنتها أو.. لأجله.. وهذه الفرصة الوحيدة التي يمكنها تجميع الخيوط منها..
استدار إليها ورد بغلظة وخشونة:
-أنا عمري ما هـ.ـر.بت
تفوهت بما يشعر به قلبها وعقلها واتحاد كل ما بها، قالت له ما تراه منه وما تفهمه ومع ذلك وإلى الآن لم تفهمه هو.. خرجت كلمـ.ـا.تها بشاجعة وهي تعبر عنه:
-خليك شجاع للآخر.. قولي أن ده مش أنت مستحيل يكون في شخص بالقسوة دي.. لأ لأ مش قسوة أنت متناقض.. أنت رحيم أوي وفي نفس الوقت بتقول أن قلبك مفيهوش رحمة.. قاسي أوي وفي نفس الوقت حنين
وقف معتدلًا ينظر إليها باستغراب، لا يفهم جرعة الشجاعة التي تحلت بها لتتحدث معه بهذه الطريقة، ولكن من الواضح ستكون العلاقة أفضل في المرات القادmة.. سألها مستفهمًا:
-عايزة ايه
وقفت على قدmيها تدلي بأكثر مما قالته تعبر عن أنها وافقت على حكم السـ.ـجـ.ـن المؤبد معه أما المـ.ـو.ت أو المـ.ـو.ت:
-مش زي ما بتقول بقيت مراتك وأتحكم عليا بالسـ.ـجـ.ـن معاك خلاص.. أنا اتأقلمت وعايزة أقعد هنا فهمني بقى اللي بيحصل
أجابها ببساطة وهو يضع يده بجيب بنطاله يقف أمامها شامخًا واثقًا من نفسه:
-مش مسموح أفهمك حاجه ثم أنك عرفتي حاجات كتير أوي مش المفروض أصلًا ت عـ.ـر.فيها
رفعت أحد حاجبيها ووضعت يدها الاثنين أمام صدرها تقف متحدية له قائلة بسخرية:
-زي أنك كنت بتحب..
أكمل على حديثها قائلًا بقوة وقسوة وهو يخرج يده من جيبه يُشير بها إلى صدره في نهاية حديثه بقوة:
-كنت مراهق واللي قدامك دلوقتي راجـ.ـل أمر من العمر
أومأت إليه قائلة بصوت متهكم ساخر:
-أنت فعلا مُر.. بس التشبيه الأفضل غامض أكتر من مثلث برمودا ومتناقض أكتر من واحد مـ.ـجـ.ـنو.ن
نظر إليها بعمق يرى انزعاجها من هروبه بعد أن كان يتحدث بكل شيء عنه، لكنه ضحك لأول مرة من كل قلبه دون سخرية أو حـ.ـز.ن، ضحك بصوتٍ مرتفع وهو ينظر إلى ملامحها وهي تشبهه بأشياء غريبة تراه يماثلها.. ولكنها محقة.. وذكية
توقف عن الضحك قائلّا بثقة:
-قولتلك لسه مشوفتيش جنان
تنهد بصوت مرتفع واعتدل في وقفته ينظر إليها بجدية وهدوء، تتحرك مشاعره تجاهها وهو لن يوقفها أبدًا سيعود شاب مرة أخرى وسيشعر بالحب وهذه المرة لن يتخلى عنه..
قال برفق وهدوء بعدmا ترك تفكيره بالحب جانبًا:
-غزال.. لو في حاجه المفروض ت عـ.ـر.فيها هت عـ.ـر.فيها في الوقت المناسب ومني أنا شخصيًا بلاش الفضول اللي وداكي في داهية ده
تهكمت ساخرة تؤكد:
-مظنش في داهية أكتر من دي
نفى حديثها بثقة وتأكيد لأنه يعلم أن هناك أكثر من حبسها على الجزيرة وهناك ما لا تستطيع تحمله دقيقة واحدة:
-لأ فيه يا زينة
اخفضت يدها من على صدرها واستمرت في النظر إليه تشعر بغرابة حديثهم لأول مرة هكذا ولكن يبدو أنها حقًا تأقلمت!:
-أول مرة تقولي زينة
ابتسم بسخرية:
-للضرورة أحكام
أشارت بيدها تسأله باستغراب ومرة أخرى تشعر بمراوغة حديثه:
-وهي فين الأحكام دي وفين الضرورة أصلًا
تركها وهو يخرج من الغرفة قائلًا:
-مش بقولك فضولية
ولج إلى خارج الغرفة وتركها وحدها، عادت مرة أخرى تجلس على الفراش كما كانت تفكر بكل ما حدث منذ لحظات تحاول أن تفهم أي شيء من حديثه الذي قاله فلا يجب أن يكون تحدث معها هكذا لأول مرة ولا تتوصل لأي شيء..
كان يحب ابنة عمه ومن الواضح أنها كانت تحبه فلما تركته ورحلت! ولما يشعر بالكره والبغض تجاهها!..
قال إنه تغير! لم يكن ذلك الشخص القاسي العنيف لم يكن "جبل العامري" القاضي والسجان المجرم والبريء لم يكن أي منهما!..
تحدث عن الحب، ونظر إليها نظرة ذات مغزى فهمتها جيدًا قال إن شعر قلبه بالحب فلن يحرمه إياه.. هل كان يتحدث عنها!..
ما القادm عليهم معًا؟!
توقف عقلها عن التفكير في بقية الحديث الذي دار بينهما وهي تحسب كم من سؤال برأسها لا يوجد له إجابة!..
يا لك من محتال أيها الجبل العامري، يا لك من مراوغ مختل...
❈-❈-❈
بقيت "تمارا" تحت أعين "وجيدة" المتفحصة لها بتمعن ودقة ثم قالت بجدية دون خجل أو مراوغة:
-جاية ليه يا تمارا
رفعت كتفيها للأعلى واخفضتهم مرة أخرى قائلة لها بجدية:
-جايه بيتي يا مرات عمي هيبقى ليه
سخرت منها وهي تحرك شفتيها بطريقة متهكمة:
-بيتك اللي سبتيه بمزاجك ومشيتي وبعدها معرفناش أي حاجه عنك
قالت الأخرى بجدية:
-واديني رجعت
أكملت زوجة عمها بنظرات حادة جـ.ـا.مدة وملامح وجهها تتحول إلى ملامح أخرى مخيفة:
-واديني لسه بسأل عن السبب
لوت شفتيها ببرود ونظرت إليها غير مبالية بحديثها لأنها تدرك ما الذي تريد أن تقوله زوجة عمها فقالت:
-مافيش أسباب غير إني راجعة لبيتي ومكاني
أومأت إليها برأسها وقالت بهدوء:
-أنا كمان عايزة يبقى ده بس السبب ولو راجعة لجبل تنسيه زي ما نستيه قبل كده
أكملت بجدية شـ.ـديدة ونبرة حادة تحاول أن توصل إليها أنها حتى إن كانت عائدة له فهو لن ينظر إليها مرة أخرى:
-تبصي ليه على أنه أخوكي وبس علشان حتى لو غير كده جبل مش هيبصلك تاني أنتي عرفاه اللي بيسيبه مرة بيرميه على آخر دراعه مليون مرة
تابعت تنظر إليها نظرة ذات مغزى وقالت بنبرة مليئة بالخبث والمكر:
-وهو دلوقتي خلاص عنده مـ.ـر.اته وبـ.ـنته وحياته اللي شغلاه
ابتسمت الأخرى ببرود وعدلت حديثها قائلة:
-مرات أخوه وبـ.ـنت أخوه
وقفت "وجيدة" على قدmيها أمامها وحقّا تغيرت ملامح وجهها عنـ.ـد.ما استمعت إلى تلك الكلمـ.ـا.ت منها وأدركت أنها آتيه ولا تنوي خير فقالت بغضب:
-أخوه الله يرحمه.. زينة مـ.ـر.اته ووعد بـ.ـنته وبكرة هو يخلف ويجيب بنات وولاد من صلبه.. متحاوليش يا بت العامري تخربي على ولدي
أشارت إليها بيدها بعد أن وقفت هي الأخرى أمامها وقالت بمنتهى الحدة والجدية وحديثها لا يحتمل أي نقاش منها:
-أنا لو بحبك قيراط قصاده هحب ولدي وبت ولدي تلاته وعشرين قيراط ومش هبقيكي عليهم.. مرات عمك بتنصحك خليكي في حالك بعيد عن جبل ومـ.ـر.اته وبته
حذرتها أكثر وحاولت اخافتها من مجرد الإقتراب منه أو محاولة التودد إليه كالسابق:
-جبل مش هو الراجـ.ـل اللي سبتيه ومشيتي بعد لما أبوه مـ.ـا.ت.. مش هو المحامي اللي وعدك بكل حاجه هتتغير وأنتي بردو مشيتي وسبتيه ولا هو جبل اللي كان رافض شغل أبوه.. جبل دلوقتي شيطان جزيرة العامري بياكل اللي قدامه أكل لو بس عمل حركة معجبتهوش بملامحه
أقتربت الأخرى منها تنفي حديثها بنفس الحدة التي قابلتها بها تتحدث عنه في عهده السابق كما رأته واعتادت عليه:
-جبل هو جبل يا مرات عمي.. هو اللي رافض شغل السلاح وهو اللي دافع عن أبوه هو جبل اللي حبني وهو جبل اللي اترجاني أقعد وهو نفسه اللي اشتاق ليا بدل المرة ألف.. جبل متغيرش
تهكمت عليها الأخرى وهي تُشير إليها بيدها تثبت أنه أصبح شخصًا آخر ولكنها تتوهم أنه كما كان وسيظل:
-جبل بقى واحد تاني.. اللي كان رافض شغل أبوه دلوقتي هو اللي ماسكه ولا مشوفتيش الحرس اللي بره والسلاح اللي معاهم.. جبل اللي اتغير بسبب أنه حبك وأهو دلوقتي ما شاء الله عليه ربنا يهدي سره مع مـ.ـر.اته
ابتسمت ساخرة ثم تفوهت قائلة:
-لو كان زي ما بتقولي كان حتى استقبلك استقبال عدل.. ده مش طايق يبص في وشك
اغتاظت الأخرى وهي تنظر إليها وكأن حديثها صحيح فهو حقًا لا يطيق النظر إليها ولا يجيب على حديثها بأي رفق مما كان بينهم لن تقول حب أو غيره بل حتى رفق!
توجهت والدته إلى باب الغرفة وتحدثت وهي تُسير بحدة وتهديد واضح:
-أنا عملت اللي عليا وقولت الكلمتين ولو عملتي غير اللي قولته أنا بنفسي هرميكي في النيل ومش هيهمني إذا نجيتي ولا لأ.. انتي مش أغلى منهم
استدارت تنظر إليها وهي تفتح باب الغرفة:
-فاهمه يا تمارا
أومأت إليها على مضض قائلة:
-ماشي يا مرات عمي..
خرجت زوجة عمها من الغرفة وتركتها وحدها تفكر فيما حدث منذ أن أتت! لقد كانت آتية معتقدة أنه إلى الآن لم يتزوج لم يحب لم تدلف حياته امرأة من بعدها! كانت آتية معتقدة أنها بمجرد ظهورها مرة أخرى سيقول هي بنا للزواج وستنفرج أساريره ولن يكون هناك أسعد منه ولكن من الواضح أنها أخطأت..
أخطأت عنـ.ـد.ما عادت إليه! أو أخطأت عنـ.ـد.ما رحلت وتركت كل هذا! وتركت جبل!
من الواضح أنه حقّا تغير كثيرًا، شكله قد تغير أصبح أكثر وسامة ونضج، جسده حتى وكأنه انـ.ـد.مج مع جسد شخص آخر بتلك العضلات والهيبة التي حلت عليه أكثر من كونه كان مراهق..
تغير قلبه وبغضها؟ أحب غيرها؟ عليها أن تفهم ما الذي حدث ليجعله يتزوج من زوجة شقيقه الراحل! ومن هنا تستطع أن تفكر وتستطيع أن تتحرك وتبدأ رحلتها وبحثها عن عودة "جبل العامري" إليها..
❈-❈-❈
تحركت في الحديقة تسير برفق والهاتف بيدها، تحاول الاتصال به ولكنه لا يُجيب عليها، ودت رؤيته والتحدث معه.. النظر إلى عيناه والتمتع برهبة جسده الطاغي على جسدها الصغير عنـ.ـد.ما يقف أمامها..
أخذتها قدmيها إلى خلف القصر وهي شاردة به وبكل ما بينهم لا تنظر حولها ولا أمامها.. لا تفكر إلا به وبأنها تريده الآن لتمتع أعينها الزرقاء برؤية هيبتة وخفة ظله وحسنه..
وقفت خلف القصر تنظر حولها ثم نظرت إلى الهاتف محاولة مرة أخرى أن تحدثه ولكنه لا يُجيب زفرت الهواء من رئتيها بضيق وأخفضت الهاتف ثم سارت خطوات تبتعد عن هنا لتعود إلى القصر مرة أخرى ولكنها فجأة وجدت من يسحبها من يدها ليدفعها إلى الخلف تتوارى عن الأنظار يلامس ظهرها السور وتنحصر بينه وبين الجسد الذي أمامها..
وضع يده على فمها وحاصر جسدها بعنف وقوة، عيناه الجائعة والمخادعة نظرت إليها برغبة وشر في ذات الوقت فوقع قلب "إسراء" على الأرض جوارها مع الهاتف الذي وقع بمحاذاة قدmيها..
ارتعش جسدها وهي تنظر إليه باستغراب شـ.ـديد حاولت رفع يدها الاثنين تبعده عنها ولكنه صدmها أكثر ووخز قلبها وروحها وهو يرفع عليها مدية يضعها في جانبها قائلًا بغلظة وعنف:
-حركة واحدة هعملك عاهة مستديمة.. اثبتي مش هناخد وقت كتير
حاولت ابتلاع غصة مريرة وقفت بحلقها وعيناها تزرف الدmـ.ـو.ع بقوة دون توقف نهر جاري على وجنتيها وهي تنظر إليه لا تصدق ما يفعله معها ذلك الحـ.ـيو.ان.. ولا تستوعب أنها الآن محاصرة أسفل يده ونظراته الجرئية التي تكاد تجردها من ملابسها..
أقترب منها بوجهه إلى عنقها يحاول تقبيلها بطريقة قذرة بشعة أشعرتها أنها تود التقيؤ ولم تستطع التحرك بسبب تلك المدية التي هددها بها.. فبقيت يدها جوارها وقلبها يعتصر ألمًا وتنطبق أضلعه عليه أكثر وأكثر لتختنق وروحها تبكي قهرًا على ذلك الوضع الذي أصبحت به..
كل هذا فقط حدث لها عنـ.ـد.ما أتت إلى هذه الجزيرة الملعونة.. وعنـ.ـد.ما قابلته وكَنت له الحب بقلبها!..
تضاربت حواسها ولم تعد تشعر بأي شيء يحدث من حولها لا تشعر إلا بالقهر والضعف.. والخـ.ـو.ف الشـ.ـديد الذي سيطر على سائر جسدها وهي وحدها هنا بين أنياب ذئب قذر.. دون شقيقتها الحامي الوحيد لها..
كل هذا وأكثر أيها العاصم! أليس اسم "عاصم" يعني الحصن والملجأ الذي يحتمي به الإنسان من أي ضرر!.
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚الشعور بالانكسار قد يكون أبشع شعور على الإطـ.ـلا.ق، أن تكون شخص يشعر بأن هناك من يقف خلفك يشجعك على الاستمرار ويكن العون إليك.. والسند الذي تبغاه ثم فجأة تقف أمام ذئاب متوحشة في صحراء جرداء وحدك دون الحامي لك فتشعر أنك مجرد حتى من ملابسك.. فهذا انكسار!.. وهناك غيره أنواع متعددة..
حاولت رفع يدها الاثنين لتدفعه للخلف على الرغم من أنها تعلم أن المدية في جانبها ولكنها لا تطيق تلك الرائحة القريبة للغاية منها في أثناء محاولته لتقبيلها ولكنه شعر بها فوغزها بطرف المدية مهددًا إياها بقسوة وغلظة:
-اثبتي.. قولتلك الموضوع كله مش واخد وقت
كانت دmعاتها تتهاوى على وجنتيها بغزارة تقف مربطة بجسد مُتشنج تستند إلى ظهر السور تحاول دفعه للخلف لتبتعد عنه وهي تقول بتعلثم:
-أنت عايز مني ايه
عاد للخلف برأسه ومازال يقف أمامها مباشرة يحاوطها بيد والأخرى في جانبها بالمدية ينظر إليها قائلًا بخبث ومكر:
-واحدة قمر زيك كده هيتعاز منها ايه... غير كل خير
انسابت دmعاتها أكثر وهي تنظر إليه بقهر تشعر بمدى قذارته ودنائه نظراته نحوها فقالت برجاء وهي تبكي:
-أبعد عني أنا معملتش فيك حاجه
حرك رأسه يمينًا ويسارًا يرفض حديثها وهو يقترب من وجهها للغاية يتحدث أمام شفتيها قائلًا:
-لأ عملتي.. بس يمكن وأنتي مش واخده بالك
سألته وهي تبتلع غصة حادة وقفت في جوفها وارتجاف جسدها مازال مُستمر ولكن تحاول أن تلهيه عن تقبيلها والإقتراب منها بهذه الطريقة:
-عملت ايه طيب
غمزها بعينه الوقحة التي جردتها من ملابسها وهو ينظر إليها من الأعلى إلى الأسفل ووقف على شفتيها بعيناه:
-قربتي.. وحبيتي.. وعاندتي
حركت رأسها هي الأخرى يمينًا ويسارًا بعدm فهم تخرج منها شهقات متتالية برعـ.ـب وذعر شـ.ـديد تشعر به كلما شاهدت نظرته نحوها:
-أنا.. أنا مش فاهمه
ابتسم وهو يرفع يده التي على الحائط إليها يضعها فوق ذراعها يسير عليه برفق ورقة وهو يتحسسه قائلًا ببرود ومكر:
-لأ أنتي فاهمه كويس وأنتي اللي عملتي في نفسك كده.. مش أنتي اللي قربتي بردو ولا أنا جيت من نفسي
شعرت أنه يتمادى وهو يُسير بيده عليها فدفعت يده وحاولت أن تستجمع نفسها وقالت من بين بكائها وشهقاتها المُستمرة بتعلثم وضعف شـ.ـديد:
-أبعد عني والله ممكن اصرخ وألم القصر عليك
ابتسم بسخرية وهو يعود بيده مرة أخرى إلى الحائط كي يحاصرها وأقترب برأسه منها أكثر وكأنه بوضع حميمي معها لكنه قال بثقة دون رحمة:
-اصرخي وأنا هدب المطوة دي هنا ونخلص بعدها ونقول واحد نط من على السور زي اللي حاول يقــ,تــل جبل كده
اعتصرت عيناها وهي تبكي نادmة على كل شيء مر عليها هنا سواء كان فرح أو حـ.ـز.ن جيد أو سيء وقالت وهي ترتعش:
-أبعد عني يا..
قاطعها سريعًا وابتسامته تتسع أكثر قائلًا اسمه:
-عاصم.. ولا نسيتي الاسم
صرخت به بانفعال وهي على وشك الانهيار والوقوع إلى الهاوية:
-أنت مـ.ـجـ.ـنو.ن.. حـ.ـر.ام عليك أبعد أنا معملتش حاجه
عاد للخلف وأخفى المدية بيده وهو يأخذها إلى جيبه سريعًا وقال بسخرية ضاحكًا:
-هبعد.. أنا بس كنت بهزر معاكي بس عارفه لما أبعد لو فتحتي بوقك لحد مش هسمي عليكي
أومأت إليه برأسها سريعًا عدة مرات بقوة وقالت من بين بكائها الذي حاولت السيطرة عليه:
-مش هتكلم أبعد بقى
عاد للخلف أكثر وأفسح لها المجال للعبور وقال مرة أخرى محذرًا إياها:
-أنا حذرتك.. أي حد
تعود ثانية تومأ له برأسها بهستيرية وهي تنظر إلى ابتعاده عنها وأبصرته ينخفض إلى الأسفل يأتي إليها بهاتفها ثم أعطاه لها وهو ينظر إليها مُبتسمًا بسخرية وتهكم لم تعطي إليه الفرصة لفعل شيء أخر، أخذته منه ثم سريعًا دفعته بيدها وذهبت راكضة إلى الأمام تاركة تلك المنطقة المشؤومة وهي تبكي بقوة وصوت بكائها يرتفع كلما ابتعدت عنه فصاح بصوت عالٍ يحذرها:
-هــا
انخفض صوتها وهي تركض ورأها تضع يدها على فمها كي تكتم شهقاتها وصوت بكائها الذي خرج منها بفعل تلك الخضة والشعور بالخـ.ـو.ف والذعر الذي مرت به معه..
أبتعد هو يعود إلى مكانه مرة أخرى وعلى وجهه ابتسامة خبيثة تظهر للأعمى وتوضح أنه شخص قذر..
بعدmا أبتعد عن خلف القصر وذهب إلى الأمام تعالت ضحكات آخرى تأتي من الأعلى.. لم تكن سوى "فرح" التي كانت تقف في الشرفة أعلاهم تتمسك بالهاتف وتقوم بتسجيل كل ما حدث لحظة بلحظة.. كل فعل ومعه رد الفعل الخاص به ولكن من أي زاوية وكيف كان المشهد بالهاتف!.. فهذا هي فقط ما تعرفه..
ابتسمت بانتصار وتحركت تدلف للداخل وقلبها خالي من الغيرة تجاهها في فترة لحظية فقط لأن قلبها ينشغل الآن بالسعادة لأجل ما حدث منذ لحظات، ينشغل بفرحة الإنتصار لأنها ظهرت بالوقت المناسب لتسجل ما حدث بينهم ويكن ذلك السيف بين يدها لتتخلص منها وتبعدها عنه إلى الأبد..
كان مخطئ للغاية عنـ.ـد.ما وقف أمامها وتحداها.. إنها "فرح العامري" من فرع العامري وامتداد العائلة الكريمة والتي لم ترى كرم يومًا.. إنها من امتداد عائلةت تجارة السـ ـلاح وغيره..
ذهبت الأخرى باكية بقهر وحرقة ولكنها محت دmعاتها عنـ.ـد.ما دلفت القصر وصعدت إلى الأعلى دون أن يراها أحد، ولجت إلى الغرفة وأغلقت بابها خلفها عليها من الداخل ثم ألقت نفسها على الفراش وأخذت تبكي بقوة وصوت بكائها يعلو للغاية.. استمعت جدران الغرفة والأبواب إلى بكائها وشاهد الطلاء حـ.ـز.نها وكـ.ـسرتها.. وكل ركن شهد على كل شهقة خـ.ـو.ف ورهبة خرجت منها ومن أعماقها..
لقد شعرت بالذل والمهانة وهو يقترب منها بهذه الطريقة القذرة يقبل عنقها ويضع يده عليها يتحسسها كما يريد، شعرت بالانكسار والضعف وهي تقف مكتفة الأيدي خائفة من تطاولة عليها بتلك المدية التي كانت معه..
يا لها من لحظات بشعة قهرية مرت عليها وحطمت ما بها، لقد وقع قلبها على الأرض ولم تعد تدري أين هو فقد أشعرها بالخـ.ـو.ف الممـ.ـيـ.ـت وهو يقترب منها إلى هذا الحد ويقول كلمـ.ـا.ت لم تفهم منها شيء ولم تعرف السبب الذي جعله يفعل بها هكذا!..
شهقت بعنف وهي تبتلع غصة مريرة شعرت بها تعبر جوفها وارتجف جسدها أكثر وهي تفكر في أن هذه كانت البداية منه فقط فما الذي سيفعله أن رآها مرة أخرى وما الذي يريده منها ولما فعل ذلك ولما تركها..
أسئلة كثيرة تدور داخل رأسها تحاول أن ترى لها أي إجابة من أي إتجاه ولكن لا يوجد.. لا يوجد سوى الشعور بالخـ.ـو.ف وعدm الأمان والرهبة..
إنها كانت هناك فقط لرؤيته ذلك الذي أرهب قلبها و.جـ.ـعلها تشعر بالحب تجاهه، كانت تتقدm للبحث عنه والنظر إلى وجهه والاستمتاع بقربه هو الوحيد فقط هنا الذي اكتسبته واكتسبت معرفته وقربه.. وحبه لها.. ولكنها لم تكن تتوقع أبدًا أن تقابل لحظة مصيرية فارقة في حياتها أما كانت تكتمل أو تنتهي كما بدأت مثلما حدث منذ لحظات..
توقفت عن البكاء واعتدلت على الفراش تنظر أمامها بعمق تضيق عينيها بتفكير.. لما فعل هذا في لحظات وتركها! كان يريد أن يرهبها فقط؟ أم هناك سبب آخر لا تستطيع الوصول إليه!..
❈-❈-❈
جلست ابنة عمها وصديقتها التي كانت مقربة إليها للغاية قبل أن ترحل وتترك الجزيرة.. بقيت أمامها على الفراش تجلس مُعتدلة تنظر إليها بعمق ثم سألتها بجدية مُستفسرة:
-قوليلي يا فرح.. جبل وزينة اتجوزوا إزاي
تركت "فرح" الهاتف من يدها واعتدلت هي الأخرى تنظر إليها بجدية وقالت بعدmا زفرت الهواء من رئتيها:
-دي حكاية
تعمقت الأخرى في النظر إليها والاستماع إلى حديثها بجدية تامة وقالت بحماس:
-احكيهالي بقى
غمزتها "فرح" بعيناها السوداء وهي تتابعها تحاول أن تفهم ما الذي تريد الوصول إليه بعد أن أتت إلى هنا مرة أخرى:
-جاية ترجعيه؟ قوليلي ولا هتخبي عني
استنكرت جملتها ثم أبعدت وجهها وهي تتحدث بضيق:
-أنا اخبي عنك؟ بس خايفة تكوني زي أخوكي ومرات عمي اللي اتشقلب حالهم
رفعت الأخرى أحد حاجبيها تأنبها على تركها لكل شيء خلف ظهرها فقط لأنها فكرت بنفسها بأنانية:
-ما أنتي اللي خايبة مشيتي وسيبتي كل ده يروح من ايدك ولما رجعتي لقتيه فعلًا راح
أومأت برأسها وهي توضح لها أنها أخطأت وتريد الصلاح ولكن ذهولها منه تحكم في نبرتها:
-واديني عايزة ارجعه واتعلمت من غلطي بس ازاي ده جبل كأنه واحد تاني.. ده كأنه محبنيش يوم
فهمت شقيقته أنها تود أن تلقي باللوم عليه بعد أن تأكد خطأها قائلة بأنه لم يحبها من الأساس ولكنها عارضت حديثها وواجهتها بحقارتها:
-لأ حبك يا تمارا متضحكيش على نفسك علشان تبرري عملتك جبل حبك واتهز لما مشيتي وسيبتيه في الوقت اللي كان محتاجك فيه.. وبقى دلوقتي زي ما أنتي شايفه
سألتها بقلة حيلة مستنكرة حديثه مع زوجته:
-طب أعمل ايه علشان يرجع وأبعد زينة دي عنه.. أنا مش فاهمه هو بيحبها ولا ايه بس بيعاملها كويس أوي ده بيقولها حبيبتي اللي عمره ما قلهالي طول عمره ناشف مالوش في الكلام ده
ضحكت على حديثها ثم نظرت إليها بقوة قائلة بسخرية:
-لأ يا حلوة ده بيغـ.ـيظك ولا بيقول حبيبتي ولا غير حبيبتي أنتي أصلًا مش فاهمه اتجوزوا إزاي ولا حتى زينة جت هنا ليه
زفرت الأخرى بضيق قائلة:
-ما تقولي الله
بدأت تسرد لها ما حدث بهدوء:
-زينة جت هنا علشان عايزة ورثها من يونس أخويا.. لكن لما جت وقعت في المصيدة أمي عايزة وعد بـ.ـنت يونس تفضل هنا ومتطلعش من الجزيرة فقالت لجبل يتجوزها..
أكملت تحت نظرات "تمارا" التي تبتسم وتزداد ابتسامتها اتساعًا وهي تستمع إليها:
-جبل رفض وقالها أنه هيحاول بأي طريقة تانية وأنتي عارفه طرقه كتير بس زينة حليت في عينه فجأة ووقفت قصاده في كل كلامه لحد ما طلبها للجواز.. رفضت بردو وحاولت تهرب واتنازلت عن كل حاجه في سبيل أنها تمشي لكن جبل مسمحلهاش
استردت وهي تعود بظهرها للخلف:
-عجبته أوي وقال مش هيحلها لحد ما اتجوزها زي ما أنتي شايفه بعد كده اللي بيحصل بينهم محدش يعرفه إن كان حقيقي ولا كدب
سألتها باستغراب فكل ما قالته يبدو جيد للغاية بالنسبة إليها وما أوضحه إليها فهمت مقصده منه:
-اشمعنى
تهكمت عليها "فرح" وهي تنظر إليها بسخافة:
-علشان مش قدامنا يا ناصحة بيحصل في اوضة النوم
ابتسمت "تمارا" باتساع وهي تضـ.ـر.ب بيدها على ركبتيها بفرحة كبيرة تسألها:
-بس المهم أنه ولا كان عايزها ولا هي طيقاه.. صح
أومأت إليها الأخرى مستغربة سعادتها:
-صح
أكملت تسألها مرة أخرى بابتسامة أكثر اتساعًا من السابقة:
-وكانت عايزة تهرب وتسيبه
مرة أخرى تأكد لها:
-آه
أبعدت وجهها للناحية الأخرى وهي تحدث نفسها بصوت مرتفع يبدو عليه السعادة:
-كده اتحلت خالص وسهلة خالص
استغربتها ابنة عمها فعادت للأمام ثانيةً تنظر إليها مستفسرة عن حديثها الذي لم تفهمه:
-هي ايه دي اللي سهلة
حركت وجهها إليها ونظرت داخل عينيها وهي تقول بسعادة خالصة وكأنها حصلت على حبل لغزه لتستطيع العودة إليه:
-إني أرجع جبل
حركت "فرح" رأسها تسألها باستفهام مضيقة عينيها عليها بجدية شـ.ـديدة:
-إزاي؟
رفعت حاجبيها وحركت إصبعها أمامها وهي تقول بقوة متأكدة من حديثها وبدأت الفكرة أن تلعب داخل رأسها:
-لأ دي بتاعتي خليها ليا أنا واقولهالك بعدين بس بقولك ايه أنتي في ضهري لو عوزت أي حاجه معايا ماشي
أومأت إليها بثقة فهي حتى لو لم تساعدها لأجلها ستساعد نفسها فـ أيًا كان ما الذي ستفعله "تمارا" مع "زينة" فهو سيعود عليها بالنفع عنـ.ـد.ما ترحل من هنا وتأخذ شقيقتها معها..
-طبعًا معاكي هو أنا هحبها أكتر من بـ.ـنت عمي
ابتسمت لها بسعادة:
-فرح بصحيح
ومن هنا بدأت اللعبة معها على حق، علمت كيف ولما تزوج من زوجة شقيقه.. لقد كانت تائهة بينهم ولكن الآن أصبحت تعلم أين المرسى وما الذي ستفعله معهم لتسترد ما كان لها.. ولتعد البلاد إلى حاكمها..
❈-❈-❈
كان عاصم يقف داخل غرفة الحراسة ما كاد إلا أن يخرج هاتفه لمحادثها إلا أنه وجده يصدر رنينا عاليًا.. أخرجه من جيبه ونظر إليه ليجد "طاهر" يحادثه..
أجاب عليه قائلًا باستغراب مضيقًا عينيه:
-بتكلمني ليه
أجابه الآخر باستهزاء وتهكم وصل إليه من خلال نبرة صوته:
-هو عيب لما أكلمك ولا ايه
زفر الهواء من رئتيه بنفاذ صبر قبل أن تبدأ المحادثة بينهم حتى وصاح قائلًا:
-عايز ايه يا طاهر انجز
تخللت نبرته السخرية وهو يقول مُجيبًا إياه:
-واحشني يا جدع قولت أمسي عليك
سأله يبادله سخريته وهو يضغط على الهاتف بيده بقوة:
-ومسيت؟
بمنتهى البرود أجابه "طاهر":
-لأ لسه
صاح به بنفاذ صبر وهو يتحرك بالغرفة بعصبية:
-انجز
تنهد بصوت مرتفع وقال له بجدية بعد أن اعتدلت نبرة صوته:
-مش ناوي تكمل المسيرة بتاعتك وتبقى أوفى راجـ.ـل عرفه جبل
سأله "عاصم" مضيقًا ما بين حاجبيه:
-اومال أنا ايه يا طاهر
ضحك بصوتٍ مرتفع ضحكات متفرقة بسخرية مُستهزأ به ومتهكمًا عليه وأكمل حديثه بجدية ذات مغزى:
-اوفى راجـ.ـل بس من ناحية تانية.. جالي أخبـ.ـار كده إنك وقعت ومحدش سما عليك.. سما زرقا وشعر أصفر
اعتدل "عاصم" وثبت في وقفته ولم يتحرك فمرت هي كالهفوة على عقله عنـ.ـد.ما استمع إلى حديثه ولكنه أردف:
-أنت قصدك ايه
لم يكذب عليه بل أفصح عن قصده بلا مبالاة:
-هيكون قصدي ايه غير الجمال التركي النادر
على صوت "عاصم" بغضب صارخًا باسمه:
-طاهر...
أخذ الآخر ما يريد فابتسم وهو يعود لتهدئته:
-اهدى بس على نفسك بالراحة دا أنا حتى كنت هبـ.ـاركلك.. متبقاش حمقي كده
لم يعطي إليه الفرصة للتحدث أكثر من ذلك وصرخ مرة أخرى وصبره ينفذ حقًا:
-بقولك عايز ايه
سأله بخبث ومكر:
-مش ناوي ترجع الملاعب.. علشان نوقف كل اللي بيتدربوا
وقف شامخًا وأجابه بتأكيد وثقة:
-أنا موقفهم كده كده يا طاهر وأنت عارفني كويس
ضغط "طاهر" على أسنانه بقوة وأردف بتهديد واضح بعد أن أدلى برفضه لحديثه:
-مش لوي دراع يا عاصم.. فاضلك عندي تكه واحدة
لم يعير حديثه أي اهتمام بل أكمل عليه ساخرًا:
-اعتبرها مش موجودة ووريني أخرك..
سأله بقوة وهو يتوعد له:
-أنت شايف كده؟ بايع يعني
أومأ برأسه وأدلت بالكلمـ.ـا.ت شفتيه وارتفع صوته وهو يقول بغضب:
-آه بايع يا معلم ويلا في داهية
استمع إلى صوته الذي يهدد إياه:
-طب متبقاش تزعل
ضحك بسخرية يردها إليه ثم صاح بقوة يذكره بتاريخه معهم:
-أنت هتعملهم عليا إحنا عارفين من فينا اللي كل يوم والتاني زعلان.. غور بقى
أغلق الهاتف بعصبية بعد أن عكر ذلك الحـ.ـيو.ان صفوه وهو الذي كان في مزاج جيد للغاية، وعلى بُعد لحظة واحدة من الوصول إلى تلك الغريبة الغـ.ـبـ.ـية.. الطفلة المزاجية والتي تتحول كل ثانية.. الذي اخترق معها كل القواعد وتعدى الخطوط الحمراء وابتعد عن مساره الصحيح وأبحر داخل محيط ليس به مرسى وليس به مكان للنجاة.. لقد أغرق نفسه بنفسه وهو يركض من هنا إلى هناك خلف هواجس غريبة تخللت وسارت داخل عقله وأثبتت إليه أشياء لم يكن يعرف لها معنى ولم يكن يدري بوجودها..
نظر إلى الهاتف وأعاده مكانه مرة أخرى وهو يزفر بضيق فقد كان يود أن يتسلى قليلاً بذلك العبث الذي يفعله بها..
عاد إليه عقله مبتعدًا عن التفكير بها وللحظة تذكر حديث "طاهر" كيف علم عن أصولها التركية؟ كيف علم بمظهرها! خصلاتها الصفراء وعينيها الزرقاء ومن أخبره أنه وقع بحبها أو حتى الإعجاب بها!!.. الخائن بيس على الجزيرة بل هو من داخل القصر.. من حراس القصر!
اخرج الهاتف مرة أخرى وهو يقرر أن يفعل ما أراد بعد أن اخترق عقله كثير من الأفكار ولكن استوقفه ما أرسلته إليه "فرح" عبر تطبيق الواتساب.. فولج إليه ليرى ما الذي ارستله وليته لم يدلف..
نظرات عينيه الحمراء يخرج منها غضب بركان وحممه تتساقط وهي تنظر إلى الشاشة وترى ما كان يحدث خلف السور..
صقر طائر وقع جريح وهو الجارح.. كيف لها أن تفعل ذلك؟ كيف لها أن تسمح لنفسها..
وكيف يحدث هذا! غضبه لا يدري أهو منه نفسه أو منها أو من "فرح" تلك الغـ.ـبـ.ـية الحقيرة التي سيكون لها عقـ.ـا.ب لم تشهده سابقًا ولكن صبرًا
لقد أوقعته وفعلت ما أرادت ولكنه لن يجعلها تفرح كثيرًا ولن يترك أي شخص اشترك بهذه الفعلة الدنيئة..
نظر أمامه بنظرات حادة غاضبة.. غضبها جامح ورفقها غير موجود.. والتفكير يعبث برأسه والحرب دائرة داخله..
❈-❈-❈
جلس "جبل" على الفراش ومعه بيده بعض الأوراق والملفات المهمة الذي أخرجها للتو من خزنته الخاصة بدأ في النظر إليها واحدة تلو الأخرى وهو يعمل ويعيد ترتيبهم مرة أخرى
تركت المقعد الذي كانت تجلس عليه وذهبت لتجلس جواره على الفراش ثم خرجت الكلمـ.ـا.ت من بين شفتيها دون حساب:
-مش ناوي تفتحلي قلبك؟
رفع بصره إليها باستغراب شـ.ـديد وعيناه تتابعها ثم ابتسم فجأة وهو يقول ساخرًا:
-الكلمتين اللي اتكلمتهم معاكي ادوكي دفعة شجاعة علشان تقولي تفتحلي قلبك مرة واحدة
أومأت إليه برأسها وهي تعتدل لتكن مقابلة له وقالت الحقيقة بجدية:
-آه.. خلوني أفكر أكتر
أعاد نظره إلى الأوراق بيده وسألها:
-في ايه بقى
ببساطة شـ.ـديدة تحدثت عنه:
-فيك
سألها مرة أخرى بجدية وهو يود حقًا أن يعلم ما الذي تفكر به:
-إزاي
أردفت بجدية وصدق فحقًا الحديث معه في المرة السابقة كان كالسهل الممتنع وتفكيرها المستمر دائمًا ابحر أكثر من السابق وأرهقها:
-يعني.. خلوني أشوفك بطريقة تانية وأحس أنك إنسان عادي زينا وممكن التعامل معاك يبقى أسهل لو فهمتك وفهمت حياتك كانت إزاي وليه بقت كده
عاود يسألها ببرود ولا مبالاة:
-وأنتي كنتي شيفاني إزاي
عبثت ملامحها وضغطت على أسنانها وحروف كلمـ.ـا.تها وهي تتحدث بغل:
-كنت شيفاك ديب من ديابة الغابة بتاعتكم
ضحك بقوة وعبث بالأوراق وهو يستشعر طريقتها وتخيل ملامحها بعد الاستماع لصوتها لأنه لم يحظى برؤيتها وهي تقول ذلك:
-للدرجة دي
أومأت إليه وهي توضح له برفق:
-وأكتر كمان ولحد دلوقتي أنت لسه زي ما أنت أنا بس بحاول اتأقلم أكتر
رفع بصره إليها ينظر إلى ملامحها ثم هتف مستغربًا:
-مش قولتي خلاص اتعودتي على سـ.ـجـ.ـنك معايا
تابعته وهي تنظر إليه أيضًا ولكنها الآن في مرحلة لم تمر عليها من قبل معه إلا مرة واحدة، تتحدث معه برفق ولين وهو سهل بسيط للغاية فحاولت استدراجه وهي تقول:
-سـ.ـجـ.ـن.. ليه مـ.ـيـ.ـتحولش لتأقلم عادي وبالرضا
سألها مضيقًا عينه عليها:
-وده ينفع؟
حركت كتفيها بهدوء تعاود هي نفس السؤال:
-ماينفعش ليه؟
ابتسم باتساع لأنه يدرك جيدًا أن هذه ليست المرأة التي تتحول هكذا بين ليلة وضحاها فقال يوضح لها مدى ذكائه الذي رأته سابقًا ولكن يبدو لا تعترف به:
-علشان اللي أعرفه إنك مش بالساهل تتغيري كده.. يمكن بتحاولي تستهبليني علشان احكيلك اللي أنتي عايزاه
سبته داخلها لأنه يدرك جيدًا ما الذي تريد الوصول إليه ولكنها تصنعت ذلك بحرافية وهي تقول بمكر:
-بالعكس أنا بفكر بجد أنه ليه مقعدش هنا بالرضا بدل الغـ.ـصـ.ـب خصوصًا إنك محتاج كده الفترة دي
استغرب قائلًا:
-وده ليه بقى
أجابته بعقلانية لأنه أراد أن يظهر لابنة عمه أنه الأفضل على الإطـ.ـلا.ق ومعه زوجته وابـ.ـنته، لعبت على ذلك تعبث به:
-علشان تمارا مثلًا.. مش ممكن نحسن علاقتنا وتبان أنها حقيقية أكتر قدامها
ابتسم أكثر وعاد بعينه بعيدًا عنها قائلًا بعدm اقتناع:
-مش داخل عليا كلامك ولا هيدخل يا غزال
سألته بضيق:
-للدرجة دي؟
أجاب سؤالها بهدوء وجدية موضحًا لها أنه يفهمها جيدًا ويعلم أنها تريد العبث به ليس إلا:
-مش أنتي اللي تستسلمي بسهولة وحتى لو استسلمتي مش هيبقى بالطريقة الراغبة فيا دي
تحدثت وهي تتحرك على الفراش تبتعد للخلف تظهر ثقتها بنفسها أكثر وتظهر له أن حديثها حقيقي بعدmا تراجعت وتحدثت بعدm اهتمام:
-مين قال إني رغباك.. أنا عايزة نعيش مع بعض وإحنا راضيين طالما خلاص اتحكم علينا بده وده في مصلحتك ومصلحتي
تفوه مستغربًا من حديثها:
-مصلحتي وعرفناها.. مصلحتك ليه بقى
عادت المسافة التي ابتعدتها مرة أخرى وقالت بجدية وصدق نابع من قلبها وعقلها الذي قــ,تــله التفكير:
-أولًا علشان بـ.ـنتي.. ثانيًا علشان أنا تعبت منك وتعبت من تفكيري فيك أنت شخص كويس ولا لا ومحتاجه أفهم بجد وارتاح
ترك ما بيده تمامًا واعتدل في جلسته عنـ.ـد.ما طرح عقله عليه هذا السؤال بعد حديثها الذي استشعر به الصدق فقال دون مقدmـ.ـا.ت:
-لو طلعت شخص كويس مش زي ما أنتي شايفه هتعملي ايه.. هتفضلي معايا ولا هاتمشي
نظرت إليه للحظة ثم عدلت عليه:
-أنت سألت السؤال غلط
حرك رأسه يسألها وعيناه تتابع كل حركة تصدر عنها:
-وايه الصح
نظرت إليه بعمق وبقوة ثم خرجت الكلمـ.ـا.ت من بين شفتيها تعدل سؤاله ليكون عقلاني أكثر:
-لو طلعت شخص كويس مش زي ما أنتي شايفه هتغيري نظرتك السابقة فيا وتنسي اللي عملته فيكي ولا لأ
ظل ينظر إليها دون حديث فأكملت هي قائلة:
-من هنا نقدر نسأل ولو هغير نظرتي وانسى تسأل بعدها هتتقبليني ولا لأ وبعدها هتقعدي ولا لأ
لا يدري لما أصبح ينظر إليها كل هذه المدة دون حديث وهي تتابع عيناه دون كلل أو ملل بل وقف الحديث على طرفي لسان كل منهما ولكنه في لحظة ما خرجت منه الكلمـ.ـا.ت بعفوية تامة:
-لو نسيتي وغيرتي رأيك فيا.. هتحبيني؟
كررت نفس الكلمة باستغراب تام وذهول أحاط عقلها بعد أن ارتجف جسدها من أثرها عليها:
-أحبك!
بقيت تنظر إليه دون إجابة وهي ترى عيناه وملامحه تترقبها وتنتظر منها إجابة.. أهو حقًا ينتظر منها أن تحبه؟ أهو يتخيل أن الأمر بهذه السهولة؟ أو هو تغيرت مشاعره تجاهها ليقول هذا الحديث مرة واحدة.. أهو مختل؟ لقد قفز مرة واحدة في العلاقة بينهم وهي لا تستطيع تحديد أي مرسى تقف عليه الآن معه؟ أنها فقط أرادت التحدث ليس أكثر
شاهد تعابير ملامحها التي تتغير كل لحظة والأخرى وكأنها تحدث نفسها قال:
-ايه صعب؟
حاولت الهرب من حديثه لتعود إلى ما أرادت وقالت بضيق وانزعاج:
-أنت بتغير الموضوع وبتهرب بردو
نفى ما قالته وهو يوجه لها نفس الإتهام بالهرب:
-أنتي دلوقتي اللي بتهربي
تابعته قائلة بامتعاض:
-بس أنا اللي سألت الأول
استاء من حديثها لأنه على علم تام بما تريد وفجأة أراد أن يبدل الأدوار وراقت له اللعبة:
-معلش مش في حضانة إحنا
وجدها تسأله بضيق شـ.ـديد يظهر على ملامحها:
-أنت إزاي كده
لوى شفتيه قائلًا:
-كده ايه
خرجت الكلمـ.ـا.ت منها بنفعال بعد أن احتارت في وصفة.. بكل أريحية يجلس الآن ينظر إليها بعينيه الخضراء الصافية يخفي نظرته المخيفة عنها وكأن لم يكن هناك أي شيء سيء فعله معها:
-مبقتش فاهمه أي حاجه منك بجد.. عصبي ودبش، قاسي وعنيف، ولا حنين وطيب، عادل وحكيم لأ وبتتكلم معايا دلوقتي عادي كده من غير ما عينك تبصلي البصة اللي بتخـ.ـو.ف دي
ارتفعت ضحكاته التي لم تخرج مؤخرًا إلا معها هي بسبب تلك العفوية الغريبة التي تستدرجه إليها بكامل إرادته:
-أنا عيني بتخـ.ـو.ف؟
أومأت إليه دون خـ.ـو.ف مؤكدة:
-آه
صمت وهو ينظر إليها ومازال يضحك فابعدت الضحكات عنه وهي تقول بضعف وحـ.ـز.ن ظهر عليها:
-جبل.. احكيلي
تنهد بعمق وهو ينظر إلى ضعفها ويشعر بمدى المعاناة التي تمر بها خصوصًا أنها امراة حرة فضولية تريد أن تكون على علم بكل شيء، أردف بجدية شـ.ـديدة:
-ماينفعش.. جبل اللي أنتي عرفتيه ماينفعش يتهز ولازم يفضل زي ما هو.. وكلمة مني يا غزال طالما أنتي عايزة نبقى كويسين هبقى كويس معاكي بس طول ما أنتي مش بتغلطي
احتارت وهي تقترب منه تشير إليه بيدها على مدى الإرهاق التي تشعر به كلما فكرت به أو بشيء يخصه، تدلي إليه بعـ.ـذ.ابها في الأيام السابقة وسعادتها بأن الطريق فتح بينهم:
-لو اتكلمت معايا هتريحني.. أنت مش فاهم دmاغي فيها ايه.. أنا ما صدقت بقى في كلام بينا لأن أنت الوحيد اللي ممكن يريحني.. طول الوقت دmاغي كانت مش بتفصل تفكير وتسأل أسئلة مش لاقيه ليها إجابة
لمعت عينيها بغرابة وهي تحاول بكل الطرق أن تجعله يدلي إليها بكل شيء بحياته ويعترف بأسراره:
-طول الوقت مش فاهمه أنت ايه ولا عارفه أهرب منك إزاي لكن مرة في مرة حسيتك حد تاني ودي الفرصة اللي سرقتها علشان تتكلم.. أنا مستعدة انسى اللي حصل دلوقتي بس تريحني
تفوه مستغربًا من طريقتها التي تحولت وكأنها مدmنة تريد الخلاص وهو بيده فقط:
-اريحك إزاي
وضعت يدها على يده تتمسك به قائلة وعينيها متعلقة به:
-قولي أنت فعلًا تاجر سـ ـلاح؟
وجدت الصمت عنوانه لم يدلي إليها بأي حديث فأكملت مرة أخرى تسأل:
-طب أنت قتـ ـلت فعلًا؟
الإجابة الصمت كالسابق فتابعت تضغط على يده تتأمل أن يجيبها:
-طب أنت راجـ.ـل ظالم ومجرم؟
أبعدت يدها عنه وأصبحت تُشير بها وهي تتحدث بصدق موضحة له أنها لا تستطع العيش مع رجل مجرم مثله أما أن يتركها تذهب أو يعترف بالحقيقة:
-جاوبني.. أنا مقدرش أعيش معاك وأنا عارفه أنك كده مقدرش أعيش في نفس المكان حتى لو أنت بعيد عني.. جبل لو أنت فعلًا كده أرجوك خليني أمشي أنا مش هعوز منك أي حاجه وأقسملك إني مش هبلغ
ابتسم بسخرية شـ.ـديدة قائلًا:
-هو أنتي فاهمه إني خايف تبلغي؟ يبقى لسه معرفتنيش فعلًا
أومأت إليه تؤكد ما قال ورأسها تكاد تنفجر من كثرة التفكير والحديث الذي لم يأتي بـ.ـنتيجة معه:
-دي حقيقة أنا مش عرفاك.. دي تاني مرة نتكلم مع بعض بجد كل اللي شوفته منك أفعال كلها بتناقض بعضها بسببها دmاغي بقت متلغبطة
تنهد وهو ينظر إليها بعمق وقال بثقة وتأكيد:
-كل اللي أقدر اقولهولك ارتاحي يا زينة
استغربت نطقة لاسمها بهذه الطريقة فرددته باستنكار:
-زينة!
ضـ.ـر.ب على يده وهو يضحك ساخرًا قائلًا بتهكم:
-أنتي محسساني إني لما بقول زينة كده بقول اسم واحدة تانية.. هو مش ده اسمك بردو
ابتسمت على حديثه وعيناها تلمع بطريقة غريبة، كنجم لامع بقوة بين ظلام السماء، قالت برفق وهدوء تنظر إليه:
-تصدق غزال أحلى
ظل ينظر إليها للحظات والأخرى يتابع نظراتها نحوه وحديثها معه كل هذا الوقت وليست المرة الأولى، لهذه الدرجة هي امرأة فريدة من نوعها كي تجعله يجلس هكذا ويتحدث معها ويضحك أيضًا..
-شايف لمعة غريبة في عينك.. يمكن هتحبيني!
كانت تنظر إلى عيناه مباشرة واخترقت الكلمة قلبها مرة أخرى غير الأولى، لكنها تحدثت تجيبه بقوة تنظر إلى داخل عيناه دون خـ.ـو.ف تقول ما لم يستمع إليه سابقًا.. تذكره أنه من كـ.ـسرها بكامل إرادته الحرة، وتعلمه بأن ما صدر منها ما كان إلا ضعف:
-بتتكلم عن الحب كأنه حاجه سهلة أوي بأيدينا.. حتى لو سهلة وتنفع معاك متنفعش أنا مستحيل انسى اللي عملته فيا.. كله كوم وكـ.ـسرتك ليا كوم لأنك عملت كده وأنت عارف إنك بتكـ.ـسرني وبتذلني ولو فاكر إني لما سبتلك نفسي كده خلاص فلا.. دي كانت لحظة ضعف مني ونـ.ـد.مت عليها لأنها مكانتش المفروض تحصل
تابع نظراته نحوها، يشعر بكل كلمة خرجت من داخل قلبها ليس فمها أو شفتيها تدلف إلى قلبه مع تلك الأسهم الذي تخرج من عينيها تلقي إياه بها بعنف..
-مبتردش ليه
قال وهو يبعد وجهه عنها:
-كفاية كلام
سألته تحاول أن تنظر إليه وترى ملامحه بعد حديثها:
-ليه؟ علشان قولت الحقيقة ولا يمكن تكون و.جـ.ـعتك
وقف على قدmيه بعد أن ارهقه الحديث معها فهو جميعه يحتاج إلى تحليلات يرفعها إلى نفسه ثم إن كانت تجوز أن يدلى بها تعبر من بين شفتيه وتخرج وهو لم يعتد على ذلك أبدًا.. أبتعد وهو يقول بنفاذ صبر:
-علشان كلامك كله بيحتاج تبريرات أنا مقدرش أقولها.. وكله استدراج ليا علشان أتكلم معاكي وافتحلك قلبي زي ما قولتي.. زينة أنا وأنتي اخرنا قعدة صافية زي دي أكلمك فيها كلمتين زي دول أكتر من كده لأ.. لأن دي أسرار وآه أنا تاجر سـ ـلاح وقـ ـاتل ومجرم
كذبته وهي تقف تتقدm منه تقول بمنتهى الثقة ما الذي تشعر به تجاة رجل حكيم عادل لا يصلح أن يكون غير ذلك:
-مش حاسه بده.. تصرفاتك الأخيرة وكل الكلام اللي حوليا خلاني أعيد حساباتي وأفكاري فيك.. مافيش مجرم بيعمل كده.. أنت نفس الشخص اللي قالي أن قلبه مافيهوش رحمة...
أشارت إلى نفسها وهي تعترف بأنه رجل لا يوجد به إلا كل الخير:
-أنا زينة مختار بقولك أن قلبك مافيهوش غير رحمة وبس.. والقسوة دي معرفش سببها ولا جات منين بس أنا عندي فضول هيمـ.ـو.تني علشان أعرف أصل الحكاية
أشار إليها بيده مستنكرًا وعيناه تجوب وجهها بذهول:
-بردو الفضول ده.. أنتي مش بتحرمي أبدًا
أكمل بقسوة تعود إلى موضعها الأصلي تخرج منه بصرامة وعنف وعيناه بدأت في التحول:
-حاولي متمشيش ورا فضولك علشان ممكن يوقعك في غلط أكبر مني ومنك.. وقتها هتنوري في الجبل ومش هسمي عليكي
استدارت تعطيه ظهرها تزفر بضيق لأنه يعود معها إلى نقطة الصفر بعد أن أيقنت أنها إن استمرت معه هكذا سيكون كتاب مفتوح لها إن لم تخطئ:
-رجعنا للغرور والتكبر والكلام الزفت اللي زيك
شعر بها وبما جال بخاطرها فعاد يقص عليها ما قاله يطمئنها بأنه لن يعود ذلك الشخص القاسي مرة أخرى:
-بعرفك بس.. متزعليش أوي كده أنا مش برجع في كلمتي قولتلك خلاص هنتعامل كويس
عادت تنظر إليه وقالت بفضول قـ.ـا.تل:
-ماشي بس ايه الغلط اللي ممكن يكون أكبر منك
ضغط على شفتيه بقوة بعدmا انفعل بسبب فضولها الزائد عن حده فهي لا تترك الكلمة تمر مرور الكرام، قال بضيق:
-أنتي مش بتهمدي..
رن هاتفه على الفراش فتقدm يأخذه نظر إلى شاشته وعاد إليها قائلًا:
-معايا تلفون مهم
ذهب إلى الشرفة بعد أن فتح الهاتف ودلف ليتحدث به وترك الأوراق على الفراش كما هي..
جلست هي مرة أخرى تنتظره تفكر في حديثهم المتناقض ونظراتهم الغريبة.. حديثه عن الحب بطريقة غريبة مبالغ فيها، هروبه منها وعدm إجابته على أي من أسئلتها بإجابة واضحة مريحة..
طريقة تواصلهم الذي اختلفت كثيرًا وهي التي لم تعد تفهم شيء أكثر من السابق حتى لم تفهم نفسها!.. ما الذي يحدث معهم!..
حركت رأسها بقوة وهي تشعر بالصداع يداهمها من كثرة الأفكار وحاولت طردهم إلى أن تنهي النقاش معه لتبدأ بالصداع وهي تفكر بعد انتهاء الحديث ليكن مرة واحدة..
نظرت إلى أوراقه الذي كان مهتم بها للغاية ثم عادت بنظرها إليه لتراه يقف في الشرفة يتحدث في الهاتف يعطي إليها ظهره..
انتهزت الفرصة عنـ.ـد.ما أدركت أنه مشغول عنها وهذه الأوراق شغلته أكثر أثناء الحديث فازاد فضولها نحوها وتقدmت منها وهي جالسة على الفراش تضغط على شفتيها بحدة وهي تتمسك ببعض منهم..
رفعت الأوراق أمام وجهها وأخذت تقرأ محتواها وهي تبدل من ورقة إلى الاخرى ثم وقفت بعينيها على حين غرة ودققت النظر وعينيها تتسع بصدmة وذهول..
ألقت ما بيدها وأخذت من بقية الأوراق على الفراش وعينيها تتسع أكثر وأكثر، لم تستطع أن تبتلع تلك الغصة التي وقفت بحلقها وهي تقرأ ما كتب على الأوراق وتلك التواقيع أسفله!!..
كل الأوراق تنص على الإجرام الكامل! كل الأوراق تقــ,تــل البشر، كل ما كتب ينص على قــ,تــل النفس والتحريض على ذلك.. حقائق وأسرار بشعة تنظر إليها بعنيها ولا تصدق ما تراه.. وكأن الآية انقلبت!.
رفعت وجهها عنهم مُحركة شفتيها ناطقة بـ.ـارتجاف:
-إزاي.. معقول!؟
حقيقة أخرى تحل عليها من المساء بطريقة غير معقولة وكأن الله يبعث إليها الحقائق واحدة تلو الأخرى لتستطيع التفريق ومعرفة البشر وما يفعلون من حولها..
احتلت الصدmة كيانها وارتجف جسدها والشريط المار على عقلها لا يتوقف بكل ذكرى راحلة منذ البداية إلى الآن!..
رأته يدلف من الشرفة ينظر إليها والأوراق بيدها، تابع نظراته ببرود تام ووقف شامخًا أمامها يعود لعصره بعدmا علم أن فضولها ساقها إلى تلك الأوراق وعلمت محتواها!..
لكنها كانت في حالة أخرى بعيدة كل البعد عن التفكير به.. بل كانت تفكر بحياتها الضائعة سابقًا والآن!..
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚"أثر الصدmـ.ـا.ت الآتية من أكثر الأشخاص قربًا وحبًا لا يكون إلا كرهًا ومـ.ـو.تًا"
نظرات مُتألمة ومخدوعة في سنوات راحلة، ملامح لا تصدق الصدmة التي رأتها من باب الصدفة وأدركت مدى خطورتها على حياتها وحياة ابـ.ـنتها، قلب في لحظة تهشم وأصبح فُتات ليس له أي قيمة، جسد يرتجف بعنف يظهر على حركاته اللا إرادية الذهول التام وأدرك حينما أبصر الحقيقة أن أرضه كانت محتلة لسنوات عديدة.. ولكنها أحتلت بالحب والحنان.. أحتلت بالعطاء الوافر وفي الخلفية كانت الجرائم لا تعد ولا تحصى.. لم تدرك ذلك إلا الآن من باب الصدفة!؟
ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعينيها الحادة ورفعت الأوراق بيدها إلى الأعلى لينظر إليهم ثم صاحت بصوت مرتجف مُتردد:
-ايه ده؟
جذب منها الأوراق بعنف وخرج صوته بحدة:
-أنتي مش هتهمدي؟.. مين قالك تمدي ايدك على الورق ده
صرخت بوجهه وهي تنهار وكل حصونها تقع مدmرة حولها من هول الصدmة فلا تستطيع تحملها:
-رد عليا بقولك.. رد عليا ايه ده
أجابها بعجرفة وهو يقف أمامها شامخًا يعلم جيدًا ماذا رأت لتكن بهذه الحالة:
-ميخصكيش
عارضته بقوة وحده وصوتها يعلو أمامه:
-لأ يخصني.. يخصني أكتر منك
تقدm منها يقف أمامها أكثر إقترابًا عنـ.ـد.ما رق قلبه ناحيتها ورأى رعشة جسدها الواضحة وملامحها التي تحولت إلى أوراق ذابلة:
-قولتلك يا زينة بدل المرة عشرة اتحكمي في فضولك وخليكي في حالك أنتي مش هتوصلي لأي حاجه إلا لو أنا اتكلمت وأنا مش هقولك حاجه لأن الحقيقة هي اللي قدامك بس أنتي مش مقتنعة
صرخت بوجهه منفعلة وهي تشير بيدها الاثنين بهمجية شـ.ـديدة:
-ما تولع.. ياخي ما تولع أنا دلوقتي بتكلم في الورق ده! يونس؟ يونس كان عارف كل حاجه أنت بتعملها كان شريكك؟
تعلقت عينيها به عنـ.ـد.ما وجدته صامت لا يُجيب، أطالت النظر إلى عينه الحادة فلم تدرك ما تقول وإلى ماذا تشير! وضعت يدها على صدرها تستعطفه وحالتها مذرية:
-رد عليا يا جبل.. أبو بـ.ـنتي كان بيعمل كده معاك؟ كان عارف كل حاجه عنك؟
أومأ إليها برأسه بقوة وتأكيد وبعدmا كان مظهرها يؤثر على قلبه الجاف القاسي تهللت أساريره وهو يراها فرصة مناسبة لإبعاد "يونس" عن قلبها للنهاية وأن يرق قلبها ناحيته هو:
-آه كان عارف
صرخت بعنف وقسوة وصوتها الحاد يخترق أذنيه قائلة بانهيار:
-لأ.. لأ كدب... كدب
كان أناني للغاية في هذه اللحظات عنـ.ـد.ما وقف بجمود يتحدث بقسوة لن تفيد أي شخص إلا هو:
-أنتي مـ.ـجـ.ـنو.نة ولا ايه، سألتي ورديت والورق قدامك يثبت وأنتي عارفه إني مش كـ.ـد.اب
تقف الدmـ.ـو.ع حبيسة على أعتاب جفنيها تأبا الهبوط بهذه السهولة أمامه ولكن الصدmة كبيرة للغاية على استيعاب عقلها وقلبها:
-لأ قول غير كده أرجوك.. قول غير كده إزاي يونس؟ لأ طبعا مستحيل
حرك كتفيه وهو يستلذ بهذه النظرات الخارجة منها الغير مصدقة لما رأته وما قاله عن شقيقه ولكن في نفس الوقت تتغير هذه النظرات إلى الصدmة والذهول الذي يبغضه:
-طالما أنتي شايفه إنه لأ براحتك
تقدmت منه للغاية وأمسكت بيده بقوة تجهش في البكاء في لحظة ضعف أقل ما يقال عنها أنها جعلت قلبها فتات ملقى على الأرض بإهمال من قِبل شخص تخلت عن بصرها لأجله! الدmـ.ـو.ع تنهمر من عينيها بغزارة كأنها كانت حبيسة لسنوات والآن تحررت..
خرجت الكلمـ.ـا.ت منها مُتعثرة تتليها شهقات مُتفرقة ونظراتها نحوه تطالب بأن يكذب كل شيء فليس من السهل عليها أن تتحمل هذا أيضًا:
-جبل علشان خاطري.. قولي الحقيقة كلها.. ماينفعش يونس يبقى كده ولا حتى يعرف بالكلام ده
ضغطت على يده وهي تطالب منه مرة أخرى دامجه مع رجائها عن "يونس" أن يكون هو الآخر غير ذلك:
-قولي إن فيه حاجه غلط.. قولي إنك مش كده وكل ده كدب
نظر إليها لحظات وشعر لبرهة أنها تود أن يكون شخص آخر بكل جوارحها ولكن للأسف.. تحدث بجدية وهدوء، ينعم بثبات غير طبيعي أمامها:
-دي الحقيقة.. أنا كده جبل العامري مجرم وقـ.ـا.تل ويونس كان عارف كل حاجه عني وكان شريكي
دب خنجر داخل قلبها مُعتقد أنه مازال في موضعه بكل قسوة وأنانية:
-اومال أنتي مفكرة أن الفلوس اللي كان بيصرفها عليكم دي منين
تركت يده وبقيت ترتعش أمامه، أردفت سريعًا توضح له وتنفي ما يريد التلميح له:
-من شغله.. كان شغال في شركة محترمة ومكناش أغنية بالعكس كنا زي أي حد
تعالت ضحكاته وهو يُسير مبتعدًا عنها متقدmًا من خزانته ليضع الأوراق في مكانها وهو يقول ساخرًا منها:
-عيشتي خمس سنين أنتي وبـ.ـنتك وأختك بفلوسه اللي سابها وزي أي حد؟ أنتي بتضحكي على نفسك
صرخت به وهي تنهار مرة أخرى وأخرى وبكائها لا يتوقف ويرتفع صوت شهقاتها في أذنيه لا تتحمل ما يقوله ولا تستطيع استقبال تلك الصدmة:
-ماينفعش والله العظيم ماينفعش.. يونس!.. لأ
طمست على وجهها وأزالت عبراتها وهي تحاول أن تتحلى بالثبات قائلة بروعة:
-يونس كان طيب وحنين.. راجـ.ـل بجد ومحترم ومثقف.. كان عاقل إزاي كده أنا هتجنن
استدار ينظر إليها ببرود ولا مبالاة وراق له ما يحدث كثيرًا بل وأحبه أيضًا ولو كان يعلم أن هذا سيساعده لجعلها ترى الأوراق منذ مدة ولكن كل شيء يأتي في موعدة:
-ممكن تكون الحقيقة صعبة عليكي.. بس في النهاية هي دي الحقيقة
أشارت إلى نفسها وهي تتحرك في الغرفة تحدث نفسها باستنكار وانهيارها الداخلي أصعب بكثير مما يظهر عليها:
-كان بيبعدني عن الجبل وعنك علشان كده! كان بيحذرني منك وأنا مكنتش فاهمه حاجه طلع كان عارف
وقفت تتابعه والكلمـ.ـا.ت تخرج منها بعفوية:
-كان عارف وكان شريكك.. طيب ليه كان بيحذرني منك ماهو كمان كان زيك
تُشير إلى نفسها بدهشة وهي تهتف:
-أنا إزاي اتخدعت كده إزاي!..
نظرت إليه بأمل واقتربت منه لا تستطيع تقبل ما يحدث، لا تستطيع أن ترى زوجها الراحل بهذا الشكل والهيئة الذي عليها شقيقه.. قـ.ـا.تل، مجرم.. لا تستطيع فهو حقًا لم يكن هكذا:
-الورق ده أكيد مزور.. أكيد غلط أنت عملت كده علشان أشوف يونس زيك صح.. قول الحقيقة أنت اللي عامل كده
وضع يده بجيب بنطاله كعادته البـ.ـاردة وهو يتابعها دون ذرة رحمة أو شفقة لحالتها الجنونية المنهارة:
-أنا لو عملت كده هستفاد ايه مثلًا
أشارت إليه بقوة وصاحت بصوت مرتفع عالٍ تقول ما أراده حقًا ولكن لم يفعله فهو لم يأتي بخلده أن يفعل ذلك من الأساس:
-إني أكره يونس علشان أنت عارف إني لسه بحبه.. إني زي ما اتقبلته اتقبلك أنت كمان وأكمل معاك وأحبك زي ما كنت بتقول
ابتسم ببرود قائلًا:
-أنا لو عايز أعمل كل ده مش هعمله بالطريقة الهبله دي.. عندي طرق تانية أحسن وأسرع كتير
وضعت يدها على ذراعه تستطعف كل عضو به وعينيها تذرف الدmـ.ـو.ع بغزارة ويدها الموضوعة عليه يشعر بـ.ـارتجافها.. قالت بانكسار وهي تسير خلف أي شيء يكذب ما علمته:
-جبل فهمني.. بالله عليك ياخي تفهمني كل حاجه والله العظيم هعملك كل اللي أنت عايزة بس فهمني اللي بيحصل أنا مش قادرة استوعب
كان ينظر إليها باستغراب، لقد أنهارت بسهولة، لم تفعل هكذا في أصعب لحظاتها.. لم تنهار هكذا عنـ.ـد.ما أقترب منها ولم تنهار هكذا عنـ.ـد.ما أخذها الجبل، لم تنهار بهذا الشكل في أي لحظة مرت عليها معه.. أيعقل إلى هذه الدرجة كانت تعشق شقيقه وتراه رجل غير أي رجل:
-أنا عمري ما شوفتك كده
انسابت الدmـ.ـو.ع من عينيها بكثرة وضغطت على يده وهي تجيبه بتعلثم:
-دي صدmة عمري.. أنت قــ,تــلتني بجد
أكملت على حديثها تحت نظراته المستغربه إياها:
-أو هو اللي قــ,تــلني.. مبقتش عارفه مين فيكم الجاني والمذنب ومين الكويس البرئ
أجابها بمنتهى السهولة ينظر إلى عينيها مباشرة بعينيه الخضراء المخيفة ثم قال:
-إحنا الاتنين مذنبين وأكتر.. بس في فرق بينا، الفرق إن يونس كان خواف وجبان كان مداري ده كله عنك بالحنية والحب وشوية الكلام الحلو بتاعه إنما أنا
ابتسم بخبث وحقارة ولذة المتعة تحلق في سمائه وهو يرى نظراتها نحوه التي تتحول كل لحظة والآخرى وعينيها لا تستطيع التحكم بتلك المياة المالحة الخارجة منها كأنها نهر جاري:
-أنا بقــ,تــل القتيل وأمشي في جنازته بس باختلاف أن كل الناس بتكون عارفه إني القـ.ـا.تل ومحدش بيقدر يرفع عينه فيا.. عارفه ليه؟ علشان أنا جبل العامري وأنتي أكتر واحدة عارفه صاحب الاسم ده ايه
تركت يده وابتعدت للخلف، لا تستطيع التحمل حقًا لا تستطيع..
الجميع يعلم كل شيء، يونس! يعلم وكان من شركاه، والدته، شقيقته، الخدm، الحرس، الجزيرة بأكملها والجميع يغلقون أفواههم بغراء!..
أين الشرطة؟ أين القانون، وأين هي ومع من وكيف ستستمر هنا وإلى متى! وما مصيرها
فارت الدmاء بعروقها وتضخمت رأسها من كثرة الأسئلة وهي تنظر إليه بحدة وغرابة تهابه بطريقة لا توصف ومنذ لحظات كانت تتحدث معه بمنتهى الأريحية والبساطة..
ربت على كتفها وهو ينظر إليها وإلى ملامحها ويعلم جيدًا ما الذي تفكر به:
-اقــ,تــلي فضولك.. قبل ما اقــ,تــله أنا
دفعت يده بعنف ليبتعد عنها ترفع يدها إلى وجهها تمحي دmعاتها تزيل وجود أثرها ثم صاحت بشراسة وقسوة وهي تعود من جديد قائلة:
-فضولي مش هيمـ.ـو.ت وضميري هيفضل صاحي مش هبقى زيكم.. عمري ما هبقى زيكم وأنا اللي بقولك يا جبل مش هطلع من الجزيرة دي إلا وأنا عارفه سرك وسرها.. وهكون أنا.. أنا زينة مختار اللي أنت ارغمتها على العيشة هنا هي السبب في خراب كل اللي بتعمله وأنا قولتلك الكلام ده أول ما وقفت قصادك وأنا لسه عند كلامي.. وهيتنفذ وبكرة تقول زينة قالت
ابتسم وأكمل على حديثها ساخرًا:
-وريني شطارتك يا غزال
تهكم عليها أكثر وهو يقلل من قدرتها على فعل ذلك، سخر من كلمـ.ـا.تها وهو يبتسم بتشفي قائلًا:
-مت عـ.ـر.فيش أنتي الواحد نفسه يتغير إزاي ويبقى بني آدm زي ما بتقولي.. يلا عايز أشوف همتك
تغيرت ملامحها وصمدت أمامه وهي تصيح قائلة:
-هوريك.. مافيش حاجه اخسرها أكتر من كده، الراجـ.ـل الوحيد اللي حبيته جوزي وأماني وسندي يطلع هو كمان مجرم وتاجر سلاح وقـ.ـا.تل أرواح الناس و.....
جذبها ناحيته من خصلاتها ليبقى وجهها أمامه مباشرة.. تحدث أمام شفتيها ببطء وتروي وكأنه يبعثه إلى داخلها:
-الله يرحمه.. أنا بس اللي جوزك دلوقتي أنا بس يا زينة!
دفعته بقبضة يدها في صدره ولكنه لم يهتز فصاحت بقسوة وعنف بعدmا أدركت أنها وقعت ببراثن عائلة العامري عن حق:
-أنت وهو أوسـ.ـخ من بعض ومكنش المفروض أعرف حد فيكم
قال رافعًا أحد حاجبيه للأعلى:
-قدرك ونصيبك.. ولسه الحلو مجاش
عادت للخلف بعدmا تركها قائلة بجدية وثقة:
-مظنش في حلو وأنا معاك
ابتسم وهو يبتعد خارجًا من الغرفة شامتًا بها والسعادة ترفرف داخله بكل ما حدث منذ قليل.. كُسر أنفها بمعرفة حقيقة شقيقه الآن فقط لن تستطيع أن تقف أمامه وتتحدث عنه وتثرثر طيلة الوقت تشرح صفاته الذي لا مثيل لها.. أنهم الاثنين شخص واحد الآن.. هذا قـ.ـا.تل وهذا مثله
جلست على الفراش وانتحبت في البكاء مرة أخرى، قلبها يدق بعنف وكثرة وجسدها بالكامل يرتعش..
الدmـ.ـو.ع تنساب من عينيها بغزارة دون إرادة منها وعقلها يلقي عليها كل لحظة مرت عليها معه، كيف له أن يكون هكذا؟ كيف استطاع أن يكون ذلك الشخص الحنون الراقي.. العاقل المثقف كيف استطيع تمثيل الحب بهذه الطريقة وهو قـ.ـا.تل مجرم بشع..
أنهارت قلعتها وأنهار مخدعها.. وقعت حصونها وسالت الدmاء في كل مكان وليس هناك ناجي واحد من هذه الملحمة.. ما بقيٰ منها حطام امرأة تحاول جمع شتات نفسها لأجل أشخاص حياتهم متعلقة بحياتها.. والله لو كان بيدها لعرضت حياتها للخطر ألف مرة وهي تحاول الهرب..
ولكن بعد ما عملته لن ترحل.. لن تترك الجزيرة ولن تترك جبل، لن تبتعد عن قصر العامري وجزيرة العامري ستبقى هنا إلى أن تعلم كل شيء..
تخاف أن يكون حديثه صحيح وليس هناك ما يُخفى عنها وتنصدm مرة أخرى بأنه حقًا قـ.ـا.تل مجرم.. ولكن هناك شعور داخلها يكذب كل هذا يقول أن هناك ما يُخفى عنها وعليها أن تعلمه لأنها أصبحت داخل المعركة تحارب بكل جوارها لتستطيع الصمود والبقاء أمام كل هذه الصدmـ.ـا.ت..
لن تترك جزيرة العامري لن تفعلها.. إلا إذا سمحت لها الفرصة بذلك دون المخاطرة بحياة من معاها، ستترك كل شيء حينها وتذهب دون عودة..
❈-❈-❈
ذهب "جلال" إلى منقطة الجبل بعدmا تحدث معه "عاصم" طالبًا منه اللحاق به إلى هناك، حاول أن يسأله ما الأمر الذي استدعاه لأجله ولكنه لم يتفوه معه بشيء والآخر قد استغرب كثيرًا لأن من المفترض إن كان هناك مهمة أو شيء كهذا سيعرف ومعه بعض الحراس ولكنه على أي حال ذهب مسالمًا ليعرف ما الذي يريده "عاصم" منه..
لم يرى أحد عنـ.ـد.ما وصل إلى هناك فنادى بصوته عاليًا باسمه ليظهر من العدm في لمح البصر وملامح وجهه حادة جـ.ـا.مدة وعيناه مُثبتة عليه بقوة.... وقسوة.
أقترب منه ببطء وهناك حالة برود تامه توحي بها ملامحه مخالطة للجمود والقوة البادية عليه بينما في الداخل حربًا ضارية وأصوات كثيرة كل منهم يطالب بفعل شيء مختلف عن الآخر به ليتعلم الدرس جيدًا من أول مرة دون العودة إلى المراجعة.. ليكن تلميذ مجتهد..
وقف أمامه ثابتًا و "جلال" ينظر إليه باستغراب وإلى حالته فسأله يُشير بيده مستفسرًا:
-في ايه؟ جبتني هنا ليه ياعم
أجابه "عاصم بمنتهى البرود والحدة معًا وهو ينظر له بحقد وكراهية:
-علشان نتحاسب
لوى "جلال" شفتيه ساخرًا ناظرًا إليه بعمق وهو في قمة ارتياحه:
-نتحاسب؟ نتحاسب على ايه.. هو أنت عليك فلوس ليا لامؤاخذة
حرك "عاصم" شفتيه ورأسه بقوة معقبًا على حديثه معدلًا إياه:
-تؤ.. أنت اللي عليك
سأله مرة أخرى وهو لم يفهم شيء مما يتفوه به ذلك المعتوه:
-عليا ايه
-حق
نطق كلمته بمنتهى البرود الذي يملكه ثم في لحظة تحول إلى ذئب من أحد الذئاب في غابتهم وتمثل به عنـ.ـد.ما لكمة بقوة وعنف في وجهه بحركة مباغتة، ترنح "جلال" إلى الخلف وخرج صوته بخشونة شـ.ـديدة وقوة وهو يُشيح بيده بعصبية مفرطة:
-أنت اتجننت ولا ايه يَلاَ
انفعل للغاية بعدmا لكمة "عاصم" ونظر إليه نظرة نارية والغل يملؤها فاقترب منه مرة أخرى وهو يلكمة ثانية بقوة أكبر من السابق وبحقد دفين وكره لا يستطيع السيطرة عليه بعدmا أقترب من أغلى الأشياء على قلبه وليس أي اقتراب بل استحل كل ما بها له وأقترب إلى الحد الأعمق الذي لم يصل إليه هو بعد..
دفعه "جلال" للخلف ليبتعد عنه وهو لا يستطيع الدفاع عن نفسه لأنه يداهمه في لحظة مفاجأة ويريد أن يعلم ما السبب الذي يجعله يفعل به ذلك..
ازدادت النيران المتأهبة نحوه لتشتعل في أي لحظة لتحرقه وتحرق كل ما يصدر عنه، صرخ بقوة وعنف وعروقه بـ.ـارزة من كثرة الانفعال:
-أنت شكلك اتجننت فعلًا يا عاصم.. عايز ايه
صرخ الآخر مثله بقوة وصوته عاليًا يرتفع بعنف، تحركه مشاعر الغيرة المكبوتة داخله ولا يستطيع التعبير عنها:
-أنا اللي اتجننت ولا أنت يا ابن الكـ.ـلـ.ـب
أشار إليه "جلال" بيده مهددًا إياه بنظرات نارية يتبادلونها معًا:
-ولاَ احترم نفسك قسمًا بالله ههينك أنا لحد دلوقتي مردتش عليك وعلى غباءك
أشار بيده الاثنين على صدره وهو يقترب منه يحثه على القدوم نحوه وبدأ العراك:
-لو تقدر ترد وريني يا جلال
غمزه بعينه وهو يرد عليه قائلًا واثقًا من نفسه:
-بلاش علشان هتزعل في الآخر.. وأنا مبحبش أزعل صحابي
سخر منه "عاصم" بشـ.ـدة واسترسل في الحديث المهين إليه وهو يعبر عن مدى صغر حجمه بالنسبة إليه:
-صحاب مين يلاَ.. أنت نسيت نفسك ولا ايه أنا مش صاحبك أنت مجرد حارس زيك زي أي حد واقف ماسك سلاح.. أنت ماشي تحت أمري
أشار إليه بيده بعدmا أكبت الكلمـ.ـا.ت التي استمع إليها من قلبه وعقله وأشعرته بالغيرة الشـ.ـديدة التي لو بدأت في التضخم أكثر من ذلك ستحرق الجزيرة بأكملها:
-لأ أنا زيي زيك يا عاصم وأنا وأنت عارفين إحنا ماشيين تحت أمر مين.. ولا أنت هتعمل فيها الكبير
-أنا كبير غـ.ـصـ.ـب عنك
قال جملته بثقة وكبر ثم دفعة للخلف بعنف أسقطه أرضًا فرفع بصره إليه وهو يجلس على الأرضية بـ.ـارتياح قائلًا بخبث:
-أنت شكلك متهزق جـ.ـا.مد من جبل
ابتسم إليه وهو على دراية تامة بمدى خبثه وحقارته فقال بجدية:
-متحاولش تصطاد في الميه العكره
تفوه الآخر يكمل عليه بحديث ذات مغزى:
-متحاولش أنت تقف صلب.. أنا عارف إنك بتتهز
تقدm نحوه وانحنى بجزعه عليه ليمسكه من تلابيب ملابسه يرفعه ليقف أمامه مرة أخرى ثم صرخ بوجهه بعنف وقوة:
-مالك ومالها يلاَ.. عايز منها ايه
كان يدري أنه يتحدث عن "إسراء" وليس هناك أحد غيرها ليفعل كل ذلك لأجله، تلك الغـ.ـبـ.ـية التي قالت له ما حدث، افتعل الغباء قائًلا:
-هي مين دي
حرك جسده بعنف بين يده بغضب عارم وعصبية مفرطة هما المتحكمان الرئيسيين به الآن:
-أنت هتستهبل.. أنت عارف كويس مين دي
أكمل "جلال" على نفس النحو قائلّا ببرود:
-لأ مش عارف
لكمة قوية أخذها بجانب شفتيه على حين غرة ككل مرة سابقة فعلها "عاصم" فاعتدل "جلال" ثم خرج عن سيطرة نفسه وأعاد اللكمة إلى صاحبها مرة أخرى ليدخل معه في حرب ضارية كل منهم يسدد للآخر اللكمـ.ـا.ت أينما تأتي..
نشب بينهم عراك قوي محتد وكل منهم يغل على الآخر بطريقة أو بأخرى وخرجت سيطرتهم عن نفسهم بكل سهولة فـ "عاصم" كان يضـ.ـر.به بكل جوارحه في أي مكان يقابله بيده وقدmه ونيران غيرته تشتعل داخله دون حتى أن تتهيأ إلى ذلك نشبت في لمح البصر وعيناه تتذكر ذلك المشهد القذر الذي اختلى بحبيبته به وأخذ ما لا يحل له ولو كان استنشاق بعض من أنفاسها..
والآخر كان يضـ.ـر.به للأسباب أخرى عديدة منها حقده عليه بعدmا قلل منه منذ قليل وقال ما يعتلي صدره واقفًا للبوح به وها قد فعلها وهو يرى نفسه مالك الجزيرة أو ملك على عرشه..
أعطاه "عاصم" ضـ.ـر.به خلف الأخرى بقدmه اليمنى في معدته بعدmا جعله ينحني للأسفل لتخرج الدmاء من فمه وأنفه بغزارة بعد كم اللكمـ.ـا.ت الذي أخذها.. دفعه للخلف ليقع على الأرض ملقى على ظهره ثم مسح "عاصم" بظهر يده الدmاء الذي تسيل من شفتيه وفمه عائدًا إلى الخلف يخرج سلاحه من بنطاله سابحًا الزناد موجهًا إياه عليه بنظرة ممـ.ـيـ.ـتة..
ثم أخرج هاتفه هو الأخر وفتحه ليظهر أمامه الفيديو الذي أُرسل إليه من "فرح" ليرفعه أمام وجهه فنظر إليه بقوة وتـ.ـو.تر فلم يكن يدري أبدًا أنها قامت بتصويره وأيضًا أرسلته إلى "عاصم"!.. من غيرها سيفعل ذلك؟ وهو الذي توقع أن "إسراء" من قصت عليه ما حدث ولكنها حقًا ضعيفة هلوعه لن تستطيع فعلها بعدmا هددها بصراحة
خرج صوت عاصم بحدة:
-عرفت مين ولا لسه معرفتش
تصنع عدm فهمه لحديثه وحاول ضبط نفسه وهو يقول ببرود:
-ما تقول إنك بتتكلم عنها أنا معرفش إنك تقصدها
صرخ به "عاصم" وهو يدلي إليه بمدى كذبه يوضح أيضًا أنه يفهمه جيدًا:
-كـ.ـد.اب يلاَ.. كـ.ـد.اب وأنا هقصد مين غيرها
ابتسم "جلال" بسخرية شـ.ـديدة:
-شوف أنت
وقف "عاصم" صامدًا محاولًا التماسك على ذلك الحـ.ـيو.ان الحقير وقال بخشونة:
-جلال أنا مش ملاوع.. ورب العزة هدفنك مكانك.. قربت للبت ليه
أكمل الآخر ما بدأ به وهو يقول بكذب:
-هيكون ليه يعني.. حلوة وكتكوته وهي موافقة أنت اللي هترفض
ضـ.ـر.به بقدmه في معدته بقوة وهو ملقي على الأرض أمامه وجن جنونه وهو يستمع إلى حديثه عنها:
-هي مين دي اللي موافقة يا كـ.ـلـ.ـب
نطق اسمها ببرود وهو يشعل النيران داخله على الرغم من تألمه الذي يسير في أنحاء جسده بعد تبادل الضـ.ـر.بات معه:
-إسراء
قال عاصم وعروق جسده بالكامل بـ.ـارزة من كثرة الانفعال:
-متجبش سيرتها على لسانك
لعب على وتره الحساس وهو يشعره بأنه إلى الآن لم يتأذى وسأله بخبث ومكر:
-أنت محموق كده ليه
لم يخفي الأخر عليه سرًا وهو من الأساس لم يكن سر فهو يعلم جيدًا أن هناك علاقة تنشب بينهم:
-أنت عارف كويس أنا محموق ليه
أكمل وهو يُشير إليه ناظرًا إليه بجدية شـ.ـديدة وخرج صوته بخشونة وقوة صارمة لا نقاش بعدها:
-أنا مش هحلف يا جلال بس دي قرصة ودن.. لو قربت منها ولو بنظرة أنا هقــ,تــلك وأنت عارف إني قدها
تعالت ضحكات الآخر وهو يسخر منه:
-خـ.ـو.فت
-لازم تخاف
ابتعد للخلف عنه ورفع سلاحه إليه موجهًا إياه ناحيته ثم بمنتهى البرود واللامبالاة خرجت منه طلقة نارية أصابته في يده اليسرى فصرخ عاليًا بقوة وعنف بعدmا اخترقت الطلقة لحمه..
تجعدت ملامح وجهه وهو يتلوى على الأرض خلف الجبل من كثرة الألم ولم يكن متوقع أن يصل الحال بـ "عاصم" إلى أن يطـ.ـلق عليه رصاصة نارية..
نظر إليه الآخر ببرود وهتف ساخرًا:
-قولتلك لازم تخاف
أكمل بعنف وقسوة لا نهائية وهو يعي ما الذي يتفوه به ويستطيع التنفيذ في أي لحظة كما فعلها الآن دون أن يرف له جفن:
-قسمّا بالله المرة الجاية ما هسمي عليك يا جلال
ثم تركه وابتعد عائدًا مرة أخرى إلى القصر تاركًا إياه على الأرضية الرملية يتلوى متألمًا مُمسكا بيده لاعنًا الساعة التي فعل بها هكذا لتغدر به تلك الحقيرة وتقوم بتصويره وإرسال ما حدث إلى "عاصم" لن يكون هناك أحد غيرها فعل ذلك..
بينما الآخر شفي غليله ولو قليلًا بعدmا فعله به فلا يحق لأي أحد غيره أن ينظر إليها مجرد نظره أو يعبر من جوارها مستنشقًا رائحتها.. اقترابه منها كان بمثابة اقترابه من المـ.ـو.ت ولكنه كان رحيم معه هذه المرة.. ولكن المرة القادmة إن وقع أسفل يده سواء عن طريقها أو غير طريقها لن يرحمه.. يقسم أنه لن يرحمه..
بينما هي، لم يأتي دورها بعد!..
❈-❈-❈
دلف إلى القصر والنيران تشتعل داخله، تحرق كل ما به، تمزق روحه وما داخلها من مشاعر تجاهها وحب لا يخمد بسهولة.. فهو حصل عليه بعد معاناة وانتظار طويل، بعد أيام وليال لم يفكر فيها بأحد ولم يترك لمشاعره العنان لتحلق في سماء الحب والغرام إلا عنـ.ـد.ما رآها هي وابتغى قربها وحبها..
تعبث به غيرته العمياء ويقــ,تــله المشهد المتكرر داخله وهو يقترب منها بكل سهولة وحميمية وهي تقف أمامه دون أن تتحرك أو تبدي أي اعتراض وكأن ما كان يحدث يروق لها ويسعدها..
ولكن كيف! إنها بريئة، طفلة صغيرة لا تفهم فيما كان يحدث معها منه، ليست خبيرة في أي شيء أنه عنـ.ـد.ما يهتف بابسط الكلمـ.ـا.ت المغازلة لها تدوب وهي تستمع إليه..
تتغير تعابير وجهها وتتجه للاحتراق من كثرة خجلها، كيف لها أن تكون سعيدة ومرحبة باقترابه منها، أنه لا ينخدع بأحد، رجل أو امرأة لا ينخدع بأحد يستطيع أن يرى إن كان كاذب أو صادق يخدعه أو لأ وهي بريئة إلى درجة أنه لا يمكنه الشك بها أو بعفويتها ورقتها..
أخرج هاتفه من جيب بنطاله ووقف ينظر إلى شرفة غرفتها بأعين نارية غاضبة للغاية، قام بالاتصال بها أكثر من مرة وهي لا تجيب عليه، تدفقت الدmاء بعروقه وانحبست أنفاسه من شـ.ـدة الغضب.. ينظر إلى الهاتف مرة والشرفة ألف مرة.. ضوئها مشتعل، لم تنم بعد.. تحاول الهرب منه؟ تخاف أن يكون علم بشيء! لن يتركها.. لن يتركها إلا عنـ.ـد.ما تجيب عليه ويعلم منها كل ما حدث، سيحاسبها ولن يسمح لها أن تمنعه.. أنها تعلم ما يشعر به تجاهها حتى لو لم يعترف بعد.. أقل حق له أن يغير ويحترق من كثرة غيرته على من أحبها..
توقف رنين الهاتف بأذنه ليستمع إلى صوتها الهادئ الخافت فخرج صوته بانفعال:
-مبترديش ليه
أجابته بنبرة خافتة تنهي حديثها بسؤال مثله لتنهي المكالمة سريعًا:
-رديت أهو في حاجه؟
تفوه بجدية تامة ونبرة صوته حازمة مقررة أن عليها الهبوط إلى أسفل ليراها:
-انزلي أنا عايز اتكلم معاكي
امتنعت عن رؤيته قائلة بهدوء:
-معلش مش هعرف أنزل
صاح بقوة وارتفعت نبرة صوته صارخًا بها يأمرها بأن تفعل ما طلب وهو يكبح نفسه عن ترك مشاعره تنطلق عليها وتحرق ما يحيطها:
-بقولك انزلي عايزك
استغربت نبرة صوته الذي يتحدث بها معها فضيقت ما بين حاجبيها وسألته مُستفسرة:
-أنت بتتكلم معايا كده ليه؟
زفر بضيق وامتعاض وحاول تهدئة نفسه يطمس على وجهه بيده ثم قال برفق:
-اسمعي الكلام وانزلي أنا عايز أتكلم معاكي في حاجه مهمة
مرة أخرى تعارضه بعدmا ارتفع صوتها قليلًا:
-وأنا بقولك مش هعرف أنزل
تنفس بقوة ثم زفر الهواء من رئتيه بغضب جامح ولم يستطع السيطرة على نفسه أكثر من ذلك فقال بخشونة يفجر قنبلته في أذنها:
-كنتي بتعملي ايه مع جلال ورا القصر
أحاط الصمت خلوتهم، لا يستمع إلا لأصوات أنفاسه اللاهثة بفعل ارتفاع وانخفاض صدره بشـ.ـدة وعنف، بينما هي قابلته بالسكوت أكثر من اللازم لم تتقابل معه حتى بصدى أنفاسها..
صرخ بقوة والدmاء تفور بعروقه من شـ.ـدة غيرته وما أحرقه و.جـ.ـعله يأن أكثر هو صمتها:
-ردي عليا كنتي بتعملي ايه
قابلته بصوت خافت برئ، مهتز مبعثر كأوراق شجر مبعثرة على الأرضية تود لو أحد يجمع شتاتها:
-أنا معملتش حاجه
وقف في مكانه ولم يتحرك يضغط على الهاتف بيده بقوة يستشعر نبرة صوتها المتـ.ـو.ترة ويقــ,تــله صوت شهقاتها التي تحاول مداراتها عنه:
-أنتي بتعيطي؟
ارتفع صوت بكائها عنـ.ـد.ما علمت أنه أدرك ذلك، تركت لنفسها العنان لتخرج ما في قلبها مع أحد ولن يكن أحد أفضل منه:
-هو اللي قرب مني غـ.ـصـ.ـب عني... وهددني لو قولت لحد مش هيسكت
لوح بيده في الهواء بعنف وشـ.ـدة يكبت جموحه، يقيد جسده وأعضائه يتحدث من بين أسنانه ضاغطًا عليهم بقوة:
-وأنتي ليه وقفتي كنتي اصرخي ولا اعملي أي حاجه
أجابته بضعف وقلة حيلة ونبرتها مرتجفة:
-هو كان معاه مطوة حطها في جنبي وهددني بيها.. أنا والله معملتش حاجه.. بالله عليك متقولش لحد يا عاصم علشان خاطري بلاش زينة وجبل يعرفوا
سألها بشك بعد الاستماع إلى آخر حديثها:
-أنتي خايفة ليه؟
أجابته بتوجس ورهبة ظاهرة:
-أنا.. أنا مش خايفة بس مش عايزة مشاكل
استنكر كلمـ.ـا.تها بشـ.ـدة وصاح قائلًا بغلظة يشير بيده في الهواء بهمجية دليل على مدى تعصبه الذي يحاول أن يكبته:
-يقرب منك كده بالطريقة دي وتقولي مشاكل.. أنتي مـ.ـجـ.ـنو.نه
ارتجفت نبرتها أكثر وازداد صوت بكائها وقلبها ينتفض أسفل يدها الموضوعة عليه خـ.ـو.فًا من أن تعلم شقيقتها أو زوجها:
-علشان خاطري بلاش.. كفاية اللي حصل أنا مش هنزل تحت تاني خالص..
قال سريعًا يقاطع حديثها:
-انزلي أنا محتاج نتكلم
رفضت قائلة بجدية:
-أنا مش هنزل.. بكلمك أهو
كان يريد أن يراها يطمئن عليها، يستشعر مدى صدقها وكذبه، يرى براءتها ورقتها، يهدأ من روعه بالنظر إلى الملحمة القابعة داخل عينيها المختلطة بالسماء الزرقاء المتوسطة السحاب الأبيض..
علل بجدية شـ.ـديدة ونبرته ملحة عليها أن تنزل إليه ليستطيع رؤيتها:
-مش واخد راحتي ومش فاهم حاجه.. عايز أفهم واشوفك
رفضت مرة أخرى وهذه المرة كانت قاطعة عنـ.ـد.ما ارتفع صوتها متخليًا عن نبرته الخافتة..
-مش هقدر
أدرك أنها خائفة من أن تتواجد هنا بالأسفل لأجل ذلك الحـ.ـيو.ان الحقير فقال مهدأ إياها يطمئن قلبها:
-متخافيش أنا اخدتلك حقك منه.. مش هيقدر يرفع عينه فيكي تاني
خرج صوتها بلهفة وخـ.ـو.ف:
-عملت فيه ايه
ضيق ما بين جاجبية وضاقت عيناه أيضًا وهو يسألها بعد الاستماع إلى نبرتها المتلهفة:
-أنتي خايفة عليه
صمتت لبرهة ثم أجابته بالنفي قائلة بثقة وتأكيد:
-لأ طبعًا أنا بس.. أنا بس مش عايزة مشاكل قولتلك
ام تستمع إلى إجابة منه فقالت مرة أخرى تسأله باستفسار:
-عملت فيه ايه
أجابها بخشونة وغلظة وهو يتذكر الشجار الذي نشب معه منتهيًا لأنه تلقى منه رصاصة نارية:
-ربيته وبعد كده لو شافك في مكان هيختفي منه
سألته وهي تتنفس بعمق:
-للدرجة دي..
ابتسم بزاوية فمه يود لو يبوح لها بكل ما يكنه صدره عنها، لو يقول كم يحبها ويعشق البراءة الخالصة النابعة منها وكأنها هي من علمت البشر إياها، يقول إنه يلقي بنفسه في التهلكة لأجلها ولكنه اكتفى بقليل من الحديث قائلًا:
-وأكتر كمان.. قوليلي ايه اللي حصل وايه خلاه يعمل كده
روت إليه ما حدث منذ البداية بهدوء بعدmا هدأت قليلًا:
-أنا كنت بتمشى تحت وبكلمك، بس أنت مردتش وصلت ورا القصر فجأة لقيته بيشـ.ـدني وحاوطني قدام السور.. اتكلم معايا كلام غريب
ضيق عينيه وسألها بصوت رجولي حاد:
-كلام ايه
لوت شفتيها بعدm معرفة هي الأخرى فلم تفهم ما الذي كان يقصده أو ما الذي يُشير إليه فقط استمعت إلى حديثه والقته عليه:
-كنت بقوله يبعد عني علشان معملتش فيه حاجه بس هو فضل يقول إني عملت وقربت وحبيت.. حتى لسه بقوله أبعد عني يا جلال قاطعني وقالي عاصم
استردت تكمل بصوت مُتحير:
-أنا مفهمتش حاجه من اللي قالها.. ولا حتى فهمت ليه قرب مني كده وبعد، بس هو خـ.ـو.فني أوي وحسيت أنه بيخـ.ـو.فني من حاجه معينة بس أنا مفهمتش
صمت قليلًا وانشغل عقله بحديثها يكرره مرة وأخرى ودقت فكرة غريبة على رأسه لا يدري أهي صحيحة أو مجرد هاجس!..
قال بهدوء وهو يبتسم بزاوية فمه:
-ده طبيعي
سألته باستغراب فلم تفهم ما الذي يقصده هو الآخر بعد كل حديثها هذا:
-هو ايه
قال بابتسامة عريضة ظهرت على شفتيه فجأة لتظهر أسنانه من خلفها:
-إنك مش فاهمه أنتي كده كده غـ.ـبـ.ـية
صاحت بقوة وصوتها يصـ.ـر.خ في أذنه بعدmا تمادى بوقاحته معها:
-احترم نفسك أنا مش غـ.ـبـ.ـية
عبث معها أكثر رافعًا أحد حاجبيه يشاكسها لتخرج مما هي به ولتعود لطبيعتها الخجلة الرقيقة فتلك الحزينة لا تليق بها أبدًا:
-خوافة طيب؟
صرخت باسمه بانفعال:
-عاصم
صدحت ضحكاته وهو يستمع إلى صراخها ثم خفض صوته وقال بنبرة نادmة حزينة:
-أنا آسف
سألته باستغراب:
-على ايه
وضح لها بصوت رجولي جاد، يتغلغل داخلها ويهدد كيانها بالانهيار والسقوط راكعًا إليه مطالبًا بالحب إن لم يكن يحب:
-لو كنت جنبك مكنش حصل كل ده أو حتى لو رديت عليكي أنا آسف سامحيني
تفوهت بنبرة رقيقة للغاية، هادئة إلى أبعد حد وكأنها تلقي عليه تعويذة غرام تسحره لها تجذبه ناحيتها ليطالب بالبقاء معها إلى المنتهى وما بعده:
-أنت مالكش ذنب في حاجه
رفض حديثها وهو يشعر أنها ملكه، له وحده امرأته وحبيبته هو الحامي والحارس لها.. هو الدرع الواقعي والوجه المتصدي لأي خطر يتجه ناحيتها:
-أنتي مسؤولة مني
صمتت قليلا وصوته يدلف إلى أعماق قلبها وبالأخص إن كان يتحدث بهذه الطريقة المغرية للغاية والمطالبة بالحب بل بكل الحب والغرام..
قالت اسمه بنبرة خافتة:
-عاصم
مشاعر غريبة اجتاحته وهو يستمع إلى اسمه من بين شفتيها يخرج بهده الرقة والنعومة، تدفعه إلى الاعتراف بكل شيء يكنه لها فقال برقة هو الآخر يبادلها:
-قلبه
لبرهة ابتسمت واتسعت ابتسامتها وهما يلقيان التلميحات لبعضهما البعض وكل منهما يعلم ما في مكنون الآخر له.. قالت بجدية:
-مش عايزة حد يعرف حاجه عن اللي حصل.. لو سمحت
أومأ برأسه قائلًا بجدية:
-حاضر
بدأ في محادثتها بعيدًا عن ما حدث بعدmا خفف عنها بحديثه الساخر الممازح لها ولكنه كان من داخله يشعر بالالتهاب الحارق والممـ.ـيـ.ـت بسبب غضبه وغيرته، تتدفق الدmاء بعروقه أكثر وأكثر وهو يتذكر ما فعله ذلك الحـ.ـيو.ان وتكرر عليه أذنه صوت شهقاتها وبكائها الخافت..
لن يفكر كثيرًا فيما حدث، بل سيفكر في القادm، سيفكر بما سيخطط له ليكتشف تلك الفكرة التي طرأت على عقله.. صحيحة أم ليس لها وجود من الأساس..
ليترك حبيبته، ليترك حبه وغرامه جانبًا الآن وليتجه إلى الأعمق والأكثر خطورة..
❈-❈-❈
"بعد منتصف الليل في اليوم التالي"
واقفة في شرفة غرفتهم في الأعلى تنظر إلى أسفل تتابعه بعينيها وهو يتنقل بين الحرس يتحدث معهم بجدية وصرامة ظاهرة، وحركة الجميع متـ.ـو.ترة وكأنهم ينتظرون حدث مهم ينبه عليهم بالالتزام بتعليمـ.ـا.ته وتنفيذ أوامره..
ظهر "جلال" ليقف أمامهم رافعًا ذراعه أمام صدره برباط طبي أثر ما فعله به "عاصم" في الأمس..
نظر إليه "جبل" مستنكرًا مظهره وسأله بجدية مضيقا عينيه على ملامحه:
-ايه اللي عمل فيك كده
أبعد "جلال" بصره إلى "عاصم" يخترقه بنظرته الحاقدة الكارهه له، لم يكن يستطيع أن يقول ما حدث بينهم لأنه سيكون المتضرر إن لم يقــ,تــله جبل لأنه تعدى على أهل بيته ولكن هذا لا يعني أنه سيبتلع ما فعله به..
-رصاصه طايشه خرجت من سلاحي وأنا بنضفه
تفوه بجدية متابعًا إياه:
-مش تخلي بالك
أومأ الآخر رأسه قائلًا بامتعاض:
-أهو اللي حصل
رن هاتف "عاصم" فابتعد قليلًا عنهم يجيب عليه يتحدث بجدية، لحظات وعاد إليهم يشير إلى جبل قائلا بجدية:
-وصلوا يلا بينا
قال موجهُا حديثه لجلال:
-خليك هنا
أجابه معترضًا وهو يتحرك معهم:
-لأ هاجي معاكم متقلقش أنا تمام
أومأ إليه جبل وهو يبتعد يسير إلى الخارج ومع "عاصم" و "جلال" الذين يتبادلون النظرات الحارقة لبعضهم البعض..
وخلفهم البعض من رجـ.ـال حراسته المتواجدين في القصر..
نظرت إليهم باستغراب واعتدلت في وقفتها، إنه لا يترك القصر دون حراسته أبدًا.. لقد ترك عدد قليل للغاية هنا ربما أربعة أو خمسة متفرقين في أنحاء القصر يتخفون في الأشجار وهم ينتقلون داخله بسبب قلة عددهم..
مؤكد هناك شيء سيحدث ليفعل هذا.. شيء مهم للغاية!..
حركت عينيها يمينًا ويسارًا بتفكير.. عليها أن تكن من الحاضرين في قلب الحدث..
ولجت إلى الداخل وأخذت هاتفها من على الفراش ثم هبطت درجات السلم سريعًا لتذهب خلفه وترى إلى أين هو متجه ولكن يبدو أنها تعلم.. إلى أين سيذهب إلا إلى "جبل العامري"!..
خرجت من البوابة الداخلية للقصر وهي تنظر حولها، أبصرت حارس يقف على البوابة الخارجية مؤكد سيمنع خروجها وإن خرجت بموافقته فسيقوم بمحادثته ليبلغه أنها خرجت..
تنفست بعمق وسارت بهدوء ثم وقفت أمامه قائلة بصوت جاد تنظر إليه نظرات حادة:
-أنا سمعت صوت ورا القصر شوف في ايه
أومأ إليها دون حديث ثم ذهب ليتأكد مما قالت له دون أن يُخون حديثها، انتهزت الفرصة بعد ابتعاده للداخل ولا أحد من الباقيين يراها.. فتحت البوابة ببطء فتحة صغيرة للغاية لتخرج جسدها منها ثم جذبتها خلفها سريعًا بهدوء كي لا يرتفع صوتها ويعلم أنها خرجت..
لم ترى طيفهم حتى في الطريق المظلم أمامها، استغربت اختفائهم بهذه السرعة فسارت راكضة متوجهة إلى "جبل العامري" لترى أن كان هو هناك أو لا ولا تترك هذه الفرصة الذهبية تضيع من يدها لتبدأ بالبحث عنه..
وصلت إلى هناك بعد دقائق قليلة للغاية وهي تركض وكان حدثها صحيح.. لم تستطع أن تتقدm من الجبل فقد كانوا يقفون أمامه.. أمام بوابته الحجرية الضخمة..
بقيت بعيدة عنهم لم تقترب، سارت تعاكس طريقهم لتقف خلف شجرة بعيدة ولكن تستطيع أن ترصدهم جيدًا من ورائها..
يخرجون كمية كبيرة من الصناديق من داخل الجبل، يقفون والسـ ـلاح بيدهم، ويقف رجلًا مقابلا لـ "جبل" زوجها لا تستطيع أن تبصره جيدًا بسبب جسد زوجها الذي يحجبه عنها..
أخرجت الهاتف من جيب بنطالها سريعًا وقامت بتشغيل الكاميرا تسجل كل ما يحدث، تستطيع أن تتحكم بالكاميرا أكثر لتقترب من أجسادهم ووجوههم وكأنها تقف بينهم، وضعت الكاميرا لدقائق على مخرج الجبل ترصد الرجـ.ـال وهم يخرجون منه بالصناديق، تتحرك بالهاتف بيدها لتأتي بظهر جبل الغير واضح وذلك الرجل الذي يقابله ومعه "عاصم" وكثير من الرجـ.ـال..
أقترب الرجل الذي كان يتحدث معه يفتح أحد الصناديق ليظهر جسده وجهه بالكامل في الكاميرا يخرج من الصندوق سلاح يرفعه للأعلى ينظر إليه مبتسمًا..
كالهفوة مرت بعينيها إلى جانبها للأمام وعادت مرة أخرى تتابع ما تفعله، ولكن عينيها اتسعت للغاية وصدmت لا تستطيع تفسير ما رأته!..
رجل آخر يقف على بعد كثير منها، يقترب من "جبل" ومن معه أكثر يتخفى خلف حجارة كبيرة للغاية تبتلع جسده ورائها، يقوم هو الآخر بتسجيل كل ما يحدث بينهم!..
من ذلك!؟
طُرح السؤال على عقلها أكثر من مرة في ثانية واحدة، سريعًا عدلت تفكيرها لتصب تركيزها على ما يحدث ثم أبعدت الكاميرا عليه هو الآخر لتحتفظ به معهم!..
ولكن يبقى السؤال من ذلك الشخص!؟
لمحت بطرف عينيها زوجها "جبل" الذي استدار للخلف ينظر بعينيه الخضراء المخيفة اللامعة في وسط ظلام الليل.. استدارت خلف الشجرة سريعًا تلهث بعنف وصدرها يعلو ويهبط خـ.ـو.فًا من أن يكون أبصرها!..
❈-❈-❈
"يُتبع
↚"ركضت بين دروب القسوة ولم أجد يومًا مأوى يحتويني بحب"
انقبض قلبها وأخذت وتيرة أنفاسها تتعالى أكثر وهي تقف خلف الشجرة تحاول مداراة نفسها عن أعينه تتمسك بالهاتف بين يديها الاثنين بقوة شـ.ـديدة..
لحظات مرت والأخرى وهي تقف كما هي ثم استدارت بجسدها وقدmت رأسها من خلف الشجرة تنظر عليهم من بعيد فوجدتهم كما هما وعاد "جبل" ينظر إليهم يتابع ما يحدث معهم، يحملون الصناديق على السيارات المفتوحة يهمون بالرحيل..
بعدت بعينيها إلى ذلك الرجل الذي كان يقوم بتصويرهم لتجده كما هو يقف يكمل ما بدأ به يسجل كل ما يصدر عنهم..
قامت بحفظ كل ما سجلته الكاميرا وأخفت الهاتف داخل جيب بنطالها.. نظرت إليهم نظرة أخرى ثم ركضت سريعًا تعود إلى المكان الذي أتت منه..
أخذت طريق العودة إلى القصر كله ركضًا خـ.ـو.فًا من أن ينتهي مما يفعله ويعود هو الآخر ليراها في الخارج ويدري بما فعلته.. إنه حذرها أكثر من مرة لا تعتقد أنه سيصمت أمامها..
وقفت على بعد خطوات من القصر بعد أن وصلت إليه أخذت تلهث بعنف وصدرها يعلو ويهبط تحاول أن تُعيد انتظام أنفاسها وتهدأ كي تستطيع التفكير كيف ستعود إلى الداخل دون أن يعلم أنها خرجت ودون أن يراها أحد..
كان الهلع يُسيطر عليها، فحاولت السيطرة على نفسها بعدmا أصبح الارتجاف في سائر جسدها، طردت كل الأفكار من عقلها، وحاولت أن تصب تركيزها في الشيء المهم الآن والأصعب..
وقفت لحظات تحاول أن تجد طريقة سريعة للولوج إلى الداخل قبل عودته.. في لحظة طرأت على عقلها فكرة فـ أخرجت هاتفها من جيب بنطالها وضغطت عليه عدة مرات ثم وضعته على أذنها تتحدث مع شقيقتها قائلة بجدية:
-إسراء.. أنا بره.. بره القصر كله انزلي تحت مافيش حرس كتير حاولي تعملي أي حاجه تبعد الحارس اللي عند البوابة وافتحيلي من غير ما حد يحس
ضيقت الأخرى حاجبيها وهي تفتح شرفة الغرفة لتنظر إلى الأسفل تجد أن حديثها صحيح لا يظهر أحد من الحرس من الأساس إلا هو.. سألتها باستغراب مُستفسرة:
-كنتي بتعملي ايه بره
صاحت الأخرى منفعلة ثم أخفضت صوتها سريعًا:
-هو ده وقته انزلي بسرعة الأول
أومأت برأسها وهي تغلق الهاتف قائلة:
-طيب طيب
بعد دقائق قليلة للغاية خرجت من البوابة الداخلية "وعد" تركض مبتعدة عن القصر متجهة إلى الحديقة و "إسراء" خلفها تهتف بصوت مرتفع تناديها للعودة:
-وعد ارجعي هنا بلاش تروحي بعيد
لم تجيبها الصغيرة بل ركضت سريعًا تتجه إلى خلف القصر وهي تضحك بصخب حتى يظهر أن ما يحدث ما هو إلا مزاح..
حاولت "إسراء" أن تنادي عليها عدة مرات متتالية ولكنها لم تستجيب إلى أن اختفت خلف القصر..
تقدmت من ذلك الحارس قائلة له بهدوء محاولة الثبات:
-لو سمحت ممكن تجيبها.. ورا القصر ضلمة
أومأ برأسه لها وأتجه سريعًا تاركًا إياها ليأتي بالصغيرة حبيبة رئيسه ومدللته..
وقفت إلى أن اختفى هو الآخر وعلمت أن "وعد" ستجعله يتأخر في العودة كما اتفقت معها لتقوم بفعل ذلك..
فتحت البوابة وأخرجت رأسها منها تبحث عن زينة فلم تجدها.. تقدmت قليلًا إلى الخارج وخرج صوتها وهي تهتف بصوتٍ خافت:
-زينة أنتي فين
ظهرت الأخرى حيث أنها كانت بعيدة متخفية في الناحية الأخرى من السور حتى لا يراها أحد.. ركضت سريعًا وولجت إلى داخل القصر تُشير إليها أن تأتي خلفها..
أغلقت "إسراء" بوابة القصر الخارجة ونظرت إلى الداخل لتجد "زينة" قد دلفت إلى القصر واختفت.. صاحت إسراء بصوتٍ عالٍ وهي تتجه إلى مكان "وعد" مع التحفظ بعدm الاقتراب منه..
استمعت "وعد" إلى صوتها الصارخ باسمها ففهمت أن عليها العودة الآن.. تنحت عن رفضها القاطع للحارس في العودة وتقدmت صامتة تعود معه..
أخذتها "إسراء" إلى الداخل بعد أن تمت المهمة بنجاح..
صعدت معها إلى الأعلى مُتجهة إلى غرفة والدتها، دقت "إسراء" عليها الباب، ففتحت لها شقيقتها وأقتربت منها ابـ.ـنتها تحتضن قدmيها، هبطت "زينة" إلى مستواها وقامت بمبادلتها العناق تستنشق عبيرها الناعم الرقيق.. وطفولتها البريئة المذاعة للجميع..
بقيت لحظات تضمها إليها بكل حب وحنان وهي تفكر في مصيرها معها هنا في هذه الأرض.. على هذه الجزيرة بين "جبل العامري" وعائلته..
أصابتها الفجعة، وتمكن الخـ.ـو.ف منها مرة أخرى، اقترابها من ابـ.ـنتها والشعور بأنها لا تملك غيرها يصيبها برجفة غريبة تغطي سائر جسدها، تلعن ذلك اليوم الذي فكرت به بالقدوم إلى هنا..
تلعن كل شيء قادها إلى جزيرة العامري والوقوع مع ذلك الجبل، الوقوع مع من يرحم ولا يرحم، من يقــ,تــل ويداوي.. مع شخص لا تفهم لحياته ملامح ولا ترى لشخصيته هوية ولا تدري أهو ذلك نفسه الذي كان في الأمس واليوم! الذي كان في البداية وما قبل النهاية؟
عادت للخلف ووقفت أمامهم، ولجوا إلى الداخل فسألتها "إسراء" تنظر إليها بهدوء واستغراب:
-كنتي فين بره
أجابتها كاذبة بفتور:
-كنت خرجت اتمشى والبوابة مفتوحة لما رجعت اتقفلت وخـ.ـو.فت جبل يعرف إني خرجت لوحدي علشان منبه عليا
أومأت إليها برأسها متفهمة ما قالته تنظر إليها بجدية فقالت "زينة" بهدوء:
-أنا هدخل أخد دش روحوا انتوا
أخذت "إسراء" "وعد" وخرجت من الغرفة فأغلقت "زينة" من خلفها الباب وهي تتقدm إلى الداخل تجلس على الفراش تنظر في الفراغ المحيط بها تحاول أن تمسك بطرف الخيط ربما من هنا.. فهي لم تعثر عليه سابقًا والمحاولة الآن مستحيلة ولكن يكفيها المحاولة..
هل هو حقًا ذلك الرجل تاجر الأسلحة! هل هو حقًا قـ.ـا.تل البشر وقابض أرواحهم!.. هل هو حقًا نفس الشخص الذي قال عن نفسه أنه لا يعرف للرحمة طريق ولم تدق بابه يومًا!
الإجابة المنطقية لكل هذه الأسئلة نعم! أنه هو ذلك الشخص المجرم.. أنه الجلاد والقـ.ـا.تل أنه القاضي المحتل الحاكم بالعدل.. الذي يسمع إلى الشكوى ويلبي الطلب.. أنه سارق الحرية وسجان الهروب، أنه الذي يحبس التفكير والأنفاس وهوايته ترويض العاصي.. أنه "جبل العامري"
ما الذي تنتظر أن تعرفه بعد! إلى الآن لم تدرك ذلك جيدًا؟ إلى الآن تفكر هل هو ذلك الشخص أو لا؟ ما الدليل الأكبر من كونه يقف يسلم الأسلحة بيده! يخرج كمية هائلة معبأة داخل الصناديق ستكون هي المدmرة لكل من وقع قتيلًا بطريقة غير مشروعة..
ما الذي تنتظره من شخص مثله؟ ولما يأخذ أكبر من حجمه داخل عقلها ولا تصدق أنه يفعل ذلك!..
رأته بنفسه ليس أحد غيره يقف بشموح وكأنه يدافع عن البلاد، رافعًا أنفه عاليًا واقفًا صلب شامخ! كيف له أن يكون هكذا وهو قـ.ـا.تل مجرم!
كيف له أن يكون واثقًا من نفسه إلى تلك الدرجة؟
إنها إلى الآن لا تصدق ما تراه أعينها قلبها يقول شيء غير كل ذلك، يُملي عليها أنه شخص آخر حنون محب غدرته الأيام وذاق فراق الأحباب.. قلبها يقول أنه اشتاق وقــ,تــلته لوعة الاشتياق.. يخبرها أنه ليس بقـ.ـا.تل وليس بمجرم بل عادل حاد..
لما؟ لما تراه بهذه الهيئة، لا تستطيع أن ترى أي هوية حقيقة له؟ كلما رأت ظلمه لها وغدره بها رأت عدله وحكمته مع غيرها، كلما تذكرت قسوته عليها وتجبره الذي أودي بقلبها إلى الحسرة والأسى تذكرت نظراته الغريبة نحوها الدالة على وجود ما يبتغي إياه لتكن من في سكن قلبه..
أليس كل هذا غريب؟ أليس تفكيرها هذا غريب؟ أليس عدm تصديقها بإجرامه بعد معاشرته هذا غريب!..
رأت كل ما هو قاسي وعنيف داخله رأت عنجهيته وغروره.. تكبره وحدته، ظلمه وكرهه، رأت عدm الرحمة في قلبه، صدقت كل هذا وحاولت الفرار منه بأي ثمن.. ولكن بعد أن عاشرته تكذب كل هذا.. تكذب الهالة الوهمية الذي يحيط نفسه بها وهي ليست شخص غـ.ـبـ.ـي إلى هذه الدرجة كي تنخدع إلى هذا الحد..
الآن ازداد إصرارها على معرفة ما يحويه قلبه، ما يخبئه عقله عنها وما يدفنه أسفل أرض الجزيرة..
ازداد إصرارها في معرفة ما المكنون بين الناس وما الخبايا في شخصيته.. وستعرف، ستعرف من هو وإن كلفها هذا مـ.ـو.تها.. ستعرف أهو "جبل العامري" القـ.ـا.تل.. أو "جبل العامري" العادل
شردت تتذكر ما حدث معها وهي في الجبل، ضيقت عينيها بشـ.ـدة محاولة أن تصل إلى إجابة سؤال آخر.. من ذلك الرجل الذي كان يقف يقوم بتسجيل كل شيء كما كانت تفعل هي..
هل يعلم جبل بوجوده؟ هل كان شخص آخر يغدر به؟ أم ماذا؟
تلك الصدmـ.ـا.ت التي أتت واحدة تلو الأخرى أشعلت هواء العاصفة الهوجاء التي كانت خامدة داخلها، غيرت مشاعرها بين يوم وليلة وشعورها الذي كانت تدركه جيدًا أصبحت لا تعلم ما هو من الأساس وإلى أين يتجه.. جنون فضولها أوصلها إلى طريق أصبح مكشوف للغاية من ناحية ومخفي للغاية من ناحية أخرى.. وما توصلت إليه لم يكن إلا أنها خسرت حياتها السابقة وذكرياتها الراحلة وما لا تعلم عنه شيء هو مستقبلها المجهول كليًا..
أتت الضـ.ـر.بة من شخصك الأقرب والأحب إلى قلبك، أتت من خليل روحك وملاذ فؤادك ورأيت الحقيقة الكاملة الذي كانت مخبأة عنك بهيئته المحبة الحنونة، لحظة واحدة أدركت بها أن لحظاته الحميمية والسعادة الخالصة التي مرت عليكما معًا ما كانت إلا احتلال.. وعند إدراك ذلك تشعر بأن قلبك إناء كثرت به المياة الموضوعة فوق النيران ففارت وتناثرت حوله مخلفة من وراءها دmار غير طبيعيًا.. هذا حال قلبك الذي خُدع بالحب والغرام..
كما كل مرة تفكير لا حدود له وأسئلة دون إجابة، ومازال الطريق مغلق، الخيط كله لم تعثر ليه..
رفعت وجهها عنـ.ـد.ما شعرت به يفتح باب الغرفة يهم بالدخول، نظرت إليه وهو يتقدm للداخل يغلق الباب ناظرًا إليها بلا مبالاة وهدوء رُسم على وجهه بحرافية..
جلس في مكانه على الفراش يعطي ظهره إليها يعبث بهاتفه لفترة ليست صغيرة، تركه على الكومود ثم وقف متجهًا إلى المرحاض فباغتته بسؤالها:
-أنت كنت فين يا جبل
سألته دون النظر إليه وبقيت على وضعها، فاستدار إليها يرمقها بنظرات ساخرة متحدثًا:
-بتسألي ليه!
حركت وجهها ناحيته بعد أن دق قلبها بعنف، تـ.ـو.ترت نظراتها نحوه وكانت ظاهرة بشـ.ـدة، ابتعلت غصة وقفت بحلقها وقالت:
-حـ.ـر.ام السؤال؟
ضيق عينيه عليها يراقب حركاتها المتـ.ـو.ترة قائلًا ببساطة:
-غريب
سألته باستغراب غير مدركة أنه يتحدث عن سؤالها وقد اعتقدت أنه رآها ويراوغ في الحديث معها:
-ايه اللي غريب
أجابها وهو يتقدm منها ليقف أمامها فرفعت رأسها لتنظر إليه حيث أنها كانت جالسة على الفراش:
-السؤال.. أول مرة تسأليني كنت فين
انزاح القلق عن قلبها وارتخت أعصابها وهي تتحدث قائلة ببرود ونبرة عادية واثقة:
-اتعود بقى لما أسألك كل يوم..
مرة أخرى يسألها وعيناه متعلقة بعينيها السوداء:
-وده من ايه بقى
ابتسمت ساخرة وهي ترفع وجهها إليه تسأله بتهكم:
-هو أنت متعرفش
حرك رأسه نفيًا ورفع كف يده إلى وجهها يسير بإصبعه عليه بنعومة ورقة ونظرتها نحوها حميمية للغاية:
-لأ معرفش
فسرت له حديثها بوضوح تام وجدية ظاهرة محاولة الثبات إلى النهاية:
-مش أنا قررت إني هعيش حياتي معاك عادي.. زي أي اتنين
ما قالته الآن كان نتيجة تفكير أتى على عقلها في أقل من ثانية، تنحت عن فكرة استدراجه والحديث معه ووضع حياتها معه مقابل اعترافه بكل شيء، ستتبع طريقة أخرى علها تأتي بفائدة..
ابتسم بزاوية فمه وهو على علم تام بأن حديثها ما هو إلا هراء هي لا تبتغيه من الأساس ولكنه بادلها:
-ده شيء كويس
عادت تسأله مرة أخرى ناظرة إلى عينيه الخضراء:
-كنت فين بقى
تحول البريق اللامع في عينيه إلى آخر مخيف معتادة عليه هي ولكن في كل مرة تراه ينتابها الذعر منه وكأنها المرة الأولى، هبط بجذعه العلوي إليها ليبقى وجهه مقابلًا لوجهها وقال بفحيح أمام شفتيها:
-كنت بسلم سلاح
عاد للخلف برأسه قائلًا ناظرًا إليها بعمق بعدmا صدmت من حديثه، فهي لم تكن تتوقع أن يعترف بهذه السهولة على الرغم من اعترافه الدائم أنه تاجر أسـ ـلحة..
سخر من نظراتها المصدومة نحوه وقال بتهكم مراوغًا:
-ايه مالك.. بقولك الحقيقة طالما هنعيش زي أي اتنين محبش أكدب على مراتي.. أحسن بعدين تفتكري إني بخونك ولا حاجه
بادلته نفس السخرية، وما سيرهق كلاهما أنهم يفهمون بعضهم جيدًا:
-لأ متقلقش مش هيجي على بالي حاجه زي كده ولو جت.. هكدبها
عاد يقترب منها مرة أخرى ليبقى أمام وجهها دون فاصل بينهم أنفه تمر على ملامحها مستنشقًا أنفاسها يقول بلوعة:
-اتمنى.. يلا بقى حضري نفسك
استغربت ما قاله فعادت إلى الخلف لتنظر إليه متسائلة:
-احضر نفسي لايه
ابتسم وظهرت أسنانه من خلف شفتيه وهو يقول واثقًا:
-مش قولتي هنعيش زي أي اتنين.. وعلشان نعيش هنبدأ من هنا
أنهى حديثه مشيرًا إلى الفراش برأسه فنظرت إليه محركة رأسها ثم عادت ببصرها إلى الواثق من حديثه القابع أمامها.. ابتلعت ما وقف بحلقها وهي تنظر إليه متـ.ـو.ترة ثم قالت برفض:
-أنا مقولتش كده.. أنا..
قاطع حديثها وهو يقترب منها يميل عليها بجسده حتى أنها مالت إلى الخلف فقبع فوقها مستندًا بذراعيه على الفراش ينظر إليها بعينين جائعة ولن تشعر بالارتواء إلا منها:
-دي مبتتقالش.. بتتحس
غطت السخرية نبرتها وملامح وجهها وهي تسأله:
-وأنت بتحس
أشار عليها بعينيه الخضراء غامزًا لها متفوهًا بحديث ذات مغزى:
-أسأل مجرب.. ومش هنلاقي مجرب غيرك
دفعته للخلف بيدها فلم يتزحزح عن مكانه ناظرًا إليها بثقة تامة رافعًا أحد حاجبيه متحديًا إياها فلم تطل النظر إليه بنفس الحدة فيقوم بالعناد أكثر ويفعل ما يريد.. أخفت وجهها عنه وهي تبتعد به لتنظر في الفراغ فكبت جوعه داخله ورغبته الملحة للاقتراب منها وعاد للخلف يقف شامخًا مبتعدًا عنها..
نظر إليها وهو يتجه إلى الحمام يمازحها قائلا بثقة:
-بمزاجي..
غمزها بعينه مرة أخرى وظهرت وقاحته معها:
-المرة الجاية مش هصبر
تركها مبتعدًا ذاهبا إلى المرحاض ليحبس مشاعره الهوجاء التي أرادت الفرار منه وتحطيم كل الحواجز الموجودة بينهم ليستمتع بعبير قربها ولهفة الالتحام معها، ولكنه لم يسمح لها عائدًا بها مرة أخرى تاركًا إياها بجانب خيباته السابقة إلى أن يحين موعد خروجها بكل جوراحها، إلى أن يحين ظهور الحب معلنًا أنه سيكون عنوان كل شيء قادm عليه ليستطيع الاستمتاع أكثر من كونه ذلك الذي يرهبها..
بينما هي بقيت نائمة على الفراش مبعثرة المشاعر حائرة في عالمه، لم تجد شط تقف عليه ولم تستطع الوصول إلى كلمـ.ـا.ت تعبر عما بها فلا طريق عودة ولا طريق ذهاب تقف معه في درب ملئ بالجوى والقسوة الخالصة فباتت لا تدري ما مصيرها من الاثنين وهي كل يوم متقابله مع إحداهما إلى أن شتت عقلها وغاب قلبها عن الواقع تحتاج إلى كلمـ.ـا.ت صريحة صادقة ولن تفكر ثانية ستأخذها برحابة صدر وتغلق قلبها عليها..
❈-❈-❈
أتدري كيف يجتمع الأشرار سويًا؟ بنظرات الأعين، هل رأيت سابقًا عاشقًا يشعر بأنه ينجذب بطريقة سحرية إلى محبوبته من عينيها! وهو كذلك، اجتماع خبثاء النوايا ومفرقين الأحبة معًا يأتي عن طريق الأعين ينجذب كل منهما ناحية الآخر بطريقة مفعمة بالحقد والخبث وتبدأ من هنا العلاقة في البدء والتطور، ويزداد معها الحـ.ـز.ن والذعر وآنات الألم وسهام الخيانة..
جذب "جلال" "فرح" من ذراعها بقوة ضاغطًا عليه بطريقة مؤلمة جعلتها تتأوه وهي تحاول جذب يدها منه قائلًا بانزعاج وغضب:
-بقى بتغفليني يابت.. بتصوريني وتبعتي لعاصم الفيديو
حاولت العودة للخلف في الظلام الدامس خلف القصر ومكان إلتقائهم السري في كل مرة، تجذب يدها منه بعنف وقوة وهي تقول بجدية ولا مبالاة:
-بقولك ايه أهدى كده علشان منزعلش من بعض.. أنا كان غرضي أقوله أنه بمزاجها
ضغط أكثر على ذراعها ولم يجعلها تفلت منه وكأن قبضته عليها حديدية يصيح أمام وجهها وملامح وجهه متغيره للغاية متجهة إلى العنف والقسوة وخرج صوته خشنًا عنيفًا:
-مزاج مين يا روح أمك ماهو عارف أنها قطة مغمضة
أكمل بحرقة وهو يرى نفسه غـ.ـبـ.ـي فعل ما أرادت منه دون أن يعترض فقط لأجلها ولكنها غدرت به والقته في أول طريقها:
-وده مكنش اتفاقنا يابت.. أنتي قولتلي أنها مزعلاكي اقرص عليها وأخـ.ـو.فها منه من بعيد لبعيد علشان تبعد.. مقولتيش إنك هتغدري وتصوري وتبعتي لعاصم
حاولت أن تعود عما كانت ستفعله وتكبت حديثها المتهور داخلها فقالت محاولة إظهار النـ.ـد.م:
-اللي حصل حصل بقى كانت لحظة تهور
نفض جسدها بعنف بذراع واحد والآخر معلق على الرباط الطبي أثر رصاصة "عاصم" التي اخترقت لحمه، يكمل قائلًا بثقة:
-لأ يا روح أمك مكانتش لحظة تهور أنتي كنتي عارفه كويس أوي هتعملي ايه بس أنا المغفل اللي سمعت كلامك وادي أخرتها
دفعته بعنف وشـ.ـدة وهي تعود للخلف مبتعدة عنه قائلة بوقاحة:
-أخدت رصاصة وايه يعني ما تسترجل
جذبها من رأسها واضعًا يده خلف عنقها يجذبها ناحيته فوقع وشاحها عن خصلاتها قائلّا أمام وجهها بنبرة ذات مغزى:
-أنا راجـ.ـل غـ.ـصـ.ـب عنك يا بت وأنتي عارفه كده كويس ولا لسه عايزة تجربي
حاولت دفعة في صدره ولكنه لم يبتعد فقالت بنفاذ صبر وهي غير قادرة على مجاراته فقد فعلت ما أرادت وانتهى الأمر:
-بقولك ايه يا جلال أقف عوج واتكلم عدل
سألها بسخرية وقحة:
-وأنا كده بتكلم إزاي.. بقولك لسه عايزة تجربي لو مش مقتنعة إني راجـ.ـل
نظرت إليه نظرات نارية مشتعلة قائلة بتساؤل وحرقة:
-ده أنت مصمم بقى تقفلها كده
دفعها للخلف بعنف أكثر، ارتضم جسدها في سور القصر تنظر إليه بقوة متألمة من دفعته لها، باغتها بحديثه قبل أن تتفوه بحرف واحد:
-وأقفلها ليه مش مراتي.. لا قولت حاجه حـ.ـر.ام ولا عيب
خرج صوتها عاليًا نسبيًا ثم عنـ.ـد.ما أدركت ذلك اخفضته:
-أنت هتفضحنا ولا ايه.. ما تخرس بقى
أقترب منها بعيون جائعة للشر والقسوة وما فعلته به ينهش ما بداخله يشعر أنه يود لو يقوم بقــ,تــلها الآن ودفنها أسفل ما تضع قدmيها وهي تعلم جيدًا من هو:
-لسانك بدل ما اقطعهولك.. هو أنتي فكراني ساكتلك علشان سواد عيونك.. لمي نفسك معايا يا بت
حركت شفتيها بسخرية تشعل نيران قلبه أكثر وهي تقول بشمـ.ـا.ته:
-أظهر وبان.. بقى كل ده علشان عاصم علم عليك
تقدm يعود جاذبًا خصلاتها الظاهرة أمامه قائلًا بقسوة:
-علم على مين يا بت.. اظبطي بدل ما اظبطك
دفعته ثانيةً تتحدث بجدية تنظر إليه بنفاذ صبر:
-اوعا كده وأعرف مصلحتك فين
أجابها بقوة وعنف واثقًا من حديثه بعدmا تدفقت الدmاء بعروقه فكلما تذكر ما الذي كان من الممكن أن يحدث يشعر بفوران دmائه وغباءه الغير طبيعي كي يستمع إلى حديث واحدة مثل هذه:
-أكيد مش معاكي من بعد اللي عملتيه ده.. ماهو كان ممكن سي عاصم بتاعك يوري الفيديو لجبل والبت تعترف إني عملت فيها كده وأنها مكانتش موافقة ومن غير ما تعترف كانوا هيصدقوها وتقولي عليا يا رحمن يا رحيم..
قالت بلا مبالاة وبساطة:
-مكانتش هتوصل لكده
هتف قائلًا بجدية مغتاظًا من برودها:
-أنتي عرفتي منين أنها مكانتش هتوصل لكده.. البت دي أكيد هي اللي وقفت عاصم علشان هي عملتها على روحها مني.. لكن لو عليه هو يولع فيا
أكمل شامتًا بها يبادلها ما تفعله يشعرها أنها من دونه لا تساوي شيء:
-كنتي بقى وريني شطارتك وشوفي مين هيتجوزك
وضعت يدها الاثنين في وسط خصرها تتمايل بهم قائلة بتهكم مقلله منه:
-كنت هطلعك من قبرك تتجوزني يا سي جلال بيه
ابتسم بزاوية فمه فهي تحاول مدارة خـ.ـو.فها أمامه حتى لا يكون نقطة ضعف لها يتمسك هو بها تفوه ساخرًا:
-اتريقي اتريقي.. أنتي من غير سي جلال بيه هيتقال عليكي يا رحمن يا رحيم بردو متقلقيش
نظرت للأمام نظرة شيطانية مفكرة فيما قد تفعله وأردفت قائلة:
-وقتها هيبقى عندي الحل
أومأ برأسه إليها وهو ينظر إليها باشمئزاز متناسيًا نفسه وقال متأكدًا وهو يتابع نظراتها الغريبة:
-قادرة وتعملي أي حاجه
ابتسمت إليه بثقة عالية فأكمل وهو يكرمش ملامحه غير قادر على تكملة النظر إليها بعدmا فعلته به فصاح بها قائلًا:
-أمشي غوري من وشي
بقيت تنظر إليه وعلى شفتيها تلك الابتسامة رفعت وشاحها أعلى رأسها تغطي خصلاتها الظاهرة ثم وضعت يدها مرة أخرى في وسط خصرها تسير متغنجة وكأن لم يحدث شيء منذ قليل.. لم يصـ.ـر.خ عليها لم ينفعل لم يهتف بحديث مهين لأي امرأة غيرها وكأنه لم يذكرها بأنها لا تستطيع الزواج إلا منه لأن شقيقها حاكم الجزيرة إن علم أحد أن شقيقته فعلت ذلك كباقي الفتيات التي يحاسبهن هو على اخطائهن سيكون أضحوكة للجميع في أيامه القادmة جميعها ولن يستمع إليه أحد من بعدها.. هذا أن جعل "جبل" أحد يعلم فلو علم هو لنقرأ عليها سورة الفاتحة توديعًا ووداعًا.. ولنتذكرها بالخير دائمًا وأبدًا فمن بعدها ستكون في مكان آخر لا ينتمي لعالمهم بشيء..
بصق بقوة من فمه على الأرضية بعدmا رحلت لاعنًا نفسه على التوريط في هذا الأمر..
توجهت إلى القصر لتعود إلى الداخل دون أن يراها أحدًا ولكنها عنـ.ـد.ما وجدت "عاصم" هنا بين الحرس غيرت رأيها وذهبت لتجلس على أحد المقاعد المقابلة له تنظر إليه وهو يتحدث مع أحد الحراس..
بقيت تتأمله وتنظر إليه بعيون محبة إلى درجة الأنانية، تابعت حركاته واللمعة تزداد داخل عينيها تظهر الشر الذي قبع داخلها.. عيون تطالب الحب منه ولكنه قابله بالرفض!..
شردت وهي تنظر إليه عائدة إلى ذكرى راحلة حدثت بينهم منذ سنوات..
"كانت استدعته إلى خلف القصر ذلك المكان الذي يحدث به أي شيء لا يريد أحد أن يعلم به، ولكن في ذلك الوقت لم يكن كالآن بل كان مضي بالأنوار مثله مثل القصر كله وبه كثير من الحراس في فترة كانت الاغتيالات بها كثيرة والجواسيس تملأ الجزيرة..
وقف أمامها قائلًا بجدية يسألها مستفسرًا عن سبب استدعائها له:
-نعم يا فرح عايزة ايه
تغنجت وهي تتمايل أمامه بدلال وابتسامة هادئة فعلتها:
-مافيش ازيك الأول
ابتسم يبادلها الهدوء والبساطة وقال متأسفًا يسألها:
-معلش أنا آسف.. ازيك عامله ايه
أجابته برقة وهدوء متسائلة عن أحواله:
-كويسه.. أنت عامل ايه
أجابها ولم يعطي إليها الفرصة للحديث مرة أخرى باغتها متسائلًا عن سبب طلبها له هنا:
-تمام كويس.. ها في ايه
تصنعت الحـ.ـز.ن وهي تقول مغيرة تعابير وجهها وصوتها هادئ ولكنه عابس بسبب سرعته وإرادته في الرحيل عنها:
-مالك أنت مش عايز تقف معايا ولا ايه.. أنا حلوة على فكرة
ابتسم بهدوء يسألها ثم يصحح لها حديثها يغازلها باحترام حتى لا تحـ.ـز.ن من حديثه واستعجاله معللًا لها سبب ذلك:
-حد قال عليكي وحشه؟ أنتي ست البنات بس أنا عندي شغل
تلهفت وهي تقترب منه خطوة متعلقة بعينيه ترتفع على أطراف أصابعها لتنظر إليه عن قرب:
-أنت شايفني ست البنات بجد؟
أكد ما قاله بجدية شـ.ـديدة ولم يكن يقصد الغزل حقًا ولكنه لم يكن يريد أن تعبث ملامحها وتحـ.ـز.ن بسببه وهي من قالت أنها ليست بشعة فكان من المفترض أن ينفي ذلك:
-أكيد يا فرح أنتي جميلة
اتسعت ابتسامتها وظهرت من خلفها أسنانها البيضاء معتقدة أن مهمتها بهذه الطريقة ستكون أسهل بكثير:
-عاصم أنا.. أنا كنت عايزة أقولك حاجه مهمة أوي
أومأ إليها متعجلًا يسألها:
-تمام قولي مالك في ايه
حاولت الحديث متعلثمة:
-أنا بجد.. حاسه..
لم تستطع أن تكمل وتخرج كل ما كان في جوفها فوقفت صامتة تنظر إلى الأرضية خجله مما تريد قوله
أخذ الحديث منها بطريقة أخرى وصب تركيزه في عمله فسألها بقوة وتمعن:
-حاسه ايه؟. في حركة مش مظبوطة في القصر ولا ايه
نفيت سريعًا مشيرة بيدها معقبة بانزعاج وضيق:
-لأ لأ قصر ايه بس
اقتضبت ملامحه بسبب تأخيرها وحديثها المتقطع أو الذي بدون فائدة فقال بحدة:
-اومال ايه بس يا فرح ما تتكلمي
أخذت نفسٍ عميق وأخرجته ثم نظرت إليه تحاول دفع نفسها في الحديث قائلة له ما تشعر به في الأيام الماضية وقلبها يرفرف لأنها تعترف له بمكنونه:
-أنا.. أنا مش مركزة في حاجه.. طول الوقت بفكر وبالي مشغول.. قلبي وعقلي مشغولين بحاجه واحدة بس مش قادرة أبطل تفكير فيها
انزعج أكثر من اللازم وهو ينظر إلى تفاهاتها وهذا الهراء الذي تقوله له، وما دخله من الأساس؟ تحدث يسألها بجدية والضيق يظهر على ملامحه:
-أنتي جيباني هنا علشان تقولي الكلام ده؟ حاجه ايه يا فرح انجزي
باغتته بقولها السريع المتلهف ونظرة عينيها نحوه حالمة طائرة فوق السحاب وكأنه استمع إلى ما قالته وأجاب بالموافقة:
-أنت
أشار إلى نفسه بعدm فهم ولم يربط الحديث ببعضه متسائلًا:
-أنا حاجه؟ أنا حاجه إزاي يعني
أقتربت منه أكثر تبحر بعينيها داخل عيناه ترتفع على أطراف أصابعها لتقابله بذلك الطول الفارع:
-أنت اللي بفكر فيه يا عاصم.. بالي مشغول بيك دايمًا وقلبي لما بيشوفك بيدق أوي لحد ما بحس أنه هيقف بعد كده.. حتى عقلي
تابعت تكمل حديثها الحاني ونبرتها الرقيقة تتردد في أذنه ينظر إليها باستغراب تام غير مصدق أنها تجرأت وقالت له هذا الحديث:
-عقلي مش مبطل تفكير فيك.. وخيالي كل شوية يسرح ويفتكرك.. بجد مش عارفه أعيش كده
تصنع عدm الفهم على الرغم من أن أي حد يستطيع فهم المبتغى مما قالته ولكنه كي يبعث إليها رسالة أن هذا مرفوض تمامًا قال مبتسمًا:
-أنا عملت ايه لكل ده
اعترفت بها صريحة وواضحة وشعورها نحوه بالحب يزداد ويكبر أكثر من اللازم.. تنظر إليه بهيمنه وافتتان:
-عاصم أنا بحبك.. بحبك أوي وبمـ.ـو.ت فيك كمان، مافيش واحد على الجزيرة كلها زيك مافيش أحسن منك ولا حتى يشبهلك
قضبت ملامح وجهه بالانزعاج والضيق وأظهر إليها الجدية الخالصة قائلًا:
-فرح.. أنتي عارفه أنتي بتقولي ايه
أقتربت منه تتمسك بيده تضغط عليها بقوة تحسه على التحرك نحوها والاعتراف بما داخله تبعث إليه نظرات شاعرية لو أحد غيره لانتهز الفرصة وسرقها:
-بقولك الحقيقة أنا بحبك وعايزاك
عاد للخلف مبتعدًا عنها سريعًا باعدًا يدها التي أقتربت منه وصاح قائلًا بقسوة وغلظة شـ.ـديدة وهو يُشير إليها لتذهب من أمامه:
-أنتي لسه صغيرة ومش فاهمه أنتي بتقولي ايه.. انسي الهبل ده واطلعي يلا
استغربت ما قاله وضيقت حاجبيها تعقب:
-صغيرة؟ صغيرة إزاي بقى كل ده صغيرة
التفت حول نفسها وهي تقول تلك الكلمـ.ـا.ت تظهر إليه جسدها الأنثوي ومفاتها لتستطيع أن تغريه بها
ارتفع صوته بعدmا اغضبته بشـ.ـدة بسبب هذه الفعلة الجريئة والدنيئة للغاية:
-اطلعي يا فرح يلا
أشارت إلى نفسها ترفض ما يأمرها به موضحة له مصرة على موقفها معه وتريد لو يبادلها ما تشعر به لتلتحم معه في عناق قاسي تشعر داخله بأنها ملكه:
-عاصم أنا مش صغيرة ولا حتى أنت صغير.. أنا عارفه أنا بقول ايه وبعمل ايه
مرة أخرى بغضب وقسوة قال:
-لأ أنتي لسه صغيرة ومش فاهمه حاجه..
تغيرت ملامح وجهها إلى الانزعاج والضيق هي عنـ.ـد.ما وجدته لا يريد التنحي عما قاله بعد أن جعلته يرى فتنتها وحاولت الإقتراب منه لاغراءه:
-تلاته وعشرين سنة مش صغيرة
أشار إليها بيده لتذهب من أمامه:
-اطلعي يا فرح يلا وتنسي كل اللي قولتيه ده
أقتربت منه ثانيةً محاولة التأثير عليه وهي تتحدث برقة:
-طب قولي.. أنت بتحبني ولا لأ
بمنتهى السهولة والقسوة، وبكل الإخلاص داخله، واللا مبالاة بمشاعرها قال:
-أكيد لأ.. أنتي أخت صاحبي مش أكتر، وأنتي بكرة تعقلي وتنسي كل ده
نظرت إليه نظرات نارية محتقرة، واشتعل فتيل الغضب داخلها بسبب رفضه لها بتلك الطريقة المهينة القاسية تقول غير مصدقة:
-ايه؟
أجاب ببرود:
-اللي سمعتيه
أبصرها بقوة وعنجهيته ظهرت في نظرته فبقيت بالنسبة إليها تكبر عليها ومن بعد هذه النظرة رحل وتركها تقف وحدها ولم يفكر لحظة فيما قد يمر بها أو تمر به.. تاركًا خلفه أنثى مطعونة بقسوة وغرور، ملقاة أسفل قدmه بعد أن قدmت نفسها إليه وهو من قام برفضها.."
خرجت من شرودها وهي مازالت تنظر إليه، إلى تكبره وعنجهيته، إلى ثقته من نفسه وغروره الواضح، إلى قوته وعنفوانه، تنظر إلى رجل لن يتكرر ولكنه رفضها.. وهي لن تنسى ذلك ولن تصمت عنه ولكن لكل شيء موعد..
❈-❈-❈
جلست "زينة" في حديقة القصر نهار اليوم التالي تنظر إلى ابـ.ـنتها التي كانت تركض هي وشقيقتها يتمازحون سويًا..
شعرت بمن يجلس جوارها فـ أدارت رأسها لتبصر "تمارا" هي من أتت إليها.. ابتسمت لها بعملية وعادت تنظر إلى شقيقتها وابـ.ـنتها غير مبالية بتلك التي أتت لها ولم تعيرها أدنى اهتمام..
ابتسمت "تمارا" بسخرية وهي تلاحظ عدm اهتمامها بها أو بالأحرى تجاهلها لها وكأنها لم تراها من الأساس..
استمعت "زينة" إلى صوت "تمارا" يخرج بسخرية واستهزاء:
-مش أنا عرفت يا زينة سبب جوازك من جبل
استدارت معتدلة تنظر إليها باستغراب ثم سألتها قائلة:
-وايه هو السبب.. تصدقي إني لحد دلوقتي معرفش السبب
حركت "تمارا" حاجبيها بطريقة تدل على عدm تصديقها قائلة بسخرية:
-ده بجد؟
أغاظتها "زينة" بقوة وهي تردف:
-أكيد مش مصدقة.. حقك بصراحة أصل الأسباب كانت كتيرة، منها أن جبل مقدرش يخليني اسيبه وأمشي
ألقت كلمـ.ـا.ت ذات مغزى بتهكم واستعلاء:
-وأنا بصراحة مش زي حد.. مقدرتش أبعد عنه
كتمت الأخرى غـ.ـيظها منها ونظرت إليها بعمق ونظراتها مشتعلة بنيران الغيرة والحقد عليها ولكنها شـ.ـددت على نفسها قائلة:
-غريبة.. أصلي عرفت إنك حاولتي تهربي
ابتسمت إليها وأكملت على حديثها بالكذب لتشعرها بالغيرة أكثر:
-آه حاولت بس الحمدلله إني معرفتش أهرب.. كنت هعيش نـ.ـد.مانه طول عمري.. إزاي اسيب جبل واسيبه لمين
اتسعت ابتسامة "تمارا" وهي تدري أنها كاذبة فقالت بجدية شـ.ـديدة:
-ما تيجي معايا دوغري يا زينة..
سألتها "زينة" باستغراب:
-أكتر من كده
عقبت قائلة ما حدث وملامح وجهها تشير إلى أنها تعلم كل شيء قائلة من خلالهم لا مجال للكذب:
-أنا عرفت إنك كنتي عايزة ورثك مش أكتر بس مرات عمي وجبل عايزين وعد ومكنش فيه حل غير إنك تتجوزيه وأنتي كنتي رافضة واتجوزتي غـ.ـصـ.ـب
حركت كتفيها بدلال وقالت بنبرة هادئة ترفرف بعينيها السوداء:
-ده كلام حقيقي.. بس مافيش حاجه بتفضل على حالها يا تمارا.. كل حاجه وارد تتغير
صمتت قليلًا وهي تراها مصرة على الكذب وإظهار أن كل ما بينها وبينه على ما يرام وأكثر من ذلك، متجهة إلى طريق الحب تأخذ مكانها بقلبه وحياته..
قالت بجدية وعمق دون سابق إنذار:
-ولو سمحتلك الفرصة تهربي.. وارد بردو كل حاجه تتغير من تاني
بادلتها النظرات المستفهمة واعتدلت في جلستها تصب تركيزها عليها متسائلة:
-قصدك ايه
ابتسمت عنـ.ـد.ما جذبت انتباهها إليها بهذه الطريقة وأدركت أن ما أرادته سيحدث لا محال فهي كاذبة كبيرة فقط عنـ.ـد.ما أتت على ذكر الهرب عمقت تركيزها نحوها وكأنها طوق النجاة..
قالت بنبرة جدية تحمل داخلها الثقة والتأكيد على كل حرف يخرج من بين شفتيها:
-أنا أقدر اهربك من الجزيرة من غير نقطة دm ولا طرفة عين.. أنا بس اللي ممكن أعمل كده عارفه كل مكان فيها وإزاي تخرجي بسلام من غير ما مخلوق يشوفك.. كفاية إني من عيلة العامري عندي حصانة
وجدت "زينة" تنظر إليها دون حديث يعبر عما يجول بخاطرها فقالت مستفسرة:
-قولتي ايه؟
كانت هي في عالم آخر تفكر في تلك الفرصة الذهبية التي أتت إليها على طبق من ذهب، هذه هي الفرصة التي كانت في انتظارها.. الهروب والفرار من جزيرة العامري دون أن يمسها سوء هي وعائلتها.. كانت في انتظار أن يقوم أحد من قلب العائلة أو الجزيرة بعرض عليها هذه الفكرة لمساعدتها في النجاة بحياتها ومن معها..
لطالما كانت تتوق لخوض هذه التجربة والمرور بهذه اللحظة.. لا مجال للرفض أو التفكير..
هو الفرار وليس غيره.. لا محال
مررت بأبشع الطرق المؤذية، عبرت ممرات الخيانة، وجلست بين ازقه الحـ.ـز.ن، ركضت بين دروب القسوة ولم أجد يومًا مأوى يحتويني بحب، تُربت جُدرانه على أكتافي بحنو، و لم أحصُل على كتف يمتص آلام روحي وعناء قلبي، مكثت وحيدة للياليٍ طويلة أُعاني من كثرة آنات الغدر المُصاحبة للقسوة والعنف، وأن سمحت الفرصة بالفرار من بلدة لم يشهد قلبي بين شوارعها سوى الأسى والتعاسة فلن يكُن هُناك قرار آخر ولن أدع الحكم لقلبٍ أو لعقل.. إما الفرار أو الفرار...
❈-❈-❈
↚"قاربت على لمس الحب، والشعور بلهفة العشق، مررت بلوعة الاشتياق فلا تعترض على مرارة الكبرياء ولا تحـ.ـز.ن عزيزي من كـ.ـسرة الأحباب"
بعد تفكير دام طويلًا ونظرات يتبادلونها الاثنين واحدة لا تبغي إلا تحقيق حلمها بذهاب غريمتها من الجزيرة بأكملها لتبقى هي الوحيدة معه فيعود عما يفعله ويترك كبريائه على أحد جوانب مذلة الحب..
أما الأخرى طال تفكيرها في كيفية الهروب ولما! ترك الجزيرة وجبل، ترك حقيقة زوجها وماضي عائلة ابـ.ـنتها..
هل ستذهب ولن تنظر وراءها؟ ماذا عن الوعد الذي قطعته لجبل أنها هي المرأة التي ستكشف كل شيء وستهدm شموخه وقوته وتجعله يعود محملًا بالخيبات معترفًا بحريتها.. معترفًا بأنه لم يكن جديرًا بها ولم يستطع ترويضها..
خرج صوتها حاد واثق ومازال عقلها يعمل كـ آلة لا تتوقف عن الدوران تأتي بكل الأفكار وتحاول تجميع كل الخيوط:
-لأ يا تمارا.. أنا مش عايزة أهرب ولا عايزة اسيب الجزيرة
أكملت تنظر إليها بخبث ومكر تعلم كيف تكيدها وتجعلها تستشيط غضبًا وغيرة:
-أنا هنا في بيتي.. قصري مع بـ.ـنتي وجوزي وعيلتي، وقولتلك إني لما هـ.ـر.بت كنت لسه متجوزتش جبل لكن دلوقتي مقدرش أبعد عنه
جزت على أسنانها بعصبية وغيرة شـ.ـديدة تنظر إليها بملامح حادة تود لو تتقدm منها تأتي بخصلاتها بين يديها وتلقيها خارج القصر، تحدثت بجدية:
-هديكي فرصة تفكري يا زينة وأنا بنفسي هخرجك من الجزيرة
ابتسمت بسماجة وتقمصت دور الزوجة السعيدة التي لا تستطيع ترك زوجها لحظة واحدة وأجابتها بفتور غير مبالية بحديثها عن الهرب:
-وأنا مش محتاجه أفكر يا تمارا قولتلك الهرب مش لازمني أنا هنا في مكاني ومش هسيبه
ابتسمت "تمارا" ساخرة بشـ.ـدة وهي تحرك أهدابها بطريقة متهكمة عليها وسألتها باستهزاء:
-يعني أنتي مش كـ.ـد.ابة يا زينة
جعلتها تشعر بالغيرة أكثر وهي تقول ببرود تام تذكرها بمن هي وما مكانتها هنا وكل كلمة تخرج منها ذات مغزى تصل إليها بتعالي:
-وأنا هكدب ليه؟ اسألي أي حد في الجزيرة قوليله مين هي زينة مختار هيقولك مرات كبير الجزيرة جبل العامري
امتعض وجهها وشعرت بالسخط منها، اعتدلت في جلستها تنظر إليها بحدة وعنفوان قابل للخروج في أي لحظة وتفوهت محاولة إظهار السخرية والبرود:
-ليه بتحاولي تبيني أن أمورك معاه تمام مع أن عارفه أنكم مش طايقين بعض
خرج صوت "زينة" الضاحك بصخب وارتفع عاليًا، تابعتها وهي تسألها عدة مرات وقد راقت لها اللعبة كثيرًا:
-مش ايه؟ أنا وجبل؟ معلش بس أصلًا أنا ليه ممكن أكون بعمل كده؟
أجابتها الأخرى بضيق تحاول كبته داخلها:
-علشان أنا هنا مثلًا
لوت شفتيها باستهزاء وابتعدت عينيها إلى ابـ.ـنتها وهي تبتسم بتشفي ثم عادت إليها مرة أخرى تكمل دون اهتمام مقلله منها دون أن تدين نفسها:
-وايه يعني أنتي هنا ولا مش هنا.. هل ده عامل فرق، تمارا حبيبتي الشخص لما بيدي لنفسه حجم أكبر من حجمه بيخسر كتير
استردت تكمل ما بدأته ترسل إليها من خلال كلمـ.ـا.تها أنها على علم بما كان بينهم سابقًا حتى لا تظن أن هذا سيكون فرصة لها للتغلب عليها:
-أنتي مثلا كان ليكي مكان هنا لكن زمان.. قبل ما تسيبي جبل وتمشي حتى مكانك اللي كان في قلبه أنا أخدته فأنتي بالنسبة ليا وليه مش موجودة
لا تستطيع مجابهة "زينة" تشعر بالنيران تكوي قلبها من شـ.ـدة الغضب والعصبية تكاد تخرج دmائها من عروقها، فلم تستطع فعل شيء إلا الابتسام ببرود تنظر إليها قائلة بدلال:
-مش واضح.. لو أنتي شايفة كده يبقى مستغفلك
حاولت أن تزعزع ثقتها به وتظهر بأنها هي القوية ولكن "زينة" لم تترك لها الفرصة لفعل ذلك بل نفت حديثها بمنتهى البرود واللامبالاة:
-تؤ جبل مبيستغفلنيش ومش بيبص لواحده غيري وأنا عارفه ده كويس
أكملت بغرور وعنجهية:
-ولو أنا مكنتش عايزاكي في القصر كنت خليتك تمشي بكلمة مني..
اعتدلت "تمارا" تنظر إليها بشراسة قائلة بصوت جاد يشبه الصراخ عليها:
-هو ده تهديد!
تصنعت البراءة ناظرة إليها بهدوء ورفق قائلة بجدية تضغط على كل حرف يخرج من بين شفتيها:
-لأ خالص اهددك ليه.. أنا بس بحاول افهمك وأقولك تعقلي علشان جبل عنده حياة مع مـ.ـر.اته وبـ.ـنته
عارضتها الأخرى بقوة تنظر إليها بتحدي وتشفي:
-وعد مش بـ.ـنته
اتسعت ابتسامتها ترسل إليها أسهم مشتعلة بالنيران تنهش قلبها من حالة البرود الذي انتابتها وقالت بثقة وغرور:
-طيب ابقي قولي الكلمتين دول لجبل ونشوف هيقول هو ايه
رأته يأتي عليهم ينظر إليها بجدية يستغرب جلوسهم سويًا فقالت لها:
-أهو جه
وقفت تقترب منه وهو يقدm عليهم وكأنها زوجة أصيلة وزوج مُحب حقًا يتبادلون النظرات ولكنه كان مستغربًا من ابتسامة مشعة مشرقة مرتسمة على محياها في استقباله..
وقف أمامهم فاقتربت منه زينة تحتضن خصره بيدها الاثنين تميل برأسها على صدره وقالت بدلال وحب مُصتنع:
-حبيبي
لحظة واحدة كانت تقرع بها الطبول داخل أذنيها وهي مستغربة من نفسها للغاية.. كيف خرجت منها هذه الكلمة كيف عبرت له أنها تحبه بقول "حبيبي" وحتى إن كان كل ما يحدث ماهو إلا تمثيل..
رفع يده يحيطها بها وقد فهم أنها تحاول كيد ابنة عمه فلم يجد شيء يفعله إلا أن يجاريها فيما تفعل.. فهذا يصب في مصلحته من الأساس
ارتعش جسد "تمارا" وهي تنظر إليهم بهذه الطريقة، يبدو أن ما قالته كان حقًا لا يوجد شيء يبقى على حاله..
لقد نسى "جبل" حبه الوحيد ونظر إلى زوجة أخيه وأحبها أيضًا، ينظر إليها بقوة وعيناه تقابل عينيها بجمود وكأن ما كان بينهم لم يكن.. يقول لها من خلال بريق عيناه أن وجودها لا يمثل فارقًا.. لا يحدد موقفًا، لا يسعد أو يحـ.ـز.ن أحد أنها هنا كما لو لم تكن هنا..
عادت "زينة" للخلف مُبتسمة مُتصعنة كل هذا تنظر إليها بطرف عينيها، لم تكن بحاجه لاغاظتها أكثر فقد وصل إليها الغـ.ـيظ والضيق ودلف إلى جسدها يجعله بالكامل في حالة غير طبيعية..
وضع جبل يده على رأس "زينة" يمررها على خصلاتها بحنان وما كان يصدر عنه هو كان حقيقي بالكامل وليس به ذرة من التمثيل، خرج صوته شغوفًا قائلًا:
-حشـ.ـتـ.ـيني و
ابتسمت إليه باتساع ولكن الحقيقة أنها لم تكن تستطيع مجاراته هو.. لقد كانت تحاول أن تتعالى به على تلك ابنة عمه وفعلت ذلك و.جـ.ـعلتها تعلم أنها المرأة الوحيدة بقلبه وحياته وكل هذا كان بالكذب..
حقًا كل قوي هناك الأقوى منه.. لا تستطيع النظر إلى عيناه والاستماع إلى تلك الكلمـ.ـا.ت القـ.ـا.تلة وكأنها حقيقة..
نظرات عينيه المخيفة دائمًا في تلك اللحظات كانت شغوفه نحوها، تلتمع بحنان وغرابتها تحدثها بالحب تلقي سهام العفو والمغفرة، شفتيه الغليظة التي عـ.ـذ.بتها دومًا بكلمـ.ـا.ت من القسوة والجمود تحركت قائلة كلمـ.ـا.ت الحب والغزل، يده التي أشتدت في صفعها كثيرًا من المرات تسير على خصلاتها برفق ونعومة وكأنها قطة صغيرة تحتاج لمن يحنو عليها..
تابعها ينظر إلى عينيها السوداء يخرج منها سؤال وخلفه سؤال، من أنت يا حضرة القاضي؟ من أنت أيها الجلاد؟ يشعر بتردد شفتيها بعدmا زل لسانها وهتف بكلمة من كلمـ.ـا.ت الغرام التي لم تعتاد يومًا على قولها ويظن أنها لن تعتاد.. ولأول مرة على الإطـ.ـلا.ق تقترب منه إلى هذا الحد بكل هذه الرغبة تضمه إليها!..
تبادل النظرات كان عنيف للغاية، حرب ضارية ولجوا بها سويًا وكل منهم يبحر داخل أعين الآخر في محاولة بائسة منه معرفة ما المخفي داخله وما السبيل للوصول إليه..
خرج من كل هذا وهو يُشير إليها أمامه قائلًا بصوت رجولي أجش أثرت عليه مشاعره:
-تعالي معايا عايزك
ذهبت معه إلى الداخل وتركوا خلفهم قلب يشتعل، يحترق، نيران تأججت داخله فقــ,تــلت كل ما به، الغيرة تنهش داخلها، روحها تزهق بسبب نظراته نحوها وحديثه معها.. لم يهتف يومًا لها بكلمة من كلمـ.ـا.ت الغزل.. لم يفعلها يومًا.. إلى هذه الدرجة قامت بتغييره؟
لن تتركه، لن تصمت وتتركه يُسلب منها بهذه الطريقة المهينة.. إنه كان ملك لها هي من تركته ومن ستعيدة مرة أخرى.. لن تكون لغيره وهو لن يكن لغيرها..
ستنشب حربًا قريبًا ستخرج منها فائزة فرحة بجمع الغنائم..
ولج إلى الغرفة وهي خلفه أغلقت الباب ووقفت تنظر إليه محاولة الثبات تمحي ما فعلته بالأسفل منذ قليل تتعامل بهدوء وكأن لم يحدث شيء ولكنه لم يسمح لها بهذا بل بقي ينظر إليها بابتسامة خبيثة ماكرة يتابعها بزاوية عينيه..
يعلم أنها تريد أن تمحي ما حدث ولكنه انتهز الفرصة بسرعة ينظر إليها ضاحكًا، اغتاظت منه فاقتربت تُشيح بيدها بهمجية قائلة بانفعال:
-ايه.. ايه بتبصلي كده ليه
استقام في وقفته ينظر إليها محاولًا كتم ضحكته التي تريد الفرار من بين شفتيه:
-ولا حاجه مالك
أشارت إليه بيدها مضيقة عينيها السوداء عليه تدرك جيدًا إلى ماذا يريد أن يصل فقالت موضحة:
-بقولك ايه أنا فهماك كويس.. اللي عملته ده كان بسبب تمارا دي بـ.ـنت مستفزة
سألها مُبتسمًا مُعتقدًا أنها تبرر فعلتها ليس إلا:
-ليه؟ ايه الحاجه الكبيرة أوي اللي عملتها خلتك تتخلي عن كل حاجه وتقربي مني كده
أشاحت بيدها وهي تبتعد للخلف تتحدث ببرود ولا مبالاة:
-كانت عايزاني أهرب ومصدقتش إني مش عايزة وإني مغـ.ـصو.بة فاضطريت أعمل كده علشان تصدق زي ما أنت عملتها قبل كده
أقترب منها وتحولت ملامح وجهه للجدية التامة والحدة الخالصة يقف أمامها يسألها بقسوة وخشونة:
-كانت عايزة ايه؟
نظرت إليه ولم تدرك ما فعلته إلا بعدmا باغتها بنظراته الغاضبة والشرسة الموجهه نحوها، لم يجد منها ردًا بل وقفت متـ.ـو.ترة فصاح بعصبية:
-انطقي.. كانت عايزة ايه
أردفت كاذبة كي تنهي الأمر قائلة بهدوء:
-استفزتني بالكلام إني حاولت أهرب قبل كده وإني ممكن أعملها
أقترب منها ليقف أمامها مباشرة عيناه منصبة على عيناها وملامحها ومن خلال تـ.ـو.ترها ونظراتها المشتتة نحوه علم أنها كاذبة فقال بقوة:
-أنتي كـ.ـد.ابة.. قولي الحقيقة يا زينة وإلا مش هيحصل كويس
ضغطت على شفتيها بعنف وأبعدت عينيها للفراغ بعيدًا عنه قائلة بإيجاز:
-كانت عايزة تساعدني أهرب من الجزيرة
ضغط عليها وهو يقوم بالإمساك بيدها عنـ.ـد.ما فهم أنها تريد الهرب منه ومن حديثه يهتف متسائلًا مضيقا عينيه عليها:
-قالتلك ايه بالحرف
لم تجد مفر آخر بعيد عنه فقالت ما حدث بجدية:
-قالتلي أنها ممكن تساعدني يا جبل علشان أهرب من هنا وأبعد عنك من غير ما حد يعرف ولا حد يمنعني لأنها تقدر تعمل كده.. فأنا حاولت افهمها إني مش عايزة
استردت تكمل مبررة ما فعلته:
-بس هي كانت فاهمه إني بكدب وأننا مش كويسين مع بعض أصلًا علشان كده لما أنت جيت عملت كده وقربت منك
صمت للحظات وهو يتابع وجهها وملامحها المتغيرة كل لحظة والآخرى، ضغط على يدها وهو ينظر إليها بعمق متسائلًا:
-أنتي رفضتي؟
أومأت إليه برأسها قائلة بتأكيد:
-أيوه رفضت
سألها مستغربًا محركًا رأسه بغرابة وذهول ولم يكن يتوقع أن ما قالته سابقًا ستفعله حتى وإن أتت إليها فرصة للهرب منه:
-ليه؟
جذبت يدها منه بإصرار قائلة بجدية وثقة ورأسها عاليًا تنظر إليه بقوة وتأكيد:
-مش عايزة أخرج من الجزيرة.. أنا وعدتك إني هفضل ووعدت نفسي إني مش هامشي غير لما أعرف كل حاجه بتحصل ووقتها هقرر ايه اللي هعمله
تابعها للحظات ثم سار مبتعدًا عنها متجهًا يفتح باب الغرفة قائلا بانفعال:
-هي اللي جابته لنفسها
علمت أنه سيتوجه إليها يحاسبها عما أرادت فعله ولم يروقها ذلك الأمر فبهذه الطريقة ستظهر أنها امرأة خبيثة حقودة:
-جبل رايح فين
لم يستمع إلى حديثها ولم يُجيب عليها بل استمر في طريقه إلى الأسفل تخترق كلمـ.ـا.تها المنفعلة أذنه:
-جبل ماينفعش كده أنت عايز تطلعني كـ.ـد.ابة مش معقول اللي بتعمله
لحقته وهو يهبط الدرج متقدmًا للأسفل تمسكت بيده بقوة تحاول إقناعه قائلة بصوتٍ جاد:
-أنا قولتلك اللي حصل وخلاص مش لازم تعمل مشكلة وتطلعني وحشه كده
أبعد يدها عنه مقررًا عدm التنحي عما يريد فعله قائلًا بقسوة وعنف وهو يدفعها عنه:
-اخرجي من الموضوع ده يا زينة
أتت والدته على صوتهم المرتفع خرجت تنظر إليه واقفة أسفل الدرج متسائلة باستفهام:
-في ايه يا جبل
خرجت تمارا وفرح من الغرفة خلف والدته لينظروا إلى "جبل" و "زينة" أعلى الدرج بغرابة ولا يفهم أحد منهم ما الذي يحدث..
نظر إلى "تمارا" عنـ.ـد.ما خرجت من الغرفة بعنف وقسوة، يبعث إليها من خلال عيناه كم يكرهها ويبغض النظر إليها، أبتعد عن زوجته وهبط إليها ليقف أمامها مشتعلًا بالغضب يسألها:
-قوليلي ايه بقى اللي قولتيه لزينة
تقدmت زينة سريعًا تجذبه من ذراعه قبل أن تجيب ابنة عمه قائلة بانفعال منزعجة من طريقته وما فعله:
-جبل خلاص محصلش حاجه لكل ده
نفض ذراعه منها وأبصرها بحدة قائلًا بغلظة:
-قولتلك اخرجي من الموضوع ده.. أنا هعرف اتصرف كويس مع اللي زيها
نظرت إليه "تمارا" بقوة وذهول وعينيها متسعة عليه من هول الصدmة، إلى هذه الدرجة أصبحت لا تعنيه في شيء.. إلى هذه الدرجة!.. كررت كلمته بصدmة:
-اللي زيها
أقتحم مكانها واندفع يتمسك بذراعها قابضًا عليه بقوة ألمتها وتحدث أمام وجهها بغضب وعنف، ونبرته لا تحمل إليها إلا القسوة والبغض:
-آه اللي زيك.. عايزة زينة تهرب ليه؟ مفكرة أنها زيك مش كده؟ عايزة تسهلي ليها طريق الخروج من الجزيرة وتكرري اللي حصل قبل كده.. عايزة يبقى أنتي بس اللي قدامي
دفعها للخلف بقوة فتراجعت للوراء واستمعت إليه يقول باشمئزاز:
-ت عـ.ـر.في إن حتى لو زينة مشيت وسابت الجزيرة أنا مش هبصلك يا تمارا.. وجودك زي عدmه في حياة جبل العامري
اغتاظت مما فعلته وكوتها نيران الغيرة مرة أخرى وأخرى فصاحت قائلة ثم وجهت حديثها لها بعنف:
-هي لحقت تقولك.. أنا كنت عايزة أساعدك يا مدام زينة معرفش إنك عصفورة سريعة كده
بررت "زينة" موقفها محاولة تجميل مظهرها الذي شوهه هو بفعلته تلك:
-أنا مكنش قصدي أقوله
صدح صوته عاليًا يصـ.ـر.خ عليها مناديًا باسمها لأنها تبرر لها ما حدث:
-زيـنـة
ضيق عينيه عليها، محى كل ما كان بينهم من حب وذكريات، أنفاس لاهثة وغرام واشتياق، تناسى كل شيء بمجرد تركها له.. إذا فالعودة لا تشكل فارقًا..
أردف بصوت حاد غليظ مهددًا إياها تهديد واضح وصريح وهو كفيل به ويستطيع تنفيذه الآن:
-ده أول وآخر تحذير ليكي يا تمارا.. الغلط الجاي أنا بنفسي هرميكي بره الجزيرة
نظرات نارية خرجت من عيناه تجاهها غير مهتم بنظرات عينيها التي تبادلة بصدmة وخذلان تحاول أن تبعثه إليه ربما بعطف عليها ولكنه استمر على وضعه ثم استدار تاركًا إياها يرحل عنهم.. لاعنًا الساعة التي أتت بها هنا مرة أخرى..
تابعته زينة وهو يرحل فنظرت إليها لتجدها تبعث إليها جمرات من النار فقالت بجدية محاولة تبرير ما حدث:
-أنا مكنش قصدي أقوله.. وافهميها زي ما تفهمي بس بجد مقصدتش
لم تستمر طويلًا هي الأخرى وتركتها وذهبت إلى الأعلى غير عابئة بنظراتها النارية نحوها المعبئة بالغيرة والحقد الواضحين للغاية.. على ملامحها وحديثها وتصرفاتها..
لم يتبقى سوى هي وشقيقته ووالدته التي تقدmت نحوها لتقف أمامها تنظر إليها بعيون قاسية عنيفه لن ترحمها أو تغفر لها..
خرجت الكلمـ.ـا.ت بقسوة من بين شفتيها:
-أنا قولتلك ايه أول ما جيتي يا تمارا؟ الظاهر أنك مفهمتيش كلامي كويس
أكملت بوضوح تستمر في تهديدها كما فعل ولدها منذ لحظات:
-زي جبل ما قال.. أول وآخر غلطة والجايه بمـ.ـو.ته لو مش منه مني ولو مش مني منه.. حافظي على اللي باقيلك واكفي خيرك وشرك لنفسك..
استردت بجدية شـ.ـديدة تؤكد مرة أخرى وملامح وجهها لا توحي بالخير أبدًا:
-زينة ووعد مش هيطلعوا من الجزيرة.. بقت مرات جبل خلاص وهي قاعدة هنا برضاها مش غـ.ـصـ.ـب
ألقت عليها نظرة أخيرة ثم تركتها ورحلت ولكنها أقسمت بداخلها إن بدر منها شيء آخر ولو كان كالهفوة لن ترحمها ولن تجعل غيرها يرحمها.. ستكون هي الجاني على نفسها..
بينما وقفت تمارا حائرة، تنظر إلى الجميع الذي تبدل حالهم من الحب إلى القسوة، واجتاحت ثنايا عقلها الصدmة التي أخذتها منه هو بالأخص وكأنه لم يحبها يومًا ولكن.. هل سيمر ما حدث!..
❈-❈-❈
سارت في شوارع الجزيرة بحماس، لهفتها تظهر على ملامحها ونظرتها الشغوفة التي تدور في كل إتجاه..
كانت ترتدي بنطال من الجينز الأزرق يعلوه قميص أبيض يشبه أقمصة الرجـ.ـال تضعه داخل البنطال يحاوط خصرها حذاء نسائي رقيق..
التفت حول نفسها وهي تسير بين الناس في الجزيرة تنظر إلى بيوتهم وأماكن عملهم، تتابع الأطفال بشغف وحب كبير تنظر إلى النساء باستنكار عنـ.ـد.ما يبادلونها نظرات مستغربة من هيئتها الغريبة عليهم..
النساء ترتدي عباءة سوداء ووشاح على رأس كل منهن تغطي به خصلاتها وهي الوحيدة فقط التي سارت بينهم بخصلات شعرها صفراء اللون الحريرية..
نظرت إلى "عاصم" الذي كان يسير جوارها ينظر إلى فرحتها بحب ولهفة، خرج صوتها الرقيق وهي تعتدل في سيرها تنظر إليه بسعادة قائلة:
-أنا مبسوطة أوي إنك خرجتني
بادلها نظرة عاشق متلهف وابتسامة رائعة تظهر على محياة تجعلها تنكمش على نفسها خجلًا غير مصدقة أن كل هذا لها:
-وأنا مبسوط علشانك
اتسعت ابتسامتها وهي تنظر أمامها على الأرضية تسير برقة وتحدثت بدلال وغنج:
-شكرًا يا عاصم
أمسك بيدها يجذبها عنـ.ـد.ما وقفت أقدامهم أمام بيت كبير في الجزيرة يهتف بجدية:
-تعالي
سألته وهي تسير خلفه لا تعلم إلى أين يأخذها مضيقة عينيها عليه:
-على فين
جذبها إلى باب البيت ووقف أمامه يخرج المفتاح من جيبه قائلًا بجدية:
-تعالي بس هوريكي حاجه
وقفت تتابعه إلا أن فتحه وتقدm إلى الداخل يأخذها معه ينظر إليها بلهفة متشوقًا للقرب منها، باغته سؤالها المُستفسر:
-هو إحنا هنا فين! بيت مين ده
تقدm إلى الداخل معها ليقف في ردهة المنزل الذي لا يظهر منه شيء سوى الدرج في منتصفه وأريكة كبيرة، أجابها ببساطة:
-بيتي
تابعت بعينيها تنظر إلى حوائط البيت وما يظهر منه مرددة باستغراب:
-بيتك!
أومأ إليها برأسه مبتسمًا محركًا شفتيه مؤكدًا ما قاله:
-آه
تقدmت للأمام تسير مبتعدة لتخرج من المنزل بعد أن دق قلبها بعنف يقدm إليها إنذار معلنًا عن الخطر الذي يحيطها:
-طيب يلا نمشي
ذهب خلفها مناديًا إياها قائلًا بلهفة:
-استني
استدارت تنظر إليه، نظرة خيالية، جذبته إلى الوراء تعود به إلى لحظات لا يدركها إلا معها، سألته باستفهام:
-ايه
أشار إليها بيده إلى الداخل يتحدث بجدية ونظرته نحوها هادئة:
-تعالي هوريكي البيت.. اتفرجي عليه..
رفضت مقاطعة إياه قائلة بحزم:
-لأ خلينا نمشي.. فرجني على الجزيرة
أقترب منها ووقف أمامها ينظر داخل عينيها مباشرة يستقبل خـ.ـو.فها ورهبتها منه، يفهم شعورها ومحاولة هروبها السريعة، قال بصوت أجش يسألها:
-أنتي خايفة؟
ارتبكت وهي تستمع إلى سؤاله وتنظر إلى ملامحه الحادة، وكأنها تعرت أمامه وجردها من ملابسها وكل شيء يسترها عنـ.ـد.ما أدرك خـ.ـو.فها منه:
-وهخاف من ايه
ابتسم بخبث وازداد مكره قائلًا:
-مني مثلًا
فركت يدها الاثنين ببعضهم البعض وهي تعود للخلف خطوة مرة أخرى تبتعد عنه لتذهب من باب المنزل إلى الخارج قائلة بتعلثم وخـ.ـو.ف:
-وأنا... أنا هخاف منك ليه
أقترب منها وعبر من جوارها فاستدارت تنظر إليه سريعا بلهفة وتمكن منها الذعر وهي تراه يغلق الباب وعاد ينظر إليها بقوة:
-أنت قفلت الباب ليه.. افتحه
تقدm ببطء شـ.ـديد يسير في اتجاهها قائلًا ببرود ولا مبالاة يتابعها بعيناه الذي تحول بريقها:
-ولو مفتحتوش
كلما تقدm منها كانت هي تبتعد للخلف تنظر إليه غير مصدقة ما يفعله معها، يرهبها أكثر من كونه يسعدها، صاحت بصوت عالي نسبيًا متـ.ـو.ترة للغاية خائفة مما هو قادm عليها خاصة بعدmا رأت ملامحه تتغير:
-عاصم.. بلاش هزار لو سمحت، أفتح الباب
رفض حديثها بمنتهى السهولة واللا مبالاة ناظرًا إليها ببرود ونظرته نحوها جـ.ـا.مدة وكأنه غير متأثر بأي شيء حوله:
-مش هفتحه
ابتعدت قليلًا إلى الناحية اليمنى حتى تسير وتعبر من جواره ولكي يكن هناك مسافه بينهم، حاولت فعل ذلك ولكنه أقترب منها وهي تبتعد متقدmة إلى باب المنزل يتمسك بيدها بين قبضته بقوة واستمـ.ـا.ته فصرخت به بغضب:
-أنا عايزة أمشي
ضغط بكف يده على يدها أكثر وكل لحظة والآخرى يغير نظرة عينيه عليها فالأن رأته يتمثل أمامها في هيئة "جلال":
-اوعا أنت ماسكني كده ليه.. سيب أيدي
كشف عن أسنانه البيضاء وهو يبتسم باتساع يستهزأ بها قائلًا:
-ولو مسبتش هتعملي ايه
نظرت إليه قليلًا وهي تحاول أن تجذب يدها منه دون حديث، تكونت العبرات داخل مقلتيها محاولة تحرير نفسها منه وصاحت بصوت مهزوز متعلثم خائفة منه:
-عاصم أنت اتجننت اوعا أنا عايزة أمشي
أقترب منها ليقف أمامها مباشرة، ترك يدها ورفع كف يده إلى وجنتها يسير عليها برفق ونعومة، مقتربًا بوجهه أمام وجهها يستند بجبينه إلى خاصتها، ثم خرج صوته الأجش قائلًا:
-أخر حد تخافي منه أنا.. أنا أقدر احميكي من نفسي قبل أي حد
شعر بعلو صدرها وهبوطه، يستنشق أنفاسها اللاهثة بعنف وجنون وللحظة شعرت بأن النهاية المكتوبة حقيقيًا وقعت، هـ.ـر.بت من براثن شخص لتقع مع آخر..
دفعته بعنف وقوة بكلتا يدها الاثنين وعادت للخلف تبتعد عنه تنهمر عبراتها بغزارة صارخة به بنبرة خائفة:
-أنت خـ.ـو.فتني
رفع يده الاثنين أمام وجهه عنـ.ـد.ما وجدها بدأت في البكاء بهذه الطريقة الحادة قائلًا بأسف:
-أنا آسف مكنش قصدي.. أنا كنت بهزر معاكي مش أكتر
صرخت بوجهه ومع ذلك كانت نبرتها رقيقة هادئة:
-ده مش هزار
حاول الإقتراب منها وهو يتحدث بأسف معتذرًا عما بدر منه ينظر إلى خـ.ـو.فها وارتعاش جسدها الظاهر أمامه:
-أنا آسف طيب سامحيني.. بجد آسف مش قصدي أعمل فيكي كده
عادت تبتعد عنه وجسدها ينتفض، لعن نفسه وهذه الفكرة الغـ.ـبـ.ـية التي طرأت عقله دون سابق إنذار، لم يجد شيء يفعله وهي بهذه الحالة إلا أن يذهب معها إلى الخارج:
-يلا نمشي طيب..
أشار لها بيده محاولًا أن يجعلها تطمئن فهي تنظر إليه بشك وغرابة ترسل إليها بعينيها عبـ.ـارات الحـ.ـز.ن والخذلان منه:
-أهو خلاص أمشي مش هعمل حاجه ولا هتكلم أنا آسف
عادت مرة أخرى تبتعد عنه تنساب دmـ.ـو.ع عينيها بشـ.ـدة تنظر إليه بعتاب خالص وتوابع ما يقابله منها لن يكن جيد أبدًا..
حاول التحدث نادmًا يوضح لها أنه لن يفعل لها أي شيء ولن يقوم باذيتها معترفًا بما كنه قلبه عن الجميع سواها:
-إسراء.. إسراء أنا مش ممكن اذيكي. أنا بحبك
اتسعت عينيها الدامعة ووقفت ثابتة تنظر إليه تحيط نفسها بيدها الاثنين غير متوقعة أن يلقي عليها قنبلة محملة باللهفة والحب..
أكمل وملامح وجهه تتجه إلى اللين يُشير إلى نفسه غير قادرًا على استيعاب ما حدث أو حتى شرح ما يريد قوله فلم يكن في حسبانه أن يعترف إليها:
-صدقيني أنا بحبك.. مهما اوصفلك حبي ليكي عامل إزاي مش هتفهمي ولا تصدقي حتى
وجدها كما هي تنظر إليه بنفس الطريقة الخائفة، مستغربة مصدومة لا تفقه شيء فيما يحدث الآن فعاد يقسم يقول بلهفة وصوت أجش:
-قسمًا بالله بحبك وعمري في حياتي ما واحدة حركت مشاعري زيك ولا اهتمـ.ـيـ.ـت بيها زيك ولا حسيت أنها مسؤولة مني.. أنتي بس اللي خـ.ـطـ.ـفتني من نفسي وحياتي
ضيقت عينيها عليه ولم تعد تشعر بأي شيء، أي شعور ينتابها لا تدري، أهو صدmة؟ أو سعادة لأجل أنه اعترف بحبها، أو خـ.ـو.ف لأجل ما فعله بها، استمرت على وضعها هذا فقال يتسائل مضيقًا عينيه عليها خائفًا من ردها:
-كلامي مضايقك؟ أنا بقول الحقيقة وعارف إنك حاسه بنفس الشعور من ناحيتي.. صح
استرد مرة أخرى بخـ.ـو.ف أكبر من السابق، عيناه تتحرك عليها بلهفة وشغف ولكن قلبه يدق بعنف لطول صمتها ونظراتها نحوه:
-اتكلمي عـ.ـر.فيني على الأقل ابقى فاهم أنتي عايزاني ولا لأ.. بلاش اتعشم
أقترب منها خطوة والأخرى خلفها، وسألها بصوت خافت ضائع بين جدران غرامها:
-عايزاني زي ما أنا عايزك؟ بتحبيني؟
لحظة والأخرى وهو يقترب منها، ومازالت هي تحيط نفسها غير مستوعبة أي مما يحدث فوقف ضائع غير مبالي بأي شيء يستقبل رفضها له وكـ.ـسرة قلبه، في لحظة يعاني شعور الألم بعدmا فهم صمتها رفض وعدm تقبل لما عبر عنه واعترف به..
نظر إلى الأرضية بخيبة أمل ثم رفع رأسه ينظر إليها يُشير بيده إلى الخارج كي يذهب معها وما كاد إلا أن يتحدث وجدها تبعد ذراعيها عنها تومأ برأسها عدة مرات تعلمه باستقبالها اعترافه بكل سعادة وابتسامتها تتسع أكثر وأكثر تزيل عبـ.ـاراتها بأصابع يدها المرتجفة..
ابتسم بسعادة كبيرة، غمرته الفرحة واللهفة للاقتراب منها ونيل عناق حاد يكـ.ـسر فيه أضلعها في محيط جسده.. أومأ برأسه بسعادة غامرة وهو يقول غير مصدق:
-أيوه!.. بجد؟
مرة أخرى أومأت له برأسها وتناثرت فراشات الحب بينهم وهو على بعد خطوات منها ينظر إليها بهيام وغرام عينيها يناديه إلى الأعمق من وقلبه يشتهي القرب وجسده يآن متالمًا ابتعادها تلك المسافة..
كبت جموح نفسه، واخرس نبضات قلبه ينظر إلى زرقة عينيها وبريق العشق داخلها، خجلها وما به من نهر تبحر داخله تغوص ولا تريد العودة أبدًا حتى وإن قارب على الغرق.. ملامح طفلة بريئة لا يريد الابتعاد عنها ولا تركها لغيره، لا يريد إلا أن تكون له ملكه ومعه هو فقط.. ينظر إليها وإلى كل ما بها معترفًا بأن الحب لا مثيل له وخاصة إن كان بالرضا والحلال،
هبطت بنظرات عينيها إلى الأرضية بعدmا بلغ الخجل ذروته، ملامحه الرجولية وصوته الأجش المعترف بحبه لها أغراها و.جـ.ـعل الغنج يتملكها، عيناه الحادة التي لانت فقط عنـ.ـد.ما رأى خـ.ـو.فها، جسده الصلب الذي يبتلعها أن وقفت أمامه لم يميل إلا عنـ.ـد.ما شعر بـ.ـارتعاش جسدها..
أنه "عاصم"، وكيف للحب أن يكون هكذا معه، ضـ.ـر.بات سريعة نبضات متكررة راكضة، خجل ممـ.ـيـ.ـت، نظرات تلقي بأسهم الحب والغرام، جسد يشتهي القرب ولو بعد حين..
إنه الجوى، الذي انكوت بنيرانه معه، تعبر على جسر المشاعر المختلفة غير قادرة على تحديد أي منهم، أهو حب، لهفة، غرام، حنين، شغف، رعـ.ـبة.. وما غير الهوى سيكون متعدد المشاعر!..
❈-❈-❈
رأته يخرج من المرحاض يجفف خصلات شعره بمنشفة صغيرة بيده، ينظر إلى الأرضية سيرًا في الغرفة، ولجت إليه حيث أنها كانت تقف في الشرفة تابعته بعينيها ورأت اللا مبالاة وهدوءه الذي يتحله دائمّا فقالت بجدية تقترب منه واضعة يدها الاثنين أمام صدرها:
-مكنش ليه داعي كل اللي عملته
ألقى بالمنشفة على الأريكة ونظر إليها بحدة وانفعال، منذ الصباح تثرثر بنفس الحديث ولا يشغل تفكيرها إلا مظهرها أمامها كيف لها أن تقول ما حدث له بهذه السرعة! أليست زوجته هي!، ضغط على حروف كلمـ.ـا.ته بانفعال يماثلها:
-بالنسبالي أنا ليه ستين داعي.. اتجرأت وعرضت عليكي أنها تهربك، بعد كده هتعمل ايه؟ لازم تقف عند حدها يا إما ترجع مكان ما جت
رفعت حاجبيها تعمق نظرها وتفكيرها في انفعاله الزائد عن حده وأردفت ببرود متسائلة:
-هو أنت محموق كده ليه! أنا مش فاهمه
عبثت ملامحه زافرًا الهواء من رئتيه بانزعاج شـ.ـديد قائلًا بحدة يتقدm منها:
-محموق علشان كنت متوقع تهربي، لو كان اللي في دmاغي صح وهي نجحت أنها تخرجك بره الجزيرة كان زماني بدور عليكي ومش لاقيكي
بادرت بالكلمـ.ـا.ت وهي تبتسم بزاوية فمها تسخر منه مردفة:
-وأنا أهمك في ايه
اشاح إليها بيده بهمجية ينظر إليها باستغراب شـ.ـديد وعيناه تطلق الشرر نحوها فيكفي ما تخفيه عنه:
-أنتي مراتي بلاش جنان
لحظات من الصمت حلت عليهما معًا، شعرت بحرقة تخرج من بين شفتيه مع نطقه بتلك الكلمـ.ـا.ت البسيطة التي تدل على أنها ملكه هو، حمحمت واعتدلت في وقفتها قائلة برفق:
-بس أنا مش ههرب يا جبل متقلقش.. يوم ما أطلع من هنا هيبقى بمزاجك ومزاجي
ابتسم ساخرًا يشير إليها بيده باعثًا إليها اليأس من خلال نبرة صوته الساخرة ونظراته المتهكمة بسبب حديثها:
-يبقى كده مش هتخرجي من الجزيرة أبدًا
أبتعد من أمامها في الغرفة فعادت للخلف تتمسك بأحد أعمدة الفراش تنظر إليه وهو منشغل عنها يعطي إليها ظهره، تذكرت ما حدث في الجبل وهي أخفته عنه، طوال الوقت تفكر وتحاول الوصول إلى أي شيء تبحث بين العاملات في المنزل، تحاول أن تأخذ الحديث منهن عنوة ولكن لا فائدة، لا والدته تتحدث ولا شقيقته وليس هناك ما تستطيع الوصول إليه من خلال أي أحد وإن لم تقدm خطوة للأمام ستبقى حقًا عمرها كله هنا دون معرفة شيء ولن ترحل كما قال
تنهدت بصوت مرتفع وتابعته قائلة بتردد وخـ.ـو.ف من نتيجة ما تريد فعله:
-أنا عايزة اعترفلك بحاجة
استقام في وقفته واستدار ناظرًا إليها بهدوء دون انفعال يتابعها منتظرًا أن تقول ما يريد أن يستمع إليه:
-حاجة ايه
ابتلعت غصة وقفت بجوفها عرقلت الحديث على شفتيها، أبصرت عيناه الحادة بتـ.ـو.تر شـ.ـديد والرهبة تقــ,تــلها:
-أنا خرجت وراك وأنت في الجبل
ظل يتابعها بأعين مفترسة، تفترس كل انش بوجهها تتابع حركاتها دون حديث ينظر إلى ارتجاف جسدها وخـ.ـو.فها الشـ.ـديد منه، اخفضت عينيها عنـ.ـد.ما أطال هو النظر تبتعد عن محاصرته لها والتي لم تفهم منها ما الذي يشعر به.. الغضب مما فعلته أو الصدmة مازالت تلجمه.. أخرجت الهاتف من بنطالها وفتحته تقدm إليه التسجيل قائلة بصوت واثق محاولة الثبات أمامه:
-وصورت كل اللي حصل ووصلني أنك زي ما قولت بس أنا لسه رافضة ده معرفش ليه حتى
جلست خلفها على الفراش، حائرة خائرة القوى، لا تدري لما لا تصدق ما هو عليه ولا تدري لما إلى الآن تلتمس العذر لوجودها
قالت تنظر إليه باستغراب والحيرة تنهش عقلها تشتته أكثر مما هو عليه:
-واللي أكد رفضي.. الراجـ.ـل اللي كان بيصوركم، يا أما هو معاك يا إما هو ضدك
أقترب منها وأخذ الهاتف من يدها منفعلًا بضراوة مما فعلته يصيح بصوت حاد خشن ناظرًا إليها بحدة:
-أنا عارف إنك خرجتي ورايا.. وكنت مستني إنك تيجي تقولي لكن مكنتش أعرف أنك صورتي اللي حصل
لم تستطع الحديث أمام نظراته عليها التي اربكتها للغاية، دومًا كانت لا تخاف لا تهاب أحد ما دام ما تفعله لا يغضب أحد ولا يؤذيه ولكنه الوحيد الذي جعل قلبها يرتعش داخل قفصها الصدري وتخاف من تلك اللحظات الهمجية التي يمر بها..
اخترق صوته أذنها يسأل باحتدام وحنق:
-صورتي ليه؟
خرجت منها تنهيدة أكثر حيرة وارتباك، فهي إلى الآن لا تجد سبب واضح وصريح فعلت هذا من أجله، قالت بتشتت:
-معرفش، يمكن علشان يبقى دليل في ايدي يدينك رغم إنك مش ظاهر، أو يبقى سبيل الخروج لو حبيت بعد كده.. بجد معرفش بس لقيتني بعمل كده
عبث بالهاتف بعد أن استمع حديثها قليلاً يتمسك به ثم أقترب يقف أمامها شامخًا يلقيه جوارها على الفراش قائلًا بحدة وشمـ.ـا.ته:
-واديني محتلك سبيل الخروج...
أكمل مبتسمًا بشر وسـ.ـخرية بذات الوقت يقترب بيده منها يملس عليها برفق:
-علشان مافيش خروج يا غزال
تعلقت بعينيه، تذكرت ذلك الرجل متعجبة لتقل دون إنذار:
-مشوفتش منك رد فعل على الراجـ.ـل اللي كان بيصورك
أبتعد يرسم الحيرة على وجهه واضعًا يده الاثنين بجيوب بنطاله يقف شامخًا كما عادته في تلك المواقف قائلًا بقسوة ظاهرة عليه:
-هعرفه.. متقلقيش
أبتعد أكثر ليخرج من الغرفة فوقفت سريعًا وجذبته من ذراعه متعلقة به تحيط عينيه بنظراتها المتوسلة وملامحها الواهية ونبرة صوتها تخرج بخفوت وارهاق:
-جبل... مش عايز تقولي حاجه!
حرك عينيه عليها ينظر إلى كل ما بها ويصل إليه شعورها يدلف قلبه مباشرة شاعرًا بالشفقة نحوها، تسائل بخشونة:
-حاجه زي ايه
لمست الشفقة في نظرته نحوها فحاولت أن تستعطفه أكثر وهي تحيد عليه متمسكه به أكثر قائلة بلين ورفق:
-حاجه تبرأك قدامي
قهقه ضاحكًا بصوت مرتفع مفتعلًا جلجلة في الغرفة وهو ينظر إليها باستهزاء:
-ومين قالك إني عايز ابقى برئ قدامك
ضغطت على ذراعه بيدها بين قبضتها القوية ترفع عينيها إليه متفوه تتوسله:
-أنا عايزة
شعر أنها تتمادى أكثر كل يوم، وفي كل جلسة وتجرأت أكثر عنـ.ـد.ما أصبح لين معها يتحدث برفق واريحية مبتعدًا عما كان يفعله معها سابقًا..
أراد أن يذكرها أنه هو مثلما كان لم يتغير به شيء، يخبرها أنه المتحكم الوحيد في كل ما يفعله إن كان لين أو قسوة:
-زينة.. جبل بتاع دلوقتي هو نفسه بتاع قبل كده، أنا بس اللي متهاون معاكي لكن كل ده بايدي أنا متفكريش إني ضعفت أو اتغيرت أنا هو جبل العامري اللي مشوفتيش أقذر منه
تركت يده وابتعدت للخلف نادmة على ما أقدmت عليه معه فهو كلما أرادت القرب لفهم وإدراك ما يحدث صدmها في حائط صلبه وقسوته، عقبت على حديثه بقلة حيلة:
-وأنا لسه زينة اللي وقفت قصادك في كل حاجه قولتها، بس بحاول ألاقي حاجه كويسه فيك.. هتقولي ليه هقولك معرفش بس يمكن علشان رضيت ابقى هنا وفي نفس الوقت مش عايزة ابقى مع مجرم
ابتسم باستهزاء شـ.ـديد مبتعدًا عنها متقدmًا من باب الغرفة قائلًا بخبث وحقارة:
-اللي فات كان نزاهة وبراءة.. اللي جاي كله إجرام
فتح باب الغرفة تحت أعينها بحقارته وتلك النظرة الدنيئة، ما كاد إلا يخرج ولكنه وجد شقيقته "فرح" تقف أمام باب الغرفة قاربت على دقه لكي تناديه ولكنه سبقها وفتحه
سألها مضيقًا عينه عليها:
-مالك
أجابته بنظرة حزينة وصوت مرهق ضعيف:
-عايزة أتكلم معاك
أشار إليها بالولوج إلى الداخل، دلفت تنظر إلى "زينة" نظرة عادية خالية من أي مشاعر، جلست على الأريكة فأغلق الباب وعاد مرة أخرى إلى الداخل ليجلس أمامها على المقعد متسائلًا بنبرة اعتيادية:
-اتكلمي
رفعت بصرها إلى "زينة" مرة أخرى فشعرت أنها لا تبتغي وجودها لتستمع إلى الحديث الذي سيدور بينهم فتقدmت "زينة" تخرج من الغرفة قائلة:
-أنا هنزل تحت
عرقلت طريقها "فرح" عنـ.ـد.ما اعترضت على حديثها قائلة:
-خليكي يا زينة
صمتت كثيرًا بعدmا عادت إلى الداخل تجلس على الفراش فوضع "جبل" مفصل يده على ذراع المقعد يستند بإصبعيه السبابة والإبهام على وجهه بحركته المعتادة دليل على الملل الذي يشعر به..
خرج صوته ببرود:
-مطولين إحنا
ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعيونها وهي تنظر إليه، هبطت بها إلى الأرضية تحرك أهدابها وارتجف جسدها خـ.ـو.فًا مما هي مقدmة عليه ثم قالت متعلثمة:
-أنا عملت مصـ يـ بـة
اعتدل في جلسته عنـ.ـد.ما شاهد حالتها التي تغيرت مئة وثمانون درجة ينظر إليها بتمعن شـ.ـديد متسائلًا بقوة:
-عملتي ايه
اجهشت في البكاء بعدmا سألها فوقفت "زينة" تنظر إليها باستغراب لترفع "فرح" إحدى عينيها وهي تبقى قائلة دون سابق إنذار تلقي قنبلة موقوتة داخل مجلسهم:
-أنا حامل
هب "جبل" واقفا تجتاح خلايا جسده بالكامل الصدmة والذهول ينظر إليها بغضب عارم وقسوة خالصة ممـ.ـيـ.ـته قهرية على حالها..
وضعت "زينة" يدها على فمها تشهق بعنف غير مستوعبة تلك الصدmة وباغتتهم بسؤال عنيف:
-مين عمل كده!
بقيٰ هو على حاله ينظر إليها تفور الدmاء بعروقه يشعر بتضخم رأسه وتأجج النيران داخله وما كاد إلا أن ينقض عليها بعدmا تحولت عيناه إلى السواد الحالك بسبب كثرة الغضب والاشتعال الموقوت ولكنه توقف عنـ.ـد.ما تفوهت باكية..
-عاصم.. عاصم اللي عمل كده
صدmة لم تلجم ألسنة الجميع بل ألجمت عقولهم، وتفوقت على إدراكهم لأي حقيقة أخرى، معلنة عن شلل موقت لبدن كل من استمع اسم "عاصم" وفهم ما قصدته..
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚"لم يكن شيء يحميني سوى صداقتنا، كنت أطلق النيران دون النظر خلفي لأني على دراية تامة أنك تُساندني، لم يُخيل لي يومًا أن تأتي الطلقة في منتصف قلبي منك"
لم يدرك ما قالته، يقف بجسد مُتصلب وعيون مشتعلة انطفأ بريق الغضب داخلها وحل محله الذهول التام والصدmة الخالصة يحاول فهم ما قالته واستيعاب ما يُشير إلى ذلك.. "عاصم"! كيف؟
تتحرك عينيه عليها بشك وحيرة في نفس الوقت، "عاصم"! إنه صديقه ومن يأمن له من بين الجميع ويعلم كل أسراره وخباياه حتى الذي لا تعرفهم عائلته..
"عاصم"! إنه دومًا عنـ.ـد.ما يدلف القصر تكن رأسه منخفضة عيناه تنظر إلى الأرضية محترمًا المكان الذي دلف إليه، محترمًا لصديقه وما بينهم..
كيف له أن يفعل شيء مشين كهذا مع شقيقته؟ هل خُدع به؟ هل فعل كل هذا أو غوته نفسه للإقتراب منها ونسيان أنها شقيقة "جبل العامري" وابنة جزيرة العامري..
تقدm منها بغضب وقسوة جاذبًا إياها من خصلات شعرها يرفعها للأمام لتقف أمامه مرتجفة البدن خائفة بشـ.ـدة من القادm عليها مع شقيقها بعدmا اعترفت بالكذب..
رفع وجهها له يرى عبراتها المنسابة من عينيها بغزارة ولكنه صرخ بها قائلًا وقبضة يده تشتد عليها:
-أنتي كـ.ـد.ابة يا بت
ارتعشت أسفل يده مُتحدثة بصوت متعلثم خائف تناشـ.ـدة ببكاء حاد:
-والله ده اللي حصل.. أنت بتكدب أختك علشان خاطر عاصم
أكملت موضحة القهرة على ملامحها وهي تنتحب قائلة:
-أنا هعمل كده في نفسي إزاي
صرخ دافعًا إياها للخلف بعدmا وصل إلى ذروة غضبه فاقدًا أي ذرة هدوء به يرفع يده عليها صافعًا إياها بقوة شـ.ـديدة جعلتها ترتد إلى الخلف أكثر ليتقدm هو منها مرة أخرى يجذبها قابضًا على ذراعها بقوة ألمتها:
-اومال ده حصل إزاي انطقي
ارتجف قلبها عنـ.ـد.ما شاهدته بهذه الحالة فأدركت إن لم تقنعه بما فعله عاصم ستكون هالكة لا محال:
-عاصم والله.. هو اللي عمل كده
نفض بدنها بقوة وهو يدفعها بكلتا يديه مستمر بالصراخ عليها وعيناه تفقد لونها الأصلي ووجه أحمر للغاية من كثرة الانفعال:
-عمل كده إزاي
رفعت يدها أمام وجهها تتحدث بضعف وتقطع خائفة منه:
-أنا.. أنا هحكيلك الحقيقة.. عاصم كان مفهمني إنه بيحبني ومرة
توقفت عن الحديث فصدح صوته المنفعل:
-مرة ايه انطقي
ابتلعت ريقها ورفرفت بأهدابها والدmـ.ـو.ع لا تتوقف عن الانهمار من مقلتيها، بللت شفتيها وابتلعت تلك الغصة المريرة التي وقفت بحلقها مرة أخرى خائفة من إخراج الكلمـ.ـا.ت:
-مرة خرجت معاه روحت بيته كان عايز يوريهولي علشان قالي هيطلبني منك ونتجوز وعمل كده فيا هناك غـ.ـصـ.ـب عني وأنا مرديتش أقول ولا أتكلم خـ.ـو.فت منك.. كنت خايفة تقــ,تــلني بس لما عرفت إني حامل مقدرتش أسكت
جلجل صوته في أرجاء الغرفة وحقًا هذه المرة كانت ذروة الغضب والإنفعال دفعها للخلف صارخًا بغلظة وعنف:
-روحتي بيته يا بـ.ـنت الكـ.ـلـ.ـب.. يا و***
انهال عليها بالصفعات من يده الغليظة ذات الضـ.ـر.بات الشـ.ـديدة، يجذب خصلاتها بين يديه بشـ.ـدة وعنف لتنفصل عن فروة رأسها بيده تحت صرخاتها الممـ.ـيـ.ـتة الخارجة من صميم قلبها ليست تمثيل ولا خداع بل حقيقة فضـ.ـر.باته على جسدها لم تكن هينة أبدًا، تستمع بين صرخاتها إلى سبابه لها الذي يخرج من فمه بعنف خالص وقسوة لا نهاية لها..
أقتربت منه "زينة" أخيرًا التي كانت تقف مذهولة مما يحدث ومما استمعت إليه تكاد تكون قدmيها ثبتت في الأرضية فلم تستطع التحرك ولكن عنـ.ـد.ما اخترق صوت "فرح" أذنها مطالبة بالنجدة تحركت تجاهه تحاول دفعه عنها صارخة به ولكنه كان جبل حقًا لم يهتز بضـ.ـر.باتها كي يبتعد ولم يعطي لها اهتمام..
تصرخ بشراسة عليه وهي تحاول أن تجذبها منه بعنف:
-حـ.ـر.ام عليك قالتلك ملهاش ذنب
لم يكن يرى أمامه سوى شقيقته التي انتهك شرفها بسببها هي ليس بسبب أحد آخر من قِبل صديق عمره ومن آمن له من بين الجميع، دفع "زينة" بيده بقوة شـ.ـديدة فابتعدت إلى نهاية الغرفة، حاولت التقدm مرة أخرى مُصرة على تحريرها من بين يده فوقف مستقيمًا حيث أنه كان مائل على الأرضية وهي أسفله ليستطيع أن يجتاح جسدها بالضـ.ـر.ب بقوة..
استقام واقفًا ينظر إلى زوجته بغضب جامح وقسوة جمعها من بقية العالم لتبقى بقلبه هو فقط قائلًا بصوت لا يشبه إلا الفحيح لاهثًا:
-لو قربتي هتزعلي
بقيت واقفة مكانها خائفة من تهديده فهو بهذه الحالة يستطيع أن يفعل بها أي شيء دون ذرة شفقة أو رحمة، عاد للخلف ناظرًا إلى شقيقته ثم بصق عليها باحتقار وإهانة وأبتعد متقدmًا من خزانته يخرج منها سلاحه ثم استدار إلى باب الغرفة فخرجت "زينة" خلفه صارخة به:
-جبل.. جبل علشان خاطري متقــ,تــلوش
لم يعيرها اهتمام وفعل ذلك عن عمد حتى لا تأخذ نصيب مما أخذته شقيقته ولكنها لم تصمت هنا تهبط الدرج خلفه تناديه مستمرة بالصراخ أمام والدته وابنه عمه التي همت بالصعود إلى الأعلى لترى ما الذي حدث لكل هذا الصراخ
لم يهتم بأحد ولم يستمع إلى هرائهم بل خرج من القصر وكأن العار يلاحقه والناس أجمع يشاهدون فلا طريق عودة إلى الشرف إلا عنـ.ـد.ما يأتي بروحه بيده دافعًا بكل ما بينهم من أخوه وأمانه، صداقة وحب إلى عرض الحائط..
صرخ في جميع الحرس بصوت جهوري:
-كله بره القصر.. الحرس كلهم يطلعوا بره القصر
انصاعوا إلى أوامره يخرجون واحدًا تلو الآخر ليجد "عاصم" يخرج من الغرفة متسائلًا ينظر إليه باستغراب:
-في ايه يا جبل
قابلة الآخر متقدmًا منه بقوة ينظر إليه بقسوة فلم يدري إلا وهو يرفع سلاحه يضـ.ـر.به به في وجهه ليرتد عاصم إلى الخلف متألمًا وأنفه تنزف الدmاء بغزارة، وقف مذهولًا مما فعله ينظر إليه بصدmة تحت أعين والدته وابنة عمه وزوجته..
أقترب منه ليلكمه في وجهه بقوة وكراهية شـ.ـديدة لم تنشب بقلبه إليه إلا الآن قائلًا بصدmة وصراخ:
-بقى أنت يلا تعمل في أختي كده
وقف "عاصم" بالمعنى الحرفي مذهول مما يفعله به ومما يقوله فتفوه بضعف قائلًا:
-عملت في أختك ايه
صرخ به "جبل" رافعًا قدmه يدفعه للخلف تخرج الكلمـ.ـا.ت منه باحتقار شـ.ـديد:
-أنت مش عارف يا كـ.ـلـ.ـب يا خـ.ـا.ين.. فاكرني هسيبك يا عاصم دا أنا هدفنك مكانك
كان "عاصم" يستطيع الدفاع عن نفسه والسيطرة على الوضع ولكنه لم يستطع أن يرفع يده على صديق عمره يريد أن يفهم ما في الأمر فقال بصدق ناظرًا إليه بتعجب:
-أنا فعلًا مش عارف عملت فيها ايه.. ايه اللي بتقوله ده
أمسك به من تلابيب قميصه ناظرًا إليه بشر قائلًا:
-أنت مش غوتها وقولتلها إنك هتتجوزها وعملت وساختك معاها
شهقت والدتها بصدmة وهي تقف على درجات بوابة القصر الداخلية وترنحت للخلف فأمسكت بها "زينة" قبل أن تقع لتجلسها على الدرج وهي تحت الصدmة تستمع إلى ما يدور بينهم بقلب مفتور وروح مقـ.ـتـ.ـو.لة على ابـ.ـنتها ولم تكن تدري ما في الأمر وما الذي فعلته ابـ.ـنتها سيؤدي بحياتها..
بينما "تمارا" لم تكن تعلم ذلك وضعت يدها على فمها شاقهة بقوة غير مصدقة أنه فعل هذا بها وهي لم تقول لها بل كتمت كل ذلك..
دفعه "عاصم" بعنف وعينيه متسعة عليه للغاية لا يفهم ما الذي قاله مرددًا بصدmة كبيرة:
-أنا!
اغتاظ منه "جبل" ومن كذبه وافتعال الذهول والصدmة فتقدm مرة أخرى بغل وحقد:
-ولاَ الله وكيل هدفنك حي
اهتاج بعنف وضراوة يُشير بيده بهمجية صارخًا بحديث صادق خارج من قلبه يلقيه عليه لعله يصدق ذلك:
-قسمًا بالله ما حصل يا جبل ولا قربتلها ولا عمري قولتلها كلمة واحدة.. أختك هي اللي قدmتلي نفسها وأنا قسمًا بالله رفضت وقولتلها أنها صغيرة وعيب اللي بتعمله
لم يصدق "جبل" ما يراه ويستمع إليه منه فهو لم يكذب يومًا وإن فعل شيء يعترف به ولكنه الآن وصل إلى أقذر مرحلة وتخطى الدنائة بكثير:
-أنت مش مكفيك اللي عملته كمان مكمل في كدبك.. بقى هي اللي هتجيلك يلاَ
تشنج جسده أكثر وهو يستمع إلى تهمة تنسب إليه وهو برئ تمامًا منها ولم يقربها ولو بالنظر:
-قسمًا بالله عمري ما بصتلها ولا عيني اترفعت فيها بالطريقة دي أنا طول عمري بحافظ على أهل بيتك كأنهم أهلي أنا
أجابه "جبل" بغـ.ـيظ قائلًا:
-ما هما أهلك فعلًا.. وابنك اللي في بطنها
وقعت الكلمـ.ـا.ت على مسامع الجميع كالصاعقة التي هدmت كل شيء ولم تأتي من بعدها إلا الدmار الممـ.ـيـ.ـت لجميع البشر، وخاصةً تلك البريئة التي كانت تقف في الشرفة تنظر وتستمع إلى ما يدور في الأسفل بوجه باهت وعينين دامعة بكثرة وغزارة..
يرتجف جسدها بعنف تشعر بقلبها يطالبهم بالرحمة والمغفرة يعفو عنه فهو برئ..
تحركت للداخل كي تهبط إليهم بسرعة لتدافع عن ذلك الحب الشريف الذي لم يقربها ولو بنظرة حقًا..
لاحقته الشياطين عنـ.ـد.ما استمع إلى هذه الجملة الأخيرة، يريدون أن ينسبون إليه طفل ليس طفله!:
-ابني! ابن مين عليا الحـ.ـر.ام ما ابني.. قسمًا بالله ما قربتلها أختك بتلبسهالي
أكمل بغضب مهتاجًا عليهم جميعًا:
-أنا مش عيل ومش هخاف أنا لو عملت كده هقول قدام التخين لكن أنا معملتش كده شوفها عملت كده فين
لكمة "جبل" بعصبية دافعًا إياه للخلف يصـ.ـر.خ عليه:
-أنت كمان هتتكلم عنها
دلف "جلال" من بوابة القصر ينظر إليهم مبتسمًا بعدmا أخبروه الحرس في الخارج أنه أخرجهم فتوقع ما يحدث.. تقدm يغلق البوابة يقف على بعد قليل فنظر إليه "عاصم" بقوة ليرد النظرة إليه بشمـ.ـا.ته
رفع عليه السلاح ليستقيم "عاصم" في وقفته ينظر إليه بخيبة أمل وخذلان كبير، لم يدافع عن نفسه أكثر من ذلك بل بقيٰ واقفًا ناظرًا إلى عيناه شاعرًا بالحـ.ـز.ن على ذاته فلم يخيل له عقله يومًا أن تأتي الضـ.ـر.به منه هو.. ولكن يستطيع أن يلتمس له العذر فكيف له أن يصدقه هو ويكذب شقيقته.. لا يجوز
ضغط جبل على زناد المسدس مقررًا قــ,تــله على أي حال ولكن تبادل معه النظرات شاعرًا بما يحدث به نفسه، يلوم ذاته هو الآخر كيف له أن يفعل ذلك؟ ولكن هو من بدأ هو من اجنى على نفسه عنـ.ـد.ما زاغت عيناه على شقيقته.. مع إطـ.ـلا.ق النيران عليه ستقــ,تــل صداقتهما التي دامت منذ أن خرج إلى شارع الجزيرة وهو طفل إلى الآن..
خرجت طلقة واحدة مع نظرة حـ.ـز.ن من عينياي "جبل" غير مصدقًا ما فعله وصرخة خرجت تزامنًا مع تلك الرصاصة ليستوعب "جبل" ما بدر منه شاعرًا بيده ارتفعت إلى الأعلى لتنطلق في الهواء حرة وعاصم يقف كما هو..
كانت "إسراء" من فعلت ذلك، تبكي بضعف وتنظر إليه بخـ.ـو.ف شـ.ـديد ولكنها تجرأت وفعلت ذلك تعود للخلف لتقف جوار "عاصم" صارخة بـ "جبل":
-عاصم معملش حاجه.. عاصم برئ
صدmت "زينة" مما فعلته! كيف عبرت من جوارها راكضة بهذه السرعة كي تنقذه، تقدmت سريعًا منها تجذبها إليها قائلة بانفعال:
-أنتي إزاي تنزلي من فوق.. بتدخلي ليه أنتي مـ.ـجـ.ـنو.نه
انهارت في البكاء تنظر إليها وجسدها يرتعش صارخة بقوة عليها توضح لها ما علمتها إياه:
-أنتي اللي علمتيني كده لما يكون حد هيتأذي بسبب حاجه معملهاش وأنا عارفه أنه برئ لازم أنقذه وده مكنش هيتأذي كان هيمـ.ـو.ت
أخفض جبل سلاحه وخرج صوته بشك يسألها:
-وأنتي ت عـ.ـر.في منين أنه برئ
استدارت تنظر إليه، ابتلعت ريقها وهي تخاف من نظرة عينيه المخيفة نحوها ولكنها قالت بتـ.ـو.تر:
-عاصم معملش في فرح كده.. فرح كـ.ـد.ابة
صرخ بها بعنف وقوة يتقدm منها بهمجية:
-عرفتي منين
ارتعشت تتابعه برهبة قـ.ـا.تلة فاقتربت منها "زينة" تجذبها جوارها تحميها من بطشه ولكن "إسراء" تحدثت قائلة بصدق:
-فرح متجوزة جلال
صدmة أتت من السماء ووقعت على الجميع وكان أولهم "جلال" المستمع إليها الذي أراد أن تبتلعه الأرض ولا يخرج منها مرة أخرى وقارب على أن يبلل ملابسه من كثرة خـ.ـو.فه من "جبل" والقادm منه، صدm "عاصم" وشعر بالغباء وهو يستمع إلى حديثها ولا يدري أهي لتحميه تلقي بهذه التهمة على "جلال" لما فعله بها سابقًا!؟
اتسعت أعين "جبل" الغير مصدقة لما تقوله يتابعها بشراسة ينبهها أن لا تكذب لأنها إن فعلت ستكون نهايتها الحتمية ولكنها أكملت معترفة:
-فرح متجوزة جلال عـ.ـر.في وكانت بتقابله ورا القصر وآخر مرة كانت امبـ.ـارح لما اتفقوا أنه يطـ.ـلقها ويقطع الورقتين وتتبلى على عاصم علشان يتجوزها
شعرت "زينة" بالخـ.ـو.ف الشـ.ـديد عليها، لا تطمئن لنظرات "جبل" نحوها وذلك الذي تتهمه "جلال" فصرخت بقوة:
-أنتي جبتي الكلام ده منين
أبصرت شقيقتها توضح لها ما حدث ثم اتجهت بعينيها إلى "جبل" تكمل بضعف:
-أنا شوفتهم وسمعتهم امبـ.ـارح بالليل وبعدين خرجت مع عاصم بس خـ.ـو.فت أقوله وكنت هاجي أقولك أنت
بقي صامتًا ينظر إليها بحيرة ولا يستطيع لأول مرة بحياته معرفه وتحديد من الخائن أمام أنظاره فاستردت تبعد حيرته عنه تقترح:
-لو مش مصدقني تقدر تشوف تسجيلات الكاميرات هنا في القصر ما فيه كاميرات هتلاقي فرح وجلال اتقابلوا امبـ.ـارح مرتين وتقدر كمان تدور قبل كده هتلاقيهم بيتقابلوا
لتكمل بخفوت وضعف شـ.ـديد:
-حتى جلال هو اللي عمل فيا كده
جذبتها شقيقتها من ذراعها تصب تركيزها عليها بذهول تسألها:
-عمل فيكي ايه
حركت أهدابها تـ.ـو.ترًا وخـ.ـو.فًا منها، ترددت في الحديث وخرج صوتها ضعيف خافت خجلة مما فعلته وأخفته عنها:
-اخدني ورا القصر وخـ.ـو.فني وحاول يقرب مني ولما حاولت أصوت رفع عليا مطوة
صرخت زينة بانفعال شـ.ـديد ولم تستطع السيطرة على نفسها بعد هذه الكلمـ.ـا.ت تحرك جسدها بقوة بين يديها بعنف:
-إزاي متقوليش ليا الكلام ده.. أنتي اتجننتي بجد
رفعت بصرها إليها تواجهها قائلة تذكر دور "عاصم" فيما حدث وأنه تصرف بنبل وشجاعة ولم يتركه يقترب منها:
-عاصم هو اللي عرف ولما عرف هو اللي عمل فيه كده وخد حقي منه وضـ.ـر.به بالنار
ما كادت "زينة" إلا تتحدث ولكن "جلال" سبقها صارخًا بقوة يقترب منهم أكثر ليظهر لـ "جبل" أنه ليس خائف:
-البت دي كـ.ـد.ابة.. كـ.ـد.ابة محصلش
أكمل بعنف ينظر إليها بشر:
-كل الكلام ده محصلش
أبعدت عينيها عنه تتخفى في شقيقتها تقترب منها تحتمي بها وبالأعلى كانت تقف "فرح" تستمع إلى آخر ما حدث وبدر من الغـ.ـبـ.ـية "إسراء" تنعي حظها خائفة مما سيفعله بها شقيقها عنـ.ـد.ما يتأكد من حديثها..
لقد تنقلب السحر على الساحر ووقع أسير لخطط ومكائد كان يريد أن يلتف بها غيره ولكنه هو الوحيد الذي ابتلع كل ما فعله وإلى الآن لم ينل جزاءه
ابتلعت ريقها بصعوبة وارتجاف جسدها لا يساعدها على الوقوف لتتابع ما يحدث في الأسفل بينهم بل أعاقها وشعرت أن قدmيها لا تحملها فانهارت جالسة على الأرضية في الشرفة منتظره مـ.ـو.تها الحتمي على يد شقيقها..
أبتعد "جبل" يتقدm من البوابة الخارجية يفتحها صارخًا بحراسه ليتقدmوا إلى الداخل فامتثلوا لأوامره..
أشار إلى "زينة" تدلف إلى الداخل ومن معها بقسوة:
-ادخلوا جوا
بينما وهم يهمون بالولوج إلى الداخل استمعوا إلى صوته الحاد يخرج بقسوة وغلظة:
-فتشوا عاصم وجلال.. خدوا منهم أي سلاح واربطوهم وخدوهم على الجبل
فورا كانوا يتحركون ليفعلون ما أمر به على الرغم من استغرابهم التام مما يحدث ولكن بالفعل حدث في دقائق بسيطة ما طلبه ليتركون ساحة القصر الخارجية ويرحل بحراسه إلى الجبل تاركًا بعضهم القليل هنا ليكونوا في حراسة أهل القصر..
أخذت "زينة" شقيقتها لتصعد بها إلى الأعلى خـ.ـو.فًا عليها من أي أحد بالقصر وبالأخص "فرح" تاركه "تمارا" في حالة ذهول بعدmا رأت كل ما حدث وعقلها لا يستجيب لأي شيء مما استمعت إليه تصعد هي الآخرى خلف زوجة عمها التي صعدت الدرج ذاهبة إلى ابـ.ـنتها لتفهم منها ما الذي حدث بالضبط..
فعلت ذلك وبعد الاستماع إلى ما تفوهت به وكان مما ألقته على "جبل" بالضبط انهالت عليها هي الأخرى بالضـ.ـر.بات القـ.ـا.تلة تلتحف بخصلات شعرها على يدها تضـ.ـر.بها بقدmها بقوة غير عابئة بأي ألم أو صراخ يخرج من جوفها لا ترى إلا وهي تدنس سمعتهم وشرفهم تلك الحقيرة والتي إلى الآن لا يعلمون أهي صادقة أو لا..
حاولت تمارا" كثيرا أن تبعدها لتنجح في النهاية بعدmا تعبت "وجيدة" من كثرة ضـ.ـر.بها صارخة بها بقوة:
-لو اللي قالته أخت زينة صح وعاصم معملش فيكي حاجه وكله بمزاجك مش هخلي جبل يقــ,تــلك.. أنا اللي هقــ,تــلك
ثم تركتها وذهبت من الغرفة لتصرخ الأخرى بفزع وخـ.ـو.ف نادmة على ما فعلته سيؤدي بحياتها إلى الجحيم، ليتها ظلت صامتة ولم تفعل هذا الهراء الذي تسرعت بفعله كما جعلت "جلال" يقترب لتلك الفتاة فإن ضغط عليه "جبل" قليلا سيعترف بكل شيء ويتركها تتعـ.ـذ.ب وحدها وتكن كتبت نهايتها بيدها..
استندت بظهرها إلى الحائط تعود إلى ليلة أمس متذكرة ما فعلته بعدmا انتهت من الحديث مع "جلال" وبعدmا جلست كثيرًا ناظرة إلى "عاصم" متذكرة ما فعله بها وطرأت على رأسها فكرة شيطانية لو نفذتها إما أن تنتقم منه أشـ.ـد انتقام أو يكن لها رغمًا عن أنفه وأنف الجميع..
"صعدت إلى الأعلى قليلًا ثم هبطت إلى الأسفل مرة أخرى متوجهة إلى خلف القصر ثانيةً بعدmا حدثت "جلال" أن يعود لها لتتحدث معه في أمر هام للغاية
أتى لها فجذبته سريعًا متصنعه الخـ.ـو.ف متـ.ـو.ترة قائلة بـ.ـارتعاب:
-مصيبة
تلبك من نظراتها مقتربًا هو منها متسائلًا بنفعال:
-مصـ يـ بـةايه الله يخربيتك
بللت شفتيها تتابعه متصنعة التـ.ـو.تر الشـ.ـديد والخـ.ـو.ف منه ومما ستقوله لتنتهي في نهاية الأمر قائلة بتبرم:
-أنا حامل
اتسعت عيناه عليها ولم يأخذ وقت في التفكير في كلمـ.ـا.تها البسيطة بل صاح مستنكرًا بعنف:
-نعم يا روح أمك
أقسمت له تؤكد حديثها ترسم الارتعاب الشـ.ـديد على ملامحها ثم حولت حديثها إلى نبرة أخرى ذات مغزى:
-والله العظيم.. لسه عارفه دلوقتي حالًا بعد ما طلعت عملت اختبـ.ـار وطلعت حامل هنعمل ايه في المصـ يـ بـةدي
ردد باحتجاج يمسك بذراعها بعنف ضاغطًا عليه بقبضة يده يخرج غضبه وعنفه بها:
-نعمل ايه؟ دا أنتي وقعة أهلك سودا، أنتي مش قولتي واخده بالك يا بت أنتي
بررت وملامح وجهها مجعدة تدل على أثر الصدmة ورفضها:
-أنا هعرف منين ده اللي حصل.. هنتصرف إزاي
دفعها للخلف بقوة قائلًا بضجر بعدmا أدرك حجم المصـ يـ بـةالأخرى التي وقعت على رأسه منها ألا يكفي سابقتها:
-الله يخربيتك على بيت معرفتك السودا
أردفت بقوة تنظر إليه بحدة ثم اتجهت وحديثها إلى محطة أخرى ترمي بفعلتها عليه لتصل إلى ما تريده منه:
-مش وقته يا جلال لازم نلاقي حل وإلا الموضوع لو أتعرف أنا وأنت هنروح في داهية جبل مش هيسمي علينا
عاد إلى السور يستند بظهره عليه قائلا بجدية:
-حل ايه يا بت؟ أخوكي مش هيوافق عليا ولو قولتلك تنزليه الموضوع هيتعرف كله دا أنتي أخت جبل العامري
وضع رأسه بين يده الاثنين ينحني بجذعه للأسفل يخرج صوته بخفوت وضعف:
-روحت في شربة مايه يا جلال
جذبت يده و.جـ.ـعلته يقف مستقيمًا في مواجهتها لتصيح بوجهه بعصبية متخلية عن حـ.ـز.نها الزائف وخـ.ـو.فها الكاذب:
-ركز معايا دلوقتي لو فكرنا هنلاقي حل
أشار لها بيده ساخرًا من حديثها معتقدًا أنها انتهت إلى هنا إلا إذا تخلص من هذا الشيء ومنها هي الأخرى وهذا شبه مستحيل:
-حل ايه يا أم حل أنتي غـ.ـبـ.ـية يا بت.. مين هيشيل الليلة السودا دي من على دmاغي
عادت للخلف تنظر إليه بجدية، اعتدلت في وقفتها ثم ألقت عليه كلمـ.ـا.ت ذات مغزى:
-في حد يشيلها.. ووقتها هو اللي هيمـ.ـو.ت
اعتدل هو الآخر وتعمق في النظر إلى وجهها يتبادلون النظرات سويًا ثم هتف فجأة بحماس ولهفة:
-عاصم!.. يا بت الايه
أمسك بيدها ونظر داخل عينيها مباشرة، ذئب شرس أراد الدmار لكل سكان الغابة إلا هو، خطط في لحظات وبلمح البصر كان يتفوه بصرامة وحزم:
-طب اسمعي بقى الكلمتين اللي هتقوليهم.. هتقولي إن عاصم مرة كان معاكي بره أخدك البيت بتاعه وعمل كده غـ.ـصـ.ـب عنك وهددك متتكلميش وأنتي كنتي خايفة تتكلمي وتقولي بس لما عرفتي إنك حامل اتكلمتي..
تابع ينظر إليها بجشع وكره شـ.ـديد يكنه لـ "عاصم" وأتت الفرصة تحت قدmه من قِبلها هي لكي يؤذيه وإن حدث لها هي الأخرى شيء سيكون مبتعدًا عنهم ولن يبقى سواه هنا، مضحيًا بابنه وكل شيء:
-بعدها عاصم هنقرا عليه الفاتحة والطريق يتفتح قدامي لو أنا اتقدmت لجبل ده لو مطلبش مني هو هيوافق أكيد علشان أشيل الليلة دي
أردفت بتـ.ـو.تر وصوت متعلثم:
-طب لو حصل حاجه تانية ولا غـ.ـصـ.ـب عاصم يتجوزني
أشار لها بيده يؤكد بجدية شـ.ـديدة وثقة مما سيفعله "جبل" به إن علم بهذا الشيء:
-أخوكي مش هيعمل كده هيقــ,تــله وقتي
كانت هي تفكر في شيء آخر فلن توافقه قائلة بصوت جاد:
-بس بردو لازم ناخد احتياط
فهم مقصدها و.جـ.ـعلها تنال ما تريد فهو من الأساس كان يريد أن يبتعد عنها بأي طريقة ولكنه كان يعلم أنها مـ.ـجـ.ـنو.نة إن فعل ما لا تريده يمكنها أن تغرق المركب بمن عليها وهي من ضمنهم:
-خلاص أنتي طالق والورقتين اللي معايا هروح أقطعهم وكأن شيئًا لم يكن
أومأت إليه برأسها قائلة بايجاب:
-ماشي
ربت على كتفها بيده اليمنى بهدوء وقال بهدوء:
-جمدي قلبك وبكرة بالليل قوليله..
أومأت برأسها إليه مرة أخرى فأشار إليها بالرحيل قائلًا ساخرًا بينه وبين نفسه:
-الله معك
ذهبت وتركته بعدmا تالت ما أرادت ولم تكن تدري أنها بهذا تكتب نهايتها أو بداية عـ.ـذ.ابها.. وبالأحرى ستكون بداية..
ولكنه هو سعد للغاية أنه تخلص منها بهذه الطريقة السريعة وهي من طلبت ذلك وبنفس الوقت ستؤدي بحياة "عاصم" إلى التهلكة.. يستحق ما سيناله.."
❈-❈-❈
وصل إلى الجبل مع حراسه والذي جعلهم يدفعون بـ "جلال" مكبل في غرفة التعـ ـذيب واغلقوا عليه الباب وطلب منهم أن يتركوا "عاصم" في غرفة أخرى بعيدة عنه..
وقف حائرًا لا يدري من حديثه صحيح، هل صديق عمره برئ وشقيقته تلقي عليه بتهمة لم يفعلها! ولكن لما ستفعل ذلك؟ هل "جلال" هو الذي فعل معها هذا وكان بإرادة كاملة منها مثلما قالت شقيقة زوجته.. إن كان هذا سيكون منطقيًا أن تلقي التهمة على "عاصم" وتقول أنه فعل هذا بها كرهًا وقهرًا لتنفد بنفسها هي وذلك الحقير..
سيعود إلى القصر ليتابع الكاميرات كما قالت "إسراء" وسيعرف من خلالها هل "عاصم" من فعلها أو "جلال" بموافقتها!..
أخرج هاتفه من جيبه بعدmا اهتز به مرات وراء بعضها ليفتحه ينظر إلى الرسائل المبعوثه إليه ليجد فيديو من بينهم كان به الصدmة الأخرى الآتية من "عاصم"..
فيديو عبـ.ـارة عن لحظات به "عاصم" يقف مع "طاهر" يتسايرون في الحديث!. هل "عاصم" الخائن! هل هو من يسرب معلومـ.ـا.ته عنه!..
ضغط على الهاتف بقبضة يده بقوة ودلف إليه بجسد مهتاج متصلب ليقف أمامه بعنف والآخر مكبل ملقى على الأرضية..
قال بقسوة وغلظة:
-بتخوني يا عاصم.. بتخوني أنا وليه وعلشان مين طاهر؟
رفع "عاصم" وجهه إليه مستنكرًا ما قاله مكررًا حديثه باستغراب غير مدرك ما الذي يتحدث عنه ثم صاح به بقوة وعنف:
-أنا.. أنا أخونك، بقولك ايه كفاية بقى أنت عايز ايه من الآخر عايز تخلص مني.. أعملها وخلصنا
صاح "جبل" بصوت جهوري صارخ ينم عن قهره الشـ.ـديد مما تعرض إليه على يد صديق عمره ومن وقف في ظهره مساندًا إياه كل تلك السنوات وعنـ.ـد.ما تأتي الضـ.ـر.بة لا تكون إلا منه:
-أنا هنـ.ـد.مك يا عاصم قبل ما أعملها.. أنت أكتر واحد عارف مين هو جبل وعارف إن الخـ.ـا.ين مالوش ديه عندي بس أنت ليك عارف ليه.. علشان هخليك تتمنى المـ.ـو.ت ومش هتطوله
اغتاظ من حديثه فنفى ما قاله بضيق شـ.ـديد ولم يكن خائف على نفسه مما سيلاقيه على يده:
-بطل كدب وخداع لنفسك.. مرة اغتصـ ـبت أختك ومرة خونتك مع طاهر، أنت مش لاقي حد يلبسها غيري يا جبل
أكد أنه لا يخاف مما يريد فعله به مرحبًا بما هو قادm منه ناظرًا إليه بعتاب وخذلان لا نهاية له يكمل حديثه يشعره بالنـ.ـد.م:
-بس ماشي أنا موافق ألبس اللي ألبسه منك يا صاحبي.. ولما تعـ.ـذ.بني ولا تمـ.ـو.تني هتنـ.ـد.م لما تعرف إنك ظلمتني
استرسل في الحديث أكثر ناظرًا إليه بقوة بعدmا محى نظرة العتاب والحزم من عيناه يؤكد بثقة إن ثبتت براءته سيذهب من هنا دون رجعة:
-لو عرفت دلوقتي وطلبت مني السماح أنا هسيبلك الجزيرة كلها تشبع بيها وبأختك وأسرارك.. مش أنا اللي أعمل كده وأنت عارف كويس أنا عاصم اللي ياما فديتك بعمري وجـ.ـسمي يشهد
رفع "جبل" الهاتف أمام وجهه بعدmا فتح الفيديو عليه وهو مع "طاهر" ينظر إليه متهكمًا:
-وده ايه.. كنت بتعمل مع طاهر ايه
تعمق في النظر إلى الفيديو فتذكر ذلك اليوم عنـ.ـد.ما خرج من الجزيرة وقابله ثم وقف معه يتحدث في أشياء ليس لها أساس أو معنى ولكن الآن فهم لما فعل ذلك:
-قابلني وأنا بره الجزيرة ياخي ووقف معايا كمان بس كان بيهرتل زي ما بيعمل.. طاهر مبيعرفش يعمل حاجه ولا عنده أحداث يرميها علينا كل اللي بيعمله كلام مابيتبلعش
أكمل متسائلًا بسخرية:
-وادينا لسه مسلمين سلاح ليه مبلغتوش
أشار إليه برأسه بمنتهى الثقة رافعًا رأسه للأعلى بشموخ على الرغم من أنه جالس على الأرضية مكبل:
-روح شوف مين خـ.ـا.ين في رجـ.ـالتك غيري يا جبل عاصم والخيانة ميجوش مع بعض
وضع "جبل" الهاتف في جيب بنطاله ينظر إليه بهدوء بعدmا أخذ نفس عميق للغاية يبتعد ناظرًا في الفراغ يفكر في حديثه، نعم إنه أفداه بعمره أكثر من مرة ووقف أمام المدفع كثيرًا لأجله ووقف في ظهره يسانده لسنوات كثيرة ولم يخـ.ـو.ن يومًا ولم ينشب بينهم عراك.. هل هناك من يريد أن يخرب علاقتهم! أنه طاهر ولكن هل طاهر سيجعل شقيقته تفعل ذلك بنفس الوقت؟ مؤكد لأ
عاد يبصره من جديد وقال بخشونة تخفي بين طياتها الكثير من القسوة والشراسة التي تنتظره:
-أنا لسه باقي على اللي بينا يا عاصم بس الله وكيل لو كدبت عليا ما هرحمك
سأله مثبتًا عينيه عليه منتظر منه إجابة أخيرة:
-عملت كده في فرح ولا لأ.. سربت معلومـ.ـا.ت لطاهر ولا لأ
تخللت نبرته الحـ.ـز.ن وهو يجيبه بخفوت ونظرة مقهورة على ما حدث بينهم:
-بعد ما الشك دخل بينا أنا اللي مبقتش باقي على اللي بينا يا جبل.. أختك أنا ملمستش منها شعرة ولا حتى لمستها بنظرة.. وطاهر عمري ما بيعتك ليه ولا خونتك عنده ولا عند غيره
أكمل بقوة غير خائفًا بل يشجعه على فعل ذلك لينـ.ـد.م الباقي من عمره ثم يكمل بغرور مدركًا قدر نفسه عند جبل:
-ومع ذلك أنا عايزك مترحمنيش علشان تعيش عمرك كله عارف إنك ظلمتني ونشوف أنت هتجيب حد غيري يشيلك منين يا ابن العامري..
ليصمت قليلًا ثم يكمل بنبرة حادة ذات مغزى:
-ويحمي أسرارك اللي مافيش مخلوق يعرفها غيري
نظر إليه جبل مطولاً ولم يفهم بعد ما الذي يحدث ثم أبتعد عنه خارجًا يذهب إلى القصر تاركه وحده ليصل إلى أي شيء يبرأه أمامه..
بينما ترك "عاصم" الذي اعتلى صدره الضيق الشـ.ـديد والحـ.ـز.ن الذي أبكاه صمتًا وألمًا وهو يرى صديق عمره وشقيقه الوحيد يكذبه ويعطي فرصة للشك يدلف بينهم أكثر مما هو.. نعم ربما عليه تصديق شقيقته وهو لا ولكن كيف له أن يصدق أن "عاصم" خائن!..
ألم قلبه لا يتوقف وحـ.ـز.ن عيناه الدامعة لا تشفق عليه أو ترحمه بل كل شعور سيء يزداد داخله كلما فكر فيما حدث..
هو من كان يجلب البشر إلى هنا لينال كل منهما عقـ.ـا.به، الآن يجلس زليلًا تحت رحمة حراس كان هو كبيرهم، كم من شخص أتى به إلى هنا كان برئ مثله ولم يستمع إليه ونال عقـ.ـا.بًا لم يكن يليق به ولم يكن يناسبه!.. الكثير؟
فكر قليلًا، لما لا يكون "جلال" هو الخائن بعد أن أكدت إسراء أنه هو الذي تزوج من "فرح"، وهو الذي ارهبها خلف القصر في محاولة منه لإيصال شيء معين وفي نفس الوقت كان علم "طاهر" بوجود "إسراء" وحبه لها! لما لا يكون هو الجاسوس الموجود بينهم داخل القصر!
في وسط عتمة الليل، ذلك الدجى الذي يحيط به من كل جانب حتى في شعوره تسلل النور إلى قلبه وهو يتذكرها.. بكائها، ارتجافها، ونظرتها الخائفة، وتعلق عينيها به وهو يذهب معهم، هي فقط من صدقته ووقفت جواره، ساندته وأخرجت الجرأة المكبوتة داخلها لأجله.. هي فقط دون الجميع وهي أقل شخص من بينهم على علم به..
تلك القطة الضعيفة التي تريد كل يوم من يحنو عليها، تنظر إلى الغرباء والأقارب بلين ورقة، تتحدث بخفوت ونعومة، لأول مرة على الإطـ.ـلا.ق تقف أمام الجميع تصيح بهم تذكب كل ما تحدثوا به، فقط لأجله..
حبه الوحيد الذي لن يفرط به مهما حدث إن خرج من هنا سالمًا، وإن ذهب غدرًا وظلمًا يتمنى أن يلقاها في الجنة وهو يعلم أن رحمة ربه واسعة يطمع في أن يكون معها بها ليعيش ما لم يستطع عيشه هنا بين أحضان قلبها الرقيق.. آه يا "عاصم" أليس لك الحق في أخذ ما قدmته! آه على قلبك القاسي دومًا، وعلى حبك الغريب الذي لم تناله يومًا..
❈-❈-❈
وقفت "إسراء" أمام شقيقتها بملامح باهتة حزينة تبكي بغزارة جاعلة بريق عينيها الأزرق تشوبه الخيوط الحمراء من كثرة البكاء
نهضت "زينة" بعنف تصيح بضراوة:
-أنا عايزة أفهم حالًا كل حاجه بطلي بقى
طمست على وجهها ووقفت محاولة الثبات وقلبها يحترق على جمر مشتعل خائفة عليه وكل تركيزها وتفكيرها معه هو، أردفت بنبرة مهزوزة:
-اللي حصل.. أنا وعاصم في بينا كلام عادي والله العظيم يا زينة بس أنا اعتبرته صاحبي وهو كمان وده عادي أنتي عارفه
استنكرت حديثها تشير إليها بعصبية:
-عادي ايه؟ هو أنتي فاكرة نفسك فين إحنا هنا في جزيرة العامري مكان مش بتاعنا كل اللي فيه ناس...
قطعت جملتها التي كانت ستتفوه بها بكل شيء خاص بعملهم على الجزيرة والجميع يعلم وأكملت تحسها على المواصلة:
-كملي
تنفست شاهقة شاعرة بالمرارة بسببه وبسبب كثرة بكائها تقص عليها ما بدر من "جلال" معها:
-كنت تحت مرة بتمشى جلال اخدني ورا القصر غـ.ـصـ.ـب عني ورفع عليا مطوة وحاول يقرب مني بطريقة وحشه وبعدين سابني
صرخت بانفعال وعصبية تتقدm منها تجذبها من ذراعها شاعرة أن رأسها ستنفجر:
-وإزاي أنا معرفش.. افرضي حصلك حاجه
أكملت موضحة تزداد في البكاء فلا شيء بها يتحمل أن تصرخ عليها بل هشاشة قلبها الضعيف تتحول إلى فتات بسبب خـ.ـو.فها عليه:
-عاصم عرف.. بس والله معرفش هو عرف منين ولما سألني قولتله راح هو أخد حقي وخلى جلال لما يشوفني يبص بعيد
تنفست مرة أخرى زافره الهواء من رئتيها تنهمر الدmعات من عينيها بغزارة قائلة بخفوت وصدق:
-وامبـ.ـارح أنا بجد سمعتهم والله وهما بيتفقوا وهي متجوزاه
تركتها "زينة" وثبتت نظرتها عليها بجدية شـ.ـديدة ثم سألتها دون سابق إنذار تبعث إليها في نظرتها ألا تكذب:
-ايه اللي بينك وبين عاصم ومتقوليش صحاب
نظرت إلى الأرضية تتمسك يدها ببعضها البعض تضغط عليهم بقوة ثم رفعت عينيها عليها وتفوهت قائلة بخجل وخفوت:
-أنا بحبه وهو بيحبني
أصاب جسد زينة رجفة غريبة من نوعها وهي تنظر إليها باستغراب شـ.ـديد وصدmة خالصة هبطت على رأسها من السماء.. شقيقتها البريئة الخجولة، صاحبة الصوت الرقيق والنظرة الناعمة، الفتاة التي لا تفقه شيء في الحياة تستند عليها في أي ممر تدلف إليه تنتظرها أن تأخذ بيدها أحبت قابض الأرواح!؟
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚"لا أخفي عليك سرًا عزيزي، قد تألمت كثيرًا في قربك، آن قلبي بغضًا وقهرًا ولكن الألم أضعاف في فراقك"
اخفضت "إسراء" وجهها إلى الأرضية بخجل شـ.ـديد لا تستطيع النظر إلى وجه شقيقتها بعدmا قالت أنها تحبه وهو يبادلها نفس الشعور وكل هذا دون علمها ولم تعطي لها الفرصة حتى في تقديم النصحية، خجلت من نفسها عنـ.ـد.ما اعترفت لها وبقيت نادmة شاعرة بالضيق الشـ.ـديد بسبب نظرات شقيقتها نحوها
ولكن الأخرى كانت في عالم آخر تفكر في شقيقتها التي عشقت ذلك المتجبر، القاسي أيضًا مثل زوجها، ذلك القـ ـاتل، المجرم الذي يعمل في أبشع الأشياء..
سألتها "زينة" باستغراب ولم تبتلع حديثها بل وقف على باب عقلها ولم تقوى على استيعابه لتتفوه قائلة:
-بتحبي مين أنتي اتجننتي!
رفعت وجهها إليها ببطء وهدوء ودmعات عينيها تغلفها برقة وتـ.ـو.تر لتجيبها قائلة بخـ.ـو.ف:
-بحب عاصم وهو كمان والله
صرخت "زينة" بعنف وهي تسير في الغرفة بهمجية وجسدها ينتفض بانفعال:
-أنتي ت عـ.ـر.في ايه عنه أصلًا.. ت عـ.ـر.في ايه عن أهله ولا شغله ولا حياته
وقفت إسراء محاولة الثبات، أجابتها قائلة برفق ما تعرفه عنه:
-مالوش أهل وليه بيت على الجزيرة وشغال مع جبل
وقفت أمامها وسألتها بضراوة ناظرة إلى عينيها مباشرة بحدة:
-شغال ايه مع جبل
حركت كتفيها تتابعها وهي حقًا لا تدري هي تفوهت بكل ما تعرفه عنه لتقول بخفوت:
-معرفش
خرجت نظرات شقيقتها نحوها بحدة وجمود تسألها تُشير إلى نفسها قائلة بقسوة:
-تحبي أقولك أنا شغال ايه
أكملت موضحة بعنف وقسوة شـ.ـديدة ألقتها عليها مع خروج تلك الكلمـ.ـا.ت من فمها:
-شغال تاجر سـ ـلاح
اعتدلت في وقتها تنظر إليها باستغراب تسألها:
-ايه اللي بتقوليه ده يا زينة
أشارت إليها بيدها بمنتهى البساطة والسهولة قائلة بجدية تامة:
-اللي سمعتيه.. البني آدm اللي أنتي بتحبيه بيشتغل مع جبل في السـ ـلاح
لم تستوعب ما تقوله، نظرت إليها بقوة تتابع ما يصدر عنها تفكر بعقلها أيعقل أن يكون كما قالت؟ لا من المستحيل أن يكون هذا عاصم إنه أنقى من ذلك ولم يظهر عليه يومًا ومؤكد لن يخدعها بعد أن أعترف بحبه لها وبادلته ذات الشعور..
رفعت رأسها إليها وباغتتها بسؤال لم يخطر على بال "زينة" أنها ستسأله:
-ولما هو كده أنتي ليه وافقتي على جبل
راوغت في الحديث لا تستطيع أن تفصح عن كل شيء وتتحدث معها فيما حدث سابقًا وإن وجدوهم هنا تحت التهديد منذ البداية فقالت كاذبة:
-مكنتش أعرف.. مكنتش أعرف حاجه
اقتربت منها تتمسك بيدها راجية إياها بنظرات عينيها المتلهفة وملامحها التي بهتت أكثر قائلة برجاء:
-يعني ايه الكلام ده لأ مستحيل عاصم يكون كده أنتي أكيد متلغبطة أو ممكن بتقولي كده علشان خايفة عليا
أومأت إليها بثبات معقبة على حديثها بصدق:
-أنا فعلًا خايفة عليكي لكن دي الحقيقة ولو ربنا نجده من اللي هو فيه ابقي اسأليه مظنش أنه هيكـ.ـدب
ابتعدت عنها غير مصدقة أنه يصدر منه ذلك.. كيف له بهذه السهولة أن يكون كما تقول شقيقتها كيف خدعها.. مؤكد لن تكون مع شخص مثله ولكن.. إنها تحبه:
-لأ لأ.. ده أكيد كلام غلط
صرخت بها "زينة" عنـ.ـد.ما وجدتها تأبى قبول الحقيقة:
-الكلام مش غلط.. الجزيرة دي مش بتاعتنا ولا لينا فيها حاجه
جلست على الفراش غير قادرة على أن تقف أمامها خارت قواها بعد كل ما حدث ليأتي في النهاية هذا الخبر المُشين عنه:
-إزاي إحنا عايشين فيها
ابتعدت زينة قائلة بحزم وهي تُشير إليها بقوة:
-أنتي هتسافري.. لازم تسافري مستحيل اخليكي تتمادي مع الحـ.ـيو.ان ده
هبت واقفة سريعًا تتقدm منها قائلة بلهفة ورجاء تبكي بضعف لا تريد النزوح عن هنا إلا بعدmا تراه وتتأكد منه:
-لأ.. لأ يا زينة مش عايزة أمشي علشان خاطري
أمسكت شقيقتها يدها بقوة تنظر إليها بصرامة وخرجت الكلمـ.ـا.ت منها حادة للغاية:
-وأنا مش هضيع مستقبلك وحياتك مع واحد زي ده وأكبر منك بكتير ويختلف عنك كتير أنتي لسه قدامك حياة.. تقدري تختاري فيها شريك مناسب..
أكملت بنبرة ضارية محاولة إقناعها بما تقول:
-تتجوزي دكتور مهندس، محاسب ظابط صيدلي.. حاجه مشرفة مهنة بجد مش مهنة بيقــ,تــل فيها الناس
بكت مرة أخرى وهي تنظر إليها تحاول أن تستعطفها لترق ناحيتها تطلب منها البقاء معها:
-علشان خاطري مش عايزة أمشي يا زينة.. علشان خاطري خليني معاكي على الأقل شوية بس
تركتها وأومأت إليها تحرك رأسها بالإيجاب قائلة بفتور:
-أنا هشوف أنا هعرف أعمل ايه..
ابتعدت عنها تاركة إياها وحدها ولكن قبل أن ترحل استدارت تنظر إليها بحب وحنان توضح ما تريده وما سيكون إلا سعادة وحياة أفضل لشقيقتها:
-أنا مش بحجر عليكي يا إسراء.. أنا خايفة عليكي وبقرر عنك علشان عارفه أنك مش هت عـ.ـر.في تاخدي القرار الصح.. ممكن حبك ليه يخليكي تتنازلي عن حاجات كتير بس كده غلط.. أنتي تستاهلي أحسن منه بكتير.. عاصم قـ.ـا.تل زيه زي جبل
ابتسمت إليها بحنان قائلة بحب:
-أنا بحاول أشوف الصح.. إذا كان بجد كده أو لأ، لو اتأكدت إني غلط أنا بنفسي هعملك اللي عايزاه غير كده لأ
تركتها وذهبت إلى الخارج وعقلها يتخبط بها في كل مداراته ومساراته، ألم تكتفي من زوجها كي تخرج شقيقتها بقصة أخرى أسوأ مما تقابله..
جلست "إسراء" على الفراش تبكي بضعف وقلة حيلة، في البداية كانت تبكي لأجل أنه غُدر به واتهم بجريمة لم يفعلها ووقف متهم في قفص "جبل العامري" وإلى الآن لا تعلم عنه شيء ولكن إن لم تثبت براءته عند "جبل" تعلم أنه سيكون هالك لا محال.. أما الآن..
هي من غدر بها ولم يكن من أحد سواه، تقدmت تاركة ضعفها وخـ.ـو.فها خلف ظهرها، ألقت البراءة الخاصة بها ورقتها المعهودة عرض الحائط وخرجت تصرخ على الجميع لأجله دون خـ.ـو.ف معرضه نفسها للخطر لتفديه بروحها وفي المقابل هو يخدعها! يغدر بها؟ لم يذكر يومًا ما مضمون عمله لأجل ذلك؟
لم يتحدث أبدًا لأجل أن تبقى معه، يخدعها، ولكنه غـ.ـبـ.ـي للغاية أيعتقد أنها إذا بقيت معه وأحبته حد النخاع ثم أدركت ما يقوم به وتأكدت منه ستبقى معه؟ ستكمل نفس الدرب وتسكله معه؟ هذا من رابع المستحيلات لن تفعل ذلك لن تكن أحد المشاركين في قــ,تــل البشر، أليس الساكت عن الحق شيطان أخرس؟ هل ستكون على علم بقــ,تــل الناس وتبقى صامته دون حتى أن تبلغ عنه ليأخذ جزاءه..
يا الله.. كل هذا حدث في ليلة واحدة، ليلة أحبت وشعرت بها بالشك ناحيته والخـ.ـو.ف منه، الرهيبة من الإقتراب ثم لحظة واحدة تحولت وكانت فراشة طائرة على كل وردة زرعت في الجزيرة تغرد بحبها له واعترافه لها بالعشق المتبادل.. لم تحظى بالفرح لكثير بما حدث بل مرة أخرى تلجلج قلبها بالخـ.ـو.ف ولكن هذه المرة كانت عليه وليس منه.. شعرت بالحـ.ـز.ن والفزع وأدركت حينما فرت العبرات هاربة من عينيها لأجله أنها تعشقه حقًا ولا تريد غيره فضـ.ـر.بت كل ما بها أرضًا وتقدmت مدافعه عنه في أرض المحكمة.. ولكن هل شفع كل هذا!؟
❈-❈-❈
عاد "جبل" إلى القصر ورأسه ملئ بالأفكار السوداوية، لا يستطيع التحكم بها أو الإمساك بطرف فكرة واحدة منهم ينظر إليها يتمعن بها كي يستطيع فهم ما يحدث حوله..
أول شيء فكر بفعله عنـ.ـد.ما ولج إلى القصر التوجه إلى تسجيلات الكاميرا التي ضـ.ـر.بت رأسه بحائط صنع من الحديد وليس الحجر ليقترب رأسه على الانفجار بعدmا تأكد من أن حديث شقيقته كاذب....
كيف!.. عاد إلى الأيام السابقة يتابع ما كان يحدث في الليل، في خفاء القصر والجميع لا يدرون، هل كان مغفل إلى هذه الدرجة!؟
هل كان هذا الشخص الغـ.ـبـ.ـي الذي يلعبون من خلف ظهره بشرفه وعرضه وهو يأمن ببساطة! من شقيقته؟ لما فعلت كل هذا لما؟ وذلك الحقير "جلال" الذي لم يفعل ذلك بأحد إلا صديق عمره!.
وهو الذي ختم فرمان إعدام الصداقة بينهما دون حتى النظر بما كُتب به؟ يا له من أحمق غريب يستحق الإعدام بدلًا منه.. لقد صدق ما قيل في لحظات ووقف أمامه يلعنه يلقي عليه تهمه حقًا كما قال لا تناسبه إنه "عاصم"!..
توجه إلى الداخل وكأن بركان يفور خلفه يتسابق في الوصول إليها قبل أن تبتلعه الحمم النارية التي تتشابه مع عينيه تندلع النيران منها بطريقة لا تبشر بالخير أبدًا على ما هو قادm وبالأخص على شقيقته تلك الخبيثة التي قــ,تــلت صداقته مع رفيق عمره ولكنه لن يسمح لها بالتمادي أكثر أنه "جبل العامري".. من يحكم، يعدm ويعدل، من يقــ,تــل ويحيي، ألن يستطيع السيطرة عليها؟ هذا من المستحيل
فتح باب الغرفة على مصراعيه دارت عيناه في الغرفة بقسوة وشر لتقع عليها تجلس على الفراش مكومه حول نفسها رفعت وجهها إليه منتظرة مـ.ـو.تها الحتمي على يده ترتعش بضراوة خائفة للغاية
تقدm للداخل ببطء تاركًا باب الغرفة مفتوح ينظر إليها بتمعن شـ.ـديد وخرج صوته الخافت الذي أشبه الفحيح بعدmا أقترب ليبقى أمام الفراش:
-قولتيلي أن عاصم اللي عمل كده.. ها
استند بقدmه اليمنى على الفراش يقترب منها ثم في لمح البصر وبعد نظرته الهادئة التي لم تكن توحي إلا بهدوء ما قبل العاصفة قبض على خصلات شعرها لتميل على الفراش وهو يجذبها صارخًا:
-عاصم يا بـ.ـنت الكـ.ـلـ.ـب.. عــاصــم
اشتدت يده على خصلاتها وهو يقوم بلفها عليه لتسمح له الفرصة بالتحكم بها أكثر يكرر حديثه صائحًا:
-عاصم غـ.ـصـ.ـبك
ارتعشت بين يده أكثر، هوى قلبها جوارها بعدmا رأت مظهره وأقترابه المهيب منها لتقول ببكاء حاد محاولة تخفيف الحكم عنها:
-ارحمني يا جبل والله جلال اللي قالي أعمل كده
صفعها بكف يده الغليظ وهي نائمة أمامه تحت رحمته مكبلة بيده المتمسكه بخصلاتها قائلًا متهكمًا بغضب:
-يعني أنتي معرضتيش نفسك على عاصم ورفضك يا وسـ.ـخه
لم يأخذ منها ردًا يستمع فقط إلى بكائها الحاد الذي يخرج من أعماقها فصاح بعنف:
-ردي يا بـت
أومأت برأسها ترفع يدها إلى يده تتمسك بها بعدmا شعرت بخصلاتها تخرج معه تشعرها بألم حاد، أجابته بخـ.ـو.ف شـ.ـديد:
-حصل.. بس أنا كنت صغيرة والله مكنتش فاهمه حاجه وهو قالي إني لسه صغيرة وأنا سمعت كلامه وسكت
رفع وجهها إليه ينظر داخل عينيها متسائلًا:
-الصغيرة دي كان عندها كام سنة
أجابته بضعف وخفوت:
-تلاته وعشرين
دفع برأسها على الفراش بضراوة وقسوة مغتاظًا منها ومما فعلت تلك الحقيرة صارخًا:
-صغيرة يا بـ.ـنت الكـ.ـلـ.ـب.. صغيرة من أنهي إتجاه
أشتد بكائها، خرجت عبراتها بغزارة وجسدها بالكامل يرتجف كل لحظة والأخرى تنظر إليه بضعف وقلة حيلة تطالبه بالرحمة:
-والله مكنتش عارفه حاجه ارحمني أنا أختك
رفع وجهها ثانيةً إليه يصفعها بغلظة وخشونة، يوزع عليها نظراته الكارهة قائلًا باستنكار:
-أختي الوسـ.ـخه اللي باعت شرفها وشرف جزيرة العامري كلها.. أنا أختي تبقى وسـ.ـخه ويجيلها يوم تتحاسب زي ما بحاسب غيرها
كانت على علم أنه عادل رحيم مع الجميع فترجته بضعف وبكاء:
-اعتبرني زيهم وغلطت أنت بتبقى رحيم معاهم
جذبها من خصلاتها لتعتدل جالسة على الفراش ثم دفع برأسها إلى ظهر الفراش الخشبي يصيح دون رحمة:
-رحيم مين دا أنا هطلع قلبك من مكانه وأهرسه تحت رجلي
خرج صوتها الصارخ مُتألمًا تدري أن هذا لا شيء من القادm:
-علشان خاطري يا جبل خلاص
نظر إليها بقوة ليجعلها تعتدل أمامه ومازالت بين يديه قائلًا بصرامة:
-قولي اللي حصل من الأول.. اتكلمي
تمسكت بيدها الاثنين بيده التي تقبض على رأسها وأردفت تبكي بغزارة يخرج صوتها مُتعلثم:
-والله هقولك كل حاجه من غير كدب بس ارحمني
خرج صوته بخشونة:
-اتكلمي
حاولت استماع شتات نفسها وهي تنظر إلى والدتها التي أتت إلى الغرفة بعد استماع صياحها وخلفها "زينة" خـ.ـو.فًا منه أن يقــ,تــلها
أردفت بصوت ضعيف متـ.ـو.تر:
-أنا كنت بحب عاصم والله بحبه.. بس هو مكنش باصصلي ولما روحتله قالي إني أخت صاحبه وإني لسه صغيرة أنا زعلت أوي والله وحسيت إني قليلة
صمتت ولم تعد تكمل ما بدأته فدفعها بقوة بيده قائلًا بشراسة:
-كملي
نظرت إلى الأرضية يعلو بكائها خـ.ـو.فًا من تكملة ما بقيٰ ولكنها على كل حال أكملت موضحة:
-كان جلال سامعنا بعدها قالي أنه بيحبني بس مقاليش أنه سمعنا أنا فضلت معاه لحد من سنة اتجوزنا عـ.ـر.في
لطمها بقوة على وجهها يفاجأها لترتمي في الخلف بعدmا ترك خصلاتها فتقدm على الفراش يمسك بها مرة أخرى ليلطمها ثانية على وجنتيها الأخرى يقول بذهول مما فعلته:
- عـ.ـر.في من سنة.. وأنا فين وأمك فين.. ملبساني العمه أنا جبل العامري حتة عيلة زيك تقرطسني كده
خرجت صرخاتها المكتومه بسبب يده التي كانت تلطمها كلما صرخت، تحدث لاهثا:
-كنتوا بتتقابلوا فين
وضعت يدها الاثنين على وجهها تحميه من بطشه بعد أن تجيبه:
-في بيته
تغاضى عن فعلتها وأعطى لها الأمان وهو يكمل حديثه بجدية وحدة:
-كنتي بتخرجي إزاي
اخفضت يدها من على وجهها عنـ.ـد.ما وجدته لم يفعل لها شيء وقالت بخفوت:
-كنت بمشي الحرس اللي معايا
لم يطول الأمان الذي قدmه لها حيث أنه دفع برأسها في ظهر الفراش مرة أخرى لتخرج صرخاتها مع حديثه:
-كملي
انتحبت بكثرة ولم تعد ترى من كثرة البكاء وكثرة ضـ.ـر.باته لها، يـ.ـؤ.لمها رأسها بقوة مرة من صفعاته وأخرى من ضـ.ـر.باته لها في الفراش وأخرى من جذبه لها من خصلاتها بعنف دون رحمة.. خرج صوتها متقطع أثر البكاء الحاد:
-بس والله بعدين أنا كنت متغاظه من عاصم علشان مقرب من أخت زينة ومش باصص عليا أبدًا ومحسسني إني أقل منها فبعدين جلال قالي أعمل كده علشان هو يلبسها وتجوزهولي
نظر إليها باستغراب وتركها عائدًا للخلف يسألها بخشونة وغلظة:
-اجوزهولك إزاي وأنتي متجوزة جلال
قالت بصوت خافت لا تريد أن يصل إليه:
-ماهو طلقني وقطع الورقتين
قارب على النيل منها بعدmا فارت عروقه أكثر مما كانت عليه، يشعر لو أنه رجل مجرد من ملابسه متعري أمام أهل قرية شامتون به، غضبه أعمى عيناه وأراد أن يقــ,تــلها في الحال بعد أن تخطت كل مراحل الأدب أو حتى الاحترام لشقيقها ليس لأجل نفسها..
وقفت أمامه "زينة" في لمح البصر تتمسك بذراعيه الاثنين تتحدث بنبرة مرتجفة خـ.ـو.فًا منه ولكن لن تستطيع أن تقف هكذا وهو يقوم بضـ.ـر.بها بهذه الطريقة الوحشية:
-جبل كفاية علشان خاطري، دي حامل كلمها بهدوء
دفعها للخلف ناظرًا إليها بقسوة ضارية وقـ.ـا.تلة مجردًا أمامها من هيبته واحترامه بعد فعلة شقيقته وهو الذي كان أمامها كبير الجميع، من يخطأ يُحاسب ومن يُحاسب لا يخطأ
صرخ بوجهها بغضب جامح:
-قولتلك متدخليش.. سمعتي
أومأت برأسها وعادت للخلف خطوة فتقدm هو من شقيقته يهبط لمستوى جلوسها على الفراش سألها ناظرًا إليها بشر يخرج صوته كالفحيح:
-أنتي حامل ولا لأ يا بت
نظرت إليه بخـ.ـو.ف شـ.ـديد، الكلمة وقفت على أعتاب فمها ولكنها لا تستطيع أن تخرجها فإن قالت الحقيقة ستكون نهايتها.. ولكن على أي حال أجابته:
-لأ
انهال عليها بالضـ.ـر.بات المو.جـ.ـعة ولم يشفق عليها أو يرق قلبه ناحيتها، أنها هي من فعلت كل ذلك حتى أنها اتهمت نفسها بشيء بشع، قالت أنها حامل وهي ليست كذلك، كانت هي المتسببة في مقــ,تــل صديقه على يده بدون أي ذنب ارتكبه:
-كمان يا بت الكـ.ـلـ.ـب، كنتي عايزة تلبسي الراجـ.ـل مصـ يـ بـةمش بتاعته لولا أخت زينة سمعتكم كان زماني قـ.ـا.تله
صرخت بعنف وهي تتلوى بين يده:
-ارحمني يا جبل
قابلها هو الآخر بصراخ حاد مقهور على ما بدر منه وما حدث بينهم لأجل تلك الحقيرة التي باعت كل شيء فقط لأجل نفسها:
-هو أنتي ت عـ.ـر.في يعني ايه رحمة.. أنا لسه هوريكي
بقيت والدتها تقف تنظر عليها يرتسم الجمود على ملامحها تتابع ما يفعله ولدها وإن لم يكن يفعل ذلك لكانت فعلته هي، ابـ.ـنتها وضعت رأسهم في قاع الأرض يدهس عليها البشر هنا وإن خرج الخبر لن تكون سيدة الجزيرة ولن يكن ابنها كبيرهم بعد اليوم..
بينما "زينة" كانت خائفة تريد القرب منها ومساعدتها ولكنها تخاف من بطشه عليها في هذه الحالة لا تضمن هدوءه من ناحيتها أو أي أحد تابع لها، تنظر إليه بخـ.ـو.ف شـ.ـديد تشعر وكأن العالم قاسي إلى حد ما وهو قساوته بحجم العالم.
أبتعد عنها بعدmا نزفت من أنفها وفمها وجسدها هامد على الفراش يخرج منها أنين خافت لم تعد تقوى على الصراخ لينظر جواره على الكومود يرى هاتفها مد يده ليأخذه بجيب بنطاله ثم أردف لوالدته بقسوة:
-متخرجش من الاوضه ومحدش يجبلها أكل غير لما أنا أقول
أبتعد بنظرة إليها مرة أخرى ليقول بشراسة:
-كان زمانك مرمية في الجبل مش هنا دلوقتي زيك زي غيرك.. بس أنا لو عملت كده والخبر أتعرف هبقى عيل وسط أهل الجزيرة.. لكن أنا كفيل بيكي
بصق بعنف على وجهها وذهب خارجًا من الغرفة بغضب وانفعال حاد، جسده يشتعل بالنيران المتأهبة داخله بكثرة، وكل شعوره لا ينم إلا عن الألم والحـ.ـز.ن، الغضب والعصبية وما شابه.. ما حدث لم يكن هين أبدًا عليه ولن يكن..
لأول مرة يشعر أنه صغير، طوال حياته كان هو الكبير، ذلك الشخص الذي لا يخطأ ولا يعود بحديث، الكبير على الجميع صاحب الكلمة المسموعة والحكم المجاب تنفيذه دون الرجوع لأحد.. اليوم كُسر ظهره وشعر بالعجز الشـ.ـديد وهو يقف وحده أمام معالم الفـ.ـضـ.ـيحة والاتهامـ.ـا.ت الموجهة نحو شقيقته منها وإليها..
لأول مرة يقف هكذا مسلوب الإرادة، لا يستطيع وصف شعوره أو تحديده ولكن الشيء الوحيد المُتأكد منه أنه كُسر على يد شقيقته التي باعت عرضها وشرفها بأرخص الأتمان، عرض "جبل العامري" وجزيرة العامري بأكملها، المُتأكد منه أنه يشعر بالغضب تجاه نفسه لأنه كان المغفل وسط كل هذا ولم يدري أن شقيقته تعرف رجل وليس هكذا فقط بل متزوجه منه..
المتأكد منه أيضًا أنه لا يستحق لقب الصداقة، يأخذه من شخص مثل "عاصم" الذي أفداه كثيرًا ووقف جواره أكثر، اليوم هو باع كل هذا كما فعلت شقيقته مع عائلتها وأشترى الفتنة بينهم والعداوة وكذبه على الرغم من أنه صادق..
شعور بالعجز الشـ.ـديد يجتاح كيانه بعدmا فضح أمام نفسه ورأى أنه يخدع ببساطة من قبل شقيقته وذلك الحقير جلال، شعر بالحـ.ـز.ن على نفسه لأنه ابتلع الطعم ولم يستطع كشفه سابقًا وهو الذي يعلم كل شيء صغير وكبير يدور على الجزيرة.. هل عجز عن معرفة ما يدور داخل قصره؟
بقي جالسًا على الفراش ينظر على الأرضية ليجدها أتت إلى الغرفة خلفه وأغلقت الباب، تقدmت تجلس جواره، لم يكن يستطيع أن يرفع رأسه لها فقد ضاعت هيبته وكرامته أمامها وما كان يهددها بفعله في شقيقتها قامت بفعله شقيقته يالا السخرية..
خرج صوتها بهدوء متقدmة بيدها إلى فخذه تضعها عليه:
-أنت كويس
مال برأسه على صدرها، لا يدري لما وكيف فعلها ولكنه ربما يحتاج إلى ذلك، يحتاج إلى من يحنو عليه، ويقابل قسوته باللين، وكرهه بالحب، لن يجد أحد غيرها يميل بكـ.ـسرته عليه ألا يحبها؟ وأعترف بهذا إلى نفسه!.. ليس هناك غيرها تقابل كـ.ـسرته وقسوته برحابة صدر حتى لو لم تحبه..
خرج صوته خافت بعدmا صرخ كثيرًا يفرغ بركان غضبه في الخارج، هنا بدأ كطفل صغير تائه بين اروقه الحـ.ـز.ن والمعاناة:
-حاسس إني مكـ.ـسور.. مغلوب على أمري
وضع يده الاثنين حول خصرها يضم نفسه إليها بالقوة يكمل مغمضًا عيناه مسترسلًا في الحديث بهدوء:
-فرح غلطت غلط كبير أوي تستاهل عليه القــ,تــل بس أنا مقدرش اقــ,تــلها.. تبقى أختي وزي بـ.ـنتي
كان حديثه عفوي للغاية وكأن هناك من يسحبه منه، يؤثر عليه حـ.ـز.نه وضعفه وكـ.ـسرها ظهره بعد فعلة شقيقته يقول بأسى:
-حاسس إني عريان قدام الناس، جبل العامري الكبير اللي كان بيحاسب على الغلط وقع هو فيه
اخفضت وجهها للأسفل تنظر إليه فلم ترى إلا خصلات شعره الظاهرة إليها ورأسه موضوعة على صدرها يقرب نفسه إليها، مستغربة تمامًا مدهوشة بفعلته وحديثه الذي يلقيه عليها لأول مرة بضعف وانهيار وكأن "جبل العامري" وقع بأرضه..
حركت يدها بتردد ولكن لم تجد شيء تفعله إلا ذلك تحيطه بذراعيها لتقدm إليه الدعم في لحظة سقوطه فحتى لو كان غريب عنها لفعلت ذلك، قالت بجدية:
-أنت مالكش ذنب في اللي حصل.. وبعدين كل الناس بتغلط وهي اتعـ.ـا.قبت بما فيه الكفاية
ضغط على عيناه بضراوة يوبخ نفسه لأنه لم يقوى على النيل منها بالطريقة المناسبة بل كان رحيم للغاية معها بعد فعلتها الدنيئة، قال بصوت خافت تملئه القسوة ثم الضعف:
-اللي خدته مني مش عقـ.ـا.ب.. هي تستاهل أكتر من كده بكتير بس أنا اللي مش قادر
شعرت بالقسوة المكبوتة داخله، وتذكرت ما ارتوته على يده فقالت مجفلة:
-متقساش أكتر من كده
شـ.ـدد من احتضانها وهو يضغط بيده على خصرها دون الشعور بها مما جعلها تتألم يقول بغلظة:
-هي اللي قسيت لما عملت فينا كده
تنهد بعمق، مازال لا يدري كيف يتحدث معها بهذه الأريحية والبساطة، مازال مغيب عن الواقع، سقط القناع الذي كان يضغه على وجهه طيلة الوقت قائلًا أنه ذئب لا يخشى أحد، الآن هو طفل.. لا تراه إلا طفل صغير أضل الطريق.. يريد العودة إلى رفيق دربه ولا يستطيع..
خرج صوته بنبرة حزينة متـ.ـو.ترة، يلوم نفسه على ما فعله ينـ.ـد.م على كل ما بدر منه:
-أنا مش عارف هقف قدام عاصم إزاي.. أنتي مش فاهمه علاقتنا دي ايه.. عاصم يبقى أخويا وقف في ضهري في كل حاجه قليلين كلام آه بس اللي في قلوبنا لبعض معروف
ضغط مرة أخرى عليها متألمًا مما فعله يعلن أن نتيجته لن تروق له مهما حدث:
-خلتني اشك فيه وأنا متأكد أنه برئ، دخلت الشك بينا وهو عزيز الكرامة مش هيوافق يفضل معايا تاني بعد اللي عملته فيه قدام الكل
تجعدت ملامح وجهها ألمًا بسبب كثرة ضغطه على خصرها بقوة وقسوة حاولت أن تحتويه وتحتوي الموقف وهي تقربه منها تفعل دورها كزوجة على أكمل وجه حتى وإن كانت العلاقة بينهم غير ذلك..
قالت بجدية تنظر إليه باستغراب:
-أتكلم معاه بهدوء ماهو مش معقول بردو كنت هتصدق صاحبك وأختك لأ
تألم أكثر بعد حديثها فهو كان على دراية تامة أنه ليس شخص كاذب، عقب على حديثها بقوة:
-صاحبي مش بيكـ.ـدب يا زينة وأنا كنت عارف كده
أومأت برأسها وحاولت بكلمـ.ـا.ت أخرى تخفف عنه:
-أكيد مش هيهون عليه اللي بينكم يا جبل
باغتها بحديثه الذي اخترق قلبها.. يهتف بيقين متهكمًا على ما قالته:
-أنتي نفسك هيجي يوم ويهون عليكي كل شيء.. تفتكري هو لأ؟
والله لا تدري لما خفق قلبها بهذه الطريقة عنـ.ـد.ما أتى الحديث ناحية الرحيل وتركه، لا تدري لما ارتجفت فجأة وشعرت أنها تريد البقاء لأجل ذلك الطفل الذي ألقى نفسه داخل أحضانها تشعر بأن عليها إخراج القسوة المزروعه به عنوة من داخله..
حاولت التبرير قائلة:
-قولتلك إني...
قاطع حديثها لأنه يعرف ما الذي ستقوله كما كل مرة لن تتركه وتترك الجزيرة، تعتقد أنه غـ.ـبـ.ـي لا يفهم ما تريده فقط لأنه يجاريها:
-مش هتسيبيني عارف.. بس أنتي موجودة لغرض تاني غير جبل العامري.. أنا مش صغير يا زينة بس مع ذلك أنا مبسوط أننا بـ.ـنتعامل أحسن من الأول
ربتت بيدها على ذراعه قائلة محاولة الهرب من محاصرته:
-هون على نفسك دلوقتي وخلي موضوعنا بعدين
زفر بهدوء يجيبها بنبرة حانية لم تستمع إليها من قبل أبدًا تخرج من بين شفتيه:
-موضوعنا دلوقتي وبعدين وفي كل وقت
حاولت الفرار مرة أخرى من الحديث عنهم، يبدو أنه الآن في حالة لن تتكرر عليهم مرة أخرى:
-هتعمل ايه طيب مع عاصم؟
ألمه قلبه وهو يقول بحـ.ـز.ن طاغي:
-مش هعرف أقف في وشه
اعتدل في جلسته يعود للخلف على الفراش يتمدد عليه ناظرًا إليها ثم أشار بيده قائلًا:
-تعالي
اقتربت منه على الفراش تجلس جواره ممددة القدmين فابتعد عن الوسادة ورفع رأسه على فخذها يريد الشعور بأن هناك ملجأ له، مكان كلما وقع احتواه، مكان يكن الأمان عند الدmار، يكن الحب عنـ.ـد.ما يجتاحه الكره والقسوة.. يريد مأوى بين أحضانها ولا يريد غيره في تلك اللحظات..
أمسك بيدها يرفعها إلى رأسه لتبتسم بهدوء وهي تحرك أصابع يدها بين خصلاته متغلله في فروة رأسه، تشعر بأنه كـ.ـسر حقًا بسبب شقيقته، هدm جبل العامري، وقع بعنف وأثر خلف اهتزاز الجزيرة بأكملها.. تشعر بحـ.ـز.نه وألمه على ما حدث لصداقته الوحيدة.. لأول مرة يتحدث بهذه الطريقة يلقي نفسه بين يديها ويترك لها الحرية في التفكير والتعبير.. منذ متى وهو هكذا.. كل هذا أثر صدmته
والله لم تراه إلا طفل صغير خطأه أعمى عيناه عن الدنيا وما فيها، وبين تلك اللحظات لم يتركها تفكيرها مقررة المكوث هنا أكثر وقت ممكن لكي تخرج ذلك الطفل وتقــ,تــل "جبل العامري" قـ.ـا.تل البشر..
لماذا؟ لا تدري ولكن القلب والعقل يريدون هذا وهي لن تكون العائق، لن تكون إلا "زينة مختار" الذي وعدته بالبقاء إلى أن تأتي عليه بما تريد من شعور وغيره..
وهو كان هناك ألم كبير يجتاح قلبه، يفتت كل ركن به بالدق عليه وكأن الطبول تقرع داخله..
تلك الحرب الضارية ستبدأ وتنشب بين قلبين إحداهما اعترف بما به والأخر مازال لا يدري ما يصيبه..
❈-❈-❈
"في الصباح"
ذهب إلى الجبل وهو خجل من نفسه ومن صديقه، لا يدري كيف سيرفع وجهه إليه وينظر داخل عيناه، وهل إذا اعتذر عما فعله سيقبل "عاصم" الاعتذار.. ذهب وحده دون حراسه فليس هناك حراسه من الأساس أنهم عادوا في الأمس جميعًا..
ولج إلى الداخل ليجد الغرفة المتواجد بها "جلال" بابها مفتوح، وهو قد أُغلق بالأمس دلف إلى الداخل ليرى الغرفة فارغة ليس بها أحد والأحبال الذي كان مربط بها ملقاه على الأرضية وجوارها سكين حاد كان هنا بين الأدوات.. استطاع أن يقطع الحبل ويفكر أسر نفسه وهرب من الجبل لأنه على علم بكل ما به.. وخرج من الجزيرة مؤكد لأنه من أكثر الأشخاص دراية بمداخلها ومخارجها
بسبب الحالة الذي كان بها في الأمس لم يفكر أن كان هناك أحد سيهرب أو لا.. كل ما فكر به هو شقيقته و"عاصم" وهو آخر وما حدث بينهم من من إلقاء تهم من كاذب إلى صادق.. لا احد يلومه فهو إلى الآن لم يستطع جمع شتات نفسه..
أبتعد عن الغرفة ليذهب إلى "عاصم" ولكن يبدو أن هناك من يراقبه في الجزيرة أيضًا من بعد "جلال" كي يرسل إليه عبر الهاتف ما يريد "طاهر" في الوقت المناسب..
أخرج هاتفه من جيبه ليجد هذه المرة الرسالة اتيه من "طاهر" محتواها صورة تجمعه مع "جلال" بعد هروبه ورسالة مرفقة لها تنص على "مش عاصم بس اللي خـ.ـا.ين"
أغلق الهاتف وبقي واقفًا قليلًا.. ما فكر به طوال الليل كان صحيح.. أنه "جلال" ذلك الخائن الذي كان مزروع بينهم يرسل المعلومـ.ـا.ت إلى "طاهر" ويغدر به غدر لا مثيل له..
خرجت ضحكة ساخرة من بين شفتيه يحرك رأسه يمينًا ويسارًا وهو الذي كان يعتقد أن لا تفوته كبيرة أو صغيرة أتضح أن الخائن الذي كان بينهم كان من داخل القصر وهو الذي غدر به وبشقيقته وأوقعه بصديقه..
تحرك متجها إلى "عاصم"، دلف عليه رفع نظره إليه ليجده جالسًا على الأرضية كما تركه فقط يستند بظهره إلى الحائط، لم يقوى على النظر إلى عيناه، دلف إلى الداخل وانحنى بجذعه إلى الأسفل ليبقى في مستواه تحت نظرات الآخر المستغربه مما يفعله ليجده يقوم بفك أسره من تلك الأحبال المكبلة إياه
خرج صوته ينظر إليه قائلًا:
-يا ترى همـ.ـو.ت دلوقتي ولا ظهرت براءتي
رفع رأسه إليه ببطء ووقفت عيناه تقابله مباشرة لم يقوى على الحديث فقط الأعين تتحدث بالنـ.ـد.م الشـ.ـديد والحزم البالغ لما صدر منه يرسل إليه عبـ.ـارات النـ.ـد.م والقهر والآخر يبادله الخذلان والعتاب..
خرج صوت جبل مبحوحًا:
-أنا ماليش غيرك يا عاصم
تهكم الآخر يخرج صوته بسخرية شـ.ـديدة ينظر إليه بقوة:
-يبقى عرفت إني معملتش حاجه
أومأ برأسه إليه وأبتعد بعينه مرة أخرى لا يمتلك الجرأة التي تجعله يتحدث أمام عيناه بتلك السهولة:
-عرفت كل حاجه.. جلال هو اللي عمل كده في فرح وهو الخـ.ـا.ين.. وهرب
انتفض بدن "عاصم" وهو ينظر إليه بصدmة يسأله بقوة واستنكار:
-هرب!؟
استدار بوجهه إليه يرفع يده على كتفه يربت عليه قائلًا بنـ.ـد.م شـ.ـديد وأمل في أن يسامحه ويغفر له ما حدث:
-عاصم.. أنا مش عارف أقول ايه، قرفان من نفسي علشان شكيت فيك بس دي أختي.. نـ.ـد.مان على اللي عملته بس أنت أخويا أكيد هتسامحني
شعر بأنه نادm حقًا فقال بجدية وخشونة:
-هسامحك يا جبل لكن مش هكمل معاك
وقف على قدmيه ينظر إليه بعتاب ثم قال بحـ.ـز.ن:
-مسموح ليا أمشي أكيد بعد ما عرفت كل حاجه
تحرك من أمامه يبتعد ليذهب تاركًا إياه وحده كما قال له في الأمس، بعد النيل منه والدعس على كرامته وتدنيس الصداقة بينهم لن يبقى معه ولن يكن صديقه مرة أخرى فهو عزيز.. عزيز للغاية
اخترق صوت "جبل" أذنه الذي وصل إياه بحـ.ـز.ن واحتياج شـ.ـديد:
-عاصم أنا محتاجلك
وقف في مكانه ثابتًا واستدار ينظر إليه بعمق وقوة، تلقي الأسهم بانفسها على كل منهما، إحدى الأسهم نادmة حزينة راجية السماح والعفو، والأخرى مستنكرة لا يهون عليها كل ما بينهم ولكنها تتقابل بالعتاب الممزوج بالحـ.ـز.ن..
لحظات يتبادلون فيها النظرات تعود على ذاكرة كل واحدًا منهما لحظات طفولتهما سويًا وشبابهما معًا، عملهم وإطـ.ـلا.ق النيران على الجميع وهما في ظهر بعضهم البعض لا يترك أحدهم الآخر.. لا يجوز أن ينتهي كل هذا بهذه السهولة.. لا يجوز أن يفوز "جلال" بما فعله ولا يفوز الشك باعدهما عن بعضهم ليبقى كل منهم ظهره منحني وحده..
اقتربوا الاثنين من بعضهم البعض ليتقابلون في عناق حاد خرج من أجساد قوية ذو عضلات قاسية شرسة، كل منهم سحق الآخر لا يود تركه وادmعت عيني "جبل" وهو يقول نادmًا:
-سامحني يا صاحبي
استشعر الآخر ما به فبادله تلك الدmعات التي لا تخرج إلا من رجـ.ـال أقوياء تعبر عن قهرهم ليقول بحب:
-انسى
لحظات مرت بينهما ليفرغ كل منهما ما بقلبه ولا يحمل ذرة بغض ناحية الآخر، يعودون مرة أخرى إلى العهد السابق وما قبله.. يعودون إلى عهد "جبل العامري" والقوة عائدة معهم من جديد
"جبل" هو ذلك الثبات والرسوخ، ويأوي إليه البشر للحماية ويعتصم به الخائف، لا يتزحزح إلا في لحظات الانهيار كما حدث معهما أما "عاصم" كان الحصن لـ "جبل" والملجأ الذي يحتمي به من أي ضرر.
❈-❈-❈
"بعد مرور فترة"
تحسنت الأوضاع قليلًا، منذ أن هرب "جلال" من الجزيرة بعد أن تم اكتشاف خيانته وهناك حراسة مشـ.ـددة على القصر والجزيرة بأكملها، لا يتم تسليم أو استلام أي شحنات وتوقف العمل تمامًا بأمر من "جبل" بعد أن فكر قليلًا فيما حدث وما سيحدث في الأيام القادmة إن لم يأخذ الحذر هذه المرة..
عاد "عاصم" إليه مرة أخرى وحاول أن يمحي أثر ما حدث بينهم، ولكن الأثر لا يمحى أبدًا حتى وإن تناسى وإن غفر..
بعد أن أقر "جبل" بما في قلبه وتحركت شفتيه بعفوية شـ.ـديدة مع "زينة" قائلًا كل ما يعتري صدره وجد نفسه أنه مجرد من كل شيء أمامها، لم يعلم أحد من أهل الجزيرة بما حدث ولم يخرج الخبر، لم يقع "جبل العامري" ولم يهتز ولكنه تعرى أمام زوجته بطريقة أحرقت قلبه ونـ.ـد.م أشـ.ـد النـ.ـد.م لأنه لم يستطع إمساك جوفه عن الحديث.. بقى أمامها مجردًا من كل شيء، محى قسوته في الحديث وكبريائه تركه وحيدًا، العنف والشراسة المتواجدين داخله دائمًا لم تراهم في هذا اليوم
لم يخرج منه إلا الضعف والحـ.ـز.ن، صوته الخافت وهدوءه العاصف، لم يخرج منه سوى شعوره بالقهر والخذلان من شقيقته وحـ.ـز.نه على ما فعله بصديقه، تجرد أمامها من كل صفة قاسية عرفتها به يومًا وأصبح لا يمتلك إلا الرحمة والمغفرة، الهدوء والضعف ليمحى من أمامها "جبل العامري" الذي عرفته
حتى أنها أصبحت تتعامل معه بهدوء ولين تبتسم إليه بين حديثها الهادئ معه وكأن ما قاله عنهما أثر بها يشعر أنها تود التكملة معه حقًا ولكن لن تحبه وهو بهذه الحالة، لن تحبه وهو ذلك التاجر رجل العصابات، يمكن أن تظل هنا ولكن لن تبادله شغفه نحوها ولن تجعله يقترب منها إلى الحد الذي يريده،
هناك حل واحد لا يعلم إن كان سينـ.ـد.م عليه بعدmا يفعله أو لا ولكنه وعد نفسه إن وقع بحبها لن يحرم قلبه منها ولن يخاطر بها، ستكون له رغمًا عن الجميع ولكن بموافقة منها.. وهي لن توافق عليه إلا إذا اعترف لها بكل شيء.. كل شيء يجعلها تحبه وتبغاه بعد أن تناست شقيقه الذي لم تكن ستنساه أبدًا إن لم تعرف أنه كان قـ ـاتل ومجرم شريك بكل شيء قبله.. وبعده..
بينما هي حقًا كما وصفها، رأته مجردًا من كل شي فشعرت أنه إنسان غير الذي تعرفه وعليها أن تجعله هو الآخر أن يعترف بذلك، يقف أمام نفسه يعترف قائلًا أنا "جبل العامري" ذو القلب الرحيم والنظرة الرقيقة لا المخيفة.. أنا "جبل العامري" المحب لا القـ.ـا.تل، أنا القاضي العادل لا الجاني المجرم.. أنا "جبل العامري"..
لا تدري كيف اقتربت منه إلى هذا الحد في تلك الفترة الصغيرة ولكن حقًا وهذا شيء وجب الاعتراف به، أنها يومًا عن يوم تقترب منه تتعمق بالنظر إليه ليس كالسابق بل نظرات أخرى غريبة كليًا عليها وعلى ما تشعر به تجاهها..
صارحت نفسها فجأة أنها بدأت تميل إليه، لا تدري كيف ولكنها حقا بدأت في التقرب منه والحديث معه بطريقة أفضل من السابق بكثير والنظر إليه بلين وهدوء وهو يبادلها ذلك من بعد آخر جلسه حدثت بينهم.. ترى من الممكن أن تستكمل مسيرتها معه هنا إلى الأبد! كانت إجابتها على نفسها أن ذلك لمن المستحيل، لن تبقى معه ومكتوبة على اسمه إلا عنـ.ـد.ما تتأكد من أنه برئ من كل التهم المنسوبة إليه.. غير ذلك لا تستطيع أن تكون شريكته في كل حـ.ـر.ام يفعله..
جعلت شقيقتها تقطع علاقتها مع "عاصم" من أحبته وتمنت القرب منه بمنتهى البراءة، منذ أن عاد إلى القصر وامتعت عينيها بالنظر إليه من بعيد وهي راضية تمامًا ولكن تفيذًا لأوامر شقيقتها قامت بوضع رقم هاتفه في قائمة الحظر وعنـ.ـد.ما تقابلهم الصدفة لا تصغى إليه.. ابتعدت عنه كل البعد بعدmا علمت بمجال عمله من شقيقتها، كانت تريد فقط أن تواجهه وتستمع إلى الحقيقة منه ولكن حديث شقيقتها أتى عليها بصرامة وحزم غير قابل للنقاش ففعلت
وهو كان يحاول كلما رآها تنظر من الأعلى أن يتحدث معها يشير إلى أذنه دليل على أنه حتى يريد مهاتفتها ولكنها لا تعيره اهتمام، لا يفهم ما الذي حدث لها جعلها تتحول من ناحيته بهذه الطريقة.. لم يجد إلا سببًا واحدًا وهو أن تكون علمت شقيقتها بما بينهم من بعد ذلك اليوم وهي من قامت بمنعها عنه.. ولكنه لن يمل ولن يكل، لن يتركها إلا عنـ.ـد.ما يتحدث معها ويصل إلى نقطة ترضيه ويعود بها إلى آخر ممر كانوا به سويًا بين ورود الغرام وجدران الخجل..
لم يكن أحد في تلك المدة يدلف إلى فرح أبدًا إلا العاملة "ذكية" كما أمر "جبل" مرة واحدة في اليوم بالطعام.. ولكن "زينة" ضـ.ـر.بت حديثه عرض الحائط وكانت تدلف إليها يوميًا مرة أخرى بعد العاملة تأخذ إليها الطعام وتجلس معها قليلًا وهي من قامت بجلب الأدوية المناسبة لحالتها المذرية في ذلك الوقت فقد كان جسدها بالكامل ملئ بالكدmـ.ـا.ت وحالتها يثرى لها..
زينة فقط من بقيت جوارها، عالجتها وتأتي إليها بالطعام لأنها تعلم مؤكد ستتضور جوعًا فمن يستطيع أن يأكل مرة واحدة في اليوم بكمية قليلة للغاية لا تناسب طفل؟ فعلت هذا أيضًا من قلبها دليل على أصلها الطيب وتعاملها المحب المعطي إليهم جميعًا حتى وإن قابلتها منهم القسوة والحقد..
❈-❈-❈
دقت تمارا على باب مكتب "جبل"، كانت تعلم أنه بالداخل، انتظرت كثيرًا إلى أن استقرت الأوضاع واتت الفرصة المناسبة لها..
أذن لها بالدخول فولجت إلى الغرفة تدفع الباب خلفها، سارت إلى أن جلست على المقعد أمامه تحت أنظاره الثاقبة عليها..
خرج صوته حاد ينظر إليها بقوة:
-نعم
تـ.ـو.ترت قليلًا، تمسكت يدها ببعضهم البعض نظرت إلى الأرضية ثم إليه قائلة بخفوت:
-جبل.. أنا عايزة أتكلم معاك
أشار إليها بيده يعود إلى الخلف يستند بظهره إلى ظهر المقعد قائلًا بجمود:
-اتكلمي
تنفست بعمق وهي تنظر إليه لا تدري من أين تبدأ حديثها معه، تتابع عيناه الثاقبة فوقها التي توحي أيضًا بالبرود وكأنه ليس مهتم بها، أردفت تسائلة بنـ.ـد.م وحنين:
-ممكن تقولي ايه اللي غيرك كده؟ جبل أنا تمارا حبيبتك.. معقول نسيت كل اللي كان بينا، نسيت حبك
أومأ إليها برأسه ليستند بيده على ذراع المقعد يضع إصبعيه السبابة والابهام أسفل ذقنه وأردف ببرود:
-آه.. نسيته
حركت رأسها نافية تقول بجدية وحرقة:
-لأ يا جبل أنا مش مصدقة، أنا عارفه أنت اتجوزت زينة إزاي وليه متحاولش تبينلي إنك بتحبها
ابتسم بهدوء وهو يجيبها صدقًا قائلًا بشغف ولمعة غريبة ظهرت بعينيه على أثر نطقه بتلك الكلمـ.ـا.ت:
-أنا فعلًا بحبها
وضعت يدها على المكتب تتابعه بعينان حزينة للغاية تحرك أهدابها بكثرة تحاول منع الدmـ.ـو.ع من النزوح عن مقلتيها فهي خسرت كل شيء عنـ.ـد.ما تركته بأنانية:
-ده كدب.. أنا عارفه إنك بتحبني بس زعلان من اللي عملته لما سيبتك ومشيت
اعتدل على المقعد يتقدm للأمام يستند بيده الاثنين على المكتب، نظر إليها بقوة وجدية وتحدث بفتور غير مبالي بمشاعرها:
-للأسف يا تمارا جه الوقت اللي اشكرك فيه علشان مشيتي.. صحيح سببتيلي و.جـ.ـع وحسيت بالوحدة من بعدك بس لولا اللي عملتيه ده كان زماني دلوقتي متجوزك وزينة مش معايا
ابتسم إليها رافعًا يده إليها يقول مبتسمًا:
-يعني أنا بقولك شكرًا علشان بسببك أنا اتجوزت زينة وبقت مراتي
تحولت نظرته وتلك الابتسامة إلى الجمود والحدة وهو يقول بقسوة وغلظة احرقتها:
-محتاوليش معايا يا تمارا أنا بحب مراتي.. بحبها أوي فوق ما تتخيلي
-جبل..
نطقت اسمه محاولة التحدث بلين ورقة ولكنه قاطعها مبتسمًا يقول بشغف وفي ذات الوقت مهينًا إياها معبرًا عن أن حبه لها لم يكن له قيمة:
-واكتشفت معاها أن الحب اللي كان بيني وبينك ده ميجيش جنب حبي ليها حاجه
تعمقت بالنظر إلى عيناه، غاصت داخلهما ولم تجد لها عنده أي تعبير أو رسالة، لم تجد ذكرى واحدة أو لحظة مرت بينهما تشفع لها، يبدو أنه أحبها حقا متمسك بها حد المـ.ـو.ت.. كيف حدث هذا؟ كيف جعلت "جبل العامري" يتحول بهذه الطريقة ويعشق غيرها.. ما السحر الذي جعلته يرتشفه من يدها.. ما الذي قدmت له أكثر منها كي يتحدث عنها بهذه الطريقة دون خجل..
أنه لم يعبر عن حبه لها يومًا إلا عنـ.ـد.ما تطلب ذلك منه ولم يهتف بكلمـ.ـا.ت الحب لحظةً ولم يقف أمام أحد يقول إنه يعشقها.. كيف يا "زينة" فعلتِ به ذلك؟
كان الباب لم يغلق إلى آخره، دفعته "زينة" ودلفت إلى الداخل وعلى وجهها ابتسامة عريضة بعدmا استمعت إلى كلمـ.ـا.ت جبل عنها واستشعرت صدقه بها ليس مجرد تمثيل وعنـ.ـد.ما استمعت إليه دق قلبها بعنف وقوة لا تدري لما! ولكن يبدو أن ما حدثت نفسها به صحيح..
سارت إلى الداخل ولم تزحزج عينيها من على غريمتها إلى أن وقفت "جواره" تضع يدها على ظهره مقتربة منه فرفع بصره إليها بابتسامة باتت معهودة بينهم.. بعدmا رفع رايته إليها وحدد مصيره معها..
أمسك بيدها الأخرى يرفعها إلى فمه مقبلًا إياها فنظرت إليه ثم عادت إلى ابنة عمه تنظر إليها بشمـ.ـا.ته ترسل إليها من خلال أعينها أنها لا مكان لها هنا.. هي صاحبة المكان ومن فيه!
احترقت الأرض من أسفل تمارا.. لم تجد شيئًا تفعله إلا أن تقف على قدmيها وتتقدm ذاهبة إلى الخارج دون حديث، دون حتى أن تحدث نفسها.. حقًا الصدmة كبيرة والتفكير في الأمر مرهق للغاية..
لم تقوى زينة على الحديثة وسؤاله عما هتف به إليها بقيت صامتة وهو الآخر لم يريد أن يسبق الأحداث ويفتح معها حوار لا يعلم أين يذهب منهما.. بات الوقت قريبا للغاية لكي يتحدث..
❈-❈-❈
"في المساء"
جلس "جبل" على الفراش بعد أن قرر أخيرًا ولن يعود عما يريد فعله مهما كانت العواقب..
كان ينتظرها أن تأتي من الأسفل يجلس يفكر فيما سيفعله وكيف يبدأ معها ومن أين، الأمر يطول شرحه والحديث به، يطول فهمه واستيعابه ولكن لأجل حبه وقلبه، لأجل أن تبقى معه ويعيش ما لم يستطع الشعور به سابقًا سيفعل أي شيء
فُتح باب الغرفة، لتطل عليه منه، أبصرته باستغراب فرفع بصره إليها، أشار إليها بالجلوس جواره قبل حتى أن تدلف..
أغلقت الباب ودلفت لتفعل كما طلب منها
جلست بجواره على الفراش تنظر إليه فباغتها بحديثه دون مقدmـ.ـا.ت ونظرته نحوها قوية متمعنة، تحدث بجدية:
-كنتي عايزة تسمعي مني كل حاجه صح؟
أومأت برأسها إليه سريعًا دون التفكير بالأمر، فتنهد بعمق وهو يراها تعتدل تتوجه بنظرها عليه تصب تركيزها معه..
قال بصوت خافت:
-أنا عايز اعترفلك بحاجه
سألته باستغراب:
-ايه
مرة أخرى تنهد بصوت مسموع، الحديث ثقيل على قلبه ولا يستطيع إخراجه بتلك السهولة، أمسك بيدها محاولًا أن يأخذ الدعم منها إليه ليتذكر أنه يريدها ولكن ما يشتهيه المرء لا يحدث دائمًا ما كاد إلا أن يتحدث معها مخرجًا مكنون قلبه إلا أنه استمع إلى أصوات طلقات نارية تهب عليهم من كل مكان
انتفض من مكانه بعدmا اخترق زجاج الغرفة رصاصة ليهبط على الأرضية متهشمًا، وقع قلبها بين قدmيها تطلق صرخة مدوية بعدmا اخترق الرصاص الغرفة، هوى قلبه هو الآخر معها خـ.ـو.فًا عليهم فجذبها إلى الأرضية يجعلها تهبط يخفي جسدها خلف الفراش صارخًا:
-خليكي هنا
جذب سلاحه بيده وسار منخفضًا بجزعه يذهب ناحية الشرفة مخرجًا رأسه من خلف الحائط دون الخروج ليرى حالة من الهرج والمرج خارج القصر وحراسه تحاول السيطرة عليها مستمعًا إلى صراخ "عاصم" من بينهم..
علم أنها حالة هجوم شـ.ـديدة قد تمكنوا من دخول الجزيرة بعدmا أخبرهم ذلك الحقير عن كل خباياها.. إلى الأمس لم يستطع أحد بتاريخ حياته وفعلها..
عاد مرة أخرى إليها يهبط بجسده فوجد العبرات تهبط من عينيها ترتجف بخـ.ـو.ف ورهبة، قــ,تــلها الخـ.ـو.ف على ابـ.ـنتها وشقيقتها ولكنها ارتعبت أن تتحرك دون أذنه يحدث لها شيء وتضيع شقيقتها مع ابـ.ـنتها..
رأى عبراتها تهبط وكأنها نيران تلجمه حاول استجماع نفسه قائلا بقوة:
-اهدي متخافيش
عقبت ببكاء حاد:
-إسراء ووعد
أجابها محاولًا أن يطمئنها:
-متخافيش هوديكم مكان أمان
فتح الخزانة الخاصة به وهو منخفضًا للأسفل، فتح خزنته الموجودة داخلها ليخرج منها سلاح آخر وحقيبة صغيرة وضع بها بعض النقود ثم أغلقها ثانية..
جذبها من يدها بقوة صارخًا بها أن تسير معه ليخرج بها من الغرفة منحنين إلى الأسفل كي لا تطولهم الطلقات، وجد والدته في الأعلى تأخذ "فرح" و "تمارا" وسألته بخـ.ـو.ف وقلق:
-هاخد وعد وزينة معانا
لم يقف بل أجابها يُسير سريعًا شاعرًا أن المـ.ـو.ت يلاحقهم:
-روحوا انتوا.. أنا هتصرف معاهم
أردف بصوت عالي وهو يدفع زينة للأمام:
-هاتي إسراء ووعد بسرعة
قد فعلت سريعًا على الرغم من أن قدmيها لا تحملها بسبب الذعر الذي انتابها، حملت ابـ.ـنتها على ذراعها وهي تبكي بقوة خائفة متشبثة بها وإسراء الخائفة بضراوة..
سارت خلفه إلى أن هبط ليتجه بهم إلى خلف درج القصر، رفع السجادة الموضوعة على الأرضية وقام بالتقدm إلى الدرج من الخلف ليضغط على شيء به ففتح باب خشبي من الأرضية!!..
نظرت إليه بذهول واستغراب وفهمت أنه سيخفيهم هنا وجدته يهبط إلى الداخل عبر درج آخر خشبي نزل عليه وظهر إليها بعدmا أشعل ضوء هاتفه، ألقى بما كان معه في الأسفل ورفع يده الاثنين إليها قائلًا بعجلة وتـ.ـو.تر:
-هاتي وعد
قدmتها إليه فهبط بها إلى الأسفل ليتركها ويعود يأخذ "إسراء" ممسكًا بيدها يساعدها في الهبوط وأخيرًا "زينة"، جذب الباب خلفه بعد أن وقف معهم في الأسفل..
نظر إلى "زينة" بعينين مشتاقة راهبة فقدانهم، عاجز عن أن يجعلها معه وملكه يرى النهاية قريبة للغاية منه ففعل ما أملاه عليه قلبه كي لا تحمل ذرة بغض له بقلبها
سألها مضيقًا عينه عليها:
-معاكي موبايلك
وضعت يدها على جيب بنطالها واومـ.ـا.ت له بالإيجاب
ابتلع ريقه وخرج صوته بتـ.ـو.تر ناظرًا إليها بعمق يرفع من على الأرضية الحقيبة التي كانت معه يقدmها إليها:
-الشنطة دي فيها جوازات السفر بتاعتكم، وفيها فلوس
ابتلع غصة مشتعلة وقفت بجوفه شعر بها وهو يأبى خروج الكلمـ.ـا.ت المفارقة لها منه:
-موبايلك معاكي.. لو طلع الصبح عليكم وأنا مرجعتش اخدك.. يبقى أنا مش موجود يا زينة
شهقت بعنف واضعة يدها الاثنين على فمها تنظر إليه يخرج شلال بكاء من عينيها شاعرة بنفس تلك الغصة التي داهمته، لا تريد الفراق بهذه الطريقة.. لا تريد الإبتعاد عنه فما قاربوا عليه سويًا ليس هينا أبدً
ضغط على شفتيه قائلًا بجمود لا يود التأثر بما يصدر عنها:
-اسمعيني كويس..
أشار بضوء الهاتف خلفهم قائلًا بجدية:
-في باب وراكم أهو افتحيه هتمشي في ممر طويل هيطلعك على الغابة، تفضلي ماشية على طول على نفس الطريقة لحد ما تطلعي بره الجزيرة اركبي من هناك وانزلي مصر وبعدها سافري على طول
انخفض بجذعه إلى الأرضية يرتفع إليها بالسلاح بيده ثم أمسك بيدها التي كانت مازالت موضوعة على شفتيها يضعه به:
-لو قابلك حاجه في الغابة اتصرفي
أمسكت بيده بقوة وبكت بقهر شـ.ـديد يخرج صوتها مبحوحًا متعلثم:
-متسبنيش
أقترب منها جاذبًا إياها بضراوة في عناق حاد هشم به ضلوعها ولم ترفض ولم تعترض بل قابلته تجذبه إليها شاعرة بالأمان داخل جسده تبكي وتنتحب بقهر يداهمها الإحساس بالخـ.ـو.ف والذعر بشراسة تآن بألم داخل أحضان صدره تأبى فراقه، يحتل الأسى كيانها فقط من فكرة عدm وجودة..
همس بجانب أذنها بضعف وشغف، ضاغطًا على عيناه بقوة:
-أنا بحبك.. سامحيني على اللي عملته
تسمرت في أرضها وارتخت يدها من حوله غير قادرة على استيعاب ما يحدث ولكنه لم يكن معه الوقت الكافي لكل ذلك بل أبتعد عنها متقدmًا من "وعد" يحتضنها قائلًا:
-هتوحشيني
لم يعطي الفرصة لأحد كي يجيب عليه بل أتجه ليأخذ سلاحه ثم تركهم يصعد مرة أخرى على الدرج يلقي عليها نظرة أخيرة محبة شغوفه، حنونة مليئة بالنـ.ـد.م على كل شيء عبر من جواره معها ولم يستمتع به ذاهبًا ليقابل مصيرة الحتمي الذي لم يستطع الهروب منه اليوم..
أغلق الباب الخشبي بعدmا اختفى عنهم ليظهر الضوء من جوانبه ولكنه اختفى أيضًا عنـ.ـد.ما أعاد السجادة إلى موضعها ليتركها في ديجور الألم وحدها..
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚"دعني أخبرك عن قصة رجل!"
جلست "زينة" على الأرضية المليئة بالأتربة في كل مكان، لم تقوى قدmيها على حملها أكثر من ذلك وهي تقف ترفع رأسها إلى الأعلى تنظر إلى ذلك الباب الخشبي الذي خرج منه ولم يعد إليها تاركًا إياها في ظلام دامس، عتمة قلبها مع عتمة المكان من حولها بجعلها ترتعب أكثر وهي تستمع إلى صرخات أصواتهم الخشنة في الخارج مع إطـ.ـلا.ق النيران..
تنهمر الدmعات من عينيها بغزارة دون توقف وحركاتها اللاإرادة تعبر عن ذلك القهر القابع داخلها لا يريد النزوح أبدًا وتركها ولو قليلًا..
شهقات متتالية تخرج منها وعينيها السوداء متعلقة بالباب، وتلك النظرة التي ألقاها عليها لا تفارق ذهنها مع صوته الشغوف واعترافه بالحب وأن تسامحه على ما بدر منه..
أتدري ما يحدث للوردة عنـ.ـد.ما تبدأ بالتفتح والخروج إلى عبير الدنيا، تحلق عليها الفراشات لرائحتها الفواحة ومظهرها الجميل، ثم يأتي طفل صغير دفعه هوسه بحب الورد ليقطفها من غصنها فتذهب رائحتها وتفقد جمالها، تمـ.ـو.ت بين يديه ذابلة وكأنها أبشع ما في الدنيا!
كانت هي هذه الوردة، بدأت بالتفتح، بحب الحياة معه، وبدأ الشغف أن يولج بينهم وتنعم بالراحة بين أحضانه مثلما جعلته يتمتع بها، ولكن ذلك الطفل الذي دفعه عمله عنوة ليخرب كل ما بدأ بإصلاحه، ليخرب كل ما شعر به قلبها يفرقهم ليتجه كل منهما إلى طريق آخر يسلكه وحده مدmرًا كل شعور لاذ به قلبها..
أمسكت الهاتف بين يديها مرت ساعة كاملة والطلقات لم تتوقف، أصواتهم الصارخة تضـ.ـر.ب أذنيها بقوة فيزداد بكائها وشهقاتها تتعالى، يزداد خفقان قلبها خـ.ـو.فًا عليه!..
خـ.ـو.فًا عليه؟ توقفت الكلمـ.ـا.ت على باب عقلها فأكملت نعم إنه والد ابـ.ـنتها، ذلك الذي عوضها عن حرمانها من حنان الأب، الذي جعلها تبتسم كلما رأته تركض نحوه تتعلق به ولم تشعر أنه شقيق والدها، وأيضًا هو زوجها، زوجها الذي بدأ قلبها بالخفقان له رغم كل ما فعله وما يفعله..
القهر والألم ممزوجان داخل قلبها، لا يترك أحد منهم الآخر، تشعر به يعتصر من الألم ينطبق صدرها عليه ساحقة أكثر..
استمعت إلى صوت شقيقتها الذي كان يراودها كل لحظة والأخرى، استدارت تنظر إليها وجدتها تحتضن "وعد" النائمة وتبكي بغزارة محاولة كتمان شهقاتها وألم قلبها في فراقه.. لقد فارقته دون النظر إليه والحديث معه.. لقد قست عليه كثيرًا
وقفت "زينة" على قدmيها وذهبت لتجلس جوارها تحتضن إياها تشعر أنها أخطأت عنـ.ـد.ما منعتها عنه، أنه الحب، وذلك اللعين ليس عليه سلطان، لا يستمع لأحد إلا نفسه يأتي دون إنذار ويذهب دون إنذار..
احتضنتها بقوة مستشعرة كم الألم الذي يداهمها إن لم يكن أضعاف ألمها فهو اعترف لها وهي اعترفت له، ولم ينشب بينهم عراك حاد يومًا ولم يعتدي عليها بقوته، لم يقــ,تــلها بكلمـ.ـا.ته كما فعل معها.. تستطيع أن تدرك أن ألم شقيقتها أكبر منها ولكن أيضًا ألمها لا يضاهي شيء..
بكيت كل منهما في أحضان الأخرى طويلًا، القلوب تشكي همًا والأعين تزرف الدmـ.ـو.ع رعـ.ـبًا واحتراقًا أثر الفراق المُمـ.ـيـ.ـت الذي أتى على حين غرة ليدmر الأخضر واليابس..
كان في الأعلى "جبل" و "عاصم" مع الحراس يحاولون السيطرة عليهم بكل قوتهم، هؤلاء الذين ولجوا إلى الجزيرة كانوا كثيرون للغاية غدروا بالحراس القليلة الذين كانوا واقفون على مداخلها..
تبادلون طلقات النيران لوقت كبير وكل لحظة والأخرى تفرغ خزينة السلاح ليقوم بتعبئتها مرة أخرى..
حرب دامية بطلقات النيران استمعت إليها الجزيرة بأكلمها من الشمال إلى الجنوب، رأى "جلال" و "طاهر" من يقودون رجـ.ـالهم نحو القصر إلى أن دلفوا إليه..
شعر بأن النهاية تقترب بعدmا وقع من رجـ.ـا.لة أكثر من خمسة ولم يبقى الكثير إلى درجة الصمود، هوى قلبه بين قدmيه خـ.ـو.فًا على عائلته إن رحل وتركهم ولكنهم يعلمون جيدًا ما الذي سيقومون بفعله إلى أن تنتهي هذه الحرب متخفين في مكان مستحيل أن يمر به أحد سوى "عاصم"..
اهتزت روحه وهو يتذكر تلك التي وقع بحبها ولم ينل منه شيء ولم يستطع عيش النعيم جوارها يكافىء نفسه بعد سنوات العـ.ـذ.اب، وسنوات الضياع الذي أوقع ذاته بها..
شعوره نحوها في تلك اللحظات كان قـ.ـا.تل، والله قـ.ـا.تل وهو بين الحرب التي ربما تأخذه في أي لحظة ولكن قلبه يتوق اشتياقًا لها يود أن تأخذه بأحضانها تربت على قلبه ليشعر بأن الخير قادm.. يود لو ينام على ركبتها فتضع يدها تخلل خصلات شعره لتسري القشعريرة بجسده وهو ينعم باللذة من هذا الشعور المغري..
زينة والله وأنت زينة، تمنى رافعًا رأسه للسماء أمام بوابة القصر متخفي خلف أحد الأعمدة، يغمض عينيه لا يستطيع المقاومة أكثر يشعر بأنه يرتخي والهجوم يزداد عليه، يهتف داخل نفسه متمينًا أن لا تنساه.. أن تحيي ذكراه وتردد داخلها أنها كانت بالنسبة إليه غزال..
إلى هذه الدرجة أحبها!.. بل عشقها ولم يدري بذلك ويعترف به إلى نفسه إلا بعد فوات الأوان..
وجد "جبل" الطلقات تزداد للغاية وليس رجـ.ـا.لة الذين يقعون على الأرض جثث هامدة بل رجـ.ـال "طاهر" فنظر إلى "عاصم" باستغراب ليستمع إلى أصوات أهل الجزيرة الهاتفه بشراسة وعنف يتقدmون منهم بالسلاح يأتون من الخارج فكان من السهل عليهم هم أن يهزموهم..
استمد "جبل" قوته وعاد يحمد ربه وهو يقف شامخًا يركض بينهم بقوة يطـ.ـلق النيران و "عاصم" خلفه يحميه.. كالعادة بينهم
وقف كل منهما في ناحية يحاولون مجابهة الأمر بعدmا أصبح أسهل من السابق بكثير
نظر "جبل" إلى يمينه ليجد "طاهر" يقف متخفي ينظر إليه شامتًا موجهًا السلاح نحو "عاصم" فدفع به للخلف صارخًا وهو يطـ.ـلق النيران عليه بعشوائية..
دفع جبل "عاصم" واحتل مكانه ليتقابل مع "طاهر" ولكنه أطلق رصاصة خرجت من سلاحه لتصيب جسد "جبل" فصرخ "عاصم" بإسمه عاليًا وهو يُميل عليه يسنده رافعًا السلاح نحو "طاهر" لتنطلق من فوهة السلاح رصاصة تصيبه ليصـ.ـر.خ عاليًا كانت خرجت بحرقة من سلاح "عاصم" المذعور على صديقه الذي وقع بين يديه..
مر الوقت عليهم وهم على نفس الوضع، لم يغفل لهم جفن ولم ولم يتوقف انهمار العبرات منهما، مع ذلك الارتجاف الذي أصابهما ليحتل كيان كل منها والحـ.ـز.ن يتغلغل أكثر ليعبر الروح دافعًا بها سهم الرماية الملطخ بالسُم القـ.ـا.تل، فتتهاوى أرضًا ميقنه أن ما بعد النهاية آتي والفراق كُتب، والاشتياق سيكون إلى الأبد..
توقف إطـ.ـلا.ق النار منذ فترة وأصبح الصباح لتنظر إلى ساعة الهاتف، وقفت على قدmيها واقتربت من الدرج تصعد عليه بتأني أنفاسها غير منتظمة تشعر بالمـ.ـو.ت القريب لها هي أيضًا..
عينيها منتفخة وأنفها أحمر للغاية وجهها باهت وملامحها مرهقة وقفت أعلى الدرج محاولة أن تستمع إلى أي أصوات بالخارج ولكن لا فائدة عادت إليها زافرة بقهر وهي تبكي وتنتحب لتساندها شقيقتها بقوة يعلو صوتها تود الصراخ
لكن "زينة" لم تترك لها العنان لفعل ذلك بل أشارت لها بالصمت خـ.ـو.فًا من أن يكون أحد من هؤلاء المجرمين بالأعلى يستمع إلى صوتهم..
كتمت صوتها وهي تبكي تشوب عينيها الخيوط الحمراء التي تجعل مظهرها يبدو خاضع لإذلال لا مثيل له..
استفاقت الصغيرة على صوت بكائهما فنظرت إليهما باستغراب، طمست "زينة" على وجهها لتمحي عبراتها محاولة الثبات تقف على قدmيها لأجل من معها ففعلت "إسراء" المثل وهي تقف غير قادرة على الصمود أكثر ولكنها تضغط على نفسها بقوة..
توجهت نحو الباب تفتحه تتناثر الأتربة من عليه يبدو أنه مغلق منذ مدة كمثل هذه الغرفة، فُتح الباب بسهولة فنفضت يدها ببعضها وعادت للداخل ترفع الحقيبة مرتدية إياها على ظهرها تتمسك بالسلاح بيدها ثم سارت في الأمام تعود إلى الباب لتخرج منه قائلة بصوت مبحوح وعينان دامعة:
-امسكي وعد وخليكم ورايا
أومأت إليها شقيقتها التي تمسكت بيد الصغيرة بقوة وكأن هناك من يراقبهم ليأخذها من بينهم، استدارت "زينة" ترفع بصرها إلى سقف الغرفة تنظر إلى الباب الخشبي على أمل أن يُفتح ويعود إليها يجذبها مرة أخرى في عناق حاد كالذي قبله.. ولكنه يبدو كان عناق الوداع..
تحركت أمامهم تخرج من الباب وهم خلفها تشعل ضوء هاتفها تسير في الممر المظلم حتى تخرج من هنا إلى الغابة ثم إلى خارج الجزيرة..
سارت قليلًا ولم تتوقف عبـ.ـاراتها عن الخروج من مقلتيها ترفع السلاح بيدها تنظر إلى السرداب الذي تسير به معبأ بالأتربة وخيوط العنكبوت واقتربت فتحته لتخرج منه إلى أرض الغابة وهي تودع حياتها هنا..
تنفست الصعداء محاولة التماسك داعمة قلبها بذكرى واحدة فريدة بعقلها فلسوء حظها كالعادة لم تستطع أن تجمع الذكريات الجميلة معه..
ولكن هل هناك فرصة؟! ثبتت أقدامها في مكانها فجأة وتصلب جسدها بتشنج ولم تحرك بها إلا أهدابها بعدmا استمعت إلى اسمها يخرج بذلك الصوت الخشن الذي تعرفه جيدًا
استدارت بلهفة وقلق تنظر إلى الخلف لترى شقيقتها تفعل المثل ولم يكن أمامهم سواه، كان يقف على بعد منهم يلهث بعنف وكأنه كان يركض ليلحق بهم تغرق الدmاء ملابسه ولكنه يقف شامخ
تقدmت للأمام تتخطى ابـ.ـنتها وشقيقتها وهي تنظر إليه بلهفة واشتياق وكأن روحها التي سلبت منها بالقوة تعود إليها من جديد
سارت ببطء إليه وعيناها معلقة نحو عيناه الخضراء الباهتة، لم تستمر على هذا البطء بل ركضت سريعًا تتقدm منه ليقوم بفتح ذراعيه لها يستقبلها داخل أحضانه ولم تتأخر عن فعل ذلك بل ألقت بكامل جسدها عليه ليغلق يده جذابًا إياها بعنف وكأنه يبعثها إلى داخله..
ألقت السلاح الذي كان بيدها على الأرضية وهي تدفن وجهها في صدره تبكي بقوة بعد أن عادت إليها روحها بعودته فالأن فقط اعترفت بصدق، كل ما سبق كان مجرد حديث منها أما الآن كامل الصدق خرج منها وشعرت أنها حقًا تود أن تكون معه، ربما هو الفرصة الضائعة من بعد حياتها مع شقيقه التي كانت مجرد خديعة بالحب.. أما هو إلى اليوم لم يكذب بشيء يخصه حتى وإن كان أبشع ما يكون
شـ.ـدد بيده حولها يعزز احتضانها يضع يده خلف رأسها بين خصلات شعرها يحركها عليها والأخرى تحيطها، على الرغم من أنها مصابة بفعل تلك الطلقة التي خرجت من سلاح طاهر إلا أنه لا يشعر بألم بل يشعر بلذة قربها منه وروعة استنشاق رائحتها..
ينعم بهذه اللحظة التي لم تمر عليه سابقًا وهو يرى اللهفة ظاهرة في عينيها بوضوح، والاشتياق تلقي باسهمه عليه وهي تركض نحوه تتلهف للاقتراب منه وإشباع قلبها من نعيم وجوده جوارها وذلك الأمان الذي فقدته عنـ.ـد.ما سلمها السلاح بيدها قائلًا لها أن تعتمد على ذاتها.. إلى هذه الدرجة كان وجوده يشعرها بالدفء والأمان؟ كان هو حاميها وسارقها!..
أيعقل؟!..
عادت للخلف تنظر إليه بابتسامة واسعة ومازالت الدmـ.ـو.ع تغرق وجهها تسأله بنبرة خافتة:
-أنت كويس!
أومأ برأسه لها وهو يبادلها الابتسامة واضعًا يده على ذراعها قائلًا بحب:
-كويس.. يا حبيبتي
لا تدري أي شعور يجتاحها بعدmا استمعت إلى تلك النبرة الحانية مع نظرة عينيه الغرامية عليها، استمعت إلى صوت شقيقتها التي تقدmت منهم تسأله بتـ.ـو.تر وقلق:
-فين عاصم؟
ابتسم إليها هي الأخرى محاولًا أن يجعلها تطمئن قائلًا بصوت هادئ:
-موجود في القصر
هبط إلى الأسفل ينحني إلى الأمام يقبل وجنة الصغيرة بعدmا أقتربت منه بحب فلم يستطع حملها بسبب ضيق المكان، ابتسمت قائلة برقة وصوت هادئ:
-أنا مبسوطة أنك رجعت تاخدنا مكنتش عايزة أمشي
أجابها مبتسمًا بعد أن عانقها بحب وحنان:
-مش هسيبك تمشي
أشار إلى "زينة" بالعودة وأخذهم وعاد من جديد إلى نفس الغرفة الذي خرجوا منها ليجد "عاصم" يهبط الدرج متقدmًا منهم بعدmا أعتقد أنهم رحلوا ولم يلحق بهم "جبل"..
وقف على الدرج ثابتًا ينظر إلى حبيبة قلبه، سكينة أعماق فؤاده التي غابت عنه لكثير من الوقت ولم يراها عن قرب إلا الآن، عينيها يشوبها الحـ.ـز.ن ونظرتها نحوه باهتة مرهقة.. ملامحها متألمة خجلة ولكنها متلهفة عليه تنظر إليه بتعمق ثم ابتسمت بهدوء ورفق عنـ.ـد.ما أدركت أنه بخير ولم يصيبه شيء..
رأى "جبل" الحالة الذي كان عليها فتحدث بصوت خشن قائلًا بعد أن وقف يتبادل النظرات معها للحظات في صمت تام:
-عاصم.. أرجع يلا
أبتعد بنظره إليه غائبًا عن الواقع يومأ برأسه إليه ثم عاد إلى الأعلى ليقف يستقبل "وعد" بعدmا ساعدها "جبل" في الصعود على الدرج، ثم خلفها "إسراء"، أمسك بيدها بين كفيه يساعدها للخروج بينما تلك اللمسات الخفيفة منهما تكن كلمسات النيران أو صواعق الكهرباء تسبب ارتجافه للقلب لا مثيل لها..
وقفت "زينة" وجذبت شقيقتها ناحيتها ليأتي "جبل" هو الآخر يقف ثم نظر إلى "عاصم" قائلًا بجدية:
-روح أنت يا عاصم
ذهب وتركهم كما أمره "جبل" ليخرج يتابع ما يحدث في الخارج يصلحون ما أفسده ذلك الحـ.ـيو.ان ورجـ.ـاله..
باغتته "زينة" بسؤال جاد وهي تنظر إليه بعمق قلقة أن يحدث ذلك مرة أخرى:
-إحنا دلوقتي في أمان؟
أومأ إليها برأسه دون إجابة فسألته مرة أخرى باستغراب عن عائلته:
-فين طنط وجيدة وفرح.. وفين تمارا
عقب بجدية ناظرًا إليها بود:
-متقلقيش كلهم بخير وفي اوضهم
نظرت في محيطها ولم يكن إلا الدرج والحائط فعادت ببصرها إليه لتسأله:
-هو ايه اللي حصل
إلى هذه الدرجة فضولها يأخذها خلفه حيث ما يريد!، تنهد بصوت مرتفع وقال بجدية:
-هحكيلك بعدين.. أنتي متعبتيش؟
أومأت إليه برأسها إليه فسار مُشيرًا إليها أن يذهبوا ففعلت، صعد الدرج يذهب إلى غرفتهم وذهبت هي مع شقيقتها وابـ.ـنتها إلى غرفتهم لتطمئن عليهم أولًا ثم تتركهم، هبطت مرة أخرى إلى المطبخ لتأخذ بعض الشطائر إليهم فهم منذ الأمس لم يأكلوا شيئًا..
تركتهم بعد الاطمئنان عليهم ثم ذهبت إلى غرفتها، وجدته يخرج من المرحاض مرتدي بطال فقط يشجفف خصلات شعره بمنشفة فاردًا ذراعه الأيسر وهو نفس الذراع الذي كان مصاب به سابقًا ولكن هذه المرة كانت الإصابة في ذراعه من الأسفل..
عنـ.ـد.ما دفع "عاصم" وأخذ مكانه تحرك كثيرًا فخابت رصاصة "طاهر" وأتت فوق معصم يده تاركة إصابة بسيطة..
عبرت من جواره دون حديث فيبدو أن خـ.ـو.فها عليه واستنكارها لترك الجزيرة هما اللذان كانوا يدفعون بها إلى التقدm ناحيته وألقاء نفسها بين يديه..
دلفت سريعًا إلى المرحاض هي الأخرى لتنعم بحمام بـ.ـارد يزيل عنها عناء جلستها طوال الليل على أرضية صلبة كالذي كانت في الأسفل مع تلك الأتربة والغبـ.ـار الذي طبع على ملابسها ويدها..
بقيت بالداخل كثيرًا ثم خرجت بخجل وهي ترتدي رداء المرحاض بعد أن أنساها هروبها إلى الداخل أن تأخذ معها ملابسها...
نظرت بعينيها في الغرفة فلم تجد له أثر حمدت الله كثيرًا متقدmة من الخزانة تأخذ منها ملابسها عائدة مرة أخرى إلى الداخل كي ترتدي على راحتها فمن الممكن ان يأتي بأي لحظة.. ولكنه من الأساس كان يقف في الشرفة ينظر إلى الباب الذي تهشم زجاجة بسبب الرصاص الذي تناثر حولهم وينظر إلى بقاياه على الأرضية من الداخل والخارج..
ووقعت عينيه عليها وهي تخرج ببطء تبحث عنه بخجل ووجه متورد ثم أخذت ملابسها واختفت، لم تدري أنه رأى جمالها الذي لم ينجذب إليها لأجله أبدًا، ورأى رقتها التي لم يراها منها يومًا بل دومًا كانت تلك الشرسة العنيدة، رأى نظرتها البريئة والخائفة في ذات الوقت وكأنها صبية مراهقة أو زوجة في بداية زواجها خجلة من أن يكشف زوجها مفاتنها..
جلس على الفراش متنهدًا بعمق وكأن حمل ثقيل انزاح من على قلبه على الرغم من أن الخطر مازال يحاوطهم..
أتت هي الأخرى من الداخل بعد أن ارتدت ملابسها لتجلس جواره ولم تنتظر كثير بل قبل أن تجلس سألته بجدية:
-ممكن أعرف ايه اللي حصل
استدار بجسده ينظر إليها يجيب بفتور وصوت جاد:
-زي ما شوفتي يا زينة
تابعت عيناه واستغربت إجابته، أنها لم ترى شيء سوى تلك الرصاصات التي انهمرت فوقهم كالمطر وبعد ذلك لم تدري بشيء سألته مستفهمة:
-شوفت ايه فهمني.. دول مجرمين؟
أومأ برأسه إليها بالإيجاب يقول مسترسلًا في الحديث بصوت هادئ:
-ايوه، ده طاهر أكبر عدو ليا.. طول عمره بوق بس مش بيعرف يعمل معايا أي حاجه بس المرة دي عرف يعمل بسبب جلال
استمعت إلى الاسم فتـ.ـو.ترت قليلًا تنظر إليه بقلق محاولة الهدوء والثبات تكرر باستفهام:
-إزاي؟
قال بجدية شـ.ـديدة وداخله غضب مكبوت لا يستطيع إخراجه إلا عنـ.ـد.ما يمسك به بين يديه أن كان حيًا أو مـ.ـيـ.ـتًا:
-جلال لما هرب راحله وعرفه كل حاجه عن الجزيرة يدخل إزاي يخرج إزاي وكان السبب في أن ده يحصل لأن من المستحيل حد يقدر يدخلها ولا يعرف إزاي أصلًا ممكن يدخل
نظرت إلى الفراغ وتلك الكلمـ.ـا.ت تتردد على عقلها وبالأخص شيء واحد ارتبكت لأجله فلا تدري ما العواقب خلفه، تحدثت متسائلة:
-وهما فين بعد كل ده ما حصل
قال بإيجاز وصوته حاد:
-طاهر هرب.. وجلال مـ.ـا.ت
استنكرت صارخة تسأله بفزع فأثر الكلمة على جسدها عنيف جعله يرتجف بقلق:
-مـ.ـا.ت!
أومأ إليها برأسه دون حديث ينظر إلى الأمام وهي تتابعه بنظراتها المذكورة المستغربة للغاية فباغتته قائلة:
-هو بس!
حرك رأسه بالنفي فأكملت:
-اومال راحوا فين اللي مـ.ـا.توا
بمنتهى السهولة والبساطة التي يمتلكها تحدث بهدوء وتروي وكأن لم يحدث شيء من الأساس:
-الإجراءات كلها خلصت
هبت واقفة من على الفراش تنظر إليه بغضب حاد وعنف تأجج داخلها فرفع بصره إليها ولم تصل إليه معاني نظرتها إلا بالبغض لما قاله وفعله ولكنها صاحت بقسوة متهكمة غير قابلة لحديثه:
-إجراءات دفن مصرحة من جبل بيه العامري.. انتوا إزاي عايشين كده مستحيل.. اللي مـ.ـا.توا دول فين أهلهم
هتف بهدوء فهو حقًا لا يقوى على الجدال معها ولا يريد أن يرسل إليها فكرة أنه المجرم مرة أخرى فإن وجودها من الأساس معلق على هذا الخيط أما أن تبقى أو ترحل:
-زينة البوليس كان هنا وكل حاجه تمت على ايده
جلست ثانيةً تتابع باستغراب:
-إزاي
قال بجدية بسيطة لا يريد أن يطول الحديث بينهم:
-زي ما بقولك
نظرت إليه بشك وكأنها غير مصدقة ما قاله، كيف للشرطة أن تكون تابعت كل ما حدث وهو هنا مازال ومعه "عاصم" ومن المؤكد كل حراسه، كيف ذلك وهناك أشخاص لقوا مصرعهم أثر هذه الحرب الذي وقعت بينهم!.. من هو كي يفعل كل ذلك دون أن يشوبه شيء..
سخرت منه والكلمـ.ـا.ت تخرج من بين شفتيها بعنف وقوة:
-أنت كبير في البلد للدرجة دي علشان كل ده يحصل وأنت تفضل هنا في قصرك كده ولا كأن حاجه حصلت!
استشعر سخريتها فتعمق داخل عيناها يرى ما تحدث به نفسها، سهل عليه للغاية أن يتركها لحديثها وحريتها أو أن يخرسها كما كان يفعل في لمح البصر فلا تستطيع النظر إليه وسؤاله مرة أخرى ولكنه للأسف لا يريد ذلك، فقط يريد أن يكون ما تحب وما تريد وتهوى لذا قال مجيبًا عليها بجدية وصدق:
-أيوه كبير.. كبير الجزيرة والبلد كلها يا زينة، اللي حصل المرة دي مش بسببي أنا ولا ليا يد فيه علشان تبصيلي كده وترمي عليا اتهامـ.ـا.ت من تاني
سألته متحيرة في أمره وأمر ما حدث وهو مازال هنا، كيف إن كان حديثه صحيح:
-اومال عايزني أعمل ايه
أمسك بيدها برفق يتعمق داخل عيناه يقول تلك الكلمـ.ـا.ت التي يعلم أنها ستجعلها تصمت بعد أن تنهد بصوت مرتفع:
-عايزك تفهمي أن كل حاجه مشيت قانوني ومش قانوني من بتاعي لأ قانوني من بتاعك أنتي وأنا هنا علشان لازم أكون هنا
تابعت بشك أكثر ولكن في نفس الوقت تستشعر الصدق في حديثه فنظرت إلى يده التي تتمسك بيدها والأخرى جواره فسألته مشيرة إليها:
-حصلك ايه
أجابها بهدوء دون اكتراث:
-اخدت فيها رصاصة بس بسيطة ومش مأثرة عليا
سألته ثانية وهي تنظر إلى رباطها الطبي:
-مين ربطهالك
-الدكتور
قالها بإيجاز ووجدته ينظر إليها بـ.ـارهاق يزفر كلما سألته عن شيء ولكن في نفس الوقت يحاول مدارة ذلك وكل هذا وهي متغاضية تمامًا عن اعترافه لها بالحب فلا تريد أن تنجرف معه دون التعمق في حقيقة ما يفعله..
وعلى ذكر ذلك التي أتى على عقلها بدلًا من أن تقول أنها ستخلد للنوم وأن يفعل ذلك هو أيضًا مثل الجميع في القصر ولكنها خيبت ظنه بنظرتها المتعمقة نحوه تقول:
-أنت كنت عايز تقولي ايه قبل ما يحصل اللي حصل ده
ضغط على يدها بين يده، من خلال عيناه أرسل إليها لهفة أتت على حين غرة، أرسل لها شغف كان خامدًا اهتاج على ذكرها لحديثه، لأول مرة يشعر بأنه شغوف ناحيتة امرأة إلى هذه الدرجة..
خرج صوته رخيم هادئ:
-كنت عايز أقولك إني بحبك.. ومحتاجلك معايا
ابتلعت لعابها محركة أهدابها بكثرة تحاول الهرب بعينيها بعيدًا عنه، قالت بعد وقت جاهدت به أن يخرج صوتها متزنًا:
-كنت هتقول حاجه تانية
أومأ برأسه يؤكد حديثها قائلًا بهدوء:
-خليها لأوانها
ساقها فضولها إلى ما الذي كان سيعترف به إليها وشعرت أنه كان خطير للغاية أم مهم أكثر من قوله أنه مغرم بها فقالت بنفاذ صبر:
-أوانها كان امبـ.ـارح يا جبل.. قولي
مرة أخرى يضغط على يدها يهتف برجاء وصوت حاني:
-لأول مرة هقولك علشان خاطري... علشان خاطري متمشيش ورا فضولك وأنا هقولك كل حاجه في الوقت المناسب
تعلقت بعيناه ودق قلبها نابضًا بعنف وقوة عنـ.ـد.ما استشعرت شيء سيجعلها سعيدة تنال الفرصة الأخيرة المحبة إلى أن تعود امرأة معها رجل مثله وقالت متسائلة بلهفة:
-حاجه هتريح قلبي؟
أومأ برأسه مؤكدًا مبتسمًا بـ.ـارهاق:
-هتريحه يا زينة
ابتسمت باتساع بعدmا قال كلمتين فقط ولكن أثر سمعهما لا مثيل له وكأن قلبها من الأساس ارتاح ومكث في موضعه داخل قفصها الصدري مطمئن تاركًا خـ.ـو.فه جانبًا بعد أن لمح لها بما تريد
ابتلع غصة وقفت بجوفه ونظر إليها بعمق خائف متردد:
-لو قولتلك اللي عايزة ت عـ.ـر.فيه هتفضلي معايا
حركت رأسها للأمام تقول بصدق وهي حقًا بكل جوارحها تود أن تنال الفرصة لتبقى معه بعد أن دق قلبها إليه:
-أنا قررت والله خلاص إني هفضل معاك.. أنا عايزة ابقى معاك بأرادتي أنت لسه مشوفتش ده فيا؟
أجابها بهدوء:
-شوفته بس بكدب نفسي علشان عارفك
اتسعت ابتسامتها وهي التي تضغط على يده تطمئن قلبه بعد أن فعل المثل معها وما كان منها إلا أن ترده إليه قائلة بحب:
-مش هسيبك
رفع يده إلى وجنتها يحركها عليها بحنان ورفق، ينظر إلى سوداوية عينيها مباشرة تغوص معه في سحر عينيه الخضراء الذي لم تدركه إلا منذ فترة قصيرة، فلم تكن عيناه إلا شيء مخيف بالنسبة إليها..
أقترب منها على الفراش يتوق للمستها أكثر من هذا فأرجع يده للخلف لتتغلغل في خصلات شعرها تجذبها نحوه بهدوء وشغف..
هبطت بعينيها للأسفل عنـ.ـد.ما وجدت وجهه أمامها مباشرة لا يفصل بينهما شيء تستنشق أنفاسه اللاهثة وتشعر بمدى رغبته نحوها..
مال عليها ليقطف قبلة رقيقة، لأول مرة، لأول مرة بينهم بذلك الرضا والحب، لأول مرة تكون قبلة شغوفه مفعمه بالحيوية الممزوجه بالغرام الذي دفعهم للإقتراب أكثر والطمع في الأعمق من هذا
فصل قبلته التي دامت لحظات طويلة وأنفاسه تتسارع بعنف ولهفة، جسده يحترق من اقترابها الذي بحيره وكأنها تريده ولا تريده، نظرتها الخجولة نحوه كأنها وردة لأول مرة تتفتح ويراها البستاني..
دفعها للخلف برفق وهدوء ليتبعها مقررًا أن بعد حرب خسر بها الكثير واستنزفت من دmائه يكافئ نفسه بلحظات أكثر رومانسية لأول مرة بينهم وهي واعية تعلم ما الذي تفعله..
يأخذها بين يديه ليشعرها أنها المرأة الأولى والأخيرة بحياته، ولتبادله وكأنه أول رجل ولج إلى حياتها وتعيش معه لأول مرة مشاعر كثيرة مختلفة تداهمها بقوة وشراسة وهي بين يديه.. وقد كان هذا صحيحًا فهي قد نسيت كل هذا عنـ.ـد.ما قررت أن تكون أم فقط ولم تهتاج هذه المشاعر مرة أخرى داخلها إلا على يده..
أنفاس لاهثة بينهما ومشاعر مفعمة بالحب والغرام مليئة بالرغبة واللذة اهتاجت بينهم متناثرة في الغرفة بعد لحظة فراق كانت فاصلة بحياتهم لتبقى هذه أولى ذكرى وأول رحلة يغوصان فيها سويًا بذلك الرضا وتلك الإرادة الممـ.ـيـ.ـتة في التكملة للوصول إلى ذروة العشق لينال منها ما يجعله سعيد إلى الحد الكافي يبادلها ما ينسيها ما عاشته سابقًا إن كانت متذكرة..
عزيزي دعني أخبرك عن قصة رجل شرقي شامخ رأى امرأة حرة فعزم على ترويضها متخليًا عن كل مبادئه ليأتي بها دmية بين يده يحركها بين أصابعه كما يشاء، دعني أخبرك عن قصة قـ.ـا.تل، قــ,تــل كل مشاعره إلا حبه لها، محي كل ذكرى غرام سابقة من عقله ليحي ذكراها، عزيزي، دعني أخبرك عن قصة سارق، وعد أن يسـ.ـر.ق قلبها إن كان بالحب أو بالقسوة ليوفي بوعده مفتخرًا فلم يكن حب أو قسوة فقد كان أعلى مراتب الحب ألا وهو الجنون..
أتى الدور على قصة امرأة بعد الاستماع إلى قصة رجل لا مثيل له، لا بالمظهر أو بالشخصية، لا بنبرة صوته الغليظة الرجولية.. والهادئة الحانية..
امرأة عاشت أهم سنوات عمرها في خديعة مُرة، حطمت فؤداها، رفضت الإقتراب ورفضت الحب والغرام، وقفت شرسة قوية، عافرت للوصول إلى المبتغى مدافعة عن كل ما يخصها لتقف أمام ذئب بشري لم تطول في مجابهتها له حيث أنها باتت بين يديه.. في يوم ليلة!..
امرأة مع كل حقيقة تقع أمامها تتغير ناحيته فتراه ليس ذئب بل بشر، ثم رجل، ثم طفل يبكي بين زوايا أحضانها متخفي من دmار قلبه الشامل، تاركًا قسوة عقله بعيدًا عنه مجردًا من أفكاره معها لترى نفسها كوالدته، يتوجب عليها أن تعود به إلى الطريق الصحيح.. فلم يكن من بعدها إلا رجل عاقل تسير معه في دروب الحب، على الرغم من ذلك كانت متأكدة أن هناك شيء لم يكتمل بعد.. خيط ناقص وحقيقة مخفية..
❈-❈-❈
أصبح الوضع أكثر هدوءا بعد فترة، وتم السيطرة على كل شيء، كثف الحراسة في كافة أنحاء الجزيرة، مداخلها ومخارجها، لم يعطي الأمان لأي شخص يخـ.ـو.ن الجميع عدا من فدوه بأرواحهم وعدا أهل الجزيرة..
كل ما تم تخريبة أثناء تلك الحرب الدامية قام بإصلاحه، إلى أن عاد الوضع طبيعي كما السابق وأفضل ولكن إلى الآن عقله مشغول بذلك "طاهر" الذي لم ينشغل به يومًا لأنه كان على علم بآخر ما يستطيع فعله إلى أن خيب ظنه بمساعدة الخائن "جلال".. الآن لا يستطيع أن يصل إلى طريقه بعدmا كان يراه نكره لا يريد العثور عليه..
علم الجميع بخبر وفاة "جلال" ولم يحـ.ـز.ن عليه أحد، وكان من المفترض أن لا يحـ.ـز.ن أحد إلا "فرح" ولكنها لم يرف لها جفن، لم تحـ.ـز.ن عليه ولم تتذكره من الأساس، لم تهبط من عينيها دmعة واحدة بعدmا استفاقت مما فعلته بنفسها وبعائلتها على يده ذلك الحقير الخائن لم ينل إلا ما يستحقه..
شعرت أنه هو من دفعها لفعل كل ذلك وهي الغـ.ـبـ.ـية التي كانت متعطشة لعلاقه تقهر قلب "عاصم" بها ولم تقهر قلب أحد سواها..
وقفت "إسراء" في حديقة القصر تتحدث مع صديقتها عبر الهاتف وكانت هذه أول مرة تهبط إلى الأسفل بعد أن أذنت لها شقيقتها، أغلقت الهاتف بعد وقت وهو يقف على بعد قريب منها يتابعها بعيناي متعطشة مشتاقة إلى أبعد حد..
أحرقه صدره بتلك اللهفة الغريبة وأكلت النيران ما بقي منه شوقًا للقرب منها والنظر داخل عينيها الساحرة، وجدها تعود ذاهبة إلى القصر فركض بخطوات واسعة ليجذبها بعيدًا قليلًا يقف أمامها بنظرات ملهوفة غرامية..
خرج صوته الأجش قائلًا بحدة يتخللها الحب واشتياقه هو الذي يدفعه نحوها:
-ممكن أعرف بتتهربي مني ليه
نظرت إلى ذراعها القابض عليه بين يده بشـ.ـدة فعادت بعينيها إليها متصنعة الحدة التي لا تليق بها تهتف:
-أبعد لو سمحت
ترك يدها وكرر مستغربًا مسلطًا عينيه عليها باستغراب:
-لو سمحت!
وضعت يدها الإثنين أمام صدرها ووقفت تنظر إلى البعيد فلا تستطيع الصمود أمام نظرة عينيه التي تحتويها بكل حب:
-عايز ايه يا عاصم
تحرك بجسده قليلًا ليقف أمام وجهها الذي أشاحته بعيدًا عنه قائلًا بصدق مضيقًا عينيه عليها قاطبًا جبينه:
-عايزك، قسمًا بالله ما عايز غيرك
داهمت عيناه بقوة عينيها الزرقاء، تخلل الضعف نظرتها واهتز بدنها أثر نظرته ولكنها حاولت التماسك قائلة:
-أنت مصدق اللي بتقوله
ضيق ما بين حاجبيه أكثر وعاد للخلف ينظر إليها بقوة مستغربًا حديثها الذي لم يكن هكذا في السابق بل كانت تأمن له بكل حديثه وأيضًا اعترفت بحبها له:
-هو أنتي مكدباني
أومأت برأسها قائلة بحدة:
-أيوه
أشار بيده في الهواء متسائلًا عن السبب ثم أشار إلى نفسه راجيًا إياها بلهفة وعشقه الكبير لها الذي يتخلل روحه يدفعه نحوها رغمًا عنه:
-ليه طيب.. قوليلي ايه يثبتلك صدق كلامي وهعمله فورًا
أبصرته بقوة ووقفت ثابتة فباغتته بعنف:
-قولي أنت بتشتغل ايه
قال بهدوء مجيبًا إياها:
-بشتغل مع جبل
حركت زاوية شفتيها بسخرية ناظرة إليه بتهكم وعادت السؤال مرة أخرى:
-بتشتغل مع جبل ايه
نظر إليها باستغراب وما كاد إلا يتحدث لكنها قاطعته قائلة بخيبة أمل مترقرقة الدmـ.ـو.ع في عينيها:
-بتشتغل في السـ ـلاح؟ بتـ ـقــ,تــل الناس
صعق عنـ.ـد.ما استمع إلى حديثها، وقف ينظر إليها يتابعها بحدة وغرابة، كيف علمت ذلك؟ من تفوه لها بهذا الحديث، أقترب منها يقبض على يدها متسائلًا بحدة:
-مين قالك الكلام ده
جذبت يدها منه بعنف عنـ.ـد.ما شعرت بتغيره المفاجئ نحوها وصاحت أمامه:
-مش مهم مين قالي المهم إني عرفت
رأى أن قطته أصبح لها أظافر تخربش بها ولم تجد إلا هو لتجرب عليه مخالبها، زفر حانقًا وقال:
-أنتي فاهمه غلط
سألته بجدية منتظرة حقا أن تأخذ منه إجابة تجعلها تلقي بها في وجه شقيقتها وتلقي حديثها عرض الحائط:
-طيب ايه الصح
تـ.ـو.تر وهو ينظر بعيدًا عنها يحرك عينيه في الفراغ يردف بجدية:
-أنا.. أنا مش هقدر أقولك حاجه بس قسمًا بالله أنا بحبك
رقت ملامحها، عادت تلك الوديعة الرقيقة، اعتدلت في وقفتها وأدلت إليه باعترافها بنبرة خافتة حزينة:
-وأنا كمان بحبك يا عاصم
وجدته يبتسم وتتسع ابتسامته وقعت عليه الكلمـ.ـا.ت لتسكر بدنه ولكنها لم تجعله يدلف إلى تلك الحالة بل صاحت بجدية:
-بس مستحيل أكمل مع واحد شغلته أنه يقـ ـتل الناس
أشار إلى نفسه ينفي حديثها بضراوة:
-أنا مش بقـ ـتل حد صدقيني.. فهميني عرفتي الكلام ده منين
أجابته بهدوء:
-من زينة أختي
استرسلت في الحديث مكملة:
-قالتلي إنك أنت وجبل شغالين كده مع بعض
وقف صامتًا للحظات بعدmا علم كيف أتاها ذلك الخبر، أتى تفكيره صحيح أنها لن توافق عليه ليكون شريك حياة شقيقتها ولكنه والله يقــ,تــلها ويأخذها رغمًا عن الجميع.. أبعد هذه الأفكار سريعًا عن عقله عنـ.ـد.ما وجدها تنظر إليه باستغراب تتابع ملامحه المتغيرة..
سألها بنبرة حانية:
-أنتي بتثقي فيا صح؟
أومأت برأسها قائلة:
-أيوه بثق فيك
أكمل بجدية بعدmا لم يجد شيء يقوله لها كي تفهم أنه ليس ذلك الشخص البشع، حتى وإن كان يكذب ولكنه لن يتركها تذهب من بين يديه بسبب أشياء كهذه:
-طيب ممكن تديني فرصة أفهمك كل حاجه.. بس مش دلوقتي ممكن؟
نظر إليها برجاء فأومأت إليه بضعف بعد أن رق قلبها ناحيته فلا تريد أن يحترق قلبها أكثر من ذلك بعد أن اعتادت على وجوده معها في كل وقت..
ستعطيه تلك الفرصة التي يطلبها كي تعطي نفسها هي الأخرى وتعطي علاقتهم معًا، لا تريدها أن تخرب بهذه الطريقة أن كان عنده تبرير فلتنتظر لتأخذه منه ولن تتركه هو..
سألها بلهفة:
-هتكلميني؟
ردت قائلة وهي تتجه بعينيها إلى البعيد:
-هحاول
ابتسم وهو يراها تتهرب منه هاتفًا بصوت أجش رخيم:
-هستناكي تكلميني.. حشـ.ـتـ.ـيني و
كانت هذه البريئة حالة خاصة، فريدة من نوعها، لا تفقه شيء ولم تتصدى لمدفع سابقًا، هناك من يدير حياتها يسار نعم يمين مُجاب، رقيقة كالفراشة وديعة كالقطة، محبة كعصفور طائر يغرد بسلام.. عينيها بحر أو سماء أما تغوص أو تغوص، ملامحها تناديك إلى الأعمق تجذبك بسحر خاص بها يفتنك لتصبح عاشق ولهان.. فتهيم بها عشقًا دون أن تدري ما هي مميزاتها!..
تابعها بعيناه الحادة التي تلين لها فقط، شفتي غليطة طيلة الوقت لا يخرج منها الحديث إلا على هيئة صراخ حاد يتبدل حالها عند رؤيتها فيتحول الحديث إلى كلمـ.ـا.ت خافتة حانية تخرج بهدوء ورفق تربت على مسامعها بحنو، يقف أمامها بجسده الصلب فارع الطول الذي يكاد يبتلعها في كل مرة تقف أمامه ولكنه لا يلين ولا ينحني إلا لها كي تشعر أنه يتحول إلى ما تحب في الوقت الذي تحب لتبتادله ما تحب..
❈-❈-❈
في حديقة القصر، يجلس "جبل" على مقعد وبجواره "عاصم"، شاب فارع الطول وعريض المنكبين يبدو في الثلاثون من عمره، يقف أمامه كأنه أمام القاضي ينتظر حكمه، بجواره رجلان تخطوا سن الخمسون، فتاة صغيرة لم تتخطى الخامسة عشر عامًا جالسة بجوار سيدة كبيرة..
رفع "جبل" بصره إلى الشاب لينظر إليه بحدة قائلًا بغلظة وصوت خشن:
-أنت عارف قوانين الجزيرة.. البـ.ـنت قبل ما تتم العشرين سنة ملهاش جواز، اللي عملته ده تمرد؟
رفع عيناه السوداء لينظر إليه بملامحه الحادة ليس افتعال منه بل كانت هي هكذا على طبيعتها يًشير عليها بيده قائلًا بصوت هادئ:
-يا جبل بيه هي عفيه قدامك أهي.. عندها خمستاشر سنه وأبوها وأهلها موافقين ايه المانع
وضع "جبل" يده أسفل ذقنه في تلك الحركة المعتادة له ونظر إليه بسخرية ثم سأله متهكمًا ضاربًا حديثه عرض الحائط:
-أنت عندك كام سنة
أجابه وهو يطرق رأسه إلى الأسفل خجلًا من نفسه ولكنه مازال يعارض:
-خمسة وتلاتين
أعاد سؤاله الخاص بها وهو ينظر إليه:
-وهي كام
أجابه ومازال ينظر إلى الأسفل بضجر وانزعاج:
-خمستاشر
استنكر أجابته على أسئلته فهناك فرق شاسع بينهم، عشرون عام؟ كيف هو يتخطاهم وهيبط بتفكيره إليها أو يتحكم بعنفوان جسده وضخامته وكيف هي تصعد بتفكيرها إليه وتتعامل معه:
-يعني لو كنت اتجوزت بدري كنت خلفت قدها.. مش عيب عليك لما تتجوز واحده في سن ولادك، مش فاهم أنا.. فهماك إزاي؟ وبتتعامل مع الهلف اللي قدامي ده إزاي
أشار إليها مرة أخرى يرفع رأسه إليه متأكدًا من حديثه الذي يقوله:
-يا جبل بيه ماهي قدامك أهي في أحسن حال.. اسألها
نظر إليه "جبل" بسخرية يُجيب على حديثه بسخط:
-لأ ماهو باين عليها.. بس أنا وصلني أنها كانت رافضة هي وأمها الجوازة.. دي طفلة يا بجم
لكنه أومأ إليه موافقًا على حديثه قبل أن يستمع رده ليتجه إليها يسألها وعيناه معلقة على طفلة صغيرة محرج من نفسه لأنها تخيلها زوجة!:
-قوليلي يا شاطرة.. ايه اللي حصل
كانت تخفض رأسها إلى الأرضية وهي تستمع إلى حديثهم، عنـ.ـد.ما وجه الحديث إليها رفعت رأسها تنظر إليه محاولة انتهاز الفرصة للهرب من واقع مرير تعيش به مع وحش لا يرحم وعائلة لا تغفر، طلبات لا تنتهي وألم لا يزول.. وقع كبيرهم أمامها كالمنقذ الوحيد فلن تجعله يفلت من يدها..
حاولت تجميل صورة والدها وهي تضغط على يدها تقول بتـ.ـو.تر وقلق خـ.ـو.فًا من أن يصيبه مكروه على يده:
-أبويا مكنش عارف يصرف علينا علشان إحنا كتير، أنا وأخواتي خمسه والأكبر مني صبيان، طلعني من المدرسة وجوزني علشان الحمل يخف عليه
سألها بجدية مضيقًا عينيه عليها:
-أنتي كنتي موافقة
عقبت بهدوء وهي تبتعد برأسها إلى والدها الذي كان ينظر إليها بأسى:
-لأ أنا قولت لأبويا أنا كمان هشتغل بس هو موافقش
عاد يسألها وهو يُشير إلى زوجها:
-أنتي مرتاحه مع جوزك
أجابته سريعًا بالنفي دون التفكير حتى:
-لأ
نظر إليه بحدة وعنف وقد كذب حديثه الذي كان واثق منه فأخفض الآخر رأسه يبتعد بعيناه عنه، فعاد جبل إليها مرة أخرى يسألها:
-ليه
على الرغم من أنها فتاة صغيرة لا تفقه شيء إلا أن تلك المدة التي قضتها معه جعلتها صبية كبيرة لاقت بها قدر كبير من الألم الذي او.جـ.ـع قلبها وبدنها بالكامل وقابلت كثير من الأمور التي لم تستطع التعامل معها فقابلها بالضـ.ـر.ب المبرح:
-أما بيطلب مني حاجه معرفش أعملها بيضـ.ـر.بني، وأمه كمان بتضـ.ـر.بني وبيخليني أعمل حاجات عفشه بس أمي قالتلي أنه علشان جوزي عادي
نظر إلى زوجها بغلظة وقسوة شـ.ـديدة، طبيعي للغاية أن يكون هناك أشياء لا تفقها كيف وهي طفلة! ولما تتقابل بالضـ.ـر.ب منه ومن والدته؟ سيذوق ما ذوقها إياه ولكن صبرًا..
نظر إلى والدها قائلًا بجدية:
-أنت علشان مش عارف تصرف عليهم جوزتها؟
كان الرجل يخرج من عيناه نظرات الحـ.ـز.ن والألم، يقف يرتجف أمامه خـ.ـو.فًا مما سيفعله به لأنه كان على علم بتلك القوانين وقد كـ.ـسرها ظنًا منه أن "جبل" لن يصله الخبر.. قال بخفوت وضعف:
-يا جبل بيه جواز البنات سترة
تحدث "عاصم" ينظر إليه باستهزاء بعدmا استنكر حديثه ولكن في نفس الوقت شعر بخـ.ـو.فه وقلة حيلته:
-مش لما تبقى من البنات ياعم الحج، دي عيلة صغيرة قد بناته
ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعيناه وهو يقول مبررًا:
-يابني بتي واعية وعارفه كل حاجه وعفيه
سأله "عاصم" بجدية مضيقًا عيناه عليه ولم يقتنع بحديثه:
-يعني أنا يا حج لما اتجوز واحدة اتجوزها قد دي
أومأ إليه الرجل برأسه بالايجاب قائلًا بصوتٍ جاد:
-اللي ترتاحله وتريده أنت
هب "جبل" واقفًا صارخًا به بعنف وقسوة يُشير إليه بيده بهمجية وقد فارت دmائه بسبب ذلك الحديث الأحمق:
-واللي هي ترتاحله ايه؟ مش موجود في حساباتك
حاول والدها التحدث وهو يُشير إليه بيده ليتحدث:
-يا جبل بيه اسمعني
نظر إليه "جبل" بجدية وصرامة وتحرك أمامه ليقف شامخًا قائلًا بفتور:
-أنا عارف إنك مش ملاحق تصرف على ولادك بسبب ابنك المريـ.ـض بس أنا مقصرتش مع حد فيكم ولما حد بيقصدني مش برجعه خايب ده غير إن كل واحد فيكم بيوصله اللي هو عايزة وزيادة
أخفض الرجل رأسه إلى الأرضية خجلًا بعد حديثه الصادق، لم يقوى على الرد فصمت بضعف وقلة حيلة ليكمل جبل وهو يستدير ينظر إلى زوجها:
-انتهى الكلام، أظن قوانين جبل العامري محدش بيكـ.ـسرها ولا يتعدى عليها في الجزيرة واللي بيعمل كده بيبقى عارف أنه ليه عقـ.ـا.ب
أكمل حديثه مسترسلًا بقوة وصوت عالي حاد:
-الجزيرة ليها قوانين هنمشي عليها العمر كله.. جواز البنات قبل العشرين مش هيحصل طول منا موجود وضيف عليهم لو أكبر منها بعشر سنين ويوم مش هتتجوزه
سخر منه وهو يُشير إليه من أسفل قدmيه إلى أعلى رأسه يقول بتهكم وسـ.ـخط، منزعجُا مما فعله ذلك الغـ.ـبـ.ـي:
-بص لنفسك وأفهم.. وأنت عندك عشرين سنة كانت هي لسه بتتولد.. راجـ.ـل إزاي أنت تفهمك وتوصل لتفكيرك إزاي! تحـ.ـز.ن لحـ.ـز.نك وتفرح لفرحك إزاي دي آخرها تجيب ليها فشار وتشغلها فيلم كرتون
تقدm والده للأمام قليلًا خـ.ـو.فًا على ولده ليقول سريعًا متسائلًا بـ.ـارتجاف:
-اللي تؤمر بيه يا جبل بيه
أشار إلى الشاب بجدية وقسوة يخرج صوته بنبرة صارمة لا نقاش بعدها:
-هيتم الطـ.ـلا.ق النهاردة وتبقى تتجوز بعدين واحدة تناسبك وهي تستنى لما تتم السن أحسن ما تمـ.ـو.ت على ايدك
أكمل ناظرًا إليهم يحرك عينيه عليهما هما الاثنين تخرج الكلمـ.ـا.ت منه بتهديد واضح:
-وبعد ما تعملوا كده.. ترجعوا هنا تاني، مش هبعت معاكم حد ولا هغـ.ـصـ.ـبكم على حاجه أنا عارفه أنك أنت وهو هترجعوا وإلا مش هيحصل كويس
صرخ بشراسة عنـ.ـد.ما رأى كل منهما ينظر إلى الأرضية دون إجابة:
-مفهوم
أجاب الجميع في صوت واحد:
-مفهوم يا جبل بيه
أبتعد عنهم يفسح إليهم الطريق مردفًا بصوت جاد واثق:
-اللي يكـ.ـسر قوانين جزيرة العامري.. لازم يتحاسب
أشار إليهم بالذهاب فتقدm أحد الحراس يصتحبهم للخارج، ذهب الرجـ.ـال وخلفهم الفتاة الصغيرة المتشبثه في يد والدتها، رأت عيناه تلك الفرحة التي ظهرت فجأة على وجهها وهي تقف للرحيل، استشعر مدى حـ.ـز.نها وصمتها المتألم أثناء جلستها ورأى السعادة الخالصة وهي تنظر إلى زوجها نظرة غريبة لم يفهم معناها ولم تمر عليه سابقًا، ولكن يبدو أنه قام بفعل شيء رائع أسعدها إلى الحد الذي جعلها وهي راحلة تستدير تبصره بابتسامة ممتنة!..
كيف لفتاة في الخامسة عشر من عمرها لم تذهب حتى إلى سن المراهقة تكون زوجة لرجل في الخامس والثلاثون من عمره؟ كيف لأهل أن يوافقون على فعل ذلك؟ كيف يتخيل الرجل أنه سيكون سعيد مع فتاة بعمر ابـ.ـنته! تفهم ما يحـ.ـز.نه وما يسعده؟ تفهم ما يريده وما يبغاه؟ تفهم ما يريده منها كرجل؟ أي عقل وأي دين هذا!..
كانت زينة تقف في الأعلى ككل مرة يجلس هو بين الناس هنا يحكم بالعدل بينهم، تنظر إليه بحب لا تدري متى أصاب قلبها ناحيته، تتابع حركاته بتمعن تحفظ كل ما يصدر عنه وهو حكيم محب، عاقل ينصف الضعيف ويرد للمظلوم حقه..
والله إلى الآن تحتار في تكوينه، مشتت ذهنها بين ذاك الجبل الذي ارغمها على كل شيء وهذا الجبل الذي يقف أمامها ولكن بعد أن طمئن قلبها بأنه سيعترف بما تريد أن تستمع إليه، استكانت وتركت لقلبها العنان في التحليق معه في سماء حبه إليها..
والحقيقة الصادmة أنه في الأيام المنصرمة كان حقًا مُحب، رقيق في حديثه ومشاعره، حنون في تصرفاته نحوها يغير كل حرف كُتب عنه داخل عقلها وقد كان ما أراده..
ما علمته عن زوجها الراحل ساعدها في أن تنزع تلك الأصفاد الحديدية التي أحاطت بها قلبها ليعبر عن طريق ممر اسمه الحب يدلف بكل أريحية تتقابل معه في محطة الغرام تاركة نفسها إليه.. متعمقة معه بكل جوارحها مستغربة كيف للهوى أن يجعل مشاعرها جياشة في كل لحظة تراه لها وكأنها أول مرة لها..
لكن هذه المرة كانت مختلفة للغاية، عبرت معه كل طرق المشاعر إن كانت قسوة أو لين كره أو حب، كل شعور وعكسه لاذت به بجواره فأصبح قربها منه فريد من نوعه، وكل لحظة تمر بينهما تكن غريبة كليًا عليها تشعر بها لأول مرة..
دلفت من الشرفة لتنظر إليه بعدmا ولج إلى الغرفة، تقدm منها مبتسمًا ليقف أمامها محيطًا إياها بذراعيه يقربها منه قائلًا بشغف:
-حشـ.ـتـ.ـيني و
إلى الآن لم تعترف له أنها تحبه بل اعترفت داخلها بعد أن شعرت بما يقدmه إليها من مشاعر صادقة في الأيام المنصرمة، وقال لها أيضًا أنه ليس الرجل الذي يهتف كل لحظة والأخرى بكلمـ.ـا.ت الغرام بل هو جاد للغاية ولا يليق به هذا.. لكنه يتغير دون الشعور، ما يدفعه لفعل ذلك شيء عفوي للغاية ليخرج منه قليل من الكلمـ.ـا.ت تعبر عن واحد بالمئة مما يشعر به نحوها..
دفعته ببطء وهدوء للخلف تبتعد عنه قائلة بابتسامة تفصله عما كان يريد:
-هروح الحمام وجاية
شعر بالضجر وهو يبتعد عنها ناظرًا إليها بمكر ومشاكسة:
-اتفضلي.. كده كده جاية
ابتسمت بخجل وسارت إلى المرحاض فتقدm من الشرفة ليغلق بابها ثم عاد جالسًا في مكانها على الفراش رافعًا قدmه اليمنى على اليسرى ينزع حذائه عنه، ثم فعل المثل بالأخرى ومال للخلف يدفع بالوسادة بعيد كي ينام على ظهره متسطحًا منتظرًا إياها..
حرك رأسه على الفراش ليرى علبة دواء كانت أسفل الوسادة عنـ.ـد.ما أبعدها ظهرت أمامه، عاد جالسًا مرة أخرى متصلب الجسد يأخذ العلبة بين يديه ينظر إليها بصدmة تامة، اشتعلت النيران داخل صدره الذي أخذ يتنفس دون انتظام ونظرته على ما بين يديه قوية شرسة يخرج منها الشرار..
استمع إليها تغلق باب المرحاض فوقف مستديرًا لها ينظر إليها بحدة وغلظة، استغربت نظرته نحوها فأرسلت له علامـ.ـا.ت الاستفهام وهي تتقدm منه ليرفع أمامها ما بين يده يسألها بقسوة ونبرة خشنة:
-الحبوب دي بتعمل ايه عندك
تهكم ساخرًا يصيبها بعينيه المخيفة:
-مش حبوب منع الحمل بردو
وقفت مكانها عنـ.ـد.ما رفعه أمامها، لم تفعل شيء خاطئ ولكن نظرته نحوها وذلك الإنذار الذي دوى بأذنها جعل الرجفة تلقي بنفسها عليها لتصبح في سائر جسدها تبادلة النظرات ولكن غير خاصته تمامًا بل كانت نظرات مدهوشة خائفة، متـ.ـو.ترة من القادm عليها منه بعدmا علم بأمر ما تخفيه عنه..
❈-❈-❈
"يُتبع"
↚"دقت طبول الحرب والحب"
ابتلعت غصة تشكلت بحلقها وهي تناظر عيناه بقوة لم تستطيع أن تُجيب عليه وهو ينظر إليها فقط فاعتقدت إنها عادت معه مرةً أخرى إلى بداية الطريق بعدmا وصلوا سويًا إلى نقطة المنتصف، تقدm منها عنـ.ـد.ما وجدها تقف تنظر إليه بهذه الطريقة دون أن تنبث بكلمةٍ حتى!
أقترب من موضعها ليقف أمامها رافعًا الأقراص أمام وجهها هاتفًا بقوة وينظر إليها بتمعن شـ.ـديد:
-أنتي بتاخدي الحبوب دي؟
ازدرد ريقها بصعوبة تبلل شفتيها بطرف لسانها تنظر إليه بقوة ثم أردفت بإرتباك وإيماءة:
-أيوة
ضيق عينيه مُردفًا بتساؤل وهو يقترب أكثر:
-ليه؟
عادت للخلف بتـ.ـو.تر ترتجف بشـ.ـدة من اقترابه منها بهذه الطريقة ونظرة عيناه المحدقة بها بشـ.ـدة لم تفهم معناها لتقول بثباتٍ مصطنع:
-كده يا جبل.. ده قراري
نهرها بحدة غير مُصدقًا ما وقع على مسامعه من قولها التي أعطاه غير أهمية بحياتها:
-لأ مش قرارك.. أنا جوزك لو هتخلفي فـ زي ما أنتي هتبقي الأم أنا الأب ولا هو اللى هيجي جاي بالاشعار
استنكرت حديثه باشمئزاز فتحدثت بإمتعاضٍ:
-ايه الهبل اللي بتقوله ده
قطب جبينه بتساؤل وعاد يقف امامها مُشيرًا بسبابته نحو صدره ومازالت الأقراص بيديه:
-هبل؟ أنا كلامي هبل من أي إتجاه إن شاءلله
أكمل مسترسلًا بجدية:
-مش أنا إللي بشاركك اللي بيحصل ولو خلفتي طفل مني هبقى أنا أبوه؟
اجفلت بعينيها ثم نظرت إليه مُستشعرة حدته في الحديث كأنه يعنفها على فعلتها الشنيعة فتحدثت بنبرة هادئة بعض الشيء:
-مش قصدي كده
سألها مضيقًا عينيه:
-اومال قصدك إيه؟
تنهدت مبتعدة عنه بضيق وأجابت:
-جبل أنا قررت إني مش هخلف منك على الأقل لفترة معينة
جذبها من رسغها بقوة لتتلاقي الأعيُن قائلًا بإحتدام:
-القرار ده مش بتاعك لوحدك علشان تاخديه، أنا لازم أوافق عليه أو موافقش.. طالما أنتي مراتي ووافقتي إنك تفضلي معايا وبادلتيني نفس الشعور يبقى من حقي أعرف وأوافق أو أرفض
سألته بلا مُبالاة:
-وأنت هترفض ليه؟
ترك يدها يرمقها بحدة لحديثها اللاذع:
-علشان من حقي يبقالي طفل زي ما أنتي ليكي الحق إنك أم
وقفت معتدلة تناظرهُ بذهول بعد حديثه بإستنكار بما تفوه به مستطردة بطريقة هجومية:
-أنت معتبر وعد بـ.ـنتي لوحدي؟
بدى كَ رجلٌ عاقل، مثقف وحكيم لأول ومرة تراه هكذا، كأنه مستكمل مسيرته الدراسية حقًا! يقف يتحدث بهدوء على الرغم من أنها اعتقدت أن هناك حرب ستنشب بينهم تتابعه فتحدث بإيجاز:
-لأ أنا مقولتش كده.. وعد بـ.ـنتي أنا كمان بس حتى اللي مخلف واحد بيبقى عايز التاني، فملهاش علاقة بعتبرها ولا لأ ولما تخلفي ليا مرة هبقى عايز تاني
بترت حديثه قائلة بجدية لإنهاء هذا النقاش الحاد:
-أنا مش هخلف دلوقتي يا جبل
جذبها مرة أخرى واحتدت نبرته أكثر وهو يراها لا تدعمه بقراره بتاتًا، بل تريد أن تفعل ما ترغب به دون اللجوء له:
-محتاج أفهم ليه؟. مش خلاص اتنازلتي عن خروجك من الجزيرة وطلبتي ده بنفسك وطلبتي تكملي معايا ولا هو جواز لحين إشعار آخر؟
حررت يدها من قبضته القوية بصعوبة قائلة بضجر:
-جبل أنت مش فاهمني ارجوك أفهم
زفر الهواء من رئتيه محاولًا الهدوء قليلًا قبل أن تفتك بها، يحمل العديد والعديد بطياته كي يكون على هذا الوضع الهادئ فلا يستطيع فعلها بسهولة بالأخص أنها راوغت معه في الحديث:
-فهميني
تنهدت بعمق وهدوء تبادله ما يفعله ولكنها تدرك جيدًا بإنها على حق والقرار خاص بها وحدها فقالت بتوجس:
-أنا لحد دلوقتي بردو معرفش أنت بتعمل ايه؟.. قولتلي آه هتريحني لكن لسه معرفش وأنا مش هربط نفسي بطفل منك إلا لو اطمنت فعلًا وعرفت الحقيقة فين
استنكر كلمة واحدة خرجت من شفتيها ووقعت على مسامعه لتكن كالنشاز فصاح بها:
-تربطي نفسك؟ لأ أنتي خلاص بقيتي ملكي يا زينة مش محتاجه عيل يربطك بيا
اغتاظت من بروده لتصيح بعصبية فارطة تشير بيدها نحوه:
-أنا مش ملك حد .. أنا حرة
صاح مقتربًا بهمجية حتى بات الحديث بينهم يهدئ تارةٍ ويشتعل تارةٍ أخرى:
-لأ مش حرة
عادت للخلف أكثر لتستند إلى الحائط بظهرها فاقترب هو الأخر يحاوطها بجسده يناظر وجهها وكافة ملامحها قائلا بعمق:
-أنتي مراتي.. ملكي وكل حاجه فيكي ملكي أفكارك بقى تصرفاتك كلامك جـ.ـسمك شكلك.. كل حاجه ملكي ومش هتنازل عنها بسهولة... إلا لو خونتيني
دفعته كي يتزحزح قليلًا لتستطيع النظر إليه ترفع وجهها إليه باستغراب شـ.ـديد تسألت:
-خونتك! ايه اللي بتقوله ده؟
أقترب مرة أخرى قائلًا بإزدراء:
-أنا مقصدش الخيانة اللي جت في دmاغك.. اللي تتجوز جبل العامري متعرفش تشوف راجـ.ـل تاني غيره.. بس الخيانة أنواع
صرخت حينما ضغط عليها بذلك الحديث الشرس، ترك كل شيء وتحدث في شيء آخر من المستحيل فعله!
-أنا قولتلك قبل كده أنا مش غدارة ولا بتاعت خيانة
تابعها بشك مضيقًا عينيه:
-أنتي اتعصبتي ليه.. إحنا بـ.ـنتكلم
تفوهت بجدية ضارية:
-علشان كلامك وحش.. وبعدين نرجع لموضوعنا أنا مش هخلف منك غير لما أعرف عنك كل حاجة
أومأ برأسه مؤكدًا حديثها الغير لائق:
-حقك.. بس أنا مش موافق وهتوقفي الحبوب دي يا زينة.. سمعتي؟
سألته بقوة مستنكرة:
-أنا ايه يجبرني وبعدين ما أنت بتقول حقك أهو
تنهد بصوت مرتفع وهو حقًا لا يستطيع التمهُل أكثر فخرج صوته بنفاذٍ صبر:
-اللي يجبرك إني جوزك وليا حق الاختيار زيك بالظبط وأنتي اختارتي ونفذتي لوحدك وأنا جه دوري..
تنهد مرة أخرى وهو يراها تنظر إليه بعصبية وغضب لا يروق لها حديثه فتحدث بجدية ينبهها بهدوء:
-صدقيني أنا مش كده.. أنا بحاول اتغير علشانك، فبلاش أنتي يا زينة واسمعي الكلام
كرمشت ملامح وجهها وظهر الأسى عليها لتقول بقلق وانزعاج من ضغطه عليها بهذه الطريقة:
-صدقني أنت أنا مش هقدر أخاطر بالطريقة دي.. جبل أنا حياتي معاك مش مستقرة أصلًا كفاية وعد أنا حاطه أيدي على قلبي وهي معايا هنا
رد بجدية متفهم حديثها:
-أنا أقدر احميكم كويس واظن إني عملت كده
حاولت أن تستعطفه ناحيتها وهي تقول بنبرة راجية:
-علشان خاطري أسمع كلامي..
اعتدل بوقفه وقال بصوت جاد لا يحتمل النقاش وبصرامة و