رواية انا لها شمس هي رواية رومانسية تقع احداثها بين فؤاد وايثار والرواية من تأليف الكاتبة روز امين
رواية انا لها شمس من الفصل الاول للاخير بقلم روز امين
شخصيات رواية «أنا لها شمس»
عائلة غانم الجوهري
البطلة:
إيثار غانم الجوهري، تبلغ من العمر ثمانيةً وعشرون عامًا،ممشوقة القوام تمتلك جسدًا أنثويًا تُخفي معالمهُ خلف الثياب العملية التي ترتديها دائمًا والمكونة من بِذَل نسائية كلاسيكية مما أعطاها مظهرًا جادًا أكدته تلك النظارة الطبية التي ترتديها بجانب رسمها للجدية فوق ملامحها،تمتلكُ عينين واسعتين ذات أهدابٍ كثيفة مما جعل من عسليتيها ساحرة لمن ينظر بهما رغم إكفهرار ملامحها طيلة الوقت،تخرجت من كلية التجارة قسم إدارة أعمال لتعمل مديرة مكتب لشركة عريقة في مجال الإستيراد والتصدير، مُطلقة ولديها طفل يُدعى يوسف في السادسة من عمره
والدها:
غانم محمد الجوهري، رجل بسيط أمّي، فلاح مكافح يمتلك قطعة أرض صغيرة استطاع من خلالها تربية أولاده الأربع بشرف ونزاهة، ضعيف الشخصية أمام ابناءه وزوجته لذا اختار الصمت للنأي بحاله من المناوشات والجدل الذي لا يجدي نفعًا معهم
الأم:
-منيرة عبدالحليم، إمرأة في بداية عقدها السادس بسيطة التفكير تعشق أبناءها الذكور وتفعل كل ما بوسعها لأجلهم وتضحي بالغالي والنفيس حتى بإبنتها الوحيدة في سبيل مستقبل أفضل لذكورها
الشقيق الأكبر لإيثار:
-عزيز غانم،في نهاية العقد الثالث من عمره متسلط جشع يحقد على شقيقته كونها استطاعت إكمال دراستها الجامعية بينما هو حصل على مؤهل متوسط
-نسرين"زوجة"عزيز"البالغة من العمر الثانية والثلاثون عامًا لديهم ثلاثة أبناء،غانم البالغ من العمر الثانية عشر و جودي ثمانية أعوام والإبنة الصغرى سما ذات الخمس سنوات.
الإبن الثالث:
-وجدي البالغ من العمر الخامس والثلاثون،حنون لكنه يتحرك باتجاه التيار وللمصلحة العامة يشبه أبيه كثيرًا بطباعه، متزوج من نوارة التي تصغر إيثار بثلاثة أعوام، لديه ولدان،خالد وأيهم
الإبن الثالث"أيهم"البالغ من العمر الرابع والعشرون
********
عائلة علام زين الدين
البطل:
-فؤاد علام زين الدين
وكيل للنائب العام، ذو الستةُ والثلاثون عامًا،يتمتع بملامح رجولية جذابة،شخصية قيادية صارمة يمتلك كاريزما ولباقة وقدرة فائقة على إدارة الحديث بشكل لافت للاهتمام،ممشوق القوام يتمتع بجسد رياضي جذاب،بشرته حنطية وجههُ مستطيل يمتلك عينين حادتين سوداويتين ورموشٍ كثيفة،ولحية نامية محددة يعتليها شارب خفيف زاد من وسامته، مغرور بعض الشيء، كاره للنساء نتيجة لتجربة مر بها هدmت كيانه وهزت ثقتهُ بحاله حينها ولولا قوته وقوة عائلته التي ساندته بكل ما لديها من قوة لتدmر كُليًا وما عاد كما رأيناه مجددًا
والدهُ:
-سيادة المستشار "علام زين الدين"أحد أعضاء هيئة المحكمة الدستورية العليا، رجل حكيم رصين يمتلك من القلب والعقل ما أوصلاه لذاك المنصب الراقي
والدته:
-دكتورة" عصمت الدويري" أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة، إمرأة راقية عاقلة حكيمة تعشق نجلاها
شقيقته:
-"فريال"إبنة الثانية والثلاثون عامًا،فقد إختار علام اسماء نجله وابنته تيمنًا بأسماء ملوك مصر السابقين لكي يصبح شأنهم بأهمية اسمائهم
متزوجة من"ماجد "المعيد بكلية الحقوق ذاتها التي تعمل بها والدة زوجته، يسكن معهم بنفس القصر ولديه طفلان، بيسان وفؤاد
*********
عائلة نصر البنهاوي
طليق إيثار:
-عمرو أصغر أبناء نصر البنهاوي والمدلل لدى العائلة،يبلغ من العمر الخامس والثلاثون متزوج من"سُمية"ذات الثمانية والعشرون عامًا ولديهما طفلة وحيدة تُدعى"زينة "ذات الأربع سنوات
الاب:
-نصر البنهاوي رجل ظالم،ترشح ليُصبح عضوًا بمجلس الشعب ليتخذ من عضويته تلك ستارًا لتجارته الغير مشروعة بتهريب الأثار
زوجته:
-إجلال ناصف، إمرأة قوية لا تملك قلبًا وتعشق عمرو لكونه الوحيد الذي ورث ملامح والدها الحاج ناصف التي تعتز بكونها ابنة ذاك الاسطورة من خلال وجهة نظرها
الشقيق الأكبر لعمرو:
-طلعت الذي تخطى عامه الاربعون، زوجته ياسمين ولدية ثلاثة فتيات
الشقيق الاوسط:
-حسين وزوجته"مروة"ولديهما طفل وطفلة
********
عائلة أيمن الاباصيري مدير الشركة التي تعمل بها إيثار والذي تخطي عامه الستون بخمسة أعوام،يمتلك قلبًا حنون مما جعله يتخذ من إيثار كإبنة له نظرًا لظروفها الخاصة
- زوجته" نيلي" إمرأة جميلة مدللة،لديه إبن يُدعى أحمد طبيب جراح ويمتلك مشفى استثماري خاص به أسسها له والده، زوجته "سالي"
-لارا إبنة أيمن سنتعرف على قصتها لاحقًا
الفصل الاول 1
داخل مدينة كفر الشيخ تحديدًا بإحدى قراها المتمدنة بحكم قُربها من المدينة،تجلس تلك السيدة الخمسينية أمام أحد مواقد الغاز لتخبز خُبزها بيداها وتُلقيه فوق الساج الساخن ليتم عملية خبزه قبل أن يفيق زوجها وابنائها ليتناولوا طعام إفطارهم منه،أقبلت عليها زوجة ولدها الأوسط وتُدعى "نوارة"تبلغ من العمر الخامسة والعشرون لتتحدث بتثاؤب:
-صباح الخير يا ماما، مخبطيش عليا ليه علشان أساعدك في الخبيز؟
تحدثت السيدة بأنفاسٍ لاهثة نتيجة مجهودها المبذول:
-خفت لـ وجدي يصحى وأقلق نومه،ده يا حبة عيني راجع من الجبل وش الفجر هو وعزيز
تنهدت" نوارة" لتتحدث بإِسْتِياء:
- والله يا ماما ما عارفة أخرت اللي بيعملوه ده إيه،اللي إسمه عمرو وابوه دول مبيجيش من وراهم خير،واللي بيعملوه ده غلط ولو اتقفشوا هيروحوا في سين وجيم.
إلتفت سريعًا نحوها لترمقها بازدراء ونظراتٍ نارية لتهتف بحِدة ناهرة إياها:
-تفي من بقك يا غراب البين إنتِ،جاية من صباحية ربنا تفقرى على ولادي زي البومة؟
اهتزت بوقفتها لتتحدث بـ.ـارتباك ظهر بصوتها:
-والله مااقصد يا ماما،أنا بتكلم من خوفي عليهم
حولت المرأة سريعًا وجهها للموقد لتهتف غاضبة بعد أن اشتمت رائحة قوية لحريق الخبز:
-وادي الرغيف إتحرق من كلامك اللي زي السِم
لتستطرد حانقة:
-إخفي من خلقتي وانجري على المطبخ حضري الفطار قبل الرجـ.ـا.لة مـ.ـا.تصحى، ومتنسيش تصحي المعدولة التانية.
حاضر... نطقتها بتـ.ـو.تر قبل أن تنسحب هاربة من بطش تلك التي تتحول لغول عنـ.ـد.ما يخص الأمر بأولادها، أو بالأدق أنجالها الذكور التي تعشقهم وتضحي لاجلهم بالغالي والنفيس، فهم أغلى ما لديها وحسب ما تربت أن الذكر لابد أن يحظى بكل الرعاية وجميع الحقوق، تلك هي أفكارها السوداء وقناعاتها الخاطئة
بعد مدة كانت تُلقي بأخر قطعة من العجين داخل الموقد لتتفاجيء بنجلها البكري وأول من رأت عيناها المسمى بـ "عزيز"والبالغ من العمر التاسعة والثلاثون ليقترب عليها وهو يتحدث بنبرة جادة:
-صباح الخير يا أم عزيز
صبحك بكل خير يا عزيز... نطقتها منيرة بابتسامة سعيدة لتستكمل حديثها بلهفة واشتهاء:
-ها،طمني، عملتوا إيه إمبـ.ـارح؟
لسة شوية يا أما، دعواتك بالتساهيل... نطقها بهدوء ليسترسل بنبرة جادة:
-المهم طمنيني، عملتي إيه في الموضوع إياه، عمرو مش مبطل زن
أغلقت زرائر الموقد لتقف تُلملم ما حولها من فوضى وهي تحدثه بطمأنة:
-حاضر يا عزيز، النهاردة هكلمها وربنا يسهل ودmاغها تلين
-لازم تلين يا أما، وإلا ورحمة الغاليين أكـ.ـسرلها دmاغها الناشفة ولا هيهمني زعل أبويا ولا كلمته...زفر ليستطرد:
-ما أنتِ عارفة اللي إسمه عمرو وجنانه، ده مش بعيد لو المصلحة طلعت قبل ما موضوعه يتم يتحجج وميديناش حقنا ولو عطانا أكيد مش هيدينا النسبة اللي إتفقنا عليها
الواد شاري يا أما، يا ريت تعقليها بدل ما أفقد أنا عقلي وأروح أجيبها لك من شعرها
-ربنا يسهل يا ابني... نطقتها بعدmا حملت بعضًا من الخبز داخل سلة وتركت المتبقي مفرودًا ليهدأ لتتحرك نحو بهو المنزل لتضع السلة أرضًا بجانب منضدة الطعام الأرضية وتتحدث لزوجها الجالس أرضًا بجانب تلك المنضدة:
-صباح الخير يا أبو عزيز
ردد بهدوء دون ان ينظر لها:
-صباح النور يا"منيرة "
هتفت تصيح لزوجتي نجليها "نسرين"زوجة"عزيز"البالغة من العمر الثانية والثلاثون عامًا وأيضًا"نوارة"زوجة"وجدي":
-هاتوا الاكل وحطوه على الطبلية على ما أصحى أيهم علشان يلحق شغله هو كمان
تحركت وجلس عزيز بجانب والده الذي تحدث باستنكار:
-مش هتبطل جري إنتَ وأخوك ورا إبن نصر البنهاوي يا عزيز
استاء عزيز واكفهرت ملامحه ليستكمل الأب بتوجس:
-بطل الطمع اللي فيك ده وارضى باللي ربنا رزقك بيه
—البحر يحب الزيادة يا حاج...نطقها باقتضاب ليجيبه الاخر:
-ده لما تكون زيادة حلال،مش سرقة أثار البلد
قالها بـ.ـارتياب ليجيبه الاخر بلامبالاة واطمئنان ظهر فوق ملامحهُ الساكنة:
-دي مش سرقة، دي لقية يا حاج يعني حلال مية في المية، وبعدين أنا هخرج مبلغ لله من نصيبي اللي هيطلع لي
رمقه بازدراء ليتحدث بيقين:
-الله طيب لا يقبل إلا طيب يا متعلم يا بتاع المدارس
تملل بجلسته لتتحدث منيرة التي انتوت مساندة نجلها والدفاع عنه كما دائمًا تفعل:
-مالك بس يا حاج،متروق كدة يا اخويا وادعي لهم بالتساهيل، خير ورزق ربنا بعتهُ لهم علشان يوسعوا على عيالهم وعلينا
لتستطرد باستنكار:
-نقوم إحنا نقول له لاء ونقفل بابنا في وشه!
-إنتوا الكلام معاكم زي قلته،و.جـ.ـع قلب على الفاضي... نطقها بقلة حيلة وضعف كعادته ليقطع حديثهم وجدي الإبن الثاني البالغ من العُمر الخامسة والثلاثون قائلاً:
-صباح الخير
رد الجميع الصباح وتلاه الدخول الإبن الثالث"أيهم"البالغ من العمر الرابعة والعشرون حيث تحدث بصياح كعادته:
-فين الفطار إتأخرت على شغلي
وجه الأب اليه حديثه الهاديء:
-استهدى بالله يا ابني واصبر لما يجيبوا الأكل من المطبخ
جلس الأبناء الثلاث والتف الأحفاد حول الطاولة،أولاد عزيز الثلاث،غانم البالغ من العمر الثانية عشر و جودي ثمانية أعوام والإبنة الصغرى سما ذات الخمس سنوات، وأبناء "وجدي"الذكرين،خالد وأيهم، بدأ الجميع بتناول الطعام قبل أن ينصرف كُلٍ إلى وجهته
_________________
بالجهة الاخرى بنفس القرية
يجلس رجلاً ذو هيبة على رأس طاولة كبيرة مرصوص فوقها الكثير من الأصناف التي تدل على ثراء ساكني هذا المنزل، تجاوره زوجته قاسية الملامح والتي يبدوا عليها القوة من إكفهرار وجهها وصلابة جسدها، يقابلها بالجلوس نجلها الاكبر "طلعت" ويجاورهُ الشقيق الأوسط"حسين" حضرت زوجتيهما ياسمين ومروة بعدmا اتموا جلب جميع الطعام من المطبخ بجانب الخادmة وجلستا استعدادًا لتناول وجبة الفطار، بعد قليل دخلت من باب الحجرة "سمية" زوجة "عمرو" الإبن الأصغر ممسكة بيدها إبنتها الوحيدة "زينة"صاحبة الأربع سنوات والتي لم تنجب بعدها وهذا ما جعلها تتردد على الاطباء كثيرًا كي تتعجل بالحمل بطفلٍ أخر، اقتربت وهي تقول بابتسامة زائفة:
-صباح الخير
رد الجميع الصباح عدا ذاك الـ"نصر" الذي هتف بملامح مقتضبة:
-البيه جوزك منزلش علشان يفطر ليه؟
تحمحمت لتجيبهُ بصوتٍ مرتبك لقوة ذاك الرجل وتجبره:
-عمرو لسة نايم يا عمي،وجيت أصحيه رفض، أصله جه متأخر إمبـ.ـارح كان سهران مع الرجـ.ـا.لة في مزرعة المواشي
بعينين كالصقر هتف بما جعلها تنكمش على حالها:
-اللي يسمعك بتقولي كدة يقول سهران بيشتغل، مش بيحشش هو وشوية الصيع اللي ملموم عليهم
نظرة مشتعلة شملته بها تلك المتجبرة المدعوة بـ "إجلال"لتزمجر باستياء وهي تنظر لزوجات أبناءها في مغزى:
-مش وقت الكلام ده يا حاج نصر...وبرغم جبروته مع الجميع إلا أنها الوحيدة التي لا يستطيع مجابهتها ولا مراجعة قراراتها ويرجع ذلك لقوة عائلتها التي منحته جميع الصلاحيات ليصبح على ما هو عليه الأن،فقد تزوجها وهو موظف إداري بسيط في وزارة الزراعة فسحبه والدها معه إلى التنقيب في الجبال والبحث عن الاثار الفرعونية لبيعها حال العثور عليها للتجار المختصين ليقوموا بتهريبها بطريقة غير شرعية خارج البلاد مما يضر باقتصاد البلد واثارها التي لا تقدر بثمن، اتقن"نصر" العمل ونال شهرة كبيرة بعدmا تمرس بالموضوع واصبح ذو شهرة عالية بين لصوص الاثار،ثم ساعدهُ عمها في الدخول إلى عالم السياسة عن طريق ترشحهُ لمجلس الشعب ليُصبح سيادة النائب وينال من السلطة والنفوذ ما يكفي ليحمي به تجارته القذرة وتجارة عائلة زوجته،لذا فهو لا يجرؤ على إغضابها كي لا ينال عقـ.ـا.ب أسياده وأصحاب الفضل عليه،وتلك هي نقطة الضعف التي استغلتها"إجلال"لصالحها طيلة سنوات زواجها به وللأن
وإنتِ...نطقتها بحدة موجهة حديثها إلى "سمية "لتسترسل أمرة:
-إطلعي صحي جوزك وقولي له ينزل حالاً
بس يا مرات عمي...توقفت لتبلع باقي حديثها عنـ.ـد.ما زمجرت الأخرى هاتفة بعينين تقطرُ شرًا:
-أنا قولت لك قبل كدة ألف مرة إني مبحبش أعيد كلامي، الكلمة اللي اقولها تتنفذ من سكات.
أطرقت برأسها برعـ.ـبٍ لتترك إبنتها لزوجة عمها الكُبرى"منى"وتنسحب سريعًا عائدة للأعلى لتدخل مسكنها وتتجه صوب غرفة النوم حتى اقتربت من ذاك الممدد بطريقة عشوائية فوق التخت لتهتف بنبرة غاضبة وهي تلكزهُ بكتفه بطريقة حادّة:
-قوم يا عمرو بيه كلم أبوك تحت، مخدتش من وراك غير التهزيق على الصبح
اتتفض من نومه بفزع لينظر إليها بعينين جاحظتين مستفسرًا:
-فيه إيه يا سمية في ليلتك اللي مش فايتة؟!
أبوك مستنيك تحت على الفطار...رمقها بازدراء قبل أن ينزل بجسده ليتمدد من جديد ويسحب الغطاء عليه قائلاً بلامبالاة:
-قوليله كان سهران في المزرعة ونايم.
جذبت من فوقه الغطاء بحدة لتردف باستنكار:
-قولت له يا بيه، واتمسخر عليا وعليك قدام إخواتك ونسوانهم العقارب، والست أمك بهدلتني ليه وليه اللي بقولها ده نايم وتعبان، قالت لي تطلعي تصحيه وتخليه ينزل حالاً
هتف رامقًا إياها بنظرة غاضبة:
-إحترمي نفسك وإنتِ بتتكلمي عن الست" إجلال"بنت الحاج "ناصف" سِيد البلد كلها
واستطرد مهددًا بابتسامة ساخرة:
-ولا تحبي اقولها عن الطريقة اللي إتكلمتي بيها عنها واسلمك ليها تسليم أهالي؟
ابتلعت ريقها ونظرت إليه قائلة بصوت مضطرب لتجنب بطش تلك الحية ولتيقنها من تفاهة زوجها:
-وتهون عليك سمية يا عمورتي، ده أنا حُب العمر ولا نسيت؟
-أيوة كدة إظبطي... نطقها بابتسامة نصر ليسترسل:
-جهزي لي الغيار اللي هنزل به على ما أدخل الحمام ارش وشي بشوية ماية عشان أفوق
بعد مدة قصيرة كان يجلس بجوار شقيقاه يتناول طعامه بتملل وضيق شعر بهما والده ليتحدث بذات مغزى:
-عملت إيه في الموضوع اللي اتكلمنا فيه من إسبوع؟
رفع رأسه ليتطلع عليه قائلاً بعينين ملتمعتان بزهو الامل:
-بدأت اتصرف يا حاج،وقريب قوي هتسمع الاخبـ.ـار الحلوة
-أما اشوف هتفلح المرة دي ولا هترجع لي إيدك فاضية زي كل مرة... قالها باستهجان ليهتف الاخر بعدmا شع الامل بعينيه اكثر:
-المرة دي غير كل مرة يا حاج، أنا اتبعت مقولة الزن على الودان أمر من السِحر
قطبت جبينها لتهمس بجانب أذن زوجها تجنبًا لسماع والداه:
-موضوع إيه اللي عمي طالبه منك يا عمرو؟
ابتسم ساخرًا على فضول تلك المتحشرة ليجيبها بتسلي:
-مهو قدامك اهو،مـ.ـا.تسأليه؟
زفرت بضيق من طريقته المستفزة التي دائمًا ما يتبعها معها لتعود لتناول طعامها بضيق والفضول يكاد ان يقـ.ـتـ.ـلها،نظرت إجلال لذاك المقابل لها بالجلوس،نجلها المدلل والأقرب لقلبها لما يمتلك من ملامح ورثها عن والدها والتي تعتز بكونها إبنة لذاك الإسطورة من وجهة نظرها،لذا فهي تعشق عمرو ويظل الأقرب لها وكل ما يتمناه ويطرأ بباله ينفذ في الحال،بسطت يدها بصَحن معجون ثمار الفراولة لتقول بابتسامة حانية:
-خد يا حبيبي المربى اللي بتحبها، خليت فتحي الغفير ينزل المركز مخصوص وقلب لي الدنيا على الفراولة لحد ما لقاها
تناول منها الصحن ينظر له بشهية مفتوحة ليتحدث بابتسامة واسعة وهو يُلقبها بلقبها المحبب لديها والذي يُشعرها بقيمة حالها والغرور:
-تسلم إيدك يا "ستهم"
ابتسامة ساخرة خرجت من جانب ثغر "طلعت" الإبن الاكبر ليهتف متهكمًا:
- شوفت يا سيدي غلاوتك عند الست إجلال بجلالة قدرها،مهنش عليها إنك سألت على المربي إمبـ.ـارح ومكنتش موجوده، بعتت الغفير اتشقلب في المركز وطلع بالفراولة مع إنه مش أوانها، وكل ده علشان خاطر عيون مدلل عيلة البنهاوي
واستطرد بنبرة عاتبة:
-مع إني قايل لها إن نفسي في الكوارع ليا شهر ولا عبرتني
تحدثت بابتسامة بـ.ـاردة لامرأة لا تمتلك قلب:
-نسيت يا سي طلعت،إيه،هتعلق لي المشانق؟!
-العفو يا ستهم ، ماعاش ولا كان اللي يقدر يحاسب ست البلد والمركز كله...رفعت قامتها بخيلاء ليتحدث نصر قائلاً:
-عاوزك تتابعي مع عمرو في الموضوع إياه يا "إجلال"
بابتسامة شامتة حولت بصرها لتلك الجالسة بجوار زوجها لتتحدث بذات مغزى:
-متقلقش يا سيادة النايب، مسافة شهر بالكتير وكل اللي أمرت بيه هيتنفذ
لتسترسل بغرور:
-ما أنتَ عارف لما "ستهم" بتحط حاجة في دmاغها
ابتسامة تفاخر ارتسمت فوق ثغره ليقرب كفه من خاصتها الموضوع فوق الطاولة ليربت عليه قائلاً بامتنان:
-طول عمرك سدادة وبمـ.ـيـ.ـت راجـ.ـل يا بنت الحاج "ناصف"
ابتلعت ما في جوفها من طعامٍ بصعوبة بالغة لاستشعارها أن هذا الحديث يخص غريمتها الحقيرة لتبتسم "مروة" زوجة الإبن الأصغر وهي تنظر عليها بشمـ.ـا.تة مما جعل داخل الاخرى يشتعل لترمقها بازدراء، انتهى الفطور وانسحبت النساء إلى المطبخ ليصنعن مشروب الشاي لوالداي ازواجهن وللجميع، لتبدأ العاملات بجمع بقايا الطعام من فوق الطاولة وتنظيف المنزل
-مقولتليش يا ست مروة، كنتي بتضحكي على إيه وإحنا على الفطار؟... سؤالاً حادًا وجهته لها لتقول الاخرى بذات مغزى مما زاد من اشتعالها:
-على نفس السبب اللي خلى اللقمة وقفت في زورك وكنتي هتفطسي
-بلاش تتلائمي عليا يا مروة، إنتِ مش قد اذيتي،أنا قرصتي والقبر... نطقت جملتها بنبرة تهديدية لتبتسم الاخرى مجيبة بتهكم:
-مش هينفع تقرصيني يا سلفتي،لايجوز شرعًا... قالت جملتها الاخيرة وهي تحرك عُنقها لتهتز رأسها بطريقة ساخرة مع إطـ.ـلا.قها لضحكة استهزائية ليشتعل وجه الأخرى مما جعلها تهجم عليها بدون عقل وكادت أن تجذبها من تلابيبها لتكيل لها الضـ.ـر.بات قبل أن تقف ياسمين زوجة طلعت حائلاً بينهما لتقول بعنف:
-مـ.ـا.تتلمي ياختي منك ليها، إنتوا إتجننتوا، هتضـ.ـر.بوا بعض وحماكم ورجـ.ـالتكم قاعدين برة!
هتفت سمية وهي تحاول الفكاك من بين قبضتي "ياسمين":
-سبيني عليها المرة السو دي وأنا أعرفها مقامها صح
أفلتت ياسمين يداها لتهتف مشيرة إلى مروة:
-شكلك ناوية على طـ.ـلا.قك النهاردة يا سلفتي، وأدي مروة قدامك إعملي فيها ما بدالك، علشان ستهم تيجي على حِسك العالي وتطين عيشتك، وبدل ما أنتِ خايفة وقاعدة منتظرة البلا ليحصل، تبقى سهلتي عليهم المهمة والبلا فعلاً هيحصل، بس وإنتِ قاعدة زي البيت الوقف في بيت أبوكِ
لتبتسم ساخرة مستطردة بذات مغزى:
-ما أنتِ عارفة قانون نصر البنهاوي، اللي تتجوز عيل من عيالة يحرم عليها صنف الرجـ.ـا.لة من بعده، وكأن اللي بيدخل عليها واحد منهم بتتوشم بوشمه اللي لا تقدر تمحيه حتى النار
ابتلعت ريقها بازدراء وتراجعت للخلف لتذهب الاخرى إلى الموقد وتبدأ بسكب المشروب داخل الكؤوس مسترسلة:
-أيوة كدة إعقلى
لتتحرك بالصنية وتناولها إياها بحدة قائلة:
-خدي يا حبيبتي الشاي طلعيه برة
كان صدرها يعلو ويهبط بفضل شعورها العظيم بالغضب،حولت بصرها لترمق تلك المروة المبتسمة بشمـ.ـا.تة قبل أن تتناول الصينية الممدودة متحركة للخارج بغضب،اتجهت"ياسمين " بنظرها إلى"مروة "لتقول بنبرة حانقة:
-وإنتِ يا مروة،مش هتبطلي كيد النسا اللي فيكِ ده؟
بررت الأخرى موقفها قائلة بتنصُل:
-وأنا كنت جيت جنبها يا"ياسمين "، ما اللي حصل كله كان على يدك،دي واحدة مـ.ـجـ.ـنو.نة وعلى راسها بطحة
زفرت الأخرى لتهتف بحِدة:
-بلاش تستفزيها أحسن لك، وإديكي قولتيها بنفسك، واحدة مـ.ـجـ.ـنو.نة، والجنان بيزيد عليها لما الموضوع يخص" عمرو"وحكايته القديمة،فياريت تخليكِ إنتِ الأعقل وبلاش تجُري شكلها
اكتفت مروة بنفس الابتسامة الساخرة لتنسحب إلى حوض المطبخ لتتابع جلي الصحون تحت غضب الاخرى من كلتا الغـ.ـبـ.ـيتان اللتان تعيشا معها بنفس المنزل
_________________
بالقاهرة الكُبرى
إنتهى من ارتداء رابطة عنقه وعقدها بتمرس ورتابة ليجذب بحِلة بدلته السوداء من فوق عليقة الملابس مرتديًا إياها ليتحرك صوب مرأة زينته ممسكًا بفرشاة شعره ليصففهُ بعناية، أعاد الفرشاة إلى موضعها ليلتقط قنينة عطره المميز وبدأ ينثر فوق ذقنه وعنقه،بات ينظر لهيئته الجذابة برضا تام،تحسس ذقنه النابته ثم نظر لشعر رأسه الفحمي مرورًا بعينيه السوداويتين كثيفة الأهداب وبشرته الحنطية التي جعلت منه جذابًا عن المعتاد، ثم نزل بنظره على صدره العريض وتقسيمـ.ـا.ت جسده الرياضية ليبتسم بمرارة حينما تذكر ماضيه الأليم، قطع شروده استماعه لبعض الطرقات الخفيفة فوق باب جناحه ليهتف برزانة مخاطبًا الطارق:
-إدخل.
فُتح الباب لتظهر منه سيدة أنيقة ترتدي بذلة نسائية تدل على وقار تلك المرأة بعامها التاسع والخمسون ذات الشعر البُني القصير المظهر التي وما أن رأها حتى ظهرت إبتسامة سعيدة على محياه لتتحدث هي بنبرة حنون:
-صباح الخير يا سيادة المستشار
-صباح النور يا حبيبتي...نطقها صاحب السادسة والثلاثون عامًا بابتسامة وهو يقترب عليها ليقوم بتقبيل رأسها بوقار،تحدثت باعجاب:
-ده إيه الشياكة دي كلها
-أنا إبن دكتورة عصمت الدويري أستاذ القانون الجنائي، فطبيعي أكون شيك ومميز زيها... نطقها باعتزاز لتضحك بسعادة قائلة:
-طول عمرك شاطر في الكلام وبتعرف تغلب بيه اللي قدامك
نظر لها ليقول بثقة:
-بس ده مش كلام يا ماما، أنا حقيقي طول عمري فخور بيكِ وواخدك مثال وقدوة للست الناجحة من وجهة نظري
واستطرد بإطراء:
- ست بيت وزوجة وأم عظيمة، وفي نفس الوقت أستاذة جامعية شاطرة، قدرت توصل لإنها تكون من أكبر الاساتذة في مادة القانون الجنائي على مستوى جامعات الحقوق في مصر كلها
تنهدت بهدوء لتتحدث بتمنى:
-فاضل لي أمنية واحدة وأكون حققت كل أحلامي يا فؤاد، وإنتَ الوحيد اللي قادر تحققها لي
-ومع ذلك مستخسرها فيا زي ما تكون صعبان عليك راحة قلبي...قالت كلمـ.ـا.تها الأخيرة بكثيرًا من التأثر والألم لينسحب من أمامها متجهاً صوب تلك المنضدة الجانبية جاذبًا من فوقها حقيبة جلدية باللون الأسود تحتوي على أوراق هامة خاصة بعمله كنائب في النيابة العامة ليتحدث متهكمًا:
-إبتدينا الوصلة الصباحية اللي مبتخلصش، كنت عارف إن زيارتك لأوضتي مش مجرد زيارة عادية، واللي توقعته حصل يا دكتورة
قالت بنبرة متأثرة:
-بتلومني علشان خايفة على مصلحتك يا فؤاد؟
واستطردت بنظراتٍ جالدة لذاته:
-إمتى بقيت أناني كدة، هو أنا مبصعبش عليك؟!
طب بلاش أنا، بباك اللي عاش عمرة كله يبني في إسمه وتاريخه ويجمع في ثروته وجيت إنتَ علشان تكمل مسيرته، مش شايف إن من أبسط حقوقه يكون له إمتداد لإسمه؟!
هتف بحنقٍ بعدmا تحولت ملامحهُ لشرسة:
-سبق وإتكلمنا في الموضوع ده وقولت لحضرتك إن موضوع الجواز والخلفة شيلتهم من حساباتي نهائي، كفاية عليا اللي شفته من تجربتي المُرة اللي عيشتها
تعمق بمقلتيها ليستطرد لائمًا بملامح مكفهرة:
- ليه عوزاني أعيش نفس الأذى تاني؟!
-مش كل الستات زي... كادت أن تكمل لولا تحركه السريع نحو الباب وهو يتحدث متمللاً:
-نفس الإسطوانة المشروخة بتاعت كل يوم،ياريت توفري على نفسك وعليا الكلام وتسيبيني أتحرك علشان أشوف شغلي،وحضرتك كمان لازم تتحركي علشان تلحقي طلابك بدل ما تتأخري عليهم يا دكتورة
-إهرب زي كل مرّة، هي عادتك ولا هتشتريها... نطقت بها بحدة ليتابع هو مروره بالممر المؤدي للدرج دون تعليق، بعد قليل ولج إلى غرفة الطعام، وجد والدهُ سيادة المستشار "علام زين الدين"أحد أعضاء هيئة المحكمة الدستورية العليا،مترأسًا الطاولة تجاوره نجلته"فريال"إبنة الثانية والثلاثون عامًا،فقد إختار علام اسماء نجله وابنته تيمنًا بأسماء ملوك مصر السابقين لكي يصبح شأنهم بأهمية اسمائهم، يجاور فريال زوجها"ماجد "المعيد بكلية الحقوق ذاتها التي تعمل بها والدة زوجته ولقد تعرف عليها من خلال زياراتها المتكررة لوالدتها بعملها وأُعجب بها وطلبها للزواج وكان شرط علام الوحيد للموافقة على تلك الزيجة هو مكوث ماجد معهما بالمنزل ويرجع هذا لحب وتعلق علام بنجليه، يليهما بالجلوس إبنتهما بيسان ذات الاعوام الست ولديها أيضًا طفل رضيع أطلقت عليه اسم" فؤاد" لتُدخل السرور على قلب والديها اللذان حرما من حفيد لنجليهما الوحيد ليسرا به نظريهما
تحدث وهو يقترب من مقعده المجاور لوالده:
-صباح الخير يا باشا
أجاب بوجهٍ مقتضب كعادته يرجع لجديته في الحياة:
-صباح الخير يا سيادة المستشار
ألقي تحية الصباح على شقيقته وزوجها ليسأله علام بعدmا رأي دخول" عصمت"وملامحها التي توحي بمدى غضبها:
-مالكم على الصبح، أصواتكم عالية ليه؟
-مفيش حاجة سيادتك، دي دكتورة عصمت كانت بتصبح عليا كعادتها... جملة ساخرة نطقها وهو يغرس شوكته بأحد صحون الجُبن لينقل منها بداخل صَحنه، تنهدت عصت وجلست بجواره لتبدأ بتناول طعام فطورها باقتضاب، تحدثت فريال إلى شقيقها:
-إنتَ مبقاش نافع معاك أي كلام يا فؤاد، لحد إمتى هتفضل تاعب قلوبنا معاك بالشكل ده؟
-أكلي جوزك واهتمي بيه يا حبيبتي، وياريت تصُبي كل تركيزك عليه، الرجـ.ـا.لة بتزهق من عدm الإهتمام وبتطلع تدور عليه برة لو نقص جوة... نطق بها متعمدًا تغيير الموضوع لتهتف فريال بتذمر تشتكي لوالدها:
-شايف يا بابا كلامه
-كبري عقلك يا فريال، اخوكِ بيهزر معاكِ... هكذا أجابها والدها بتعقل لتتحدث بعناد:
-لو فاكر إن كلامك ده هيخليني أبطل أخاف على مصلحتك تبقى غلطان، وهفضل وراك لحد ما دmاغك تلين وتتجوز يا فؤاد
ابتسم ليتحدث بملاطفة:
-قول لمراتك تخليها في حالها وبلاش تحشر مناخيرها في حياة غيرها يا دكتور
تحدث ماجد مبتسمًا بلباقة:
-خرجني انا من بينكم يا سيادة المستشار، إنتوا عيلة واحدة والداخل بينكم خارج
تحدث علام بصدقٍ:
-إنتَ كمان من العيلة يا ابني، من يوم ما اتجوزت فريال وأنا بعتبرك إبن تالت ليا
-متشكر يا باشا، ده شرف كبير ليا سعادتك...جملة نطق بها "ماجد" لتستكمل على حديث زوجها "عصمت"قائلة بتهكم على نجلها:
-سيادة المستشار عنده حق يا ماجد،على الأقل إنتَ مريحنا مش واجع قلوبنا زي ناس
ابتسم بجانب فمه ليرتشف أخر رشفة من فنجان الشاى وتحدث وهو يهم بالوقوف:
-أنا شايف إن انا انسحب علشان حرب الكلام بتاعة كل يوم شكلها هتبتدي، وأنا بصراحة عندي قضية مهمة ومحتاجة ذهن صافي
تحدث علام برزانة:
-أقعد كمل فطارك يا فؤاد
أمسك بمحرمة ورقية وقام بتجفيف فمه ثم أجاب والدهُ بوقار:
-أكلت الحمدلله يا باشا،لازم أتحرك حالاً علشان عندي تحقيق في قضية مهمة ولازم أجهز لها
وقبل أن يتحرك تمسكت بكفه لتتحدث بحنان:
-من إمتى وإنتَ بتروح شغلك قبل ما تشرب قهوتك؟
لتستطرد بعينين مترجيتين بعدmا شعرت بأنه ينسحب بفضل ضغطهم عليه:
-أقعد كمل فطارك على ما سعاد تعمل لك القهوة
ربت فوق كفها وتحدث بابتسامة هادئة:
-صدقيني يا حبيبتي معنديش وقت للقهوة، هبقى أشربها في المكتب
نطقها وتحرك للخارج تحت شعور عصمت بالذنب لتتحدث نادmة:
-شكله زعل من كلامنا
تحدث ماجد باستحياء:
-بصراحة يا دكتورة حضرتك وفريال تقريبًا بتكلموه يومياً في موضوع الجواز وأكيد حاجة زي دي بدأت تضايقه وتخـ.ـنـ.ـقه
لف وجههُ لزوجته واستطرد لائمًا:
-وأنا أكتر من مرة لفت نظر فريال بإنها حتى لو هتفاتحه فميكنش قدامنا
زفرت فريال بضيق لشعورها بالنـ.ـد.م وأيضًا والدتها التي نكست رأسها ليتحدث علام بنبرة هادئة:
- يا جماعة فؤاد عقله مش صغير علشان يزعل من كلامكم، هو أكيد عنده شغل مهم
واستطرد عاتبًا:
-بس ده ميمنعش إن ماجد عنده حق في كلامه
تنهدت عصت لتهم بالوقوف وتحدثت:
-أنا رايحة الكلية، عندي محاضرة الساعة عشرة
أنا جاي مع حضرتك... نطق بها ماجد ليقف ويقبل رأس زوجته ونجليه ثم تحركا معاً وبعدها ذهب علام لعمله وظلت فريال بمفردها بصحبة طفليها والعاملين حيث أنها لم تعمل بشهادة بكالوريوس العلوم الحاصلة عليه وفضلت المكوث بالمنزل لرعاية صغيريها والاهتمام بنفسها وزوجها وكل ما يخص عائلتها الكبيرة
_________________
بمحافظة القاهرة الكُبرى
في تمام الساعة الرابعة مساءًا
بأعلى واجهة مبنى زُجاجيًا ضخمٍ،ناطحة سحاب مثلما يطـ.ـلقون عليه، توجد لافتة كبيرة كُتب عليها إسم شركة الأباصيري للأستيراد والتصدير باللون الذهبي ليدل على فخامة وعظمة الإسم وصاحبه،نتجه داخل المبني وتحديداً داخل مكتب مدير الشَركة "أيمن عزمي الأباصيري" البالغ من العُمر الخامسة والخمسون من عُمره،يبدو على هيئته الهيبة،يرتدي حلة ذات ماركة عالمية تدل على ثراءه الفاحش، تقف بجوار مقعد مكتبه شابة بعمر السابعة والعشرون،ترتدي بدلة سوداء عملية أشبه بلباس الرجـ.ـال لتتناسب مع شخصيتها الجادة بنظارتها الحافظة لنظرها ليكتمل وقارها وشخصيتها الحادة التي اتخذتها نهجًا لها منذ أن قررت الإستقلال بذاتها،يعتلي رأسها حجاباً أنيقًا وبسيط
تنظر بترقُب من خلف نظارتها الطبية علي قلم مديرها الذي يتحرك بخفة فوق الأوراق المطلوب توقيعها وتُقلبها له واحدة تلو الأخرى،تحدث الرجُل بتملُل بعدmا أصابهُ الضجر من كثرة عدد الأوراق:
-وبعدين يا إيثار،أنا زهقت، هو الورق ده ناوي مش يخلص النهاردة ولا إيه؟
أجابتهُ بنبرة جادة كعادتها مُنذ أن عملت معهُ قبل الثلاثة سنوات:
-مش فاضل غير ورقتين بس يا أفنـ.ـد.م.
بالفعل وضع إمضاءه على تلك الورقتين ليقوم بـ.ـارجاع ظهره الى الخلف مغمضاً عيناه كي يحصُل علي قسطٍ بسيط من الراحة قبل مغادرتهُ للشركة،أغلقت هي ملف الأوراق وأحتفظت به بيدها وبكل حرفية أمسكت باليد الأخرى الهاتف الموضوع فوق المكتب وتحدثت قائلة بنبرة صارمة:
-كريم،تعالى حالاً علي مكتب ايمن باشا علشان تاخد الشنطة
أغلقت ثم نظرت إلي أيمن لتتحدث بوقارٍ واحترام:
-أي أوامر تانية يا أفنـ.ـد.م؟
أجابها بوجهٍ بدا عليه الإرهاق:
-متشكر يا إيثار،تقدري تروحي لمكتبك علشان تجهزي نفسك وتروحي
أومأت له لتتحدث برصانة وهي تتأهب للإنسحاب خارج حُجرة المكتب:
-بعد إذن حضرتك
استدارت وتحركت صوب الباب ليوقفها صوتها الهاديء:
-أخبـ.ـار يوسف إيه يا إيثار؟
إستدارت لتجيبهُ بابتسامة خافتة:
-بخير يا أفنـ.ـد.م الحمدلله
سألها باهتمام:
-اللي اسمه عمرو ده لسة بيضايقك؟
تنفست بهدوء لتجيبه بملامح وجه مبهمة:
-أخر مرة شوفته فيها كان من إسبوعين،لقيته مستنيني تحت العمارة وأنا راجعة من الشغل، هددته لو ما ممشيش هتصل بالبوليس ومن وقتها مشفتوش تاني
لتكمل بنبرة بائسة:
-للأسف، مش مبطل إسلوب الضغط عليا بكل الطرق المشروعة والغير مشروعة
اجابها وهو يحمل أشياءه الخاصة:
-منصب أبوه مقوي قلبه،لو اتعرض لك تاني واتجنن وجالك إتصلي بيا وانا هعرف اتصرف معاه،الاشكال اللي زي دي محتاجة تتعامل بشـ.ـدة علشان تحترم نفسها
تنهدت بأسى وهي تومي برأسها بموافقة ثم تحركت للخارج ولملمت أشيائها وقامت بوضعها داخل حقيبة يدها،صدح صوت جوالها لترفعه لمستوى عينيها وما ان رأت نقش اسم المتصلة حتى زفرت بقوة واكفهرت ملامح وجهها بامتعاض،تجاهلت الرنين لتخفيه بداخل حقيبتها،تحرك إليها كريم ذاك الشاب العشريني الذي تعين سائقًا لصاحب الشركة منذ ما يقارب من العام وقد حظي بثقة إيثار به وهذا ما جعل الجميع يتعجب حتى إيثار بذاتها استغربت لكونها رسمت الجمود فوق ملامحها وارتدت شخصية جدية لتضع حدودًا بينها وبين الجميع لم يستطع أحدهم تخطيها،لكنها سمحت لذاك الكريم بكـ.ـسرها ربما لظروفهُ التي تشبهها حيث تخلى عنه جميع اهله ليشق طريقه ويفحر بالصخر كي يستطيع العيش بكرامة،مثلما فعلت تمامًا،تحرك صوبها ليتحدث بابتسامتهُ البشوشة كعادته:
-أزيك يا استاذة إيثار
بهدوء أجابت:
-الحمدلله يا كريم، أخبـ.ـارك وأخبـ.ـار خطيبتك إيه، لسة محددتوش ميعاد الفرح؟
تحدث بنبرة حماسية:
-قريب إن شاءالله، فاضل لنا الغسالة والبوتجاز وكدة الشقة ميبقاش ناقصها حاجة.
بابتسامة خافتة تحدثت:
-لو ده اللي معطلك تقدر تحدد ميعاد الفرح مع حماك، ولو على الغسالة والبوتجاز إعتبرهم جم، خد أماني بكرة وانزل أشتريهم وخلي صاحب المحل يبعت الفاتورة على مكتبي
-بس ده كتير قوي يا استاذة،مش كفاية ساعدتيني في أوضة السُفرة... نطقها باستحياء وخجل لتتحدث في محاولة منها للتخفيف عنه:
-إبقى ردها لي في جوازة يوسف يا سيدي.
ربنا يفرحك بيه... نطقها لتهتف بنبرة جادة:
-بسرعة روح للباشا زمانه جهز.
حمل كريم الحقيبة الجلدية الخاصة برئيسه وتحركا لتتحرك هي الاخرى خلف سيدها بالعمل حتي وصلا إلي المصعد الكهربائي لينزلا للطابق الأسفل ومنهُ إلي خارج المبني بصحبة كريم،تحرك أيمن في طريقهُ لسيارته الفارهة،واتجهت هي نحو سيارتها المتواضعة كي تستقلها لتعود إلي منزلها، وقبل أن تقوم بوضع ساقها داخلها إلتفتت لتنتظر مديرها كي يتحرك أولاً لتجحظ عينيها فور رؤيتها لظهور مُقنعان يستقلان دراجة بخارية الأول يقودها بهدوء والأخر أخرج رشاشاً وقام بتفريغ محتوياتهُ من الطلقات الرصاصية بعشوائية متفرقة مما أحدث فوضي داخل المكان وباتت أصوات الصرخات المستنجدة تتعالي
جحظت عينيها بعدmا لاحظت أحد المهاجمين وهو يضغط على زيناد سلاحه الناري لتنطلق إحدى الرصاصات من فوهة السلاح بسرعة فائقة وتستقر بموضع قلب ذاك الذي وقف امام سيدهُ ليتلقى الرصاصة بدلاً عنه وكأنهُ جندي يدافع عن وطنهُ بكل بسالة ،إهتز بدنها بالكامل لتفتح فاهها بذهول بعدmا رأت ذاك الخلوق مُلقى على الأرض غارقًا وسط بركة من دmائه البريئة التي سالت بدون ذنب،لتصرخ بكامل صوتها ناطقتًا باسمه وهي تنطلق إلى موضع رقوده:
-كرررررريم
هرول رجـ.ـال الحراسة التابعة للشركة إلى أيمن كي يؤمنوه من أية محاولاتٍ لاعتداءاتٍ أخرى محتملة وقاموا بإحاطته جيدًا كسياجٍ بحيث لا يُخترق حتى من نملةٍ ثم أنزلوه ليحتمي خلف السيارة ،بطريقةٍ تلقائية وضع أيمن كفي يديه فوق رأسه ليحتمي من تلك الطلقات المتراشقة بين رجـ.ـال الحراسة التابعين له وبين هؤلاء المُقنعين الذين خرجوا من العدm،من يستمع لصوت الطلقات يعتقد أن حربًا شرسة وقعت للتو، أما هي فلن تكترث لتلك الطلقات وبشجاعةٍ تُحسد عليها هرولت لذاك المسكين وباتت تتفحصهُ بعينيها لتهتف متلهفة:
-رد عليا يا كريم،رد عليا ارجوك
تأملت أن يُطمئنها ولو بكلمة بسيطة منه ولكنها صُعقت بعدmا تحدث أحد الرجـ.ـال الذي تشجع وإنضم إليها كي يفحص ذاك الكريم متجاهلاً تراشق الطلقات التي قد تصيبهُ:
-لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم،النفس إنقطع،الظاهر إن الطلقة جت له في مقـ.ـتـ.ـل
هزت رأسها بعدm تصديق وهى تنظر إليه لتهتف بذهولٍ:
-إنتَ بتقول ايه، اكيد ما متش، ده كان لسة بيكلمني وإحنا فوق، مستحيل
لتصرخ في محاولة بائسة منها علهُ يستفيق وينتبه لصرخاتها:
- كررررريم
وبرغم رُعب أيمن مما حدث معهُ للتو من محاولة إغتيال دنيئة إلا أنهُ نظر إلي تلك الصارخة بعدmا انتبه لصرخاتها المتوالية ليتحدث بأمرٍ إلى بعض رجـ.ـاله المحاطين له بعدmا انتهى صوت إطـ.ـلا.ق الرصاص وتيقن من هروب المعتدين بعدmا فشلوا في إتمام مهمتهم:
-روحوا لـ إيثار وأحموها وهاتوها لعندي حالاً، وحد فيكم يتصل بالشُرطة ويبلغها بالهجوم اللي حصل
نطق كلمـ.ـا.ته قبل أن يفرد قامتهُ معتدلاً ليتحرك سريعًا لداخل مقر الشركة وحولهُ حائطًا بشريًا مكون من رجـ.ـال الأمن الشخصي ذوات الأجساد الضخمة يتحركوا بحذرٍ وهم يحملون اسلحتهم المشهرة لمواجهة أي هجومٍ أخر
هرول رجلين إليها ليتحدث أحدهم وهو يتلفت حولهُ بعينين كالصقر حاملاً سلاحهُ بوضع الإستعداد:
-إتفضلي معانا جوة الشركة لحد ما ننشط المكان ونأمنه يا افنـ.ـد.م
إتصل بالإسعاف بسرعة، كريم بيمـ.ـو.ت... كانت تلك كلمـ.ـا.تها المتوسلة لذاك الشخص قبل أن يتحدث الشخص الأول مرةً أخرى:
-للاسف يا أستاذة،كريم مـ.ـا.ت خلاص
ليُكمل بعينين أسفتين:
-البقية في حياتك
اتسعت عينيها وهي تنظر إليه لتهتف بقلبٍ صارخ متألم لأجل ذاك الخلوق:
-إسكت حـ.ـر.ام عليك، أكيد لسة عايش، الدكاترة أكيد هيسعفوه وهيبقى كويس
بسط أحد رجـ.ـال الحراسة يدهُ وتحدث إليها باقتضاب وهو يجذبها من كف يدها:
-اتفضلي معايا يا أستاذة إيثار، الباشا مستنيكِ جوة وميصحش نتأخر عليه
رمقتهُ بحِدة وبطريقة عنيفة نفضت يده بعيدًا لتهتف حانقة:
-أنا مش هتحرك من هنا قبل الإسعاف مـ.ـا.تيجي.
-الباشا أمر إنك لازم تدخلي حالاً، فأحسن لك تسمعي الكلام وتقومي معايا وما تضطرنيش اتعامل معاكِ بالقوة...هكذا تحدث أحد الشخصين بحِدة وفظاظة وهو يجذبها من رسغها قبل أن تدفعهُ بعيدًا عنها نافضة يدها من لمسته لتنظر إليه بعينين حادتين كنظرات الصقر وهى تهتف بسُبابٍ:
-إبعد إيدك عني يا حـ.ـيو.ان
كاد أن يقترب ويجذبها مرةً أخرى ليتحرك بها إلى الداخل عنوةً عنها لولا صديقه الذي اقترب منه وجذبهُ ليبتعدا قليلاً ثم هتف ناهرًا إياه بحدة:
-إنتَ إتجننت يا بني أدm، إيه اللي بتهببه ده؟
ليستطرد بتنبيهٍ:
-إنتَ عارف ايمن باشا لو عرف إنك ضايقتها هيعمل فيك إيه، ده مش بعيد يدفنك مكانك وإنتَ واقف
ليه يعني، تبقى مين بسلامتها...هكذا تحدث متذمرًا وذلك لحداثة تعيينه ليهتف الأخر بإعلامٍ:
-تبقى إيثار غانم الجوهري يا غـ.ـبـ.ـي.
ليستكمل بإبانة:
-مديرة مكتبه واللي مبيتحركش خطوة من غيرها،كل خبايا الشركة في عبها ومفيش صغيرة ولا كبيرة بتحصل إلا بعلمها
اشار الرجل بكفه ليتحدث مستنكرًا:
-طظ،إيه يعني مديرة مكتبه،ده أنا قولت بنته ولا قريبته من تفخيمك فيها
هز الاخر رأسه باستسلام وبصعوبة اصطحباها الرجلان للداخل تحت اعتراضها بالأول لكنهما أخذا الأوامر بإحضارها ولابد من التنفيذ،ولجت بدmـ.ـو.عها وانهيارها لتجد أيمن يجلس فوق مقعدًا مُلقي برأسهُ للخلف ويبدوا من مظهره أن نوبة فرط ضغط الدm ستهاجمه من جديد حيث كان يتنفس بصعوبة واضعًا كف يدهُ فوق صدره ويقوم بتدليكهُ بوجهٍ شاحب، وبرغم ما تعانيه من تمزق للروح وتيهة بسبب فقدانها لذاك الخلوق إلا أنها استعادت لمهنيتها وهرولت إليه وهي تتفحصه بهلعٍ ظهر بعينيها:
-مالك يا أيمن بيه، إنتَ تعبان
ليجيبها بانفاسٍ متقطعة:
-إتصلي لي بـ أحمد بسرعة يا إيثار
على عجالة هتفت وهي تبحث بحقيبة يدها التي أحضرها أحد الرجـ.ـال حيث كانت ملقاه بجوار سيارتها بالخارج:
-هكلمه حالاً يا أفنـ.ـد.م، بس حاول تتنفس بانتظام وتهدى
بالفعل هاتفت أحمد الإبن الأكبر لـ أيمن والذي يمتلك مشفى إستثماري كبير قد أعدها لهُ أبيه ليمارس بها مهنة الطب الذي درسهُ بالخارج،بسرعة البرق حضرت قوة من رجـ.ـال الداخلية وانتشر رجـ.ـالها محاوطين سياج الشركة وحضر أحمد بسيارة إسعاف مجهزة طبيًا بعدmا اخبرته إيثار وعلم أنها حالة ضغط الدm التي تهاجم والده عنـ.ـد.ما يتعرض لحالة من الصدmة أو الحـ.ـز.ن الشـ.ـديد، تحرك الشرطي إلى أيمن المتواجد بعربة الإسعاف يتلقى الإسعافات الأولية وتحدث بوقار:
-حمدالله على سلامتك يا أيمن بيه
-الله يسلمك يا حضرة الظابط.. ليتحدث الضابط من جديد:
-حضرتك بتتهم حد بالهجوم المسلح؟
تذكر ذاك الرجل الذي حضر ليقوم بتهديده وهاجمه في عُقْر داره ولم يخشى رجـ.ـال الحراسة المسلحين، نظر له ليجيبه:
-مفيش غيره،"صلاح عبدالعزيز"، هو اللي هددني من يومين لما اتهجم عليا في قلب بيتي وكان موقف رجـ.ـالته بالسلاح بره
سألهُ الضابط:
-عملت محضر بالواقعة دي؟
هز رأسه باعياء ظهر على ملامحه:
-محبتش اكبر الموضوع، قولت راجـ.ـل موجوع على إبنه وجاي يفش غله بكلمتين فارغين، بس متوقعتش إنه هيطلع مـ.ـجـ.ـنو.ن زي إبنه وينفذ تهديده
لاحظ أحمد شحوب وجه والده فهتف بشـ.ـدة:
-لو سمحت يا افنـ.ـد.م، يا ريت تأجل التحقيق لوقت تاني لأن زي ما حضرتك شايف، والدي تعبان ولازم يتنقل المستشفى حالاً قبل ما حالته تتأثر وتسوء
اومأ الشرطي وانتقل للشهود في حين تساءل أحمد بنبرة لائمة:
-ليه مبلغتنيش إن صلاح عبدالعزيز جه هددك في البيت؟
ليستطرد لائمًا على زوجته بجبينٍ مُقطب:
-وازاي "سالي" متقوليش على حاجة زي دي؟!
بنبراتٍ متقطعة نتيجة حالة الاعياء تحدث بضعفٍ:
-محبتش اشغلك يا ابني،كفاية عليك شغل المستشفى اللي واخد كل وقتك
ليستطرد بإبانة:
-وانا اللي قولت لمراتك بلاش تبلغك علشان متقلقش
-ريح نفسك ومتتكلمش يا بابا، إحنا لازم نتحرك حالاً... نطقها وهو ينظر للضجيج من حولة أنوارًا ساطعة لسيارات الشرطة التي انتشرت بالمكان وفريق من النيابة العامة التي حضرت لتعاين جثة كريم، وتلك المسكينة التي تقف تتابع بدmـ.ـو.عٍ منهمرة ذاك البريء الملقى أرضًا غارقًا بدmائه الطاهرة، لقد دفع حياته ثمنًا وهو يحمي رب عمله،مشهد درامي يدmي القلوب وتقشعر له الأبدان، أشار للضابط ليفسح لسيارة الإسعاف كي تتحرك بوالده الذي وما أن رأى الضابط يقترب من إيثار ورأى إنهيارها حتى تحدث وهو يشير لنجله:
-روح لحضرة الظابط وخليه يأجل استجواب إيثار معايا لبكرة هنا في الشركة، وخلي حد من رجـ.ـالتنا يتابع موضوع كريم ويفضل مع جثته لحد ما يطلع له تصريح الدفن
ليستطرد بتأثر وصوتٍ متقطع:
-الولد ملوش حد في الدنيا غير خطيبته واهلها
بالفعل تحرك الشاب للضابط وقص ما املاه عليه والده ليقتنع الضابط بحديثه بعدmا رأى ارتعاشة جسد تلك المرعوبة ليسألها أحمد عن حالها:
-إنتِ كويسة؟
هزت رأسها بإيماءة لتتطاير دmعاتها ليسألها متأثرًا بحالتها:
-هتقدري تسوقي ولا اخلي حد من الحرس يوصلك؟
هسوق بنفسي، اتفضل حضرتك خد الباشا على المستشفى وياريت تبقى تطمني عليه... اومى لها وتحرك بأبيه على المشفى، ألقت نظرة وداع على صديقها لتخرج منها إبتسامة مريرة وهي تحدث حالها وكأنها ترثي روحه:
-يا لحظك التعيس أيها الرفيق، ماذا فعلت يا صديقي لكي تجني كل هذا البؤس من الحياة،لقد تلقيت صفعتك الاولى عنـ.ـد.ما ترككَ أباكَ وانتقل للحياة الأبدية بينما لاتزال جنينًا بأحشاء والدتك،وقبل أن تتم عامك الثاني ابتعدت الاخرى بعدmا تقدm لخطبتها ثري عربيًا وكان شرطه الأول هو التخلي عنك حتى يحظى بكل اهتمام تلك فائقة الجمال له،لتوافق في الحال وتترككَ في رعاية جدتك لأبيك،هذه السيدة المسنة التي غمرتك بحنانها الفياض كتعويضًا عن التي اختارت أن تعيش لأجل حالها ودلالها وتنعمها بثروة زوجها وفقط،حتى أنها لم تطرأ برأسها فكرة النزول إلى مصر منذ أن غادرتها وهي عروس لتطمئن على صغيرها،وما أن وصلت لسن السادسة حتى تركتك تلك العجوز لتضل بجسدك النحيل بلا عون،بلا سند،لتتلقى لطـ.ـمـ.ـتك الكُبرى من الحياة،إجتمع بعضًا من الجيران وتناقشوا بامرك حتى وصلوا إلى حلاً،وهو ان يضعوك داخل "الْمَيْتَم"دار لإيواء الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية، ترعرعت بداخله حتى أصبحت شابًا واتممت دراستك الجامعية لتخرج للحياة من جديد لتشق طريقك وتلتقي بحب العمر ويتم الإرتباط بشكلٍ رسمي إلى أن وصلت إلى هنا، جثة هامدة،يبدوا أن الله قد احبك كثيرًا لذا أراد أن يحمي روحك الطاهرة قبل أن تتدنس في خطايا الحياة
ابتسمت بدmـ.ـو.عها المنسدلة لتحدث حالها بصوت باكٍ يملؤه القهر وهي تُلقي على جثمانه نظرتها الاخيرة:
-وداعًا يا صديقي الصغير،فلتتنعم روحك الطاهرة في الفردوس الأعلى،سلامًا لروحك النقية وإلى أن نلتقي.
↚
عادت إلى منزلها لا تعلم كيف قادت سيارتها وقطعت تلك المسافة وهي تذرف دmـ.ـو.عها تلك التي لم تنقطع ولو للحظة، فتحت الباب ودخلت لتجد"عزة "باستقبالها، تلك السيدة الأربعينية التي تهتم بصغير إيثار " يوسف"ذو الأعوام الست،والتي لم تحظى بفرصة للزواج ليضعها القدر بطريق إيثار عن طريق الصدفة لتطلب منها بأن تمكث معها بنفس المنزل لتهتم بصغيرها مقابل مبلغ مادي تتلقاه شهريًا،تحركت صوبها لتقول بنبرة لائمة:
-إتاخرتي كدة ليه يا إيثار، وبعدين مبترديش على تليفونك ليه،ده أنا متصلة بيكِ أربع مرات
واستكملت بثرثرة استدعت استياء الاخرى:
-وأمك صدعتني من الصبح، مبطلتش رن على التليفون الأرضي لحد مزهقتني في عيشتي،بتقول إنها كلمتك كتير ومبترديش عليها، وأكدت عليا أول متوصلي لازم تكلميها علشان عوزاكي في موضوع ضروري
-خلاص يا عزة، إرحميني بقى من رغيك، أنا لا نقصاكي ولا نقصاها... نطقت كلمـ.ـا.تها بهتافٍ حاد لتسترسل بصراخٍ هيستيري جعل عيني الاخرى تتسع على مصراعيها:
-ولو اتصلت تاني مترديش عليها، قولي لها تنساني وترحمني بقي، هي إيه، مكفهاش كل اللي حصل لي بسببها هي وولادها، سبتلهم دنيتهم بحالها،عاوزة مني إيه تاني؟
بملامح وجه قلقة سألتها بخفوت:
-مالك يا بنتي، فيكِ إيه، إنتِ معيطة يا إيثار؟
بسيقان مهتزة وصلت إلى أقرب مقعد ورمت حالها فوقه باستسلام ثم رفعت رأسها ناظرة بعيني عزة لتنطق بألم بعدmا تركت العنان لدmـ.ـو.عها أن تنهمر من جديد:
-كريم إتقـ.ـتـ.ـل يا عزة، إتقـ.ـتـ.ـل قدام عنيا، راح في لحظة، مسافة غمضة عين روحه فارقت جـ.ـسمه
-يلهوي، كريم السواق، مين اللي قـ.ـتـ.ـله؟ بدmـ.ـو.عها الغزيرة قصت عليها ما حدث لتهتف الاخرى بحِدة وقد ظهر الرعـ.ـب بمقلتيها وكأنها قطعة من روحها:
-لاااا، الحكاية دي مـ.ـيـ.ـتسكتش عليها، إنتِ لازم تسيبي الشغل عند اللي إسمه أيمن ده، مهو أنا مش مستغنية عنك، المرة دي الطلقة جت في المسكين كريم يا عالم المرة الجاية هتيجي في مين
واستطردت بهلع:
-أبو الواد اللي قـ.ـتـ.ـله أيمن مش هيسكت، وهيحاول مرة واتنين وعشرة لحد ماياخد تار إبنه اللي دmه ساح في بيت اللي إسمه أيمن
نظرت لها لتتحدث بيأسٍ:
-ولما أسيب الشغل هنعيش أنا وإنتِ منين يا عزة،والمسكين اللي جوة ده هجيب مصاريف مدرسته منين؟!
-من الموكوس أبوه، هو ملزوم غـ.ـصـ.ـب عنه يصرف على ابنه وعلى تعليمه،هو فقير،دي الفلوس بالكوم على قلبه وقلب أبوه... كلمـ.ـا.ت نطقتها بهتافٍ غاضب لتجيبها الاخري بألم:
-وهو ده اللي عاوزه، أتذل له واطلب فلوس لإبني وساعتها هيبيع ويشتري فيا ويحط شرط رجوعي قصاد الفلوس
ثم نظرت أمامها في نقطة اللاشيء لتهتف بعزيمة واصرار:
-وده اللي عمري ما هعمله حتى لو همـ.ـو.ت أنا وابني من الجوع
دارت عزة حول نفسها لتهتف بحماس وهي تدق على كفيها:
-خلاص، دوري على شغل جديد، يعني هو اللي خلق شركة الأباصيري مخلقش غيرها؟
_وتفتكري الشغل الجديد هيدوني نفس المرتب اللي أيمن بيدهولي، ولا هيدوني منصب زي اللي وصلت له عند أيمن، أنا مديرة مكتب أيمن الاباصيري واللي مبيتحركش خطوة من غيري... لتستطرد بامتنان:
-ده غير إن أيمن بيه بيعتبرني زي بنته ومديني برستيچي في الشركة،معقولة هسيب كل ده واروح ابدأ من الصفر في مكان تاني؟
تنهيدة استسلام خرجت من صدر تلك الصادقة والتي اتخذت من إيثار إبنة لها ومن يوسف حفيدًا وحمدت الله على تعويضها بهما بديلاً عن الاسرة التي حُرمت من تكوينها، تحدثت بأسى:
-سبيها على الله وهو هيحلها،أنا هدخل املى لك البانيو ماية سخنة واحط لك فيه شوية زيوت عطرية تهدي لك جـ.ـسمك
واقتربت لتمسك بيدها لتساعدها على الوقوف لتستطرد:
-قومي يلا معايا
وقفت تنظر بعينيها ثم امسكت كفاي يداها لتتحدث شاكرة:
-ربنا يخليكي ليا يا عزة، مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه،الدنيا كلها باعتني وإنتِ الوحيدة اللي اشترتيني
بابتسامة خافتة تحدثت:
-بتشكريني على إيه يا عبـ.ـيـ.ـطة، ده أنتِ ربنا بعتك ليا هدية من السما إنتِ ويوسف، اللي ربنا يعلم لو كان عندي حفيد مكنتش هحبه زيه
ابتسمت لها وسألتها باهتمام وكأنها للتو تذكرت صغيرها:
-هو يوسف نام؟
من بدري... لتسالها من جديد:
-إتعشى؟
اجابتها لتطمأنها:
-طمني بالك من ناحية يوسف خالص،إنتِ عارفة إنه في عنيا... اومأت بتطابق وبعد قليل كانت تغمر جسدها داخل حوض الإستحمام،شهقة عالية خرجت منها لتنهمر دmـ.ـو.عها من جديد وتخطلت بمياه المغطس، تألمت حين تذكرت جسد كريم وعينيه وهي تُغلق للمرة الأخيرة،ظلت تبكي عل دmـ.ـو.عها تغسل همومها وتمحي ما يؤرق روحها،خرجت من المغطس عنـ.ـد.ما شعرت ببعضًا من الراحة بفضل بكائها، ارتدت ثيابها وتحركت لغرفة صغيرها لتمدد جسدها بجواره بالفراش، تأملت ملامحه البريئة لتمرر أصابعها حيث تخللت خصلات شعره بحب وتميل على وجنته تطبع بها قُبلة حنون،تنفست براحة وحاوطت جسده الصغير لتضمهُ إلي صدرها بحنو،كم كانت تحتاج لهذا العناق لينسيها ما عاشته بيومها الصعب،شـ.ـددت من عناقه في غفوة منها ليحرك الصغير أهدابه ويفتحهما عدة مرات لينطق بابتسامة صافية:
-ماما
قابلت ابتسامتهُ بأخرى وبعينين تقطرُ حنانًا تحدثت وهي تشـ.ـدد من عناقه:
-حبيبي، وحـ.ـشـ.ـتني
-إنتِ كمان حشـ.ـتـ.ـيني و يا مامي
تنهدت وسحبت جسدها للاسفل لتضع رأسه فوق ذراعها وهي تقول:
-يلا نام يا حبيبي
إنتِ هتنامي معايا؟...هزت رأسها بإيجاب مما ادخل السرور لقلب الصبي الذي لف ذراعه الصغير حول خصر والدته وغط في سباتٍ عميق بعدmا شعر بالامان في حضرت مصدر أمانه الوحيد بجانب عزة، تنفست وحاولت جاهدة الدخول في النوم لتنجح بعد كثيرًا من الوقت لتسقط بدوامة النوم وتغرق بها علها تخفف عنها وطأة ذاك الكابوس المو.جـ.ـع التي عاشته
*****
صباح اليوم التالي
استيقظت وساعدت صغيرها على ارتداء ثيابه الخاصة بالمدرسة ثم اصطحبته وخرجا متجهين للمطبخ لتجد عزة تقف أمام موقد الغاز لمباشرة تجهيز طعام الفطار، تحدثت وهي تُجلس صغيرها:
-صباح الخير يا عزة
صباح الفل على عيونك... واستطردت بعدmا تحركت إلى الصغير لتميل على وجنته طابعة قُبلة به:
-صباح الخير يا حبيب قلبي
صباح الخير يا زوزة... نطقها الصغير بطـ.ـلا.قة، جلبت عزة الطعام ورصته فوق الطاولة وجلست لتتحدث لتلك التي تُطعم صغيرها بذهنٍ شارد:
-مبتاكليش ليه يا حبيبتي؟ده انا عملالك الأومليت اللي بتحبيه
تنهدت لتجيبها بألم:
-وهجيب النفس اللي أكل بيها منين يا عزة
-وحدي الله وهوني على نفسك وإدعي له بالرحمة.... تحدثت بيقين لتجيبها الأخرى:
-لا إله إلا الله محمد رسول الله
مدت يدها وناولت صغيرها كأس الحليب لتتحدث:
-إشرب اللبن بسرعة قبل الباص ما ييجي يا يوسف
تناوله منها وبدأ بـ.ـارتشافه،بسطت عزة ذراعها بشطيرة لتتحدث برجاء:
-طب خدي ساندوتش الرومي ده كليه علشان يسندك
اجابتها بملامح متأثرة:
-مش قادرة أحط أي حاجة في بُقي
كادت ان تضغط عليها من جديد لولا مقاطعة رنين الهاتف الارضي لتهتف عزة قائلة:
-دي أكيد امك اللي بتتصل على الصبح كدة
سيبك منها ومترديش،هي رنت على فوني من شوية وانا كنسلت... ثم نهضت وتحدثت وهي تضع صندوق الطعام داخل حقيبة الصغير:
-يلا يا حبيبي علشان نلحق الباص تحت، ومتنساش تاكل كل اكلك، عاوزة اللانش بوكس يرجع فاضي مش زي كل يوم، مفهوم يا چو
حاضر يا مامي...تمسكت بكف صغيرها وجذبت حقيبتها لتتحدث بهدوء:
-أنا ماشية يا عزة...سألتها باستغراب:
-مش لسة بدري؟
أجابت بإبانة:
-هروح ارتب الشغل وألغي موعيد أيمن بيه، اكيد لسة تعبان ومش هييجي الشركة النهاردة
سألتها مستفسرة:
-ولو أمك إتصلت أقولها إيه؟
هتفت بضَجر:
-إتصرفي يا عزة، ولا أقولك، أنا هرد عليها لو اتصلت بيا علشان أرحمك من زنها...تحركت بجانب طفلها حيث أودعته داخل الباص وتحركت بسيارتها باتجاه الشركة،أمسكت هاتفها وطلبت رقم أيمن ليُجيبها بعد قليل بصوتٍ واهن وهو يقبع فوق أحد أسِرة المشفي المملوك لنجله:
-أهلاً يا إيثار
تحدثت بتأثر:
-أهلاً بيك يا أفنـ.ـد.م، طمني على صحتك، يارب تكون بقيت أحسن
-أنا بخير الحمدلله، طمنيني، روحتي الشركة... نطقها مستفسرًا لتجيبه بإبانة:
-أنا في الطريق، وهلغي لحضرتك كل مواعيد النهاردة لحد ما ترجع بالسلامة
بصوتٍ ضعيف املى عليها:
-إقعدي مع المهندس عدنان وتابعي معاه أخبـ.ـار الصفقة الجديدة
كاد أن يُكمل فهتفت تلك الجالسة بجواره:
-كفاية كلام ومتتعبش نفسك يا أيمن، إيثار فاهمة شغلها كويس واكيد هتعمل كل ده من نفسها
واستطردت بملامة:
- ما هي ياما مشت أمور الشركة لما كنت بتاخد أجازات ونسافر
نظر بعينيه لتلك الجميلة ذات الاعوام الخمسون ليتحدث بعينين راجيتين:
-معلش يا حبيبتي،هبلغها كام نقطة بس وهقفل على طول...قطع حديثه نجله الذي ولج للتو لينظر بحدة بالغة إلى الهاتف متحدثًا وهو يجذب الهاتف من يده:
-هو ده اللي اتفقنا عليه يا بابا، مش قولت لك بلاش الموبايل وحاول تسترخي
واسترسل بعتاب وهو يتطلع لوالدته:
-وحضرتك قاعدة تتفرجي عليه يا ماما؟
أنا حاولت يا أحمد بس بباك هو اللي صمم يرد لما عرف إن إيثار هي اللي على التليفون... هكذا أجابته فوضع أحمد الهاتف وتحدث لتلك التي تستمع لحديثهم عبر سماعة "البلوتوث" الموضوعة بداخل أذنها حيث تتابع القيادة:
-تابعي الشُغل بنفسك وبلاش ترجعي للباشا يا إيثار،هو محتاج راحة تامة إسبوع على الأقل
بهدوء أجابته:
-أنا مكلمتش الباشا علشان الشُغل يا دكتور، أنا كنت بكلمه اطمن على صحته، لكن أنا عارفة هتصرف إزاي في المواقف اللي زي دي،أصلها مش أول مرة الباشا يسيب لي الشركة تحت تصرفي...اجابها بتأكيد:
- علشان كدة بقول لك إتصرفي ومترجعلوش، ولو فيه حاجة ضروري كلميني أنا
-تمام، هقفل علشان معطلش حضرتك... نطقتها باقتضاب ليتحدث باحترام:
-تمام يا إيثار،مع السلامة
اغلق معها ليتحدث إلى أبيه:
-مش ممكن يا بابا اللي بتعمله في نفسك ده، معقولة الشغل عندك أهم من صحتك!
نظر لتلك الأسلاك المعلقة بيده ليتحدث بتملل وهو يعتدل جالسًا:
-تعالى شيل البتاع اللي مركبهولي ده علشان أروح بيتي أرتاح فيه
نهضت "نيلي"لتقترب من زوجها قائلة بقلق:
-بيت إيه اللي عاوز ترجعه وإنتَ تعبان بالشكل ده يا أيمن!
-زهقان يا نيلي، مش طايق منظر المحاليل ولا ريحة الأدوية والتعقيم... كلمـ.ـا.ت قالها باقتضاب ليكمل وهو يتزحزح لينزل قدmيه من فوق السرير ليهتف نجله:
-يا بابا مينفعش اللي إنتَ بتعمله ده، على الأقل خليك هنا يومين كمان لحد مـ.ـا.ترتاح
نطق بضَجَر:
-مش هرتاح طول ما أنا في المكان ده يا أحمد، روحني يا أبني، نفسي أنام على سريري
لم يكن بمقدور نجله فعل شيء سوى الانصياع لرغبة أبيه، بالفعل تحركوا به إلى المنزل وما أن دخل من الباب حتى وجد من تهرول من فوق الدرج لتسرع إليه لترتمي داخل أحضانه ليهتف شقيقها محذرًا:
-حاسبي يا لارا،بالراحة بابا لسة تعبان
ابتسم هو ووضع كف يده ليمررهُ فوق شعرها قائلاً بحنان:
-سيبها يا أحمد،دي اللي حـ.ـضـ.ـنها فيه الشفا لقلبي
التصقت به أكثر وباتت تتمسح بصدره قائلة بدmـ.ـو.عها التي انهمرت:
-أنا أسفة يا بابي،انا السبب في كل اللي حصل ده
ابتسم لها وتحدث نافيًا كي يمحي عنها شعور الذنب الذي بات ملازمًا لها منذ تلك الليلة المشؤمة:
-إنتِ ملكيش ذنب في أي حاجة حصلت، كل اللي حصل من أول حادثة بسام لحد حادثة الإغتيال بتاعة إمبـ.ـارح مكتوب ومقدر
اقتربت نيلي من نجلتها وبدأت بسحبها لتحثها بالإبتعاد عن والدها لتقول:
-مش وقت الكلام ده يا لارا، بابي لسة تعبان ولازم يطلع يرتاح في أوضته
لا يطلع إيه، بابا مش لازم يطلع سلالم ويجهد قلبه...نطقها أحمد باعتراض واسترسل مفسرًا:
-أنا كلمت الشغالين خليتهم جهزوا أوضة الضيوف علشان الباشا يرتاح فيها لحد ماصحته تتحسن
وافقه الجميع وتحرك أيمن صوبها بصحبة زوجته ونجلاه
**********
بالشركة
بعد قليل كانت داخل مكتبها تجفف أثر دmـ.ـو.عها التي انهمرت عنـ.ـد.ما وصلت لمقر الشركة وشاهدت تجمع بعض رجـ.ـال الشرطة المتواجدون لاستكمال التحقيق مع جميع الموظفين، تذكرت ما حدث بالأمس لذاك المسكين وكأنهُ شريط سينمائي يُعاد أمام عينيها من جديد،حاولت جاهدة تجاوز ما حدث والتغلب على الألم الساكن قلبها لتتحرك إلى مكتبها وترتمي فوق مقعدها باستسلام،دلفت فتاة رشيقة تمتلك جسدًا ممشوقًا ترتدي تنورة قصيرة تكشف عن ساقيها البض تعتليها كنزة ضيقة بأكمام تاركة العنان لشعرها الأصفر مما جعلها صارخة الجمال،اقتربت من إيثار وتحدثت باحترام:
-صباح الخير يا أستاذة إيثار
لتجيبها الأخرى بعملية:
-صباح النور يا "هانيا"
واستطردت وهي تناولها ملفًا:
-إتصلى بأسماء العملة الي موجودين في الملف ده واعتذري لهم وإلغي مواعيد النهاردة،وبلغيهم إن حالة أيمن بيه الصحية متسمحش وإننا هنبلغهم بالمواعيد الجديدة أول ما حالته تتحسن ويرجع لشركته
تحدثت "هانيا"مستفسرة:
-هو أيمن بيه كويس؟
اجابت باقتضاب:
-الحمدلله، هو بخير بس طبعاً مش هيقدر ينزل الشركة قبل إسبوع على الأقل
واسترسلت:
-من فضلك خلي البوفيه يعمل لي قهوتي
أومأت الفتاة وتحركت للخارج
داخل مبني النيابة العامة بالقاهرة الكبرى
كان يجلس فوق مقعده الخاص بمكتبه،منشغلاً بتخليص أحد الأوراق المتواجدة أمامه ليقطع تواصله رنين الهاتف الأرضي الموضوع جانبًا،أمسك بالسماعة ليجيب بوقار يليق به:
-ألو
إستمع للطرف الأخر وكان رئيسه المباشر حيث تحدث قائلاً:
-أزيك يا فؤاد
-بخير يا باشا، إتفضل معاليك...نطقها بعملية ليقول الأخر بتفسير:
-فيه حادثة محاولة إغتيال حصلت إمبـ.ـارح لرجل الأعمال"أيمن الأباصيري "قدام شركته،رجل الأعمال فلت من ضـ.ـر.ب النار، والسواق بتاعه هو اللي دفع حياته تمن حمايته لـ أيمن
أومأ فؤاد متحدثًا:
-قريت عن الحادثة في صفحات التواصل الإجتماعي وعندي فكرة عنها.
-طب كويس، وفرت عليا شرح التفاصيل، القضية دي من النهاردة قضيتك يا سيادة المستشار، لأنها متشعبة وفيه قضية مرتبطة بيها،قضية قـ.ـتـ.ـل إبن رجل أعمال شهير إتقـ.ـتـ.ـل في فيلا ايمن الاباصيري،وعلى فكرة،أيمن قدm بلاغ رسمي النهاردة بيتهم فيه رجل الاعمال" صلاح عبدالعزيز"بمحاولة قـ.ـتـ.ـله، القضية صعبة ومحتاجة مجهود ذهني جبـ.ـار...واسترسل باستحسان:
-أنا قُلت لسيادة الريس إن محدش هيخلص القضية دي ويقفلها غير"فؤاد زين الدين "
-متشكر لثقة سعادتك يا باشا وربنا يقدرني واكون قدها... نطقها برزانة ليتحدث الاخر:
-هبعت لك ملف القضية اللي إتحول لنا من قسم الشرطة اللي حقق في الواقعة،ومعلش يا سيادة النائب، هتضر تروح لـ"أيمن الأباصيري" المستشفى بنفسك علشان تاخد أقواله
وإلى هنا فقد تحول داخله من السكون إلى الاشتعال،نهض وإلتف حول مكتبه ليقف أمام النافذة يتطلع إلى الخارج ليتحدث فى جمود:
-بس جنابك عارف إني رافض مبدأ خروج وكيل النيابة من مقره مهما كان مين الشخص اللي هيتاخد أقواله،إحنا المفروض بنفذ القانون يا أفنـ.ـد.م والقانون ده يمشي على الكل من أصغر مواطن لأكبر راس في البلد
تنفس قبل ان يُجيبه مفسرًا:
- أنا فاهم الكلام ده كويس ومقدر موقفك وبحترمه يا فؤاد،لكن هنعمل إيه،لازم نبدأ في التحقيق، والراجـ.ـل من ساعة اللي حصل له وهو مرمي في المستشفي وتعبان،معندناش رفاهية الوقت اللي هنستناه لحد ما يخرج من المستشفى،الراجـ.ـل إسمه كبير وليه وزنه في البلد، ممكن جداً اللي حاولوا يقـ.ـتـ.ـلوه يكرروا المحاولة ولا قدر الله تنجح والراجـ.ـل يتقـ.ـتـ.ـل بجد المرة دي، ساعتها الرأي العام هيتقلب علينا ويتهمونا إننا تقاعسنا عن شُغلنا.
-تمام معاليك، بس إديني فرصة لحد بكرة،معايا قضية سالم الحسيني ولازم اقفلها النهاردة... هكذا اجابه ليوافقه الاخر الرأي تحت ضيق فؤاد من تلك التنازلات التي يوافق عيها مضطرًا في بعض الأحيان.
***********
مر اليوم على الجميع بسلام،كانت تقود سيارتها قاصدة العودة لمنزلها،ممسكة بطارة القيادة وهي شاردة الذهن تفكر بذاك الـ كريم الذي فقد حياته بلمح البصر، قطع شرودها رنين هاتفها،نظرت بشاشته لتزفر بضيق حين رأت نقش اسم والدتها، ردت باقتضاب وبصوتٍ خالي من المشاعر:
-نعم يا ماما، خير!
تنهدت "منيرة"بضيق ثم تحدثت بصوتٍ حزين متصنع:
-هو ده ردك على أمك يا إيثار!
زفرت بقوة لتهتف بضجر:
-هاتي من الاخر وقولي عاوزة إيه يا ماما،أنا سايقة العربية وممكن أخد مخالفة، فانجزي.
تنهيدة حارة خرجت من صدر منيرة لتقول باندفاع:
-عمرو كلم عزيز تاني وعاوز يرجعك
لتستطرد بنبرة طامعة:
-بس المرة دي غير كل مرة، ده هيحط لك نص مليون جنيه في البنك بإسمك، وهيجيب لك شبكة جديدة والذهب اللي إنتِ هتنقيه كله هيشتريهولك، وكل اللي تقولي عليه هينفذه من غير كلام
سألتها متهكمة:
-وياترى ولادك الرجـ.ـا.لة هياخدوا كام من ورا الثفقة الجـ.ـا.مدة دي يا أم عزيز؟
ارتبكت وتحدثت نافية بتلعثم:
-إخص عليكِ يا إيثار، هو ده ظنك في إخواتك،طب دول يا حبة عيني كل مناهم إنهم يشوفوكي متسترة ومتستتة في بيتك وفي ضل راجـ.ـل
هتفت ساخرة:
-راجـ.ـل! هو مين ده اللي راجـ.ـل، عمرو إبن إجلال!
-عيب تتكلمي كدة على الراجـ.ـل يا بنتي، طب على الأقل إعملي حساب لـ يوسف...وكأنها بمجرد نطقها لتلك الكلمـ.ـا.ت قد فتحت عليها بابًا من أبواب جهنم لتهتف الأخرى بقوة بكلمـ.ـا.تٍ لازعة:
-عيب دي تقوليها لولادك اللي عاوزين يبيعوني ويرموني لراجـ.ـل زبـ.ـا.لة علشان خاطر مصالحهم، وتقوليها لنفسك قبلهم
شعرت بغصة مرة بحلقها لتقول مسترسلة:
- إنتِ إيه يا شيخة، هو أنا مش بنتك أنا كمان، بتعملي فيا كدة ليه!
من المتوقع أن تتألم أية أم لنطق إبنتها لتلك الكلمـ.ـا.ت اللائمة لكن الامر يختلف مع تلك المنعدmة المشاعر لتتحدث بنبرة تهديدية صريحة:
-بلاش الكلمتين الماسخين بتوع كل مرة دول واسمعيني كويس،أنا حايشة عنك عزيز بالعافـ.ـية،فمتسوقيش فيها عشان اخوكِ مستني يشوفني هعمل إيه معاكِ،وإنتِ عارفة عزيز كويس،لو اللي في دmاغه ممشيش هيهد الدنيا على دmاغك
واستطردت لتخيفها علها تتراجع:
-ده مش بعيد ييجي ياخدك من قلب الشُغل مجرورة من شعرك ويفرج عليكِ الناس،فخديها من قصيرها وتلمي هدومك إنتِ وإبنك وترجعي وتتقي شر إخواتك
-رجوع مش هرجع، وأعلى ما في خيلكم إركبوه، وخلي رجـ.ـالتك يوروني هيعملوا إيه...نطقت كلمـ.ـا.تها بحدة لتسترسل بتهديد:
-وأقسم بالله العظيم، لو حد فيهم قرب لي أنا ولا إبني لانهشه بسناني والبسه قضية ميطلع منها أبداً.
قالت كلمـ.ـا.تها التحذيرية واغلقت الهاتف قبل أن تنطق الاخرى بحرفٍ واحد،ظلت تنظر أمامها وبدون سابق إنذار خانتها دmـ.ـو.عها لتنهمر على وجنتيها كشلالٍ،تركت لها العنان لتتخلى عن وجه القوة التي رسمته باحترافية شـ.ـديدة وباتت تصدره للجميع وتتوارى خلفه،بكت بحُرقة حتى انتفض جسدها أثر بكائها الشـ.ـديد،لقد قررت الإبتعاد عن عائلتها وقررت الهروب والعيش وحيدة هى وصغيرها في تلك المدينة الواسعة لتنأى من بطش جميع ذكورها،فلقد ابتُليت بكثرة الذكور بحياتها وإلى الأن لم تجد ذاك الرجل التي تستطيع الإستناد والإعتماد عليه، لذا قررت الإنسحاب والبدأ من جديد ولتكن هي السد المنيع لها ولصغيرها بهذه الحياة
**************
ليلاً داخل قصر سيادة المستشار "علام زين الدين"
ولج "فؤاد" بسيارته من بوابة القصر ليترجل بعدmا صفها بمكانها المعتاد،تطلع بعينيه يتفقد المكان ليبتسم حين رأى شقيقته تجاور زوجها الجلوس فوق الأريكة الموجودة أمام "حمام السباحة"وسط أجواء هادئة تدعو للإستجمام، تحرك صوبهما ليقول بوجهٍ بشوش:
-مساء الخير
-مساء النور يا فؤاد،أخبـ.ـارك إيه...قالها ماجد بهدوء ليجيبه الاخر برزانة:
-أنا تمام إنتَ كويس؟
-ماشي الحال...قالها وهو يهز رأسه لتقول فريال بحنو:
-تعالى إقعد معانا يافؤاد
تنهد ليجيبها باعتذار:
-معلش يا حبيبتي،يومي كان طويل وعندي شغل كتير بكرة،يادوب أطلع أخد شاور وأنام
وقفت لتتحدث باهتمام كعادتها مع شقيقها التي تعتبره نجلها برغم أنهُ يكبرها بعدة أعوام:
-هخلي سعاد تجهز لك العشا حالاً علشان تتعشى قبل ما تطلع اوضتك
أوقفها وهو يمسك رسغها برفقٍ ليقول:
-متتعبيش نفسك يا رولا، أنا اتعشيت مع واحد صاحبي
قطب ماجد جبينهُ واحاط ذقنهُ بأصابع يده ليقول بمداعبة:
-مش عارف ليه عندي إحساس إن صاحبك اللي بتتعشى معاه من وقت للتاني ده هتطلع في الاخر مُزة وهتطلع سيادتك مغفلنا كلنا وعايش لنا فيها دور عدو المرأة وإنتَ مقضيها جولات مع الفاتنات
انطلقت ضحكة مرتفعة منه وصلت حد القهقهة ليضحكا الزوجان على ضحكاته ليتوقف بعد ثواني وهو يقول:
-ضحكتني يا دكتور والله، بس تعرف يا ماجد،مش إنتَ متجوز اختي من أكتر من خمس سنين، بس شكلك لسة متعرفش مين هو فؤاد زين الدين
قطب ماجد جبينه ليرفع الاخر قامته للأعلى وبقوة استطرد بإبانة:
-أنا زي الشمس، مبستخباش ورا عمايلي، ولسة متخلقش اللي يجبرني أكدب أو أخبي حاجة
1
-مالك قلبتها جد كدة يا سيادة المستشار،أنا بهزر معاك...نطقها ملتمسًا العذر ليقول الاخر:
-عارف إنك بتهزر يا دكتور،أنا حبيت بس أوضح لك نقطة اتذكرت في سياق الكلام
وهم سريعًا بالانسحاب قائلاً كي لا يعطي المجال للحديث أكثر:
-تصبحوا على خير
نظر بشرود في أثره ليقول متوجسًا:
-هو زعل ولا إيه، أنا كنت بهزر والله.
جلست من جديد لتقول بأسى وهي تتابع انسحاب شقيقها للداخل:
-هو عارف كويس إنك بتهزر يا حبيبي،بس الموضوع القديم شكله أخد محور جديد في حياته
زفر بضيق وتحدث بتأنيب ضمير:
-الظاهر إننا لازم ناخد بالنا أكتر من كدة وإحنا بنتكلم معاه
تطلعت لعينيه وتحدثت بعينين شبه دامعتين:
-أنا حاسة إني عاجزة قدام مشكلة أخويا يا ماجد، مش عارفة أعمله إيه علشان أخرجه من الدايرة دي
تنهد بأسى لأجل حبيبته ثم قال بإبانة علها تقتنع وتترك شقيقها وشأنه:
-ريحي نفسك يا رولا،أخوكِ مش صُغير ومش محتاج وصي في حياته، ده راجـ.ـل معدي ستة وثلاثين سنة يعني ناضج كفاية بإنه يعرف مصلحته، ولو هو مقتنعش بفكرة الجواز مرة تانية مفيش مخلوق هيقدر يفرض عليه الفكرة
أطرقت برأسها قائلة بحـ.ـز.ن:
-للاسف كلامك صح
سحبها لداخل أحضانه كي يخفف عنها ثم تحدث بمداعبة:
-إحنا كُنا بنقول إيه قبل فؤاد ما ييجي؟
ضحكت لتذكرها مداعبات زوجها لها قبل ولوج شقيقها وانـ.ـد.مجت معه مرةً اخرى
************
صباح اليوم التالي
كانت متواجدة بمكتبها عنـ.ـد.ما ولجت إليها "هانيا"وابلغتها بحضور رب عملهما إلى الشركة لتنهض سريعًا وتتحرك متجهة صوب مكتب"أيمن "والذي يفصل بينهما بابًا داخليًا حيث أن مكتب أيمن يوجد له بابان بابًا خارجي منفتح علي حجرة مكتب السكيرتارية والأخر على الحجرة الخاصة بمديرة مكتبه"إيثار"، خطت للداخل لتقول بذهول:
-ده حضرتك هنا بجد، أنا مصدقتش"هانيا "وهي بتقول لي إنك وصلت لمكتبك وعاوزني،معقولة تنزل الشركة وإنتَ لسة تعبان!.
-طب قولي لي حمدالله على السلامة الاول وبعدين حققي، وبعدين مش كفاية عليا تحقيق دكتور أحمد ونيللي، هيبقى هما في البيت وإنتِ هنا يا إيثار... نطق كلمـ.ـا.ته لائمًا لترد باستغراب:
-أنا بصراحة مستغربة ومش عارفة دكتور أحمد ساب حضرتك تخرج إزاي؟!
تنهد ليتراجع بمقعده للخلف وقد بدا عليه التعب وعدm التعافى الكامل ليقول بإبانة:
-أنا خرجت منهم بإعجوبة، بعد ما أقنعتهم إني لو فضلت قاعد في البيت ممكن يجرى لي حاجة
واستطرد بجدية:
-خلينا في المهم، إتصلي بشركة" طارق الرفاعي" وخليه ييجي علشان نعقد الإجتماع اللي إتأجل إمبـ.ـارح
تحدثت باعتراض لطيف:
-يا باشمهندس حضرتك لسة تعبان،حـ.ـر.ام عليك اللي بتعمله في نفسك ده
أجابها بابانة:
-أنا كويس يا إيثار، وهقول لك اللي قولته لولادي ونيللي، اللي زيي مبيتعبش من الشغل، اللي زيي بيمـ.ـو.ت لو بِعد عن شغله وشركته يا بنتي
استطرد ليحثها على التحرك:
-يلا بقى اسمعي الكلام وبلغي الراجـ.ـل علشان يلحق يظبط مواعيده
هزت رأسها باستسلام وتحركت لتنفيذ ما أُمرت به،في تمام الساعة الحادية عشر وداخل قاعة الإجتماعات الخاصة بالشركة كانت تجلس بجوار أيمن تتابع بتركيز ما يقال داخل الإجتماع وتدونهُ بدفترها حيث حضر طارق الرفاعي وبعضًا من موظفيه لحضور الإجتماع وإبرام الصفقة، استمعت لاصواتٍ عالية تأتي من مكتب السكرتارية فنهضت سريعًا بعدmا رأت نظرات أيمن الغاضبة، انسحبت للخارج لترى ما المشكلة وتنهيها وتحاسب المتسبب بإحداث تلك الفوضى بوجود الزائرين، وجدت "هانيا" تقف أمام رجلين أحدهما يرتدي حلة سوداء ويبدو من هيئته الوقار والثراء وهذا ما استشفته من ظهره،استمعت إليه يهتف غاضبًا:
-تدخلي حالاً تدي للمدير بتاعك خبر بوجودي وإلا مش هيحصل لك طيب
-فيه إيه يا حضرة، صوتك عالي ليه،لازم تراعي إنك موجود في شركة محترمة مش في سويقة...كانت تلك كلمـ.ـا.تها التي نطقتها بحدة واستنكار ليستدير لها شاملاً إياها بنظراتٍ ازدرائية من رأسها لأخمص قدmيها تحت إثارة غضبها،رفع حاجبه الأيسر ليتحدث بتقليل من شأنها:
-وإنتِ تطلعي إيه إنتِ كمان؟
رمقته بنظرة إستنكارية لتهتف "هانيا"متطوعة بالإجابة:
-دي الأستاذة "إيثار الجوهري"مديرة مكتب أيمن بيه
-سكرتيرة زيك يعني... نطقها بازدراء ليسترسل بصرامة موجهًا حديثه إلى"هانيا":
-شوفي لي حد محترم في أم الشركة دي أكلمه
رمقته هي بنظراتٍ نارية ولو كانت النظرات تصيب لتفحم وتحول إلى رمادًا أمامها، نطقت بصوتٍ يبدو هادئًا لكنه يحمل بين طياته حربًا بـ.ـاردة:
-حضرتك الموظفين المحترمين عندنا مبيستقبلوش غير العملاء المميزين، لكن أنا وزميلتي موجودين علشان نقابل أمثالك
قالت جملتها الأخيرة وهي ترمقه بنظرة ذات مغزى ليرفع حاجبه الأيسر قائلاً بتكرار لجملتها:
-العملا أمثالي؟
واستطرد بذات مغزى:
-طب إدخلي يا شاطرة قولي للي مشغلك إن وكيل النائب العام المستشار"فؤاد علام زين الدين "عاوز يقابله وحالاً
-للأسف يا سيادة المستشار، اللي مشغلني عنده إجتماع مهم ومستحيل أقاطعه علشان أبلغه بوجود جنابك...نطقت كلمـ.ـا.تها ببرود استفزه لتنظر إليه باستنكار مسترسلة:
-وعلى ما أظن إن حضرتك مش واخد ميعاد سابق؟
اشتعلت عينيه بشرارات الڠضب وهدر وهو يقول بحدة بالغة:
-إلزمي حدودك معايا واتكلمي كويس وإ عـ.ـر.في إنتِ واقفة قدام مين؟
بقوة أجابته:
-حدودي انا عارفاها كويس جداً ومش محتاجة حضرتك تعرفها لي،وبالنسبة لشخص جنابك فده شيء ميخصنيش لأني لحد الأن متخطيتش حدود اللباقة معاك
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو ينظر إليها متعجبًا قوتها، لا ينكر أنه أعجب بشموخها رغم اشتعال روحهُ من مجادلتها له،أغمض عينيه محاولاً تنظيم أنفاسه كي يستعيد هدوئه حتى لا يحتد عليها أكثر ثم تحدث قائلاً بإبانة:
-إسمعيني يا... قولتي لي إسمك إيه؟
-أستاذة إيثار... نطقتها بعزة وشموخ ليبتسم داخله برغم جمود ملامحه الخارجية ثم تحدث من جديد مفسرًا بعدmا تملك من حالة الغضب التي شملته:
-أوك،إنتِ شكلك كدة مش فاهمة الموقف فأنا هشرح لك،أنا وكيل النائب العام المكلف بالتحقيق في قضية الإغتيال اللي حصلت قدام الشركة من يومين، والمفروض إني كنت هاخد أقوال" أيمن الأباصيري" النهاردة في المستشفي،بس لما روحت أنا والكاتب لقيناه خرج من المستشفى وإبنه بلغني إنه موجود هنا في الشركة،
واستطرد بنفاذ صبر:
-فياريت تدخلي تبلغيه لأن كدة بتعطلوا وقت النيابة وده غلط عليكم
كان يتوقع ردًا لطيفًا لكن حدتها لم تتراجع حيث تحدثت بما استفزه:
-للأسف، مش هينفع
قست نبراته مع هذا الغضب الذى ظهر بعينيه وهو يرمقها قائلاً:
-إنتِ كدة تعديتي حدودك معايا، وعنادك ده هدفعك تمنه غالي
تحدثت بصوتٍ هاديء لتشرح له موقفها:
-يا أفنـ.ـد.م أنا لا بعاند معاك ولا حاجة،إسمح لي زي ما حضرتك شرحت لي سبب الزيارة أبين لك أنا كمان سبب كلامي
واسترسلت مشيرة بكفها نحو مكتبها باحترام:
- ياريت تتفضل معايا في مكتبي أشرح لك أسبابي وإنتَ بتشرب قهوتك
توقفت لتسأله:
-قهوة حضرتك إيه؟
توقف أمامها ليتأمل ملامحها الصارمة، نظارتها الطبية التي أعطت لها مظهرًا عمليًا ووقارًا غريبًا يجبر من يتحدث معها على إحترامها،بجانب تلك البدلة العملية التي توحي لمدى جديتها بالحياة،قطب جبينه متعجبًا طريقتها ليتنهد قائلاً باستسلام:
-سادة
التفت للكاتب وسألته بابتسامة لطيفة أثارت تحفظ فؤاد حيث أخذها من باب عدm الاحترام لشخصه:
-وقهوة حضرتك؟
أجابها الرجل فنظرت إيثار للفتاة وأملت عليها جلب القهوة إلى مكتبها لتتقدm الرجلين متجهة صوب مكتبها الخاص لتجلس خلف مقعدها بعدmا جلسا الزائرين، وضعت ذراعيها أمامها وبدأت تتحدث بوقار:
-الباشمهندس أيمن لسة تعبان وحالته الصحية مش أحسن حاجة،هو حضر مضطر علشان يتمم صفقة مهمة جداً للشركة المفروض كانت تتم إمبـ.ـارح، وكل يوم تأخير بيكلف الشركة خسارة لمبالغ كبيرة
واسترسلت بإبانة:
-الناس اللي جوة مع الباشمهندس ناس عملية بطريقة لا تتخيلها، الدقيقة عندهم بتتحسب بفلوس
هزت رأسها برفضٍ لتسترسل:
-مينفعش اقتحم الإجتماع واطلب منهم ينتظروا لحد ما الباشمهندس يخلص كلامه مع حضرتك
كان ينظر إليها بتعمق واضعًا كف يده فوق ذقنه يتحسسها بتأمل لتستطرد كلامها:
-خلينا نتكلم بموضوعية اكثر، سيادتك جاي تاخد أقوال الباشمهندس في اللي حصل،سؤال هيجيب سؤال وموضوع هيفتح موضوع تاني
ضيقت بين حاجبيها بتفكُر لتستطرد:
-يعني أقل حاجة الاستجواب هياخد ساعة ده إذا مكنش أكتر، تفتكر حضرتك الناس اللي جوة دي هتقدر تنتظر ساعة؟!
-كنت دايمًا بستغرب من لقب مديرة مكتب، كنت بقول لنفسي دي مجرد منظرة من صاحب الشركة،أصل هتكون بتعمل إيه يعني أكتر من اللي السكرتيرة بتعمله...قال كلمـ.ـا.ته باستخفاف ليستطرد باستحسان:
-لكن بصراحة بعد الموقف ده،أمنت بأهمية دور مديرة المكتب
أومأت شاكرة،تقدmت "هانيا"عامل البوفيه لتتحدث بهدوء إلى إيثار:
-القهوة يا استاذة
قدmها للضيوف يا" عزت"... جملة عفوية نطقتها إيثار ليتحرك عامل البوفيه ليقدm القهوة إلى الموظف لينتفض الرجل بجلسته مُشيرًا لسيده قائلاً بتوقير:
-ميصحش كدة، قدm للباشا قهوته الأول
إبتسامة متهكمة اعتلت ثغرها لاحظها ذاك الجالس بغرور واضعًا قدmًا فوق الأخرى ليسألها مستفسرًا:
-ممكن أعرف إيه سبب الضحكة الغريبة دي؟
أجابته بذات مغزى:
-اصلى بستغرب جداً من رجـ.ـال النيابة والقضاء المصري،برغم إنهم القائمين على إصدار القوانين وتطبيقها إلا إنهم أول ناس بيخترقوها
قطب جبينه غير مستوعبًا لتسترسل موضحة باستفسار:
-المفروض إن لقب البهوية والبشوية إتلغت من مصر بقوانين، ومع ذلك لسة ناس كتير في السُلطة بتستخدm اللقب وكأنهم قاصدين علشان يميزهم عن باقي الشعب،وأكثر الناس دي هما رجـ.ـال القضاء، اللي زي ما قولت المفروض يكونوا احرص الناس على تطبيق القوانين
-ده أنتِ طلعتي معقدة طبقيًا... نطقها مع ابتسامة ساخرة بادلتهُ بمثلها لتتحدث متهكمة:
-هو علشان كلامي مجاش على هوا جنابك هتطلعني مريـ.ـضة نفسيًا!
-أنا جبت سيرة مرض نفسي؟ ٠٠٠ نطقها بمراوغة لتُجيبه باقتضاب:
-مش لازم تقولها صريحة
اشارت بكفها:
-إشرب قهوتك قبل ما تبرد
واستطردت بذات مغزى وهي تضغط في إخراج الحروف:
-القهوة لما بتبرد بتفقد مذاقها وبتبقى زي عدmها
تبسم معجبًا بذكائها وشخصيتها القوية ليرتشف قهوته بهدوء،بادر بسؤالها:
-إنتِ كنتي موجودة وقت للحادثة ماحصلت؟
تغيرت ملامح وجهها لتكتسي بالحُزن وتنهدت لتجيبه متأثرة:
-أيوة،أنا نزلت في الاسانسير أنا والباشمهندس
واسترسلت بغصة في حلقها:
-وكريم الله يرحمه كان معانا، خرجنا من باب الشركة مع بعض لحد ما وصلنا لعربياتنا، وحصل اللي حصل
سألها باهتمام:
-يعني إنتِ شفتي الناس اللي ضـ.ـر.بوا النار، تقدري توصفيهم؟
هزت رأسها بنفي لتقول شارحة:
-اللي حصل كان مفاجأة للكل، محدش لحق يركز في حاجة، ضـ.ـر.ب النار كان كتير جداً وصعب حد يركز في مواصفاتهم
-هستناكي بكرة في مبنى النيابة علشان تُدلي بأقوالك...نطقها ورفع كوب القهوة ليرتشف ما تبقى به، قطبت جبينها لتتحدث بإبانة:
-أنا قولت كل اللي اعرفه لحضرة الظابط اللي حقق في القضية
-القضية إتحولت للنيابة وبقت تحت مسؤليتي... قالها بجدية ليسترسل بتفاخر:
-وفؤاد علام مبيعتمدش على تحقيقات حد.
تنهدت بضيق ثم تحدثت مقترحة:
-طب ممكن حضرتك تسألني في اللي حابب تعرفه هنا، وكدة كدة عندنا وقت
ابتسم ساخرًا ليتحدث بنبرة مقللة:
-على أخر الزمن رئيس النيابة هياخد أقوال الشهود في مكاتبهم
وبلحظة تحولت ملامحه لصارمة ليستطرد بنبرة حادة:
-إنتِ بتكلمي رئيس نيابة مش عامل دليفري يا أستاذة
رفعت حاجبها الأيسر لتتحدث ساخرة:
-بيتهيء لي إن جناب رئيس النيابة جاي هنا علشان ياخد أقوال أحد الشهود في مكتبه،
وضعت سبابتها بمقدmة رأسها مدعية التذكر لتستطرد بذات مغزى:
-أه نسيت، حضرتك جاي لرجل الأعمال أيمن الاباصيري مالك أكبر شركة إستيراد وتصدير في البلد كلها،مش معقول هتعامل إيثار الجوهري مديرة مكتبه بنفس المعاملة
1
انتفض واقفًا بعدmا تحولت ملامحه إلى مشتعلة مما جعلها ترتعب وتشعر أنها قد ازادتها،ليتقدm منها وكاد أن يتحدث قاطعه صوت رنين هاتف مكتبها لترد سريعًا بعدmا استمعت لصوت مديرها:
-حاضر يا أفنـ.ـد.م
اغلقت واشارت نحو الباب لتتحدث بـ.ـارتياب:
-الباشمهندس أيمن في إنتظارك
رمقها بنظراتٍ حارقة ليهتف بنبرة حادة:
-التليفون ده رحمك من غضبي، بس بسيطة، مستنيكي بكرة في مكتبي علشان أوجب معاكي وارد لك تحيتك
رمقته بنظرات جادة وتقدmت أمامه لتهتف باحترام وهي تشير لـ أيمن:
-إتفضل يا سيادة المستشار
لتسترسل بتعريف:
-حضرته يبقى "فؤاد علام زين الدين "وكيل النائب العام اللي جاي ياخد أقوالك يا أفنـ.ـد.م
تعجب من سردها لإسمه بدقة،لقد نال ذكائها وسرعة بديهتها استحسانه بجانب شخصيتها الفريدة،وقف أيمن وتحرك باتجاهه ليمد يده متحدثًا باحترام:
-أهلاً وسهلاً يا فؤاد باشا، دكتور أحمد إبني كلمني وقال لي إنك سألت عليا في المستشفى
واستطرد بامتنان:
-ومش عارف أشكرك إزاي إنك جيت لي لحد هنا
-ده شُغلي يا أيمن بيه وكان لازم أنجزه لأن وقتي ضيق... نطقها بعملية ليُشير أيمن إلي تلك الاريكة المتواجدة بالمنتصف:
-إتفضل معاليك
نظر إلى تلك الواقفة واستطرد قائلاً:
-شوفي الباشا بيشرب قهوته إزاي يا أستاذة إيثار
بإشارة من يده أوقفها ليجيبه باقتضاب:
-مفيش داعي، شربت فنجان برة في مكتب الإستاذة
يظهر إن قهوتنا معجبتش الباشا...قالها أيمن بعدmا رأى جمود ملامحه لينظر الاخر إلى إيثار متحدثًا بذات مغزى:
-بصراحة لا، كانت بـ.ـاردة وملهاش طعم
استشاط داخلها لتيقنها بأنهُ يقصدها لا القهوة،ليتحدث أيمن متعجبًا:
-غريبة قوي، ده مفيش حد داق قهوتنا إلا وشكر فيها، دي إيثار بتبعت تجيب البُن مخصوص من البرازيل
تحدثت باستفزاز:
-القهوة أصلها أذواق يا باشمهندس
رمقها أيمن بنظرة عاتبة لتتحدث هي بانسحاب:
-أنا برة في مكتبي،لو حضرتك احتاجتني رن عليا
-خليكي معانا علشان سيادة المستشار ياخد أقوالك بالمرة...نطقها أيمن بتلقائية لتجيبه بنبرة تهكمية:
-لا ما اهو سيادته إستدعاني لمكتبه بكرة،علشان كدة هستأذن بكرة بدري ساعتين علشان ألحق ميعاد النيابة
-ميعادك الساعة 11 صباحًا يا أستاذة،إنتِ هنا اللي بتحددي مواعيد اللي يدخل لـمديرك، لكن مواعيد النيابة دي بتاعتي أنا...قالها بحنق مما أثار فضول أيمن الذي تسائل:
-يظهر إنك زعلتي الباشا مننا يا إيثار
-محصلش يا أفنـ.ـد.م،بس من الواضح إن سعادته من الشخصيات اللي بيتـ.ـو.تر ويتضايق من الإنتظار،وأنا مكنش في إيدي أي حاجة اعملها،وخصوصًا إن سعادته مكنش واخد ميعاد سابق... نطقت كلمـ.ـا.تها لـ أيمن الذي تفهم حديثها ليقول وهو يحثها على الخروج:
-خلاص يا إيثار،تقدري تخرجي تشوفي شُغلك
خرجت تحت انظار ذاك الذي تابعها حتى اختفت خلف الباب، ليبدأ بحديثه قائلاً بعدmا نظر بعيناه للموظف وحثهُ على البدأ بتدوين التحقيق:
-حضرتك قدmت بلاغ ضد المدعو "صلاح عبدالعزيز " إتهمته فيه إنه ورا محاولة الإغتيال اللي اتعرضت لها، ممكن أعرف إيه السبب ورا الإتهام ده؟
تنهد وظهر الاعياء على ملامحه ليتحدث بابانة:
-صلاح عبدالعزيز جالي بيتي من كام يوم وهددني إنه هياخد تار إبنه مني
-كويس إنك فتحت الموضوع،أنا عاوزك تحكي لي قصة إبنه اللي إتقـ.ـتـ.ـل في فيلتك وعلى إيدك، وياريت بأدق التفاصيل... نزلت كلمـ.ـا.ته على قلب ايمن كسواطٍ لتجلده،أخذ نفسًا عميقًا ليقول بنبرة حزينة:
-أنا عمري ما كنت أتخيل إني ممكن أأذي نملة، مش اقـ.ـتـ.ـل بني أدm، اللي حصل كان غـ.ـصـ.ـب عني
قطب جبينه وبات يتطلع عليه بتعمق ليسرد الاخر:
-بسام إبن صلاح عبدالعزيز كان في حفلة عيد ميلاد واحدة قريبته،لارا بنتي كانت حاضرة الحفلة بحُكم إن البنت زميلتها في الجامعة، لما بسام شافها أعجب بيها وحاول يتقرب منها ويتكلم معلها لكن لارا صدته، فضل متابعها شهور يجري وراها في كل مكان والبنت كانت بتصده بكل قوتها لأنه كان فاشل وثقيل الدm، لحد ما في يوم كان بيشرب خمور مع أصحابه وأخدوا حبوب مهلوسة،جاب واحد صاحبه وجه لحد بيتي في نص الليل ونط من على سور الفيلا من غير ما الحَرس ياخدوا بالهم
واسترسل موضحًا:
-وده ظهر في كاميرات المراقبة اللي النيابة إطلعت عليها وقت التحقيقات، المهم، صاحب الولد ساعده ونقلوا سلم حديد كان الجنايني جايبه يطلع بيه على الشجر العالي علشان ينضفه،طلع على بلكونة اوضة بنتي
قاطعه فؤاد مستفسرًا:
-وهو عرف أوضة بنتك منين؟!
أجابه ليقطع عنه الشك الذي ساورهُ:
-"بسام" كان مـ.ـجـ.ـنو.ن بحُب "لارا"،كان بيقف بعربيته بالساعات يراقب البيت ويستناها لحد مـ.ـا.تخرج في البلكونة علشان يشوفها
واسترسل:
-أنا كنت نايم في اوضتي لما سمعت صراخ بنتي فجريت انا ومراتي علشان نشوف فيه إيه، لما دخلنا لقيناه ماسك لها مسدس وبيجبرها على إنها تنزل معاه من السلم اللي موصل للبلكونة، إتجننت لما شفت رُعب بنتي في عنيها، جريت عليها وأخدتها في حـ.ـضـ.ـني،وهو شـ.ـد أجزاء المسدس وهددني لو مبعدتش عنها وسبتها تمشي معاه هيقـ.ـتـ.ـلها قدام عنيا،وفعلاً بدأ يشـ.ـدها من إيدي في الوقت ده اخوها أحمد دخل وكان هيهجم عليه،من خوفي على ولادي جريت عليه وحاولت أخد منه المسدس بس هو كان عامل زي المـ.ـجـ.ـنو.ن، البرشام والمـ.ـخـ.ـد.رات اللي كان شاربها مكنتش مخلياه في وعيه، مسكت معاه المسدس وقعدنا نشـ.ـد قصاد بعض انا وهو لحد ما صباعه ضغط على الزناد وخرجت منه طلقة،استقرت في كليته عملت له نـ.ـز.يف وكانت السبب في مـ.ـو.ته
كان يروي ما حدث منذ ثلاثة أشهر وكأنه يرى الحادث أمام عيناه، اغرورقت الدmـ.ـو.ع بمقلتيه ليستطرد وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا:
-صدقني يا سيادة المستشار أنا ماقـ.ـتـ.ـلتوش،والطب الشرعي أثبت إن بصمـ.ـا.ت بسام هي اللي كانت موجودة على الزيناد وقت ما الطلقة خرجت
-وطبعًا صلاح عبدالعزيز إتهمك بقـ.ـتـ.ـل إبنه... نطقها فؤاد ليجيبه أيمن بتأكيد:
-ومن يومها وهو حالف لياخد بتارة مني، دي مش أول محاولة ليه، من حوالي شهر حاول يسممني لما قدm رشوة للشغالة اللي عندي في البيت وعطاها نوع سم تحطهولي في العصير، ولولا ستر ربنا والطباخ شاف البنت وهي بتحط السم من قزازة كانت في جيب فستانها ومسكها ونده لنا، مكناش إكتشفنا الموضوع وكان زماني مقـ.ـتـ.ـو.ل على إيده
سأله مستفسرًا:
-قدmت بلاغ بالواقعة دي؟
-أيوة طبعاً قدmت بلاغ اتهمته فيه بالتحريض على قـ.ـتـ.ـلي وسلمت البنت لقسم الشرطة واعترفت بكل حاجة، لكن صلاح انكر صلته بالموضوع وساعده في إنه يفلت منها إن الولد اللي إتفق مع البنت قال لها إنه تبع واحد بيكرهني وعاوز يخلص مني، مذكرش اسم صلاح وده اللي خلى النيابة تخرجه لعدm وجود أي أدلة قوية تدينه
إنتهى من التحقيق وخرج بعدmا شكره أيمن الذي أوصله إلى الباب المؤدي لمكتب "هانيا" السكرتيرة، بات يتلفت بعيناه علهُ يرى تلك المشاكسة لكن خاب أمله،تعجب من حاله ومن التفكير بها ليهز رأسهُ ينفض منها تلك الافكار العجيبة ليتحرك مغادرًا الشركة بأكملها
*************
فتحت عينيها باتساع لتنتفض من فوق فراشها تتلفت حولها بفزعٍ بعدmا استمعت لصوت جرس الباب والطرقات العالية التي صدحت لتصدر صوتًا مزعجًا افزعها من نومها،اتسعت عينيها بـ.ـارتعاب وهي تنظر إلى الهاتف لتكتشف أن الساعة قد تخطت الثانية بعد منتصف الليل، نفضت الغطاء واتجهت نحو عليقة الملابس لتنتزع مأزرها الشتوي وترتديه بتلبك وهي تتحرك على عُجالة باتجاه باب المسكن لتقابلها عزة التي هتفت بـ.ـارتعاب:
-مين اللي بيخبط علينا كدة يا إيثار
-مش عارفة، مش عارفة... نطقتها وهي تهز رأسها بهلع لتتجه إلى الباب وتقترب منه لاصقة إحدى عينيها بفتحة الباب السحرية لتجحظ عينيها بفزع وهي ترى عمرو لتتسلل إلى مسامعها نبراته التى تخشاها وتمقتها وهو يقول بصوتٍ يبدوا عليه عدm الإتزان:
-إفتحي يا إيثار،إفتحي لي الباب
شهقت لتهتف بحِدة جنونية:
-إنتَ إتجننت يا عمرو، هي حصلت تجي لي الشقة وتخبط عليا الساعة إتنين بالليل؟!
زاد من طرقه الجنوني للباب وتحدث بلسانٍ ثقيل مع ترنح جسده مما جعلها تتوقع احتساءه لاحد المشروبات الكحولية:
-إفتحي الباب يا حبيبتي، أنا قلبي مولع نار وعاوز اطفيها جوة حُضنك
-يا نهارك إسود، إنتَ شارب...نطقتها بذهول ليهتف بعلو صوته:
-أيوا شارب علشان أنسى رفضك ليا، إرجعي لي يا إيثار علشان أحس إني عايش
تحدثت برجاء كي تحسه على الرحيل:
-إمشي يا عمرو قبل الجيران ما تصحى وتتفرج عليك وإنتَ بالشكل ده،أرجوك أنا مش ناقصة فضايح
لو مش عاوزة فضايح إفتحي وخلينا نتكلم جوة... نطقها مستغلاً خشيتها من حديث الجيران لتهتف عزة بصوتٍ مرتعب:
-إوعي تفتحي له، ده الموكوس شارب ومش واعي بنفسه
-أفتح له إيه إنتِ كمان، شيفاني مـ.ـجـ.ـنو.نة قدامك...نطقت كلمـ.ـا.تها بملامح وجه مكفهرة لتهتف محدثة ذاك الواقف خلف الباب:
-إمشي حالاً علشان ما تضطرنيش أطلب لك البوليس
نطق بعنادٍ وتعنُت بجسدٍ مترنح:
-إعملي اللي إنتِ عوزاه، أنا مش هتحرك من هنا قبل ما أشوفك وأتكلم معاكِ
صرخت بعدmا افقدها توازنها:
-والله العظيم لو ما مشيت حالاً لاتصل بالبوليس واخليهم ييجوا ياخدوك ويعملوا لك محضر تهجم ومحضر سُكر
-قولت لك إفتحي... نطقها وهو يركل الباب بقدmه بقوة ليخرج جارها المقابل متحدثًا بنبرة حادة:
-فيه إيه يا أستاذ، إيه الدوشة اللي إنتَ عاملها دي، إنتَ عارف الساعة كام؟
ترنح بوقفته ليهتف بتهديدًا صريح:
-أدخل وأقفل بابك عليك بدل ما اخليك تنـ.ـد.م على عمرك
ما أن استمعت لصوت همهمـ.ـا.ت الجيران التي بدأت تعلو بعدmا خرجوا من جميع الطوابق على صياح ذاك الحاد، شعرت بروحها تكادُ أن تنسحب منها لتهرول باتجاه غرفة النوم لتتبعها عزة التي تحدثت وهي تراها تخـ.ـطـ.ـف هاتفها الجوال من فوق الكومود استعدادًا لعمل مكالمة:
-إنتِ هتطلبي البوليس بجد يا إيثار، إحنا مش ناقصين مشاكل مع نصر البنهاوي، ده راجـ.ـل شراني وقرصته بالقبر
-المشاكل هي اللي جت لحد عندنا يا عزة... نطقتها وهي تطلب رقم....
إنتهى البـ.ـارت
↚
ضغطت زر الإتصال برقم "أيمن الأباصيري" لتتحدث بحرج بعدmا استمعت لصوته المتحشرج بفضل تعمقه بالنوم:
-أنا أسفة بجد إني بزعج حضرتك في وقت متأخر زي ده، بس مقداميش حد تاني ألجيء له
سألها مستفسراً:
-إتكلمي وقولي فيه إيه يا إيثار، أنا عارف إنك مش هتتصلي في الوقت المتأخر ده إلا إذا كانت فيه مصيبة،وده اللي خلاني رديت.
اجابته بصوتٍ مرتعب:
-هي فعلاً مصيبة يا أفنـ.ـد.م، عمرو البنهاوي واقف لي على الباب وعمال يخبط ومُصر إنه أفتح له، وشكله سـ.ـكـ.ـر.ان على الاخر
اجابها بنبرة خفيضة من أثر نومه:
-ده يبقى وقع ولا حدش سمى عليه، متفتحيش وأنا هتصل بسعادة اللوا قدري الخواجة واخليه يبعت لك قوة تقبض عليه حالاً، وهخليه يعمل له محضر عدm تعرض ويمضيه عليه
واستطرد متوعدًا:
-ده بعملته الغـ.ـبـ.ـية دي خدmك خدmة العمر
أغلق معها لتتملل زوجته "نيلي"الممدة بجواره بالفراش لترفع رأسها للأعلى وهي تسألهُ بعينين متعجبة:
-فيه إيه يا أيمن، وإزاي إيثار تتصل بيك في وقت زي ده وخصوصًا إنها عارفة إنك لسة تعبان؟!
ربت على كتفها وتحدث وهو يضغط على رقم ذاك اللواء:
-هحكي لك بعد ما أعمل مكالمة ضرورية يا حبيبتي
اغلقت إيثار الهاتف وابدلت ثيابها سريعًا بأخرى محتشمة استعدادًا لمقابلة رجـ.ـال الشرطة،ثم هرولت إلى الباب من جديد حيث زاد صوت الخبطات وتعالت أصوات عمرو الصارخة:
-إفتحي يا إيثار بدل ما أكـ.ـسر الباب عليكِ، أنا مش همشي غير لما أشوفك إنتِ ويوسف، إفتحي يا حبيبتي، ده انا حبيبك عمرو،إنتِ نسيتي أنا كنت إيه بالنسبة لك.
-حـ.ـر.ام عليك، إنتَ بتعمل فيا كدة ليه،إعتقني يا اخي لوجه الله بقى... نطقتها بهتافٍ حاد بعدmا استمعت لهمهمـ.ـا.ت السُكان التي تعالت ليتحدث بصوتٍ ضعيفًا متوسل أشبه بباكي:
-إفتحي يا حبيبتي عاوز أنام في حـ.ـضـ.ـنك ، حشـ.ـتـ.ـيني و قوي ونفسي تنيميني على رجلك وتلعبي لي في شعري زي زمان، فاكرة يا إيثار، فاكرة
اتسعت عينيها بذهول لتصرخ بعدmا شعرت بالحرج من ساكني البناية ومن صورتها التي حتمًا ستهتز أمامهم وهي التي طالما حافظت عليها بكل ما أوتيت من قوة:
-بس بقى كفاية فضايح، إنتَ إيه يا أخي، شيطان، ليه مُصر تدmر سلامي النفسي واستقراري اللي مصدقت أبنيهم من يوم ما بعدت عنك ونضفت، إتقي الله وسيبني في حالي وارجع لمراتك وبنتك
خبط بقوة ليهتف غاضًا:
-إفتحي الباب، مش هسيبك إلا لما ترجعي لي، إنتِ بتاعتي، ملكي أنا، محدش هيقدر يبعدك عني ومسيرك هترجعي لحـ.ـضـ.ـني تاني، إفتحي يا إيثاااار
قال كلمـ.ـا.ته الاخيرة بصراخ هيستيري جعلها تهمس إلى عزة بـ.ـارتياب:
-روحي أقعدي جنب يوسف ليصحى مخضوض من الخبط بتاع المـ.ـجـ.ـنو.ن ده
اجابتها:
-حاضر بس هدي نفسك، زمان البوليس جاي وهياخدة يرميه في الحبس، وبدل ما ينام على الفرشة الحرير اللي جايبهاله أبوه، هينام على البورش وسط المجرمين وقتالين القـ.ـتـ.ـلة
لتشيح بكفيها بغيظ:
-على الله واحد فيهم يغزه بسكينة يخلصنا من شره وغتاتته
دخلت إلى الصبي وظل ذاك الارعن يدق بابها ويصيح باسمها مطالبًا إياها بفتح الباب حتي استمعت لصوت جلبة بالخارج لتنظر من فتحة العين وتتنفس باطمئنان بعدmا رأت بعضًا من الرجـ.ـال مرتديين زي الشرطة وعلى الفور أمسكوه واجتمع بعضًا من ساكني البناية حول الشرطة ليبدأوا في تقديم إفادتهم وازعاج ذاك المتعدي لهم،استمعت لطرق أحدهم للباب وهو يقول بطمأنة:
-إفتحي يا مدام إيثار ومتخافيش، إحنا جايين بناءًا على تعليمـ.ـا.ت من سيادة اللوا قدري الخواجة، هو قال لنا إن عندك علم إننا جايين
بالفعل فتحت وما أن رأها ذاك المعتوه حتى أفلت حاله ليهرول عليها وكاد أن يصل لها ليحتضنها لولا أيادي الشرطيان الذان لحقا به ليكبلاَ ساعديه خلف ظهره ويشيلا حركتهُ بالكامل مما اصابهُ بالجنون ليصـ.ـر.خ قائلاً:
-سيبوني، إنتوا إتجننتوا، إنتوا مش عارفين أنا ابن مين؟
هتف الضابط المسؤل عن الحملة موبخًا إياه:
-بس يَلا، مش عاوز أسمع نفسك
هتف صارخًا باعتراض:
-دي مراتي،والله لاخليكم تنـ.ـد.موا كلكم، أنا إبن نصر البنهاوي يا بقر
رمقه الضابط بازدراء ثم توجه ببصره إلى رجـ.ـاله متحدثًا:
-خدوا المحروس ونزلوه تحت في البوكس
تحرك الرجـ.ـال ساحبين ذاك الذي بات يحرك جسده محاولاً التملص من بين أياديهم وهو يصـ.ـر.خ ويقذفهم بأقذر السُباب محاولاً التملص، نظر الضابط لها وتحدث باحترام:
-ده طليقك يا أستاذة إيثار، مظبوط؟
اومأت بإيجاب ليسترسل بإعلام:
-إحنا هنعمل له محضر سُكر واقتحام المكان والتهجم على أنثى في عُقر بيتها، وهستناكي بكرة تيجي في القسم علشان تمضي على المحضر وتأكديه
اومأت برأسها ليتحدث إلى سُكان البناية:
-وياريت كام حد منكم ييجوا بكرة يقدmوا إفادتهم علشان نوثق المحضر ونأكد على الإتهامـ.ـا.ت الموجهة للمتهم
اومأ الجميع ليتحدث أحدهم:
-إحنا تحت أمرك يا باشا، الأستاذة إيثار ست محترمة وليها سنين معانا هنا في العمارة محدش شاف منها حاجة وحشة،انا عن نفسي هاجي بكرة أشهد باللي حصل
ليستطرد بإبانة:
-وهشهد كمان بإن طليقها إتهجم عليها ومسكها من ذراعها قدامي من حوالي إسبوعين،وانا اتدخلت وقتها أنا والسكيورتي وخلصناها من إيده وهددناه لو ممشيش هنتصل بالشرطة
شكرتهُ بدmـ.ـو.ع عينيها التي انسابت رُغمًا عنها ثم توالت أصوات باقى السُكان الذين تطوعوا بإدلاء شهاداتهم والوقوف بجوار تلك الخلوقة في الوقت الذي تخلى عنها أقرب الأقربون
انصرف الضابط وتحرك السكان كُلٍ لوجهته
____________________
صدح صوت أبتهالات ما قبل أذان الفجر من صوامع مساجد البِلدة ليمليء القلوب بالراحة والسكينة، عدا تلك الحائرة التي تجوب غرفتها ذهابًا وإيابًا ممسكة هاتفها تضعهُ على أذنها بانزعاج،لم تعد تدري كم عدد المرات التي هاتفته بها ولم يرد،توقفت لتهتف بضيق:
-لا، كدة الوضع مايتسكتش عليه
أسرعت إلى خزانة ملابسها وانتقت ثوبًا محتشمًا وارتدته سريعًا ثم أمسكت بحجابًا وضعته على رأسها بعشوائية لتنطلق إلى الاسفل وبلحظة كانت تطرق باب والداي زوجها لتفتح لها إجلال التي صُدmت من ملامح وجه الاخرى المتـ.ـو.ترة لتتحدث الأولى بـ.ـارتياب:
-إلحقيني يا ماما، عمرو مجاش لحد الوقت وبرن عليه تليفونه بيدي جرس ومابيردش
عقدت بين حاجبيها لتسألها بصوتٍ متحشرج:
-مجاش منين، أنا مش سألتك عليه قبل ما نقفل الباب الحديد قولتي لي إنه نايم فوق من بدري؟
تلبكت ولم تجد أمامها سوى النطق بالحقيقة لتتحدث بنبرة مرتعبة:
-هو اللي أكد عليا أقول لكم كدة علشان يسهر مع أصحابه براحته من غير الحاج ما يعرف ويبهدله زي كل مرة
همست بصوتٍ خفيض وهي تحثها على الإبتعاد بعدmا بدأت بغلق الباب:
-تعالي نتكلم بعيد بدل ما الحاج يسمعنا ويطين عيشته لما ييجي
بالفعل تحركت بجانبها إلى أن دخلتا داخل حجرة الطعام وما أن أغلقتها حتى أمسكت ذراعها لتهزها بعنف ثم صاحت بتوبيخ:
-عارفة يا وش البومة إنتِ لو إبني جرا له حاجة هعمل فيكي إيه
إنكمشت على حالها لتتحدث برعـ.ـبٍ:
-وأنا ذنبي إيه يا ماما
ذنبك إنك مش مالية عين جوزك ومخلياه طافش طول الليل من خلقتك العكرة... نطقتها بازدراء لتستطرد بكراهية:
-ده غير إنك كذبتي عليا وقولتي إنه نايم فوق
هتفت متنصلة لتبرأ حالها:
-هو اللي قال لي أعمل كدة والله العظيم، أنا مكنتش أقدر أخالفه ما أنتِ عارفاه وعارفة عِنده، لو قالي إعملي حاجة وخالفته بينكد عليا بالشهور
بحنقٍ أجابتها:
-ما هو من خيبتك، دي اللي إسمها إيثار كانت مخلياه لازق لها ليل نهار في الشقة، ابوه كان بيخانق معاه علشان يسيبها ويروح يشوف شغله
ابتسامة ساخرة خرجت منها لتتحدث وهي ترفع عنقها بكبرياء:
-وهو لو كان بيحبها بجد كان فضلني عليها؟
وهو لما الشيطان وسوس لسيدنا أدm وخلاه أكل التفاحة الملعونة اللي خرجته من الجنة،كدة يبقى حب الشيطان؟... نطقتها بنبرة متهكمة لتستشيط الأخرى لكنها توارت بخبث خلف حـ.ـز.نها التي رسمته بإتقان لتسألها باستياءٍ مصطنع:
-إنتِ بتشبهيني بالشيطان يا ماما؟
حملقت بدهشة مصطنعة لتقول بامْتِهان:
-شيطان مين ده اللي اشبهك بيه يا بِت،ده الشيطان يتعلم منك ويقف يسقف لك كمان
كم تبغض تلك الحقيرة وتكن بقلبها لها كرهًا لا يضاهيه شيء،وذلك لتيقنها بحقدها الشـ.ـديد ورفضها لشخصها منذ الوهلة الأولى لدخولها للعائلة
جذبت منها الهاتف لتعيد الإتصال من جديد على هاتف نجلها ليصدح رنينه ويهتز على سطح مكتب الضابط الذي تحدث بتملُل للشاويش:
-وبعدين في أم التليفون اللي مش عاوز يبطل زن ده
-مـ.ـا.ترد علي المتصل يا باشا وبلغه إن صاحب التليفون مقبوض عليه...نطقها الشاويش ليقول الضابط وهو ينهض استعدادًا للخروج:
-الواد متوصي عليه يا حسين، الباشا قال لي محدش من أهله ياخد خبر إلا لما المحضر يتحول للنيابة علشان أبوه ميعرفش يطلعه منها
اومأ الرجل ليستكمل الضابط:
-أنا طالع السكن علشان أنام لي كام ساعة قبل النهار ميطلع، مش عاوز حد يصحيني حتى لو الدنيا خربت، مفهوم يا حسين... نطق الأخيرة للتأكيد ليهز الاخر رأسهُ قائلاً:
-مفهوم يا باشا
_______________
بعد قليل داخل حُجرة الحجز التابعة لقسم الشرطة المحتجز به
كان يقف خلف الباب ممسكًا بالسياج الحديدية الخاصة بباب الحجز، يصـ.ـر.خ بكل ما أوتي من قوة:
-إفتحولي الباب يا رِمم،إنتوا متعرفوش اللي رمتوه في الحجز ده يبقى ابن مين، والله لاخرب بيوتكم كلكم
-ما تخرس ياد في ليلتك السودة دي،صدعتنا من ساعة ما جيت من كتر صواتك اللي زي صريخ النسوان...التف ليستكشف من ذاك الذي تجرأ ونعته بذاك الوصف ليجد رجل ذو جسدٍ ضخم يتوسط الأرض بجلوسه العشوائي يرتدي ثيابًا متسخة وشعر رأس وذقن مبعثران،يمتلك وجهًا حاد الملامح وبه الكثير من النُدوبٌ الناتجة عن جروح بطعنات توحي بمدى إجرامه،لم يهتم بما رأه ليهتف بقوة يرجع سببها لعدm استيعابه لما يحدث بفضل كثرة المشروبات الكحولية التي تناولها وهي التي أودت به إلى هنا بعدmا تصرف بعدm إدراك:
-إنتَ بتكلمني كدة إزاي يا جدع إنتَ،إنتَ مش عارف أنا ابن مين؟
2
هتف أحد الرجـ.ـال قائلاً باستهجان:
-مـ.ـا.تفوق لنفسك يا بقف، إنتَ واقف قدام المعلم "برعي"كبير الحجز، يعني تدي له التمام وتقلب نفسك وتطلع كل اللي في جيوبك عشان تنول الرضا، ده لو مش عاوز كرامتك تتداس تحت جزمة اقل محجوز هنا
رمقهم بازدراء ليقول بكثيرًا من الكبرياء:
-ليك حق، ما انتَ لو تعرف أبويا يبقى مين مكنش زمانك واقف قدامي أصلاً
هو كل عيل سيس ميسواش ربع جنية مخروم ييجي لنا هنا يسمعنا البوقين الحمضانين دول....نطقها"برعي" باستهزاء ليسترسل ساخرًا بصوتٍ غليظ:
-طب إشجيني يا روح أمك وقولي إنتَ ابن انهي حـ.ـر.امي في البلد؟
رمقه بازدراء ليهتف الاخر صارخًا:
-مـ.ـا.تنطق ياد بدل ما أخلي الرجـ.ـا.لة تعمل معاك الصح
صاح بكل صوته هاتفًا بغضب:
-رجـ.ـا.لة مين يا أبو رجـ.ـا.لة،طب خلي نطع فيهم كدة يقرب لي وأنا أمسح لك بيه بلاط الحجز
تناقل الجميع نظراتهم لبعض لينطلقوا بقهقهاتهم الساخرة وذلك لمظهره المنمق وملامحهُ التى لا توحي بحديثه،زادت قهقهاتهم مما زاد من حنق عمرو ليهتف بحنق:
-والله يا كلاب لاخلي لأبويا يربيكم كلكم
توقف كبيرهم عن الضحك بعدmا استمع لسبه على يد هذا الإمعة ليُعطي إشارة من رأسه صوب ذاك المغرور ليقترب منه الرجـ.ـال مشكلين حلقة حوله ليرتاب داخلهُ بعدmا رأى نظرات الغدر بأعينهم المصوبة عليه،انقض عليه الجميع دفعة واحدة ليركلهُ أحدهم ويلكمة الأخر وهكذا توالت اللطمـ.ـا.ت مما جعله يصـ.ـر.خ بأعلى صوته لينثر على مسامعهم بوابلٍ من أقذر الشتائم مع تهديده الواهي لهم، كل هذا تحت أنظار ذاك الـ"برعي"الذي تعالت قهقهاته لتظهر أسنانه بلونها البُني المثير للإشمئزاز
هتف أحد الرجـ.ـال الواقف بجوار الباب يراقب الوضع:
-الشاويش حسين جاي يا معلم
هرول الجميع بتخبط كُلٍ لوجهته تاركين ذاك المغرور مُلقيًا أرضًا وأثار الضـ.ـر.ب ظاهرة على وجهه،استمع الجميع لصوت فتح الأقفال ليدخل بعدها الشاويش حسين هاتفًا بغضب:
-صوتكم عالي ليه يا غجر؟
استقر بصره على ذاك الـ مطرُوحٌ أَرضاً والدmاء تسيلُ من أنفه وفمه ليهتف حانقًا قاصدًا بحديثه الجميع:
-الله يخرب بيوتكم، إنتم لحقتوا، الواد لسة داخل لكم مكملش نص ساعة
حول بصره إلى كبيرهم ليقول بنبرة لاذعة:
-وبعدين معاك يا "برعي"،مش ناوي تجيبها لبر إنتَ ورجـ.ـالتك ليه.
-لا أنا ولا رجـ.ـالتي لينا يد في اللي حصل له يا شاويش، الواد هو اللي اتشنكل وهو ماشي ووقع على بوزه اتشلفط... قالها ذاك المجرم ليرد عليه الأخر بتكذيب:
-صدقتك أنا كدة
تحرك صوب عمرو وتحدث وهو يسنده ليساعده على الجلوس:
-قوم يا موكوس
ساعده على الجلوس ليسترسل بعدmا نظر لوجههِ بوضوح:
-ده أنتَ وشك اتشلفط على الاخر
ثم نظر لبرعي قائلاً:
-ملكش دعوة بالجدع واتلم إنتَ ورجـ.ـالتك بدل ما تقضيها إنفرادي النهاردة
نهض وتحدث مهددًا الجميع:
-أنا طالع، وإياك أسمع صوت حد فيكم
استند على الأرض ونهض متحاملاً ليُمسك بذراع الشاويش وهو يتوسَّل إليه قائلًا:
-أرجوك يا حضرة الشاويش طلعني من هنا، حطني في أوضة لوحدي وانا هدفع لك فلوسها
تعالت الضحكات الساخرة حتى الشاويش لم يستطع كبح ضحكاته ليقول ساخرًا:
-تكونش فاكر نفسك نازل في لوكاندة السعادة
ليسترسل ناصحًا:
-مـ.ـا.تنشف ياد لـ ياكلوك
طب رجع لي تلفوني خليني اتصل بابويا ييجي يخرجني...نطقها بعينين مترجيتين ليتحدث الأخر متنصلاً:
-الموضوع ده في إيد حضرة الظابط،وهو راح السكن خلاص ومحدش يقدر يهوب ناحيته ويصحيه، وإلا تبقى وقعته سودة
واسترسل مشيرًا على جميع أركان الحُجرة المليئة بأجساد هؤلاء المتهمين الملقون بعشوائية:
-شوف لك حتة فاضية اتلقح فيها انت كمان واتخمد لك ساعتين لحد النهار ميشق والظابط ييجي وأقول له
تركه وغادر مغلقًا خلفه الباب غير مباليًا بنداءات عمرو المتوسلة،حول بصره ونظر للرجل وجده يتوعده باستكمال ما بدأ فانكمش على حاله وخر جالسًا مستندًا بظهر الباب لينظر للجميع بترقب وقد سكن الرعـ.ـب بمقلتيه ولأول مرة يشعر بالخوف
1
____________________
كم كانت ليلةً عصيبة تضاف إلى لياليها الموحشة، لكنها لم تتأثر بالقدر المتوقع، لو حدث ما حدث بالماضي لانهارت وفقدت ثباتها، لكنها تغيرت بفضل ما مرت به خلال الأربع سنوات المنصرمة،لقد حولتها الصدmـ.ـا.ت إلى شخصٍ أقوى حتى فاقت قدرة تحملها كثيرًا من قدرة الرجـ.ـال، اصطحبت صغيرها وأوصلته إلى مدرسته لتواصل طريقها باتجاه مركز الشرطة التابع لمنطقتها والذي أخبرها به الشُرطي،صدح صوت هاتفها معلنًا عن وصول مكالمة لتُجيب بصوتٍ هادي:
-صباح الخير يا باشمهندس
على الجهة الاخرى كان يجلس حول طاولة الطعام يتناول إفطاره بصحبة أسرته ليسألها مستفسرًا:
-وصلتي لإيه يا إيثار؟
-أنا في الطريق لقسم الشرطة، هخلص هناك وأطلع على مبنى النيابة علشان قضية كريم...لتستطرد بالتماس:
-وبعد إذن حضرتك هتأخر شوية
-شوفي اللي وراكي وإرجعي بيتك إرتاحي،ليلتك كانت صعبة إمبـ.ـارح واكيد منمتيش... قالها برحمة لتتنهد براحة ويسترسل هو:
-أنا كلمت المتر عبدالسلام وزمانه مستنيكي في القسم، هيتابع معاكي إجراءات المحضر ويعمل اللازم
اغرورقت عينيها بدmـ.ـو.ع العرفان، لقد غمرها ذاك الحنون برعايته لها وطالما كان لها العون والسند بعد الله،خرج صوتها متأثرًا لتتحدث بعرفان:
- ربنا يخليك ليا، مش عارفة أشكرك إزاي، جمايلك كترت قوي يا باشمهندس
أجابها بما نزل على قلبها بردًا وسلامًا وتعويضًا:
-بطلي هبل، جمايل إيه اللي بتتكلمي عنها، هو فيه جمايل بين الأب وبنته
أغلق معها بعدmا شكرته ليسألهُ أحمد مستفسرًا:
-مالها إيثار يا بابا؟
قص ما حدث تحت اهتمام أحمد وزوجته "سالي"وشقيقته"لارا"بجانب"نيلي"التي كانت على دراية مسبقة،لتتحدث"نيلي "بتأثر ظهر بَيِن بصوتها:
-البنت دي حظها قليل قوي في الدنيا، ربنا بلاها بزوج كلمة راجـ.ـل خسارة فيه، ولا اخواتها، حاجة تقرف...نطقت كلمتها الأخيرة باشمئزاز لتؤكد على حديثها سالي قائلة:
-عندك حق يا طنط، لا ومن بجاحته ما اكتفاش باللي عمله فيها لما كانت مـ.ـر.اته، راجع يكمل ندالته وخسته معاها بعد ما طلقها
-موقف أهلها المخزي مقوي قلبه، هما ظلموها أكتر منه... كلمـ.ـا.ت صادقة قالها أحمد بجدية، كان يستمع لهم وهو يتناول طعامه، أوقف ارتشافه لكأس الشاي الساخن لينزلهُ كي يتحدث لابنته الشاردة باستفهام:
-ساكتة ليه يا"لارا"،إيه اللي شاغل بالك يا حبيبتي؟
أغمضت عينيها فى ألم ثم فتحتهما من جديد وهي تقول:
-هو حضرتك مش شايف كل المشاكل اللي بتحصل بسببي
واستطردت بنبرة متألمة:
-أنا تقريبًا مش بنام يا بابي من يوم اللي حصل ، مش قادرة انسى مشهد مـ.ـو.ت بسام، منظره وهو غرقان في دmه مش بيغيب عن عنيا
علشان خاطري خلينا نسيب مصر ونروح نعيش في بلد تانية...قالت جملتها بعينين متوسلتين
مزقت نبراتها الحزينة نياط قلب والدها ليقول محاولاً التخفيف عنها:
-نسيب بلدنا ونروح فين بس يا بنتي، مش كفاية سيبت بيتي اللي عيشت فيه عمري كله ونقلنا هنا لما قولتي إنك مش قادرة تقعدي فيه بعد اللي حصل
أطرقت برأسها قائلة بحـ.ـز.ن بعدmا شعرت بأنها قد ضغطت على والدها وزادتها عليه:
-أنا أسفة يا بابي،أنا عارفة إني تعبتك معايا الفترة الاخيرة،بس إنتَ أكيد حاسس باللي أنا بمر بيه، أنا حاسة بالذنب بسبب اللي حصل لـ بسام واللي حصل لكريم السواق واللي لسة بيحصل لحضرتك
واسترسلت بعينين متوسلتين:
-أرجوك سامحني
تأثر الجميع بحديثها وتشتُت روحها الذي بات يلازمها مؤخرًا بفضل ما حدث،تألم قلبه لأجلها وما شعر بحاله إلا وهو ينهض متجهًا صوبها ليسحبها من كفها لتقف بقبالته ويجذبها لتسكن أحضانه واضعًا كفه ليمررهُ فوق ظهرها بحنان حتى هدأت،ليتحدث بنبرة قوية كي يحثها على الخروج من تلك الحالة التي سيطرت عليها:
-إوعي تحملي نفسك ذنب أي حاجة، إنتِ بريئة من كل اللي حصل، وبسام اللي إنتِ زعلانة عليه ده هو السبب في كل حاجة، الله يسامحه مـ.ـا.ت وساب الدنيا والعة
____________________
بعد قليل
كانت تجلس داخل مكتب الضابط المختص بالتحقيق بصحبة المحامي الذي بعثه أيمن، تمم الضابط جميع الآجراءات ليتحدث المحامي مستفسرًا:
-هي القضية هتتحول للنيابة إمتى يا باشا
النهاردة إن شاءالله... هكذا أجابه لتتحدث هي بـ.ـارتباك خشيةً من بطش نصر البنهاوي:
-أنا شايفة إننا نكتفى بالمحضر وعدm التعرض يا أستاذ عبدالسلام
أجابها الضابط بعملية:
-مينفعش يا أستاذة، طالما عملنا المحضر وأثبتنا صحته بشهادة شهود الإثبات يبقى لازم يتحول للنيابة، وبعدين سيادة اللوا قدري الخواجة موصي عليه وقال لنا لازم يتربى
استرسل بإبانة بعدmا رأى ترددها بعينيها:
- تحقيقات النيابة هي اللي هتجيب لك حقك وتعلمه الأدب، لما يلبس في جُنحة هيفكر ألف مرة قبل ما يتصرف بغباء مرة تانية
أطرقت رأسها بموائمة لتتحدث:
-تمام، أنا مضطرة استأذن لو حضرتك مش محتاجني في حاجة تانية لأن عندي ميعاد نيابة ولازم ألحقه
-إحنا كدة خلصنا وتقدري تتفضلي...جملة قالها الضابط لتنهض مستأذنه لتتحرك سريعًا باتجاه مبنى النيابة التابعة له،قادت بأقصى سرعة لتستطيع الوصول قبل حلول الوقت المحدد كي لا تدع للمدعو فؤاد فرصة مضايقتها،أخيراً وصلت قبل الميعاد بخمسة دقائق،سألت على مكتبه فارشـ.ـدها أحدهم،اقتربت من رجل الأمن الواقف أمام باب المكتب وطلبت منه إبلاغ وكيل النائب العام بحضورها وناولته بطاقة تعريفها، طلب منها الرجل الإنتظار لحين اتخاذ الإذن لها،ولج للداخل مغلقًا الباب خلفه ليتحدث بتوقير وهو يقدm البطاقة لذاك المنكب على أوراقه بتمعُن:
-الأستاذة بتقول إن عندها ميعاد مع حضرتك يا باشا
رفع رأسهُ وبسط كفه ليأخد البطاقة مدققًا النظر بها، إبتسامة ساخرة خرجت من جانب ثغره ثم ضيق عينيه وهو يحك ذقنه بأصابع يده ليقول بعد تفكير:
-خليها واقفة برة لحد ما أضـ.ـر.ب لك الجرس
خرج العامل ليبتسم بخبث بعدmا عقد النية لمعـ.ـا.قبتها على المعاملة التي لم تلقى استحسانه بالأمس، بالخارج،تمللت بوقفتها بعدmا مر أكثر من نصف ساعة وهي بالانتظار دون حدوث جديد، شعرت ببعض الألام بساقيها لتنظر لذاك الواقف قائلة بامتعاض:
-هو أنا هفضل مسنية كتير؟!
-الباشا قال لي مدخلكيش غير لما يضـ.ـر.ب الجرس... قالها باقتضاب كتمثالٍ لتهتف هي بحِنق:
-أنا مالي ومال جرس الباشا بتاعكم،أنا ميعادي الساعة 11، والساعة الوقت 12إلا ربع
واسترسلت بعينين غاضبتين:
-تدخل تقول للباشا بتاعك إني لو مدخلتش حالاً همشي وابقى أجي له وقت تاني يكون فاضي يشوف شُغله فيه
ارجع ظهره للخلف وابتسم مستمتعًا بعدmا توغل داخلهُ شعورًا بالتشفي،تحمحم لينظف حنجرته قبل ان يهتف بقسوة مناديًا على الحارس الذي هرول إليه ليقول الاخر بصرامة مخيفة أجاد رسمها:
-إيه اللي بيحصل برة يا أمين،ومين دي اللي إتجرأت وعلت صوتها في حضرت النيابة؟
-دي الاستاذـ... قطع حديثه اقتحام تلك الغاضبة للمكتب حيث قالت بنبرة صوت لاذعة تنمّ عن استيائها الشـ.ـديد:
-أنا اللي إتجرأت يا سيادة المستشار
تراجع فى مقعده وضيق عينيه ليرمقها بازدراء قائلاً بلهجة متعجبة:
-إنتِ إزاي تدخلي عليا من غير ما أذن لك؟!
لم تهتم بحديثه اللاذع ولا بنظراته النارية بل تحدثت بثقة وحنق أظهرا كَم إستيائها:
-أنا واقفة برة ليا ساعة إلا ربع منتظرة حضرتك تطلبني علشان أقول شهادتي وأمشي،بس وقفتي طالت ومش عارفة هفضل مستنية لحد إمتى!
-وإيه المشكلة لما تقفي ساعة وإتنين،اللي يشوف حمقتك يقول إن مصالح البلاد والعباد متوقفة على جنابك...نطقها متهكمًا لترمقه بنظرات ثاقبة وهي تقول بحزم بعدmا تيقنت أنه قاصدًا ليرد لها ما حدث معه بالأمس:
-المفروض إننا في نيابة يعني المواعيد ليها إحترامها وقُدسيتها،مش واقفة في فرنة بلدي علشان أستنى ساعة واتنين لما صاحب الفرنة يحن عليا ويديني دور في طابور العيش؟
أشار للعامل ليخرج ثم تراجع بمقعده الهزاز وأخذ يدور يمينًا ويسارًا وهو يرمقها بعينين بـ.ـاردتين كالصقيع ليقول بنبرة ذات مغزى:
-أعرف ناس حياة العباد متوقفة على شغلها حرفيًا ومع ذلك انتظرت ساعة بحالها
ابتسمت ساخرة بجانب فمها بعدmا تأكدت من حدسها لتتحدث بذات مغزى:
-طب كويس،كدة يبقى صفينا حساباتنا، ممكن بعد إذنك نبدأ التحقيق علشان ألحق ميعاد شغلي؟
رفع سماعة الهاتف الأرضي دون أن يلتفت إليها قائلاً بجمود:
-تعالى لي في مكتبي حالاً يا سامي
اغلق الهاتف ثم أشار بكف يده بغرور كي تجلس دون أن يتفوه بحرفٍ، رمقته ثم جلست بحدة ليحضر كاتب النيابة بعد قليل ويبدأ بأخذ أقوالها بجدية وموضوعية وكأن شخصًا أخر تلبس شخصيته،شخصًا حكيمًا عاقلاً عادل،سألها بجدية:
-الإسم والسن والعنوان والحالة الإجتماعية؟
اجابته بثقة:
-إيثار غانم محمد حسان الجوهري
عندي ثمانية وعشرين سنة، ساكنة في مدينة نصر، عنواني بالكامل موجود في البطاقة اللي مع حضرتك
نظر للبطاقة التي أمامه فوق سطح المكتب ليناولها للكاتب لمليء البيانات لتسترسل هي:
-الحالة الإجتماعية "مطلقة"
ضيق عينيه مستغربًا لينفض سريعًا تلك الافكار التي اقتحمت مخيلته ليُلقي عليها سؤالاً تلو الأخر
إنتهت من تقديم إفادتها ليتحدث بجدية:
-كدة خلصنا
نهضت بحدة ثم تحدثت وهي تستدير للمغادرة:
-بعد إذنك
أوقفها صوته البـ.ـارد حيث قال قاصدًا استفزازها وكأنه أُعجب بحالة التنافر والتجاذب التي خُلقت بينهما منذ أن إلتقيا بالأمس:
-هتمشي من غير ما تدوقي قهوتنا؟
إلتفت تنظر عليه بجبينٍ مقطب وعقلٍ غير مستوعب،نهض وإلتف حول مكتبه ليقف أمامها، لقد كان مظهرهُ جذابًا للغاية،تطلعت لطوله الفارع وجسده الرياضي الذي ظهر من خلال ثيابه حيث كان مرتديًا بدلة سوداء وقميصًا مماثلاً محكمان على جسده مع وضعه لربطة عنق رمادية اللون ورائحة عطره المميزة التي ملئت أرجاء المكان ليتعمق بمقلتيها بعينيه الحادتين اللتان تتابعاها بدقةليتحدث بنبرة هادئة وكأنهُ تحول لأخر:
-سبق لما زرتك في مكتبك طلبتي لي قهوة وضيفتيني بيها، أنا كمان عاوز أضيفك وأشربك قهوة،بس قهوة بجد
إزداد إنعقاد حاجبيها ليستطرد هو بكلمـ.ـا.تٍ متقطعة لتجعل منهُ مُثيرًا:
-قهوة فؤاد، علام، زين الدين
1
كان ينتظر رضوخها لسطوة وسامته كغيرها من النساء اللواتي قابلهُن بحياته، فجميعهُن يذُوبن بمجرد رؤيته وكعادته لم يبالي بهن وكأنهُن والعدm سواء،فما بالك بتلك التي يقف أمامها ويحدثها بكل ذاك الإهتمام لكنها فاجأته بنظراتها الحادة حيث تحدثت بذات مغزى:
-ضيافتك وصلتني يا سيادة المستشار، متشكرة لأفضالك
ابتسم باستفزاز وتحدث قائلاً:
-إنتِ مش لسة قايلة من شوية إننا صفينا حساباتنا؟
ليسترسل بمداعبة في محاولة منه بتلطيف الاجواء:
-خلينا نشرب قهوة على الأقل مايبقاش ليكِ جمايل عليا.
أنا متأخرة على شُغلي يا افنـ.ـد.م، فياريت لو مفيش حاجة خاصّة بالتحقيق تسمح لي أمشي... قالتها بملامح وجه حانقة ليُشير بكف يده باتجاه الباب بملامح تحولت لمقتطبة بفضل إسلوبها المنفر لتقول هي باستياء:
-بعد إذنك
خرجت كالإعصار ليتأكد حينها بأنها وصلت للمنتهى مما فعلهُ به، تنفس بهدوء ليعود لمكتبه من جديد متابعًا عمله ولكن بذهنٍ شارد بتلك الفرسة الجامحة وهذا النوع من النساء الذي يصادفه للمرة الأولى بحياته
___________________
في تمام الساعة الثانية عشر ظهرًا
دخل منزله كالإعصار المدmر حتى استقر بمنتصف البهو ليهتف بنبرة صاخبة زلزلت أركان المنزل بأكملها:
-سُمية، إنتِ ياللي إسمك سُمية
خرجت من المطبخ لتهرول إليه لتتبعها ياسمين ومروة اللتان كانا يتابعان تجهيز الغداء تحت ارتيابها من عدm إجابة زوجها إلى الأن على إتصالاتها المتكررة لكنها كبتت إنزعاجها بناءًا على تعليمـ.ـا.ت إجلال الصارمة، وقفت أمامه بجسدٍ مرتجف بعدmا رأت نارًا مشتعلة بعينيه الغاضبة ليُمسكها من ذراعها يهزها بعنفٍ شـ.ـديد وهو يقول بسخط:
-جوزك فين؟ خ
إبتلعت لُعابها وظهر الرعـ.ـب بعينيها لمحت إجلال قد خرجت من غرفتها لتنظر إليها بنظراتٍ مستنجدة، استشاط داخله من صمتها ليصـ.ـر.خ بوجهها:
-مـ.ـا.تردي يا بت، جوزك فين؟
-فيه إيه يا حاج،بتزعق ليه...جملة قالتها إجلال بداخلاً مرتعب ليهتف الاخر صارخًا:
-فيه إن بنت ناصرة ضحت علينا وقالت لك إمبـ.ـارح إن جوزها نايم فوق وهو بايت برة البلد كلها
اتسعت عيناه عنـ.ـد.ما رأى عدm تفاجيء زوجته بالموضوع بل أنها أمسكت كفه لتفلته من فوق ذراع تلك التي تكاد تفقد أنفاسها من شـ.ـدة رعـ.ـبها:
-سيبها وتعالى نتكلم في أوضتنا يا حاج
قطب جبينه وسألها بتشكيك:
-أسيبها إزاي، بقول لك البِت قرطستني
-هي جت الفجر خبطت علينا وقالت لي وانا محبتش ازعجك،وقولت أكيد سرح في الوقت مع أصحابه ونام عند حد منهم...قالت كلمـ.ـا.تها بهدوء كي تحسه على الاسترخاء لكنها فوجئت باحتدام ملامحه ليهمس مذهولاً:
-يعني مرات إبنك كانت جاية تقول لنا علشان نشوف البيه بيتسرمح في انهي داهية تاخده لوش الفجر وإنتِ اللي منعتيها تتكلم؟
زفرت بضيق مع تقليب عينيها بضجَر لتهتف ناهرة إياه بنبرة حادة:
-هو كان حصل إيه للغاغة اللي إنتَ عاملها دي كلها يا نصر؟
رمقها بغضب ليصيح ملقيًا اللوم عليها:
-حصل إن إبنك بايت في القسم يا ست إجلال،إبن نصر البنهاوي عضو مجلس الشعب اللي بتتهز له شنبات بات في القسم إمبـ.ـارح
لطـ.ـمـ.ـت خديها ليزيدها من البيت شعر قائلاً بغضبٍ عارم:
- وياريتها جت على قد كدة ووقفت،ده المحضر إتحول من نص ساعة على النيابة وكمان شوية الصحافة هتاخد خبر وأعدائي ماهيصدقوا
-إيه الكلام اللي إنتَ بتقوله ده يا نصر؟...نطقتها وهي تخبط على صدرها بكفيها ليصيح بحدة:
-اللي سمعتيه يا اختي،ما أنتِ لو كنتي قولتي لي من ساعتها كنت عملت إتصالاتي وعرفت مكانه ولحقت المصيبة قبل ما تكبر، كنت هسكت ظابط القسم بقرشين ونخلص الموضوع، ولو ملوش في السكة دي كنت هجيبها له من اللي فوق منه وأخليه يقطع المحضر ولا من شاف ولا من دري
قالها بغضب ليسترسل بحدة:
-إنما بعد ما المحضر اتحول للنيابة مستحيل يخرج منها إلا لما بنت الجوهري تروح بنفسها للنيابة وتتنازل عن المحضر
برقت سُمية عينيها وهتفت مستفسرة والغيرة تنهش قلبها:
-وإيه دخل بنت الجوهري في الموضوع يا عمي؟
إبقي إسألي البيه لما ييجي لك يا اختي... نطقها وهو يهز رأسهُ باستهزاء ليتكرر السؤال مرةً أخرى ولكن تلك المرة من المتجبرة زوجته حيث سألته بعينين متسعتين:
-بنت الجوهري مالها بحبس عمرو يا نصر؟
العرة إبنك راح لها البيت الساعة إتنين الفجر وهو سـ.ـكـ.ـر.ان واتهجم على شقتها وفضل يخبط قدام الجيران، والبوليس جه أخده
واستطرد باستهجان:
-والست إيثار راحت القسم وعملت له محضر تعدي، والجيران عملوا له محضر إزعاج، والشرطة لبسوه في محضر سُكر...كان يتحدث مشوحًا بكفاه من يراه يتيقن أنهُ اوشك على ذبحة صدرية ليستطرد بعينين حاقدتين :
-وطبعًا لازم أروح بنفسي لبنت الجوهري وأترجاها علشان تتنازل عن المحضر
يا لهوي يا لهوي يا لهوي...قالتها وهي تلطم وجنتيها تحت ذهول ياسمين ومروة وسمية التي شعرت بنار الغيرة تسري بأوردتها لتسترسل إجلال صارخة بنظراتٍ لائمة:
-وإنتَ سايب الواد مرمي في النيابة وجاي تحقق معايا أنا ومـ.ـر.اته يا نايب الدايرة؟
تنزل حالإ على مصر ومـ.ـا.ترجعش غير وإبني في إيدك، إتحرك يا نصر... نطقتها صارخة بأمر ليهتف وهو يجز على نواجذه من شـ.ـدة غيظه:
-إنتِ كمان ليكي عين تعلي صوتك وتتأمري
كادت ان تنهره لولا تدخل سمية التي أمسكت كف يده وتحدثت وهي تنظر له بنظراتٍ ذليلة:
-وحياة حبيبك النبي يا عمي لتروح تطلعه وبعدين إبقى تعالى ولومنا، إن شالله حتى تولع فينا، بس تطلعه الاول من المصيبة دي.
وزع رمقاتهُ الغاضبة بين كلتاهما ليزفر بضيق ثم هاتف نجله البكري طلعت المتواجد بالأراضي الشاسعة التابعة لوالده ليتابع ما يقوم به الفلاحون من أشغال خاصة بالزراعة والري وطلب منه أن يحضر في الحال ويترك أمر المتابعة لشقيقه حسين،ودخل غرفته ليأخذ بعضًا من رزم المال الورقية ويحملها بجيب جلبابه الكبير وينصرف تاركًا خلفه هؤلاء الأربع لينتحبن ويلطمن وجناتهن ليعلوا صوت تلك الغاضبة حيث توجهت باتهام لوالدة زوجها:
-إنتَ السبب في اللي حصل لـ عمرو، لو قولتي لعمي كان إتصرف ومكناش وصلنا للي إحنا فيه ده
حُبست أنفاس كلاً من مروة وياسمين ووضعتا كفاي يديهما فوق فاههما لتجحظ عيني الاخرى وهى ترمقها بنظراتٍ حارقة ولو كانت النظرات تصيب لانتهى أمر سُمية وتحولت لرمادٍا في الحال، همست بفحيح كالحية التي تستعد لبخ سمها بعيناي ضحيتها:
-يا نهار أبوكِ إسود،إنتِ إتجننتي ولا إيه يا بت؟
واستطردت بذهول وهي تقترب منها كالأسد الذي ينقض على فريسته:
-جبتي منين الجرأة اللي جمدت قلبك وخلتك تكلمي ستهم كدة؟!
ارتجف جسدها عنـ.ـد.ما رأتها تُقبل عليها والشرر يتطاير من مقلتيها لتأخذ خطوات استباقية وتتوارى خلف ياسمين التي هتفت برجاء وهي تضع كفيها بصدر إجلال برفقٍ:
-هدي نفسك يا مرات عمي، دي بت هبلة وبتهلفط بكلمتين من حرقة قلبها على اللي حصل لجوزها
-الهبلة تتأدب علشان تاخد بالها من كلامها مع "ستهم"بعد كدة...قالتها وهي تجذب تلك المختبأة وتنزل بكل قوة فوق وجنتها بصفعة قوية أحدثت صوتًا من شـ.ـدتها لتسترسل وهي ترفع قامتها بكبرياء:
-وبعدين هو كان إيه اللي حصل لجوزها يا ست ياسمين إنتِ كمان، ده أبن "نصر البنهاوي "بجلالة قدره والكل عارف كدة،وأكيد الظابط النباطشي نيمه في مكتبه واتعامل أحسن معامله، ميقدرش يعمل غير كدة لأن الكل عارف مين هو سيادة النايب نصر البنهاوي وعارفين إن اللي بيقف في سكته بيتإذي
واستطردت بوعيد:
-والقادرة بنت منيرة هتدفع تمن عملتها السودة دي غالي
ارتعبت أوصال زوجات أبناءها الثلاث لتتراجع هي للخلف ثم امسكت خصلة من شعرها ولفتها على أصابع يدها لتتحدث بفحيح بعدmا تحولت ملامح وجهها لحاقدة:
-وحياة شعري ده ولا يكون على حُرمة، لأخلي بنت منيرة تتحسر على شبابها واجيبها له لحد عنده تركع تحت رجليه وتترجاه عشان قلبه يحن ويعتبرها مَرة زي زمان
1
اشتعل قلب سمية وزاد كرهها لتلك المرأة المتجبرة وعلمت حينها أن لا مفر من رجوع تلك الإيثار لزوجها ويرجع هذا لتيقنها بقدرة هذه المرأة على تنفيذ اية فكرة تصمم عليها لتتحسر على حالها وتنتظر القادm بقلبٍ مشتعل، فقد تيقنت أن القادm ليس بهين على الجميع
____________________
وصل نصر ونجله البكري أمام منزل غانم ليصف سيارته الفاخرة ويترجلا متجهين لذاك المنزل البسيط، وجد الجميع بانتظارهما بناءًا على مكالمة تمت بين طلعت وعزيز أبلغ من خلالها الاول بحضور الثاني بصحبة والده مما أسعد قلب عزيز الذي ربط سبب مجيء نصر بطلبه رسمي لرجوع شقيقته لنجله المدلل وهذا ما بات يتمنى تحقيقه بشـ.ـده، ولج الجميع للداخل ليتحدث غانم بترحاب:
-يا مرحب، يا ألف أهلاً وسهلاً يا سيادة النايب
كان يتحدث بترحاب وهدوء تحولا لتعجب بعدmا هتف الأخر بوجهٍ صارم ينم عن مدى غضبه:
-هي بنتك خليت فيها أهلاً ولا سهلاً بعد اللي عملته يا غانم؟
سألهُ بنبرة متـ.ـو.ترة:
-إيثار!
-هو أنتَ عندك بلوة غيرها...نطقها بحدة ليهتف عزيز بحدة وخنوع:
-عملت إيه مقصوفة الرقبة؟
رمقه غانم بنظرة نارية غاضبة ليتلبك بوقفته ليقطع نظراتهم حديث نصر الغاضب:
-بنتك المحترمة بنت الاصول المتربية كتبت بلاغ في عمرو إمبـ.ـارح وخلته قضى ليلته في الحجز
اتسعت عيناي منيرة وذُهل الجميع ليستطرد بتغطرس:
-طب لو مش باقية على العِشرة والهنا والعز اللي اتمرمغت فيهم لما كانت متجوزاه،على الاقل كانت عملت حساب لإبنه اللي أنا سايبهولها بمزاجي علشان يفضل الود موصول لحد ما ربنا يهديها وترجع لجوزها هي وإبنها
ليستطرد بافْتِخار:
-إبنها اللي معيشاه في حتة شقة قد الجُحر وحرماه من ثراية جده اللي يرمح فيها الخيل.
-إيه اللي حصل وخلى بنتي توصل بإنها تشتكي على عمرو يا سيادة النايب؟...سؤال طرحه غانم على نصر الذي صاح بتهرُب:
-إحنا في إيه اللي حصل ولا في إبني اللي مرمي في الحجز بسبب بنتك يا غانم
نكس رأسه ليهتف الأخر أمرًا بوجهٍ صارم:
-يلا معايا ننزل مصر علشان ناخد الهانم على النيابة تتنازل عن المحضر
-أنا اللي هاجي معاك يا حاج نصر...قالها عزيز بجسده المشـ.ـدود المنتصب نتيجة غضبه العارم الذي اصابه من أفعال شقيقته التي تقف دائمًا عقبة أمام تحقيق رغباته وأطماعه بالحياة،ليسترسل وهو ينظر لوالده المتعجب:
-أبويا تعبان وصحته مـ.ـا.تتحملش بهدلة الطريق والمرمطة في الاقسام
على الفور وافق نصر لعلمه بقوة شخصية عزيز وإستطاعته التأثير والضغط على تلك المتمردة، وقف "أيهم" الإبن الاصغر لـ غانم ليتحدث بعدmا شعر بتـ.ـو.تر عضلات عزيز وتيقن بأنهُ من الممكن أن يأذي شقيقته إذا مانعت التنازل:
-أنا كمان جاي معاكم
وقف نصر مقابلاً غانم ليقول بوصاية مشيرًا بسبابته:
-انا ماشي يا غانم، تتصل ببنتك وتعقلها علشان لما نوصل لعندها نروح على النيابة على طول، وإلا قسمًا بالله اخليها تعض على صوابع إيديها من اللي هعمله فيها، أنا مش قليل عشان ابني يترمي في الحبس بسبب واحدة قليلة عقل زي بنتك
نكس رأسه بخنوع لعلمه سطوة ذاك المتجبر وما يمكنه فعله بابنته المسكينة التي تجرعت المرار على يد نجله المدلل لتُكمل عليها والدتها وشقيقاها عزيز ووجدي، تحرك الجميع للخارج لتهتف منيرة وهي تدق على فخديها بنحيب:
-أنا عارفة إن عيالي مش هيشوفوا راحة طول ما هي قاعدة لنا في مصر لوحدها
حولت بصرها إلى ذاك البائس لتسترسل بنبرة لاذعة:
-شوفت أخرة دلعك فيها يا غانم، علشان تبقى تتصدر لها تاني وتقف في وش إخواتها عشانها، دي واحدة مستبيعة ومش هتسكت إلا لما نصر البنهاوي يحط اخواتها في دmاغه ويطوحنا من البلد كلها
تنهد بضيق وهو يرمقها بحدة لتُمسك هي بهاتفها مسترسلة وهي تضغط زر الإتصال برقم ابنتها:
-أما أشوف اخرتها معاكِ يا بنت منيرة
-بدل ما تندبي وتولولي علشان عيالك الرجـ.ـا.لة إطمني الأول على بنتك وإسأليها إبن نصر عمل لها إيه خلاها تتجنن وتروح تشتكيه...كلمـ.ـا.ت نطقها بتبكِيت علها تشعر بصغيرتها وتسترد مشاعر الأمومة نحوها لكنها لم تبالي بحديثه حيث هتفت بحنقٍ وكأنها لم تستمع لما قال:
-بردوا مبتردش
بسطت ذراعها باتجاهه لتسترسل:
-هات تليفونك اتصل عليها منه، هي مش هترد عليا لو قعدت أرن عليها للصبح أنا عارفة
ناولها هاتفه لتتصل ولكن دون جدوى مما أشعل داخلها
___________________
داخل مسكن إيثار
كانت تجلس فوق مقعدها الهزاز الموجود بالشرفة المنفتحة على البهو عاقدة حاجبيها بضيق وهي تتطلع إلى الأفق البعيد بشرودٍ تام، تنهدت ومدت يدها صوب الطاولة لالتقاط كأسًا من مشروب البرتقال الطازج قد صنعته لها عزة فور عودتها من النيابة مباشرةً بعدmا أخبرتها بأن أيمن قد منحها إجازة من عملها اليوم لتُريح أعصابها مما حدث بالأمس،يقابلها صغيرها يتناول الحلوى المحببة لديه والتي جلبتها لهُ معها من الخارج كي تجلب السرور على قلب ذاك المسكين الذي لم يحظى بحياة أسرية مستقلة كجميع الأطفال،استمعت إلى رنين الهاتف للمرة التي لا تعلم عددها والمتصل واحد، وهي والدتها التي لم تستسلم لعدm ردها لتحاول من هاتف والدها كي تخبرها بأمر عودتها لذاك الـ عمرو، هكذا فسرت ما يحدث، تجاهلت الرنين واكملت إرتشاف مشروبها،ليتحدث الصغير بلطافة:
-إنتِ ليه مش بتردي على تليفونك يا مامي؟
-ده رقم غريب يا حبيبي،وإحنا مش بنرد على أرقام غريبة...ابتسم لها الصغير وتابع تناول الحلوى من جديد لترفع هي الاخرى الكأس وهي تقربه من شفتيها ليقطع انـ.ـد.ماجها صوت طرقات قوية فوق الباب بجانب رنين الجرس المتواصل مما ازعجها لتهرول صوب الباب بعدmا أوصت الصغير على عدm الخروج من الشرفة ومتابعة الاستمتاع بالحلوى، قابلتها عزة التي خرجت من المطبخ قائلة:
-خير يا رب، مين اللي بيرن الجرس بالشكل ده، هو أحنا مش هنخلص
واسترسلت بذعر بعدmا رأت إيثار تقترب من الباب استعدادًا لفتحه:
-مـ.ـا.تفتحيش إلا لما تبصي من العين السحرية
رأت الصواب بحديثها لتقترب من فتحة الباب الصغيرة تستكشف الطارق، قطبت جبينها عنـ.ـد.ما رأت صورة شقيقها الصغير "أيهم"والذي صدره" عزيز"لعلمه مدى تعلق تلك المتمردة به،تعجبت لتلك الزيارة المفاجأة لكنها سُرعان ما ابتسمت وامسكت مقبض الباب لتفتحه بلهفة ترجع لحبها الزائد لذاك الوسيم،تراجعت للخلف بقوة أثر دفعة قوية تلقتها بكتفها من عزيز كادت أن تبطحها أرضًا لولا عزة التي اسرعت عليها لتُسندها،رفعت عينيها وتعمقت بنظراتها المرتعبة لتلتقي بنظراته الجحيمية ليقول بفحيحٍ:....
↚
رمق أيهم شقيقه بحدة ليهتف بنبرة عاتبة وهو يقترب من شقيقته:
-هو ده اللي إتفقنا عليه يا عزيز، مش وعدتني وإحنا في الطريق إنك هتتكلم معاها بالراحة!
أشار بسبابته على فمه مع إلقاءه لنظرة تهديدية ليبتلع الأخر كلمـ.ـا.ته بـ.ـارتياب خشيةً بطش ذاك البغيض الذي تملكه الشيطان ليتغلب حقده على إنسانيته
رفعت عينيها وتعمقت بنظراتها المرتعبة لتلتقي بنظراته الجحيمية ليقول بفحيحٍ مخيف:
-صممتي على الطـ.ـلا.ق من الراجـ.ـل اللي بيحبك وشاريكِ وبلفتي دmاغ ابوكِ وخلتيه وافق وقولنا ماشي،نشفتي دmاغك وقولتي هتسيبي البلد وتيجي تعيشي هنا لوحدك واتحججتي بإنك عاوزة تشتغلي علشان محدش يصرف عليكي وبردوا لعبتي بعقل ابوكِ الغلبان وسكتنا واتحملنا مساختك ودmاغك الناشفة،
واستطرد وهو يقترب عليها بعينين تطلقان شزرًا تحت استحسان نصر لحديثه الشفى لغليله من تلك المتمردة:
-الراجـ.ـل عمال يبعت لك علشان يرجعك تاني لعصمته ويلمك في بيته وبتتمنعي وقولنا مقبولة، حقك تدلعي لك شوية عليه قبل ما ترجعي
قبض على رسغها بقوة من حديد حتى شعرت بتمزق أوتارها تحت قبضته ليستطرد بحدة هادرًا بعينين حاقدتين:
-لكن يوصل بيكي الحال إنك تسجني أبو إبنك وتفضحينا في البلد وتخلي الناس تقول غانم معرفش يربي، هنا بقى أنا اللي لازم أقف لك واكـ.ـسرلك دmاغك دي
سحبها إليه بقوة لتصيح عزة وهي تجذبها منه بقوة:
-سيبها بدل ما أصوت وألم عليكم الجيران،جايين تتهجموا علينا في عز النهار،إنتوا فاكرينها سايبة ولا إيه يا جدع منك ليه؟
جذب شقيقته بقوة أكبر ودفعها لتترنح بعيداً لينقض على تلك الـ عزة مشـ.ـددًا قبضته على فكيها حتى كاد أن يسحقهما ليهتف مهددًا إياها وهو يرمقها بنظرات مُرعـ.ـبة:
-إخرصي يا ولية بدل ما أخرصك بطريقتي وأتاوي جتتك في حتة ميعرفهاش الجن الازرق
إنتفض جسدها رُعبٕا لتهتف إيثار بصوتٍ عالِ:
-سيبها يا عزيز،مشكلتك معايا مش معاها.
دفعها لتقع أرضًا تحت رُعبها ليلتفت لتلك الواقفة تنظر إليه بحدة مماثلة كـ حدة الصقر،تعجب من صمودها وقوتها وللحظة شرد بتغييرها الجذري لكنه نفض أفكاره وهتف أمرًا بصرامة:
-تدخلي تغيري هدومك علشان تنزلي معايا أنا وسيادة النائب وتسحبي البلاغ، وبعدها تجهزي نفسك علشان هتنزلي معانا البلد،وتعملي حسابك إن كتب كتابك على عمرو هيكون بكرة
حررت ذراعها من قبضته وهتفت بصرامة وهي ترمقه بأعينها الفاحصة من رأسه لأخمص قدmيه بازدراء:
-وإنتَ بقى اللي قررت كدة من نفسك!
واستدارت برأسها تتطلع على ذاك الواقف واضعًا كفاه بجيبي جلبابه الفخم بخيلاء ويبدوا على وجهه الراحة والاستمتاع بما يحدث،لتسترسل باستفزاز:
-ولا دي أوامر سيادة النائب نصر البنهاوي وإنتَ جاي تنفذها
1
اشتعلت عينيه بشرارات الڠضب وكاد أن يهجم عليها ليسدد لها بعض اللكمـ.ـا.ت لتأديبها لولا ذاك الي وقف امام شقيقته ليحميها بجسده قائلاً بنبرة حادة:
-كفاية يا عزيز، دي مهما كانت أختك
للحظة شعرت بالامان وهي تحتمي بظهر شقيقها الأصغر قبل أن يتسلل إلى مسامعها صوت ذاك الخبيث الذي تمقته ليقول بقوة:
-خلاص يا عزيز، مش وقت اللي إنتَ بتعمله ده، خلينا في اللي إحنا جايين علشانه
بكل شموخ خرجت من وراء شقيقها لتقف أمامه وتتسائل:
-وإنتَ جاي بعد كل السنين دي يا سيادة النائب وبتؤمرني في قلب بيتي إني أروح أتنازل عن البلاغ اللي قدmته في إبنك
واستطردت باستنكار:
-بإمارة إيه عاوزني أروح أتنازل عن واحد إتهجم عليا في انصاص الليالي
لتحيل بنظرها سريعًا إلى شقيقها الأكبر لتصيح باستياء:
-واخويا الكبير، بدل ما يقف معايا ويروح يقول لك عيب يا سيادة النائب، لِم إبنك وابعده عن أختي وإلا مش هيحصل طيب، جاي يتهجم عليا هو كمان
ده أنتَ حتى مسألتنيش إذا كان اذاني ولا لاء!
اغرورقت عينيها بالدmـ.ـو.ع لتسترسل بغصة مريرة:
-إنتَ عارف أنا كنت حاسة بإيه وأنا وإبني لوحدنا وهو عمال يخبط وبيحاول يكـ.ـسر الباب عليا وهو سـ.ـكـ.ـر.ان،ساعتها بس حسيت إني مليش أهل وإني وحيدة
إقترب عليها أيهم وهم ليسحبها بأحضانه لكنها نفضت يده لتبتعد عنه وهي تستمع لعزيز الذي هدر بقوة:
-ومين اللي خلاكي وحيدة، مش عمايلك السودة ودmاغك الناشفة اللي عاوزة تتكـ.ـسر
انكمشت ملامحه بازدراء ليستطرد باستنكار:
-وبلاش الشويتين بتوعك دول علشان مبياكلوش معايا، دول ممكن تضحكي بيهم على أبوكِ الغلبان ويصدقك، بس أنا لا، لأني فاهمك وفاهم خبثك كويس قوي يا بنت أبويا
ابتسمت بمرارة ليهتف ذاك الذي لم يعد يتحمل جدالهما السخيف بالنسبة له:
-خلصونا في ليلتكم دي
ليستطرد أمراً وهو ينظر إليها بلامبالاة:
- يلى يا بنتي ادخلي البسي عشان نلحق النيابة
فاجأتهُ بابتسامة ساخرة ارتسمت فوق محياها لترمقه بنظرة قوية،فقد تغيرت عن الماضي كثيرًا، لم تعد أبدا تلك الذليلة الضعيفة فقد تخطت ماحدث وأصبحت أقوى مما كانت عليه بالماضى وهي الان مستعدة لمواجهة الشيطان بذاته وبكل قوتها، رفعت وجهها لتقول بثقة:
-وإن قولت لا؟
اشتعلت عينيه غضبًا فهذه هي المرة الأولى التي يرفض فيها أحدهم الخضوع وتنفيذ أوامره،هم بالرد ليفاجأه خروج الصغير الذي استمع لصوته ليهرول عليه وهو يردد ببراءة:
-جدو
لم يدري نصر ما الذي يحدث له بكل مرة يرى فيها هذا الصغير الذي يستحوذ بعفويته على قلبه،انشرح صدره وابتسم وجهه تلقائيًا وما شعر بحاله إلا وهو ينزل على ركبتيه فاتحًا ذراعيه لاستقبال حفيده الاقرب بل والأعز إلى قلبه،قطب الجميع أجبانهم وباتوا ينظرون بتعجب من أمر هذا المتجبر الذي نزل للأسفل ليستقبل صغيرًا، الأن وفقط علمت ما سر عشق نجلها لذاك الـ نصر وحديثه الحماسي الذي لم ينقطع بعد أي زيارة له لمنزل جده، بات يقبل كل إنشٍ بوجه الصغير متحسسًا ملامح وجههُ وشعر رأسه الحريري بلونهِ البني الفاتح والذي ورثه عن أبيه وهو ينثر على مسامعه أعـ.ـذ.ب الكلمـ.ـا.ت وحلوها، إنتابها شعورًا بالألم لابتعاد صغيرها عن عائلته لكنها تعلم في قرارة نفسها أن ما فعلته منذ الأربعة أعوام المنصرمة كان هو الافضل لها وصغيرها على الإطـ.ـلا.ق
نظر نصر إليها قائلاً بنبرة تحمل بين طياتها تهديدًا:
-لو قولتي لا، التمن هيكون يوسف، حفيدي اللي أن الأوان إنه يعيش في عز وخير جده
ابتلعت لعابها بصعوبة لكنها سرعان ما استعادت قوتها أمامه كي لا يشعر بضعفها ليعود هو لتقبيل الصغير من جديد ويسود الصمت المكان حتى اجتاز صمتهم صوت هاتف عزيز الذي صدح ليعلن عن وصول مكالمة هاتفية، تحرك إليها ليعطيها الهاتف قائلاً بحدة وهو يرمقها باحتقار أصابها بالنفور:
-كلمي ابوكِ
فتحت الاتصال وتحدثت بعدmا تسلل إلى مسامعها نبرات صوت أبيها الحنون:
-إزيك يا بابا
علم غانم أن شقيقها قد وصل إليها فتحدث باشتياقٍ جارف ظهر بَين بصوته:
-إزيك يا إيثار، عاملة إيه يا بنتي
واسترسل معاتبًا:
-كدة تقعدي إسبوع بحاله متكلميش ابوكِ؟
شعرت بالحنين والحاجة للإرتماء داخل احضانه لكنها سرعان ما أفاقت من شعورها على صوت تلك التي هدرت بجانب والدها وهي تقول بحدة وعملية:
-مش وقت الكلام ده يا غانم، قولها المفيد خلينا نخلص من الورطة اللي رمتنا فيها
ابتسمت بسخرية ليتحدث والدها بضعف واستكانة:
-إسمعي كلام الحاج نصر وروحي معاه عشان تتنازلي عن المحضر يا بنتي
قاطعته قائلة:
-أتنازل إزاي بس يا بابا، ده اتهجم على شقتي وهو سـ.ـكـ.ـر.ان
شعر بالعجز أمام نبراتها الشاكية ولكن ما بيده ليفعله،هو يعلم جيدًا أنه لم يكن يومًا الأب المشرف القوي لها، لم يكن بالأب الحامي لابنته الضعيفة بل تركها للذئاب البشرية كلٍ ينهش بها بطريقته الخاصة حتى كادوا أن ينهوا عليها لولا صمودها وقوتها وإصرارها على النجاة،خرج صوته ضعيفًا ليمزق قلبها حين قال:
-إحنا غلابة يا بنتي ومش قد غضب وغدر نصر البنهاوي، علشان خاطر ربنا وخاطري تتنازلي يا بنتي، أنا مش حمل و.جـ.ـع قلبي عليكِ ولا على إخواتك
سالت دmـ.ـو.عها وانهمرت فوق وجنتيها تأثرًا بصوت والدها الواهن،من أصعب الأشياء التي تواجهها فتاة هو عجز وضغف والدها الذي من المفترض أن يكون لها السد المنيع،لذا ستنصاع لطلبه مهما كانت العواقب لتتفوه بانكسارٍ:
-حاضر يا بابا، أنا هتنازل، بس ده علشان خاطرك إنتَ
ثم حولت بصرها لذاك الذي مازال جالسًا على ركبتيه أمام حفيده وهو ينظر لها شامتًا يشعر بالقوة والإنتصار لتهتف هي باشمئزاز:
-لكن قسمًا برب العزة، لو كررها تاني أو حاول بس يظهر في مكان أنا فيه،ما فيه مخلوق في الدنيا هيقدر يخليني أتراجع على اللي ممكن أعمله وقتها
ابتسامة ساخرة خرجت من جانب فم نصر كانت كفيلة لتخبرها كم أنه يراها ضعيفة بل وذليلة ولا يوجد باستطاعتها فعل حتى أبسط الأشياء
أنهت المكالمة مع والدها لتلقي بالهاتف فوق طاولة جانبية وهي ترمق ذاك العزيز بازدراء اشعل روحه، تمنى لو باستطاعته الإنقضاض عليها دون أن يمنعه أحد ليكيل لها الضـ.ـر.بات واللكمـ.ـا.ت بجميع جسدها كي يشفي غل السنوات الدفين من تلك العنيدة والتي طالما خالفت أوامره و.جـ.ـعلته يبدوا صغيرًا بعين حاله قبل الأخرين، حولت بصرها لنصر لتقول بقوة منتصر:
-أنا داخلة أغير هدومي وهنزل اتنازل عن المحضر، بس ده مش علشان تهديدك ولا علشان أنا قليلة ومش هقدر اقف في وشك يا سيادة النائب، لا
رفعت رأسها بشموخ مسترسلة بكبرياء:
-لازم تشكر أبويا لأن هو الوحيد السبب واللي من غيره مكنتش فيه قوة على الأرض هتقدر تجبرني إني أسحب البلاغ
زفر طلعت بقوة ليهتف غاضبًا باستنكار:
-إنجزي وخلصينا علشان نلحق ميعاد النيابة
نظرت إليه باستغراب لحدة ملامحه التي تشير لقمة غضبه العارم، لم يكن الموقف المهين الذي وضع فيه و والده وحجز شقيقه ليلة كاملة وسط الخارجين عن القانون بل وتحويله إلى النيابة العامة هما فقط ما أوصلاه لهذا الكم من الغضب،كل ما ذُكر لم يشعلوا قلبهُ بقدر ما مزقهُ رؤية أباه وهو يركع لاستقبال نجل عمرو المُدلل والذي ورث دلال العائلة عن أبيه، وأيضًا لكونه لم يستطع إنجاب ذكرًا يحمل اسم العائلة كما فعل عمرو وهذا الذي طالما أشعل قلبه بنار الغيرة والحقد على شقيقه وعلى ذاك الصغير الذي لا ذنب له،رمقته بنظرة نارية لتهتف باستكار زاد من اشتعال صدره:
-ياريت توطي صوتك ومـ.ـا.تنساش إنك في بيتي، وياريت كمان تحط في إعتبـ.ـارك إني بعمل فيكم جميلة بتنازلي عن المحضر وتتكلم معايا بإسلوب أحسن من كدة
نظرت إليه باشمئزاز لتسترسل باستعلاء وسـ.ـخرية أثار دهشة الجميع:
-لأن لولا تنازلي أخوك كان هيقعد له حبتين حلوين في بورتو طرة وسط صفوة المجرمين
حملق بها غير مصدقًا مـ.ـا.تفوهت به وتلك القوة الجديدة على شخصيتها المهزوزة كما عاهدها،هم ليتحدث ليوقفهُ "نصر " بإشارة من عينيه اوقفته لينهي ذاك الصراع الدائر إختصارًا للوقت،وقف فاردًا ظهره ليتلفت حوله حتى استقر بصره على تلك الأرائك المتلاصقة التي تتوسط البهو ليتحدث وهو يحتوي كف حفيده الصغير برعاية شاملة:
-جرى لك إيه يا بنت الحاج غانم، هتسبينا واقفين في بيتك كدة كتير، هي القعدة في مصر نسيتك عوايدنا وكرم الضيافة ولا إيه؟
كرم الضيافة بيتقدm للضيوف يا سيادة النائب...كلمـ.ـا.ت لاذعة قالتها لتسترسل وهي تُشير بيدها إلى الأرائك:
-ومع ذلك إتفضلوا
تحرك الجميع للداخل استعدادًا للجلوس تحت استيائهم لتهتف بصوتٍ مرتفع:
-عزة، تعالي شوفي ضيوفك يشربوا إيه
تحركت لغرفة نومها لتقترب عليهم عزة بوجهها الكاشر مما يدل على عدm تقبلهم لتسألهم باشمئزاز وهي تضع كفًا فوق الأخر:
-تشربوا إيه
غوري يا ولية على جوة،مش عاوزين من خلقتك العكرة حاجة...جملة صاخبة نطق بها طلعت وهو يرمقها باحتقار لتلوي شفتيها بازدراء مع مصمصة شفتيها لتنسحب وهي تبرطم:
-أحسن بردوا،وفرتوا
صاح عزيز باعتراض:
-ميصحش يا طلعت،لازم تشربوا حاجة
-إحنا مش جايين نتضايف في بيت اللي بيتت إبن الحاج نصر البنهاوي في الحبس يا عزيز... كلمـ.ـا.ت ساخطة نطقها طلعت بصرامة ووجهٍ كاشر ثم حول بصره لوالده الذي أجلس حفيده فوق ساقيه ليمد الصغير كفه الرقيق متحسسًا ذقنه ليسأله:
-جدو، هو بابا مش جه معاك ليه؟
تنهد بأسى ليجيبه بقوة بعدmا استعاد وعيه:
-بابا هيجي لك بكرة ياخدك علشان تقعد معانا إسبوع بحاله
-طب ومدرستي؟...نطقها الصغير بتفكُر ليجيبه بتغطرس:
-أنا هخلي المدرسين يطلعوك الاول السنة دي على المدرسة كلها، ومن غير ما تفتح كتاب كمان
هلل الصغير مصفقًا بكفيه الرقيقتين:
-بجد يا جدو؟
أجابهُ بافتخار:
-طبعاً بجد،ده أنتَ حفيد نصر البنهاوي على سن ورومح، فلوس جدك تلين الحديد يا ابن الغالي
هتفت بحنقٍ بعدmا خرجت من حجرتها بكامل ارتدائها لمبلابس الخروج وحملها لحقيبة يدها:
-أنا ليا اربع سنين بعلم إبني الفضيلة ويعني إيه شرف واجتهاد وإزاي يبقى بني أدm ناجح ومعتمد على نفسه،أكيد مش هبذل المجهود ده كله علشان تيجي إنتَ بكلمتين منك وتضيع لي كل اللي ببنيه في لحظة.
هتف بعجرفة:
-الشرف والفضيلة دول للناس الضعيفة اللي ملهاش ظهر ولاسند، مش لـ يوسف عمرو البنهاوي
هزت رأسها بيأس لتهتف بكامل صوتها:
-عزة،تعالي خدي يوسف وخليه يعمل الـ home work على ما أرجع من مشواري
وبكل اعتزاز تحركت أمامهم ليشـ.ـدد طلعت على قبضة يده وهو ينظر لها بحقدٍ دفين،وعزيز الذي شعر بأنه ذليل بعد أن قللت منه أمام نصر ونجله،استقل نصر سيارته بصحبة عزيز وطلعت أما أيهم فذهب مع شقيقته التي أصرت على الذهاب بسيارتها الخاصة، كانت تقود وهي تتطلع للأمام بملامح وجه حادة ليقطع الصمت ذاك الذي سألها باستحياء:
-عاملة إيه يا إيثار
أجابته دون أن تلتفت إليه قائلة بجمود:
-أحسن طول ما أنا بعيدة عنكم
أطرق برأسه فى حـ.ـز.ن ليتحدث وهو يشعر بالعار فوق جبينه:
-أنا عارف إنك زعلانة مني من أخر مرة
ابتسمت ساخرة وهي تتذكر ما حدث منذ ما يقرب من خمسة أشهر لتقول باستخفاف:
-قصدك لما ضحكت عليا وقولت لي إن بابا تعبان وإني لازم أنزل كفر الشيخ حالاً ويا ألحقه يا ما الحقهوش
حولت بصرها عليه لتهتف باحتقار:
-أتاريك متفق عليا إنتَ وأمك واخواتك وجايبين لي سي عمرو مستنيني في البيت ومعاه ورد وهدايا أشكال وألوان علشان يضحك على الهبلة بكلمتين وتحن وترجع له، حتى أبوك الغلبان مسلمش من أذاكم
-غـ.ـصـ.ـب عني والله يا إيثار،إنتِ عارفة عزيز وغباوته... نطقها بهوان لتهتف صارخة:
-كفاية يا أيهم، بلاش تصغر نفسك في عيني أكتر من كدة
تحدث اسفًا بألم:
-أنا بحبك وإنتِ عارفة ده كويس قوي، كل اللي كنت بفكر فيه إنك ترجعي لجوزك وتعيشي في أمان إنتِ وإبنك خصوصًا بعد ما سبتك لوحدك ورجعت كفر الشيخ لما التعيين الحكومي جالي
بابتسامة متألمة أجابت وهي تنظر أمامها:
-حبك مؤذي يا أبن أبويا، عملت زي الدبة اللي قـ.ـتـ.ـلت صاحبها
تنهد بأسى بعدmا تيقن بعدm مسامحتها له ففضل الصمت حتى وصلا
______________
1
دخلت إلى مبني النيابة للمرة الثانية بنفس اليوم ولكن هذه المرة توجهت إلى وكيل نيابة غير الذي إلتقت به في الصباح،ولجت للداخل بصحبة المحامي الذي حضر بناءًا على طلب نصر، تنازلت عن حقها لكنها أصرت على تحرير محضر عدm تعرض من عمرو ووالدهُ لها فاخبرها وكيل النائب العام بأن عليها الذهاب لقسم الشرطة التابعة له لتحرير المحضر،خرج المحامي في الردهة ليخبر نصر بأن النيابة أمرت بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق بالنسبة لمحضر السُكر وإزعاج ساكني البناية الذين تقدmوا بشكاوي، صاح صوت نصر ليجلجل بالمكان قائلاً باعتراض:
-سُكر إيه ونيـ.ـلـ.ـة إيه على دmاغهم، هما ميعرفوش هو ابن مين؟
تحدث المحامي بإبانة:
-إهدى يا سيادة النائب،إحنا في نيابة والكاميرات مزروعة في كل حتة، لو اتسرب لك مقطع فيديو للسوشيال ميديا وإنتَ بتعترض على أمر النيابة هتبقى وحشة في حقك كنائب في البرلمان اللي المفروض أول ناس بتحترم القوانين وحرية القضاء
-أخر همي الزفت اللي بتتكلم عنها دي...قالها بصياح، كانت تقف جانبًا تستمع إلى صريخ ذاك المـ.ـجـ.ـنو.ن وداخلها شامت به وبنجله الغير مسؤل وكأن الله أراد أن يشفي غليل صدرها رغم خنوعها لرأي والدها والخضوع لرغبة الجميع، خرج فؤاد من مكتبه ليستكشف مصدر الصوت العالي قطب جبينه عنـ.ـد.ما رأى تلك العنيدة تتوسط مجموعة من الرجـ.ـال بملامحهم المتشنجة،كانت تهم بالذهاب أوقفتها يد نصر الذي أحكمت السيطرة على رسغها ليهزها بعنف مهددًا إياها:
-رايحة على فين يا بِت،إنتِ مش هتتحركي من هنا غير لما يفرجوا عن إبني
اسرع أيهم ليحاول فك وثاق قبضته وهو يقول بحدة:
-ميصحش كدة يا حاج نصر
لم يدري لما أصابهُ الانزعاج لما رأها عليه وشعر بحاجة مُلحة تجبره على الهرولةِ إليها وجذب رسغها من ذاك الهمجي وتسديد لكمة قويه بوجهه وجذبها لتختبيء خلف ظهره، وبالفعل كاد أن يهم بالتحرك لولا رأى تلك القوية تجذب رسغها بقوة منه لتتحدث بصرامة وملامح وجه حادة تحت نظرات فؤاد المذهولة مما يحدث:
-سيب إيدي وبطل همجية،ولو فاكر إني خايفة منك وعاملة لمنصبك حساب تبقى غلطان،لأن عندي مناصب أعلى منك ألف مرة ممكن تساعدني، ولو فاكر بردوا إني علشان كبرت كلمة أبويا وجيت معاك أتنازل إني هسمح لك تتطاول عليا ولا تتعدى حدودك معايا تبقى واهم ومحتاج تعيد حساباتك من جديد
رفعت رأسها بشموخ للأعلى لتقول بشجاعة تُحسد عليها:
-إيثار اللي قدامك غير البنت الضعيفة اللي كانت في يوم من الأيام مرات إبنك، إيثار الغلبانة اللي بتترعـ.ـب من الصوت العالي وتسمع الكلام بخنوع خلاص، مبقاش ليها أثر،فياريت تبقى ذكي وتتعامل معايا باحترام علشان تقدر تكسبني، وتتقي شري...اتكأت على حروف كلمتها الأخيرة مع نظرة تحذيرية مغزاها عميق مما جعل نصر يُضيق عينيه وهو يتعمق بمقلتيها الحادة كصقرٍ غاضب
واستطردت بقوة تحت ذهول الجميع المتفاجئون بشخصيتها الجديدة والمثيرة للفضول:
-أظن أنا كدة عملت اللي عليا واتنازلت في حقي، حق الحكومة بقى مليش فيه، روح إتصرف مع الحكومة ولو لقيت لها أب خليه يضغط عليها ويخليها هي كمان تتنازل
هتف بصياحٍ عالِ:
-والله عال يا بنت غانم،جه اليوم اللي طلع لك فيه حِس وواقفة تبجحي قدام نصر البنهاوي بعد ما كنتي بتقفي قدامي زي الكتكوت المبلول
-حقك علينا يا حاج،أنا هربيها من جديد وأقطع لك لسانها خالص... كلمـ.ـا.ت مخزية نطق بها عزيز لم تكن بغريبة لديها فقد استمعت بالماضي بالأفظع من ذلك ولم تعد تتفاجيء،ھجم عليها كثور هائج فلت لجامه ليُمسك بمعصمها بقسوة كادت أن تكـ.ـسره،اتسعت عيناي فؤاد الذي جذب انتباههُ شموخ تلك القوية التي تقف ببسالة تدافع عن حالها ونسي أمر مشاجرتهم داخل النيابة،هم بالذهاب لتخليصها من ذاك الهمجي وفض تلك المهزلة لكنه توقف فور رؤيته لخروج صديقه وكيل النائب العام التي تدور المشاجرة أمام باب مكتبه،هدر بالجميع قائلاً بقوة:
-إيه المسخرة اللي بتحصل دي، إنتوا ناسيين إنكم في نيابة!
ارتبك عزيز وأفلت زمام قبضته ليقف كالفرخ المبلول لترمقه إيثار باشمئزاز وتتحرك بطريقها صوب الخروج،ابتعدت قليلاً لتتفاجأ بذاك الواقف أمام باب مكتبه وهو يتحدث إليها ساخرًا:
-مش غريبة أشوفك مرتين ورا بعض في النيابة في نفس اليوم
أثارت سخريته السخط بداخلها مما استدعى غضبها في الحال لترمقه بنظرة نارية وهي تهم بالتحرك بطريقها بعدmا رأت بالتجاهل الحل الامثل لذاك المغرور،فيكفيها ما هي به من مصائب تحل على رأسها واحدة تلو الاخرى منذ الثلاثة أيام، وكأن كوارث العالم أجمع تذكرتها دفعةً واحدة،بداية من حادثة الإغتيال وما أصابها من رُعبٍ جراء تناثر طلقات الرصاص فوق سمائها مرورًا بوفاة ذاك الخلوق أمام عينيها ولم تنتهي عند هذا الحد،بل تهجُم طليقها الحقير وإرعابهُ لها ولصغيرها لتختم بشقيقها وتهجمه عليها ومحاولاته المستمـ.ـيـ.ـتة بظهورها صاغرة أمام أعين نصر ونجله لينتهى بها الحال بإجبـ.ـارها على التنازل عن حقها لتشعر بالذل والمهانة وكم أنها وحيدة ضعيفة بلا سند أو مدد،تحركت خطوة للأمام ليوقفها صوته الأسف وهو يقول معتذرًا:
-ماقصدتش أضايقك بكلامي على فكرة، أنا كنت بحاول أخرجك من التنشنة اللي إنتِ فيها
تنفست بهدوء لتتوقف وهي تنظر إليه بتمعُن ليسترسل متسائلاً باطمئنان:
-فيه مساعدة أقدر أقدmها لك، لو فيه مشكلة أنا ممكن أتدخل
هدأ داخلها قليلاً لتقول بامتنان خرج بصرامة نتيجة ملامحها الحادة:
- متشكرة يا سيادة المستشار على عرض خدmـ.ـا.تك، بس أنا الحمدلله مش محتاجة مساعدة من حد
قطب جبينه مستغربًا صلابتها ولف رأسهُ لينظر على التجمع وهو يرى صديقه مازال يلقي كلمـ.ـا.ته اللاذعة على مسامع هؤلاء المتعدون ليستطرد هو:
-مش محتاجة مساعدة إزاي، ده أنتِ شكلك واقعة في موضوع كبير مع ناس شرانية
شعرت بصدرها يضيق فلقد وصلت لذروتها من الغضب ولم تعد تحتمل المكوث أكثر من ذلك مع هؤلاء الحقراء بنفس المكان، ولذا فقد تنهدت بضيق لتهتف بحنقٍ ظهر بملامحها رُغمًا عنها:
-توقعاتك غلط يا افنـ.ـد.م،أنا هنا علشان أسحب بلاغ كنت قدmته إمبـ.ـارح في طليقي
ضيق عينيه ليقول مرددًا باستغراب:
-طليقك! وإنتِ مقدmة بلاغ في طليقك ليه؟
علشان راجـ.ـل سخيف وحاشر نفسه في حياتي...جملة مقصودة نطقتها بضيق من أسالته الكثيرة التي أزعجتها لتسترسل بحدة وهي تستعد للمغادرة بعدmا فاض بها الكيل منهْ:
-بعد إذن حضرتك
تحركت بالممر تحت عينيه المبتسمة من تذمرها ليقطع طريقها دخول العسكري وهو يشـ.ـدد بقبضته على ذاك المقيد بالأساور الحديدية، اتسعت عينيها بذهول وهي ترى وجه عمر المصبوغ باللونين الأحمر الداكن والأزرق تحت عينه الشمال المتورمة وبجانب شِفته السُفلى المنتفخة وبها بقايا دmاءٍ جافة مما يوحي لتعرضه لضـ.ـر.بٍ مبرح، وقف سريعًا ليتحدث بعينين متشوقتين وكأنه لم يتعرض لكل هذا بسببها:
-إيثار، إنتِ هنا يا حبيبتي
ما زالت تحملق به بعدm استيعاب ليقطع صمتها بصوته الشغوف:
-أنا عازرك في اللي عملتيه ومش زعلان منك،أنا كمان زودتها وخوفتك، بس أوعدك مش هعمل كدة تاني
ليسترسل بتذلُل:
-أهم حاجة تسامحيني ومتكونيش زعلانة مني
قطب فؤاد جبينه وهو يستمع لصوت ذاك الخاضع ليقطع شروده صوت نصر المجلجل الذي صدح بالمكان قائلاً بغضب:
-إنتَ كمان بتستسمحها بعد اللي عملته فيك يا عرة الرجـ.ـا.لة...قالها قبل أن يدقق النظر لوجهه التي شوهته كثرة الكدmـ.ـا.ت ليهمس متسائلاً بذهول:
-مين اللي عمل فيك كدة
كرر سؤالهُ ضاغطًا على أسنانه:
-مين اللي إتجرأ وعمل كدة في إبن نصر البنهاوي!
ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعينيه ليجيب والده مشتكيًا بصوتٍ مختنق كطفلٍ بالعاشرة من عمره:
-المساجين إتكاتروا عليا في الحجز وضـ.ـر.بوني
أمال رأسهُ مرات متتالية بعينين متوعدتين تطلقُ شررًا ثم حول بصره على تلك المذهولة والتي شعرت بالنـ.ـد.م بعدmا حدث له ليهتف ملقيًا اللوم عليها:
-إنتِ السبب في كل ده
واستطرد متوعدًا:
-بس قسم اتحاسب عليه لادفعك تمن اللي حصل في ابني ده غالي قوي يا بنت غانم، هخليكِ تنـ.ـد.مي على اليوم الإسود اللي اتولدتي فيه
-احترم نفسك يا راجـ.ـل إنتَ واحترم المكان المقدس اللي إنتَ واقف فيه...كلمـ.ـا.ت حادة نطقها فؤاد ليسترسل بصرامة وهو ينظر إليها:
-لو حابة تعملي محضر بالتعدي اللفظي يا أستاذة إيثار هخلى حد من الأمن يروح معاكِ القسم وتقدmي بلاغك وأنا بنفسي هشهد معاكِ
ارتعب داخل عزيز ليهتف وهو يقبض على رسغ شقيقته بقوة متلبكًا:
-يا باشا إحنا لا بتوع محاضر ولا بنحب المشاكل أصلاً،وبعدين سيادة النايب نصر باشا البنهاوي يبقى حما أختي وجد إبنها وهي أصلاً بتعتبره زي أبوها
رمقها بنظرة حادة ليستطرد متسائلاً:
-مش كدة يا إيثار؟
جذبت رسغها من كفه بقوة وهي ترمقهُ بازدراء ثم نظرت إلى فؤاد وتحدثت بعينين ممتنتين:
-متشكرة لحضرتك يا افنـ.ـد.م، بس أنا مسامحة في حقي وكل اللي أنا عوزاه إني أمشي من هنا لأن إبني في البيت لوحده
نظر لها متعجبًا تصرفها مع تلك العائلة العجيبة ليشير لها باتجاه الطريق المؤدي للخروج، تحركت دون حديث بعد أن شكرته بعينيها لتسرع بمشيتها وكأنها تهرب من الجحيم تحت صوت ذاك العمرو الذي صدح بحنان:
-خلي بالك من نفسك يا إيثار
اشمئزت من استماعها لصوته المقيت وكادت أن تصم أذنيها،اسرعت بخطواتها حتى اختفت في حين تعجب الجميع حتى فؤاد من أمر ذاك الـ عمرو
-حضرتك غلطت فيا من غير حتى متسألني أنا مين يا سيادة المستشار...كلمـ.ـا.ت عاتبة نطق بها نصر ليضيق فؤاد بين عينيه ليكمل الاخر بخيلاء:
-معاك سيادة النائب نصر حسين البنهاوي نائب مجلس الشعب عن محافظة كفر الشيخ
قالها بكبرياء ليتفاجأ بنظرات فؤاد الثابتة فوقه بتقليل ليقول بلامبالاة:
-النيابة مفيهاش نائب مجلس شعب ووزير، الكل هنا سواسية ولازم يحترموا المكان، الغفير عندنا بيتعامل زيه زي الوزير
ابتلع نصر لعابه أما طلعت فشعر بالغضب من معاملة هذا المتغطرس لوالده وخصوصًا أمام عزيز وأيهم وهو الذي طالما يتحدث ويحكي الكثير عن معاملة والده الخاصة والمهمة من جميع الجهات سواء أمنية أو سيادية والأن جاء هذا الرجل ليقوم بهدm الصورة الخارقة الذي رسمها وصدرها لجميع ساكني البِلدة ليهابه الجميع، قال كلمـ.ـا.ته وانسحب لداخل مكتبه صافقًا الباب بوجه الجميع ونصر المصدوم من تلك المعاملة السيئة وعدm التقدير، قطع صمت الجميع وذهولهم صوت عمرو الذي هتف مترجيًا:
-بابا أرجوك إتصرف وطلعني من هنا،الناس اللي في الحجز دول مجرمين لو دخلت عندهم تاني معرفش ممكن يعملوا معايا إيه
أجابه المحامي بدلاً عن والده الذي ولأول مرة يشعر بالعجز حيال أبناءه:
-إصبر يا عمرو بيه،محضر السُكر ومحضر إزعاج السكان اتحولوا للنيابة واخدت فيهم أربع أيام على ذمة التحقيق،يعني مفيش في إدينا حاجة ممكن نعملها قبل الاربع أيام مايخلصوا
واستطرد بلوم:
-ما أنتَ لو كنت اتصلت بينا وإنتَ لسة في قسم الشرطة كنا طلعناك من غير ما حد يحس بيك، لكن اللي صعب المواضيع هو تحويل المحضر للنيابة
-لا الظابط ولا العساكر رضيوا يدوني تليفوني علشان أكلم أبويا منه... نطقها بيأس وهو يتحرك مع العسكري الذي جذبه وانسحبا لوجهتهما ليهتف والده بصوتٍ واثق ليبث الإطمئنان داخل فؤاد نجله:
-متخافش يا عمرو،كلها يومين وهتبات على سريرك
ليرد عليه نادبًا كالنساء بصوتٍ مُدَوٍّ:
-لسة هستنى يومين،أتصرف وأعمل إتصالاتك يا بابا، أنا مش هينفع أبات في الحجز يوم واحد
قطع تلك اللحظة جملة المحامى حيث قال متكهنًا:
-واضح إن الموضوع متوصي عليه يا نصر بيه
كان يتابع ذهاب إبنه المكبل بقلبٍ يحترق حـ.ـز.نًا وألمًا ليلتفت للمحامي من جديد وهو يقول بفحيحٍ من بين أسنانه:
-الظابط اللي بلغني، قال لي إن فيه لوا كبير كان موصي إن البلاغ يفضل في سرية ومنعوا عمرو يكلم أهله لحد ما البلاغ يتحول للنيابة علشان معرفش اتصرف ولا أخرجه، شكل الراجـ.ـل اللي شغالة عنده المحروقـ.ـة اللي اسمها إيثار هو اللي وصى بكدة
اشتعلت عيني أيهم ليتحدث معترضًا:
-ميصحش كدة يا حاج نصر، أختي عملت بأصلها وجت اتنازلت عن المحضر، ميكنش ده جزائها في الأخر
نكس عزيز رأسه بخزيٍ ليتحدث طلعت ملطفًا الأجواء:
-متزعلش من الحاج يا أيهم،أنا طول عمري بحترم إيثار وبقف دايمًا معاها، بس اللي عملته مع عمرو محدش يقبله ولا يرضى بيه
-ولا اللي عمله عمرو مقبول هو كمان يا أستاذ طلعت... قالها أيهم بحُزن ليهتف عديم الرجولة موبخًا اخاه كي ينال رضى نصر عليه:
-أسكت إنتَ خالص،المفروض تبقى مكسوف ووشك في الأرض من عملة أختك السودة،مش واقف تبجح انتَ كمان وترد على الحاج كلمة بكلمة
رفع نصر رأسهُ لاعلى والقى نظرة رضا عليه ليقول مثنيًا:
-أصيل يا عزيز،اللي بيعجبني فيك إنك جدع وبتقول كلمة الحق حتى لو على أقرب الناس ليك
نظر له بعينين سعيدتين ليتنفس بانتشاء تحت حـ.ـز.ن شقيقه الأصغر وشعوره بالخزي والعار من ذاك الشقيق البكري
عاد نصر بحديثهُ مرةً أخرى إلى المحامي قائلاً:
-شوف لي حل يا متر،الواد لازم يخرج النهاردة، ادخل لوكيل النيابة واعرض عليه فلوس، قوله الفلوس اللي هيطلبها هتبقى في بيته بعد ساعة، إن شالله يطلب عشرة مليون
1
ارتبك المحامي وتلفت حوله بـ.ـارتياب خشيةً من أن يكون تسمع على حديثهم أحدًا ليتحدث بصوتٍ خافت بعدmا تأكد من خلو الممر إلا منهم:
-كلام إيه اللي بتقوله ده يا سيادة النايب، إنتَ شكلك عاوز تودينا في داهية كلنا، النيابة ملهاش سكة يا بيه، إنسى الكلام ده وحاول تشوف حد من معارفك الكبـ.ـار يتدخل ويحلها بالحُب مع الكُبـ.ـار، غير كدة ملهاش حل
نطق كلمـ.ـا.ته الاخيرة ليغلق باب الامل بوجه نصر الذي تنهد بقلة حيلة وبات يلعن ويسب بسريرته تلك الإيثار وهو يتوعد لها.
_____________________
داخل منزل نصر البنهاوي
استمعت ياسمين إلى طرقات خافتة فوق باب شقتها الخاصة لتقترب من الباب وفتحته لتتفاجأ بـ سمية بوجهها المصبوغ بالإحمرار وعينيها وأنفها المنتفخون بفضل بكائها المتواصل،دفعت الباب بكفيها لتخطو بساقيها للداخل وهي تتحدث بجدية:
-إديني تليفونك اللي فيه خطك الجديد هعمل منه مكالمة يا ياسمين
سألتها بـ.ـارتياب:
-مكالمة إيه اللي هتعمليها من خطي يا سمية؟
-أهي مكالمة والسلام،هو تحقيق... نطقتها بحدة ليتأكد ظن الأخرى التي هتفت بنُصح:
-إعقلي وملكيش دعوة بإيثار يا سمية، كفاية اللي عمله فيكي عمرو أخر مرة لما شتمتيها وقولتلها انها بتبعت ابنها علشان تجر ناعم وتخلي عمرو يرجعها تاني
واستطردت بتذكير:
-ده غير اللي طلعت عمله فيا لما بنت الكـ.ـلـ.ـب كلمته وقالت له إن التروكولر
بين إن الخط بإسمي
بنظراتٍ توسلية قالت لطمأنتها:
-المرة دي غير كل مرة، طلعت اللي كان دايمًا بيدافع عنها ويقف في صفها سمعته بوداني وهو عمال يشتم عليها لما دخلوا جوة ياخدوا فلوس معاهم، محدش هيعمل لكلامها حساب بعد المصيبة اللي عملتها مع عمرو
شوفي رقم تاني كلميها منه، أنا مش ناقصة مشاكل وو.جـ.ـع دmاغ... قالتها برفض لتبرر الاخرى قائلة:
-مقدmيش غيرك، هي عاملة بلوك لرقمي، والعلاقة بيني وبين اللي اسمها مروة متخلنيش أطلب منها تليفونها، ده غير انها فتانة وهتروح تقول لحمـ.ـا.تك وإنتِ عارفة حمـ.ـا.تك، مبطقنيش لله في لله
هزت رأسها بعدm اقتناع، وبالأخير استسلمت تحت إلحاح الاخرى ومحاولاتها المستمـ.ـيـ.ـتة
_____________________
لملم نصر شتاته وخرج من النيابة وهو يجر أذيال الخيبة، أخذ يبحث هنا وهناك وسط معارفه من الأشخاص المسؤلون في الدولة محاولاً العثور على طريقة يخرج بها صغيره ومدلل زوجته،أما عزيز فأخذ شقيقه وعاد إلى كفر الشيخ بعد أنتهاءه من إنجاز العمل المطلوب منه من قِبل سيدهُ الذي طالما تمنى رضوانه عليه،أما فؤاد فتحرك إلى مكتب زميله بالعمل سيادة النائب شريف علي الذي رحب به كثيرًا وتعجب زيارته الغريبة والأولى من نوعها ليسألهُ وهو يضع كفه على جرس الاستدعاء استعدادًا لدقه:
-تحب تشرب إيه يا فؤاد باشا
اشار بكفه ليقول سريعًا:
-متتعبش نفسك يا باشا أنا شربت قهوة كتير النهاردة
واستطرد متسائلاً بفضول دخيلًا على شخصيته أثار تعجب الأخر:
-أنا جاي استفسر منك عن تفاصيل المحضر اللي تنازلت عنه واحدة إسمها "إيثار غانم الجوهري "
-أه، دي الست بتاعت محضر التعدي...قالها بتذكُر ليكمل بإبانة:
-دي واحدة جوزها اتهجم على شقتها إمبـ.ـارح بالليل وكان سـ.ـكـ.ـر.ان، فضل يخبط لحد ما الجيران صحيوا والبوليس وصل،البنت قدmت بلاغ بالتعدي والجيران قدmوا محضر بالإزعاج والشرطة عملت له محضر سُكر،وزي ما شوفت معاليك،البنت جت إتنازلت عن المحضر
واستطرد معقبًا:
-تقريباً كدة والد طليقها ضغط عليها لأنها كانت متضايقة جداً وهي بتتنازل وعدm الرضا كان واضح بشكل ملحوظ على ملامحها
أومأ برأسه بتوافق ليسألهُ بـ إِكْتراثٍ:
-طب مقالتش أسباب تنازلها إيه؟
-أسباب غير مقنعة بالمرة، قالت لما قعدت مع نفسي وفكرت في الموضوع لقيت إن مينفعش احبس أبو إبني...قالها بجدية ليسترسل متهكمًا:
-قال يعني مكنش أبو إبنها وهي بتقدm البلاغ
ضيق فؤاد عينيه بتفكُر ليتحدث:
-والد جوزها ده شكله راجـ.ـل مفتري ومش سهل
-أيوا ده عضو مجلس شعب، بس مسمعتش اسمه قبل كدة،تقريباً كدة من الناس اللي بيقضوها نوم في المجلس وعند أي مناقشة يرفع إيده في التصويت بموافقة... قالها شريف رافعٕا كفهُ بطريقة متهكمة ليبتسم كلاهما ثم استرسل سريعًا وكأنهُ تذكر:
-تخيل الراجـ.ـل بعد البنت ما تنازلت ومشيت داخل يقول لي إيه علشان يصعب عليا وأشوف له حل قانوني اخرج له بيه إبنه
قطب الأخر جبينه وهو يستمع بتمعُن ليسترسل شريف:
-بيقول إن البنت بتستغل ارتباط طليقها الشـ.ـديد بإبنه وبتقلبه في فلوس كتير وبتستغله،ومن إسبوع طلبت منه مبلغ كبير علشان محتاجة تعمل شوبنج ليها وللولد، ولما طليقها رفض وإتهمها إنها بتبتزه منعته يشوف الولد، ولما هددها إنه هيبلغ المحكمة إنها منعاه عملت له كمين وطلبت منه ييجي لها البيت علشان يشوف إبنه،وطبعاً طليقها راح لها بسرعة ده على كلام أبوه، المهم أول ما جه راحت متصلة بالشرطة وخلت جيرانها يشهدوا معاها
واستطرد مشككًا بالقصة:
-بس أنا مش مصدق ولا كلمة من اللي قالها وخصوصٕا إن تحليل الدm اللي إتعمل للي إسمه عمرو أثبت وجود حبوب ترامادول ومشروبات كحولية في دmه،يعني الرواية اللي طليقته قالتها هي الأصدق
ارتسمت على محياه ابتسامة ساخرة لينطق متهكمًا:
-وإيه اللي يخليك مش مصدق إنها بتبتزه بابنها علشان الفلوس يا شريف باشا، ما كل الستات غايتهم في الدنيا هي الفلوس، الواحدة منهم لو شافت راجـ.ـل وعجبها قبل ما تسأل عن اخلاقه ولا عيلته بتسأل عن رصيده البنكي
مش كلهم...قالها شريف ليقاطعه الأخر بحدة:
-وحياتك كلهم نفس الصنف،إلا من رحم ربي، ودول بقوا عملة نادرة
قال كلمـ.ـا.ته ليهم بالوقوف قائلاً:
-شكراً يا شريف باشا وأسف إني اخدت من وقتك
وقف شريف إحترامًا له ليتحدث بتوقير:
-يا باشا معاليك نورت المكتب... ليسترسل متعجبًا:
-بس مقولتليش يا باشا، إيه سبب سؤالك عن المحضر ده بالذات!
إلتف برأسه إليه ليقول بصوتٍ واثق:
-البنت بتاعة المحضر كانت في مكتبي الساعة 11الصبح،كانت بتقدm إفادتها كشاهدة في قضية محاولة إغتيال رجل الأعمال المعروف"أيمن الأباصيري"
قطب الأخر جبينه ليستطرد مجيبًا على حيرته:
-هي تبقى سكرتيرة أيمن، فاستغربت وجودها مرتين في نفس اليوم وفي نفس النيابة، علشان كدة الفضول خلاني أجي أسألك.
أيًا كان السبب اللي خلاك تيجي مكتبي وتشرفني فأنا بشكره وسعيد بتشريفك يا باشا...قالها بملاطفة تلقاها الأخر بابتسامة خافتة وخرج ليحمل حقيبته الخاصة من مكتبه متجهاً للخارج ليستقل سيارته ويقودها باتجاه منزله.
2
_____________________
بمنزل نصر البنهاوي بكفر الشيخ،كانت تجلس فوق مقعدها الهزاز المتواجد ببهو المنزل والذي جلبهُ نصر خصيصًا لها ولم يجرأ أحدًا من ساكني المنزل الجلوس عليه حتى الأطفال سوى يوسف لمدى غلاوته بقلبها لذا دائمًا تحاول إغراء عائلة غانم الجوهري بالمال وتقديم العروض لهم للضغط على إبنتهم لعودتها من جديد إلى عمرو كزوجة كي يتربى الصغير بمنزل عائلته فاحشة الثراء،كان المقعد يهتز بها بحدة توحي لمدى وصولها لقمة الغضب،أمسكت هاتفها بقوة بعدmا عقدت النية على الإتصال بزوجها للإطلاع على أخر المستجدات،وما أن أتاها صوته حتى هدرت بصرامة قائلة:
-طمني يا نصر وقولي إن عمرو معاك وإنكم جايين في الطريق.
أغمض عينيه بقوة وأخذ نفسًا عميقًا إستعدادًا منه لوابل التوبيخات والإتهامـ.ـا.ت التي سيتلقاها على يد تلك المتسلطة وبدأ يقص عليها ما حدث تحت إشتعال روحها واستشاطتها التي إشتم رائحتها عبر الهاتف لتصدح بصياحٍ أشبه بصارخ:
-إنتَ إتجننت يا نصر، واعي للي إنتَ بتقوله
انتفضت النسوة وهرولن لمكانها ليطلعن على ما حدث لترمقهُن بنظراتٍ أشبه بحِمم بُركانية وتقول بصراخٍ دب الرُعب في قلوبهن و.جـ.ـعلهُن يهرولن للأعلى عبر الدرج ليتخبطن ببعضهن من شـ.ـدة إرتعابهن:
-غوري من وشي يا مرة منك ليها وإطلعوا على شققكم،ويا ويلكم يا سواد ليلكم لو لمحت خلقة بومة فيكم هي ولا عيالها النهاردة
نظرت عليهن وهُن يتخبطن حتى أختفين من أمام أعينها لتسترسل بحدة حديثها مع ذاك الذي علم أن ليلته لن تمر بسلام مع تلك المتجبرة:
-بقى مش لاقي حد من معارفك يخرج الواد
لتستطرد وهي تسخر منه:
-أمال عاملي فيها سبع الرجـ.ـا.لة وسيادة النائب راح وسيادة النائب جه وإنت ممنكش لازمة
إجلال...كلمة حادة نطقها بصياحٍ تحذيري ليسترسل بقوة:
-بلاش قلة ادب واحفظي لسانك،أنا مقدر زعلك على ابنك بس مش هقبل بكلمة زيادة
ليستطرد ملقيًا اللوم عليها:
-وبدل مـ.ـا.تلومي عليا روحي حاسبي نفسك الأول على تربيتك الو....،ولومي على التافة ابنك اللي خلى منظري زي الزفت وقل من قيمتي قدام الكل
ابتلعت لعابها بعدmا أوصلته لتلك الحالة لتتحدث بتراجع لعلمها صحة حديثه:
-سيبنا من مين الغلطان وخلينا في المهم
واستطردت بشرٍ ظهر بَين بعينيها:
-أنا عوزاك تشوف لي كام مرة جتة ويكونوا سوابق وتخليهم يروحوا لبنت منيرة يرنوها علقة مـ.ـو.ت،مش عوزاهم يسيبوا في جـ.ـسمها عظمة سليمة،عوزاها تقعد في قميص جبس مش أقل من ست شهور علشان تعرف هي لعبت مع مين
واسترسلت بفحيحٍ كالأفعى وبعينين مشتعلتين:
-عايزة أشفي غليلي يا نصر
زفر بضيق ليخبرها بما جعل قلبها يغلي كحممٍ بركانية:
-مش هينفع، بنت الكلـ... عملت لي أنا وعمرو محضر عدm تعرض، يعني لو اتشنكلت في الارض هيشـ.ـدوني على القسم أنا وابنك،وخدي عندك سين وجيم ومش هنشوف الشارع لحد ما نثبت إننا ملناش دعوة باللي حصل لها
اتسعت عينيها بذهول لتهتف بغلٍ كاد يصيبها بذبحة صدرية:
-البت دي جابت القوة دي كلها منين، بس أقول إيه، إنتَ اللي غلطان لما سمعت كلام إبنك وسبتها تاخد الواد وتطلع من البلد بعد ما هددتك عيني عينك
واسترسلت متهكمة:
-قال إيه المحروس كان فاكر إنه بكدة هيغلى نفسه عندها وتحن له وترجع لحـ.ـضـ.ـنه من تاني،اه لو سمعت كلامي ساعتها وجبناها بالعافـ.ـية وكتب عليها واتحبست في شقتها زي الكـ.ـلـ.ـب،مكناش وصلنا للي إحنا فيه الوقت
-هيحصل يا ستهم،الصبر... قالها متوعدًا لترد الاخرى بتهكم:
-بعد إيه يا سيد الرجـ.ـا.لة، بعد ما البت بقى لها معارف من الكبـ.ـارات بتتحامى فيهم وتستقوى بيهم، البت قدرت عليك يا نصر ووقفت قدامك بكل قوتها، بنت غانم اللي محلتوش غير قيراطين أرض حبست ابن نصر البنهاوي، إنتَ حاسس بالمصيبة اللي حطت فوق راسنا يا سيادة النايب، الموضوع ده لو اتعرف في البلد هيبتك هتبقى في الأرض بعد ما الناس كانت بتترعـ.ـب بس من اسمك
لتستطرد بسخرية:
- وابقى قابلني لو حد عمل لك قيمة ولا قدرك بعد كدة
برغم كلمـ.ـا.تها اللاذعة والمهينة إلا أنه تجاوزها ليخبرها قائلاً بطمأنة:
-متقلقيش، مفيش مخلوق من أهل البلد هيعرف حاجة عن الموضوع، أنا نبهت على عزيز لو الخبر اتعرف هزعله هو وأهله قوي، وإنتِ نبهي على حريم عيالك مفيش واحدة فيهم تنطق بكلمة لحد من أهلها
أجابته بجبروت:
-بلغتهم أول ما مشيت إنتَ وطلعت،قولت لهم لو حرف واحد خرج برة البيت الثلاثة لسانهم هيتقطع فيها
اطمأن داخلهُ لثقته الكبيرة بقدرتها على إدارة المنزل، أنهي معها المكالمة لتعقد حاجبيها بضيق وهي تتطلع إلى الأفق البعيد لتمسك ذقنها بكف يدها وهي تقول بفحيحٍ متوعدة:
-ماشي يا إيثار،أنا كنت شيلاكي من دmاغي ونسياكي علشان خاطر يوسف،بس إنتِ اللي ابتديتي بالشر،قابلي بقى اللي هيجرى لك على إيد ستهم، يا أنا يا أنتِ يا بنت منيرة.
_____________________
خرجت من إحدى المتاجر الكُبرى تحمل بكفيها العديد من الاكياس البلاستيكية المحملة بالبقوليات وبعض انواع الفواكه والخضروات واللحوم التي أوصتها عزة على شراءها بعد خروجها من قسم الشرطة حيث حررت محضر عدm التعرض بمساعدة محامي أيمن التي أبلغته بما حدث حيث لامَ عليها كثيرًا على تساهلها وتنازلها عن حقها بتلك البساطة،اعتذرت منه وتعللت بكثرة الضغوط التي مورست عليها من قِبل الجميع وبالنهاية عذر ضعفها وشعورها الدائم بالوحدة والخوف،فتحت صندوق السيارة الخلفي لتضع الاكياس فاستمعت لرنين هاتفها،إنتهت من وضع جميع ما بيدها لتغلق الصندوق واخرجت الهاتف لتنظر به،ثم ضغطت فوق زر الإتصال لتجيب بنبرة هادئة للمتصل التي لم تعثر على هويته بالهاتف:
-ألو مين معايا
-أنا ستك وتاج راسك اللي لحد الوقت الغل والحقد مالي قلبك من ناحيتي يا بنت الجوهري... أغمضت عينيها ونفخت بعدm صبر بعدmا تأكدت من هوية المتصل لتسترسل الاخرى بحقدٍ دفين ظهر بَين بصوتها:
-لسة مش قادرة تنسي إنه فضلني عليكي وطلقك ورماكي علشاني
استقلت مقعد القيادة ساندة ظهرها للخلف ثم ابتسمت ساخرة لتقول بنبرة جادة:
-عارفة يا سُمية إنتِ مشكلتك في إيه
انتبهت بجميع حواسها وتجهزت جيدًا للإستماع فاستطردت الأخرى:
-إنك كذبتي الكذبة ومش بس صدقتيها،ده أنتِ مصممة تحكيها كل شوية ومن وهمك فاكرة إنك بكدة هتخلي كل اللي حواليكِ هما كمان يصدقوها
ضحكة عالية أطلقتها سمية لتقطعها فجأة هاتفة بفحيحٍ كالأفعى:
-إنتِ اللي من نار قلبك القايدة بقالها سنين مش قادرة تصدقي إن عمرو فضلني عليكِ، علشان كدة روحتي حبستيه علشان تنتقمي منه
سألتها الأخرى بنبرة ساخرة:
-ومسألتيش نفسك عمرو اللي فضلك عليا كان جاي يعمل إيه على بابي؟!
إبتلعت الاخرى ريقها بمرارة لعدm إجابة لديها سوى أن زوجها مازال يعشق زوجته الأولى لكنها تنكر هذا بكل قوتها لتسترسل الأخرى بقوة صارمة:
-إسمعي يا بت إنتِ وياريت تركزي علشان انا خلاص قرفت منك ومن إسلوبك الرخيص في مطاردتي عن طريق تليفونات العِرر اللي حواليكي،جوزك ده لو وزنولي قده عشر مرات ذهب ميلزمنيش،أنا اللي سبته لأنه زبـ.ـا.لة زيك بالظبط، وإنتِ عارفة ومتأكدة من جواكِ إنه لسة بيحلم باليوم اللي هرضى عنه فيه وأوافق ارجع له، بس ده بعينه
واستطردت ذات معنى:
-واطمني يا اختي،محدش بيرمي نفسه تاني في الوحل بعد ما خرج منه ونضف
واستطردت بنبرة تهديدية لاذعة:
- فخرجيني من دmاغك علشان وحياة إبني اللي معنديش أغلى منه، لو حطيتك في دmاغي لاخليكي تكرهي اليوم اللي عرفتيني فيه، فاهمة يا شاطرة؟
إبعدي عن عمرو يا إيثار،أنا لحد الوقت لسة عاملة حساب إننا كنا في يوم أقرب إصحاب لبعض،بلاش تخليني أنسى النقطة دي...قالتها بنبرة حاقدة لتجيبها الاخرى باشمئزاز:
-صحوبية إيه اللي بتتكلمي عنها، هي الحية اللي زيك تعرف يعني إيه صداقة
استرسلت بتهديدًا أخير:
-لأخر مرة هنبهك،بعد كدة متلوميش غير نفسك.
اغلقت الهاتف دون أن تعطي حق الرد للأخيرة لتزفر بقوة وترمي برأسها للخلف مستندة على ظهر المقعد، أغمضت عينيها وبدأت تسترجع ذكرياتها ما قبل التسع سنوات،«وكيف ولجت لقصة حبها كبيرة،لتخرج منها أميرة»....
↚
عودة لما قبل ثمانية أعوامًا.
ترجلت من إحدى وسائل المواصلات الجماعية(الميكروباص) حيث استقلته من القاهرة وهي عائدة من جامعتها بالقاهرة ليوصلها إلى إحدى مُدن محافظة كفر الشيخ،فهي طالبة بالفرقة الرابعة حيث انها أختارت دراسة إدارة الأعمال بكلية التجارة،تسكن بالمدينة الجامعية وتعود لمنزلها بنهاية كل أسبوع لتقضي إجازتها في منزل أبيها،وقفت تتطلع حولها لانتظار إحدى السيارات لتقلها لقريتها،كان يقود سيارته ليتوقف في الموقف الخاص بالسيارات ينتظر إبن عم له قادm بإحدى الحافلات من القاهرة ليقله بصحبته للبِلدة،خرج من السيارة وتوقف ينتظر وصول قريبه وأثناء تفقدهُ للمكان وقعت عينيه عليها لتلتمع عينيه بوميض مما يدل على إعجابه الشـ.ـديد،اتسع بؤبؤ عينيه وهو يرى ملامح وجهها الجميلة والتي جذبته منذ النظرة الاولى، ناهيك عن تقاسيم جسدها الانثوي الذي جعل من لعابه يسيل وهو ينظر لها باشتهاء،برغم ارتدائها لكنزة واسعة وتنورة طويلة تغطي جميع ساقيها وحجابًا إلا أن أنوثتها الجذابة كانت طاغية،كانت كلوحة حب تنبض بالحرية والحياة،وقفت تتطلع حولها تترقب ظهور إحدى السيارات وهي تنظر بساعة يدها بتأفف ظهر على وجهها،واثناء مراقبته لتلك الفاتنة التي ظهرت من العدm وكأنها حورية هبطت من السماء إستمع لرنين هاتفه الجوال ليجيب سريعًا بانفاسٍ متقطعة جراء دقات قلبه العالية كطبول الحرب:
-أيوا يا أحمد إنتَ فين؟
أجابه الأخر بهدوء:
-إنتَ اللي فين،أنا خلاص داخل على الموقف
واستطرد باعلام:
-شفتك خلاص يا ريس
في تلك اللحظة رأها تقترب من إحدى السيارات التي توقفت لتستقل مقعدًا بجانب النافذة ليُشير سريعًا لإبن عمه يستعجله على التحرك وبعد لحظات انطلق متتبعًا السيارة ليسأله الأخر:
-فيه إيه يا عمرو، مالك يا ابني مسروع كده ليه؟
-الميكروباص اللي قدامنا ده فيه حتة بنت، تقول للقمر قوم وأنا أقعد مكانك... نطقها وهو يحاول الوصول للسيارة ومجاورتها ليقول الاخر بضحكة:
-بنت!، قولت لي، بقى هي الحكاية طلع فيها بنت
نطق سريعًا بصوتٍ مسحور:
-ومش أي بنت يا أحمد،دي طلقة،عليها جوز عيون،يجننوا
ظل يقود حتى أصبحتا السيارتين متجاورتين لينظر على تلك المتكئة برأسها على زجاج النافذة شاردة بنظرها للسماء لتنعكس أشعة الشمس على أشعة عينيها لتضيف بريقًا جعل من عينيها مبهرة لمن ينظر بها برغم الحـ.ـز.ن الساكن بداخلهما،مال ابن عمه برأسه للأمام ليقول بانبهار ظهر بصوته:
-طلع معاك حق يا عمرو،البنت جـ.ـا.مدة بجد
ابتسم وهو يرفع قامته للأعلى ليقول بتفاخر:
-كان عندك شك في ذوقي ولا إيه
-الشهادة لله طول عمر ذوقك لا يُعلى عليه يا ابن عمي،بالذات في صنف الحريم ...قالها مفخمًا به ليفرد الأخر جسده أكثر بعدmا أشعره حديث ذاك المنافق بتفرده،حول بصره مرةً آخرى لينظر على تلك الشاردة التي لا تبالي بمن حولها سوى ملكوتها الخاص وشعورها الدائم بالوحدة الذي يلازمها اينما ذهبت حتى بحضرة عائلتها،مر أكثر من خمسة عشر دقيقة وهو يراقب تلك الجميلة حتى زفر أحمد وتحدث متسائلاً:
-هنوصل لحد فين باللي بتعمله ده يا باشا، إوعى تقولي إنك هتفضل ماشي وراها لحد بلدها؟
اجابه وعينه على من خـ.ـطـ.ـفت لُبه:
-ياريت كان عندي وقت كنت مشيت وراها،أدينا ماشيين لحد ما نوصل لكُبري بلدنا،بعد كدة مش هقدر أكمل علشان حِنة أمل بنت عمك جمال،أبويا كلمني وانا مستنيك في الموقف،كان متضايق وبيستعجلني علشان أقف مع شباب العيلة في توضيب كوشة العروسة
تأفف أحمد ليقول متهكمًا:
-يادي كوشة العروسة اللي صدعونا بيها، أبويا كمان و.جـ.ـع دmاغي من الصبح،مكانش عاوزني أروح الشغل أصلاً،بالعافـ.ـية أقنعته إني هاجي قبل التجهيزات ما تبدأ لولا كدة مكنتش هعرف أفلت منه
واستطرد بجبينٍ مقطب:
-بيقولوا عاملين الكوشة فوق سطح بيت عمك جمال عشان البنات والستات ياخدوا راحتهم بعيد عن قعدة الرجـ.ـا.لة.
أجابهُ بلامبالاة وهو يتابع تلك الجميلة:
-يعملوها مكان ما يريحهم، مش فارقة كتير.
بعد قليل تملل أحمد بجلسته وشعر بالضجر من تصرفات ذاك المعتوه المسحور بالجميلات وزفر ليتحدث مستفسرًا بعدmا وجده يقف عند كل محطة تقف بها السيارة وينتظر حتى يتأكد من شخصية المترجل:
-وبعدين يا ريس،هنفضل كدة لحد امتى،الميكروباص بيقف تقريباً دقيقتين عند كل محطة.
-بطل رغي يا أحمد ولو مش عاجبك إنزل وشاور لأي ميكروباص يوصلك...قالها بعدmا سَأم من تملله ليجلس الاخر صامتًا حتى إقتربا من محطة قريتهم حينها استمع لرنين هاتفه وكان المتصل والده،نصر البنهاوي،زفر بضجر بعدmا استمع لتوبيخ الاخر له وهو يستعجله،فقاد بسرعة فائقة ليتخطى السيارة ليميل تارة القيادة لليسار متجهًا لداخل قريته،وما ان اختفت سيارته للداخل حتى توقفت تلك السيارة لتترجل هي منها،توجهت لمنزل والدها وما أن ولجت للداخل حتى تهللت أسارير والدها حين رأها ليتحدث بترحاب:
-حمدالله على السلامة يا"إيثار"
نظرت بابتسامة واسعة لذاك الذي يتوسط الأريكة الخشبية بوسط منزله المتواضع لتقترب من جلوسه وهي تُمسك كف يده وتميل بطولها لتضع قُبلة احترام فوق كفه ليمرر والدها كفه الحنون فوق حجاب رأسها،رفعت عينيها لتتحدث بابتسامتها البشوشة:
-الله يسلمك يا بابا،إزي صحتك
ابتسم والدها ليجيبها:
-أنا بخير يا بنتي والحمدلله، إنتِ اللي عاملة ايه، طمنيني عليكِ
خرجت منيرة من غرفة الفُرن البلدي وهي تحمل بين يديها إناءًا من الفخار الساخن بواسطة قطعتين من القماش القطني المستهلك ليحمي كفيها من سخونة الإناء،تحدثت سريعًا وهي تقترب من تلك المائدة الخشبية المنخفضة(الطبلية):
-وسعي مكان على الطبلية لطاجن الرز يا إيثار
أسرعت لتفسح المكان،وهتفت وهي تنظر للطعام الموجود داخل الإناء بلونه الذهبي المُشهي:
-يا سلام يا ماما على الريحة
واسترسلت بملاطفة وهي ترفع قامتها بمزاح:
-الست منيرة بعون الله أحسن واحدة بتعمل طاجن رز معمر بالحمام في كفر الشيخ كلها
ابتسمت بوهنٍ لتشير لها بكفها إلى حُجرتها الخاصة بها:
-طب روحي غيري هدومك بسرعة عشان تيجي تغرفي باقي الأكل وتطلعيه مع مرات أخوكِ
قطبت جبينها لتتحدث باستياء مصطنع تداري به ألم قلبها المنشطر:
-هو أنتِ على طول كدة معايا يا ماما،طب خديني في حـ.ـضـ.ـنك ولا حتى قولي لي حمدالله على السلامة
زفرت لتهتف بضجر:
-يا بنتي سيبك من المياعة اللي إنتِ فيها دي وخلصي
واستطردت بملامح وجه مكفهرة:
-إخواتك لسة راجعين من الأرض كانوا شغالين فيها من صباحية ربنا وواقعين من الجوع
تنفست بيأسٍ ومالت برأسها للأسفل لتتحدث بصوتٍ خفيض مليئًا بخيبة الأمل:
-حاضر يا ماما
انصرفت منيرة لغرفة الخبيز لتباشر ما تبقى داخل الفرن ووقفت هي تنظر لأثرها،تنهد والدها بأسى لأجلها،يشعر بتمزق روحها الدائم من معاملة تلك القاسية لها،لذا يحاول جاهدًا أن يعاملها بلُطفٍ وحنان ليقوم بتعويضها ولو قليلاً، تحدث في محاولة منه للتخفيف من وطأة حـ.ـز.نها:
-متزعليش من أمك يا "إيثار"،دي غلبانة،أمها مـ.ـا.تت وهي صغيرة واتربت على إيد مرات أبوها وشافت معاها اللي متستحملوش عيلة عندها تمن سنين
واسترسل مبررًا:
-غـ.ـصـ.ـب عنها يا بنتي،هي بتحبك،بس مبتعرفش تعبر
رسمت على ثغرها إبتسامة مُرة لتومي برأسها وانسحبت سريعًا للداخل لتبديل ثيابها،ولجت إلى المطبخ لتجد زوجة شقيقها الكبير"نسرين"تسكب الطعام فاقتربت منها قائلة بصوتٍ خالي من المشاعر:
-إزيك يا نسرين
إلتفت برأسها لتتطلع إليها بابتسامة صفراء لتقول بترحيبٍ مفتعل يرجع لحقدها الشـ.ـديد لها:
-حمدالله على السلامة يا إيثار،جيتي إمتى محسيتش بيكِ؟
بصوتٍ هاديء أجابتها وهي تتناول أحد الصحون استعدادًا لنقله للخارج:
-لسة واصلة من حوالي ربع ساعة
-ده عزيز هيفرح قوي لما يشوفك،إنتِ مت عـ.ـر.فيش هو بيحبك قد إيه...قالتها برياء قابلته الأخرى بتنهيدة هادئة لتيقنها أن شقيقها لا يحمل بقلبه الحب لأحداً سوى حاله وولدهُ وتلك العقربة وفقط
خرجت وجدت أشقاءها الثلاثة قد ولجوا لبهو المنزل واصطفوا حول المائدة الأرضية بجوار والدهم، ما أن رأها" أيهم" شقيقها الذي يصغرها بثلاثة أعوام حتى انتفض وهب واقفاً ليحمل عنها الصَحن ليضعه سريعًا ثم يعود محتضنًا إياها قائلاً بحفاوة وترحاب:
-حشـ.ـتـ.ـيني و ،جيتي إمتى؟
إبتسامة واسعة بينت صفي أسنانها ظهرت على محياها لتجيبه بسرورٍ:
-لسة جاية من شوية،إنتَ عامل إيه في مذاكرتك، طمني عليك
-محدش راحمني ولا مقدر إني في ثانوية عامة، وعلى إيدك لسة راجع من الشغل في الارض بعد عزيز ما صمم ياخدني معاه...نطق كلمـ.ـا.ته المتذمرة وهو يرمق عزيز بنظراتٍ ساخطة ليقول الاخر بحدة:
-إنتَ مقضيها نوم طول اليوم ومبتفتحش كتاب ولما عزيز ياخدك تساعد وتعمل حاجة مفيدة يبقى كفر
مدت له يدها قائلة بعينين متطلعة:
-أزيك يا عزيز
أجابها دون أن يلتفت إليها قائلا بجمود بعدmا مد يده وسحبها سريعًا:
-الله يسلمك يا إيثار
تألمت على معاملة شقيقها الجافة التي لا تجد لها سببًا، حولت بصرها إلى وجدي الذي قابلها بابتسامة صافية مما جعل قلبها يهدأ قليلًا وما زاد من سعادتها هو حديثه المريح:
-حمدالله على سلامتك يا إيثار، حطي اللي في إيدك وتعالي إقعدي جنبي علشان تتغدي
ابتسمت بسعادة لاهتمامه ليكمل والده على حديثه قائلاً بلُطف وهو يشير بجواره:
-تعالي يا بنتي تلاقيكي مـ.ـيـ.ـتة من الجوع
كادت أن تتحرك باغتتها تلك التي احتضنتها من الخلف وهي تقول بحفاوة:
-حمدالله على سلامتك يا قمر، وأنا أقول البيت منور كدة ليه
ابتسمت لترحاب "نوارة" زوجة "وجدي" شقيقها الاوسط والتفت لها تبادلها الاحضان لتهتف بسعادة لتلك البشوش تحت غضب نسرين التي رمقتها بحقدٍ ظهر بعينيها ولم تستطع تخبأته:
-ازيك يا نوارة
واسترسلت وهي تنظر لبطنها المنتفخ جراء وصولها لشهرها التاسع بالحمل:
-عاملة ايه وأخبـ.ـار غانم الصغير إيه؟
-محدش هيسمى غانم تاني،هو غانم الصغير واحد بس...جملة جافة نطقت بها "نسرين"تنم عن غيرتها الواضحة بعدmا علمت نوع المولود،بينما نطق عزيز بتفاخر:
-اللي سبق كل النبق يا نسرين
قالها ومد يده ليجذب صغيره ذو الثلاثة أعوام والذي أطلق عليه إسم غانم تيمنًا باسم والده للتباهي ليجلسهُ بأحضانه، ثم حول بصره ليتطلع لشقيقه مسترسلاً بمشاكسة حادة:
-قول لعمك يختار له إسم تاني يا غانم باشا
ابتسامة خافتة ارتسمت على ثغر"وجدي"ليداري بها حرجه من حديث عزيز الذي اتخذ من اسم والدهُ حكرًا،ليتحدث والدهما بتعقل:
-وفيها إيه لما اخوك يسمي إبنه على اسم جده يا عزيز، ولا تكونش خدت الإسم على حسابك إنتَ ومراتك
احتدm صدره غيظًا من دفاع والده ليتحدث بصفاقة وحقد:
-طب ولازمته إيه التقليد يا ابا،ما الأسامي كتير يختار منها براحته هو ومـ.ـر.اته،ولا هو الكل لازم يبص لعزيز ويقلده في أي حاجة يعملها
قطبت جبينها بتعجب وهي ترى هجوم شقيقها الحاد وطباعة التي تزداد سوءًا يومًا تلو الأخر وبالاخص بعد زواجه من تلك الحقودة نسرين،احتدت ملامح غانم وهم بالحديث لولا صوت وجدي الذي قاطعه قائلاً كي ينهي ذاك الجدال الدائر:
-لا تقليد ولا غيره يا عزيز، إبني هسميه خالد إن شاءالله
هز الأب رأسه بيأسٍ ثم تنفس ونظر لصغيرته قائلاً:
-أقعدي يا بنتي كلي
واسترسل وهو ينظر لزوجتي نجلاه برحمة:
-أقعدوا يا بنات واندهوا لحمـ.ـا.تكم
هتفت منيرة التي ولجت للتو ممسكة بصينية كبيرة:
-أنا جيت أهو
هتف أيهم بعينين تلتمعان وهو يتطلع لصينية اللحوم قائلاً بحفاوة:
-دكرين بط وحمام مع بعض،أم عزيز مطرياها علينا على الأخر النهاردة
ابتسمت لتقول بعدmا افترشت الأرض لتجاور زوجها:
-مش شقيانين من صباحية ربنا في شغل الأرض
قالتها لتحول بصرها إلى إيثار وهي تقوم بتقطيع اللحوم بكفي يديها:
-وكمان علشان أختك تتقوت بلقمة حلوة، تلاقيها يا حبة عيني مبتدوقش الزفر (اللحوم بأنواعها) إلا كل فين وفين
1
اشتدت سعادتها عنـ.ـد.ما رأت إهتمام والدتها بها ولو بكلمة، لطالما تمنت أن تأخذها تلك القاسية بداخل أحضانها كما تفعل الأمهات سواءًا من تشاهدهم في الأفلام والمسلسلات عبر جهاز التلفاز أو صديقاتها اللواتي دائمًا ما كُن يبلغاها عن مدى حنان أمهاتهِن
أمسكت منيرة بقطع اللحم وبدأت بتوزيعها بالأول زوجها ويليه عزيز أول من رأت عينيها وصاحب النصيب الأكبر من إمتلاك قلبها، يليه وجدي ثم أيهم وأتى ترتيبها بعدهم وتلتها زوجتي نجليها،بدأ الجميع بالتهام الطعام بنهمٍ يرجع لشـ.ـدة مذاقة الطيب،بسطت منيرة يدها بقطعة اخرى من اللحم وهي تناولها إلى نوارة لتتحدث بـ.ـارتياح:
-كلي دي يا نوارة علشان اللي في بطنك يتغذى
ابتسمت لها وتناولتها قائلة بحفاوة ترجع لاهتمام والدة زوجها:
-تسلم إيدك يا ماما
لوت نسرين فاهها مغمغمة بضيق:
-كلي يا حبيبتي كُلي
سأل وجدي شقيقته باهتمام وهو يلوك الطعام بفمه:
-عاملة إيه في المذاكرة يا إيثار
هتفت بحماسٍ أضفى زهوًا فوق ملامحها ليزيدها جمالاً:
- الحمدلله،بذاكر وبجتهد علشان أجيب تقدير زي كل سنة،دكتورة هالة رئيسة القسم أكدت لي إني لو جبت تقدير السنة دي كمان والسنة الجاية هتعين معيدة وبعدها هكمل دراسات عُليا
قالتها بانتشاء اختفى حال سماعها لصوت عزيز الحاد حيث هتف بفمٍ مليء بالطعام وهو يرمقها بازدراء:
-كلام إيه الفارغ اللي بتقوليه ده،إحمدي ربنا إننا خلناكي كملتي تعليم أصلاً
واستطرد موضحًا:
-بعد إمتحاناتك بأسبوع هبعت لـ سليم إبن خالك علشان ييجي يتمم خطوبته عليكِ، الراجـ.ـل كتر خيره صبر على دلعك كتير، والسنة اللي باقية لك إبقي كمليها في بيته لو وافق
أثنت على حديثه منيرة لتقول بتصديق:
-عين العقل يا عزيز، البنت في الأخر ملهاش إلا الجواز والسُترة
لتهتف نسرين وهي ترمق إيثار بتشفي ظهر جليًا بصوتها ووجها الضاحك:
-يسلم فُمك يا حمـ.ـا.تي
لم تكترث لتلك الثرثارة وكأنها والعدm سواء وأيضًا جنبت حديث والدتها لتيقنها أنها تابع لنجلها البكري ليس إلا، لتنظر إليه بفزعٍ هاتفة بصوتٍ مضطرب حاولت أن تتحكم فيه قدر الإمكان إحترامًا لوالدها ولعدm إثارت غضب ذاك الجاحد:
-بغض النظر عن موضوع تكملة تعليمي اللي لسة هنتكلم فيه
قالتها بحدة تنم عن صدmتها لتسترسل متسائلة باستنكار:
-لكن أنا أمتى قولت إني موافقة على جوازي من سليم؟!
لتستطرد معترضة:
-وبعدين سليم مكملش تعليمه،ده معاه دبلوم يا عزيز!
رمقها مستنكرًا ليقول بغلاظة:
-ومن أمتى البنت كان ليها رأي في جوازها يا ست إيثار،وماله الدبلوم ما أنا كمان معايا دبلوم،ولا إكمنك كملتي تعليمك هتتكبري على أهلك وتكـ.ـسري كلمة أبوكِ؟
وإلى هنا لم يستطع غانم الصمت أكثر بعدmا أثار حفيظته حديث نجله البكري ليقول بنبرة صارمة:
-وأبوها لسة عايش وحِسه في الدنيا ومداش كلمة لخالك علشان أختك تكـ.ـسرها يا سي عزيز، ولا أنتَ خلاص إعتبرتني مـ.ـيـ.ـت وبتتحكم في أختك قدامي
حـ.ـز.نت نوارة لأجل تلك المشتتة بين الجميع أما عزيز فابتلع الطعام بصعوبة لتقول منيرة في مساندة منها ودفاعًا عن نجلها:
-بعد الشر عنك يا أخويا، عزيز عاوز المصلحة لأخته،البت مهما اتعلمت وراحت وجت أخرتها الجواز
-حـ.ـر.ام عليكِ يا ماما، بطلي تيجي عليا علشان خاطر ترضي عزيز...نطقتها بعينين لائمتين لامعتين تأثرًا بملئهما بالدmـ.ـو.ع التي أبت النزول إمتثالاً لكرامتها لتهتف الأخرى باقتناع:
-أخوكِ أكتر واحد عارف مصلحتك
بدا الامتعاضُ على وجهها ليقول وجدي بهدوء:
-إهدي يا إيثار وفكري بعقلك شوية،وبصراحة بقى عزيز معاه حق في اللي قاله
اتسعت عينيها بذهول لتهمس بصدmة:
-حتى أنتَ كمان يا وجدي!
أجابها بالمنطق محاولاً إقناعها:
-يا حبيبتي إفهمي،إنتِ خلاص داخلة على واحد وعشرين سنة،وده سن حلو قوي للجواز، بعد كدة فرصك كل يوم هتقل،ويا ستي لو على السنة الباقية أنا هبقى اشرط على سليم يخليكي تكملي
قطبت جبينها متعجبه منطقه الغريب المنافي مع تفكيرها العصري لتنظر لوالدها مستنجدة ليهدأها بحديثه قليلاً:
-كملي أكلك يا بنتي وبعدين نبقى نتكلم.
ابتسمت بخفوت ليباغتها صوت والدتها الحاد:
-والله ماحد مقوي قلبها على أخوها الكبير ومخليها تكـ.ـسر كلمته غيرك يا غانم،أخوها بيختار لها الصالح،ده غير إني اديت كلمة لـ عزت أخويا إن أول ما إيثار تخلص السنة دي هنقرا الفاتحة ونجيب الشبكة والفرح في شهر تسعة
-والله عال يا ست منيرة،قاعدة تتكلمي وتتفقي مع أخوكِ ولا عملالي حساب... استمعت لمناوشات والديها وأصوات أشقائها الثلاث ونسرين التي استغلت الوضع وبدأت الأصوات تتعالى وتتداخل لتهب واقفة وما أن تحركت بقدmيها للخارج حتى أوقفها صوت والدها الحزين قائلاً:
-رايحة فين يا بنتي،تعالي كُلي نايبك.
شبعت يا بابا...بالكاد خرجت كلمـ.ـا.تها بصوتٍ مختنق وبتخاذل واضح وانكسار ظهر بوضوح فوق ملامحها فرقت نظراتها على الجميع قبل أن تهرول لغرفتها ليهتف والدها معنفًا الجميع:
-حـ.ـر.ام عليكم يا ناس،محلالكمش الكلام غير والمسكينة قاعدة على الطبلية، زي ما تكونوا مستخسرين اللقمة فيها ومش عاوزينها تاكلها بنفس
استند بكفيه المشققتين من أفعال الزمن على طرفي المنضدة ليقوم بظهرٍ محني لتسأله منيرة باستغراب:
-رايح فين يا غانم، إقعد يا راجـ.ـل كمل أكلتك
-سديتوا نفسي إنتِ وعيالك...قالها لينسحب للخارج ليقول عزيز بنبرة حاقدة:
-رايح يراضي السنيورة حبيبة أبوها، طب والله لو أنا اللي سيبت الاكل وقومت ولا كان اتهزت له شعرة
-ماخلاص بقى يا عزيز، كمل أكلك وإنتَ ساكت...قالها وجدي ليرمقه الاخر بنظرة حاقدة أما أيهم فنهض بحدة لتسأله والدته متعجبة:
-رايح فين إنتَ كمان؟
-طالع أشم شوية هوا قدام الباب،قاعدتكم تخـ.ـنـ.ـق...قال جملته الاخيرة وهو يرمقهم باشمئزاز وانطلق للخارج خزنًا على شقيقته،زفرت منيرة لتهتف بسخطٍ وهي تنظر للطعام:
-يا ستار يارب،اللقمة اتسممت علينا زي ما تكون مبصوص لها
اكفهرت ملامح عزيز ليهتف بحقدٍ:
-البركة في بنتك،كل ما تيجي تولع البيت حريقة
قطب وجدي جبينه ليتساءل مستفسرًا بتعجب:
-وإيثار ذنبها إيه في اللي حصل؟!
اتسعت عيني نسرين لتقول بوقاحة:
-وده سؤال بردو يا وجدي،ما كل اللي حصل ده بسبب كلامها ورفضها لجوازها من سليم إبن خالك
وبفمٍ ملتوي استرسلت باستنكار وحقدٍ ظهر بعينيها:
- قال وإيه عايزة تكمل علام تاني بعد الكلية،ده بدل ما تحمد ربنا إن عزيز رضي يخليها تكمل بعد الثانوية ومقعدهاش
هزت نوارة رأسها بيأسٍ لبجاحة تلك التي تتدخل في شؤون الجميع دون حياء وتألم داخلها لما تحمله في قلبها من مَعَزَّة لتلك الهادئة "إيثار" لتتحول عيني وجدي لمشتعلة وهو يقول معترضًا:
-اللي يسمع كلامك يفتكر إن عزيز هو اللي بيصرف عليها يا ست"نسرين"،ربنا يخلي أبوها ويديه طولت العمر.
-وانتَ إيه اللي مزعلك يا عم وجدي،وبعدين مراتي مغلطتش في حاجة، أنا أخوها الكبير وكلمتي تمشي سيف على رقبتها،والله لو أبوك يحوش إيده عنها لكنت مشيتها لكم زي السيف وعلمتها الأدب...قالها بنظرة صارمة وتوعد، هم الأخر ليتحدث اوقفه صياح منيرة التي هتفت بعدmا فاض الكيل بها:
-كفياكم مناقرة،هي اللقمة دي مش مكتوب لها تتبلع من سكات النهاردة ولا إيه
نظرا كلٍ منهما للاخر بحدة بالغة وكأنهما ثوران يتصارعان داخل حلبة ليسحب كل منهما بصره عن الاخر ويستكملا تناول طعامهما بغضبٍ شـ.ـديد
******
عودة لحُجرة إيثار،ارتمت فوق فراشها وبدأت ببكاءٍ مرير لتتوقف في الحال حينما استمعت لصوت طرقات فوق بابها وبدأت بتجفيف دmـ.ـو.عها لتتفاجأ بولوج والدها،جلس بجوارها وبدون مقدmـ.ـا.ت سحبها لداخل أحضانها ليقول وهو يربت فوق ظهرها بحنان:
-زعلانة وبتعيطي وابوكِ عايش على وش الدنيا،أُمال أما أمـ.ـو.ت هتعملي إيه
خرجت سريعًا من بين احضانه لتهتف بذعرٍ:
-بعد الشر عنك يا بابا،متقولش كدة
-المـ.ـو.ت مش شر يا بنتي،المـ.ـو.ت علينا حق...نطقها بيقين ليسترسل بعد أن أخذ نفسًا عميقًا:
-المهم،أنا مش عايزك تزعلي ولا تشيلي هم لأي حاجة طول ما أنا عايش
1
-يعني هترفض سليم إبن خالي يا بابا؟...سألته بترقب ليجيبها بتأكيد قوي:
-من ساعة ما اتولدتي وأنا عمري ما غـ.ـصـ.ـبتك على حاجة،هاجي على جوازك وأغـ.ـصـ.ـبك؟!
تنفست براحة وابتسم وجهها لتقول بانتشاء:
-ربنا يخليك ليا يا بابا وتفضل طول عمرك سندي
ابتسم لها ليتحدث وهو يربت على كفها بلين:
-يلا علشان تكملي غداكي
-مليش نفس...نطقتها بعينين منكـ.ـسرتين ليقول بتعطُف كي يحثها على النهوض معه:
-من صباحية ربنا وانا مدقتش الأكل و.جـ.ـعان، ولو مقومتيش كلتي معايا مش هدوقه وذنبي هيبقى في رقبتك
ابتسامة حنون ارتسمت فوق ثغرها لتميل سريعًا على كف يده لتضع قُبلة احترام وتبجيل لشخص والدها الحنون، وقف وتحرك بجوارها حتى وصلا للبهو ثم تحدث بصوتٍ حاد وهو يرمق الجميع:
-مش كلتوا، يلا قوموا
زفر عزيز وهب واقفاً ليقترب من شقيقته ويرمقها بحدة قبل ان ينسحب للخارج كالإعصار
،جاورت والدها الجلوس لتكمل طعامها دون تذوق بعدmا فقدت شهيتها،وبعد قليل كانت تقف أمام حوض المطبخ تُجلي الصحون وبجوارها نوارة تتبادلتان الحديث فيما بينهما لتسألها نوارة بفضول:
-إلا قولي لي يا إيثار،هو عمي غانم جاب الإسم اللي سماكي بيه ده منين؟
ابتسمت إيثار بشـ.ـدة لتسترسل الاخرى موضحة:
-أصل إسمك غريب قوي على بلدنا،ومتزعليش مني،عمي غانم راجـ.ـل بسيط زي أبويا،منين عرف الإسم ده؟!
-لو ت عـ.ـر.في كام حد سألني السؤال ده هتستغربي...قالتها بهدوء لتسترسل بانتشاء:
-بصي يا ستي،لما ماما كانت حامل فيا حصل لها نـ.ـز.يف وبابا اضطر يوديها المستشفى اللي في المركز علشان يكشف عليها، الدكتورة اللي كشفت على ماما كانت من اليمن ومتجوزة دكتور مصري، بابا وقتها عجبه إسمها قوي،ولما عملت لماما سونار وقالت له إني بنت بابا قرر يسميني على إسمها، وكان نفسه قوي أطلع دكتورة زيها
لتسترسل بملامح متأثرة:
-بس أنا خزلته ومجبتش مجموع في الثانوية، علشان كدة أنا بجتهد ومصممة أجيب تقدير عالي كل سنة علشان أتعين معيدة في الجامعة، وكدة ابقى حققت لأبويا حلمه وفي نفس الوقت عملت كرير محترم لنفسي
-دي حكاية ولا الحواديت...قالتها بانبهار لتسترسل بانتشاء:
-ت عـ.ـر.في يا إيثار،أنا بحبك قوي وببقى مبسوطة وأنا شيفاكي بتنجحي وراسمة لنفسك مستقبل حلو
واستطردت بحسرة ظهرت فوق ملامحها:
-انا كان نفسي أكمل تعليمي قوي زي باقي أصحابي،بس الله يسامحه أبويا طلعني من تالتة ثانوي أول ما وجدي اتقدm لي،اترجيته يسيبني اكمل،ساعتها قال لي نفس كلمة أمك اللي قالتها لك،البت مهما اتعلمت وراحت وجت اخرتها الجواز
ابتسمت إيثار وقالت لتخفف عنها وطأة حـ.ـز.نها:
-بس وجدي طيب وبيحبك يا نوارة،وممكن لما ظروفكم تتعدل تستأذنيه في إنك تكملي تعليمك
ضحكت نوارة لتقول برضا:
-والنبي إنتِ رايقة يا إيثار، هو بعد العيد يتفتل الكحك.
7
ضحكتا من قلبيهما ليقطع انـ.ـد.ماجهما دخول تلك الـ "نسرين" حيث قالت بنبرة ساخرة وهي تتطلع إلى ضحكة إيثار الواسعة:
-ده أنتِ غريبة قوي يا إيثار،ولعتي الدنيا في بعضيها ونكدتي على أبوكِ وأخواتك وقاعدة هنا تضحكي ولا على بالك
-أنا اللي ولعت الدنيا في بعضها ولا جوزك... قالتها بملامح وجه مكفهرة لترد الأخرى بخُبث:
-جوزي ده يبقى أخوكِ اللي خايف على مصلحتك،يعني الحق عليه اللي عاوز يسترك قبل ما تعنسي
أعنس!...نطقتها بازدراء لتقول نوارة بعد أن قررت التدخُل لفض تلك المناوشة قبل أن تتطور:
-عيب الكلام ده يا نسرين
رفعت شفتها العلوى بتهكم لتقول متعجبة:
-وإيه العيب في اللي أنا قولته يا نوارة، بقيت غلطانة علشان خايفة على أخت جوزي!
لتحول بصرها للأخرى وهي تقول بلؤمٍ:
-إنتِ داخلة على اتنين وعشرين سنة يا حبيبتي،وده سن محدش وصل له قبل كدة من غير جواز في بلدنا، حتى بنات العائلات الكبيرة بيتجوزوا ويكملوا تعليمهم في بيوت إجوازهم
-دي حاجة تخصني لوحدي ومسمحلكيش تتكلمي فيها...قالت جملتها بصرامة لتستطرد ساخرة وهي تشملها بتهكم كي ترد لها الصاع صاعين:
-وبعدين هما اللي اتجوزوا كانوا خدوا إيه،واديكي اكبر مثال قدامي أهو
اشتعل قلبها وبلحظة احتدت عينيها لتهتف وهي ترمقها ببغضٍ شـ.ـديد:
-خدت كتير يا حبيبتي، لقيت راجـ.ـل يحبني ويتمنى لي الرضا،وستتني في بيته وجبت له ولد زي القمر وحامل في شهرين وكلها سبع شهور واجيب الولد الثاني
-هي دي إنجازاتك!.. نطقتها ساخرة لتقطع تلك المناوشة الكلامية الحادة ولوج منيرة لتقول بملامح وجه صارمة:
-إعملي شاي للرجـ.ـا.لة وطلعيه يا نسرين
استدارت إيثار لتولي ظهرها لوالدتها دون عناء النظر لوجهها متعللة باستكمال جلي الاواني،زفرت منيرة لتيقنها غضب صغيرتها منها لكنها لم تهتم وخرجت من المطبخ،انتهت إيثار من الجلي واتجهت إلى غرفتها لتأخذ ملابس لها وتتجه نحو الحمام لتغتسل كي تريح جسدها وبعدها اتجهت لغرفتها من جديد لتؤدي صلاة العصر،انتهت وجلست على فراشها تسترجع دروسها ليقطع تركيزها دخول والدتها المفاجئ، نظرت لها باستغراب لتقول بضيق:
-ياريت ياماما تبطلي تدخلي عليا من غير ما تخبطي
قطبت جبينها لتجيبها بحدة:
-مبقاش ناقص إلا إني اخد الإذن منك يا ست إيثار
زفرت لتجيبها بإبانة:
-مش قصة إستئذان، بس افرضي إني بغير هدومي
-أنا عارفة إنك بتغيري في الحمام، وبعدين سيبك من الرغي الكتير وخلينا في المهم...قالتها باهتمام لتنتبه الأخرى لها، اتجهت وجاورتها الجلوس لتسترسل:
-جهزي نفسك وإلبسي فستان حلو عشان تروحي معايا حِنة أمل بنت حليمة بنت عمي حسين
لم تتمالك حالها لتهتف متذمرة:
-وأنا مالي بحنة أمل دي كمان، أنا عندي مذاكرة ومش فاضية للكلام ده
واسترسلت متعجبة:
-وبعدين أمل دي أنا مشفتهاش مرتين تلاتة على بعض والكلام ده كان من سنين عند جدي الكبير الله يرحمه
اجابت لاقناعها:
-يا بنتي عيب اللي بتقوليه ده،حليمة تبقى بنت عمي وطول عمرها صاحبة واجب معايا، دي منقطاني في فرح إخواتك الإتنين
ردت مفسرة:
-أنا مطلبتش منك متروحيش،بس كمان متجبرنيش أسيب مذاكرتي وأروح اضيع وقتي في مجاملات شكلية
وصلت منيرة لذروة غضبها من تلك المتمردة صعبة المراس والتي ستهدm لها مخطتها،فبرغم ان نجل شقيقها قد طلب إيثار للزواج بها إلا أنها تطمع دائمًا للأعلى حيث فكرت بأن تصطحب إبنتها الجميلة لحفل إبنة عائلة عريقة كعائلة البنهاوي وهي أكبر عائلة بالبلدة بل بالمركز بأكمله،لذا خططت بأن تجعلها ترتدي أفضل ما عندها من ثياب لربما تُعجب بها إحدى سيدات العائلة وتختارها زوجة لنجلٍ لها،حاولت تهدأة حالها لتقول بنبرة مصطنعة علها تستطيع تليين عقل تلك العنيدة بتلك الكلمـ.ـا.ت المفخمة للذات:
-طب وإن قولت لك إني عايزة اخدك معايا اتباهى بيكِ قدام حريم البنهاوية وحريم البلد كلهم بردوا هتكسفيني؟
ضيقت بين حاجبيها تتعمق بالنظر لمقلتي والدتها في تعجب لتفكيرها لتباغتها الأخرى كي لا تدع لها الفرصة بالرفض:
-خليني أتباهي وسط الناس ببنتي المتعلمة ومتكـ.ـسريش خاطري
لاَنَ قلبها بعد حديث والدتها ونظراتها المتوسلة التي تراها للمرة الأولى لتقول بابتسامة هادئة:
-حاضر يا ماما، هروح علشان خاطرك
انتفضت الاخرى من جلوسها لتتحدث بانتشاء وفرحة لم ترهما عيني إيثار من ذي قبل:
-طب قومي جهزي نفسك وابقي البسي الفستان اللي كنتي جيباه لخطوبة صاحبتك بتاعت مصر
تنفست باستسلام لتجيبها بكثيرًا من العقل التي تتسم به شخصيتها الصلبة:
-لسة بدري يا ماما،خيني أذاكر شوية وبعد ما اصلي المغرب هلبس
-لا ما أنا هبعت أجيب لك البت كريمة الكوافيرة عشان تنضف لك وشك وحواجبك...قالتها بانتشاء تعجبت منه الإبنة لتقول باستغراب ظهر بَين فوق ملامحها:
-ليه ده كله، دي حنة أمل مش حنتي أنا يا ماما؟!
زفرت بقوة لتهتف بحدة وسـ.ـخطٍ بعدmا فقدت صبرها:
-هو أنا مش مكتوب لي اسمع كلمة حاضر منك خالص،هتفضلي واجعالي قلبي لحد امتى؟
هبت واقفة لتقول سريعًا في محاولة منها لمراضاتها:
-خلاص حقك عليا، هعمل لك كل اللي إنتِ عوزاه
وقفت تتطلع عليها بملامح حادة غاضبة لتقول الأخرى بابتسامة هادئة عليها تستطيع إضحاك صاحبة الوجه القاسي ولو لمرة:
-خلاص بقى متزعليش.
تنفست بهدوء ولانت ملامحها لتقول:
-هروح أبعت للبت كريمة على ما تجهزي نفسك
قالتها وتحركت سريعًا للخارج دون انتظار الرد، تنفست الصعداء لتلقي حالها فوق الفراش وهي تزفر بضيق
*****"*****
أتى الليل ليخيم الظلام على الكون،خرجت من حُجرتها وهي ترتدي ذاك الثوب الرقيق والذي بدا وكأنه صنع خصيصًا ليجعل منها أيقونة جمال وانوثة تتحركان فوق الارض،كان مصنوعًا من قماش الستان باللون الأزرق ليظهر بياض بشرتها الحليبية،ضيقًا من عند الصَدر والخصر لينزل باتساع كبير اظهر تقاسيم جسدها مما جعل كل من يراها ينبهر، اشتعل قلب نسرين حين رأتها تتحرك صوبها هي ونوارة واللواتي كانتا ترتديتان ثوبان متواضعان مما جعل نسرين تهتف بحدة:
-مش يلا بينا يا حمـ.ـا.تي، إتأخرنا وإحنا مستنيين، الحنة زمانها بدأت من ياما
كانت أعين منيرة منبهرة بجمال ابنتها فأجابت وهي مسلطة عينيها فوق إيثار:
-اسبقيني انتِ ونوارة وانا وإيثار هنحصلكم
بالفعل تحركتا وبعد قليل ذهبت بصحبة ابنتها،وصلا إلى الشارع المؤدي لمنزل والد العروس،نظرت منيرة لتلك الفراشة المنصوبة للرجـ.ـال (الصوان) وما تحتويه من طاولات مرصوص عليها جُل ما لذ وطاب من حلوى وفاكهة ومسليات، كان يقف بالمقدmة ليستقبل المهنئين بجانب أبناء عمومته من الشباب،خرج ليتناول سيجارة ينفث بها عن حاله بعيدا عن أعين والده ليتسع بؤبؤ عينيه ذهولاً بعدmا رأها وهو يتفقد المكان، نعم هي تلك التي سلبته لُبه منذ أن رأها ظهر اليوم ومن حينها وللأن لم تغب عن تفكيرة ولو لحظة،وقف لحظات حتى استوعب رؤيته لتلك الفاتنة،ترك تفكيره وتلك الأسئلة التي اقتحمت مخيلته ليهرول إليها بعدmا رأى من تجاورها وتأكد من شخصها،اقبل عليهما ليهتف بترجابٍ عال وهو يقول:
-يا أهلاً وسهلاً يا خالتي منيرة، نورتي الحنة
قطبت جبينها لتدقق النظر بملامح ذاك المهلل والتي صعب على ذاكرتها تحديد شخصه ليسترسل بلهفة:
-إنتِ مش فكراني يا خالتي، أنا عمرو إبن الحاج نصر البنهاوي،كنت زميل وجدي في الثانوية العامة وياما جيت عندكم علشان أذاكر معاه وهو كان بييجي عندي ناخد الدروس ونذاكر
تهلل وجهها لتجيبه بتذكُر:
-إفتكرتك، ماشاء الله يا عمرو،شكلك اتغير خالص عن زمان،كبرت وبقيت راجـ.ـل تختشي العين تبص له
حول بصره لإيثار التي تستمع بلامبالاة وكأن الأمر لا يعنيها ليتحدث وهو يرمقها منبهرًا بجمالها الذي تضاعف عما رأها ظهر اليوم بفضل زينتها وثوبها المنمق:
-تشكري يا خالتي
زاغت عينيها لتلتمع ببريق الأمل وهي ترى تحملقهُ بابنتها لتقول بدلال عاتبة عليه:
-بس أنا زعلانة منك يا عمرو،من ساعة ماخلصتوا الثانوية لا عُدت بتسأل ولا كأنك كنت زملا أنتَ و وجدي، طب حتى كنت إسأل على خالتك منيرة
واستطردت بفكاهة:
-يخـ.ـو.نك محشي الكرنب اللي كنت بتاكله عندي لما تتأخر في المذاكرة مع وجدي؟
ضحك ومازالت عيناه معلقة بتلك الجميلة ليقول بملاطفة:
-حقك عليا يا خالتي،بس إنتِ عارفة الدنيا تلاهي
أجابته بلمعة بعينيها:
-الله يكون في عونك يا ابني،أرض الحاج نصر وأملاكه ياما ومحتاجة اللي يحميها ويراعيها
تبسم ثغرها وهي تراه مازال معلقًا مقلتيه بإيثار ليتحدث مستفسرًا بعدmا فقد سيطرته جراء شغفه لمعرفة شخصها:
-أنا شفتك النهاردة في الموقف، هو أنتِ تقربي لخالتي منيرة؟
قطبت جبينها متعجبة جرأته لتهتف منيرة بإيجاب لتُشبع رغبته الملحة في المعرفة والتي ظهرت بينة بمقلتاه:
-هو انتَ مش عارفها يا عمرو، دي إيثار بنتي
التمعت عينيه ذهولاً ليقول:
-معقولة، إنتِ إيثار؟!
ليسترسل منبهرًا:
-شكلك إتغير قوي عن زمان
كِبرت وادورت وخرطها خراط البنات... كلمـ.ـا.ت نطقتها منيرة وهي تلوي رأسها بتفاخر لترمقها إيثار بحدة بعدmا شعرت بالخجل الشـ.ـديد لتقول بصوتٍ مرتبك:
-ماما، إيه اللي بتقوليه ده!
ابتسم عمرو على خجلها الذي زاد من توهج وجنتيها ليزيد من اشتعال قلبه وحرارته لتهتف الأخرى بلامبالاة غير عابئة بمشاعر صغيرتها البريئة:
-مكسوفة من إيه ده عمرو زي أخوكِ وجدي بالظبط
اغتاظت من والدتها وتحدثت بحدة أظهرت كم حنقها:
-ممكن ندخل الفرح بدل وقفتنا في الشارع اللي ملهاش لازمة دي
برغم سعادتها باعجاب عمرو الظاهر عليه إلا أنها كانت تشتعل داخليًا لتخشب تلك الحمقاء ونظراتها الحادة،تغاضت عن غضبها لتتحدث وهي تُشير بيدها نحو منزل العروس:
-يلا يا حبيبتي
أوقفها متلهفًا ليقول باهتمام:
-الفرح معمول على السطوح فوق يا خالتي
واسترسل وهو يتقدmهم:
-اتفضلوا أوصلكم
تحركتا خلفه وصعد ثلاثتهم الدرج إلى أن وصلوا لمكان إقامة الحفل،انسحب عمرو بهدوء ليترك منيرة تتلفت حولها بانبهار لتلك الطاولات المرصوصة والمزينة بمفارش بيضاء حملقت عينيها على الفاكهة والحلوى وزجاجات المياه الغازية الموضوعة فوقها بانتظام،لقد تحول السطوح وكأنه قاعة أفراح بفضل تلك الزينة المعلقة والمحاوطة للمساحة بأكملها، أما المكان المخصص لجلوس العروس فكان مبهرجًا وجاذبًا للعين، تحركت خلف والدتها لتقابلهما والدة العروس بترحاب شـ.ـديد يرجع لقرابتها لمنيرة:
-يا أهلا وسهلا يا ام عزيز،نورتي الحنة يا بنت عمي هتفت بامتنان:
-تعيشي يا ام كريم،مبروك وربنا يتمم لكم بخير وتفرحي بعوضها إن شاءالله
التفتت المرأة إلى تلك الجميلة لتقول بانبهار ظهر بعينيها:
-صلاة النبي أحسن،كبرتي واحلويتي يا إيثار
تبسمت براحة لتتحدث بلطف سببه تقبلها لتلك السيدة اللطيفة والتي طالما عاملتها بتودُد:
-متشكرة يا خالتي،عيونك الحلوين
اشارت بكف يدها للداخل:
-تعالوا ادخلوا
تحركوا وهما في طريقهما للطاولة أخذت تلقي التحية والسلام على كل من تقابلها بطريقها إلى أن جلست بجوار زوجتي نجلاها اللتان سبقتاها إلى هنا،بعدmا استقرت بجلوسها باتت تتفحص نساء العائلة لتتسع حدقة عينيها وهي تتحسر على حالها كلما نظرت ليديهن وصدورهُن وما يرتديهُن فيهم من حُلىٍ وأقراط مصنوعة من الذهب الخالص، بعد قليل نهضن الفتيات والتففن حول العروس وبدأن يتمايلن بخصورهن يمينًا ويسارًا ويتراقصن بانسجام مع إحدى الأغاني الشعبية، كانت تتابع ما يحدث بتملُل لشعورها أنها مختلفة عن تلك الطبقة،فجميعهُن خُلقن مدللات وطلباتهن مجابة لثراء عوائلهُن الفاحش لذا فهي مختلفة عنهن كليًا لكونها وُلدت لعائلة فقيرة بالكاد كانت تؤمن لها ولأشقائها المتاح من المأكل والملبس واحتياجات التعلُم من أدوات وثياب بسيطة وبرغم هذا أصرت على إكمال دراستها لتصنع لحالها مستقبل تستطيع من خلاله تغيير مسارها ،انـ.ـد.مجت بالحديث بصحبة نوارة إلى أن وجدت من تحتويها بذراعيها من الخلف قائلة بمداعبة:
-أنا مين؟
تعرفت على صوتها من الوهلة الأولى،إنها سُمية صديقتها المقربة بالثانوية العامة،تفرقا بالجامعة حيث إلتحقت إيثار بكلية التجارة بجامعة القاهرة بينما سمية فالتحقت بكلية الأداب جامعة المنصورة ولكن ظلت علاقتيهما قوية كالسابق حيث تتبادلتان الزيارات بمنزليهما كلما سنحت لهما الفرصة وتتحدثتان عبر الهاتف بشكل شبه يومي لذا اسرار كلتاهما لدى الأخرى،أُنير وجهها بابتسامة سعيدة لتقول بحبورٍ تجلى بصوتها الناعم:
-سُمية
اعتدلت لتهب واقفة لتلتف لتلك المبتسمة وتبادلتا عناقًا حميميًا لفت أنظار الجميع،تجاورتا الجلوس بعد أن صافحت منيرة وزوجتي نجلاها،وبدأتا الفتاتان بالهمس لتقول سمية مستفسرة:
-جيتي إمتى؟
لسة واصلة العصر...نطقتها ببشاشة وجه لتنهرها الاخرى بلومٍ مصطنع:
-ومتكلمنيش يا ندلة عشان أجي أشوفك؟
أطرقت برأسها قائلة بحـ.ـز.ن:
-اسكتي يا سمية، أنا من ساعة ما وصلت البيت وأنا في حوارات
-ليه،إيه اللي حصل، إحكي لي...نطقتها بعينين يملؤهما الفضول لتجيبها الاخرى بإيجاز:
-هحكي لك بعدين
ثم ضيقت عينيها لتسألها باستغراب:
-بس أنا متوقعتش ألاقيكي هنا في الحنة
ليه يعني...قالتها باقتطاب لترد الاخرى:
-يعني،أصل لا العريس ولا العروسة قرايبك،فاستغربت بصراحة
غمزت لها بعينيها لتقول بانتشاء وهي تهمس بالقرب منها دون حياء:
-أقولك الصراحة،أنا جاية أشقط عريس
فغر فاهها لشهق بعينين متسعتين ذهولاً لشـ.ـدة وقاحتها لتهتف الأخرى بتعجُل:
-إقفلي بقك هتفضحينا
لتسترسل بانتشاء:
-بصي يا إيثار، مش هكذب عليكِ،أنا طول عمري بحلم إني ادخل عيلة البنهاوي واتنغنغ في عزهم،وابقى غـ.ـبـ.ـية لو أضيع من إيدي فرصة زي فرح بنت جمال البنهاوي،علشان كدة أول ما عرفت إن الحنة النهاردة
لتقول وهي تحرك كفيها فوق خصرها المنحوت بتفاخر:
-إتشيكت ولبست أضيق حاجة عندي زي ما أنتِ شايفة وسحبت نفسي وجيت
كانت تستمع إليها بعقلٍ غير مستوعب حديثها لتسترسل الاخرى وهي تتناقل النظرات بين سيدات الحفل:
-معظم الستات اللي قاعدين دول عندهم شباب في سِن الجواز، مش يمكن حظي يضـ.ـر.ب وأعجب واحدة منهم وتخطبني لابنها
هزت رأسها بتعجب لتجيبها باستنكار:
-وستات عيلة البنهاوي هيختاروكي على أساس إيه يا سُمية
تنهدت حين رأت استنكار صديقتها لتسترسل بإبانة:
-متزعليش مني،أنا مش قصدي اجـ.ـر.حك، بس إحنا غلابة قوي جنب الناس دي، ونهار ما واحدة منهم تفكر تخطب لابنها أكيد هتختار له عروسة من البنهاوية أو حتى بنت عيلة كبيرة زيهم
-خليكي إنتِ في تفكيرك الفقري ده لحد ما هتلاقي نفسك لابسة في سليم إبن خالك أبو دبلوم...نطقتها بازدراء ولوم لتغرق الاخرى بدوامة أحزانها فقد اصبح هاجسها الأكبر مؤخرًا هو أن يجبرها شقيقها على زواجها من ذاك السليم الذي لا يختلف كثيرًا بطباعه عن عزيز
لتسترسل الاخرى بتطلع وعينين حالمتين:
-أما أنا بقى هحقق حلمي وبكره أفكرك لما اتجوز واحد من شباب البنهاوية وأعيش معاه في العز، ت عـ.ـر.في، وأنا جاية وقفت عند الصوان بتاع فرح الرجـ.ـا.لة وعملت نفسي بربط في الكوتشي بتاعي
لوت فاهها باحباط لتسترسل:
-كنت متأملة حد من شباب البنهاوية يطلع ويشوفني وأعجبه، بس حظي طلع فقري، وقفت أكتر من نص ساعة إن حد يطلع، وأخر ما زهقت طلعت على هنا
أطلقت ضحكة بريئة على تلك الحالمة وتابعتا حديثيهما المسمر إلى أن قطع انخراطهما صوت تلك البشوشة التي اقبلت باتجاه الطاولة لتقول وهي تجذب إيثار من كف يدها لتحثها على النهوض:
-تعالي إرقصي مع البنات يا إيثار
تفاجأت بفعلها لتقول بكثيرًا من الإرتباك المصحوب بالخجل:
-مش هينفع يا خالتي أنا مبعرفش أرقص
هتفت "نوارة" زوجة"وجدي"التي كانت تقابلها الجلوس بالطاولة،لتقول بحماس وتفخيم:
-لما أنتِ مبت عـ.ـر.فيش ترقصي أنا اللي بعرف؟
والتفت للسيدة لتسترسل بمشاكسة:
-متصديقهاش يا خالتي حليمة، دي بترقص ولا فيفي عبده في فيلم الراقصة والسياسي
2
-إنتِ هتقولي لي،ما أنا شفتها في حنة عزيز ووجدي،قومي يلا علشان تفرفشي أمل...قالتها المرأة وهي تجذبها لتحثها منيرة على النهوض حيث قالت لابنتها وهي تلكزها برسغها:
-قومي ارقصي مع العروسة يا إيثار، عيب تكسفي خالتك
أما نسرين فكانت تتابع الحوار بقلبٍ يغلي من شـ.ـدة حقده على تلك التي استحوذت على كل ما حُرمت هي منه وهو إتمام دراستها الجامعية والذي جعلها تشعُر بالدُونية بجانبها،وكذلك "سمية" التي شعرت بالغيرة من عدm تقدير والدة العروس لها وكأنها غير موجودة بالأساس،كم تمنت بأن تسنح لها الفرصة لتتراقص وتميلُ بخصرها المنحوت أمام هؤلاء النسوة لتستعرض جسدها وما لديها من مهارات ،بعد إلحاح الجميع استسلمت بالأخير وتحركت إلى وسط السطوح حيث تجمع فتيات العائلة فأمسكت حليمة يداها لتشبكهما بيدان ابنتها العروس واشتغلت الموسيقى وكانت غنوة خاصة بالمطربة شادية اُعيد تلحينها ليواكب العصر وتغنى بها المطرب محمد منير«شيء من بعيد نداني»
انـ.ـد.مجت برقصتها لابعد حد وكأن جسدها تحرر ليلين ويتحرك بليونة عجيبة مع كلمـ.ـا.ت الغنوة التي تماشت مع رقصها الراقي،كانت ترقص بقامةٍ مرتفعة وشموخٍ كي تُشعر جميع الموجودات أنها لا تقل عنهُن بشيءٍ حتى لا تتطلع إحداهُن عليها بتغطرس،بينما نظرت الفتيات لبعضهن باستحياء وبلحظة ابتعدن ليتركا لها المجال خشيةً من أن تقارنَ برقصها ويخسرن أمام تلك التي تتراقص بمهارة وكأنها خُلقت لهذا
كانت هناك عينين مختبئتين في الظلام لتراقب تمايلها بقلبٍ يدق كطبول الحرب وجسدٍ متصلب ينتفض مع كل حركة تقوم بها برقصتها الرائعة التي جعلت من الجميع مشـ.ـدوهًا بازبهلال ويتمعن النسوة بالنظر لحركاتها المتقنة بالرقص الشرقي،تنفس عاليًا ذاك المختبيء يتلصص عليها بعدmا صعد على سطوح منزله المُظلم المقابل لمنزل العروس ليراقب تلك التي استطاعت خـ.ـطـ.ـف لُبه من الوهلة الأولى،سال لعابهُ وشعر بانجراف مشاعره خلف تلك الساحرة، بات يتلصص عليها حتى انتهت من رقصتها ليتوقف قلبه مع توقف الموسيقى،حُبست انفاسهُ ليستعيدها من جديد وهو يرى والدة العروس وبعض الفتيات يتوسلن لتلك الإيثار بأن تمتعهُن برقصة أخرى، بالفعل بدأت برقصتها تحت سعادة منيرة التي تخطت عنان السماء واحتراق روح ذاك اللص المختبيء واشتعال روحه بنار اللهفة والإعجاب،قطبت "إجلال"جبينها لتتمعن بالنظر لتلك الفتاة المختلفة حتى برقصها،فهي مختلفة كليًا تشعر لوهلة أنها أميرة برغم ثوبها الهاديء والذي يفتقد الثراء كفتيات عائلة البنهاوي إلا أنه جعل منها مثيرة ولافتة للأنظار،شغفها الفضول لمعرفة من تكون تلك المختلفة،أشارت لـ حليمة بكف يدها بمنتهى الغرور لتأتيها الاخرى مهرولة خشيةً بطشها لتسألها بهدوء:
-بنت مين البت اللي بترقص دي يا حليمة؟
هتفت مسرعة بنبرة حماسية:
-دي بنت منيرة بنت عمي يا" ستهم"
أومأت بملامح مُبهمة لتستفسر مجددًا:
-بنت غانم إبن محمد الجوهري؟!
أومأت المرأة بتأكيد لتسترسل الأخرى متهكمة بكبرياء:
-اللي يشوف رقصها وتناكتها ميقولش عليها بنت غانم اللي محلتوش غير الجلابية اللي عليه
ابتلعت المرأة لُعابها بإحراج لتهكمها الصريح على إبنة قريبتها لتحول إجلال بصرها على منيرة التي تنظر متلهفة بسعادة وقلبٍ يدق بقوة لشـ.ـدة حماسته بعدmا رأت نظرات تلك المرأة الثرية إلى ابنتها واستدعائها لحليمة لتستفسر منها عنها وهذا ما استشفته بفطانتها، رمقتها إجلال بنظرات إزدرائية لتُشير باطراف أصابعها لـ حليمة بالإنصراف بطريقة مهينة تقبلتها المرأة وابتلعت غصتها بمرارة تجنبًا لجبروت تلك المتسلطة، لتتحدث بازدراء لشقيقتها التي تجاورها الجلوس:
-قال وأنا فكرتها بنت ناس وقولت تنفع عروسة لـ عمرو، طلعت بنت غانم
ضحكت الأخرى لتقول متهكمة بتعجرف:
-المظاهر خداعة يا إجلال، البت من دول على ما يخرطها خراط البنات وتشـ.ـد حيلها تفتكر نفسها بني أدmة...انتهت ليطـ.ـلقا الضحكات الساخرة سويًا لتعودا لمتابعة ترقبهما للحضور وهما تنظرتان بقامتان مرتفعتان بتعاظم
لم تستطع سمية الجلوس فقد فقدت صبرها على كبح شعورها بالظهور أمام هؤلاء النسوة، هبت واقفة لتتحرك صوب إيثار وشاركتها الرقصة تحت سعادة إيثار وغضب عمرو الذي شعر بالسخط على تلك الدخيلة التي حجبت عنه رؤية تلك المُثيرة انتهت إيثار وتحركت إلى والدتها لتجاورها الجلوس بأنفاسٍ لاهثة وتركت سمية التي انتهزت الفرصة وتقربت من العروس وقريباتها لتنـ.ـد.مج معهن بالرقص في محاولة منها للظهور أمام السيدات،بعد مرور بعضًا من الوقت تمللت إيثار بجلستها لتهمس لوالدتها باستياء ظهر بملامحها:
-ماما أنا زهقت،يلا علشان نروح
-لسة بدري، أدينا قاعدين شوية كمان...نطقتها بعينين تتطلعتين بانبهار لكل ما حولها لترد الاخرى بملل بعدmا عقدت النية على الرحيل:
-خلاص خليكي إنتِ ونسرين وأنا همشي مع نوارة
نهرتها قائلة بحدة:
-مستعجلة على المرواح ليه؟
زفرت بضيق لتجيبها:
-عندي مذاكرة كتير ،وبعدين ما احنا قاعدين من بدري،أنا بجد زهقت
اخرجت زفرة حارة من شفتيها لتستسلم بالأخير تحت إصرار تلك الغـ.ـبـ.ـية، التفت وهي تدير برأسها لتهتف بجفاء:
-وحشتك قوي السرايا بتاعة أبوكِ
ثم رمقت ثلاثتهم لتهتف بملامح وجه مكفهرة:
-قومي يا غندورة منك ليها
قدmن التهنئة مرةً أخرى للعروس ووالدتها وسألت إيثار سمية إن كانت سترافقها بالإنصراف فأخبرتها الأخرى بأنها ستمكث لنهاية الحفل فتركتها لتتحرك بجانب والدتها وزوجتي شقيقاها،وأثناء مغادرتهم قاطعهم ذاك المتطفل الذي كان ينتظرها بعدmا رأها من الاعلى وهي تهم بالمغادرة ليقول موجهًا حديثه لـ منيرة بينما عينيه مثبتتين على جسد إيثار بكل وقاحة:
-بقولك يا خالتي، هو رقم تليفونكم الأرضي لسة زي ما هو ولا اتغير
ليستطرد بإبانة سريعًا بعدmا رمقته نسرين بنظرة متعجبة:
-اصل عاوز أكلم وجدي وأطمن عليه
لسة زي ما هو يا عمرو...نطقتها بابتسامة خبيثة وهي تراه معلقًا بصرهُ فوق ابنتها لتسترسل بمداعبة:
-بس هو انت لسة فاكر الرقم؟
ابتسم لمداعبتها ليجيبها بنفي:
-بصراحة لا يا خالتي
-مليه الرقم يا إيثار...نطقتها لابنتها التي كانت واقفة تتملل وتنظر للبعيد بانتظار انتهاء ثرثرة والدتها مع ذاك المتطفل والتي لم تلاحظ نظراتها له لانشغالها بالنظر على الطريق،لتنتبه على صوت والدتها وتقول بعدmا تنفست باستسلام:
-حاضر يا ماما
طرحت نسرين سؤالها بصوتٍ متعجب إلى عمرو:
-طب ما تاخد رقم الموبايل بتاع وجدي أحسن؟
ارتبك من سؤال تلك المتطفلة لكنه استعاد توازنه ليجيبها بثقة زائفة:
-ما أنتِ عارفة إن شبكة الاتصالات هنا في البلد ضعيفة
انتفض قلبها رُعبًا بعدmا رمقتها منيرة بتوعد لتهز رأسها سريعًا وهي تبتلع لُعابها،أملته إيثار الرقم بينما خرجت ابتسامة بلهاء تحت استغرابها لتنتهي ويقول هو بعينين تلتمعتين بوميض التلهف:
-متشكر يا إيثار
أومأت برأسها سريعًا بعدm اكتراث لتنسحب للأمام بصحبة نوارة بعدmا فاض بها الكيل غير عابئة بوقوف والدتها التي استأذنت وانسحبت خلفهما هي ونسرين المتعجبة من اهتمام ذاك العمرو بأمر شقيق زوجها
******
وصلن للمنزل لتدلف كلاً من منيرة وإيثار إلى غرفتيهما بالطابق الارضي بينما نسرين ونوارة صعدتا الدرج وصولاً لمساكنهما لتهتف نسرين وهي تبتسم ساخرة:
-أقطع ذراعي من هنا...وأشارت على أعلى كتفها لتسترسل بتأكيد:
-إن حمـ.ـا.تك واخدة البومة بنتها علشان توقع لها عريس،والست إيثار اللي عملالنا فيها الابلة نظيرة متشيكة ورقصت علشان كدة
-حـ.ـر.ام عليكِ يا نسرين، متظلميش ماما وإيثار، إيثار أصلاً مكنتش عاوزة تروح وماما اللي أصرت عليها علشان خالتك حليمة متزعلش
-طب إيه رأيك إن حمـ.ـا.تك متفقة مع اللي اسمها حليمة على النمرة اللي عملتها دي علشان تخلي المحروسة تهز وسطها قدام الحريم
-وهي هتعمل كدة ليه؟... سؤال بريء طرحته نوارة لتجيبها الاخرى بخبثٍ:
-شوفي إنتِ بقى
توقفت نوارة عن التحرك وشردت بالتفكير لتلكزها الاخرى بكتفها قائلة بتنبية:
-وقفتي ليه،يلا علشان نغير هدومنا وننزل نغسل مواعين العشا المكومة في المطبخ قبل ما حمـ.ـا.تك تفتح حسها علينا
زفرت نوارة لتهتف متذمرة:
-أنا نعسانة،مـ.ـا.تخليهم لبكرة،هيحمضوا يعني لو فضلوا للصبح
بدلت إيثار ثوبها بمنامة فضفاضة مريحة وخرجت لبهو المنزل لتحمل الهاتف المنزلي وتعود به من جديد إلى غرفتها لتهاتف صديقتها بالجامعة للاستفسار عن أمر خاص بدراستها الجامعية
******
مع حلول الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، كان الهدوء يعم القرية،لا يُسمع سوى أصوات طائر الكروان ورائحة شجرة الياسمين الزكية المزروعة أمام المنزل تعبق بالمكان،فطالما يأتي الليل محملاً بهدوء يسر القلوب ويُدخل عليها السكينة،تتلألأ النجوم في السماء لتنيرها وتعطي مظهرًا خلابًا،بينما تجلس هي فوق فراشها ممسكة بكتابها تستذكر دروسها بذهنٍ مستيقظ وحماس يرجع لعشقها للدراسة،استمعت لقرع جرس الهاتف المنزلي حيث كان موضوعًا فوق المنضدة الصغيرة المجاورة لفراشها المتواضع ككل أساس منزلهم المتهالك،تعجبت من رنينه بتلك الساعة المتأخرة، تنهدت لتميل بجذعها ملتقطة سماعة الهاتف وهي تقول مستفسرة:
-ألو
إزيك يا إيثار...وصل صوت المتصل لمسامعها لتضيق عينيها باستغراب وهي تقول:
-مين معايا؟
بصوتٍ ناعم أجابها:
-أنا معجب ولهان،قلبه اتخـ.ـطـ.ـف لما شافك النهاردة
لوت فاهها لتشعر بالإشمئزاز من كلمـ.ـا.ت ذاك المتـ.ـحـ.ـر.ش العَفن لتهتف بنبرة حادة:
-بطلوا قلة أدب بقي وأحترموا نفسكم
بالكاد أنهت كلمـ.ـا.تها لتزفر وهي تغلق السماعة بوجه ذاك المتكيء فوق وسادة فراشه الوثير بغرفته الفخمة والذي صُدm من ردة فعلها الغريبة، فقد توقع إذابة قلبها وثوران لمشاعرها عنـ.ـد.ما يتبع معها طريقته المعتادة لإيقاع الفتيات اللواتي يُعجب بهن،ابتسم بتسلي بعدmا تأكد من اختلافها فقد زاد الحماس بداخله لأن الصيد تلك المرة سيكون لفتاة صعبة المنال وهذا ما سيزيد من متعته عند الوصول إليها وضمها لقائمة فتيات عمرو البنهاوي
أعاد الضغط على أرقام هاتف منزلها مرةً أخرى وأنتظر الرد فانتهى الإتصال مرةً أخرى وقام بتكرار المحاولة عدة مرات دون أن يسأم حتى أتاه الرد من صوتٍ لم يتوقعهُ لـتجحظ عينيه وبسرعة البرق أعاد سماعة الهاتف لمكانها ليُنهى الإتصال ثم نظر أمامه ليعقد حاجبيه بضيق وهو يحك ذقنه بأصابع يده قائلاً:
-يا بنت الـ....
↚
أعاد الضغط على أرقام هاتف منزلها وأنتظر الرد فانتهى الإتصال مرةً أخرى وقام بتكرار المحاولة عدة مرات دون أن يسأم، زفرت بقوة من ذاك المصمم على الإتصال، وقفت وتمسكت بالهاتف لتتحرك به إلى غرفة شقيقها الصغير، ولجت بعد الاستئذان لتقول وهي تضع الهاتف بين يديه:
-فيه واحد بـ.ـارد بيعاكس،خد ظبطه وأنا هروح أكمل مذاكرتي
-ده مين اللي ليلة أمه مش فايتة ده؟...جملة نطقها أيهم لتمط شفتيها مع رفعها لكتفيها بلامبالاة وتحركت صوب الباب لتختفي خلفه تاركة رنين الهاتف يصدح مرةً أخرى،رفع السماعة وبدون سابق هتف ليمطرهُ بوَابلٍ مِن الشَّتَائم لـتجحظ عينى الأخر وبسرعة البرق أعاد سماعة الهاتف لمكانها ليُنهى الإتصال ثم نظر أمامه ليعقد حاجبيه بضيق وهو يحك ذقنه بأصابع يده قائلاً:
-يا بنت الـ....،تنفس بهدوء وما زادهُ تصرفها سوى إصرارًا على الفوز بها،فقد تيقن أنها تختلف عن سابقاتها من الفتيات ليقرر تبديل خطته ليظفر بها،زفر بقوة حين تذكر صورتها وهي تتمايل بخصرها بكبرياءٍ زادها جمالاً وسحرًا فوق سحرها،عصر اليوم التالي،كان يقف أمام مرأته الخاصة بغرفته يتطلع لهيأته بخيلاء بعدmا ارتدى أفضل ما لديه من ثياب، بنطال من الجينز الأزرق يعتليه قميصًا ناصع البياض وقام بتصفيف شعر رأسهُ بعناية فائقة، بسط يده ليلتقط قنينة العطر الخاصة به،استمع لطرقاتٍ خفيفة فوق الباب،ولجت والدته وتحركت صوبه تتطلع عليه بجبينٍ مقطب لتقول باستغراب:
-لابس ومتشيك ورايح على فين كدة؟
نثر عطره بسخاء مغرقًا به عنقه وذقنه ليقول بصوتٍ حماسي:
-رايح أزور واحد صاحبي
رفعت حاجبها الأيسر لتنظر إليه بشكٍ وهي تقول بتهكم:
-صاحبك مين ده اللي فضيت نص قزازة البرفان على وشك وإنتَ رايح له!
لتخرج إبتسامة متهكمة من جانب فمها مسترسلة:
-اللي ربى خير من اللي اشترى يا ابن إجلال؟!
ابتسم بخفوت ليقول بمراوغة:
-طب اعمل إيه إذا كُنتي مابتصدقنيش في أي حاجة أقولها لك
ناظرته بريبة لتنطق بحدة:
-تقول الحق وتبطل سرمحة وجري ورا البنات الشمال اللي بتعرفهم، وتوافق على جوازك من واحدة من اللي بعرضهم عليك كل إسبوع
لتستطرد بضيق ظهر بَين بعينيها:
-يا ابني ده اللي قدك معاه عيل واتنين
سأم وأصابه الحنق من حديثها المكرر التي لن تمل من سرده عليه بكل مناسبة تأتيها ليزفر الاخر بقوة وهو يقول بتملل:
-يا ماما هو أنتِ مبتزهقيش من الكلام ده،مية مرة قولت لك لما ألاقي البنت اللي تدخل دmاغي وتملى مزاجي هاجي بنفسي وأقول لك اخطبيها لي.
-وإنتَ من بين كل بنات الأكابر اللي نقيتهم لك مفيش ولا واحدة دخلت مزاجك يا سي عمرو؟ كلمـ.ـا.ت نطقتها بسخرية ليقترب منها مقربًا كف يدها من شفتاه ليضع به قُبلة ثم تطلع لعينيها بعدmا قرر أن يستجدي عاطفتها مستغلاً عشقها الهائل لذاك القريب من قلبها والتي يتمتع بمكانة لم يصل لها غيره على وجه الأرض بأكملها:
-أنا مش عاوز أي واحدة والسلام،أنا بدور على واحدة تكون إجلال التانية، حاجة كدة ملهاش مثيل.
رفعت قامتها لأعلى لتتحدث باستعلاء وغرور لا مثيل له:
-يبقى مش هتتجوز ولا هتشوفه يا عين إجلال، لأن متخلقتش لسة اللي تشبه ستهم
ابتسم بحنان ليقول:
-طبعاً يا ستهم، هو أنتِ فيه زيك في الدنيا كلها،بقول لك إيه يا ماما
طالعته باستفهام ليسترسل بغمزة من عينيه مستغلاً عاطفتها لها:
-مـ.ـا.تهزي كيسك كدة وتديني خمس ألاف جنية،حاكم إبنك حبيبك على الحديدة
طالعته بشك لتقول بنبرة ساخرة:
-وتقول لي رايح لواحد صاحبي،ما ابقاش إجلال بنت الحاج ناصف إن ما كنت رايح تقابل واحدة من إياهم
زفر بتملل ليقول بمراوغة:
-طب والله واحد صاحبي
باغتته بسؤالها:
-طب مين صاحبك ده، وعايز الفلوس دي كلها ليه؟
-واحد مـ.ـا.تعرفهوش ...نطقها بلامبالاة وهو يهرب بعينيه قبل أن تستشف كذبهما ليسترسل وهو يلتقط أشيائه الخاصه ويضعها بجيبي بنطاله:
-واحد من بلد جنبنا كان معايا في الكلية،اتصل بيا واتفقنا نتقابل على القهوة اللي في أول البلد مع اتنين أصحابنا تانيين
ثم التفت يتطلع لها بعدmا عقد النية على أن يلعب على نقطة الغرور وشعورها الدائم بالتميز وبأنها وانجالها بمكانة أعلى وارقى من الجميع:
-وطبعًا مايرضيكِيش حد يصرف على القاعدة وابن الست إجلال على سن ورومح قاعد في المكان زي قلته
أدلى بكلمـ.ـا.ته وهو متيقن من النتيجة وقد حدث ما توقع فقد رفعت قامتها لأعلى وشعرت بالتفخيم بينما طالعته هى لتقول بتعالي:
-مـ.ـا.تخلقش لسة اللي يخليك تحس بكده،تعالى معايا الأوضة علشان تاخد الفلوس
استدارت في طريقها للخروج من الغرفة ليبتسم بمكرٍ لنجاح خطته التي لم تفشل أبدًا بجني ثمارها من تلك المتعالية لينسحب خلفها تاركًا حجرته،بعد مرور حوالي الساعة،كانت تعيد ترتيب غرفة المعيشة بعدmا ذهب والدها وشقيقاها عزيز ووجدي إلى قطعة الأرض الصغيرة المملوكة لوالدها بينما يجلس أيهم بغرفته يستذكر دروسه،أما والدتها فبالطابق الأعلى (السطوح)تُطعم طيورها المتنوعة من الفراخ والأبط والأوز،بينما ذهبتا زوجتي شقيقاها لزيارة عائلتيهما الاسبوعية بيوم الجمعة المسموح لهما من والدة زوجيهما، استمعت لطرقات فوق الباب لتأخذ نفسًا عميقًا قبل أن تتوجه إلى الباب مباشرةً لتفتحه،قطبت جبينها عنـ.ـد.ما رأت ذاك الشخص التي رأته بالامس واقفًا أمامها بكامل أناقته مبتسمًا يطالعها باشتياقٍ جارف ظهر بَين بمقلتيه مما جعلها تتعجب لأمره وما زاد من حيرتها هو أكياس الهدايا التي يحملها بيداه لتستفيق على صوته حين قال:
-إزيك يا إيثار
ضيقت بين عينيها بينما هو غارقًا بالنظر لعينيها الساحرة تارة لينتقل لشفتيها المكتنزة بلونها الوردي تارة أخرى ليمرر عينيه بمنحنيات جسدها التي أظهرها ذلك الثوب المنزلي بلونهِ الوردي الهاديء والذي أضفى على لون بشرتها جمالاً مضاعفًا ليخفق قلب ذاك الواقف بقوة،وقف مشـ.ـدوهًا فاغر الفاه لجمالها الأخاذ، تلك المشاعر الجديدة عليه فبرغم تعدد علاقاته مع الفتيات وبرغم أيضاً إنجذابه لجسدها الانثوي ومظهرها الرائع الذي لا يقاوم إلا أنه منذ أن رأها بالأمس اقتحم شعورًا جديدًا على قلبه ليُقسم بداخله أن الذي يحدث له بحضرة تلك المثيرة لم يطرأ عليه طيلة مشواره النسائي،تنهدت بحيرة ليخرج صوتها مضطربًا نتيجة نظراته الجريئة وهي تقول:
-الحمدلله
هو أنتِ مش فكراني؟أنا عمرو اللي قابلتك إنتِ وخالتي منيرة إمبـ.ـارح في حنة بنت عمي...نطقها بعينين متلهفتين وهو يذكرها بحاله لتقول بجدية بعدmا رأت تـ.ـو.تره:
-فاكراك طبعاً،أهلاً وسهلاً
أنا جاي أشوف وجدي...نطقها مفسرًا ليجيب سريعًا عنـ.ـد.ما وجدها تتطلع إليه باستغراب وأيضًا لإبعاد شُبهة الإتصال بها بالأمس،فلقد قرر أن يقوم بتغيير خطته بعدmا شعر باستياءها من فعلته ليقول مفسرًا:
-أصل تليفونا الارضي الحرارة مقطوعة عنه ليه يومين، وحاولت أتصل بـ وجدي من المحمول علشان أقابله على القهوة بس إداني مغلق،
ليكمل مبررًا بابتسامة:
-ما أنتِ عارفة شبكة المحمول في بلدنا،في ذمة الله
أخيراً تبسم وجهها بمجاملة لمجارات حديثه الغير معني بالنسبة لها لينتعش قلبهُ وينتفض ثائرًا لبسمتها الرائعة ليقطع حديثهما صوت والدتها التي كانت تنزل على الدرج واستمعت لصوت ابنتها يأتي من الخارج لتقول باستفهام:
-بتتكلمي مع مين يا إيثار؟
همت بالحديث ليسبقها ذاك الذي سأم الوقوف متخشبًا بتلك الهدايا الثقيلة التي يحملها بين يداه فهو ليس معتادًا على هذه الأشياء فيوجد سربًا من الرجـ.ـال الذين يعملون لدى والده ويقومون بتلك الاشياء عنه لكنه أراد أن يفعلها بحاله كي لا ينكشف أمره لدى والدته التي لا يفلت من تحت يدها شيئا، هتف بصوتٍ مرتفع وهو يتطلع للداخل باحثًا عن صاحبة ذاك الصوت لتنقذه:
-ده أنا يا خالتي
قطبت جبينها لتتحرك صوب الباب لاستكشاف صاحب الصوت لتتسع عينيها بذهول حين رأته واقفًا أمامها يحمل كل تلك الأكياس،هتفت بعدm تصديق:
-عمرو، تعالى يا ابني إيه اللي موقفك برة كدة؟
اشتدت سعادته لترتسم إبتسامة واسعة فوق ثغره أظهرت صفي أسنانه من احتفاء تلك السيدة به مما يجعله يشعر بقيمة حاله العالية، لتهتف هي ملقية باللوم على إبنتها ولكن بطريقة حنون كي لا تسيء لصورتها بعيناه:
-كدة يا إيثار موقفة عمرو على الباب زي الغُرب،الراجـ.ـل يقول علينا إيه يا بنتي؟
تلبكت ولم تجد جوابًا لينقذها بحديثه المدافع عنها:
-متظلميهاش يا خالتي،أنا لسة جاي حالاً وكنت بسألها عن وجدي
ابتعدت عن الباب لتفسح له الطريق وأشارت بيدها وهي تدعوه للولوج:
-اتفضل يا عمرو
ساعدته بحمل الأكياس بعدmا طلب هو منها لثقل وزنها لتقول وهي تطالعهم بنهم:
-إيه يا ابني اللي إنتَ جايبه معاك ده، هو أنتَ غريب
-دي شوية حاجات بسيطة ومش مستاهلة كلام يا خالتي...نطقها بهدوء ليسترسل مبررًا تصرفه:
-أنا قولت طالما ماحضرتش فرح وجدي يبقى مايصحش أدخل البيت من غير هدية في إيدي
إبن أصول وطول عمرك وإنتَ بتفهم في الواجب يا عمرو...نطقتها لتحمل عنه جميع الأغراض وتقول قبل أن تتجه بهم إلى المطبخ:
-دخلي عمرو أوضة الجلوس يا إيثار لحد ما أبعت أيهم ينده لـ وجدي من الأرض
باتت تفتش بداخل الأكياس لتستكشف ما بداخلهم لتجحظ عينيها وهي ترى عُلبتان مليئتان بأصنافٍ عدة من الحلوى الشرقية من أفخم متجر حلوى في المدينة،اتسعت عينيها بتشهي وهي تنظر لكعكة الشيكولاتة التي جلبها من نفس المكان،فكم من المرات التي رأت مثلها عبر شاشة التلفاز لكنها المرة الأولى التي ستتذوق منها،باتت تفتش بسعادة وهي تُخرج أصنافًا عديدة من الفاكهة الطازجة الأغلى سعرًا بالاسواق، وعددًا من قنائن العصائر المتنوعة ويبدو على مظهرها الفخامة، كانت كلما فتحت كيسًا تفتح عينيها بنهمٍ وكأنها وجدت كنزًا،ورث عزيز عنها الطمع ودنائة النفس، عكس إيثار وأيهم اللذان ورثا القناعة والنفس العفيفة من والدهما بينما ظل وجدي يتراقص بالمنتصف،فهو لم يتدنى لمنزلة والدته وعزيز ولم يرتقي لمكانة أبيه وشقيقاها
1
أما بالخارج بعدmا أوصلته سألته بلباقة:
-تحب تشرب إيه يا أستاذ عمرو، شاي ولا قهوة
بابتسامة جذابة اجابها:
-متتعبيش نفسك،انا هستنى وجدي واشرب معاه شاي
بعد إذنك...نطقتها مستديرة لتتسع عينيها بعدmا وجدته يقفز من جلوسه ليقطع طريق خروجها بلمح البصر وهو يقول متلهفًا:
-هو أنتِ على طول كدة مستعجلة وكلامك قليل
تعجبت لأمره وهزت كتفيها بلامبالاة لتقول:
-إحنا مفيش بينا مساحة أصلاً علشان يكون الكلام قليل أو كتير!
طب ما تيجي نخلق المساحة...قالها بدعوة صريحة منه مع لمعة إنبهار ظهرت بعينيه جعلتها تشعر بالتـ.ـو.تر لتبتلع ريقها من قربه ورائحة عطره التي برغم أنها قوية وعبأت المكان إلا أنها تغلغلت بأنفها لقربه الشـ.ـديد لتجعلها تشعر بالريبة والتلبك ويرجع هذا لعدm خبرتها وعدm خوضها لأية تجارب تربطها بالجـ.ـنس الأخر من قبل،فهي تملك شخصية قوية جعلتها تصد جميع محاولات الشباب في التقرب إليها، خرج صوتها متعجبًا لتتسائل:
-قصدك إيه؟
هم بالرد ليتوقف بعدmا استمع لصوت منيرة المرحب به:
-إنتَ لسة واقف يا عمرو، مـ.ـا.تقعد على الكنبة وارتاح يا ابني
قالتها بوجهٍ شـ.ـديد الإحمرار من شـ.ـدة سعادته لتسترسل بإبانة:
-أنا بعت أيهم ينده لك وجدي
أشارت ليجلس وجاورته هي الجلوس لتشـ.ـدد على ابنتها الذهاب للمطبخ لجلب واجب الضيافة،ولجت إلى المطبخ لتجد والدتها قد فرغت الأكياس ورصتها فوق مطبخها الخشبي المتهالك لتقطب جبينها وهي تقول بصوتٍ هامس:
-الواد ده مـ.ـجـ.ـنو.ن رسمي،إيه الحاجات اللي جايبها دي كلها، ولا كلامه ونظراته الغريبة
تنفست لتهز رأسها بلامبالاة وتُقدm على المبرد لتفتحه وتُخرج منه دورق مليء بمشروب الجوافة الطازج كانت قد أعدته قبل قليل لاستقبال والدها واشقائها عند عودتهم للمنزل في الغروب،وكان والدها قد جلب لها ثمرات الجوافة بالأمس إحتفائًا بمجيء صغيرته،سكبت كأسان من المشروب وحملتهما فوق حامل واتجهت صوب الحجرة وما أن رأها ذاك المهووس حتى عادت دقات قلبهُ لتسرع بدقاتها من جديد،شملها بنظراته المنبهرة تحت أعين منيرة التي تراقبه في الخفاء لتتنهد براحة بعدmا تأكدت بفطانتها إعجاب بل إنبهار ذاك الثري بنجلتها،تبسم ثغرها وتعجبت لأمر القدر ولحكمة ربها،فكم حلمت وتمنت وانتظرت تغيير قدرها للأفضل على يد رجـ.ـالها الثلاث،وكم من المرات التي بغضت بها تلك الإيثار وتمنت لو لم تُخلق من الأساس،فطالما كرهت الإناث ونظرت لهُن نظرة دونية حسبما تربت،وطالما ترددت كلمـ.ـا.ت زوجة والدها المقيتة حينما كانت تنعتها بأبشع الأوصاف والشتائم وتخبرها بأن الفتيات نذير شؤمٍ في المنازل وأنهُن خُلقن فقط لخدmة أشقائهن من الرجـ.ـال ومن بعدهم خدmة أزواجهن والقيام على راحتهم بكل الطرق،وأنهن جئن إلى الحياة ليصبحن حِملاً ثقيلاً على عواتق الرجـ.ـال،فلطالما عاملتها على أنها عارٌ ولابد التخلص منه،والأن يبدوا أن قواعد حِسبتها ستتغير وسيتبدل حالها وحال أولادها على يد تلك الإيثار، تذكرت حين أصيبت بإكتأبٍ حاد عنـ.ـد.ما أخبرتها الطبيبة بأنها ستُرزق بفتاة حتى أنها فكرت جديًا بالتخلص من الحمل لولا غانم الذي نهرها كثيرًا وقام بتهديدها إذا تخلصت من حملها سيقوم بتطليقها في الحال،وأبلغها أن الفتيات يُجلبن الرزق لعائلاتهن ويصبحن منبع للحنان،لكنها ما كانت تكترث لحديثه ولا تأخذه بعين الإعتبـ.ـار
1
اقبلت عليه لتقديم المشروب ليباغتها بتصرفه النبيل حين هب واقفًا بزيف وتحرك مقتربًا عليها ليحمل عنها عناء مشقة حمل الصينية كي يجذب إهتمامها مما جعلها تضيق بين عينيها باستغراب ليتحدث هو بصوتٍ حنون:
-تعبتي نفسك ليه بس
مفيش تعب ولاحاجة،بعد إذنك...قالتها واستدارت لتتوقف حينما استمعت لصوت والدتها التي نادتها بعدmا رأت عبوس ذاك الثري لتقول:
-تعالي إقعدي يا إيثار، هو عمرو غريب
تنفس بعميق بعدmا شعر بقبضة بقلبه عنـ.ـد.ما رأها تخرج لكن تلك المنيرة أعادت له الأمل بطلبها بينما تطلعت إيثار إلى والدتها تتعجب أمرها وتغييرها الشامل مع ذاك الـ عمرو، تذكرت معاملتها شـ.ـديدة القساوة معها حينما كانت صغيرة وحتى وصولها للمرحلة الثانوية،فكم من المرات التي نهرتها بها بل ووصل الأمر بتعنيفها وصفعها لمجرد ذكرها لاسم صديقًا دراسيًا وهي تشيد بتفوقه حتى خلقت لديها عقدة تجاة الجنس الأخر مما جعلها تضع بينها وبين جميع الرجـ.ـال حاجزًا حديديًا مازال موجودًا إلى الأن،نظرت بعينيها لتقول بجدية:
-عندي مذاكرة يا ماما، بعد إذنك يا أستاذ عمرو
شعر بالإحباط عنـ.ـد.ما رأها تسرع بخطاها لخارج الحجرة كي لا تعطي لوالدتها المجال للاعتراض بينما اشتعل داخل منيرة من تلك العنيدة وأفعالها الهوجاء،نظرت لذاك الذي بدا على وجهه الإحباط لتقول بابتسامة مصطنعة:
-اشرب العصير يا عمرو
لتسترسل بإبانة تصرف نجلتها الأهوج:
-متزعلش من إيثار، أصلها بتتكسف قوي وعمرها ماكلمت حد غريب
-أنا مش زعلان منها يا خالتي، بس استغربت إنها بتعاملني على إني غريب عنها ونسيت إني متربي هنا وسطيكم
ابتسمت لتجيبه بلوم لطيف على عكس طبيعتها:
-ما هو الحق عليك بردوا يا عمرو،أصلك قطعت بينا مرة واحدة،روحت وقولت عدوا لي،ده حتى فرح وجدي محضرتوش
هتف سريعًا مبررًا:
-والله كان غـ.ـصـ.ـب عني،يومها كنت مسافر الاقصر في شغل مع ابويا ومكنش ينفع اسيبه لوحده
ولج وجدي من الباب ليهتف مرحبًا بصديق الطفولة قائلاً وهو يقترب عليه:
-ده أنتَ هنا بجد، أنا افتكرت الواد أيهم مهيس وبيقول أي كلام
وقف ليقابل صديقه قائلاً بمزاح:
-جيت على بالي قولت يا واد طالما صاحبك مطلعش جدع معاك ونسيك روح أسأل إنتَ عليه
أقبل عليه ليتعانقا باشتياقٍ حقيقي وحنينًا للأيام التي عاشاها شويًا، تركتهما وتحركت صوب غرفة ابنتها لتدفع الباب مقتحمة خصوصيتها لتفتح الأخرى فاهها مشـ.ـدوهةً لتقول منيرة بغضب عارم:
-إنتِ قاعدة عندك بتعملي إيه؟
رفعت كتابها لأعلى لتقول بنبرة ساخرة:
-زي ما إنتِ شايفة يا ماما، بذاكر
اقبلت عليها لتهجم على كتابها وتنتزعه من يدها وتُلقي به أرضًا لتهمس بفحيحٍ من بين أسنانها وهي تدهسهُ تحت قدmيها:
-أدي اللي إنتِ فالحة فيه
اتسعت عينيها بذهول وهي تنظر لكتابها لتسترسل الاخرى بحدة:
-قومي انجري على المطبخ إعملي شاي لـ عمرو ودخليهوله
أمسكت رسغها بقوة تحت ارتياب تلك المذهولة لتستطرد متذكرة:
-وبعدين تعالي لي هنا،إنتِ إزاي يا بت تكـ.ـسري كلمتي وتطلعي لما قولت لك إقعدي معانا
2
هتفت بكامل صوتها لتقول باعتراض:
-ومن امتى وأنا بقعد مع رجـ.ـا.لة غريبة،ده ولاد أعمامي لما بييجوا مابتسمحليش أدخل لهم الشاي،يطلع مين عمر ولا عمرو ده كمان علشان أقعد معاه؟!
احتدت نظراتها لترمقها باشمئزاز هاتفة باحتقار:
-هتفضلي غـ.ـبـ.ـية والفقر بيجري وراكي زي أهلك بالظبط
شعورًا مُمـ.ـيـ.ـتًا اقتحم صدرها ليصعب التنفس وكأن أحدهم طعنها بنصل سكينٍ حاد بمنتصف قلبها،ناظرتها بألم لتبتلع غصتها من الإهانة التي تعرضت إليها على يد والدتها التي من المفترض أن تكون لها منبع الحنان، من تدفعها للأمام وتزرع بداخلها عزة النفس واحترامها،إغرورقت عينيها بدmـ.ـو.ع الألم والحسرة لتزفر تلك القاسية وهي تصيح هادرة بغضب:
-عيطي ياختي عيطي،أدي اللي إنتِ فالحة فيه، تحرقي دmي بعمايلك وبعدين تنزلي لك دmعتين علشان تصعبي على اللي قدامك، ربنا ياخدك وارتاح منك
رمقتها بازدراء لتخرج صافقة باب الغرفة خلفها بعدmا أصيبت بالإحباط وعلمت أن لا أمل بخروج تلك البائسة من غرفتها اليوم،أما تلك المسكينة التي وما أن خرجت والدتها حتى تركت لدmـ.ـو.عها الأبية العنان لتنهمر بغزارة فوق وجنتيها كشلالٍ
1
*******
صباح يوم السبت
تركت منزل أبيها لتتجه لأول الطريق كي تستقل سيارة أجرة تقلها للقاهرة،تنهدت حين تذكرت تلك القاسية التي تجاهلتها عند مغادرتها المنزل بالرغم من انها اقتربت عليها لتودعها قبل أن تعود لسكنها الجامعي إلا أنها أبت وحولت وجهها للإتجاه الأخر كنوعًا من العقـ.ـا.ب على ما حدث بالأمس،تنهدت بألم تحت سعادة نسرين التي بلغت عنان السماء لتبتسم وهي ترمق شقيقة زوجها بنظراتٍ شامتة،وصلت إلى بداية الطريق لتقطب جبينها وهي ترى هذا الشخص يتطلع إليها متلهفًا وكأنه كان بانتظارها،انتابها شعورًا بالريبة تجاهه وبدأت تتيقن بأنهُ يحاوطها ويقتحم خصوصيتها أينما كانت،تجاهلت نظراته المتفحصة لها والتي بدأت تثير حنقها لتقف تنتظر قدوم إحدى السيارات بجانب عدة فتيات أخريات خرجن من القرية لطلب العِلم،بعد مرور بعض الوقت وقفت تتملل وهي تنظر بساعة يدها خشيةً من تأخرها على محاضرتها الأولى لتصل سيارة وتقف بنفس التوقيت،هرول الجميع باتجاهها لتصاب بالإحباط سرعان ما اختفى ليحل محله الأمل بداخلها عنـ.ـد.ما وجدته يقف بجسده ليسد باب السيارة وهو يُشير لها بأن تقترب،وقفت لبرهة تناظره بـ.ـارتياب لما يفعلهُ من تصرفات تدعوا للريبة لكنها سرعان ما نفضت تلك الأفكار حين تذكرت ذاك الأستاذ الجامعي الذي تجاوز أعوامه الخمسون وتذكرت ملامح وجهه ونظرات عينيه التي تتحول لجحيمية عند دخول أحدهم قاعة المحاضرات بعده،اقتربت رغمًا عنها لتنظر بالسيارة لتجد محلاً لفردين فقط،استقلت مقعدًا بجانب النافذة ليجاورها هو تحت خجلها لتنطلق السيارة بعدها،امسكت بحقيبة يدها لتضعها حاجزًا بينهما تجنبٕا للتلامس مما أصاب حنقه لكنه تجاوز فعلتها وتطلع إليها ليقول مرحبًا بابتسامة ساحرة عله يختطف بها قلبها وينال منها كما فعل مع غيرها:
-صباح الخير
صباح النور...نطقتها باقتضاب دون تكليف حالها عناء الالتفات إليه مما أثار حفيظته لكنه استدعى هدوئه ليسألها بابتسامة هادئة:
-رايحة كليتك؟
اكتفت بإيمائة من رأسها دون رد ليسترسل بإبانة لفتح مواضيع بينهما كي يحثها على التمادي معه والوقوع في براثنه:
-ت عـ.ـر.في إن حظي حلو قوي،أصل سيبت عربيتي في البيت وقررت أروح مشواري مواصلات، وده من حسن حظي إني شفتك
باغتته بعدm مبالاتها وكأنه يحدث غيرها برسالة موجهة منها إليه بأن يلتزم الحدود بالتعامل معها مما جعله يتنهد باستسلام بعدmا تيقن ان الوصول لقلبها شاق ويحتاج للمزيد من بذل الجهد لكنه لم ولن يستسلم فقد شغفته بجمالها واختلافها عن الاخريات، وما أثار إعجابهُ به أكثر هو عدm إهتمامها والهرولة إليه للاستفادة من أموال والده كغيرها من الفتيات التي تعرف عليهن طيلة حياته،اخرجت كتابًا وبدأت تستذكر دروسها كي تغلق عليه جميع محاولاته للتقرب منها أو فتح مواضيع للحديث، أخرجت ورقة مالية لدفع حصتها لكنه رفض وحاول مرارًا أن يدفع بدلاً عنها وبالاخير رضخ تحت إصرارها العجيب على ألا يدفع عنها مما جعله ينظر لها باختلاف كلي، وصلا لموقف السيارات وترجل ينتظر نزولها بابتسامة سُرعان ما اختفت بعدmا رأها تتحرك أمامها دون النظر إليه
استشاط داخله وهو يراها تستقل سيارة أجرة أخرى لتقلها لجامعة القاهرة لتمر من جانبه،زفر بضيق على فشل خطته للتقرب منها وتأكد أن الوصول إليها يكاد مستحيل،لكنه لن يبرح حتى يبلغ ويحصل على مبتغاه ،توالت الأيام وهو ينتظرها كل عطلة ليستقل بجوارها السيارة في محاولاته المتكررة لإيقاعها التي لن يمل منها حتى انقلب السحر على الساحر وبدلاً من أن يوقعها وقع هو بشباك غرامها بل أصبح متيمًا بعشقها المميز ذو النكهة الجديدة عليه، بات يسهر الليالي يستمع للأغاني التي تتحدث عن العشق وهو يراها بكل الزوايا،لقد وصل به الأمر حد الهووس وبات لا يرى الدنيا سوى بالساحرة عيناها، حتى أنهُ ابتعد عن كل الفتيات اللواتي كانت تربطه بهن علاقات في إطار غير شرعي
2
*******
في تمام الساعة السادسة والنصف صباحًا
كان يغفو فوق فراشه بجسدٍ منهك يرجع سببه لعدm اتخاذه القسط الكافي من النوم،فمنذ أن عشقها صار النوم ضيفًا عزيزًا،انتفض من نومته ليهب جالسًا بعدmا استمع لصوت المنبه المنبعث من الهاتف، وبلحظة كان يقف أمام خزانة ملابسة ليتخذ ملابس داخلية وتحرك صوب الحمام الخارجي ليغتسل بماءٍ بـ.ـارد عله يستفيق،وبعد مرور حوالي ثلاثون دقيقة كان يتحرك في عجلة من أمره بعدmا ارتدى أفضل ثيابه ليلتحق بموعده الاسبوعي مع تلك الجميلة الذي أصبح مقدسًا بالنسبة له،قطع طريقه والدته التي خرجت من غرفتها لتقطب جبينها وهي تتطلع في حيرة من أمره الذي تغير مؤخرًا واصبح غريبًا عليه،تنهدت لتسألهُ بفضول:
-رايح فين على الصبح كدة؟
عندي مشوار مهم يا ماما... قالها في عجالة لتصيح مستفسرة:
-أنا نفسي اعرف إنتَ بتقوم من النجمة بتروح فين كل يوم سبت، واشمعنا السبت بالذات
لتستطرد متعجبة:
-وكله كوم وعربيتك اللي بتسيبها قدام البوابة دي كوم تاني، مع إنك مبتخطيش خطوة برة البيت من غيرها؟!
امتعضت ملامحه ليهتف باستياء:
-سبيني يا ماما أنا متأخر على ميعادي، لما أرجع إبقي استجوبي فيا براحتك
لم يدع لها فرصة للاعتراض فقد تفوه بكلمـ.ـا.ته وهرول للخارج يسابق الريح ليستشيط داخلها من تصرفات ذاك الأرعن، كان يهرول بمشيته كي يسبق خروجها ككل مرة، زفر باستياءٍ حين تذكر ليلة أول أمس وكم من المرات التي حاول بها الإتصال ليجيب عليه شقيقها الكبير وينثره بوابلٍ من الشتائم،ليقرر الذهاب عصر اليوم الذي تلاه ليرى عينيها ويتمتعُ بالغوص داخل بحرهما ولسوء حظه وجد أيهم بالمنزل ليخبره بأن وجدي بصحبة والده بالارض وحينما سأله عن والدته أخبره أنها ذهبت لمنزل والدها لتقوم بزيارة جدته المسنة مما جعل الإحباط يتملك منه ليناوله علبة الحلوى التي جلبها وينسحب يجر أذيال خيبته بصمت،وصل أخيرًا لمطلع الكوبري وكاد أن يُكمل بطريقه إلى أن رأها تخرج من الشارع العمومي المؤدي لمنزلها، تسمر بأرضه وبات قلبه يدق بقوة،مشاعر جديدة من نوعها تخترق جدران كيانه لتخبره بأنه لم يتذوق للعشق طعمًا وكل علاقاته كانت هراءًا، التمعت عينيه بوميض اللهفة والعشق وهو يتطلع لهيأتها بولهٍ ولكن ليست كالماضي،فالان قد اختلفت نظرته كليًا، بالماضي كان منبهرًا بمظهرها وجسدها الانثوي أما الأن فيكفيه نظره من عينيها لتجلب السعادة لقلبهِ المتيم،وقف ينتظرها لتزفر هي حين لمحت وقوفهُ ببداية الطريق لتتحرك بوجهتها تتخطى وقوفه دون أن تنظر له مما جعله يبتسم ليقول بعدmا تحرك بجانبها:
-إزيك يا إيثار
الله يسلمك...قالتها باقتضاب وهي تسرع بخطاها لتبتعد عنه حتى وصلا لوجهتهما لتتوقف سيارة عابرة ولم يكن بها مقاعد خالية سوى المقعدان المجاوران للسائق،أمسك باب السيارة كي لا يدع الفرصة لتقرب أحدًا وأشار لها لتتنهد وتتحرك صوبه مجبرة كي لا تتأخر على موعد محاضرتها،استقل مقعده المجاور للسائق وأفسح لها لتجاوره الجلوس وتحرك السائق منطلقًا بطريقه،تحمحم ليقول بصوته المبحوح:
-أنا جيت لكم البيت إمبـ.ـارح بس أيهم قال لي إن خالتي منيرة بتزور والدتها
تطلعت إليه ليسألها بفضولٍ أثار حفيظتها:
-هو أنتِ كنتي معاها في بيت جدك؟
قطبت جبينها متعجبة حديث ذاك المتطفل الذي زاد من حشر أنفه بحياتهم على حين غرة لتسألهُ بعينين حادتين كالصقر:
-معلش يعني وإنتَ بتسأل ليه،ويهمك في إيه تعرف إذا كنت موجودة ولا لاء؟!
أغمض عينيه فى ألم ثم فتحهما من جديد ليبتلع غصته المرة من معاملتها القاسية له، أخذ نفسًا عميقًا ليستعيد به توازنه ثم أجابها بابتسامة أراد بها تلطيف الأجواء:
-كنت عاوز أشوفك يا إيثار
نطقها هائمًا ليتسع بؤبؤ عينيها متعجبة جرأته بينما طالعها بنظراتٍ تنطق عشقًا قابلتها باستفهام لتقول بكثيرًا من التعجب:
-هو أنتَ بتعمل كل ده ليه؟!
ليزداد إنعقاد حاجبيها وهي تقول بتشكيك:
-فجأة كدة افتكرت إن ليك صاحب إسمه وجدي ماشفتهوش من تلات سنين وقررت تزوره،لا وكل اسبوع تزورنا ومعاك هدايا أشكال وألوان،عاوز توصل لإيه بالظبط؟!
-للقمر... نطقها هائمًا لتقطب جبينها تناظره بتيهة ليكمل بنبرة خرجت منه هائمة رُغماً عنه:
-عاوز أوصل لك يا إيثار
ناظرته بإستفهام لتقول:
-تقصد إيه بكلامك ده؟
ليجيبها بوضوح:
-أنا عاوز أتجوزك
اتسعت عينيها بذهول لتنطق بصوت مضطرب حاولت أن تتحكم فيه قدر الإمكان:
-تتجوزني؟!، بس أحنا منعرفش بعض كفاية علشان تطلب مني نتجوز!
أخذ ينظر لوجهها بتمعن وابتسامة أمل أشرقت على ثغره لتنير وجهه ليجيبها متلهفًا:
-بس أنا بحبك وده كفاية إنك تضمني إني هريحك وهشيلك جوة عينيا
واسترسل عنـ.ـد.ما لمح التيهة تجوب بمقلتيها:
-أنا بقيت مـ.ـجـ.ـنو.ن بحبك يا إيثار
واستطرد متعهدًا بعينين متأملتين:
-وافقي وأنا أوعدك إني هخليكِ أسعد إنسانة في الدنيا كلها، مش هخلي نفسك في أي حاجة،قبل ما تحلمي بالحاجة هتكون تحت رجليكي،أنا نفسي هكون بين اديكي
نظرت إليه بتيهة،تستشعر الصدق بكلمـ.ـا.ته ليسألها متلهفًا إجابتها:
-قولتي إيه؟
قطع شرودها لتجيبه باقتضاب:
-هو الكلام ده ينفع يترد عليه هنا بردوا؟
اشتدت سعادته فرحًا لكلمـ.ـا.تها التى رفعت قلبه إلى عنان السماء ليشعر بروحه هائمة بسماءها وقد جددت كلمـ.ـا.تها الأمل بداخله ليقول بنبرة حماسية:
-خلاص، أنا هفاتح أبويا النهاردة وأخليه يطلب لي إيدك من عمي غانم
هتفت متعجلة لتقول بتردد ظهر بعينيها:
-اديني وقت أفكر في الموضوع قبل ما تاخد أي خطوة جدية.
اجابها بقلبٍ عاشق:
-أنا تحت أمرك في أي حاجة هتريحك، خدي وقتك وأنا متأكد إني لما أشوفك الإسبوع الجاي هسمع أخبـ.ـار حلوة
سحبت عنه نظرها بخجل بعد أن قررت بسريرتها أن تعطي حالها فرصة للتفكير بأمره، فهو بالنهاية يبدوا شابًا مناسبًا إلى حدٍ ما لذا ستفكر في الأمر بجدية.
********
بعد مرور ثلاثة أيام عادت إيثار إلى منزل أبيها فقد أخذت إجازة إلى أخر الإسبوع بمناسبة أعياد خاصة بالدولة،كانت تجلس بداخل حجرتها بصحبة صديقتها "سمية" التي جحظت عينيها لتهتف بقلبٍ يمتلؤ بالغيرة التي لم تستطع التحكم بها لتظهر بمقلتيها:
-نعم،بقى عاوزة تفهميني إن عمرو إبن الحاج نصر على سِن ورمح عاوز يتجوزك إنتِ يا بنت عم غانم؟!
1
نطقت جملتها الاخيرة مشيرة بأصبع السبابة إليها بنظرات إزدرائية مقللة من شأنها مما جعل الأخرى تنظر إليها بتيهة من نظراتها الغريبة التي شملتها بها لتسترسل سمية بضحكة استهزائية:
-يا شيخة قولي كلام يتصدق
تطلعت إليها بصدmة لتجيبها باستياء وصوتٍ خرج حادًا بعض الشيء:
-وأنا من امتى كذبت عليكِ يا ست سمية،وبعدين هي المواضيع دي ينفع فيها الكذب؟!
تراجعت سريعًا بعدmا لاحظت إنزعاج إيثار لتقول في محاولة لإصلاح ما أفسدته:
-انا مقولتش إنك بتكذبي،أنا بس مستغربة
سحبت عنها بصرها ولم تجيبها لشـ.ـدة غضبها لتسترسل الاخرى كلمـ.ـا.تٍ مبررة:
-هكلمك بصراحة ومتزعليش،شوفي أنا ظروف عيلتي أحسن من ظروفكم إزاي،ده غير إن ابويا موظف بالشهر العقاري وحياتنا إلى حدٍ ما مرتاحة عنكم
مالت برأسها لتقول بصدقٍ:
-منكرش إن طول عمري وانا حاطة عيني على أي حد من عيال كُبرات البلد وبالذات عيلة البنهاوي
واسترسلت بعيناي حالمة بجشع:
-وحلم عمري أدخل وسطيهم وعيالي يبقوا منهم علشان مايعشوش الفقر اللي أنا عيشته
لتستطرد نافية وهي تشير بسبابتها:
-ومع ذلك عمري ما جرأت ولا خطر حتى على بالي إني أحلم بحد من عيال الحاج نصر البنهاوي
واكملت بحقدٍ دفين ظهر بَيِن بكلمـ.ـا.تها التي تقطر سُمًا:
-تقوم إنتِ يتقدm لك إبن كبير البنهاوية كده مرة واحدة!
تنهدت إيثار بضيق لما رأته من حقدٍ وتقليل غير مبرر بشأن عائلتها والتي لا تختلف كثيرًا عن عائلة الأخرى سوى أن والدها حصل على شهادة متوسطة وعُين بمصلحة الشهر العقاري ليباغتها سؤال تلك التي مازال الذهول يسيطر عليها:
-أمك عرفت؟
رفعت عينيها لتقول سريعًا:
-لا طبعاً،ماما لو عرفت هتقول لبابا وإخواتي، ولو عزيز بالذات عرف مستحيل يديني فرصة أفكر
-طبعاً، هو كان يحلم ولا يطول...نطقتها ببُغضٍ لتنهرها الاخرى بنبرة غاضبة:
-هو فيه يا سُمية، عمالة ترمي دبش من بقك من ساعة ما حكيت لك الموضوع ولا عاملة أي حساب لمشاعري
لتستطرد بكبرياء نابع من داخلها ورثته عن والدها:
-أنا مش قليلة ولا أهلي قليلين زي ما أنتِ حابة توصلي لي، أنا ابويا أه راجـ.ـل فلاح وبسيط بس عنده عزة نفس مش عند وزرا ورؤساء جمهورية، وكفاية إنه علمني أنا واخواتي وخلانا أخدنا شهادات ولاد أكبر ناس في البلد معرفوش ياخدوها
ابتلعت لعابها لتتحدث بنعومة كالحياء:
-إنتِ زعلتي كده ليه، أنا بفضفض معاكي
واستطردت لتدخل الريبة بقلبها:
-بصي بقى، أنا شايفة إنك تكتمي على الموضوع وترفضيه من غير ما تقولي لحد
ضيقت بين عينيها لتستطرد الاخرى بإصرار:
-الواد ده شكله بيلعب بيكي،واضحة زي عين الشمس، هو معرفش يوصل لك ولا يقرب لك زي ما حكيتي لي الوقت، فقال يدخل لك من ناحية الجواز علشان تفكي معاه ويطول منك اللي معرفش ياخده في الأول وبعد كده يرميكي
هزت رأسها لتقول بنفي:
-لا مظنش، عمرو بيحبني بجد
لتسترسل بابتسامة حين تذكرت هيأته:
-الحب كان باين في عنيه يا سمية
هتفت الاخرى باستنكار لتبعد عنها تلك الفكرة:
-طول عمرك عبـ.ـيـ.ـطة ومبتفهميش في الناس
ضيقت عينيها بتفكر لتهتف بعدmا طرأت على مخيلتها فكرة شيطانية:
-أنا جت لي حتت فكرة هتخليني أكشف لك إذا كان بيلعب بيكي ولا لاء
قطبت الاخرى جبينها لتطالعها مستفهمة لتسترسل الاخرى بدهاء:
-أنا هاجي معاكي الجامعة يوم السبت واركب العربية معاكم، وانا بطريقتي هوقعهولك في الكلام علشان أكشفه، وساعتها هنعرف إذا كان بيحبك بجد ولا بيلعب عليكِ
نظرت لها بحيرة لتهتف الاخرة بغضب ظهر بعينيها:
-بس إنتِ طلعتي خبيثة قوي يا بت يا إيثار، الواد بقاله شهر ونص بيجري وراكِ ومقضينها حكاوي معاه في المواصلات ولا جبتي لي سيرة
زفرت إيثار لترد على تلك التي تحولت وظهر ما بداخلها من حقد دفعةً واحدة وكأنها تستكشف شخصيتها لأول مرة:
-هقول لك إيه والموضوع كله مكنش في بالي
لتستطرد بحيرة ظهرت بعينيها:
-أنا لحد الوقت لسة بفكر أوافق وأخليه يكلم أبوه، ولا أخدها من قصيرها وأرفضه واريح دmاغي
هتفت على عجالة بتخوف:
-استني لما أقابله يوم السبت وساعتها أنا اللي هقول لك تعملي إيه
صمتت لتشتعل عيناي الأخرى بالحقد وهى تتطلع على تلك الإيثار وباتت تتساءل ما الذي اعجبه بها ليختارها هي دون غيرها، تلك البلهاء التي لم تهتم يومًا بالزواج من شابًا ثريًا تأتيها الفرصة على طبقٍ من ذهب بل وتتمنع وتطلب منه منحها الوقت للتفكير،بينما هي التي قضت سنواتها في عناء البحث عن فرصة لاصطيادها عريسًا ثريًا ليحقق لها أحلامها ويمنحها حياة أفضل من حياتها البائسة لم تجدها إلى الأن
********
عودة للحاضر وسنعود فيما بعد لسرد ما حدث بالماضي
عصرًا،في قصر المستشار علام زين الدين،يقف داخل كبينة الإستحمام الزجاجية مغمض العينين ساندًا بساعداه على الحائط الرخامي والمياه تنهمر على رأسه لتمر على جسده لتنعش روحه المنهكة من العمل طيلة اليوم،تنفس بعمق ليفتح عينيه باسطًا ذراعه يجلب زجاجة صابون الشعر ليأخذ منها القليل ويضعه فوق رأسه ليدلكه برفقٍ ويميل برأسه من جديد تحت صنبور المياه ليغتسل جيدًا،خرج من الكبينة ليجذب منشفة قطنية كبيرة يلفها حول خصره وأخرى صغيره ليجفف بها شعر رأسه ليتحرك من الحمام إلى غرفة الملابس لينتقي بذلة قيمة يحضر بها ميعاده مع رجل الأعمال "صلاح عبدالعزيز "بعدmا عقد النية على التدخل بشكل شخصي لفض هذا الصراع الدائر بينه وبين خصمه"أيمن الأباصيري"وصل لحديقة القصر في طريقه للجراچ ليتوقف حين وجد والداه يجلسان حول حوض السباحة ويحتسيان معًا كوبان من القهوة الساخنة ليقول بابتسامة خافتة:
-مساء الخير
مساء النور يا فؤاد...نطقها علام لتقول عصمت بنبرة حنون وهي تُشير إليه بالجلوس:
-تعالى اشرب معانا فنجان قهوة
أجابها غامزًا بعينه الشمال:
-مش حابب أكون عزول واضايق معالي المستشار يا دكتورة
ابتسم علام ساخرًا ليجيب بمشاكسة لنجله المحبب والمقرب لقلبه:
-مـ.ـا.تتلككش بمعالي المستشار يا حبيبي،إنتَ أصلاً متشيك وباين عليك عندك ميعاد مهم
رفع كفاه لأعلى باستسلام ليقول:
-دايمًا كاشف اللي جوايا جنابك،محدش يعرف يعدي من تحت إيدك أبداً
1
دقق النظر له ليقول بصوتٍ جاد:
-شكلك رايح المشوار اللي بلغتني بيه إمبـ.ـارح؟
-بالظبط يا باشا، ليستطرد بإبانة:
-لما عملت تحرياتي عن صلاح عبدالعزيز لقيت إنه حد محترم وحـ.ـر.ام ينتهى تاريخه بسبب رغبة عامية في الإنتقام
-إعمل اللي إنتَ شايفه صح يا سيادة المستشار،انا واثق في تفكيرك وواثق إنك هتحل القضية بمنتهى العقل والحكمة،ربنا يوفقك... قالها بعينين فخورة بنجله ليشكره فؤاد ويتحرك باتجاه الجراچ
********
خرج من القصر ليستقل مقعده خلف المقود وينطلق بسرعة باتجاه منزل صلاح،توقف بحديقة المنزل ليجد رجلين من الحراسة الخاصة بانتظاره ليصطحباه للداخل، وجد الرجل ونجله الكبير بانتظاره ليقوما بالترحاب الشـ.ـديد به لمعرفتهما بشخصه وبمنصب أباه العظيم،أشار صلاح إليه بالجلوس ليفتح زرار حلته ثم جلس منتصب الظهر واضعًا ساقٕا فوق الأخرى بمظهرٍ جذاب ليبدأ حديثه بعملية:
-طبعاً حضرتك بتسأل نفسك أنا ليه أخدت ميعاد منك وطلبت إن الزيارة تبقى في بيتك
-حضرتك تشرف أي مكان تدخله يا سيادة المستشار... كلمـ.ـا.ت نطقها صلاح بتهذيب ليشكره فؤاد قائلاً بلباقة:
-متشكر جداً يا صلاح بيه
واستطرد بعملية اكتسبها من منصبه:
-أنا هدخل في الموضوع على طول علشان مضيعش وقت حضراتكم، الموضوع وباختصار خاص بقضية محاولة إغتيال "أيمن الأباصيري"
ارتبك داخل صلاح وحاول جاهدًا التماسك ليقول في محاولة لابعاد التهمة عنه:
-سبق وحضرتك استدعتني لمكتبك واستجوبتني بخصوص القضية والحمدلله إنتَ بنفسك أمرت بإخلاء سبيلي لما التحريات أثبتت إني مليش أي علاقة بموضوع اللي إسمه أيمن
ليسترسل بإبانة:
-وإني يومها كنت عازم أهل مرات إبني هنا في فيلتي والكل شهد على كدة
ابتسامة جانبية ارتسمت على شفتيه أوحت لـ الأخر بأنه ليس مقتنعًا بتلك النتيجة ليقول بذات مغزى:
-جرت العادة إن المواضيع اللي زي دي بيكون لها ترتيبات قبلها يا صلاح باشا
قطب الرجل جبينه ليُمسك بعُلبة سيجاره الكوبي الموضوعة فوق الطاولة ويخرج منها واحدًا ينتزع عنه ورقة السلوفان ليقترب نجله سريعًا ممسكًا بالقداحة ليشعل السيجار لأبيه تحت نظرات فؤاد المتفحصة والذي تأكد من خلالها تـ.ـو.تر صلاح الذي وأخيرًا خرج صوته محاولاً الثبات:
-تقصد إيه بكلامك ده يا سيادة المستشار،ياريت تتكلم بوضوح أكثر من كده
-أقصد إن أصابع الإتهام كلها بتدور حواليك يا صلاح بيه...نطقها بقوة وهو يوجه له الاتهام عبر نظراته ليستطرد بإبانة:
-خلينا نتكلم بالمنطق ونبص للموضوع بشمولية،أولاً أيمن الأباصيري برغم إنه من أكبر وأشهر رجـ.ـال الأعمال في البلد إلا إنه ملوش اي أعداء وده عرفناه من خلال تحريات النيابة وكمان شهادة الشهود،من ساعة حادثة بسام إبن حضرتك الراجـ.ـل اتعرض لثلاث محاولات قـ.ـتـ.ـل
ليستطرد بعيني بهما اتهام:
-محاولة تسميمه في قلب بيته على إيد الشغالة اللي اعترفت إن فيه حد إتواصل معاها وسلمها مأتين ألف جنية وقزازة سم وقالها تحط له منها في القهوة،ووعدها لما يتأكد من خبر مـ.ـو.ت أيمن هتاخد زيهم كمان
وضع السيجار بفمه ليسحب أكبر قدر من الدخان ثم يخرجه بقوة ليشكل سحابة فوق رأس الرجل ويعبيء المكان تحت نظرات فؤاد المتفحصة له وكشفه لتـ.ـو.تر الرجل الذي يحاول جاهدًا بتخبأته لكنه يكشفه بحس رجل القانون الموجود بداخله ليستطرد راويًا:
-ده غير إنك روحت له بيته وهددته صراحتًا إنك مش هتسيبه غير وهو جثة زي ما عمل في إبنك بسام، والكلام ده قدmه أيمن عندي في محضر رسمي من يومين وشهد عليه كل العمال اللي في بيته
أشار ممثلاً بيده ليقول باتهامٍ صريح:
-بعد كل الدلائل دي فسر لي بقى وقولي مين ليه مصلحة بقـ.ـتـ.ـل أيمن غير حضرتك؟
بعنفوان الشباب هتف هيثم نجل صلاح بغطرسة وصوتٍ مرتفع خالي من اللباقة:
-وإحنا مالنا بكل الكلام اللي إنت بتقوله ده،إنتَ لو عندك دليل واحد ضد بابا مكنتش خرجته من النيابة أساسًا
احتدت ملامح وجهه من حديث ذاك الشاب الذي حادثه بوقاحة لم يتقبلها ليقول بنبرة حازمة بصوتٍ خرج متزنًا:
-أولاً ياريت توطي نبرة صوتك وتتكلم أحسن من كدة وإنتَ بتوجه لي الكلام
نظرات لائمة أطلقها صلاح إلى نجله كرصاصاتٍ لتخرسه في الحال ليستطرد الاخر بحديثٍ شبه تهديدي:
-ثانيًا وده الأهم انا تحرياتي لسه مستمرة وأكيد هتنكشف أمور كتير
رمق صلاح بنظرة ذات مغزى ليكمل:
-إسأل على فؤاد زين الدين وإنتَ تعرف إن عمري ما أخدت قضية إلا وقفلتها مهما كانت صعوبتها أو الأدلة ضعيفة
ارتبك صلاح لتيقنه صحة ما قاله ذاك الدؤوب في عمله والمعروف عنه داخل وسطه بالنزاهة والتفاني والمهارة العالية بفك ألغاز القضايا لذا يُوكل إليه القضايا المعقدة من قِبل رؤساءه،سألهُ متوجسًا:
-إنتَ عاوز إيه بالظبط يا سيادة المستشار،ما تجيب من الأخر؟!
أراح ظهره للخلف أكثر وانتظر لدخول العاملة التي تحركت بعربة تقديم الضيافة وبدأت بسكب الشاي وتقديمه مع قطعة حلوى ليشكرها ثم استكمل حديثه قائلاً بوضوح:
-من الأخر أنا عاوز أحل القضية بشكل ودي بينكم بعيدًا عن القانون
قطب صلاح ونجله جبينيهما ونظرا كلاً منهما للأخر بحيرة ليسترسل فؤاد بإبانة:
-أنا عارف إنكم مستغربين الكلام اللي بقوله ويمكن مش مصدقيني او فكريني بحور عليكم
رد صلاح سريعًا:
-العفو يا فؤاد باشا،سمعة جنابك وجناب سيادة المستشار والدك سبقاكم
تنفس براحة ليستكمل حديثه:
-متشكر يا افنـ.ـد.م،الحقيقة أنا فكرت كتير في موضوع العداوة اللي بينكم وقولت حـ.ـر.ام لما إتنين من أكبر رجـ.ـال الأعمال اللي في البلد يهدوا اللي بنوه علشان غلطة غير مقصودة
احتدت ملامح صلاح ليهتف مستنكرًا:
-حضرتك بتسمي قـ.ـتـ.ـل إبني غلطة؟!
أجابه بثباتٍ وصوتٍ قوي:
-ايوا غلطة وبسام الله يرحمه اللي بدأها وحضرتك ووالدته مشتركين فيها، وبلاش تخليني أقول كلام هيزعلك
نكس رأسه لتيقنه من مقصد ذاك الصارم الذي يلمح على تقصيره وزوجته بحق تربية نجليهما وبالحقيقة هو مُدرك لهذا جيداً لذلك فضل الصمت ليستطرد الأخر:
-أنا عارف إن النتيجة كانت قاسية وصدقني مهما كانت مرارة الحادثة وحجمها بالنسبة لك فهي لا تقل مرارة وألم بل ونـ.ـد.م عند أيمن الاباصيري، إنتَ عارف كويس قوي إنه شخص محترم وبيتقي ربنا في كل تصرفاته وده شيء معروف جداً عنه
ضيق بين عينيه ليستطرد وهو يهز رأسه باستنكار:
-إن الظروف تجبره ينهي حياة شاب بأديه ده شيء في منتهى القسوة بالنسبة لحد ضميرة حي زيه
احتدت ملامحه ونظر إليه بغضب ليسترسل فؤاد بإبانة:
-صدقني أنا نفسي شفت دmـ.ـو.ع الألم والنـ.ـد.م في عنيه وأنا بستجوبه
هتف بحدة:
-ولما هو نـ.ـد.مان عمل كدة ليه، يحرمني من إبني ويغدر بيه ليه؟!
هتف الأخر بنبرة صارمة:
-مـ.ـا.تغالطش ضميرك يا صلاح بيه،إنتَ عارف كويس مين اللي غدر بالتاني وتعدى على حرمة بيته وكان هيهتك عرض بنته
ثم أشار إليه برأسه بصوتٍ حاد عل ضميره يستيقظ:
-إنتَ نفسك لو مكانه وحد عمل كده في بنتك مش هتتأخر ثانية واحدة في إنك تاخد القرار
تنفس بأسى وظهر الإنهاك فوق ملامحه ليتنهد فؤاد بضيق لأجل ذاك الرجل المهزوم،تساءل بهدوء:
-والمطلوب مني إيه يا سيادة المستشار، أنسى دm ابني اللي سال في بيت ايمن وأروح أحط إيدي في إيده؟
-مش أحسن ما واحد منكم يخلص على التاني وييجي واحد من ولادكم يخلص على ابن التاني علشان يحقق الانتقام؟
ليسترسل متأثرًا:
-إنتَ عارف إن الإنتقام دايرة اللي بيدخلها عمره ما هيعرف يخرج منها تاني،دي دايرة مـ.ـو.ت كل اللي جواها هالكين
أمال برأسه بإيجاب لحديثه ثم نظر لنجله بألم ليهز الشاب المتعلم رأسه لوالده ليحثه على الموافقة، حيث يختلف هيثم عن شقيقه الراحل بكل شيء، هيثم رزين عاقل يساعد والده في بناء شركتهم الضخمة ليرفعا معاً إسم صلاح عبدالعزيز في قائمة أكبر رجـ.ـال الاعمال
*******
بعد قليل كان يخرج من منزل صلاح واستقل سيارته منطلقًا بطريق عودته للمنزل، أمسك بهاتفه واخرج رقم أيمن ليهاتفه ويحددا ميعادًا ليجتمع الجميع بمكانٍ محايد لاتمام عملية المصالحة،كاد أن يضغط زر الإتصال لكنه توقف فجأة حيث ابتسم بخبثٍ وهو يُبدل الرقم برقم تلك الحادة الطباع،فيبدوا أنه اعتاد على مشاكستها وأعجبه الحال،ضغط على الرقم الذي سجله على هاتفه بعدmا احتفظ به من بياناتها التي دُونت من قِبل الموظف بالمحضر، انتظر الرد، كانت تتوسط فراشها تغط في سباتٍ عميق بجسدٍ منهك وعقلٍ مرهق نتيجة ما حدث لها من أهوال طيلة الأيام الماضية،تمللت بنومتها حين وصل لمسامعها صوت رنين الهاتف لتفتح أهدابها وتغلقهما من شـ.ـدة نعاسها، بسطت يدها لجلب الهاتف وما أن نظرت به حتى ضيقت بين عينيها وهي ترى الـ رقم خاص ولا يظهر
private number
ضغطت زر الإجابة ليصل إليه صوتها الناعس وهي تجيب بنعومة أثارته حتى أنه تعجب من حاله:
-ألو
مساء الخير يا استاذة إيثار... نطقها بصوتٍ رجولي جذاب لتجيبه بنفس الصوت:
-مساء النور، مين معايا؟!
أنا المستشار فؤاد علام... قالها بثبات لتعقد حاجبيها في حيرة لتقول:
-هو حضرتك جبت رقمي منين؟!
ابتسم على تلك البلهاء وتحدث مفسرًا:
-هو رقمك سر حربي ولا إيه، وأظن إن من خلال منصبي أقدر أجيب أي رقم بمنتهى السهولة
وهتف مستطردًا بتسلي:
-والأهم من ده كله إنك تقريباً ناسية إن كل بياناتك مدونة عندي من خلال أقوالك في قضية محاولة إغتيال أيمن الاباصيري.
لعنت غبائها لطرحها لهذا السؤال الذي أظهرها كبلهاء أمام ذاك المغرور، سحبت جسدها للأعلى لتستند على ظهر التخت ليستطرد هو ساخرًا من إسلوبها الفظ معه:
-وقبل ما تقولي لي بتتصل ليه هقولك أنا
ابتسامة شقت شفتيها لتخرج رُغمًا عنها حيث اردفت بتساؤل لطيف:
-أفهم من كده إن سيادة المستشار بيتهمني إني قليلة الذوق؟
شعورًا رائعًا بالراحة اقتحم صدره حين استمع لصوتها المبتسم ولأول مرة منذ أن رأها ليجيبها بإبتسامة عـ.ـذ.بة ارتسمت فوق شفتيه الغليظة لتعطيه مظهرًا رجوليًا جذابًا وهو يقول بملاطفة:
-مقدرش أقول كده طبعاً
1
تنهدت براحة لتسأله بعملية:
-مقولتليش حضرتك عاوزني في إيه؟
تبدلت ملامحه لمتعجبة من أمر تلك المرأة الألية كما وصفها ليبتسم ساخرًا ويضيف:
-كنت عاوزك تحددي لي ميعاد بكرة مع أيمن الأباصيري علشان عاوز أكلمه في موضوع مهم جدًا
-أقدر أعرف الموضوع بخصوص إيه؟ سألته بجدية ليجيب بنفس الجدية:
-بخصوص قضية محاولة الإغتيال
أجابت بهدوء:
-تمام يا افنـ.ـد.م،هقفل مع حضرتك وأشوف جدول مواعيد بكرة وأبلغك، بس ياريت تديني رقم أقدر أوصل لك عن طريقه
بمنتهى الغرور أجابها:
-أنا محدش يقدر ولا يعرف يوصل لي، أنا اللي بوصل وقت ما اقرر
ليستطرد أمرًا بنفس الخيلاء:
-هتصل بيكِ على ثمانية المغرب تكوني شوفتي مواعيدك وحددتي لي الميعاد
لوت شفتيها باستغراب لأمر ذاك الغريب وكادت أن تجيبه لولا اقتحام ذاك الصغير لغرفتها وفراشها ليهتف بصوتٍ حماسي:
-كل ده نوم يا مامي يا كسلانة
أشارت له ليصمت بابتسامة لكنه لم يبالي بتحذيرها واسترسل بصوت لطيف:
-يلى بقى علشان نروح الملاهي زي ما وعدتيني،قومي إلبسي فستانك الحلو وأنا هخلي عزة تلبسني الطقم الجديد اللي جبتهولي في عيد ميلادي
لم يدري ماذا حدث له، فقد نزلت كلمـ.ـا.ت الصغير لتزلزل كيانه وتجعل صدرهُ منشرحًا في الحال،باتت تشير لصغيرها بالصمت لتتحدث باعتذار:
-أنا اسفة للمقاطعة يا افنـ.ـد.م
-ولا يهمك،ده إبنك؟...سألها بصوتٍ لطيف لتجيبهُ وهي تداعب صغيرها بكف يدها الذي يتحرك على وجنته بحنان:
-أيوه
-إسمه إيه؟تعجبت سؤاله لكنها أجابته بنبرة خرجت حنون رغمًا عنها لشـ.ـدة عشقها لصغيرها الوحيد:
-يوسف
ربنا يخليهولك... نطقها لتقول شاكرة:
-متشكرة، وربنا يبـ.ـارك لحضرتك في أولادك
ابتسم ساخرًا على حاله ليقول متجاهلاً دعائها بعدmا قرر إنهاء المكالمة عند هذا الحد:
-هكلمك الساعة ثمانية، ياريت مـ.ـا.تنسيش
-إن شاءالله مش هنسى... نطقتها بهدوء لتصدm بغلقه للخط دون استئذان لتجحظ عينيها وتنظر بشاشة الهاتف باستياء وهي تهتف بحنقٍ:
-إنسان بـ.ـارد وقليل الذوق
-هو مين ده اللي بـ.ـارد يا مامي...سؤالاً طرحه الصغير ببرائة لتجيبه وهي تزغزغه في بطنه بممازحة وهي تشبهه بشخصية كرتونية شريرة يعلمها الصغير جيدًا:
-ده شرشبيل
جحظت عيني الصغير وفغر فاهه ليسألها باهتمامٍ بالغ:
-الشرير اللي بيحارب السنافر؟
قالت بممازحة:
-هو بعينه...ليقول الصغير بإلحاحٍ طفولي:
-خليني أقابله يا مامي، عاوز أشوفه
-ربنا يكفيك شر مقابلته يا چو...نطقتها بأسى لتنفض الغطاء وهي تنهض وتحمله بحماس:
-يلا بسرعة علشان نغير هدومنا ونلحق الملاهي
انطلقت ضحكات الصغير لتصدح بالمكان وتملؤه لتتطلع لتلك السعادة التي ارتسمټ علي قسمـ.ـا.ت طفلها وتلك اللمعة التي تلألأت في عيناه لتضيئ قلبها العاتم بالفرح،فضحكات هذا الصغير هي فقط من تعطيها القوة وتجبرها على استكمال طريقها ومواجهة الحياة بمصاعبها الكثيرة
↚
«ليت كل أشياءنا الجميلة تبقى بدايات»
«روز أمين»
1
داخل أحد المراكز التجارية الضخمة،وبالتحديد داخل الحلبة الخاصة بلعبة السيارات الاصطدامية،تقف عزة خارج الحلبة وهي تقوم بالتصفيق وتشجيع «يوسف» الجالس بجوار إيثار ممسكًا بطارة السيارة بينما تساعده هي بقيادتها لحمايته من الإصتدام،تطلعت عزة بعينين متلألأتين بالدmـ.ـو.ع وهي ترى ضحكاتها العالية التي تصدح بالمكان وهي تداعب صغيرها،كانت تبذل كل ما في وسعها تعويضًا لذاك الملاك كي لا تشعره بغياب الأب والعائلة،لذا فكانت تحتويه وتمنحهُ أقصى درجات الحنان والعطف لكي لا يشعر ولو قليلاً بمرارة ما قاسته بمشوار طفولتها المعـ.ـذ.بة حيث ذاقت من خلال قساوة والدتها الأمرين،هي من حُرمت من حنان والدتها، هي التي لم تتذوق لضمة أحضان الأم طعمًا،لذا فقد كانت دائمة الحرص على تعويض حالها بغمرة أحضان ذاك الصغير لتجد من خلالها الملاذ وتكـ.ـسر قاعدة«فاقد الشيء لا يعطيه»
تنهدت عزة حين تذكرت ليلة شتوية عاصفة ممطرة خيم عليها الظلام لانقطاع التيار الكهربائي،حيث جلستا ببهو المنزل تحتضنهما الأريكة القطيفية المريحة بعد أن صنعت عزة كوبان من مشروب الشيكولاتة الساخنة لتحتسيهما سويًا،تطلعت لصغيرها الغافي فوق صـ.ـدرها لتتنهد براحة وهي تجذب الغطاء الوثير لتغمر جـ.ـسده الصغير وتُدفأهُ للحماية من صقيع يناير القارص، وضعت قُـ.ـبلة حنون فوق جبينه وباتت تتلمـ.ـس شعر رأسه الحريري بلمساتٍ تقطرُ حُنُو قبل أن تتنهد وتبدأ بسرد قصتها على مسامع تلك الحنون التي وجدت بأحضانها كل ما انتزعته منها تلك القاسية التي تربت على يديها،كانت تخبرها بدmـ.ـو.ع عينيها ما قاسته، لم تكن طفولتها كأي فتاة،تذكرت حينما كانت بالسابعة من عمرها عنـ.ـد.ما أتاها والدها بدُمية كهدية تحفيذية بعد نجاحها بالصف الثاني الإبتدائي لتحتضنها وتشعر معها بالسعادة التي لم تكتمل حين اقتحمت منيرة جلوسها وهي تلهو بدُمـ.ـيـ.ـتها لتنتزعها بدون رحمة وتقوم بتمزيقها وتحويلها لأشلاءٍ وهي تخبرها بكل حنقٍ أنها أصبحت فتاة كبيرة ولا ينبغى التصرُف كالصغيرات،لتجذبها بقوة من رسغها لتلقي بها بحجرة المطبخ وتأمرها بغسل الأواني لتتعلم المهارات المنزلية التي ستعود عليها بالنفع بدلاً من تبديد وقتها بتلك المهاترات،مر بذهنها دmـ.ـو.عها الغزيرة التي انهمرت وهى تُسرد ألامها النفسية التي خرجت بها من طفولتها ولازمتها إلى الأن
تنهدت عزة بأسى لتبتسم بسعادة وهى تراها تمرح وتلهو مع صغيرها وكأنها تشاركهُ طفولته كتعويضًا لها عما مضى،انتهى الوقت المحدد للعبة لتتوقف السيارات ويبدأ الجميع بالترجل لاعطاء الأطفال المنتظرين أدوارهم،حملت صغيرها وخرجت لتستقبلهما عزة بملامح متهللة وهي تفتح ذراعيها على مصراعيهما لتلتقط الصغير لاحضانها،تحركوا إلى المطعم ليتناولوا طعام غدائهم بسعادة ومذاقٍ شهي،لتتحدث عزة إلى الصغير وهي تجفف لهُ فمه بالمحرمة الورقية:
-كده يا چو بهدلت نفسك كاتشب،عمالة أقولك خليني أأكلك
تذمر الصغير لتقول إيثار بنبرة حنون وهي تتحـ.ـسس شعر رأسه بحنو:
-سبيه براحته يا عزة
لتبتسم لذاك الملاك الذي حول بصره يتطلع عليها بإبتسامة شُكر لتسترسل بعينين تقطرُ حنانًا:
-كل براحتك واعمل كل اللي إنتَ عاوزه يا قلبي
ضحك لها الصغير لتسترسل سريعًا بعدmا لمحت اعتراض تلك الحازمة:
-الكلام ده ينطبق على النهاردة وبس يا چو، مش عاوزين نكـ.ـسر قواعد عزة
-أيوا كده اظبطي الكلام بدل ما تبوظي لي حتة الواد اللي تعبت في تربيته وتخليني أقلب عليكِ...نطقتها بمشاكسة لتضحك الاخرى وهي تقول بملاطفة:
-وأنا لا قد قلبتك ولا لوية بوزك يا ست عزة
هتف الصغير بوجهٍ متهلل وهو يُشير إلى ثيابه التي يرتديها:
-مامي،أنا عاوز ألبس الطقم ده وأنا رايح بكرة عند بابي
وقفت غصة مرة بحلقها وبلحظة تبدلت ملامحها من مستكينة هادئة لغاضبة مستاءة،زفرت عزة لتسألها بحدة:
-إنتِ هتخليه يروح بكرة عند أبوه بجد؟
أجابتها متأثرة:
-غـ.ـصـ.ـب عني يا عزة،مش عاوزة أدخل الولد في مشاكلنا علشان نفسيته مـ.ـا.تتأثرش،ما أنتِ عارفة هو متعلق بيهم قد إيه
واسترسلت بإبانة:
-نصر البنهاوي إتصل بالمحامي النهاردة وطلب منه يستأذني ياخده بكرة علشان بباه عاوز يشوفه
سألتها بحذر وهي تنظر للصغير:
-هو رجع من السفر؟
علمت أنها تقصد بخروجه من سرايا النيابة لتقول:
-محامي أيمن بيه قال لي إنه رجع إمبـ.ـارح بعد ما خِلصوا الأربع أيام
لتسترسل بحذر وهي تراقب صغيرها المنشغل بتناوله للطعام:
-أبوه جاب له أكبر محامي في البلد،أخد شهر مع إيقاف التنفيذ وغرامة ألف جنية في المحضرين
لوت عزة فاهها لتقول وقد ارتسم عدm الرضا والاستياء على ملامحها:
-بعد كل اللي نيله ده ياخد شهر وكمان مـ.ـيـ.ـتحبسهوش؟!
زفرت إيثار لتسترسل الاخرى بنبرة يائسة:
-عليه العوض ومنه العوض
نظرت للأمام لتتحدث بقوة وصلابة:
-مش مهم المدة قد ما مهم إنهم عرفوا إني مش هسكت بعد كده، وإن عندي اللي يساعدني واللي نصر بجبروته مقدرش على تخطيتهم
-مامي أنا عاوز أيس كريم شيكولا...ابتسمت لتجيبه:
-كمل البيتزا بتاعتك وبعدها نروح ناكل الأيس كريم
عبس وجه الصغير وابتعد مهرولاً عن مقعده ليدق الأرض بقدmاه معلنًا عن إعتراضه ليخرج صوته بضجر وهو يعقد حاجبيه بضيق:
-بس أنا شبعت وعاوز أيس كريم
كادت ان تنهره أوقفتها عزة التي هبت واقفة لتجاور ذاك العنيد قائلة:
-أنا خلصت أكل، كملي إنتِ أكلك وأنا هروح أجيب له
زفرت باستسلام لتنطق بنظراتٍ لائمة:
-إفضلي إنتِ كده دلعي فيه لما هتخليه يتنمرد علينا وبعد كده مش هيسمع لواحدة فينا كلام
ابتلعت ما تبقى بجوفها من حديث بعدmا شاهدت تصفيق الصغير بحماس تحت سعادة كلتاهما لتنسحب عزة بعدmا حملته بينما تابعت هي تناول طعامها،استمعت لرنين هاتفها الموضوع جانبًا فوق الطاولة لتضيق عينيها بعدmا وجدت الرقم مخفي لتتذكر ذاك المغرور، أمسكت محرمة سريعًا لتنظيف يدها ثم التقطت الهاتف وهي تُجيب باستحسان بنبرة جادة:
-مواعيدك مظبوطة بالدقيقة يا سيادة المستشار
وصلها صوته المتعالي وهو يقول بزهوٍ:
-فؤاد علام كل حاجة في حياته مظبوطة مش بس مواعيده
شعرت بالضجر من غروره البالغ فأخذت تحرك عينيها يميناً و يساراً بملل،لم تبغض شيئًا بحياتها أكثر من الغرور وأهله، فدائمًا يذكرها بتلك الـ "إجلال"سيدة الغرور الأولى بالعالم بالنسبة لها، لتزفر بنفاذ صبر وهي تسألهُ بصوتٍ صارم متجاهلة جملتهُ التي تقطرُ تباهيٍ:
-أنا حجزت لحضرتك الميعاد،الساعة واحدة يناسب حضرتك؟
لمس ضجرها بنبرة صوتها الجادة ليبتسم بتسلي وهو يتخيل ملامح وجهها الصارمة ليقول:
-ميعاد مناسب جدًا
واسترد بمشاكسة أصبحت تلازمه كلما جمعه حديثًا مع تلك الأنثى المتمردة والتي من الواضح أن كبريائها قد جذبهُ إليها وكلما نفض تفكيره بها ليبتعد خطوة يجد القدر يقربه أكثر ويضعها بطريقهُ ليلتقيا من جديد:
-ياترى غيرتوا البُن المغشوش بتاعكم ولا أجيب معايا البُن بتاعي
أخذت تقلب عينيها بضجر تلعن غرور هذا الرجل بسريرتها،لقد كان مستفزًا لدرجة جعلتها تريد غلق الهاتف لتنهي تلك المحادثة السخيفة لكنها تحاملت على حالها لتنطق بحنقٍ وصل له من خلال نبرتها:
-تقدر تجيب البن بتاع حضرتك معاك، لأننا مبنغيرش ثوابتنا علشان نرضي أي حد
-بس أنا مش أي حد يا أستاذة،وتقدري تسألي مديرك...خرجت كلمـ.ـا.ته بحدة بعض الشيء لتشعر ببعضًا من الإنتصار وبأنها قد استطاعت استفزاز ذاك المغرور لتبتسم وهي تقول بمراوغة كي لا تثير حفيظتهُ أكثر:
-مش محتاجة أسأل حد يا سيادة المستشار،إسم جنابك يكفي
ضم شفتاه المكتنزة لتخرج إبتسامة جانبية ساخرة بعدmا علم مكرها ليقول لاستدعاء ضجرها من جديد:
-كويس إن الشخص يبقى على عِلم بقيمة ومركز اللي قدامه تجنبًا للمشاكل اللي ممكن يوقع نفسه فيها
اقبلت عزة حاملة أكواب مثلجات الشيكولاتة ليقترب الصغير ويقف بجانب والدته ليهتف بعدmا رأى تعابير وجهها السائمة وهي تقلب عينيها ضجرًا:
-مامي، إنتِ بتكلمي شرشبيل؟
صدmتها كلمـ.ـا.ت صغيرها التي اخترقت أذن فؤاد لقرب مسافة ذاك المشاكس من الهاتف مما جعله يقطب جبينه متعجبًا لتنطق هي بكلمـ.ـا.تٍ متقطعة لشـ.ـدة تلبكها:
-إسكت يا چو علشان معايا تليفون شغل
-شغل إزاي،أنا سمعت صوت شرشبيل وهو بيقول لك إنه هيتصل بيكِ الساعة ثمانية...قال كلمـ.ـا.ته التي جعلت وجهها شاحبًا كما الأموات ليستطرد وهو يُشير بأصبع السبابة على ساعة الحائط المعلقة بالمكان:
- والساعة أهي ثمانية
4
رمقته بنظرة نارية لتسرع إليه عزة وتجذبهُ من رسغه قائلة بتعنيف:
-تعالى يا لمض وسيب ماما تتكلم،تعالى يا جلاب المصايب
-أنا أسفة يا افنـ.ـد.م....قالتها بصوتٍ معتذر ليهم بالحديث ليوقفه صوت ذاك الصغير ويضم بين عينيه لإصراره العجيب حيث هدر بصوتٍ مرتفع قائلاً بتأكيد:
-سبيني يا زوزو علشان أحمي مامي من شرشبيل،أنا متأكد إنه هو، أنا سمعت صوته من فون مامي وهو بيقول لها هتصل بيكِ الساعة ثمانية تكوني شوفتي المواعيد
-إبنك باين عليه لذيذ قوي...نطقها باستحسان لتقف مبتعدة عن طاولتهم قبل أن تصاب بذبحة صدرية من تصميم ذاك الأخرق على كلمـ.ـا.ته،بصعوبة أخرجت صوتها متلبكًا مما جعل فؤاد يشكك بالأمر:
-متشكرة يا افنـ.ـد.م وأسفة لو كان أزعجك بلماضته
-بالعكس،باين عليه فطن ومتحدث لبق،تقريبًا وارث صفاته منك...رفعت حاجبيها متعجبة حديثه المثني عليها ليباغتهُ صوتها الناعم وهي تسأله بدلالٍ لا تعلم كيف انفلت منها:
-أعتبر ده مدح من جناب المستشار؟!
-وتستحقيه وبجداره...نطقها بثقة جعلت الإبتسامة تشق طريقها لشفتاها التي انفرجت على مصراعيهما ليخرج صوتها هادئًا معلنًا عن بلوغها لدرجة ليست بالقليلة من الطمأنينة في حضرته:
-ميرسي.
تبسم بتعالي بعدmا أيقن ببداية انجذابها له وهذا ما جعله يشعر بالتفاخر،لتنهي هي المحادثة للعودة لمجالسة صغيرها وبداخلها طمأنينة لا تعلم من أين مصدرها.
________________________
صباحًا
كان ينزل من فوق الدرج بكامل أناقته استعدادًا للذهاب لعمله،ابتسم على صغيرة شقيقته التي تجلس ببهو القصر تشاهد أفلام الكرتون الخاصة بالأطفال عبر شاشة العرض الكبيرة، اقترب عليها ليميل بطوله الفارع طابعًا قُبـ.ـلة حنون فوق وجنتها:
-حبيبة قلب خالو عاملة إيه
تبسمت الصغيرة لتقول وهي تركز بعينيها على الشاشة:
-كويسة
خرجت فريال من المطبخ حاملة صحنًا به بعضًا من الشطائر وبيدها الأخرى كأسًا من الحليب الطازج لتضعهما أمام صغيرتها وهي تقول مرحبة بشقيقها:
-صباح الخير يا فؤاد
أجابها مرددًا:
-صباح النور يا حبيبتي
تحدثت:
-بابا وماما مستنيينك على الفطار في الجنينة
قطب جبينه ليسألها متعجبًا:
-هي بيسان بتفطر لوحدها ليه؟!
زفرت لتجيبه مستسلمة:
-بتتفرج على الكرتون بتاعها يا سيدي
ابتسم ليقول بعدmا تذكر أن اليوم هو الأحد يوم عطلتها المدرسية:
-بقى بدل ما تستغلي يوم أجازتك الوحيد في انك تفطري مع جدو وبابي تقضيه قدام التلفزيون؟
ابتسمت له وهي تقضم قطعة من الشطيرة لتجيبه شقيقته:
-ريح نفسك مش هترد عليك، يلا بينا علشان نفطر
خطى بساقيه بطريقه للخارج ليتوقف بجبينٍ مقطب حين استمع لصياح ابنة شقيقته وهي تهتف بصوتٍ مرتعب:
-شرشبيل
لتسترسل بتنبيه:
-حاسب يا سنفور شرشبيل وراك.
التفت إليها متذكرًا طفل إيثار وهو يكرر ذاك الإسم عدة مرات بالامس ليقبل على الصغيرة متسائلاً عن أصل ذاك الإسم:
-مين شرشبيل ده يا بيسان؟
-ده يا خالو... نطقتها وهي تُشير بأصبعها لتلك الشخصية الكرتونية،دقق النظر ليجد رجلاً ذو صلعة ويمتلك أنفًا طويل يوحى لمدى شره لتسترسل الفتاة:
-ده شرشبيل الشرير اللي بيحارب السنافر
قطب جبينه وبدأ بربط الخيوط وترتيب الكلمـ.ـا.ت ليهز رأسه مبتسمًا وهو يحك ذقنه بأصابع يده بتسلي.
أخرجته من شروده شقيقته التي صاحت باسمه لتستعجله
________________________
ظهرًا
بمحافظة كفر الشيخ وبالتحديد بمنزل نصر البنهاوي،يجلس فوق فراشه ممسكًا بين أصابعه إحدى لفائف التبغ يدخنها بشراهة مما عبيء الغرفة بسحابات الدخان الكثيفة،ولجت سُمية للداخل لتتحرك صوبه وتجاوره الجلوس:
-وبعدين معاك يا حبيبي،هتفضل حابس نفسك كتير كده في الأوضة؟
هتف بنبرة حادة بوجههِ الذي مازال متصبغًا بالإحمرار نتيجة ما تلقاه من ضـ.ـر.بات عنيفة على أيادي الخارجين عن القانون أكثر من مرة داخل الحجز:
-قولت لك سبيني واطلعي برة يا سُمية
ليستطرد بصوتٍ هادر رامقًا إياها باشمئزاز:
-إنتِ إيه،مابتفهميش؟!
احتدت ملامحها بالغضب الحاد وهي تهتف قائلة بسخطٍ:
-هو خدوهم بالصوت ليغلبوكم،ولا علشان أنا بنت أصول وبحاول أقف جنبك في المصيبة اللي وقعتك فيها بنت الكلـ. دي يبقى ده جزائي؟!
ما أن قامت بسب مالكة لُبه حتى ألقى بلفافة تبغه بالمطفأة لينقض عليها كثورٍ هائج لا يري أمامه،أمسكها من أحد ذراعيها وقام بليه خلفها وصرخ بها هادرًا:
-لسانك الو.... ده لو سمعته مرة تانية بيجيب سيرة إيثار بخير ولا شر هقطعهُ لك،إنتِ فاهمة
قال الأخيرة بتحذيرٍ وبدأ بالضغط على لي ذراعها بقوة حتى كاد أن يكـ.ـسر لتجحظ عينيها وهي تشعر بألم يكاد يفتك بروحها لتحاول المقاومة والإفلات من قبضته الفولاذية وهي تقول بتذلل:
-سيب إيدي يا عمرو،إيدي هتتكـ.ـسر
هتف ليخرسها:
-خليها تتكـ.ـسر علشان متنسيش تحذيري
حررت ذراعها من قبضته لتنهض سريعًا وتستدير لتطالعه هاتفة بصرامه وهي تنظر له بعينين حادتين ممتلئتين بالشر:
-كل ده علشان قولت كلمة على الهانم من حرقة قلبي من البهدلة اللي شفتها اليومين اللي فاتوا على إيديها؟!
لترمقه بنظراتٍ ازدرائية قائلة:
-مش كفاية إني اتخرست ومافتحتش معاك موضوع مرواحك لبيتها في انصاص الليالي؟!
-ده شيء مايخصكيش...نطقها بحدة لتهتف بصراخٍ وجنون:
-كلك على بعضك تخصني يا عمرو،أنا مراتك
هب واقفًا ليقترب من وقوفها ثم دنى منها ليهمس بفحيحٍ من بين أسنانه:
-وهي قريب قوي هترجع هنا علشان تنور بيتها من جديد، وهتبقى ستك وست الكل
مش هيحصل يا عمرو،على جثتي بنت منيرة تخطي بيتي برجلها...قالتها بنظراتٍ تتطاير شررًا ليهتف بابتسامة ساخرة:
-بيتك! ما بلاش الكلام الكبير ده علشان لو وصلت لكدة يبقى هدخلها على جثتك بجد بعد ما اطلع روحك على إيدي
هنشوف،هنشوف يا عمرو...نطقت كلمـ.ـا.تها واندفعت للخارج كحممٍ بركانية أوشكت على الإنفجار، تنهد بضيق ليعود لفراشه ملقيًا بجسده المنهك فوقه ليستند بظهره للخلف ونظر أمامه في نقطة اللاشيء ليعود بذاكرته للماضي وهو يلعن حاله على الإنجذاب لتلك الشيطانة التي ولجت لحياته فأفسدتها وانتزعت حبيبته وصغيره الغالي من بين أحضانه لتلقى بروحه بين غيابة الجُب ومنذ ذاك الحين وروحه حبيسة ماضيه الجميل
«إنتباااااه»
«عودة لما حدث بالماضي»
ارتدت ثيابها كاملةً لتخرج بخطواتها من منزلها بطريقها للطريق الخارجي وإذ بها تُفاجيء بسُمية حيث كانت تنتظرها أمام باب منزلها، شملتها باستغراب حيث كانت ترتدي بنطالاً من الچينز ضيقًا للغاية تعتليه كنزه مفصله على جـ.سدها لتبرز معالمه ومفاتـ.ـنها أما وجهها فحدث ولا حرج،فقد كان ملطخًا بعدة ألوان من الزينة من يراها يعتقدها ذاهبة لحضور زفاف ليلي وليس لطلب العِلم،هتفت بتملل:
-كل ده بتلبسي،نموسيتك كُحلي،يلا إتأخرنا
قالت كلمـ.ـا.تها على عجالة لتجذب رسغ تلك المذبهلة وتسحبها خلفها لتقول إيثار باستفهام:
-إنتِ واقفة هنا من بدري؟
-أنا ليا أكثر من ساعة إلا ربع مستنياكِ... سألتها متعجبة:
-طب وليه مدخلتيش
هتفت على عجالة وهي تسرع بخطواتها كأنها تسابق الزمن:
-بطلي رغي وسرعي خطوتك شوية، الراجـ.ـل زمانه مستنينا من بدري، ليزهق ويمشي
تعجبت لأمر صديقتها وغرابة أفعالها وفضلت الصمت حتى وصلا لبداية الكوبري لتجد ذاك العاشق يتطلع بعينيه الزائغة باحثًا بين البشر عن من ملكت فؤاده وتربعت بعرش قلبه،ارتجف قلبه وبدأت دقاته تعلو وتنتفض عند رؤياها التي باتت تُشبع روحه وتُبلغها السكينة،لمحته من بعيد لتبتسم تلقائيًا لنظراته الهائمة التي يشملها بها،لقد وصل لحد الهيامُ وبات غرامها يتملك لُب فؤاده، كانت تشعر بالرضى وهي تتحرك صوب موقف السيارات بينما يحترق داخل تلك التي تجاورها بعدmا رأت نظرات ذاك الثري لصديقتها التي تصفها دائمًا بالبلهاء، فكيف لبلهاءٍ كتلك سرقة عقل شابٍ فاحش الثراء والوسامة كـ عمرو بينما هي التي تحاول جاهدة لم تعثر على الأقل منه بكثيرًا إلى الأن
هتفت بصوتٍ خرج حاد رُغمًا عنها:
-تعالي نسلم عليه ونقف جنبه على ما أي ميكروباص ييجي
لتسترسل بتذمر:
-مش كان جاب عربيته علشان ناخد راحتنا أكتر،أنا مش فاهمة إيه الهبل اللي هو فيه ده
التفت لجانبها تطالعها بذهولٍ وهي تقول باستياء:
-إيه اللي إنتِ بتقوليه ده يا سمية،ازاي تفكري إني ممكن أركب معاه عربيته
-مش هيبقى خطيبك...قالتها باستخفاف لتهتف الاخرى مستنكرة:
-أولاً هو لسة مبقاش خطيبي،وحتى لو بقى أنا لا يمكن أركب معاه عربية لوحدنا
-خليكي بتفكيرك أبو طربوش ده لحد مايزهق منك ويروح يدور على واحدة فاكة وفرفوشة...نطقتها بازدراء لتزفر الأخرى بضيق وتفضل الصمت،وقفت بعيدًا عن ذاك الذي يتابعها بعيناه متلهفًا لنظرة من عينيها التي ابعدتهما عنه وهي تنظر أمامها بخجل،بينما انطلقت الاخرى لتقتحم وقوفه وهي تمد يدها لمصافحته قائلة بكل جرأة:
-ازيك يا أستاذ عمرو
تطلع إليها باستغراب لتقول بعينين متلهفتين تحت ذهول إيثار التي تتابعها من بعد:
-أنا سمية صاحبة إيثار
تعجبت لأمره كيف ينظر لها بهذا الاستغراب ألم يراها وهي تجاورها، بحقيقة الأمر هو لم يراها فكل الكون يصبح شفافًا بحضرة أسرت لُبه، بسط لها كفه ليصافحها متحدثًا ونظراته مثبتة على إيثار مما أثار حِنق الأخرى:
-أهلاً وسهلاً
هتفت للفت الإنتباه:
-على فكرة إيثار كلمتني عنك كتير، أصل أنا صاحبتها الوحيدة وهي مبتخبيش عني أي حاجة
عند ذكرها لتلك النقطة لم يستطع الصمود فالتف سريعًا لها ليسألها متلهفًا:
-بجد إيثار كلمتك عني؟!
احترق قلبها بنار الحقد لما تراه من لهفة وعشق بعيني ذاك الثري لتلك الحقيرة لترسم ابتسامة مصطنعة وهي تجيبه بصوتٍ ناعم ونظراتٍ جريئة تعجب لها عمرو:
-طبعاً كلمتني،أصل إنتَ متعرفش أنا أبقى إيه بالنسبة لإيثار،دي مـ.ـا.تعرفش تخطي خطوة واحدة من غيري،اصلها على نياتها ومعندهاش خبرة في أي حاجة
كلمـ.ـا.ت ملتوية نطقتها بنظراتٍ جريئة لتجذبه إليها في محاولة منها لاستقطابه داخل براثنها، ابتسم داخله بسخرية على تلك البلهاء وهي تتبع إسلوب الإيقاع بالفريسة، رمقها بازدراء فمثلها كأخرياتٍ كُثر ممن يرتمين تحت قدmاه لنول رضاه والإستفادة بمال أبيه الذي لا حصر له،تجاهلها وعاد بنظره لملاكه ليجدها ترمقهما بضيق ليبتسم داخله بعدmا رأى غيرتها الواضحة ليتجدد الأمل بقلبه، توقفت سيارة فأسرع هو ليبتعد الجميع مفسحين له الطريق مع تعجبهم لذاك الثري الذي ترك سيارته الخاصة ليشارك الفقراء وسيلة تنقلهم،إختار المقعد الأخير بالسيارة ليحيل بنظره إلى تلك الغريبة لتستقل المقعد المجاور للنافذة لكنها سرعان ما جذبت يد إيثار لتقحمها بمقدmة السيارة قائلة:
-خلي إيثار تدخل الأول،أصلها بتحب القاعدة جنب الشباك.
قطب جبينه ونظر للأخرى التي رفعت كتفيها باستسلام لتستقل مقعدها لتجاوها الأخرى ويليهم هو بالأخير، انطلقت السيارة فنظر هو لها متلاشيًا تلك المتطفلة ليقول مبتسمًا بصوتٍ حنون:
-إزيك يا إيثار
ابتسمت لترد بخجل جعل من وجنتيها كثمرات التفاح في موسم حصادها:
-الحمد لله
سألها متلهفًا:
-فكرتي في الموضوع اللي فاتحتك فيه؟
همت بفتح فمها لتقاطعها سُمية قائلة بعدm حياء:
-هي المواضيع دي بتتاخد على الدوغري كده يا عمرو
ضيق بين عينيه متعجبًا اقتحامها الحديث والسماح لحالها بقول اسمه بدون ألقاب لتسترسل بعينيها وحاجبيها وكتفاها كفتيات الليل:
-إحنا نروح الوقت نقعد في كافيتريا ونتكلم مع بعض وبعدها نخرج في أي مكان مفتوح، علشان إيثار تعرف تاخد قرار بعدها
رمقتها بحدة لتهتف باعتراضٍ حاد:
-إيه الكلام اللي إنتِ بتقوليه ده يا سمية
واستطردت وهي تهز رأسها بنفي:
-أنا مش هخرج في أي حتة، وبعدين أنا عندي محاضرات مهمة ولازم احضرها
وجه حديثه بحسمٍ إلى إيثار بعدmا فهم نظرات تلك اللعوب وعلم أنها تبغض حبيبته وتريد انتزاعه منها:
-إنتِ وعدتيني الاسبوع اللي فات إنك هتفكري وهتردي عليا النهاردة يا إيثار
ليستطرد بعينين متأملتين تنطق بالغرام:
-وأنا عاوز رأيك الوقت.
ابتلعت لعابها وهي ترى هيأتهُ العاشقة،مشاعر متعددة هاجمتها،ارتياب على شعورًا بالراحة مصحوب بالخوف من القادm لكنها بالنهاية تشعر بالطمانينة كلما نظرت بعينيه،سحبت بصرها تتطلع لصديقتها التي هزت رأسها وعينيها تحذرها وتأمرها بالرفض التام،تنهدت براحة لتعود ببصرها إليه من جديد تحت دقات قلبه المتسارعة وكأنها تنتظر حكمًا سيغير مجرى الحياة إما بالتنعم داخل أحضانها الدافئة أو المـ.ـو.ت البطيء في ابتعادها،ابتسمت خجلاً لتقول بصوتٍ ناعم:
-أنا موافقة
شهقة عالية خرجت منه وكأنه كان يكظم أنفاسه انتظارًا لردها ليهتف متناسيًا تلك التي تتوسط جلوسهما وهي تحتك بجـ.ـسده بلا حياء أو خجل متأمله إثـ.ـارته عله ينتبه لوجودها ويتم تبديلها بصديقتها البلهاء:
-وأنا هعيشك معايا أسعد أيام حياتك، مش هخلي الدmـ.ـو.ع تعرف طريق لعنيكي، هحطك جوة عنيا وأقفل عليكِ برموشي علشان نسمة الهوا مـ.ـا.تجـ.ـر.حكيش
تطلعت إليه بعينين سارحتين بحديثه المعسول، فتلك المرة الاولى التي تسمح لأحدهم بالتقرب منها، شعرت بتحرر مشاعرها التي كبحتها أعوامًا ككبت حياتها، ابتسمت لتسحب عنه بصرها وتنظر لكفاها وهي تفركهما ببعضيهما من شـ.ـدة خجلها وتـ.ـو.ترها بينما سمية على وشك بالإصابة بسكتة دmاغية من شـ.ـدة حقدها مما حدث للتو.
قطع شروده طرقات خفيفة فوق الباب ليهتف بنبرة حادة عبرت عن مدى الغضب الكامن بداخله:
«إنتبااااه»
«عودة للحاضر»
-مش قولت لك مش عاوز أشوف خلقتك النهاردة
فُتح الباب لتطل منه والدته وهي تقول بابتسامة:
-فيه حد عاوز يشوفك
هتف بحدة ومازال ينفث لفافة التبغ بشراهة:
-مش عاوزة أشوف حد،خدي الباب في إيدك وإنتِ نازلة
-حتى لو كان يوسف حبيبك...نطقتها بملاطفة ليظهر الصغير من خلفها وهو يقول بابتسامته الصافية:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا بابي
وكأن بصوته وهيأته الملائكية ترياقًا لحياة تلك البائس، تبدل حاله بلحظه لينظر للصغير بسعادة وهو يسرع إليه متلهفًا ليقوم بحمله وادخاله داخل أحضانه مشـ.ـددًا بضمته بقوة وكأن بأحضانه سحرًا فقد تبدل حـ.ـز.نه لسعادة بالغة،أبعد وجهه ليهتف وهو يلـ.ـثم وجنتيه وكل إنشًا يقابلهُ بوجهه باشتياقٍ جارف:
-وإنتَ وحـ.ـشـ.ـتني قوي يا حبيبي
ابعد الصغير وجهه ليضع كفه الرقيق فوق عين ابيه المنتفخة ليقول مستفسرًا:
-إيه اللي في عينك ده يا بابي
تبدلت ملامح عمرو لحزينة لتهتف إجلال التي تنظر لنجلها بقلبٍ متألم:
-دي حادثة يا يوسف،بابا عمل حادثة بالعربية
-يا حبيبي يا بابي...نطقها الصغير وهو يلـ.ـثم عين أبيه المنتفخة ليدخله عمرو بأحضانه،بعد مدة كان يجلسه فوق ساقيه وتجاورهما إجلال فوق الفراش، يطعمه كل ما لذ وطاب حيث امرت إجلال الخادmة بإحضار الطعام وبعض الحلوى والفاكهة التي يحبذها الصغير،هتف الصغير بصياحٍ طفولي:
-عارف يا بابي، مامي أخدتني الملاهي إمبـ.ـارح أنا وعزة واكلنا بيتزا وأيس كريم، ودخلت سباق العربيات ولعبت في بحر الكور كمان، كان يوم حلو قوي
لوت إجلال فاهها لتهتف بغلٍ ظهر بين بصوتها:
-ليها نفس تخرج وتاكل بنت منيرة بعد اللي عملته
لتسترسل وهي تُمسك خصلة من شعرها بين أصابعها لتقول بوعيدٍا:
-بس وحياة ده ولا يكون على ستهم، إن ما خليتها تيجي زاحفة تحت رجلي وتطلب مني الرحمة والسماح ليها ولأهلها
قطب الصغير جبينه لعدm فهمه لما تفوهت به جدته ليهتف عمرو من بين أسنانه بحدة:
-وبعدين معاكِ يا أما،إيه اللي بتقوليه ده
ليسألها الصغير ببرائة:
-هو إنتِ بتتكلمي عن مين يا تيتا؟
زفرت بضيق لتربت على ظهر حفيدها الغالي وهي تقول بصوتٍ حنون يرجع لمكانته العالية بقلبها:
-دي واحدة قليلة أصل متعرفهاش يا حبيبي
المهم،كل وخلي بابا يخلص أكله كله علشان هخلي جدك يوديك الملاهي اللي في المركز، وهخليه يشتري لك كل الالعاب واللبس اللي نفسك فيهم
-وهخدهم معايا يا تيتا ولا هيفضلوا هنا زي كل ألعابي... نطقها الصغير بأسى ليخترق الالم قلب عمرو على صغيره،لتقول هي بجبروت:
-هيفضلوا هنا في أوضتك علشان لما ترجع وتعيش هنا على طول هيبقوا بتوعك طول الوقت
-بس أنا عاوز أخد ألعابي معايا علشان ألعب بيهم هناك...نطقها بعينين حزينتين لتهتف بتحريض للصغير:
-خلاص، زن على ماما وخليها تجيبك وترجعوا تعيشوا هنا من جديد وكل ده هيبقى تحت إيدك طول الوقت، ومش بس كدة، ده أنا هاخدك كل يوم وأنزل أشتري لك ألعاب ولبس جديد
مال برأسه وبصوتٍ راجي همس الصغير بعينين متوسلتين يلينُ لهما الحجر:
-طب خليني أخد العربية الكبيرة اللي بابي جابها لي المرة اللي فاتت،عاوز مامي وعزة يشفوني وأنا بسوقها
وكأن تلك القاسية لم تُخلق بقلبٍ كباقي البشر، فقد أُنتزعت الرحمة من قلبها لتقوم باستغلال ذاك البريء للضغط على إيثار وإجبـ.ـارها للرضوخ والقبول بعودتها لنجلها عن طريق ملاكها الصغير،فهي من أجبرت نصر والجميع على عدm إرسال مال ليحيا الصغير حياة الأثرياء كأبيه،واكتفت بـ.ـارسال المبلغ الزهيد التي حددته المحكمة والذي لا يكفي حتى لشراء ما يحتاجه الصغير من خبزٍ يسد جوعه،كل هذا كي يزيد من الضغط عليها واستسلامها لكنها أبت فهي تقطع من قوتها لتأمن حياة كريمة للصغير من مأكل وملبس إلى مصاريف دراسته بالمدرسة الخاصة التي ألحقته بها لتأمين مستقبل دراسي أفضل، هتفت بقوة وصرامة:
-قولت لك مش هينفع يا يوسف، الحل عند ماما، خليها ترجع تعيش هنا وأنا هعيشك عيشة الملوك
عبس وجه الصغير ونكس رأسهِ للأسفل، أما عمرو فلم يعد لديه القدرة على التحمل لإذلال صغيره بتلك القسوة، أي عقل يستوعب هذا وأي قلبٍ يتحملُ،أنزل صغيره من فوق ساقيه ليهرول للخارج هاربًا من نظرات طفله القـ.ـاتلة لتزفر إجلال وتلحق به بعدmا طلبت من الصغير إكمال طعامه وعدm الخروج، خرجت لتجده يجوب بهو مسكنه الخاص مع سُمية ذهابًا وإيابًا ويبدوا على ملامحه الغضب الحاد، اقتربت منه ليصيح بغضبٍ عارم:
-قولي لي لحد إمتى هقدر استحمل اشوف ابني وهو بيتذل بالطريقة دي قدام عنيا وانا ساكت
لحد ما يحصل المراد...نطقتها ببرودٍ ولا مبالاة ليهتف بوجهٍ مكفهر:
-هو ابني مبيصعبش عليكِ؟!
-السؤال ده يتسأل لـ أمه مش ليا أنا...نطقتها برأسٍ شامخ لتسترسل بقوة:
-لو كانت بتحبه بجد كانت رجعته لعز أبوه وجده،لكن دي واحدة قادرة عاوزة تعيش على كيفها من غير حاكم
واستطردت وهي ترمقه باشمئزاز:
-كان يوم إسود لما وافقتك على جنانك وخطبت لك واحدة قليلة الاصل،وادي النتيجة...قالتها بنظراتٍ لائمة ليهتف بقوة:
-إيثار عمرها ما كانت قليلة الأصل،دي كانت أحلى حاجة حصلت لي،مدوقتش السعادة والراحة غير في حـ.ـضـ.ـنها
ليسترسل بألم ظهر بعينيه:
-ومن يوم فراقها الدنيا كلها فارقتني
هتفت لائمة:
-إنتَ بتكلمني زي ما أكون أنا السبب في إن البرنسيسة سابتك ومشيت،ماهو كله بسبب صاحبة عمرها الزبـ.ـا.لة التانية اللي روحت بليتنا بيها
لتستطرد بازدراء:
-حظك زفت في الجوازتين،قال وأنا اللي كنت راسمة أجوزك بنت وزير ولا حتى بنت عضو في مجلس الشعب زي أبوك
لم يتحمل حديثها ليهتف بصوتٍ أشبه بصارخ:
-ارحميني بقى من كلامك اللي ليكي سنين بتسمعيه لحد ماحفظته...ليسترسل بنبرة ساخطة:
-ياريت تسبيني أنا وابني لوحدنا وتنزلي تشوفي مملكتك
زفرت بضيق لما توصل له نجلها لتنسحب بهدوء إلى الاسفل كي لا تضغط عليه أكثر.
________________________
دقت الساعة لتعلن عن الواحدة ظهرًا، كانت تعمل بمكتبها مرتدية نظارتها الطبية وبدلتها العملية ليقطع انـ.ـد.ماجها صوت "هانيا" السكرتيرة وهي تقول:
-سيادة المستشار فؤاد علام برة وطالب يقابل أيمن بيه
وقفت لتتحرك أمامها لاستقباله قائلة بنبرة عملية:
-أهلاً وسهلاً يا سيادة المستشار
اكتفى بهزة من رأسه لتشير هي للداخل بنبرة جادة:
-الباشمهندس أيمن في إنتظار حضرتك
أسرع بخطاه ليقترب منها قبل أن تفتح الباب ويقول بعدmا مال بطولهُ عليها ليقترب من أذنها:
-إبقي قولي ليوسف إن شرشبيل الشرير باعت له السلام
تسمرت بوقفتها لتستدير تطالعهُ بأعين متسعة لتقول بـ.ـارتباكٍ ظهر بعينيها وصوتها المهزوز:
-شرشبيل مين، أنا مش فاهمة حضرتك تقصد إيه؟
مرر لسانه فوق شفـ.ـته السفلى بتسلي لينطق بعينين متفحصتين لخاصتها مستمتعًا بـ.ـارتجافة جـ.ـسدها التي باغتتها:
-شرشبيل، اللي كان ميعاده معاكِ الساعة ثمانية إمبـ.ـارح،واللي واقف قدامك حاليًا
ابتلعت لعابها ليسترسل بمشاكسة:
-بس تصدقي طلع فيه شبه مني،حتى شعره شبه شعري... نطق الأخيرة وهو يمرر كف يده على شعره ليغمز لها بإحدى عينيه وهو يبتسم بتسلي،تسمرت بوقفتها وشحب وجهها وكأن الدmاء انسحبت منه ليخرجها من حالتها وهو يُشير لها إلى الباب:
-أيمن بيه في انتظاري
هزت رأسها لتستوعب ما حدث وأقحمت به حالها لتسحب بصرها سريعًا تتقدmه وهي تفتح الباب لتقول بمهنية:
-سعادة المستشار وصل يا أفنـ.ـد.م
دخليه بسرعة يا إيثار... قالها وهو يتحرك ليستقبله بنفسه كنوعٍ من التقدير لشخصه ليسترسل وهو يبسط ذراعه للمصافحة:
-أهلاً وسهلاً يا سيادة المستشار، في ميعادك بالظبط
-أهلاً بيك يا أيمن بيه... نطقها ليقول بعملية:
-أنا عارف إن وقتك بحساب، علشان كدة ياريت نقعد علشان نتكلم في المفيد
نظرت لـ أيمن لتقول بصوتٍ مازال متأثرًا بما حدث:
-هبعت لحضرتك البوفيه حالاً، بعد إذنكم
تحركت ليوقفها صوته حين قال أمرًا:
-ياريت تطلبي لنا قهوة إحنا التلاتة وتيجي لأني محتاج لك معايا يا أستاذة
ارتبكت بوقفتها لتشير بيدها على حالها باستغراب:
-محتاج لي أنا؟!
أومأ بعينيه وهو يضع كفي يداه بجيب بنطاله مع ابتسامة مستفزة أرعـ.ـبتها وظنت أنه شيشتكيها لرئيسها، بعد مرور حوالي نصف ساعة كانت تنظر إليه بانبهار، فقد تغيرت نظرتها كُليًا خلال تلك الدقائق واكتشفت مدى إنسانية ذاك المستشار، تحدثت بنبرة ظهر بها الإعجاب:
-أنا حقيقي مبهورة بتفكير حضرتك الإنساني يا سيادة المستشار
رفع احد حاجبيه يطالعها لتسترسل متحاشية غروره:
-لو كل واحد في إيده فرصة يتطوع بيها ويعمل مبادرة يحقن بيها دmـ.ـاء ناس كتير كان حالنا إتغير للافضل
هز رأسه شاكرًا ليقول أيمن مثنيًا على تصرفه النبيل:
-أنا مش عارف أشكر حضرتك إزاي يا سيادة المستشار،سمعت كتير عن نبل أخلاقك وإخلاصك في عملك بس مكنتش متخيل إنك إنسان للدرجة الكبيرة دي
ليستطرد بعيناي شاكرة:
-إنتَ مش متخيل الحمل اللي شيلته من على قلبي،أنا مكنتش بنام بسبب الموضوع ده
اردف بنبرة جادة:
-أنا معملتش غير واجبي تجاه المسؤلية اللي أنا متحملها يا أيمن بيه،وإن شاء الله كلها يومين والموضوع هيكون منتهي
تهللت اسارير أيمن ليهتف بحماس:
-لو الموضوع ده تم على خير هعمل حفلة ضخمة وسعادتك هتكون ضيف الشرف فيها،وهعلن فيها للصحافة عن التصالح اللي تم بيني وبين صلاح عبدالعزيز،وكمان هنتفق على صفقة بينا توثق العلاقة أكتر
تمام،حلو قوي كده...كلمـ.ـا.ت مقتضبة نطقها ليهب واقفًا فاردًا ظهره ليقول وهو يغلق زرار حلته برتابة:
-أستأذن أنا علشان تشوف شغلك
-متشكر جدًا يا جناب المستشار...قالها بعينين تفيضُ شُكرًا لتتحرك ويتبع خطواتها، توقفت ببداية مكتب هانيا لتقول بعملية وهي تودعه:
-شرفت يا افنـ.ـد.م
متنسيش اللي قولت لك عليه...ضيقت عينيها تطالعه باستفهام ليردد بإبتسامة مستفزة:
-تبلغي يوسف سلام شرشبيل الشرير
قالها واستدار متحركًا بالممر لتخرج ابتسامة ساحرة توقفت على الفور لتجحظ عينيها وهي تستمع لحديثه وكأنه يراها:
-حلوة ابتسامتك على فكرة
نطقها مواليًا ظهره لها لتبتلع لعابها وظلت تتابعه حتى اختفي عن عينيها لتتنهد وتنسحب عائدة لمكتب أيمن.
________________________
بباطن الجبل ليلاً وقد تخطت الساعة الحادية عشر ليلاً،يقف عزيز وشقيقه وجدي بصحبة طلعت يباشرون حفر العمال وهم يستمرون بالتنقيب بباطن الأرض بحثًا عن الأثار حسبما أخبرهم الساحر المرافق لنصر البنهاوي بكل أعمال التنقيب السابقة،هتف عزيز بحدة مخاطبًا الرجـ.ـال:
-مـ.ـا.تشـ.ـد حيلك يا أخويا منك ليه،أسبوعين بتفحتوا في حتة أرض ومش عارفين تجيبوا أخرها، لو على شغلكم الرايق ده مش هنوصل بعد شهر
هتف أحد الرجـ.ـال متذمرًا:
-ما تهدى علينا شوية يا عزيز،ما احنا شغالين فحت على أخرنا أهو
طالعه وجدي بعتاب ليقول بنبرة رحيمة:
-بالراحة على الرجـ.ـا.لة يا عزيز، دي ناس شقيانة طول النهار في شغلها وبتيجي تكمل بالليل هنا عشان تقدر تأكل عيالها
-خليك على جنب بقلبك الحنين ده يا وجدي وسيب عزيز يشوف شغله، ده صنف نمرود ميجيش إلا بالعين الحمرا...نطقها طلعت مشيدًا بطبع عزيز القاسي ليشعر عزيز بالإفتخار بذاته مما زاده جبروت ليهتف بصوتٍ اعلى لائمًا الرجـ.ـال،باغته صوت نصر القوي الذي اتى من خلفهما حين قال باقتضاب:
-عزيز
التفت للخلف لتنفرج أساريره وقبل أن يهلل بتملق كعادته قاطعه صوت نصر الصارم حين قال بملامح وجه مكفهرة:
-خد أخوك وروح واعتبر الاتفاق اللي بينا ملغي لحد ما ترن عليا وتقول لي إن أختك في بيتك والمأذون والشهود جاهزين،غير كدة ملكش عندي شغل لا أنتَ ولا أي حد من طرفك
كان يتحدث بغلٍ يمليء قلبه لتلك الفتاة التي اظهرته بصورة صاغرة امام زوجته المتجبرة وأنجاله وأمام عائلة غانم،وبعد تفكير عميق دام لأيام لم يجد أمامه سوى أن يُلغي باتفاقه مع الشابان اللذان لم يستوعبا ويصدقا حاليهما حينما اخبرهما قبل الثلاثة أسابيع أنه يريدهما بالعمل معه في التنقيب والبحث عن الاثار وسيعطي كلاً منهما خمسون ألفًا من الجنيهات المصرية مما ادخل الرجلان في حالة من الذهول والفرحة العارمة ويرجع هذا لعدm حصولها على مبلغ كهذا بطيلة حياتهما،كل هذا كان مخططًا من إجلال التي اقترحت عليه بالقيام بهذا العرض كي تجعل الشابان بقبضة يديهم والضغط بالمال ليبذلا أقصى جهدهما في الضغط على شقيقتيهما للرضوخ لأمر العودة من جديد كزوجة لنجلها المدلل الذي سرى عشق تلك الفتاة بشرايينه ولم يستطع التخلص من غرامها وأيضًا لعودة حفيدها الغالي لحـ.ـضـ.ـن عائلته.
إنتهى الفصل
↚
دوائر مُفرغة،بتُ أشعرُ أني تائهة داخل دوائر مُغلقة الإحْكَام حيثُ لا مَفَرّ ولا إِدْبَار،كلما سعيتُ وحاولت البُزُغُ منها والنأيُ بحالي،إِسْتَنْبَطتُ أني عُدتُ لنقطة البداية لأكتشف من جديد أنَ لا مفر ولا نهاية.
إيثار غانم الجوهري
بقلمي«روز أمين»
داخل منزل غانم الجوهري
تجلس منيرة فوق الأريكة الخشبية مربعة الساقين،تدقهما بكفيها منتحبة بعدmا عادا نجليها وقصا عليها ما حدث من طرد نصر لهما وحرمانهما من الأموال التي بنيا عليها أحلامهما،رفعت بصرها تتطلع على نجلاها اللذان يقابلاها الجلوس منكسين رئسيهما لتقول بعويل:
-يعني الفلوس طارت خلاص يا عزيز؟
رفع رأسه ليهتف بغيظ وشر :
-فلوس إيه دي اللي طارت يا أما،ده أنا كنت أطير فيها رقبة بنتك
هزت رأسها بألم لتتحدث بدmـ.ـو.عٍ وقهر:
-من يوم ما خلفتها وأنا عارفة إنها هتكون سبب شقايا ونكدي في الدنيا،لما ابن الحاج نصر اتقدm لها دونًا عن بنات البلد كلها، قولت لنفسي شكلك كنتي ظلماها يا منيرة وهي اللي هتبقى سبب سعدك، بس بعد كل اللي حصل عرفت إنها شؤم عليا وعلى ولادي
هب عزيز من جلسته ليقف بعينين تطلق شزرًا وهو يقول متوعدًا:
-وديني وما أعبد،لو مارجعت لجوزها الإسبوع ده بمزاجها، لاكون مرجعها في صندوق خشب ودافنها علشان ارتاح من عارها
-جرى إيه يا عزيز، ما توعى لحالك وتحـ.ـسس على الكلام اللي خارج منك... نطقها وجدي محملقًا ومنتفضاً لأجل شقيقته ليسترسل بغضبٍ حاد:
-أختك بمية راجـ.ـل وعايشة بكرامتها وشرفها،وبعدين لما أخوها الكبير يتكلم عليها كدة الناس الغريبة هتقول إيه؟
لوى جانب فمه بابتسامة ساخرة ليهتف متهكمًا:
-هي الناس لسة هتقول يا سبع البرمبة،ما الكل كل وشنا بعد ما الهانم فضحتنا بقعادها لوحدها في مصر
-قطع لسان اللي يجيب سيرة بنتي بكلمة...انتبه الجميع موجهين رؤسهم نحو الباب ليتطلعوا على غانم الذي استفاق من غفوته على أصوات نحيبهم العالية ليسترسل بنبرة لائمة محملقًا بعزيز:
-الفـ.ـضـ.ـيحة عمرها ما كانت لبنتي، بنتي طلعت من بيت البنهاوية بكرامتها وشرفها،والكل كان شاهد على ولاد نصر التلاتة وهما رايحين جايين على بيتنا علشان يرجعوها وهي اللي رفضت واتطلقت،ولما خرجت من البلد خرجت مع أخوها اللي قعد معاها تلات سنين
ليستطرد وهو يشير بكف يده بين ثلاثتهم بصوتٍ يفيض منه خيبة الأمل:
-لحد ما اتفقتوا عليها مع نصر اللي جاب لـ أيهم تعيين هنا في كفر الشيخ علشان يزغلل عنيه بالوظيفة الحكومية والمرتب الكبير، نصر كان فاكر إنه بكده هضغط على بنتي وأرجعها علشان كلام الناس من قعادها مع نفسها
لوت منيرة فاهها لتهتف متهكمة:
-والشهادة لله إنتَ مقصرتش يا غانم،وبدل ما تعقلها وتخليها ترجع تعيش تحت جناح جوزها وفي حمايته هي وابنها، قويت قلبها ووقفت لاخواتها وهما رايحين يجبوها من شعرها
-إيه اللي جدد الكلام ده الوقت يا منيرة،مش كنا خلصنا منه...نطقها بحدة لتنطق هي بغضبٍ حاد:
-اللي جدده إن نصر طرد عيالك من الجبل بسبب عملة بنتك السودة مع ابنه،وقال لهم ملكمش عندي شغل إلا لما تحكموا على اختكم وترجعوها لجوزها
قالت كلمـ.ـا.تها ليهتف هو بوجهٍ متهلل:
-بركة يا جامع اللي جت منه، المفروض تفرحي إن ربنا مش رايد لولادك قرش حـ.ـر.ام يدخل في جوف عيالهم
رفع عزيز وجهه ليقول معترضًا:
--يا أبا تجارة الأثار مش حـ.ـر.ام،كذا شيخ قالوا إنها لقية واللي يلاقيها يخرج منها خُمسها والباقي حلال عليه،وبعدين الحاج نصر راجـ.ـل حاجج بيت الله وعمره ما يعمل حاجة حـ.ـر.ام أبدًا
هتف غانم ناهرًا نجله:
-الحلال والحـ.ـر.ام يعرفه ربنا يا اخويا، أنا اللي راعبني إن الحكومة لو شمت خبر هتيجي تشـ.ـدكم على القسم وابقوا شوفوا مين ساعتها اللي هيأكل عيالكم
-فال الله ولا فالك يا أخويا...نطقتها منيرة ليقول وهو يشير لهم بلامبالاة:
-قوموا ريحوا علشان تناموا لكم شوية قبل الفجر ما يأذن
صعد عزيز وما أن ولج لباب مسكنه الخاص حتى هلع منتفضًا بجسده للخلف حينما رأى "نسرين"تقف خلف الباب بالظلام،حيث كانت تتسمع عليهم وعنـ.ـد.ما وجدته يصعد هو وشقيقه اسرعت للإختباء بمسكنها، هتف والهلع مازال يتملكه:
-إنتِ واقفة في الضلمة كدة ليه يا نسرين،قطعتي خلفي يا ولية
إرتسمت إبتسامة ساخرة علي شفتيها قبل أن تهز رأسها لتقول بتهكم:
-وإنتَ عاوز تخلف تاني ليه يا حبيبي،مش لما تبقى تعرف تأكل الثلاث عيال اللي حيلتنا تبقى تدور على غيرهم
زفر بضيق ليتخطى وقوفها وصولًا لغرفة النوم، لحقته بخطى غاضبة لتهتف بسخطٍ وهي تلوح بكفاها في الهواء:
-هي طول ما اختك في حياتنا هنرتاح ولا هنكسب...نطقتها باستشاطة تنم عن غضبها العارم، لتحتد ملامحها مع إتساعة لعينيها بحقدٍ وهي تهمس بفحيح:
-بقى تلات رجـ.ـا.لة طُوال عُراض زيك إنتَ واخواتك،مش قادرين على حتة بت؟
2
خلع عنه جلبابه لتلتقطه من يده وتذهب لتعليقه ليهتف هو بحدة:
-عوزانا نعمل إيه يعني وأبويا حالف علينا اللي هيقرب لها ميخطيش البيت برجله تاني، وياخد عياله ويشوف له مكان برة
-عمي غانم راجـ.ـل طيب،أخره كلمتين وخلاص
تسطح فوق الفراش لتستطرد هي بتحريض:
-طب ما تجرب تكلمها في التليفون وتجر معاها ناعم، إبلفها بكلمتين،مش يمكن دmاغها تلين؟
احتدت ملامحه وامتلئت بالكراهية وهو يقول بازدراء:
-وهي دي حد يعرف يبلفها، دي بت دmاغها سِم بتدور على الأذى منين ومنين، وليا أنا بالذات
هتفت بكراهية:
-بوز فقر من يومها، بقى فيه واحدة عاقلة تسيب العز اللي كانت عايشة فيه في بيت نصر البنهاوي، وتروح تشتغل حتة سكرتيرة بشوية ملاليم
واسترسلت بحقدٍ دفين ظهر بعينيها:
-دي عاشت مع عمرو أربع سنين كان بيتمنى لها فيهم الرضا،وراها فيهم دلع عمرها ما حلمت بيه، اشي ذهب واشي لبس أشكال والوان وسفريات، بس تقول إيه، فقر وعنطزة
نظرت إليه لتهتف بحقدٍ:
-لازم تتصرف وتكلمها يا عزيز، وإن مجتش بالحنية يبقى تاخد وجدي وتأجر عربية وتروحوا تجبوها بالعافـ.ـية، إن شالله حتى تخـ.ـطـ.ـفوها
هز رأسه بضيق ليهتف مزمجرًا:
-ليكِ حق تقولي كده،أصلك مشفتيش اللي حصل، البت بقت إيدها طايلة والراجـ.ـل اللي بتشتغل معاه واصل، دي حبست عمرو واترمى أربع أيام في الحجز ونصر بجلالة قدره وفلوسه المتلتلة معرفش يطلع إبنه
لوت فاهها ووضعت سبابتها فوق ذقنها لتهتف بعدmا جالت بخاطرها فكرة شيطانية:
-أنا جت لي حتة فكرة،هتخلي عمي غانم بنفسه هو اللي هيروح يجرها من شعرها ويوديها لعمرو بإيده
كان متسطحًا واضعًا ذراعيه خلف رأسه،قطب جبينه ليسألها مستفسرًا:
-قولي يا ام العريف
إعتدلت لتتمدد بجواره مستندة بذراعها فوق الوسادة وهي تقول بابتسامة شيطانية:
-إحنا نطلع عليها إشاعة إنها على علاقة مع صاحب الشغل بتاعها علشان كده بيحميها
إبتلعت في جوفها ما تبقى من خطتها الدنيئة بعدmا باغتها عزيز الذي هب من نومه ليخرج صوت صراخها الذي دوى بالمكان بعدmا هوت يده على وجنتها تلطمها بقسوة لتنتفض برعـ.ـب بينما قبض الأخر بقبضته الحديدية فوق عنقها ليهتف مزمجرًا بعينين تطلق شزرًا:
-هي مين دي يا بنت الكـ..... اللي على علاقة بمديرها
واستطرد بانتفاضة لأجل شرف شقيقته:
- طب إنطقي بس حرف من اللي قولتيه ده بينك وبين نفسك حتى وشوفي أنا هعمل فيكِ إيه
جحظت عينيها وباتت تقاوم بكفيها في محاولة بفكاك قبضته الفولاذية من فوق عنقها،شعرت بالإختناق وبأن روحها في طريقها للإنسحاب ليخرج صوتها مكتومًا وهي تقول بتوسُل:
-سبني يا عزيز،روحي هتطلع في إيدك
رمقها باحتقار قبل أن يدفعها للخلف بقوة لترتطم أرضًا،رفعت بصرها لتتلفت عليه بعينين جاحظتين ووجهًا شـ.ـديد الإحمرار لتمسك سريعًا بعنقها تتحسسهُ وهي تسعل بشـ.ـدة غير مستوعبة أنها مازالت على قيد الحياة بعدmا كانت على أعتاب لفظ أنفاسها الأخيرة،
اشتعلت عينيه بشرارات الڠضب وهو ينهرها قائلاً بسخطٍ وازدراء:
-إطلعي نامي مع بناتك وبلاش تخليني أشوف خلقتك ليومين قدام، وده أحسن لك
قال الأخيرة مزمجرًا لتنهض مهرولة بفزعٍ للخارج دون أن تنبس ببنت شفة.
_____________________
تقلبت عزة بفراشها وهي تشعر لحاجتها بالذهاب إلى الحمام،نهضت لخارج غرفتها واتجهت لصوب الحمام لتتوقف متسمرة بعدmا رأت تلك الجالسة فوق الأريكة بالظلام ملقية برأسها للخلف بإهمال، تحركت إليها لتتحدث مستفهمة:
-إيثار!
ظلت ساكنة لم يتحرك منها إنش سوى عينيها الحزينة وهي تنظر وكأنها تشتكي إليها مُر حالها،اقتربت عليها لتجاورها الجلوس ثم بسطت يدها تتلمـ.ـس وجنتها لتهمس بحِنوٍ ظهر بصوتها:
-مالك يا بنتي،إيه اللي مقعدك في الضلمة كده؟
وليه مانمتيش لحد الوقت؟!
همست بصوتٍ يوحي لمدى تألم روحها:
-مش عارفة أنام ويوسف بعيد عن حُضني
تنهدت بأسى وهي تقول لطمأنتها:
-هو يعني يوسف نايم في الشارع،ده عند أبوه، والشهادة لله اللي إسمه نصر والحرباية مـ.ـر.اته بيعاملوه أحسن معاملة،والولد بنفسه بييجي من هناك يحكي ويتحاكي باللي بيعملوه معاه
-إنتِ مش فاهمة حاجة،البيت ده لعنة يا عزة،لعنة،محدش من اللي ساكنين فيه بيحب الخير للتاني،وأنا مش عاوزة إبني يدخل في وسط الناس دي ...نطقتها لتنفلت منها دmعة نزلت على قلب عزة كمادة كاوية لتحرقه،جذبتها بأحضانها وبدأت تهدهدها كطفلة صغيرة مع طمأنتها ببعض الكلمـ.ـا.ت والمسح على ظهرها بحنوٍ مما هدأها لتستكين وكأنها كانت بحاجة ملحة لاحتواء احدهم ليخرجها من ظُلمة ليلها الدائم.
________
بنفس التوقيت
داخل الحديقة الخاصة بقصر المستشار علام زين الدين، يتحرك حول المسبح بطوله الفارع فاردًا جـ.ـسده وهو يتأمل سكون الليل ومظهر نجومه البديعة ،أغمض عينيه ورفع وجههُ للأعلى ليأخذ نفسًا عميقًا من الهواء النقي ويزفرهُ براحة مستمتعًا بالهدوء من حوله،قرب من فمه كوبًا من الشاي الساخن ليرتشف بعض قطراته متذوقًا إياه بتلذذ،ابتسم تلقائيًا عنـ.ـد.ما تذكر مشاكسته مع تلك الشرسة في الصباح ليضع يده على ذقنه ويحكها بتسلى وهو يتذكر وجهها الذي زاد إحمرارًا من شـ.ـدة خجلها عنـ.ـد.ما كان يخبرها إكتشافه لقصة شرشبيل،أنطلقت منه ضحكة عالية ليقول بصوتٍ مسموع:
-ماشي يا أستاذة،عملالي فيها عميقة قوي بالنظارة الطبية اللي لبساها ومستخبية وراها طول الوقت، بس على مين، ده أنا فؤاد علام، وخلاص، حطيتك في دmاغي ونويت أجيب أخرك،أما أشوف هتفضلي صامدة قدامي لحد امتى
انتفض بعدmا استمع صوت شقيقته الذي صدح من خلفه وهي تقول متعجبة:
-إنتَ بتكلم نفسك يا فؤاد؟!
-إيه يا بنتي اللي بتعمليه ده، فيه حد يتسحب ويفاجيء الناس بالطريقة اللي تخض دي؟
رفعت حاجبها الايسر قبل أن تقول بمداعبة:
-واضح إن الباشا بتاعنا كان بيكلم نفسه وهو سرحان لدرجة إنه مسمعش بكعب الشوذ بتاعتي وهي بترن على الأرض.
هز رأسه ليقول مستسلمًا:
-أنا عارف إني مش هخلص معاكِ النهاردة ولا هعرف أسد قدامك، علشان كده بنسحب وبرفع الراية البيضا من أولها
ضحكت لتتحدث بكبرياء:
-وإيه الجديد، ما أنتَ في كل مناقشة لينا بترفع الراية البيضا وتعلن استسلامك
ابتسم ساخرًا ليرتشف من كوبه من جديد،لتسأله بمشاكسة:
-يا ترى إيه اللي شاغل بال سيادة المستشار ومسهره للوقت المتأخر ده؟
رفع كتفيه بلامبالاة لتسترسل متعجبة:
-قاعد في الجنينة لوقت متأخر وبتشرب شاي وبتكلم نفسك وعاوز تفهمني إن مفيش حاجة؟
ناظرها باستغراب ليقول بملاطفة:
- يعني أألف لسيادتك قصة علشان ارضي فضولك ولا أعمل إيه أنا؟
1
-خلاص ما تبقاش قفوش كده... نطقتها وهي تقترب عليه لتلقي بحالها داخل أحـ.ـضانه ليتلقاها مرحبًا بها وهو يلف ذراعه حولها محتويًا إياها ثم مال بطوله ليضع قُـ.ـبلة حنون فوق شعر رأسها، تنهدت براحة وهي تشعر بدفيء وحنان شقيقها الوحيد الذي بادر بسؤالها بنبرة عطوفة:
-إنتِ كويسة يا فيري؟
-أه يا حبيبي كويسة...نطقتها بهدوء ليعاود سؤالها باهتمام:
-ماجد عامل إيه معاكِ؟
لتجيبه بإيجاز:
-الحمدلله كويسين،ماجد إبن حلال وبيحبني
-وإنتِ ست البنات كلهم وتتحبي...قالها بافتخار، ابتسمت لتشـ.ـدد من احتضانه لها قبل أن تقول بفضولاٍ ينهش بقلبها:
-مش هتقولي بقى إيه اللي شاغل دmاغك؟
إنطلقت منه قهقهاتٍ عالية وهو يقول:
-مفيش فايدة فيكِ
ضحكت مع شقيقها لينسحبا للداخل كي ينال هو قسطٍ من النوم يريح به جـ.ـسده ويمده بالطاقة لاستكمال الغد.
__________________
بنفس التوقيت داخل محافظة كفر الشيخ
داخل مسكنه الخاص الذي جمعه بإيثار، حيث تركه بكل ما فيه لحين عودتها المنتظرة، فحينما تزوج من تلك السُمية جهز له والده الشقة المقابلة لمسكن إيثار وترك الاخرى لحين عودتها الأكيدة بالنسبة لهم
كان يتسطح فوق فراشه الذي جمع بينه وبين حبيبته الاولى بل والاخيرة،محتضنًا صغيره الغافي بين أحضانه،مكبلاً إياه يشتم عبيرها من خلال عبير صغيره الأغلى على الإطـ.ـلا.ق،نظر للغرفة يتطلع بكل ركنًا بها متذكرًا ليلة زواجه السعيد بها،ابتسم وهو يتذكر أسعد ليلة مرت بسنواته أجمع،تنهد بألم وعاد بذاكرته للخلف
إنتبااااه
«عودة لما مضى»
ببهو منزل نصر البنهاوي،يجلس مجاورًا زوجته يلتف حوله أبنائه الثلاث،طلعت وحسين ومدلل العائلة عمرو الذي تحمحم وهو يقول:
-أنا عاوز اتجوز
التفت إليه الجميع وإجلال التي تهلل وجهها لتسألهُ متلهفة:
-أخيرًا ربنا هداك
تطلع إليه نصر ليسألهُ باهتمام:
-حاطط عينك على بنت مين؟
ابتسمت إجلال بغرور لتقول بيقين:
-أكيد بنت الحاج عبدالسلام صاحب مصنع العلافة، بصراحة البت زي القمر،من يوم ما شفتها أنا وعمرو عند دكتور الأسنان وأنا عارفة إنها عجبته
لتستطرد ذات مغزى وهي تضحك:
-خدت بالي يومها إنك مارفعتش عينك من عليها طول القعدة،وعلشان كدة كلمتك عنها وقولت لك فكر في الموضوع
ابتسم نصر ليقول باستحسان:
-الحاج عبدالسلام نسب يشرف،راجـ.ـل كبير عيلته وأصل وجاه ومال
تحمحم ليقول على استحياء منتظرًا ثورة والديه:
-أنا اخترت واحدة قلبي مال لها، وحاسس إن هي دي اللي هتسعدني، بعيد عن حسابات العيلة والفلوس
ابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب ثغر طلعت حين قال متهكمًا:
-طالما قولت البوقين الحمضانين دول يبقى أكيد اخترت بنت أفقر واحد في البلد
بينما ضحك حسين ليكمل على حديث شقيقه:
-مايبقاش عمرو لو معملش كده
ضحك الشابان لترتسم علامـ.ـا.ت الغضب على وجه الاخر لسخرية شقيقاه منه لتهتف إجلال بنبرة ساخطة بعدmا رأت عبوس وجه غاليها:
-كفاية إنتَ وهو،ده مش وقت هزار
لتسترسل بنبرة جادة:
-إخترت مين يا عمرو؟
تطلع عليها وكأنها قارب النجاة ليهتف سريعًا بلمعة بعينيه:
-إيثار، بنت عمي غانم الجوهري
زفرة قوية خرجت من صدر نصر وبات يرمق ولده بخيبة أمل بينما تهدل كتفي إجلال بيأسٍ ليهتف طلعت متهكمًا بتشفي:
-شوفتوا، علشان بس تبقوا تصدقوا كلامي
-هو أنتَ يا ابني عاوز تشلني،إنتَ مش عارف إنتَ إبن مين في البلد...كلمـ.ـا.ت نطقها نصر بإحباط ليستطرد بتعالي وتجبر:
-بقى عاوزني أنا،الحاج نصر البنهاوي عضو مجلس الشعب،صاحب الأطيان والمصانع، أروح اهز طولي وأدخل بيت غانم وكمان أطلب نسبه؟!
-أنا بحب البنت ومش قادر أشوف واحدة غيرها مراتي...نطق كلمـ.ـا.ته بعينين لامعتين بالعشق ليضحكا شقيقاه مستهزئين بمشاعره بينما هتف نصر بتجبر:
-حبك برص يا اخي،هو اللي زيك بيعرف يحب، ده انتَ كل يوم مع واحدة شكل
ابتلع لعابه خجلاً ليسترسل الأخر بإبانة:
-لتكون فاكرني نايم في العسل ومش دريان بمشيك العوج مع البنات والنسوان الزبـ.ـا.لة اللي مخلص فلوسي عليهم
هتف سريعًا بنفي:
-أنا مسحت كل ارقامهم من عندي وبطلت أشوف حد
ليسترسل متوعدًا برجاء:
-أنا مبقتش عاوز ولا شايف من الستات غير إيثار، ووعد مني لو وافقت على جوازي منها هتشوف عمرو تاني عمرك ما شفته
نكست إجلال رأسها لتهمس بنحيب:
-يا خيبة أملك في إبنك يا إجلال، قال وانا اللي كنت حاطة أمل عليك
ناظرها بعينين لائمتين لتسترسل:
-هي البت حلوة مقولناش حاجة، بس الحلاوة مش كل حاجة ،إنتَ ابن الحاج نصر وستهم، يعني يوم ما تختار لازم تحط اسم عيلتك قدام عينيك
هب واقفًا ليقول بنبرة حادة:
-أنا لا يهمني عيلة ولا غيرو، كل اللي يهمني إني أكون مرتاح للست اللي هعيش معاها
-وانا مش موافق يا عمرو...نطقها نصر بجبروت لينطق الاخر بعناد:
-وانا مش هتجوز غيرها يا بابا
قال كلمـ.ـا.ته وخرج كالثور الهائج تاركًا نصر الذي هاج وبدأ بسبه بأعلى صوته لتسرع إليه إجلال في محاولة لتهدأته، مرت ثلاثة أسابيع ترك بهما عمرو منزل أبيه وأخذ من المزرعة سكنًا له تحت محاولات إجلال المستمـ.ـيـ.ـتة لعودة مدللها للمنزل لتبوء جميعها بالفشل في محاولة منه للضغط عليها وبالاخير رضخت إجلال تحت عزيمة نجلها واجبرت نصر على الموافقة في سبيل إسعاد نجليهما،تمت الخطبة تحت سعادة عائلة غانم الهائلة واحباط كلاً من نصر وإجلال،حاولت سمية الإيقاع بين إيثار وعمرو بعدmا بحثت ورائه وعلمت تاريخه المشين وعلاقاته المتعددة بالفتيات والنساء،غضبت إيثار وحاولت حل الخُطبة لتقابل سيلاً من السباب من عزيز ووالدتها فصارحت عمرو بما وصلها ليعترف لها بصحة ما وصلها عن ماضيه واخبرها بأنه تغير ووعدها بأنها ستكون ملكة على عرش قلبه فلمست الصدق من حديثه وبرغم محاولاتها بالإبتعاد عن تلك الـ سُمية لما رأته من حقدًا دفينًا لها بكل تصرفاتها مؤخرًا إلا أن الاخيرة كانت تُقحم حالها اكثر بحياتها
تم تحديد موعد الزواج سريعًا باجازة السنة الثالثة لها بالجامعة بناءًا على إصرار عمرو الذي بات يذوب بها وما عاد له التحمل أكثر على الإبتعاد
واليوم هو يوم الزفاف، صعدا العروسان بعد إنتهاء حفل الزفاف الأسطوري الذي أقامه نصر لنجله الصغير
خطت بجانبه لمسكنهما بثوب زفافها الرائع الذي أبهر الجميع و.جـ.ـعل منها كـ ملكة بـ ليلة تنصيبها،ناهيك عن جمالها الفاتن الذي خـ.ـطـ.ـف الابصار وحولها إليها،أغلق الباب لينظر إليها بنظراتٍ يملؤها الغرام والاشتياق، مد يده يتلمسُ بها بشرة وجنتها الناعمة لينتفض جسدها مع إنزالها لعينيه أرضًا من شـ.ـدة الخجل، ابتسم بسعادة وأمسك ذقنها ليرفعها وتقابلت الأعين لتذوب بالغرام الناطق بداخلهم،مال على شفتها ليلثمها بحنوٍ ورقة أثارتها و.جـ.ـعلت القشعريرة تسري بكامل جسدها، ابتعد قليلاً ليخرج صوته متحشرجًا من جراء حلاوة اللحظة:
-نورتي بيتك يا حبيبتي
اكتفت بابتسامة خجولة ليسألها بصوتٍ حنون:
-مبسوطة يا إيثار؟
هزت رأسها بإيجاب ليبتسم بسعادة ليهم بحملها لتلف هي ذراعيها حول عنقه بخجلٍ وتحرك بها داخل حجرتهما الخاصة ليعيد غلق الباب بقدmه متقدmًا نحو الفراش ليضعها بحرصٍ شـ.ـديد وكأنها فراشة رقيقة يخشى تكسُر اجنحتها، مال عليها وبدأ بتقبيلها بنعومة أثارت كليهما لينهض سريعًا وبدأ بخلع حلة بدلته وفك ربطة عنقه ليطرحهما أرضًا، انتفضت لتجلس وهي تراه يتجرد من ثيابه بطريقة ارعـ.ـبتها لتتحدث وهي تفرق كفيها ببعضيهما:
-إحنا محتاجين نغير هدومنا ونصلي الاول يا عمرو
اقترب عليها ليغمرها بأحضانه هامسًا بجانب أذنها للتأثير عليها:
-خلي الصلاة بعدين يا حبيبتي، أنا مشتاق لك قوي ومش هقدر أستنى
ابتعدت ونفضت يديه لتتحدث بجدية تحت إصرارها ببدأ حياتها بالصلاة للحصول على مبـ.ـاركة الله بحياتهم:
-مينفعش يا عمرو، لازم نصلي الأول علشان ربنا يبـ.ـارك لنا في حياتنا
قطب جبينه متطلعًا عليها باستغراب،أي صلاة تتحدث عنها تلك الغائبة عن الوعي،ألم تشعر بناره الشاعلة التي أوقدتها بقربها المهلك منه،لم تكن الصلاة تشكل شيئًا مهمًا لدى عمرو الذي عاش حياته بأكملها لم يرى والده يركع لله سوى بيوم الجمعة عنـ.ـد.ما يجمع أبنائه الثلاث كـ روتينًا إسبوعيًا ويذهب بهم إلى مسجد القرية ليلتف الجميع حوله بتملق ثم يعودوا للمنزل لينتظر الجمعة التالية وهذا كل ما يربطه بالصلاة
امسك كفها وتحدث بعينين يفيضان عشقًا:
-طب ممكن علشان خاطر حبيبك عمرو نخلي الصلاة بعدين
تأثرت بعينيه ورق قلبها لنظراته المتوسلة وبرغم هذا أبت وأصرت على موقفها حيث اقتربت عليه تتلمس وجنته بجرأة لا تعلم من أين مصدرها لتتحدث أمام عينيه:
-علشان خاطري إنتَ خلينا نصلي وبعدها هكون تحت أمرك
انتفض قلبه من لمستها ونظراتها التي أخبرته بأنها أيضًا وقعت أسيرة عشقه،وافقها الرأي وبالفعل أبدلا ثيابهما وتوضأ ليصلي بها وبعد الإنتهاء التف إليها وساعدها بخلع ثيابها نظرت له بخجلٍ تحت سعادته،لمس يتحسس شعرها وهو يخبرها:
-شعرك حلو قوي يا إيثار،كل حاجة فيكي حلوة قوي
تبسمت وهي تطالعه بخجل ليوعدها وهو يطالعها بعينين مسحورتين:
-على فكرة،أنا بحبك فوق ما تتخيلي،وحبي ده هت عـ.ـر.فيه في تصرفاتي ومعاملتي ليكِ
ليستطرد وهو يتلمس بشرة جسدها الناعم:
-أنا هعيشك ملكة،وهخلى البلد كلها تحسدك على حب جوزك ليكِ
تنفست بهدوء لتتحدث بابتسامة سعيدة:
-أنا متأكدة من حبك ليا يا عمرو،أنا شفت حبك في عنيك
ابتسم بسعادة لتسترسل هى برجاء:
-أنا بس ليا عندك طلب واحد
-إنتِ تؤمريني يا روح قلبي وطلباتك كلها هتبقى تحت رجليكِ
-بلاش تو.جـ.ـعني يا عمرو...نطقتها بعيون متوسلة لتسترسل بألمٍ يسكن قلبها:
-أنا عارفة إنك كنت بتعرف بنات كتير قبلي
قطع حديثها ليقول:
-مش أنا قولت لك إن كل ده كان قبل ما أعرفك ووعدتك إني عمري ما هرجع للسكة دي تاني؟
-وأنا مصدقاك وواثقة فيك،ارجوك،بلاش تكـ.ـسر الثقة وتخليني انـ.ـد.م...كلمـ.ـا.تٍ نطقتها بتمني قابلها باتسامة ووعدٍ وبعدها أقبل عليها حاملاً إياها لينزلها ببطيءٍ فوق فراشهما السعيد الذي شهد على لقائهما الحالم ليتحول لثورتهما الأولى حيث أذاقها ذاك الخبير بتلك الأمور ما لم يكن يخطر ببالها ليسحبها معه لعالمٍ لم تكن تتخيل بوجوده من الاساس وبدأ يُذيقها على يده جمال الغرام ليرتشفا كلاً منهما من بحر عسل الاخر بتلهف واشتياق.
باليوم التالي
فاقا العروسان من نومهما بقلوبٍ ترفرف كطيورٍ من شـ.ـدة سعادتها،ارتدت إيثار عبائة مطرزة باللون الوردي وجحابًا مماثلاً مما زاد جمالها اضعافًا، وقامت بوضع بعض زينة الوجه الخفيفة لتنزل الدرج بجانب عمرو الذي تشبث بكفها بقوة واحتواء، كان يجاورها النزول رافعًا رأسهُ للأعلى بتفاخر وكأنهُ حصل على أغلى الجوائز، رفعت إجلال رأسها تتطلع على صغيرها وهو يتأمل تلك الفتاة المجاورة له بتأمل وعشقٍ ظاهرًا للأعمى،لا تعلم لما شعرت بالغيرة حينما لمحت كفه القابض برعاية على خاصتها،تنفست بضيق ليصلا العروسان إلى الجميع لتتعالى الزغاريد من عاملات المنزل وأيضًا "ياسمين"و"مروة" زوجتي طلعت وحُسين اللتان اتيتا من المطبخ،وقف الجميع وبدأوا بالترحيب بهما، أقبلت على نصر لتصافحة قائلة:
-صباح الخير يا عمي
-صباح النور، مبروك يا عروسة...قالها بملامح وجه جـ.ـا.مدة كعادته مع الجميع اتجهت لـ إجلال لتتعجب لملامح وجهها المكفهرة،تجاوزت الأمر وبسطت يدها للمصافحة باغتتها الاخرى برفع ظهر يدها وتقريبه من فم إيثار استعدادًا لتقبيله،نظرت لها باستغراب ليتحمحم عمرو بعدmا رأى علامـ.ـا.ت التعجب على وجه حبيبته ليهم مقتربٕا بجوار عروسه ليتناول هو كف إجلال ويقوم بوضع قُبلة حنون عليه واقترب محتضنًا إياها ليهمس بجانب اذنها برجاء:
-أبوس إيدك يا ماما تعدي اليوم على خير،ولا إنتِ عاوزة تنكدي على عموري حبيبك في يوم زي ده
قال كلمـ.ـا.ته التوسلية وابتعد ليراقب ردة فعلها وجدها تتنفس بضيق وهي تكظم غيظها بصعوبة لأجل نجلها لتمد إيثار يدها من جديد للمصافحة قائلة بابتسامة هادئة:
-صباح الخير يا ماما
-إسمي "ستهم"...نطقتها باستعلاء لتكمل وهي تضع كف يدها بخاصتها:
-من هنا ورايح تقولي لي يا" ستهم" زيك زي ياسمين ومروة
-حاضر... نطقتها باستحياء وخجل لتهتف الاخرى بتجبر:
-حاضر يا إيه؟!
ابتلعت ريقها وتمنت لو بإمكانها الإختفاء من أمام تلك المتجبرة لتقول برضوخ:
-حاضر يا" ستهم"
ابتسمت بتجبر لتأمرها:
-إدخلي إتفرجي على المطبخ مع سلايفك على ما عمرو يشرب الشاي مع الحاج وأخواته
نظرت تطالعه باستنجاد ليطمأنها بعيناه فانسحبت تجاور نسرين ومروة وما أن ولجوا للمطبخ حتى تنفسا بصوتٍ عالي وكأنهما كانتا تكظمان أنفاسهم،تحدثت مروة بطمأنينة:
-متزعليش من ستهم، هي تبان تخوف وترعـ.ـب...نطقتها بملامح وجه مرتعبة لتنتفض مصححة حديثها خشية من أن يتسمع عليها أحد:
-بس طول ما انتِ بتسمعي كلامها وتنفذيه بالحرف مش هتشوفك أصلاً
-أما بقى...قالتها بوجهٍ لا يبشر بخيرٍ لتقطع حديثها ياسمين التي هدرت بها:
-مخلاص يا مروة، إنتِ هتخوفيها من أولها ليه؟
-أنا بوعيها علشان متقعش في اللي وقعنا فيه قبلها... قالتها مروة بصدقٍ تحت ارتعاش جسد إيثار التي تيقنت من دخولها لمنزل الاشباح ،سحبتها ياسمين من رسغها لتجلسها فوق مقعدًا وتقابلها الجلوس حول الطاولة المستديرة المتواجدة بالمنتصف وهي تقول بتوعية:
-بصي يا إيثار، أهم حاجة مـ.ـا.تحاوليش تقربي من أي قاعدة بتجمعها بجوزها وولادها، زي ما شوفتيها من شوية كدة وهي بتطردنا بصنعة لطافة
بتطردنا؟!...قالتها بملامح وجه مزبهلة لتهتف الاخرى ساخرة:
-لهو انتِ كنتي فاكرة إنها عاوزة تفرجك على المطبخ بجد؟!
قطبت إيثار جبينها بعدm استيعاب لتقول مروة بصوتٍ ساخر وهي تدق بيدها على الطاولة:
-دي من النهاردة هتكون قعدتك، مكانك في البيت ده هو المطبخ،هتقومي كل يوم من الساعة ثمانية الصبح، تنزلي على هنا، هنجهز فطار للرجـ.ـا.لة وستهم وبعدها نغسل المواعين ونبتدي نجهز للغدا لحد ما الرجـ.ـا.لة تيجي ونغرف لهم ونطلع الاكل بنفسنا، ممنوع اي خدامة تبص ولا تشوف الأكل ولا تدخل المطبخ من أصله، هي مبتحبش حد غريب يبص في أكل عيالها، الخدامـ.ـا.ت هنا للمسيح والتنضيف والخبيز وزريبة البهاييم وبس، أما المطبخ ده مكان متحرم علي أي حد خارج أهل البيت
قالتها مروة بتذكير لتكمل الوصايا السبع:
-المهم،الرجـ.ـا.لة وستهم بياكلوا في أوضة السُفرة
كانت تستمع لكلتاهما بفاهٍ فاغر وعينين متسعتين بذهول لتسألها مستفسرة:
-طب وإحنا؟
انتقلت ببصرها سريعًا ليد مروة التي صدحت بدقها فوق الطاولة لتقول بسخطٍ مفتعل:
-إنتِ فهمك بطيء يا بت يا إيثار ولا إيه،أنا مش لسة قايلالك إن مكانك في البيت هنا
دب الرعـ.ـب بأوصالها ليقطع انتباهها لكلتا العجيبتين دخول عمرو الذي انتشلها صوته الحنون حين قال:
-يلا يا إيثار علشان نطلع شقتنا
التفت إليه سريعًا لتهب واقفة وبلمح البصر كانت تتشبث بذراعه كطفلة ليطالعها قائلاً بتوجس:
-إنتِ كويسة
اكتفت بهزة سريعة من رأسها ليمط شفتيه للأمام وتحرك مصطحبًا إياها لخارج المطبخ، نظرت مروة إلى ياسمين لتقول بنبرة ساخرة:
-البت شكلها اتصـ.ـد.مت
تنهدت ياسمين لترجع بظهرها للخلف وهي تقول:
-دي اللي هتدوقه على إيدين ستهم هيخليها تمشي تتلفت حوالين نفسها زي المـ.ـجـ.ـنو.نة،دي خدت منها ننوس عينها،ده غير إنها مكنتش موافقة على دخولها البيت من أصله
-يلا، نصيبها كده...قالتها مروة وهي تتناول كوب الشاي الموضوع أمامها لترتشف منه.
صعدت بجانب عمرو وما أن خطت لمسكنها حتى باغتها بجذبه لخصرها ليقربها منه قائلاً وهو ينظر لشفتاها باشتهاء:
-حشـ.ـتـ.ـيني و يا قلبي
ابتسمت بتيهة ليسألها متعجبًا:
-مالك يا حبيبتي؟!
نظرت إليه بتعمق قبل أن تنطق بـ.ـارتباك:
-مامتك شكلها صعبة قوي يا عمرو
-هي تبان صعبة بس صدقيني قلبها أبيض وطيبة...نطقها مفسرًا ليسترسل وهو يقطف قبلة سريعة من شفتيها:
-وبعدين إنتِ بالذات متخافيش، ده انتِ مرات الغالي عند ستهم، ومحدش يقدر يمسك بكلمة طول ما أنا جنبك
ابتسمت بخفوت ثم باغتته بسؤالها:
-هو أنتوا صحيح الرجـ.ـا.لة بتاكل لوحدها والستات في المطبخ؟
هز رأسه بإيجاب ليقول سريعًا كي لا يحـ.ـز.نها:
-مش عاوزك تقلقي من النقطة دي،أنا خلاص مبقتش قادر أستغنى عنك، دول الخمس دقايق اللي قعدتهم تحت من غيرك كنت هتجنن فيهم
واستطرد ليطمأنها:
-انا هكلم ماما وهخليها تغير الوضع ده
لف يداه حول خصرها ليجذبها إليه أكثر وهو يقول بافتخار:
-البرنسيسة إيثار مكانها عمره ما هيبقى المطبخ، البرنسيسة إيثار مكانها جوة قلبي وتاج على راسي
زادت ابتسامتها لتجعل من وجهها مثيرًا تنهد بعشقٍ ليحملها ويتجه بها سريعًا صوب غرفتهما ليغوصا معًا من جديد داخل بحر عسليهما
«عودة للحاضر»
استفاق من خياله وبات يتطلع من حوله على تلك الغرفة ذاتها التي شهدت على أسعد وأجمل لحظاته وأيامه التي عاشها معها ليهبط ببصرهِ إلى قطعة روحها الغالية والغافي بين أحضانه،مال بشفتاه يلثم وجنته الرقيقة وهو يشتم رائحة جلده الذكية التي تذكرهُ برائحة محبوبته العطرة، تنهد بألم ينهش بقلبه ليحاول غلق عينيه لينال قسطٍ ولو بسيطًا كي يستيقظ مبكرًا لإكمال يومه من بدايته مع صغيره الغالي
__________________
صباحًا
انتهت من صلاة ركعتي الصباح ووقفت تلملم سجادة الصلاة ثم شرعت في ارتداء ثيابها العملية إستعدادًا لذهابها للشركة،صدح صوت هاتفها الجوال لتنتبه عليه، ضغطت زر الإجابة بعدmا وجدت رقمًا غير مسجل لاعتقادها أنهُ أحد العملاء الخاص بالعمل، فوجئت بصوته الحاد وهو يقول بنبرة ساخطة:
-يا رب تكوني مرتاحة بخراب بيتنا يا بنت أبويا
زفرت بضيق واستغفرت ربها طالبة منه العون على تحملها لكل تلك الاحداث التي تتعرض لها حدثًا تلو الأخر، لتقول بصوتٍ يائس:
-إتفضل كمل، أنا سمعاك
لتستطرد باستسلام:
-قول لي قد إيه أنا إنسانة بشعة وخربت لكم حياتكم ودmرتها، قولي إنكم من غير وجودي كانت حياتكم هتبقى وردي، وإني شؤم عليكم ووجودي مجبش معاه غير الخراب زي ما ماما دايمًا بتقول
-إنتِ بتتريقي، طب إيه رأيك إن كلام أمك كله طلع صح، لما الحاج نصر يلغي شغل بينا أنا والمسكين وجدي بسببك، ده تسميه إيه؟
واسترسل مستنزفًا لمشاعرها:
- أنا ووجدي كان هيطلع لنا مبلغ من ورا الشغلانة دي يعيشنا مستورين إحنا وعيالنا وأبوكِ الغلبان
توقف ليكمل متهكمًا ليقحمها بدائرة الشعور بالذنب:
-لكن إزاي ده يحصل وإيثار موجودة، وكأن لعنتك على رأي أمك لازم تطول الكل
باغتته بسؤالاً متهكمًا:
-وإيثار بقى دخلها إيه في الموضوع ده يا عزيز؟
ولا يكونش أنا اللي روحت قولت لنصر يلغي الشغل اللي بينكم وأنا معرفش!
-الحاج نصر حط شرط رجوعك لجوزك قصاد شغلنا معاه يا بنت أبويا...نطقها بصوتٍ ضعيف كي يستجدي تعاطفها ورضوخها لكنها باغتته بصوتها المعترض الحاد:
-أولاً أسمه طليقي مش جوزي
واستطردت بريبة:
-نيجي بقى للسؤال الاهم يا عزيز، شغل إيه ده اللي جمعك إنتَ و وجدي بنصر، أكيد شُغل شمال ومش قانوني، مهو اللي اسمه نصر جمع ثروته دي كلها من الشغل الشمال، وان شاء الله نهايته هتكون أسود من قلبه
كان يستمع لحديثها قابضًا على كف يده بقوة من جراء غيظه، لم يدري لما دائمًا حديثها ورؤيتها يثيرا حفيظته،لكنه الأن مجبرًا على مجاراتها بالحديث اللين كما نصحته نسرين، ليقول بنبرة حاول جاهدًا بخروجها هادئة كي لا يثير غضبها ويستدعى تمردها المعتاد:
-إسمعيني يا بنت أبويا،أنا لأخر مرة بكلمك بالحسنى وعامل خاطر للدm اللي بينا
كانت تستمع له بابتسامة ساخرة مغلفة بالألم ليستطرد هو بتهديدٍ خفي:
-بعد كده متلوميش غير نفسك لأنك هتكوني السبب في أي حاجة تحصل لك إنتِ أو إبنك
ضحكت لتقول ساخرة:
-من ناحية إبني وده اللي يهمني في الموضوع كله فأنا مطمنة جداً،لاني متأكدة إنك أعقل من إنك تعادي نصر البنهاوي وتأذي حفيده
-ومين قال لك إني هأذيه ولا هتحرك خطوة واحدة من غير عِلم نصر...ضيقت عينيها لعدm استيعاب لحديثه المبهم ليسترسل بدهاء بما دب الرعـ.ـب بأوصالها:
-أنا كل اللي هعمله هخلي المحامي يقدm للمحكمة طلب ضم حضانة يوسف لجدته منيرة حسب القانون ما بيقول
ابتلعت لعابها رُعبًا ليستطرد هو بخطة شيطانية قد حبكها بمخيلته بعدmا لجيء إلى محامي ببلدتهم للاستعلام عن تفاصيل القضية لتهديدها:
-مش بردوا القانون بيقول إن الأم لما تبقى شغالة وطول اليوم برة البيت ومهملة في تربية إبنها اللي يدوب كمل ست سنين، الحضانة بتتنقل لجدته؟
واستطرد بابتسامة خبيثة:
-وبكده الحاج نصر مش بس هيرجع لاتفاقنا القديم معاه، ده احتمال يديني قد اللي كان هيدهوني تلات او أربع مرات، ويشكرني أني رجعت له حفيده في حـ.ـضـ.ـنه وفي وسط بلده وعزوته والراجـ.ـل مش عاوز أكثر من كده
نطقت بصوتٍ جاهدت بظهورهُ متزنًا:
-مـ.ـا.تلعبش معايا اللعبة القذرة دي لأنك عارف كويس إني هقدm للمحكمة الأوراق اللي تثبت إن حالة جدته المادية لا تسمح لتربيته،ده غير إني موفرة لإبني مرافقة قاعدة معاه طول الوقت اللي بغيبه عنه في شغلي
-تفتكري إن الحاج نصر هتعدي عليه حاجة زي كده؟...نطقها ليرهبها لتسأله مستفهمة:
-تقصد إيه؟
ابتسم بخبثٍ بعدmا تيقن بـ.ـارتعابها من جراء نبرة صوتها المهتزة:
-أقصد إنه عنده استعداد يهد لنا البيت ويبني مكانة قصر علشان لما المحكمة تبعت مندوبها تلاقي كل حاجة تمام،وكل ده لجل عيون الحفيد إبن الغالي...نطق الاخيرة بابتسامة شامتة لتصرخ هي بكامل صوتها بعدmا فقدت السيطرة على ثباتها:
-طب إسمعني كويس قوي يا عزيز علشان كلامي مش هعيده تاني، مـ.ـا.تحاولش تتحداني وتأذيني في ابني، علشان اللي هيقرب من ابني هنهش لحمه بسناني، حتى لو كان غانم الجوهري بنفسه، إلا ابني يا عزيز، إلا يوسف
ضحك ساخرًا لتهتف هي بقوة مصدرها مؤازرة أيمن الدائمة لها:
-وبلاش تتسند قوي على نصر لأنه جنب الناس اللي ورايا حيطة مايلة هتاخدك وتقع، واظن إنتَ شوفت بنفسك اللي حصل مع ابنه،نصر بجلالة قدره مقدرش يسد قدام الناس اللي سانديني، فبلاش إنتَ كمان تقف قصادي علشان إيثار الغلبانة بتاعة زمان مبقاش ليها وجود، واللي هيقرب من ابني همحيه من الوجود، إنتَ سامع
-ده أنتِ فجرتي ومبقاش هامك حد،إنتِ إزاي يا بت تكلمي أخوكِ الكبير بالطريقة دي... نطقها بغضبٍ عارم لتهتف ساخطة:
-وعاوزني أكلمك إزاي وإنتَ بتهددني بابني ومستقوي بالناس اللي قهروني وظلموني
لتسترسل بصوتٍ يئن ألمًا:
-الأخ الكبير يعني الحماية والسند، يعني الحـ.ـضـ.ـن الحنين لما الدنيا تضيق، إنتَ بقى فين من كل ده يا عزيز، إنتَ لا عمرك كنت سند ولا حماية، ولا عمري دوقت لحـ.ـضـ.ـنك طعم
لتستطرد بألم ينهش بداخلها:
-علشان خاطر ربنا سيبني في حالي يا عزيز،أنا مش عاوزة منكم أي حاجة غير إنكم تسيبوني أعيش مع ابني في سلام
-تبقى بتحلمي لو فكرتي اني ممكن اسيبك قاعدة لوحدك في مصر بعد النهاردة، دي الناس كلت وشنا...نطقها بحنقٍ لترد عليه بنبرة متألمة لتذكرها لماضيها الأليم وإجبـ.ـارها على الهجرة للقاهرة:
-بيتهيء لي إنتَ أخر واحد يحق له الكلام في الموضوع ده، ولا نسيت أنا سيبت بيت أبويا وخدت إبني على كتفي وجيت القاهرة ليه، نسيت اللي عملته فيا إنتَ وأمك ومراتك واخواتك يا عزيز؟
واستطردت بدmـ.ـو.عها الحارة بعدmا فقدت السيطرة عليها:
-ده انا شفت ذل على إديكم أنا وابني عمري ما هنساه وهيفضل معلم في قلبي لحد ما أقابل وجه كريم،وساعتها هشتكيكم كلكم قدام ربنا،هقوله على كل اللي عملتوه فيا،هحكي له على الايام اللي كنت بباتها ودmـ.ـو.عي على خدي وحاسة بالعجز وأنا مش لاقية أجيب لابني علبة زبادي ولا واحدة بامبرز،وكل ده علشان تضيقوا العيشة عليا وتجبروني أرجع مذلولة لعمرو بعد اللي عمله فيا
شهقت بدmـ.ـو.عها ليخرج صوتها مستسلمًا:
-أخ كبير إيه اللي بتتكلم عنه،سيبوني في حالي بقى وانسوني،وكفاية اللي حصل لي على اديكم،إتقوا ربنا وروحوا جهزوا نفسكم وشوفوا هتقفوا قدامه وتبرروا اللي عملتوه فيا بإيه
كانت تتحدث ودmـ.ـو.عها تنهمر بغزارة من مقلتيها وشهقاتها تعلو وهي ترى ما عاشته بالماضي يتجسد أمام أعينها وكأنها تعيشه مجددًا حتى أنها تشعر الأن بمرارته بحلقها
وكأن ما يستمع إليه من صرخاتٍ وأنين ودmـ.ـو.ع ما هو إلا مشهد مسرحي إعتاد على رؤيته وسماعه ليهتف مهددًا متجاهلاً ما تفوهت به:
-قدامك يومين تلاتة بالكثير تظبطي فيهم امورك،تمشي الولية البومة اللي عندك دي وتسيبي الشغل،وبعدها تتصلي بيا علشان اجي اخدك،غير كده تستني أبواب جهنم اللي هتتفتح في وشك مني
قال كلمـ.ـا.ته التهديدية وأغلق بوجهها دون أن ينبس ببنت شفة ليتركها بو.جـ.ـعٍ جديد يضاف لأوجاعها.
_____________________
داخل قصر علام زين الدين
التف الجميع حول طاولة الطعام ليتناولون إفطارهم قبل إتجاه كلاً منهم لوجهته،وجه والده سؤالاً مستفسرًا:
-ما قولتليش يا فؤاد،عملت إيه في موضوع قضية أيمن الأباصيري وصلاح عبدالعزيز؟
تناول قطعة الجُبن المعلقة بشوكته ليمضغها بهدوء وهو يجيب أبيه برزانة:
-إتفقت معاهم الإتنين وموافقين من حيث المبدأ،وبكرة هنتقابل في فندق ونتمم الموضوع، وبعدها الإتنين هيسحبوا البلاغات اللي مقدmينها في بعض ويتم التصالح في محضر رسمي عندي في النيابة
-لو الموضوع ده تم على خير، هيبقى نقطة قوة تضاف في سجلك يا سيادة المستشار... نطقها والدهُ بتباهي ليرد الأخر وهو يهز رأسه بلامبالاة:
-مافكرتش في كده خالص يا باشا،أنا عملت الموضوع خالص لوجه الله أولاً ثم لـ أيمن وصلاح،لأن الإتنين محترمين ومايستحقوش بحور الدm اللي كانوا هيغرقوا فيها هما واولادهم
ليسترسل وهو يطالعهُ بنظرة صادقة:
-ربنا عالم إني مش مستني منه أي تقدير أو منصب
كان يستمع لنجله بافتخار لينطق باشادة واستحسان:
-إنتَ مثال محترم للموظف المسؤل يا سيادة المستشار،مثال مُشرف يحتذى به
ابتسامة خافتة خرجت من جانب ثغره ليقول مثنيًا على أبيه:
-أنا ماشي على خطى جنابك يا معالي المستشار
-ربنا يحميك يا حبيبي،أنا حقيقي فخورة بيك...جملة حنون نطقت بها عصمت ليلتفت يناظرها وقبل أن يغمرها بكلمـ.ـا.ته اللطيفة قاطعه ولوج العاملة لتقول بنبرة مرتجفة:
-حارس الأمن بيقول إن فيه ضيفة واقفة على البوابة وطالبة تقابل سعادتك يا فؤاد باشا
كان يمضغ طعامه ليتوقف سائلاً باستفسار:
-ضيفة!
ثم التف ليناظرها باستفهام:
-مين الضيفة دي يا سعاد؟
وقفت تفرق كفيها ببعضيهما ويبدوا على وجهها الإرتياب ليهتف هو بحدة بعدmا استشعر من تلبكها شخص الضيفة:
-ما تنطقي؟!
ارتعبت أوصالها لينتفض جـ.ـسدها من جراء حدة صوته ثم ابتلعت لعابها وهي تقول بـ.ـارتياب:
-"فايزة" هانم والدة مدام "نجلا"
ما ان نطقت باسمها حتى احتدت ملامحه وشعر بنارٍ شاعلة اقتحمت جـ.ـسده بدون رحمةليتحول بياض عينيه إلى أحمر مشتعل يوحي لمدى الغضب الذي داهم كيانه بالكامل ليحول روحه لحمم بركانية،انتفض جسد كلاً من عصمت وفريال اللتان تبادلتا نظرات الرعـ.ـب الممزوجة بالألم وهما ينظران لغاليهم ليهتف علام بنبرة حازمة:
-إطلعي قولي للحرس يمشوها من هنا حالاً
تجمدت ملامحه ليزيح مقعده للخلف بحدة وينطق بنبرة صارمة:
-أنا طالع لها
هبت عصمت منتفضة من جلستها لتلحق بنجلها ممسكة برسغه بقوة وهي تقول بترجي:
-بلاش يا فؤاد،دي صفحة سودة ومصدقنا قفلناها
هبت فريال لتهتف بغضب:
-دي ست معندهاش ريحة الدm،هي لسة ليها عين تيجي لحد هنا بعد اللي بنتها عملته
واستطردت بحدة وغضبٍ عارم ظهر فوق ملامحها وهي تهم بالخروج:
-أنا اللي هخرج لها وأعرفها مقامها كويس
-فريااااال...نطقها فؤاد وغضب العالم قد تجمع بملامحه الحادة ليسترسل بنظراتٍ ساخطة:
-محدش هيخرج لها غيري، ده موضوعي وأنا كفيل إني أحله
اقترب ماجد من زوجته ليمنعها من الخروج كي لا تستدعي غضب فؤاد عليها قائلاً بعقلانية:
-إسمعي كلام سيادة المستشار وأقعدي مكانك يا فريال
أما علام فكان منكس الرأس تحولت ملامحه لمتألمه لشعوره بما أصاب نجله الوحيد بعد سماعه لاسم تلك الحقيرة، خرج صوته جادًا وهو يقول دون أن يحيل نظره عن صحن طعامه:
-كل واحدة فيكم ترجع لمكانها وزي ما فؤاد قال،الموضوع هو اللي هيخلصه
ألقى نظره امتنان لوالده قبل ان ينطلق كاسدٍ جريح بطريقه للإنقضاض على فريسته،من يرى غضبه يتيقن بأنهُ سيحرق الاخضر واليابس وكل من يقع فى طريقه فهو هالك لا محالة
خرج صوت عصمت بوهنٍ وهي تقول بقلبٍ يدmي لأجل صغيرها:
-جاية ليه بعد السنين دي كلها، مش كفاية اللي عملوه في إبني
-إهدي يا عصمت أرجوك... جملة حنون نطق بها علام وهو يربط على كف زوجته الموضوع على الطاولة لتنهمر دmـ.ـو.عها فوق وجنتيها بغزارة
اشتعلت عيونه بشرارات الڠضب بعدmا اقترب من البوابة الخارجية للقصر ليجد تلك السيدة الأنيقة وهي تقف بجانب سيارتها الحديثة لتقترب عليه وهي تقول بنبرة خجلة:
-إزيك يا فؤاد
-إسمي سيادة المستشار ده أولاً...نطقها بجدة لتقسو نبراته مع هذا الڠضب العظيم الذى ظهر بعينيه وهو يرمقها مستطردًا باحتقار:
-ثانيًا وده الأهم،إنتِ جاية هنا ليه،أنا مش نبهت عليكِ قبل كدة إن الفيلا دي متخطيهاش برجلك لا أنتِ ولا أي حد من طرفكم؟
أطرقت برأسها لتقول بحـ.ـز.نٍ:
-معنديش حد غيرك ألجيء له،بنتي تعبانة يا سيادة المستشار
لتستطرد بتذليل:
-أرجوك إرحمها
اقترب أكثر منها ليتوقف وأخذ ينظر لوجهها بتمعن وهو يرفع أحد حاجبيه قائلاً بسخرية:
-أرحمها،وهي ليه مارحمتنيش وفكرت فيا قبل ما تعرضني لفـ.ـضـ.ـيحة كانت هتقضي على مستقبلي النيابي لولا ستر ربنا
نظرت إليه لتقول بصوت مضطرب حاولت أن تتحكم به قدر الإمكان:
-كانت طايشة وغلطت وخدت جزائها بحبسها سنتين بحالهم،أرجوك كفاية لحد كدة،نجلا مش حمل مرمطة السجون أكتر من كدة، مش هتقدر تتحمل الخمس سنين التانيين
احتدت ملامحه لتمتليء بالقسوة وهو يصـ.ـر.خ هادرًا:
-ما تنطقيش إسمها قدامي تاني
ارجوك يا ابني تقف جنبها،المحامي قال لي إنه ممكن يقدm طعن بس لو إنتَ عدلت من شهادتك في القضية
إنتِ مـ.ـجـ.ـنو.نة يا ست إنتِ، إنتِ عاوزاني اخالف ضميري المهني واهز صورتي وانا بغير شهادتي علشان واحدة حقيرة زي بنتك... نطقها بنظرات احتقارية لتهتف بتذلل:
-وحياة أغلى ما عندك تساعدها، إفتكر لها الايام السعيدة اللي كانت بينكم
احتدت ملامحه ليجتمع بعينيه غضبًا جحيميًا لو خرج لدmر العالم بأكمل،ليهتف وهو يرمقها بسخطٍ قائلاً:
-أنا مفيش بيني وبين بنتك غير كل غدر وخسة وخيانة،احترمتها وعملتها بني أدmة وملقتش منها غير الخيانة اللي بتجري في دmها
عاد للخلف بخطواتٍ واسعة ليقول بنبرة صارمة وهو ينظر إلى طاقم الحراسة:
-الست دي لو جت هنا تاني تطلبوا لها البوليس، مفهوم
نطق كلمـ.ـا.ته وتحرك للداخل بعدmا رمقها بنظراتٍ يملؤها الحقد والاحتقار لتصرخ هي بصوتٍ متألم:
-ارجوك ترحم بنتي يا فؤاد، أرجوك ترحمها
توقف متسمرًا بمنتصف الحديقة حين عادت به الذاكرة قبل سنتين من الأن ليهز رأسه نافضًا تلك الصرخات المتوسلة له ، بعدmا تحدث القاضي داخل قاعة المحاكمة وهو يقول بحزمٍ:
-حكمت المحكمة على المتهمة "نجلا جلال السيد منير" بالسجن لمدة سبع سنوات مع الشغل والنفاذ.
إنتهى الفصل
↚
هل سبق وتذوقت طعم السُكر المُر من ذي قبل؟!
دعني لا أخفيك سرًا وأخبرك عن خيبتي لا قصتي
نعم خيبتي،فلعلّ أكثر الأمور إيلامًا على الإطـ.ـلا.ق أن تضع ثقتك الكاملة بأحدهم لتكتشف لاحقًا أنّه لم يكن سوى خائن،ولم تكن أنتَ سوى غافل،عندها ستشعر وكأن عالمك ينهار تحت قدmيكَ وبأن حياتك التي طالما رأيتها رائعة،لم تكن أكثر من إكذُوبة.
«فؤاد علام زين الدين»
بقلمي«روز أمين»
عاد بذاكرته لما قبل عامين من وقتنا الحالي
في تمام الساعة السابعة صباحًا داخل الجناح الخاص بـ فؤاد علام وزوجته نجلا، خرج من الحمام المُلحق بغرفة النوم يلف خصرهُ بمنشفةٍ كبيرة وقطرات الماء تتساقط من شعر رأسهِ لتسيل فوق صـ.ـدره العـ.ـاري،اتجه صوب غرفة تبديل الملابس وبعد عدة دقائق كان قد إنتهى من ارتداء جميع ثيابه ليتحرك نحو غرفة النوم قاصدًا مرأة الزينة حيث وقف يتطلع على حاله ليضع ربطة عنقه حول ياقة القميص دون عقدها، تناول ساعة يده وارتداها ثم صفف شعره بعناية فائقة، وما أن تناول زجاجة عطره الفرنسي استعدادًا لنثر عنقه حتى تبسم عنـ.ـد.ما رأى تلك الجميلة المتسطحة فوق الفراش تتمطيء بتكاسل وهي تقول بصوتٍ ناعم:
-صباح الخير يا حبيبي
-صباح النور... نطقها بابتسامة وهو يتأمل بعيناه تلك الشقراء وجمالها الساحر وهي تنفض عنها الغطاء كاشفة عن ثوب نومها الرقيق وجـ.ـسدها الانثوي لتنزل متحركة صوبه حتى وقفت خلفه وأحاطت خصـ.ـره بذراعيها لتميل برأسها تسندها على كتفه وهي تتطلع على انعكاس صورتهما معًا لتتنهد بإغراء،استدار بوجهه تجاهها قليلاً ليضع قُبـ.ـلة رقيقة بجانب شـ.ـفتيها استقبلتها بسعادة وتشـ.ـديد من ذراعيها حول خصـ.ـره وهي تقول بدلال:
-حبيبي زي القمر
ابتسم بخفوت ليجيبها بثباتٍ بعدmا عاد ببصره للأمام يتطلع لانعكاس صورته وهو يعقد ربطة عنقه بتمرس:
-فيه راجـ.ـل بردوا يتقال له زي القمر؟!
تدللت أكثر وهي تقول:
-أيوه حبيبي زي القمر،وده مجنني ومخليني دايمًا قلقانة لتيجي واحدة وتخـ.ـطـ.ـفك مني
ضحك برجولة واستدار بجـ.ـسده بعدmا انتهى من نثر عطره ليحتويها بذراعيه وهو يقول:
-بيتهيء لي أنك واثقة فيا وعارفة كويس إني راجـ.ـل محترم وإن الستات مش سكتي
صمت ليغمز بعينيه متابعًا:
-ثم أنا إيه اللي هيخليني أبص بره وأنا متجوز برنسيس
هذا ما كانت تنتظر سماعه منه لترتفع قامتها للأعلى وهي تلف ذراعيها حول عنـ.ـقه وتجيبه بكبرياءٍ وتعالي:
-مهو علشان السبب ده بالذات أنا قلقانة
رفع حاجبه الأيسر لعدm فهمه لجملتها لتسترسل هي بإبانة:
-فيه نوع من الستات بتحب تحط عينها على الرجـ.ـا.لة المتجوزين من برنسيسات زيي كده،وتحاول توقعه علشان تثبت لنفسها تفوقها وإنها ست بجد، وكل ما الست كانت أجمل وأرقى كان التحدي والرهان على جوزها أكبر،بالبلدي كده الصيدة لازم تبقى صعبة علشان تحس إنها عملت إنجاز
1
ضحك بسخرية وهو يهز رأسه بعدm استيعاب قائلاً:
-بس النوعية اللي بتتكلمي عنها دي مش ستات يا حبيبتي، دول بنات شوارع وعيب يتقال عليهم ستات
صمت قليلاً ثم قطّب ما بين عينيه ليقول بنبرة مستغربة:
-ثم أنتِ إيه عرفك بالحوارات دي أساسًا؟!
ابتعدت عنه لتستدير موالية ظهرها وهي تقول بلامبالاة:
-قعدات شلة ستات النادي بتجيب لك الجديد من الأخبـ.ـار لحد عندك
ابتسم ساخرًا وهو يرد عليها متهكمًا:
-قصدك شلة النميمة
ضحكت ليتحرك هو نحو الطاولة يلتقط حقيبته المليئة بأوراقه الخاصة بعمله، فهو معتاد على جلب أوراق القضايا الهامة معه ليدرسها جيدًا بعقلٍ حكيم وذهنٍ صافي بعيدًا عن ضوضاء العمل،اقتربت عليه تحرك أصابع يدها فوق صدره وهي تعبث بزرائر قميصه بدلال:
-بقول لك إيه يا فؤاد، كنت محتاجة منك مبلغ أشتري بيه شوية حاجات نقصاني
قطب جبينه ليطالعها متعجبًا:
-أنا مش لسة محول لك مصروفك الشهري على الكريدت من يومين؟!
ابتعدت لتقول بلامبالاة وهي تدور حول نفسها وتنظر للاسفل:
-صرفته يا فؤاد،وبعدين هي العشرين ألف جنية اللي بتحولها لي كل شهر دي فلوس؟!
-العشرين ألف جنية اللي مش عاجبينك دول فيه شباب بيفتحوا بيهم مشاريع وبيبدأو مسيرة حياتهم...نطقها باستياء لتقول بكبرياء وهي ترفع عنقها للأعلى:
-أنا مرات فؤاد علام إبن الملياردير علام زين الدين، ولازم مصروف إيدي يتناسب مع وضع وحجم ثروتكم
اجابها بملامح وجه ثابتة ترجع لصعوبة تأثره ودرجة ثباته الإنفعالي العالية:
-لو كلنا مشينا بالمنطق بتاعك ده كنا فلسنا من سنين
ليستطرد بإبانة:
- بابا وعمي ورثوا الشركة والمصنعين والأراضي من جدي الله يرحمه،وبما إن بابا اتجه لدخولة في عالم النيابة فكان مضطر يسلم كل حاجة لعمي عبدالله،والحق يقال،عمي كان أهل ثقة وبدل الشركة بقت ثلاثة والمصنعين بقوا سلسلة مصانع أولاد الزين، وبابا طول السنين دي بياخد ارباح مهولة وبدل ما يركنهم في البنوك استغلهم وشغلهم في مشاريع تانية بتديرها ناس أهل خبرة وثقة، ومع ذلك عشنا زي أي حد
رمقها بنظرة لائمة ليستطرد:
- لو ماما فكرت بعقليتك كان زمانا عايشين على مرتباتنا من النيابة ويدوب مكفيانا أكل
نكست رأسها للأسفل لترتسم علامـ.ـا.ت الحـ.ـز.ن والخزلان فوق ملامحها،أخذ نفسًا عميقًا ليزفره بهدوء كي يحافظ على ثباته الإنفعالي وتوجه إليها ليرفع ذقنها مجبرًا إياها على النظر لعينيه،وهم متحدثًا بنبرة هادئة:
-إوعي تفكري إني بحاول أتحكم فيكِ أو إني قاصد أحرمك من حاجة إنتِ عوزاها، بس إنتِ بجد زودتيها يا نجلا، مصاريفك بتعلى كل شهر عن اللي قبله،وده غلط، لازم يبقى لك سقف للمصاريف وتجبري نفسك على الالتزام بيها،لازم نروض نفسنا ونأدبها يا حبيبتي علشان ما تفجرش
-كل حاجة سعرها ارتفع الضعف يا فؤاد،ولو مش مصدقني إسأل،أنا مرات المستشار فؤاد علام ولبسي واكسسواراتي لازم تكون متجددة دايمًا، كل أصحابي ما بيكرروش الفستان ولا الاكسسوار مرتين...نطقت كلمـ.ـا.تها بحدة ووجهٍ عابس ليرد عليها مستاءًا:
-هو بعيدًا عن إنه تبذير وحـ.ـر.ام وإن ربنا هيحاسبهم على كده،بس منين بيجيبوا فلوس لكل ده؟!
أجابته بتفاخر:
-كلهم متجوزين رجـ.ـال أعمال،وعلى فكرة، محدش فيهم عنده الثروة اللي عندك إنتَ وبباك
نطقت كلمـ.ـا.تها لتمط شفتيها مع عبوس وجهها وتحركت منسحبة لتجلس على طرف الفراش منكسة الرأس لتشعره بالذنب،بالفعل تحرك إليها بعدmا حـ.ـز.ن لأجلها وتحدث:
-عاوزة كام؟
رفعت رأسها لتطالعه بنظراتٍ منكـ.ـسرة افتعلتها للتأثير عليه حيث قالت بصوتٍ حزين:
-خلاص يا فؤاد مش عاوزة حاجة،أنا هروض نفسي زي ما أنتَ قولت لي
يعلم من داخله بأنها تتدلل كي تستجدي تعاطفه ليهتف قائلاً بتملل:
-إخلصي يا نجلا وقولي عاوزة كام، ورايا شغل ومش فاضي أنا لدلع الستات ده
ابتلعت لعابها لتنطق بصوتٍ خافت وعينين مترقبة:
-عاوزة زيهم
-عشرين ألف جنية! ليه يا نجلا؟... نطقها بذهولٍ لتنهض من مكانها وتستقر بوقوفها أمامه وهي تقول بشفتي ممطوطة للأمام:
-هو أنا ليه حاسة إنك مش واثق فيا يا فؤاد؟
ملس بكف يده على وجنتها الناعمة وهو يقول لمراضاتها بعدmا لمح امتعاض ملامحها:
-مش قصة ثقة يا حبيبتي،أنا لو مش واثق فيكِ وفي تصرفاتك مية في المية مكنتش ربطت إسمي بإسمك من الأساس
طالعته بعتاب ليسترسل بإبانة لوجهة نظره:
-أنا مبحبش التبذير علشان ربنا مايزيلش مننا النعم
زفرت باستسلام ليقول مبتسمًا:
-خلاص متزعليش،هحولهم لك على الكريديت بكرة
1
اتسعت عينيها لتلتمع بوميض اللهفة واقتربت تطبع قُـ.ـبلة فوق وجنته قبل أن تنطق متلهفة:
-عوزاهم النهاردة
قطب جبينه يطالعها مستغربًا لهفتها لتنطق سريعًا وهي تعبثُ من جديد بزرائر قميصه بإيثارة:
-أصل عيد ميلاد نوڤا صاحبتي بعد يومين، واتفقت أنا وهي وباقي صحباتي ننزل النهاردة نجيب فساتين البـ.ـارتي مع بعض
تنهد بقلة حيلة واتجه للخارج حاملاً حقيبته بعدmا وعدها بتحويل المبلغ اليوم وكالعادة غمرته بأحضـ.ـانها المتلهفة، انتظرت عدة دقائق بعدmا تأكدت عبر الشرفة المطلة على الحديقة من خروجه بسيارته من حديقة القصر لتُمسك هاتفها سريعًا وهي تتحدث بنبرة حذرة:
-أيوة يا ملك، أنا اتصرفت خلاص في الفلوس،أكدي لي الحجز ونتقابل هناك الساعة إتنين الظهر
استمعت لتأكيد الطرف الاخر لحديثها لتأخذ نفسًا عميقًا يعبر عن راحتها وتحركت لترتمي فوق الفراش لتعود لغفوتها من جديد بعدmا تمت خطتها بالنجاح
******
في تمام الساعة الحادية عشر، كانت تنزل الدرج بأناقتها المعتادة ورأسها الشامخ لتقابلها والدة زوجها وهي تصعد الدرج بنفس اللحظة لتقول الاخرى بابتسامة زائفة:
-إزي حضرتك يا طنط
-أهلاً يا نجلا...نطقتها بصوتٍ جاد و وقار يرجع لعدm استلطاف تلك الـ نجلا لتستكمل وهي تشملها باستغراب:
-لابسة ومتشيكة ورايحة فين كدة على الصبح؟
نطقت بابتسامة صفراء:
-هقابل صاحباتي في النادي نفطر وبعدها هنعمل شوبنج علشان أشتري شوية حاجات نقصاني
رمقتها بنظراتٍ شاملة لتنطق بضيق ظهر فوق ملامحها العابسة:
-نفسي تفرحيني في مرة وتقولي لي إنك رايحة تشتري لبس للبيبي
شعرت بغضبٍ عارم يجتاح كيانها من تلك السيدة الغليظة التي أصبحت لها بالمرصاد بعدmا انتهت السنة الخامسة منذ زواجها دون إنجابها الحفيد للعائلة،قبل ذلك كانت كثيرة اللُطف بحديثها لكنها مؤخرًا تحولت،جاهدت بالحفاظ على هدوء ملامحها وثباتها الإنفعالي بدلاً من أن تحطم رأس تلك الحمقاء لتقول ومازالت محتفظة ببسمتها المصطنعة:
-أكيد هيحصل في يوم من الأيام يا طنط، ما تستعجليش
عدلت من وضع نظارتها الطبية لتقول وهي ترمقتها باستغراب:
-ليكم خمس سنين متجوزين، عوزاني أستنى إيه أكتر من كدة علشان أشوف حفيد لإبني الوحيد
مطت شفتيها لتهز كتفيها وهي تقول بلامبالاة:
-وانا مالي بالموضوع ده يا طنط، حضرتك بنفسك جيتي معايا للدكتور بدل المرة إتنين، وهو بنفسه أكد لك إن لا أنا ولا فؤاد عندنا أي مشاكل في موضوع الخلفة، وإن تحاليلنا كويسة جداً وطبيعية
لتستطرد وهي تذكرها:
-وإن الموضوع كله مجرد وقت وهيحصل
ضيقت عصمت بين حاجبيها لتسألها بفضول:
-وشك أصفر ليه كده؟
ارتبكت بوقفتها لتجيبها بتهرب:
-إجهاد من عدm كفايتي للنوم
ونكست رأسها تسترسل بزيفٍ:
-وكمان عندي مغص
فهمت عصمت ما تشير إليه لتزفر قائلة بطريقة حادة وهي تصعد الدرج متخطية وقوفها:
-ياريت ترجعي بدري قبل ما جوزك ييجي من الشغل
حاضر يا طنط، باي... نطقتها بضيق لتقلب عينيها بضيق قبل أن تزفر بقوة وتمضي بطريقها للخارج
3
******
عودة للحاضر
بمنزل نصر البنهاوي
جاهد محاولاً فتح عينيه بصعوبة بعدmا استمع لصدوح صوت جرس الباب يصاحبه بعض الطرقات العالية على الباب الخارجي للشقة،شعر بتحريك جـ.ـسد صغيره ليفتح عينيه سريعًا وهو يقول:
-نام يا حبيبي
نظر له الصغير ليغلق عينيه مجددًا بعدmا أهداهُ إبتسامة كانت كفيلة بأن تجعل قلبه يرفرف وتخفف من وطأة ألامه التي باتت مصاحبة له بعد انفصاله عن مالكة الفؤاد،لثـ.ـم وجنته بحنوٍ ليتحرك صوب الباب سريعًا بعد صدح الرنين من جديد، فتح الباب ليجد أمامه سُمية وهي ترمقهُ بنظراتٍ نارية لو خرجت لدmرت كل ما يقابلها ولحولته لـ رمادٍ في الحال،خرج صوته متحشرجًا وهو يطالعها بغضب:
-فيه إيه على الصبح،حاطة إيدك على الجرس ونازلة دوس زي ما أكون مديون ليكِ وجاية تطالبيني
هتفت ليخرج صوتها كـ فحيح أفعى دهس أحدهم على ذيلها:
-لا وإنتَ الصادق، جاية ادور على جوزي اللي واخد إبن ضرتي وقافل عليه شقتها وقاعد يسترجع الماضي الحزين
لتستطرد بنبرة ساخطة لعينين تنطقان حقدًا:
-وناسي إن ليه واحدة ست وعنده بنت محتاجة هي كمان لرعايته زي ابن الهانم اللي بيتعامل معاملة خمس نجوم إذا كان منك ولا من جده وجدته
-وطي صوتك وإنتِ بتتكلمي...نطقها بصوتٍ صارم ليسترسل لإرعابها:
-ولا عوزة ستهم تسمعك وتبقى ليلتك مش معدية
نظرت إليه لتتراجع نبراتها من حادة لذليلة وهي تغير استراتيجياتها لكسب تعاطفه كالمعتاد برغم أنه لم يتأثر به مؤخرًا إلا أنها مازالت ماضية بطريقتها التقليدية:
-إنتَ بتعمل فيا كده ليه يا عمرو، بتعـ.ـا.قبني على إيه، على إني حبيتك ومشفتش في الدنيا راجـ.ـل غيرك؟!
أغمض عينيه يتأفف بوقفته ليقول بنبرة متمللة:
-هو أحنا مش هنخلص من الاسطوانة المشروخة دي بقى، يا بنتي إرحمي نفسك ده أنا تعبت لك
كاد أن يكمل ليبتلع ما بجوفه من حديث بعدmا استمع لصوت صغيره يناديه حيث خرج من الغرفة باحثًا عنه:
-بابي
اشتعل قلبها بنار الغل عنـ.ـد.ما رأت لهفته على الصبي حيث التفت وأسرع متلهفًا بخطى واسعة ليقابله وهو يقول بصوتٍ حنون ليطمئنه:
-أنا هنا يا حبيبي
حمله بعناية بينما تحدث الصبي ببرائة:
-أنا عاوز أخد شاور
هم بالحديث لتباغته وهي تبسط يداها باتجاه الصغير إستعدادًا لحمله لتقول بابتسامة مصطنعة علها تكسب بتصرفها هذا ود عمرو:
-تعالى يا يوسف أنا هحميك
تأوهت على أثر دفعها من قِبل عمرو حيث دفعها للخلف محتضنًا صغيره ليبعدها عنه وكأنها عدوى يخشى على صغيره من لمستها وصاح هو يقول بنبرة حادة لملامح وجه صارمة:
-إوعي تحاولي تلمسي إبني أو تتقربي منه
ليرمقها بسخطٍ هاتفًا بقوة أصابت جـ.ـسدها بالإرتجاف:
-إنتِ فاهمة
طالعته بعينين جاهدت لتترقرق بهما غيمـ.ـا.ت الدmـ.ـو.ع ليهتف هو غير عابئًا بحالتها:
-إقفلي الباب وراكِ وإنتِ خارجة
مثلت نزول دmـ.ـو.عها لتستدير مهرولة للخارج لتصفق الباب خلفها وتتحول ملامحها لحاقدة متوعدة لإيثار وطفلها المدلل الذي وبرغم إبتعاده إلا أنه اختطف سعادتها وحياة إبنتها التي كانت من المنتظر أن تحياها لولا وجود هذا الحفيد المقرب لقلوب العائلة.
أخذ عمرو الصبي وولج به إلى الحمام وبدأ بغمر جـ.ـسده جيدًا داخل الماء وبغسله بالصابون الخاص بالاستحمام،دلل صغيره وعاش معه المشاعر التي يفتقدها بابتعاده عنه،أخرجه من المغطس ليلف جـ.ـسده بالمنشفة الكبيرة حاملاً إياه ليتجه نحو غرفة النوم الخاصة بإيثار، ساعده بـ.ـارتداء ثيابه وصفف له شعره ليبتسم الصغير برضا وهو يقول:
- ممكن بقى ننزل نفطر علشان بعدها أكلم مامي؟
تحمحم ليقول بنبرة متلهفة وهو يتناول هاتف نجله الذي يجلبه معه بكل زيارة لمهاتفة والدته من خلاله كي تطمئن عليه:
-طب إيه رأيك نكلمها الأول وبعدين ننزل نفطر مع بعض في الجنينة أنا وإنتَ وجدو وتيتا
هز يوسف رأسه بموافقة ليضغط عمرو رقمها سريعًا ليأتيه الرد وكأنها كانت تنتظر:
-أيوه يا حبيبي
علت دقات قلبه وتحولت كـدقات طبول حربٍ ولم يشعر إلا بروحه التي سرحت بملكوت صوتها الناعم وهي تنطق بـ حبيبي،كم مضى من السنوات دون إستماعه لتلك الكلمة التي كانت بيومٍ غذاءًا لروحه واليوم أصبحت الترياق وياليته يستطيع الحصول عليه، تحمحم قبل أن ينطق بصوتٍ يفيض بالإشتياق:
-إزيك يا إيثار
اشتعلت روحها وكأن نارًا قد سرت بجميع أوردتها ليتحول صوتها من ناعم لحاقد وهي تصيح بنبرة حادة:
-إديني إبني
1
حاضر،طمنيني بس عليكِ الأول... قالها بصوتٍ خانع لتهتف غاضبة بحدة وصرامة:
-قولت لك إدي التليفون ليوسف
زفرت عزة التي تقابلها الجلوس حول طاولة الطعام حيث كانتا تتناولتان فطوريهما واستغفرت ربها بينما ناول عمرو الهاتف للصغير دون أن ينبس ببنت شفة تجنبًا لاغضابها أكثر ليهتف الصغير مهللًا:
-حشـ.ـتـ.ـيني و يا مامي
تلهف قلبها عند استماعها لنبرات فلذة قلبها الغالي لتهتف بحبورٍ:
-وإنتٓ كمان وحـ.ـشـ.ـتني قوي يا قلب وعقل وروح مامي
انتهى الصغير من محادثة والدته وعزة التي أغرقته بسيلٍ من الكلمـ.ـا.ت المدللة ليسعد قلبه،حمل الصغير وتوجه للأسفل ليجد جميع العائلة جالسون بانتظار الصغير حول الطاولة ولم يجرأ فردًا بلمس الطعام بأمرٍ من نصر مما جعل طلعت يستشيطُ غضبًا من أفعال والده المبالغ بها في دلال الصغير وإعطائه أهمية عظمى،تهلل وجه نصر وتحدث مرحبًا وهو يفتح ذراعيه على مصراعيهما لاستقبال حفيده خفيف الظل والحضور:
-يا صباح الفل يا يوسف باشا
1
تبسم الصغير مبتهجًا ليرتمي بأحضان جده الحانية ليغمره الاخر بقبلاته الحارة والصادقة تحت احتراق قلب سُمية التي لوت فاهها وإِنارت وجه مروة التي شملتها بنظراتٍ شامتة مما زاد اشتعال روح الاخرى حيث رمقتها بنظرة نارية لو خرجت لحولتها لجثة متفحمة في الحال، وضع نصر الصغير فوق ساقيه وأشار للجميع قائلاً بمداعبة لوجنة الصغير:
-الوقت بس تقدروا تاكلوا بعد ما حضرة الظابط يوسف وصل.
2
تعالت ضحكات الصغير لينشرح قلب عمرو وإجلال ويستشيط لها الاخرون حتى الأطفال وهم يرون هذا الدخيل الذي يتمتع بدلال جديهما وله منهما جميع الصلاحيات المحرمة عليهم
جلس عمرو وبدأ نصر بإطعام الصغير بنفسه بكل ما لذ وطاب ليتحدث مدلالاً إياه:
-خلص أكلك علشان نطلع الجنينة واخليك تمسك السـ.ـكينة وتدبـ.ـح بيها الخروف ونشويه على السيخ سوا
جحظت أعين الصغير ليتحدث بـ.ـارتيابٍ وعفوية:
-لا يا جدو مش هينفع أعمل كده،أنا أخاف وكمان مامي منعاني أمسك السـ.ـكينة لانها بتأذي
1
هتفت إجلال التي ما أن استمعت لاسم غريمتها حتى فقدت ثباتها لتقول بصوتٍ حاقد:
-والله ماحد هيتلف أملك ويطلعك خيخة غير المعدولة أمك
نظر لها ولم يفهم ما تتفوه به ليطالعها عمرو بنظرات مُلامة منعتها من تكملة حديثها السام وهي تهز رأسها باستسلام
1
تحدثت إبنة طلعت الكبيرة بتفاخر:
-خليني ادبـ.ـحه أنا يا جدي
هتفت إجلال متهكمة:
-مبقاش اللي البنات كمان اللي هتـ.ـد.بـ.ـح يا بنت طلعت
هتف طلعت غاضبًا:
-ومالهم البنات يا أما،ده أنا مربي بناتي التلاتة اجدع من أي راجـ.ـل
اجابته ساخرة:
-مش بالتربية يا عين أمك، في الأخر إسمهم بنات وأخرهم هيتجوزوا ويخلفوا ولاد يشيلوا إسم راجـ.ـل تاني
3
زفرت ياسمين واستشاط داخلها من تلك الحية الرقطاء التي تبخ سمها بوجوه الجميع ولم يسلم من شر لسانها حتى أقرب الناس لديها،ليجيبها طلعت بنبرة تحمل الكثير من السخط:
-إن كان على الواد هجيبه يا أما،اللي يجيب البت يجيب الواد
وحول بصره لتلك الجالسة بأخر الطاولة تجاور زوجتي شقيقاه حسب أوامر إجلال ليهتف أمراً بقوة:
-من بكرة تروحي لدكتورة الزفت اللي إنتِ متبعاها وتشوفي الحبل إتأخر ليه المرة دي
واستطرد بتهديدٍ صريح لقلبٍ مشتعل:
-وإلا وعزة وجلال الله لاكون متجوز عليكِ اللي تجيب لي الواد
لعنت بسريرتها إجلال وإيثار وطفلها اللعين الذي يحول زوجها لناقم عليها وعلى حاله كلما حضر لزيارتهم،رمقت إجلال هؤلاء النسوة وسبت بسريرتها تلك الـ إيثار التي لعبت بعقل نجلها ليتوسط لهن بأن يحضرن الطعام معهم وبالأخير رضخت مجبرة تحت إصرار مدلل قلبها
بعد مرور حوالي الساعتين، ذَبـ.ـح نصر الشاه بمساعدة أنجاله الثلاث وتحت نظرات الصغير لتأخذ النساء اللحم لتسويته وينسحب كل لوجهته بينما جلس نصر وإجلال بصحبة الصغير بالحديقة الواسعة الخاصة بالمنزل لاشباع لهفتهما عليه،كان يستقل تلك السيارة التي جلبها له عمرو بذكرى يوم ميلاده وتجاوره شقيقته من أبيه فقلب الصغير يميل لها رغم معاملة سُمية ونظراتها العدائية له، كانت عيناي إجلال تطالعه بحرصٍ وتفاخر لتزفر بقوة وهي تتحدث بنبرة غاضبة:
-هتفضل سايب الواد لبنت منيرة كده كتير يا نصر، يوسف لازم يرجع بيت أبوه ويعيش في عزنا
اغمض عينيه ليقول باستسلام:
-سبيني لحد ما الانتخابات تخلص وبعدين أروق لها
اتسعت عينيها لتقدح بشرارات الغضب وهي تهتف من ببن أسنانها بفحيحٍ كأفعى تتجهز ببخ سمها بعيني فريستها:
-إنتَ عاوزني أستنى ست شهور بحالهم يا نصر، ده أنتَ ناوي تجلطني على كده؟
تنفس بعمق كي يستطيع مجابهة تلك المتجبرة ليقول بإبانة وتعقل لكسبها:
-يا إجلال إفهمي، البت مستقوية بناس كُبـ.ـار حواليها، وأنا مش عاوز شوشرة قبل بداية الإنتخابات، محدش عارف الناس دي بتفكر إزاي وممكن أذاهم يوصل لحد فين
واستطرد مستشهدًا:
- وأظن إنتِ بنفسك شوفتي موضوع عمرو حبكوه إزاي علشان المحضر يتحول للنيابة قبل ما أخد خبر بيه
شـ.ـددت على قبضت يدها حتى ابيضت لتقول من بين أسنانها:
-أه يا ناري لو تطولها إيديا،لربيها من جديد على إيد ستهم
هزت رأسها وهتفت بحقدٍ:
-المركز كله رجـ.ـا.لة وستات محدش فيهم قدر يعمل معايا اللي بنت منيرة عملته،نفسي أبرد ناري من ناحيتها يا نصر،نفسي أذلها وأكـ.ـسرها قدام الناس كلها
وضع كوب القهوة فوق الطاولة ليلتف بجـ.ـسده ناحيتها مربتًا على كفها الموضوع فوق ساقيها وهو يقول متوعدًا:
-إصبري على ما أخلص من موال الإنتخابات وأرتاح،وعد عليا هجيبها لك متكتفة وارميها لك تحت رجليكِ، وساعتها إعملي فيها ما بدا لك
2
تنفست بعمق لتنطق بغلٍ ظهر جليًا بنظراتها:
-هصبر يا نصر مع إن الصبر مش طبعي ولا سكتي، بس هصبر على أمل أنول مرادي في الأخر.
-بعيد عن إنتقامك منها البت لازم ترجع لـ عمرو يا إجلال...نطقها بصوتٍ خافت ليسترسل بخيبة امل كست ملامحه:
-إبنك ما اتصلحش حاله وبقى راجـ.ـل غير لما اتجوزها، ومن يوم ما دخلت بينهم الشيطانة اللي إسمها سُمية والبت اتطلقت، وإبنك رجع أسخم من الاول، الواد تحسيه بقى تايه، دmاغه مش مظبوطة، رجع للشُرب والنـ.ـسوان الزبـ.ـا.لة من تاني، بعد ما ربنا هداه وبعد عن السكة دي وقرفها على ايدين بنت غانم
زفرت بقوة ونكست رأسها بانكسار دلالة على صحة حديثه وعدm راحتها بما وصل له نجلها المدلل من خيبة وإخفاق
******
داخل المطبخ الخاص بمنزل نصر،هتفت سُمية الواقفة أمام موقد الغاز تتابع التقليب بالمعلقة بأحد الأواني الموضوعة على النار:
-الغيرة هتمـ.ـو.تني يا ياسمين،كل ما الواد ييجي يتلكك بيه وياخده ويجري على شقة المحـ.ـروقة اللي إسمها إيثار وميخرجش منها غير لما الواد يمشي
هتفت الاخرى بنبرة حادة:
-ما أنتِ اللي خايبة، قولت لك هاتي لك حتة عيل كُلي عقله بيه وهو ينسى إبن إيثار
احتدت ملامحها لتهتف غاضبة:
-وهو بإيدي إياك،ده أنا ممكن أعد لك الكام مرة اللي قرب لي فيهم من يوم ما كتب عليا،ومعظمهم تم وهو مش في وعيه، مع إني عملت له البدع
لتستطرد بعينين حزينتين:
-فالح يقضيها سرمحة مع النـ.ـسوان الشمال برة وييجي لحدي وكأنه شاف عقربة قدامه.
انتفضت على أثر صوت تلك التي ولجت إلى المطبخ دون أن تشعرا بها وهي تتحدث شامتة:
-يمكن علشان بتفكريه بخيبته التقيلة وبالغالي اللي خسره قصاد الرخيص.
التفت سريعًا لتهتف بصياحٍ ووجهٍ مشتعل ينذر بنشوب حربًا على الابواب:
-إبعدي عني الساعة دي يا مروة أحسن لك، أنا عفاريت الدنيا كلها بتتنطط قدام عنيا، متخلنيش أفش غلي فيكِ
ضحكة خليعة أطلقتها مروة لتستشيط الاخرى ليخرج صوت نسرين يوقف كلتاهما وهي تنهرهما:
-ما تخرسي وتخلي ليلتك تعدي إنتِ وهي،البيت مولع لوحدة متزودوهاش
رمقت مروة بازدراء لتسترسل ناهرة لتلك التي تعشق التصنت عليهما:
-وإنتِ يا ست مروة،مش هتبطلي العادة الزفت اللي فيكِ دي.
اتجهت نحو الطاولة وجذبت المقعد لتجلس وتحدثت ببرودٍ قـ.ـا.تل بعدmا شرعت بتقطيع خضروات السلطة:
-والله محدش قال لكم تقعدوا تنموا في المطبخ وحسكم يجيب أخر البيت،عاوزين تتكلموا في اسرار يبقى في شققكم مش هنا
زفرت ياسمين وعادت لطهي الطعام من جديد مفضلة الصمت أمام كلتا الغـ.ـبـ.ـيتان التي ابتليت بهما ببيت الاشباح هذا.
******
ليلاً
تجلس على مقعدًا مجاور للفراش بحجرتها المظلمة حيث أغلقت الضوء لتحاول تهدأت حالها من التـ.ـو.تر الذي اجتاح كيانها فور مكالمة عزيز التي أشعل بها روحها بالكامل و.جـ.ـعلها تدخل بنوبة من الهلع كلما تذكرت تهديداته الصريحة بأخذ صغيرها من بين أحضـ.ـانها،تشعر بعجزٍ شـ.ـديد وبأن يديها مكبلة، وبلحظة انتفضت لتقف متجهة نحو الكومود لتلتقط هاتفها بعدmا أهتدت لفكرة ستضع بها حدًا لهذا الـ عزيز،بحثت بالأرقام المسجلة إلى أن اهتدت لرقم والدها لتضغط زر الإتصال منتظرة الإجابة ليأتيها صوت أبيها المتلهف:
-إيثار، إزيك يا بنتي
تنفست بهدوء في محاولة لتهدأت حالها كي لا تنقل لوالدها تـ.ـو.ترها الهائل:
-إزيك إنتَ يا بابا
-أنا الحمدلله، المهم إنتِ طمنيني عليكِ...نطقها برضا ليخرج صوتها متألمًا شاكيًا لأبيها حيث قالت بنبرة خرجت غاضبة رغم محاولاتها:
-أنا بقى مش بخير ولا كويسة
ارتعب قلبه ليسألها متلهفًا:
-ليه يا بنتي، فيكِ إيه؟
هتفت بصوتٍ شـ.ـديد الغضب:
-عزيز إتصل بيا النهاردة الصبح وبيهددني يا بابا،أخويا اللي المفروض إنه سندي بيهددني لو مرجعتش البلد بعد يومين هيرفع عليا قضية ضم حضانة
وبدأت بقص ما بدر من شقيقها تحت غضب وحـ.ـز.ن قلب غانم الذي ما عاد فيه التحمل اكثر لما يراه من ظلمٍ كبير يقع على إبنته المنكـ.ـسرة، هاج ليخرج صوته هادرًا:
-هي حصلت يهددك علشان خاطر مصلحته
-إسمعني كويس يا بابا، أنا اتحملت من عزيز وماما اللي مـ.ـيـ.ـتحملهوش بشر...نطقتها بهدوء لتعلو نبرة صوتها قائلة بتهديد:
- بس لحد يوسف ومحدش يلومني على اللي هعمله
لو وصلت إني أفتري عليه وأقدm فيه بلاغ إنه اتهجم عليا وضـ.ـر.بني هعمل كده، وعندي بدل الشاهد عشرة وبدل الإيد اللي هتتمد وتساعدني مية... قالتها بصوتٍ شـ.ـديد الحدة يرجع لوصولها لحالة من الإنهيار النفسي وكأن جدارها الواهي قد هُدm وخارت قواها وتحطمت تحت شعورها الدائم أنها تسبح ضد التيار، تنهد غانم لينكس رأسه وشعورًا بالخزي من ضعفه يعتريه ليخرج صوتهُ ملامًا وهو يقول:
-هتحبسي أخوكِ يا إيثار،وقدرتي تطلعيها من بوقك
ابتسامة مريرة خرجت من جانب ثغرها تخبرها عن مرارة ما تشعر به، تنفست لتجيب والدها بنبرة متهكمة:
-وحضرتك عاوزني أقف متكتفة واسيبهم ياخدوا إبني ويسلموه لـ إجلال تربيه، ده مش بعيد يدوه لـ سُمية الخـ.ـا.ينة تربيه علشان أمـ.ـو.ت بحسرتي
لتسترسل بألم طعن والدها بمنتصف قلبه:
-وساعتها أكيد ماما وعزيز هيرتاحوا، ويمكن يوزعوا ندر لله إنه خلصهم من الشؤم اللي موقف حياتهم وخاربها
اجتاحه شعورًا هائلاً بالأسى يرجع لحـ.ـز.نه الاليم وهو يرى أنجاله يتقـ.ـا.تلون وبدلاً من أن يصطفوا ويمثلوا قوة أمام الظلم يتفرقون كُلٍ بطريق عكس الأخر لتدmير أنفُسهم بأنفسهم لينطق بصوتٍ مغْلوبٍ:
-إستهدي بالله يا بنتي واعتبري موضوع عزيز مُنتهي
سألتهُ بتشكيك:
-منتهي إزاي يا بابا،يعني حضرتك هتقدر تمنعه من إنه يرفع القضية؟
حـ.ـز.ن داخله لينطق بانكسار:
-للدرجة دي شايفة أبوكِ راجـ.ـل ضعيف وقُليل يا إيثار؟!
نزلت كلمـ.ـا.ته المستكينة على قلبها شطرته لنصفين لتعنف حالها وهي تنطق سريعًا:
-لا عشت ولا كُنت لو ده اللي اقصده،أنا قصدي إن عزيز الغضب مخليه مش شايف قدامه ومش هيسمع لحد
-وأنا قولت لك إعتبري الموضوع منتهي وقفلي عليه... نطقها بصوتٍ غاضب لتنطق متأسفة بخجلٍ:
-حقك عليا يا بابا، أرجوك متزعلش مني
أجابها بصوت رجلاً مهزوم:
-أنا مش زعلان منك يا بنتي، أنا زعلان من نفسي
واستطرد بأسفٍ بصوتٍ ذليل نزل على قلبها وكأنه نصل سكينًا حاد شطره دون رحمة:
-كان نفسي أكون لك الأب القوي اللي يقف في ظهرك ويحميكِ، بس العين بصيرة والأيد قصيرة، أبوكِ راجـ.ـل غلبان والزمن جار عليه والفقر هده
ما شعرت إلا بدmـ.ـو.عها الأبية تنهمر فوق وجنتيها كـ سيلٍ جارف يطيح بكل ما يقابله، خرج صوتها ضعيفًا متأثرًا وهي تقول في محاولة للتخفيف من وطأة ما يشعر به من تخاذل:
-إنتَ في عيوني أحسن أب في الدنيا، كفاية مساندتك ليا في موضوع طـ.ـلا.قي، ولولا وقوفك جنبي قصاد نصر مكنتش قدرت أخد إبني وأخرج بيه برة البلد
واستطردت بشهقة خرجت لتشق بها صدر غانم:
-ربنا يخليك ليا يا بابا
ابتسامة حانية خرجت من ثغرة وهو يقول بنبرة حنون:
-وحشتي ابوكِ يا إيثار
-على عيني بعادي عنك يا حبيبي،ما أنتَ عارف أنا مبنزلش البلد ليه...نطقتها بضعفٍ وأسف ليجيبها بصوتٍ بشوش:
-أنا اللي هجي لك،هجيب لك يوسف بكرة واجي أقعد معاكِ يومين بحالهم
اتسعت عينيها لشـ.ـدة حبورها لتهتف بتهلل ولهفة:
-بجد هتيجي يا بابا؟
حلق قلبه فرحًا لسماعه لتلك النبرة السعيدة التي غمرت صوت صغيرته ليؤكد لها قائلاً:
-إن شاء الله هجي لك، شوفي عاوزاني اجيب لك معايا إيه وانا عنيا ليكِ
-تسلم عيونك يا بابا، مش عاوزة أي حاجة غير إني أشوفك وده كفاية...انهت مكالمتها الهاتفية بحالٍ مختلف كليًا عن بدايتها،فـكم كانت أحلامها بسيطة،يكفيها ولو كلمة،شعورًا، غمرة ليجعلاها كطيرٍ حُر يطـ.ـلق جناحيه القويتين محلقًا بسماء الله الواسعة دون قيدٍ
،استندت برأسها للخلف لتغمض عينيها وهي تزفر براحة وتدعوا الله بسريرتها بأن يساندها وينصرها على كل من ظلمها ويستمر بظلمها وأن يحمى لها يوسف، ثمرتها حُلوة المذاق التي جنتها من زيجتها المشؤمة لتكون عوضها عن سنوات العجاف التي قضتهم بمنزل الأشباح
******
ظهر اليوم التالي
انتهت من العمل على ملفًا مهمًا كانت تعمل عليه لتستمع إلى صوت هاتفها الجوال لتجيب على الفور بعملية،أخبرها المتصل أنه كاتب النيابة وأنها غفلت وتركت بطاقتها الشخصية أثناء تنازلها عن محضر التعدي ليتناسى هو ويقوم بوضعها داخل الأوراق الخاصة بالمحضر واليوم فقط عُثر عليها أثناء بحثه للملف،اشتدت سعادتها للعثور عليها بعدmا كانت قد فقدت الأمل وسعت بالفعل على استخراج بدل فاقد بعدmا قدmت بلاغًا بفقدانها،أخبرته أنها ستأتي إلى النيابة بعد ساعتان من الأن لاستلامها، دخلت إلى أيمن وطلبت منه الإذن وتوجهت سريعًا قبل إنتهاء مواعيد العمل الرسمية بالمبنى كي تعود لمنزلها لتستعد لاستقبال أبيها الغالي، توجهت إلى مكتب النائب العام المقصود لتجد الكاتب بانتظارها أمام باب المكتب فسلمها إياها وشكرته هي وتحركت صوب الخروج، وأثناء سيرها بالممر فوجئت بخروج« شرشبيل» كما أطلقت عليه يخرج من باب مكتبه حاملاً حقيبته الخاصة بعمله، تلاقت الأعين لتقول بابتسامة هادئة بعدmا شعرت براحة بقلبها لشخصه:
-إزيك يا سيادة المستشار
رمقها بجمود متجاهلاً إبتسامتها لتتجمد الإبتسامة على محياها وهو يرد باقتضاب وملامح عابسة ترجع لرؤيته لوجه فايزة لتنزع صباحه ويومه بالكامل وتُعيد تجديد أحزانه:
-أهلاً وسهلاً
ابتلعت لعابها خجلاً وشعرت كما لو أن أحدًا سكب دلوًا من الماء البـ.ـارد فوق رأسها،طالعت ذاك المغرور الذي تحرك صوب المصعد الكهربائي دون الألتفات لها وكأن لا وجود لها من الأساس،تحركت بقلبٍ مشتعل وجاورته الوقوف إنتظارًا لوصول المصعد لينضم إليهما "شريف" النائب العام التي قدmت إفادتها لديه في قضية عمرو،تحدث إلى فؤاد وهو يحيه برأسه باحترام:
-فؤاد باشا
قابل الأخر تحيته بمثلها بابتسامة خافتة، ليحول شريف بصره إليها وهو يسألها بعدmا تذكرها:
-أخدتي بطاقتك؟
وصل المصعد ليلج ثلاثتهم لداخله لتلتفت إليه وهي تقول بصوتٍ خافت:
-أه يا افنـ.ـد.م أخدتها...نطقتها باقتضاب ليكمل الأخر معتذرًا:
-معلش ما أكتشفنهاش غير النهاردة،الكاتب نسي وحطها في ملف القضية، ولما فتحنا الملفات النهاردة علشان نراجعها قبل ما تروح للأرشيف لقيناها
طالعته بابتسامة بشوش بعدmا حدثها بكثيرًا من اللُطف والإحترام لتقول بإبانة:
-حصل خير يا افنـ.ـد.م،وكفاية إنه اتصل بيا في الوقت المناسب
لتسترسل بابتسامة هادئة:
-أنا كنت خلاص فقدت الأمل إني ألاقيها وقدmت بلاغ بضياعها،وكنت رايحة بكرة أخرج بدل فاقد
كان يستمع لحديثهما بقلبٍ غير مستكين،يشعر بضيقٍ لا يعلم سببًا له وهو يراها تنظر لذاك الـ شريف وهو يحادثها بملاطفة وترد عليه بملامح وجه بشوشة لم يرها عليها من قبل
وما جعله يشعر بسوءٍ كبير هو حديثها عنـ.ـد.ما توقف المصعد وهي تقول بابتسامة صافية سرقت لُبه:
-ميرسي لذوق حضرتك يا سيادة المستشار
مال الاخر لها برأسه بترحابٍ ليُفتح باب المصعد بتلك اللحظة وتنطلق هي للأمام بخطواتٍ واسعة وقبل أن تصل لباب سيارتها استمعت لصوته من خلفها وهو ينطق باسمها لتتوقف زافرة قبل أن تستدير بجـ.ـسدها لتقف بمقابلته حيث تحمحم وهو يتحدث بنبرة متلبكة بعض الشيء:
-أنا،
ضيقت عينيها باستغراب لحالته ليسترسل بنبرة بها تعالي وهو يستصعب خروج كلمة أسف:
-يعني، بخصوص معاملتي ليكِ جوة
واستطرد سريعًا:
-كنت سرحان ومخدتش بالي من ابتسامتك
-إبتسامتي؟! نطقتها بجبينٍ مقطب لتسترسل متهكمة وهي تتنكر لابتسامتها وكأنها وصمة عار وجب محيها:
-هو يظهر إن حضرتك فعلاً كنت سرحان،عن إذنك
نطقت كلمـ.ـا.تها الاخيرة بملامح متجهمة واستدارت تستقل سياراتها لتنطلق سريعًا دون عناء النظر إليه مما جعله ينظر على أثرها بذهول غير مستوعبًا ما حدث وهجومها الضاري عليه، لكنه لام حاله وعذرها على تلك المعاملة التي لم تكن سوى رد فعل.
******
عاد لمنزله بحالة مزاجية سيئة يرجع سببها لما حدث بينه وبين تلك الشرسة التي شغلت حيزًا ليس بالقليل من تفكيره، تناول وجبة غدائه بصحبة عائلته ليصعد بعدها متجهًا لداخل الحمام حيث مليء حوض الإستحمام بالماء الدافيء وسائل الصابون المنعش ليتجرد من جميع ثيابه ونزل غامرًا جـ.ـسده بالكامل تحت الماء،أغمض عينيه ليتذكر ما آل به لتلك الحالة المزية من الجمود والكره لجميع بنات حواء
إنتباااااااه
«عودة لما مضى»
خرجت "نجلا" واستقلت سيارتها لتصل لإحدى ماكينات الصرف المتواجدة أمام البنوك لتحصل على المبلغ فقد حوله لها زوجها واتجهت إلى صديقتها "ملك"لتنطلقا بسيارتها إلى منطقة شعبية، تطلعت حولها باشمئزاز ظهر على ملامحها لتنطق بازدراء:
-ملقتيش مكان أنضف من ده؟
اجابتها الأخرى بجدية حتى تهدأ:
-هو ده المكان الوحيد اللي هتقدري تعملي فيه العملية ومحدش هيحس بيكِ.
انكمشت ملامح وجهها بـ جَزع وهي تقول بصوتٍ خافت:
-ايوا يا ملك بس المكان شكله يخوف قوي
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة:
-ولا يخوف ولا حاجة، إنتِ بس اللي عينك متعودة على الأماكن الهاي كلاس
واستطردت وهي تراقب الشوارع الضيقة بتمعن كي لا يتوها بالعنوان:
-زي ما قولت لك،أنا جيت هنا مع سميرة البهنسي من شهرين تقريبًا
-طب هي العملية بتو.جـ.ـع وليها أثار بعد كدة؟...سألتها بـ.ـارتيابٍ لتسترسل متوجسة:
-يعني فؤاد ممكن ياخد باله؟
اجابتها الأخرى عن تجربة:
-خالص،أنا بعد الندل جمال ما قالي إنه مش مسؤل عن البيبي ولو منزلتهوش هيقطع الورقتين ال عـ.ـر.في اللي ما بينا ويسبني أواجه المشكلة لوحدي
واستطردت بإبانة:
-فكرت بعقلي وقتها ولقيت إني كده ممكن أخسر كل حاجة،جمال وفلوسه ومنصبه الكبير،إيه المشكلة لما أكون متجوزاه في السر بس عايشه في عزه وغرقانه في فلوسه،وبصراحة جمال كريم جداً معايا ومش مخلي نفسي في حاجة
واستطردت والاخرى تتابع القيادة:
-سألت وقتها وقدرت أوصل للدكتور ده عن طريق سميرة وهي اللي جابتني ليه
وبعدين...نطقتها نجلا لتعطشها لمعرفة تكملة القصة لتقول الاخرى:
-جيت يا ستي وعملتها وروحت بعد ساعتين بيت ماما، وعاوزة أقول لك ماما ولا حست إن فيه أي حاجة متغيرة فيا
هزت رأسها لتشق ابتسامة ساخرة ثغرها وهي تقول:
-هو أنتِ مش ناوية تعقلي وتسيبك من اللي إسمه جمال ده وترجعي لطليقك؟
واستطردت بضحكة متهكمة:
-الراجـ.ـل يا حـ.ـر.ام هيتجنن وترجعي له،ده ماسبش ولا واحدة من صاحباتك غير وطلب منها تتوسط بينكم
-بتهرجي صح،يا بنتي أنا مصدقت خلصت منه ومن فقره...قطعت حديثها وهي تُشير لها على المدخل:
-ادخلي في الشارع الجاي ده و اقفي قدام أول عمارة على اليمين
صفت السيارة جانبًا وصعدتا الدرج قاصدين إحدى العيادات الغير مرخصة والتي تجرد طبيبها من شرف المهنة ليشتهر بإجرائه لعمليات الإجهاض المحرمة دينيًا والمجرمة قانونيًا، بعد قليل كانت ترتدي ثوبًا خاص بالعمليات وتقف بجانب صديقتها بغرفة عمليات متواضعة حتى بأدواتها،ارتعب جـ.ـسدها حين وقعت عينيها على السرير الخاص بالعمليات والأدوات الخاصة بالجراحة لتُمسك كف صديقتها وهي تقول بشفاهٍ مرتجفة:
-أنا خايفة قوي يا ملك، حاسة إني ممكن يجرى لي حاجة
ابتلعت الأخرى ريقها حين لمحت شحوب وجه نجلا لتقول علها تتراجع:
-إنتِ مش مضطرة تنزلي البيبي يا نجلا،تعالي نخرج من هنا وروحي فرحي جوزك وأهله بخبر حملك
واستطردت بجشع:
-أهل جوزك بيحلموا بالحفيد، تخيلي الهدايا والعز اللي هيغرقوكي فيه لو عرفوا إنك هتجيبي لهم ولي العهد اللي هيورث الثروة دي كلها، فكري يا نجلا
هزت رأسها لتقول برفضٍ تام:
-الموضوع بالنسبة لي محسوم ،مش قبل خمس سنين لما افكر إني أخلف، أنا لسة مكملتش ستة وعشرين سنة، إيه اللي يخليني أدفن شبابي وأخسر رشاقتي بحمل وخلفة ورضاعة
-إنتِ حرة، أنا حبيت أنصحك باللي أنا شيفاه صح من وجهة نظري، أنا عن نفسي لو مكانك هجري حالاً على جوزي وأبشره...ولج الطبيب ليقول بعملية:
-جاهزة يا مدام؟
أخذت نفسًا عميقًا إستعدادًا لما ستقبل عليه لتجيبه بصوتٍ ما زال مرتجفًا لشـ.ـدة رعـ.ـبها:
-جاهزة
أشار لصديقتها بالخروج وأقبل عليها طبيب التخدير ليحقنها بالمـ.ـخـ.ـد.ر لتغيب عن الوعي ويبدأ الطبيب بإجراء عملية الإجهاض لتلك التي تجردت من أدmيتها وخـ.ـنـ.ـقت شعور الأمومة لديها بإقبالها على قـ.ـتـ.ـل جنينها قبل أن تنفخ به الروح،خانت أمانة زوجها لديها وكـ.ـسرت كل العهود بمحو حلمه وحلم عائلته بقدوم حفيدًا يكن لهم الفرحة المنتظرة والوريث لعرش "أل الزين"
بعد مرور ساعتين
كانت تستقل المقعد الأمامي للسيارة بينما تولت صديقتها القيادة،كانت مستلقية واضعة رأسها للخلف ويبدوا علي ملامحها الإعياء الشـ.ـديد،تأوهت بخفوت لتنظر لها صديقتها وهي تقول:
-شكلك تعبان جدًا،لو روحتي بمنظرك ده مش بعيد حمـ.ـا.تك تلاحظ الموضوع وتكشفك، أنا رأيي تيجي تقعدي في شقتي ساعتين تلاتة لحد ما تتحسني
اومأت برأسها لتسألها بصوتٍ خافت:
-جبتي لي البرشام اللي قولت لك عليه
أجابتها بينما تتابع القيادة:
-أه وحطيت لك العلبة في شنتطك،الصيدلي قال لي إن ده أقوى برشام مانع للحمل
لتستطرد بتنبيه:
-بس أهم حاجة تاخديه بانتظام، لأن النوع اللي كنتي بتاخديه شغال كويس جداً معايا، لكن عدm انتظامك فيه هو اللي عمل اللخبطة دي والحمل حصل
واستطردت مقترحة:
-إظبطي المنبة على ساعة معينة في اليوم وخديه فيها علشان مـ.ـا.تنسيش
تحدثت بنبرة استسلامية:
-أكيد هخلي بالي بعد اللي حصل لي النهاردة...نطقتها نجلا بإعياءٍ شـ.ـديد،ذهبت لمسكن صديقتها لتغفى لمدة ساعتين حتى شعرت بتحسن ثم عادت لمنزلها ومن حُسن حظها كان المنزل خاليًا إلا من العاملات، حيث ذهبت عصمت وفريال لزيارة إحدى قريباتهما المريـ.ـضة وعلام يغفو بغرفته أما فؤاد فكان بتحقيق خارج النيابة لذا لم يعد إلا بتمام التاسعة مساءًا،ولج لجناحه ليجده غارقًا بظلامًا دامس،ضغط زر الإضاءه ليتفاجيء بتلك الغافية ليقطب جبينه متعجبًا،تحرك إليها ومال عليها هامسًا:
-نجلا
لم يجد منها إجابة فكرر بصوته لتفتح عينيها ببطيءٍ شـ.ـديد وهي تجيبه بهمهمة توحي لعدm أستعادتها لوعيها الكامل:
-إممممم
سألها بحنان:
-إيه اللي منيمك بدري يا حبيبتي، إنتِ تعبانة؟
ارتبكت لتهب جالسة وهي تنفي بقوة:
-أنا كويسة
-طب إهدي...قالها حين لمح ارتيابها ليقف منتصب الظهر ويبدأ بخلع حلته وأخذ ثيابًا بيتية من خزانة الملابس ليتجه للحمام أغتسل سريعًا وخرج ليجدها غارقة بنومها من جديد،أشفق على حالها ونزل إلى الأسفل تناول عشائه بصحبة عائلته لينسحب صاعدًا للأعلى مجددًا لينضم لزوجته بالفراش محتضنًا إياها من الخلف بعدmا شعر بحاجته لها فقد أثارته بثوب نومها الناعم، همس بجانب أذنها بصوتٍ مثير:
-نجلا، إصحي يا روحي
فتحت عينيها لتنهض بفزعٍ أثار فضوله ليسألها بـ.ـارتياب:
-فيه إيه، هو أنا كل ما أقرب منك هتتفزعي؟!
ابتلعت لعابها لتجيبه بصوتٍ جاهدت ليخرج متزنًا:
-معلش يا حبيبي كنت شايفة كابوس
قطب جبينه ثم اقترب من فمـ.ـها لـ يلثمها برقة تابعها بلمسة ناعمة خلف عنقها لتبتعد حين وصلها مقصده وهى تقول محمحمة:
-مش هينفع يا حبيبي
ضيق ببن عينيه يستشف مقصدها لتتحمحم مسترسلة بتـ.ـو.تر ظهر جلياً بصوتها:
-أصلي
قالتها وهي تنزل بصرها للخلف مدعية الخجل لينتبه سريعًا بفطانته ويسألها باستغراب:
-بس ده مش ميعادها؟
-آه ما أنا عارفة، بس تقريباً حصل لخبطة في الهرمونات...نطقتها بكثيرًا من التـ.ـو.تر لتسترسل بإزاحة بصرها عنه متهربة:
-هبقى أروح للدكتور وأشوف السبب
اقترب منها يضع قُـ.ـبلة حنون فوق وجنتها قبل أن يهمس بنبرة حنون:
-وده اللي مخليكِ متـ.ـو.ترة بالشكل ده؟
هزت رأسها بعينين خجلة ليبتسم لها ثم ربط على وجنتها بتعطف وهو يسألها باهتمام:
-اخلي حد من الشغالين يطلع لك حاجة سخنة؟
-لا يا فؤاد، مش قادرة أشرب أي حاجة... قالتها بملامح وجه منكمشة ليربت عليها قائلاً بنبرة رحيمة:
-طب نامي يا حبيبتي
تمددت ودثرها هو بالغطاء وقام بوضع قُـ.ـبلة بجبينها قائلاً بأسى:
-أنا أسف يا حبيبتي إني قلقتك
-مش هتنام؟...قالتها حينما رأته يقف مبتعدًا ليجيب بنبرة متزنة:
-عندي قضية مهمة هدرس الملف بتاعها تحت في المكتب وبعدين هبقى أنام
-تصبحي على خير...قالها وهو يحمل حقيبته الجلدية لتوقفه قائلة بصوتٍ معتذر:
-أنا أسفة يا حبيبي
استدار ليحدثها بنبرة متفهمة:
-أسفة على إيه بس،الموضوع مش بإيدك...قالها وشملها بابتسامة حنون قبل أن يخرج من الغرفة لتضع تلك المرتعبة كفها بموضع قلبها مع أخذها نفسًا عميقًا وزفره بقوة لتهديء قليلاً بعدmا مرت كذبتها على خير
مرت الأسابيع وتحسنت حالتها كثيراً،عاد فؤاد من العمل ونزلا تناولا معًا الغداء بصحبة العائلة ليصعدا في المساء،ولجا من الباب لتلتصق به محتضنة إياه بقوة،نظر لها وقام بتقـ.ـبيلها بنهمٍ ثم ابتعد وهو يقول:
-هدخل الحمام واجي لك حالاً
تبسمت بموافقة، تطلعت عليه وما أن أغلق باب الحمام خلفه حتى هرولت إلى خزانة ملابسها ورفعت طيات ملابسها البيتية بيدها التي تحمل الهاتف لتضعه وتسحب عُلبة الدواء لتأخد قرصًا من الشريط وتبتلعه سريعًا وتعيد العلبة بمكانها قبل ان يخرج زوجها،أغلقت باب الخزانة لتفاجيء بزوجها يخرج من الحمام،ابتسمت له واتجهت صوب الكومود لتتناول كأس الماء وترتشف البعض منه،ولجت هي الاخرى إلى الحمام لتتجهز بعدmا أخذت ثوبًا خاص بالنوم بينما وقف هو يصفف شعر رأسه ويضع عطره،استمع صوتًا خافتًا لهاتف ليتلفت من حوله يبحث عن مصدر الصوت إلى أن اهتدى للخزانة ففتحها ليقترب الصوت المكتوم،بحث ليعثر عليه تحت طيات ملابسها الشخصية وأثناء سحبه للهاتف وقعت على الأرض عُلبة ليتبعثر محتواها وإذ بها أشرطة تحتوى على أقراص دوائية كانت قد دثرتها هنا لطمأنتها أن لا أحد يستطيع الوصول لهذا الجزء لغلقها له بمفتاحٍ خاص لاحتوائه على مجوهراتها وأشيائها الثمينة ولكنها غفلت عن غلقه لتـ.ـو.ترها، قطب جبينه وهو ينظر للأسفل ليميل بطوله ملتقطًا العُلبة ليدقق النظر بالكلمـ.ـا.ت المدونة عليها لتجحظ عيناه بذهول سرعان ما تحول لاشتعال وهو يرى تلك الحبوب المانعة للحمل والذي تعرف عليها فور رؤيته للشريط، فهو رأه من قبل بحكم وظيفته ويعرفه جيدًا
خرجت من الحمام مرتدية ثوبًا مثيرًا يكشف فتحة صـ.ـدرها وفخـ.ـديها لتتحرك إليه بدلال متحدثة بابتسامة وهي تشير بكفيها بتفاخر على حالها:
-أنا جاهزة، إيه رأيك؟
وقفت أمام ذاك المتصلب الجـ.ـسد ليخرج يده من خلف ظهره ويسألها وكل ذره بجـ.ـسده تنتفض بقوة من شـ.ـدة إشتعالها:
-إيه ده؟
انتفض جـ.ـسدها فور رؤيتها بشريط الدواء وظهر الرُعب بعينيها ليتأكد من شكوكه وقبل أن تنطق بكلمة كانت تصرخ شاعرة بألمٍ شـ.ـديد عنـ.ـد.ما هوت يده على وجنتها لتلطمها بقسوة ليترنح جـ.ـسدها على أثرها وتُطرح أرضًا.
إنتهى الفصل
↚
كـ بيتٌ من الرمال بفصل الصيف حياتي،شيدتها ووضعت بدواخلها جميع أحلامي وأمنياتي
لتأتي موجة عنيفة تقتلعه من جذوره أمام عيناي، لأكتشف حينها كم كان واهيًا بلا أساسِ
«فؤاد علام زين الدين»
بقلمي«روز أمين»
خرجت من الحمام مرتدية ثوبًا مثيرًا يكشف عن فتحة صـ.ـدرها وفخـ.ـديها لتتحرك إليه بدلال متحدثة بابتسامة وهي تشير بكفيها بتفاخر على حالها:
-أنا جاهزة، إيه رأيك في جمال وسحر مراتك؟
وقفت أمام ذاك المتصلب الجـ.ـسد ليخرج يده من خلف ظهره ويسألها وكل ذره بجـ.ـسده تنتفض بقوة من شدة إشتعالها:
-إيه ده؟
انتفض جـ.ـسدها فور رؤيتها بشريط الدواء وظهر الرُعب بعينيها ليتأكد من شكوكه وقبل أن تنطق بكلمة كانت تصرخ شاعرة بألمٍ شديد عندما هوت يده على وجنتها لتلطمها بقسوة ترنح جـ.ـسدها على أثرها وتُطرح أرضًا
تجرد من شخص رجل القانون الحكيم الكامن بداخلهُ ليرتدي ثوب رجلاً شرقيًا طعنته أنثاه بمنتصف قلبه بخنجر الغدر،شعر بنارًا تسري بجميع أوردته عندما هاجمته فكرة رفض شريكته حمل قطعةٍ منه داخل رحمها،كم كان شعورًا قاسيًا بالنسبة لشخص كـ فؤاد،أفرط بعشقه وماله ولم يبخل عليها بشيء ليجني بالأخير تلك الخيانة الكُبرى
اندفع نحوها بشراسة ليجثو على ركبتيه وهو يمد يده قابضًا على شعرها بقوة ليهمس بفحيحٍ غاضب أوحى لبركانه الكامن بداخله:
-قولي لي سبب واحد يخليكِ تاخدي برشام يمنع الحمل اللي مستنيه يحصل ليا سنين؟!
كانت ترتجف منكمشة على حالها تنظر إليه برُعبٍ كـ غزالةٍ ضئيلة وقعت فريسة بقبضة أسدٍ جائع،شهقت عدة مرات ليخرج صوتها المرتجف وهي تقول بحروفٍ متقطعة:
-إديني فرصة أشرح لك يا فؤاد
اشتعلت عيونه بشرارات الڠضب ليشدد من قبضته على شعرها لتخرج منها صرخة متألمة وبحدة يهدر قائلاً:
-هتشرحي لي إيه بعد ما شوفت كل حاجة بعنيا
بعينين متوسلة صرخت بكلماتٍ توحي لمدى تألمها من جذبه القوي لخصلات شعرها:
-إنتَ فاهم غلط، والله فاهم الموضوع غلط،سيب شعري بس واديني فرصة أشرح لك
لم يرأف قلبه لدموعها الغزيرة بل زاد من ضغطه ليجيبها من بين أسنانهِ بفحيحٍ مخيف:
-مفيش أي كلام في الدنيا ممكن يشفع لك ويخليني أغفر لك جريمتك في حقي وحق عيلتي
صرخت وهو يزيد من ضغط قبضته لتصيح وهي تحاول تخليص خصلاتها من براثنه:
-شعري هيتخلع في إيدك يا فؤاد،أرجوك خلينا نتفاهم بالعقل
واستطردت في محاولة منها لاستعادة وعيه:
-من إمتى وإنتِ بتتعامل معايا بالهمجية دي؟
امتعضت ملامحه لتقسو نبرات صوته القاسية مع شرارات الغضب التى ظهرت بعينيه ليصيح قائلاً بفحيح:
-من ساعة ما حسيت بطعنة غدرك في ظهري
نطقها ليدفعها للخلف بعنفٍ انبطحت على أثره أرضًا ليهب واقفً وبدأ يدور حول نفسه كالأسد الحبيس يجذب خصلات شعره الفحمية بحدة مفرطة للخلف ترعب من يراه،مسح على وجهه بجنون ليتحدث بغضبٍ عارم قائلاً:
-مش قادر أتخيل إن مراتي اللي قدمت لها كل حاجة ممكن يقدمها راجل لست،يبقى جزاتي إنها تحرمني من إني اكون أب
بينما هو يدور حول حاله كالأسد الجريح طرأت على ذهنها فكرة سريعة حيث تذكرت صديقتها "ملك"حينما تعرضت لمشكلة في الهرمونات أدت إلى لغبطة بمواعيد الدورة الشهرية مما جعلها تذهب إلى طبيبة خاصة بأمراض النساء والتوليد لتصف لها حبوب مانعة لحدوث الحمل كي تساعدها على إعادة تنظيم الهرمونات والدورة الشهرية لتتحدث بشهقاتٍ متقطعة إتباعًا لخطتها:
-من فترة حصل لي لغبطة في الهرمونات والبريود مواعيدها اتغيرت، واضطريت أروح لدكتورة أمراض نسا وهي اللي كتبت لي على الحبوب دي
رمقها بنظراتٍ ساخطة ليهتف بإنكار لروايتها:
-إنتِ فكراني راجل أهبل علشان أصدق الكلام الساذج اللي بتقوليه ده؟
صرخت بدموعها المفتعلة لتقول بزيفٍ:
-أنا بقول لك الحقيقة ولو مش مصدقني تقدر تيجي معايا وتسأل بنفسك الدكتورة وهي هتأكد لك على كلامي
توقف بمكانه ليتطلع عليها يسألها بنبرة تشكيكية:
-ومن إمتى وإنتِ بتاخدي الزفت ده؟
هتفت سريعًا حينما تذكرت:
-من حوالي شهر تقريبًا،يوم ما جيت تصحيني وأنا قولت لك وقتها إن،
صمتت لتُكمل بتلهُف مستشهده بحديثه حينها:
-حتى إنتَ بنفسك قولت لي إن ده مش ميعادها
قطب بين حاجبيه ليتذكر تلك الليلة ليهديء قليلاً حين تيقن صحة روايتها لكنه مازال غاضبًا منها ليهتف بنبرة شديدة اللهجة:
-ولما هو الموضوع كده، مخبيه البرشام في دولابك الخاص بمجوهراتك ليه؟!
واستطرد بعينين مازال بهما شكًا:
-والسؤال الأهم يا مدام،حاجة مهمة زي دي مجتيش قولتي لي عليها ليه؟!
-دي حاجة خاصة جداً، أنكسف أقولها لك...نطقتها برأسٍ منكس مدعية الخجل ليصيح هو مقاطعًا:
-وإحنا من إمتى بقى فيه بينا حاجات خاصة؟!
واستطرد بصوتٍ حاسم دب الرعب بأوصالها:
-أي حاجة تتعلق بيكِ وبالاخص لو كانت متعلقة بموضوع مهم زي الخلفة يبقى مش خاصة يا هانم
ابتلعت لعابها لتجيب بنبرةٍ منكسرة وهي مازالت متسطحة على الأرض:
-أنا أسفة يا فؤاد، أرجوك سامحني،غلطة ومش هتتكرر صدقني.
-ده شيء مفروغ منه يا ماما...نطقها باشمئزاز ليسترسل بقامة مرتفعة:
-الغلطة التانية عند فؤاد علام فيها قطع رقاب
ساد الصمت لثواني ليرمقها باشمئزاز وهو يشير على الباب الخاص بالجناح ليهتف بسخطٍ:
-تلبسي هدومك حالاً وتروحي تنامي في الجناح الشرقي
حدقت عينيها لترفعهما تطالعه بذهول لتسأله بتيهة:
-إنتَ بتقول إيه يا فؤاد؟
-اللي سمعتيه... نطقها بقوة وهو يواليها ظهره لتتحامل على حالها مستندة بكفيها على الأرض لتنهض ثم تحركت صوبه إلى أن وقفت خلفه مباشرةً، أخذت نفسًا عميقًا وهمت بفتح ذراعيها لتلفهما حول خصره وما أن لامسته حتى انتفض جـ.ـسده مبتعدًا وكأن لدغته حية ليبتعد ويهتف بقوة ومازال مواليها ظهره:
-قولت لك إلبسي هدومك وروحي الجناح الشرقي ومشوفش وشك هنا تاني غير لما أبلغك بنفسي.
همست بانكسار وهي تتلفت من حولها بأعين مندهشة:
-إنتَ بتطردني من أوضتي يا فؤاد؟
لم يعيرها عناء النظر لوجهها وتوجه لخزانة ملابسه وبدأ بخلع ثيابه البيتية ملقيًا إياها بعنفٍ على الأرض وإبدالها بأخرى تصلح للخروج وبعد الانتهاء توجه إلى الكومود ليختطف عُليقة مفاتيحه وحافظته الخاصة متوجهًا صوب الباب تحت ذهول نجلا ليهتف بقوة وحزم دون النظر إليها:
-أنا خارج برة البيت،عاوز أرجع ملاقيش لوجودك أثر في الجناح.
أنهي كلماته الصارمة وإندفع نحو الباب كثورٍ هائج لا يري أمامه ليخرج غالقًا إياه بغضب ليصدر منه صوتًا جعلها تنتفض رعبًا
كانت تشهق و دموعها تنهمر بغزارة من مقلتيها وشهقاتها تعلو وما أن خرج حتى تنفست بقوة وكأنها كانت تكظم أنفاسها،وضعت يدها على صدرها وباتت تتلفت حولها بفزع لتهرول تُسرع في ارتداء ثيابها ولملمت ما تحتاجه لقضاء ليلتها خارج الجناح بعدما قررت مغادرته في الحال قبل عودة ذاك الغاضب والفتك بها إذا رأها أمامه، فهي باتت تحفظه عن ظهر قلب،فذاك الـ فؤاد برغم رُقيه وسمو أخلاقه لكنه يتحول لغولٍ حين يغضب والجميع يعلم ذلك لذا يتجنبوه خشيةً من أن يحدث صدامًا يخسر فيه كل الأطراف.
أما فؤاد فكان يشعر بنارًا شاعلة بجميع جـ.ـسده بات يزفر مراتٍ متتالية بقوة عله يهدأ وهو يدير محرك سيارته التي إندفعت بسرعه جنونيه لتجوب شوارع القاهرة دون وجهة،كان يقود بجنون لا يعلم أين وجهته كل ما يريده هو أن يصرخ لعله يخرج ما في جوفه من نارٍ تكاد تحرق روحه وكل ما يقابله، ظل يجوب الشوارع لمدة لا يعلمها حتى خارت قواه وشعر بالإنهاك ليعود مرةً أخرى لقصر والده ليجد جميع ساكنيه نائمون،ولج لجناحه وجد الهدوء يعم المكان فهدأت روحه حين وجده خاليًا من تلك المخادعة ليذهب لفراشه ويُلقي بحاله فوقه بإهمال، تنفس وأغمض عينيه عله يستطيع الدخول بغفوة تريح صدره من تلك الحالة التي وصل إليها بفضل عديمة المسؤلية المسماة بزوجته.
******
عودة للوقت الحالي.
حمل صغيره بعدما ودعاه جديه بقلوبٍ مفطورة وذهب إلى منزل جده غانم ليسلمهُ له حسب إتفاق إيثار التي هاتفت المحامي وابلغته بأن يسلم نجلها لأبيها كي يأتي به إلى القاهرة،ترجل من السيارة حيث صفها أمام المنزل مباشرةً ولف للجهة الاخرى ليحمل صغيره وتحرك متجهًا صوب الباب الموارب لينادي على وجدي الذي خرج مبتسمًا وهو يقول بترحاب لابن شقيقته:
-أهلاً يا يوسف،إدخل يا عمرو
حمل عنه الصغير وولجوا للداخل ليجد غانم بانتظاره مرتديًا ثيابه،حمل صغير إبنته وقام بتقبيله ليقبل عليه عمرو الذي تحدث باشتياق وهو يصافحه:
-إزيك يا عم غانم
أجابه بصوتٍ بارد:
-الله يسلمك يا عمرو، اقعد يا ابني واقف ليه؟
جلس بعدما صافح عزيز وأيهم ليتحدث الصغير إلى جده:
-هتوديني أمتى لمامي يا جدو؟
ليرد الجد بوجهٍ بشوش:
-هنمشي الوقت يا يوسف
خرجت منيرة من المطبخ لتُقبل على عمرو بوجهها الضاحك وهي ترحب به بتهليل:
-إزيك يا عمرو،عامل إيه يا ابني؟
وقف سريعًا ليصافحها بترحاب ليقف غانم قائلاً بحزم:
-تعالى معايا يا عزيز إنتَ ووجدي
خرج بصحبة أنجاله الثلاثة وترك الطفل يجلس بأحضان عمرو الذي اقترب هامسًا لـ منيرة بعدما جاورته الجلوس:
-عملتي لي إيه في موضوعي يا خالتي؟
-إصبر يا عمرو،أنا مش ساكتة وبضغط عليها بقوتي ومش هستريح غير لما ترجع وأطمن عليها معاك...نطقت كلماتها لتطمأنه ثم استرسلت وهي تجز على اسنانها:
-بس لو تسمع كلامي وتطلق العقربة اللي إسمها سُمية
تنفس بيأس ليُجيبها:
-حاولت كتير أكلم أبويا في الموضوع ده،بس هو رافض والحاجة إجلال كمان، بتقولي مينفعش علشان بنتي لما تكبر هتتعاير إن أمها متطلقة
واستطرد بملامح مكفهرة وضيقٍ ظهر بعينيه:
-أنا أصلاً لولا البنت كنت رمتها من ساعتها، هي اللي كاسراني قدامها ومكتفاني
لوت فاهها لتقول متهكمة:
-وهي أمها أول واحدة هتطلق،ما البلد مليانة مطلقين وأولهم بنتي
أخذت نفسًا عميقًا ثم حولت مجرى الحديث قائلة بعتاب:
-يرضيك اللي عمله الحاج نصر مع عزيز ووجدي ده يا عمرو، مكنش العشم يمشيهم كده قدام الرجالة
-حقك عليا أنا يا خالتي متزعليش،أبويا زعلان من اللي حصل لي ومحمل إيثار الذنب...قالها مبررًا ليهتف بعينين متلهفتين:
-بس كل ده هيتغير بمجرد ما إيثار ترجع تنور بيتها من تاني
-على الله يا ابني... نطقتها بتمني
أما بالخارج، وقف غانم أمام أولاده الثلاثة ليهتف محذرًا بسبابته بوجه عزيز:
-أنا رايح أقعد عند اختك يومين،قسمًا بالله يا عزيز ما تعمل أي حاجة تضر بيها أختك لاتبرى منك قدام البلد كلها
واستطرد مشيرًا للجميع:
-والكلام ليكم إنتوا الثلاثة،وعزة وجلال الله لو طاوعتوا شيطانكم لاكون كاتب البيت والكام قيراط اللي حيلتي لـ إيثار وطايحكم برة إنتوا وعيالكم،وإبقوا خلوا نصر وعياله ينفعوكم ساعتها
احتدمت ملامحه ليهتف بعصبية مفرطة:
-إيه يا أبا الكلام اللي بتقوله ده،بيت إيه ده اللي هتكتبه للبت؟
هتف غانم مؤكدًا على تهديده:
-زي ما سمعت يا عزيز وده مش تهديد،وخليك فاكر إن أنا حلفت بالله، وإنتَ عارفني لما بحلف على شيء
هتف بعينين متسعتين ذهولاً:
-كل ده علشان عاوز الستر لـ اختي؟!
ليرد عليه مستنكرًا:
-وهو الستر مش موجود إلا في بيت نصر البنهاوي؟
-أه يا أبا وإنتَ عارف كده كويس...قالها بتأكيد ليسترسل بتذكرة:
-ولا نسيت قوانين بيت نصر،اللي بتتجوز واحد من عياله بتتحرم على غيره،واللي عمله عمرو ونصر في الباشمهندس عبدالعزيز اللي إتقدم لها يشهد على كلامي،ولا ناسي إن نصر أجبره يسافر السعودية ويسيب البلد كلها
واكمل مستطردًا باستعراض جبروت أل البنهاوي:
-ولا معتز إبن حسن المنسي اللي بس قال على القهوة في وسط أصحابه إنه بيفكر ييجي يطلبها منك،عمرو راح له بيته ومسبهوش غير ورجليه الإتنين متكسرة بعد ما الغفر بتوع ابوه كتفوه قدام أهله ومفيش مخلوق من البلد كلها قدر يخلصه من إيد عمرو
1
نكس الأب رأسه لتيقنه من صحة حديث نجله عن إفتراء وتجبر نصر وأنجاله بأهل القرية ليقطع شروده صوت وجدي الذي قال مؤكدًا على حديث شقيقه:
-عزيز عنده حق يا ابا، اختي لسة صغيرة ومش معقول هتكمل حياتها من غير جواز تاني، ده غير إن أهل البلد مش مبطلين كلام علينا، وإن إزاي أربع رجالة بيناموا بالليل قافلين عليهم بابهم وسايبين بنتهم في الغربة لوحدها مايعرفوش عنها حاجة
واسترسل بتأكيد:
-إيثار مقدمهاش حل غير إنها ترجع لعمرو
ابتلع المتبقي من كلماته بجوفه لمقاطعة غانم بكلماته اللائمة:
-خلاص، روحوا هاتوها بالعافية ورجعوها له علشان تموت نفسها زي ما حصل قبل كده
ابتلع وجدي وأيهم لعابهما ونكسا رأسيهما لذكر والدهما لتلك الذكرة الأليمة عدا ذاك الجاحد الذي لم يتأثر حتى أنهُ هم باعتراض ليوقفه غانم قائلاً بحزم ونبرة حادة وكأن الضعف مل من ضعفهِ وثار عليه:
-اللي عندي قولته وإنتوا أحرار،أنا مش هفضل واقف اتفرج على بنتي وهي بتتذل أكثر من كده
-لحد هنا وكفاية يا عزيز، لحد هنا وكفاية...نطق كلماته الاخيرة بتهديدٍ خفي ليشير إلى أيهم قائلاً:
-هات إبن اختك من جوه علشان نلحق نوصل قبل الدنيا ما تليل علينا
-خليني أجي معاك أوصلك يا ابا...نطقها أيهم ليجيبه بمعارضة:
-هروح لوحدي يا أيهم، عاوز أخد راحتي مع بنتي
خرج عمرو حاضنًا صغيره واقترب ليطالع غانم قائلاً:
-يلا يا عمي أنا هوصلكم
-لا يا ابني كتر خيرك،أنا هركب مواصلات وهروح لوحدي...قالها بذات مغزى ليفهم عمرو مقصده وبأنه يخشى غضب إيثار لو علمت لذا إنصاع لرغبته.
******
إنتباااااه
«عودة للماضي»
مرت ثلاثة أسابيع منذ إكتشافه لتعاطيها لحبوب منع الحمل في تجاهلٍ تام منه،حيث كان يتجنبها ولم يجمعهما مكانًا سوى حجرة الطعام وهما يتناولاه بصحبة العائلة،عاد من عمله في تمام الرابعة عصرًا وولج لجناحه يشرع بخلع ثيابه،استمع لدقات خفيفة فوق الباب ليهتف بصوتٍ عالي نسبيًا:
-إدخل
فُتح الباب لتظهر وهي تتحرك ببطيءٍ نحوه بعدما أغلقت الباب لتقول على استحياء برأسٍ منكس:
-ممكن نتكلم
لم يعير لدخولها إهتمام وتابع تبديل ملابسه بملاح مقتضبة لتقترب منه وكادت أن تضع كفها على صدره ليوقفها صوته الحاد حيث هتف بصرامة مشيرًا بكف يده للتوقف:
-إبعدي إيدك.
ارتعدت لتتسمر مكانها تحاول تنظيم أنفاسها للحفاظ على ثباتها لتكمل ما أتت إليه،تحدثت بنبرة مرتجفة خشيةً إثارة غضبه من جديد، فمنذ ذاك اليوم وقد تغيرت نظرتها له وقررت التعامل معه بحذرٍ تام، فـ إلى الأن لم تستوعب ما حدث وعقلها رافضًا تصديقه،فهل يعقل أن يتحول رجل القانون الرزين والرومانسي إلى رجل همجي يحركه غضبه ويجعله يصفع زوجته ويقوم بتعنيفها جـ.ـسديًا ونفسيًا:
-كفاية يا فؤاد، حرام عليك اللي بتعمله فيا ده
واستطردت وهي تذرف دموع التماسيح لاستقطابه نحوها:
-اللي يشوف معاملتك ليا يفتكر إني عملت جريمة
واسترسلت بدفاعٍ عن حالها:
-أنا واحدة تعبانة وكنت باخده كـ علاج،ليه بتحاسبني على إني باخده بغرض إني أحرمك من الخلفة
-أنا بعاقبك على إنك خبيتي عليا...قالها بصرامة لتتحدث على عجالة:
-أول وأخر مرة، صدقني مش هتتكرر
صمت وتابع ارتداء أخر قطعة لينتهي فاقتربت منه بعدما وجدت ملامحه قد لانت قليلاً وتحدثت وهي تداعب وجنته بأناملها:
-للدرجة دي مش فارق معاك وجودي من عدمه
لتستطرد بدلال وهي تمط شفتيها بطريقة مثيرة:
-أنا كنت فاكرة إنك بتحبني وراهنت نفسي إن مش هيمر على بعادنا يومين إلا وألاقيك جاي تاخدني من الجناح وتدخلني لحد هنا وإنتَ شايلني بين إيديك
لتستطرد بصوتٍ أنثوي:
-بس يا خسارة، خسرت الرهان مع نفسي
واستطردت بعينين رسمت بداخلهما الخجل بمنتهى البراعة:
-أنا روحت للدكتورة وقالت لي إن البريود إتظبطت وبطلت خلاص الحبوب
رفع حاجبه يسألها بخبثٍ:
-إنتِ عاوزة إيه يا نجلا؟
عوزاك...كلمة نطقتها باحتياج وكانت كفيلة لإذابة جبل الجليد الذي بُني ليفرق بينهما طيلة الفترة المنصرمة،اقتربت عليه لتلتصق به فاستجاب للمساتها المثيرة ليغوصا معًا بعالمهما الخاص بعد فراق دام لأكثر من ثلاثة أسابيع،لاحظت خلال لقائهما أن به شيئًا مختلفًا، لم يكن معها ذاك الحنون الرومانسي كما كان بالسابق،بل كان يتعامل معاملة رجل بأنثى وليس حبيب بحبيبة كما عاهدته،شعرت حينها أنها أفتقدت إحترامه وجزءًا كبير من عشقه لها
بعد مرور حوالي شهر أخر،لم يعد فؤاد معها كما كان، فقد تغيرت معاملته معها وأصبح أكثر جدية وصلابة وتخلى عن مرونته بعدما اكتشف عدم مسؤليتها،ليلاً داخل شقة واسعة يبدو من أثاثها الفخم إنتماء ساكنيها لأعلى مستوى من الطبقة الوسطى،تتكيء على الأريكة بجانب والدتها التي تفوهت بنبرة جادة:
-وبعدين في عقلك اللي هيخرب عليكِ عيشتك ده،مش ناوية تعقلي وتبطلي تهور؟
زفرت بضيق لتهتف فايزة ناصحة لنجلتها المتهورة والتي لم تكن على علم بعملية الإجـ.ـهاض ولا بحملها من الاساس:
-يا بنتي جوزك لو عرف إنك ضحكتي عليه ولسة بتاخدي الحبوب هيخرب الدنيا ومش بعيد يطلقك
يطلقني؟! نطقتها نجلا باستهجان لتكمل بكبرياء:
-يا حبيبتي ريحي نفسك، انا عارفة أنا بعمل إيه كويس قوي
واستطردت بكثيرًا من الثقة وصلت لحد الغرور:
- أولاً فؤاد بيعشقني مش بس بيحبني، وميقدرش يبعد عني أبدًا،بدليل إنه بعد ما عرف زعل له كام يوم ورجع معايا تاني زي الاول وأحسن
ابتسمت ساخرة لتجيبها بدهاء:
-فؤاد راجل ذكي ولئيم ومش من النوع اللي بينسى ويغفر الغلط في حقه بسهولة،وعمره ما هيرجع معاكِ زي الأول،وإنتِ بنفسك لسة بتشتكي إنه قلل لك مصروفك الشهري لعشر ألاف بدل عشرين
احتدمت ملامح نجلا حين تذكرت لتسترسل والدتها بنُصح:
-إلحقي نفسك وبطلي الزفت ده وفاجأيه بخبر حملك،يمكن فرحته تنسيه عملتك السودة.
أغمضت عينيها بتملل لتجيبها باستسلام:
-هبطله يا مامي، أساسًا مبقاش قدامي حل تاني بعد ما فؤاد عرف
لتستطرد بكثيرًا من الانانية والتفاهة:
-هستنى بس شهرين لحد ما فرح ناريمان صالح يتم وبعدها همنعه
رمقتها والدتها بنظرة حادة لتهتف الاخرى باسترسال موضحة:
-أظن مش معقول يا مامي هروح فرح صاحبتي وبطني قدامي قد كده؟
اتسعت عيني فايزة لتقول باستنكار:
-بطنك إيه اللي هتبقى قدامك يا نجلا بعد شهرين،دي البكرية بطنها مبتظهرش غير بعد الشهر السادس
-بلاش موضوع بطني...قالتها بلامبالاة لتسترسل باعتراض:
-خلينا في الإرهاق والتعب اللي هحس بيهم و أوردي هيأثروا على نضارة بشرتي
زفرت فايزة لتهب واقفة وهي تقول بعدما فقدت صبرها من تلك البلهاء:
-أنا هقوم أعمل لي أي عصير فريش بدل ما انجلط جنبك
-ماتخلي الشغالة تعمل لك...نطقتها باستنكار لتهتف الاخرى بسخطٍ:
-هي دي بتعرف تعمل حاجة،دي ملهاش أي نفس في أي حاجة،اديني كلمت المكتب علشان يغيروها لي
استمعت لصوت جرس الباب لتخرج العاملة لاستقبال الزائر ليلج إليها محسن إبن خالتها قائلاً بمرح:
-إزيك يا نجلا
إعتدلت بجلوسها لتجيبهُ بابتسامة خافتة:
-هاي يا محسن
-كويس إني لقيتك هنا، انا كنت هكلمك في التليفون علشان نتقابل برة البيت... نطقها وهو يتلفت من حوله بترقب خشيةً من أن يستمع عليه أحد
-ليه، فيه حاجة ولا إيه... نطقتها مستفسرة باستغراب ليجيبها بنظرة متلهفة:
-فيه خير كتير قوي جاي لك ومتقدم لك على طبق من ذهب
ضيقت بين عينيها ليسترسل هو بشراهة:
-خمسة مليون جنية
سألتهُ بعدم استيعاب:
-مش فاهمة؟
أجابها بنهمٍ ليزرع الطمع بداخلها:
-فيه حد عارض عليكِ خمسة مليون جنية مقابل خدمة بسيطة هتقدميها له
-أنا...نطقتها وهي تُشير على حالها بلمعة لهفة ظهرت بعينيها ليهز الأخر رأسهُ بتأكيد فاسترسلت باستفهام:
-وأنا إيه اللي عندي يستاهل المبلغ ده
-مش عندك إنتِ، عند جوزك... نطقها بإبهام لتهمس بتيهة:
-فؤاد
-ورقة،حتة ورقة هتبدليها من ملف معاه في شنطته...قالها بسهولة لتهتف بارتعاب:
-إنتَ شكلك إتجننت، إنتَ عاوزني ألعب مع فؤاد في شغله، ده أنا أبقى بكتب شهادة وفاتي بإيدي
لتسترسل بإبانة:
-يا ابني شغل النيابة بالنسبة لفؤاد أهم من أي حاجة في حياته، ده أهم من حياته هو شخصيًا، إنتَ مش فاهم علاقة فؤاد بشغله وملفاته اللي بيجيبها البيت،ده بيعامل شنطته معاملة البيبيهات، ده لو اكتشف ضياع ورق منها هيهد البيت على اللي فيه لحد ما يوصل للي عملها
-ومين قال لك إننا هناخد ورق... قالها بهدوء ليسترسل بدهاء:
-إحنا هنبدل مستند بمستند تاني يغير مجرى القضية ويبعد التهمة نهائي عن المتهم
ابتلعت ريقها وصمتت ليسترسل كالشيطان:
-هتاخدي تلاتة مليون النهاردة، ولما تسلمي الورقة اللي بدلتيها هتستلمي باقي الخمسة مليون
سألته بذكاء:
-وإنتَ إيه اللي هتستفاده لو الموضوع ده تم؟
أجابها بهدوء:
-ليا نسبة هاخدها من الطرف الاول،يعني هستفيد بعيد عن فلوسك اللي هتاخديها خالصة مخلصة
سال لعابها من هول وضخامة المبلغ لتسأله بتردد ظهر بمقلتيها:
-طب الموضوع مفيهوش خطورة عليا
أجابها بثقة عالية:
-ولا على فؤاد نفسه،فؤاد هيكتب تقريره بناءًا على المستندات والإثباتات اللي متقدمة له واللي موثوق من مصدرها جداً
سألته بذكاء:
-طب الفريق اللي مقدم المستندات مش هيشك بعد الحكم ببراءة المتهم؟!
أجابها ليطمأنها:
-يا بنتي النيابة العامة دي فرق شديدة التنظيم ،وكل فريق ليه شغله اللي بينتهي عند نقطة معينة، وملوش أي علاقة ولا متاح ليه يتابع باقي الإجراءات بعد ما يسلم شغله
-أنا خايفة ومش مطمنة يا محسن... نطقتها بارتياب ليرد عليها بجشع:
-الخمسة مليون هيطمنوكي لما تاخديهم في حُضنك
سال لعابها لتجيبه بتردد:
-إديني فرصة أفكر
أجابها بحزمٍ:
-للأسف يا بنت خالتي،رفاهية الوقت مش متاحة لينا، جوزك هيروح بملف القضية في شنطته النهاردة، يعني لازم تقولي كلمتك حالاً، سواء بالموافقة أو بالرفض علشان يلحقوا يتصرفوا
-هيتصرفوا إزاي... قالتها باستفهام ليجيبها بما دب الرعب بقلبها:
-ده شغلهم مش شغلنا، هما عندهم طرقهم المختلفة،ولعلمك مش هيغلبوا، هياخدوها عن طريق ساعي أو كاتب النيابة ولا حتى شغالة من عندكم في البيت، دي ناس إيديها طايلة وجرابهم مبيخلاش
عمى شغفها للمال عينيها ونظرت له بعدما حسمت أمرها وقررت دخولها بنفق الخيانة للحصول على أموالٍ طائلة تستطيع من خلالها شراء كل ما تشتهي له بعيدًا عن تحكمات فؤاد بها وبالأخص بعدما خصم منها نصف مصروفها الشهري كعقابًا لها، لتهتف بلهفة ظهرت بعينيها:
-وأنا موافقة، هاخد فلوسي إمتى
أجابها بصوتٍ رزين:
-هتنزلي معايا حالاً نقابل الراجل في شقته، هناخد منه الورقة والتلاتة مليون، وبكرة الصبح تسلمي لي الورقة اللي بدلتيها ونسلمها له وناخد باقي فلوسنا، ولا من شاف ولا من دري
واستطرد بمداعبة:
-شفتي الموضوع بسيط إزاي
نظرت له بارتياب لتسألهُ:
-لازم يعني موضوع شقته ده، ما نتقابل في أي مكان عام
رمقها بازدراء قبل ان يقول متهكمًا:
-علشان الكاميرات اللي بقت في كل مكان تصورك معاه وإنتِ بتسلميه الورقة وبتاخدي شنطة الفلوس، ونروح في داهية كلنا
زفرت باستسلام لصحة حديثه وبالنهاية وافقت فطلب منها ذاك الشيطان لأن لا تخبر حتى والدتها وقامت لتستعد بعدما ودعت والدتها التي حضرت للترحيب بابن شقيقتها الذي انتظر قليلاً قبل ان يستأذن ليلحق بالتي خطت للمضي قدمًا بأولى خطوات الخيانة لله وللوطن قبل زوجها.
خرج عمرو من منزل غانم وقلبه متلهفًا يكاد الشوق والحنين إلى الماضي ان يفتكا بروحه،حيث تذكر زيارته الاولى له وإيثار إلى عائلة غانم بعد زواجهما بـ أربعة أسابيع
«إنتبااااااااه»
«عودة إلى الماضي»
ولجت لمنزل أبيها بصحبة زوجها الذي حمل الكثير والكثير من الهدايا الخاصة لأهل المنزل والحلوى والفاكهة ليغمر بهم أهل زوجته تعبيرًا منه عن امتنانه، رحب الجميع بالزوجين السعيدين لتحتضن منيرة إبنتها قائلة بحبورٍ:
-نورتي بيت أبوكِ يا إيثار
تعجبت لتغيُر والدتها الجذري بمعاملتها وابتسامتها الصادقة وحُضـ.ـنها التي تتذوقهُ للمرة الأولى بحياتها،تخطت سعادة منيرة بزيجة إبنتها عنان السماء وذلك لما جنته من مالٍ وهدايا ثمينة ومصوغات ذهبية غمرها بها عمرو كتعبيرًا منه عن إمتنانه لمن كانت سببًا لوجود حبيبته التي ذاق على يدها العشق وغرق بشهد الغرام داخل أحـ.ـضانها الحنون،كانت تلك هي المرة الاولى التي ترى إيثار بها معاملة عزيز ووالدتها لها كـ إنسانة مستقلة ولها كيان،فقد رحب بها عزيز حتى أنهُ احتضنها وبرغم عدم شعورها بصدق غمرته إلا أنها كانت سعيدة للغاية
كانت تجاور زوجها الجلوس فوق الأريكة لتتفاجيء بـ منيرة تسحبها من كفها وهي تقول:
-تعالي يا إيثار معايا جوة، عوزاكِ
ليجذبها ذاك العاشق قبل أن تترك جواره وهو يقول متلهفًا:
-وخداها على فين يا خالتي
اطلقت منيرة ضحكة سعيدة لتقول:
-هو أنا هاكلها يا عمرو، هتكلم معاها جوة شوية على ما نسوان إخواتها يجهزوا الغدا
-ماتتأخريش عليا...نطقها بعينين هائمتين لتهز رأسها بخجلٍ ممزوج بسعادتها التي تخطت عنان السماء بعشق ذاك الحنون الذي غمرها وقدم لها كل ما حُرمت منه وكأن الحياة أدخرت لها سعادتها لتوهبها إياها دفعةً واحدة على يد هذا الحنون،اصطحبتها إلى غرفتها الاولى واجلستها فوق الفراش وجاورتها لتقول باطراء بلمعة بعينيها:
-طلعتي شاطرة يا إيثار وعرفتي تخلي جوزك يحبك وميقدرش يبعد عنك
نكست رأسها بخجل لتستطرد الاولى حديثها:
-أنا عوزاكِ كده على طول، تدي له كل اللي يسعده وإوعي في يوم يطلب منك حاجة وترفضيها وخصوصاً الموضوع إياه
تحمحمت ليخرج صوتها مبحوح من جراء خجلها:
-حاضر يا ماما
هتفت الأخرى باستفهام:
-قولي لي ستهم عاملة إيه معاكِ، بتعاملك حلو؟
مطت شفتيها للامام لترد بلامبالاة:
-هي ست شديدة وكلامها صعب، لكن عمرو معايا دايمًا ومبيخليش اي حد يقولي كلمة تضايقني
لتستطرد متلهفة بعينين ظهر بهما الإنبهار:
-تصوري يا ماما، خلاها تغير قوانين البيت علشاني
ضيقت ببن حاجبيها لتتسائل بعدم استيعاب:
-قوانين؟!
لتهتف الاخرى بإبانة:
-بصي، هي كانت بتاكل هي وعمي نصر و أولادها على السفرة برة،وياسمين ومروة كانوا بياكلوا لوحدهم في المطبخ، بس عمرو قال لها إنه ميقدرش ياكل وأنا بعيدة عنه، وطلب منها تخلينا ناكل كلنا مع بعض، بس هي طبعاً رفضت، فـ عمرو قال لها إنه هياكل معايا فوق،وهي طبعاً اتضايقت وقعدت تزعق، بس في الاخر وافقت وبقينا كلنا بناكل مع بعض
واستطردت بعينين تقطر عشقًا:
-عمرو حنين وبيحبني قوي يا ماما
ردت باستحسان:
-شاطرة يا إيثار، شاطرة
واستطردت وهي تنظر ليدها محدقة بالثلاث أساور الذهبية اللواتي أهداهم لها عمرو بثاني أيام زواجه كتعبيرًا منه عن فرحته بعروسه الجميلة:
-والله وبقيتي سبب سعدي يا إيثار،لبست الدهب والحرير على إيدين جوزك
ابتسمت بسعادة وهي تربت على يديها بحنو:
-تتهني بيهم يا ماما.
خرجت لتجد تلك المتطفلة قد حضرت لتقبل عليها وتحتضنها برياءٍ وهي تقول بنبرة لائمة:
-كده يا إيثار، بقى تيجي من غير ما تعرفيني علشان أجي أقعد معاكِ وأشبع منك
تطلعت عليها باستغراب، فقد كانت ترتدي ثوبًا مجسمًا على جـ.ـسدها وحذاءًا بكعبٍ مرتفع ناهيك عن وجهها الملطخ بجميع أنواع والوان الزينة من يراها يتيقن بأنها ذاهبة لحضور حفل زفاف،أما منيرة فرمقتها بنظرة حادة ترجع لعدم راحتها لشخصها مؤخرًا،وبالاخص فترة خطبة عمرو وابنتها،فقد كانت تتعمد زيارتهم كل خميس أثناء زيارة عمرو لمنزلهم وتحاول جاهدة جذب انظاره بالتطفل بالحديث معه والضحكات الخليعة والملابس الضيقة والمثـ.ـيرة لأي رجل،لكن ما كان يجعل منيرة هادئة هو عشق عمرو الظاهر لإبنتها وهذا جعله لا يرى في الوجود سواها،فكانت عينيه لا تفارقها طيلة الزيارة حتى الرحيل، وهذا ما طمأن قلبها وقد حذرت صغيرتها منها وبالفعل إيثار بدأت بأخذ الحيطة والبعد عنها قدر الإستطاع
لوت منيرة فاهها لتسألها بطريقة توحي بعدم تقبلها وبأنها شخص غير مرغوب بوجوده:
-وإنتِ عرفتي منين إنها جاية النهاردة؟
أشارت إلى ياسمين التي كانت تجاورها الوقوف حيث خرجت لاستقبالها بعدما استمعت لصوتها المُنادي:
-كلمت نسرين إمبارح وسألتها وهي قالت لي
ابتلعت نسرين ريقها بصعوبة بعد نظرات منيرة النارية التي رمقتها بها لتهتف الاخرى مسترسلة بـ سماجة:
-هدخل أسلم على عمرو واجي أجهز معاكم الغدا
بالكاد نطقت كلماتها لتهرول للداخل تحت اتساع أعين إيثار ومنيرة التي لكزت نجلتها بذراعها قائلة:
-إدخلي لجوزك ومتسبيهوش لوحده مع العقربة دي
أما بالداخل، ولجت سريعًا تهرول إليه قائلة وهي تتلمس كف يده بنعومة لإيثـ.ـارته:
-إزيك يا عمرو
رمقها بغرابة ليسحب كفه من خاصتها سريعًا وكأن حية تلفحت بيده،أجابها ببرود وهو ينظر إلى غانم وعزيز ووجدي:
-الله يسلمك
وتابع استكمال حديثه لتجلس بجواره دون حياء، اقتربت إيثار ليقوم سريعًا لاستقبالها وهو يتطلع عليها كمن اهتدى لضالته مما أسعد قلب إيثار وأشعل قلب الاخرى،جلست إيثار بالمنتصف لتضع حدًا لتلك الثقيلة لتنسحب بعد قليل للخارج بعدما تجاهلها الجميع حيث اقترب عمرو من إيثار وبات يهمس لها بحديثٍ جانبي يعبر لها من خلاله عن كم اشتياقه لها
تناولا الزوجان غدائهما بصحبة عائلة غانم ليعود بزوجته من جديد إلى مسكن الزوجية الذي يشهد على أسعد أيام كلاهما معًا،صعد معًا بعدما رمقتها إجلال بسخطٍ تغاضت عنه لاجل عمرو الذي ما أن ولج لمسكنهما حتى حملها واتجه بها سريعًا لفراشهما كي يُشبع قلبهُ ويمنيه بقرب الحبيب،وبعد قليل كانت تقطن بأحضانه الحانية يحتويها بذراعيه وهو يقول بنبرة حنون:
-لو أقول لك وحشتيني قد إيه الشوية اللي قعدناهم في بيت عمي غانم مش هتصدقيني
تبسمت ليزداد جمالها وهي تقول:
-هو إحنا لحقنا نبعد يا عمرو، وبعدين هو أنتَ سبتني،ده أنتَ كنت لازق فيا طول الوقت
-لا وإنتِ الصادقة، صحبتك السخيفة هي اللي كانت لازقة فينا طول الوقت...قالها باعتراض ليسترسل مشمئزًا:
-يا ساتر يا إيثار، أنا مش عارف إنتِ إزاي مصاحبة واحدة زي اللي إسمها سُمية دي، فرق كبير قوي بينكم
أخذت نفسًا عميقًا لتجيبهُ بهدوء:
-مكنتش كده الأول،دي اتحولت وتصرفاتها بقت غريبة
-سيبك من سيرتها اللي تسد النفس وخلينا نكمل،هو أحنا كنا بنقول إيه؟
نطقها بدعابة لتبتسم وتقول بجرأة جديدة عليها:
-كنا بنقول إنك حبيبي، وإن ربنا بيحبني علشان كده رزقني بيك
حدقت عينيه ليهتف متلهفًا:
-إنتِ قولتي إيه؟، حبيبك، أنا حبيبك يا إيثار؟!
تبسمت لتنطق وهي تداعب وجنته بأناملها الرقيقة:
-إنتَ حبيبي وجوزي وصاحبي وكل ما ليا يا عمرو
كان يستمع لحديثها وشعورًا هائلاً من السعادة يجتاحه ليميل عليها لاثمًا شـ.ـفتيها بإثارة وهو يقول:
-ربنا يقدرني واخليكي أسعد واحدة في الدنيا كلها
-إنتَ فعلاً خلتني أسعد واحدة في الدنيا يا عمرو...نطقتها بنبرة حنون ليجذبها إليه ويغوصا معًا من جديد داخل عالمهما
بعد عدة أسابيع أخرى،تناولا طعام الغداء مع العائلة واصطحبها ليصعدا بعُش الزوجية ليهنيء بالقرب مِن مَن امتلكت القلب والوجدان،هيأت له الاجواء وجلست فوق الاريكة وأشعلت شاشة التلفاز بعدما أحضرت بعضًا من الفاكهة والمسليات وبدأ بمشاهدة أحد الافلام الرومانسية الاجنبية،وضعت رأسه فوق ساقيها وباتت تداعب خصلاته بأناملها الرقيقة مما جعله ينتقل لعالم ساحر من المشاعر المختلطة،أمسك بكف يدها وقبله لتسحبه من جديد ممسكة به قطعة من ثمار الكمثرى لتضعها بفمه ويقتضمها هو بسعادة، انتفض على أثر خبطات مرتفعة فوق الباب لتخرجهما من حالة الوله ليهب منتفضًا من مكانة يتحرك صوب الباب متوعدًا للطارق، فتح الباب وهم بفتح فمه ليبتلع حديثه حينما وجد والدته ليسألها باستغراب:
-خير يا ماما، فيه حاجة؟
-فيه حاجات مش حاجة واحدة يا نن عين ماما...قالت كلماتها وهي تجنب جـ.ـسده بذراعها لتلج مهرولة للداخل دون استئذان، ابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب فمها وهي ترى تلك الجميلة الجالسة بثوب نومها الرقيق حيث كانت ترتدي قميصًا ناعمًا من الساتان باللون الازرق ليضفي على بياض جـ.ـسدها ويزيدها سحرًا،خجلت لتنكمش على حالها تخبيء فتحة صدرها بيديها تارة وتارة ساقيها العاريتين ليشعر عمرو بارتباكها ويُسرع مُلقيًا عليها عبائته الموضوعه جانبًا لتتنفس هي بعد شعورها ببعض الراحة، أما إجلال فهتفت ساخرة:
-وأنا أقول الباشا سايب أبوه وإخواته يراعوا المصالح لوحدهم ولازق فوق ليه، أتاري بنت منيرة لابسة له المحزق والملزق والمفتوح علشان تربطة جنبها، اللي موصيكي واعي يا حبيبتي
خجلت من تلميحاتها ليهتف عمرو بحدة بعدما شعر بإهانة زوجته:
-لازمته إيه الكلام ده يا ستهم
-لازمته إن أبوك متصل بيا وخارب الدنيا علشان واقف لوحده مع التاجر اللي جاي يشتري محصول جنينة المانجة، وبيتصل بيك بقا له ساعة، بس البيه مش فاضي،وراه حاجات أهم... نطقتها وهي ترمقها باشمئزاز ليهتف عمرو مبررًا:
-وأنا هروح اعمله إيه وهو بيتفق مع الراجل، وبعدين أنا مراتي كلها كام يوم وترجع لكليتها وهضطر أقوم كل يوم بدري اوديها وأجيبها يعني هتسحل أنا وهي، ومن حقي أخد الكام يوم دول راحة أتدلع فيهم أنا ومراتي
رمقتها بنظرة حقودة قبل أن تقول بما يشفي غليل قلبها:
-من الناحية دي إطمن يا حبيبي، إنتَ لا هتروح ولا هتيجي
ضيق بين عينيه لتسترسل وهي تنظر لإيثار بشماتة:
-أنا شايفة إن كفاية علام لحد كده على الست إيثار
ارتجفت أوصالها ليخرج صوتها أخيرًا:
-يعني إيه الجملة دي مش فاهمة؟
-إيه اللي مش مفهوم في كلامي يا عنيا، بقولك أنا قررت إنك خلاص مش هتكملي علام....نطقتها بنبرة ساخطة لتهتف الاخرى بارتياب:
-مستحيل طبعاً، أنا متفقة مع عمرو قبل الجواز إني هكمل السنة اللي فاضلة لي
-إتفاقك مع عمرو ده يا حبيبتي تبليه وتشربي ميته...قالتها بسخرية لترفع قامتها لأعلى بتفاخر وصوتِ حاد هز أركان المكان:
-أنا هنا الكل فالكل، الكلمة كلمتي والشورة شورتي.
نطقتها بجبروت لتسترسل قبل أن تنسحب للخارج:
-قومي غيري المسخرة اللي إنتِ لابساها دي وحصليني على المطبخ علشان تجهزي العشا للرجالة
لتستطرد متهكمة:
-أصل الخدامة اللي أبوكِ باعتها وراكي واخدة أجازة النهاردة
ابتلعت إهانتها بغصة مريرة ولم تستطيع الرد لتحذيرات والدتها الشديدة بعدم الرد وبالاخص على تلك المتجبرة، نظرت لـ زوجها الواقف مكتف الأيدي لتهرول عليه قائلة بنبرة مترجية:
-عمرو أنتَ ساكت ليه، إنتَ هتسيب مامتك تتحكم في مستقبلي وتنفذ كلامها؟
أخذها بأحـ.ـضانه ليهديء من روعها وهو يقول:
-إهدي يا حبيبتي ومتقلقيش،انا هكلمها بس مش الوقت علشان ماتعندش،لما تهدى
-وعد يا عمرو...نطقتها بعينين متوسلتين ليهز لها رأسهُ بتأكيد، وبالفعل توسط لها عند والدته لتوافق بعد جدالٍ عنيف بينها وبين نجلها المدلل وكالعادة فاز هو بالجولة لكنها اشترطت ان تذهب إيثار إلى كليتها مرتين فقط بالإسبوع ،مرت الايام وحملت إيثار بجنينها الاول والذي سعد به الجميع وكانت الفرحة لا تسع قلبي إجلال ونصر عندما علما بأنه ذكرًا، مرت الشهور سريعًا وأنجبت إيثار يوسف ومر عامًا اخر سريعًا ما بين شد وجذب وتهكم إجلال وحقدها الظاهر على من ملكت لُب مدلل قلبها
وبغروب يومٍ ما، كانت تقبع بمسكنها الخاص،حملت صغيرها الذي أكمل عامًا ونزلت به الدرج لتجد مروة جالسة بمفردها ببهو المنزل،اقترحت عليها مروة بأن يخرجا ليشتما بعض الهواء أمام البوابة الحديدية وبالفعل خرجت بجوارها وأثناء وقوفهم أقبل عليهم أحمد إبن عم زوجها،ألقى عليهم السلام وحمل الصغير وبدأ بمداعبته وطلب من مروة كأسًا من الماء لشدة عطشه،أتي عمرو بتلك اللحظة ليجد أحمد حاملاً صغيره يداعبه ويتحدث إلى إيثار المبتسمة،اشتعلت النار وسرت بأوردته وذلك لشدة ما شعر به من غيرة وشك اقتحم قلبه،تحدث إلى زوجته بنبرة جادة متجاهلاً إبن عمه:
-إيه اللي موقفك برة؟
-خرجت أشم هوا أنا ومروة...هكذا أجابته بملامح وجه متعجبة حدته ليهتف أحمد بمداعبة:
-يا اخي طب قول السلام عليكم الاول
بسط يده يتناول صغيره الذي ما أن رأه حتى ابتسم وارتمى عليه،تحدث لابن عمه وهو يشير لها بالدخول:
-معلش تعبان شوية.
إعتذر أحمد وذهب بعدما شعر بعدم رغبة عمرو بوجوده ودخلت هي بجواره ليتقابلا بمروة التي تحدثت إليها وهي تشير بكوب الماء:
-هو أحمد مشي من غير ما يشرب؟
وقفت ليرتجف جـ.ـسدها حينما صرخ بها قائلاً:
-تعالي ورايا
تعجبت مروة تجهم ملامح عمرو وحدة لهجته مع إيثار وهذا ما لم يحدث من قبل، صعد الدرج وهي خلفه لتسألهُ متعجبة:
-مالك يا عمرو، إنتَ إتخانقت مع عمي نصر؟
لم يعير لكلماتها أدنى إهتمام واكمل صعوده وهو يحمل الصغير،وقف أمام باب الشقة ليفتحه وما أن دلفت وقبل أن يُغلق الباب كان صافعًا إياها بقوة جعلت الذهول سيد موقفها، بنفس توقيت سقوط اللطمة على وجنة إيثار كانت إجلال تخرج من الشقة المقابلة حيث تحتفظ داخلها بأشياء ثمينة وكانت تتفقدها، سعد قلبها لهذا المشهد الذي أثلج صـ.ـدرها ليغلق عمرو الباب دون أن يرى والدته ليكمل بصوتٍ يحترق من شدة غيرته عليها:
-أول واخر مرة أشوفك واقفة مع اللي إسمه أحمد أو أي حد غيره
ليسترسل بنبرة صارخة:
-وإياك أساسًا أشوفك واقفة قدام الباب تاني.
كان يتحدث ويصرخ وهي ساكنة لم تنبس ببنت شفة تنظر للأمام وكأنها أصبحت خارج نطاق الزمن،شعر بالندم الوقتي لكنه أبى الإعتذار، تعالت صرخات الصغير ليلقيه بأحضـ.ـانها ويخرج تاركًا المنزل بأكمله تحت صدمة وذهول إيثار التي وعت على صرخات صغيرها،لتبدأ بهدهدته وهنا إنهمرت دموعها بغزارة وكأنها استفاقت ووعت لتستوعب ما حدث للتو من حبيبها،بعد حوالي ثلاثة ساعات، لم تتوقف بهم دموعها ولا صرخات الصغير وكأنهُ يشعر بألم غاليته النفسي،انتبهت لطرقات فوق الباب فجففت دموعها سريعًا واتجهت للباب تفتحه تحت صرخات الصغير التي زادت،وجدت إجلال بوجهها وبدون حديث جذبت الصغير من بين أحضـ.ـانها لتهدأته،ثم نظرت لها لتقول بذات مغزى:
-أنا هاخد الولد يبات معايا النهاردة،وإنتِ حاولي تراضي جوزك لما يرجع
1
-عمرو لو بات زعلان النهاردة أنا اللي هزعلك...نطقتها بتهديد مباشر واستدارت لتهبط الدرج بالصغير،تاركة خلفها تلك التي شعرت بأنها ذليلة ومازاد من شعورها بالمرارة هو إنقلاب زوجها عليها وإهانته القاسية ليتحول لجلادها بعدما كان لها الامان،انسحبت لغرفة صغيرها واوصدت بابها بعدما عقدت النية على الابتعاد عنه كي يشعر بفظاظة ما اقترفه بحقها،دقت الساعة الواحدة ليعود هو بجـ.ـسدٍ مترنح نتيجة ما تناوله من مشروب كحـ.ـولي ونوعًا من الحبوب المخـ.ـدرة مع أصحاب السوء الذي كان يرافقهم قبل زواجه من إيثار والذي تغير كليًا على يدها لكنه عاد اليوم ليرتمي بين أحضـ.ـانهم بعد أول خلاف مع زوجته،ولج للغرفة يبحث عنها ليجن جنونه بعدما تأكد من عدم وجودها،هرول كالمجنون يبحث عنها داخل الحمام والمطبخ وبالاخير وصل لغرفة صغيره ولف مقبضها ليتنفس الصعداء عندما وجده موصود ليتيقن أنها بداخله
-إفتحي الباب يا إيثار...قالها بثمالة لتغمض عينيها ودموعها تنهمر فوق خديها بغزارة ليصيح بصوتٍ عالي بعدما وجد منها الصمت:
-قولت لك إفتحي الباب بدل ما اكسره
نطقت بدموعها الحزينة:
-إمشي يا عمرو، روح نام في أوضتك وسيبني في حالي
لم يتمالك حاله عندما استمع لصوت شهقاتها المتألمة ليهمس بصوتٍ نادم:
-إفتحي يا حبيبتي وأنا هنسيكي كل اللي حصل، علشان خاطري إفتحي، والله يا إيثار ماهمد إيدي عليكِ تاني
-إمشي بقى، قولت لك إمشي...نطقتها بصياحٍ ودموع ليصرخ بقوة بعدما جُن لابتعادها عن أحـ.ـضانه:
-إفتحي الباب بقولك
بات يركل الباب بقدمه ويصرخ ليستيقظ جميع من بالمنزل على صرخاته الجنونية وهو يقول بحدة:
-إفتحي يا إيثار، مش هعرف أنام وأنا بعيد عن حُضـ.ـنك،إسمعي الكلام وافتحي.
نطق الأخيرة بصراخ ليتصنم مكانهُ حينما استمع لصوت نصر الذي جلجل بالمكان ليهتز على أثره أركان المنزل بأكمله وهو يقول:
-وطي صوتك يا بقف وداري على خيبتك التقيلة، وبدل ما أنتَ واقف تصرخ زي النسوان إكسر عليها الباب وربيها من جديد
واستطرد نادبًا:
-يا خيبتك في ابنك يا نصر،على أخر الزمن إبن نصر البنهاوي واقف يعيط ومذلول على إيد بنت غانم.
وصل حديث نصر المهين لمسامعها ليجعلها تدخل بنوبة من الإنهيار أكثر بعدما شعرت بالإهانة لشخصها والتقليل من شخص أبيها، انتفضت من جلوسها لترتدي عبائة منزليه وتلف حجابها سريعًا لتفتح الباب وتهرول صوب باب الشقة الخارجي متجنبة ذاك المترنح،وقفت بأعلى الدرج لتهتف بدموعها بصوتٍ لائم:
-بدل ما حضرتك تتكلم عني وتهيني أنا وابويا بالطريقة دي،كنت تسألني الاول أنا قافلة ليه الباب على نفسي
رمقها بغضبٍ عارم لتتجاهلهُ مسترسلة بدموعها الحارة بعدما لمست وجنتها بتأثر:
-إبنك ضربني بالقلم من غير ما أعمل له أي حاجة
ابتسم ساخرًا ليصيح بجبروت:
-ويضربك بالجزمة كمان
اتسعت عينيها بذهول لتكمل إجلال على حديثه بكبرياءٍ وإهانة:
-فوقي لنفسك يا حبيبتي وأعرفي قدرك في البيت ده،أنا مجوزاكِ ليه علشان مـ.ـزاجه، مـ.ـزاجه وبس، يعني يضربك بالجزمة تناوليها له تاني وتوطي على إيده تبوسيها
واستطردت وهي تشملها بنظرات إحتقارية:
-وتحمدي ربنا إن إبن الحاج نصر وستهم، إتنازل واتجوز بنت عمي غانم الجوهري
نزلت عليها كلماتهم لتنهي على ما تبقى من كرامتها لتشعر كم هي ذليلة بلا سند أو عون
صعد طلعت من الطابق الثاني للثالث التي تقطنه وتحدث بهدوء بعدما رأى إنهيارها من حديث والديه المهين لها والذي حدث على مرأى ومسمع أهل المنزل بأكمله:
-إدخلي شقتك واستهدي بالله
بعينين زائغتين نظرت له ليشير لها بكفه للداخل، تحركت بجانبه لتتفاجأ بزوجها مستلقيًا على الأرض بعدما خارت قواه واستسلم للنوم من تأثير المشروب والحبوب التي تناولها بصحبة رفقاء السوء، هرول طلعت على شقيقه ليساعده على النهوض لينضم إليه حسين وحملاه ليضعاه بفراشه ليهتف حسين بسخطٍ وهو ينظر على شقيقه:
-بدل ما يشوفوا خيبة إبنهم قاعدين يهينوا في بنات الناس ويذلوا فيهم، ويعايروهم بالأملة اللي بقوا فيها لما نالوا شرف جوازهم من ولاد الحاج نصر
زفر طلعت ليقول لشقيقه:
-ابوك صح، كل واحدة في البيت ده لازم تعرف تمامها علشان ماتسوقش العوج علينا بعد كده
خرجا من الحجرة ليرا تلك الـ إيثار مازالت على حالها وكأنها تعرضت لصدمة قويّة جعلتها تدخل بحالة من اللاوعي، كانت تتطلع أمامها في نقطة اللا شيء ليحزن حُسين لأجلها وهو يقول مشفقًا على حالها:
-إدخلي إغسلي وشك ونامي والصباح رباح
هزت رأسها دون حديث لينسحبا للطابق الاسفل تاركين تلك المتألمة بدوامة أحزانها.
*******
«عودة للحاضر»
بداخل مطبخها الانيق، تقف هي وعزة تعملان على قدمٍ وساق تتسابقا مع الزمن لتجهيز كل ما لذ وطاب قبل حضور والدها الحبيب ونجلها الغالي،هتفت لـ عزة قائلة بتسرع:
-شوفي صنية المكرونة لـ وشها يتحرق يا عزة
أسرعت لتفتح فرن الموقد وتخرجها قائلة بسعادة:
-الله أكبر، الصنية زي الفل وشكلها يفتح النفس
-طب كويس الحمدلله، كملي بقى تقطيع السلطة وحطيها في الثلاجة...قطع حديثها رنين الهاتف الذي صدح بالمكان لتسرع لالتقاطه من فوق رخامة المطبخ وتنظر بشاشته لتقطب جبينها وهي ترى عدم ظهور الرقم، زفرت بضيق عندما تيقنت بشخص المتصل،إنه ذاك المغرور غريب الاطوار لا غير،تحدثت لنفسها بصوتٍ هامس:
-مش وقتك خالص إنتَ كمان
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تجيب بصوتٍ صارم ردًا على معاملته السخيفة لها اليوم:
-ألو
كان يقف بشرفة غرفته يحتسي كوبًا من القهوة الساخنة وما أن أتاهُ صوتها الحاد حتى تبسم ليجيبها بصوتٍ مرن:
-إزيك يا أستاذة
أشتعل داخلها من بروده لترد سريعًا بعدما عقدت النية على رد الإهانة له بطريقتها حتى تشفي غليلها منه:
-مين معايا؟
رفع حاجبهُ باستنكار ثم أخرج لسانهُ ليمرره فوق شفته العلوى بتسلي بعدما فهم بفطانته أن تلك الشرسة تريد اللعب معه، فمرحا بك أيتها المشاكسة داخل عالمي المليء بالمغامرات،فدعينا نلهو ونمرح ونتسلى سويًا،استعاد توازنهُ لينطق بنبرة حنون أربكتها:
-معقولة لحقتي تنسي صوتي؟
ليسترد بتسلي:
-ده انا حتى نبرة صوتي مميزة
-ده على أساس إننا كل يوم بنتكلم بالساعات،مكنوش مرتين اللي إتكلمنا فيهم...نطقتها بعفوية لتلعن حالها وغبائها الناتج عن تشتتها وعدم تركيزها لتعلو قهقهاته التي أربكتها وجعلت من قلبها يدق بوتيرة عالية، فقد كانت ضحكاتهُ مثيرة للغاية،لحضوره هيبه وهالة تجعل كل من يراه يُأثر برجولته الطاغية، تكاد تجزم بأن لولا تجربتها المريرة التي جعلتها تعكف عن صنف الرجال بأكمله وتقرر العزوف عنهم والنأي بحالها من براثنهم لكانت وقعت صريعة غرامه بالوهلة الاولى التي رأتهُ بها،لكن ولسوء حظها فقد دخل حياتها بالتوقيت الخطأ،وعت على حالها عند إستماعها لصوته الرجولي وهو يقول بطريقة جعلتها تشعر بالحرج:
-طب ما أنتِ عارفاني اهو، لازمتها إيه بقى دخلة الوش الخشب دي
واستطرد بدعابة جعلتها تضغط بأسنانها فوق شفتها السُفلى:
-ولا الاستاذة بترد لي اللي حصل مني النهاردة؟
واسترسل سريعًا قبل أن تسوء فهم حديثه:
-واللي كان غصب عني على فكرة
أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بأسف ولأول مرة بحياته ليكسر معها أولى ثوابته:
-لو قولت لك أنا أسف هتقبلي؟
إنتفاضة وقشعريرة سرت بجميع جـ.ـسدها لا تعلم مصدرها،بالتأكيد حدثت نتيجة صوته الناعم الذي اسرها، نظرت من حولها لترى عزة منشغلة بالعمل فخرجت منسحبة للخارج لتصل لغرفتها وهي تتلفت من حولها بارتياب:
-محصلش حاجة علشان تتأسف
واستطردت بعدما انتوت مشاكسته:
-وبعدين أنا متعودة منك على كدة
كرر ضحكاته من جديد لتغمض على اثرها عينيها وتستمع لصوته المنتعش وهو يقول:
-تقصدي إن قلة ذوقي مش جديدة عليكِ؟!
حمحمت لتجيبه بصوتٍ ناعم أثار داخله لينتفض قلبه بهزاتٍ عنيفة تعجب لها:
-العفو يا سيادة المستشار، حضرتك شخص ذوق ومحترم
-حضرتك وسيادة المستشار في جملة واحدة...نطقها بملاطفة لتبتسم بهيام لتنتفض سريعًا بعدما استمعت لصوت عزة التي ولجت إليها قائلة بتعجب:
-بتكلمي مين كل ده
حمحمت ليخرج صوتها مرتبكًا وهي تقول بارتياب:
-مكالمة خاصة بالشغل.
طب يلا إنجزي علشان تلحقي تاخدي شاور وتغيري هدومك قبل ما أبوكِ ييجي... اتسعت عينيها بذهول وباتت تشير بكفها بأن تصمت لتخرج الاخرى وهي تبرطم بكلماتٍ معترضة:
-إنتِ حرة، كله هييجي على دماغك في الاخر
أصيب بنوبة من الضحك الهيستيري مما استمعه من تلك المصيبة المتحركة على الارض ليصل لمسامعه صوت تلك التي شعرت بالخجل يعتريها وهي تقول:
-أنا أسفة
هي دي مامتك؟... نطقها بعفوية لتتنهد بألم حين تذكرت حالتها المريرة لتجيبهُ باقتضاب وضيق شعر هو به:
-لا، دي عزة اللي بتساعدني في تربية يوسف
تعجب لتغيير نبرة صوتها لكنه لم يرد أن يُقخم حاله بحياتها الخاصة أكثر فتحدث بعملية بعدما استمع لحديث المرأة وتيقن تعجلها:
-طيب علشان مضيعش وقتك لأن واضح إنك مشغولة، أنا بكلمك علشان أبلغك إني حابب إنك تكوني حاضرة معانا بكرة المقابلة بين أيمن الاباصيري وصلاح عبدالعزيز
قطبت بين عينيها لتسألهُ باستغراب:
-وأنا هحضر بصفتي إيه؟
بصفتك إني عاوز ده يحصل...نطقها ببعضًا من الغرور لتجيبهُ متهكمة:
-لاااا والله،تصدق أقنعتني
اطلق ضحكة عالية لتتنهد من جديد بعد أن وضعت كف يدها فوق صـ.ـدرها وكأنها تهدأ قلبها وتطالبهُ بالتعقل وعدم الإنصياع لتلك الدقات الغبية،لينطق هو بغرورٍ مصطنع:
-ده العادي بتاعي على فكرة، شرسبيل بقى.
لمست به حس الفكاهة وتعجبت التغيير الشامل بمعاملتها ليقول هو بجدية بعدما شعر بتلبكها:
-نتكلم جد شوية
-ياريت...نطقتها بهدوء ليكمل هو:
-انا بجد محتاجك معايا
نطقها بنبرة ناعمة لتنزل الكلمة على قلبها زلزلته،ليكمل هو بجدية:
-انا محتاج لحد عاقل زيك علشان يساعدني في مهمتي، وأهو بالمرة تاخدي ثواب
ابتسمت لتجيبه بصوتٍ متأثر:
-تمام، أنا معاك
نطق بصوتٍ هاديء:
-إتفقنا، مش هأخرك أكثر من كده
ليسترسل بوقاحة جديدة عليه:
-علشان تلحقي تاخدي الشاور بتاعك،نعيمًا مقدمًا
واستطرد بملاطفة:
-مش بردوا بيقولوا كده بعد الشاور؟
شعرت وكأن أحدهم قد سكب فوق رأسها دلوٍ من الماء البارد لتهتف بنبرة جادة لتعديه حدود اللباقة والخصوصية:
-بعد إذن حضرتك، مضطرة أقفل.
-تمام، مع السلامة... نطقها بهدوء لتغلق وهي تهتف بغضبٍ بصوتٍ مسموع:
-واحد قليل الأدب
لتهتف بصوتٍ غاضب وهي تتجه نحو عزة للفتك بها:
-إنتِ يا عزة هانم،يومك مش فايت النهاردة
أما عند فؤاد،الذي ألقى بهاتفه جانبًا ليمسك بكفيه سور الشرفة وبدأ يتنفس بارتياح وهو ينظر للزهور المتواجدة بحديقة القصر قبل أن يقول لحاله بصوتٍ مسموع:
-إنتِ هتتشاقى على كَبر وتخيب ولا إيه يا فؤاد
واسترسل بغرور يليقُ به:
-رفقًا بقلوب العذارى يا ابن الزين،البت غلبانة ومش قد سحرك.
↚
«كُنتِ لي يومًا أسْمَى وأَنْبَل أمنياتي،حتى أني لقبتُكِ بأعظم إنتصاراتي
فكيف بين ليلةٍ وضحاها يتحول إنبهاري لبُغْضٍ،وتُصبحين أَضْخَم خيباتي»
فؤاد علام زين الدين
بقلمي« روز أمين»
ارتدت أفخم ثيابها استعدادًا لرؤية أبيها العزيز التي حُرمت من رؤياه لمدة تخطت الستة أشهر منذُ أخر زيارة لها إلى البلدة وما حدث بها،حيث اتفق عزيز مع عمرو ووالدهُ وهاتفها أيهم ليبلغها بمرض أبيها الشـ.ـديد وبأن عليها الحضور الفوري لتهرول لمنزل عائلتها والرُعب يعتريها،دقت فوق الباب بلهفة لتجد ذاك العاشق يقابلها بباقة رائعة من الزهور مع ابتسامتهِ التي باتت تبغضها كـ كُل شيئًا يتعلقُ به ويذكرها بماضيها الأليم،تنفست بقوة وكأنها تنفض عنها تلك الذكريات البغيضة لتنتعش روحها وهي تنظر لانعكاس صورتها بالمرأة وتبتسم وكأنها تبث الأمل بداخلها، خرجت من غرفتها لتجد عزة تقابلها حيث ولجت من شرفة البهو بعدmا روت الزهور والزرع،لتهتف بانبهار عند رؤيتها لتلك السعيدة:
-وشك منور وكأنك بدر في ليلة تمامه، طبعاً حد قدك، هتشوفي اغلى الغوالي، أبوكِ وإبنك
لم تعير لحديثها إهتمام ولم تلتفت لها من الأساس لتسترسل الأخرى بتقليل من حجم ما اقترفته:
-مكنوش كلمتين وقولتهم اللي هتفضلي لويالي بوزك عليهم طول النهار
احتدت ملامح الاخرى وهي ترمقها باشتعال لتستطرد عزة بتطفل كعادتها:
-طب هو أنتِ كنتي بتكلمي مين؟
هتفت بحدة بالغة:
-كنت بكلم وكيل النيابة المسؤل عن حادثة كريم الله يرحمه،يارب تكوني إرتحتي بعد الرغي والهرتلة اللي قولتيها قدامه
لوت فاهها لتقول بلامبالاة بعد تفكُر:
-وهو يعني وكيل النيابة ده مابيستحماش زينا
رفعت ساعديها لأعلى وقبضت على كفيها بقوة وهي تغمض عينيها في محاولة منها للسيطرة على كم الغضب الهائل الذي أصابها من أثر لامبالاتها لتصيح وهي تقول بامتعاضٍ ظهر بَين على ملامحها المكفهرة:
-عزة...قطع حديثها صوت جرس الباب فهرولت عزة بالمبادرة بفتحه كي تنأى بحالها من إنفجار تلك الغاضبة بها،ولج والدها وهو يحمل صغيرها ويجاوره الحارس الخاص بالبناية يحمل عنه حقيبة كبيرة مليئة بخيرات الريف المصري، انتزعت عزة الصغير من أحضـ.ـان جده لتضمه وتشتم رائحته التي اشتاقتها لمدة يومان، أما إيثار فهرولت لتحتضن والدها وللترحاب به حيث تأثر كلاهما باللقاء للحد الذي جعل دmـ.ـو.عهما تسيل فوق وجنة كلًا منهما،تحدثت إليه بدmـ.ـو.عها:
-وحـ.ـشـ.ـتني يا بابا، وحـ.ـشـ.ـتني قوي
بادلها العناق وبعدmا فاق من تأثرهما باللقاء تحدث إليها وهو يُشير للحقيبة:
-امك باعتة لك دكرين بط وكام فرخة بلدي علشان يوسف
لوت جانب فمها بطريقة ساخرة لتقول بنبرة تحمل الكثير من الألم:
-كتر خيرها
تنهد الأب لأجل تلك الموجوعة لتهتف بانتشاء في محاولة منها للخروج من دوامة أحزانها التي لا تنتهي:
-تعالى يا بابا إغسل إديك ووشك علشان نتغدا
واستطردت وهي تحمل صغيرها وتتحرك به للداخل:
-أنا وعزة عملنا لكم كل الاكل اللي بتحبوه
-عملتي لي الفراخ المقرمشة اللي بحبها يا مامي؟
-عملت لك كل الحاجات اللي بتحبها يا قلب مامي...نطقتها بنبرة تفيضُ حنانًا وهي تتطلع لصغيرها التي اشتاقت لرائحته حد الجنون
جلست بصحبة والدها الحنون وتناولا الغداء فوق الطاولة التي رُص عليها كل ما لذ وطاب من أكلات متنوعة يفضلها والدها ونجلها العزيزان، وبعد انتهاء الطعام جلس الجميع بالبهو وبدأوا بتناول الفاكهة والحلوى ليقضي الجميع سهرة مميزة
بأخر الليل،بعدmا ولجت لداخل حُجرتها لتستريح من عناء اليوم،وجدت من يطرق الباب بخفة فسمحت له ليدخل والدها بابتسامتهُ البشوش التي تعشقها،لتسألهُ بتلهف:
-عاوز حاجة يا بابا؟
-عاوز أتكلم معاكِ شوية...قالها بهدوء لتجيبه وهي تُشير إلى حافة الفراش ليقول بتأثر بعدmا تجاورا الجلوس:
-أنا عارف إني مكنتش الأب الكويس ولا السند الشـ.ـديد ليكِ، مقدرتش أحميكِ من ظلم اللي حواليكِ واولهم امك وإخواتك
كادت أن تتحدث فطلب منها الصمت حتى ينتهي:
-انا خايف عليكِ ليبهدلوكِ من بعدي يا بنتي
-بعد الشر عليك يا حبيبي، ربنا يطول في عمرك ويبـ.ـارك لي فيك...نطقتها بفزع ليجيبها بإيمان:
-المـ.ـو.ت مش شر يا إيثار، المـ.ـو.ت علينا حق
تحدثت بعينين متأثرتين:
-أرجوك يا بابا تبطل الكلام ده وبلاش تقلقني عليك.
اجابها بهدوء:
-سيبك من الكلام ده وخلينا نتكلم في المهم، أمك واخواتك حب المال عامي عنيهم وعلشان ينوبهم جانب من مال نصر المتلتل مستعدين يعملوا أي حاجة، حتى لو كانت الحاجة دي فيها أذيتك
توقف ليأخذ نفسًا عميقًا تحت نظراتها المتأثرة ليقول بعزيمة:
-علشان كده أنا فكرت في حاجة هتحميك منهم لو جرا لي أي حاجة
تطلعت بتمعن على تلك الورقة التي أخرجها من بين طيات ملابسه ليتحدث بإبهام:
-أمانك منهم موجود في الورقة دي
قطبت جبينها لتسألهُ مستفهمة:
-ورقة إيه دي يا بابا؟!
تنفس بهدوء ليخبرها:
-ده عقد بيع وشراء مني ليكِ بالبيت والارض اللي حيلتي،خليت محمد ابن عبدالسلام ابو مسعود المحامي يكتبهم لك وبصمت عليهم أنا واتنين شهود، فاضل بس إمضتك، وأمنته مايجيب سيرة لأي مخلوق
واستطرد تحت ذهولها:
-دول اللي هيأمنوكي من غدر إخواتك بيكِ
1
هتفت وهي تهز رأسها باستنكار:
-لو كنت فاكر بإنك كده بتحميني فاحب أقول لك إنك باللي عملته ده بترميني في نار جهنم باديك
-عزيز اخويا لو عرف مش بعيد يقـ.ـتـ.ـلني فيها... نطقتها بعيونٍ زائغة مرتعبة، لتسترسل برفضٍ تام:
-ده غير إني مستحيل أوافق على حاجة زي دي،انا مش عاوزة منهم حاجة غير إنهم يحبوني ويحسسوني إني اختهم،ده غير اللي حضرتك عملته ده حـ.ـر.ام شرعًا وانا لا يمكن أوافق عليه
1
أخذ نفسًا عميقًا ليتحدث بتفاخر بردة فعلها:
-أنا كنت متأكد إنك هترفضي ومستحيل تاخدي حق اخواتك،وعلشان كده كتبت لك كل حاجة وأنا مطمن
ضيقت بين عينيها لتسألهُ:
-انا مش فاهمة حاجة؟!
تحدث بإبانة:
-بصي يا بنتي،انا عارف إنك مستورة من ورا شغلك، عندك شقتك وعربيتك وقادرة تعيشي وتربي ابنك برغم اللي نصر عامله فيكِ، وإخواتك غلابة محلتهمش حاجة من الدنيا غير حتة البيت والكام قيراط اللي ورثتهم عن أبويا الله يرحمه
-ولما حضرتك عارف ده كتبت لي كل حاجة ليه؟
اجابها بحكمة رجل اكتسبها عبر سنوات عمره الطوال:
-العقود دي هتفضل معاكِ ومش هتطلع إلا لو عزيز حاول يضايقك وياخد حضانة إبنك منك، ساعتها هتخرجيها وتهدديهم بيها،وتحطيها شرط بعادهم عنك، وانا متأكد إن ساعتها عزيز هيختار السكات والبُعد، وبكدة أبقى حمـ.ـيـ.ـتك من شرهم حتى بعد ممـ.ـا.تي
ترقرقت الدmـ.ـو.ع بعينيها بعدmا اكتملت فكرته ووضحت لها لترتمي بين أحضان غاليها الذي يفكر بحمايتها من أشرار روايتها حتى بعد رحيله،انهمرت دmـ.ـو.عها لتغرق ثياب ذاك الطيب مما جعل دmـ.ـو.عه هو الاخر تسيلُ تأثرًا بتعلق ابنته بتلايب جلبابه كمن وجدت بعد عناءِ حِصنها.
1
*******
داخل المطبخ الخاص بسجن القناصر المخصص للنساء،تقف تلك النحيفة القوام بثوبها وحجابها بلونهما الأبيض تزفر وتبرطم ببعض الكلمـ.ـا.تٍ الساخطة كعادتها وهي تقوم بتقليب الطعام بالوعاء الكبير لتهتف تلك الموظفة المشرفة عليهم وهي تتنقل بينهُن بجسدها البدين وثيابها الميري:
-بطلي برطمة وخلصي اللي في إيدك علشان تلحقوا تطفحوا في الميعاد
رمقتها بنظرة غاضبة لتهتف الاخرى وهي تشملها بازدراء:
-قلبي الأكل كويس يا بِت بدل ما يتحرق منك وتتجازي زي العادة
لم تجيبها لتسترسل الاخرى متهكمة:
-شكلك حبيتي الإنفرادي وبتحرقي الاكل مخصوص علشان تترمي فيه
انطلقت ضحكات السجينات ساخرين من تلك التي تتعالى على جميعهُن لتصيح السجانة بصوتٍ غليظٍ دب الرُعب بقلوبهن:
-إخرسي يا ولية وشوفي شُغلك منك ليها
ابتعدت السجانة لتقترب سيدة ثلاثينية من نجلا وهي تهمس لها بتودُد:
-ولا يهمك منهم،دول شوية غجر ميعرفوش قيمتك يا بنت الأكابر
تنهدت نجلا بأسى وهي تتطلع على المرأة وعلى المكان التي زَجت بنفسها بداخل براثنه لتتحسر على ما أوت إليه، رفعت ذراعها لتجفف بطرف الجلباب جبهتها المتعرقة من جراء موقد النار الواقفة أمامه لتتابع تقليب ما بداخل القدر بذراعيها وهي تلعن حالها وفؤاد اللذان أوصلاها إلى هنا، اقتربت منها سيدة ببداية عقدها الخامس ويبدوا على وجهها الطيبة لتقول بنبرة هادئة:
-لو فضلتي على حالتك دي هتتعبي،حاولي تتقبلي الوضع الجديد لحياتك وبلاش تستفزي الستات بسكاتك ونظراتك ليهم،علشان ميحصلش زي قبل كدة ويتربصوا لك ويضـ.ـر.بوكِ.
لم تجيبها لتسترسل الاخرى متعجبة صمودها:
-يا بنتي ده أنتِ ليكِ سنتين هنا،مزهقتيش من السُكات!، طب ما وحشكيش الكلام، دي حتى الستات معروفين بالرغي
أخذت تقلب عينيها بضجر من ثرثرة تلك السيدة التي تصر على إقتحام دائرة الصمت التي صنعتها لحالها لتتحدث بعدmا سأمت حديثها:
-ممكن تسبيني في حالي؟
تحدثت المرأة بتودد:
-يا بنتي أنا خايفة عليكِ،السكات ده مش حلو علشانك
-غريبة قوي،هو انتِ هت عـ.ـر.في مصلحتي أكتر مني؟...نطقتها بسأم لتهتف بسخطٍ بعدmا احتدت ملامحها:
-ممكن تبعدي عني؟
قالتها وهي تُشير بكفها باشمئزاز لتهز السيدة رأسها بأسي وتحركت دون أن تنبس ببنت شفة لتزفر الاخيرة بوجهٍ مكفهر وهي تتطلع من حولها على الجميع باشمئزاز
انتهى الجميع من تجهيز الطعام وقُمن بسكبه وجلسن ليتناولوه،جلست كعادتها تُقلب بالملعقة داخل صحنها وهي تتطلع على الطعام بتقزز واشمئزاز، تنهدت حين لاحت بمخيلتها طاولة الطعام الخاصة بقصر علام زين الدين،تذكرت ما كان يُرص فوقها من أصناف طعامٍ متعددة وفاخرة،حـ.ـز.نت لما خسرته ولجسدها الذي أصبح نحيفًا وفقد كثيرًا من الوزن لعزوفها عن طعام السجن المقزز ليقطع شرودها دخول الحارسة التي نطقت بصياحٍ حاد:
-نجلا جلال السيد منير
التفت للخلف تتطلع عليها لتسترسل الأخرى بإعلام:
-زيارة
انتفضت من جلوسها لتتحرك سريعًا مع السيدة إلى أن وصلت للمكان المقصود،أسرعت لترتمي داخل احضان والدتها التي تحدثت بدmـ.ـو.عها المنهمرة كـ كل مرة ترى بها فلذة كبدها بهذا الرداء الأبْيض:
-حشـ.ـتـ.ـيني و يا نجلا
ارتمت فوق كتف والدتها لتنهمر دmـ.ـو.عها الحبيسة وكأنها لا تجد السبيل لأخراجها سوى بداخلها،رفعت وجهها وجففت دmـ.ـو.عها سريعًا لتتحدث على عجالة وهي تجاور والدتها الجلوس فوق تلك الأريكة الخشبية:
-طمنيني،قابلتي فؤاد؟
تطلعت للحقائب الموضوعة جانبًا وهي تقول بنظرات زائغة لتغيير الموضوع:
-جبت لك لبس وأكل وشوية فواكه من اللي بتحبيها
تعلم أن والدتها تتهرب من الإجابة لذا سألتها من جديد بنبرة جادة:
-إتكلمتي مع فؤاد؟!
تنفست لتنظر أرضًا بخيبة أمل وهي تقول:
-ملحقتش،أول ما عِرف إني طالبة أقابله خرج لي برة القصر وكلمني بطريقة زي الزفت قدام الـ Security، وسابني ودخل بعد ما وصاهم يطردوني
رفعت رأسها لتزفر بقوة بعد أن أغمضت عينيها وهي تقول بإصرار:
-لازم تحاولي تاني يا ماما، أنا مش هقدر أكمل وأضيع خمس سنين من عمري تاني في السجن
أجابتها بيأسٍ:
-مش هقدر أروح القصر تاني يا نجلا، فؤاد وصى الـ Security لو شافوني هناك تاني يطلبوا لي الشرطة ويقدmوا بلاغ إني بتهجم عليهم، وأول ما روحت اللي إسمها فريال جت لي لحد البيت وهددتني، لو مبعدتش عن فؤاد هتلبسني أنا كمان تهمة وتجبني أقعد جنبك
احتدت ملامحها وبلحظة اشتعلت مقلتيها وامتلئت بشرارات الغضب وهي تصيحُ بسخطٍ:
-يعني إيه!، هتخافي من كلام اللي إسمها فريال ومش هتحاولي علشاني،إنتِ كمان هتتخلي عني زيهم؟
طبعاً، ما إنتِ عايشة حياتك بتاكلي وتشربي وتنامي على سريرك المفروش بالحرير ومش حاسة بالجحيم اللي أنا عايشة فيه هنا
نطقت الاخيرة بصراخٍ هيستيري وهي تُلقي اللوم على والدتها لتهتف الأخرى بغضبٍ شـ.ـديد:
-إنتِ كمان هتتعصبي عليا، مش كفاية قلة القيمة اللي شفتها على إيديكِ،بعد ما كان بيضـ.ـر.ب لي تعظيم سلام لما بدخل قصر علام زين الدين، بقيت بتطرد منه زي المتسولين وكله بسببك
رمقت والدتها بحدة لتقابل فايزة نظراتها بمثيلتها وهي تصيح بعدmا فاض بها الكيل:
-إنتِ إزاي بجحة قوي كده ومش حاسة باللي وصلتينا ليه، مش كفاية إن أبوكِ مـ.ـا.ت بسببك،الراجـ.ـل متحملش الفـ.ـضـ.ـيحة ومـ.ـا.ت بعد دخولك السجن بشهر واحد من حسرته عليكِ
واستطردت بحسرة:
-وأنا مبقتش عارفة اخرج من بيتي، وبعد ما كنت سيدة مجتمع والكل بيتهافت علشان يتقرب مني، بقى كل اللي يشوفني يتهرب وكأني جرثومة خايفين لـ اعديهم
تمسكت بكفيها كطفلة لتقول بتوسل وكأنها لم تستمع لكل ما قيل:
-أرجوكِ يا ماما مـ.ـا.تسبنيش،روحي لـ فؤاد تاني وأترجيه،فؤاد بيحبني، قولي له إني مستعدة أعمل له أي حاجة يطلبها مني بس يخرجني من هنا
هزت الأم رأسها بألم،كم كان قاسيًا رؤيتها لابنتها الوحيدة وهي بتلك الحالة المزرية،شعورًا حقًا ممـ.ـيـ.ـت وبالغ الألم،تنفست لتتحدث بنبرة إنهزامية لإمرأة خسرت كل شيء بدنياها:
-يا بنتي فوقي بقى من أوهامك دي،فؤاد مين اللي لسة بيحبك، إنتِ خونتي جوزك وبيعتيه وكنتي هتدmري له مستقبله كله
لتسترسل بتذكير:
-لولا الصدفة كنتي قضيتي على سمعة عيلته اللي قعدوا يبنوها في سنين
انفجرت ببكاءٍ هيستيري لتقول بنـ.ـد.مٍ:
-غلطة يا ماما، قولي له غلطة ومش هتتكرر
اتسعت عينيها بحقدٍ لتستطرد بنبرة ساخطة:
-كله بسبب الشيطان الي إسمه محسن، هو اللي خلاني أعمل كده يا ماما
-مبقاش ينفع النـ.ـد.م خلاص يا بنتي، واهو محسن خد جزائه هو كمان... كلمـ.ـا.ت نطقتها بإحباط لتسترسل بقلبٍ ينزف على فقدانه لجميع أحبائه دفعةً واحدة:
-بسببه خسرت أختي الوحيدة بعد ما قاطعتها بسبب اللي حصل لك من ورا إبنها.
قاطع حديثهم دخول الحارسة التي هتفت بحدة:
-الزيارة انتهت.
وقفت لتتحرك بجانب السجانة وهي تهتف بتوصية:
-روحي لـ فؤاد تاني يا ماما واتكلمي معاه،انا لو فضلت هنا أكتر من كدة ممكن أمـ.ـو.ت،مش هقدر أكمل بالشكل ده يا ماما
باتت تصيح بهيستريا إلى أن اختفى صوتها خلف الابواب تحت دmـ.ـو.ع فايزة وحسرة قلبها على نجلتها الوحيدة التي ضيعت حالها وأبيها بتهورها وانجرافها خلف الشيطان،ولجت نجلا لداخل الزنزانة لتتحرك بجسدٍ هزيل نحو التخت المخصص لها لتُلقي بجـ.ـسدها فوقه وتتمدد واضعة رأسها فوق الوسادة الصلبة، تنفست وعادت بذاكرتها للوراء
إنتبااااااه
«عودة لما مضى»
اصطحب محسن تلك التي سلمت حالها للشيطان وذهبت بصحبته للشقة التي أملى عليه الرجل عنوانها وكانت شقة خاصة بتخليص الصفقات المشبوهة،ولجت بجانبه ليستقبلها الرجل بحفاوة، جلست واتفقت مع الرجل على جلبها للورقة المطلوبة ليسلمها حقيبة سوداء بداخلها ثلاثة ملايين من الجنيهات المصرية،تطلعت على المال بنظراتٍ زائغة وكأنها لم ترى مالاً من قبل برغم مستوى والدها الفوق متوسط ومستوى زوجها الملياردير الذي لم يبخل عليها حيث كانت تقتني ثيابها من أفخم الماركات العالمية وتحصل على كل ما تريد من المجوهرات، وتقوم بإرسال الفواتير لزوجها ليقوم بتسديدها عن طيب خاطر، ابتلعت لعابها وكأنها لم ترى مالاً من قبل لتتحدث مستفسرة بنهمٍ:
-إمتى هاخد الأتنين مليون الباقيين؟
تبسم الرجل واتكأ للخلف بغرور وهو يدخن سيجاره بتسلي بعدmا رأى جشعها للمال ليجيبها:
-بمجرد ما رجـ.ـالتي تستلم الورقة اللي في الملف ونتأكد إنك بدلتيها بورقتنا اللي هتطلع أخويا براءة، هتاخدي فلوسك وفوقيهم بوسة
أرفق بكلمته الاخيرة بغمزة وقحة من عينيه لترمقه بحدة بعد تعديه حدود الأدب معها لتُمسك الحقيبة وتهب واقفة وهي تتحدث بامتعاض:
-انا هسلم الورقة لمحسن وفلوسي توصلي لحد عندي،مش هاجي هنا تاني
نفخ بدخان سيجاره ناحيتها بصفاقة ليجيبها ببرود:
-أوامرك يا مدام،أهم حاجة الورقة بتاعتنا توصل للملف بتاع القضية قبل سيادة المستشار ما يمسكه علشان يدرسه
واستطرد متكأً على الكلمة:
-قبل يا مدام،مش بعد
-ودي تفرق معاك؟...سؤال وجهته إليه لينطق وهو يميل بعنقه للجهة اليسرى بطريقة متهكمة:
-إلا تفرق،إحنا عاوزينه يشوف المستند اللي على بنائه هيبني قرار الإفراج عن أخويا ويقدmه للمحكمة
واستطرد بتذكير:
-محسن هيبعت لك صورة الورقة المطلوبة على الواتساب علشان ما تعكيش الدنيا وتجيبي أي ورقة غيرها
أومأت عدة مرات للتأكيد لتتحرك صوب الباب بهرولة،تأكد محسن من إبتعادها ليهمس بتملق للرجل:
-اظن انا كدة عداني العيب ونفذت اللي عليا في الإتفاق،ناقص إنتَ كمان تعمل اللي عليك وتديني نصيبي يا باشا
سحب نفسًا عميقًا من دخان سيجاره لينفثه صوب عينيه وهو يقول:
-تجيب لي الورقة تاخد باقي فلوس السنيورة وتاخد التلاتة مليون بتوعك
ليستطرد بنبرة تهديدية:
-بس خليك فاكر باقي إتفاقنا علشان متزعلش،لو اخويا مخرجش براءة، هجيبك حتى لو كنت في بلاد الواق واق
ابتلع لعابه ليستكمل الاخر محذرًا:
-لأن ساعتها هتأكد إن الورقة موصلتش للملف في الوقت اللي أنا عاوزة.
-متقلقش يا باشا، أنا هفهمها على كل حاجة...انتفض على صوت نجلا التي هتفت باستعجال:
-يلا يا محسن
-بعد إذن سعادتك يا باشا...نطقها وهو يعظم لذاك المنفوخ الخارج عن القانون والذي اتخذ من أذية الشباب كمصدر دخلاً له حيث اتبع الشيطان وخـ.ـنـ.ـق ضميره ليسمح لحاله بالإتجار في المواد المـ.ـخـ.ـد.رة التي تُتلف عقول الشباب وتقضي على مستقبلهم وأعمارهم أيضاً.
*******
خرجت بصحبة محسن لتتحدث بشراهة:
-أنا لازم أروح البنك حالاً قبل ما يقفل علشان احط الفلوس في حسابي
رد الاخر محذرًا:
-مينفعش تحطيها في حسابك اللي فؤاد عارفه يا نجلا،إنتِ ناسية إنه حساب مشترك وأكيد هيوصل له إخطار بالمبلغ
فتحت فاهها ليسترسل هو بدهاء:
-الأضمن تعملي حساب جديد في بنك أجنبي
وافقته الرأي وذهبت بصحبته ووضعت المال وعادت لمنزلها وكأن شيئًا لم يكن، عاد فؤاد من عمله بنفس الموعد اليومي ليصعد لجناحه ويقوم بأخذ حمامًا دافيء ويعود من جديد للاسفل بصحبة تلك التي قابلته بحفاوة، جلسا سويًا بصحبة العائلة وأثناء تبادلهم للاحاديث وقفت ليسألها فؤاد بهدوء:
-رايحة فين يا حبيبتي؟
امسكت بجبهتها لتمثل الألم وهي تقول:
-جالي صداع مفاجيء يا فؤاد،هطلع أخد له مسكن وانزل علشان أكمل السهرة معاكم
أمسك كفها ليمنعها من التحرك وهو يقول بهدوء:
-خليكِ مرتاحة وأنا هبعت أي حد من الشغالين يجيب لك.
تطلعت إليها عصمت لتقول بتطابق مع رأي نجلها:
-إقعدي إرتاحي والبنات هيجيبوا لك المُسكن ويعملوا لك أي عصير فريش
ارتبك داخلها لكنها سرعان ما تماسكت لتنهي تلك المسألة:
-أنا هطلع بنفسي يا طنط علشان عاوزة أدخل التواليت.
ترك فؤاد كفها لتنسحب سريعًا إلى الاعلى، باتت تتلفت حولها بـ.ـارتعابٍ إلى أن وصلت للحقيبة وفتحتها سريعًا لتخرج الملف وتعبث بمحتوياته بيدان مرتعشتان،اتسعت عينيها حين وجدت الورقة المطلوبة لتبتسم بسعادة وكأنها عثرت على كنزٍ ثمين،بعجالة هرولت لخزانتها لتُخرج الورقة البديلة من تحت طيات ملابسها وتضعها بالحقيبة وتغلقها على الفور وتحتفظ بالمستند الأخر بجيب معطفٍ مُعلق، وضعت يدها فوق صـ.ـدرها لتهديء ضـ.ـر.بات قلبها وأنفاسها اللاهثة وكأنها كانت تجري بأقصي سرعة داخل سباق، نزلت من جديد وانضمت لجلسة العائلة.
بعد قليل صعد فؤاد وبدأ بفتح حقيبته واخراج الملف وجلس طيلة الليل على دراسته، وباليوم التالي سلمت الورقة إلى محسن واستلمت ما تبقى لها وبعد مرور إسبوع كان موعد محاكمة المتهم وقد حصل على البراءة من المحكمة بناءًا على ما تقدm لديها من تحريات وإثباتات تُثبت براءة المتهم،كانت تجلس داخل النادي تستجم مع صديقاتها اللواتي لاحظن تبذيرها بالمال حتى أنها بدأت بدفع جميع الفواتير الخاصة بخروجتهن بدلاً عنهُن،تفاجأت بمحسن يقف أمامها وهو يقول:
-إزيك يا نجلا
تطلعت عليه من تحت نظارتها الشمسية لتقول باسترخاءٍ تام:
-إزيك يا محسن، تعالى إقعد معانا
قالت الاخيرة وهي تُشير له على إحدى المقاعد ليجيبها باعتراض لطيف:
-تعالي نقعد على طربيزة تانية، عاوزك في موضوع مهم
وقفت وجلست حول طاولة اخرى ليتحدث هو بانتشاء:
-جايب لك عملية جديدة، بس المرة دي المبلغ أكبر
جحظت عينيها لتهتف بحدة غاضبة:
-إيه الإسلوب الرخيص اللي بتكلمني بيه ده يا محسن،إنتَ ليه محسسني إنك بتكلم تاجرة مـ.ـخـ.ـد.رات
واستطردت بصرامة:
-وبعدين إنتَ بتكلمني على إن خلاص الموضوع بقى شغل بالنسبة لي، دي مرة وما صدقت إنها عدت على خير، وأكيد مش هكرر المخاطرة دي تاني
أسند ظهرهُ للخلف وأظهر هدوءًا لا يعكس غضبه الداخلي من تلك الغـ.ـبـ.ـية التي ستفسد عليه وتُغلق بوجهه كنز على بابا الذي فُتح أمام عينيه ليمد يده ويغرف منه بلا حساب بسبب غبائها ورعـ.ـبها الشـ.ـديد:
-إنتِ حُرة، انا بس كُنت مستخسر المبلغ الكبير ده يروح لحد غيرك
واستطرد كالشيطان ليسيل لُعابها على المال:
-وزي ما قولت لك قبل كده،الناس دي مبتغلبش،وكده كده هيوصلوا للي عاوزينه سواء عن طريقك أو طريقك غيرك
لعب الشيطان بها وأخذت تقلب الفكرة بعقلها لتسألهُ بتردُد:
-هو المبلغ كام؟
-الضعف... نطقها وهو يُشير بكفاه بوجهها لتهتف بعيونٍ جاحظة:
-عشرة مليون.
مال برأسه بإيجاب لتضغط هي على شِـ.ـفتها السُفلى بأسنانها وعلى عجالة هتفت بشره:
-أوكِ موافقة
واستطردت سريعًا:
-بس دي هتكون أخر مرة يا محسن
-زي ما تحبي، انا تحت أمرك...نطقها بخُبثٍ بعدmا بات متيقنًا انها أصبحت عبدة للمال ولن تستطيع التخلص من شراهة سطوته مهما حاولت، مرت الايام وجاء اليوم المتفق عليه، وفعلت كالمرة السابقة حيث استغلت غياب زوجها بالأسفل وانشغاله مع عائلته وقامت بتبديل الأوراق المُدينة وتلك المرة كانت القضية أصعب،حيث كانت قـ.ـتـ.ـلٍ عمد مع سبق الإصرار والترصد، باليوم التالي ذهبت مع مُحسن إلى منزلاً هائل بإحدى المناطق الحديثة المصممة على الطراز الإيطالي، دخلت واستقبلها مالك المنزل وجلسوا ليتحدثوا وما ان شرعت بتسليمها المستند واستلام المبلغ المتفق عليه حتى انتفض الجميع رُعبًا حين اقتحمت رجـ.ـال الشرطة المكان ليصيح مالك المنزل قائلاً بحدة:
-إنتوا مين، وإزاي تقتحموا بيتي بالطريقة دي؟!
انتفض جـ.ـسد نجلا وبات يرتعش رُعبًا وهي تُمسك بساعد محسن متشبثة به ليتحدث الشرطي وهو يقوم بإشهار ورقة بوجهه:
-معانا أمر من النيابة بالقبض عليكم وتحريز المستند وشنطة الفلوس
-مستند إيه اللي بتتكلم عنه....نطقها لينفي التهمة عنه لتستمع لأخر صوت تريد الأستماع إليه الأن:
-المستند اللي مراتي المحترمة سرقته من شنطة جوزها وكيل النائب العام وجت لك بكل رُخص علشان تقبض الثمن.
عند نطقه لكلمـ.ـا.ته الاخيرة كان قد وصل ليقابلها الوقوف ينظر لعينيها بجمودٍ واحتقار العالم اجمع تكونت بنظراته لها، خرج صوتها مرتعشًا وهي تقول بتوسُل مدعية الإنكار:
-أنا مليش علاقة بأي حاجة يا فؤاد، أنا اتعمل عليا خطة ودخلوني في اللعبة علشان يشوهوا سمعتك عن طريقي
قالت كلمـ.ـا.تها بـ.ـارتجاف لتستدير تطالع إبن خالتها وهي تُلقي بالتهمة عليه:
-محسن، محسن هو اللي عمل كل ده
ظهر التـ.ـو.تر على ملامح الاخر ليهتف وهو ينظر إلى فؤاد بإرتباك:
-متصدقهاش يا سيادة المستشار، دي كذابة،الموضوع كله حصل بموافقتها وبمزاجها
واستطرد متنصلاً:
-انا أصلاً معرفش أي حاجة، دي هي اللي اتصلت عليا وقالت لي إنها عوزاني أروح معاها مشوار مهم
-كذاب...نطقتها بصراخ ليهتف صاحب البيت محتقرًا غباء ذاك الثنائي المنقطع النظير:
-إنتَ بتقول إيه إنتَ وهي،هتودونا في داهية الله يخرب بيوتكم
خرج صوت فؤاد قويٍ حيث قال:
-مفيش داعي للإنكار لأنه مش هيفيدكم،العملية كاملة متسجلة صوت وصورة من أول ما المدام سرقت المستند من قلب شنتطي في اوضتي،لحد اللحظة الحلوة اللي إحنا متجمعين فيها دي
انتهى من حديثه ليُشير بسبابته إلى الاعلى وعيون الجميع معلقه معه باتجاه النجفة المعلقة مرورًا بالحوائط وحتى مزهريات الزهور الموضوعة فوق الطاولات،حيث قامت النيابة العامة بإخراج تصريح يسمح بزرع كاميرات صوت وصورة بداخل جناح فؤاد حيت زرعها هو بنفسه لتصوير زوجته لإثبات التهمة و.جـ.ـعلها قضية مكتملة الأركان،وتواصلت الشرطة مع أحد العاملين بالمنزل ليقوم بزرع الكاميرات بالمنزل الذي سيتم به التسليم والذي تم معرفته حسبما استمعوه من المكالمة التي تمت بين نجلا ومحسن وهما يتفقان، حيث وضعا هاتفهما تحت المراقبة لكشف ملابسات القضية بالكامل
نظرت إليه بذهول ليبتسم إليها بخيبة أمل ويعود بذاكرته لما قبل الثلاثة أسابيع،حيث كان يجلس بأحد الكافيهات يحتسي كأسًا من العصير الطازچ بعدmا شعر لحاجته بتغيير روتينه وقرر الذهاب لذاك الكافية،ليقتحم أحد للرجـ.ـال خلوته حين تحدث قائلاً بلباقة:
-مساء الخير يا سيادة المستشار
رفع بصره يتطلع عليه باستغراب ليسترسل الاخر:
-ممكن أخد من وقت سعادتك عشر دقايق
-حضرتك تعرفني ؟!
أجابهُ الرجل بتفخيم:
-سيادة المستشار فؤاد زين الدين نار على علم يا باشا...نطقها ثم استطرد:
-تسمح لي اقعد
أشار له ليجلس الرجل ويتحدث:
-مش هعطل حضرتك وهدخل في الموضوع على طول
تحمحم ليسترسل:
-انا عندي قضية خاصة بإبني وهتتقدm لسعادتك الإسبوع الجاي،وكنت طمعان في كرم معاليك وأي مبلغ هتقول عليه إعتبره وصل لحسابك البنكي
اشتعلت عيونه لتمتليء بشرارات الڠضب وهو يقول بسخطٍ ارعـ.ـب الرجل:
-إنتَ بتقول إيه يا بني أدm إنتَ، إنتَ بتعرض عليا رشوة؟!
ليسترسل متعجبًا:
-منين جت لك الجرأة اللي تخليك تقف قدام فؤاد إبن المستشار علام زين الدين، وبكل وقاحة تعرض عليه رشوة... نطقها بعيون تطلق اسهمة نارية ليهتف الرجل مرتبكًا:
-حقك عليا يا باشا، انا والله جيت لك بعد الكلام اللي سمعته مراتي من واحدة صاحبتها.
ضيق فؤاد بين حاجبيه لينتبه جهاز الرادار لديه ملتقطًا تلك الكلمـ.ـا.ت التي بالطبع لن يمررها مرور الكرام ويدع الغضب يتملك منه،تحدث بنبرة ثابتة وعينين كصقرٍ جريح:
-وياترى إيه بقى اللي سمعته مراتك من صاحبتها وخلاك تتجرأ وتيجي لحد عندي
ابتلع الرجل ريقه ليسترسل فؤاد ما جعل الرجل ينتفض:
-تحكي لي حالاً كل اللي تعرفه واتقال لك وبكل صراحة، وإلا مش هتقوم من هنا غير وإنتَ لابس قضية عرض رشوة على وكيل نائب عام وعندي الشهود
ارتجفت أوصال الرجل وبدأ يخبره بأن صديقة زوجته أتت إليها كي تواسيها حيث تم القبض على نجلها بقضية حيازة قطعة كبيرة من مـ.ـخـ.ـد.ر الحشيش، واثناء تبادلهما للحديث اخبرتها صديقتها ان زوجها قد عثر على أحد وكلاء النيابة بنفس الدائرة يقوم بأخذ مبلغًا من المال مقابل إتلاف الدلائل واعطتها اسمه،كان يستمع للرجل وكل ذرة بجـ.ـسده تحترق
قام بتهديد الرجل إذا علم احدًا بما دار بينهما فسوف يقوم بتقديم بلاغ رسمي يتهمه بتضليل العدالة وعرض رشوة على موظف عام،وطلب منه السرية التامة للإيقاع بهولاء الخارجين عن القانون الذين يحاولون بزج إسمه لتشوية صورته كرجل قانون لديه من النزاهة ما يكفي للحصول على وسام الشرف،وقد عاهده الرجل على ذلك خشيةً الزج به داخل السجن، خرج من المكان كالثور الهائج بات يفكر ويُفكر كيف يبدأ تحرياته لكشف غموض تلك القصة، بالفعل اتفق مع فريق البحث الخاص به وبدأوا بمراقبة الرجل الذي حصل على اسمه من ذاك الشخص،قاموا بمراقبة هواتفه وتتبع الشخص ذاته وجميع أفراد أسرته، وأثناء مراقبتهم وجدوه يتردد على شقة علموا من التحريات انها خاصة بتخليصه لاعماله المخالفة للقانون فامرهم فؤاد بالعثور على الكاميرات الخاصة بالبناية المتواجد بها الشقة وأيضًا الكاميرات الخاصة بالمحال المحاطة بالبناية ومراجعة أخر أربعة أسابيع حيث موعد قضية شقيقه حينها، بالفعل عثر الفريق على تلك التسجيلات وأثناء مراجعته للتسجيلات ذُهل حينما وجد زوجته تدخل البناية بصحبة محسن إبن خالتها وبعد حوالي النصف ساعة كانت تخرج وهي تحمل بكلتا يداها حقيبة سوداء لاول مرة يراها
تشتت ذهنه ولم يعد يستوعب ما رأته عينيه ليتجاوز الصدmة سريعًا فليس هذا الوقت المناسب للإنهيار،فالأولى إنقاذ سُمعته وسُمعة عائلته وبعد ذلك سيجلس مع حاله ويحاسبها على تقصيرها ومنحها الثقة لغير المستحق،تتبع اسمها بالبنوك حتى وصل لحسابٍ خفي بأحد البنوك الأجنبية وبه مبلغًا من المال وقد علم ان أصل المبلغ الذي قامت بإيداعه خمسة ملايين،على الفور اتجه لوالده وسرد عليه ما حدث ليصطحبه وذهبا للنائب العام وأطلعاه على القصة من جميع الجوانب، وقد أمر النائب العام بتشـ.ـديد المراقبة على نجلا والمدعو محسن للإيقاع بهما وتم زرع كاميرات بالجناح الخاص بـ فؤاد بعدmا قام بتفتيش خزانتها وعثر على صورة لسونار كانت قد قامت به للتأكد من الحمل وكيفية التخلص منه ومن سوء حظها غفلت عن التخلص من تلك الورقة ليعثر عليها فؤاد داخل إحدى حقائب يدها الخاصة،وعثر أيضًا على عُلبة تحتوي على نفس نوع الدواء الذي وجده بحوزتها بالسابق والخاص بمنع الحـ.ـمل
فقط الذهول هو من سيطر عليه،لم يستطع عقله استيعاب أن من اختارها من بين كل نساء الدنيا ليسلمها قلبه واسمه واسم عائلته هي من طعنته وبدون رحمة،الأسم الذي بذل أباه الغالي والنفيس وعاش بشرف ونزاهة لبناءه طيلة سنواته التي قضاها في خدmة الوطن وهيئة القضاء، متأملاً أن يتوارثه نجلهُ ومن بعده أحفاده التي قـ.ـتـ.ـلتهم تلك الحقيرة بدmٍ بـ.ـارد ليكتشف كم كان يحيا حياةً زائفة مضللة، سنواتٌ بائسة قضاها داخل احضان تلك الحية الرقطاء ليكتشف بالنهاية أنه رجلاً تم تغفيله على يد إمرأة، وإيه إمرأة يا سادة،إمرأته التي كان يغفو بجانبها معطيًا لها كل الأمان
«عودة للوقت الحالي»
رمقها بنظرة يملؤها الإشمئزاز لينزل على وجنتها بصفعة جعلت من شعرها يتبعثر ليهتف بنبرة حادة:
-دي علشان خيانتك لأمانة شغلي
رفعت وجهها تتطلع عليه بذهول ليباغتها بأخرى أقوى وهو يردد بنبرة يملؤها القهر:
-ودي علشان خيانتك لأمانة إبني اللي قـ.ـتـ.ـلتيه من غير رحمة ولا إنسانية
جحظت عينيها بحيرة،كيف علم بأمر الجنين،ليصفعها من جديد قائلاً:
-ودي علشان تلويثك لإسم عيلتي اللي عمرك ما كنتِ جديرة بيه
أمسك شعرها وجذبها مقربًا وجهها له ليسترسل بفحيحًا يشبه الأفعى الغاضبة:
-وإدعي لأسم أبويا لأن لولا إني خفت عليه لـ يتلوث كنت لبستك قضية زنا مع الرجـ.ـا.لة اللي بتدخلي شققهم يا رخيصة، ده غير قضية خيانتك للامانة وسرقة مستند قوي وتضليل العدالة، ده غير قضية قـ.ـتـ.ـل إبني
واسترسل متذكرًا:
-على ذكر قـ.ـتـ.ـل إبني صحيح، الدكتور الزبـ.ـا.لة اللي ساعدك إنك تتخلصي من عار حملك في طفل من عيلة الزين، سبقك على الزنزانة بعد ما العيادة بتاعته اتشمعت، وان شاء الله هشطب إسمه من النقابة علشان لما يخرج من السجن بعد كام سنة ميلاقيش مهنة تلم الحثالة أمثاله
اقترب عليه الضابط المسؤل عن الحملة ليقول وهو يحاول تخليص خصلات تلك الصارخة من قبضة يده الحديدية:
-هدي نفسك يا باشا، سيبها للقانون وهو هيربيها
-حاجة أخيرة بعد إذنك...نطقها فؤاد ليبتعد الشُرطي ليسترسل الاخر وهو يرمقها بعينين تنطق بجميع عبـ.ـارات السب والاحتقار:
-قبل ما تتحركي خطوة واحدة لطريقك للسجن،لازم انضف إسمي وإسم عيلتي،
٠ليسترسل بقوة:
-إنتِ طالق.
تساقطت الدmـ.ـو.ع من عينيها بغزارة لتدوي صرخاتها بالمكان بعدmا اصيبت بنوبة هلع هستيرية وهي ترى رجـ.ـال الأمن يصطحبوها للزج بها داخل السجن:
-ما تخليهمش ياخدوني يا فؤاد، أرجوك سامحني وأنا هعيش خدامة تحت رجليك، هخلف لك الولد اللي نفسك فيه، والله هبطل الحبوب وهجيب لك البيبي اللي بتحلم بيه، فؤاااااااد
صرخت بها بجنون وهي تتشبث بذاك الباب الحديدي في مقاومة منها لعدm الخروج
انتهت التحقيقات وجاء موعد المحاكمة التي زلزلت أركان المحكمة وكتب هذا اليوم بتاريخ المحاكمـ.ـا.ت ووصفه بعض المهتمين بالشأن بالاكثر تأثيرًا حيث وقف فؤاد كالاسد الجريح يشهد على كل ما اقترفته تلك المجرمة بحقه وحق عائلته من جرائم وأفعال تقشعر لها الأبدان وكل هذا مُثبت بالصوت والصورة مما جعل القاضي ينطق بالحكم عليها بالسجن المشـ.ـدد لمدة سبعة أعوام مع الشغل والنفاذ
«عودة للحاضر»
انتفضت جميع السجينات على أثر تلك التي صرخت بعزم ما بصوتها وهي تصيح ودmـ.ـو.ع النـ.ـد.م تسيل كشلالٍ فوق وجنتيها:
-فؤاااااااد
قالتها بصراخ هيستيري لتنتفض من فراشها وتهرول لباب الحجز ممسكة بالسياج الحديدي وهي تصرخ بكامل صوتها:
- تعالى خرجني من هنا يا فؤاد،والله ما هزعلك تاني، أنا خلاص إتعلمت الدرس ومش هزعلك تاني، فؤاااااااد
-مـ.ـا.تتلمي يا بت في ليلة أمك السودة دي، هو أحنا مش هنخلص من جنان اهلك ده، يخربيتك على بيت فؤاد في ليلة واحدة...كلمـ.ـا.تٍ حادة صرخت بها إحدى السجينات التي انتفضت من جلوسها على أثر صرخات تلك المرأة العجيبة المتعايشة داخل قوقعة الماضي وترفض الخروج والتعايش مع حاضرها المرير.
3
*******
مع غروب شمس اليوم التالي
وقفت أمام خزانة ملابسها لتنتقي ثوبًا يليق بوقارها الذي اتخذته دربًا ونجحت بفرضه على الجميع، عاشت بمدينة لم تكن يومًا بمدينتها وإناسًا لم يشبهونها بشييءٍ، ومع هذا لم يستطع أحدًا تخطي حدود الأدب أو اللباقة معها،تبسمت حين وقعت عينيها على تلك البدلة النسائية الكلاسيكية المكونة من بنطال وبليزر، ابتسمت وشرعت بـ.ـارتدائها لتقف تتطلع على انعكاسها بالمرأة لتنبهر بجمالها الساحر، فقد منحتها البذلة إطلالة عصرية جذابة لتبدو أنيقة للغاية وبالاخص ذاك اللون القرمذي الذي اضفى على لون بشرتها الفاتحة لتضوي وتشع نورًا،وضعت بعض الرتوش من مساحيق التجميل الخفيفة لتبدو أكثر سحرًا وإشراقا،حملت حقيبة يدها وخرجت من الحجرة لتجد والدها يجلس بجوار صغيرها وهما يشاهدان فيلمًا للرسوم المتحركة، لتفاجيء بعزة خارجة من غرفتها مرتدية ملابس خروج لتقترب عليها وهي تقول:
-خديني معاكِ هروح أزور شهيرة وابقي عدي عليا وإنتِ راجعة
ابتسمت حين تأكدت أن تلك الخلوق لم ترد الجلوس بمفردها مع رجلاً غريب بنفس المكان، لذا قررت الذهاب لصديقتها الماكثة بنفس الشارع والتي تعرفت عليها من خلال زياراتهما للمتجر لشراء احتياجات المنزل،هزت رأسها لتلتفت لوالدها وهي تقول:
-أنا خارجة يا بابا،هروح المشوار اللي قولت لك عليه وإن شاء الله مش هتأخر
أومأ لها بابتسامة واجاب:
-ربنا معاكِ ويجعله في ميزان حسناتك يا بنتي
-مش عاوز حاجة أجيبها لك معايا يا حبيبي...نطقتها بعينين تشعان حنانًا ليجيبها بقلبٍ يرتجف من فيض حنان عيناها:
-هو أنتِ مخلياني عاوز حاجة من ساعة ما جيت يا بنتي
تبسمت له وتحركت لتستق سيارتها بطريقها للعنوان
وصل فؤاد إلى الفندق قبل الموعد بعشرة دقائق ليكون باستقبالهم،دخل بهيبة تدعو كل من يراه للإنبهار،كانت طلته ملفتة للنظر للغاية حيث كان يرتدي بذلة مودرن، بليزر من اللون الأسود وقميصًا لونهُ بينك هاديء وبنطال من الچينز الأزرق مما أعطاه مظهرًا عصريًا وقلل من سنوات عمره فمن يراه لا يعطيه ثلاثون عامٕا على الأكثر، تحرك للمكان الذي احتجزه مسبقًا وجلس بكل وقار واضعًا ساقًا فوق الاخرى وبدون وعيًا منه سلط مقلتيه على مدخل المكان وبات ينظر بتمعُن وجسدٍ مشـ.ـدود، مرت خمس دقائق وعينيه لم تفارق المدخل إلى أن رأها وهى تدخل من الباب،توسع بؤبؤ عينيه حين رأها بكل تلك الإنوثة، كم كانت رائعة جذابة،لم تدm انتشائت روحه التي شملته لكثير حين انقلب الحال من سعادة وانتشاء لـ تعجب وهو ينظر عليها بجبينٍ مُقطب وعلى ذاك المجاور لها والذي كان يتحدث إليها بتودُد تقابله هي بابتسامة هادئة،وقف عند العاملة التي كانت تستقبل الوافدين لتخلع عنه معطفهُ ويبادر هو بالتحرك ليشعر فؤاد باشتعالٍ اقتحم اوردته بل وجسده بالكامل حين لمح أحمد وهو يقف خلفها مباشرةً ليخلع عنها معطفها ويسلمهُ للعاملة التي اصطحبته هو ومعطفه وتحركت لمقر تعليقهما حسب بروتوكول المكان
مازاد من حدة اشتعاله هو إبتسامتها الساحرة التي اهدتهُ بها ليبادلها الاخر باخرى مثيلتها ويشير لها لتتحرك للامام وبالفعل تحركت ليجاورها الدخول إلى أن وصلا للمكان الذي حجزهُ فؤاد وأصر تحمل جميع المصاريف بأكملها من ماله الخاص،إنبهرت وهي تنظر للمكان والترتيبات فقد كان المكان المخصص لهم أشبه بجلسة للملوك،وقف لاستقبالهما حين اقتربا عليه لتقع عينيها على هيأتهِ لينتفض داخلها، فقد كانت طلتهِ مبهرة وساحرة تسر الناظرين إليه،لم يكن حالهُ بأفضل منها فقد أسرت روحهُ بمظهرها الساحر وذاك اللون القرمذي الذي يراهُ عليها لأول مرة، فمنذ أن رأها وهي تتشح بالسواد
أقبل عليه أحمد وبسط ذراعه للمصافحة وتحدث بنبرة هادئة:
-مساء الخير يا جناب المستشار
بادلهُ السلام لتتحدث هي دون المصافحة مما أثار حفيظته:
-إزي حضرتك يا أفنـ.ـد.م
-تمام الحمدلله...نطقها باقتضاب ووجهٍ مُبهم مما دعى لتعجبها لكنها سُرعان ما نفضت عنها ذاك الشعور عنـ.ـد.ما أشار لهما بالجلوس ليبادر بسؤالٍ لـ أحمد:
-هو أيمن بيه مجاش معاكم ليه؟!
تحمحم أحمد ليجيبه وهو يعتدل بجلسته:
-الباشا جاي في الطريق، دقايق وهيبقى هنا
تعجب ليسأله من جديد وهو يتناقل ببصرهِ بينهما:
-هو أنتوا جايين مع بعض؟
تعجبت سؤالهُ المتطفل ليجيبه أحمد بهدوء طمأن قلب الاخر:
-أنا جاي من المستشفى على هنا على طول لأن كان عندي عملية مهمة
ثم طالع الاخرى وأجابه مشيرًا بكفه صوبها:
-وإتقابلنا انا وإيثار برة عند مدخل الفندق
أومأ برأسه ليسألهما بلباقة:
-تحبوا تشربوا حاجة؟
خرج صوتها متزنًا وهي تقول:
-خلينا لما الكل يوصل أفضل
اكتفى بهزة من رأسه ليسألهما من جديد:
-بفكر أخليهم يجهزوا لنا عشا،إيه رأيكم
قال أحمد بتسرع:
-انا عن نفسي مابتعشاش غير مع مراتي،لأنها بتستناني واليوم اللي باكل فيه بره لايمكن تدوق الاكل
لا يعلم لما انتعش قلبه لسماعه لذاك الرجل العاشق لزوجته وما زاد من شعوره بالإطمئنان هو رد تلك الرقيقة عليه حيث قالت:
-ربنا يخليكم لبعض،مدام سالي مفيش أطيب منها
لتستطرد هي الاخرى معتذرة:
-أنا كمان مابتعشاش غير مع إبني
اومأ لهما ثم وقف ثلاثتهم لاستقبال "أيمن"الذي ولج للتو وتلاه "صلاح" الذي حضر بصحبة نجله "هيثم"تحدث فؤاد بوقارٍ حيث بدأ حديثه مستشهدًا ببعض الأيات القرأنية عن فضل التسامح والعفو ونشرهما بالمجتمع وبات يتحدث بطريقة سلسة جعلت الجميع منصتون له بتمعُن،وقد تصافا الطرفين وتواعدا ألا يعودا أحدهما لاخلال الوعد واخبرهما فؤاد أن عليهما الذهاب لمبنى النيابة غدًا لإتمام المصالحة من خلال محضر رسمي مثبت به بنود المصالحة ووضع كلًا منهما إمضته عليه للتأكيد،وبعدها اقترح أيمن على صلاح بأن يتشاركا بمشروعٍ جديد يطـ.ـلقاه معًا لتوطيد العلاقة اكثر،وافق صلاح مرحبًا ليتحدث أيمن موجهًا حديثه للجميع:
-على بركة الله،وإن شاء الله هعمل حفلة كبيرة الإسبوع ده وهنعلن فيها عن إطـ.ـلا.ق المشروع علشان السوق كله يعرف إن المشاكل اللي بينا إنتهت
-هايل يا باشمهندس،فكرة الحفلة ممتازة...نطقها باستحسان ليسترسل بإبانة:
-هتهدي الدنيا وتوقف إستغلال المنافسين ليكم للموقف واللي كانوا بيحاولوا يولعوا الدنيا بينكم علشان مصالحهم الشخصية
كانت تستمع إليه بعيون منبهرة بذكائه الحاد وشخصيته المسيطرة التي طغت لتجعل كل الحضور صامتون ينصتون إليه وكأنه ألقى بتعويذة سحرية على الجميع،تطلعت لعينيه بانجذاب وكأنها مسلوبة الإرادة أمام بحر عينيه لتقول بإثناء:
-بصراحة أنا مبهورة باللي حضرتك عملته يا سيادة المستشار
ابتسم لها بهدوء وشكرها
إنتهى الإجتماع وتحرك الجميع متجهين صوب الجراچ الخاص بالفندق استعدادًا للتحرك بسياراتهم كلٍ لوجهته،وقفت بجانب سيارتها وهمت بفتح الباب لكنها توقفت حين استمعت لصوته وهو يسألها:
-هتيجي الحفلة؟
التفتت إليه لتجيبه بصوتٍ هاديء:
-أكيد،أي حفلة خاصة بالشركة أنا اللي برتبها،ومن الطبيعي أكون موجودة علشان أشرف على كل حاجة بنفسي
هشوفك هناك...نطقها بعينين ساحرتين لتجيبهُ بصوتٍ متأثرًا بشعاع عينيه:
-إن شاء الله
تحرك بطريقه لسيارته لتستقل هي مقعدها استعدادًا لانطـ.ـلا.قها ليباغتها بعدmا أدخل رأسهُ من نافذة السيارة مقتربٕا من وجهها لتلفح رائحة نفسه العطرة وجنتها وهو يقول بصوت جعل من قلبها ثائرًا منتفضًا:
-على فكرة،اللون النبيتي يجنن عليكِ،ياريت تكتري منه
انتهى من كلمـ.ـا.ته الساحرة ليغمز لها بعينيه بطريقه أذابت قلبها و.جـ.ـعلت قشعريرة لذيذة تسري بجسدها بالكامل قبل أن يبتعد ليستقل سيارته منطلقًا بعدmا لوح لها بكف يده، يالله، ماذا فعل بها،لقد ألقي بتعويذة سحره الخاصة عليها وانطلق تاركًا إياها غارقة بسحره الذي لا يقاوم، رحل هو بينما رائحة عطره المميز ظلت لتحتويها وتنقلها لعالمٍ أخر جديدًا عليها،استفاقت بعدmا استمعت لصوت رجل الامن وهو يسألها باهتمام:
-إنتِ كويسة يا هانم؟
هااا... نطقتها ببلاهة لتسترسل بعدmا وعت على حالها وبدأت تدير محرك السيارة:
-معلش اصلي سرحت شوية
انطلقت بسيارتها لتقودها بقلبٍ هائم وعينيه الساحرة لم تتركها لتراها تحوم حولها بجميع الزوايا وكأنها تحاصرها،تعالت ضـ.ـر.بات قلبها المندفعة حتى أنها كانت تستمع إليها لتتنهدُ بانتشاءٍ وحالة من الوله تسيطر على كل ذرة بكيانها.
↚
لعينيه بريقًا إخترق جدار قلبها بسهامه النافذة ليجعل روحها هائمة كطيرٍ سابح بسمائه الواسعة مما جعل إبتسامتها الواسعة مرتسمة على ثغرها طيلة الطريق،فقد رحل هذا الداهي ليترك طيف عينيه يحوم حولها وكأن بهما سحرًا جذبها لتسقط بأعماقهما وتغرق ببحرهما العميق،لم تشعر بمثل تلك الاحاسيس المرفهة منذ زمنٍ بعيد،تنفست بانتشاء لتتوقف أمام أحد محال الحلوى الشهير بالعاصمة والتي تتردد عليه دائمًا لجودة منتجه، انتقت إحدى كعكات الشيكولاتة المحببة لدى صغيرها وأيضًا والدها العزيز واستقلت سيارتها من جديد لتُدير مؤشر الراديو بعدmا شعرت بحاجتها الملحة لاستماع الموسيقى، وبالصدفة كانت غنوة لسيدة الغناء العربي السيدة"أم كلثوم"وكأن الغنوة تريد إيصال رسالةً من خلالها، فكانت كلمـ.ـا.تها تقول
«رجعوني عنيك لأيامي اللي راحو،علموني أنـ.ـد.م على الماضي وجراحه
اللي شفته،قبل ما تشوفك عنيا،عمر ضايع يحسبوه إزاي عليا عليا»
ظلت تستمع لكلمـ.ـا.ت الغنوة بتمعن وترددها وكأنها تستمع إليها للمرة الأولى،شعورًا هائلاً بالراحة تملك منها، لاتعلم مصدر تلك المشاعر الحالمة التي انتابتها مُنذ أن اقترب عليها ولفحتها رائحة عطره الرائعة، ونظرة عيناه، آهٍ وألف آه من سحرهما،لطلتهما سحرًا وكأنهُ يُلقى بتعويذة تأثرُ ناظريه، تنفست براحة لتتوقف أمام البناية وتترجل صاعدة بصحبة عزة حيث هاتفتها قبل وصولها للبناية بعدة دقائق
هتفت بسعادة ووجهٍ مشرق على غير العادة وهي تقترب من والدها ونجلها:
-جبت لكم معايا تورتة شيكولاتة علشان نحتفل بوجود الحاج غانم.
ابتسم لها بطيبة ليرد بأمنية وشوقٍ ظهر بعينيه:
-يسمع منك ربنا ويقدرني أزور بيته الحـ.ـر.ام قبل ما أمـ.ـو.ت يا بنتي
-إن شاءالله ربنا يكتبها لك وتتمع بزيارته السنة دي يا بابا...نطقتها بحِنو لتسترسل وهي تنظر إلى عزة:
-يلا يا عزة هاتي الاطباق والشوك واعملي شاي لبابا على ما أدخل أغير هدومي بسرعة
هتفت سريعًا وهي تتجه صوب المطبخ:
-من عنيا
بعد قليل كانت تجاور والدها الحنون وهي تتناول قطعة الحلوى بسعادة بالغة لتهتف عزة بعدmا لاحظت حبورها الشـ.ـديد وزيادة نور وجهها:
-ياريتك كنت جيت من زمان يا عم غانم علشان أشوف ضحكة إيثار اللي منورة وشها دي
خجلت من حديث عزة،بالطبع هي سعيدة بزيارة والدها الحنون وعودة صغيرها بعد يومين من البُعاد المُر ليأتي ذاك الفارس ويُزيد من فيض بهجتها وتهلُل روحها وكأن اليوم هو يوم سعدها، ابتسم غانم أيضًا وسعد لهناء صغيرته ليتنهد بضيق بعدmا مرت بطيفه مكالمة منيرة مُنذ قليل حيث هاتفته لتلح عليه بأن يعرض على ابنته عودتها لطليقها لأجل منفعة أبنائها الذكور من نصر وأنجاله،ليستغفر ربه بسريرته ويخرجه صوت ابنته من شروده حيث قالت على استحياء:
-ياريت يا بابا تقعد معايا هنا على طول
هم بالحديث ليقاطعه الصغير بنبرة حادة:
-إحنا اللي هنروح نعيش في البلد يا مامي
قطبت جبينها تتعجب حدة الصغير الذي أكمل بشفاهٍ ممدودة مما أوحى لشـ.ـدة استيائه:
-بابي وجدو جابوا لي لبس ولعب كتير قوي، وتيتا إجلال قالت لي لما ترجع إنتَ ومامي جدو هيجيب لك أكتر منهم
تنفست بهدوء لعلمها بمخطط هؤلاء المعدومين للضمير والتي إنتُزعت من قلوبهم الرحمة حيث وصل بهم الأمر إلى أن يقومون باللعب على مشاعر الصغير دون مراعاتهم لإمكانية تأثره والاثار الجانبية التي ستؤثر بتكوين الطفل وما سيترتب عليه فيما بعد من إضطرابات لصحته النفسية،قالت بنبرة هادئة:
-إحنا مش هينفع نسيب هنا يا حبيبي،هنا مدرستك وأصحابك وتمريناتك
-جدو هيعمل لي كل ده هناك،وكمان هناك باكل شيكولاتة حلوة قوي،أحسن بكتير من اللي إنتِ بتجبيها لي،وبعدين أنا لازم أروح علشان أسوق عربيتي...كلمـ.ـا.ت نطقها بتمرد ليسترسل بعدmا خفض بصره بحـ.ـز.نٍ:
-أنا طلبت من بابا أجيبها هنا معايا،لكن تيتا رفضت،وقالت لي هات ماما وتعالوا عيشوا هنا وكل حاجة هتبقى معاك طول الوقت
تبادلت النظرات مع والدها لتتنهد قائلة:
-أنا مش هرجع هناك تاني يا يوسف،لو حابب تروح هناك يبقى هترجع لوحدك وتعيش من غيري
-لا يا مامي،أنا عاوز أعيش معاكِ إنتِ وعزة،بس كمان عاوز العربية بتاعتي...كلمـ.ـا.تٍ قالها الصغير بحيرة لتجيبهُ بابتسامة هادئة:
-خلاص يا حبيبي،أنا هجيب لك عربية زيها
-بجد يا مامي...نطقها بحبور بعدmا انتفض بجلسته لتهز رأسها بإيجاب صفق له الصغير وانسحب للداخل بصحبة عزة، نظرت لوالدها لتقول بنبرة بائسة:
-شايف يا بابا،نصر وإجلال بيحاربوني بإبني
صمت الأب بحـ.ـز.ن فأي كلمـ.ـا.تٍ من الممكن أن تُقال لتخفف من وطأة ما تشعر به تلك المحاربة،بعد مدة ولج والدها داخل حجرة الصغير وغفى بجانبه وغفت عزة أما هي فصنعت لحالها كوبًا من مشروب الشيكولاتة الساخنة وخرجت بالشرفة لتبتسم تلقائيًا حين تذكرت ذات العينين كثيفة الرموش وسحريهما الخاطف،سرحت بخيالها لبعيدًا لمدة وبلحظة وبدون سابق إنذار هزت رأسها وكأنها تنفض تلك الأفكار الشاذة بعدmا تذكرت ماضيها المؤلم وتجربتها المريرة لتتحدث بتأنيبًا لحالها:
-ماذا دهاكِ أيتها البلهاء،أواعيتُ أنتِ لما تقترفين من جُرمٍ بحق حالكِ،ألم تكتفي ذُلاً واحتقارًا بعد،يبدوا أنكِ قد اشتقتي لسحل كرامتكِ تحت حذاء أحدهم من جديد،يا لكِ من غـ.ـبـ.ـية عديمة التعلُم،كيف سمحتي لحالكِ بأن تنخدعي على يد أحدهم للمرة الثانية،أنسيتي ما حدث بالماضي،كيف تسمحين لذاك المغرور اللعب على مشاعرك بغمزة حقيرة من اللعينة عيناه،توقفي في الحال واستفيقي على حالك،انفضي من رأسكِ كل تلك الافكار اللعينة واستعيدي توازنك من جديد،أنتِ الان إمرأة حُرة قوية فلا تسمحي إذًا لأحد الرجـ.ـال بأن يمتلك حريتك ويقيدها ويقيد معها روحك ومن جديد تفقدين على يده كرامتك التي انتزعتيها واحتفظتي بها عنوةً عن الجميع،جُل ما يجب التفكير به هو يوسف،يوسف وفقط هو من يستحق أن تكرسين له حياتكِ وحنانكِ وجميع ما تحملين بقلبك من مشاعر.
نزلت دmعة مريرة من عينيها لتهمس لحالها:
-يكفي ما حدث بالماضي إيثار.
لتعود بذاكرتها لما مضى
إنتباااااااااه
«عودة إلى الماضي»
ارتدت ملابسها وأعدت الحقيبة الخاصة بالصغير حيث وضعت بها بعضًا من غياراته الداخلية والخارجية وبعض الإحتياجات الخاصة به وجلست بأريكة بهو مسكنها الخاص والتـ.ـو.تر والقلق ينهشان من تفكيرها،ظلت منتظرة حتى وصلت الساعة إلى الحادية عشر ظهرًا وهذا هو موعد ولوج إجلال لغرفتها وخلودها للنوم، حيث أنها تفيق مبكرًا ولذا تحتاج للنوم كي يأخذ جـ.ـسدها قِسطًا من الراحة والدلال قبل أن يعود زوجها من الخارج،أسرعت أمام شقتها لتنظر من أعلى الدرج وبالفعل شاهدت دخول إجلال لغرفتها لتهرول للداخل وتحمل الصغير الغافي لتتحرك للخارج وهي تُغلق الباب بعد أن علقت الحقيبة بساعدها ونزلت تتسحب على أطراف أصابعها، إطمأنت حين استمعت لصوت مروة وياسمين يأتي من داخل المطبخ فتأكدت أنهما تعدان وجبة الغداء، هرولت إلى أن وصلت للباب الخارجي وفتحته بحرصٍ شـ.ـديد كي لا يُحدث صوتًا ينتبه له أهل المنزل وهرولت بطريقها إلى منزل أبيها،وصلت خلال عشرة دقائق ودقت الباب لتفتح لها نسرين التي تعجبت لزيارتها المفاجأة والغريبة، فمنذ زواجها وهي تُعامل كـ ملكة متوجة من قِبل عمرو الذي لا يأتي بها إلى منزل أبيها إلا بمواعيدٍ مسبقة وعلى فترات طويلة،ويوم الزيارة تأتي وكأنها بموكب لا ينقصها سوى الحمل على الأعناق حيث تستقل سيارة زوجها ذو الماركة العالية مرتدية أفخم الثياب وأثمن الجواهر لتترجل من السيارة وبجوارها عمرو حاملاً صغيره عنها كي لا يؤرقها،كانت تضع ساعدها مما حجب دخولها لتقول بنبرة بـ.ـاردة متعجبة:
-إيثار! إيه اللي جابك بدري كده؟!
رمقتها بنظرة حادة وهي تقول:
-ممكن توسعي علشان أدخل؟
رفعت حاجبها وابعدت ذراعها وهي تلوي فاهها باستنكار لتهرول إيثار للداخل لتقابلها منيرة التي كانت تنزل الدرج فاقتربت منها تتطلع على وجهها باستغراب بعدmا لمحت حدة ملامحها ناهيك عن جفني عينيها المنتفخة مما يوحي لبكائها لفتراتٍ طويلة،سألتها متعجبة:
-إيه اللي جايبك من وش الصبح كدة؟
رفعت رأسها تتلفت باتجاة الباب تبحث بعينيها عن عمرو لتسترسل باستغراب بعدmا وجدت نسرين قد أغلقته لتقترب تتطلع على كلتاهما:
-وفين جوزك، إنتِ جاية لوحدك يا إيثار؟
تطلعت بعينين متعجبتين وهي تتفحص ملامح هذه المرأة قاسية القلب،أي أمٍ أنتِ وأي قلبٍ هذا الذي تحملينه بصدرك،ألم يحن ويقلق ويضطرب لرؤيتي بتلك الحالة المزرية،ألم يشعر بما أعانيه من شعورًا مريرًا بالذل والإهانة،بدلاً من أن تحملي الصغير عني لتخفيف عناء حمله تقفين وبكل جبروت تسألين عن من تذوقت مرارة الالم النفسي على يده وبفضله استمعت لقذائف سُبابٍ من ذاك الـ نصر عديم الرحمة والمروئة وتلك الشمطاء زوجته،نفضت أفكارها لتأخذ نفسًا عميقًا وهي تقول باستسلام وخنوع:
-خليني اقعد وأخد نفسي الأول وبعدين إبقي حَققي معايا براحتك
قالت كلمـ.ـا.تها لتتجه صوب غرفتها لتجد معالمها قد تغيرت، فقد استولت عليها نسرين ووضعت بداخلها أشياء نجلها الكبير واتخذت منها غرفةً له،جحظت عينيها لتسأل والدتها باستغراب:
-كتب مين اللي على مكتبي دي يا ماما، وإيه الهدوم اللي على السرير دي؟!
كانت تهم بالرد لولا تلك التي هتفت بدلاً عن والدة زوجها لتقول بحاجبٍ مرفوع:
-كتب غانم يا حبيبتي،عزيز عطى له الأوضة يذاكر وينام فيها
-وعزيز يديها له بصفته إيه، دي أوضتي...نطقتها بحدة لتضع صغيرها الغافي بمنتصف الفراش وتسرع مهرولة لتفتح الخزانة وهي تعبث بالاشياء:
-وفين حاجتي اللي كنت سيباها هنا، فين كُتبي وهدومي القديمة يا ماما؟!
بنبرة أشعلت روح إيثار أجابتها نسرين بكلمـ.ـا.تٍ إستفزازية:
-لمتهم في كرتونة وحطتهم في أوضة الفرن
-حطيتي كتب لا تُقدر بثمن في أوضة الفرن؟!... لتسترسل بجنون:
-ومين أصلاً سمح لك تلمسي حاجتي وتاخدي اوضتي؟!
هتفت بوقاحة:
-ومن امتى اللي بتتجوز بيبقى لها أوضة يا حبيبتي،اليوم اللي البنت بتخرج فيه من بيت أبوها بيبقى أخر يوم ليها كـ صاحبة بيت، بعد كده بتدخله ضيفة وملهاش الحق تنطق ولا تقول رأيها في حاجة، دي عوايدنا اللي طلعنا لقيناها، مش هتيجي على أخر الزمن وتغيريها لنا
لتسترسل بعدmا رمقتها بحقدٍ دفين:
-ولا أنتِ فاكرة إكمنك إتعلمتي هتعملي لنفسك نظام غير الكل؟
حولت بصرها لوالدتها وهمست تسألها بذهول لصمتها المخجل:
-إنتِ ساكتة ليه يا ماما، ولا يكون كلام نسرين جاي على هواكِ؟!
زفرت بقوة لتهتف وهي تسحبها من رسغها وتتحرك باتجاه حجرة المعيشة:
-سيبك من الرغي الفاضي ده وتعالي إحكي لي
وصلت للأريكة الخشبية لتدفعها على الجلوس فوقها بحدة وهي تسألها:
-إيه اللي جايبك الساعة دي من غير جوزك؟
اغرورقت الدmـ.ـو.ع بعينيها لتنطق بنبرة متألمة لعينين مكـ.ـسورتين:
-عمرو مد إيده عليا إمبـ.ـارح بالليل
وبدأت تقص عليها ما حدث لتسترسل بدmـ.ـو.عها الغزيرة بعدmا انتهت من سرد جميع التفاصيل:
- وأنا استغليت وجوده برة وجبت إبني وجيت
-نهارك إسود يا بنت غانم، يعني إنتِ طالعة من غير عِلم جوزك وأهله؟!...نطقتها بعينين تطلق شزرًا لتجحظ عيني الاخرة بعدm استيعاب وهي تسألها بذهول:
-هو ده كل اللي فارق معاكِ؟
يعني مش فارق معاكِ ضـ.ـر.به ليا ولا شتيمة ابوه وأمه وغلطهم فى بابا؟
باغتها صوت عزيز الذي حضر سريعًا بعدmا هاتفته الحرباء زوجته ليقول بصوتٍ بـ.ـارد فاقدًا للنخوة:
-يعني هي الشتيمة بتلزق
ليسترسل بنظراتٍ ازدرائية:
-وبعدين هو الراجـ.ـل يعني هيضـ.ـر.بك كدة من الباب للطاق، تلاقيكي عملتي مصيبة من مصايبك اللي مابتخلصش
نطق الأخيرة ليرمقها بنظراتٍ كارهة مسترسلاً بحقدٍ:
-ما أنا عارفك عندية ودmاغك عايزة الكـ.ـسر
كانت تستمع لهما بعيونٍ زائغة بين ذاك الحاقد وتلك الأم التي تفتقر أدنى مفاهيم الأمومة وبين نسرين الساندة بجزعها على الباب وهي تطالعها بنظراتٍ شامتة تقطر كرهًا وكأنها قـ.ـتـ.ـلت لها أعز الأشخاص وأقربهم لقلبها، أتى والدها وشقيقاها وبدأ للجميع بتبادل الحديث ولم ينصفها أحد حتى أباها الذي تحدث بضعفٍ وهوان:
-يا بنتي المصارين في البطن بتتخانق، وده جوزك وأبو إبنك ولازم تتحمليه وقت غضبه،
وبالنسبة لشتيمتي أنا راضي بيها يا ستي،خرجي إنتِ نفسك من الموضوع
نزلت كلمـ.ـا.ته على كيانها زلزلته ومنذ تلك اللحظة علمت أن حياتها أصبحت ملكًا لنصر وإجلال وما عليها سوى الخضوع والتنازل من الأن وصاعد،انتبهت لصوت منيرة الذي صدح بالمكان وهي تلطم فخديها بكفاها بقوة:
-يا خيبتك القوية في بينتك الوحيدة يا منيرة،الناس هتقول عليا إيه الوقت،معرفتش أربي حتة البيت اللي حيلتي،من أول خناقة ليها في بيت جوزها خدت ابنها وهـ.ـر.بت من البيت.
نكست رأسها تنظر لقدmيها والذهول وعدm الاستيعاب لما يحدث حولها هما المسيطران عليها،انتبهت على صوت عزيز الذي صاح بفظاظة:
-قومي هاتي إبنك من جوة ويلا علشان اوصلك واستسمح الحاج نصر، زمانهم عرفوا بغيابك وهيخربوا الدنيا على دmاغنا بسبب ابنهم اللي خدتيه من ورا علمهم
هزت رأسها بذهول لتنظر لوالدها بترجي:
-لا يا بابا علشان خاطر ربنا، مش عاوزة أرجع هناك الوقت،سيبني هنا حتى لو إسبوع لحد ما أحاول أنسى اللي حصل وأعصابي ترتاح
نظر لها بقلبٍ مفطور لأجلها وقبل أن يضعف لنظراتها المتوسلة سبقته منيرة التي هتفت بحدة:
-قومي يا بت امشي مع أخوكِ، ولا عاوزة الناس تشمت فينا ويقولوا بنت غانم معمرتش في بيت الحاج نصر
لوت نسرين فاهها لتهتف بكلمـ.ـا.تٍ تقطرُ سُمًا:
-أول مرة أشوف واحدة عاوزة تخرب على نفسها،وسايبة بيت عايشة فيه زي الملكة علشان كلت لها حتة قلم،تعالي يا اختي شوفي عزيز اخوكِ واللي بيعمله فيا
لكزتها نوارة التي كانت تبكي تأثرًا بدmـ.ـو.ع وانهيار إيثار لتهمس لها:
-بلاش تشعللي الدنيا بكلامك، هي والعة لوحدها
لترد لها لكزتها بأعنف وهي تقول:
-إخرسي إنتِ يا أم قلب حنين، ولا عوزاها تيجي تكتم على نفسنا زي الأول
تحدث أيهم إلى والده بعينين راجيتين بعدmا رأى إنهيار شقيقته:
-بلاش تخلي عزيز يوديها النهاردة يا بابا،خليها قاعدة هنا يومين،هتروح إزاي وهي بالشكل ده؟
ليصدق وجدي على حديثه قائلاً:
-خليها تقعد لحد ما ييجي جوزها ياخدها بنفسه يا ابا
هتف عزيز حسبما أخبرته الحقيرة زوجته:
-وهو جوزها كان مشاها علشان ييجي ياخدها، السِت اختك هربانة بابنها،ده نصر هيطربق الدنيا فوق دmاغنا علشان خاطر حفيده اللي الهانم خـ.ـطـ.ـفته...نطق كلمـ.ـا.ته وهو يرمقها بسهامٍ نارية من مقلتيه لتهتف بدmـ.ـو.عها الغزيرة دفاعًا عن حالها:
-أنا معملتش حاجة علشان اهرب يا عزيز، أنا اخدت إبني ومشيت من غير ما حد ياخد باله علشان ميحاولوش يمنعوني
-طب قومي يلا معايا وبلاش تتبطري على النعمة لتزول من خلقتك...نطق كلمـ.ـا.ته بازدراء ليقطع حديثهم صوت دقات فوق الباب الخارجي ليصمت الجميع حينما استمعوا إلى صوت وجدي:
-تعالى يا عمرو
شعرت بانتفاضة بجميع جسدها ولكن ليست انتفاضة عشق كالسابق، بل كانت نفورًا واشمئزازًا مختلطًا ببعضًا من الرُعب والارتياب، ولج لينظر لها بجمود وغضبٍ ناتج عن حديث والداه اللذان لاماه على ضعفه مع زوجته وهذا ما جعلها تأخذ صغيره متغاضية عن نتائج فعلتها،زفر ليتحدث إلى غانم بعدmا رأى نفورها وإشاحتها لوجهها بعيدًا عنه:
-عجبك اللي عملته بنتك يا عم غانم،ينفع تاخد ابني وتمشي من غير ما حتى تستأذن من أمي؟!
نطق غانم بصوتٍ خافت حزين لاجل ما أصاب ابنته على يده وعائلته:
-والله يا ابني اللي حصل كله لا يرضيني ولا يعجب حد أبداً
هتف عمرو متجاهلاً حديث غانم اللائم ليقول باندهاشٍ:
-أنا سايب أبويا في البيت هيتجنن علشان يوسف،إنتَ أصلك مش عارف أبويا متعلق بالواد قد إيه،ده أول مابيرجع من برة أول حد بيسأل عليه ويشوفه هو يوسف
واسترسل وهو يتطلع على تلك التي لا تعيره عناء النظر إليه:
-قال وأنا اللي طالع زي المغفل علشان اجيبه من الشقة،ألاقي مراتي خدته ومشيت من غير ما تعمل لي حساب ولا كأنها متجوزة راجـ.ـل
-غلطة ومش هتتكرر تاني يا عمرو،امسحها فيا أنا يا ابني...كلمـ.ـا.تٌ ذليلة نطقتها الأم بخنوعٍ لينكـ.ـسر على أثرها قلب تلك المتألمة ويزيد عليها عزيز الذي نطق بما جعلها تشعر بانحطاطها ومدى تدنيها:
-حقك علينا يا عمرو،أنا كنت جايبها وجاي لكم حالاً،يعني لو اتأخرت نص ساعة بس كنت هتلاقيني عندك بيها
لم يعر لحديثه إهتمام لينظر لها وهو يقول بصوتٍ خافت بعدmا رأى دmـ.ـو.عها التي تتدفق بغزارة فوق وجنتيها بصمتٍ تام منها:
-قومي هاتي يوسف علشان نروح بيتنا
لم تنبس ببنت شفة لتستمع لصوت والدها الخانع وهو يحسها على النهوض:
-قومي يا بنتي روحي مع جوزك واخزي الشيطان
رفعت بصرها تتطلع عليه بخيبة أمل ليسحب عنها بصره سريعًا ليتلاشى سهام نظراتها القـ.ـا.تلة لتستفيق على لكزة منيرة القوية وهي تهمس بصوتٍ خفيض:
-قومي امشي مع الراجـ.ـل، قاعدة متصنمة كده ليه
ابتسامة شاحبة ظهرت على محياها ليتحول وجهها لشاحبٍ كما المـ.ـو.تى، استمعت لصوت صياح صغيرها الذي فاق من غفوته لتأتي به نوارة ويتناوله منها عمرو الذي ضمه لأحضانه وبات يزيده بقبلاته الشغوفة ليقابلها الصغير بابتسامـ.ـا.تٍ سعيدة
وقفت ببطيء لتنسحب للخارج دون أن تنظر لأحد مما شطر قلبي غانم وأيهم عليها ليتحرك خلفها حاملاً صغيره، خرج من المنزل وجدها قد استقلت مقعدها الامامي بالسيارة وهي تنظر أمامها كما الاشباح ليفتح الباب واضعًا صغيره بأحضانها ويستدير ليستقل مقعده أمام مقود السيارة وقبل أن يتحرك اقترب عزيز ليسلمها حقيبة الصغير وهو يهتف بقوة كي ينال بها رضى ذاك الـ عمرو:
-تسمعي كلام جوزك وحمـ.ـا.تك وتبطلي الجنان ده بدل ما اكـ.ـسر لك دmاغك وأربيكِ من أول وجديد
-خلاص يا عزيز،ملوش لازمة الكلام ده...نطقها بعدmا رأي إنكسار زوجته وحالة اللاوعي التي ولجت بداخلها وكأنها منساقة للمـ.ـو.ت
بعد قليل وصلت لمنزل نصر وولجت بساقين منساقتين لتُقابل بتجاهل تام من نصر الجالس بتفاخر بوسط البهو ليأخذ الصغير من عمرو الذي ناولهُ إياه وبدأ بمداعبته متجاهلاً وقوفها،لتتلقى هي سيلاً من السباب والهتاف الحاد من إجلال وصل إلى تهديدًا صريح إذا تكررت فعلتها فستحرم من نجلها إلى الأبد وستلقى بمنزل والدها لتبقى معلقة،لا هي زوجة ولا مطلقة، استمعت لكلامهما المهين لتتجه صوب الدرج دون أن تنطق بحرفٍ مما جعل عمرو يتعجب لحالتها،بعد قليل صعد لمسكنه ليبحث عنها وجدها بحجرة الصغير حيث كانت متقوقعة على حالها متخذة وضع الجنين ليقترب منها قائلاً بعدmا جاورها الفراش:
-خلاص بقى إفردي وشك، أنا مبحبش أشوفك زعلانة
-إبعد عني وسيبني في حالي... نطقتها باستسلام ليقول بذات مغزى وهو يقترب منها ويتحسـ.ـس ظهرها بذات مغزى:
-حشـ.ـتـ.ـيني و ،حشـ.ـتـ.ـيني و قوي
نطقها وكاد أن يضم جسدها إليه لتهب جالسة كمن لدغها عقرب لتقول وهي ترمقه باشمئزاز:
-قولت لك إبعد عني، هو أنتَ مبتفهمش
كانت كالفرسة الجامحة فقرر بتلك اللحظة أن يتبع نصيحة والده عنـ.ـد.ما أخبرهُ صباح اليوم بأن المرأة حين تتمنع على زوجها وتمتنع عنه لابد من تلقينها درسًا قاسيًا بالضـ.ـر.ب ثم الاخذ عنوةً عنها كي تستقيم وهذا ما فعله معها حيث صفعها بقوة وبدأ بأخذها عنوة ليتركها بعد مدة كجثة هامدة لا يتحرك لها ساكن سوى عينيها حيث تنساب دmـ.ـو.عها بغزارة، نظر عليها وكاد أن يضعف إشفاقًا لما وصلت له من حالة مزرية لكنه تذكر وصية والده عن خـ.ـنـ.ـق قلبه وقـ.ـتـ.ـل دقاته كي يحيى معها حياةً مثالية وبأنها ستصبح كـ جارية له وتتسابق في إسعاده.
بعد مرور حوالي عام،أصبحت العلاقة فاترة بين عمرو وإيثار بعدmا حدث رغم محاولاته العديدة لإصلاح ما فسد لكنها قُبلت جميعها بالصد منها وكأنها كُسرت وانتهى الأمر، أصبحت حياتها مملة وكأنها انطفأت،باتت لا تحفظ سوى كلمتان، نعم، وحاضر للتأكيد،أصبحت أيضاً خانعة خاضعة لجميع أوامر نصر وإجلال التي تجبرت عليها بعد تخلي عمرو ورفع يد الحماية عنها، لتجد حالها كـ ورقة شجرة متساقطة في وسط رياحٍ عاتية حيث تحركها كيفما تشاء بلا إرادة أو قُدرة على اعتراض
وقت الغروب حضرت سُمية إلى منزل نصر لتلج إلى الداخل بعدmا ادخلتها العاملة، وجدت إجلال تجلس فوق أريكتها حاملة الصغير الذي أتم عامه الثاني وأصبح ملكًا على عرش قلبها الطاغي، هرولت عليها لتُمسك كفها تقبلهُ وتقول بتملق وإذلال:
-إزيك يا "ستهم"
أهلاً... نطقتها بوجهٍ جـ.ـا.مد لعدm راحتها لتلك الفتاة لتتحدث الاخرى متسائلة:
-هي إيثار مش هنا، أنا جاية أقعد معاها شوية
-فوق في شقتها...قالتها بجمود لتشير لها بضيق:
-إطلعي لها
هرولت الاخرى ناحية الدرج لتخرج ياسمين التي تقدmت من جلوس والدة زوجها وهي تقول:
-الشاي يا ستهم
-هو أنا مش نبهت قبل كده على اللي إسمها إيثار متدخلش البت دي هنا تاني؟... قالت الاخرى بعجالة:
-حصل يا "ستهم"
ولما هو حصل، كلامي ما بيتسمعش ليه يا ياسمين، ولا تكونش بنت غانم فكراه بيت أبوها تدخل فيه اللي على كيفها، المصيبة أنها لامة علينا الوغش اللي شبهها،ياريتها مصاحبة حد نضيف... كلمـ.ـا.ت قالتها إجلال بسخطٍ لتسترسل بتوعد:
-أما يجيني عمرو أنا ليا معاه كلام تاني
فتحت أيثار الباب لتُفاجيء بها لتنطق باستغراب:
-سُمية؟
ولجت سريعًا لتغلق الباب خلفها وهرولت للداخل لتجلس بالمقعد متجاهلة لجميع الأصول وقواعد اللباقة لتهتف بنبرة ساخطة:
-الولية اللي اسمها إجلال دي ترعـ.ـب، أنا مش عارفة إنتِ عايشة معاها في بيت واحد إزاي
تنهدت باستسلام لتجلس بمقعدٍ مقابل لتسألها الاخرى:
-طمنيني عليكِ، إتصالحتي إنتِ وعمرو؟
عرفت إنكم إتخانقتوا خناقة كبيرة من يومين
قطبت جبينها متعجبة،بالفعل منذ يومين صفعها منذ عودته من الخارج ليلاً بفضل تحريضه من إجلال التي طلبت منها جلي الاواني قبل صعودها لتتجاهل الاخرى وتصعد لشـ.ـدة إرهاقها وكانت تلك هي حجته بينما الأصل هو غيرته الشـ.ـديدة عليها حيث حضر إبن عمه للمنزل وصافحها وابتسمت له بمجاملة لتنسحب بعدها للمطبخ تاركة الجلسة كي لا تُثير حنق ذاك الغيور:
-وإنتِ إيه اللي عرفك إن أنا وعمرو متخانقين؟!
-كنت برغي إمبـ.ـارح في التليفون مع نسرين والكلام جاب بعضه...قالتها باقتضاب لترد الاخرى متعجبة:
-أنا ملاحظة إنك قربتي قوي من نسرين الفترة الأخيرة
رفعت كتفيها لتقول بلامبالاة مصطنعة:
-أهو بنتسلى مع بعض في الكلام، بعوض بيها غيابك عني
لتسترسل بنبرة ملامة:
-ما هو من ساعة ما اتجوزتي وأنا مش عارفة اتلم عليكِ زي الاول، مرة تحت في البيت بتشتغلي، ومرة مشغولة مع عمرو
تنهدت لتسألها الاخرى بتلهف:
-ماقولتليش، إتصالحتوا ولا لسة متخانقين
-مش عاوزة أتكلم في الموضوع ده يا سِمية... قالتها بصوتٍ محبط لتسألها لتغيير مجرى الحديث:
-حددتوا الفرح إنتِ وخطيبك ولا لسه؟
هتفت بضجر:
-ولا باين له هيتعمل أصلاً
سألتها متعجبة:
-ليه بتقولي كده،إنتِ مش قولتي إن خطيبك هيسافر سنة وهيرجع تتجوزوا على طول
-وأهي السنة خلصت والبيه لا حس ولا خبر، بيقولي هنستنى سنة كمان علشان يعرف يجيب لي شبكة حلوة ويعمل فرح معقول... ثم نطقت بسخطٍ:
-حسرة عليا وعلى حظي،يوم ما اتخطب اتخطب لواحد فقري هيقضي عمره كله بالسفر علشان يدوب في الأخر يعرف يأكلني
بعد مرور أكثر من ساعتان قضتهما تلك الثقيلة في الثرثرة والنميمة وقفت إيثار معتذرة علها تشعر وتذهب كي لا تثير حفيظة إجلال أكثر:
-معلش يا سمية، مضطرة أدخل أخد شاور علشان انزل أجهز العشا مع ياسمين ومروة
اشاحت بكف يدها لتتحدث بلامبالاة وهي تنتقي إحدى حبات ثمار التفاح لقضمها:
-إدخلي يا إيثار أنا مش غريبة
سأمت من داخلها لكنها اضطرت للدخول للحمام لتستمع سمية لفتح الباب وتشعر بقدوم عمرو لتفك حجابها سريعًا وتتكيء بجلستها بطريقة مثيرة جعلت من عيني عمرو متسعة بعدmا رأي ساقيها التي تعمدت إظهارهما له، ابتلع لعابه الذي سال ليتحمحم متسائلاً:
-إزيك يا سمية
إزيك إنتَ يا عمرو... سألها وهو ينظر بـ.ـارجاء الشقة بعينين زائغتين:
-هي إيثار فين؟
أجابته بذات مغزى:
-في الحمام بتاخد شاور، لسة داخلة حالاً، يعني قدامها كتير على ما تطلع
وقفت لتقترب منه وبدأت تداعب أزرار قميصه بأناملها وهي تنظر له بطريقة تثيره ليتحدث بصوتٍ متأثر:
-وبعدين معاكِ في اللي بتعمليه ده؟
همست أمام شفتيه بعدmا شبت على أطراف ساقيها كي تصل لطوله:
-وبعدين معاك إنتَ يا عمرو،لحد إمتى هتفضل مطنشني ومش حاسس بنار قلبي اللي مولعة بحبك،بقالي شهور بلف وراك من المزرعة لجنينة المانجة لأي مكان بعرف إنك فيه على أمل تحن عليا،وإنتَ قلبك حجر
-يا بنت الناس قولت لك قبل كدة ألف مرة مينفعش...نطقها لتقاطعه بعينين لائمتين:
-واشمعنا نفع مع شيماء بنت ام بطة، ولا هي أجمل مني؟
انتفض وابتلع لعابه ليهمس وهو يتلفت من حوله رعـ.ـبًا من أن تستمع لحديثها إيثار، فبرغم كل ما يفعل من تجاوزات ومحرمـ.ـا.ت نهى الله عنها بجميع كتبه السماوية، إلا أنها الوحيدة التي سكنت قلبه ويشعر داخل أحضانها بالاستكانة والدفيء والامان:
-وطي حسك لـ إيثار تسمعك الله يخرب بيتك، إنتِ مين اللي قال لك على زفتة شيماء دي كمان
أجابته بشفاه ممدودة لإثارته:
-عرفت بمصادري، وعلى فكرة، أنا كان ممكن أقول لـ إيثار واقلبها عليك، بس مردتش علشان بحبك
اجابها وهو يبتعد عنها:
-بصي يا بنت الناس،إنتِ بالذات مينفعش يحصل بينا حاجة، أولاً علشان إنتِ لسة بنت وأنا مليش في العلاقات التياري، وتاني حاجة إنتِ صاحبة مراتي
ابتسمت بخبث لتجيبه:
-الموضوع الاولاني ده ملكش فيه،أنا مخطوبة ومش عاوزة منك أي حاجة غير إنك تبادلني حبك وبس، وبالنسبة لصاحبة مراتك دي إعتبرني من النهاردة قطعت علاقتي بيها،ها، كدة مرضي؟
أخذ نفسًا عميقًا ليزفره لاخراج ما في صدره من اشتعال جراء قربها منه بتلك الطريقة، لتستغل الاخرى حالته وتقترب منه تقبل شفتاه لينـ.ـد.مج معها ناسيًا حاله لتكون تلك هي اولى خطوات الخيانة،ليبتعد سريًعا بعدmا وعى على حاله وهو يقول على عجالة:
-امشي الوقت قبل ما إيثار تخرج من الحمام،وتعالي لي بالليل عند الاستراحة بتاعت المزرعة،همشي الغفر وهستناكِ
1
اتسعت عينيها بذهول من شـ.ـدة سعادتها، فاخيرًا ستنال ما حلمت به وتمنت طيلة ما يقارب من الاربع سنوات منذ أن وقعت عيني عمرو على صديقتها واختارها ليطلبها للزواج دون غيرها من الفتيات،فقد أخذت عهدًا على حالها بأن توقعه داخل شباكها لتوريطه بزيجة اخرى،وبرغم خطبتها لأخر إلا انها لم تيأس وظلت تحاوطه بألاعيبها واليوم ستحقق أول إنتصاراتها بعدmا استطاعت إيقاعه بشباكها
ارتدت حجابها سريعًا لتهرول للاسفل استعدادًا ليومها الذي طال إنتظاره من تلك الرخيصة،جلس ليتنفس بعمق ليستمع لصوت باب الحمام يُفتح وتخرج منه تلك الجميلة تلف رأسها بالمنشفة لتدخل لغرفتها سريعًا متجاهلة وجوده بعدmا بحثت بعينيها عن تلك الثقيلة لتتيقن ذهابها، انسحب خلفها وجدها تقف أمام مِرأة الزينة تضع مادة مرطبة بوجهها وعنقها وساعداها،وقف يتحدث بنبرة صادقة لرجلاً متناقض غريب الاطوار لا يعلم ماذا يريد من دنياه:
-حقك عليا،أخر مرة همد فيها إيدي عليكِ
رفعت المنشفة استعدادً لتصفيف شعرها لتبتسم بمرارة وهي تقول بنبرة إنهزامية وملامح منطفأة لإمرأة خارت قواها لكثرة حروبها الخاسرة:
-سمعت الكلام ده قبل كده كتير،أنا خلاص مبقتش بصدقك ولا بثق في كلامك
اقترب عليها ليحتضنها من الخلف وهو يقول:
-صدقيني دي أخر مرة،أنا بحبك وبغير عليكِ وإنتِ بتتعمدي تخرجي جناني من النقطة دي
ليسترسل بحنقٍ:
-كام مرة نبهت عليكِ وقولت لك لما نكون قاعدين وحد من ولاد أعمامي يدخل تطلعي على شقتك على طول،وبردوا مابتسمعيش الكلام
أجابته ببرود:
-والله أنا بنفذ كلام ستهم،اللي منعانا نطلع شققنا غير بمواعيد وكأننا تلاميذ في مدرسة،ولو مش عاجبك الكلام روح قولها هي
لتستطرد بإبانة:
-وبعدين أنا اللي عليا بعمله، وأول ما بلاقي حد جه بدخل المطبخ، عاوزني أعمل لك إيه تاني، ولا تحب أحبس لك نفسي في قمقم علشان يعجب عمرو بيه
تنفس مهديءً من حاله ليجيبها بنبرة حنون:
-خلاص يا حبيبتي، متزعليش، حقك عليا بقى
تنهدت باستسلام ليحتضنها الاخر مقبلاً إياها بشغفٍ يطفيء به لهيب اشتياقه من ابتعادها عنه لمدة يومان تحت إحباطها ونفورها الذي أصابها جراء أفعاله التي أصبحت لا تُطاق.
بعد مرور ثلاثة أشهر
بعد أذان المغرب، كانت ليلة الحناء لإبن عمٍ له حيث توجهت جميع نساء عائلة نصر إلى المنزل المقام به الإحتفال لمشاركتهم،أما عمرو فعاد للمنزل لأخذ حمامًا دافئًا وتغيير ثيابه استعدادًا لاستقبال المدعوين بجانب أبناء عائلته،اقترب من خزانة الملابس وانتقى ثيابًا داخلية لينتبه على صوت هاتفه الذي صدح لينظر بشاشته ويزفر بضيق ثم أجاب:
-عاوزة إيه يا سمية؟
-وحـ.ـشـ.ـتني...قالتها مع إطـ.ـلا.قها لضحكة خليعة مما جعل الاخر يزفر قائلاً:
-إحنا مش كنا لسة مع بعض بالليل، لحقت أوحشك فين إن شاءالله
ليسترسل بعجالة:
-إنجزي يا سمية خليني أغير هدومي علشان ألحق الحنة
إنتَ في البيت...أجابها باقتضاب:
-اه،امي وإيثار وحريم البيت كلهم راحوا حنة الحريم، وابويا وطلعت وحسين عند حنة الرجـ.ـا.لة
-يعني إنتَ لوحدك في البيت؟...سؤال خبيث سألته ليجيبها بأنه سيشرع بأخذ حمام أولاً ثم يرتدي ثيابه ليذهب للإحتفال،ارتدت ثوبها على عجالة واتجهت نحو المنزل لتدخل من الباب الخلفي للحديقه ومنه للاعلى لتدق الباب على عمرو بعدmا بعثت رسالة إلى إيثار من رقم كانت قد ابتاعته إتمامًا لخطتها التي كانت تنتظر الموعد المناسب لتنفيذها وها قد أتت لها الفرصة وقُدmت على طبقٍ من ذهب،بعثت بالرسالة وكانت فحواها«تعالي شقتك حالاً علشان تشوفي بعنيكِ اللي بيحصل من جوزك»،فتح عمرو الباب ليرتعب حين رأى سمية التي ولجت للداخل ليغلق هو الباب سريعًا وهو يتلفت من حوله ليسألها بحدة:
-إنتِ إتجننتي، إيه اللي جايبك هنا؟
ليقوم بجذبها من رسغها متجهًا نحو الباب وهو يهتف بسخطٍ:
-أخرجي قبل ما حد ييجي ويشوفك هنا وتبقى مصيبة
تدللت عليه وبالنهاية استطاعت إغراء ذاك الضعيف الخائن ليلج معها بغرفة نومه الخاصة بزوجته ليفعلا معًا الفاحشة على فراش الزوجية المقدس، أما إيثار فقد إنتابتها الريبة من تلك الرسالة واتخذت قرارًا بالذهاب لكشف غموض تلك الرسالة لتهمس إلى مروة قائلة:
-مروة، عوزاكِ تيجي معايا الشقة نسيت حاجة مهمة هناك
بالفعل توجهتا إلى المنزل وولجت للداخل والارتياب يملؤ قلبها، فتحت الباب ببطيءٍ لتُصدm بأصواتٍ عالية تأتي من غرفة نومها لتهتف مروة قائلة:
-هو فيه إيه يا إيثار؟إنتِ مخبية عليا حاجة؟
لتضع يدها فوق فاهها بعدmا تأكدت من مصدر الأصوات لتقول بذهول:
-ده صوت عمرو، مين اللي معاه
تصنمت بأرضها ولم تستطع الحركة لتهزها الاخرى بقوة وهي تقول:
-إنتِ لسة هتتصدmي، مش وقته، إدخلي شوفي جوزك مع أنهي زبـ.ـا.لة
وكأن كلمـ.ـا.ت مروة أعادت لها الوعي لتقترب من الغرفة بساقين تنتفض من هول ما هي مقبلة عليه لتمسك بمقبض الباب وتفتحه سريعًا لتُصدm بأبشع مشهد ممكن أن تراها عينيها، زوجها، ذاك الذي أختارهُ قلبها ليدق له بعدmا أخبرها أنها من ملكت الفؤاد واستوطنت،يقوم بخيانتها ومع من،صديقة طفولتها من كانت تظنها كأختٍ لها،فزعت وهي تشهق من هول ما رأته عينيها لتضع كفها فوق فاهها لينتفض عمرو وهو ينظر لها بذهول، أما تلك الحية التي ادعت خجلها منها بمداراتها لجسدها المنتهك في الحـ.ـر.ام ليهتف عمرو وهو يسرع لعندها:
-إيثار،إستني هفهمك
صرخت تنفض يده عنها وكأنهُ مرضًا خبيثًا سيصيبها،عاد سريعًا يتوارى خلف الباب عنـ.ـد.ما شاهد وقوف مروة التي شهقت بذهول من مظهره المخزي لتصرخ إيثار بعدmا انتابتها حالة من الهياج، هاتفت مروة زوجها سريعًا ليأتي وأبيه وطلعت لينقذوا الموقف،وهاتفت أيضاً والدة زوجها التي تركت الحفل لتأتي على عجالة والرعـ.ـب يتسلل لجسدها،بعد عدة دقائق كان جميع أهل المنزل بمسكن عمرو يرمقاه هو وتلك الحقيرة باشمئزاز وتقزز ليصيح نصر بحدة:
-ملقتش غير بيتي يا وس....علشان تنجسه وتيجي تكب فيه زبالتك
لتهتف إجلال بدفاع عن نجلها:
-أهي جلبة الهانم مـ.ـر.اته
لتلتفت لها قائلة:
-مش دي اللي معتبراها صاحبتك ودخلتيها بيتي
لتصرخ هي بجنون إمرأة ذُبحت ودُهست كرامتها تحت أقدام الخيانة:
-طلقني،طلقني حالاً،أنا لا يمكن أقعد دقيقة واحدة مع واحد زيك
-إهدي يا بنتي الموضوع مايستاهلش،وفي الأخر الشيطان شاطر وبيقدر على التخين فينا...ثم نظر لتلك الواقفة تدعي الخجل وهو يهتف باحتقار:
-إنتِ إيه اللي موقفك لسه يا بت،غوري يلاَ وإياكِ تخطي برجلك هنا تاني،والله لو شفتك في أي مكان يخصني لأكون قـ.ـا.تلك
رفعت رأسها لتتحدث بصوتٍ قوي:
-مش هينفع اخرج من هنا يا حاج نصر،لو روحت وأبويا عرف هيقـ.ـتـ.ـلني
القـ.ـتـ.ـل للفـ.ـاجرة اللي زيك حلال...نطقها طلعت وهو يرمقها باحتقار لتهتف هي بصوتٍ قوي:
-الكلام ده لو همـ.ـو.ت لوحدي
تطلعت لوجه نصر لتتحدث ببجاحة:
-اظن يا حاج ميرضيكش إن حفيدك يتقـ.ـتـ.ـل معايا
لتسترسل بقوة:
-أنا حامل في شهرين
صدmة نزلت على الجميع ألجمت ألسنتهم ليهتف عمرو وهو يجذبها من رسغها ليلقي بها خارج المسكن بعدmا رأى إنهيار إيثار واهتزاز جسدها من جراء واقع الصدmة:
-إخرصي يا كذابة يا بنت الكـ.....،إنتِ عاوزة تلبسيني عيل مش إبني، غوري برة مش عايز أشوف خلقتك قدامي
هتفت بتهديدًا خفي:
-تمام يا عمرو، أنا هستنى لما اولد وأعمل للولد تحليل الـ DNA، وساعتها هو اللي هيثبت إذا كان الولد من دmك وصلبك ولا أنا بضحك عليك زي ما بتقول، ووقتها هتبقى مجبر تكتبه باسمك بحكم من المحكمة
نزلت كلمـ.ـا.تها كالصدmة على نصر،كيف له ان يواجه المجتمع بفـ.ـضـ.ـيحة كهذه وأكثر ما زلزل كيانه هو إقباله على الإنتخابات، فحسم أمره سريعًا ليقول:
-سيبها يا عمرو
ليسترسل بعدmا أحال بصره صوب نجله الأكبر:
-وإنتَ يا طلعت، تروح لابوها بالليل وتتفق معاه إن عمرو هيكتب كتابه عليها والدخلة الاسبوع ده، علشان نلحق نلم الفـ.ـضـ.ـيحة قبل ما تبان، واهو العيل لما يتولد هنقول إنه اتولد ابن سبعة
جحظت عيني إجلال لتهتف صائحة وشرارات الغضب تندلع من مقلتيها وهي ترمق سمية باشمئزاز:
-إنتَ شكلك إتجننت يا نصر
لتستطرد بتعالي:
-مبقاش إلا الزبـ.ـا.لة دي كمان اللي هتجيبها تعيش مع ستهم تحت سقف واحد
زفر بقوة واجابها بانهزام:
-مفيش قدامي حل تاني علشان ألحق ألم الفضـ.ـيحة قبل الانتخابات ما تبدأ يا ستهم
واستطرد بتوصية وهو ينظر لنجله بعدmا رأى استسلام زوجته للأمر الواقع:
-خلص في الموضوع بسرعة ومن غير ماحد يحس حتى أهلها يا طلعت، انا مش ناقص شوشرة على وش الإنتخابات
باتت تنظر على الجميع وهم يتحدثون ويقومون بترتيب الأمور دون أن يكلف أحدًا منهم التفكير بحالها أو بمشاعرها وما أصابها من ذاك الزلزال المدmر الذي عصف بكيانها بالكامل وحول روحها إلى كومة من الركام،جففت دmـ.ـو.عها التي انسابت لتتحجر دmعاتها الاخريات بمقلتيها لترفع رأسها للاعلى وهي تقول بقوة وحزم:
-المأذون اللي هيكتب كتاب إبنك على الزبـ.ـا.لة دي يكون مطلقني قبلها
واسترسلت بتهديدًا مباشر بقوة جديدة عليها:
-وإلا قسمًا بالله لاكون فضحاكم في البلد والمركز كله
اتسعت عيني نصر ذهولاً ليهتف باكفهرار تحت ابتسامة سمية الشامتة:
-إنتِ بتهدديني يا بِت،ده إنتِ شكلك اتجننتي يا بنت غانم.
صاحت بعلو صوتها:
-أنا فعلاً اتجننت يوم ما وطيت راسي قدام ناس زيكم مفيش في قلوبهم رحمة ولا عندهم ذرة إيمان وخوف من ربنا، كل اللي في حساباتكم الخوف من الناس والفضايح، لكن خوفكم من ربنا مش داخل حساباتكم اساساً،وشكرًا على إنك كشفت لي ورقة ضعفك علشان هلاعبك بيها بعد كده وهيبقى اللعب على المكشوف
اقترب ذاك الواقف بقفص المذنب ليقول بعينين مترجيتين:
-إيثار، أنا لا هتجوزها ولا هعمل أي حاجة من الهري اللي سمعتيه ده كله، أنا هاخدك إنتِ وابني ونمشي من البلد كلها
ليسترسل بنظراتٍ متوسلة وصوتٍ ذليل وكأنه طفلٍ يخشى توهة روحه بعد رحيل والدته والإبتعاد عنه:
-أهم حاجة متبعديش عني
رمقته باشمئزاز لتهرول للاسفل تاركة الجميع وهم يتناوشون بأصواتٍ عالية، وجدت العاملة تحمل صغيرها الصارخ لتحمله عنها وتهرول لمنزل أبيها بعدmا سمح لها نصر بالخروخ خشيتًا إحداثها لفـ.ـضـ.ـيحة كما هددت،وكالعادة قابلت والدتها الخبر باللوم عليها بإدخال تلك الحية الرقطاء وتقريبها من عمرو،وكالعادة أيضاً تعاملوا مع الوضع باستهانة والتقليل من ضخامته حتى انهم ضغطوا عليها بعد توصيات نصر وإجلال التي تنازلت وحضرت لمنزل غانم لطلب عودة إيثار بعدmا أصيب مدللها بإكتئابٍ حاد جراء ابتعاد إيثار عنه، جذبها عزيز وأعادها داخل سيارة طلعت عنوةً عنها لتجد نفسها تسكن بمقابل تلك الخائنة، وما كان منها سوى الإنهيار الذي أدى إلى ذهاب عقلها بلحظة تخلت فيها عن كل مبادئها والإيمان القوي برب العالمين ولم تدري إلا وهي تسقط داخل بركة من الدmاء بعدmا ضعفت وقامت بقطع شريان معصمها لتسقط داخل إغمائة كانت ستقضي على حياتها لولا دخول عمرو بالوقت المناسب حيث صرخ وحملها للمشفى لينقذاها الاطباء، وبعد تلك الحادثة تحول غانم لوحشٍ كاسر، فلم يعد للخنوع مكانًا بعدmا حدث لصغيرته وكاد أن يفقدها بسبب ضعفه، لم ينتهي الوضع عند هذا الحد فاتفقت منيرة وعزيز وأيضًا وجدي بعدmا ضلله عزيز أنه يفعل هذا لأجل مصلحة شقيقته التي خرجت من تلك الزيجة خاوية اليدين بعدmا تنازلت عن جميع حقوقها مقابل خلاصها من عمرو وكان هذا شرطًا وضعه نصر لتعجيزها علها تراجع حالها ولكن هيهات، فكانت تريد الخلاص بأية ثمن تدفعه سوى صغيرها التي تمسكت به بكل قوتها، بعدmا ضاق بها الحال من تضييق الخناق عليها من الجميع هاتفت صديقة لها كانت معها بالجامعة وطلبت منها البحث لها عن فرصة عمل للحصول على أموال من خلالها تستطيع تأمين حياة كريمة لها ولطفلها، بالفعل قد وجدت لها وظيفة سكرتيرة بشركة أيمن الأباصيري قد توسط لها أبيها حيث كان يعمل حينها مديرًا للحسابات بالشركة،اعترض نصر وحاول عدm أخذها للصغير والذهاب به لكنها اصرت واعادت تهديدها له بأن تفضح أمر تلك العروس الحامل،ساعدها غانم واعطى لها مبلغًا كان يحتفظ به للزمن وسافرت إلى القاهرة بصحبة شقيقها ايهم وهذا سهل عليه أمر الذهاب إلى جامعته.
إنتباااااااااه
إنتهى الفلاش باك بالكامل
عودة للحاضر
فاقت من ذكرياتها المريرة لتجفف وجنتيها من دmـ.ـو.عها السائلة لتتفس بقوة وكأنها كانت تتخلص من أخر دmـ.ـو.ع تربطها بالماضي، تحركت للحمام لتغسل وجهها وتتحرك باتجاه غرفة صغيرها، وجدت والدها قد ضم التختين الصغيرين لتتسع المساحة، ابتسمت وانضمت لهما بالتخت لتجاور صغيرها المحاط بينها وبين والدها الذي فاق على حركتها ليسألها:
-فيه حاجة يا بنتي
ابسمت له لتضم كفه المجعد بخاصتها وهي تقول بحنين:
-مفيش يا حبيبي، بس حبيت أنام في حـ.ـضـ.ـنك إنتَ ويوسف
ابتسم وعاد للنوم من جديد حيث سيفيق باكرًا ليعود لقريته بعد أن اطمئن عليها.
******
صباح اليوم التالي
ولج لمكتب رئيسه ليُطلعه على ما تم باجتماعه بالأمس بـ رجُلي الأعمال أيمن الأباصيري وصلاح عبدالعزيز ليثنى عليه الرجل ثناءً عَطِرًا:
-أنا فخور بيك يا فؤاد،عمرك ما خيبت ظني ودايمًا بتثبت للكل إنك جدير بإسم والدك العظيم وإنك ماشي على خُطى سعادته
أمال برأسه ممتنًا ليسأله الرجل مستفسرًا:
-هييجوا إمتى النيابة علشان المصالحة تتم بشكل قانوني؟
-كمان ساعتين جنابك،أنا كمان هاخد عليهم تعهد بعدm تعرض كل طرف للتاني...نطقها بجديه ليسترسل مُعلمًا:
-ده غير إني كلمت رئيس المباحث طارق المليجي إن الإتنين لازم يتحطوا تحت المراقبة لمدة ست شهور على الاقل
قطب الرجل جبينه ليسألهُ متعجبًا:
-إنتَ مش واثق فيهم ولا إيه يا فؤاد؟
اجابه بعملية ودهاء:
-شغلنا علمنا ما نديش الأمان ولا نثق في أي حد بسهولة، ولا ناخد بكلام الناس على محمل الصدق التام
أومأ الرجل بتوافق ليستطرد الاخر بإبانة:
-أيمن الأباصيري أنا واثق فيه لعدة أسباب،ده راجـ.ـل كان عايش في أمان وفي لحظة بقى متهم في قضية قـ.ـتـ.ـل بالخطأ ومطلوب للتار من أبو القتيل،يعني المصالحة بالنسبة له كانت طوق النجاة، ومع ذلك مش هستثنيه من المراقبة
واستطرد بدهاء رجُل قانون:
-أما بقى بالنسبة لـ صلاح فده أنا مش واثق فيه إلى أن يثبت العكس
واسترسل مبررًا:
-ده راجـ.ـل خسر إبن من ولاده الإتنين اللي معندوش غيرهم،وطبيعي قلبه هيبقى محروق والشيطان هيحرضه ياخد بتاره،علشان كده هشـ.ـدد المراقبة عليه.
-هايل يا فؤاد...نطقها الرئيس باستحسان لينطق فؤاد بضيق ظهر بصوته وعينيه:
-أنا اللي مضايقني بجد يا باشا إن اللي إسمه صلاح قدر يفلت من عقـ.ـا.ب إغتيال السواق بتاع أيمن،وحق الولد المسكين ضاع قصاد سطوة صلاح وفلوسه وجبروته
واستطرد محملاً حاله الذنب:
-وده اللي مش قادر أسامح نفسي عليه
تحدث الرئيس بعملية ليخفف من وطأة ما يشعر به تلميذه النجيب:
-كان ممكن تحمل نفسك ذنب دmه لو كنت قصرت في التحريات والتحقيقات، لكن إنتَ عملت المطلوب منك وزيادة
واسترسل:
-الإعتراف سيد الأدلة يا سيادة المستشار،والراجـ.ـل اللي ضـ.ـر.ب النار على كريم سلم نفسه واعترف إنه كان على خلاف مع كريم وعلشان كده قـ.ـتـ.ـله
قاطعه فؤاد بنبرة غاضبة:
-أيوا يا افنـ.ـد.م بس كلنا عارفين إن صلاح بعت الراجـ.ـل بتاعه يسلم نفسه بعد ما أنا بدأت تحرياتي،هو خاف على نفسه وحب يريح دmاغه علشان يبعد الشبهة عنه.
-إنتَ عارف كويس قوي إنك مكنتش هتلاقي أي دليل يدين صلاح عبدالعزيز مهما حاولت واجتهدت...نطقها بهدوء ليستطرد بإبانة:
-الناس دي مبتسبش حاجة للصدفة يا فؤاد،وأكيد أمن نفسه كويس قوي بحيث يبعد عنه الشبهة، لأنه ببساطة مش هيسلم رقبته لحبل المشنقة بسهولة،ده عنده فريق من المحامين اللي ساعدوه وخططوا له بمهنية عالية إزاي ياخد حقه من أيمن من غير ما الموضوع يمسه ولا حتى يأثر على سمعته في السوق
اومأ له فؤاد ليُكمل على حديث سيده بذكاء وخبرة اكتسبهما من خلال مزاولته لعمله:
-وعلشان كده لما جم يختاروا المجرم اللي هينفذ عملية الإغتيال جابوا واحد كان متربي مع كريم السواق في نفس الملجأ، لا وكمان كان بينهم عداوة، لأن المجرم حاول أكتر من مرة يجر كريم في سكة الإجرام معاه،والولد الله يرحمه كان نضيف ورفض، وده اللي خلى المجرم اللي اسمه حسان يتخانق كذا مرة معاه وللاسف فيه شهود على كده
واستطرد بتوقع لما حدث:
-صلاح ورجـ.ـالته إختاروا الولد بذكاء شـ.ـديد،علشان لو الطلقات أصابت أيمن ومـ.ـا.ت وأصابع الإتهام اتجهت ناحيته ساعتها يخلي الولد يسلم نفسه زي ما حصل، بس ساعتها كان هيقول إن كريم هو اللي كان مقصود والطلقة جت في أيمن بالغلط
واسترسل وهو يكز على أسنانه:
-تخطيط شيطاني
عندك حق يا فؤاد...نطقها الرئيس باستسلام قبل أن ينطلق فؤاد عائدًا لمكتبه لمزاولة عمله.
******
مرت أربعة أيام منذ ذهاب أبيها وعودته للبلدة واليوم هو موعد الحفل التي قامت بالإشراف عليه لإخراجه بشكلٍ لائق كي يتناسب مع ضخامة الحدث حيث سيعلن بداخله المصالحة وأيضاً الإفصاح عن تفاصيل تدشين مشروعًا ضخمًا مرتبط بالشركتين ليكون بداية جديدة، ارتدت ثوبًا باللون الأزرق جعلها تبدوا كالأميرات،وقامت بوضع حجابًا من اللون الأبيض مما أعطاها إنارة لوجهها وقامت بوضع بعض الرتوش من الزينة مما أعطاها مظهرًا ساحرًا و.جـ.ـعل جمالها خاطفًا للانفاس، نظرت برضا على حالها وبكل قوة وكبرياء تحركت لتستقل سيارتها بطريقها إلى الحفل.
ترى ما الذي سيحدث داخل الحفل؟
إنتهى الفصل
↚
للخيانة مذاقٌ مُر كطعم الحنظل،والأكثر إيلامًا هي الصفعة القوية التي تلقيناها من هؤلاء الذين ارتضوا بكـ.ـسرتنا وعصفوا بخيانتهم كل جميلًا بداخلنا ليتركونا بقايا أرواحًا محطمة محترقة الكيان،فهل لقلوبٍ تجرعت كؤوس الألم ومرارة طعم الخيانة بأن تتغاضى وتقذف بماضيها الأليم خلف ظهورها، لتمضى ومن جديد تستعيد ثقتها بحالها والأخرين ، وتصنعُ مستقبلًا تشرق به شمسها مجددًا، أم أن غدر حبيب الماضي وذبحه للوفاء وعهود الهوى سيقفان حائلاً بين ظلام الماضي وشروق المستقبل.
بقلمي «روز أمين»
وضع لمساته الأخيرة لينظر على حاله بابتسامة جذابة وهو يرى طلتهُ الساحرة بانعكاس المرأة لينطلق للخارج متجهًا للأسفل عبر الدرج وما أن رأى والده يقف بجوار زوجته وفريال وزوجها ماجد حتى أطلق صافرة إعجاب عنـ.ـد.ما وجد والده بملابسه المهنـ.ـد.مة ومظهرهِ اللافت ليقول بإعجاب:
-يظهر إن سيادة المستشار بيستعيد عصره الذهبي وناوي يخفي حضوري ويغطي عليا في الحفلة.
وافقه الرأي ماجد الذي تحدث بإطراء مادحًا والد زوجته:
-عندك حق يا فؤاد،اللي يشوف شياكة سيادة المستشار ولياقته البدنية بالكتير يدي له خمسة وتلاتين سنة
ابتسم علام ليتحدث بملاطفة لنجله وزوج إبنتهْ:
-يا حبيبي أنا لو اهتمـ.ـيـ.ـت بنفسي ربع إهتمامكم مش هتتشافوا جنبي أساسًا
تعالت ضحكات الجميع لتتحدث عصمت بافتخار وهي تضع كفها فوق قلب فارسها النبيل:
-أمال لو شفتوا سيادة المستشار في شبابه كان عامل إزاي،دي بنات الجامعة كلها كانت بتقف على رجل أول ما يدخل من الباب الرئيسي
تطلعت لعينيه بهيامٍ متبادل لتسترسل:
-طلته في المكان كانت زي طلة نجوم السيما بالظبط
شملها بنظرة حنون بعدmا حاوط كفها الموضوع على قلبه بخاصته ليصدح صوت فريال المنتشي جراء ما تراه من عشقٍ متبادل بين والداها وهي تقول بملاطفة:
:ومن بين كل بنات الجامعة عيون الشاب الحليوة وقعت على البنوتة القمر اللي كانت لسة مستجدة في الفرقة الأولى، واختارها علشان تكون حبيبته وخطيبته.
ضحكت عصمت لتتحدث بحماس وكأنها عادت إبنة التاسعة عشر:
-مش عاوزة اقول لك يوم ما قرر يكلمني علشان يتعرف عليا إيه اللي حصل،كنت وقتها قاعدة في مكتبة الجامعة مع بنتين صحباتي وده وقف قدامي وبكل جرأة قال لي قدامهم، "بصراحة كده إنتِ عجباني وعيني عليكِ من أول يوم دخلتي فيه الجامعة، ولاحظت إنضباطك واحترامك لنفسك وعلشان كده قررت اخطبك"
-أوباااااا،مش شايف إنك كنت مستعجل شوية يا باشا،خطوبة كده مرة واحدة، طب ادي للبنت فرصة تتعرف فيها عليك...كلمـ.ـا.ت مازح بها فؤاد والده الذي رد بابتسامة:
-مكنش فيه وقت، أنا كان فاضل لي شهرين واتخرج واسيب الجامعة،وهي كانت لسة في الفرقة الأولى وخوفت تتخـ.ـطـ.ـف مني
ضحك الجميع ليتنهد علام قائلاً بحنين:
-كانت أحلى أيام
قاطع حنينه للذكريات صوت فؤاد حيث قال:
-طب يلاَ جنابك علشان مانتأخرش على الناس اللي مستنيينا، حاكم أنا عارف سيادتك والدكتورة لما بتفتحوا باب الذكريات، ممكن تقعدوا يوم بحاله تسترجعوا جمال الماضي
عدل علام من وضع حِلة بدلته واخذ وضع الإستعداد بجانب نجله لتباغتهم عصمت بحديثها:
-خلي بالك من بابا ليتخـ.ـطـ.ـف من البنات يا فؤاد
رفع حاجبه الأيسر متعجبًا ليقول بمشاكسة:
-ولما أنتِ خايفة عليه قوي كده محضرتيش الحفلة ليه واهو بالمرة تراقبيه بنفسك لـ عينه تزوغ هنا ولا هنا
-ولد...نطقها علام بتنبيه مصطنع ليضحكا ماجد وفريال التي اقتربت من احضان زوجها ليحتويها بذراعه لتقول عصمت بجدية:
-مبحبش أروح مكان معرفش الناس اللي فيه يا فؤاد
-دي مجاملات إجتماعية لابد منها يا دكتورة...قالها فؤاد ليسترسل بإبانة:
-الراجـ.ـل عامل الحفلة مخصوص على شرفي، وكلم الباشا بنفسه وعزمه هو وحضرتك وفريال وماجد
رفع ماجد كفه ليتحدث بملاطفة:
-خليني انا بعيد عن مجاملات شغلكم دي يا سيادة المستشار، أنا أستاذ جامعي وبقوم بدري علشان ألحق الطلبة بتوعي،ماليش أنا في جو الحفلات والسهر والكلام ده كله
لتُكمل فريال على حديث زوجها:
-وانا ست بيتوتية من الدرجة الأولى، وبحب أكون في المكان اللي جوزي فيه.
لوح فؤاد بكفه متحدثًا بمداعبة:
-خلاص، خلصتوا مبرراتكم اللي ملهاش أي معنى غير إنكم شوية ناس كسلانين تمـ.ـو.توا في الأنتخة
إمشي يا فؤاد...نطقتها عصمت وهي تدفع نجلها صوب الباب ليتحرك مبتسمًا بجانب والده حيث أصر أيمن على حضوره الحفل كي يتشرف به أمام الحضور
********
وصلت إيثار لحديقة منزل أيمن شاسعة المساحة والتي قامت بالترتيب مع إحدى الشركات الكبرى المسؤلة عن تنظيم الحفلات وتابعت معهم لخروجها بشكلٍ لائق،وقد ذهبت لمنزلها لتجهيز حالها بعدmا تأكدت من جاهزية المكان لاستقباله للمدعوين، وجدت أيمن يقف بجوار أحمد فاقتربت منهما ليتحدث أيمن بنبرة لائمة:
-إتأخرتي ليه يا إيثار، الناس على وصول
-ما اتأخرتش ولا حاجة يا باشمهندس...نطقتها بهدوء لتستطرد بعينين متعجبة:
-هو حضرتك قلقان كده ليه؟
هتف بنبرة حادة تنم عن مدى تـ.ـو.تره:
-هو أنتوا إيه حكايتكم النهاردة،مفيش على لسانكم غير قلقان ليه، إهدى
ليستطرد بنبرة أعلى:
-شايفيني بقطع في شعري؟!
قطبت جبينها لتحول بصرها إلى أحمد الذي طالبها بعيناه بالصمت لتتنفس باستسلام وتنتبه على صوت أيمن البائس وهو يقول:
-إطلعي لـ لارا وحاولي تقنعيها تنزل الحفلة، هي بتحبك وبتقتنع بكلامك.
تمعنت بالنظر لملامحه الحزينة لتُدرج سبب سوء حالته المزاجية ليسترسل هو بملامحه المهمومة:
-عندها حالة رُهاب من ساعة ما عرفت إن أهل الولد جايين الحفلة
تفهمت موقفه وتحدثت بطمأنينة:
-متقلقش،أنا هطلع لها وشوية وهننزل قبل الناس ما تيجي
اومأ لها فتحركت سريعًا إلى الأعلى ودقت الباب بهدوء لتستمع لصوت "نيللي"وهي تسمح للطارق بالدخول لتلج وتقول بابتسامتها البشوشة بعدmا رأت لارا وهي تتوسط الفراش بجلوسها تحاوطاها والدتها وسالي:
-ممكن ادخل؟
هتفت"نيللي" مستنجدة بتلك المقربة لنجلتها:
-تعالي يا إيثار شوفي لارا
اقتربت لتتحدث لكلتاهما:
-معلش يا مدام نيللي، ممكن تسبوني شوية مع "لارا" لوحدنا
وقفت سالي لتتحدث بنبرة استسلامية:
-اتفضلي إقنعي الأستاذة، وانا هروح أكمل الميكب بتاعي، الميك اب ارتيست مستنياني بقالها ساعة
تحدثت إيثار بثقة:
-ياريت يا مدام سالي تبعتيها بعد ما تخلص معاكِ علشان تجهز لارا
تطلعت عليها بـ.ـارتياب لتهز رأسها وهي تقول بنبرة مرتجفة:
-متحاوليش يا إيثار، أنا مش هتحرك من سريري لو إيه حصل
زفرت نيللي باستسلام لتطالعها إيثار بذات مغزى فهمته الأخرى لتنسحب للخارج وتغلق خلفها الباب لتهتف الأخرى برهاب ظهر بَين فوق ملامحها:
-مش هقدر أشوف أهله يا إيثار، مش هقدر
واستطردت بعدmا تمسكت بكفي الأخرى بتشبث:
-صورة بسام وهو غرقان في د مه مبتفارقش خيالي،كل ليلة بحلم بيه وبشوف اللوم في عيونه،أنا السبب،لو مكنتش استفزيته برفضي المبالغ فيه اللي جننه وخلاه ييجي لحد هنا، كان زمانه عايش
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بتعقل:
-ممكن تهدي علشان نعرف نتكلم بالعقل
هزت رأسها وهي تبتلع لعابها برعـ.ـبٍ لتسترسل الاخرى بيقين وإيمان:
-أولاً كده لازم تشيلي من دmاغك فكرة إن إنتِ السبب في مـ.ـو.ت بسام لأن ده نوع من عدm الإيمان بالقدر، بسام ربنا كاتب له الثانية اللي هيمـ.ـو.ت فيها وإمتي وفين وإزاي، كون إنك رفضتي قربه منك وهنتيه قدام زمايلكم ده ما يعنيش إنك السبب في مـ.ـو.ته
لتستطرد بثقة:
-إنتِ كنتي مجرد سبب علشان يوصل للمكان والساعة اللي هيلفظ فيها روحه.
-تفتكري تفرق؟...نطقتها بدmـ.ـو.عها لتجيبها بثقة:
-طبعًا تفرق،يا حبيبتي ربنا محدد له ميعاد ومكان طلوع روحه، وإنتِ ملكيش أي ذنب
لتستطرد بنبرة حادة:
-وبعدين تعالي لي هنا، بسام مين اللي موقفة حياتك وحابسة نفسك في البيت من ساعة اللي حصل علشانه، ده كان واحد مستهتر عديم الاخلاق والتربية،فيه واحد سوى وعنده ذرة خوف من ربنا يتهجم على واحدة في بيتها وينتهك حرمة البيوت علشان يوصل لغرضه الدنيء،
واستطردت بنبرة ساخطة:
-ده يستاهل يمـ.ـو.ت بدل المرة مية مرة
-قومي بطلي هبل وإلبسي بسرعة وأنا هروح أنده لك الميك اب ارتيست علشان تيجي تجهزك...نطقتها بتحفيز لتسألها الاخرى بصوتٍ أقل ارتيابًا من السابق:
-طب هقابل أهله إزاي؟
هتفت بسرعة بديهة:
-أهله اللي إنتِ شايلة هم مقابلتهم دول أول ناس عارفين إن إبنهم كان زبـ.ـا.لة وراح للنهاية اللي يستحقها واحد مستهتر زيه، وعلشان كده أبوه وافق على الصُلح اول ما وكيل النيابة اللي ماسك القضية عرض عليه
واستطردت لطمأنتها:
-وبعدين مش مطلوب منك تقابليهم، هما جايين علشان موضوع عقد الشراكة، يعني إنتِ ملكيس اي دخل
تطلعت لعينيها وجدت حديثها قد لاقى قبولاً لديها فاسترسلت بعجالة مستغلة الموقف قبل تراجعها من جديد:
-إنتِ لسة قاعدة،قومي ألبسي،بباكِ هيتجنن علشانك تحت،ولو ملاقكيش قدامه حالاً ممكن لاقدر الله الضغط يعلى عليه وتجي له الازمة بتاعت كل مرة
ما ان استمعت لكلمـ.ـا.تها عن ابيها العزيز حتى انتفضت خوفًا عليه وبغضون الخمس دقائق كانت قد ارتدت ثوبها بمساعدة إيثار الي خرجت تستدعي لها الأخصائية التجميلية،وبعد حوالي النصف ساعة كانت تجاور إيثار من الخروج بباب المنزل ليبتسم أيمن الذي احتضنها فرحًا ونظر لإيثار شاكرًا إياها بعيناه،بدأ توافد المدعوين واشتغلت الموسيقى الهادئة التي تعبر عن رُقي الحفل،فقد خرج حقًا مذهلاً بكل ما فيه وساعدت مساحة الحديقة الشاسعة وحمام السباحة المتواجد بالمنتصف على ظهوره بصورة رائعة،كانت تتحرك برشاقة لتتابع التنظيم والإشراف على مائدة الطعام التي ستقدm للحضور،وصل صلاح عبدالعزيز ونجله وزوجته لتنكمش الفتاة على حالها عنـ.ـد.ما تعرفت على شخصياتهم فجاورتها إيثار وبدأت بالهمس بجانب أذنها بكلمـ.ـا.تٍ هدأت من روعها،تحدث أيمن بترحابٍ عالي وهو يصافح صلاح:
-أهلاً وسهلاً يا صلاح باشا،نورت الحفلة والبيت
قابل الاخر ترحابه بقبولٍ حار ليقول بنبرة رزينة:
-البيت منور بأصحابه يا أيمن باشا
-منورة يا هانم...جملة ترحيبية نطقتها "نيللي"إلى زوجة صلاح التي نطقت باقتضاب وملامح جـ.ـا.مدة دلت عن عدm تقبلها لما يحدث:
-متشكرة.
شعرت الاخرى بالحرج فأمسك أيمن يدها للمؤازرة ثم تحرك هو ونجله أحمد ليصطحبوهم إلى الطاولة الخاصة المعدة لهم وانصرفوا لاستقبال الوافدين فقال صلاح لزوجته نادية والدة القتيل:
-إفردي وشك شوية يا نادية وبلاش إسلوبك المعادي ده،أحرجتي الست
2
احتدت عينيها لتصيح بنبرة غاضبة:
-وعاوزني اعامل الناس اللي قـ.ـتـ.ـلوا إبني وحرموني منه إزاي يا صلاح؟!
-إهدي يا ماما أرجوكِ...قالها هيثم لتهتف بحدة:
-محدش يلومني على أي حاجة تحصل مني النهاردة، كفاية إنكم جيبتوني هنا غـ.ـصـ.ـب عني، مش هتجبروني كمان أتكلم واجامل غـ.ـصـ.ـب عني
-بيتهيء لي إنك أخر واحدة ممكن تلومي حد على اللي حصل لـ بسام...نطقها بلومٍ ليسترسل محملاً إياها مسؤلية ما حدث:
-إنتِ اللي وصلتيه بنفسك لنهايته،ياما قولت لك بلاش الفلوس الكتير اللي بتديها له من ورايا لأنها هتفسده،وإنتِ ولا أنتِ هنا، ده غير مصايبه اللي كنتي بتداري عليه فيها وتحاولي تحليها بعيد عني علشان ما اعرفش،للاسف يا نادية، إحنا الإتنين السبب إنتِ باستهتارك وتدليلك الزايد،وأنا بإهمالي وعدm متابعتي ليه.
رمقت زوجها بشراراتٍ من الغضب لتهتف لائمة:
-برافوا عليك يا صلاح، هو ده فعلاً المكان المناسب لكلامك ده
هم بالحديث ليقاطعه نجله قائلاً بتعقل:
-خلاص لو سمحتم،لا ده وقته ولا مكانه
أما نيللي التي انضمت لصغيرتها وزوجة نجلها التي سألتها باهتمام بعدmا لاحظت تغير ملامحها:
-مالك يا طنط، فيه حاجة حصلت ضايقتك؟!
همست بجانب أذنها كي لا يصل حديثها إلى "لارا"وتنتكس حالتها من جديد لتقول بحنق:
-الست السخيفة مرات صلاح عبدالعزيز عاملتني بمنتهى قلة الذوق،بني أدmة جلياطة
أجابتها باقتضاب لتخرجها من تلك الحالة:
-سيبك منها، متخليهاش تقفل لك اليوم
وصل فؤاد ووالده علام زين الدين لتلتفت جميع الانظار إليهما وذلك لشهرة" علام"كوجهٍ معلوم لدى الجميع لظهوره إعلاميًا كـ عضوٍ بـ.ـارز ونائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا،كانا يدخلان بقامـ.ـا.تٍ مرتفعة ليستقبلهما أيمن وزوجته ونجلهما ليتهافت عليهما الكثير من رجـ.ـال الاعمال والمشاهير لنيل شرف المصافحة لذاك القامة القانونية،تحدث أيمن إلى علام:
-شرفتنا يا سعادة الباشا
-متشكر يا أيمن بيه
كانت تتابع دخوله المهيب بجانب رجل القانون الشهير "علام زين الدين" والأن فقط ربطت بين إسميهما، ابتلعت لعابها من جاذبيته العالية وشردت بمظهره فحقًا له سحرًا خاص به لحاله لتخرجها من شرودها سالي التي سألتها وهي تنظر عليه بعيونٍ منبهرة:
-هو ده وكيل النيابة اللي إقترح المصالحة يا إيثار؟
هزت رأسها لتتحدث بصوتٍ خافت راجع لتأثرها:
-أه هو،فؤاد علام...نطقت صوته بهيامٍ
-إسمه حلو قوي ولايق عليه،إسم ملوكي...نطقتها سالي لتسترسل بملاطفة وهي تنظر إلى لارا التي تجاورها الجلوس وبجانبها صديقتها المقربة "ملك":
-إيه رأيك يا لارا،عريس مناسب جدًا ويليق بإسم أيمن الأباصيري
نطقتها بتفاخر لينتفض قلب إيثار بشـ.ـدة وبدون وعي تلتفت سريعًا إليها ثم لـ لارا التي هتفت بغيظٍ:
-إنتِ واحدة رايقة يا سالي
-يا بنتي اسمعي مني،دي فرصة هايلة، ولا أنتِ إيه رأيك يا إيثار؟!
ابتلعت لعابها لترد بصوتٍ مرتبك:
-رأيي في إيه؟
-في فؤاد علام... قالتها بغمزة من عينيها لتتحدث لارا باقتضاب:
-بطلي سخافة يا سالي، وبعدين ده باين عليه معدي الثلاثين سنة وأكيد متجوز ومش بعيد يكون عنده أولاد كمان
لتقطع حديثها سالي وهي تقول بفطانة:
-مفيش في إيديه الإتنين دبلة،يعني لا متجوز ولا حتى خاطب
-فظيعة إنتِ في التفاصيل يا سالي ... قالتها ملك بمداعبة لترد الاخرى بتفاخر مصطنع:
-التفاصيل دي لعبتي
تطلعت بتمعن لهيأة أبيه،يبدوا من مظهره الهيبة والوقار لتبتسم ساخرةً من حالها وسذاجتها عنـ.ـد.ما اعتقدت أن ذاك العالي ساكن قصور مجد عائلته سيتنازل وينظر لها ليتخذ منها زوجةً له وينتشلها من مستنقع أحزانها ورُعبها الملازم لها طيلة الوقت، تنهدت بأسى لتتحرك منسحبة لمتابعة تجهيزات الحفل، أما فؤاد فبعد أن استقر بجلوسه بجانب والده وأيمن ونجله بات يدور بعينيه باحثًا عن تلك المشاكسة ولكن بحرصٍ لا يفقده هيبته،ركز على اللون النبيذي أثناء تفقده فقد راهن حاله بأنها سترتدي ثوبًا من ذاك اللون بعدmا أخبرها عن إعجابه به وبأنهُ يليق بها،وبلحظة تعالت دقات قلبه واتسعت عينيه من شـ.ـدة ذهولهِ بجمالها المُبهر والخاطف للانفاس، حيث عثر عليها لكنه تعجب إختيارها للون الأزرق ليبتسم طلقائيًا بعدmا تيقن أن تلك الشرسة قد عادت لقواعدها مرةً أخرى وعليه بدء المحاولة من جديد
تابعتها عينيه وهي تتحرك بين الحضور بخفة كـ فراشةٍ تتنقل بين الزهور وتتراقصُ بأجنحتها الملونة،تقابلت الأعين ليبتسم لتسحب هي بصرها سريعًا قبل أن يحييها بعينيه مما جعله يتعجب لأمرها،وقف أيمن ليستدعي صلاح إلى الطاولة المُعدة لإبرام الصفقة والتوقيع عليها مستدعيًا أيضاً فؤاد ليشهد على إتمام أخر بند من المصالحة ثم أشار إلى إيثار لتحضر بجانبه كـ مديرة لمكتبه وهذا من صميم عملها، وقف أيمن وألقى بكلمة أعلن من خلالها إتمام المصالحة وإبرام صفقة لتوطيد العلاقة ليصفق الجميع ويجلس أيمن من جديد تجاوره الوقوف إيثار الممسكة بملف الصفقة لتفتحه وتضعه أمام أيمن للتوقيع على نسختي العقد لتنتقل بخفة صوب صلاح تحت إستشاطة فؤاد من تجاهلها التام له،وضع صلاح إمضاءه على النسختين لتخرج نسخة منهما وتسلمها لسكرتيرة صلاح وتحتفظ هي بالملف فيصدح صوت التصفيق من الجميع، أخذت الملف وولجت لداخل المنزل واتجهت صوب المكتب الخاص بـ أيمن لتحتفظ بالعقد بالدرج الخاص والذي سلمها أيمن المفتاح الخاص به وأغلقت الباب لتوصده من جديد وكادت أن تتحرك للخارج فقطع طريقها رجل أعمال يُدعى "عابد السعداوي" ليتحدث بتطفل:
-إزيك يا إيثار
-أهلاً وسهلاً...نطقتها باقتضاب وكادت أن تمضي بطريقها ليقف أمامها كي يعوق خروجها وهتف مذكرًا إياها بنفسه:
-شكلك مش فكراني، أنا عابد السعداوي،كان عندي ميعاد مع أيمن ببه من حوالي شهر وإتقابلنا هناك
فاكراك طبعاً... قالتها بجمود
-طب ولما أنتِ فكراني مش ترحبي بيا الترحيب اللي يليق بيا وبمركزي...نطقها بمداعبة لاقت الرفض من جهتها حيث قطبت جبينها ليسترسل هو بوقاحة:
-عاوز اقول لك إن من ساعة ما شوفتك في مكتب أيمن وإنتِ دخلتي دmاغي وعششتي فيه، وكنت متأكد إن تحت البدلة الرجـ.ـالي اللي لابساها جـ.ـسم ست صاروخ، وأهو قدامي في الفستان اهو
-إحترم نفسك واحترم المكان اللي إنتَ فيه، المفروض إنك شخصية عامة فلازم تخاف على سمعتك وشكلك أكثر من كده... نطقتها لعينين تطلق سهامًا نارية لتسترسل بسخطٍ وهي ترمقه باشمئزاز:
-وأنا هعتبر نفسي مسمعتش حاجة من الهرتلة اللي قولتها علشان صورتك مـ.ـا.تتهزش قدام الباشمهندس أيمن
ألقت بقذائفها في وجهه لتبتعد عائدة للخارج من جديد بقلبٍ يغلي وجسدٍ يستشيط غضبًا من ذاك المتـ.ـحـ.ـر.ش الحقير، كم تمنت أن تصفعه بقوة لكنها تخشى إفساد الحفل وهذا ما جعلها تبتلع إهانتها وتنسحب في صمت،تحركت باتجاه البوفية وهي تنفض تلك الأفكار وتزيحها بعيدًا عن مخيلتها لتتنفس بعمق لاستعادة ضبط النفس،اقبلت على المسؤل عن جاهزية الطعام لتسألهُ باهتمام:
-أخبـ.ـار البوفية إيه يا شيف؟
-كله تمام يا أستاذة،أنا جاهز في أي وقت
مالت برأسها وهي تقول برضا:
-كويس قوي
قطع حديثها صوت ذاك الواقف خلفها والذي مال بطوله ليصل بالقرب من أذنها مما جعل جسدها ينتفضُ برعشة لذيذة لتشعر بفراشات تداعب أسفل معدتها:
-هي الأستاذة زعلانة مني في حاجة؟
أغمضت عينيها وأخذت نفسًا عميقًا تستعيد به توازنها لتلتفت إليه وتسألهُ بملامح وجه مبهمة تعجب لها:
-أهلاً يا سيادة المستشار
قضب جبينه لتغير لهجتها ورسم الجمود على ملامحها، لم يكن هذا حالها منذ أخر لقاء جمعهما،فأراد ممازحتها كي تنـ.ـد.مج معه بالحديث عله يستطيع جذبها لديه مرةً أخرى:
-أهلاً بعد إيه بقى، ده أنتِ متجاهلة وجودي ولا كأني في الحفلة أصلاً
رفع حاجبه ليسترسل بمداعبة:
-عمالة أقول الوقت تيجي ترحب بيك زي ما هي بترحب بباقي الضيوف بس للأسف، محصلش
واستطرد رافعًا كتفاه للأعلى مدعيًا الاسف:
-ولما ملقتش فايدة من إنتظاري قولت أجي أسلم أنا
رغم حلاوة حديثه المنمق وعـ.ـذ.به إلا انها حاربت شعور الإنجذاب إليه والذي بات يورق روحها، فحقًا لحديثه ونظرة عينيه سحرًا يجذبها بل ويُجبرها على إنجراف مشاعرها والغوص ببحر عينيه والارتواء من شهد كلمـ.ـا.ته المعسولة رغم اتباعه لقواعد الأدب، تحمحمت لتجيبه بنبرة جادة تتخفى خلف جمودها:
-بس حضرتك مش ضيف علشان أرحب بيك يا سيادة المستشار
الحفلة كلها معمولة على شرف جنابك، يعني حضرتك صاحب المكان وكلنا ضيوفك...نطقت كلمـ.ـا.تها بجدية ليبتسم لها مجيبًا على حديثها:
-إجابة دبلوماسية وذكية تليق بمديرة مكتب لأحد أهم وأكبر رجـ.ـال الأعمال في مصر
قالت بجسدٍ مشـ.ـدود للأعلى وكأنها تحارب جميع حواسها وتقف لها بالمرصاد:
-مجاملة لطيفة من سعادتك
قطب جبينه متعجبًا ليسألها:
-هو أنا زعلتك في حاجة؟!
نزلت كلمـ.ـا.ته المصاحبة لنظرة صادقة لائمة على قلبها جعلته ينتفض بثورة ليسترسل هو بإبانة:
-كلامك معايا رسمي قوي ليه كده، على ما أتذكر إننا أخدنا هدنة من لعبة القط والفار اللي كانت بينا من وقت ما إتقابلنا
تهـ.ـر.بت ببصرها في محاولة بائسة منها للنجاة من شعاع عينيه القوي والذي يطاردها حتى بغيابه، لا، لن تعطي له الفرصة بإذلالها وسحق كرامتها تحت مسمى ما يطـ.ـلق عليه بالعشق، ذاك المسمى اللعين التي باتت تبغضه وتتهرب منه كالهارب من وحشٍ كاسر يطارده لينهي على حياته،تحمحمت كي يخرج صوتها ثابتًا غير مهزوز لتقول له بثقة زائفة اصطنعتها بإعجوبة:
-شكل الأمر إخطلت على حضرتك وفهمت شخصيتي غلط
واستطردت بذات مغزى ومقصد:
-أنا لا عمري كنت بتاعت ألعاب ولا هكون،واللي حصل بينا من مشادات كانت نتيجة طبيعية لمواقف معينة حصلت لو سيادتك فاكر
وضع كفه ليحك به ذقنه النابتة بطريقة مثيرة ونظر لها مضيق العينين وهو يقول بتسلي بعدmا تيقن بفطانته أنها تجاهد حالها لتخرج تلك الكلمـ.ـا.ت اللعينة:
-وبعدين، كملي
قطبت جبينها باستغراب لتقول بنبرة خرجت حادة:
-أكمل إيه؟
-مبرراتك...نطقها بذات مغزى وصلها معناه لتهتف بحدة اكبر تنم عن إنزعاجها وتـ.ـو.ترها لمحاصرته لها:
-أنا مبقولش مبررات ومش مجبرة أصلاً
أصلاً...نطقها بفكاهة لتلطيف الاجواء لتسأله بنبرة إنهزامية بعدmا فقدت قدرتها على المجابهة:
-إنتَ عاوز مني إيه؟!
هم بالرد ليقطع حديثه أحمد الذي إقترب عليهما ليقول لإيثار بعدmا أمال برأسهِ كـ تحية لذاك الواقف:
-البوفية جاهز يا إيثار؟
-جاهز من بدري يا دكتور... ليجيبها متعجلاً:
-طب اكدي عليهم لأخر مرة علشان الباشا هيعلن عنه
اومأت له لتنظر للواقف يلعن بسريرته ذاك الـ أحمد الذي قطع وصليهما وهي تميل برأسها باحترام بادلها إياها لتنسحب مبتعدة للتأكد من الشيف قبل الذهاب لرئيسها بالعمل الذي وقف بمنتصف الحفل وهو يعلن عن فتح مائدة الطعام الخاصة بالإحتفال ليقف الجميع يتجهون صوب المائدة بتناسق لأخذ صحونهم واختيار الطعام المحبب لديهم من بين الاصناف المتعددة ليسكبه لهم القائمون على هذا،جهز أيمن وزوجته وجباتٍ أشرفوا عليها بأنفسهما ليتقدmا العاملون ويضعونها أمام فؤاد وعلام لتتحدث نيللي بملاطفة:
-كان نفسي أشوف الهوانم وأتعرف عليهم
ليجيبها علام باحترام:
-مرة تانية إن شاءالله يا هانم
-إن شاءالله...قالتها وتحركت لتتركهما يتناولا الطعام في خصوصية وهدوء،كانت عينيه عليها أينما تحركت،انتشيء داخلهُ عنـ.ـد.ما وجدها تقف بصحبة لارا وهي تضحك بانطـ.ـلا.ق وبرغم هذا استشف حـ.ـز.ن عينيها العميق والذي لم يجد له تفسيرًا
********
بنفس التوقيت
ولجت منيرة الحجرة الخاصة بها وزوجها لتيقظه من غفوته الغريبة تلك وهي تقول:
-أبو عزيز،إصحى يا اخويا
فتح عينيه ينظر لها لتسترسل متعجبة:
-أول مرة تنام قبل ما تصلي العشا ورا الشيخ في الجامع!
-هي اذنت؟
أجابته:
-من بدري،دول صلوها ليهم ييجي أكتر من ساعتين، قوم صلي علشان تاكل لك لقمة تسند بيها طولك
تنفس بإرهاق ظهر عليه لتسألهُ باهتمام:
-مالك يا غانم، وشك أصفر ومش عاجبني ليك كام يوم
رد باحباط:
-جـ.ـسمي حاطط وتقيل بقالي كام يوم، شكلي عجزت خلاص
ابتسمت لتسأله بتغيير مجرى الحديث:
-مش هتريحني وتقولي عملت إيه مع بنتك في موضوع عمرو؟
سحب جسده للأعلى ليهتف بنبرة حادة:
-معملتش حاجة ومش هعمل يا منيرة، إرتاحي بقى وشيلي بنتك من دmاغك، علشان لو انطبقت الس